المحلى بالآثار

ابن حزم

خطبة المؤلف وموضوع الكتاب

[خِطْبَة المؤلف وَمَوْضُوع الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْحِبَنَا الْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ خَطَإٍ وَزَلَلٍ، وَيُوَفِّقَنَا لِلصَّوَابِ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ. آمِينَ آمِينَ. (أَمَّا بَعْدُ) وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ، فَإِنَّكُمْ رَغِبْتُمْ أَنْ نَعْمَلَ لِلْمَسَائِلِ الْمُخْتَصَرَةِ الَّتِي جَمَعْنَاهَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْمُحَلَّى " شَرْحًا مُخْتَصَرًا أَيْضًا، نَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى قَوَاعِدِ الْبَرَاهِينِ بِغَيْرِ إكْثَارٍ، لِيَكُونَ مَأْخَذُهُ سَهْلًا عَلَى الطَّالِبِ وَالْمُبْتَدِئِ، وَدَرَجًا لَهُ إلَى التَّبَحُّرِ فِي الْحِجَاجِ وَمَعْرِفَةِ الِاخْتِلَافِ وَتَصْحِيحِ الدَّلَائِلِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِمَّا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ وَالْإِشْرَافِ عَلَى أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْوُقُوفِ عَلَى جَمْهَرَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمْيِيزِهَا مِمَّا لَمْ يَصِحَّ، وَالْوُقُوفِ عَلَى الثِّقَاتِ مِنْ رُوَاةِ الْأَخْبَارِ وَتَمْيِيزِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى فَسَادِ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضِهِ وَتَنَاقُضِ الْقَائِلِينَ بِهِ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلِ ذَلِكَ، وَاسْتَعَنْته تَعَالَى عَلَى الْهِدَايَةِ إلَى نَصْرِ الْحَقِّ، وَسَأَلْته التَّأْيِيدَ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَتَقْرِيبِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَفِيهِ مَحْضًا آمِينَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَلْيَعْلَمْ مَنْ قَرَأَ كِتَابَنَا هَذَا أَنَّنَا لَمْ نَحْتَجَّ إلَّا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ مُسْنَدٍ وَلَا خَالَفْنَا إلَّا خَبَرًا ضَعِيفًا فَبَيَّنَّا ضَعْفَهُ، أَوْ مَنْسُوخًا فَأَوْضَحْنَا نَسْخَهُ. وَمَا تَوْفِيقُنَا إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى.

كتاب التوحيد

[كِتَابُ التَّوْحِيدِ] [مَسْأَلَة بَيَان أَوَّل مَا يَلْزَم كُلّ أَحَد وَلَا يَصِحّ الْإِسْلَام إلَّا بِهِ] ِ 1 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَوَّلُ مَا يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ وَلَا يَصِحُّ الْإِسْلَامُ إلَّا بِهِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَرْءُ بِقَلْبِهِ عِلْمَ يَقِينٍ وَإِخْلَاصٍ لَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ الشَّكِّ فِيهِ أَثَرٌ وَيَنْطِقَ بِلِسَانِهِ وَلَا بُدَّ بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا رَوْحٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» . وَقَدْ رَوَى مَعْنَى هَذَا مُسْنَدًا مُعَاذٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا وُجُوبُ عَقْدِ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] . وَالْإِخْلَاصُ فِعْلُ النَّفْسِ. وَأَمَّا وُجُوبُ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ الْمُخْرِجَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ ضَرُورَةً. 2 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَالَمَ بِكُلِّ مَا فِيهِ ذُو زَمَانٍ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْهُ قَطُّ، وَلَا يُتَوَهَّمُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُوَ الْعَالَمُ عَنْ زَمَانٍ. وَمَعْنَى الزَّمَانِ هُوَ مُدَّةُ

مسألة في بيان أن الله تعالى واحد لم يزل ولا يزال

بَقَاءِ الْجِسْمِ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا وَمُدَّةُ وُجُودِ الْعَرَضِ فِي الْجِسْمِ، وَإِذْ الزَّمَانُ مُدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عَدَدٌ مَعْدُودٌ، وَيَزِيدُ بِمُرُورِهِ وَدَوَامِهِ، وَالزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي ذِي مَبْدَأٍ وَنِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى مَا زَادَ فِيهِ. وَالْعَدَدُ أَيْضًا ذُو مَبْدَأٍ وَلَا بُدَّ، وَالزَّمَانُ مُرَكَّبٌ بِلَا شَكٍّ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ فَهُوَ بِيَقِينٍ ذُو نِهَايَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَمُنْتَهَاهُ وَالْكُلُّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَجْزَائِهِ، وَأَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا ذَاتُ مَبْدَأٍ، فَهُوَ كُلُّهُ ذُو مَبْدَأٍ ضَرُورَةً، فَلَمَّا كَانَ الزَّمَانُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَبْدَأٍ ضَرُورَةً، وَكَانَ الْعَالَمُ كُلُّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ زَمَانٍ وَالزَّمَانُ ذُو مَبْدَأٍ، فَمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذَا الْمَبْدَأِ فَهُوَ ذُو مَبْدَأٍ وَلَا بُدَّ، فَالْعَالَمُ كُلُّهُ جَوْهَرُهُ وَعَرَضُهُ ذُو مَبْدَأٍ وَإِذْ هُوَ ذُو مَبْدَأٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ، وَالْمُحْدَثُ يَقْتَضِي مُحْدِثًا ضَرُورَةً إذْ لَا يُتَوَهَّمُ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ مُحْدَثٌ إلَّا وَلَهُ مُحْدِثٌ، فَالْعَالَمُ كُلُّهُ مَخْلُوقٌ وَلَهُ خَالِقٌ لَمْ يَزَلْ، وَهُوَ مَلِكُ كُلِّ مَا خَلَقَ، فَهُوَ إلَهُ كُلِّ مَا خَلَقَ وَمُخْتَرِعُهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. [مَسْأَلَة فِي بَيَان أَنْ اللَّه تَعَالَى وَاحِد لَمْ يزل وَلَا يزال] 3 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هُوَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ مَخْلُوقٌ وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَجَبَ أَنْ لَوْ كَانَ الْخَالِقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَرَهُمَا الْعَدَدُ، وَكُلُّ مَعْدُودٍ فَذُو نِهَايَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ ذِي نِهَايَةٍ فَمُحْدَثٌ. وَأَيْضًا فَكُلُّ اثْنَيْنِ فَهُمَا غَيْرَانِ، وَكُلُّ غِيَرَيْنِ فَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى مَا صَارَ بِهِ غَيْرَ الْآخَرِ، فَعَلَى هَذَا كَانَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَلَا بُدَّ مُرَكَّبًا مِنْ ذَاتِهِ وَمِمَّا غَايَرَ بِهِ الْآخَرَ، وَإِذَا كَانَ مُرَكَّبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ مُدَبَّرٌ فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ وَعَادَ الْأَمْرُ إلَى وُجُوبِ أَنَّهُ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ، وَأَنَّهُ بِخِلَافِ خَلْقِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَالْخَلْقُ كَثِيرٌ مُحْدَثٌ، فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ - قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] . [مَسْأَلَة فِي بَيَان أَنْ اللَّه خلق كُلّ شَيْء لِغَيْرِ عِلَّة وبرهان ذَلِكَ] 4 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا فَعَلَ لِعِلَّةٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ إمَّا لَمْ تَزَلْ مَعَهُ وَإِمَّا مَخْلُوقَةً مُحْدَثَةً وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَلَوْ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ لَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ مُمْتَنِعَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعَهُ تَعَالَى غَيْرَهُ لَمْ يَزَلْ، فَكَانَ يُبْطِلُ التَّوْحِيدَ الَّذِي قَدْ أَبَنَّا بُرْهَانَهُ آنِفًا؛ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ إذْ كَانَتْ عِلَّةُ الْخَلْقِ لَمْ تَزَلْ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ لَمْ يَزَلْ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُفَارِقُ الْمَعْلُولَ، وَلَوْ فَارَقَتْهُ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً لَهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا بُرْهَانَ وُجُوبِ حُدُوثِ الْعَالَمِ كُلِّهِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ هَهُنَا عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ لَكَانَ مُضْطَرًّا

مسألة في أن النفس مخلوقة وأن الروح نفس الجسد وبرهان ذلك

مَطْبُوعًا أَوْ مُدَبِّرًا مَقْهُورًا لِتِلْكَ الْعِلَّةِ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْإِلَهِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُحْدَثَةً لَكَانَتْ وَلَا بُدَّ إمَّا مَخْلُوقَةً لَهُ تَعَالَى وَإِمَّا غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ فَقَدْ أَوْضَحْنَا آنِفًا وُجُوبَ كَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ مَخْلُوقًا، فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ. وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً وَجَبَ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، فَإِنْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا، وَهَذَا يُوجِبُ وُجُوبَ مُحْدِثِينَ لَا نِهَايَةَ لِعَدَدِهِمْ. وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَبِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ إلَى الْفِعْلِ فَقَدْ حَصَرَهُ الْعَدَدُ ضَرُورَةً بِمِسَاحَتِهِ أَوْ بِزَمَانِهِ وَلَا بُدَّ، وَكُلُّ مَا حَصَرَهُ الْعَدَدُ فَهُوَ مُتَنَاهٍ. فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا وَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ خُلِقَتْ الْعِلَّةُ لَا لِعِلَّةٍ. سَأَلُوا: مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ لِعِلَّةٍ وَيَخْلُقَ الْعِلَّةَ لَا لِعِلَّةٍ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ. [مَسْأَلَة فِي أَنْ النَّفْس مخلوقة وَأَن الرُّوح نَفْس الجسد وبرهان ذَلِكَ] 5 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّفْسَ مَخْلُوقَةٌ. بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّنَا نَجِدُ الْجِسْمَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ لَا يَحُسُّ شَيْئًا وَأَنَّ الْمَرْءَ إذَا فَكَّرَ فِي شَيْءٍ مَا فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَخَلَّى عَنْ الْجَسَدِ كَانَ أَصَحَّ لِفَهْمِهِ وَأَقْوَى لِإِدْرَاكِهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحَسَّاسَ الْعَالِمَ الذَّاكِرَ هُوَ شَيْءٌ غَيْرُ الْجَسَدِ وَنَجِدُ الْجَسَدَ إذَا تَخَلَّى مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا بِكُلِّ أَعْضَائِهِ وَلَا حِسَّ لَهُ وَلَا فَهْمَ إمَّا بِمَوْتٍ وَإِمَّا بِإِغْمَاءٍ وَإِمَّا بِنَوْمٍ، فَصَحَّ أَنَّ الْحَسَّاسَ الذَّاكِرَ هُوَ غَيْرُ الْجَسَدِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي اللُّغَةِ نَفْسًا وَرُوحًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42] فَكَانَتْ النُّفُوسُ كَمَا نَصَّ تَعَالَى كَثِيرَةً، وَكَذَلِكَ وَجَدْنَاهَا نَفْسًا خَبِيثَةً وَأُخْرَى طَيِّبَةً، وَنَفْسًا ذَاتَ شَجَاعَةٍ وَأُخْرَى ذَاتَ جُبْنٍ، وَأُخْرَى عَالِمَةً وَأُخْرَى جَاهِلَةً، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ حَيٍّ نَفْسًا غَيْرَ نَفْسِ غَيْرِهِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَكَانَتْ النُّفُوسُ كَثِيرَةً مُرَكَّبَةً مِنْ جَوْهَرِهَا وَصِفَاتِهَا، فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ، وَهِيَ مَا لَمْ يَنْفَكَّ قَطُّ مِنْ زَمَانٍ وَعَدَدٍ فَهِيَ مُحْدَثَةٌ مُرَكَّبَةٌ، وَكُلُّ مُحْدَثٍ مُرَكَّبٍ مَخْلُوقٌ. وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِمَّا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [الأنعام: 101] وَخَالَفَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَا قَامَ بِهِ الْبُرْهَانُ الْعَقْلِيُّ. 6 - مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ الرُّوحُ نَفْسُهُ، بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ كَمَا ذَكَرْنَا بِأَنَّ هَهُنَا شَيْئًا مُدَبِّرًا لِلْجَسَدِ هِيَ الْحَيُّ الْحَسَّاسُ الْمُخَاطَبُ، وَلَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ قَطُّ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ، فَكَانَ مَنْ زَعَمَ بِأَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ النَّفْسِ قَدْ زَعَمَ بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ وَقَالَ مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ

بِصِحَّتِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] فَمَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ فَلَيْسَ صَادِقًا، فَصَحَّ أَنَّ النَّفْسَ وَالرُّوحَ اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ: اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمْ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَهُمْ اسْتِيقَاظًا فَقَالَ: يَا بِلَالُ فَقَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] إلَى قَوْلِهِ {أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42] . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد نا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ نا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ نا خَالِدُ بْنُ سَمِيرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ حَدَّثَنِي أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ فِيهِ نَوْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا إنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا عَنْ صَلَاتِنَا، وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ» فَعَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَنْفُسِ وَبِالْأَرْوَاحِ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

مسألة في برهان أن العرش مخلوق

فِي هَذَا الْبَابِ خِلَافٌ لِهَذَا أَصْلًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة فِي برهان أَنْ العرش مَخْلُوق] 7 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَرْشُ مَخْلُوقٌ؛ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] وَكُلُّ مَا كَانَ مَرْبُوبًا فَهُوَ مَخْلُوقٌ. [مَسْأَلَة الدليل عَلَى أَنْ اللَّه لَيْسَ كمثله شَيْء] 8 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَلَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ. قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا، وَلَوْ تَمَثَّلَ تَعَالَى فِي صُورَةِ شَيْءٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ مِثْلًا لَهُ وَهُوَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] . [مَسْأَلَة فِي بَيَان أَنْ النُّبُوَّة حَقّ وبرهان ذَلِكَ] 9 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النُّبُوَّةَ حَقٌّ؛ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا غَابَ عَنَّا أَوْ كَانَ قَبْلَنَا فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْخَبَرِ عَنْهُ. وَخَبَرُ التَّوَاتُرِ يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ وَلَا بُدَّ، وَلَوْ دَخَلَتْ فِي نَقْلِ التَّوَاتُرِ دَاخِلَةٌ أَوْ شَكٌّ لَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ الشَّكُّ هَلْ كَانَ قَبْلَنَا خَلْقٌ أَمْ لَا؛ إذْ لَمْ نَعْرِفْ كَوْنَ الْخَلْقِ مَوْجُودًا قَبْلَنَا إلَّا بِالْخَبَرِ، وَمَنْ بَلَغَ هَهُنَا فَقَدْ فَارَقَ الْمَعْقُولَ وَبِنَقْلِ التَّوَاتُرِ الْمَذْكُورِ صَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ النَّاسِ أَتَوْا أَهْلَ زَمَانِهِمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الْخَلْقِ أَوْحَى إلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِإِنْذَارِ قَوْمِهِمْ بِأَوَامِرَ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا، فَسَأَلُوا بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوا: فَأَتَوْا بِأَعْمَالٍ هِيَ خِلَافٌ لِطَبَائِعِ مَا فِي الْعَالَمِ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا مَخْلُوقٌ، حَاشَا خَالِقَهَا الَّذِي ابْتَدَعَهَا كَمَا شَاءَ، كَقَلْبِ عَصًا حَيَّةً تَسْعَى، وَشَقِّ الْبَحْرِ لِعَسْكَرٍ جَازُوا فِيهِ وَغَرِقَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ؛ وَكَإِحْيَاءِ مَيِّتٍ قَدْ صَحَّ مَوْتُهُ، وَكَإِبْرَاءِ أَكْمَهٍ وُلِدَ أَعْمَى، وَكَنَاقَةٍ خَرَجَتْ مِنْ ` `` صَخْرَةٍ، وَكَإِنْسَانٍ رُمِيَ فِي النَّارِ فَلَمْ يَحْتَرِقْ، وَكَإِشْبَاعِ عَشَرَاتٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ، وَكَنَبَعَانِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ إنْسَانٍ حَتَّى رُوِيَ الْعَسْكَرُ كُلُّهُ. فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَهِدَ لَهُمْ بِمَا أَظْهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَصِحْ مَا أَتَوْا بِهِ عَنْهُ وَأَنَّهُ تَعَالَى صَدَّقَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ. [مَسْأَلَة بَيَان أَنْ مُحَمَّدًا أَرْسَلَ إلَى جَمِيع الْجِنّ والإنس والدليل عَلَى ذَلِكَ] 10 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللَّهِ إلَى جَمِيعِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ، بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْمَنْقُولِ إلَيْنَا بِأَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَقْلِ التَّوَاتُرِ، وَأَنَّهُ دَعَا مَنْ خَالَفَهُ إلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ

مسألة الدليل على أن ملة الإسلام نسخت كل ملة تقدمتها

فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ شُقَّ لَهُ الْقَمَرُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 3] {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر: 4] {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: 5] . وَحَنَّ الْجِذْعُ إذْ فَقَدَهُ حَنِينًا سَمِعَهُ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ، وَهُمْ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ؛ وَدَعَا الْيَهُودَ إلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ وَأَخْبَر هُمْ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ فَعَجَزُوا كُلُّهُمْ عَنْ تَمَنِّيهِ جِهَارًا. وَدَعَا النَّصَارَى إلَى مُبَاهَلَتِهِ فَأَبَوَا كُلُّهُمْ. وَهَذَانِ الْبُرْهَانَانِ مَذْكُورَانِ جَمِيعًا فِي نَصِّ الْقُرْآنِ، كَمَا ذُكِرَ فِيهِ تَعْجِيزَهُ جَمِيعَ الْعَرَبِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ أَوَّلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ؛ وَنَبَعَ لَهُمْ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، وَأَطْعَمَ مِئِينَ مِنْ النَّاسِ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ وَجَدْيٍ، وَأَذْعَنَ مُلُوكُ الْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ لِأَمْرِهِ لِلْآيَاتِ الَّتِي صَحَّتْ عِنْدَهُمْ عَنْهُ، فَنَزَلُوا عَنْ مُلْكِهِمْ كُلِّهِمْ طَوْعًا دُونَ رَهْبَةٍ أَصْلًا، وَلَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ وَلَا بِرَغْبَةٍ رَغَّبَهُمْ بِهَا، بَلْ كَانَ يَتِيمًا فَقِيرًا. وَهُنَاكَ قَوْمٌ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ كَصَاحِبِ صَنْعَاءَ وَكَصَاحِبِ الْيَمَامَةِ، كِلَاهُمَا أَقْوَى جَيْشًا وَأَوْسَعُ مِنْهُ بِلَادًا، فَمَا الْتَفَتَ لَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ قَوْمِهِمَا، وَكَانَ هُوَ أَضْعَفَهُمْ جُنْدًا وَأَضْعَفَهُمْ بَلَدًا وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمُلُوكِ دَارًا، فَدَعَا الْمُلُوكَ وَالْفُرْسَانَ الَّذِينَ قَدْ مَلَئُوا جَزِيرَةَ الْعَرَبِ - وَهِيَ نَحْوُ شَهْرَيْنِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ - إلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَإِسْقَاطِ الْفَخْرِ وَالتَّجَبُّرِ، وَالْتِزَامِ التَّوَاضُعِ وَالصَّبْرِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا مِنْ كُلِّ حَقِيرٍ أَوْ رَفِيعٍ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ وَلَا عَشِيرَةٌ تَنْصُرُهُ، بَلْ اتَّبَعَهُ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَهُ مُذْعِنًا لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ آيَاتِهِ؛ وَلَمْ يَأْخُذْ قَطُّ بَلْدَةً عَنْوَةً وَغَلَبَةً إلَّا خَيْبَرَ وَمَكَّةَ فَقَطْ وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الأنعام: 130] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1] {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: 2] إلَى قَوْلِهِ {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14] {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] . [مَسْأَلَة الدليل عَلَى أَنْ ملة الْإِسْلَام نسخت كُلّ ملة تقدمتها] 11 - مَسْأَلَةٌ: نَسَخَ عَزَّ وَجَلَّ بِمِلَّتِهِ كُلَّ مِلَّةٍ وَأَلْزَمَ أَهْلَ الْأَرْضِ جِنَّهُمْ وَإِنْسَهُمْ اتِّبَاعَ شَرِيعَتِهِ الَّتِي بَعَثَهُ بِهَا وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهَا؛ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا

مسألة بيان أن عيسى بن مريم سينزل آخر الزمان

نَبِيَّ بَعْدَهُ؛ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَجَزَعَ النَّاسُ فَقَالَ: قَدْ بَقِيَتْ مُبَشِّرَاتٌ وَهُنَّ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ» . [مَسْأَلَة بَيَان أَنْ عِيسَى بْن مريم سينزل آخِر الزمان] 12 - مَسْأَلَةٌ: إلَّا أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَيَنْزِلُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْبِيَاءُ كَثِيرَةٌ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ لَمْ يُسَمِّ؛ وَالْإِيمَانُ بِجَمِيعِهِمْ فَرْضٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ؛ قَالُوا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لَا، إنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةِ» .

مسألة أن جميع النبيين وعيسى ومحمد عبيد لله ومخلوقون لله تعالى

وَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ آدَمَ وَنُوحًا وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَيُونُسَ وَاَلْيَسَع وَإِلْيَاسَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَأَيُّوبَ وَعِيسَى وَهُودًا وَصَالِحًا وَشُعَيْبًا وَلُوطًا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [النساء: 150] {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 151] . [مَسْأَلَة أَنْ جَمِيع النبيين وعيسى وَمُحَمَّد عَبِيد لِلَّهِ ومخلوقون لِلَّهِ تَعَالَى] 13 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ وَعِيسَى وَمُحَمَّدًا - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - عَبِيدًا لِلَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقُونَ؛ نَاسٌ كَسَائِرِ النَّاسِ؛ مَوْلُودُونَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ إلَّا آدَمَ وَعِيسَى؛ فَإِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تُرَابٍ بِيَدِهِ؛ لَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا مِنْ أُنْثَى؛ وَعِيسَى خُلِقَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران: 59] وَقَالَ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لِمَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ -: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20] {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: 21] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] . [مَسْأَلَة الْجَنَّة حَقّ مخلوقة للمؤمنين] 14 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَدْخُلُهَا كَافِرٌ أَبَدًا؛ قَالَ تَعَالَى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50] . [مَسْأَلَة النَّار حَقّ لَا يخلد فِيهَا مؤمن] 15 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ دَارٌ مَخْلُوقَةٌ لَا يَخْلُدُ فِيهَا مُؤْمِنٌ. قَالَ تَعَالَى:

مسألة يدخل النار من المسلمين الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم

{لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى} [الليل: 15] {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 16] {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل: 17] . [مَسْأَلَة يَدْخُل النَّار مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رجحت سيئاتهم عَلَى حَسنَاتهمْ] 16 - مَسْأَلَةٌ: يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رَجَحَتْ كَبَائِرُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا} [النساء: 31] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 6] {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 7] {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 8] {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة: 10] {نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 11] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو غَسَّانِ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا ثنا مُعَاذٌ هُوَ ابْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ - ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً» . [مَسْأَلَة بَيَان أَنْ الْجَنَّة وَالنَّار لَا يفنيان وَلَا أَحَد ممن فِيهِمَا] 17 - مَسْأَلَةٌ: لَا تَفْنَى الْجَنَّةُ وَلَا النَّارُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ فِيهِمَا أَبَدًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ وَمَنْ فِيهِمَا: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [البينة: 8] وَ {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ نَامِي ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

مسألة بيان أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يرون بؤسا أبدا

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا» زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ كَبْشٍ أَمْلَحَ «فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان: 56] وَقَالَ فِي أَهْلِ النَّارِ {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيَان أَنْ أَهْل الْجَنَّة يَأْكُلُونَ ويشربون وَلَا يرون بؤسا أبدا] 18 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَطَئُونَ وَيَلْبَسُونَ وَيَتَلَذَّذُونَ وَلَا يَرَوْنَ بُؤْسًا أَبَدًا؛ وَكُلُّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا فِي الدُّنْيَا؛ لَكِنْ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ؛ وَحُورُ الْعِينِ حَقٌّ نِسَاءٌ مُطَهَّرَاتٌ خَلَقَهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة: 17] {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة: 18] {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة: 19] {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة: 20] {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 23] {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة: 24] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] وَقَالَ تَعَالَى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] » . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَلَا يَبُولُونَ، وَلَكِنَّ طَعَامَهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ

مسألة أهل النار يعذبون بالسلاسل والأغلال وأكلهم الزقوم وشربهم الحميم

الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي الدُّنْيَا. [مَسْأَلَة أَهْل النَّار يعذبون بالسلاسل والأغلال وأكلهم الزقوم وشربهم الحميم] 19 - مَسْأَلَةٌ: وَأَهْلُ النَّارِ يُعَذَّبُونَ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ وَالْقَطِرَانِ وَأَطْبَاقِ النِّيرَانِ؛ أَكْلُهُمْ الزَّقُّومُ وَشُرْبُهُمْ مَاءٌ كَالْمُهْلِ وَالْحَمِيمِ؛ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالا وَسَعِيرًا} [الإنسان: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: 37] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ - طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدخان: 43 - 44] وَقَالَ تَعَالَى: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} [الواقعة: 42] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29] . [مَسْأَلَة كُفْر بِمَا بلغه وصح عِنْده عَنْ النَّبِيّ أَوْ أجمع عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ] 20 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمَا بَلَغَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ كَافِرٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115] . [مَسْأَلَة الْقُرْآن كَلَام اللَّه ووحيه أنزله عَلَى قَلْب نبيه مُحَمَّد] 21 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي فِي الْمَصَاحِفِ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ أُمِّ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَحْيُهُ أَنْزَلَهُ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ. قَالَ تَعَالَى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] {عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 194] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الشورى: 7] . وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ فِي مُصْحَفِهِ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ؛ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ [كل ما فيه من خبر عن نبي من الأنبياء أو مسخ أو عذاب أو نعيم] 22 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ خَبَرٍ عَنْ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ مَسْخٍ أَوْ عَذَابٍ أَوْ نَعِيمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا رَمْزَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزمر: 28] وَقَالَ تَعَالَى {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَأَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى قَوْمٍ خَالَفُوا هَذَا فَقَالَ تَعَالَى {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] . [مَسْأَلَة لَا سُرّ فِي الدِّين عِنْد أَحَد يختص بِهِ] 23 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا سِرَّ فِي الدِّينِ عِنْدَ أَحَدٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

مسألة الملائكة حق وهم مخلوقون مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160] وَقَالَ تَعَالَى {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] . [مَسْأَلَة الْمَلَائِكَة حَقّ وهم مخلوقون مكرمون لَا يعصون اللَّه مَا أمرهم] 24 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ حَقٌّ؛ وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُكْرَمُونَ كُلُّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] وَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] وَقَالَ تَعَالَى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1] . [مَسْأَلَة الْمَلَائِكَة خلقوا مِنْ نور وَآدَم مِنْ مَاء وتراب والجن مِنْ نار] 25 - مَسْأَلَةٌ: خُلِقُوا كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ آدَم مِنْ مَاءٍ وَتُرَابٍ وَخُلِقَ الْجِنُّ مِنْ نَارٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] . [مَسْأَلَة الْمَلَائِكَة أَفْضَل خلق اللَّه وَلَا يعصون اللَّه] 26 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لَا يَعْصِي أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي صَغِيرَةٍ وَلَا كَبِيرَةٍ وَهُمْ سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172] فَهَذَا تَفْضِيلٌ لَهُمْ عَلَى الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} [الإسراء: 70] وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مَنْ خَلَقْنَا. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ خَلْقٍ سِوَى الْمَلَائِكَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمَلَائِكَةُ، وَإِسْجَادُهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ لِآدَمَ - عَلَى جَمِيعِهِمْ السَّلَامُ - سُجُودُ تَحِيَّةٍ؛ فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضِيلَةٌ فِي أَنْ يُكَرَّمَ بِأَنْ يُحَيُّوهُ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الْفِصَلِ غَايَةَ التَّقَصِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] . [مَسْأَلَة الْجِنّ حَقّ مخلوقون فِيهِمْ الْكَافِر والمؤمن يروننا وَلَا نراهم] 27 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْجِنَّ حَقٌّ وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فِيهِمْ الْكَافِرُ

وَالْمُؤْمِنُ؛ يَرَوْنَنَا وَلَا نَرَاهُمْ؛ يَأْكُلُونَ وَيَنْسِلُونَ وَيَمُوتُونَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الأنعام: 130] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 27] وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14] {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} [الكهف: 50] وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ؛ قَالَ أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ؛ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ؛ ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ قَالَا: نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالْعِظَامِ وَلَا بِالرَّوْثِ فَإِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» .

مسألة البعث حق

[مَسْأَلَة الْبَعْث حَقّ] مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ؛ وَهُوَ وَقْتٌ يَنْقَضِي فِيهِ بَقَاءُ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا فَيَمُوتُ كُلُّ مَنْ فِيهَا؛ ثُمَّ يُحْيِي الْمَوْتَى؛ يُحْيِي عِظَامَهُمْ الَّتِي فِي الْقُبُورِ وَهِيَ رَمِيمٌ وَيُعِيدُ الْأَجْسَامَ كَمَا كَانَتْ وَيَرُدُّ إلَيْهَا الْأَرْوَاحَ كَمَا كَانَتْ؛ وَيَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يُحَاسَبُ فِيهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ فَيُوَفَّى كُلُّ أَحَدٍ قَدْرَ عَمَلِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6] {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ} [الواقعة: 49] {لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 50] وَقَالَ تَعَالَى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر: 17] . [مَسْأَلَة الوحوش تحشر يَوْم الْقِيَامَة] 29 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ الْوُحُوشَ تُحْشَرُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» .

مسألة الصراط حق وهو طريق بين ظهراني جهنم يمر عليه الخلق

[مَسْأَلَة الصراط حَقّ وَهُوَ طَرِيق بَيْن ظهراني جهنم يَمُرّ عَلَيْهِ الخلق] مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ وَهُوَ طَرِيقٌ يُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ فَيَنْجُو مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَهْلِكُ مَنْ شَاءَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثنا أَبِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا: «وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ، يَعْنِي الْمُوبَقَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. [مَسْأَلَة الموازين حَقّ تُوزَن فِيهَا أَعْمَال الْعِبَاد نؤمن بِهَا وَلَا نَدْرِي كيف هِيَ] 31 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْمَوَازِينَ حَقٌّ تُوزَنُ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ؛ نُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نَدْرِي كَيْفَ هِيَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: 8] وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 6] {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 7] {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 8] {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة: 10] {نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 11] . [مَسْأَلَة الحوض حَقّ مِنْ شَرب مِنْهُ لَمْ يظمأ أبدا] 32 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْحَوْضَ حَقٌّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا. ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ؛ آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَا بَيْنَ عَمَّانَ إلَى أَيْلَةَ؛ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ» .

مسألة شفاعة رسول الله في أهل الكبائر من أمته حق

[مَسْأَلَة شَفَاعَة رَسُول اللَّه فِي أَهْل الْكَبَائِر مِنْ أمته حَقّ] مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ حَقٌّ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ ثنا مُعَاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ - ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ - عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ - عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ، أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ، فَأَمَاتَهُمْ اللَّهُ إمَاتَةً حَتَّى إذَا كَانُوا فَحْمًا أَذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» . [مَسْأَلَة الصحف الَّتِي تكتب فِيهَا أَعْمَال الْعِبَاد والملائكة حَقّ] 34 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الصُّحُفَ تَكْتُبُ فِيهَا أَعْمَالَ الْعِبَادِ الْمَلَائِكَةُ حَقٌّ نُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نَدْرِي كَيْفَ هِيَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} [الإسراء: 13] {اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء: 14] . [مَسْأَلَة الْمُؤْمِنُونَ يعطون كتبهم يَوْم الْقِيَامَة بأيمانهم والكفار بشمائلهم] 35 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ النَّاسَ يُعْطَوْنَ كُتُبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَالْمُؤْمِنُونَ الْفَائِزُونَ الَّذِينَ لَا يُعَذَّبُونَ يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ؛ وَالْكُفَّارُ بِأَشْمَلِهِمْ وَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْكَبَائِرِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق: 7] {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 9] {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق: 10] {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق: 11] {وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 12] {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 13] {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 14]

مسألة على كل إنسان حافظان من الملائكة يحصيان أقواله وأعماله

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 25] {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 26] {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة: 27] {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة: 28] {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 29] {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة: 30] {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة: 31] {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 32] {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 33] {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: 34] . [مَسْأَلَة عَلَى كُلّ إنْسَان حافظان مِنْ الْمَلَائِكَة يحصيان أقواله وأعماله] 36 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ حَافِظَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يُحْصِيَانِ أَقْوَالَهُ وَأَعْمَالَهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] . [مَسْأَلَة هُمْ بِحَسنَة فَلَمْ يعملها] 37 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً؛ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً؛ فَإِنْ تَرَكَهَا بِغَلَبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً - وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ - فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -» .

مسألة من عمل في كفره عملا سيئا ثم أسلم

[مَسْأَلَة مِنْ عَمَل فِي كفره عملا سيئا ثُمَّ أسلم] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ عَمَلًا سَيِّئًا ثُمَّ أَسْلَمَ؛ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى تِلْكَ الْإِسَاءَةِ حُوسِبَ وَجُوزِيَ فِي الْآخِرَةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلَامِهِ؛ وَإِنْ تَابَ عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَمِلَ فِي شِرْكِهِ. وَمَنْ عَمِلَ فِي كُفْرِهِ أَعْمَالًا صَالِحَةً ثُمَّ أَسْلَمَ جُوزِيَ فِي الْجَنَّةِ بِمَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِي شِرْكِهِ وَإِسْلَامِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ جُوزِيَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَا ثنا حَجَّاجٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 69] {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 70] » فَلَمْ يُسْقِطْ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - تِلْكَ الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ إلَّا بِالْإِيمَانِ مَعَ التَّوْبَةِ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ - أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ» .

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ثنا يَعْقُوبُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثنا عَنْ صَالِحٍ هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ» . فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «إنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» . قُلْنَا: إنَّ كَلَامَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُعَارِضُ كَلَامَهُ وَلَا كَلَامَ رَبِّهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ - وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ مِنْ هَذَا - لَمَا كَانَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَبَطَلَتْ حُجَّةُ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لَا يُعَارِضُ الْقُرْآنَ وَلَا السُّنَّةَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] فَنَعَمْ هَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا: إنَّ مَنْ انْتَهَى غُفِرَ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ فَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْفِرُهُ لَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» فَحَقٌّ وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ مِنْ الطَّاعَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْهِجْرَةِ إنَّمَا هِيَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَر

مسألة عذاب القبر ومساءلة الأرواح بعد الموت حق

وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا مُسْلِمٌ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى بِحِسَابِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا أَفْضَى إلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» . [مَسْأَلَة عَذَاب الْقَبْر ومساءلة الأرواح بَعْد الْمَوْت حَقّ] 39 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَمُسَاءَلَةَ الْأَرْوَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ وَلَا يَحْيَا أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ غُنْدَرٌ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ

مسألة الحسنات تذهب السيئات والتوبة تسقطها

عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] . قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثنا بُدَيْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «إذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا، وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، فَيَنْطَلِقُوا بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: انْطَلِقُوا بِهِ إلَى آخِرِ الْأَجَلِ. قَالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ يَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إلَى آخِرِ الْأَجَلِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] فَصَحَّ أَنَّهُمَا حَيَاتَانِ وَمَوْتَانِ فَقَطْ، وَلَا تُرَدُّ الرُّوحُ إلَّا لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ آيَةً، كَمَنْ أَحْيَاهُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكُلُّ مَنْ جَاءَ فِيهِ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ " دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ الْمَسْجِدَ فَأَبْصَرَ ابْنَ الزُّبَيْرِ مَطْرُوحًا قَبْلَ أَنْ يُصْلَبَ، فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ أَسْمَاءُ، فَمَالَ إلَيْهَا وَعَزَّاهَا وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَإِنَّ الْأَرْوَاحَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَقَدْ أُهْدِيَ رَأْسُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ رَدَّ الرُّوحِ إلَى الْجَسَدِ إلَّا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. [مَسْأَلَة الْحَسنَات تذهب السيئات والتوبة تسقطها] 40 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحَسَنَاتُ تُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ بِالْمُوَازَنَةِ، وَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ السَّيِّئَاتِ

مسألة نبي الله عيسى لم يقتل ولم يصلب

وَالْقِصَاصُ مِنْ الْحَسَنَاتِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه: 82] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا إسْمَاعِيلُ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: 17] . [مَسْأَلَة نبي اللَّه عِيسَى لَمْ يقتل وَلَمْ يصلب] 41 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ وَلَكِنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَفَعَهُ إلَيْهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} [النساء: 157] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] فَالْوَفَاةُ قِسْمَانِ: نَوْمٌ وَمَوْتٌ فَقَطْ وَلَمْ يُرِدْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} [المائدة: 117] وَفَاةَ النَّوْمِ، فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى وَفَاةَ الْمَوْتِ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُتِلَ أَوْ صُلِبَ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ حَلَالٌ دَمُهُ وَمَالُهُ لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ وَخِلَافِهِ الْإِجْمَاعَ. [مَسْأَلَة لَا يرجع مُحَمَّد وَلَا أَحَد مِنْ أصحابه إلَّا يَوْم الْقِيَامَة] 42 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا رَجَّعَ (اللَّهُ) الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ. هَذَا إجْمَاعُ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُتَّقِينَ قَبْلَ حُدُوثِ الرَّوَافِضِ الْمُخَالِفِينَ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُبَدِّلِينَ لِلْقُرْآنِ الْمُكَذِّبِينَ بِصَحِيحِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُجَاهِرِينَ بِتَوْلِيدِ الْكَذِبِ الْمُتَنَاقِضِينَ فِي كَذِبِهِمْ أَيْضًا، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28]

مسألة الأنفس التي رآها رسول الله ليلة الإسراء

وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31] فَادَّعَوْا مِنْ رُجُوعِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا لَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهُ لِعُمَرَ أَوْ لِعُثْمَانَ أَوْ لِمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ: إذَا لَمْ يُبَالِ بِالْكَذِبِ وَالدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ مَعْقُولٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الأنفس الَّتِي رَآهَا رَسُول اللَّه لَيْلَة الإسراء] 43 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْأَنْفُسَ حَيْثُ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ أَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ عَنْ يَمِينِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاءِ عَنْ شِمَالِهِ عِنْدَ سَمَاءِ الدُّنْيَا، لَا تَفْنَى وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ، لَكِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَيَّةٌ حَسَّاسَةٌ عَاقِلَةٌ فِي نَعِيمٍ أَوْ نَكَدٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَتُرَدُّ إلَى أَجْسَادِهَا لِلْحِسَابِ وَلِلْجَزَاءِ بِالْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ، حَاشَا أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَأَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ فَإِنَّهَا الْآنَ تُرْزَقُ وَتُنَعَّمُ. وَمَنْ قَالَ بِانْتِقَالِ الْأَنْفُسِ إلَى أَجْسَامٍ أُخَرَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا هَذِهِ الْأَجْسَادَ فَقَدْ كَفَرَ. بُرْهَانُ هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا. قَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا افْتَحْ، قَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَأُرْسِلَ إلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحَ فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، قَالَ: فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا آدَم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، قَالَ ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ.

قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَلَمْ يَثْبُتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ.» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَفِي هَذَا الْخَبَرِ مَكَانُ الْأَرْوَاحِ، وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ. وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَرْفَعُ قَدْرًا وَدَرَجَةً وَأَتَمُّ فَضِيلَةً عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعْلَى كَرَامَةً مِنْ كُلِّ مَنْ دُونَهُمْ، وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا فَلَيْسَ مُسْلِمًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ الرَّجُلُ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَالنَّارُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ حَسَّاسَةٌ عَالِمَةٌ مُمَيِّزَةٌ بَعْدَ فِرَاقِهَا الْأَجْسَادَ. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ تُنْقَلُ إلَى أَجْسَادٍ أُخَرَ فَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ التَّنَاسُخِ، وَهُوَ كُفْرٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة انقطاع الوحي بموت النبي

[مَسْأَلَة انْقِطَاع الوحي بموت النَّبِيّ] مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مُذْ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَحْيَ لَا يَكُونُ إلَّا إلَى نَبِيٍّ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . [مَسْأَلَة الدِّين تَمَّ فَلَا يزاد فِيهِ وَلَا يَنْقُص مِنْهُ وَلَا يبدل] 45 - مَسْأَلَةٌ: وَالدِّينُ قَدْ تَمَّ فَلَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَلَا يُبَدَّلُ. قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس: 64] وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ تَبْدِيلٌ. [مَسْأَلَة بلغ رَسُول اللَّه الدِّين كله كَمَا أمره اللَّه] 46 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّينَ كُلَّهُ وَبَيَّنَ جَمِيعَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] {صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى: 53] وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . [مَسْأَلَة حَجَّة اللَّه قَدْ قامت لِكُلِّ مِنْ بلغته النذارة] 47 - مَسْأَلَةٌ: وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ قَامَتْ وَاسْتَبَانَتْ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَتْهُ النِّذَارَةُ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَبَرٍّ وَفَاجِرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] . [مَسْأَلَة الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فرضان كُلّ عَلَى حسب الطاقة] 48 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضَانِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ - عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ - بِالْيَدِ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ

مسألة عجز لجهله عن معرفة أمور دينه

مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثنا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ الْحَارِثِ هُوَ ابْنُ الْفُضَيْلِ الْخِطْمِيُّ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ هُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إنَّهَا تَخَلَّفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مُحْكَمَتَانِ غَيْرُ مَنْسُوخَتَيْنِ، فَصَحَّ أَنَّ مَا عَارَضَهُمَا أَوْ عَارَضَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِي مَعْنَاهُمَا هُوَ الْمَنْسُوخُ بِلَا شَكٍّ. [مَسْأَلَة عجز لجهله عَنْ معرفة أُمُور دِينه] 49 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ عَجَزَ لِجَهْلِهِ أَوْ عَتَمَتِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ كُلِّ هَذَا فَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ - حَسَبَ طَاقَتِهِ بَعْدَ أَنْ يُفَسَّرَ لَهُ - لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ وَكُلُّ دِينٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا رَوْحٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» .

مسألة أفضل الجن والإنس الرسل ثم الأنبياء ثم الصحابة ثم الصالحون

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] . [مَسْأَلَة أَفْضَل الْجِنّ والإنس الرُّسُل ثُمَّ الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الصَّحَابَة ثُمَّ الصالحون] 50 - مَسْأَلَةٌ: وَبَعْدَ هَذَا فَإِنَّ أَفْضَلَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ الرُّسُلُ ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَى جَمِيعِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مِنَّا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - ثُمَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الصَّالِحُونَ. قَالَ تَعَالَى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا} [فاطر: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ - ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَحْرُبُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَفْشُو فِيهِمْ السِّمَنُ» هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ " يَحْرُبُونَ " بِحَاءٍ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ وَرَاءٍ مَرْفُوعَةٍ وَبَاءٍ مَنْقُوطَةٍ وَاحِدَةٌ مِنْ أَسْفَلُ وَرُوِّينَاهُ

مسألة الله خالق كل شيء لا خالق سواه

مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ " يَخُونُونَ " بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ فَوْقُ وَوَاوٍ بَعْدَهَا نُونٌ، وَمَنْ خَانَ فَقَدْ حَرَبَ. [مَسْأَلَة اللَّه خالق كُلّ شَيْء لَا خالق سواه] 51 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ لَا خَالِقَ سِوَاهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] وَقَالَ تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الفرقان: 59] . [مَسْأَلَة لَا يُشْبِه اللَّه عَزَّ وَجَلّ مِنْ خَلْقه شَيْء] 52 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُشْبِهُهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] . [مَسْأَلَة اعتقاد أَنْ اللَّه لَا فِي مَكَان وَلَا فِي زمان بَلْ هُوَ خالقهما] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا فِي مَكَان وَلَا فِي زَمَانٍ، بَلْ هُوَ تَعَالَى خَالِقُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ. قَالَ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] وَقَالَ تَعَالَى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الفرقان: 59] وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَهُمَا مَخْلُوقَانِ، قَدْ كَانَ تَعَالَى دُونَهُمَا، وَالْمَكَانُ إنَّمَا هُوَ لِلْأَجْسَامِ، وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ مُدَّةُ كُلِّ سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ أَوْ مَحْمُولٍ فِي سَاكِنٍ أَوْ مُتَحَرِّكٍ، وَكُلُّ هَذَا مُبْعَدٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. [مَسْأَلَة لَا يَحِلّ لِأَحَدِ أَنْ يسمي اللَّه بِغَيْرِ مَا سَمَّى بِهِ نَفْسه] 54 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يَصِفَهُ بِغَيْرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180]

مسألة لله تسعا وتسعين اسما من زاد عليها فقد ألحد

فَمَنَعَ تَعَالَى أَنْ يُسَمَّى إلَّا بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِهَا فَقَدْ أَلْحَدَ. وَالْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تَكُونُ إلَّا مَعْهُودَةً وَلَا مَعْرُوفٌ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى مَا ادَّعَى وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَمَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ وَدَعْوَاهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . [مَسْأَلَة لِلَّهِ تِسْعًا وتسعين اسما مِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَقَدْ ألحد] 55 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ، وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى، مَنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ، وَهِيَ الْأَسْمَاءُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - ثُمَّ اتَّفَقَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ زَادَ هَمَّامٌ فِي حَدِيثِهِ إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» . وَقَدْ صَحَّ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا فَقَطْ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ زَائِدٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ» فَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى اسْمٌ زَائِدٌ

مسألة لا يحل لأحد أن يشتق لله تعالى اسما لم يسم به نفسه

لَكَانَتْ مِائَةَ اسْمٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ» كَذِبًا وَمَنْ أَجَازَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23] {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24] وَقَدْ تَقَصَّيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ فِي كِتَابِ " الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَة لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ] 56 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] وَقَالَ: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16] وَقَالَ تَعَالَى: {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْبَنَّاءَ وَلَا الْكَيَّادَ وَلَا الْمَاكِرَ وَلَا الْمُتَجَبِّرَ وَلَا الْمُسْتَكْبِرَ، لَا عَلَى أَنَّهُ الْمُجَازِي بِذَلِكَ وَلَا عَلَى وَجْهٍ أَصْلًا، وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَتَنَاقَضَ وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْكَذِبَ وَمَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اللَّه يَتَنَزَّلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا] 57 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَنَزَّلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَهُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ حَرَكَةً وَلَا نَقْلَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَرَأْت عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَتَنَزَّلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا يَعْقُوبُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيّ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ: فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي

مسألة القرآن كلام الله غير مخلوق

فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ» قَالَ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - ثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى، هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَالرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ " إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ " وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ " إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ " وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ إلَى أَنْ يُضِيءَ الْفَجْرُ " وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَوْقَاتُ اللَّيْلِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ تَقَدُّمِ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ، فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَبُولِ الدُّعَاءِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، لَا حَرَكَةَ، وَالْحَرَكَةُ وَالنَّقْلَةُ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، حَاشَا اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا. [مَسْأَلَة الْقُرْآن كَلَام اللَّه غَيْر مَخْلُوق] 58 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَعِلْمُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [يونس: 19] فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ كَلَامَهُ هُوَ عِلْمُهُ، وَعِلْمُهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ. 59 - مَسْأَلَةٌ: وَهُوَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْمَسْمُوعُ مِنْ الْقَارِئِ وَالْمَحْفُوظُ فِي الصُّدُورِ، وَاَلَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُّ ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ الْقُرْآنُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، مَنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقُرْآنَ وَلَا هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ، لِخِلَافِهِ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] وَقَالَ تَعَالَى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [البروج: 21] {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] وَقَالَ تَعَالَى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 80] وَقَالَ

مسألة علم الله حق بكل ما كان أو يكون مما دق أو خفي

تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] وَقَالَ تَعَالَى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 194] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَصْرِفَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ بِدَعْوَاهُ الْكَاذِبَةِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِلْم اللَّه حَقّ بِكُلِّ مَا كَانَ أَوْ يَكُون مِمَّا دق أَوْ خفي] 60 - مَسْأَلَةٌ: وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ لَمْ يَزَلْ عَزَّ وَجَلَّ عَلِيمًا بِكُلِّ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ مِمَّا دَقَّ أَوْ جَلَّ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وَالْأَخْفَى مِنْ السِّرِّ هُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ. [مَسْأَلَة قدرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقُوَّتُهُ حَقٌّ لَا يَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ] 61 - مَسْأَلَةٌ: وَقُدْرَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقُوَّتُهُ حَقٌّ لَا يَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا عَنْ كُلِّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ السَّائِلُ مِنْ مُحَالٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ» وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:

{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17] وَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزمر: 4] وَقَدْ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَعَالَى كَذَلِكَ لَكَانَ مُتَنَاهِيَ الْقُدْرَةِ، وَلَوْ كَانَ مُتَنَاهِيَ الْقُدْرَةِ لَكَانَ مُحْدَثًا، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ تَعَالَى مُرَتِّبُ كُلَّ مَا خَلَقَ، وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ

مسألة اعتقاد أن لله عزا وجلالا ويدا ووجها وكل ذلك حق

الْوَاجِبَ وَأَمْكَنَ الْمُمْكِنَ وَأَحَالَ الْمُحَالَ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا فَعَلَهُ، لَمَا أَعْجَزَهُ ذَلِكَ، وَلَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مُضْطَرًّا لَا مُخْتَارًا. وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] . [مَسْأَلَة اعتقاد أَنَّ لِلَّهِ عِزًّا وَجَلَالًا وَيَدًا وَوَجْهًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ] 62 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِزًّا وَعِزَّةً، وَجَلَالًا وَإِكْرَامًا، وَيَدًا وَيَدَيْنِ وَأَيْدٍ، وَوَجْهًا وَعَيْنًا وَأَعْيُنًا وَكِبْرِيَاءَ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لَا يُرْجَعُ مِنْهُ وَلَا مِنْ عِلْمِهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ وَقُوَّتِهِ إلَّا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَا إلَى شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلًا، مُقِرٌّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] وَقَالَ تَعَالَى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] وَ {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وَ {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71] {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9] {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] . وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ (عَيْنَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا أَنْ يُقَالَ " سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَلَا حَيَاةٌ " لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ، لَكِنَّهُ تَعَالَى سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَيٌّ قَيُّومٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثَ ثنا أَبِي ثنا الْأَعْمَشُ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ - عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَغَرِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعِزُّ إزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ» يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ثنا أَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ» وَلَوْ كَانَ

مسألة الله تعالى يراه المسلمون يوم القيامة

شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ إمَّا لَمْ يَزَلْ وَإِمَّا مُحْدَثًا، فَلَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ لَكَانَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءُ غَيْرُهُ لَمْ تَزَلْ، وَهَذَا شِرْكٌ مُجَرَّدٌ، وَلَوْ كَانَ مُحْدَثًا لَكَانَ تَعَالَى بِلَا عِلْمٍ وَلَا قُوَّةٍ، وَلَا قُدْرَةٍ وَلَا عِزٍّ وَلَا كِبْرِيَاءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ كُلَّ ذَلِكَ وَهَذَا كُفْرٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] وَقَالَ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ، وَلَا أَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَا أَنْ يُسَمَّى بِشَيْءٍ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ. وَنَقُولُ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَكْرًا وَكَيْدًا. وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف: 99] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16] وَكُلُّ ذَلِكَ خَلْقٌ لَهُ تَعَالَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اللَّه تَعَالَى يَرَاهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] 63 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُوَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ الْقُوَّةِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُوَ أَبُو بَكْرٍ - ثنا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ وَأَبُو أُسَامَةَ كُلُّهُمْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ - وَنَظَرَ إلَى الْقَمَرِ - إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ» وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْقُوَّةُ لَكَانَتْ لَا تَقَعُ إلَّا عَلَى الْأَلْوَانِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . [مَسْأَلَة اعتقاد أَنْ اللَّه تَعَالَى كلم مُوسَى وَمنْ شَاءَ مِنْ رسله] 64 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَنْ شَاءَ مِنْ رُسُلِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] . [مَسْأَلَة اعتقاد أَنْ اللَّه اتخذ إبْرَاهِيم وَمُحَمَّدًا خليلين] 65 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلِيلَيْنِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء: 125] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

مسألة اعتقاد أن محمدا أسري به بروحه وجسده

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارَ الْعَبْدِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» . [مَسْأَلَة اعتقاد أَنْ مُحَمَّدًا أسري بِهِ بروحه وجسده] 66 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْرَى بِهِ رَبُّهُ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ، وَطَافَ فِي السَّمَاوَاتِ سَمَاءٍ سَمَاءٍ، وَرَأَى أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - هُنَالِكَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ رُؤْيَا مَنَامٍ مَا كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، كَمَا لَا نُكَذِّبُ نَحْنُ كَافِرًا فِي رُؤْيَا يَذْكُرُهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا رُؤْيَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - قَبْلُ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. [مَسْأَلَة اعتقاد أَنْ المعجزات لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا الْأَنْبِيَاء] 67 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ لَا يَأْتِي بِهَا أَحَدٌ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد: 38] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ - قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ - فَأَلْقَى عَصَاهُ} [الشعراء: 30 - 32] وَقَالَ تَعَالَى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [القصص: 32] فَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ - سَاحِرٌ أَوْ غَيْرُهُ - بِمَا يُحِيلُ طَبِيعَةً أَوْ يَقْلِبُ نَوْعًا، لَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا يَأْتِي بِهِ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بُرْهَانًا لَهُمْ وَلَا آيَةً لَهُمْ، وَلَا أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَمَّى ذَلِكَ سِحْرًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ آيَةً لَهُمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ إحَالَةَ الطَّبِيعَةِ لَا تَكُونُ آيَةً إلَّا حَتَّى يَتَحَدَّى فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة السحر حيل وتخييل

النَّاسَ فَقَدْ كَذَبَ وَادَّعَى مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلًا، لَا مِنْ عَقْلٍ وَلَا مِنْ نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَجِبُ مِنْ هَذَا أَنَّ حُنَيْنَ الْجِذْعِ وَإِطْعَامَ النَّفَرِ الْكَثِيرِ مِنْ الطَّعَامِ الْيَسِيرِ حَتَّى شَبِعُوا وَهُمْ مِئُونَ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ. وَنَبَعَانَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِرْوَاءَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ قَدَحٍ صَغِيرٍ تَضِيقُ سِعَتُهُ عَنْ شِبْرٍ - لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ آيَةً لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَتَّحِدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا. [مَسْأَلَة السِّحْرُ حِيَلٌ وَتَخْيِيلٌ] 68 - مَسْأَلَةٌ: وَالسِّحْرُ حِيَلٌ وَتَخْيِيلٌ لَا يُحِيلُ طَبِيعَةً أَصْلًا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] فَصَحَّ أَنَّهَا تَخْيِيلَاتٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَلَوْ أَحَالَ السَّاحِرُ طَبِيعَةً لَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ. [مَسْأَلَة الْقَدَر حَقٌّ] 69 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الْقَدَرَ حَقٌّ، مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا، وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنَا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] . [مَسْأَلَة اعتقاد أَنْ أحدا لَا يموت قَبْل أجله] 70 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَمُوتُ أَحَدٌ قَبْلَ أَجَلِهِ، مَقْتُولًا أَوْ غَيْرَ مَقْتُولٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلا} [آل عمران: 145] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] . [مَسْأَلَة لَا يموت أَحَد حَتَّى يستوفي رزقه ويعمل مَا يسر لَهُ] 71 - مَسْأَلَةٌ: وَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ وَيَعْمَلَ بِمَا يُسِّرَ لَهُ، السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبِي وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ قَالُوا: ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ

مسألة أعمال العباد خيرها وشرها كل ذلك مخلوق

أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» . [مَسْأَلَة أَعْمَال الْعِبَادِ خَيْرهَا وَشَرّهَا كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ] 72 - مَسْأَلَةٌ: وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ - خَيْرِهَا وَشَرِّهَا - كُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ تَعَالَى خَالِقُ الِاخْتِيَارِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي نُفُوسِ عِبَادِهِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} [السجدة: 4] . [مَسْأَلَة لَا حُجَّةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ] 73 - مَسْأَلَةٌ: لَا حُجَّةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْقَائِمَةُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ. قَالَ تَعَالَى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] . 74 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَكُلُّ أَفْعَالِهِ تَعَالَى عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاضِعُ كُلِّ مَوْجُودٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا حَاكِمَ عَلَيْهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] . [مَسْأَلَةٌ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وكل ذَلِكَ عَقْدِ بِالْقَلْبِ] 75 - مَسْأَلَةٌ: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ شَيْءٌ وَاحِدٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 35] {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 36] وَقَالَ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17] . 76 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ثنا أَبِي ثنا كَهْمَسٌ التَّمِيمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ - وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ قُلْت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا قُتَيْبَةُ ثنا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ثنا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ الْهَادِ

مسألة اعتقد الإيمان بقلبه ولم ينطق به بلسانه دون تقية

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِلنِّسَاءِ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ دِينٍ وَعَقْلٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ، قَالَتْ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ. وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ» . قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] فَصَحَّ أَنَّ الدِّينَ هُوَ الْإِسْلَامُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِيمَانُ، فَالدِّينُ هُوَ الْإِيمَانُ، وَالدِّينُ يَنْقُصُ بِنَقْصِ الْإِيمَانِ وَيَزِيدُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ بِلِسَانِهِ دُونَ تَقِيَّةٍ] 77 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ بِلِسَانِهِ دُونَ تَقِيَّةٍ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ نَطَقَ بِهِ دُونَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: إنَّهُمْ يَعْلَمُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَعْلَمُونَ أَبْنَاءَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] [مَسْأَلَةٌ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِهِ بِلِسَانِهِ] 78 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِهِ بِلِسَانِهِ فَقَدْ وُفِّقَ، سَوَاءٌ اسْتَدَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَدِلَّ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ اسْتِدْلَالًا وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُذْ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى أَنْ قَبَضَهُ يُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يُقِرُّوا بِالْإِسْلَامِ وَيَلْتَزِمُوهُ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ قَطُّ اسْتِدْلَالًا، وَلَا سَأَلَهُمْ هَلْ اسْتَدَلُّوا أَمْ لَا،

مسألة من ضيع الأعمال كلها

وَعَلَى هَذَا جَرَى جَمِيعُ الْإِسْلَامِ إلَى الْيَوْمِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ ضَيَّعَ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا] 79 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ضَيَّعَ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ عَاصٍ نَاقِصُ الْإِيمَانِ لَا يَكْفُرُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثنا أَبِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ «حَتَّى إذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَضَائِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.» [مَسْأَلَةٌ الْيَقِينُ لَا يَتَفَاضَلُ] 80 - مَسْأَلَةٌ: وَالْيَقِينُ لَا يَتَفَاضَلُ، لَكِنْ إنْ دَخَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَكٍّ أَوْ جَحْدٍ بَطَلَ كُلُّهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ إثْبَاتُ الشَّيْءِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتٌ أَكْثَرَ مِنْ إثْبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ الْإِثْبَاتَ صَارَ شَكًّا. [مَسْأَلَةٌ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ فَوَاحِشُ وَسَيِّئَاتٌ صَغَائِرُ وَلَمَمٌ] 81 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَعَاصِي كَبَائِرُ فَوَاحِشُ، وَسَيِّئَاتٌ صَغَائِرُ وَلَمَمٌ، وَاللَّمَمُ مَغْفُورٌ جُمْلَةً، فَالْكَبَائِرُ الْفَوَاحِشُ هِيَ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالنَّارِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ اجْتَنَبَهَا غُفِرَتْ لَهُ جَمِيعُ سَيِّئَاتِهِ الصَّغَائِرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32] وَاللَّمَمُ هُوَ الْهَمُّ بِالشَّيْءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا الْأَثَرَ فِي أَنَّ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ» وَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] وَبِالضَّرُورَةِ نَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَبِيرًا إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا، فَإِذَا كَانَ

مسألة من لم يجتنب الكبائر

الْعِقَابُ بَالِغًا أَشَدَّ مَا يُتَخَوَّفُ فَالْمُوجِبُ لَهُ هُوَ كَبِيرٌ بِلَا شَكٍّ، وَمَا لَا تَوَعُّدَ فِيهِ بِالنَّارِ فَلَا يَلْحَقُ فِي الْعِظَمِ مَا تُوُعِّدَ فِيهِ بِالنَّارِ، فَهُوَ الصَّغِيرُ بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ] 82 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْكَبَائِرَ حُوسِبَ عَلَى كُلِّ مَا عَمِلَ، وَوَازَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ أَعْمَالِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَبَيْنَ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ الَّتِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا وَلَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهَا، فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَاوَتْ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتِهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 6] {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 7] وَمَنْ تَسَاوَتْ فَهُمْ أَهْلُ الْأَعْرَافِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الذُّنُوبَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، أَخْبَرَنِي هُشَيْمٌ ثنا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . [مَسْأَلَةٌ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ بِحَسَنَاتِهِ] 83 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ بِحَسَنَاتِهِ فَهُمْ الْخَارِجُونَ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 8] {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة: 10] {نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 11] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: 17] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ

مسألة الناس في الجنة على قدر فضلهم عند الله

إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثنا أَبِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ يَعْنِي الْمُوبَقَ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُخَرْدَلُ حَتَّى يُنَجَّى» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا ثنا مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ - أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً» . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا «إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» بِمُعَارِضٍ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] وقَوْله تَعَالَى فِي النَّصَارَى حَاكِيًا عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] قَالَ اللَّهُ: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] لَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَغْفِرُ وَلَا يُعَذِّبُ مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، وَالْمُبَيِّنُ لِأَحْكَامِ هَؤُلَاءِ مِمَّا ذَكَرْنَا هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى سَائِرِ النُّصُوصِ الْمُجْمَلَةِ. وَكَذَلِكَ تَقْضِي هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى كُلِّ نَصٍّ فِيهِ: مَنْ فَعَلَ كَذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ، وَعَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] وَمَعْنَى كُلِّ هَذَا أَنَّ اللَّهَ يُحَرِّمُ الْجَنَّةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَصَّ مِنْهُ، وَيُحَرِّمُ النَّارَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُدَ فِيهَا أَبَدًا، وَخَالِدًا فِيهَا مُدَّةً حَتَّى تُخْرِجَهُ الشَّفَاعَةُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعِ النُّصُوصِ كُلِّهَا. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ النَّاسُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ] 84 - مَسْأَلَةٌ: وَالنَّاسُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَفْضَلُ النَّاسِ

مسألة الخلافة في قريش

أَعْلَاهُمْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَةً، بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10] {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 11] {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 12] وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ أَنْقَصَ دَرَجَةً لَبَطَلَ الْفَضْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى وَلَا رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ، وَلَيْسَ لِلْفَضْلِ مَعْنًى إلَّا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ الْأَرْفَعِ فِي الدُّنْيَا وَتَرْفِيعِ مَنْزِلَتِهِ فِي الْجَنَّةِ. 85 - مَسْأَلَةٌ: وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ أَزْوَاجُهُمْ ثُمَّ سَائِرُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعُهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «لَوْ كَانَ لِأَحَدِنَا مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ أَعْلَاهُمْ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ، وَلَا مَنْزِلَةَ أَعْلَى مِنْ دَرَجَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، فَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ دُونَهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِنِسَائِهِمْ فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ - لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ - لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبياء: 101 - 103] فَجَاءَ النَّصُّ أَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحُسْنَى. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 9] وَصَحَّ بِالنَّصِّ كُلُّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى، فَإِنَّهُ مُبْعَدٌ عَنْ النَّارِ لَا يَسْمَعُ حَسِيسَهَا، وَهُوَ فِيمَا اشْتَهَى خَالِدٌ لَا يَحْزُنُهُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ. وَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا، وَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ وَلَا سَائِرُ الْكُفَّارِ، مِنْ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا مِنْ الْمُضَافِينَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [مَسْأَلَةٌ الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ] 86 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْخِلَافَةُ إلَّا فِي قُرَيْشٍ، وَهُمْ وَلَدُ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، الَّذِينَ يَرْجِعُونَ بِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ ثنا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ» .

مسألة لا يجوز الأمر لغير بالغ ولا لمجنون ولا امرأة

قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَفْظَةُ الْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْأَمْرَ فَحَرَامٌ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِهِمْ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخَبَرِ كَلَفْظِهِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَا أَمْرَ لَهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا خَبَرٌ يُوجِبُ مَنْعَ الْأَمْرِ عَمَّنْ سِوَاهُمْ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ الْأَمْرُ لِغَيْرِ بَالِغٍ وَلَا لِمَجْنُونٍ وَلَا امْرَأَةٍ] 87 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْأَمْرُ لِغَيْرِ بَالِغٍ وَلَا لِمَجْنُونٍ وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إلَّا إمَامٌ وَاحِدٌ فَقَطْ، وَمَنْ بَاتَ لَيْلَةً وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَلَا يَجُوزُ التَّرَدُّدُ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ فِي اخْتِيَارِ الْإِمَامِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَعْقِلَ» .

قَالَ عَلِيٌّ: الْإِمَامُ إنَّمَا جُعِلَ لِيُقِيمَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَيَأْخُذَ صَدَقَاتِهِمْ وَيُقِيمَ حُدُودَهُمْ وَيُمْضِيَ أَحْكَامَهُمْ وَيُجَاهِدَ عَدُوَّهُمْ، وَهَذِهِ كُلُّهَا عُقُودٌ، وَلَا يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ مَنْ لَا يَعْقِلُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ثنا أَبِي ثنا عَاصِمٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» .

مسألة التوبة من الكفر والزنى وفعل قوم لوط والخمر

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِيُّ ثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» . فَصَحَّ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قَائِلٌ بِالْحَقِّ، فَإِذَا صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ حَقٌّ مَقْطُوعٌ بِذَلِكَ، إذَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ لَا مُخَالِفَ فِي ذَلِكَ وَقُطِعَ بِهِ وَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ رَضُوا بَقَاءَ السِّتَّةِ - إذْ مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَرْتَئُونَ فِي إمَامٍ، فَصَحَّ هَذَا وَبَطَلَ مَا زَادَ عَلَيْهِ، إذْ لَمْ تُبِحْهُ سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ تَدَبَّرْنَا هَذِهِ الْقِصَّةَ فَوَجَدْنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ وَلَّى الْأَمْرَ أَحَدَ السِّتَّةِ الْمُعَيَّنِينَ أَيَّهُمْ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ الْإِمَامَ سَاعَةَ مَوْتِ عُمَرَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، بِإِسْنَادِ عُمَرَ الْأَمْرَ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِيهِ مِنْ اخْتِيَارِهِمْ إيَّاهُ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَصَحَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْقُوا سَاعَةً، فَكَيْفَ لَيْلَةً دُونَ إمَامٍ؟ بَلْ كَانَ لَهُمْ إمَامٌ مُعَيَّنٌ مَحْدُودٌ مَوْصُوفٌ مَعْهُودٌ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْهُ النَّاسُ بِعَيْنِهِ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. [مَسْأَلَةٌ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالزِّنَى وَفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ وَالْخَمْرِ] 88 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالزِّنَى وَفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ وَالْخَمْرِ وَأَكْلِ الْأَشْيَاءِ

الْمُحَرَّمَةِ كَالْخِنْزِيرِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: تَكُونُ بِالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزِيمَةِ، عَلَى أَنْ لَا عَوْدَةَ أَبَدًا، وَاسْتِغْفَارِ اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ فِي أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لَا تَكُونُ إلَّا بِرَدِّ أَمْوَالِهِمْ إلَيْهِمْ، وَرَدِّ كُلِّ مَا تَوَلَّدَ مِنْهَا مَعَهَا أَوْ مِثْلِ ذَلِكَ إنْ فَاتَ، فَإِنْ جَهِلُوا فَفِي الْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ مَعَ النَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَتَحَلُّلِهِمْ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا بُدَّ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الِانْتِصَافِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ يُقْتَصُّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْقَتْلِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَلَا تَكُونُ إلَّا بِالْقِصَاصِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لِيُرَجِّحَ مِيزَانَ الْحَسَنَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيِّ ثنا مَرْوَانُ يَعْنِي بْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ - ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» ، وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا

مسألة اعتقاد أن الدجال سيأتي وهو كافر اعور

وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ، لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّهُ خَبَرٌ مُفَسَّرٌ مُخَصَّصٌ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَلَا تَخْصِيصُهُ بِعُمُومِ خَبَرٍ آخَرَ. [مَسْأَلَةٌ اعتقاد أَنْ الدجال سيأتي وَهُوَ كَافِر اعَوَرَّ] 89 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ الدَّجَّالَ سَيَأْتِي وَهُوَ كَافِرٌ أَعْوَرُ مُمَخْرَقٌ ذُو حِيَلٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إنَّهُ أَعْوَرُ. وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كُفْر» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ «مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْته عَنْهُ، قَالَ وَمَا سُؤَالُكَ عَنْهُ؟ قَالَ: قُلْت: إنَّهُمْ يَقُولُونَ مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ قَالَ: هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا جَرِيرٌ نا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ قَالَ: سَمِعْت عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاَللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ، قَالَ هَكَذَا، قَالَ نَعَمْ»

مسألة النبوة هي الوحي من الله تعالى

[مَسْأَلَةٌ النُّبُوَّةُ هِيَ الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى] مَسْأَلَةٌ: وَالنُّبُوَّةُ هِيَ الْوَحْيُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَعْلَمَ الْمُوحَى إلَيْهِ بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ قَبْلُ. وَالرِّسَالَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ وَزِيَادَةٌ، وَهِيَ بَعْثَتُهُ إلَى خَلْقٍ مَا بِأَمْرٍ مَا - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ - وَالْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبِيٌّ قَدْ مَاتَ، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَاكِيًا عَنْ الْخَضِرِ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82] فَصَحَّتْ نُبُوَّتُهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . [اعتقاد أَنْ إبْلِيس بَاقٍ حي قَدْ خاطب اللَّه عَزَّ وَجَلّ معترفا بذنبه مصرا عَلَيْهِ] 91 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنَّ إبْلِيسَ بَاقٍ حَيٌّ قَدْ خَاطَبَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ مُصِرًّا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ، وَأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَامْتَنَعَ وَاسْتَخَفَّ بِآدَمَ فَكَفَرَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] وَأَنَّهُ قَالَ: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: 14] وَأَنَّهُ قَالَ: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] . [مَسَائِلُ مِنْ الْأُصُولِ] [مَسْأَلَةٌ دِينُ الْإِسْلَامِ يُؤْخَذُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ السُّنَّةِ] .

مسألة الحديث الموقوف والمرسل لا تقوم بهما حجة

مَسْأَلَةٌ: دِينُ الْإِسْلَامِ اللَّازِمُ لِكُلِّ أَحَدٍ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا بِرِوَايَةِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْإِجْمَاعُ، وَإِمَّا بِنَقْلِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ نَقْلُ الْكَافَّةِ. وَإِمَّا بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَاحِدًا عَنْ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا مَزِيدَ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فَإِنْ تَعَارَضَ فِيمَا يَرَى الْمَرْءُ آيَتَانِ أَوْ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، أَوْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَآيَةٌ، فَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْوُجُوبِ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مَا دُمْنَا نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا إلَّا بِأَنْ يَسْتَثْنِيَ الْأَقَلُّ مَعَانِيَ مِنْ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْأَخْذُ بِالزَّائِدِ حُكْمًا لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وُجُوبُهُ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالظُّنُونِ، وَلَا إشْكَالَ فِي الدِّينِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ. قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . [مَسْأَلَةٌ الْحَدِيث الْمَوْقُوفُ وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ] 93 - مَسْأَلَةٌ: الْمَوْقُوفُ وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ، وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَرْوِهِ إلَّا مَنْ لَا يُوثَقُ بِدِينِهِ وَبِحِفْظِهِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَالْمُرْسَلُ هُوَ مَا كَانَ بَيْنَ

أَحَدِ رُوَاتِهِ أَوْ بَيْنَ الرَّاوِي وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا يُعْرَفُ، وَالْمَوْقُوفُ هُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بُرْهَانُ بُطْلَانِ الْمَوْقُوفِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ ظَنٌّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَأَمَّا الْمُرْسَلُ وَمَنْ فِي رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِدِينِهِ وَحِفْظِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122] فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ قَبُولَ نِذَارَةِ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] وَلَيْسَ فِي الْعَالِمِ إلَّا عَدْلٌ أَوْ فَاسِقٌ، فَحَرَّمَ تَعَالَى عَلَيْنَا قَبُولَ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَدْلُ، وَصَحَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقَبُولِ نِذَارَتِهِ. وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَلَسْنَا عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا بِقَبُولِ نِذَارَتِهِ، وَهِيَ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، فَلَا يَحِلُّ لَنَا قَبُولُ نِذَارَتِهِ حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَنَا فِقْهُهُ فِي الدِّينِ وَحِفْظُهُ لِمَا ضَبَطَ عَنْ ذَلِكَ وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْفِسْقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة القرآن ينسخ القرآن والسنة تنسخ السنة

وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَمِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رَسُولًا - رَسُولًا وَاحِدًا - إلَى كُلِّ مَمْلَكَةٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَاحِدًا وَاحِدًا، إلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَإِلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ كَصَنْعَاءَ وَالْجُنْدِ وَحَضْرَمَوْتَ وَتَيْمَاءَ وَنَجْرَانَ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ وَغَيْرِهَا، يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ الدِّينِ كُلَّهَا، وَافْتَرَضَ عَلَى كُلِّ جِهَةٍ قَبُولَ رِوَايَةِ أَمِيرِهِمْ وَمُعَلِّمِهِمْ، فَصَحَّ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ عَنْ مِثْلِهِ مُبَلِّغًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَنْ تَرَكَ الْقُرْآنَ أَوْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ رَاوِيَ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَوْ غَيْرَهُ، فَقَدْ تَرَكَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ لِقَوْلِ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِطَاعَتِهِ وَلَا بِاتِّبَاعِهِ. وَهَذَا خِلَافٌ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ فَضْلُ الصَّاحِبِ عِنْدَ اللَّهِ بِمُوجِبِ تَقْلِيدِ قَوْلِهِ وَتَأْوِيلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، لَكِنْ مُوجِبُ تَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَقَبُولِ رِوَايَتِهِ فَقَطْ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ الْقُرْآنُ يَنْسَخُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةُ تَنْسَخُ السُّنَّةَ] - 94 مَسْأَلَةٌ: وَالْقُرْآنُ يَنْسَخُ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةُ تَنْسَخُ السُّنَّةَ وَالْقُرْآنَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ} [الحاقة: 44] {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 46] {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47] وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ، وَالنَّسْخُ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الْبَيَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. . [مَسْأَلَةٌ النَّسْخ والتخصيص فِي الْقُرْآن وَالسَّنَة] - 95 مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي آيَةٍ أَوْ فِي خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ وَهَذَا مَخْصُوصٌ فِي بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ، وَلَا أَنَّ لِهَذَا النَّصِّ تَأْوِيلًا غَيْرَ مُقْتَضٍ ظَاهِرَ لَفْظِهِ، وَلَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْنَا مِنْ حِينِ وُرُودِهِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ وَارِدٍ بِأَنَّ هَذَا النَّصَّ كَمَا ذُكِرَ، أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقِّنٍ بِأَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ، أَوْ بِضَرُورَةِ حِسٍّ مُوجِبَةٍ أَنَّهُ كَمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ.

مسألة الإجماع هو ما تيقن أن جميع أصحاب رسول الله عرفوه

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} [البقرة: 75] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ} [النساء: 64] مُوجِبٌ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ، وقَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ} [آل عمران: 32] مُوجِبٌ طَاعَةَ الْقُرْآنِ، وَمَنْ ادَّعَى فِي آيَةٍ أَوْ خَبَرٍ نَسْخًا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ طَاعَتِهِمَا، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] مُوجِبٌ أَخْذَ كُلِّ نَصٍّ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَمُقْتَضَاهُ. وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى غَيْرِ مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمَهُ، وَقَالَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ الْبَاطِلَ وَخِلَافَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَا كُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ فَقَدْ أَسْقَطَ بَيَانَ النَّصِّ وَأَسْقَطَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ لَهُ بِدَعْوَاهُ الْكَاذِبَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ، وَلَيْسَ بَعْضُ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ بِأَوْلَى بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ مَا يَقْتَضِيهِ. قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] مُوجِبٌ لِلْوَعِيدِ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا تَجِبُ عَلَيَّ مُوَافَقَةُ أَمْرِهِ، وَمُوجِبٌ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَمَنْ ادَّعَى تَأْخِيرَ الْوُجُوبِ مُدَّةً مَا فَقَدْ أَسْقَطَ وُجُوبَ طَاعَةِ اللَّهِ وَوُجُوبَ مَا أَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. وَهَذَا خِلَافٌ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِذَا شَهِدَ لِدَعْوَى مَنْ ادَّعَى بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، إمَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ نَقْلٍ صَحِيحٍ، فَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ وَوَجَبَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ ضَرُورَةُ الْحِسِّ؛ لِأَنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي النُّفُوسِ، وَإِلَّا فَهِيَ أَقْوَالٌ مُؤَدِّيَةٌ إلَى إبْطَالِ الْإِسْلَامِ وَإِبْطَالِ جَمِيعِ الْعُلُومِ وَإِبْطَالِ جَمِيعِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا، وَكَفَى بِهَذَا فَسَادًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعُ هُوَ مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ عَرَفُوهُ] - 96 مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجْمَاعُ هُوَ مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفُوهُ

مسألة لا يجوز أن يجمع أهل عصر ولو طرفة عين على خطإ

وَقَالُوا بِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَتَيَقُّنِنَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صَلَّوْا مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كَمَا هِيَ فِي عَدَدِ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ صَامُوا مَعَهُ، أَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَامَ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الشَّرَائِعِ الَّتِي تَيَقَّنَتْ مِثْلَ هَذَا الْيَقِينِ. وَاَلَّتِي مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا مَا لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إجْمَاعٌ. وَهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ لَا مُؤْمِنَ فِي الْأَرْضِ غَيْرُهُمْ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَ هَذَا هُوَ إجْمَاعٌ كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ. 97 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا صَحَّ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُتَيَقَّنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَرَفَهُ وَدَانَ بِهِ فَلَيْسَ إجْمَاعًا، لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ هَهُنَا فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] . [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ عَصْرٍ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَلَى خَطَإٍ] - 98 مَسْأَلَةٌ إجْمَاعُ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ أَوَّلِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ نَصٍّ لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُتَيَقَّنَ إجْمَاعُ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَهُمْ أَوَّلِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى حُكْمِ نَصٍّ لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ وَلَيْسَ كَانَ يَكُونُ إجْمَاعًا.

مسألة اختلف الناس أو نازع واحد في مسألة ما

أَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَحُجَّةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ عَصْرٍ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَلَى خَطَإٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَائِلٍ بِالْحَقِّ فِيهِمْ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا، فَلِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَيْسَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا هُمْ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَا إجْمَاعُ بَعْضِهِمْ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا خَرَجَ عَنْ الْجُمْلَةِ وَاحِدٌ لَا يُعْرَفُ أَيُوَافِقُ سَائِرَهُمْ أَمْ يُخَالِفُهُمْ لَجَازَ أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا خَرَجَ عَنْهُمْ فِيهِ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ. وَهَكَذَا أَبَدًا إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يُسَمَّى إجْمَاعًا مَا قَالَهُ وَاحِدٌ. وَهَذَا بَاطِلٌ. وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى تَيَقُّنِ إجْمَاعِ أَهْلِ عَصْرٍ بَعْدَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَذَلِكَ. بَلْ كَانُوا عَدَدًا مُمْكِنًا حَصْرُهُ وَضَبْطُهُ وَضَبْطُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ يُعْلَمُ رِضَا أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِأَقْوَالِ هَؤُلَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ أَنْ يَكُونَ مَسْأَلَةً قَالَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ إلَّا وَفِي أَصْحَابِهِ مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَهُ فِيهَا وَإِنْ وَافَقَهُ فِي سَائِرِ أَقْوَالِهِ. [مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ أَوْ نَازَعَ وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ مَا] - 99 مَسْأَلَةٌ: وَالْوَاجِبُ إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ أَوْ نَازَعَ وَاحِدٌ فِي مَسْأَلَةٍ مَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَى شَيْءٍ غَيْرِهِمَا. وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا تَحْرِيمُ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى قَوْلِ إنْسَانٍ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَعْلِيقِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ. وَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ

مسألة القول بالقياس

وَعُمَّالُهُمْ بِالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَسَائِرِ الْبِلَادِ وَعُمَّالُ عُمَرَ بِالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - طَوَوْا عِلْمَ الْوَاجِبِ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ عَنْ سَائِرِ الْأَمْصَارِ وَاخْتَصُّوا بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَهَذِهِ صِفَةُ سُوءٍ قَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، وَقَدْ عَمِلَ مُلُوكُ بَنِي أُمَيَّةَ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ التَّكْبِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ، حَتَّى فَشَا ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي عَمَلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ] 100 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِالْقِيَاسِ فِي الدِّينِ وَلَا بِالرَّأْيِ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرَّدِّ إلَى كِتَابِهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَحَّ، فَمَنْ رَدَّ إلَى قِيَاسٍ وَإِلَى تَعْلِيلٍ يَدَّعِيه أَوْ إلَى رَأْيٍ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَلَّقَ بِالْإِيمَانِ وَرَدَّ إلَى غَيْرِ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقَوْله تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وقَوْله تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] إبْطَالٌ لِلْقِيَاسِ وَلِلرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا مَا دَامَ يُوجَدُ نَصٌّ، وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ شَيْئًا، وَأَنَّ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ بَيَّنَ لِلنَّاسِ كُلَّ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ، وَأَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ فَصَحَّ أَنَّ النَّصَّ قَدْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ الدِّينِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ بِأَحَدٍ إلَى قِيَاسٍ وَلَا إلَى رَأْيِهِ وَلَا إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ. وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ: هَلْ كُلُّ قِيَاسٍ قَاسَهُ قَائِسٌ حَقٌّ، أَمْ مِنْهُ حَقٌّ وَمِنْهُ بَاطِلٌ

فَإِنْ قَالَ كُلُّ قِيَاسٍ حَقٌّ أَحَالَ، لِأَنَّ الْمَقَايِيسَ تَتَعَارَضُ وَيُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَضِدُّهُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ حَقًّا مَعًا، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ وَلَا تَخْصِيصٍ، كَالْأَخْبَارِ الْمُتَعَارِضَةِ الَّتِي يَنْسَخُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُخَصِّصُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَإِنْ قَالَ مِنْهَا حَقٌّ وَمِنْهَا بَاطِلٌ، قِيلَ لَهُ فَعَرِّفْنَا بِمَاذَا تَعْرِفُ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَى تَصْحِيحِ الصَّحِيحِ مِنْ الْقِيَاسِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْهُ، فَقَدْ بَطَلَ كُلُّهُ وَصَارَ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ سَأَلُوا أَيْنَ وَجَدُوا ذَلِكَ، فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] قِيلَ لَهُمْ: إنَّ الِاعْتِبَارَ لَيْسَ هُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ إلَّا التَّعَجُّبَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} [النحل: 66] أَيْ لَعَجَبًا. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف: 111] أَيْ عَجَبٌ، وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِاعْتِبَارِ الْقِيَاسَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا قِيسُوا، ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَنَا مَاذَا نَقِيسُ وَلَا كَيْفَ نَقِيسُ وَلَا عَلَى مَاذَا نَقِيسُ. هَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ إلَّا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَإِنْ ذَكَرُوا أَحَادِيثَ وَآيَاتٍ فِيهَا تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَأَنَّ اللَّهَ قَضَى وَحَكَمَ بِأَمْرِ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا، قُلْنَا لَهُمْ: كُلُّ مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقٌّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ، وَهُوَ نَصٌّ بِهِ نَقُولُ: وَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ تُشَبِّهُوهُ فِي الدِّينِ وَأَنْ تُعَلِّلُوهُ مِمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا بُدَّ وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَهْوِيلَهُمْ بِذِكْرِ آيَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَ «أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ» وَ {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] . وَكُلُّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ مَوَّهُوا بِإِيرَادِهِ هُوَ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَاهُ فِي كِتَابِ (الْإِحْكَامِ لِأُصُولِ الْأَحْكَامِ) وَفِي كِتَابِ النُّكَتِ وَفِي كِتَابِ الدُّرَّةِ وَفِي كِتَابِ النُّبْذَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ عَارَضْنَاهُمْ فِي كُلِّ قِيَاسٍ قَاسُوهُ بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ وَأَوْضَحَ مِنْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ لِنُرِيَهُمْ فَسَادَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً، فَمَوَّهَ مِنْهُمْ مُمَوِّهُونَ بِأَنْ قَالُوا: أَنْتُمْ دَأَبًا تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا مِنْكُمْ رُجُوعٌ إلَى الْقِيَاسِ وَاحْتِجَاجٌ بِهِ، وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَجِّ عَلَى غَيْرِهِ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ لِيُبْطِلَ حُجَّةَ الْعَقْلِ وَبِدَلِيلٍ مِنْ النَّظَرِ لِيُبْطِلَ بِهِ النَّظَرَ قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا هَذَا شَغَبٌ سَهْلٌ إفْسَادُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ

فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، لَكِنْ أَرَيْنَاكُمْ أَنَّ أَصْلَكُمْ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ يَشْهَدُ بِفَسَادِ جَمِيعِ قِيَاسَاتِكُمْ. وَلَا قَوْلَ أَظْهَرُ بَاطِلًا مِنْ قَوْلٍ أَكْذَبَ نَفْسَهُ. وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى هَذَا. فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: 18] فَلَيْسَ هَذَا تَصْحِيحًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وَلَكِنْ إلْزَامٌ لَهُمْ مَا يَفْسُدُ بِهِ قَوْلُهُمْ وَلَسْنَا فِي ذَلِكَ كَمَنْ ذَكَرْتُمْ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي إبْطَالِ حُجَّةِ الْعَقْلِ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ. لَكِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مُصَحِّحٌ لِقَضِيَّتِهِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُ مِنْ قَرِيبٍ. وَلَا حُجَّةَ لَهُ غَيْرُهَا فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَحْتَجَّ قَطُّ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ نُصَحِّحُهُ. لَكِنْ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ بِالنُّصُوصِ وَبِبَرَاهِينِ الْعَقْلِ. ثُمَّ نَزِيدُ بَيَانًا فِي فَسَادِهِ مِنْهُ نَفْسِهِ بِأَنْ نُرِيَ تَنَاقُضَهُ جُمْلَةً فَقَطْ وَالْقِيَاسَ الَّذِي نُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَكُمْ. نَحْنُ نُقِرُّ بِفَسَادِهِ وَفَسَادِ قِيَاسِكُمْ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَضْعَفُ مِنْهُ. كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَقَالَةٍ مِنْ مُعْتَزِلَةٍ وَرَافِضَةٍ وَمُرْجِئَةٍ وَخَوَارِج وَيَهُودٍ وَنَصَارَى وَدَهْرِيَّةٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ الَّتِي يَشْهَدُونَ بِصِحَّتِهَا. فَنُرِيهِمْ تَفَاسُدَهَا وَتَنَاقُضَهَا. وَأَنْتُمْ تَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ مَعَنَا بِذَلِكَ. وَلَسْنَا نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ مِمَّنْ يُقِرُّ بِتِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهَا، بَلْ هِيَ عِنْدَنَا فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَاد. وَكَاحْتِجَاجِنَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ كُتُبِهِمْ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. وَنَحْنُ لَا نُصَحِّحُهَا. بَلْ نَقُولُ إنَّهَا لَمُحَرَّفَةٌ مُبَدَّلَةٌ. لَكِنْ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَ أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ. لَا سِيَّمَا وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ مُخْتَلِفُونَ فِي قِيَاسَاتِهِمْ. لَا تَكَادُ تُوجَدُ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَأْتِي بِقِيَاسٍ تَدَّعِي صِحَّتَهُ تُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَ الْأُخْرَى. وَهُمْ كُلُّهُمْ مُقِرُّونَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قِيَاسٍ صَحِيحًا وَلَا كُلُّ رَأْيٍ حَقًّا. فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَاتُوا حَدَّ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ وَالرَّأْيَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَتَمَيَّزَانِ بِهِ مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ وَالرَّأْيِ الْفَاسِدِ. وَهَاتُوا حَدَّ الْعِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تَقِيسُونَ إلَّا عَلَيْهَا مِنْ الْعِلَّةِ الْفَاسِدَةِ فَلَجْلَجُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مَكَانٌ إنْ زُمَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَى جَوَابٍ يُفْهَمُ سَبِيلٌ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِنَصٍّ قُلْنَا النَّصُّ حَقٌّ وَاَلَّذِي تُرِيدُونَ أَنْتُمْ إضَافَتَهُ إلَى النَّصِّ بِآرَائِكُمْ بَاطِلٌ وَفِي هَذَا خُولِفْتُمْ. وَهَكَذَا أَبَدًا. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ قِيلَ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى إبْطَالِهِ.

بُرْهَانُ كَذِبِهِمْ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ حَدِيثٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ أَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ أَبَدًا إلَّا فِي الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ فِيهَا: وَاعْرِفْ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ وَقِسْ الْأُمُورَ وَهَذِهِ رِسَالَةٌ لَمْ يَرْوِهَا إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَاقِطٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَبُوهُ أَسَقْطُ مِنْهُ أَوْ هُوَ مِثْلُهُ فِي السُّقُوطِ، فَكَيْفَ وَفِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ نَفْسِهَا أَشْيَاءُ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِيهَا: وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ. وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - يَعْنِي جَمِيعَ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ - حَنَفِيَّهُمْ وَشَافِعِيَّهُمْ وَمَالِكِيَّهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ - لَوْ صَحَّ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ - فِي الْقِيَاسِ حُجَّةً، فَقَوْلُهُ فِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ كُلُّهُمْ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حُجَّةً، فَلَيْسَ قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ حُجَّةً، لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَمْ يَصِحَّ. وَأَمَّا بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ مُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ وَفِيهِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] وَفِيهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَعْلَمُونَ هَذَا وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، ثُمَّ يَرُدُّونَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ. هَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ بِهِمْ ذُو عَقْلٍ، فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي أَوْ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إنْ قُلْتَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي أَوْ بِمَا لَا أَعْلَمُ، وَصَحَّ عَنْ الْفَارُوقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ وَإِنَّ الرَّأْيَ مِنَّا هُوَ الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ، وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فُتْيَا أَفْتَى بِهَا إنَّمَا كَانَ

رَأْيًا رَأَيْته فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَأَقُولُ فِيهَا بِجَهْدِ رَأْيِي، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي حَدِيثِ: يُبْتَدَعُ كَلَامًا لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ. وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ كُلُّ رَأْيٍ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا عَلَى أَنَّهُ إلْزَامٌ وَلَا أَنَّهُ حَقٌّ، لَكِنَّهُ إشَارَةٌ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ تَوَرُّعٍ فَقَطْ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ الَّذِي فِيهِ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو، لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ لَمْ يُسَمِّهِمْ عَنْ مُعَاذٍ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلَّهَا فِي كِتَابِنَا الْمَذْكُورِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو قَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّرِيعَةُ كُلُّهَا إمَّا فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ. وَإِمَّا حَرَامٌ يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ وَإِمَّا مُبَاحٌ لَا يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ وَلَا مَنْ تَرَكَهُ. وَهَذَا الْمُبَاحُ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: إمَّا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ وَلَا يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ. وَإِمَّا مَكْرُوهٌ يُؤْجَرُ مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يَعْصِي مَنْ

فَعَلَهُ. وَإِمَّا مُطْلَقٌ لَا يُؤْجَرُ مَنْ فَعَلَهُ وَلَا مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يَعْصِي مَنْ فَعَلَهُ وَلَا مَنْ تَرَكَهُ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَلَالٌ إلَّا مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فَقَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى أَعَادَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» قَالَ عَلِيٌّ: فَجَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الدِّينِ، أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا، فَفِيهِ أَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ حَرَامًا وَلَا فَرْضًا، وَأَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ، وَمَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ، وَأَنَّ مَا أَمَرَنَا بِهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا مِنْهُ مَا نَسْتَطِيعُ فَقَطْ، وَأَنْ نَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً تُؤَدِّي مَا أَلْزَمَنَا، وَلَا يَلْزَمُنَا تَكْرَارُهُ، فَأَيُّ حَاجَةٍ بِأَحَدٍ إلَى قِيَاسٍ أَوْ رَأْيٍ مَعَ هَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ إلَّا حَتَّى تُوجِدُونَا تَحْرِيمَ الْقَوْلِ بِهِ نَصًّا فِي الْقُرْآنِ. قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ أَوْجَدْنَا لَكُمْ الْبُرْهَانَ نَصًّا بِذَلِكَ وَبِأَنْ لَا يَرِدَ التَّنَازُعُ إلَّا إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ، وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74] وَالْقِيَاسُ ضَرْبُ أَمْثَالٍ فِي الدِّينِ لِلَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: إنْ

مسألة أفعال النبي ليست فرضا إلا ما كان منها بيانا لأمر

عَارَضَكُمْ الرَّوَافِضُ بِمِثْلِ هَذَا فَقَالُوا لَكُمْ: لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِإِبْطَالِ الْإِلْهَامِ وَلَا بِإِبْطَالِ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ إلَّا حَتَّى تُوجِدُوا لَنَا تَحْرِيمَ ذَلِكَ نَصًّا، أَوْ قَالَ لَكُمْ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ مَقَالَةٍ فِي تَقْلِيدِ كُلِّ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ. بِمَاذَا تَنْفَصِلُونَ؟ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَ أَوْ حَلَّلَ أَوْ أَوْجَبَ إلَّا بِنَصٍّ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَفْعَالُ النَّبِيِّ لَيْسَتْ فَرْضًا إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا بَيَانًا لِأَمْرٍ] - 101 مَسْأَلَةٌ: وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ فَرْضًا إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا بَيَانًا لِأَمْرٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ أَمْرٌ، لَكِنَّ الِائْتِسَاءَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهَا حَسَنٌ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا شَيْءٌ إلَّا مَا أَمَرَنَا بِهِ أَوْ نَهَانَا عَنْهُ، وَأَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَعَفْوٌ سَاقِطٌ عَنَّا، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لَنَا اتِّبَاعُ شَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا] - 102 مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لَنَا اتِّبَاعُ شَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» فَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَمْ يُبْعَثْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لَمْ تَلْزَمْ إلَّا مَنْ بُعِثُوا إلَيْهِ فَقَطْ، وَإِذَا لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا فَلَمْ يُخَاطِبُونَا قَطُّ بِشَيْءٍ وَلَا أَمَرُونَا وَلَا نَهَوْنَا وَلَوْ أَمَرُونَا وَنَهَوْنَا وَخَاطَبُونَا لَمَا كَانَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضِيلَةٌ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ. وَمَنْ قَالَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَبْطَلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، فَإِذَا قَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَمْ يُخَاطِبُونَا بِشَيْءٍ، فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ شَرَائِعَهُمْ لَا تَلْزَمُنَا أَصْلًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة لا يحل لأحد أن يقلد أحدا لا حيا ولا ميتا

[مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا، لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ حَسَبَ طَاقَتِهِ، فَمَنْ سَأَلَ عَنْ دِينِهِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ مَعْرِفَةَ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذَا الدِّينِ، فَفُرِضَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَجْهَلَ الْبَرِيَّةِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ مَوْضِعِهِ بِالدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا دُلَّ عَلَيْهِ سَأَلَهُ، فَإِذَا أَفْتَاهُ قَالَ لَهُ هَكَذَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ؟ فَإِنْ قَالَ لَهُ نَعَمْ أَخَذَ بِذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَبَدًا، وَإِنْ قَالَ لَهُ هَذَا رَأْيِي، أَوْ هَذَا قِيَاسٌ، أَوْ هَذَا قَوْلُ فُلَانٍ، وَذَكَرَ لَهُ صَاحِبًا أَوْ تَابِعًا أَوْ فَقِيهًا قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا، أَوْ سَكَتَ أَوْ انْتَهَرَهُ أَوْ قَالَ لَهُ لَا أَدْرِي، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ، وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فَلَمْ يَأْمُرْنَا عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الْأَمْرِ، فَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا أَوْ جَمَاعَةَ عُلَمَاءَ فَلَمْ يُطِعْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أُولِي الْأَمْرِ، وَإِذَا لَمْ يَرُدَّ إلَى مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ بِطَاعَةِ بَعْضِ أُولِي الْأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ رَأْيُهُ، وَلَا أَنْ يُطَاعَ أَهْلُ الذِّكْرِ فِي رَأْيِهِمْ وَلَا فِي دِينٍ يَشْرَعُونَهُ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا أَمَرَ تَعَالَى بِأَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الذِّكْرِ عَمَّا يَعْلَمُونَهُ فِي الذِّكْرِ الْوَارِدِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، لَا عَمَّنْ قَالَهُ مَنْ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ نِذَارَةِ النَّافِرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ فِيمَا تَفَقَّهَ فِيهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي دِينٍ لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ ادَّعَى وُجُوبَ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ لِلْمُفْتِي فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ وَقَالَ قَوْلًا لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ، بَلْ الْبُرْهَانُ قَدْ جَاءَ بِإِبْطَالِهِ، قَالَ تَعَالَى ذَامًّا لِقَوْمٍ قَالُوا: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] وَالِاجْتِهَادُ إنَّمَا مَعْنَاهُ بُلُوغُ الْجَهْدِ فِي طَلَبِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

مسألة سأل عن أعلم أهل بلده بالدين

الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَّا حَتَّى يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهُهُ لَا إلَهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الدِّينِ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَكُلُّ سَائِلٍ فِي الْأَرْضِ عَنْ نَازِلَةٍ فِي دِينِهِ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ عَمَّا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، فَإِذًا لَا شَكَّ فِي هَذَا فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ إذَا سَمِعَ فُتْيَا: أَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَهَذَا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ مَنْ يَدْرِي مَا الْإِسْلَامُ، وَلَوْ أَنَّهُ كَمَا جُلِبَ مِنْ قوقوا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. . [مَسْأَلَةٌ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالدِّينِ] 104 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا قِيلَ لَهُ - إذَا سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالدِّينِ: هَذَا صَاحِبُ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَهَذَا صَاحِبُ رَأْيٍ وَقِيَاسٍ: فَلْيَسْأَلْ صَاحِبَ الْحَدِيثِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الرَّأْيِ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَهَذَا هُوَ الدِّينُ، لَا دِينَ سِوَى ذَلِكَ، وَالرَّأْيُ وَالْقِيَاسُ ظَنٌّ وَالظَّنُّ بَاطِلٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيَّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْقَرَاطِيسِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: السُّنَّةُ لَمْ تُوضَعْ بِالْمَقَايِيسِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَخْبَرَنَا

مسألة لا حكم للخطإ ولا النسيان

إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَيْوَنٍ الْحِجَازِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرَّأْيِ. حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ، فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ مَنْ يَسْأَلُ؟ فَقَالَ أَبِي: يَسْأَلُ صَاحِبَ الْحَدِيثِ وَلَا يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ، ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ. . [مَسْأَلَةٌ لَا حُكْمَ لِلْخَطَإِ وَلَا النِّسْيَانِ] 105 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا حُكْمَ لِلْخَطَإِ وَلَا النِّسْيَانِ إلَّا حَيْثُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ لَهُمَا حُكْمٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] . [مَسْأَلَةٌ كُلُّ فَرْضٍ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ] 106 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ فَرْضٍ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ قَوِيَ عَلَى بَعْضِهِ وَعَجَزَ عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَلَزِمَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ قَبْلَ وَقْتِهِ] 107 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ قَبْلَ وَقْتِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مِنْ وَقْتِهِ وَالْآخَرُ مِنْ وَقْتِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْمَلَ قَبْلَ وَقْتِهِ وَلَا بَعْدَ وَقْتِهِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وَالْأَوْقَاتُ حُدُودٌ، فَمَنْ تَعَدَّى بِالْعَمَلِ وَقْتَهُ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

مسألة المجتهد المخطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب

فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا فِي وَقْتٍ سَمَّاهُ لَهُ فَعَمِلَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ - إمَّا قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ - فَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَمْرُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَهُوَ وَقْتُهُ أَيْضًا حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَكُونُ وَقْتًا لِلْعَمَلِ فَهُوَ مَا لَا نَصَّ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُقَلِّدِ الْمُصِيبِ] 108 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُقَلِّدِ الْمُصِيبِ. هَذَا فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ خَاصَّةً، وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا عُذْرَ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا لِلْمُقَلِّدِ، وَكِلَاهُمَا هَالِكٌ. بُرْهَانُ هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَذَمَّ اللَّهُ التَّقْلِيدَ جُمْلَةً، فَالْمُقَلِّدُ عَاصٍ وَالْمُجْتَهِدُ مَأْجُورٌ، وَلَيْسَ مَنْ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَلِّدًا لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَإِنَّمَا الْمُقَلِّدُ مَنْ اتَّبَعَ مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] . [مَسْأَلَةٌ الْحَقُّ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا] 109 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحَقُّ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَسَائِرُهَا خَطَأٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَذَمَّ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ فَقَالَ {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105] وَقَالَ: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال: 46] وَقَالَ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] فَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَقْوَالِ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ، وَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ، وَأَنَّ

الْخَطَأَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا حَقٌّ وَأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَقَدْ قَالَ قَوْلًا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا مَعْقُولٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» فَنَصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ النَّاسَ لَمْ يُكَلَّفُوا إلَّا اجْتِهَادَهُمْ فَقَدْ أَخْطَأَ، بَلْ مَا كُلِّفُوا إلَّا إصَابَةَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] فَافْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ اتِّبَاعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَأَنْ لَا نَتَّبِعَ غَيْرَهُ وَأَنْ لَا نَتَعَدَّى حُدُودَهُ، وَإِنَّمَا أُجِرَ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى نِيَّتِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَقَطْ، وَلَمْ يَأْثَمْ إذَا حُرِمَ الْإِصَابَةَ، فَلَوْ أَصَابَ الْحَقَّ أُجِرَ أَجْرًا آخَرَ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ إذَا أَصَابَ أُجِرَ أَجْرًا ثَانِيًا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» . وَلَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالظَّنِّ أَصْلًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الطهارة

[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [مَسْأَلَةٌ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الطَّهَارَةِ 110 - مَسْأَلَةٌ: الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ فَرْضٌ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ. هَذَا إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] . [مَسْأَلَةٌ لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلَّا بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ] 111 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلَّا بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا لَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِالْوُضُوءِ إلَّا لِلصَّلَاةِ عَلَى عُمُومِهَا، لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى صَلَاةً مِنْ صَلَاةٍ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا، وَلَا يُجْزِئُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِلَا نِيَّةٍ وَبِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ. كَانَ حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ يُجْزِئُ كُلُّ ذَلِكَ بِلَا نِيَّةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي بِئْرٍ لِيُخْرِجَ دَلْوًا مِنْهَا لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَجْزِيهِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَكَذَّبَ بَلْ مَا أُمِرَ إلَّا بِغَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]

فَنَفَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ أَمَرَنَا بِشَيْءٍ إلَّا بِعِبَادَتِهِ مُفْرَدِينَ لَهُ نِيَّاتِنَا بِدِينِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ فَعَمَّ بِهَذَا جَمِيعَ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا. حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيٌّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ، سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَهَذَا أَيْضًا عُمُومٌ لِكُلِّ عَمَلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ بَعْضُ الْأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ بِالدَّعْوَى. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ قِيَاسُكُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِكُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ وُضُوءٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَيْضًا، وَكَمَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ بُلُوغُ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، فَهَلَّا قِسْتُمْ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِنِيَّةٍ، لِأَنَّ كِلَيْهِمَا طُهْرٌ لِلصَّلَاةِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ قُلْنَا نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ الْغُسْلُ إلَّا لِلصَّلَاةِ بِنَصِّ الْآيَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ يُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ بَاطِلٌ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ كُلُّ تَطْهِيرٍ لِنَجَاسَةٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى صِفَةٍ مَا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَعَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ، وَكُلُّ نَجَاسَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِصِفَةٍ مَا فَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ فِي أَجْسَامِهِمْ وَلَا فِي ثِيَابِهِمْ وَلَا فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا كَذَلِكَ

مسألة الوضوء قبل الوقت وبعده

فَقَدْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ وَعِظَمُ تَنَاقُضِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْبِئْرِ كَمَا ذَكَرْنَا بِلَا دَلِيلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ احْتَاجَ الْوُضُوءُ إلَى نِيَّةٍ لَاحْتَاجَتْ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا، قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا لَازِمٌ لَكُمْ فِيمَا أَوْجَبْتُمْ مِنْ النِّيَّةِ لِلتَّيَمُّمِ وَلِلصَّلَاةِ وَهَذَا مُحَالٌ، لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمَأْمُورَ بِهَا هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا لِنَفْسِهَا، لِأَنَّهَا الْقَصْدُ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ قَوْلُهُ بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ، وَقَوْلُنَا فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. . [مَسْأَلَةٌ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ] 112 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَلَا التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ يَجْزِيَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: إذَا قُمْتُمْ إلَى صَلَاةِ فَرْضٍ، وَلَا إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ فَرْضٍ فَقُمْتُمْ إلَيْهَا، بَلْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، وَالصَّلَاةُ تَكُونُ فَرْضًا وَتَكُونُ تَطَوُّعًا بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ قَاطِبَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِطَهَارَةٍ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ أَوْ غُسْلٍ وَلَا بُدَّ، فَوَجَبَ بِنَصِّ الْآيَةِ ضَرُورَةُ أَنَّ الْمَرْءَ إذَا أَرَادَ صَلَاةَ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَقَامَ إلَيْهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ إنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ يَتَيَمَّمَ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ لِيُصَلِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصُّ الْآيَةِ بِيَقِينٍ فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ غُسْلَهُ أَوْ وُضُوءَهُ أَوْ تَيَمُّمَهُ فَقَدْ طَهُرَ بِلَا شَكٍّ. وَإِذْ قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا مُهْلَةً مِنْ مَشْيٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ عَمَلٍ.

لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُوجِبْ اتِّصَالَ الصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ لَا بِنَصِّهَا وَلَا بِدَلِيلٍ فِيهَا. وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَهَارَتِهِ وَبَيْنَ صَلَاتِهِ مُهْلَةٌ فَجَائِزٌ أَنْ تَمْتَدَّ الْمُهْلَةُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَمَادِيهَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ. وَذَلِكَ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَوْقَاتِ الْفَرْضِ. وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَمَا شَاءَ. فَصَحَّ بِنَصِّ الْآيَةِ جَوَازُ التَّطَهُّرِ بِالْغُسْلِ وَبِالْوُضُوءِ وَبِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِنَصِّ الْآيَةِ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ وَلَا مَزِيدَ. وَدَلِيلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَإِذَا ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَقَدْ صَحَّتْ الطَّهَارَةُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا يُنْتِجُ وَلَا بُدَّ جَوَازَ التَّطَهُّرِ بِكُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. بُرْهَانٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَدَّمَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، لِأَنَّ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَتَطَهُّرُ هَذَا الرَّائِحِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِي الرَّائِحِينَ إلَى الْجُمُعَةِ الْمُتَيَمِّمَ فِي السَّفَرِ وَالْمُتَوَضِّئَ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَنَعَ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَادَّعَوْا أَنَّ الْوُضُوءَ خَرَجَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّهُ تَوَضَّأَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَقِيَ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ، فَإِذَا هَذَا مُمْكِنٌ فَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

حكم خلط نية الطهارة بنية التبرد

[حُكْم خلط نِيَّة الطَّهَارَة بِنْيَة التبرد] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ خَلَطَ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ نِيَّةً لِتَبَرُّدٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] فَمَنْ مَزَجَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا نِيَّةً لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا، فَلَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ تَعَالَى الْعِبَادَةَ بِدِينِهِ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يُخْلِصْ فَلَمْ يَأْتِ بِالْوُضُوءِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلَوْ نَوَى مَعَ وُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ أَنْ يُعَلِّمَ الْوُضُوءَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ بِهِ، لِأَنَّ تَعْلِيمَ النَّاسِ الدِّينَ مَأْمُورٌ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [لَا تُجْزِئُ النِّيَّة إلَّا قَبْل الابتداء بالوضوء أَوْ غَيْره] 114 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا قَبْلَ الِابْتِدَاءِ بِالْوُضُوءِ أَوْ بِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ مُتَّصِلَةً بِالِابْتِدَاءِ بِهِ لَا يَحُولُ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ قَلَّ أَمْ كَثُرَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا صَحَّ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْعَمَلِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَا يَخْلُو مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَمَلِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ كَمَا ذَكَرْنَا فَهِيَ إمَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمَلِ زَمَانٌ فَيَصِيرُ الْعَمَلُ بِلَا نِيَّةٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ الْعَمَلِ دَقِيقَةٌ لَجَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا دَقِيقَتَانِ وَثَلَاثٌ وَأَرْبَعٌ، وَمَا زَادَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْأَمْرُ إلَى عَشَرَاتِ أَعْوَامٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلنِّيَّةِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْعَمَلِ خَالِيًا مِنْ نِيَّةٍ دَخَلَ فِيهِ بِهَا، لِأَنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِالْعَمَلِ وَالْإِرَادَةُ بِهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مُعْتَقَدًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَمَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مِنْ غَمَسَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ وَنَوَى] 115 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَمَسَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ وَنَوَى بِهِ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ، أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ حَتَّى عَمَّهَا الْمَاءُ وَنَوَى بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ، أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَيْرُهُ وَنَوَى هُوَ بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ " غُسْلٌ " يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّدَلُّكِ بِالْيَدِ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ وَقَوْلُنَا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. . [مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ] 116 - مَسْأَلَةٌ: وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ، كُلُّ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ وَبِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودَ فِيهِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى

أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا، فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ. فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي هَذَا لِمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ غَيْرِهِمَا رُوِيَ أَيْضًا كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا الْحَائِضُ فَتَقْرَأُ مَا شَاءَتْ مِنْ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَقْرَأُ الْآيَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُتِمُّ الْآيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةُ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُلْزِمُ، وَلَا بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ، وَلَا أَكَلَ مُتَّكِئًا. أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا؟ هَذَا لَا يَقُولُونَهُ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ وَمَنْ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ أَسَانِيدِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُبِيحُ لَهُ قِرَاءَةَ الْآيَةِ التَّامَّةِ أَوْ بَعْضَ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا نَهْيٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْآيَةَ أَوْ نَحْوَهَا، أَوْ قَالَ لَا يُتِمُّ الْآيَةَ، أَوْ أَبَاحَ لِلْحَائِضِ وَمَنَعَ الْجُنُبَ فَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَعَاوَى لَا يُعَضِّدُهَا دَلِيلٌ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ. وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، لِأَنَّ بَعْضَ الْآيَةِ وَالْآيَةَ قُرْآنٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاحَ لَهُ آيَةٌ أَوْ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أُخْرَى، أَوْ بَيْنَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ آيَةٍ أَوْ يُمْنَعَ مِنْ أُخْرَى، وَأَهْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ

يُشَنِّعُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الْآيَاتِ مَا هُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] وَ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] وَ {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1] وَ {وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1] وَمِنْهَا كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ كَآيَةِ الدَّيْنِ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا. فَإِنَّ فِي إبَاحَتِهِمْ لَهُ قِرَاءَةَ آيَةِ الدَّيْنِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا أَوْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ بَعْضَهَا وَلَا يُتِمُّهَا، وَمَنْعِهِمْ إيَّاهُ مِنْ قِرَاءَةِ {وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1] {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3] أَوْ مَنْعِهِمْ لَهُ مِنْ إتْمَامِ (مُدْهَامَّتَانِ) لَعَجَبًا. وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ أَمَدَ الْحَائِضِ يَطُولُ، فَهُوَ مُحَالٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهَا لِلْقُرْآنِ حَرَامًا فَلَا يُبِيحُهُ لَهَا طُولُ أَمَدِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا حَلَالًا فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِجَاجِ بِطُولِ أَمَدِهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ وَبِهِ إلَى مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ثنا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ ثنا إدْرِيسُ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْجُنُبِ هَلْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا يَقْرَؤُهُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ وَبِهِ إلَى يُوسُفَ السَّمْتِيِّ عَنْ نَصْرٍ الْبَاهِلِيِّ. قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ وَهُوَ جُنُبٌ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ الْجُنُبِ يَقْرَأُ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ: أَلَيْسَ فِي جَوْفِهِ الْقُرْآنُ؟ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا سُجُودُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ صَلَاةً أَصْلًا، لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ - وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ ثِقَةٌ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ»

فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ صَلَاةً. وَالسُّجُودُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَيْسَ رَكْعَةً وَلَا رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ صَلَاةً، وَإِذْ لَيْسَ هُوَ صَلَاةً فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا وُضُوءٍ، وَلِلْجُنُبِ وَلِلْحَائِضِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الذِّكْرِ وَلَا فَرْقَ، إذْ لَا يَلْزَمُ الْوُضُوءُ إلَّا لِلصَّلَاةِ فَقَطْ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ السُّجُودَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَبَعْضَ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ. قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَعْضُ الصَّلَاةِ صَلَاةً إلَّا إذَا تَمَّتْ كَمَا أُمِرَ بِهَا الْمُصَلِّي، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً كَبَّرَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَطَعَ عَمْدًا لَمَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ صَلَّى شَيْئًا، بَلْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، فَلَوْ أَتَمَّهَا رَكْعَةً فِي الْوِتْرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَالسَّفَرِ وَالتَّطَوُّعِ لَكَانَ قَدْ صَلَّى بِلَا خِلَافٍ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إنَّ الْقِيَامَ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرَ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَقِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَالْجُلُوسَ بَعْضُ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامَ بَعْضُ الصَّلَاةِ، فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لَا تُجِيزُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ وَلَا أَنْ يُكَبِّرَ وَلَا أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَلَا يَجْلِسَ وَلَا يُسَلِّمَ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ، فَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا هَذَا إجْمَاعٌ، قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِ حُجَّتِكُمْ وَإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْآثَارَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ لَمْ يُجِزْ لِلْجُنُبِ مَسَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةٌ وَإِمَّا صَحِيفَةٌ لَا تُسْنَدُ وَإِمَّا عَنْ مَجْهُولٍ وَإِمَّا عَنْ ضَعِيفٍ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ نا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ثنا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ هِرَقْلَ فَدَعَا هِرَقْلُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةَ إلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَعَثَ كِتَابًا وَفِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ إلَى النَّصَارَى وَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُمْ يَمَسُّونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ يَنْهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ يَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» فَهَذَا حَقٌّ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا يَمَسَّ الْمُصْحَفَ جُنُبٌ وَلَا كَافِرٌ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ لَا يَنَالَ أَهْلُ أَرْضِ الْحَرْبِ الْقُرْآنَ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ آيَةً وَاحِدَةً. قِيلَ لَهُمْ: وَلَمْ يَمْنَعْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْتُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ فَإِنْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْآيَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلَا تَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَهَا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ لَفْظُ الْخَبَرِ إلَى مَعْنَى الْأَمْرِ إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ. فَلَمَّا رَأَيْنَا الْمُصْحَفَ يَمَسُّهُ الطَّاهِرُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْنِ الْمُصْحَفَ وَإِنَّمَا عَنَى كِتَابًا آخَرَ. كَمَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ:

مسألة يجزئ الآذان والإقامة بلا طهارة وفي حال الجنابة

أَتَيْنَا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ كَنِيفٍ لَهُ فَقُلْنَا لَهُ: لَوْ تَوَضَّأْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأْتَ عَلَيْنَا سُورَةَ كَذَا؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمَلَائِكَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ ثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ: إنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مُصْحَفًا أَمَرَ نَصْرَانِيًّا فَنَسَخَهُ لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الْجُنُبُ الْمُصْحَفَ بِعِلَاقَتِهِ وَلَا يَحْمِلُهُ بِغَيْرِ عِلَاقَةٍ. وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْمِلُ الْجُنُبُ وَلَا غَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ الْمُصْحَفَ لَا بِعِلَاقَةٍ وَلَا عَلَى وِسَادَةٍ. فَإِنْ كَانَ فِي خُرْجٍ أَوْ تَابُوتٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ تَفَارِيقُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ - لَا صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ - وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. وَلَئِنْ كَانَ الْخُرْجُ حَاجِزًا بَيْنَ الْحَامِلِ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّوْحَ وَظَهْرَ الْوَرَقَةِ حَاجِزٌ أَيْضًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ وَلَا فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة يُجْزِئ الآذان وَالْإِقَامَة بِلَا طَهَارَة وَفِي حَال الْجَنَابَة] 117 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الْآذَانُ وَالْإِقَامَةُ يُجْزِئَانِ أَيْضًا بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي حَالِ الْجَنَابَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيُجْزِئُ إنْ وَقَعَ. وَقَالَ عَطَاءُ: لَا يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤَذِّنُ مَنْ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ وَلَا يُقِيمُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا فَرْقٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، فَإِنْ قَالُوا إنَّ الْإِقَامَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالصَّلَاةِ، قِيلَ لَهُمْ: وَقَدْ لَا تَتَّصِلُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ مِنْ حَدِيثٍ بَدَأَ فِيهِ الْإِمَامُ مَعَ إنْسَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْآذَانُ مُتَّصِلًا بِالْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا وَلَا فَرْقَ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابٍ أَنْ لَا يَكُونَ الْآذَانُ وَالْإِقَامَةُ إلَّا بِطَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا، فَقَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ إحْدَاثُ شَرْعٍ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ.

مسألة يستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل والنوم

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ كَرَاهَةٌ لَا مَنْعٌ، وَهُوَ عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ لِأَنَّكُمْ تُجِيزُونَ الْآذَانَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِي الْخَبَرِ وَأَنْتُمْ لَا تَكْرَهُونَهُ أَصْلًا، فَهَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَهُوَ قَوْلُنَا، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَفْضَلُ وَلَا نَكْرَهُهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَنْسُوخَةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَة يُسْتَحَبّ الْوُضُوء لِلْجَنْبِ إذَا أَرَادَ الْأَكْل والنوم] 118 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ الْأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ وَلِرَدِّ السَّلَامِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» وَلِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ» وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» . قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا الْحَدِيثُ فِي كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا صَدَقَةٌ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ثنا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ

فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ» قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُضُوءِ نَصًّا، وَهِيَ فَضِيلَةٌ، وَالْفَضَائِلُ لَا تُنْسَخُ لِأَنَّهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] فَهَذَا عُمُومُ ضَمَانٍ لَا يَخِيسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 9] وَقَدْ أَيْقَنَّا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إخْبَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ» أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ لَا تُغَيِّرُ أَصْلًا. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا لَا تُغَيِّرُ أَبَدًا، فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوُضُوءِ فَهُوَ نَدْبٌ، لِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ مُفَرِّجٍ قَالَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ جُنُبًا وَلَا يَمَسُّ مَاءً» وَهَذَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ وَهِيَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِمَبِيتِهِ وَنَوْمِهِ جُنُبًا وَطَاهِرًا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْطَأَ فِيهِ سُفْيَانُ؛ لِأَنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ خَالَفَهُ فِيهِ قُلْنَا: بَلْ أَخْطَأَ بِلَا شَكٍّ مِنْ خَطَأِ سُفْيَانَ بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ زُهَيْرٍ بِلَا شَكٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ اللَّازِمُ لِلْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا: لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ وَهِيَ ذِكْرٌ

مسألة الشرائع لا تلزم إلا بالاحتلام أو بالإنبات للرجل والمرأة

لَا تُجْزِئُ إلَّا بِوُضُوءٍ، أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الذِّكْرِ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ هَهُنَا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ.» إلَّا مُعَاوَدَةَ الْجُنُبِ لِلْجِمَاعِ فَالْوُضُوءُ عَلَيْهِ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا. لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا» هَذَا لَفْظُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَفْظُ ابْنِ عُيَيْنَةَ «إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلَا يَعُودَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْخَبَرِ مَا يُخَصِّصُهُ وَلَا مَا يُخْرِجُهُ إلَى النَّدْبِ إلَّا خَبَرًا ضَعِيفًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَبِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ. [مَسْأَلَة الشرائع لَا تلزم إلَّا بالاحتلام أَوْ بالإنبات لِلرّجلِ وَالْمَرْأَة] 119 - مَسْأَلَةٌ: وَالشَّرَائِعُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْإِنْبَاتِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتِلَامٌ، أَوْ بِتَمَامِ تِسْعَةَ عَشَرَ عَامًا، كُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِالْحَيْضِ لِلْمَرْأَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَوَمَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ؛ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» وَالصَّبِيُّ لَفْظٌ يَعُمُّ الصِّنْفَ كُلَّهُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا. حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ

ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ قُرَيْظَةَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَنْبَتَ ضُرِبَ عُنُقُهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَعُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَلَّى عَنِّي» . قَالَ عَلِيٌّ: لَا مَعْنَى لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِ الْإِنْبَاتِ، فَأَبَاحَ سَفْكَ الدَّمِ بِهِ فِي الْأُسَارَى خَاصَّةً، جَعَلَهُ هُنَالِكَ بُلُوغًا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ بُلُوغًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِلُّ دَمَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ، وَيَخْرُجُ عَنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهِمْ. وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ رَجُلًا بَالِغًا غَيْرَ رَجُلٍ وَلَا بَالِغٍ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا ظُهُورُ الْمَاءِ فِي الْيَقَظَةِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ فَيَصِيرُ بِهِ الذَّكَرُ أَبًا وَالْأُنْثَى أُمًّا فَبُلُوغٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. وَأَمَّا اسْتِكْمَالُ التِّسْعَةَ عَشَرَ عَامًا فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَ الْمَدِينَةَ وَفِيهَا صِبْيَانٌ وَشُبَّانٌ وَكُهُولٌ، فَأَلْزَمَ الْأَحْكَامَ مَنْ خَرَجَ عَنْ الصِّبَا إلَى الرُّجُولَةِ، وَلَمْ يُلْزِمْهَا الصِّبْيَانَ، وَلَمْ يَكْشِفْ أَحَدًا مِنْ كُلِّ مَنْ حَوَالَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ: هَلْ احْتَلَمْتَ يَا فُلَانُ؟ وَهَلْ أَشْعَرْت؟ وَهَلْ أَنْزَلْت؟ وَهَلْ حِضْتِ يَا فُلَانَةُ؟ هَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ لَا شَكَّ فِيهِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ هَهُنَا سِنًّا إذَا بَلَغَهَا الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَهُمَا مِمَّنْ يُنْزِلُ أَوْ يُنْبِتُ أَوْ يَحِيضُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا بِالْأَطْلَسِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ اللِّحْيَةِ، لَوْلَاهَا لَكَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّحَى بِلَا شَكٍّ، هَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَقُّفِ وَبِضَرُورَةِ الطَّبِيعَةِ الْجَارِيَةِ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ أَكْمَلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ فَارَقَ الصِّبَا وَلَحِقَ بِالرِّجَالِ - لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ وَبَلْدَةٍ فِي ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَتْ بِهِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ، وَمِنْ إنْبَاتِ الشَّعْرِ وَمِنْ الْحَيْضِ. وَأَمَّا الْحَيْضُ فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَارُودِ الْقَطَّانُ ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ

ثنا قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْحَائِضَ تَلْزَمُهَا الْأَحْكَامُ وَأَنَّ صَلَاتَهَا تُقْبَلُ عَلَى صِفَةٍ مَا وَلَا تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ بَالِغٌ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرِضَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هُوَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُمَا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا

مسألة إزالة النجاسة وكل ما أمر الله تعالى بإزالته فرض

حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ إنِّي أَجَزْتهمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُجِيزَهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَوْمَ حِصَارٍ فِي الْمَدِينَةِ نَفْسِهَا، يَنْتَفِعُ فِيهِ بِالصِّبْيَانِ فِي رَمْيِ الْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُجِزْهُ يَوْمَ أُحُدٍ لِأَنَّهُ كَانَ يَوْمَ قِتَالٍ بَعُدُوا فِيهِ عَنْ الْمَدِينَةِ فَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَكْمَلَا مَعًا خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ عَامًا الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ: هَذَا ابْنُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا، فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إزَالَة النَّجَاسَة وكل مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بإزالته فرض] 120 - مَسْأَلَةٌ: وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِزَالَتِهِ فَهُوَ فَرْضٌ. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا كَثِيرَةً، يَجْمَعُهَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاجْتِنَابِهِ أَوْ جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ، أَوْ أَمَرَ كَذَلِكَ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ خَالَفَهُ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ طَاعَتَهُ تَعَالَى وَطَاعَةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة كَيْفِيَّة تَطْهِير النَّجَاسَة الَّتِي فِي الْخَفّ أَوْ النَّعْل] 121 - مَسْأَلَةٌ: فَمَا كَانَ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ مِنْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَتَطْهِيرُهُمَا بِأَنْ يُمْسَحَا بِالتُّرَابِ حَتَّى يَزُولَ الْأَثَرُ ثُمَّ يُصَلَّى فِيهِمَا، فَإِنْ غَسَلَهُمَا أَجْزَأَهُ إذَا مَسَّهُمَا بِالتُّرَابِ قَبْلَ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ فَرْضٌ اجْتِنَابُهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، فَقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا» قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى نَعْلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ أَوْ

أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا» أَبُو نَعَامَةَ هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ السَّعْدِيُّ، وَأَبُو نَضْرَةَ هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكٍ الْعَبْدِيُّ، كِلَاهُمَا ثِقَةٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَمَنْ وَطِئَ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ» قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِيمَنْ أَصَابَ نَعْلَيْهِ الرَّوْثُ، قَالَ يَمْسَحُهُمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ نَعْلَيْهِ مَسْحًا شَدِيدًا وَيُصَلِّي فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: الْغَسْلُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ، تَقُولُ: مَسَحْتُ الشَّيْءَ بِالْمَاءِ وَبِالدُّهْنِ، فَكُلُّ غُسْلٍ مَسْحٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَسْحٍ غُسْلًا، وَلَكِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الْأَذَى بِخُفِّهِ أَوْ نَعْلِهِ فَلْيُمِسَّهُمَا التُّرَابَ» وَهَذَا زَائِدٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

فِي الْمَسْحِ بَيَانًا وَحُكْمًا، فَوَاجِبٌ أَنْ يُضَافَ الزَّائِدُ إلَى الْأَنْقَصِ حُكْمًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِعْمَالًا لِجَمِيعِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يُخَالِفْ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ، وَمَنْ اسْتَعْمَلَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ خَالَفَ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُجْزِئُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ حَيْثُ كَانَتْ إلَّا بِالْمَاءِ حَاشَا الْعَذِرَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ خَاصَّةً، وَالْبَوْلِ فِي الْإِحْلِيلِ خَاصَّةً فَيُزَالَانِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. وَهَذَا مَكَانٌ تَرَكُوا فِي أَكْثَرِهِ النُّصُوصَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَقِيسُوا سَائِرَ النَّجَاسَاتِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ وَالْإِحْلِيلِ وَهُمَا أَصْلُ النَّجَاسَاتِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافٌ لِهَذِهِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ وَلِلْقِيَاسِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَصَابَ الْخُفَّ أَوْ النَّعْلَ رَوْثُ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ أَيُّ رَوْثٍ كَانَ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلَّى بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُمَا عَذِرَةُ إنْسَانٍ أَوْ دَمٌ أَوْ مَنِيٌّ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ

مسألة تطهير القبل والدبر من البول والغائط والدم

بِهِ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا يَابِسًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُكَّهُ فَقَطْ ثُمَّ يُصَلِّيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَطْبًا لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِهِ إلَّا أَنْ يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ، فَإِنْ أَصَابَ الْخُفَّ بَوْلُ إنْسَانٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ فِيهِ مَسْحٌ أَصْلًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ كَانَ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ وَلَا مَسَحَهُ. قَالَ: وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَالصَّلَاةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا. وَكَذَلِكَ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَلَمْ يَحُدَّ فِي الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ مِنْ ذَلِكَ حَدًّا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا خُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ، أَوْ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْهَا وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَالصَّلَاةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا، فَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْجَسَدِ لَمْ تَجُزْ إزَالَتُهُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ فَتُجْزِئُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْبَغِي حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ عِنْدَ سَمَاعِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَلَا قَاسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الْجَسَدِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْجَسَدِ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فِي الْمَخْرَجِ وَالْبَوْلُ فِي الْإِحْلِيلِ، وَلَا قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الثِّيَابِ عَلَى الْجَسَدِ وَلَا تَعَلَّقُوا فِي أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ قَبْلَهُمْ وَيُسْأَلُونَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْنَ وَجَدُوا تَغْلِيظَ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ وَتَخْفِيفَ بَعْضِهَا؟ أَفِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ؟ اللَّهُمَّ إلَّا إنَّ الَّذِي قَدْ جَاءَ فِي إزَالَتِهِ التَّغْلِيظُ قَدْ خَالَفُوهُ، كَالْإِنَاءِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ، وَكَالْعَذِرَةِ فِيمَا يُسْتَنْجَى فِيهِ فَقَطْ. . [مَسْأَلَة تَطْهِير القبل والدبر مِنْ الْبَوْل والغائط وَالدَّم] 122 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَاءِ حَتَّى يَزُولَ الْأَثَرُ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ مُتَغَايِرَةٍ - فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا يَزِيدُ كَذَلِكَ حَتَّى يُنَقَّى، لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا غَائِطٌ - أَوْ بِالتُّرَابِ أَوْ الرَّمْلِ بِلَا عَدَدٍ، وَلَكِنْ مَا أَزَالَ الْأَثَرَ فَقَطْ عَلَى الْوِتْرِ وَلَا بُدَّ وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ وَلَا وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ أَجْزَأَتْ تِلْكَ الْأَحْجَارُ بِأَعْيَانِهَا لِمَخْرَجِ الْغَائِطِ، وَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْغَائِطِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَحْجَارِ لِمَخْرَجِ الْبَوْلِ إلَّا مَا كَانَ لَا رَجِيعَ عَلَيْهِ فَقَطْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ «قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ: إنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى يُعَلِّمَكُمْ الْخِرَاءَةَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: أَجَلْ، إنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَنَهَانَا عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ، وَقَالَ: لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ «أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُ: إنِّي لَأَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: أَجَلْ، أُمِرْنَا أَنْ لَا نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَلَا نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا، وَلَا نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهِنَّ رَجِيعٌ وَلَا عَظْمٌ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا أَوْ نَكْتَفِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ثنا أَبِي ثنا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ»

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةٍ يَسْتَنْجِي» ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا إسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ مُسْنَدًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَنْجَى دُونَ عَدَدٍ فَأَنْقَى أَجْزَأَهُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ نَهَى أَنْ يَكْتَفِيَ أَحَدٌ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَأَمَرَ بِالْوِتْرِ فِي الِاسْتِجْمَارِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلَّا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَثَرًا فِيهِ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لَهُ عَظْمٌ أَوْ حَجَرٌ يَسْتَنْجِي بِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ. إمَّا حَجَرٌ وَإِمَّا عَظْمٌ، وَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ خَالَفَهُ سَلْمَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَأَخْبَرُوا أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِنْجَاءِ هُوَ مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَلَّا يُكْتَفَى بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ " فَإِنْ قِيلَ: أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ هُوَ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ مَعًا، فَوَقَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ بِأَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَمَسْحُ الْبَوْلِ لَا يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً، فَحَصَلَ النَّصُّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَالْخِرَاءَةِ أَنْ لَا يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَحَصَلَ النَّصُّ مُجْمَلًا فِي أَنْ لَا يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ عَلَى الْبَوْلِ نَفْسِهِ وَعَلَى النَّجْوِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ. وَمَسْحُ الْبَوْلِ بِالْيَمِينِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْبَوْلِ وَإِنَّمَا نَهَى فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَقَطْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ، وَأَجَازَ الِاسْتِنْجَاءَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَاشَا الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَالْحُمَمَةِ وَالْقَصَبِ وَالْجُلُودِ الَّتِي لَمْ تُدْبَغْ، وَهَذَا أَيْضًا خِلَافٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَلَّا يُكْتَفَى بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الْأَحْجَارِ، قُلْنَا لَهُمْ: فَقِيسُوا عَلَى التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ وَلَا فَرْقَ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثًا رَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُسْنَدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَسَّحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قِيلَ: ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ تِلْكَ الْمَسَحَاتِ تَكُونُ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ، فَزِيَادَةُ هَذَا لَا تَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ الثَّلَاثَةِ الْأَحْجَارِ قُلْنَا هَذَا خَطَأٌ، بَلْ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، فَلَا يُجْزِئُ مِنْ الْأَحْجَارِ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَا رَجِيعَ فِيهَا، وَيُجْزِئُ مِنْ التُّرَابِ الْوِتْرُ، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُسَمَّى أَرْضًا إلَّا الْمَاءُ. فَإِنْ كَانَ عَلَى حَجَرٍ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الرَّجِيعِ أَجْزَأَ مَا لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ. وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَلَّا يُجْزِئَ إلَّا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» فَإِنَّ ابْنَ الْحُصَيْنِ مَجْهُولٌ وَأَبُو سَعِيدٍ أَوْ أَبُو سَعْدٍ الْخَيْرُ كَذَلِكَ.

فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «ابْغِنِي أَحْجَارًا، فَأَتَيْته بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ» فَهَذَا لَا حُجَّةَ

مسألة تطهير بول الذكر برش الماء عليه رشا

فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اكْتَفَى بِالْحَجَرَيْنِ، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِأَحْجَارٍ، فَالْأَمْرُ بَاقٍ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْ إبْقَائِهِ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّ أَبَا إِسْحَاقَ دَلَّسَهُ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَفِيهِ " أَبْغِنِي ثَالِثًا " فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ لِأَنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِنَا مِنْ الْجِنِّ. قُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ بَلْ هَذَا مُوجِبٌ أَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِأَحَدِهِمَا عَاصٍ مَرَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا خِلَافُهُ نَصَّ الْخَبَرِ، وَالثَّانِي تَقْذِيرُهُ زَادَ مَنْ نُهِيَ عَنْ تَقْذِيرِ زَادِهِ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُجْزِئُ بَدَلَ الطَّاعَةِ، وَمِمَّنْ قَالَ لَا يُجْزِئُ بِالْعَظْمِ وَلَا بِالْيَمِينِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمَا. [مَسْأَلَة تَطْهِير بَوْل الذَّكَرَ برش الْمَاء عَلَيْهِ رشا] 123 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ بَوْلِ الذَّكَرِ - أَيِّ ذَكَرٍ كَانَ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ - فَبِأَنْ يَرُشَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ رَشًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ، وَبَوْلُ الْأُنْثَى يُغْسَلُ، فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ فِي الْأَرْضِ - أَيُّ بَوْلٍ كَانَ - فَبِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ صَبًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ فَقَطْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ الطَّائِيِّ ثنا أَبُو السَّمْحِ قَالَ «كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبَالَ

عَلَى صَدْرِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هَكَذَا يُصْنَعُ، يُرَشُّ مِنْ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ الْأُنْثَى» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ «أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا هَمَّامٌ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - ثنا إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ» قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِأَكْلِ الصَّبِيِّ الطَّعَامَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلَامِ وَبَوْلِ الْجَارِيَةِ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ وَهْبٍ

مسألة تطهير دم الحيض أو أي دم كان

وَغَيْرُهُمْ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَسُفْيَانَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ فِي الرَّشِّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُغْسَلُ بَوْلُ الصَّبِيِّ كَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. نَعَمْ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الرَّشُّ مِنْ الرَّشِّ وَالصَّبُّ مِنْ الصَّبِّ مِنْ الْأَبْوَالِ كُلِّهَا، وَهَذَا نَصٌّ خِلَافُ قَوْلِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَطْهِيرُ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ أَيِّ دَمٍ كَانَ] 124 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ أَيِّ دَمٍ كَانَ، سَوَاءٌ دَمَ سَمَكٍ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْجَسَدِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَاءِ، حَاشَا دَمَ الْبَرَاغِيثِ وَدَمَ الْجَسَدِ فَلَا يَلْزَمُ تَطْهِيرُهُمَا إلَّا مَا لَا حَرَجَ فِي غُسْلِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ، فَيُطَهِّرُ الْمَرْءُ ذَلِكَ حَسَبَ مَا لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا جَمِيعًا: ثنا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ لَا، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَوْعِ الدَّمِ وَلَا نُبَالِي بِالسُّؤَالِ إذَا كَانَ جَوَابُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِضَمِيرٍ إلَى السُّؤَالِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ - هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ - عَنْ أَسْمَاءَ - هِيَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - قَالَتْ «أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: أَرَأَيْت إحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ»

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْتَعْمِلَ فِي غُسْلِ الْمَحِيضِ شَيْئًا مِنْ مِسْكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَحْيَى ثنا بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ. قَالَ: خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَّبِعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ الدَّارِمِيُّ ثنا حِبَّانُ - هُوَ ابْنُ هِلَالٍ - ثنا وُهَيْبٍ ثنا مَنْصُورٌ - هُوَ ابْنُ صَفِيَّةَ - عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ؟ فَقَالَ: خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي بِهَا» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ تَتَطَهَّرَ بِالْفِرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ - وَهِيَ الْقِطْعَةُ - وَأَنْ تَتَوَضَّأَ بِهَا، وَإِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا وَمُعَلِّمًا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَعَلَّمَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَيْفَ تَتَوَضَّأُ بِهَا أَوْ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ وَاجِبٍ مَعَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا، فَلَمْ تَزَلْ النِّسَاءُ فِي كُلِّ بَيْتٍ وَدَارٍ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْحَيْضِ، فَمَا قَالَ أَحَدٌ إنَّ هَذَا فَرْضٌ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَمْ تُسْنَدْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ وَقَدْ ضُعِّفَ، وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ، فَسَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ جُمْلَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكُلُّ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِالتَّطْهِيرِ أَوْ الْغُسْلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَاءِ، أَوْ بِالتُّرَابِ إنْ عُدِمَ الْمَاءُ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَنَقِفُ عِنْدَهُ، لِمَا حَدَّثَنَاهُ

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا - عَنْ أَبِي مَالِكٍ - هُوَ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ - عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ» فَذَكَرَ فِيهَا - «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطَهُّرٌ وَلَيْسَ كُلُّ تَطَهُّرٍ غُسْلًا، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا طُهْرَ إلَّا بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: دَمُ السَّمَكِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَلَا الْجَسَدَ وَلَا الْمَاءَ وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ كَذَلِكَ، وَأَمَّا سَائِرُ الدِّمَاءِ كُلِّهَا فَإِنَّ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَأَمَّا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ: فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مِنْهُ مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلُّ فَلَا يُنَجِّسُ وَيُصَلَّى بِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَإِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُزَالُ بِالْمَاءِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ، فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَجْزَأَ فِيهِ الْحَكُّ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يُجْزِئْ إلَّا الْغَسْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ غُسِلَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إزَالَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ فَرْضًا، وَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إزَالَتُهُ فَرْضٌ وَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَلَا مِنْ دَمِ الْجَسَدِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ غُسْلِهِ إلَّا مَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا عُسْرَ مِمَّا هُوَ فِي الْوُسْعِ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ دَمِ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَدَمِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَغَيْرِ الْمَسْفُوحِ، وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]

مسألة تطهير المذي بالماء

فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ دَمٍ وَكُلَّ مَيْتَةٍ، فَكَانَ هَذَا شَرْعًا زَائِدًا عَلَى الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ مَا لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهَا. وَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ فِي الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ بِحَدِيثٍ سَاقِطٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْإِعَادَةَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيسَ عَلَى الدُّبُرِ، فَقِيلَ لَهُمْ فَهَلَّا قِسْتُمُوهُ عَلَى حَرْفِ الْإِحْلِيلِ وَمَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَحُكْمُهُمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ سَوَاءٌ، وَقَدْ تَرَكُوا قِيَاسَهُمْ هَذَا إذْ لَمْ يَرَوْا إزَالَةَ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ بِمَا يُزَالُ بِهِ مِنْ الدُّبُرِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ غُسْلَ ذَلِكَ فَرْضًا، فَالسُّنَنُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَطْهِيرُ الْمَذْيِ بِالْمَاءِ] 125 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَذْيُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ، يُغْسَلُ مَخْرَجُهُ مِنْ الذَّكَرِ وَيُنْضَحُ بِالْمَاءِ مَا مَسَّ مِنْهُ الثَّوْبَ. قَالَ مَالِكٌ يُغْسَلُ الذَّكَرُ كُلُّهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثنا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ " أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ، قَالَ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ السَّكَنِ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - ثنا زَائِدَةُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ «كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَسَأَلَ فَقَالَ: تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ» حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ بَكْرٌ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ

مسألة تطهير الإناء إذا كان لكتابي

ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثُمَّ اتَّفَقَ حَمَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَزِيدُ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ حَمَّادٌ فِي حَدِيثِهِ «كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً فَكُنْتُ أُكْثِرُ الْغُسْلَ مِنْهُ ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَذْيِ فَقَالَ: يَكْفِيكَ مِنْهُ الْوُضُوءُ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: تَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحُ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ» قَالَ عَلِيٌّ: غَسْلُ مَخْرَجِ الْمَذْيِ مِنْ الذَّكَرِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غُسْلِ الذَّكَرِ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ إذَا غَسَلَهُ: غَسَلْتُ ذَكَرِي مِنْ الْبَوْلِ، فَزِيَادَةُ إيجَابِ غُسْلٍ كُلُّهُ شَرْعٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ تَقْلِيصٌ فَيُقَالُ لَهُ: فَعَانُوا ذَلِكَ بِالْقَوَابِضِ مِنْ الْعَقَاقِيرِ إذَنْ فَهُوَ أَبْلَغُ. وَهَذَا الْخَبَرُ يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُ: إنَّ النَّجَاسَاتِ لَا تُزَالُ مِنْ الْجَسَدِ إلَّا بِالْمَاءِ وَتُزَالُ مِنْ الثِّيَابِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تُجِيزُ إزَالَةَ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ بِالرِّيقِ، قِيلَ لَهُمْ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُجِيزُ مَسْحَ الدَّمِ مِنْ الْمَحَاجِمِ بِالْحَصَاةِ دُونَ غُسْلٍ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ تَطْهِيرُ الْإِنَاءِ إذَا كَانَ لِكِتَابِيٍّ] 126 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ الْإِنَاءِ إذَا كَانَ لِكِتَابِيٍّ مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ بِالْمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا - سَوَاءٌ عَلِمْنَا فِيهِ نَجَاسَةً أَوْ لَمْ نَعْلَمْ - بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ إنَاءَ مُسْلِمٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، فَإِنْ تَيَقَّنَ فِيهِ مَا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الطَّاهِرَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَحْمَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ وَدَكَهُ أَوْ شَحْمَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَهَّرَ إلَّا بِالْمَاءِ وَلَا بُدَّ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ «يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ أَهْلُهَا أَهْلُ كِتَابٍ نَحْتَاجُ فِيهَا إلَى قُدُورِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا تَقْرَبُوهَا مَا وَجَدْتُمْ بُدًّا، فَإِذَا لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا وَاشْرَبُوا» .

مسألة ولوغ الكلب في الإناء

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَقُتَيْبَةُ قَالَا ثنا حَاتِمٌ - هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى خَيْبَرَ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: أَوْ ذَاكَ» قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ أُمِرَ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطْهِيرٌ، وَكُلُّ تَطْهِيرٍ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ تَطْهِيرُ الْإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَلَى تَطْهِيرِهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ اخْتَلَفَتْ فِي تَطْهِيرِ الْآنِيَةِ مِنْ الْكَلْبِ وَمِنْ لَحْمِ الْحِمَارِ فَلَيْسَ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِهَا أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَعْضٍ، لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى مَا حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَحْكُمْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَوْلًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ، أَوْ شَرْعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْوُقُوفُ عِنْدَ أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى مِنْ الْوُقُوفِ عِنْدَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، وَتِلْكَ الْفُرُوقِ الْفَاسِدَةِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ وُلُوغُ الْكَلْبِ فِي الْإِنَاءِ] 127 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ كَلْبٌ، أَيَّ إنَاءٍ كَانَ وَأَيَّ كَلْبٍ كَانَ - كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا - فَالْفَرْضُ إهْرَاقُ مَا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ ثُمَّ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَا بُدَّ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ وَلَا بُدَّ، وَذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي يُطَهَّرُ بِهِ الْإِنَاءُ طَاهِرٌ حَلَالٌ، فَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أَوْ وَقَعَ بِكُلِّهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ غَسْلُ الْإِنَاءِ وَلَا هَرْقُ مَا فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ حَلَالٌ طَاهِرٌ كُلُّهُ كَمَا كَانَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي بُقْعَةٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَوْ فِي مَا لَا يُسَمَّى إنَاءً فَلَا يَلْزَمُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هَرْقُ مَا فِيهِ. وَالْوُلُوغُ هُوَ الشُّرْبُ فَقَطْ، فَلَوْ مَسَّ لُعَابُ الْكَلْبِ أَوْ عَرَقُهُ الْجَسَدَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الْإِنَاءَ أَوْ مَتَاعًا مَا أَوْ الصَّيْدَ، فَفُرِضَ إزَالَةُ

ذَلِكَ بِمَا أَزَالَهُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إلَّا مِنْ الثَّوْبِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ السَّعْدِيُّ ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا شُعْبَةُ ثنا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ: مَا لَهُمْ وَلَهَا؟ فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالثَّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَرْقِ مَا فِي الْإِنَاءِ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاجْتِنَابِ مَا وَلَغَ فِيهِ فِي غَيْرِ الْإِنَاءِ، بَلْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِرِوَايَاتٍ شَتَّى، فِي بَعْضِهَا «وَالسَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ» وَفِي بَعْضِهَا «إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ الْأُولَى هِيَ بِلَا شَكٍّ إحْدَى الْغَسَلَاتِ. وَفِي لَفْظَةِ " الْأُولَى " بَيَانُ أَيَّتِهِنَّ هِيَ، فَمَنْ جَعَلَ التُّرَابَ فِي أُولَاهُنَّ فَقَدْ

جَعَلَهُ فِي إحْدَاهُنَّ بِلَا شَكٍّ وَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَتَيْنِ مَعًا، وَمَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ أُولَاهُنَّ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُولَاهُنَّ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَلَا شَكَّ نَدْرِي أَنَّ تَعْفِيرَهُ بِالتُّرَابِ فِي أُولَاهُنَّ تَطْهِيرٌ ثَامِنٌ إلَى السَّبْعِ غَسَلَاتٍ، وَأَنَّ تِلْكَ الْغَسْلَةَ سَابِقَةٌ لِسَائِرِهِنَّ إذَا جُمِعْنَ، وَبِهَذَا تَصِحُّ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَا يُجْزِئُ بَدَلَ التُّرَابِ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ تَعَدٍّ لَحَدِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الْإِنَاءُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِاجْتِنَابِهِ، وَلَا شَرِيعَةَ إلَّا مَا أَخْبَرَنَا بِهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَالْمَاءُ حَلَالٌ شُرْبُهُ طَاهِرٌ، فَلَا يَحْرُمُ إلَّا بِأَمْرٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَّا مَا أَكَلَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ أَعْضَائِهِ فَلَا غَسْلَ فِي ذَلِكَ وَلَا هَرْقَ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ طَاهِرٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ - إنْ كَانَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ - فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّنْجِيسِ إلَّا بِنَصٍّ لَا بِدَعْوَى. وَأَمَّا وُجُوبُ إزَالَةِ لُعَابِ الْكَلْبِ وَعَرَقِهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَالْكَلْبُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، فَهُوَ حَرَامٌ، وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ، وَلُعَابُهُ وَعَرَقُهُ بَعْضُهُ فَهُمَا حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ فُرِضَ إزَالَتُهُ وَاجْتِنَابُهُ، وَلَمْ يُجْزِ أَنْ يُزَالَ مِنْ الثَّوْبِ إلَّا بِالْمَاءِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَقَدْ قُلْنَا إنَّ التَّطْهِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَبِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي غَسْلِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ، كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ثنا أَبِي ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَالْهِرُّ مَرَّةً. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ أَهْرِقْهُ وَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ " إنْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَقْسَاطِ لَبَنٍ يُهْرَقُ كُلُّهُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، فَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ فِي بُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِقْدَارِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَيُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُغْسَلُ لُعَابُ الْكَلْبِ مِنْ الثَّوْبِ وَمِنْ الصَّيْدِ.

قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا، وَبِهَذَا يَقُولُ - يَعْنِي غَسْلَ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ - أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْلَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ " إنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْإِنَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُهْرَقْ لِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ، وَرَأَى هَرْقَ مَا عَدَا الْمَاءَ وَإِنْ كَثُرَ، وَرَأَى أَنْ يُغْسَلَ مِنْ وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ فِي الْإِنَاءِ سَبْعًا كَمَا يُغْسَلُ مِنْ الْكَلْبِ، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي وُلُوغِ شَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا غَيْرِ الْخِنْزِيرِ أَصْلًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ عُمُومَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْرِ بِهَرْقِهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ وَأَمَّا قِيَاسُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا - لِأَنَّ الْكَلْبَ بَعْضَ السِّبَاعِ لَمْ يُحَرَّمْ إلَّا بِعُمُومِ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ فَقَطْ، فَكَانَ قِيَاسُ السِّبَاعِ وَمَا وَلَغَتْ فِيهِ عَلَى الْكَلْبِ الَّذِي هُوَ بَعْضُهَا وَاَلَّتِي يَجُوزُ أَكْلُ صَيْدِهَا إذَا عُلِمَتْ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ، وَكَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْخِنْزِيرُ عَلَى الْكَلْبِ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهِ وَأَكْلِ صَيْدِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ الْخِنْزِيرُ عَلَى الْكَلْبِ فِي عَدَدِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ: يُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَمَرَّةً لَمْ يَرَهُ وَمَرَّةً رَآهُ، وَقَالَ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ: يُهْرَقُ الْمَاءُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ كَانَ لَبَنًا لَمْ يُهْرَقْ وَلَكِنْ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيُؤْكَلُ مَا فِيهِ، وَمَرَّةً قَالَ: يُهْرَقُ كُلُّ ذَلِكَ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ تَفَارِيقُ ظَاهِرَةُ الْخَطَإِ؛ لَا النَّصُّ اُتُّبِعَ فِي بَعْضِهَا، وَلَا الْقِيَاسُ اطَّرَدَ فِيهَا، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قُلِّدَ فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لِأَرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ كَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لِمَنْ احْتَجَّ بِهَذَا الْقَوْلِ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تُخَالِفَ أَمْرَ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَرْقِهِ. وَأَعْظَمُ مِمَّا اسْتَعْظَمْتُمُوهُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ عُصْفُورٍ مَاتَ فِيهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ بِهَرْقِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الْعُصْفُورُ الْمَيِّتُ حَرَامٌ،

قُلْنَا: نَعَمْ لَمْ نُخَالِفْكُمْ فِي هَذَا، وَلَكِنَّ الْمَائِعَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ حَلَالٌ، فَتَحْرِيمُكُمْ الْحَلَالَ مِنْ أَجْلِ مُمَاسَّتِهِ الْحَرَامَ هُوَ الْبَاطِلُ، إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُطَاعُ أَمْرُهُ، وَلَا يُتَعَدَّى حَدُّهُ، وَلَا يُضَافُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُهْرَقُ كُلُّ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ كَثُرَ أَمْ قَلَّ، وَمَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَوَاتِ أَبَدًا، وَلَا يَغْسِلُ الْإِنَاءَ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ - إلَّا أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ " اغْسِلْهُ " وَقَالَ مَرَّةً " اغْسِلْهُ حَتَّى تُنْقِيَهُ " وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْدِيدًا. وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي أَوْرَدْنَا. وَكَفَى بِهَذَا خَطَأً. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ " إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ - قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَالَفَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ إنَّمَا رَوَى ذَلِكَ الْخَبَرَ السَّاقِطَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَا مُجَاهَرَةَ أَقْبَحُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ - النُّجُوم الثَّوَاقِب - بِمِثْلِ رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ. وَثَانِيهَا أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ السَّلَامِ - عَلَى تَحْسِينِهَا إنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَحْصُلُوا إلَّا عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ وَخِلَافِ مَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّبَعُوا وَلَا أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ قَلَّدُوا. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَا حَلَّ أَنْ يُعْتَرَضَ بِذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ، لِأَنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَنْسَى مَا رَوَى وَقَدْ يَتَأَوَّلُ فِيهِ، وَالْوَاجِبُ إذَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا أَنْ يُضَعَّفَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنْ يُغَلَّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنْ نُضَعِّفَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُغَلِّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ، فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَحِلُّ. وَرَابِعُهَا أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ مَا رَوَى - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - فَقَدْ رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ ابْنُ مُغَفَّلٍ، وَلَمْ يُخَالِفْ مَا رَوَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا كَانَ هَذَا إذْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَلَمَّا نَهَى عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى فَاضِحَةٌ بِلَا دَلِيلٍ،

وَقَفْو مَا لَا عِلْمَ لِقَائِلِهِ بِهِ، هَذَا حَرَامٌ. وَالثَّانِي أَنَّ ابْنَ مُغَفَّلٍ رَوَى النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ الْكِلَابِ وَالْأَمْرَ بِغَسْلِ الْإِنَاء مِنْهَا سَبْعًا فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ مَعًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، وَإِنَّمَا رَوَى غَسْلَ الْإِنَاءِ مِنْهَا سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مُغَفَّلٍ، وَإِسْلَامُهُمَا مُتَأَخِّرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعًا عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ. قَالَ عَلِيٌّ: يُقَالُ لَهُمْ أَبِحَقٍّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَبِمَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ فِيهِ؟ أَمْ أَمَرَ بِبَاطِلٍ وَبِمَا لَا مَئُونَةَ فِي مَعْصِيَتِهِ فِي ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا بِحَقٍّ وَبِمَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ فِيهِ، فَقَدْ أَسْقَطُوا شَغَبَهُمْ بِذِكْرِ التَّغْلِيظِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ بِهِ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهَا، لِأَنَّهَا كَانَتْ تُرَوِّعُ الْمُؤْمِنِينَ قِيلَ لَهُ: لَسْنَا فِي قَتْلِهَا، إنَّمَا نَحْنُ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهَا، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَثَرَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ قَتْلِهَا فَقَطْ، وَهُوَ أَيْضًا مَوْضُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ الْمَغْفِرَةُ لِلْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ بِخُفِّهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ كَانَ فِي غَيْرِنَا، وَلَا تَلْزَمُنَا شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا. وَأَيْضًا فَمَنْ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْخُفَّ شُرِبَ فِيهِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُغْسَلْ، وَأَنَّ تِلْكَ الْبَغِيَّ عَرَفَتْ سُنَّةَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ؟ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْبَغِيُّ نَبِيَّةً فَيُحْتَجُّ بِفِعْلِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ دَفْعٌ بِالرَّاحِ وَخَبْطٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ. وَيُجْزِئُ غَسْلُ مَنْ غَسَلَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَاحِبِهِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَاغْسِلُوهُ» فَهُوَ أَمْرٌ عَامٌّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ مَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا أَكَلَ فِيهِ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ غَيْرَ لِسَانِهِ. قُلْنَا لَهُمْ: لَا نَكَرَةَ عَلَى مَنْ قَالَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ مَا لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ يُخَالِفْ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَبِيُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا شَرْعَ مَا لَمْ يُشَرِّعْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا النَّكَرَةُ عَلَى مَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِمَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فِي الثَّوْبِ مِنْ دَمِ الدَّجَاجِ فَأَبْطَلَ بِهِ الصَّلَاةَ، وَلَمْ

مسألة حكم الإناء إذا ولغ فيه الهر

يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِثَوْبٍ غُمِسَ فِي دَمِ السَّمَكِ، وَمَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فِي الثَّوْبِ مِنْ خُرْءِ الدَّجَاجِ وَرَوْثِ الْخَيْلِ، وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الْخَيْلِ وَخُرْءِ الْغُرَابِ. وَعَلَى مَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ، وَلَمْ يُرِقْ اللَّبَنَ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، وَعَلَى مَنْ أَمَرَ بِهَرْقِ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ غَيْرَ أُوقِيَّةٍ مِنْ مَاءٍ وَقَعَ فِيهِ دِرْهَمٌ مِنْ لُعَابِ كَلْبٍ، فَإِنْ كَانَ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ وَوَقَعَ فِيهِ رَطْلٌ مِنْ لُعَابِ الْكَلْبِ كَانَ طَاهِرًا لَا يُرَاقُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَهَذِهِ هِيَ النَّكَرَاتُ حَقًّا لَا مَا قُلْنَا. وَبِاَللَّهِ نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة حُكْم الْإِنَاء إذَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرّ] 128 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ الْهِرُّ لَمْ يُهْرَقْ مَا فِيهِ، لَكِنْ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ يُسْتَعْمَلُ، ثُمَّ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ بِالْمَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُ إزَالَةُ لُعَابِهِ مِمَّا عَدَا الْإِنَاءَ وَالثَّوْبَ بِالْمَاءِ لَكِنْ بِمَا أَزَالَهُ وَمِنْ الثَّوْبِ بِالْمَاءِ فَقَطْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالْهِرُّ مَرَّةً» .

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رَافِعٍ «عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهَا صَبَّتْ لِأَبِي قَتَادَةَ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَوَجَبَ غَسْلُ الْإِنَاءِ وَلَمْ يَجِبْ إهْرَاقُ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَجَّسْ، وَوَجَبَ غَسْلُ لُعَابِهِ مِنْ الثَّوْبِ، لِأَنَّ الْهِرَّ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ نَجِسًا، وَلَا نَجِسَ إلَّا مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ نَجِسًا، وَالْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَلَيْسَا بِنَجِسَيْنِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُهْرَقُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مَرَّةً. وَهَذَا خِلَافُ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَتَوَضَّأُ بِمَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ وَلَا يَغْسِلُ مِنْهُ الْإِنَاءَ، وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَةِ

مسألة تطهير جلد الميتة

أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِمَّنْ أَمَرَ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرِّ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ. إلَّا أَنَّ طَاوُسًا وَعَطَاءً جَعَلَاهُ بِمَنْزِلَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ. وَمِمَّنْ أَبَاحَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ أَبُو قَتَادَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ - بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ - فَصَحَّ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَقَوْلِنَا نَصًّا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ تَطْهِيرُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ] . 129 - مَسْأَلَةٌ: وَتَطْهِيرُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ، أَيَّ مَيْتَةٍ كَانَتْ - وَلَوْ أَنَّهَا جِلْدُ خِنْزِيرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ بِالدِّبَاغِ - بِأَيِّ شَيْءٍ دُبِغَ - طَاهِرٌ، فَإِذَا دُبِغَ حَلَّ بَيْعُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَجِلْدِ مَا ذُكِّيَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ، إلَّا أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَذْكُورَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِحَالٍ، حَاشَا جِلْدَ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُدْبَغَ وَلَا أَنْ يُسْلَخَ، وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْنِهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. وَصُوفُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا وَرِيشُهَا وَوَبَرُهَا حَرَامٌ قَبْلَ الدِّبَاغِ حَلَالٌ بَعْدَهُ، وَعَظْمُهَا وَقَرْنُهَا مُبَاحٌ كُلُّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِعَصَبِهَا وَلَا شَحْمِهَا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا أَبِي قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ وَعْلَةَ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَاةٍ لِمَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ مَيْتَةٍ فَقَالَ: أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا قَالُوا: وَكَيْفَ وَهِيَ مَيْتَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى شَاةٍ مُلْقَاةٍ، فَقَالَ لِمَنْ هَذِهِ، قَالُوا لِمَيْمُونَةَ، قَالَ: مَا عَلَيْهَا لَوْ انْتَفَعَتْ بِإِهَابِهَا قَالُوا إنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهَا» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ: فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ شَاةً مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا دَبَغْتُمْ إهَابَهَا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْجَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ فَقَالَتْ: مَا عِنْدِي إلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ ثنا جَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ التَّمِيمِيُّ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ - فَإِنَّ «دِبَاغَ

الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا» قَالَ عَلِيٌّ: جَوْنٌ وَسَلَمَةُ لَهُمَا صُحْبَةٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ قَالَ لَا. هُوَ حَرَامٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ دُبِغَ، وَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ «كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَّا تَسْتَنْفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ. بَلْ هُوَ حَقٌّ، لَا يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ إلَّا حَتَّى يُدْبَغَ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ، إذْ ضَمُّ أَقْوَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَرْضٌ، وَلَا يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ» وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ أَدِيمٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةَ: أَنَّهَا دَبَغَتْ

جِلْدَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَلَمْ تَزَلْ تَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى بَلِيَ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - فِي جُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تَمُوتُ فَتُدْبَغُ: إنَّهَا تُبَاعُ وَتُلْبَسُ. وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ فِيهَا. وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْمَيْتَةِ: دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا، وَأَبَاحَ الزُّهْرِيُّ جُلُودَ النُّمُورِ، وَاحْتَجَّ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ وَعِظَامُهَا وَعَصَبُهَا وَعَقِبُهَا وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَوَبَرُهَا وَقَرْنُهَا لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَالصَّلَاةُ فِي جِلْدِهَا إذَا دُبِغَ جَائِزٌ، أَيَّ جِلْدٍ كَانَ حَاشَا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ، وَلَا يُصَلَّى فِي شَيْءٍ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ دُبِغَتْ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهَا، أَيَّ جِلْدٍ كَانَ، وَلَا يُسْتَقَى فِيهَا، لَكِنَّ جُلُودَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا دُبِغَتْ جَازَ الْقُعُودُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُغَرْبَلَ عَلَيْهَا، وَكَرِهَ الِاسْتِقَاءَ فِيهَا بِآخِرَةٍ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَهُ. وَرَأَى جُلُودَ السِّبَاعِ إذَا دُبِغَتْ مُبَاحَةً لِلْجُلُوسِ وَالْغَرْبَلَةِ. وَلَمْ يَرَ جِلْدَ الْحِمَارِ وَإِنْ دُبِغَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَمْ يَرَ اسْتِعْمَالَ قَرْنِ الْمَيْتَةِ وَلَا سِنَّهَا وَلَا ظِلْفِهَا وَلَا رِيشِهَا. وَأَبَاحَ صُوفَ الْمَيْتَةِ وَشَعْرَهَا وَوَبَرَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيٍّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ أَيَّ جِلْدٍ كَانَ. إلَّا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. وَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لَا صُوفٌ وَلَا شَعْرٌ وَلَا وَبَرٌ وَلَا عَظْمٌ وَلَا قَرْنٌ وَلَا - سِنٌّ وَلَا رِيشٌ. إلَّا الْجِلْدَ وَحْدَهُ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا إبَاحَةُ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَظْمَ وَالْعَقِبَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَثَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَا «أَلَّا نَنْتَفِعَ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» وَجَاءَ الْخَبَرُ بِإِبَاحَةِ الْإِهَابِ إذَا دُبِغَ، فَبَقِيَ الْعَصَبُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَالْعَقِبُ عَصَبٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالْمَيْتَاتِ وَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ مُحَرَّمٌ، وَلَا نَعْلَمُ هَذِهِ التَّفَارِيقَ وَلَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَيْنَ جِلْدِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَخَطَأٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ كَمَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَلَا فَرْقَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَبْشٍ مَيِّتٍ وَبَيْنَ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي التَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ فَرْقُهُ بَيْنَ جِلْدِ الْحِمَارِ وَجِلْدِ السِّبَاعِ خَطَأٌ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ جَاءَ فِي السِّبَاعِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَمِيرِ وَلَا فَرْقَ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يُجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِ الْفَرَسِ إذَا دُبِغَ، وَلَحْمُهُ إذَا ذُكِّيَ حَلَالٌ بِالنَّصِّ، وَيُجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِ السَّبُعِ إذَا دُبِغَ، وَهُوَ حَرَامٌ لَا تُعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ بِالنَّصِّ، وَكَذَلِكَ مَنْعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا إذَا دُبِغَتْ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِلَا نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَجِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ حَرَامٌ سَوَاءٌ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» أَنَّ مَعْنَاهُ عَادَ إلَى طَهَارَتِهِ خَطَأٌ، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ طَهُرَ، وَلَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ فَهُوَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ كُلُّهُ لَا قَبْلَ الدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّ عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ الشَّعْرَ وَالرِّيشَ وَالْوَبَرَ وَالصُّوفَ، فَلَمْ يَأْمُرْ بِإِزَالَةِ ذَلِكَ وَلَا أَبَاحَ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ بَعْضُ الْمَيْتَةِ حَرَامٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ لَيْسَ مَيْتَةً، فَهُوَ حَلَالٌ حَاشَا أَكْلَهُ، وَإِذْ هُوَ حَلَالٌ فَلِبَاسُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الِانْتِفَاعِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أُزِيلَ ذَلِكَ عَنْ الْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ حَرَامٌ، إذْ لَا يَدْخُلُ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ أُزِيلَ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَقَدْ طَهُرَ، فَهُوَ حَلَالٌ بَعْدُ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ حَاشَا أَكْلَهُ فَقَطْ. وَأَمَّا الْعَظْمُ وَالرِّيشُ وَالْقَرْنُ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ بَعْضُ الْحَيِّ، وَالْحَيُّ مُبَاحٌ مِلْكُهُ وَبَيْعُهُ إلَّا مَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ، وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَ الْمَيْتَةِ، وَبَعْضُ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ، فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالِانْتِفَاعُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» فَأَبَاحَ مَا عَدَا ذَلِكَ إلَّا مَا حُرِّمَ بِاسْمِهِ مِنْ بَيْعِهَا وَالِادِّهَانِ بِشُحُومِهَا، وَمِنْ عَصَبِهَا وَلَحْمِهَا. وَأَمَّا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ وَعَظْمُهُ فَحَرَامٌ كُلُّهُ، لَا يَحِلُّ أَنْ يُتَمَلَّكَ وَلَا أَنْ يُنْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ

مسألة إناء الخمر إن تخللت الخمر فيه

إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، فَالْخِنْزِيرُ كُلُّهُ رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] حَاشَا الْجِلْدَ فَإِنَّهُ بِالدِّبَاغِ طَاهِرٌ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَأَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا جِلْدُ الْإِنْسَانِ فَقَدْ صَحَّ «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُثْلَةِ» ، وَالسَّلْخُ أَعْظَمُ الْمُثْلَةِ، فَلَا يَحِلُّ التَّمْثِيلُ بِكَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ، وَصَحَّ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِلْقَاءِ قَتْلَى كُفَّارِ بَدْرٍ فِي الْقَلِيبِ، فَوَجَبَ دَفْنُ كُلِّ مَيِّتٍ كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إنَاءُ الْخَمْرِ إنْ تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ فِيهِ] 130 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَاءُ الْخَمْرِ إنْ تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ فِيهِ فَقَدْ صَارَ طَاهِرًا يُتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُشْرَبُ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ، فَإِنْ أُهْرِقَتْ أُزِيلَ أَثَرُ الْخَمْرِ - وَلَا بُدَّ - بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ الطَّاهِرَاتِ أُزِيلَ، وَيَطْهُرُ الْإِنَاءُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ كَانَ فَخَّارًا أَوْ عُودًا أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا أَوْ حَجَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. أَمَّا الْخَمْرُ فَمُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، فَوَاجِبٌ اجْتِنَابُهَا. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ أَوْ خُلِّلَتْ فَالْخَلُّ حَلَالٌ بِالنَّصِّ طَاهِرٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ، وَالْخَلُّ لَيْسَ خَمْرًا، لِأَنَّ الْحَلَالَ الطَّاهِرَ غَيْرُ الْحَرَامِ الرِّجْسِ بِلَا شَكٍّ، فَإِذَنْ لَا

مسألة المني طاهر

خَمْرَ هُنَالِكَ أَصْلًا، وَلَا أَثَرَ لَهَا فِي الْإِنَاءِ، فَلَيْسَ هُنَالِكَ شَيْءٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَإِزَالَتُهُ. وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ أَثَرُ الْخَمْرِ فِي الْإِنَاءِ فَهِيَ هُنَالِكَ بِلَا شَكٍّ. وَإِزَالَتُهَا وَاجْتِنَابُهَا فَرْضٌ. وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي شَيْءٍ مَا بِعَيْنِهِ تُزَالُ بِهِ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أُزِيلَتْ بِهِ فَقَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا مِنْ وَاجِبِ إزَالَتِهَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَإِذَا أُزِيلَتْ فَالْإِنَاءُ طَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ شَيْءٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ أَجْلِهِ. [مَسْأَلَةٌ الْمَنِيُّ طَاهِرٌ] 131 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَنِيُّ طَاهِرٌ فِي الْمَاءِ كَانَ أَوْ فِي الْجَسَدِ أَوْ فِي الثَّوْبِ وَلَا تَجِبُ إزَالَتُهُ، وَالْبُصَاقُ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ «أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إلَى ضَيْفٍ لَهَا تَدْعُوهُ فَقَالُوا: هُوَ يَغْسِلُ جَنَابَةً فِي ثَوْبِهِ، قَالَتْ وَلِمَ يَغْسِلُهُ؟ لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَأَنْكَرَتْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - غَسْلَ الْمَنِيِّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ أَبُو عَاصِمٍ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ «كُنْتُ نَازِلًا عَلَى عَائِشَةَ فَاحْتَلَمْتُ فِي ثَوْبَيَّ فَغَمَسْتُهُمَا فِي الْمَاءِ، فَرَأَتْنِي جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَبَعَثَتْ إلَيَّ عَائِشَةُ: مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْتَ بِثَوْبَيْكَ؟ قُلْتُ: رَأَيْتُ مَا يَرَى النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ: قَالَتْ: هَلْ رَأَيْتَ فِيهِمَا شَيْئًا؟ قُلْتُ لَا، قَالَتْ: فَلَوْ رَأَيْتَ شَيْئًا غَسَلْتَهُ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَابِسًا بِظُفُرِي» فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ كَذِبَ مَنْ تَخَرَّصَ بِلَا عِلْمٍ وَقَالَ: كَانَتْ تَفْرُكُهُ بِالْمَاءِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثنا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصَلِّي فِيهِ» وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَالْحَارِثُ بْنُ نَوْفَلٍ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا، وَهَذَا تَوَاتُرٌ، وَصَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّخَامِ وَالْبُزَاقِ امْسَحْهُ بِإِذْخِرَةٍ أَوْ بِخِرْقَةٍ،

وَلَا تَغْسِلْهُ إنْ شِئْت إلَّا أَنْ تُقَذِّرَهُ أَوْ تَكْرَهَ أَنْ يُرَى فِي ثَوْبِك، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ نَجِسٌ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا غَسْلُهُ بِالْمَاءِ. وَرُوِّينَا غَسْلَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ نَجِسٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ يُجْزِئْ فِي إزَالَتِهِ غَيْرُ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ أَجْزَأَتْ إزَالَتُهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ أَوْ النَّعْلِ أَوْ الْخُفِّ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، فَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يَجُزْ إلَّا غَسْلُهُ بِأَيِّ مَائِعٍ كَانَ، فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَوْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا أَجْزَأَ مَسْحُهُ فَقَطْ، وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلْهُ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَحُتَّهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى نَجَاسَةَ الْمَنِيِّ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ وَكُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَقَالُوا: هُوَ خَارِجٌ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ فَيَنْجَسُ لِذَلِكَ وَذَكَرُوا حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَرَّةً قَالَ: عَنْ الْأَعْمَشِ، وَمَرَّةً قَالَ: عَنْ مَنْصُورٍ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِحَتِّهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ وَسَعْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا، وَإِذَا تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، بَلْ الرَّدُّ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَسْلِهِ وَلَا بِإِزَالَتِهِ وَلَا بِأَنَّهُ نَجِسٌ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْسِلُهُ. وَأَنَّ عَائِشَةَ تَغْسِلُهُ، وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ عَلَى الْوُجُوبِ، وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - ثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ وَرُئِيَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ» فَلَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلًا عِنْدَ خُصُومِنَا عَلَى نَجَاسَةِ النُّخَامَةِ، وَقَدْ يَغْسِلُ الْمَرْءُ ثَوْبَهُ مِمَّا لَيْسَ نَجِسًا. وَأَمَّا حَدِيثُ سُفْيَانَ فَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو حُذَيْفَة مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ النَّهْدِيُّ، بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ مُصَحِّفٌ

مسألة إذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا

كَثِيرُ الْخَطَإِ، رَوَى عَنْ سُفْيَانَ الْبَوَاطِلَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيهِ: هُوَ شِبْهُ لَا شَيْءَ، كَأَنَّ سُفْيَانَ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْهُ أَبُو حُذَيْفَةَ لَيْسَ سُفْيَانَ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْهُ النَّاسَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْبَوْلِ مَا لَمْ يَظْهَرْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} [النحل: 66] فَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُ اللَّبَنِ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ مُنَجِّسًا لَهُ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَغْسِلُهُ رَطْبًا عَلَى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَيَحُكُّهُ يَابِسًا عَلَى سَائِرِ الْأَحَادِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَانَ رَطْبًا، وَلَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَابِسًا، إلَّا فِي حَدِيثِ الْخَوْلَانِيِّ وَحْدَهُ، فَحَصَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّحَكُّمِ، إذْ زَادَ فِي الْأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى «كُنْتُ أَفْرُكُهُ» أَيْ بِالْمَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ آخَرُ وَزِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ، فَكَيْفَ وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ - كَمَا أَوْرَدْنَا - «يَابِسًا بِظُفُرِي.» قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا تَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِهِ، وَلَأَخْبَرَهُ كَمَا أَخْبَرَهُ إذْ صَلَّى بِنَعْلَيْهِ وَفِيهِمَا قَذَرٌ فَخَلَعَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ أَوْ الْمَيْتَةُ أَوْ تَغَيَّرَتْ فَصَارَتْ رَمَادًا أَوْ تُرَابًا] 132 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ أَوْ الْمَيْتَةُ أَوْ تَغَيَّرَتْ فَصَارَتْ رَمَادًا أَوْ تُرَابًا، فَكُلُّ ذَلِكَ طَاهِرٌ، وَيُتَيَمَّمُ بِذَلِكَ التُّرَابِ، بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِيهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ الَّذِي بِهِ خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا سَقَطَ ذَلِكَ الِاسْمُ فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ. وَالْعَذِرَةُ غَيْرُ التُّرَابِ وَغَيْرُ الرَّمَادِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ غَيْرُ الْخَلِّ، وَالْإِنْسَانُ غَيْرُ الدَّمِ الَّذِي مِنْهُ خُلِقَ، وَالْمَيْتَةُ غَيْرُ التُّرَابِ. [مَسْأَلَةٌ لُعَابُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ] 133 - مَسْأَلَةٌ: وَلُعَابُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ - الْجُنُبِ مِنْهُمْ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا - وَلُعَابُ الْخَيْلِ وَكُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَعَرَقُ كُلِّ ذَلِكَ وَدَمْعُهُ، وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ - طَاهِرٌ مُبَاحٌ الصَّلَاةُ بِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - ثنا حُمَيْدٌ ثنا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ

مسألة لعاب الكفار من الرجال والنساء الكتابيين وغيرهم

«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جُنُبٌ، قَالَ: فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْت يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْت جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ طَاهِرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] فَكُلُّ حَلَالٍ هُوَ طَيِّبٌ، وَالطَّيِّبُ لَا يَكُونُ نَجِسًا بَلْ هُوَ طَاهِرٌ، وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَبْعَاضِهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الطَّاهِرِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ الطَّاهِرِ، وَيَبْقَى سَائِرُهَا عَلَى الطَّهَارَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لُعَابُ الْكُفَّارِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْكِتَابِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ] 134 - مَسْأَلَةٌ: وَلُعَابُ الْكُفَّارِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ - الْكِتَابِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ - نَجِسٌ كُلُّهُ، وَكَذَلِكَ الْعَرَقُ مِنْهُمْ وَالدَّمْعُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُمْ، وَلُعَابُ كُلِّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ طَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ، مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ فَأْرٍ، حَاشَا الضَّبُعَ فَقَطْ، وَعَرَقُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَدَمْعُهُ - حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَبِيَقِينٍ يَجِبُ أَنَّ بَعْضَ النَّجَسِ نَجَسٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَبْعَاضِهِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَعْنَاهُ نَجَسُ الدِّينِ، قِيلَ: هَبْكُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. أَيَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا وَمَا فُهِمَ قَطُّ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] مَعَ قَوْلِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» أَنَّ الْمُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ، وَلَا عَجَبَ فِي الدُّنْيَا أَعْجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ فِيمَنْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ نَجَسٌ إنَّهُمْ طَاهِرُونَ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْمَنِيِّ الَّذِي لَمْ يَأْتِ قَطُّ بِنَجَاسَتِهِ نَصٌّ إنَّهُ نَجِسٌ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ سَمَاعُهُ. وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أُبِيحَ لَنَا نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ وَوَطْؤُهُنَّ، قُلْنَا نَعَمْ، فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ لُعَابَهَا وَعَرَقَهَا وَدَمْعَهَا طَاهِرٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْ ذَلِكَ. قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ، بَلْ يَفْعَلُ فِيمَا مَسَّهُ مِنْ لُعَابِهَا وَعَرَقِهَا مِثْلَ الَّذِي يَفْعَلُ إذَا مَسَّهُ بَوْلُهَا أَوْ دَمُهَا أَوْ مَائِيَّةُ فَرْجِهَا وَلَا فَرْقَ، وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ فِي

مسألة سؤر كل كافر أو كافرة وسؤر كل ما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه

نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِنْ أَيْنَ لَهُمْ طَهَارَةُ رِجَالِهِمْ أَوْ طَهَارَةُ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قُلْنَا ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ. قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ أَوَّلَ بُطْلَانِهِ أَنَّ عِلَّتَهُمْ فِي طَهَارَةِ الْكِتَابِيَّاتِ جَوَازُ نِكَاحِهِنَّ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَعْدُومَةٌ بِإِقْرَارِهِمْ فِي غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ. وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُفَرِّقَةٌ لَا جَامِعَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَالْحَرَامُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَبَعْضُ الْوَاجِبِ اجْتِنَابُهُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ سَمِعْت حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدَ يَقُولُ عَنْ الدَّجَّالِ " وَلَا يُسَخَّرُ لَهُ مِنْ الْمَطَايَا إلَّا الْحِمَارُ فَهُوَ رِجْسٌ عَلَى رِجْسٍ " وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عَرَقُ الْحِمَارِ نَجِسٌ. وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الضَّبُعِ فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» . وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» . [مَسْأَلَةٌ سُؤْرُ كُلِّ كَافِرٍ أَوْ كَافِرَةٍ وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ] 135 - مَسْأَلَةٌ: وَسُؤْرُ كُلِّ كَافِرٍ أَوْ كَافِرَةٍ وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ دَجَاجٍ مُخَلًّى أَوْ غَيْرِ مُخَلًّى - إذَا لَمْ يَظْهَرْ هُنَالِكَ لِلُّعَابِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَثَرٌ - فَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ، حَاشَا مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَقَطْ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، حَاشَا مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ وَالْهِرُّ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِطَهَارَةِ الطَّاهِرِ وَتَنَجُّسِ النَّجِسِ وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ وَتَحْلِيلِ الْحَلَالِ، وَذَمَّ أَنْ تُتَعَدَّى حُدُودُهُ، فَكُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ،

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَجَّسَ بِمُلَاقَاةِ النَّجِسِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ نَجِسٌ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكُلُّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِمُلَاقَاةِ الْحَرَامِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ بِمُلَاقَاةِ الْحَلَالِ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجِسِ. وَأَنَّ الْحَلَالَ يَحْرُمُ بِمُلَاقَاةِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَ مَنْ عَكَسَ الْأَمْرَ فَقَالَ: بَلْ النَّجِسُ يَطْهُرُ بِمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ، وَالْحَرَامُ يَحِلُّ بِمُلَاقَاةِ الْحَلَالِ، كِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِخِلَافِ هَذَا فِي شَيْءٍ مَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ. فَإِذَا شَرِبَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي إنَاءٍ أَوْ أَكَلَ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ عُضْوًا مِنْهُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ فَسُؤْرُهُ حَلَالٌ طَاهِرٌ وَلَا يَتَنَجَّسُ بِشَيْءٍ مِمَّا مَاسَّهُ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ النَّجَسِ، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بَعْضُ الْحَرَامِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ كَمَا قَدَّمْنَا. حَاشَا الْكَلْبَ وَالْهِرَّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ شَرِبَ فِي الْإِنَاءِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَالْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ جَائِزٌ: الْفَرَسُ وَالْبَقَرُ وَالضَّأْنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ أَسْآرُ جَمِيعِ الطَّيْرِ، وَمَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ مِنْهَا، وَالدَّجَاجِ الْمُخَلَّى وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ بِذَلِكَ الْمَاءِ جَائِزٌ وَأَكْرَهُهُ، وَأَكْلُ أَسْآرِهَا حَلَالٌ، قَالَ فَإِنْ شَرِبَ فِي الْإِنَاءِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ: وَلَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ أَبَدًا. وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهَا فِي مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: وَهَذَا وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنِّي أَدَعُ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ فَرَّقَ هَذَا الْفَرْقَ: وَلَئِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي تَرْكِهِ الْحَقَّ، وَفِي اسْتِحْسَانِ خِلَافِ الْحَقِّ، وَلَئِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلًا، فَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي اسْتِعْمَالِ الْبَاطِلِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَهُ وَدَانَ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: حُكْمُ الْمَائِعِ حُكْمُ اللَّحْمِ الْمُمَاسِّ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ

الْحُكْمَ لَهُمَا وَاحِدٌ فِي التَّحْرِيمِ فَقَدْ كَذَبَ، لِأَنَّ لَحْمَ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ، وَهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ مَا شَرِبَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ لِسَانَهُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ، فَمَنْ لَهُ بِنَجَاسَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا دَامَ حَيًّا؟ وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا مَا جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ كُلُّ حَرَامٍ نَجِسًا لَكَانَ ابْنُ آدَمَ نَجِسًا. وَقَالَ مَالِكٌ: سُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَكُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَسُؤْرِ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ. قَالَ: وَأَمَّا مَا أَكَلَ الْجِيَفَ - مِنْ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ - فَإِنْ شَرِبَ مِنْ مَاءٍ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ الَّتِي تَأْكُلُ النَّتِنَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ شَرِبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي لَبَنٍ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فِي مِنْقَارِهِ قَذَرٌ لَمْ يُؤْكَلْ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُرَ فِي مِنْقَارِهِ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيَتَيَمَّمُ، إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَأْكُلُ النَّتِنَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِلُعَابِ الْكَلْبِ. قَالَ عَلِيٌّ: إيجَابُهُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ خَطَأٌ عَلَى أَصْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَدَّى الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ كَمَا أُمِرَ، أَوْ لَمْ يُؤَدِّهِمَا كَمَا أُمِرَ، فَإِنْ كَانَ أَدَّى الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةَ كَمَا أُمِرَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَيْنِ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهِمَا كَمَا أُمِرَ فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَهِيَ تُؤَدَّى عِنْدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ لَهُ - إذْ سُئِلَ بِهَذَا السُّؤَالِ - فَقَالَ: صَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ هَذَا ذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيٌّ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا أَقْبَحُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُمَوَّهِ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْمِ إذْ رَمَى، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى هُوَ رَمَاهَا. فَهَذَا الْبَائِسُ الَّذِي صَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ، مَنْ صَلَّاهَا عَنْهُ؟ فَلَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ - إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً مِنْهُ - مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا فَاعِلٌ، كَمَا كَانَ لِلرَّمْيَةِ رَامٍ، وَهُوَ الْخَلَّاقُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ وُجُودُ فِعْلٍ لَا فَاعِلَ لَهُ مُحَالٌ وَضَلَالٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي أُمِرَ بِهَا غَيْرَ مَوْجُودَةٍ مِنْهُ فَلْيُصَلِّهَا عَلَى أَصْلِهِمْ أَبَدًا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تَأْكُلُ النَّتِنَ فَمُتَنَاقِضٌ، لِأَنَّهُ إمَّا مَاءٌ وَإِمَّا لَيْسَ مَاءً، فَإِنْ كَانَ مَاءً فَإِنَّهُ لَئِنْ كَانَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ مَاءٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِئُ إذَا

مسألة حكم المائع إذا وقعت فيه نجاسة

وَجَدَ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ إنْ كَانَ لَيْسَ مَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَوِّضُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا التُّرَابُ، وَإِدْخَالُ التَّيَمُّمِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَحِلُّ مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءٌ يُجْزِئُ بِهِ الْوُضُوءُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سُؤْرُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ - الْحَلَالِ أَكْلُهُ وَالْحَرَامِ أَكْلُهُ - طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ لُعَابُهُ حَاشَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ، وَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ هَذَا بَعْضُ أَحْكَامِهِ بِأَنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى أَسْآرِ بَنِي آدَمَ وَلُعَابِهِمْ، فَإِنَّ لُحُومَهُمْ حَرَامٌ، وَلُعَابَهُمْ وَأَسْآرَهُمْ كُلَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ قِيَاسَ سَائِرِ السِّبَاعِ عَلَى الْكَلْبِ - الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ إلَّا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَبِعُمُومِ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحْمَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَقَطْ، فَدَخَلَ الْكَلْبُ فِي جُمْلَتِهَا بِهَذَا النَّصِّ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ حَلَالًا - أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى ابْنِ آدَمَ الَّذِي لَا عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لِأَنَّ بَنِي آدَمَ مُتَعَبِّدُونَ، وَالسِّبَاعُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُتَعَبِّدَةٍ، وَإِنَاثُ بَنِي آدَمَ حَلَالٌ لِذُكُورِهِمْ بِالتَّزْوِيجِ الْمُبَاحِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ الْمُبِيحِ لِلْوَطْءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَاثُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَأَلْبَانُ نِسَاءِ بَنِي آدَمَ حَلَالٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَلْبَانُ إنَاثِ السِّبَاعِ وَالْأُتُنِ، فَظَهَرَ خَطَأُ هَذَا الْقِيَاسِ بِيَقِينٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْهِرِّ، قِيلَ لَهُمْ: وَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تَقِيسُوهَا عَلَى الْهِرِّ دُونَ أَنْ تَقِيسُوهَا عَلَى الْكَلْبِ؟ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قِسْتُمْ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ وَلَمْ تَقِيسُوهُ عَلَى الْهِرِّ، كَمَا قِسْتُمْ السِّبَاعَ عَلَى الْهِرِّ، هَذَا لَوْ سُلِّمَ لَكُمْ أَمْرُ الْهِرِّ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ الثَّابِتُ - الَّذِي هُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدَةَ عَنْ كَبْشَةَ - وَقَدْ وَرَدَ مُبَيِّنًا لِوُجُوبِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرِّ، فَهَذِهِ مَقَايِيسُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ كَمَا تَرَى. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ. [مَسْأَلَة حُكْم الْمَائِع إذَا وقعت فِيهِ نَجَاسَة] 136 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ شَيْءٍ مَائِعٍ - مِنْ مَاءٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ مَاءِ وَرْدٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ مَرَقٍ أَوْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَوْ شَيْءٌ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ أَوْ مَيْتَةٌ، فَإِنْ غَيَّرَ ذَلِكَ لَوْنَ مَا وَقَعَ فِيهِ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ فَقَدْ فَسَدَ كُلُّهُ وَحُرِّمَ أَكْلُهُ، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا بَيْعُهُ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ لَوْنِ مَا وَقَعَ فِيهِ وَلَا مِنْ طَعْمِهِ وَلَا مِنْ رِيحِهِ، فَذَلِكَ الْمَائِعُ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ - إنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ - وَالْوُضُوءُ حَلَالٌ بِذَلِكَ الْمَاءِ، وَالتَّطَهُّرُ بِهِ فِي الْغُسْلِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَبَيْعُ مَا كَانَ

جَائِزًا بَيْعُهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَلَالٌ، وَلَا مَعْنَى لِتَبَيُّنِ أَمْرِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ مُخَاطٌ أَوْ بُصَاقٌ إلَّا أَنَّ الْبَائِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَا يَجْرِي حَرَامٌ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَالِاغْتِسَالُ بِهِ لِفَرْضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَحُكْمُهُ التَّيَمُّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ. وَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ حَلَالٌ شُرْبُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْبَوْلُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِهِ. وَحَلَالٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ بِهِ لِغَيْرِهِ. فَلَوْ أَحْدَثَ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ خَارِجًا مِنْهُ ثُمَّ جَرَى الْبَوْلُ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ، يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَالْغُسْلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ الْبَوْلُ أَوْ الْحَدَثُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِ الْمَاءِ، فَلَا يُجْزِئُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلًا لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَحَاشَا مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ يُهْرَقُ وَلَا بُدَّ كَمَا قَدَّمْنَا فِي بَابِهِ، وَحَاشَا السَّمْنَ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ مَيِّتًا أَوْ يَمُوتُ فِيهِ أَوْ يَخْرُجُ مِنْهُ حَيًّا ذَكَرًا كَانَ الْفَأْرُ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا - فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ذَائِبًا حِينَ مَوْتِ الْفَأْرِ فِيهِ، أَوْ حِينَ وُقُوعِهِ فِيهِ مَيِّتًا أَوْ خَرَجَ مِنْهُ حَيًّا أُهْرِقَ كُلُّهُ - وَلَوْ أَنَّهُ أَلْفُ أَلْفِ قِنْطَارٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ - وَلَمْ يَحِلَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجْمُدْ وَإِنْ كَانَ حِينَ مَوْتِ الْفَأْرِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِيهِ مَيِّتًا جَامِدًا وَاتَّصَلَ جُمُودُهُ، فَإِنَّ الْفَأْرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَمَا حَوْلَهُ وَيُرْمَى، وَالْبَاقِي حَلَالٌ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَالِادِّهَانُ بِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَحَاشَا الْمَاءَ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَمَ فِيهِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِتَحْرِيمِهِ أَوْ نَجَاسَتِهِ. وَكُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ نَجَّسَهُ فَهُوَ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِإِبَاحَتِهِ أَوْ تَطْهِيرِهِ، وَمَا عَدَا هَذَا فَهُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] وَصَحَّ بِهَذَا يَقِينًا أَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجِسِ، وَأَنَّ النَّجِسَ لَا يَطْهُرُ بِمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ. وَأَنَّ الْحَلَالَ لَا يُحَرَّمُ بِمُلَاقَاةِ الْحَرَامِ وَالْحَرَامَ لَا يَحِلُّ بِمُلَاقَاةِ الْحَلَالِ بَلْ الْحَلَالُ حَلَالٌ كَمَا كَانَ وَالْحَرَامُ حَرَامٌ كَمَا كَانَ، وَالطَّاهِرُ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ وَالنَّجِسُ نَجِسٌ كَمَا كَانَ، إلَّا أَنْ يَرِدَ نَصٌّ بِإِحَالَةِ حُكْمٍ مِنْ ذَلِكَ فَسَمْعًا وَطَاعَةً. وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ تَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمَا يُلَاقِيهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ مَا طَهُرَ شَيْءٌ أَبَدًا، لِأَنَّهُ كَانَ إذَا صُبَّ عَلَى النَّجَاسَةِ لِغَسْلِهَا يَنْجَسُ عَلَى قَوْلِهِمْ وَلَا بُدَّ، وَإِذَا تَنَجَّسَ وَجَبَ تَطْهِيرُهُ، وَهَكَذَا

أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَنَجَّسَ الْبَحْرُ وَالْأَنْهَارُ الْجَارِيَةُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي يُمَاسُّهُ أَيْضًا، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يَتَنَجَّسَ مَا مَسَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ أَبَدًا، وَهَذَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: لَا يَتَنَجَّسُ. تَرَكُوا قَوْلَهُمْ وَرَجَعُوا إلَى الْحَقِّ وَتَنَاقَضُوا، وَفِي إجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ وَعَلَى تَطْهِيرِ الْمَخْرَجِ وَالدَّمِ فِي الْفَمِ وَالثَّوْبِ وَالْجِسْمِ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا نَجَاسَةَ إلَّا مَا ظَهَرَتْ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَلَا يُحَرَّمُ إلَّا مَا ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَطْ، وَسَائِرُ قَوْلِهِمْ فَاسِدٌ. فَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدِ وَبَيْنَ الَّذِي تَرِدُهُ النَّجَاسَةُ. زَادُوا فِي التَّخْلِيطِ بِلَا دَلِيلٍ. وَأَمَّا إذَا تَغَيَّرَ لَوْنُ الْحَلَالِ الطَّاهِرِ - بِمَا مَازَجَهُ مِنْ نَجِسٍ أَوْ حَرَامٍ - أَوْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ بِذَلِكَ، أَوْ تَغَيَّرَ - رِيحُهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّنَا حِينَئِذٍ لَا نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَلَالِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ، وَاسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي الصَّلَاةِ حَرَامٌ كَمَا قُلْنَا، وَلِذَلِكَ وَجَبَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، لَا لِأَنَّ الْحَلَالَ الطَّاهِرَ حُرِّمَ وَلَا تَنَجَّسَتْ عَيْنُهُ، وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَخْلِيصِ الْحَلَالِ الطَّاهِرِ مِنْ الْحَرَامِ وَالنَّجَسِ، لَكَانَ حَلَالًا بِحَسَبِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ عَلَى جِرْمٍ طَاهِرٍ فَأَزَلْنَاهَا، فَإِنَّ النَّجِسَ لَمْ يَطْهُرْ وَالْحَرَامُ لَمْ يَحِلَّ، لَكِنَّهُ زَايَلَ الْحَلَالَ الطَّاهِرَ، فَقَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَسْتَعْمِلَهُ حِينَئِذٍ حَلَالًا طَاهِرًا كَمَا كَانَ. وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ، فَبَطَلَ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ، وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَلَالٍ طَاهِرٍ، فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ النَّجِسَ وَلَا الْحَرَامَ، بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ. وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُ عَيْنِ الْحَلَالِ الطَّاهِرِ، فَبَطَلَ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي بِهِ وَرَدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ، وَانْتَقَلَ إلَى اسْمٍ آخَرَ وَارِدٍ عَلَى حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ، فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْحَلَالَ الطَّاهِرَ، بَلْ قَدْ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ذَا حُكْمٍ آخَرَ كَالْعَصِيرِ يَصِيرُ خَمْرًا، أَوْ الْخَمْرِ يَصِيرُ خَلًّا، أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ تَأْكُلُهُ دَجَاجَةٌ يَسْتَحِيلُ فِيهَا لَحْمَ دَجَاجٍ حَلَالًا وَكَالْمَاءِ يَصِيرُ بَوْلًا، وَالطَّعَامِ يَصِيرُ عَذِرَةً، وَالْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ تُدْهَنُ بِهِمَا الْأَرْضُ فَيَعُودَانِ ثَمَرَةً حَلَالًا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، وَكَنُقْطَةِ مَاءٍ تَقَعُ فِي خَمْرٍ أَوْ نُقْطَةِ خَمْرٍ تَقَعُ فِي مَاءٍ، فَلَا يَظْهَرُ لِشَيْءٍ

مِنْ ذَلِكَ أَثَرٌ، وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ، وَالْأَحْكَامُ لِلْأَسْمَاءِ وَالْأَسْمَاءُ تَابِعَةٌ لِلصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ حَدُّ مَا هِيَ فِيهِ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ. وَأَمَّا إبَاحَةُ بَيْعِهِ وَالِاسْتِصْبَاحِ بِهِ، فَإِنَّمَا بَيْعُ الْجِرْمِ الْحَلَالِ لَا مَا مَازَجَهُ مِنْ الْحَرَامِ، وَبَيْعُ الْحَلَالِ حَلَالٌ كَمَا كَانَ قَبْلُ. وَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَمِمَّنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمَائِعَاتِ تَقَعُ فِيهَا النَّجَاسَةُ وَالِانْتِفَاعَ بِهَا: عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعَطَاءٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يُحَرِّمُ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَوْ أُعْطِيَهُ بِلَا ثَمَنٍ، فَكِتْمَانُهُ ذَلِكَ غِشٌّ، وَالْغِشُّ حَرَامٌ، وَالدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا نَعَمْ، كَمَا أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَسْتَسْهِلُ أَنْ يَأْخُذَ مَائِعًا وَقَعَتْ فِيهِ مَخْطَةُ مَجْذُومٍ، أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَهُ، وَلَوْ أُعْطِيَهُ بِلَا ثَمَنٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْجَامِدِينَ مِنْ خُصُومِنَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا غِشًّا، إنَّمَا الْغِشُّ مَا كَانَ فِي الدِّينِ، وَالنَّصِيحَةُ كَذَلِكَ، لَا فِي الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمُخَالِفَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. عَلَى أَنَّ فِي الْقَائِلِينَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبُصَاقَ نَجِسٌ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرْضِ مَمْلُوءَةً مِنْ مِثْلِ مَنْ قَلَّدَهُ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ، كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ سَلْمَانَ هُوَ الْفَارِسِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إذَا بَصَقْتَ عَلَى جِلْدِك وَأَنْتَ مُتَوَضِّئٌ فَإِنَّ الْبُصَاقَ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَلَا تُصَلِّ حَتَّى تَغْسِلَهُ ". قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْبُصَاقُ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ، وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا حُكْمُ الْبَائِلِ فَلِمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ سِيرِينَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ» . فَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ الْبَائِلِ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ عَجْزًا وَلَا نِسْيَانًا وَلَا تَعْنِيتًا لَنَا بِأَنْ يُكَلِّفَنَا عِلْمَ مَا لَمْ يُبْدِهِ لَنَا مِنْ الْغَيْبِ، فَأَمَّا أَمْرُ الْكَلْبِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ. وَأَمَّا السَّمْنُ فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ قَالَ: إذَا كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَقَدْ كَانَ مَعْمَرٌ يَذْكُرُهُ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: الْفَأْرَةُ وَالْحَيَّةُ وَالدَّجَاجَةُ وَالْحَمَامَةُ وَالْعِرْسُ أَسْمَاءٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وُقُوعَهُ عَلَى الْأُنْثَى، وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا» . بُرْهَانٌ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مَيِّتَةً، إذْ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ رَوَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ: «وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا أَوْ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ أَوْ قَالَ: انْتَفِعُوا بِهِ» قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: عَبْدُ الْوَاحِدِ قَدْ شَكَّ فِي لَفْظَةِ الْحَدِيثِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ مَعْمَرٍ. وَأَيْضًا فَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ. وَمَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِالضَّبْطِ مِمَّنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي هَذَا فَهُوَ أَنَّ كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ، فَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَمُوَافِقَةٌ لِمَا كُنَّا نَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِالسَّمْنِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] . وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَشَرْعٌ وَارِدٌ وَحُكْمٌ زَائِدٌ نَاسِخٌ لِلْإِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَعَادَ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ وَأَبْطَلَ حُكْمَ النَّاسِخِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ بَيَانًا يَرْفَعُ بِهِ الْإِشْكَالَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَبَطَلَ حُكْمُ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي السَّمْنِ فَمَاتَتْ فِيهِ - قَالَ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَاطْرَحْهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلْ بَقِيَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَهْرِقْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَأْخُوذُ مِمَّا حَوْلَهَا هُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ وَأَرَقُّهُ غِلَظًا، لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا حَوْلَهَا، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ الْمَأْمُورِ بِأَكْلِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْ تَضْيِيعِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ: «خُذُوا مِمَّا حَوْلَهَا قَدْرَ الْكَفِّ.» قِيلَ: هَذَا إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ - عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَطْ، وَمِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَشَرِيكٌ ضَعِيفٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَلَوْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ، فَكَيْفَ مِنْ رِوَايَةِ الضُّعَفَاءِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ، وَلَا لِلْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ وَلَا لِغَيْرِ الْفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ بِحُكْمِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمًا فِي غَيْرِ الْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ثُمَّ يَسْكُتَ عَنْهُ وَلَا يُخْبِرَنَا بِهِ، وَيَكِلَنَا إلَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَالْقَوْلِ بِمَا لَا نَعْلَمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَعْجَزُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ عَنْ أَنْ يَقُولَ لَوْ أَرَادَ: إذَا وَقَعَ النَّجِسُ أَوْ الْحَرَامُ فِي الْمَائِعِ فَافْعَلُوا كَذَا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَدَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِتَبْلِيغِهِ. هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الْمَقْطُوعُ عَلَى بُطْلَانِهِ بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي وَدَكٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: اطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلَهَا إنْ كَانَ جَامِدًا، قِيلَ: وَإِنْ كَانَ مَائِعًا؟ قَالَ: فَانْتَفِعُوا بِهِ وَلَا تَأْكُلُوهُ» . قُلْنَا: هَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ، وَهُوَ لَا شَيْءَ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْفَأْرُ فِي الْوَدَكِ فَقَطْ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْوَدَكَ فِي اللُّغَةِ لِلسَّمْنِ وَالْمَرَقِ خَاصَّةً وَالدَّسَمَ لِلشَّحْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وَقَعَتْ خَمْرٌ أَوْ مَيْتَةٌ أَوْ بَوْلٌ أَوْ عَذِرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ نُجِّسَ كُلُّهُ قَلَّتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثُرَتْ، وَوَجَبَ هَرْقُهُ كُلِّهِ وَلَمْ تَجُزْ صَلَاةُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ كَثُرَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ قَلَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إذَا حَرَّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ حِينَئِذٍ، وَجَائِزٌ التَّطَهُّرُ بِهِ وَشُرْبُهُ، فَإِنْ وَقَعَتْ كَذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ حُرِّمَ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَجَازَ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَبَيْعُهُ، فَإِنْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ الْحَرَامُ فِي بِئْرٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عُصْفُورًا فَمَاتَ، أَوْ فَأْرَةً فَمَاتَتْ، فَأُخْرِجَا، فَإِنَّ الْبِئْرَ قَدْ تَنَجَّسَتْ، وَطَهُورُهَا أَنْ يُسْتَقَى مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ. فَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً أَوْ سِنَّوْرًا فَأُخْرِجَا حِينَ مَاتَا فَطَهُورُهَا أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَالْبَاقِي طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ شَاةً فَأُخْرِجَتْ حِينَ مَاتَتْ أَوْ بَعْدَمَا انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ، أَوْ لَمْ تُخْرَجْ الْفَأْرَةُ وَلَا الْعُصْفُورُ وَلَا

الدَّجَاجَةُ أَوْ السِّنَّوْرُ إلَّا بَعْدَ الِانْتِفَاخِ أَوْ الِانْفِسَاخِ، فَطَهُورُ الْبِئْرِ أَنْ تُنْزَحَ، وَحَدُّ النَّزْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يَغْلِبَهُ الْمَاءُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِائَتَا دَلْوٍ، فَلَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ سِنَّوْرٌ أَوْ فَأْرٌ أَوْ حَنَشٌ فَأُخْرِجَ ذَلِكَ وَهِيَ أَحْيَاءٌ، فَالْمَاءُ طَاهِرٌ يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا، فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ فَأُخْرِجَا حَيَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْحِ الْبِئْرِ حَتَّى يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ، فَلَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِي الْبِئْرِ وَجَبَ نَزْحُهَا حَتَّى يَغْلِبَهُمْ، قَلَّ الْبَوْلُ أَوْ كَثُرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَالَ فِيهَا بَعِيرٌ عِنْدَهُمْ، فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ الْإِبِلِ أَوْ بَعْرِ الْغَنَمِ لَمْ يَضُرَّهَا ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ خُرْءُ حَمَامٍ أَوْ خُرْءُ عُصْفُورٍ لَمْ يَضُرَّهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهَا مَيْتَةً: فَأْرَةً أَوْ دَجَاجَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَنْفَسِخْ أَعَادَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْفَسَخَتْ أَعَادَ صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، فَإِنْ كَانَ طَائِرًا رَأَوْهُ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَإِنْ أُخْرِجَ وَلَمْ يَتَفَسَّخْ لَمْ يُعِيدُوا شَيْئًا وَإِنْ أُخْرِجَ مُتَفَسِّخًا أَعَادُوا صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا. فَإِنْ رُمِيَ شَيْءٌ مِنْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ فِي بِئْرٍ نُزِحَتْ كُلُّهَا، فَلَوْ رُمِيَ فِي بِئْرٍ عَظْمُ مَيْتَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لَحْمٌ أَوْ دَمٌ تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ كُلُّهَا وَوَجَبَ نَزْحُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَحْمٌ لَمْ تَتَنَجَّسْ الْبِئْرُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَظْمُ خِنْزِيرٍ أَوْ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِنْزِيرٍ، فَإِنَّ الْبِئْرَ كُلَّهَا تَتَنَجَّسُ وَيَجِبُ نَزْحُهَا، كَانَ عَلَيْهِمَا لَحْمٌ أَوْ دَسَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي مَاءٍ فِي طَسْتٍ وَصُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ، فَلَوْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ طَاهِرٌ فِي طَسْتٍ طَاهِرٍ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَصَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: قَدْ تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا كَمَا يُنْزَحُ مِنْ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ، فَلَوْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةِ مَاءٍ فَمَاتَتْ، فَصُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ، فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: يُنْزَحُ مِنْهَا مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي رُمِيَ فِيهَا فَقَطْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُنْزَحُ الْأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ أَوْ مِنْ عِشْرِينَ دَلْوًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ فَرُمِيَتْ الْفَأْرَةُ فِي بِئْرٍ وَرُمِيَ الْمَاءُ فِي بِئْرٍ أُخْرَى، فَإِنَّ الْفَأْرَةَ تُخْرَجُ وَيُخْرَجُ مَعَهَا عِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ وَيُخْرَجُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ الْأُخْرَى مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي رُمِيَ فِيهَا وَعِشْرُونَ دَلْوًا زِيَادَةً فَقَطْ، فَلَوْ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَأُخْرِجَتْ وَأُخْرِجَ مَعَهَا عِشْرُونَ دَلْوًا، ثُمَّ رُمِيَتْ الْفَأْرَةُ وَتِلْكَ الْعِشْرُونَ دَلْوًا مَعَهَا فِي بِئْرٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُخْرَجُ الْفَأْرَةُ وَعِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ. قَالُوا: فَلَوْ مَاتَ فِي الْمَاءِ ضُفْدَعٌ أَوْ ذُبَابٌ أَوْ زُنْبُورٌ أَوْ

عَقْرَبٌ أَوْ خُنْفُسَاءُ أَوْ جَرَادٌ أَوْ نَمْلٌ أَوْ صَرَّارٌ أَوْ سَمَكٌ فَطَفَا أَوْ كُلُّ مَا لَا دَمَ لَهُ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ جَائِزٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ، وَالسَّمَكُ الطَّافِي عِنْدَهُمْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ فَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ أَكْلُهُ، قَالُوا: فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي مَائِعٍ غَيْرِهِ حَيَّةٌ فَقَدْ تَنَجَّسَ ذَلِكَ الْمَاءُ وَذَلِكَ الْمَائِعُ، لِأَنَّ لَهَا دَمًا، فَإِنْ ذُبِحَ كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ أَوْ سَبُعٌ ثُمَّ رُمِيَ كُلُّ ذَلِكَ فِي رَاكِدٍ لَمْ يَتَنَجَّسْ ذَلِكَ الْمَاءُ، وَإِنَّ ذَلِكَ اللَّحْمَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْخِنْزِيرَ وَابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُمَا وَإِنْ ذُبِحَا يُنَجِّسَانِ الْمَاءَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ - الَّتِي كَثِيرٌ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْمُبَرْسَمُ أَشْبَهُ مِنْهَا - أَلَا يَسْتَحِي مِنْ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ أَوَامِرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُوجِبَاتِ الْعُقُولِ فِي فَهْمِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَكِنْ مَا رَأَيْنَا سُنَّةً مُضَاعَةً، إلَّا وَمَعَهَا بِدْعَةٌ مُذَاعَةٌ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَوْ تُتُبِّعَ مَا فِيهَا مِنْ التَّخْلِيطِ لَقَامَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ سِفْرٌ ضَخْمٌ، إذْ كُلُّ فَصْلٍ مِنْهَا مُصِيبَةٌ فِي التَّحَكُّمِ وَالْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ، وَإِنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ يَقُلْهَا قَطُّ أَحَدٌ قَبْلَهُمْ، وَلَا لَهَا حَظٌّ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ يُعْقَلُ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَلَا مِنْ بَاطِلٍ مُطَّرِدٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَاطِلٍ مُتَخَاذِلٍ فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا بِرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُمَا نَزَحَا زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ وَهَؤُلَاءِ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. أَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّنَا رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ: إنَّهُ يُنْزَحُ مَاؤُهَا، وَأَنَّهُ قَالَ فِي فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَقُطِّعَتْ: يُخْرَجُ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ كَهَيْئَتِهَا لَمْ تَتَقَطَّعْ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ أَوْ دَلْوَانِ، فَإِنْ كَانَتْ مُنْتِنَةً يُنْزَحُ مِنْ الْبِئْرِ مَا يُذْهِبُ الرِّيحَ، وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ لَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ فَرْضُ نَزْحِ الْبِئْرِ مِمَّا يَقَعُ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، فَكَيْفَ عَمَّنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمَا أَوْجَبَا نَزْحَهَا وَلَا أَمَرَا بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُمَا قَدْ يَفْعَلَانِهِ عَنْ طِيبِ النَّفْسِ، لَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ

وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: قَدْ غَلَبَتْنَا عَيْنٌ مِنْ جِهَةِ الْحَجَرِ، فَأَعْطَاهُمْ كِسَاءَ خَزٍّ فَحَشَوْهُ فِيهَا حَتَّى نَزَحُوهَا، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّ حَدَّ النَّزْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَغْلِبَهُمْ الْمَاءُ فَقَطْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِائَتَا دَلْوٍ فَقَطْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ - يَقْضِي بِأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً - ثُمَّ يَكُونُ الْمُحْتَجُّ بِهِ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا احْتَجَّ فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَمَرَا بِنَزْحِهَا لَمَا كَانَ لِلْحَنَفِيِّينَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ، إلَّا أَنَّ زَمْزَمَ تَغَيَّرَتْ بِمَوْتِ الزِّنْجِيِّ. وَهَذَا قَوْلُنَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا صِحَّةُ الْخَبَرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرْبَعٌ لَا تُنَجَّسُ، الْمَاءُ وَالثَّوْبُ وَالْإِنْسَانُ وَالْأَرْضُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا. وَأَمَّا التَّابِعُونَ الْمَذْكُورُونَ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ: فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا وَفِي السِّنَّوْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي الدَّجَاجَةِ سَبْعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي السِّنَّوْرِ ثَلَاثُونَ دَلْوًا، وَفِي الدَّجَاجَةِ ثَلَاثُونَ دَلْوًا. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ فِي الدَّجَاجَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْفَأْرَةِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، وَقَالَ عَطَاءٌ فِي الْفَأْرَةِ عِشْرُونَ دَلْوًا، وَفِي الشَّاةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ دَلْوًا، فَإِنْ تَفَسَّخَتْ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ، وَفِي الْكَلْبِ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ، إنْ أُخْرِجَ مِنْهَا حَيًّا عِشْرُونَ دَلْوًا، فَإِنْ مَاتَ فَأُخْرِجَ حِينَ مَوْتِهِ فَسِتُّونَ دَلْوًا، فَإِنْ تَفَسَّخَ فَمِائَةُ دَلْوٍ أَوْ تُنْزَحُ، فَهَلْ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ يُوَافِقُ أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلَّا قَوْلَ عَطَاءٍ فِي الْفَأْرَةِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ فِي السِّنَّوْرِ دُونَ أَنْ يُقَسِّمَ أَيْضًا تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَمْ يَحْصُلُوا إلَّا عَلَى خِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كُلِّهِمْ فَلَا تَعَلُّقَ بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ أَوْ الْمَقَايِيسِ. وَمِنْ عَجِيبِ مَا أَوْرَدْنَا عَنْهُمْ قَوْلُهُمْ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمْ: إنَّ مَاءَ وُضُوءِ الْمُسْلِمِ الطَّاهِرِ النَّظِيفِ أَنْجَسُ مِنْ الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ وَلَوْ أَوْرَدْنَا التَّشْنِيعَ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ لَأَلْزَمْنَاهُمْ ذَلِكَ فِي وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكُوا قَوْلَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي وُضُوءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَوْلُهُمْ: إنْ حُرِّكَ طَرَفُهُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الطَّرَفُ الْآخَرُ، فَلَيْتَ شِعْرِي هَذِهِ الْحَرَكَةُ بِمَاذَا تَكُونُ أَبِإِصْبَعِ طِفْلٍ، أَمْ بِتَبِنَةٍ، أَوْ بِعُودِ مِغْزَلٍ، أَوْ بِعَوْمِ عَائِمٍ، أَوْ بِوُقُوعِ فِيلٍ، أَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرِ مَنْجَنِيقٍ، أَوْ بِانْهِدَامِ جُرْفٍ؟ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ التَّخَالِيطِ، لَا سِيَّمَا فَرْقُهُمْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ

الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ، فَإِنْ ادَّعَوْا فِيهِ إجْمَاعًا، قُلْنَا لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، هَذَا ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَاءٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَقَدْ تَنَجَّسَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَدِيرًا إذَا حُرِّكَ وَسَطُهُ لَمْ تَتَحَرَّكْ أَطْرَافُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الدَّجَاجَةُ فَتَمُوتُ فِيهَا: إنَّهُ يُنْزَفُ إلَّا أَنْ تَغْلِبَهُمْ كَثْرَةُ الْمَاءِ، وَلَا يُؤْكَلُ طَعَامٌ عُجِنَ بِهِ، وَيُغْسَلُ مِنْ الثِّيَابِ مَا غُسِلَ بِهِ، وَيُعِيدُ كُلُّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ صَلَاةً صَلَّاهَا مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ. قَالَ فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ الْوَزَغَةُ أَوْ الْفَأْرَةُ فَمَاتَتَا إنَّهُ يُسْتَقَى مِنْهَا حَتَّى تَطِيبَ، يَنْزِفُونَ مِنْهَا مَا اسْتَطَاعُوا، فَلَوْ وَقَعَ خَمْرٌ فِي مَاءٍ فَإِنَّ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، فَلَوْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِنْ بُلَّ فِي الْمَاءِ خُبْزٌ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِنْهُ، وَأَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَبَدًا، فَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ طَاهِرٍ، أَعَادَ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَبَدًا، فَلَوْ مَاتَ شَيْءٌ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ فِي مَاءٍ أَوْ فِي طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ، وَيُؤْكَلُ كُلُّ ذَلِكَ وَيُشْرَبُ، وَذَلِكَ نَحْوُ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالصَّرَّارِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالسَّرَطَانِ وَالضُّفْدَعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: قَلِيلُ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ، وَيَتَيَمَّمُ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِهِ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ. قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ فَرَّقَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الْوَزَغَةُ وَالْفَأْرَةُ وَبَيْنَ مَا مَاتَتْ فِيهِ الدَّجَاجَةُ فَهُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِنْ كَانَ سَاوَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ، إذْ مَنَعَ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الْمَعْمُولِ بِذَلِكَ الْمَاءِ، وَإِذْ أَمَرَ بِغَسْلِ مَا مَسَّهُ مِنْ الثِّيَابِ، ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا عِنْدَهُ اخْتِيَارٌ لَا إيجَابٌ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ تَطَوُّعًا عِنْدَهُ، فَأَيُّ مَعْنًى لِلتَّطَوُّعِ فِي إصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ؟ فَإِنْ قَالَ إنَّ لِذَلِكَ مَعْنًى، قِيلَ لَهُ: فَمَا الَّذِي يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ؟ وَمَا الْوَجْهُ الَّذِي رَغَّبْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِهِ فِي أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي الْوَقْتِ، وَلَمْ تُرَغِّبُوهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْوَقْتِ؟ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ فَرْضًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَيْنِ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؟ وَمَا الَّذِي أَسْقَطَهَا عَنْهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ؟ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْفَرْضَ يُؤَدِّيهَا التَّارِكُ لَهَا فَرْضًا وَلَا بُدَّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ.

ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ تَفْرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ بَيْنَ مَا لَا دَمَ لَهُ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ وَفِي. الْمَائِعَاتِ وَبَيْنَ مَا لَهُ دَمٌ يَمُوتُ فِيهَا وَهَذَا فَرْقٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا مَعْقُولٌ، وَالْعَجَبُ مِنْ تَحْدِيدِهِمْ ذَلِكَ بِمَا لَهُ دَمٌ وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ الْبُرْغُوثَ لَهُ دَمٌ وَالذُّبَابَ لَهُ دَمٌ. فَإِنْ قَالُوا: أَرَدْنَا مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، قِيلَ: وَهَذَا زَائِدٌ فِي الْعَجَبِ وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا التَّقْسِيمُ بَيْنَ الدِّمَاءِ فِي الْمَيْتَاتِ؟ وَأَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا وَمَعَ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَيْتَةٍ فَهِيَ حَرَامٌ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ، وَالْبُرْغُوثُ الْمَيِّتُ وَالذُّبَابُ الْمَيِّتُ وَالْعَقْرَبُ الْمَيِّتُ وَالْخُنْفُسَاءُ الْمَيِّتُ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ هَذَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَصْنَافِ الْمَيْتَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَكْلِ الْبَاقِلَاءِ الْمَطْبُوخِ وَفِيهِ الدَّقْشُ الْمَيِّتُ، وَعَلَى أَكْلِ الْعَسَلِ وَفِيهِ النَّحْلُ الْمَيِّتُ وَعَلَى أَكْلِ الْخَلِّ وَفِيهِ الدُّودُ الْمَيِّتُ، وَعَلَى أَكْلِ الْجُبْنِ وَالتِّينِ كَذَلِكَ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَقْلِ الذُّبَابِ فِي الطَّعَامِ. قِيلَ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ صَحَّ بِذَلِكَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ، وَكَانَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الطَّعَامِ يَمُوتُ فِيهِ الذُّبَابُ كَمَا زَعَمْتُمْ، فَإِنَّ وَجْهَ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ تَقْتَصِرُوا عَلَى مَا صَحَّ بِهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ ذَلِكَ وَجَاءَ بِهِ الْخَبَرُ خَاصَّةً. وَيَكُونُ مَا عَدَا ذَلِكَ بِخِلَافِهِ، إذْ أَصْلُكُمْ أَنَّ مَا لَاقَى الطَّاهِرَاتِ مِنْ الْأَنْجَاسِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهَا، وَمَا خَرَجَ عَنْ أَصْلِهِ عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ سَائِغًا أَوْ تَقِيسُوا عَلَى الذُّبَابِ كُلَّ طَائِرٍ، وَعَلَى الدَّقْشِ كُلَّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْجُلٍ، وَعَلَى الدُّودِ كُلَّ مُنْسَابٍ. وَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ مَا لَا دَمَ لَهُ؟ فَأَخْطَأْتُمْ مَرَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الذُّبَابَ لَهُ دَمٌ، وَالثَّانِيَةُ اقْتِصَارُكُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَا دَمَ لَهُ، دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الذُّبَابِ كُلَّ ذِي جَنَاحَيْنِ أَوْ كُلَّ ذِي رُوحٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ. قِيلَ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عُمُومُ الْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ؟ فَهَلَّا قِسْتُمْ عَلَى الْفَأْرِ كُلَّ ذِي ذَنَبٍ طَوِيلٍ، أَوْ كُلَّ

حَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ السِّبَاعِ وَهَذَا مَا لَا انْفِصَالَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلًا وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ حُكْمِهِمْ أَنَّ مَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَهُوَ النَّجَسُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَيْتَةَ وَبَيْنَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى الدَّمَ؟ فَمِنْ أَيْنَ جَعَلْتُمْ النَّجَاسَةَ لِلدَّمِ دُونَ الْمَيْتَةِ؟ وَأَغْرَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَا دَمَ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِكُلِّ وَجْهٍ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ رَأَى التَّيَمُّمَ أَوْلَى مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ. فَوَجَبَ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ لَهُ لَيْسَ مُتَوَضِّئًا، ثُمَّ لَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ إلَّا فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ عِنْدَهُ مُصَلٍّ بِغَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ جَارٍ، فَسَوَاءٌ الْبِئْرُ وَالْإِنَاءُ وَالْبُقْعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ كُلُّ نَجَسٍ وَقَعَ فِيهِ وَكُلُّ مَيْتَةٍ، سَوَاءٌ مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، كُلُّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ نَجِسٌ يُفْسِدُ مَا وَقَعَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ نُجِّسَ كُلُّهُ وَحُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ صَاحِبُهُ: جَمِيعُ الْمَائِعَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ، إذَا كَانَ الْمَائِعُ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ يُنَجَّسُ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - وَهُوَ الْوَاجِبُ وَلَا بُدَّ عَلَى أَصْلِهِ - فِي أَنَّ إنَاءً فِيهِ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرَ أُوقِيَّةٍ فَوَقَعَ فِيهِ نُقْطَةُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ نَجَاسَةٍ مَا فَإِنَّهُ كُلَّهُ نَجِسٌ حَرَامٌ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ فِيهِ أَثَرٌ، فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ رَطْلُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ نَجَاسَةٍ مَا فَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ أَثَرٌ، فَالْمَاءُ طَاهِرٌ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ وَيَجُوزُ شُرْبُهُ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِالْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَهَرْقِهِ» ، «وَبِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ بِغَسْلِ يَدِهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ، «وَبِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَائِلَ فِي الْمَاءِ أَلَّا يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَلَا يَغْتَسِلَ» ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَقْبَلْ الْخَبَثَ» .

قَالُوا: فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا مَا. قَالُوا فَكَانَتْ الْقُلَّتَانِ حَدًّا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا أَيْضًا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِمْ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: الْقُلَّةُ أَعْلَى الشَّيْءِ فَمَعْنَى الْقُلَّتَيْنِ هَهُنَا الْقَامَتَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - بِمَا رَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: إنَّ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِنَّ قِلَالَ هَجَرَ الْقُلَّةُ الْوَاحِدَةُ قِرْبَتَانِ أَوْ قِرْبَتَانِ وَشَيْءٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقِرْبَةُ مِائَةُ رَطْلٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَحُدَّ فِي الْقُلَّتَيْنِ حَدًّا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً: الْقُلَّتَانِ أَرْبَعُ قِرَبٍ، وَمَرَّةً قَالَ: خَمْسُ قِرَبٍ، وَلَمْ يَحُدَّهَا بِأَرْطَالٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: الْقُلَّتَانِ سِتُّ قِرَبٍ، وَقَالَ وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ: الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَيَّ جَرَّةٍ كَانَتْ فَهِيَ قُلَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ الْقُلَّةُ الْجَرَّةُ، وَلَمْ يَحُدَّ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْقُلَّةِ حَدًّا. وَأَظْرَفُ شَيْءٍ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْمَاءِ الْجَارِي وَغَيْرِ الْجَارِي فَإِنْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ إذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ مَضَى وَخَلْفَهُ طَاهِرٌ: فَقَدْ عَلِمُوا يَقِينًا أَنَّ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ إذَا انْحَدَرَ فَإِنَّمَا يَنْحَدِرُ كَمَا هُوَ، وَهُمْ يُبِيحُونَ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ فِي انْحِدَارِهِ فَتَطَهَّرَ بِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ وَيَشْرَبَ، وَالنَّجَاسَةُ قَدْ خَالَطَتْهُ بِلَا شَكٍّ، فَوَقَعُوا فِي نَفْسِ مَا شَنَّعُوا وَأَنْكَرُوا. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ نَحْتَجَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَاءِ الْجَارِي وَغَيْرِ الْجَارِي إلَّا بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي يُبَالُ فِيهِ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَبِذَلِكَ الْأَمْرِ نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ فَرَّقْنَا نَحْنُ بَيْنَ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ النَّهْيُ وَهُوَ الْبَائِلُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ النَّهْيُ وَهُوَ غَيْرُ الْبَائِلِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَبَيْنَ مَا تَرَكُوا مِنْهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ فِيمَا ادَّعَوْهُ مِنْ قَبُولِ مَا عَدَا الْمَاءَ لِلنَّجَاسَةِ

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، مَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صِحَاحٌ ثَابِتَةُ لَا مَغْمَزَ فِيهَا. وَكُلُّهَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَكُلُّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ. فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَقْوَالُهُمْ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَا كُلِّهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا حَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ خَالَفُوهُ جِهَارًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَسْلِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، فَقَالُوا هُمْ: لَا بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلٍ هُمْ أَوَّلُ مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ فَتَرَكُوا مَا فِيهِ وَادَّعَوْا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَأَخْطَئُوا مَرَّتَيْنِ. أَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ: لَا يُهْرَقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَاءً - فَخَالَفَ الْحَدِيثَ أَيْضًا عَلَانِيَةً - وَهُوَ وَأَصْحَابُهُ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يُتَعَدَّى بِهِ إلَى سِوَاهُ وَأَنَّهُ لَا يُقَاسُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ، وَصَدَقُوا فِي ذَلِكَ إذْ مَنْ ادَّعَى خِلَافَ هَذَا فَقَدْ زَادَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنْ الْمَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ فَلَا يُهْرَقُ وَلَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَيْرَ الْمَاءِ أُهْرِقَ بَالِغًا مَا بَلَغَ. هَذَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلًا لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، فَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ وَزَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ فِيهِ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أُهْرِقَ وَغُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْلًا، وَقَالَ: إنْ وَلَغَ فِي الْإِنَاءِ خِنْزِيرٌ كَانَ فِي حُكْمِهِ حُكْمَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ: يُغْسَلُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ. قَالَ فَإِنْ وَلَغَ فِيهِ سَبُعٌ لَمْ يُغْسَلْ أَصْلًا وَلَا أُهْرِقَ. فَقَاسَ الْخِنْزِيرَ عَلَى الْكَلْبِ، وَلَمْ يَقِسْ السِّبَاعَ عَلَى الْكَلْبِ - وَهُوَ بَعْضُهَا - وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْكَلْبُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ. فَقَدْ ظَهَرَ خِلَافُ أَقْوَالِهِمْ لِهَذَا الْخَبَرِ وَمُوَافَقَتُنَا نَحْنُ لِمَا فِيهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا، وَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَبُطْلَانُهُ، وَأَنَّهُ دَعَاوَى لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا. وَأَمَّا الْخَبَرُ فِيمَنْ «اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ فَيَغْسِلُ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهٍ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ» ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ، وَقَائِلُونَ إنَّ هَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِهِ. وَقُلْنَا نَحْنُ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ إنَّ النَّجَاسَاتِ

الَّتِي احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي قَبُولِ الْمَاءِ لَهَا وَفَرَّقُوا بِهَا بَيْنَ وُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ وَبَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُزَالُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جِهَارًا، لِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الْإِنَاءِ بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي الْآخَرِ تَطْهِيرَ الْيَدِ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا فِي النَّجَاسَاتِ، وَلَوْ كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ دَلِيلَيْنِ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُسْتَعْمَلًا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَاتِ، فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ مَا ظُنَّتْ بِهِ النَّجَاسَةُ مِنْ الْيَدِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ، وَإِذَا تُيُقِّنَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا اُكْتُفِيَ فِي إزَالَتِهَا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهَذَا قَوْلُهُمْ الَّذِي لَا شُنْعَةَ أَشْنَعُ مِنْهُ، وَهُمْ يَدَّعُونَ إنْفَاذَ حُكْمِ الْعُقُولِ فِي قِيَاسَاتِهِمْ، وَلَا حُكْمَ أَشَدُّ مُنَافَرَةً لِلْعَقْلِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ، وَلَوْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَقُلْنَا: هُوَ الْحَقُّ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ إطْرَاحُهُ وَالرَّغْبَةُ عَنْهُ، وَأَنْ نُوقِنَ بِأَنَّهُ الْبَاطِلُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ لِلْمُتَنَبِّهِ بِغَسْلِ الْيَدِ ثَلَاثًا خَوْفَ أَنْ تَقَعَ عَلَى نَجَاسَةٍ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ رِجْلُهُ فِي ذَلِكَ كَيَدِهِ وَلَكَانَ بَاطِنُ فَخْذَيْهِ وَبَاطِنُ أَلْيَتَيْهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ مِنْ يَدِهِ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَمُوَافِقٌ لَنَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ أَيْضًا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً، وَصَحَّ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَصَحَّ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لَا يُجْعَلَانِ أَصْلًا لِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَأَلَّا يُقَاسَ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ عَلَى حُكْمِهِمَا، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِمَا. وَأَمَّا حَدِيثُ نَهْيِ الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ يَغْتَسِلَ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ أَيْضًا. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمَاءُ بِرْكَةً إذَا حُرِّكَ طَرَفُهَا الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ طَرَفُهَا الْآخَرُ. فَإِنَّهُ لَوْ بَالَ فِيهَا مَا شَاءَ أَنْ يَبُولَ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَيَغْتَسِلَ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا وَلَا أَنْ يَغْتَسِلَ فَزَادَ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْبَائِلِ، وَخَالَفَ الْحَدِيثَ فِيمَا فِيهِ بِإِبَاحَتِهِ - فِي بَعْضِ أَحْوَالِ كَثْرَةِ الْمَاءِ وَقِلَّتِهِ - لِلْبَائِلِ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَاءِ إذَا كَانَ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ فَخَالَفَ الْحَدِيثَ كَمَا خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزَادَ فِيهِ كَمَا زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَخَالَفَهُ

كُلَّهُ. قَالَ: إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِبَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ، وَقَالَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ إذَا كَانَ كَثِيرًا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً لِمُخَالَفَتِهِمْ لَهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَأَخَذْنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَأْرِ فِي السَّمْنِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ أَبَاحُوا الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَقْرَبُوهُ» وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْآثَارِ وَصَحَّ خِلَافُهُمْ لَهَا، وَأَنَّهَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْآثَارِ إنْ كَانَتْ لَا تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ وَمَا فَائِدَتُهَا؟ قُلْنَا: مَعْنَاهَا مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهَا، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَوِّلَ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ، فَكَيْفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي جَاءَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ. وَأَمَّا فَائِدَتُهَا فَهِيَ أَعْظَمُ فَائِدَةٍ، وَهِيَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِالطَّاعَةِ لَهَا، وَلِيَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا. أُوِّلَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُدَّ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا - حَدًّا بَيْنَ مَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ وَبَيْنَ مَا لَا يَقْبَلُهَا لَمَا أَهْمَلَ أَنْ يَحُدَّهَا لَنَا بِحَدٍّ ظَاهِرٍ لَا يُحِيلُ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُوجَبُ عَلَى الْمَرْءِ وَيُوَكَّلُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَتْ كُلُّ قُلَّتَيْنِ - صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا - حَدًّا فِي ذَلِكَ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: الْقُلَّةُ الْقَامَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ - عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ لَهُمْ تَأْوِيلَهُمْ الْفَاسِدَ - لِأَنَّ الْبِئْرَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَامَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ تُنَجَّسُ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ حَدُّهُ فِي الْقُلَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ حَدِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ فَسَّرَ الْقُلَّتَيْنِ بِغَيْرِ تَفْسِيرِهِ وَكُلُّ قَوْلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ بِهَذَا الْخَبَرِ حَقًّا وَنَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ وَلَمْ يَقْبَلْ الْخَبَثَ وَالْقُلَّتَانِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اسْمُ قُلَّتَيْنِ، صَغُرَتَا أَوْ كَبِرَتَا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقُلَّةَ الَّتِي تَسَعُ عَشَرَةَ أَرْطَالِ مَاءٍ تُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ قُلَّةً. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِقِلَالِ هَجَرَ أَصْلًا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ بِهَجَرَ قِلَالًا صِغَارًا وَكِبَارًا. فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ذَكَرَ قِلَالَ هَجَرَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَتَى مَا ذَكَرَ قُلَّةً فَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، وَلَيْسَ تَفْسِيرُ ابْنِ جُرَيْجٍ

لِلْقُلَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ الَّذِي قَالَ: هُمَا جَرَّتَانِ، وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ كَذَلِكَ: إنَّهَا أَيَّ جَرَّةٍ كَانَتْ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا دَلِيلٌ وَلَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يُنَجَّسُ وَيَحْمِلُ الْخَبَثَ وَمَنْ زَادَ هَذَا فِي الْخَبَرِ فَقَدْ قَوَّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ، فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ - وَهُوَ ثِقَةٌ - ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ أَبُو تَمَّامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَفِيهَا مَا يُنْجِي النَّاسُ وَالْحَائِضُ وَالْجِيَفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ - وَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا - وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلَّ مَاءٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَاءً مِنْ مَاءٍ. فَقَالُوا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ إنَّ الْمَاءَ إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَغَيَّرَتْ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ وَرِيحَهُ فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ، فَقَدْ خَالَفْتُمْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ. قُلْنَا: مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا أَنْ نَقُولَهُ، بَلْ الْمَاءُ لَا يُنَجَّسُ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ، لَوْ أَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا لَاسْتَعْمَلْنَاهُ، وَلَكِنَّا لَمَّا لَمْ نَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَمَا أُمِرْنَا سَقَطَ عَنَّا حُكْمُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ كَثَوْبٍ طَاهِرٍ صُبَّ عَلَيْهِ خَمْرٌ أَوْ دَمٌ أَوْ بَوْلٌ، فَالثَّوْبُ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ، إنْ أَمْكَنَنَا إزَالَةُ النَّجَسِ عَنْهُ صَلَّيْنَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنَّا الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ النَّجَسِ الْمُحَرَّمِ سَقَطَ عَنَّا حُكْمُهُ، وَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ لِلِبَاسِ ذَلِكَ الثَّوْبِ، لَكِنْ لِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ خُبْزٌ دُهِنَ بِوَدَكِ خِنْزِيرٍ، وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ حَاشَا مَا جَاءَ

النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ بِعَيْنِهِ فَتَجِبُ الطَّاعَةُ لَهُ، كَالْمَائِعِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ، وَكَالْمَاءِ الرَّاكِدِ لِلْبَائِلِ، وَكَالسَّمْنِ الذَّائِبِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ الْمَيِّتُ، وَلَا مَزِيدَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: لَوْ اخْتَلَطَ الْمَاءُ بِالدَّمِ لَكَانَ الْمَاءُ طَهُورًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لَلَزِمَ إذَا بَالَ إنْسَانٌ فِي سَاقِيَةٍ مَا أَلَّا يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ مَوْضِعِ الْبَائِلِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ الْعَذِرَةُ مِنْهُ يَتَوَضَّأُ بِلَا شَكٍّ، وَلَمَا تَطَهَّرَ فَمُ أَحَدٍ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْءٍ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا دَخَلَ فِي الْفَمِ النَّجِسِ تَنَجَّسَ وَهَكَذَا أَبَدًا، وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ فِي ذَلِكَ مُبْطِلٌ مُتَحَكِّمٌ قَائِلٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيٌّ: وَأَمَّا تَشْنِيعُهُمْ عَلَيْنَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِلِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ، وَبَيْنَ الْفَأْرِ يَقَعُ فِي السَّمْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ وُقُوعِهِ فِي الزَّيْتِ أَوْ وُقُوعِ حَرَامٍ مَا فِي السَّمْنِ إذْ لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ فَتَشَنُّعٌ فَاسِدٌ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ تَدَبَّرُوا كَلَامَهُمْ لَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبَائِلِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَغَيْرِ الْبَائِلِ الَّذِي لَا نَصَّ فِيهِ، وَهَلْ فَرْقُنَا بَيْنَ الْبَائِلِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ إلَّا كَفَرْقِهِمْ مَعَنَا بَيْنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ؟ وَإِلَّا فَلْيَقُولُوا لَنَا مَا الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَغَيْرِ الرَّاكِدِ وَلَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ وَغَيْرِ الْبَائِلِ؟ إلَّا أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَتَعَدَّى بِحُكْمِهِ إلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَكَفَرْقِهِمْ بَيْنَ الْغَاصِبِ لِلْمَاءِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شُرْبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ، وَهُوَ حَلَالٌ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ لَهُ، وَهَلْ الْبَائِلُ وَغَيْرُ الْبَائِلِ إلَّا كَالزَّانِي وَغَيْرِ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَغَيْرِ السَّارِقِ وَالْمُصَلِّي وَغَيْرِ الْمُصَلِّي؟ لِكُلِّ ذِي اسْمٍ مِنْهَا حُكْمُهُ، وَهَلْ الشُّنْعَةُ وَالْخَطَأُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يَرِدَ نَصٌّ فِي الْبَائِلِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى غَيْرِ الْبَائِلِ وَهَلْ هَذَا إلَّا كَمَنْ حَمَلَ حُكْمَ السَّارِقِ عَلَى غَيْرِ السَّارِقِ، وَحُكْمَ الزَّانِي عَلَى غَيْرِ الزَّانِي، وَحُكْمَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي، وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَلَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ لَأَنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ مَسِّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَبَيْنَ مَسٍّ بِظَاهِرِ الْكَفِّ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَأَنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ حُكْمِ الشَّرِيفَةِ وَحُكْمِ الدَّنِيَّةِ فِي النِّكَاحِ،

وَمَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ فَرْجَيْهِمَا فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالصَّدَاقِ وَالْحَدِّ، وَلَأَنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ حُكْمِ التَّمْرِ وَحُكْمِ الْبُسْرِ فِي الْعَرَايَا. وَهَؤُلَاءِ الْمَالِكِيُّونَ يُفَرِّقُونَ مَعَنَا بَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ الْكَلْبُ لِسَانَهُ وَبَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ ذَنَبَهُ الْمَبْلُولَ مِنْ الْمَاءِ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ بَوْلِ الْبَقَرَةِ وَبَوْلِ الْفَرَسِ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، بَلْ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ خُرْءِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَخُرْئِهَا إذَا كَانَتْ مَقْصُورَةً وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ إذَا شَرِبَتْ مَاءً نَجِسًا وَبَيْنَ بَوْلِهَا إذَا شَرِبَتْ مَاءً طَاهِرًا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفُولِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، فَجَعَلُوهُ فِي الزَّكَاةِ مَعَ الْجُلُبَّانِ صِنْفًا وَاحِدًا، وَجَعَلُوهُمَا فِي الْبُيُوعِ صِنْفَيْنِ، وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَدْرِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ بِنَصٍّ جَاءَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفُولِ أَمْسِ وَالْفُولِ الْيَوْمَ، وَبَيْنَ الْفُولِ وَنَفْسِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا دَلِيلٍ أَصْلًا. وَهَؤُلَاءِ الشَّافِعِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي مَخْرَجِهِ مِنْ الْإِحْلِيلِ، فَجَعَلُوهُ يَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْبَوْلِ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ إذَا بَلَغَ أَعْلَى الْحَشَفَةَ - فَجَعَلُوهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ غَائِطِهِ فِي الصَّبِّ وَالْغَسْلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا هَهُنَا بِعَيْنِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ نَفْسِهِ مِنْ بَوْلِهَا بِعَيْنِهَا فِي الثَّوْبِ فَلَا يُفْسِدُهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الْبَعِيرِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهُ وَلَوْ أَنَّهُ نُقْطَةً، فَإِنْ وَقَعَتْ بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ ذَلِكَ الْجَمَلِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ، وَهَذَا نَفْسُ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْنَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ رَوْثِ الْفَرَسِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَبَيْنَ بَوْلِ ذَلِكَ الْفَرَسِ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رُبُعَ الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَشِبْرًا فِي شِبْرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُفْسِدُهَا حِينَئِذٍ، وَزُفَرُ مِنْهُمْ يَقُولُ: بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كُلُّهُ وَرَجِيعُهُ نَجَسٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا. وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَمْلَأُ الْفَمَ مِنْ الْقَلْسِ وَبَيْنَ مَا لَا يَمْلَأُ الْفَمَ مِنْهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي الْجَسَدِ فَلَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ، وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ فَيُزِيلُهُ غَيْرُ الْمَاءِ. وَلَوْ تَتَبَّعْنَا سَقَطَاتِهِمْ لَقَامَ مِنْهَا دِيوَانٌ. فَإِنْ قَالُوا: مَنْ قَالَ بِقَوْلِكُمْ هَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ

قَبْلَكُمْ؟ قُلْنَا: قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ - إذْ بَيَّنَ لَنَا حُكْمَ الْبَائِلِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُتَغَوِّطِ وَالْمُتَنَخِّمِ وَالْمُتَمَخِّطِ، وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا: مَنْ قَالَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِفُرُوقِكُمْ هَذِهِ قَبْلَكُمْ؟ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فِي الْبِئْرِ وَبَوْلِهَا فِي الثَّوْبِ، وَبَيْنَ بَوْلِهَا فِي الْجَسَدِ وَبَوْلِهَا فِي الثَّوْبِ؟ وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ تَشْرَبُ مَاءً نَجِسًا وَبَوْلِهَا إذَا شَرِبَتْ مَاءً طَاهِرًا؟ وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي رَأْسِ الْحَشَفَةِ وَبَيْنَهُ فَوْقَ ذَلِكَ؟ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُمْ وَلَيْتَهُمْ إذْ قَالُوهُ مُبْتَدِئِينَ قَالُوهُ بِوَجْهٍ يُفْهَمُ أَوْ يُعْقَلُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ فُرُوقِهِمْ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ الْقَوْلَ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ قَائِلًا مُسَمًّى بِهِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَهُ، فَاللَّوَائِمُ لَهُمْ لَازِمَةٌ لَا لَنَا، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ الْقَوْلَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ تَعَالَى قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا وَاَللَّهِ هُوَ الْمُنْكَرُ حَقًّا، وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْأَرْضِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالُوا لَنَا: مَنْ فَرَّقَ قَبْلَكُمْ بَيْنَ السَّمْنِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ وَبَيْنَ غَيْرِ السَّمْنِ فَجَوَابُنَا هُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى قُرَيْشٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: إنْ كَانَ مَائِعًا فَأَلْقِهِ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقِ الْفَأْرَةَ وَمَا حَوْلَهَا وَكُلَّ مَا بَقِيَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي عِشْرِينَ فَرْقًا مِنْ زَيْتٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اسْتَسْرِجُوا بِهِ وَادْهُنُوا بِهِ الْأُدْمَ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: الْفَأْرَةُ تَقَعُ فِي السَّمْنِ الذَّائِبِ فَتَمُوتُ فِيهِ أَوْ فِي الدُّهْنِ، فَتُؤْخَذُ قَدْ تَسَلَّخَتْ أَوْ قَدْ مَاتَتْ وَهِيَ شَدِيدَةٌ لَمْ تَتَسَلَّخْ؟ فَقَالَ سَوَاءٌ إذَا مَاتَتْ فِيهِ، فَأَمَّا الدُّهْنُ فَيُنَشُّ فَيُدْهَنُ بِهِ إنْ لَمْ تُقَذِّرْهُ، قُلْت: فَالسَّمْنُ أَيُنَشُّ فَيُؤْكَلُ؟ قَالَ لَا، لَيْسَ مَا يُؤْكَلُ، كَهَيْئَةِ شَيْءٍ فِي الرَّأْسِ يُدْهَنُ بِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالزَّيْتُ دُهْنٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ: قَالَ تَعَالَى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] وَقَدْ رَأَى مَالِكٌ غَسْلَ الزَّيْتِ تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ، ثُمَّ يُؤْكَلُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي النُّقْطَةِ مِنْ الْخَمْرِ تَقَعُ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ يُشْرَبُ وَذَلِكَ الطَّعَامَ يُؤْكَلُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ: أَنْتُمْ تُخَالِفُونَ بَيْنَ أَحْكَامِ النَّجَاسَاتِ فِي الشِّدَّةِ وَالْخِفَّةِ بِآرَائِكُمْ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ، فَبَعْضُهَا عِنْدَكُمْ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْخُفَّ وَالنَّعْلَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارٌ أَكْبَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ وَرُبَّمَا قَلَّ، وَبَعْضُهَا لَا يُنَجِّسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَّا مَا كَانَ رُبُعَ الثَّوْبِ، وَلَا نَدْرِي مَا قَوْلُكُمْ فِي الْجَسَدِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْأَرْضِ، وَبَعْضُهَا تُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَبَيْنَ حُكْمِهَا فِي نَفْسِهَا فِي الْبِئْرِ، فَتَقُولُونَ: إنَّ قَطْرَةَ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ تُنَجِّسُ الْبِئْرَ وَلَا تُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَلَا الْجَسَدَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، فَأَخْبِرُونَا عَنْ غَدِيرٍ إذَا حُرِّكَ طَرَفُهُ الْوَاحِدُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الْآخَرُ وَقَعَتْ فِيهِ نُقْطَةُ بَوْلِ كَلْبٍ أَوْ نُقْطَةُ بَوْلِ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةٌ مَيِّتَةٌ أَوْ فِيلٌ مَيِّتٌ مُتَفَسِّخٌ، هَلْ كُلُّ هَذَا سَوَاءٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ سَاوَوْا بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي تَغْلِيظِ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ إنَّ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الْإِبِلِ أَوْ بَعْرَتَيْنِ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ لَا تُنَجِّسُ الْبِئْرَ، وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ سَأَلْنَاهُمْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي السُّخْرِيَةِ وَالتَّخْلِيطِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالُوا لَنَا: مَا قَوْلُكُمْ فِي خَمْرٍ أَوْ دَمٍ أَوْ بَوْلٍ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ، هَلْ صَارَ الْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَالدَّمُ مَاءً؟ أَمْ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ؟ فَإِنْ كَانَ صَارَ كُلُّ ذَلِكَ مَاءً فَكَيْفَ هَذَا؟ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ كُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِهِ فَقَدْ أَبَحْتُمْ الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ وَالدَّمَ، وَهَذَا عَظِيمٌ وَخِلَافٌ لِلْإِسْلَامِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ الْعَالَمِ كُلَّهُ جَوْهَرَةٌ وَاحِدَةٌ تَخْتَلِفُ أَبْعَاضُهَا بِأَعْرَاضِهَا وَبِصِفَاتِهَا فَقَطْ. وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ صِفَاتِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَالَمَ تَخْتَلِفُ أَسْمَاءُ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا تَقَعُ أَحْكَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدِّيَانَةِ. وَعَلَيْهَا يَقَعُ التَّخَاطُبُ وَالتَّفَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، فَالْعِنَبُ عِنَبٌ وَلَيْسَ زَبِيبًا، وَالزَّبِيبُ لَيْسَ عِنَبًا، وَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَيْسَ عِنَبًا وَلَا خَمْرًا، وَالْخَمْرُ لَيْسَ عَصِيرًا، وَالْخَلُّ لَيْسَ خَمْرًا، وَأَحْكَامُ كُلِّ ذَلِكَ فِي الدِّيَانَةِ تَخْتَلِفُ وَالْعَيْنُ الْحَامِلَةُ وَاحِدَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَهُ صِفَاتٌ، مِنْهَا يَقُومُ حَدُّهُ، فَمَا دَامَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ فَهِيَ مَاءٌ وَلَهُ حُكْمُ الْمَاءِ. فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ تَكُنْ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ صِفَاتٌ مَا دَامَتْ فِيهِ فَهُوَ خَمْرٌ لَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ، أَوْ دَمٌ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ، أَوْ بَوْلٌ لَهُ حُكْمُ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِذَا زَالَتْ عَنْهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْعَيْنُ خَمْرًا وَلَا مَاءً وَلَا دَمًا وَلَا بَوْلًا وَلَا الشَّيْءَ الَّذِي كَانَ ذَلِكَ الِاسْمُ وَاقِعًا مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَيْهِ، فَإِذَا سَقَطَ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي الْخَلِّ أَوْ فِي اللَّبَنِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ بَطَلَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا سُمِّيَ الدَّمُ دَمًا وَالْخَمْرُ خَمْرًا وَالْبَوْلُ بَوْلًا، وَبَقِيَتْ صِفَاتُ الشَّيْءِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا بِحَسَبِهَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ الْجِرْمُ الْوَاقِعُ يُعَدُّ خَمْرًا وَلَا دَمًا وَلَا بَوْلًا، بَلْ هُوَ مَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ لَبَنٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ غَلَبَ الْوَاقِعُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبَقِيَتْ صِفَاتُهُ بِحَسَبِهَا وَبَطَلَتْ صِفَاتُ الْمَاءِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الْخَلِّ، فَلَيْسَ هُوَ مَاءً بَعْدُ وَلَا خَلًّا وَلَا لَبَنًا، بَلْ هُوَ بَوْلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ خَمْرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ دَمٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ بَقِيَتْ صِفَاتُ الْوَاقِعِ وَلَمْ تَبْطُلْ صِفَاتُ مَا وَقَعَ فَهُوَ فِيهِ مَاءٌ وَخَمْرٌ، أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ، أَوْ مَاءٌ وَدَمٌ، أَوْ لَبَنٌ وَبَوْلٌ، أَوْ دَمٌ وَخَلٌّ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا اسْتِعْمَالُ الْحَلَالِ مِنْ ذَلِكَ لَوْ أَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُ مِنْ الْحَرَامِ، لَكِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ فَعَجَزْنَا عَنْهُ فَقَطْ، وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ حَلَالٌ بِحَسَبِهِ كَمَا كَانَ. وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ فَالدَّمُ يَسْتَحِيلُ لَحْمًا، فَهُوَ حِينَئِذٍ لَحْمٌ وَلَيْسَ دَمًا، وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ، وَاللَّحْمُ يَسْتَحِيلُ شَحْمًا فَلَيْسَ لَحْمًا بَعْدُ بَلْ هُوَ شَحْمٌ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ. وَالزِّبْلُ وَالْبِرَازُ وَالْبَوْلُ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ يَسْتَحِيلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي النَّخْلَةِ وَرَقًا وَرُطَبًا، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ زِبْلًا وَلَا تُرَابًا وَلَا مَاءً، بَلْ هُوَ رُطَبٌ حَلَالٌ طَيِّبٌ،

وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ النَّبَاتِ كُلِّهِ، وَالْمَاءُ يَسْتَحِيلُ هَوَاءً مُتَصَعِّدًا وَمِلْحًا جَامِدًا، فَلَيْسَ هُوَ مَاءً بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْعَيْنُ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَعُودُ ذَلِكَ الْهَوَاءُ وَذَلِكَ الْمِلْحُ مَاءً. فَلَيْسَ حِينَئِذٍ هَوَاءً وَلَا مِلْحًا، بَلْ هُوَ مَاءٌ حَلَالٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ فَإِنْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا وَقُلْتُمْ: إنَّهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ صِفَاتُهُ فَهُوَ الَّذِي كَانَ نَفْسَهُ لَزِمَكُمْ وَلَا بُدَّ إبَاحَةُ الْوُضُوءِ بِالْبَوْلِ، لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَحِيلٌ، بِلَا شَكٍّ، وَبِالْعَرَقِ، لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَحِيلٌ. وَلَزِمَكُمْ تَحْرِيمُ الثِّمَارِ الْمُغَذَّاةِ بِالزِّبْلِ وَبِالْعَذِرَةِ، وَتَحْرِيمُ لُحُومِ الدَّجَاجِ، لِأَنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ. فَإِنْ قَالُوا: فَنَحْنُ نَجِدُ الدَّمَ يُلْقَى فِي الْمَاءِ أَوْ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ فَلَا يَظْهَرُ لَهُ لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ فَيُوَاتَرُ طَرْحُهُ فَتَظْهَرُ صِفَاتُهُ فِيهِ. فَهَلَّا صَارَ الثَّانِي مَاءً كَمَا صَارَ الْأَوَّلُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا السُّؤَالُ لَسْنَا نَحْنُ الْمَسْئُولِينَ بِهِ لَكِنْ جَرَيْتُمْ فِيهِ عَلَى عَادَتِكُمْ الذَّمِيمَةِ فِي التَّعَقُّبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ تَعَالَى وَأَفْعَالِهِ، وَإِيَّاهُ تَعَالَى تَسْأَلُونَ عَنْ هَذَا لَا نَحْنُ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَحَلَّ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُحِلَّ الثَّانِيَ كَمَا شَاءَ لَا نَحْنُ وَجَوَابُهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ يَأْتِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا تَطُولُ عَلَيْهِ نَدَامَةُ السَّائِلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ هَذَا السُّؤَالَ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ثُمَّ نَحْنُ نُجِيبُكُمْ قَائِمِينَ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا افْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا إذْ يَقُولُ: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ} [المائدة: 8] فَنَقُولُ لَكُمْ: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى مَا خَلَقَ كُلَّهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا شَاءَ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. وَنَحْنُ نَجِدُ الْمَاءَ يُصَعِّدُهُ الْهَوَاءُ بِالتَّجْفِيفِ فَيَصِيرُ الْمَاءُ هَوَاءً مُصَعَّدًا وَلَيْسَ مَاءً أَصْلًا. حَتَّى إذَا كَثُرَ الْمَاءُ الْمُسْتَحِيلُ هَوَاءً فِي الْجَوِّ عَادَ مَاءً كَمَا كَانَ وَأَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ السَّحَابِ مَاءً. وَهَذَا نَفْسُ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ أَنَّ الدَّمَ يَخْفَى فِي الْمَاءِ وَالْفِضَّةَ تَخْفَى فِي النُّحَاسِ. فَإِذَا تُوبِعَ بِهِمَا ظَهَرَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا السُّؤَالِ الْأَحْمَقِ وَبَيْنَ مَنْ سَأَلَ: لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَاءَ الْوَرْدِ يُتَوَضَّأُ بِهِ؟ وَلِمَ جَعَلَ الصَّلَاةَ إلَى الْكَعْبَةِ وَالْحَجَّ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا إلَى

كَسْكَرَ أَوْ إلَى الْفَرَمَا أَوْ الطُّورِ؟ وَلِمَ جَعَلَ الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ. وَالظُّهْرَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا؟ وَلِمَ جَعَلَ الْحِمَارَ طَوِيلَ الْأُذُنَيْنِ وَالْجَمَلَ صَغِيرَهُمَا وَالْفَأْرَ طَوِيلَ الذَّنَبَ وَالثَّعْلَبَ كَذَلِكَ وَالْمِعْزَى قَصِيرَةَ الذَّنَبِ وَالْأَرْنَبَ كَذَلِكَ؟ وَلِمَ صَارَ الْإِنْسَانُ يُحْدِثُ مِنْ أَسْفَلُ رِيحًا فَيَلْزَمُهُ غَسْلُ وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ، وَلَا يَغْسِلُ مَخْرَجَ تِلْكَ الرِّيحِ؟ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنْ سُؤَالِ الْعُقَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُشْبِهُ اعْتِرَاضَاتِ الْعُلَمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ هُوَ سُؤَالُ نَوْكَى الْمُلْحِدِينَ وَحَمْقَى الدَّهْرِيِّينَ الْمُتَحَيِّرِينَ الْجُهَّالِ. وَإِذَا أَحَلْنَاكُمْ وَسَائِرَ خُصُومِنَا عَلَى الْعِيَانِ وَمُشَاهَدَةِ الْحَوَاسِّ فِي انْتِقَالِ الْأَسْمَاءِ بِانْتِقَالِ الصِّفَاتِ الَّتِي فِيهَا تَقُومُ الْحُدُودُ، ثُمَّ أَرَيْنَاكُمْ بُطْلَانَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَجِبُ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ - عِنْدَكُمْ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ كُلِّ مَنْ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا - عَلَى تِلْكَ الْأَعْيَانِ إلَّا بِوُجُودِهَا، ثُمَّ أَحَلْنَاكُمْ عَلَى الْبَرَاهِينِ الضَّرُورِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ، فَاعْتِرَاضُكُمْ كُلُّهُ هَوَسٌ وَبَاطِلٌ يُؤَدِّي إلَى الْإِلْحَادِ. فَقَالُوا: فَمَا تَقُولُونَ فِي فِضَّةٍ خَالَطَهَا نُحَاسٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا أَثَرٌ وَلَا غَيْرِهَا، أَتُزَكَّى بِوَزْنِهَا وَتُبَاعُ بِوَزْنِهَا فِضَّةً مَحْضَةً أَمْ لَا؟ قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: الْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، إنْ بَقِيَتْ صِفَاتُ الْفِضَّةِ بِحَسَبِهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنُّحَاسِ فِيهَا أَثَرٌ، فَإِنَّهَا تُزَكَّى بِوَزْنِهَا وَتُبَاعُ بِوَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ، لَا بِأَقَلَّ وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا نَسِيئَةً، وَإِنْ غَلَبَتْ صِفَاتُ النُّحَاسِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْفِضَّةِ أَثَرٌ، فَهُوَ كُلُّهُ نُحَاسٌ مَحْضٌ لَا زَكَاةَ فِيهِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَثُرَتْ تِلْكَ الْفِضَّةُ الَّتِي اسْتَحَالَتْ فِيهِ أَوْ لَمْ تَكْثُرْ، وَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِالْفِضَّةِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً بِأَقَلَّ مِمَّا خَالَطَهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ، وَإِنْ ظَهَرَتْ صِفَاتُ النُّحَاسِ وَصِفَاتُ الْفِضَّةِ مَعًا فَهُوَ نُحَاسٌ وَفِضَّةٌ، تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ، خَاصَّةً إنْ بَلَغَتْ خَمْسَ أَوَاقٍ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ بِفِضَّةٍ مَحْضَةٍ

أَصْلًا لَا بِمِقْدَارِ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ وَلَا بِأَقَلَّ وَلَا بِأَكْثَرَ، لَا نَقْدًا وَلَا نَسِيئَةً، لِأَنَّنَا لَا نَقْدِرُ فِيهَا عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بِالْوَزْنِ، وَتُبَاعُ تِلْكَ الْجُمْلَةُ بِالذَّهَبِ نَقْدًا لَا نَسِيئَةً. فَسَأَلُوا عَنْ قِدْرٍ طُبِخَتْ بِالْخَمْرِ أَوْ طُرِحَ فِيهَا بَوْلٌ أَوْ دَمٌ أَوْ عَذِرَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ هُنَالِكَ أَثَرٌ أَصْلًا، فَقُلْنَا: مَنْ طَرَحَ فِي الْقِدْرِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْحَرَامَ الْمُفْتَرَضَ اجْتِنَابُهُ، وَأَمَّا إذَا بَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ فَمَا فِي الْقِدْرِ حَلَالٌ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَصْلًا، وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَحَالَهَا إلَى الْحَلَالِ. ثُمَّ نَقْلِبُ عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ فِي دَنِّ خَلٍّ رُمِيَ فِيهِ خَمْرٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لِلْخَمْرِ أَثَرٌ، فَقَوْلُهُمْ إنَّ ذَلِكَ الَّذِي فِي الدَّنِّ كُلَّهُ حَلَالٌ فَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ وَقَوْلٌ مِنْهُمْ بِاَلَّذِي شَنَّعُوا بِهِ فَلَزِمَهُمْ التَّشْنِيعُ، لِأَنَّهُمْ عَظَّمُوهُ وَرَأَوْهُ حُجَّةً، وَلَمْ يَلْزَمْنَا، لِأَنَّنَا لَمْ نُعَظِّمْهُ وَلَا رَأَيْنَاهُ حُجَّةً. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مُتَأَخِّرُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ضَبْطِ هَذَا الْمَذْهَبِ لِفَسَادِهِ وَسَخَافَتِهِ فَرُّوا إلَى أَنْ قَالُوا: إنَّنَا لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ غَدِيرٍ كَبِيرٍ وَلَا بَحْرٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْحُكْمَ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَالرَّأْيِ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُغْتَسَلُ مِنْهُ، فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَوْ غَلَبَ فِي ظُنُونِنَا أَنَّ النَّجَاسَةَ خَالَطَتْهُ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ أَنَّهُ مَاءُ الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ نَتَيَقَّنْ وَلَا غَلَبَ فِي ظُنُونِنَا أَنْ خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ تَوَضَّأْنَا بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَشَدُّ فَسَادًا مِنْ الَّذِي رَغِبُوا عَنْهُ لِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . وَلَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ يَحْكُمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لَا يُحَقِّقُهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: كَمَا تَظُنُّونَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تُخَالِطْهُ فَظُنُّوا أَنَّهَا خَالَطَتْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالظَّنِّ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِكُمْ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى جَنْبَتَيْ الظَّنِّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى؟ وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَكُمْ هَذَا تَحَكُّمٌ مِنْكُمْ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالرَّابِعُ: أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: عَرِّفُونَا مَا مَعْنَى هَذِهِ الْمُخَالَطَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِلْمَاءِ؟ فَلَسْنَا نَفْهَمُهَا وَلَا أَنْتُمْ وَلَا أَحَدٌ فِي الْعَالَمِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ قَدْ جَاوَرَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ

النَّجَاسَةِ فَهَذِهِ مُجَاوَرَةٌ لَا مُخَالَطَةٌ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ النَّجَاسَةِ كَمِقْدَارِ الْمَاءِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَإِلَّا فَقَدْ فُضِّلَتْ أَجْزَاءٌ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يُجَاوِرْهَا شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ. فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ تَنَجَّسَ كُلُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُجَاوِرْهُ مِنْ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ، قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا لَازِمٌ لَكُمْ فِي الْبَحْرِ بِنُقْطَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِيهِ وَلَا فَرْقَ، فَإِنْ أَبَوْا مِنْ هَذَا قُلْنَا لَهُمْ: فَعَرِّفُونَا بِالْمِقْدَارِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّذِي إذَا جَاوَزَ مِقْدَارًا مَحْدُودًا أَيْضًا مِنْ الْمَاءِ وَلَا بُدَّ نَجَّسَهُ، فَإِنْ أَقْدَمُوا عَلَى تَحْدِيدِ ذَلِكَ زَادُوا فِي الضَّلَالِ وَالْهَوَسِ، وَإِنْ لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى ذَلِكَ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ، كَالْمَيْتَةِ فَسَادًا وَمَجْهُولًا لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ فِي الدِّينِ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَكُمْ لِغَالِبِ الظَّنِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَقُولُوا فِي قَدَحٍ فِيهِ أُوقِيَّتَانِ مِنْ مَاءٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ مِقْدَارُ الصُّآبَةِ مِنْ بَوْلِ كَلْبٍ، إنَّهُ لَمْ يَنْجَسْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُخَالِطَهُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمِقْدَارِهَا مِنْ الْمَاءِ فَقَطْ وَيَبْقَى سَائِرُ مَاءِ الْقَدَحِ طَاهِرًا حَلَالًا شُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ. وَهَكَذَا فِي جُبٍّ فِيهِ كَرُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ أُوقِيَّةُ بَوْلٍ، فَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِكُمْ لَا يَنْجَسُ إلَّا مِقْدَارُ مَا مَازَجَتْهُ تِلْكَ الْأُوقِيَّةُ، وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ طَاهِرًا مُطَهِّرًا حَلَالًا، نَحْنُ مُوقِنُونَ وَأَنْتُمْ أَنَّهَا لَمْ تُمَازِجْ عُشْرَ الْكَرِّ وَلَا عُشْرَ عُشْرِهِ، فَإِنْ الْتَزَمْتُمْ هَذَا فَارَقْتُمْ جَمِيعَ مَذَاهِبِكُمْ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ الَّتِي هِيَ أَفْكَارُ سُوءٍ مُفْسِدَةٌ لِلدِّمَاغِ، فَإِنْ رَجَعْتُمْ إلَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ النَّجَاسَةِ يَنْجَسُ، لَزِمَكُمْ ذَلِكَ كَمَا قَدْ أَلْزَمْنَاكُمْ فِي النِّيلِ وَالْجَيْحُونِ، وَفِي كُلِّ مَاءٍ جَارٍ، لِأَنَّهُ يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَيَنْجَسُ جَمِيعُهُ لِمُلَاقَاتِهِ الَّذِي قَدْ تَنَجَّسَ وَلَا بُدَّ - نَعَمْ - وَفِي الْبَحْرِ مِنْ نُقْطَةِ بَوْلٍ تَقَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَاخْتَارُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنْ قَالُوا: لَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ النَّهْرَ الْكَبِيرَ أَوْ الْبَحْرَ تَنَجَّسَ، وَلَا مِنْ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ بِهِ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ مِنْهُ. قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا نَفْسُهُ مَوْجُودٌ فِي الْجُبِّ وَالْبِئْرِ وَفِي الْقُلَّةِ وَفِي قَدَحٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَرْطَالِ مَاءٍ إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ

ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ، وَلَا يَقِينَ فِي أَنَّ كُلَّ مَاءٍ فِيمَا ذَكَرْنَا تَنَجَّسَ، وَلَا فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّارِبَ تَوَضَّأَ بِنَجِسٍ أَوْ شَرِبَ نَجِسًا، ثُمَّ حَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوا لَمَا وَجَبَ أَنْ يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ الْحَلَالُ أَوْ الْمَائِعُ لِذَلِكَ لِمُجَاوَرَةِ النَّجِسِ أَوْ الْحَرَامِ لَهُ، مَا لَمْ يَحْمِلْ صِفَاتِ الْحَرَامِ أَوْ النَّجِسِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: رَأَيْت بَعْضَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْفِقْهِ وَيَمِيلُ إلَى النَّظَرِ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِيهِ أَثَرٌ فَسَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، الْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ كُلِّهِ أَوْ شَرِبَهُ حَاشَا مِقْدَارَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَوُضُوءُهُ جَائِزٌ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَشُرْبُهُ حَلَالٌ، وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً وَلَا أَنَّهُ شَرِبَ حَرَامًا، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَلَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا طُهْرَ وَهُوَ عَاصٍ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً وَشَرِبَ حَرَامًا قَالَ: وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْبَحْرِ فَمَا دُونَهُ وَلَا فَرْقَ، قَالَ: فَإِنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَاسْتَوْعَبَاهُ أَوْ اسْتَوْعَبُوهُ كُلَّهُ بِالْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الشُّرْبِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وُضُوءُهُ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ غُسْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ، إلَّا أَنَّ فِيهِمَا أَوْ فِيهِمْ مَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ وَلَا غُسْلَ، وَلَا أَعْرِفُ بِعَيْنِهِ، فَلَا أُلْزِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ إعَادَةَ وُضُوءٍ وَلَا إعَادَةَ صَلَاةٍ بِالظَّنِّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ نَاظَرْت صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَلْزَمْتُهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ، أَنْ يَكُونَ يَأْمُرُ جَمِيعَهُمْ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، بَلْ عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْحَدَثِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِيَقِينِ الطَّهَارَةِ، وَأَرَيْته أَيْضًا بُطْلَانَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ اسْتِحَالَةِ الْأَحْكَامِ بِاسْتِحَالَةِ الْأَسْمَاءِ، وَإِنَّ اسْتِحَالَةَ الْأَسْمَاءِ بِاسْتِحَالَةِ الصِّفَاتِ الَّتِي مِنْهَا تَقُومُ الْحُدُودُ، وَقُلْت لَهُ: فَرِّقْ بَيْنَ مَا أَجَزْت مِنْ هَذَا وَبَيْنَ إنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ وَفِي الْآخَرِ عَصِيرُ بَعْضِ الشَّجَرِ، وَبَيْنَ بِضْعَتَيْ لَحْمٍ إحْدَاهُمَا مِنْ خِنْزِيرٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ كَبْشٍ، وَبَيْنَ شَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُذَكَّاةٌ وَالْأُخْرَى عَقِيرَةُ سَبُعٍ مَيْتَةٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا - إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ - عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

مسألة البول كله من كل حيوان حرام أكله

وَمَيْمُونَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُوهُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ جَائِزًا، فَتَقْلِيدُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. [مَسْأَلَة الْبَوْل كله مِنْ كُلّ حَيَوَان حرام أَكْلُهُ] 137 - مَسْأَلَةٌ: وَالْبَوْلُ كُلُّهُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ - إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِ إنْسَانٍ، مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَحْوُ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ، أَوْ مِنْ طَائِرٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ تَدَاوٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ فَقَطْ وَفُرِضَ اجْتِنَابُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ إلَّا مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَنَجْوِ الْبَرَاغِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا الْبَوْلُ فَكُلُّهُ نَجِسٌ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُ أَغْلَظُ نَجَاسَةً مِنْ بَعْضٍ، فَبَوْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ - مِنْ فَرَسٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَلَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا فَيُنَجِّسُ حِينَئِذٍ وَتُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ أَبَدًا. وَلَمْ يَحُدَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الْكَثِيرِ حَدًّا. وَحَدَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِأَنْ يَكُونَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ. قَالَ: فَلَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِي بِئْرٍ فَقَدْ تَنَجَّسَتْ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا. قَالُوا: وَأَمَّا بَوْلُ الْإِنْسَانِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَلَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ نَجَّسَ الثَّوْبَ وَأُعِيدَتْ مِنْهُ الصَّلَاةُ أَبَدًا - فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ لَمْ يُنَجِّسْ الثَّوْبَ وَلَمْ تُعَدْ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا - قَبْلُ وَبَعْدُ - فَالْعَمْدُ عِنْدَهُمْ وَالنِّسْيَانُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ: وَأَمَّا الرَّوْثُ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ كُلَّهُ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ بَقَرٍ كَانَ أَوْ مِنْ فَرَسٍ أَوْ مِنْ حِمَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ مِنْهُ أَوْ النَّعْلِ أَوْ الْخُفِّ أَوْ الْجَسَدِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ: بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَأَعَادَهَا أَبَدًا. وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا، فَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بَعْرَتَانِ فَأَقَلُّ مِنْ أَبْعَارِ الْإِبِلِ أَوْ

الْغَنَمِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّوْثِ الْمَذْكُورِ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَجْزَأَ فِيهِ الْحَكُّ، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يُجْزِ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ، فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الرَّوْثِ بَوْلٌ لَمْ يُجْزِ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ يَبِسَ أَوْ لَمْ يَيْبَسْ. قَالَ فَإِنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ مِنْ خُرْءِ الطَّيْرِ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا وَلَا أُعِيدَتْ مِنْهُ الصَّلَاةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا فَتُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُرْءَ دَجَاجٍ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا، فَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ خُرْءُ حَمَامٍ أَوْ عُصْفُورٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. وَقَالَ زُفَرُ: بَوْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَثُرَ أَمْ قَلَّ. وَأَمَّا بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ وَنَجْوُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ نَجَسٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ نَجِسٌ، وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ طَاهِرَانِ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مَاءً نَجِسًا فَبَوْلُهُ حِينَئِذٍ نَجِسٌ، وَكَذَلِكَ مَا يَأْكُلُ الدَّجَاجُ مِنْ نَجَاسَاتٍ فَخُرْؤُهَا نَجِسٌ. وَقَالَ دَاوُد: بَوْلُ كُلِّ حَيَوَانٍ وَنَجْوُهُ - أُكِلَ لَحْمُهُ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ - فَهُوَ طَاهِرٌ، حَاشَا بَوْلَ الْإِنْسَانِ وَنَجْوَهُ فَقَطْ فَهُمَا نَجَسَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ قَوْلِنَا الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ التَّخْلِيطِ وَالتَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ، لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِسُنَّةٍ لَا صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِدَلِيلِ إجْمَاعٍ وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَسَّمَ النَّجَاسَاتِ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا التَّقْسِيمَ بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا التَّرْتِيبِ فِيهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَوَجَبَ إطْرَاحُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْأَشْيَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ أَوْ تَنْجِيسِهِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. قَالُوا: وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي تَنْجِيسِ بَوْلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَنَجْوِهِ، حَاشَا بَوْلَ الْإِنْسَانِ وَنَجْوَهُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقَالَ بِتَنْجِيسِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ «أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ، وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَدِينَةِ

حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَفِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَمَلَأٌ مِنْ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ وَقَدْ نَحَرُوا جَزُورًا لَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيُّكُمْ يَأْخُذُ هَذَا الْفَرْثَ بِدَمِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَضَعَ وَجْهَهُ سَاجِدًا فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَأَخَذَ الْفَرْثَ، فَأَمْهَلَهُ، فَلَمَّا خَرَّ سَاجِدًا وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأُخْبِرَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ تَسْعَى فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ «ابْنِ عُمَرَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُنْتُ شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» . ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَلَى مَكَان فِيهِ سِرْقِينٌ هَذَا لَفْظُ سُفْيَانَ، وَقَالَ شُعْبَةُ " رَوْثُ الدَّوَابِّ " وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِمَا " وَالصَّحْرَاءُ أَمَامَهُ، وَقَالَ: هُنَا وَهُنَاكَ سَوَاءٌ " وَعَنْ أَنَسٍ " لَا بَأْسَ بِبَوْلِ كُلِّ ذَاتِ كِرْشٍ " وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. قَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْته عَنْ السِّرْقِينِ يُصِيبُ خُفَّ الْإِنْسَانِ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَدَمَهُ؟ قَالَ لَا بَأْسَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَدْ تَنَحَّى عَنْ بَغْلٍ يَبُولُ، فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ: مَا عَلَيْك لَوْ أَصَابَك. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ أَكْلَ الْبَغْلِ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْغَنَمِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَصَابَ عِمَامَتَهُ بَوْلُ بَعِيرٍ قَالَا جَمِيعًا: لَا يَغْسِلُهُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَعَلَى رِجْلَيْهِ أَثَرُ السِّرْقِينِ. وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: إنَّ لِي عُنَيْقًا تَبْعَرُ فِي مَسْجِدِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَكُلُّهَا صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا:

أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ مُسْنَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ بِبَوْلِ الْكِلَابِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقَرَّهُ، وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ لَا حُجَّةَ إلَّا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ فِي عَمَلِهِ أَوْ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ عَرَفَهُ فَأَقَرَّهُ، فَسَقَطَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ، لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَعْرِفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ عَمَلَ بَنِي خُدْرَةَ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، فَلَا يَرَى أَبْوَالَ الْكِلَابِ وَلَا غَيْرَهَا نَجَسًا، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الْفَرْثَ كَانَ مَعَهُ دَمٌ، وَلَيْسَ هَذَا دَلِيلًا عِنْدَهُمْ، عَلَى طَهَارَةِ الدَّمِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى طَهَارَةِ الْفَرْثِ دُونَ طَهَارَةِ الدَّمِ، وَكِلَاهُمَا مَذْكُورَانِ مَعًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَزَكَرِيَّا بْنَ أَبِي زَائِدَةَ رَوَوْا كُلُّهُمْ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَلَى جَزُورٍ، وَهُمْ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، وَرِوَايَتُهُمْ زَائِدَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِ، فَإِذَا كَانَ الْفَرْثُ وَالدَّمُ فِي السَّلَى فَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَيْنِ، فَلَا حُكْمَ لَهُمَا، وَالْقَاطِعُ هَهُنَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ وُرُودِ الْحُكْمِ بِتَحْرِيمِ النَّجْوِ وَالدَّمِ، فَصَارَ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ وَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَرَابِضَ الْغَنَمِ لَا تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا وَلَا مِنْ أَبْعَارِهَا. فَقُلْنَا لَهُمْ: أَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا وَلَا مِنْ أَبْعَارِهَا فَقَدْ يَبُولُ الرَّاعِي أَيْضًا بَيْنَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الْإِنْسَانِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ» .

قَالَ عَلِيٌّ: الدُّورُ هِيَ دُورُ السُّكْنَى وَهِيَ أَيْضًا الْمَحَلَّاتِ. تَقُولُ: دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَدَارُ بَنِي النَّجَّارِ، دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ. هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، فَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَنْظِيفِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا، وَهَذَا يُوجِبُ الْكَنْسَ لَهَا مِنْ كُلِّ بَوْلٍ وَبَعْرٍ وَغَيْرِهِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، فَرُبَّمَا رَأَيْته تَحْضُرُ الصَّلَاةُ فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَؤُمُّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا» فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَنْسِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَضْحِهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ عَنْ «أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَنَعَ بَعْضُ عُمُومَتِي لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا وَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْكُلَ فِي بَيْتِي وَتُصَلِّيَ فِيهِ فَأَتَاهُ وَفِي الْبَيْتِ فَحْلٌ مِنْ تِلْكَ الْفُحُولِ - يَعْنِي حَصِيرًا - فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِجَانِبٍ مِنْهُ فَكُنِسَ وَرُشَّ فَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ» فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَنْسِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَرَشِّهِ بِالْمَاءِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَرَابِضُ الْغَنَمِ وَغَيْرُهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ» فَصَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ وُرُودِ الْأَخْبَارِ بِاجْتِنَابِ كُلِّ نَجْوٍ وَبَوْلٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا لَمْ تَجِدُوا إلَّا مَرَابِضَ الْغَنَمِ وَأَعْطَانَ الْإِبِلِ، فَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: أَنُصَلِّي فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ لَا، قَالَ: أَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ نَعَمْ» . قَالَ عَلِيٌّ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ كُوفِيٌّ وَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ ثنا أَبُو مَعْمَرٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ثنا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا أَتَيْتُمْ عَلَى مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَصَلُّوا فِيهَا، وَإِذَا أَتَيْتُمْ عَلَى مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَلَا تُصَلُّوا فِيهَا، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دَلِيلًا عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا، كَانَ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ دَلِيلًا عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا، وَإِنْ كَانَ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِهَا، فَلَيْسَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دَلِيلًا عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا، وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُتَحَكِّمٌ بِالْبَاطِلِ، لَا يَعْجَزُ مَنْ لَا وَرَعَ لَهُ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّرَفِ الثَّانِي بِدَعْوَى كَدَعْوَاهُ. فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قِيلَ لَهُ: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ لِأَنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ كَمَا قَدْ صَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ، فَخَرَجَتْ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ مِنْ كِلَا الْخَبَرَيْنِ، فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَبَاحَ لِلْعُرَنِيِّينَ شُرْبَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِ الْإِبِلِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي مِنْ الْمَرَضِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الْإِبِلَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَاءِ مِنْ السَّقَمِ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُمْ، وَأَنَّهُمْ صَحَّتْ أَجْسَامُهُمْ بِذَلِكَ، وَالتَّدَاوِي بِمَنْزِلَةِ ضَرُورَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَمَا اُضْطُرَّ الْمَرْءُ إلَيْهِ فَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «ذَكَرَ طَارِقُ بْنُ سُوَيْد أَوْ سُوَيْد بْنُ طَارِقٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا دَوَاءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ» وَحَدِيثَ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ» . وَمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ الْمُخَارِقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» . فَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ دَوَاءً، وَإِذْ لَيْسَتْ دَوَاءً فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي أَنَّ مَا لَيْسَ دَوَاءً فَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ إذَا كَانَ حَرَامًا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ فِي الدَّوَاءِ، وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ لَا

يَقُولُونَ بِهَذَا، بَلْ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيُّونَ يُبِيحُونَ لِلْمُخْتَنِقِ شُرْبَ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُ أَكْلَهُ بِهِ غَيْرَهَا، وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ يُبِيحُونَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الْعَطَشِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ فَنَعَمْ وَمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْحَالِ خَبِيثًا، بَلْ هُوَ حَلَالٌ طَيِّبٌ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَيْسَ خَبِيثًا، فَصَحَّ أَنَّ الدَّوَاءَ الْخَبِيثَ هُوَ الْقَتَّالُ الْمَخُوفُ، عَلَى أَنَّ يُونُسَ بْنَ أَبِي إِسْحَاقَ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» فَبَاطِلٌ لِأَنَّ رَاوِيَهُ سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقَدْ جَاءَ الْيَقِينُ بِإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْجُوعِ فَقَدْ جَعَلَ تَعَالَى شِفَاءَنَا مِنْ الْجُوعِ الْمُهْلِكِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ وَنَقُولُ: نَعَمْ إنَّ الشَّيْءَ مَا دَامَ حَرَامًا عَلَيْنَا فَلَا شِفَاءَ لَنَا فِيهِ، فَإِذَا اُضْطُرِرْنَا إلَيْهِ فَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ حَلَالٌ، فَهُوَ لَنَا حِينَئِذٍ شِفَاءٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهَا» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» مِنْ الطُّرُقِ الثَّابِتَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ. رَوَى تَحْرِيمَ الْحَرِيرِ عُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ صَحَّ يَقِينًا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَاحَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ لِبَاسَ الْحَرِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي مِنْ الْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ وَالْوَجَعِ» ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فَصَحِيحٌ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّنَا إنْ لَمْ نَجِدْ نَصًّا عَلَى تَحْرِيمِ الْأَبْوَالِ جُمْلَةً وَالْأَنْجَاءِ جُمْلَةً، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ بَوْلِ ابْنِ آدَمَ وَنَجْوِهِ. كَمَا قَالُوا: فَإِنْ وَجَدْنَا نَصًّا فِي تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ وَوُجُوبِ اجْتِنَابِهِ، فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ وَاجِبٌ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا ابْنُ سَلَّامٍ

أَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ كَبِيرٍ فَهُوَ صَغِيرٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مِنْ الشِّرْكِ أَوْ الْقَتْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ وَشُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغِيثٍ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ أَبِي حَزْرَةَ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ الْقَاصُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يُصَلَّى بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ يَعْنِي الْبَوْلَ وَالنَّجْوَ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ

طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَزْرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَافْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ اجْتِنَابَ الْبَوْلِ جُمْلَةً، وَتَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْعَذَابِ، وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ بَوْلٌ دُونَ بَوْلٍ، فَيَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مُدَّعِيًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ بِالْبَاطِلِ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ جَلِيٍّ، وَوَجَدْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَمَّى الْبَوْلَ جُمْلَةً وَالنَّجْوَ جُمْلَةً " الْأَخْبَثَيْنِ " وَالْخَبِيثُ مُحَرَّمٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَخْبَثَ وَخَبِيثٍ فَهُوَ حَرَامٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا خَاطَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النَّاسَ فَإِنَّمَا أَرَادَ نَجْوَهُمْ وَبَوْلَهُمْ فَقَطْ. قُلْنَا: نَعَمْ إنَّمَا خَاطَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النَّاسَ وَلَكِنْ أَتَى بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ جِنْسُ الْبَوْلِ وَالنَّجْوِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ: إنَّمَا أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَجْوَ النَّاسِ خَاصَّةً وَبَوْلَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ إنَّمَا أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَوْلَ كُلِّ إنْسَانٍ عَلَيْهِ خَاصَّةً لَا بَوْلَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ فِي النَّجْوِ فَصَحَّ أَنَّ الْوَاجِبَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَحْتَ الِاسْمِ الْجَامِعِ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ الْعَذَابُ فِي الْبَوْلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَرَّةً رَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَرَّةً عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْنَ رَاهْوَيْهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْعَلَاءِ وَيَحْيَى وَأَبَا سَعِيدٍ الْأَشَجَّ رَوَوْهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ فَقَالُوا فِيهِ «كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ. أَمَّا رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ فَإِنَّ الْإِمَامَيْنِ شُعْبَةَ وَوَكِيعًا ذَكَرَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَمَاعَ الْأَعْمَشِ لَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ فَسَقَطَ هَذَا

الِاعْتِرَاضُ، وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِّينَاهُ آنِفًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَقَطَ التَّعَلُّلُ جُمْلَةً. وَأَمَّا رِوَايَةُ هَذَا الْخَبَرِ مَرَّةً عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَرَّةً عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ، وَلَا يَتَعَلَّلُ بِهَذَا إلَّا جَاهِلٌ مُكَابِرٌ لِلْحَقَائِقِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا إمَامٌ، وَكِلَاهُمَا صَحِبَ ابْنَ عَبَّاسٍ الصُّحْبَةَ الطَّوِيلَةَ، فَسَمِعَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي الرِّوَايَةِ؟ وَدِدْنَا أَنْ تُبَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِدَعْوَى فَاسِدَةٍ لَهِجَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَهُمْ فِيهَا مُخْطِئُونَ عَيْنَ الْخَطَأِ، وَمَنْ قَلَّدَهُمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُمْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى " مِنْ بَوْلِهِ " فَقَدْ عَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ فَوْقَهُمْ، فَرَوَى هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعٍ فَقَالُوا " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالَا: " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالَا: " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ فَقَالُوا " مِنْ الْبَوْلِ " فَكِلَا الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ، وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ تَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِينَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا، فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّلُوا بِهِ، وَصَحَّ فَرْضًا وُجُوبُ اجْتِنَابِ كُلِّ بَوْلٍ وَنَجْوٍ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جُمْلَةٌ مِنْ السَّلَفِ، كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثنا أَبُو مَعْمَرٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ثنا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ حَدَّثَنِي أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ: - سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَوْلِ نَاقَتِي قَالَ اغْسِلْ مَا أَصَابَك مِنْهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ سَلْمِ بْنِ أَبِي الذَّيَّالِ عَنْ صَالِحٍ الدَّهَّانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: الْأَبْوَالُ كُلُّهَا أَنْجَاسٌ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ " الْبَوْلُ كُلُّهُ يُغْسَلُ " وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ " الرَّشُّ بِالرَّشِّ وَالصَّبُّ بِالصَّبِّ مِنْ الْأَبْوَالِ كُلِّهَا " وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَا يُصِيبُ الرَّاعِيَ مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ قَالَ " يُنْضَحُ " وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى إسْرَائِيلَ قَالَ " كُنْت مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَسَقَطَ عَلَيْهِ بَوْلُ خُفَّاشٍ فَنَضَحَهُ، وَقَالَ مَا كُنْت أَرَى النَّضْحَ شَيْئًا حَتَّى بَلَغَنِي عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ " سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ بَوْلِ الشَّاةِ، فَقَالَ اغْسِلْهُ. وَعَنْ حَمَّادٍ أَيْضًا فِي بَوْلِ الْبَعِيرِ مِثْلُ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ " وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، لِمَا نَذْكُرُهُ فِي إفْسَادِ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنَّ تَعَلُّقَ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي حَرْبٍ الصَّفَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ؛ لِأَنَّ سَوَّارَ بْنَ مُصْعَبٍ مَتْرُوكٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ النَّقْلِ، مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ. فَإِذَا سَقَطَ هَذَا فَإِنَّ زُفَرَ قَاسَ بَعْضَ الْأَبْوَالِ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يَقِسْ النَّجْوَ عَلَى الْبَوْلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَصْحَابُهُ عَلَيْنَا فِي تَفْرِيقِنَا بَيْنَ حُكْمِ الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَبَيْنَ الْمُتَغَوِّطِ فِيهِ، إلَّا أَنَّنَا نَحْنُ قُلْنَاهُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ زُفَرُ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَإِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ إلَّا أَبْوَالُ الْإِبِلِ فَقَطْ، وَاسْتِدْلَالٌ عَلَى بَوْلِ الْغَنَمِ وَبَعْرِهَا فَقَطْ، فَأَدْخَلَ هُوَ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ أَبْوَالَ الْبَقَرِ وَأَخْثَاءَهَا وَأَبْعَارَ الْإِبِلِ وَبَعْرَ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَوْلُهُ. فَإِنْ قَالُوا فَعَلْنَا ذَلِكَ قِيَاسًا لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ عَلَى مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، قُلْنَا لَهُمْ فَهَلَّا قِسْتُمْ عَلَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كُلَّ ذِي أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهَا ذَوَاتُ أَرْبَعٍ وَذَوَاتُ أَرْبَعٍ؟ أَوْ كُلَّ حَيَوَانٍ، لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ وَحَيَوَانٌ؟ أَوْ هَلَّا قِسْتُمْ كُلَّ مَا عَدَا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْخَبَرِ عَلَى بَوْلِ الْإِنْسَانِ وَنَجْوِهِ الْمُحَرَّمَيْنِ؟ فَهَذِهِ عِلَّةٌ أَعَمُّ مِنْ عِلَّتِكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ بِالْأَعَمِّ فِي الْعِلَلِ، فَإِنْ لَجَأْتُمْ هَهُنَا إلَى الْقَوْلِ بِالْأَخَصِّ فِي الْعِلَلِ قُلْنَا لَكُمْ، فَهَلَّا قِسْتُمْ مِنْ الْأَنْعَامِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا عَلَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَهِيَ مَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً مِنْ الْبَقَرِ فَقَطْ، كَمَا الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَكُونُ أُضْحِيَّةً، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْبَقَرِ فَقَطْ، كَمَا يَكُونُ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، أَوْ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْبَقَرِ خَاصَّةً، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالطَّيْرِ فَهَذَا أَخَصُّ مِنْ عِلَّتِكُمْ، فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ جُمْلَةً يَقِينًا. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا أَبْوَالَ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَنْجَاءَهَا عَلَى أَلْبَانِهَا. قُلْنَا لَهُمْ: فَهَلَّا قِسْتُمْ أَبْوَالَهَا عَلَى دِمَائِهَا فَأَوْجَبْتُمْ نَجَاسَةَ كُلِّ ذَلِكَ؟ وَأَيْضًا فَلَيْسَ لِلذُّكُورِ مِنْهَا وَلَا لِلطَّيْرِ أَلْبَانٌ فَتُقَاسُ أَبْوَالُهَا وَأَنْجَاؤُهَا عَلَيْهَا. وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ هَذِهِ وَإِبْطَالِ قِيَاسِكُمْ هَذَا، لِصِحَّةِ كُلِّ ذَلِكَ بِأَنْ لَا تُقَاسَ أَبْوَالُ النِّسَاءِ وَنَجْوُهُنَّ عَلَى أَلْبَانِهِنَّ فِي الطَّهَارَةِ وَالِاسْتِحْلَالِ. وَهَذَا لَا مَخْلَصَ

مسألة حكم الصوف والوبر والقرن والسن يؤخذ من حي

مِنْهُ أَلْبَتَّةَ. وَهَلَّا قَاسُوا كُلَّ ذِي رِجْلَيْنِ مِنْ الطَّيْرِ فِي نَجْوِهِ عَلَى نَجْوِ الْإِنْسَانِ فَهُوَ ذُو رِجْلَيْنِ؟ فَكُلُّ هَذِهِ قِيَاسَاتٌ كَقِيَاسِكُمْ أَوْ أَظْهَرُ، وَهَذَا يَرَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ إبْطَالَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً، وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُمْ لَا شَيْئًا مِنْ النُّصُوصِ اتَّبَعُوا وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقِيَاسِ ضَبَطُوا، وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ تَعَلَّقُوا، لَا سِيَّمَا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ بَوْلِ مَا شَرِبَ مَاءً نَجِسًا فَقَالَ بِنَجَاسَةِ بَوْلِهِ، وَبَيْنَ بَوْلِ مَا شَرِبَ مَاءً طَاهِرًا فَقَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ، وَهُوَ يَرَى لَحْمَ الدَّجَاجِ حَلَالًا طَيِّبًا، هَذَا وَهُوَ يَرَاهُ مُتَوَلِّدًا عَنْ الْمَيْتَاتِ وَالْعَذِرَةِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالْقَرْنُ وَالسِّنُّ يُؤْخَذُ مِنْ حَيٍّ] 138 - مَسْأَلَةٌ: وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالْقَرْنُ وَالسِّنُّ يُؤْخَذُ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَيَّ طَاهِرٌ وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ، وَالْحَيُّ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَبَعْضُ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. 139 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ نَجِسٌ وَمِنْ الْمُؤْمِنِ طَاهِرٌ، وَالْقَيْحُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْقَلْسُ وَالْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ وَكُلُّ مَا قُطِعَ مِنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَبَنُ الْمُؤْمِنَةِ، كُلُّ ذَلِكَ طَاهِرٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ نَجِسٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ، وَبَعْضُ النَّجَسِ نَجَسٌ، وَبَعْضُ الطُّهْرِ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَبْعَاضِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَلْبَانُ الْجَلَّالَةِ] 140 - مَسْأَلَةٌ: وَأَلْبَانُ الْجَلَّالَةِ حَرَامٌ، وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجُلَّةَ - وَهِيَ الْعَذِرَةُ - وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ كَذَلِكَ، فَإِنْ مُنِعَتْ مِنْ أَكْلِهَا حَتَّى سَقَطَ عَنْهَا اسْمُ جَلَّالَةٍ، فَأَلْبَانُهَا حَلَالٌ طَاهِرَةٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لَبَنِ

مسألة الوضوء بالماء المستعمل

الْجَلَّالَةِ» وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» . [مَسْأَلَةٌ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ] 141 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُهُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ بِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ مَاءٍ وَلَمْ يَخُصَّهُ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الْمَاءَ فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ الْوَاجِبِ وَهُوَ يَجِدُهُ إلَّا مَا مَنَعَهُ مِنْهُ نَصٌّ ثَابِتٌ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» فَعَمَّ أَيْضًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ، فَلَا يَحِلُّ تَخْصِيصُ مَاءٍ بِالْمَنْعِ لَمْ يَخُصُّهُ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد وَهُوَ الْخُرَيْبِيُّ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ بِيَدِهِ» . وَأَمَّا مِنْ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ كُلَّ مُتَوَضِّئٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ بِهِ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إلَى مِرْفَقِهِ، وَهَكَذَا كُلُّ عُضْوٍ فِي الْوُضُوءِ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ وَالْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ مُشَاهِدٍ لِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ قَدْ وُضِّئَتْ بِهِ الْكَفُّ وَغُسِلَتْ، ثُمَّ غُسِلَ بِهِ أَوَّلُ الذِّرَاعِ ثُمَّ آخِرُهُ، وَهَذَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بِيَقِينٍ، ثُمَّ إنَّهُ يَرُدُّ يَدَهُ إلَى الْإِنَاءِ وَهِيَ تَقْطُرُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي طَهَّرَ بِهِ الْعُضْوَ، فَيَأْخُذُ مَاءً آخَرَ لِلْعُضْوِ الْآخَرِ، فَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَهِّرْ الْعُضْوَ الثَّانِي إلَّا بِمَاءٍ جَدِيدٍ قَدْ مَازَجَهُ مَاءٌ آخَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَطْهِيرِ عُضْوٍ آخَرَ وَهَذَا مَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَا يَتَيَمَّمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ، وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَالْأَظْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ نَصَّا، وَأَنَّهُ لَا يَنْجَسُ الثَّوْبُ إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَقَدْ نَجَّسَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يُنَجِّسْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ رَجُلٌ طَاهِرٌ قَدْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ لَهَا فَتَوَضَّأَ فِي بِئْرٍ فَقَدْ تَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا، وَلَا يَجْزِيه ذَلِكَ الْوُضُوءُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ، فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهَا أَرْضًا أَنْجَسَهَا كُلَّهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَسَلَ وَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ جُنُبٍ فِي سَبْعَةِ آبَارٍ نَجَّسَهَا كُلَّهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُنَجِّسُهَا كُلَّهَا وَلَوْ أَنَّهَا عِشْرُونَ بِئْرًا، وَقَالَا جَمِيعًا: لَا يَجْزِيه ذَلِكَ الْغُسْلُ، فَإِنْ طَهَّرَ فِيهَا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَقَدْ تَنَجَّسَتْ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ جَبَائِرُ أَوْ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يُجِزْهُ وَتَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ، فَلَوْ كَانَ عَلَى أَصَابِعِ يَدِهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُنَجِّسْ مَاؤُهَا الْيَدَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، فَلَوْ انْغَمَسَ فِيهَا وَلَمْ يَنْوِ غُسْلًا وَلَا وُضُوءًا وَلَا تَدَلَّكَ فِيهَا لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ حَتَّى يَنْوِيَ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَطْهُرُ بِذَلِكَ الِانْغِمَاسُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَطْهُرُ بِهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَإِنْ غَمَسَ رَأْسه يَنْوِي الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ، وَإِنَّمَا يُنَجِّسُهُ نِيَّةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ يَلْزَمُ فِيهِ الْغُسْلُ، قَالَ فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ يَدِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ حَتَّى يَغْسِلَ الْعُضْوَ بِكَمَالِهِ، فَلَوْ غَمَسَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُفْسِدْ الْمَاءَ، وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ نِيَّةُ الْغُسْلِ لَا نِيَّةُ الْمَسْحِ. وَهَذِهِ أَقُولُ هِيَ إلَى الْهَوَسِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى مَا يُعْقَلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ بِمَاءٍ قَدْ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ، وَأَصْفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لِيَتَوَضَّأَ فَأَخَذَ الْمَاءَ

فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَقَدْ حَرُمَ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَاء مُسْتَعْمَلًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَصُبَّ مِنْهُ عَلَى يَدِهِ، فَإِذَا وَضَّأَهَا أَدْخَلَهَا حِينَئِذٍ فِي الْإِنَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَهْيِهِ الْجُنُبَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالُوا: إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَهُمْ: بَلْ مَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا خَوْفَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إحْلِيلِهِ شَيْءٌ يُنَجِّسُ الْمَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ، وَمِنْ أَنْ نُقَوِّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ، وَأَنْ نُخْبِرَ عَنْهُ مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا فَعَلَهُ، فَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَلَا بُدَّ لِمَنْ قَالَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ مِنْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ لِلْمُتَوَضِّئِ وَلَا لِلْمُغْتَسَلِ أَنْ يُرَدِّدَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَائِهِ، بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ، وَبِذَلِكَ جَاءَ عَمَلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ عَنْ تَرْدِيدِ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَا نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطَّ. وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ: قَدْ أَجَزْتُمْ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَكَّسَ وُضُوءُهُ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ ذَلِكَ، فَأَخْذُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاءً جَدِيدًا لِكُلِّ عُضْوٍ إنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَفْعَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تُلْزَمُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ مَسَحُ رَأْسِهِ الْمُقَدَّسِ بِفَضْلِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ يُؤْخَذُ لِلرَّأْسِ مَاءٌ جَدِيدٌ. قُلْنَا: إنَّمَا رَوَاهُ دَهْثَمُ بْنُ قِرَانٍ - وَهُوَ سَاقِطُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ - عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَكَيْف وَقَدْ أَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غُسْلَ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - ثنا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ «قَالَ لِي جَابِرٌ سَأَلَنِي ابْنُ عَمِّكَ فَقَالَ: كَيْفَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ؟ فَقُلْت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَنَجُّسِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمَا صَحَّ طُهْرٌ وَلَا وُضُوءٌ وَلَا صَلَاةٌ لِأَحَدٍ أَبَدًا، لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُفِيضُهُ الْمُغْتَسِلُ عَلَى جَسَدِهِ يُطَهِّرُ مَنْكِبَيْهِ وَصَدْرَهُ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ إلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ، فَكَانَ يَكُونُ كُلُّ أَحَدٍ مُغْتَسِلًا بِمَاءٍ نَجِسٍ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَهَكَذَا فِي غَسْلِهِ ذِرَاعَهُ وَوَجْهَهُ وَرِجْلَهُ فِي الْوُضُوءِ، لِأَنَّهُ لَا يَغْسِلُ ذِرَاعَهُ إلَّا بِالْمَاءِ الَّذِي غَسَلَ بِهِ كَفَّهُ، وَلَا يَغْسِلُ أَسْفَلَ وَجْهِهِ إلَّا بِالْمَاءِ الَّذِي قَدْ غَسَلَ بِهِ أَعْلَاهُ وَكَذَلِكَ رِجْلُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَصْحَبَهُ مِنْ عَرَقِ الْجِسْمِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ شَيْءٌ فَهُوَ مَاءٌ مُضَافٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا غَثٌّ جِدًّا، وَحَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَتَى حَرُمَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ لَا يَظْهَرُ لَهُ فِي الْمَاءِ رَسْمٌ فَكَيْفَ وَهُمْ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِمَاءٍ قَدْ تَبَرَّدَ فِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَهَذَا أَكْثَرُ فِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعَرَقُ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. قُلْنَا: نَعَمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِنَّ هَذَا لَمِمَّا يَغِيطُ بِاسْتِعْمَالِهِ مِرَارًا إنْ أَمْكَنَ لِفَضْلِهِ، وَمَا عَلِمْنَا لِلْخَطَايَا أَجْرَامًا تَحِلُّ فِي الْمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَحَصَى الْجِمَارِ الَّذِي رَمَى بِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ ثَانِيَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ حَصَى الْجِمَارِ إذَا رَمَى بِهَا فَجَائِزٌ أَخْذُهَا وَالرَّمْيُ بِهَا ثَانِيَةٌ، وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي تَيَمَّمَ بِهِ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَالثَّوْبُ الَّذِي سُتِرَتْ بِهِ الْعَوْرَةُ فِي الصَّلَاةِ جَائِزٌ أَنْ تُسْتَرَ بِهِ أَيْضًا الْعَوْرَةُ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ قِيَاسٍ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا هَوَسٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ، وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِمَاءٍ طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ أَوْ تُرْمُسٌ أَوْ لُوبْيَا، مَا دَامَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا لَمْ يُطْلَقْ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْمُ الْمَاءِ مُفْرَدًا دُونَ أَنْ يُتْبَعَ بِاسْمٍ آخَرَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ، بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ فَقَطْ، ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُطْلَقٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ، وَقَوْلِنَا مَاءٌ مِلْحٌ أَوْ مَاءٌ عَذْبٌ، أَوْ مَاءٌ مُرٌّ، أَوْ مَاءٌ سُخْنٌ أَوْ مَاءُ مَطَرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ وَالْغُسْلِ. وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُتَوَضَّأِ بِهِ وَالْمُغْتَسَلِ بِهِ لَبَطَلَ أَكْثَرُ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْإِنْسَانُ إذَا اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ ثَوْبَهُ لَا يُصَلِّي إلَّا بِثَوْبٍ نَجِسٍ كُلِّهِ، وَلَلَزِمَهُ أَنْ يُطَهِّرَ أَعْضَاءَهُ مِنْهُ بِمَاءٍ آخَرَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَنْجَسُ إلَّا إذَا فَارَقَ الْأَعْضَاءَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ بِالدَّعْوَى، وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ تَنَجَّسَ عِنْدَكُمْ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ؟ فَلَا بُدَّ مِنْ نَعَمْ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَنْجَسَ فِي الْحَالِ الْمُنَجَّسَةِ لَهُ ثُمَّ يَنْجَسَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا جُرْأَةَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ تُؤَدَّى بِهِ الْفَرَائِضُ، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ تَنَجَّسَ أَوْ حَرُمَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْلِيطُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ أَفْسَدَ مَاءَهُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا نَعْلَمُ مَنْ هُوَ قَبْلَ حَمَّادٍ، وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ سَمَاعًا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلُ خِلَافَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: أَرْبَعٌ لَا تَنْجَسُ الْمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْإِنْسَانُ، وَذَكَرَ رَابِعًا. وَذَكَرُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَحْرِيمِهِ الصَّدَقَةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ «إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ» . وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّ اللَّازِمَ لَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ لَا يُحَرَّمَ ذَلِكَ إلَّا عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ وَلَا مَنَعَهُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، بَلْ أَبَاحَهُ لِسَائِرِ النَّاسِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي أَصْلِ أَقْوَالِهِمْ شُرْبَ ذَلِكَ الْمَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ غَيْرُ وُضُوئِهِمْ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ إبَاحَتِهِمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَفِيهَا جَاءَ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَتَحْرِيمُهُمْ الْمَاءَ الَّذِي قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ نَهْيٌ عَنْهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَنَسْأَلُ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ عَمَّنْ وَضَّأَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَقَطْ يَنْوِي بِهِ

مسألة حكم ونيم الذباب والبراغيث والنحل وبول الخفاش

الْوُضُوءَ فِي مَاءٍ دَائِمٍ أَوْ غَسَلَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ جُنُبٌ، أَوْ بَعْضَ عُضْوٍ أَوْ بَعْضَ أُصْبُعٍ أَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَوْ مَسَحَ شَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ أَوْ خُفِّهِ أَوْ بَعْضَ خُفِّهِ -: حَتَّى نَعْرِفَ أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَسَقَى إنْسَانًا ذَلِكَ الْوَضُوءَ» ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَوَضَّأَ وَصَبَّ وَضُوءَهُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ» ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ إذَا تَوَضَّأَ تَمَسَّحَ النَّاسُ بِوَضُوئِهِ» ، فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ الْمَلْعُونَةِ: إنَّ الْمُسْلِمَ الطَّاهِرَ النَّظِيفَ إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ صُبَّ فِيهَا فَأْرٌ مَيِّتٌ أَوْ نَجِسٌ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ وَنِيمُ الذُّبَابِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالنَّحْلِ وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ] 142 - مَسْأَلَةٌ: وَوَنِيمُ الذُّبَابِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالنَّحْلِ وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ وَكَانَ فِي غَسْلِهِ حَرَجٌ أَوْ عُسْرٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ غَسْلِهِ إلَّا مَا لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا عُسْرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَوْلَهُ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] فَالْحَرَجُ وَالْعُسْرُ مَرْفُوعَانِ عَنَّا، وَمَا كَانَ لَا حَرَجَ فِي غَسْلِهِ وَلَا عُسْرَ فَهُوَ لَازِمٌ غَسْلُهُ، لِأَنَّهُ بَوْلٌ وَرَجِيعٌ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ الْقَيْءُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ] 143 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقَيْءُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَإِنَّمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الْعَوْدَةِ فِي الْهِبَةِ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ طَهَارَةِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ] 144 - مَسْأَلَةٌ: وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، فَمَنْ صَلَّى حَامِلًا شَيْئًا مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فَمَنْ لَمْ

مسألة نبيذ البسر والتمر والزهو والرطب والزبيب إذا جمع نبيذ واحد من هذه إلى نبيذ غيره

يَجْتَنِبْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ. [مَسْأَلَة نَبِيذُ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَالزَّبِيبِ إذَا جُمِعَ نَبِيذُ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إلَى نَبِيذِ غَيْرِهِ] 145 - مَسْأَلَةٌ: وَنَبِيذُ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَالزَّبِيبِ إذَا جُمِعَ نَبِيذُ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إلَى نَبِيذِ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ، وَقَالَ: انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ» وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَلِيطَانِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ مَا لَمْ يُسْكِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ إلَّا عَمَّا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَةٌ تَحْرِيم اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بالغائط والبول مُطْلَقًا] 146 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، لَا فِي بُنْيَانٍ وَلَا فِي صَحْرَاءَ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَقَطْ كَذَلِكَ فِي حَالِ الِاسْتِنْجَاءِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قُلْت لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» ؟ قَالَ سُفْيَانُ نَعَمْ. وَقَدْ رَوَى أَيْضًا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ حَدِيثَ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَّا يَسْتَنْجِيَ أَحَدٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» ، فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ. وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ - كَمَا ذَكَرْنَا - فِي الْبُيُوتِ نَصَّا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ

أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ أَلَّا تَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِذَلِكَ، وَعَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جُمْلَةً، وَعَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَبِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ اسْتِقْبَالِهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَتَانِ بِالْفُرُوجِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَرَى ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ: يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلَا بَأْسَ، وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. فَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ جُمْلَةً فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «رَقَيْتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» وَفِي بَعْضِهَا «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبُولُ حِيَالَ الْقِبْلَةِ» وَفِي بَعْضِهَا: «اطَّلَعْتُ يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِلَبِنٍ فَرَأَيْتُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ» . وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ

نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ فَعَلُوهَا؟ اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ النَّهْيِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِذًا لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ فَحُكْمُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَنْسُوخٌ قَطْعًا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، هَذَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالظُّنُونِ، وَأَخْذُ الْمُتَيَقَّنِ نَسْخُهُ وَتَرْكُ الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ نَاسِخٌ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحُكْمٍ مَنْسُوخٍ فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُعِيدُ النَّاسِخَ مَنْسُوخًا وَالْمَنْسُوخَ نَاسِخًا وَلَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ تِبْيَانًا لَا إشْكَالَ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ الدِّينُ مُشْكِلًا غَيْرَ بَيِّنٍ، نَاقِصًا غَيْرَ كَامِلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]

وَأَيْضًا فَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ذِكْرُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَقَطْ، فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لَمَا كَانَ فِيهِ نَسْخُ تَحْرِيمِ اسْتِدْبَارِهَا، وَلَكَانَ مَنْ أَقْحَمَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةَ اسْتِدْبَارِهَا كَاذِبًا مُبْطِلًا لِشَرِيعَةٍ ثَابِتَةٍ، وَهَذَا حَرَامٌ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ - وَهُوَ ثِقَةٌ - عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَرَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، وَهَذَا أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ؛ لِأَنَّ خَالِدًا الْحَذَّاءَ لَمْ يُدْرِكْ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ نَصَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَاهُمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فِي ذَلِكَ، هَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَقْلٍ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا إبَاحَةُ الِاسْتِقْبَالِ فَقَطْ، لَا إبَاحَةُ الِاسْتِدْبَارِ أَصْلًا، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ جُمْلَةً. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ رِوَايَةُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُ الْقِبْلَةَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بَعْدَ نَهْيِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَالَ جَابِرٌ، ثُمَّ رَأَيْته، وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا النَّسْخُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَقَطْ، وَأَمَّا الِاسْتِدْبَارُ فَلَا أَصْلًا، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَاذِبًا، وَلَيْسَ إذَا نَهَى عَنْ شَيْئَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ نَسْخُ الْآخَرِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَسَقَطَ قَوْلُهُمْ لِتَعَرِّيه عَنْ الْبُرْهَانِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ فَقَوْلٌ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلًا، إذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ فَرْقٌ بَيْنَ صَحْرَاءَ وَبُنْيَانٍ، فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ ظَنٌّ، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ، وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ بَلْ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ خَاصَّةً، وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ خَاصَّةً، وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا كَانَ فِي الصَّحَارِي، لِأَنَّ هُنَالِكَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فَيُؤْذَوْنَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْغَائِطِ كَيْفَمَا وَقَعَ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَوْضِعُهُ

مسألة جواز الوضوء والغسل للجنابة بالماء الذي اختلط بطاهر

لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِبْلَةً لِجِهَةٍ مَا، وَغَيْرَ قِبْلَةٍ لِجِهَةٍ أُخْرَى، فَخَرَجَ قَوْلُ مَالِكٍ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّةٍ أَوْ بِدَلِيلٍ أَصْلًا، وَهُوَ قَوْلٌ خَالَفَ جَمِيعَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة جَوَازِ الْوُضُوء وَالْغُسْل للجنابة بِالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بطاهر] 147 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ مُبَاحٌ فَظَهَرَ فِيهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ، فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ وَالْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ جَائِزٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وَهَذَا مَاءٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ مِسْكًا أَوْ عَسَلًا أَوْ زَعْفَرَانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا قَالَتْ: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ كَانَ فِي صَحْفَةٍ، إنِّي لَأَرَى فِيهَا أَثَرَ الْعَجِينِ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي الضُّحَى» . وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ «نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي جَفْنَةٍ إنِّي لَأَرَى أَثَرَ الْعَجِينِ فِيهَا، فَسَتَرَهُ أَبُو ذَرٍّ فَاغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَتَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَا ذَرٍّ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ فِي الضُّحَى» . حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ الْعُكْلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ «أَنَّ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَا مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلُ ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا غَسَلَ الْجُنُبُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ نَصًّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَثَبَتَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَعَنْ صَوَاحِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ وَالتَّابِعَاتِ مِنْهُنَّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْجُنُبَ

وَالْحَائِضَ إذَا امْتَشَطَتْ بِحِنَّاءٍ رَقِيقٍ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهَا مِنْ غَسْلِ رَأْسِهَا لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ وَلَا تُعِيدُ غَسْلَهُ، وَثَبَتَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْجُنُبِ: يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ: إنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ غَسْلِ رَأْسِهِ لِلْجَنَابَةِ. وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ هَذَا أَيْضًا. وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ الْغَدِيرِ تَرِدُهُ الْمَوَاشِي فَتَبُولُ فِيهِ وَتُبْعِرُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ وَرِيحُهُ: أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ، كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنْ الْحَلَالِ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِخِلَافِ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَاءِ يُبَلُّ فِيهِ الْخُبْزُ أَوْ يَقَعُ فِيهِ الدُّهُنُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ يُنْقَعُ فِيهِ الْجِلْدُ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، بَلْ خَالَفُوا فِيهِ ثَلَاثَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَخَالَفُوا فِيهِ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَا نَعْلَمُهُمْ احْتَجُّوا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: لَيْسَ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، بَلْ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الَّذِي فِيهِ وَبَيْنَ حَجَرٍ يَكُونُ فِيهِ، وَهُمْ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الَّذِي تَغَيَّرَ مِنْ طِينِ مَوْضِعِهِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا حُكْمَ الْمَاءِ لِلْمَاءِ الَّذِي مَازَجَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ لَمْ يُزِلْ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ، وَجَعَلُوا لِلْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالنُّحَاسِ - خَلْطًا يُغَيِّرُهَا - حُكْمَ الْفِضَّةِ الْمُحْصَنَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الذَّهَبِ الْمَمْزُوجِ فَجَعَلُوهُ كَالذَّهَبِ الصِّرْفِ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّرْفِ، وَهَذَا هُوَ الْخَطَأُ وَعَكْسُ الْحَقَائِقِ، لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي الصُّفْرِ الْمُمَازِجِ لِلْفِضَّةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ وَأَبَاحُوا صَرْفَ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ بِمِثْلِ وَزْنِ الْجَمِيعِ مِنْ فِضَّةٍ مَحْضَةٍ، وَهَذَا هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِمَاءٍ قَدْ مَازَجَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ وَيَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ، وَلَا يَضُرُّهُ مُرُورُ شَيْءٍ طَاهِرٍ عَلَى أَعْضَائِهِ مَعَ الْمَاءِ.

مسألة حكم الوضوء والغسل إذا لم يوجد شرط الجواز وهو زوال اسم الماء عنه

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كَمَاءِ الْوَرْدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَاءَ الْوَرْدِ لَيْسَ مَاءً أَصْلًا، وَهَذَا مَاءٌ وَشَيْءٌ آخَرُ مَعَهُ فَقَطْ. [مَسْأَلَة حُكْم الْوُضُوء وَالْغُسْل إذَا لَمْ يُوجَد شَرْط الْجَوَاز وَهُوَ زَوَال اسْم الْمَاء عَنْهُ] 148 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جُمْلَةً، كَالنَّبِيذِ وَغَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا الْغُسْلُ، وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ التَّيَمُّمُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ أَمْ لَمْ يُوجَدْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» . وَلَمَّا كَانَ اسْمُ الْمَاءِ لَا يَقَعُ عَلَى مَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَاءِ حَتَّى تَزُولَ عَنْهُ جَمِيعُ صِفَاتِ الْمَاءِ الَّتِي مِنْهَا يُؤْخَذُ حَدُّهُ، صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مَاءً، وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ الْمَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيذَ وَضُوءٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ وَلَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَتَيَمَّمُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ مَا دَامَ يُوجَدُ نَبِيذٌ غَيْرُ مُسْكِرٍ، فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ صَاحِبُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: نَبِيذُ التَّمْرِ خَاصَّةً يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ الْمُفْتَرَضُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَبِيذِ التَّمْرِ، وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ: إنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ خَاصَّةً إذَا لَمْ يُسْكِرْ فَإِنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُغْتَسَلُ - فِيمَا كَانَ خَارِجَ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى خَاصَّةً - عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَإِنْ أَسْكَرَ، فَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ نِيئًا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلًا فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَا فِي الْأَمْصَارِ وَلَا فِي الْقُرَى أَصْلًا - وَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ - وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَنْبِذَةِ غَيْرَ نَبِيذِ التَّمْرِ لَا فِي الْقُرَى وَلَا فِي غَيْرِ الْقُرَى، وَلَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِذَةِ يُتَوَضَّأُ بِهَا وَيُغْتَسَلُ، كَمَا قَالَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ سَوَاءً سَوَاءً.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُتَوَضَّأُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَيُتَيَمَّمُ مَعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طُرُقٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ: مَعَكَ مَاءٌ؟ قَالَ لَيْسَ مَعِي مَاءٌ، وَلَكِنْ مَعِي إدَاوَةً فِيهَا نَبِيذٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ» وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِنَبِيذٍ وَقَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَكِبُوا الْبَحْرَ فَلَمْ يَجِدُوا إلَّا مَاءَ الْبَحْرِ وَنَبِيذًا، فَتَوَضَّئُوا بِالنَّبِيذِ وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا بِمَاءِ الْبَحْرِ. وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مَزِيدَةَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَلْتَتَوَضَّأْ بِالنَّبِيذِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنِ خَازِمٍ الضَّرِيرُ ثنا

الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ. قَالُوا: وَلَا مُخَالِفَ لِمَنْ ذَكَرْنَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مُخَالِفِينَا. وَقَالُوا: النَّبِيذُ مَاءٌ بِلَا شَكٍّ خَالَطَهُ غَيْرُهُ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْغَبُوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَوْ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ كَلَامًا مُسْتَقْصًى فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ تَنْزِلْ آيَةُ الْوُضُوءِ إلَّا بِالْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ أَثَرٌ بِأَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ فَرْضًا بِمَكَّةَ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ كَلَا وُضُوءٍ، فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ لَوْ صَحَّ. وَأَمَّا الَّذِي رَوَوْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، مُجِيزُونَ لِلْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَلَا يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ، مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءُ الْبَحْرِ، وَكُلُّهُمْ - حَاشَا حُمَيْدًا صَاحِبَ الْحَسَنِ بْنُ حَيٍّ - لَا يُجِيزُ الْوُضُوءَ أَلْبَتَّةَ بِالنَّبِيذِ مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءُ الْبَحْرِ، وَحُمَيْدٌ صَاحِبُ الْحَسَنِ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ مَعَ وُجُودِ النَّبِيذِ، فَكُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِمَا ادَّعَوْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَرَى الْمَرْءُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ مَا لَا يَرَاهُ حُجَّةً عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا فَإِنَّ حُمَيْدًا صَاحِبَ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَرَى الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَيَرَى أَنَّ سَائِرَ الْأَنْبِذَةِ لَا يَحِلُّ بِهَا الْوُضُوءُ أَصْلًا، وَهَذَا خِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ عَلِيٍّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ فِي النَّبِيذِ مَاءً خَالَطَهُ غَيْرُهُ، فَهُوَ لَازِمٌ لَهُمْ فِي لَبَنٍ مُزِجَ بِمَاءٍ،

وَفِي الْحِبْرِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مَعَ عَفْصٍ وَزَاجٍ، وَفِي الْأَمْرَاقِ؛ لِأَنَّهَا مَاءٌ وَزَيْتٌ وَخَلٌّ، أَوْ مَاءٌ وَزَيْتٌ وَمَرِيٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَبْعَدُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُجَّةٌ. أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حِينَ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ مَكَّةَ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُ بِتَخْصِيصِ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى؟ وَهَذَا خِلَافٌ لِمَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْقَرْيَةِ، وَلَا قَصْرَ الصَّلَاةِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَحَدَ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا فَصَاعِدًا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا وَدَلِيلُهُ فِي ذَلِكَ جَارٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي الَّذِي قَاسَ فِيهِ جَمِيعَ الْأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ، فَهَلَّا قَاسَ أَيْضًا دَاخِلَ الْقَرْيَةِ عَلَى خَارِجِهَا وَمَا الْمُجِيزُ لَهُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ وَالْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْآخَرِ؟ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِهِ «تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» فَإِذْ هُوَ مَاءٌ طَهُورٌ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ غَيْرِهِ، وَكِلَاهُمَا مَاءٌ طَهُورٌ؟ وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يُجِيزُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلْيُجِزْهُ لِلْمَرِيضِ فِي الْحَضَرِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَأَمَّا فِعْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَوْلُ عَلِيٍّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ مَعَ وُجُودِ مَاءِ الْبَحْرِ، وَلَا يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ وَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْقُرَى، وَلَيْسَ هَذَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَخُصَّ عَلِيٌّ نَبِيذَ تَمْرٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخُصُّهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَلَا أَمْقُتُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَلَى مُخَالِفِهِ تَرْكَ قَوْلٍ هُوَ أَوَّلُ تَارِكٍ لَهُ وَلَا سِيَّمَا وَمُخَالِفُهُ لَا يَرَى ذَلِكَ الَّذِي تَرَكَ حُجَّةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ النَّبِيذَ مَاءٌ وَتَمْرٌ فَيَلْزَمُهُمْ هَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْأَمْرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَنْبِذَةِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعًا. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ جَائِزًا فَالتَّيَمُّمُ مَعَهُ فُضُولٌ. أَوْ لَا يَكُونَ الْوُضُوءُ بِهِ جَائِزًا فَاسْتِعْمَالُهُ فُضُولٌ. لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ:

مسألة عدم جواز غمس المستيقظ يديه في وضوئه

إنَّهُ إذَا كَانَ فِي ثَوْبِ الْمَرْءِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُجْتَمِعَ عَلَى جَسَدِ الْمُتَوَضِّئِ بِالنَّبِيذِ أَوْ الْمُغْتَسِلِ بِهِ وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمَ بَغْلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ. فَإِنْ قَالَ مَنْ يَنْتَصِرُ لَهُ: إنَّا لَا نَدْرِي أَيَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ تَرْكُهُ أَوْ لَا يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ فِعْلُهُ. فَجَمَعَنَا الْأَمْرَيْنِ. قِيلَ لَهُمْ: الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَالْوُضُوءُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ، وَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ عِنْدَكُمْ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا فَاسْتِعْمَالُهُ لَا يَلْزَمُ، وَمَا لَا يَلْزَمُ فَلَا مَعْنَى لِفِعْلِهِ، وَلَوْ جِئْتُمْ إلَى اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَشُكُّونَ فِي وُجُوبِهِ لَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْكُمْ، لَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ نَجِسٌ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَوْنُهُ فِي الثَّوْبِ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الْوُضُوءَ بِالنَّجِسِ الْمُتَيَقَّنِ لَا يَحِلُّ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ: إنَّ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لَا يَحِلُّ. وَهَذَا مَكَانٌ نَقَضُوا فِيهِ هَذَا الْأَصْلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، وَقَدْ نَقَضَ هَهُنَا أَصْلَهُ فِي الْقَوْلِ بِهِ، فَلَمْ يَقِسْ الْأَمْرَاقَ وَلَا سَائِرَ الْأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ، وَخَالَفَ أَيْضًا أَقْوَالَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا ذَكَرْنَا دُونَ مُخَالِفٍ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا أَيْضًا هَادِمٌ لِأَصْلِهِ، فَلْيَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى تَنَاقُضِ أَقْوَالِهِمْ، وَهَدْمِ فُرُوعِهِمْ لِأُصُولِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عدم جَوَازِ غمس المستيقظ يديه فِي وُضُوئِهِ] 149 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ - قَلَّ النَّوْمُ أَوْ كَثُرَ، نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلًا، قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ قَائِمًا. فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، كَيْفَمَا نَامَ - أَلَا يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وُضُوئِهِ - فِي إنَاءٍ كَانَ وُضُوءَهُ أَوْ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَسْتَنْثِرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجِزْهُ الْوُضُوءُ وَلَا تِلْكَ الصَّلَاةُ. نَاسِيًا تَرَكَ ذَلِكَ أَوْ عَامِدًا. وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَبْتَدِيَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ. فَإِنْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ دُونَ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فَوُضُوءُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَصَلَاتُهُ غَيْرُ تَامَّةٍ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِ فَلَا يَغْمِسُ - يَعْنِي يَدَهُ - حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ خَوْفُ نَجَاسَةٍ تَكُونُ فِي الْيَدِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِيهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ عَنْ أَنْ يُبَيِّنَهُ، وَلَمَا كَتَمَهُ عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَوْفَ نَجَاسَةٍ لَكَانَتْ الرِّجْلُ كَالْيَدِ فِي ذَلِكَ، وَلَكَانَ بَاطِنُ الْفَخِذَيْنِ وَمَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَمِنْ الْعَجَبِ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَكُونَ ظَنُّ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِي الْيَدِ يُوجِبُ غَسْلَهَا ثَلَاثًا، فَإِذَا تَيَقَّنَ كَوْنَ النَّجَاسَةِ فِيهَا أَجْزَأَهُ إزَالَتُهَا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ غَسْلُ الْيَدِ هُوَ مَا نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ مَغِيبِ النَّائِمِ عَنْ دِرَايَتِهِ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَقَطْ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ سَبَبًا لِمَا شَاءَ، كَمَا جَعَلَ تَعَالَى الرِّيحَ الْخَارِجَ مِنْ أَسْفَلَ سَبَبًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَغَسْلَ الْوَجْهِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَغَسْلَ الذِّرَاعَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا فِي نَوْمِ اللَّيْلِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَادَّعَوْا أَنَّ الْمَبِيتَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّيْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، بَلْ يُقَالُ: بَاتَ الْقَوْمُ يُدَبِّرُونَ أَمْرَ كَذَا، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ هُوَ الزُّبَيْرِيُّ - عَنْ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» . كَتَبَ إلَيَّ سَالِمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَتْحٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الشَّنْتَجَالِيُّ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْضِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَمَنْ تَوَضَّأَ بِغَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَفْعَلَهُ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ كَذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، لَا سِيَّمَا طَرْدُ الشَّيْطَانِ عَنْ خَيْشُومِ الْمَرْءِ، فَمَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا يَسْتَسْهِلُ الْأُنْسَ بِكَوْنِ الشَّيْطَانِ هُنَاكَ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيُّونَ مُتَابَعَةَ الْوُضُوءِ فَرْضًا لَا يَتِمُّ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ إلَّا بِهِ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضًا لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاسْتِنْشَاقَ وَالْمَضْمَضَةَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَرْضًا لَا يَتِمُّ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ إلَّا بِهِ. وَكُلُّ هَذَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْكَرَ لَا فِعْلَ مَنْ أَوْجَبَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَمْ يَقُلْ فِيمَا قَالَ لَهُ نَبِيُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: افْعَلْ كَذَا، فَقَالَ

مسألة عدم جواز الغسل من الماء الراكد للجنب

هُوَ: لَا أَفْعَلُ إلَّا أَنْ أَشَاءَ، وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِغَيْرِ يَقِينٍ كَذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا. نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَنْشِقَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت كَمْ؟ قَالَ ثَلَاثًا، قُلْت عَمَّنْ؟ قَالَ عَنْ عُثْمَانَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ثنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ: إنْ كَانَ جُنُبًا فَثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ فَاثْنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ مِنْ الْبَوْلِ فَوَاحِدَةً. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْوَضُوءِ، وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا. [مَسْأَلَة عدم جَوَازِ الْغُسْل مِنْ الْمَاء الراكد لِلْجَنْبِ] 150 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ، وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الْغُسْلَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ الْجُنُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِفَرْضٍ غَيْرِ الْجَنَابَةِ فِي مَاءٍ رَكَادٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ جُنُبٍ أَجْزَأَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَالْوُضُوءُ جَائِزٌ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، فَمَنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي جَوْنٍ مِنْ أَجْوَانِ النَّهْرِ وَالنَّهْرُ رَاكِدٌ لَمْ يُجْزِهِ، وَأَمَّا الْبَحْرُ فَهُوَ جَارٍ أَبَدًا مُضْطَرِبٌ مُتَحَرِّكٌ غَيْرُ رَاكِدٍ، هَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ عِيَانًا، وَكَذَلِكَ مَنْ بَالَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ ثُمَّ سَرَحَ لِذَلِكَ الْمَاءِ فَجَرَى فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَلَا الِاغْتِسَالُ، لِأَنَّهُ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ وَالْوُضُوءُ مِنْ عَيْنِ ذَلِكَ الْمَاءِ بِالنَّصِّ، وَلَوْ بَالَ فِي مَاءٍ جَارٍ ثُمَّ أُغْلِقَ صَبَبُهُ فَرَكَدَ جَازَ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَالِاغْتِسَالُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبُلْ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، وَالِاغْتِسَالُ لِلْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي مُبَاحٌ، وَإِنْ بَالَ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَفِيهِ وَالْغُسْلُ مِنْهُ وَفِيهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الْأَيْلِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» ، فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا ".

مسالة عدم صحة وضوء الرجل وغسله من فضل المرأة الحائض

فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ لَا يَرَى أَنْ يَغْتَسِلَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنْ فَعَلَ تَنَجَّسَ الْمَاءُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلُ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَأَجَازَ غُسْلَهُ إنْ اغْتَسَلَ كَذَلِكَ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِخِلَافِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ الرَّاكِدُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَلَوْ أَنَّهُ فَرَاسِخُ فِي فَرَاسِخَ، لَا يُجْزِئُ الْجُنُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخُصَّ مَاءً مِنْ مَاءٍ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الْوُضُوءِ فِيهِ وَلَا عَنْ الْغُسْلِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ فِيهِ، فَهُوَ مُبَاحٌ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . [مسالة عدم صِحَّة وضوء الرَّجُل وَغَسَلَهُ مِنْ فَضْل الْمَرْأَة الْحَائِض] 151 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَاء تَوَضَّأَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ - حَائِضٌ أَوْ غَيْرُ حَائِضٍ - أَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْهُ فَأَفْضَلَتْ مِنْهُ فَضْلًا، لَمْ يَحِلَّ لِرَجُلٍ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلِ وَلَا الْغُسْلُ مِنْهُ، سَوَاءٌ وَجَدُوا مَاءً آخَرَ أَوْ لَمْ يَجِدُوا غَيْرَهُ، وَفَرْضُهُمْ التَّيَمُّمُ حِينَئِذٍ، وَحَلَالٌ شُرْبُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَجَائِزٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ لِلنِّسَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلَا يَكُونُ فَضْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِمَّا اسْتَعْمَلَتْهُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ فَضْلًا، وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِهِ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَأَمَّا فَضْلُ الرِّجَالِ فَالْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ جَائِزٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، إلَّا أَنْ يَصِحَّ خَبَرٌ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنْهُ فَنَقِفَ عِنْدَهُ، وَلَمْ نَجِدْهُ صَحِيحًا فَإِنْ تَوَضَّأَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ اغْتَسَلَا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَغْتَرِفَانِ مَعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا نُبَالِي أَيُّهُمَا بَدَأَ قَبْلُ، أَوْ أَيُّهُمَا أَتَمَّ قَبْلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي حَاجِبٍ هُوَ سَوَادَةُ بْنُ عَاصِمٍ - عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرو الْغِفَارِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ»

أَخْبَرَنِي أَصْبَغُ قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْعُقَيْلِيِّ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا مَعْلِيُّ بْنُ أَسَدٍ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ» . وَلَمْ يُخْبِرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَلَا أَمَرَ غَيْرَ الرِّجَالِ بِاجْتِنَابِهِ، وَبِهَذَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ وَالْحَكَمُ بْنِ عَمْرٍو، وَهُمَا صَاحِبَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ تَقُولُ جُوَيْرِيَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ بِالدِّرَّةِ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيِّ عَنْ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ، فَكِلَاهُمَا نَهَانِي عَنْهُ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا. وَقَدْ صَحَّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ مَعَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مَعًا حَتَّى يَقُولَ أَبْقِي لِي وَتَقُولَ لَهُ أَبْقِ لِي» وَهَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَضْلًا حَتَّى يَتْرُكَهُ. هَذَا حُكْمُ اللُّغَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَةٍ

فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَضَّأَ مِنْ فَضْلِهَا فَقَالَتْ لَهُ: إنِّي اغْتَسَلْت فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الطَّهْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ، مُخْتَصَرٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ مُخْتَصَرٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ حَدِيثَانِ لَا يَصِحَّانِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَرِوَايَةُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، وَهَذِهِ جُرْحَةٌ ظَاهِرَةٌ (وَالثَّانِي) أَخْطَأَ فِيهِ الطَّهْرَانِيُّ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَهُوَ الْبُرْسَانِيُّ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَكْبَرُ عِلْمِي وَاَلَّذِي يَخْطُرُ عَلَى بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَقْطَعْ بِإِسْنَادِهِ، وَهَؤُلَاءِ أَوْثَقُ مِنْ الطَّهْرَانِيِّ وَأَحْفَظُ بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَغْمَزٌ لَمَا كَانَتْ فِيهِمَا حُجَّةٌ، لِأَنَّ حُكْمَهُمَا هُوَ الَّذِي كَانَ قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ أَوْ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ، بِلَا شَكٍّ فِي هَذَا، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ حُكْمَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مَنْسُوخٌ قَطْعًا، حِينَ نَطَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّهْيِ عَمَّا فِيهِمَا، لَا مِرْيَةَ فِي هَذَا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ وَتَرْكُ النَّاسِخِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ حُكْمُهُ، وَالنَّاسِخُ قَدْ بَطَلَ رَسْمُهُ، فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى غَيْرَ الْحَقِّ، وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَلَا يُبَيِّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ - الْمُحْتَجَّيْنِ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ - مُخَالِفَانِ لِمَا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ» وَمِنْ الْقَبِيحِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِمَا يُقِرُّونَ أَنَّهُ حُجَّةٌ ثُمَّ يُخَالِفُونَهُ وَيُنْكِرُونَ خِلَافَهُ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة عدم صحة وضوء وصلاة من توضأ بماء لاحق له فيه

وَرُوِّينَا إبَاحَةَ وُضُوءِ الرَّجُلِ مِنْ فَضْلِ الْمَرْأَةِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَلِيٍّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَأَمَّا الطَّرِيقُ عَنْ عَائِشَةَ فَفِيهَا الْعَرْزَمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يُدْرَى مَنْ هِيَ. وَأَمَّا الطَّرِيقُ عَنْ عَلِيٍّ فَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ صَحِيفَةٌ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ لَا يَحْتَجُّ بِهَا إلَّا جَاهِلٌ، فَبَقِيَ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سَرْجِسَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ، يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُ أَصْلًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عدم صِحَّة وضوء وَصَلَاة مِنْ تَوَضَّأَ بِمَاء لاحق لَهُ فِيهِ] 152 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا مِنْ إنَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا الْغُسْلُ، إلَّا لِصَاحِبِهِ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدُ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا بِشْرٌ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «قَعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرٍ فَقَالَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا صَحِيحًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ» . فَكَانَ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ مِنْ إنَاءٍ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ ذَلِكَ الْمَاءَ وَذَلِكَ الْإِنَاءَ فِي غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ حَرَامٌ، وَبِضَرُورَةٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ الْحَرَامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ غَيْرُ الْوَاجِبِ الْمُفْتَرَضِ عَمَلُهُ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَلَمْ يَتَوَضَّأْ الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَاَلَّذِي لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ، بَلْ هُوَ وُضُوءٌ مُحَرَّمٌ، هُوَ فِيهِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ، وَالصَّلَاةُ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِغَيْرِ الْغُسْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لَا تُجْزِئُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا عَمَّنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ إطْعَامِ مَسَاكِينَ، فَأَطْعَمَهُمْ مَالَ غَيْرِهِ، أَوْ مَنْ عَلَيْهِ صِيَامُ أَيَّامٍ، فَصَامَ أَيَّامَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ، وَمَنْ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ أَمَةَ غَيْرِهِ: أَيُجْزِيهِ ذَلِكَ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ؟ فَمَنْ قَوْلُهُمْ: لَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ

مسألة عدم صحة الوضوء والغسل من آنية الذهب والفضة للرجال والنساء

مَنَعْتُمْ هَذَا وَأَجَزْتُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَإِنَاءٍ مَغْصُوبٍ؟ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ عَمَلٌ مَوْصُوفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ، مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِإِقْرَارِكُمْ سَوَاءً سَوَاءٌ. وَهَذَا لَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى الِانْفِكَاكِ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا بَلْ هُوَ حُكْمٌ وَاحِدٌ دَاخِلٌ تَحْتَ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ، وَتَحْتَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَكُلُّ هَؤُلَاءِ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَرْدُودٌ بِحُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ فِي هَذَا وَمَنْ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ، وَأَمَّا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ فَلَا، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّونَ وَأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ، دُونَ نَصٍّ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ بِأَيْدِيهِمْ إلَّا تَشْغِيبٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ ثُمَّ يُجِيزُونَ الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ وَإِنَاءٍ، يُقِرُّونَ كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ، وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُ وَتَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَجَبٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَانِعِينَ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ، وَخَالَفُوا أَيْضًا الْقِيَاسَ وَمَا تَعَلَّقُوا فِي جَوَازِهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عدم صِحَّة الْوُضُوء وَالْغُسْل مِنْ آنِيَة الذَّهَب وَالْفِضَّة لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء] 153 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَلَا مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ لَا لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَآنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ» . فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ الْأَكْلِ فِيهَا وَالشُّرْبِ. قُلْنَا: هَذَانِ الْخَبَرَانِ نَهْيٌ عَامٌّ عَنْهُمَا جُمْلَةً، فَهُمَا زَائِدَانِ حُكْمًا وَشَرْعًا عَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فَقَطْ أَوْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْحُكْمِ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا.

مسألة عدم صحة الوضوء والشرب من الماء الذي بأرض ثمود

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَاءَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ «حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» قُلْنَا: نَعَمْ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُسْتَثْنًى مِنْ إبَاحَةِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الْأَخْبَارِ، وَلَا يُوصَلُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا إلَّا هَكَذَا، وَهُمْ قَدْ فَعَلُوا هَذَا فِي الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَوْهُ مِنْ إبَاحَةِ الذَّهَبِ لَهُنَّ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ ظَرْفًا لَا يَحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُ شَيْئًا» قُلْنَا نَعَمْ، هَذَا حَقٌّ وَبِهِ نَقُولُ، وَالْمَاءُ الَّذِي فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شُرْبُهُ حَلَالٌ، وَالتَّطَهُّرُ بِهِ حَلَالٌ، وَإِنَّمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ وَفِي التَّطَهُّرِ مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى - الَّتِي هِيَ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ - صَارَ فَاعِلُ ذَلِكَ مُجَرْجِرًا فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ بِالنَّصِّ، وَكَانَ فِي حَالِ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ التَّطَهُّرِ نَفْسِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَأَنْ يُجْزِئَ تَطْهِيرٌ مُحَرَّمٌ عَنْ تَطْهِيرٍ مُفْتَرَضٍ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إنَّ مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجَكُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ، فَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُونَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ كَانَ فِيهِ خَمْرٌ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا فِي الْمَاءِ أَثَرٌ، فَقَدْ جَعَلُوا هَذَا الْإِنَاءَ يُحَرِّمُ هَذَا الْمَاءَ، خِلَافًا لِلْخَبَرِ الثَّابِتِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ النَّبِيذَ الَّذِي فِي الدَّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ، وَهُوَ الَّذِي أَبْطَلَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ وَرَدَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إبَاحَةُ الْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ، وَتَحْرِيمُ الْإِنَاءِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عَلَيْهِنَّ. وَهُوَ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عدم صِحَّة الْوُضُوء وَالشُّرْب مِنْ الْمَاء الَّذِي بِأَرْضِ ثَمُود] 154 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَاءِ بِئَارِ الْحِجْرِ - وَهِيَ أَرْضُ ثَمُودَ - وَلَا الشُّرْبُ، حَاشَا بِئْرَ النَّاقَةِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ مِنْهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ ثنا سُلَيْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، قَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ثنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ

مسألة عدم صحة الوضوء والغسل بماء العصير مطلقا

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ وَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَاعْتَجَنُوا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئَارِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هِيَ مَعْرُوفَةٌ بِتَبُوكَ. [مَسْأَلَة عدم صِحَّة الْوُضُوء وَالْغُسْل بِمَاء الْعَصِير مُطْلَقًا] 155 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَاءٍ اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ، كَمَاءِ الْوَرْدِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ لِلصَّلَاةِ، وَلَا الْغُسْلُ بِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَاءً، وَلَا طَهَارَةَ إلَّا بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ أَوْ الصَّعِيدِ عِنْدَ عَدَمِهِ. [مَسْأَلَة بَيَان الْمِيَاه الْجَائِز التَّطْهِير بِهَا] 156 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ وَالْغُسْلُ لِلْفُرُوضِ جَائِزٌ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَبِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ وَالْمُشَمَّسِ وَبِمَاءٍ أُذِيبَ مِنْ الثَّلْجِ أَوْ الْبَرَدِ أَوْ الْجَلِيدِ أَوْ مِنْ الْمِلْحِ الَّذِي كَانَ أَصْلُهُ مَاءً وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مَعْدِنًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَالْمِلْحُ كَانَ مَاءً ثُمَّ جَمَدَ كَمَا يَجْمُدُ الثَّلْجُ، فَسَقَطَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ اسْمُ الْمَاءِ، فَحَرُمَ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ بِهِ وَالْغُسْلُ لِلْفُرُوضِ، فَإِذَا صَارَ مَاءً عَادَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ، فَعَادَ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِهِ كَمَا كَانَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمِلْحُ الْمَعْدِنِيُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَاءً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَفِي بَعْضِ هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ: رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَالْغُسْلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِتَقْلِيدِ الصَّاحِبِ وَيَقُولُ إذَا وَافَقَهُ قَوْلُهُ: " مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ " أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِهِمْ هَهُنَا. وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْعُمُومِ، لِأَنَّ الْخَبَرَ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» لَا يَصِحُّ. وَلِذَلِكَ لَمْ نَحْتَجَّ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ الْكَرَاهَةُ لِلْمَاءِ الْمُسَخَّنِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْكَرَاهَةُ لِلْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، وَكُلُّ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا حُجَّةَ لَا فِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة من موجبات الوضوء ذهاب العقل

[مَسْأَلَة مِنْ مُوجِبَات الْوُضُوء ذَهَاب الْعَقْل] مَسْأَلَةٌ: الْأَشْيَاءُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُضُوءِ وَلَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ غَيْرُهَا. قَالَ قَوْمٌ: ذَهَابُ الْعَقْلِ بِأَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ، مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ سَكِرَ. وَقَالُوا هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ سَقَطَ عَنْهُ الْخِطَابُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَتْ حَالُ طَهَارَتِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا، وَلَوْلَا صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ حُكْمَ جَنَابَتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، أَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَبَاطِلٌ، وَمَا وَجَدْنَا فِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَلِمَةً وَلَا عَنْ أَحَدِ التَّابِعِينَ، إلَّا عَنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ: إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - عَلَى أَنَّ الطَّرِيقَ إلَيْهِ وَاهِيَةٌ وَحَمَّادٌ وَالْحَسَنُ فَقَطْ، عَنْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ الْوُضُوءُ وَعَنْ الثَّالِثِ إيجَابُ الْغُسْلِ، رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ سَعِيدِ الْحَدَثَانِيِّ وَهُشَيْمٍ، قَالَ سُوَيْد أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ: يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ تَوَضَّأَ وَضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ اغْتَسَلَ. فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ؟ لَيْتَ شِعْرِي؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى النَّوْمِ، قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، لَكِنْ قَدْ وَافَقْتُمُونَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَهِيَ الْغُسْلُ، فَقِيسُوا عَلَى سُقُوطِهَا سُقُوطَ الْأُخْرَى وَهِيَ الْوُضُوءُ، فَهَذَا قِيَاسٌ، يُعَارِضُ قِيَاسَكُمْ، وَالنَّوْمُ لَا يُشْبِهُ الْإِغْمَاءَ وَلَا الْجُنُونَ وَلَا السُّكْرَ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إحْرَامُهُ وَلَا صِيَامُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْ عُقُودِهِ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إبْطَالُ وُضُوئِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ؟ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلصَّلَاةِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ اغْتَسَلَ، وَلَمْ تَذْكُرْ وُضُوءًا وَإِنَّمَا كَانَ غُسْلُهُ لِيَقْوَى عَلَى الْخُرُوجِ فَقَطْ» .

مسألة من موجبات الوضوء النوم مطلقا

[مَسْأَلَة مِنْ مُوجِبَات الْوُضُوء النوم مُطْلَقًا] مَسْأَلَةٌ: وَالنَّوْمُ فِي ذَاتِهِ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ رَاكِعًا كَذَلِكَ أَوْ سَاجِدًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّكِئًا أَوْ مُضْطَجِعًا، أَيْقَنَ مَنْ حَوَالَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ أَوْ لَمْ يُوقِنُوا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ ثنا شُعْبَةُ وَقَالَ قُتَيْبَةُ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَقَالَ يَحْيَى ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُهَيْرُ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى، ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَزُهَيْرٌ وَابْنُ مِغْوَلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ «زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْت صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى خِفَافِنَا وَلَا نَنْزِعَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» . وَلَفْظُ شُعْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَلَا نَنْزِعَهُ ثَلَاثًا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلَّ نَوْمٍ، وَلَمْ يَخُصَّ قَلِيلَهُ مِنْ كَثِيرِهِ، وَلَا حَالًا مِنْ حَالٍ، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ. وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَيْف كَانَ. وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ نَذْكُرُ بَعْضَ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا لَا يَعْرِفُونَهُ، وَلَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ جَهْلًا وَجُرْأَةً.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَيَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُونَ إلَى الصَّلَاةِ ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ثنا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْت أَنَسًا يَقُولُ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ " فَقُلْت لِقَتَادَةَ: سَمِعْته مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ إي وَاَللَّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ جَازَ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَشِذَّ عَنْهُ أَحَدٌ لَكَانَ هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ، لَا لِتِلْكَ الْأَكَاذِيبِ الَّتِي لَا يُبَالِي مَنْ لَا دِينَ لَهُ بِإِطْلَاقِ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهَا. وَذَهَبَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ إلَى أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلَّا نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحَّ عَنْهُ، وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَنْ عَطَاءٍ وَاللَّيْثِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ الْوُضُوءَ إلَّا أَنْ يَضْطَجِعَ أَوْ يَتَّكِئَ أَوْ مُتَوَكِّئًا عَلَى إحْدَى أَلْيَتَيْهِ أَوْ إحْدَى وَرِكَيْهِ فَقَطْ، وَلَا يَنْقُضُهُ سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِعًا، طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ نَامَ سَاجِدًا غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَوُضُوءُهُ بَاقٍ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَهُوَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْغَلَبَةِ فِيمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا، وَهُوَ قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْحَكَمِ، وَلَا نَعْلَمُ كَيْفَ قَالَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ نَامَ نَوْمًا يَسِيرًا وَهُوَ قَاعِدٌ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَكَذَلِكَ النَّوْمُ الْقَلِيلُ لِلرَّاكِبِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ نَحْوَ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ أَيْضًا، وَرَأْيِ أَيْضًا فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنَّ قَلِيلَ النَّوْمِ وَكَثِيرَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جَمِيعُ النَّوْمِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ إلَّا مِنْ نَامَ جَالِسًا غَيْرَ

زَائِلٍ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ، فَهَذَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، طَالَ نَوْمُهُ أَوْ قَصُرَ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّقْسِيمَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَلَا نُحَقِّقُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ النَّوْمَ حَدَثًا بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ «أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَلَا يُعِيدُ وُضُوءًا ثُمَّ يُصَلِّي» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ، لِأَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَكَرَتْ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَصَحَّ أَنَّ نَوْمَ الْقَلْبِ الْمَوْجُودِ مِنْ كُلِّ مَنْ دُونَهُ هُوَ النَّوْمُ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ النَّوْمِ إلَّا مِنْ الِاضْطِجَاعِ حَدِيثًا رُوِيَ فِيهِ «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» وَحَدِيثًا آخَرَ فِيهِ «أَعَلَيَّ فِي هَذَا وُضُوءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَضَعَ جَنْبَك» وَحَدِيثًا آخَرَ فِيهِ «مَنْ وَضَعَ جَنْبَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ. أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ السَّلَامِ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ، وَالدَّالَانِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَسَقَطَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالثَّانِي لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلَّا عَلَى بَيَانِ سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ بَحْرِ بْنِ كُنَيْزٍ السَّقَّاءِ، وَهُوَ لَا خَيْرَ فِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَى إطْرَاحِهِ، فَسَقَطَ جُمْلَةً.

وَالثَّالِثُ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ يُحَدِّثُ بِالْمَنَاكِيرِ فَسَقَطَ هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثًا فِيهِ «إذَا نَامَ الْعَبْدُ سَاجِدًا بَاهَى اللَّهُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ» وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ لَمْ يُخْبِرْ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إسْقَاطُ الْوُضُوءِ عَنْهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْآخَرُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيهِمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى نَامَ النَّاسُ ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا ثُمَّ نَامُوا، ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّوْا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ تَوَضَّئُوا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَاجِي رَجُلًا، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيه حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ» وَحَدِيثًا ثَابِتًا مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِشَاءِ، حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ النَّائِمِ وَلَا بَيْنَ أَحْوَالِ النَّوْمِ، لِأَنَّهَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ حَالِ مَنْ نَامَ كَيْف نَامَ، مِنْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ أَوْ اتِّكَاءٍ أَوْ تَوَرُّكٍ أَوْ اسْتِنَادٍ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَا مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ النَّوْمِ أَصْلًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِنَوْمِ مَنْ نَامَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْوُضُوءِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ إلَّا فِيمَا عَلِمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّهُ، أَوْ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ فِيمَا فَعَلَهُ، فَكَيْفَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ «أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إسْلَامٌ يَوْمئِذٍ إلَّا بِالْمَدِينَةِ» ، فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَكَانَ حَدِيثُ صَفْوَانَ نَاسِخًا لَهُ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ صَفْوَانَ مُتَأَخِّرٌ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَلَا مُتَعَلَّقَ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِعَمَلِ صَحَابَةٍ وَلَا بِقَوْلٍ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِاحْتِيَاطٍ، وَهِيَ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا تَرَى لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ مُقَلِّدِيهِمْ أَنْ يَدَّعِيَ عَمَلًا إلَّا كَانَ لِخُصُومِهِ أَنْ يَدَّعِيَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ لَاحَ أَنَّ كُلَّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّمَا هُوَ إيهَامٌ مُفْتَضَحٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ نَامُوا عَلَى الْحَالِ الَّتِي يُسْقِطُونَ الْوُضُوءَ عَمَّنْ نَامَ كَذَلِكَ، فَسَقَطَتْ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مِنْ طَرِيقِ السُّنَنِ إلَّا قَوْلَنَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو النَّوْمُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حَدَثًا، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ حَدَثًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، كَيْفَ كَانَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ حَدَثًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ - كَيْف كَانَ - يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا قَوْلُنَا فَصَحَّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ أَحْوَالِ النَّوْمِ خَطَأٌ وَتَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا، وَإِنَّمَا يُخَافُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ الْمَرْءُ، قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا لَا مُتَعَلِّقَ لَكُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْحَدَثَ مُمْكِنٌ كَوْنُهُ مِنْ الْمَرْءِ فِي أَخَفِّ مَا يَكُونُ مِنْ النَّوْمِ، كَمَا هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فِي النَّوْمِ الثَّقِيلِ وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجَالِسِ كَمَا هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُضْطَجِعِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدَثُ مِنْ الْيَقْظَانِ، وَلَيْسَ الْحَدَثُ عَمَلًا يَطُولُ، بَلْ هُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُضْطَجِعِ لَا حَدَثَ فِيهِ، وَيَكُونُ الْحَدَثُ فِي أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَوْمِ الْجَالِسِ، فَهَذَا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ خَوْفَ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا وَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَقِينُ الْحَدَثِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِذْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ إلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ خَوْفَ كَوْنِ الْحَدَثِ حَدَثًا، فَقَلِيلُ النَّوْمِ وَكَثِيرُهُ يُوجِبُ نَقْضَ الْوُضُوءِ، لِأَنَّ خَوْفَ الْحَدَثِ جَارٍ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ

يَكُونَ خَوْفَ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا، فَالنَّوْمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَبَطَلَتْ أَقْوَالُ هَؤُلَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ أَحَادِيثَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ وَمِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ، يَجِبُ أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى. مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ؛ لِأَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ» ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «لَعَلَّهُ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي» وَحَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقْرَأُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَانِ صَحِيحَانِ، وَهُمَا حُجَّةٌ لَنَا، لِأَنَّ فِيهِمَا أَنَّ النَّاعِسَ لَا يَدْرِي مَا يَقْرَأُ وَلَا مَا يَقُولُ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ جُمْلَةً، فَإِذْ النَّاعِسُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَهُوَ فِي حَالِ ذَهَابِ الْعَقْلِ بِلَا شَكٍّ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ كَذَلِكَ. وَالْآخَرُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنُ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ» وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» . قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: لَوْ صَحَّا لَكَانَا أَعْظَمَ حُجَّةً لِقَوْلِنَا، لِأَنَّ فِيهِمَا إيجَابَ

مسألة المذي والبول والغائط من أي موضع خرجا من الدبر والأحليل

الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ جُمْلَةً، دُونَ تَخْصِيصِ حَالٍ مِنْ حَالٍ، وَلَا كَثِيرَ نَوْمٍ مِنْ قَلِيلِهِ، بَلْ مِنْ كُلِّ نَوْمٍ نَصًّا، وَلَكِنَّا لَسْنَا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ نَصْرًا لِقَوْلِهِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَانِ أَثَرَانِ سَاقِطَانِ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا. أَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَمِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَاوِيهِ أَيْضًا بَقِيَّةُ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْمَذْي والبول والغائط مِنْ أَيْ مَوْضِع خرجا مِنْ الدبر والأحليل] 159 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَذْيُ وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ مِنْ أَيْ مَوْضِعٍ خَرَجَ مِنْ الدُّبُرِ وَالْإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ جُرْحٍ فِي الْمَثَانَةِ أَوْ الْبَطْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْفَمِ. فَأَمَّا الْمَذْيُ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ تَطْهِيرِ الْمَذْيِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ وَجَدَهُ «وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» وَأَمَّا الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَأَمَّا قَوْلُنَا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ خَرَجَ فَلِعُمُومِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوُضُوءِ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَخُصَّ خُرُوجَهُمَا مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَهَذَانِ الِاسْمَانِ وَاقِعَانِ عَلَيْهِمَا فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ حَيْثُ مَا خَرَجَا، وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَهُنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ أَسْقَطَ الْوُضُوءَ مِنْهُمَا إذَا خَرَجَا مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجَيْنِ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، بَلْ الْقُرْآنُ جَاءَ بِمَا قُلْنَاهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وَقَدْ يَكُونُ خُرُوجُ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجَيْنِ، فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ مِنْ ذَلِكَ حَالًا دُونَ حَالٍ، وَلَا الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الرِّيح الخارجة مِنْ الدبر تَنْقَضِ الْوُضُوء] 160 - مَسْأَلَةٌ: وَالرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ - خَاصَّةً لَا مِنْ غَيْرِهِ - بِصَوْتٍ خَرَجَتْ أَمْ بِغَيْرِ صَوْتٍ. وَهَذَا أَيْضًا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْفَسْوِ وَالضُّرَاطِ، وَهَذَانِ الِاسْمَانِ لَا يَقَعَانِ عَلَى الرِّيحِ أَلْبَتَّةَ إلَّا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا يُسَمَّى جُشَاءً أَوْ عُطَاسًا فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة يَجِب الْوُضُوء عَلَى المستنكح بِشَيْءِ لِكُلِّ صَلَاة فرضا أَوْ نافله] 161 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا تَوَضَّأَ - وَلَا بُدَّ - لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضًا أَوْ نَافِلَةً، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِيمَا بَيْنَ وُضُوئِهِ

وَصَلَاتِهِ، وَلَا يُجْزِيه الْوُضُوءُ إلَّا فِي أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَا بُدَّ لِلْمُسْتَنْكِحِ أَيْضًا أَنْ يَغْسِلَ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ حَسْبَ طَاقَتِهِ، مِمَّا لَا حَرَج عَلَيْهِ فِيهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ عَلَيْهِ الْحَرَجُ مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ إبْطَالِ الْقِيَاسِ مِنْ صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] فَصَحَّ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ مِنْ الْحَدَثِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَدَثٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَطِيعُ، وَمَا لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا عُسْرَ، وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَعَلَى الْوُضُوءِ لَهَا، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلِامْتِنَاعِ مِمَّا يَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيمَا بَيْنَ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ، فَسَقَطَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي غَسْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الظَّاهِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَتَوَضَّأُ هَؤُلَاءِ لِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَيُبْقُونَ عَلَى وُضُوئِهِمْ إلَى دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ آخَرَ فَيَتَوَضَّئُونَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ فَيُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ خَاصَّةً. قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا قَالُوا كُلَّ هَذَا قِيَاسًا عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ، عَلَى حَسْبِ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهَا، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ هُوَ غَيْرُ مَا قَالُوهُ لَكِنَّ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ، أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ. ثُمَّ لِلصُّبْحِ. وَدُخُولُ وَقْتِ صَلَاةٍ مَا لَيْسَ حَدَثًا بِلَا شَكٍّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فَلَا يَنْقُضُ طَهَارَةً قَدْ صَحَّتْ بِلَا نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ، وَإِسْقَاطُ مَالِكٍ الْوُضُوءَ مِمَّا قَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالنُّصُوصِ الثَّابِتَةِ خَطَأٌ لَا يَحِلُّ. وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِمَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَذْيِ. قَالَ عُمَرُ: إنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ عَلَى فَخِذِي عَلَى الْمِنْبَرِ فَمَا أُبَالِيه وَقَالَ سَعِيدٌ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ: فَأَوْهَمُوا أَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا مُسْتَنْكِحَيْنِ بِذَلِكَ.

مسألة مس الرجل ذكر نفسه خاصة عمدا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، لَا نَدْرِي كَيْفَ اسْتَحَلَّهُ مَنْ أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ بِذَلِكَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَإِنَّمَا الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تَبْلُغْ عُمَرَ ثُمَّ بَلَغَتْهُ فَرَجَعَ إلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ ثنا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ أَبِي حَبِيبِ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَيَا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا أُبَيّ وَقَالَ: إنِّي وَجَدْت مَذْيًا فَغَسَلْت ذَكَرِي وَتَوَضَّأْت، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَوَ يُجْزِئُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ عُمَرُ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ نَعَمْ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّحٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إنَّهُ لَيَخْرُجُ مِنْ أَحَدِنَا مِثْلُ الْجُمَانَةِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ، وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَذْيِ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، فَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا خَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ مُتَوَضِّئًا طَاهِرًا لِنَافِلَةٍ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ وَلَا طَاهِرٍ لِفَرِيضَةِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا، فَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا وَجَدُوا لَهُ فِي الْأُصُولِ نَظِيرًا، وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ وَقِيَاسٍ، وَهَذَا مِقْدَارُ نَظَرِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ، وَبَقِيَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَارِيًّا مِنْ أَنْ تَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ سَقِيمَةٍ أَوْ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَوْ مِنْ قِيَاسٍ أَصْلًا 162 - مَسْأَلَةٌ: فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَمْدًا كَانَ أَوْ نِسْيَانًا أَوْ بِغَلَبَةٍ، وَهَذَا إجْمَاعٌ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِمَّا فِيهِ الْخِلَافُ، وَقَامَ الْبُرْهَانُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَسُّ الرَّجُلِ ذَكَرَ نَفْسِهِ خَاصَّةً عَمْدًا] 163 - مَسْأَلَةٌ: وَمَسُّ الرَّجُلِ ذَكَرَ نَفْسِهِ خَاصَّةً عَمْدًا بِأَيِّ شَيْءٍ مَسَّهُ مِنْ بَاطِنِ يَدِهِ أَوْ مِنْ ظَاهِرِهَا أَوْ بِذِرَاعِهِ - حَاشَا مَسِّهِ بِالْفَخِذِ أَوْ السَّاقِ أَوْ الرِّجْلِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يُوجِبُ

وُضُوءًا - وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا عَمْدًا كَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ، وَمَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ بِأَيِّ عُضْوٍ مَسَّهُ عَمْدًا مِنْ جَمِيعِ جَسَدِهِ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَ غَيْرِهَا عَمْدًا أَيْضًا كَذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً، لَا مَعْنَى لِلَّذَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى ثَوْبٍ رَقِيقٍ أَوْ كَثِيفٍ، لِلَذَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ، بِالْيَدِ أَوْ بِغَيْرِ الْيَدِ، عَمْدًا أَوْ غَيْرَ عَمْدٍ، لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ، وَكَذَلِكَ إنْ مَسَّهُ بِغَلَبَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «تَذَاكَرَ هُوَ وَمَرْوَانُ الْوُضُوءَ، فَقَالَ مَرْوَانُ حَدَّثَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ، قُلْنَا: مَرْحَبًا بِهَذَا، وَعَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ، وَالزُّهْرِيُّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عُرْوَةَ وَجَالَسَهُ، فَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ، فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: مَرْوَانُ مَا نَعْلَمُ لَهُ جُرْحَةً قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَمْ يَلْقَهُ عُرْوَةُ قَطُّ إلَّا قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَى أَخِيهِ لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَبُسْرَةُ مَشْهُورَةٌ مِنْ صَوَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَايِعَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ - هِيَ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بِنْتُ أَخِي وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَأَبُوهَا ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَحًّا. وَلَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ عَامٌّ يَقْتَضِي كُلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا مَسُّ الرَّجُلِ فَرْجَ نَفْسِهِ بِسَاقِهِ وَرِجْلِهِ وَفَخِذِهِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَرْءَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ فِي قَمِيصٍ كَثِيفٍ وَفِي مِئْزَرٍ وَقَمِيصٍ، وَلَا بُدَّ لَهُ ضَرُورَةً فِي صَلَاتِهِ كَذَلِكَ مِنْ وُقُوعِ فَرْجِهِ عَلَى سَاقِهِ وَرِجْلِهِ وَفَخِذِهِ، فَخَرَجَ هَذَا بِهَذَا الْإِجْمَاعُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُمْ، إلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ وَالشَّافِعِيَّ لَمْ يَرَيَا الْوُضُوءَ يَنْقُضُ ذَلِكَ إلَّا بِمَسِّهِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ فَقَطْ لَا بِظَاهِرِهَا. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الْفَرْجِ بِالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَيَنْقُضُ مَسُّهُ بِالذِّرَاعِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَسُّ الْفَرْجِ مِنْ الرَّجُلِ فَرْجِ نَفْسِهِ الذَّكَرِ فَقَطْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ لَا بِظَاهِرِهَا وَلَا بِالذِّرَاعِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، فَإِنْ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ إلَّا فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الذَّكَرِ كَيْفَ كَانَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الدُّبُرِ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَسُّ الدُّبُرِ وَلَا مَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا إلَّا أَنْ تَقْبِضَ وَتُلَطِّفَ، أَيْ تُدْخِلَ أُصْبُعَهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا، وَنَحَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ نَحْوَ اللَّذَّةِ. فَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ بَاطِنِ الْكَفِّ دُونَ ظَاهِرِهَا فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ صَحِيحٍ. وَشَغِبَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: فِي بَعْضِ الْآثَارِ «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقُولُونَ؛ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ بِالْيَدِ يَكُونُ بِظَاهِرِ الْيَدِ كَمَا يَكُونُ بِبَاطِنِهَا، وَحَتَّى لَوْ كَانَ الْإِفْضَاءُ بِبَاطِنِ الْيَدِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يُسْقِطُ الْوُضُوءَ عَنْ غَيْرِ الْإِفْضَاءِ، إذَا جَاءَ أَثَرٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى لَفْظِ الْإِفْضَاءِ، فَكَيْفَ وَالْإِفْضَاءُ يَكُونُ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] . وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ ثُمَّ لَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ إلَّا فِي الْوَقْتِ، فَقَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ لَمْ يَنْتَقِضْ، فَإِنْ كَانَ انْتَقَضَ فَعَلَى أَصْلِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْتَقِضْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ مَسِّ الرَّجُلِ فَرْجَهُ وَبَيْنَ مَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فَهُوَ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهُوَ سَاقِطٌ.

وَأَمَّا إيجَابُ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ فَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الدُّبُرَ لَا يُسَمَّى فَرْجًا، فَإِنْ قَالَ: قِسْته عَلَى الذَّكَرِ قِيلَ لَهُ: الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَلَا عِلَّةَ جَامِعَةَ بَيْنَ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ الدُّبُرِ، فَإِنْ قَالَ: كِلَاهُمَا مَخْرَجٌ لِلنَّجَاسَةِ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَوْنُ الذَّكَرِ مَخْرَجًا لِلنَّجَاسَةِ هُوَ عِلَّةُ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ إنَّ مَسَّ النَّجَاسَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَكَيْفَ مَسُّ مَخْرَجِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَنْسُوخٌ يَقِينًا حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ وَالْأَخْذُ بِمَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَثَانِيهَا أَنَّ كَلَامَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك» دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذَا الْكَلَامَ بَلْ كَانَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ قَدْ نُسِخَ، وَقَوْلُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَلَفَ فِيهِ حُكْمٌ أَصْلًا وَأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْيَدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ غُسْلَ الْيَدِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، لَا الْمُتَأَوِّلُونَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ: إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَأَنْتُمْ مِنْ أَوَّلِ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ فِي أَمْرِهِ، وَهَذَا اسْتِخْفَافٌ ظَاهِرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْوُضُوءُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَقَدْ أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيقَاعَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى غَيْرِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ: أَلَا تَتَوَضَّأُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَمْ

أُصَلِّ فَأَتَوَضَّأَ» فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: إنَّ مَرْوَانَ قَالَ لَهُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءُهُ لِلصَّلَاةِ» وَرَوَاهُ أَيْضًا غَيْرُ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَاتِ كَذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبُو صَالِحٍ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ثنا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ - وَكَانَتْ قَدْ صَحِبَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُرْوَةُ، وَسَأَلَ بُسْرَةَ فَصَدَّقَتْهُ بِمَا قَالَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَبُو صَالِحٍ وَشُعَيْبٌ ثِقَتَانِ مَشْهُورَانِ، فَبَطَلَ التَّعَلُّلُ بِمَرْوَانَ، وَصَحَّ أَنَّ بُسْرَةَ مَشْهُورَةٌ صَاحِبَةٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُنْكِرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَرْعَ الدَّيْنِ وَإِبْطَالَ السُّنَنِ بِرِوَايَةِ أَبِي نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ وَعُمَيْرٍ وَالْعَالِيَةِ زَوْجَةِ أَبِي إِسْحَاقَ وَشَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُمْ؟

مسألة من نواقض الوضوء أكل لحوم الأبل نيئه ومطبوخه

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَوْ كَانَ لَمَا جَهِلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا حَمَاقَةٌ، وَقَدْ غَابَ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْغُسْلُ مِنْ الْإِيلَاجِ الَّذِي لَا إنْزَالَ مَعَهُ، وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرَأَى الْوُضُوءَ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَلْسِ وَلَمْ يَرَهُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا، وَمِثْلُ هَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ لَا يُعَارِضُ بِهِ سُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَخْذُولٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْمَاسُّ عَلَى الثَّوْبِ لَيْسَ مَاسًّا، وَلَا مَعْنَى لِلَّذَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى بِظَنٍّ كَاذِبٍ، وَأَمَّا النِّسْيَانُ فِي هَذَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَسُّ الذَّكَرِ عَمْدًا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يَنْقُضُهُ بِالنِّسْيَانِ. [مَسْأَلَة مِنْ نَوَاقِض الْوُضُوء أَكُلّ لحوم الأبل نيئه ومطبوخه] . 164 - مَسْأَلَةٌ: وَأَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ نِيئَةً وَمَطْبُوخَةً أَوْ مَشْوِيَّةً عَمْدًا وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ لَحْمُ جَمَلٍ أَوْ نَاقَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَكْلُ شُحُومِهَا مَحْضَةً وَلَا أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ لَحْمِهَا، فَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى بُطُونِهَا أَوْ رُءُوسِهَا أَوْ أَرْجُلِهَا اسْمُ لَحْمٍ عِنْدَ الْعَرَبِ نَقَضَ أَكْلُهَا الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كُلُّ شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كَامِلٍ الْفُضَيْلِ بْنِ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ الْفُضَيْلُ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقَالَ الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَأَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ، قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» .

وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، قَالَ: نَعَمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ أَبُو جَعْفَرٍ قَاضِي الرَّيِّ ثِقَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فِي إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ تَعَلَّلَ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، وَإِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَعَلَّ هَذَا الْوُضُوءَ غَسْلُ الْيَدِ، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ بِهَذَا يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ الْقَوْلَ بِالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَرَى فِيهَا الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ -: لَكَانَ أَوْلَى بِهِ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّتْ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَالَ بِهِ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو مَسْعُودٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ جُمْلَةً وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو مَيْسَرَةَ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالزُّهْرِيُّ وَسِتَّةٌ مِنْ أَبْنَاءِ النُّقَبَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْمَرٌ وَأَبُو قِلَابَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» فَصَحَّ نَسْخُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيُّ ثنا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «قُرِّبَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُبْزٌ وَلَحْمٌ فَأَكَلَ ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ

مسألة من نواقض الوضوء مس الرجل المرأة والمرأة الرجل لأي عضو

ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقَطْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرٌ مِنْ هَذَا قَوْلٌ بِالظَّنِّ، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ بَلْ هُمَا حَدِيثَانِ كَمَا وَرَدَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا كُلُّ حَدِيثٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ مِنْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَنَحْوُ ذَلِكَ -: فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ أَحَادِيثَ إيجَابِ الْوُضُوءِ هِيَ الْوَارِدَةُ بِالْحُكْمِ الزَّائِدَةِ عَلَى هَذِهِ الَّتِي هِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَلَوْلَا حَدِيثُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا لَمَا حَلَّ لِأَحَدٍ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خَصَّصْتُمْ لُحُومَ الْإِبِلِ خَاصَّةً مِنْ جُمْلَةِ مَا نُسِخَ مِنْ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الْأَمْرَ الْوَارِدَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ فِيهَا خَاصَّةً، سَوَاءٌ مَسَّتْهَا النَّارُ أَوْ لَمْ تَمَسَّهَا النَّارُ، فَلَيْسَ مَسُّ النَّارِ إيَّاهَا - إنْ طُبِخَتْ - يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْهَا، بَلْ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ مِنْهَا كَمَا هِيَ، فَحُكْمُهَا خَارِجٌ عَنْ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَبِنَسْخِ الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا أَكْلُهَا بِنِسْيَانٍ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِ أَنَّهُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ وَتَرْكُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ فِي إيجَابِ حُكْمِ النِّسْيَانِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِنْ نَوَاقِض الْوُضُوء مس الرَّجُل الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة الرَّجُل لأي عُضْو] 165 - مَسْأَلَةٌ: وَمَسُّ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَ بِأَيِّ عُضْوٍ مَسَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، إذَا كَانَ عَمْدًا، دُونَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ أَوْ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ أُمُّهُ كَانَتْ أَوْ ابْنَتُهُ، أَوْ مَسَّتْ ابْنَهَا أَوْ أَبَاهَا، الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ سَوَاءٌ، لَا مَعْنَى لِلَّذَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَّهَا عَلَى ثَوْبٍ لِلَّذَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الظَّاهِرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْمُلَامَسَةُ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي هَذَا لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ وَآخِرَهَا عُمُومٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا، فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَازِمٌ لِلرِّجَالِ إذَا لَامَسُوا النِّسَاءَ،

وَالنِّسَاءِ إذَا لَامَسْنَ الرِّجَالَ، وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ، وَلَا لَذَّةً مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ، فَتَخْصِيصُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ اللَّمْسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَاسًا مِنْ لِمَاسٍ فَلَا يُبَيِّنُهُ. نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى اللِّمَاسَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ بِحَدِيثٍ فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ» وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو رَوْقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ اسْمُهُ عُرْوَةُ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَصْحَابٍ لَهُ لَمْ يُسَمِّهِمْ عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَوَرَدَتْ الْآيَةُ بِشَرْعٍ زَائِدٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا تَخْصِيصُهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «الْتَمَسْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّيْلِ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَوَقَعَتْ يَدَيْ عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَاصِدِ إلَى اللَّمْسِ، لَا عَلَى الْمَلْمُوسِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ هُوَ إلَى فِعْلِ الْمُلَامَسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَامِسْ، وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ فِي صَلَاةٍ، وَقَدْ يَسْجُدُ

الْمُسْلِمُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، لِأَنَّ السُّجُودَ فِعْلُ خَيْرٍ، وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ فِي صَلَاةٍ - وَهَذَا مَا لَا يَصِحُّ - فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، وَلَا أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً مُسْتَأْنَفَةً دُونَ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ، فَإِذًا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلًا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ فِي صَلَاةٍ، وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَمَادَى عَلَيْهَا أَوْ صَلَّى غَيْرَهَا دُونَ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ - وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ أَبَدًا - فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ مُوَافِقًا لِلْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِلَا شَكٍّ، وَهِيَ حَالٌ لَا مِرْيَةَ فِي نَسْخِهَا وَارْتِفَاعِ حُكْمِهِ بِنُزُولِ الْآيَةِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْأَخْذُ بِمَا قَدْ تُيُقِّنَ نَسْخُهُ وَتَرْكُ النَّاسِخِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالْخَبَرُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ - وَأُمَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَاتِقِهِ يَضَعُهَا، إذَا سَجَدَ، وَيَرْفَعُهَا إذَا قَامَ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ أَنَّ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا لَمَسَتْ شَيْئًا مِنْ بَشَرَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذْ قَدْ تَكُونُ مُوَشَّحَةً بِرِدَاءٍ أَوْ بِقُفَّازَيْنِ وَجَوْرَبَيْنِ، أَوْ يَكُونُ ثَوْبُهَا سَابِغًا يُوَارِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا، وَهَذَا الْأَوْلَى أَنْ يُظَنَّ بِمِثْلِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَكُونَ كَاذِبًا، وَإِذَا كَانَ مَا ظَنُّوا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ وَمَا قُلْنَا مُمْكِنًا، وَاَلَّذِي لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ، فَقَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ، وَلَمْ يَحِلَّ تَرْكُ الْآيَةِ الْمُتَيَقَّنِ وُجُوبُ حُكْمِهَا لِظَنٍّ كَاذِبٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] . وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَالْآيَةُ مُتَأَخِّرَةُ النُّزُولِ، فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَّ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ لَكَانَ مُوَافِقًا لِلْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّاسُ عَلَيْهَا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ - لَوْ صَحَّ لَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ - فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا يَحِلُّ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَتَرْكُ النَّاسِخِ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ يُوهَمُونَ بِأَخْبَارٍ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا، يَرُومُونَ بِهَا تَرْكَ الْيَقِينِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قُبْلَةٌ وَلَا مُلَامَسَةٌ لِلَذَّةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَلَا

أَنْ يَقْبِضَ بِيَدِهِ عَلَى فَرْجِهَا كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُبَاشِرَهَا بِجَسَدِهِ دُونَ حَائِلٍ وَيَنْعَظُ فَهَذَا وَحْدَهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا وُضُوءَ مِنْ مُلَامَسَةِ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ، وَلَا الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، تَحْتَ الثِّيَابِ أَوْ فَوْقَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَامَسَةُ لِلَّذَّةِ فَعَلَى الْمُلْتَذِّ مِنْهُمَا الْوُضُوءُ سَوَاءٌ كَانَ فَوْقَ الثِّيَابِ أَوْ تَحْتَهَا، أَنْعَظَ أَوْ لَمْ يُنْعِظْ، وَالْقُبْلَةُ كَالْمُلَامَسَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَقَوْلِنَا، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مَسَّ شَعْرِ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّعَلُّقُ بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَوْمٌ فِي الْآيَةِ: إنَّ الْمُلَامَسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا هُوَ الْجِمَاعُ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا إنْعَاظٌ، وَأَمَّا مُنَاقَضَتُهُ فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْقُبْلَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَبَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ يَكُونُ مَعَهَا إنْعَاظٌ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا فَرْقٌ لَمْ يُؤَيِّدْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ، وَمِنْ مُنَاقَضَاتِهِ أَيْضًا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ، وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ الشَّهْوَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْقُبْلَةَ لِشَهْوَةٍ وَاللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَاللَّمْسِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ، وَلَا التَّعَلُّقَ بِالسُّنَّةِ وَلَا طَرْدَ قِيَاسٍ وَلَا سَدَادَ رَأْيٍ وَلَا تَقْلِيدَ صَاحِبٍ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ، فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا ضَبْطِ قِيَاسٍ وَلَا احْتِيَاطٍ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ، فَقَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ أَيْضًا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ، بَلْ هُوَ خِلَافُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كَمَا أَوْرَدْنَاهَا لَمْ نَعْرِفْ أَنَّهُ قَالَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ: إذَا قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ لِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَعَنْ حَمَّادٍ: أَيُّ الزَّوْجَيْنِ قَبَّلَ صَاحِبَهُ وَالْآخَرُ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، فَلَا وُضُوءَ عَلَى الَّذِي لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَجِدَ لَذَّةً، وَعَلَى الْقَاصِدِ لِذَلِكَ الْوُضُوءُ. قُلْنَا: قَدْ صَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادٍ إيجَابُ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ عَلَى الْقَاصِدِ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ

مسألة إيلاج الذكر في الفرج أنزل أو لم ينزل يوجب الوضوء

فَاللَّذَّةُ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَبِهِ نَقُولُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَوْلَ مَالِكٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْمُلَامَسَةِ إلَّا حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا شَهْوَةٌ، ثُمَّ لَا يَرَى الْوُضُوءَ يَجِبُ مِنْ الشَّهْوَةِ دُونَ مُلَامَسَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى انْفِرَادِهِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ إيجَابُ الْوُضُوءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا؟ [مَسْأَلَة إيلَاجُ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِل يُوجِبُ الْوُضُوءَ] . 166 - مَسْأَلَةٌ: وَإِيلَاجُ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، كَانَ مَعَهُ إنْزَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ثنا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَكْسَلُ، قَالَ: يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْوُضُوءُ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ الْغُسْلِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَة حمل الْمَيِّت فِي نعش أَوْ فِي غَيْره] . 167 - مَسْأَلَةٌ: وَحَمْلُ الْمَيِّتِ فِي نَعْشٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَسَدِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهَا فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَعْنِي الْجِنَازَةَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ ثِقَةٌ مَدَنِيٌّ وَتَابِعِيٌّ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْكُوفِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَوَى عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِّينَاهُ

مسألة ظهور دم الاستحاضة أو العرق السائل من الفرج

بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا جِئْنَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْتَهُ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ لِي: أَمَا تَوَضَّأْتَ؟ قُلْت: لَا، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ إذَا صَلَّى أَحَدُهُمْ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ تَوَضَّأَ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَدْعُو بِالطَّشْتِ فَيَتَوَضَّأُ فِيهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ حَدَثٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ إلَّا إتْبَاعُ السُّنَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَالسُّنَّةُ تَكْفِي. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الَّتِي لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ كَثِيرًا، كَالْأَبْوَابِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِبَابَيْنِ، وَكَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَلْسِ دُونَ مَا لَا يَمْلَؤُهُ مِنْهُ، وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ، لَمْ يَتَعَلَّقُوا فِيهَا بِقُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِقَوْلِ قَائِلٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ظُهُورُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْ الْعِرْقِ السَّائِلِ مِنْ الْفَرْجِ] . 168 - مَسْأَلَةٌ: وَظُهُورُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْ الْعِرْقِ السَّائِلِ مِنْ الْفَرْجِ إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَلَا بُدَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَلِي ظُهُورَ ذَلِكَ الدَّمِ سَوَاءٌ تَمَيَّزَ دَمُهَا أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ، عَرَفَتْ أَيَّامَهَا أَوْ لَمْ تَعْرِفْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «اُسْتُحِيضَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، فَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك أَثَرَ الدَّمِ وَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا كَانَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّهُ عِرْقٌ» .

قَالَ عَلِيٌّ: فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلَّ دَمٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ دَمِ الْحَيْضَةِ وَلَمْ يَخُصَّ وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ عِرْقٌ. وَمِمَّنْ قَالَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الَّتِي يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ مِنْ فَرْجِهَا مُتَّصِلًا بِدَمِ الْمَحِيضِ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الَّتِي يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ إنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُتَّصِلَةِ الدَّمِ كَمَا ذَكَرْنَا: إنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِدُخُولِ كُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَتَكُونُ طَاهِرًا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لَهَا. وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ: إذَا تَوَضَّأَتْ إثْرَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلصَّلَاةِ أَنَّهَا تَكُونُ طَاهِرًا إلَى خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ، وَحَكَى أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهَا تَكُونُ طَاهِرًا إلَى دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ. وَغَلَّبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. بَلْ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَشْبَهُ بِأَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الدَّمِ إلَّا اسْتِحْبَابًا لَا إيجَابًا، وَهِيَ طَاهِرٌ مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: عَلَيْهَا فَرْضًا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَتُصَلِّيَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا أَحَبَّتْ، قَبْلَ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُنْقَطِعِ مِنْ الْخَبَرِ إذَا وَافَقَهُمْ، وَهَهُنَا مُنْقَطِعٌ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا أَخَذُوا بِهِ، وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ لَا، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَاجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» . قَالَ: قَالُوا هَذَا عَلَى النَّدْبِ، قِيلَ لَهُمْ: وَكُلُّ مَا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنَّا لِاسْتِطْهَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَّهُ نَدْبٌ، وَلَا فَرْقَ، وَهَذَا قَوْلٌ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا مَعَ خِلَافِهِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا فِي قَوْلِهِمْ هَذَا، لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ وَلَا بِدَلِيلٍ وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا بِقِيَاسٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ، وَمُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ وَلِلْقِيَاسِ، وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ طَهَارَةً تَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ وَقْتٍ وَتَصِحُّ بِكَوْنِ الْوَقْتِ قَائِمًا، وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ وَجَدْنَا الْمَاسِحَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُمَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ لَهُمَا فَنَقِيسُ عَلَيْهِمَا الْمُسْتَحَاضَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ خَطَأٌ وَعَلَى خَطَإٍ، وَمَا انْتَقَضَتْ قَطُّ طَهَارَةُ الْمَاسِحِ بِانْقِضَاءِ الْأَمَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ، وَيُصَلِّي مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ بِحَدَثٍ مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ لِلْمَسْحِ فَقَطْ، لَا بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا ذَكَرُوا فِي الْمَاسِحِ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - لَكَانَ قِيَاسُهُمْ هَذَا بَاطِلًا لِأَنَّهُمْ قَاسُوا خُرُوجَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ عَلَى انْقِضَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَضَرِ، وَعَلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ فِي السَّفَرِ. وَهَذَا قِيَاسٌ سَخِيفٌ جِدًّا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَكُونُونَ قَائِسِينَ عَلَى مَا ذَكَرُوا لَوْ جَعَلُوا الْمُسْتَحَاضَةَ تَبْقَى بِوُضُوئِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ، وَثَلَاثَةً فِي السَّفَرِ، وَلَوْ فَعَلُوا هَذَا لَوَجَدُوا فِيمَا يُشْبِهُ بَعْضَ ذَلِكَ سَلَفًا، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُمْ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الظُّهْرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ هَذَا

مسألة الوضوء لا ينتقض بالرعاف ولا بالدم السائل من الجسد

فَعَارٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ سَلَفٌ، وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ حُجَّةً، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ مَعْقُولٍ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّ أَثَرَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ هُوَ وَقْتُ صَلَاةِ فَرْضٍ مَارًّا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَهُوَ وَقْتُ تَطَوُّعٍ، فَالْمُتَوَضِّئَةُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ كَالْمُتَوَضِّئَةِ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَا يُجْزِيهَا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَخَطَأٌ وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ فِي الدِّينِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ طَاهِرًا إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ تَطَوُّعًا وَمُحْدِثًا غَيْرَ طَاهِرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً، هَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ وَلَيْسَ إلَّا طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا، فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَإِنَّهَا تُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْدِثَةً فَمَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ لَا فَرْضًا وَلَا نَافِلَةً. وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً قَبْلَ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاتَيْ فَرْضٍ، فَهَذَا هُوَ نَظَرُهُمْ وَقِيَاسُهُمْ وَأَمَّا تَعَلُّقٌ بِأَثَرٍ، فَالْآثَارُ حَاضِرَةٌ وَأَقْوَالُهُ حَاضِرَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَهُمْ كُلُّهُمْ يَشْغَبُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ وَجَمِيعُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَائِشَةَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ وَخَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ فِي ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَصَارَتْ أَقْوَالُهُمْ مُبْتَدَأَةً مِمَّنْ قَالَهَا بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْوُضُوء لَا يُنْتَقَض بالرعاف وَلَا بَالدَّم السائل مِنْ الجسد] 169 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ شَيْءٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، لَا رُعَافٌ وَلَا دَمٌ سَائِلٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ مِنْ الْأَسْنَانِ أَوْ مِنْ الْإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ الدُّبُرِ، وَلَا حِجَامَةٌ وَلَا فَصْدٌ، وَلَا قَيْءٌ كَثُرَ أَوْ قَلَّ، وَلَا قَلْسٌ وَلَا قَيْحٌ وَلَا مَاءٌ وَلَا دَمٌ تَرَاهُ الْحَامِلُ مِنْ فَرْجِهَا، وَلَا أَذَى الْمُسْلِمِ وَلَا ظُلْمُهُ، وَلَا مَسُّ الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ وَلَا الرِّدَّةُ وَلَا الْإِنْعَاظُ لِلَذَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَلَا الْمَعَاصِي مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا شَيْءَ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ لَا عُذْرَةَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّودُ وَالْحَجَرُ وَالْحَيَّاتُ، وَلَا حُقْنَةٌ وَلَا تَقْطِيرُ دَوَاءٍ فِي الْمَخْرَجَيْنِ

وَلَا مَسُّ حَيَا بَهِيمَةٍ وَلَا قُبُلَهَا، وَلَا حَلْقُ الشَّعْرَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَلَا قَصُّ الظُّفْرِ وَلَا شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ قَصَّةٍ بَيْضَاءَ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ دَمٍ أَحْمَرَ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَيْضٌ، وَلَا الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ إسْقَاطِنَا الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ بِإِيجَابِ وُضُوءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَرَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَمَا عَدَاهَا فَبَاطِلٌ، وَلَا شَرْعَ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَتَانَا بِهِ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا كَانَ الْمُخَالِفُونَ فِيهِ حَاضِرِينَ، وَنَضْرِبُ عَمَّا قَدْ دَرَسَ الْقَوْلَ بِهِ إلَّا ذِكْرًا خَفِيفًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ دَمٍ سَائِلٍ أَوْ قَيْحٍ سَائِلٍ أَوْ مَاءٍ سَائِلٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ سَالَ مِنْ الْجَسَدِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَإِنْ لَمْ يَسِلْ لَمْ يُنْقَضْ الْوُضُوءُ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الْأَنْفِ أَوْ الْأُذُنِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْفِ أَوْ الْأُذُنِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَمًا أَوْ قَيْحًا فَبَلَغَ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنْشَاقِ مِنْ الْأَنْفِ أَوْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ الْغُسْلُ مِنْ دَاخِلِ الْأُذُنِ فَالْوُضُوءُ مُنْتَقِضٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْوُضُوءُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْأَنْفِ مُخَاطٌ أَوْ مَاءٌ فَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْأُذُنِ مَاءٌ فَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ. قَالَ: فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَى الْفَمِ أَوْ مِنْ اللِّثَاتِ دَمٌ فَإِنْ كَانَ غَالِبًا عَلَى الْبُزَاقِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْبُزَاقِ فَلَا وُضُوءَ فِيهِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَيُسْتَحْسَنُ فَيَأْمُرُ فِيهِ بِالْوُضُوءِ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ دَمٌ فَظَهَرَ وَلَمْ يَسِلْ فَلَا وُضُوءَ فِيهِ، فَإِنْ سَالَ فَفِيهِ الْوُضُوءُ، فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ دُودٌ أَوْ لَحْمٌ فَلَا وُضُوءَ فِيهِ، فَإِنْ خَرَجَ الدُّودُ مِنْ الدُّبُرِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ، فَإِنْ عَصَبَ الْجُرْحَ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ لَوْ تُرِكَ سَالَ فَفِيهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَسِلْ فَلَا وُضُوءَ. قَالَ وَأَمَّا الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَكُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ إلَى الْفَمِ، فَإِنْ مَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ، وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَا يَمْلَأُ الْفَمَ بِمِقْدَارِ اللُّقْمَةِ - عَلَى أَنَّ اللُّقْمَةَ تَخْتَلِفُ - وَحَدَّ بَعْضُهُمْ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ فِي الْفَمِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَاشَا الْبَلْغَمَ فَلَا وُضُوءَ فِيهِ وَإِنْ مَلَأَ الْفَمَ وَكَثُرَ جِدًّا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: بَلْ فِيهِ الْوُضُوءُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا الدَّمَ،

فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ: إنْ خَرَجَ مِنْ اللَّثَاةِ أَوْ فِي الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْفَمِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ إلَّا أَنْ يَمْلَأَ الْفَمَ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ، وَقَالَ زُفَرُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْقَلْسُ، فَإِنَّهُ قَالَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقْبَلُ - وَلَا كَرَامَةَ - إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَلِّغِ عَنْ خَالِقِنَا وَرَازِقِنَا تَعَالَى أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَأَمَّا مِنْ أَحَدٍ دُونَهُ فَهُوَ هَذَيَانٌ وَتَخْلِيطٌ كَتَخْلِيطِ الْمُبَرْسَمِ وَأَقْوَالٍ مَقْطُوعٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يُؤَيِّدُهَا مَعْقُولٌ وَلَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ، أَفَيَسُوغُ لِمَنْ يَأْتِي بِهَذِهِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَفِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوُضُوءُ مِنْ الْقَيْءِ وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ إذَا رَعَفَ أَحَدٌ فِي الصَّلَاةِ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، وَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَقْلِسُهُ، أَوْ وَجَدَ مَذْيًا فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ يَرْجِعْ فَيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَا يَسْتَقْبِلُهَا جَدِيدًا» وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ قَلَسَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الْأَثَرَانِ سَاقِطَانِ؛ لِأَنَّ وَالِدَ ابْنِ جُرَيْجٍ لَا صُحْبَةَ لَهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَالْآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ سَاقِطٌ، لَا سِيَّمَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ وَمَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ مِنْ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ، وَلَا بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَفَّاطَةٍ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمَا يَسِيلُ مِنْ الْأَنْفِ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا فِيهِ ذِكْرُ دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْجَوْفِ وَلَا مِنْ الْجَسَدِ وَلَا مِنْ اللَّثَاةِ وَلَا مِنْ الْجُرْحِ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا الْقَيْءُ وَالْقَلْسُ وَالرُّعَافُ فَقَطْ فَلَا عَلَى الْخَبَرَيْنِ اقْتَصَرُوا، كَمَا فَعَلُوا

بِزَعْمِهِمْ فِي خَبَرِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَلَا قَاسُوا عَلَيْهِمَا فَطَرَدُوا قِيَاسَهُمْ، لَكِنْ خَلَّطُوا تَخْلِيطًا خَرَجُوا بِهِ إلَى الْهَوَسِ الْمَحْضِ فَقَطْ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - لَوْ صَحَّ - وَقَدْ خَالَفُوهُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَتَوَضَّأَ، فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: صَدَقْتَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْطَرَ وَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِيهِ يَعِيشُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَا مَشْهُورَيْنِ وَالثَّانِي مُدَلِّسٌ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى مِنْ يَعِيشَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ تَقَيَّأَ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلَا أَنَّ وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَجْلِ الْقَيْءِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّيَمُّمُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَمْلَأُ الْفَمَ مِنْ الْقَيْءِ وَبَيْنَ مَا لَا يَمْلَؤُهُ، وَلَا فِيهِمَا شَيْءٌ غَيْرَ الْقَيْءِ، فَلَا عَلَى مَا فِيهِمَا اقْتَصَرُوا، وَلَا قَاسُوا عَلَيْهِمَا قِيَاسًا مُطَّرِدًا. وَذَكَرُوا أَيْضًا الْحَدِيثَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ - وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ» وَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ الْوُضُوءَ، قَالُوا: فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عِرْقٍ سَائِلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ أَنْ يَقِيسُوا دَمَ الْعِرْقِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَلَى دَمِ الْحَيْضِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ، وَكِلَاهُمَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ عَلَى دَمٍ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ، وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْقَيْحُ عَلَى الدَّمِ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ادِّعَاءِ إجْمَاعٍ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَأَبِي مِجْلَزٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ، وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَاسَ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ النَّفَّاطَةِ عَلَى الدَّمِ وَالْقَيْحِ، وَلَا يُقَاسُ الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ عَلَى الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ النَّفَّاطَةِ، وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَمُ الْعِرْقِ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ

يُوجِبُ الْوُضُوءَ، قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَيَكُونَ الْقَيْءُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلَّا حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ، ثُمَّ لَمْ يَقِيسُوا الدُّودَ الْخَارِجَ مِنْ الْجُرْحِ عَلَى الدُّودِ الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ، وَهَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ فِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِطِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ نَجَاسَةٌ قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ وَجَدْنَا الرِّيحَ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَيْسَتْ نَجَاسَةً، فَهَلَّا قِسْتُمْ عَلَيْهَا الْجَشْوَةَ وَالْعَطْسَةَ، لِأَنَّهَا رِيحٌ خَارِجَةٌ مِنْ الْجَوْفِ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ؟ وَأَنْتُمْ قَدْ أَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَذَا فَنَقَضْتُمْ الْوُضُوءَ بِقَلِيلِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَكَثِيرِهِ، وَلَمْ تَنْقُضُوا الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْحِ وَالْقَيْءِ وَالدَّمِ وَالْمَاءِ إلَّا بِمِقْدَارِ مِلْءِ الْفَمِ أَوْ بِمَا سَالَ أَوْ بِمَا غَلَبَ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَتَرْكٌ لِلْقِيَاسِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ الْوُضُوءُ مِنْ الرُّعَافِ وَمِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَفِي الرُّعَافِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، نَعَمْ. وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَنْ عَطَاءٍ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَلْسِ وَالْقَيْءِ وَالْقَيْحِ، وَعَنْ قَتَادَةَ فِي الْقَيْحِ، وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الْقَلْسِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقَيْءِ، قُلْنَا: نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِمِلْءِ الْفَمِ، وَلَوْ كَانَ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ نُظَرَاؤُهُمْ، فَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي أَنْفِهِ فَخَرَجَ فِيهَا دَمٌ فَفَتَّهُ بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ عَصَرَ بَثْرَةً بِوَجْهِهِ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فَفَتَّهُ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ وَقَامَ فَصَلَّى، وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي الرُّعَافِ وُضُوءًا وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي الرُّعَافِ وُضُوءًا، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي الْقَلْسِ وُضُوءًا، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي الْقَلْسِ وُضُوءًا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَرَوْنَ الْغُسْلَ مِنْ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الذَّكَرِ لِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَهُوَ الْمَنِيُّ نَفْسُهُ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ الْغُسْلَ ثُمَّ يُوجِبُونَ الْوُضُوءَ مِنْ الْقَيْحِ يَخْرُجُ مِنْ الْوَجْهِ قِيَاسًا عَلَى الدَّمِ يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَهْيِهِ عَنْ الذَّكِيَّةِ بِالسِّنِّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ، فَرَأَوْا الذَّكَاةَ غَيْرَ جَائِزَةٍ بِكُلِّ عَظْمٍ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ «فَإِنَّهُ عِرْقٌ» فَقَاسُوا عَلَى دَمِ الرُّعَافِ وَاللَّثَاةِ وَالْقَيْحِ فَهَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ بِالْقِيَاسِ، وَمِقْدَارُ اتِّبَاعِهِمْ لِلْآثَارِ، وَمِقْدَارُ تَقْلِيدِهِمْ مَنْ سَلَفَ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ لِلْمَخْرَجِ وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخَارِجِ وَعَظُمَ تَنَاقُضُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَعْلِيلُ كِلَا الرَّجُلَيْنِ مُضَادٌّ لِتَعْلِيلِ الْآخَرِ وَمُعَارِضٌ لَهُ، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيَّيْنِ وَالْحَنَفِيِّينَ مَعًا: قَدْ وَجَدْنَا الْخَارِجَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ مُخْتَلِفَ الْحُكْمِ، فَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَدَمِ النِّفَاسِ، وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَالْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَأَوْجَبْتُمْ فِيهِ الْوُضُوءَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ، دُونَ أَنْ تُوجِبُوا فِيهِ الْغُسْلَ قِيَاسًا عَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ دُونَ أَنْ لَا تُوجِبُوا فِيهِ شَيْئًا قِيَاسًا عَلَى مَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا التَّحَكُّمُ بِالْهَوَى الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُكْمَ بِهِ وَبِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَمَعَ فَسَادِ الْقِيَاسِ وَمُعَارَضَةِ بَعْضِهِ بَعْضًا. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَلَمْ يَقِيسُوا هَهُنَا فَوُفِّقُوا، وَلَا عَلَّلُوا هَهُنَا بِخَارِجٍ وَلَا بِمَخْرَجٍ وَلَا بِنَجَاسَةٍ فَأَصَابُوا، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي تَعْلِيلِهِمْ الْمُلَامَسَةَ بِالشَّهْوَةِ، وَفِي تَعْلِيلِهِمْ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَالْفَأْرَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، لَوُفِّقُوا وَلَكِنْ لَمْ يُطَرِّدُوا أَقْوَالَهُمْ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا. وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مُرْسَلَاتٍ لَمْ يَأْخُذُوا بِهَا، وَهَذَا أَيْضًا تَنَاقُضٌ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: يَتَوَضَّأُ أَحَدُكُمْ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ، وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الْكَلِمَةِ الْعَوْرَاءِ يَقُولُهَا لِأَخِيهِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَوَضَّأَ مِنْ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحَدَثُ حَدَثَانِ، حَدَثُ الْفَرْجِ وَحَدَثُ اللِّسَانِ وَأَشَدُّهُمَا حَدَثُ اللِّسَانِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنِّي لَأُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ أُحْدِثَ أَوْ أَقُولَ مُنْكَرًا، الْوُضُوءُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ. وَعَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ: الْوُضُوءُ يَجِبُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ الْمُحَبَّرِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَدَثِ وَأَذَى الْمُسْلِمِ» .

قَالَ عَلِيٌّ: دَاوُد بْنُ الْمُحَبَّرِ كَذَّابٌ، مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْلِيدِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ وَالْقَلْسِ، وَالْأَخْذِ بِذَلِكَ الْأَثَرِ السَّاقِطِ، وَبَيْنَ تَقْلِيدِ مَنْ ذَكَرْنَا هَهُنَا فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِ، وَالْأَخْذِ بِهَذَا الْأَثَرِ السَّاقِطِ، بَلْ هَذَا عَلَى أُصُولِهِمْ أَوْكَدُ لِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَالِكَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَوْجُودٌ، وَلَا مُخَالِفَ يُعْرَفُ هَهُنَا لِعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا إلَّا فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ. وَأَمَّا مَسُّ الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ " أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَتَابَ الْمُسْتَوْرِدَ الْعِجْلِيَّ، وَأَنَّ عَلِيًّا مَسَّ بِيَدِهِ صَلِيبًا كَانَتْ فِي عُنُقِ الْمُسْتَوْرِدِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ فِي الصَّلَاةِ قَدَّمَ رَجُلًا وَذَهَبَ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لِحَدَثٍ أَحْدَثَهُ، وَلَكِنَّهُ مَسَّ هَذِهِ الْأَنْجَاسَ فَأَحَبَّ أَنْ يُحْدِثَ مِنْهَا وُضُوءًا " وَرُوِّينَا أَثَرًا مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بُرَيْدَةَ وَقَدْ مَسَّ صَنَمًا فَتَوَضَّأَ» . قَالَ عَلِيٌّ: صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَقَدْ كَانَ يُلْزِمُ مَنْ يُعَظِّمُ خِلَافَ الصَّاحِبِ وَيَرَى الْأَخْذَ بِالْآثَارِ الْوَاهِيَةِ مِثْلَ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنْ يَأْخُذَ بِهَذَا الْأَثَرِ، فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَأْخُذُونَ بِهِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَلِيٍّ هَهُنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا إلَّا فِي خَبَرٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الْقُرْآنِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا سِيَّمَا وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ قَطَعَ صَلَاةَ الْفَرْضِ بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَقْطَعَهَا فِيمَا لَا يَرَاهُ وَاجِبًا. فَإِنْ قَالُوا: لَعَلَّ هَذَا اسْتِحْبَابٌ قُلْنَا: وَلَعَلَّ كُلَّ مَا أَوْجَبْتُمْ فِيهِ الْوُضُوءَ مِنْ الرُّعَافِ وَغَيْرِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ سَلَفَ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ وَكَذَلِكَ الْمَذْيُ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ دَعَاوٍ مُخَالِفَةٌ لِلْحَقَائِقِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً فَاغْتَسَلَتْ مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ ارْتَدَّا ثُمَّ رَاجَعَا - الْإِسْلَامَ دُونَ حَدَثٍ يَكُونُ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ

صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ بِأَنَّ الرِّدَّةَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ، وَهُمْ يُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تَنْقُضُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَلَا غُسْلَ الْحَيْضِ وَلَا أَحْبَاسَهُ السَّالِفَةَ وَلَا عِتْقَهُ السَّالِفَ وَلَا حُرْمَةَ الرَّجُلِ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ، فَهَلَّا قَاسُوا الْوُضُوءَ عَلَى الْغُسْلِ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ يَكُونُ أَصَحَّ قِيَاسٍ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ صَحِيحًا، فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] قُلْنَا هَذَا عَلَى مَنْ مَاتَ كَافِرًا لَا عَلَى مَنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] وقَوْله تَعَالَى {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ قَاطِعَةٌ لِقَوْلِنَا، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْخَاسِرِينَ، بَلْ مِنْ الرَّابِحِينَ الْمُفْلِحِينَ، وَإِنَّمَا الْخَاسِرُ مَنْ مَاتَ كَافِرًا، وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَأَمَّا الدَّمُ الظَّاهِرُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ، وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ لَا حَائِضٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا لَا تُصَلِّي إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا فَحِينَئِذٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَلَمْ يَحِدَّ فِي الطُّولِ حَدًّا، وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ أَوَّلُ الْحَمْلِ كَآخِرِهِ، وَيَجْتَهِدُ لَهَا وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ الْحَامِلَ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّهَا تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ وَأَمَرَ بِالطَّلَاقِ فِي حَالِ الْحَمْلِ» ، وَإِذَا كَانَتْ حَائِلًا فَصَحَّ أَنَّ حَالَ الْحَائِضِ وَالْحَائِلِ غَيْرُ حَالِ الْحَامِلِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ ظُهُورَ الْحَيْضِ اسْتِبْرَاءٌ وَبَرَاءَةٌ مِنْ الْحَمْلِ، فَلَوْ جَازَ أَنْ تَحِيضَ - الْحَامِلُ لَمَا كَانَ الْحَيْضُ بَرَاءَةً مِنْ الْحَمْلِ، وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِذَا كَانَ لَيْسَ - حَيْضًا وَلَا عِرْقَ اسْتِحَاضَةٍ فَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْغُسْلِ وَلَا لِلْوُضُوءِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ

وَكَذَلِكَ دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا بَعْدَ هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَّ الْمَرْأَةَ عَلَى ثَوْبٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا لَامَسَ الثَّوْبَ لَا الْمَرْأَةَ، وَكَذَلِكَ مَسُّ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَبِغَيْرِ الْفَرْجِ وَالْإِنْعَاظُ وَالتَّذَكُّرُ وَقَرْقَرَةُ الْبَطْنِ فِي الصَّلَاةِ وَمَسُّ الْإِبْطِ وَنَتْفُهُ وَمَسُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالرُّفْغَيْنِ وَقَصُّ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ فِي أَكْثَرِهِ بَلْ فِي كُلِّهِ، طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ، فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ قَرْقَرَةِ الْبَطْنِ فِي الصَّلَاةِ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِي الْإِنْعَاظِ وَالتَّذَكُّرِ وَالْمَسِّ عَلَى الثَّوْبِ لِشَهْوَةٍ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوُضُوءِ فِي مَسِّ الْإِبْطِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُجَاهِدٍ، وَإِيجَابَ الْغُسْلِ مِنْ نَتْفِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَعَنْ مُجَاهِدٍ الْوُضُوءُ مِنْ تَنْقِيَةِ الْأَنْفِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُجَاهِدٍ وَذَرٍّ وَالِدِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّعْرِ، وَأَمَّا الدُّودُ وَالْحَجَرُ يَخْرُجَانِ مِنْ الدُّبُرِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبْهُ مَالِكٌ وَلَا أَصْحَابُنَا، وَقَدْ رُوِّينَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ لَا يُسْنَدُ. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَالدَّمُ الْأَحْمَرُ فَسَيُذْكَرُ فِي الْكَلَامِ فِي الْحَيْضِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - حُكْمُهُ وَإِنَّهُ لَيْسَ - حَيْضًا وَلَا عِرْقًا، فَإِذًا لَيْسَ حَيْضًا وَلَا عِرْقًا فَلَا وُضُوءَ فِيهِ. إذْ لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ. وَأَمَّا الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّا رُوِّينَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ أَثَرًا وَاهِيًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إمَّا مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ صُبَيْحٍ وَمَعْبَدِ الْجُهَنِيِّ، وَإِمَّا مُسْنَدٌ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي الْمَلِيحِ، وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.

الأشياء الموجبة غسل الجسد كله

فَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادَةَ التَّتَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي حَيْلَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ، وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَفِيهِ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ فَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي الْقُرْآنِ أَوْ - أَثَرٍ صَحِيحٍ مُسْنَدٍ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْ الْأَخْبَارِ حَتَّى ادَّعَوْا التَّوَاتُرَ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ «أَجْتَهِدُ رَأْيِي» وَالْقَائِلِينَ بِمُرْسَلِ سَعِيدٍ وَطَاوُسٍ أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الْآثَارِ، فَإِنَّهَا أَشَدُّ تَوَاتُرًا مِمَّا ادَّعَوْا لَهُ التَّوَاتُرَ، وَأَكْثَرُ ظُهُورًا فِي عَدَدِ مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ، وَسَائِرُ مَا قَالُوا بِهِ مِنْ الْمَرَاسِيلِ. وَكَذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ الْمُخَالِفِينَ الْخَبَرُ الصَّحِيحَ - فِي الْمُصَرَّاةِ وَفِي حَجِّ الْمَرْأَةِ عَنْ الْهَرِمِ الْحَيِّ وَفِي سَائِرِ مَا تَرَكُوا فِيهِ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ لِلْقِيَاسِ - أَنْ يَرْفُضُوا هَذَا الْخَبَرَ الْفَاسِدَ قِيَاسًا عَلَى مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الضَّحِكَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ أَنْ يَنْقُضَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَطَّرِدُونَ الْقِيَاسَ وَلَا يَتَّبِعُونَ السُّنَنَ وَلَا يَلْتَزِمُونَ مَا أَحَلُّوا مِنْ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَالْمُتَوَاتِرِ، إلَّا رَيْثَمَا يَأْتِي مُوَافِقًا لِآرَائِهِمْ أَوْ تَقْلِيدِهِمْ، ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ رَافِضِينَ لَهُ إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَآرَاءَهُمْ. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: فِي أَيِّ قُرْآنٍ أَوْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ أَوْ فِي أَيِّ قِيَاسٍ وَجَدْتُمْ تَغْلِيظَ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَتَخْفِيفُ بَعْضِهَا قَدْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلَّا مِقْدَارًا حَدَّدْتُمُوهُ مِنْهَا؟ وَالنَّصُّ فِيهَا كُلِّهَا جَاءَ مَجِيئًا وَاحِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ أَنَّ بَعْضَ الْحَدَثِ حَدَثٌ، فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ، وَمَا لَمْ يَكُنْ حَدَثًا فَكَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الْأَشْيَاءُ الْمُوجِبَةُ غَسْلَ الْجَسَدِ كُلِّهِ] [مَسْأَلَةٌ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ مِقْدَارِهَا فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْأَشْيَاءُ الْمُوجِبَةُ غَسْلَ الْجَسَدِ كُلِّهِ 170 - مَسْأَلَةٌ: إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ إيلَاجُ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّكَرِ الذَّاهِبِ الْحَشَفَةِ وَالذَّاهِبِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَشَفَةِ - فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ مِنْهَا بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ، إذَا كَانَ بِعَمْدٍ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، فَإِنْ عَمَدَتْ هِيَ أَيْضًا لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ أَنْزَلَتْ أَوْ لَمْ تُنْزِلْ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْنُونًا أَوْ سَكْرَانًا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُكْرَهًا، فَلَيْسَ عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْهُمَا إلَّا الْوُضُوءُ فَقَطْ إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَلَا وُضُوءَ، فَإِذَا بَلَغَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ فِيمَا يَحْدُثُ لَا فِيمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْوُضُوءُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» . وَحَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا مُسْلَمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا شُعْبَةُ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» .

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ قَالَا جَمِيعًا ثنا قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَأَجْهَدَ نَفْسَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِيهِ زِيَادَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا إسْقَاطُ الْغُسْلِ، وَالزِّيَادَةُ شَرِيعَةٌ وَارِدَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي مَخْرَجِ الْوَلَدِ، لِأَنَّهُ لَا خِتَانَ إلَّا هُنَالِكَ، فَسَوَاءٌ كَانَ مَخْتُونًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُونٍ لِأَنَّ لَفْظَةَ «أَجْهَدَ نَفْسَهُ» تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَامًا مِنْ حَلَالٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بِذَلِكَ فِي الْعَمْدِ دُونَ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا قَعَدَ ثُمَّ أَجْهَدَ» وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ إلَّا لِلْمُخْتَارِ الْقَاصِدِ، وَلَا يُسَمَّى الْمَغْلُوبُ أَنَّهُ قَعَدَ وَلَا النَّائِمُ وَلَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» فَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

مسألة يجب على الجنب غسل الرأس وجميع الجسد

«الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ وَالصِّبَا فَالْوُضُوءُ لَازِمٌ لَهُمْ فَقَطْ لِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُخَاطَبِينَ بِالصَّلَاةِ وَبِالْوُضُوءِ لَهَا جُمْلَةً، وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانُوا مُجْنِبِينَ، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِمُجْنِبِينَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ الْغُسْلَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» ؟ قُلْنَا: هَذَا الْخَبَرُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَقَحَطْتَ أَوْ أَكْسَلْتَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ» . فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَعَمِّ وَلَا بُدَّ، لَيُؤْخَذَ بِهِمَا مَعًا، ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ الْإِكْسَالِ فَوَجَبَ إعْمَالُهُ أَيْضًا. وَأَمَّا كُلُّ مَوْضِعٍ لَا خِتَانَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْخِتَانُ فَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا سُنَّةٌ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْإِيلَاجِ فِيهِ، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ لَا غُسْلَ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي الْفَرْجِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَنْزَلَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجُمْهُورُ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالْأَعْمَشُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَرُوِيَ الْغُسْلُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْمُهَاجِرِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ. [مَسْأَلَةٌ يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ غُسْلُ الرَّأْسِ وَجَمِيعِ الْجَسَدِ] . 171 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أَجْنَبَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ الرَّأْسِ وَجَمِيعِ

مسألة الجنابة هي الماء الذي يكون من نوعه الولد

الْجَسَدِ إذَا أَفَاقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونُ وَانْتَبَهَ النَّائِمُ وَصَحَا السَّكْرَانُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَبِالْإِجْنَابِ يَجِبُ الْغُسْلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَلَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَالْمَجْنُونُ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ أَوْ غَسَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ وَالسَّكْرَانُ لَمْ يُجْزِهِمْ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الْغُسْلِ، لِأَنَّهُمْ بِخُرُوجِ الْجَنَابَةِ مِنْهُمْ صَارُوا جُنُبًا وَوَجَبَ الْغُسْلُ بِهِ، وَلَا يَجْزِي الْفَرْضَ الْمَأْمُورَ بِهِ إلَّا بِنِيَّةِ أَدَائِهِ قَصْدًا إلَى تَأْدِيَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّئُوا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِلْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِمْ وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهِ بَعْدَ زَوَالِهَا لِمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَة الْجَنَابَة هِيَ الْمَاء الَّذِي يَكُون مِنْ نَوْعه الْوَلَد] . 172 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَنَابَةُ هِيَ الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ نَوْعِهِ الْوَلَدُ، وَهُوَ مِنْ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ الطَّلْعُ، وَهُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَمَاءُ الْخَصِيِّ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ الذَّكَرِ السَّالِمُ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَمَاؤُهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ ثنا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعٍ ثنا سَعِيدُ هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ «أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، قِيلَ: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ وَالسَّالِمِ الْخُصْيَةِ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا، فَهَذِهِ صِفَتُهُ وَقَدْ يُولَدُ لِهَذَا، وَأَمَّا مَاءُ الْخَصِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ أَصْفَرُ، فَلَيْسَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ فِيهِ فَلَا غُسْلَ فِيهِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً

مسألة إذا خرجت الجنابة وجب الغسل

شُفِرَتْ وَهِيَ بَالِغٌ أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ، فَدَخَلَ الْمَنِيُّ فَرْجَهَا فَحَمَلَتْ فَالْغُسْلُ عَلَيْهَا وَلَا بُدَّ لِأَنَّهَا قَدْ أَنْزَلَتْ الْمَاءَ يَقِينًا. [مَسْأَلَة إذَا خَرَجَتْ الْجَنَابَة وَجَبَ الْغُسْل] . 173 - مَسْأَلَةٌ: وَكَيْفَمَا خَرَجَتْ الْجَنَابَةُ الْمَذْكُورَةُ بِضَرْبَةٍ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ حَتَّى وَجَدَهُ أَوْ بِاسْتِنْكَاحٍ فَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا فَضَخَ الْمَاءَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ الْجَنَابَةُ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالًا مِنْ حَالٍ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ النَّصَّ بِرَأْيِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: مَنْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ - لِعِلَّةٍ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَوْ ضُرِبَ عَلَى اسْتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلٌ خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ وَلِلْقِيَاسِ، وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ إلَّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُ لَا غُسْلَ إلَّا مِنْ شَهْوَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا خِلَافُهُمْ لِلْقِيَاسِ فَإِنَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ وَالرِّيحَ مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ كَيْفَمَا خَرَجَ ذَلِكَ فَالْوُضُوءُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْحَيْضُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ، وَكَيْفَمَا خَرَجَ فَالْغُسْلُ فِيهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ كَذَلِكَ، فَلَا بِالْقُرْآنِ أَخَذُوا وَلَا بِالسُّنَّةِ عَمِلُوا وَلَا الْقِيَاسُ طَرَدُوا. وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْلَ لَيْسَ فِي خُرُوجِهِمَا حَالٌ

مسألة امرأة وطئت ثم اغتسلت ثم خرج ماء الرجل من فرجها

تُحِيلُ الْجَسَدَ. قَالَ: وَالْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ لِشَهْوَةٍ أَذْهَبَ الشَّهْوَةَ وَأَحْدَثَ فِي الْجَسَدِ أَثَرًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَخْلِيطٌ، بَلْ اللَّذَّةُ فِي خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ أَشَدُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى خُرُوجِهَا مِنْهَا فِي خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَضَرَرُ أَلَمِ امْتِنَاعِ خُرُوجِهَا أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ امْتِنَاعِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ فَقَدْ اسْتَوَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، فَإِنْ تَأَذَّى الْمُسْتَنْكِحُ بِالْغُسْلِ فَلْيَتَيَمَّمْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْغُسْلِ بِهِ، فَحُكْمُهُ التَّيَمُّمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة امْرَأَة وطئت ثُمَّ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مَاء الرَّجُل مِنْ فرجها] . 174 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً وُطِئَتْ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مَاءُ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، لَا غُسْلَ وَلَا وُضُوءَ، لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ إنْزَالِهَا لَا مِنْ إنْزَالِ غَيْرِهَا، وَالْوُضُوءُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ حَدَثِهَا لَا مِنْ حَدَثِ غَيْرِهَا وَخُرُوجُ مَاءِ الرَّجُلِ مِنْ فَرْجِهَا لَيْسَ إنْزَالًا مِنْهَا وَلَا حَدَثًا مِنْهَا، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا وُضُوءَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهَا تَغْسِلُ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ تَتَوَضَّأُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة امْرَأَة شفرها رَجُل فدخل ماؤه فرجها] . 175 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً شَفَرَهَا رَجُلٌ فَدَخَلَ مَاؤُهُ فَرْجَهَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ تُنْزِلْ هِيَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ: عَلَيْهَا الْغُسْلُ. قَالَ عَلِيٌّ: إيجَابُ الْغُسْلِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة رَجُل وَامْرَأَةٌ أجنبا وَكَانَ مِنْهُمَا وَطْء دُون إنْزَال] . 176 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبَا وَكَانَ مِنْهُمَا وَطْءٌ دُونَ إنْزَالٍ فَاغْتَسَلَا وَبَالَا أَوْ لَمْ يَبُولَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ أَوْ كُلُّهُ فَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ صَلَّيَا قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَتْهُمَا صَلَاتُهُمَا، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ، فَلَوْ خَرَجَ فِي نَفْسِ الْغُسْلِ وَقَدْ بَقِيَ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ لَزِمَهُمَا أَوْ الَّذِي خَرَجَ ذَلِكَ مِنْهُ ابْتِدَاءَ الْغُسْلِ وَلَا بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَالْجُنُبُ هُوَ مَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُ الْجَنَابَةُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا فَضَخَ الْمَاءَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ بِالرَّأْيِ.

مسألة أولج في الفرج وأجنب

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ قَدْ بَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْغُسْلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبُلْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَقَوْلِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْغُسْلَ بِأَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ وَالْغُسْلُ إنَّمَا هُوَ لِنُزُولِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْجَسَدِ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ مَا الْغُسْلُ إلَّا مِنْ ظُهُورِ الْجَنَابَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَلَوْ أَنَّ امْرَأً الْتَذَّ بِالتَّذَكُّرِ حَتَّى أَيْقَنَ أَنَّ الْمَنِيَّ قَدْ صَارَ فِي الْمَثَانَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ جُنُبًا بَعْدُ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وُجُوبَ الْغُسْلِ فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ. قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ إيجَابُ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حُجَّةً فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي أُخْرَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة أولج فِي الفرج وأجنب] . 177 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْلَجَ فِي الْفَرْجِ وَأَجْنَبَ فَعَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي غُسْلِهِ ذَلِكَ لَهُمَا مَعًا، وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُضُوءُ وَلَا بُدَّ، وَيُجْزِيهِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غُسْلٌ وَاحِدٌ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مِنْ الْإِيلَاجِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ نَوَى بَعْضَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَنْوِ سَائِرَهَا أَجْزَأَهُ لِمَا نَوَى، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِمَا لَمْ يَنْوِ، فَإِنْ كَانَ مُجْنِبًا بِاحْتِلَامٍ أَوْ يَقِظَةٍ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ الْإِيلَاجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ وَمِنْ الْإِنْزَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيلَاجٌ، وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْإِيلَاجِ» ، فَهِيَ أَعْمَالٌ مُتَغَايِرَةٌ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَلَا بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مَأْمُورٍ

مسألة غسل يوم الجمعة فرض لازم لكل بالغ وكذلك الطيب والسواك

بِهِ مِنْ الْقَصْدِ إلَى تَأْدِيَتِهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُجْزِئُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عَمَلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَأَجْزَأَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ، وَوَجَبَتْ النِّيَّاتُ بِالنَّصِّ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّ نِيَّةً لِبَعْضِ ذَلِكَ تُجْزِئُ عَنْ نِيَّةِ الْجَمِيعِ، فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة غَسَلَ يَوْم الْجُمُعَةَ فرض لَازِم لِكُلِّ بالغ وَكَذَلِكَ الطَّيِّب والسواك] . 178 - مَسْأَلَةٌ: وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ لَازِمٌ لِكُلِّ بَالِغٍ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ وَالسِّوَاكُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - ثنا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا» قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ: أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ

وَاجِبٌ، وَأَمَّا الِاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا، وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ. وَرُوِّينَا إيجَابَ الْغُسْلِ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، فَصَارَ خَبَرًا مُتَوَاتِرًا يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ فَرْضِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ وَعَطَاءٌ وَكَعْبٌ وَالْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ. أَمَّا عُمَرُ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - وَقَدْ قَالَ عُثْمَانُ: مَا هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْت الْأَذَانَ الْأَوَّلَ فَتَوَضَّأْت وَخَرَجْت فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ بِالْوُضُوءِ، وَالْوُضُوءُ أَيْضًا «وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ» . وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا فَيَغْسِلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ وَيَمَسُّ طِيبًا إنْ كَانَ لِأَهْلِهِ، وَالْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. فَأَمَّا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّفْظُ الثَّانِي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَدْعُ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّ بِهِ: لَأَنَا أَحْمَقُ مِنْ الَّذِي لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يُحَمَّقُ مَنْ تَرَكَ مَا لَيْسَ فَرْضًا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيهِ: «أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ» وَالْمُفْلِحُ الْمَضْمُونُ لَهُ الْجَنَّةُ لَيْسَ أَحْمَقَ.

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي شَيْءٍ ظَنَّ بِهِ: أَنَا إذَنْ كَمَنْ لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - وَسُئِلَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «أَمَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَعَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً فَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا أَرَى أَنْ يَتَطَيَّبَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ إنْ كَانَ لَهُمْ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: اغْتَسِلْ. وَرُوِّينَا أَمْرَهُ بِالطِّيبِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَمْرَهُ بِالْغُسْلِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُوجِبُ الطِّيبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الْغُسْلُ وَالسِّوَاكُ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبٍ إنْ وَجَدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إسْقَاطُ فَرْضِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الرِّيحُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا»

وَعَنْهَا أَيْضًا «كَانَ النَّاسُ أَهْلَ عَمَلٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ، فَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ تَفَلٌ فَقِيلَ لَهُمْ لَوْ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» ، وَبِحَدِيثٍ عَنْ الْحَسَنِ «أَنْبَأَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَغْتَسِلُونَ» . وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا اغْتَسَلَ وَرُبَّمَا لَمْ يَغْتَسِلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» . وَبِحَدِيثٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ «أَنَّهُ خَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الْغُسْلُ، كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعِرَقَ النَّاسُ فِي الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرِّيحَ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمُ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ طِيبًا، أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ، وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ، وَكُفُوا الْعَمَلَ، وَوَسَّعُوا مَسْجِدَهُمْ، وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ الْعَرَقِ ". وَبِحَدِيثٍ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» .

وَمَثَلُهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَصًّا. وَكَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَثَلُهُ نَصًّا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَثَلُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي الْعَلَاءِ.

وَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْآثَارِ لَا خَيْرَ فِيهَا، حَاشَا حَدِيثِ عَائِشَةَ وَعُمَرَ فَهُمَا صَحِيحَانِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا عَلَى مَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَمُرْسَلَانِ، وَكَمْ مِنْ مُرْسَلٍ لِلْحَسَنِ لَا يَأْخُذُونَ بِهِ، كَمُرْسَلِهِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ، لَا يَأْخُذُ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ، وَكَمُرْسَلِهِ «إنَّ الْأَرْضَ لَا تَنْجُسُ» لَا يَأْخُذُ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَكَذَلِكَ لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمِمَّا يُوجِبُ الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلُوا الْمُرْسَلَ حُجَّةً، ثُمَّ لَا يَأْخُذُونَ بِهِ، أَوْ أَنْ لَا يَرَوْهُ حُجَّةً ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهِ، فَيَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} [غافر: 35] . وَأَمَّا حَدِيثَا ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيِّ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِوَضْعِ الْأَحَادِيثِ وَالْكَذِبِ وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو - هَذِهِ نَفْسَهَا - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» فَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَمْرٍو حُجَّةً فَلْيَأْخُذُوا بِهَذَا، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَأَمَّا عَمْرٌو فَضَعِيفٌ لَا نَحْتَجُّ بِهِ لَنَا، وَلَا نَقْبَلُهُ حُجَّةً عَلَيْنَا، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، وَلَوْ احْتَجَجْنَا بِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَأَخَذْنَا بِخَبَرِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ مَا رَوَى عَنْهُ عَمْرٌو فِي قَتْلِ الْبَهِيمَةِ

وَمَنْ أَتَاهَا، قُلْنَا لَهُمْ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ مَا رَوَى عَنْهُ عَمْرٌو فِي إسْقَاطِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَلَا فَرْقَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عَمْرٍو هَذَا لِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ لَكَانَ لَنَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ وَإِيجَابَهُ، وَأَمَّا كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ إسْقَاطِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَظَنِّهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَلَا يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ، فَإِنْ أَبَوْا إلَّا الِاحْتِجَاجَ بِهِ، قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ» وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَأْخُذُونَ بِهَذَا، وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهُ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعٌ» وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِهَذَا. وَمِنْ الْبَاطِلِ وَالْعَارِ احْتِجَاجُهُمْ فِي الدِّينِ بِرِوَايَةِ مَا إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَهُمْ، وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهَا بِعَيْنِهَا إذَا خَالَفَتْ تَقْلِيدَهُمْ، مَا نَرَى دِينًا يَبْقَى مَعَ هَذَا لِأَنَّهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي الدِّينِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، صَحَّ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أَقْطَعَ الطَّرِيقَ وَأَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَرْوِيَ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، وَرُبَّ حَدِيثٍ لِيَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ تَرَكُوهُ لَمْ يَحْتَجُّوا فِيهِ إلَّا بِضَعْفِهِ فَقَطْ، وَمِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ، وَهُوَ هَالِكٌ، عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَوَجَدْنَاهُ سَاقِطًا لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا مِنْ طُرُقٍ فِي أَحَدِهَا رَجُلٌ مَسْكُوتٌ عَنْ اسْمِهِ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ، وَفِي ثَانِيهمَا أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَفِي الثَّالِثِ مِنْهَا الْحَسَنُ عَنْ جَابِرٍ وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ جَابِرٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُمْرَةَ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ سَلَمِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبِي هِشَامٍ الْبَصْرِيِّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا

فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْوُضُوءَ نِعْمَ الْعَمَلُ، وَأَنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 110] فَهَلْ دَلَّ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى لَيْسَ فَرْضًا؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ فَرْضًا لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ قَبْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرْعٌ وَارِدٌ وَحُكْمٌ زَائِدٌ نَاسِخٌ لِلْحَالَةِ الْأُولَى بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ النَّاسِخِ بِيَقِينٍ، وَالْأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانُوا عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ وَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَالْغُبَارِ مِنْ الْعَوَالِي فَتَثُورُ لَهُمْ رَوَائِحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا» أَوْ «أَوَلَا تَغْتَسِلُونَ» . فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَكُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالطِّيبَ وَالسِّوَاكَ، وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَوْ يَكُونَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ قَبْلَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَابِرٌ، فَلَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لِلْمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ كَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ بَعْدَ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إيجَابِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ وَأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْإِيجَابِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا عَلَى إسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْصُوصِ عَلَى إثْبَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَبْكِيتٌ لِمَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمُوجِبَ فَقَطْ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ الْمُتَيَقَّنِ لَا إسْقَاطٌ لَهُ، فَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَوَاصَلَ بِهِمْ» تَنْكِيلًا لَهُمْ، أَفَيَسُوغُ فِي عَقْلِ أَحَدٍ أَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ؟ وَكُلُّ مَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُهُ وَلَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ أَنَّهُ نَدْبٌ، إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ بِذَلِكَ، مَقْطُوعٌ عَلَى أَنَّهُ وَارِدٌ بَعْدَهُ، مُبَيِّنٌ أَنَّهُ - نَدْبٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ، لَا بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمَتْرُوكِ لَهَا الْيَقِينُ.

هَذَا لَوْ صَحَّ أَنَّ خَبَرَ عَائِشَةَ كَانَ بَعْدَ الْإِيجَابِ لِلْغُسْلِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَبَدًا، بَلْ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْإِيجَابِ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَالنَّاسُ عُمَّالُ أَنْفُسِهِمْ، وَفِي ضِيقٍ مِنْ الْحَالِ وَقِلَّةٍ مِنْ الْمَالِ، وَهَذِهِ صِفَةُ أَوَّلِ الْهِجْرَةِ بِلَا شَكٍّ، وَالرَّاوِي لِإِيجَابِ الْغُسْلِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَكِلَاهُمَا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ وَالصُّحْبَةِ. أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِسْلَامُهُ إثْرَ فَتْحِ خَيْبَرَ، حَيْثُ اتَّسَعَتْ أَحْوَالُ الْمُسْلِمِينَ، وَارْتَفَعَ الْجَهْدُ وَالضِّيقُ عَنْهُمْ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قَبْلَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَامَيْنِ وَنِصْفٍ فَقَطْ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا عِنْدَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَا تَرَكَهُ عُثْمَانُ وَلَا أَقَرَّ عُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عُثْمَانَ عَلَى تَرْكِهِ وَقَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ فَرْضٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلٌ لَا نَدْرِي كَيْفَ اُسْتُطْلِقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ لِأَنَّهُ كُلَّهُ قَوْلٌ بِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ شَيْءٌ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ، بَلْ نَصُّهُ وَدَلِيلُهُ بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ. أَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ ذَلِكَ؟ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ؟ فَإِنْ قَالُوا: وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ؟ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْغُسْلِ قُلْنَا: هَبْكُمْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عِنْدَنَا بِهَذَا، وَلَا دَلِيلَ عِنْدَكُمْ بِخِلَافِهِ. فَمَنْ جَعَلَ دَعْوَاكُمْ فِي الْخَبَرِ، وَتَكَهُّنَكُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَقَفْوُكُمْ مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، أَوْلَى مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي هَذَا - إذْ دَعَوَاكُمْ وَدَعَوَانَا مُمْكِنَةٌ - أَنْ يَبْقَى الْخَبَرُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لَكُمْ وَلَا عَلَيْكُمْ، وَلَا لَنَا وَلَا عَلَيْنَا، هَذَا مَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ، فَكَيْفَ وَمَعَنَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ؟ . وَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْت حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ قَالَ:

كُنْت أَضَعُ لِعُثْمَانَ طَهُورَهُ فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يَوْمٌ إلَّا وَهُوَ يَفِيضُ عَلَيْهِ نُطْفَةً. فَقَدْ ثَبَتَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمٌ مِنْ الْأَيَّامِ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَنَا، لَوَجَبَ أَنْ لَا يُظَنَّ بِمِثْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَا يُقْطَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِطَاعَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ، كَمَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَسَائِرِ اللَّوَازِمِ لَهُ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ لَنَا ذَلِكَ. وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَهَذَا الْخَبَرُ عَنْهُمْ حُجَّةٌ لَنَا ظَاهِرَةٌ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ عُمَرَ قَطَعَ الْخُطْبَةَ مُنْكِرًا عَلَى عُثْمَانَ أَنْ لَمْ يَصِلْ الْغُسْلَ بِالرَّوَاحِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَرْضًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ لَمَا قَطَعَ لَهُ الْخُطْبَةَ، وَعُمَرُ قَدْ حَلَفَ " وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالْوُضُوءِ " فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ عِنْدَهُ فَرْضًا لَمَا كَانَتْ - يَمِينُهُ صَادِقَةً وَاَلَّذِي حَصَلَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ الصَّحَابَةِ بِلَا شَكٍّ فَهُوَ إنْكَارُ تَرْكِ الْغُسْلِ، وَالْإِعْلَانُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَظُنَّ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يَسْتَجِيزَ خِلَافَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] فَصَحَّ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً لَنَا وَإِجْمَاعًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ آخَرُ يَقُولُ لِعُمَرَ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجِبًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ أَجَابَ عُمَرَ فِي إنْكَارِهِ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِ أَمْرَ الْغُسْلِ بِأَحَدِ أَجْوِبَةٍ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهَا: إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ كُنْت اغْتَسَلْت قَبْلَ خُرُوجِي إلَى السُّوقِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: بِي عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الْغُسْلِ، أَوْ يَقُولَ لَهُ: أُنْسِيتُ وَهَا أَنَا ذَا رَاجِعٌ فَأَغْتَسِلُ، فَدَارُهُ كَانَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَشْهُورَةٌ إلَى الْآنِ أَوْ يَقُولُ لَهُ: سَأَغْتَسِلُ، فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. أَوْ يَقُولُ لَهُ: هَذَا أَمْرُ نَدْبٍ وَلَيْسَ فَرْضًا، وَهَذَا الْجَوَابُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خُصُومِنَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ التَّعَلُّقَ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ مِنْ جُمْلَةِ خَمْسَةِ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُمْكِنٌ، وَكُلُّهَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا أَصْلًا؟ دُونَ أَنْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْأَجْوِبَةِ الْأُخَرِ الَّتِي هِيَ أَدْخَلُ فِي الْإِمْكَانِ مِنْ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ، لِأَنَّهَا كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَا خَاطَبَهُ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَاَلَّذِي تَعَلَّقُوا هُمْ بِهِ تَكَهُّنٌ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ رَأَوْا الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ

نَدْبًا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، بَلْ الصَّحِيحُ خِلَافُهُ بِنَصِّ الْخَبَرِ، فَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْقَطْعَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِدَهْرٍ فَصَحَّ وُجُودُ خِلَافِ مَا يَدَّعُونَهُ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ إجْمَاعًا، وَإِذَا وُجِدَ التَّنَازُعُ فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ بَلْ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ جَاءَتْ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ، إلَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَعْدًا وَأَبَا سَعِيدٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ، فَحَسْبُهُمْ بِهَذَا ضَلَالًا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَالَا بِأَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَدْبٌ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ هَذَا عَنْهُمَا - فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ تَعْظِيمُ خِلَافِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي هَذَا الْبَاطِلِ الْمُتَكَهَّنِ؟ وَلَمْ يُعَظِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِلَافَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، فِي تَرْكِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ، وَأَخْذِهِ فِي الْكَلَامِ مَعَ عُثْمَانَ، وَمُجَاوَبَةِ عُثْمَانَ لَهُ بَعْدَ شُرُوعِ عُمَرَ فِي الْخُطْبَةِ، وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ هَذَا. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَتَهَيَّئُوا لِلسُّجُودِ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: عَلَى رِسْلِكُمْ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ. فَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا، وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: السُّجُودُ وَاجِبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَوْ أَدْخَلُ فِي الْبَاطِلِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ فِي الْخُطْبَةِ بِمَا لَا يَجِدُونَهُ فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ فَرْضِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حُجَّةً عِنْدَهُمْ، ثُمَّ لَا يُبَالُونَ مُخَالَفَةَ عُمَرَ فِي عَمَلِهِ وَقَوْلِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا عِنْدَ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ، وَفِي نُزُولِهِ عَنْ الْمِنْبَرِ لِلسُّجُودِ إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ؟ أَفَيَكُونُ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَإِنْ هَذَا إلَّا تَلَاعُبٌ أَقْرَبُ إلَى الْجَدِّ. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَقْلِيدًا لِآرَاءِ مَنْ لَا يُضْمَنُ لَهُ الصَّوَابُ فِي كُلِّ أَقْوَالِهِ، كَقَوْلِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ: أَنْ لَا غُسْلَ مِنْ الْإِيلَاجِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إمْنَاءٌ، وَكَقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ أَجْنَبَ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَلَا الصَّلَاةُ، وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ شَهْرًا، وَكَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِالْقَضَاءِ بِأَوْلَادِ الْغَارَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا.

مسألة غسل يوم الجمعة إنما هو لليوم لا للصلاة

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا خَفِيَ عَلَى الْعُلَمَاءِ. قُلْنَا نَعَمْ مَا خَفِيَ، قَدْ عَرَفَهُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالُوا بِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيُّونَ قَدْ أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مِنْ كُلِّ دَمٍ خَارِجٍ مِنْ اللِّثَاتِ أَوْ الْجَسَدِ أَوْ مِنْ الْقَلْسِ، وَهُوَ أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُمْ، فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَالْمَالِكِيُّونَ يُوجِبُونَ التَّدَلُّكَ فِي الْغُسْلِ فَرْضًا، وَالْفَوْرُ فِي الْوُضُوءِ فَرْضًا، تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ، فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَالشَّافِعِيُّونَ يَرَوْنَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ، وَمِنْ مَسِّ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَأُمَّهُ، وَهُوَ أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ، فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يَرَوْنَهُ حُجَّةً إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ وَمِنْ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ: إنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُحْتَلِمٍ. ثُمَّ نَقُولُ نَحْنُ: لَيْسَ هُوَ وَاجِبًا وَلَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا أَمْرٌ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ. [مَسْأَلَة غَسَلَ يَوْم الْجُمُعَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ] . 179 - مَسْأَلَةٌ: وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ اغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَأَوَّلُ أَوْقَاتِ الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ قُرْصِ الشَّمْسِ مِقْدَارُ مَا يُتِمُّ غُسْلَهُ قَبْلَ غُرُوبِ آخِرِهِ، وَأَفْضَلُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَهُوَ لَازِمٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَلُزُومِهِ لِغَيْرِهِمَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنِ نَافِعٍ ثنا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ طَاوُسٌ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنْ الطِّيبِ» قَالَ: أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثنا بَهْزٌ ثنا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَقُّ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلٌ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ مُسْنَدًا، فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ وَرُوِّينَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَجْتَزِئُ بِهِ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ شُعْبَةَ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ: إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ لِلْجُمُعَةِ، فَإِذَنْ هُوَ لِلْيَوْمِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ اغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّكُمْ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَرَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَعَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ رَسُولِ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . قُلْنَا نَعَمْ، وَهَذِهِ - آثَارٌ صِحَاحٌ، وَكُلُّهَا لَا خِلَافَ فِيهَا لِمَا قُلْنَا. أَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» فَهُوَ نَصُّ قَوْلِنَا، وَإِنَّمَا فِيهِ أَمْرٌ لِمَنْ جَاءَ الْجُمُعَةَ بِالْغُسْلِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيُّ وَقْتٍ يَغْتَسِلُ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ بَعْضُ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ لِأَنَّ فِي هَذَا إيجَابَ الْغُسْلِ عَلَى كُلِّ مَنْ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ، فَلَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ الْغُسْلِ عَمَّنْ لَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ الَّتِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ إيجَابُ الْغُسْلِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، فَهِيَ زَائِدَةٌ حُكْمًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَالْأَخْذُ بِهَا وَاجِبٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» فَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، وَقَدْ يُرِيدُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلْزَامُهُ أَنْ يَكُونَ إتْيَانُهُ الْجُمُعَةَ لَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلْزَامُهُ أَنْ يَكُونَ أَتَى مُتَّصِلًا بِإِرَادَتِهِ لِإِتْيَانِهَا، بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا سَاعَاتٌ، فَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا دَلِيلٌ وَلَا نَصٌّ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْغُسْلَ بَعْدَ الرَّوَاحِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 103] وَمَعَ الرَّوَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَوْ قَبْلَ الرَّوَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] فَلَمَّا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ اتِّصَالِ الْغُسْلِ بِالرَّوَاحِ أَصْلًا صَحَّ قَوْلُنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَيْضًا فَإِنَّنَا إذَا حَقَّقْنَا مُقْتَضَى أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى قَوْلِنَا

مسألة غسل كل ميت من المسلمين فرض

لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهَا «إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» «أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» . «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْهَا إلَّا أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَمِمَّنْ يَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ لِلْإِتْيَانِ إلَى الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَلَا مَزِيدَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَقْتُ الْغُسْلِ، فَصَارَتْ أَلْفَاظُ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَعَهْدُنَا بِخُصُومِنَا يَقُولُونَ: إنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ، وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُجْزِئُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ، إلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَنَهَضَ إلَى الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ بَالَ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَيَتَوَضَّأُ فَقَطْ، فَإِنْ أَكَلَ أَوْ نَامَ انْتَقَضَ غُسْلُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ وَسُفْيَانُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد كَقَوْلِنَا، وَقَالَ طَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ، وَلَا لَهُ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَكَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا بِتَشْنِيعٍ خِلَافَ قَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهَذَا مَكَانٌ خَالَفُوا فِيهِ ابْنُ عُمَرَ، وَمَا يُعْلَمُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ. فَإِنْ قَالُوا: مَنْ قَالَ قَبْلَكُمْ إنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ؟ قُلْنَا: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ نَصًّا وَغَيْرِهِ، وَأَعْجَبُ شَيْءٍ أَنْ يَكُونُوا مُبِيحِينَ لِلْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَمُبِيحِينَ لِتَرْكِهِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْغُسْلِ فِي وَقْتٍ هُمْ يُبِيحُونَهُ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة غَسَلَ كُلّ مَيِّت مِنْ الْمُسْلِمِينَ فرض] . 180 - مَسْأَلَةٌ: وَغُسْلُ كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أُخْرِجَ وَلَا بُدَّ، مَا دَامَ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُغَسَّلُ إلَّا الشَّهِيدَ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَمَاتَ فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ غُسْلُهُ.

مسألة غسل ميتا متوليا ذلك بنفسه بصب أو عرك

بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ - حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهِنَّ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْغُسْلِ ثَلَاثًا، وَأَمْرُهُ فَرْضٌ وَخَيْرٌ فِي أَكْثَرَ عَلَى الْوِتْرِ، وَأَمَّا الشَّهِيدُ فَمَذْكُورٌ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. [مَسْأَلَة غَسَلَ ميتا متوليا ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بصب أَوْ عرك] 181 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا مُتَوَلِّيًا ذَلِكَ بِنَفْسِهِ - بِصَبٍّ أَوْ عَرْكٍ - فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ فَرْضًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ

سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَاهُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَسَدِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهَا فَلْيَتَوَضَّأْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَعْنِي مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ، رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ سَأَلَهُ رَجُلٌ مَاتَ أَبُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: اغْسِلْهُ فَإِذَا فَرَغْت فَاغْتَسِلْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يَغْتَسِلُونَ مِنْهُ. يَعْنِي مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِالْأَثَرِ الَّذِي فِيهِ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَمِنْ الْإِيلَاجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ - هُمَا شَرْعَانِ زَائِدَانِ عَلَى خَبَرِ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَالزِّيَادَةُ وَارِدَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ الْأَخْذُ بِهَا. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَتَنَجَّسُوا مِنْ مَوْتَاكُمْ» وَكَرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ. وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا غُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ لِمَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبُرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ قَالُوا: لَا، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ لَا يَغْتَسِلُونَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ: سُئِلَتْ

مسألة أصب على مغتسل ونوى ذلك المغتسل الغسل

عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَيُغْتَسَلُ مِنْ غُسْلِ الْمُتَوَفَّيْنَ؟ قَالَتْ لَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، أَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِأَنَّ ابْنَ وَهْبٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ، وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ ابْنِ وَهْبٍ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيدَةٌ جِدًّا، ثُمَّ لَوْ صَحَّ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنْ لَا نَتَنَجَّسَ مِنْ مَوْتَانَا فَقَطْ، وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَكُونَ نَتَنَجَّسُ مِنْ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ نَجِسًا، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَلَيْسَ الْغُسْلُ الْوَاجِبُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ لِنَجَاسَتِهِ أَصْلًا، لَكِنْ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، كَمَا غُسِّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَطْهَرُ وَلَدِ آدَمَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَغُسِّلَ أَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذْ مَاتُوا، وَهُمْ الطَّاهِرُونَ الطَّيِّبُونَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَكَغُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَلَا نَجَاسَةَ هُنَالِكَ، فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ نَعَمْ وَلَا أَبُوهُ أَيْضًا، ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ لَكَانَ قَدْ عَارَضَهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ، مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالسُّنَّةُ قَدْ ذَكَرْنَاهَا بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا الْجُمْهُورَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِذَلِكَ كِتَابًا ضَخْمًا، وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَخَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ فِي إيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ، وَعَائِشَةَ فِي قَوْلِهَا: تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَا مُخَالِفَ يُعْرَفُ لِهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا [مَسْأَلَة أصب عَلَى مغتسل وَنَوَى ذَلِكَ المغتسل الْغُسْل] . 182 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَبَّ عَلَى مُغْتَسِلٍ وَنَوَى ذَلِكَ الْمُغْتَسِلُ الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْغُسْلَ هُوَ إمْسَاسُ الْمَاءِ الْبَشَرَةَ بِالْقَصْدِ إلَى تَأْدِيَةِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ لِمَرْءٍ فَقَدْ فَعَلَ الْغُسْلَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنْ يَتَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ بِيَدِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة انْقِطَاع دَم الْحَيْض فِي مُدَّة الْحَيْض] 183 - مَسْأَلَةٌ: وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ - وَمِنْ جُمْلَتِهِ دَمُ النِّفَاسِ - يُوجِبُ الْغُسْلَ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ

مسألة النفساء والحائض شيء واحد إذا أرادتا الحج أو العمرة

وَهَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، مَنْ خَالَفَهُ كَفَرَ عَنْ نُصُوصٍ ثَابِتَةٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَدَمُ النِّفَاسِ هُوَ الْخَارِجُ إثْرَ وَضْعِ الْمَرْأَةِ آخِرَ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ نُفَسَاءَ، وَلَيْسَ دَمَ نِفَاسٍ، وَلَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَسَنَذْكُرُ فِي الْكَلَامِ فِي الْحَيْضِ مُدَّةَ الْحَيْضِ وَمُدَّةَ النِّفَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ النُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ شَيْءٌ وَاحِدٌ إذَا أَرَادَتَا الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ] 184 - مَسْأَلَةٌ: وَالنُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَأَيَّتُهُمَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» . وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ الصَّرِيحِ: «نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِالشَّجَرَةِ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» «وَحَاضَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمَّا الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: أَنُفِسْتِ؟ قَالَتْ نَعَمْ» . فَصَحَّ أَنَّ الْحَيْضَ يُسَمَّى نِفَاسًا، فَصَحَّ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّتِي تَرَى الدَّمَ الْأَسْوَدَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَحَكَمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَأَنَّهَا حَائِضٌ، وَأَنَّ الدَّمَ الْآخَرَ لَيْسَ حَيْضًا وَلَا هِيَ بِهِ حَائِضٌ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَيْضَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَكُلُّ دَمٍ أَسْوَدَ ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَكَانِ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَهُوَ حَيْضٌ، إلَّا مَا وَرَدَ النَّصُّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الْحَامِلُ وَاَلَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ دَمُهَا وَلَا يَنْقَطِعُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة المرأة تهل بعمرة ثم تحيض

[مَسْأَلَة الْمَرْأَة تهل بِعَمْرَةَ ثُمَّ تَحِيض] مَسْأَلَةٌ: وَالْمَرْأَةُ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ تَحِيضُ فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تَعْمَلَ فِي حَجِّهَا، مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهَلِّينَ بِحَجٍّ مُفْرَدًا وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ» ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ وَحَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ هَذَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ» . [مَسْأَلَةٌ الْمُتَّصِلَةُ الدَّمُ الْأَسْوَدُ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا] 186 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُتَّصِلَةُ الدَّمُ الْأَسْوَدُ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا فَإِنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ عَلَيْهَا إنْ شَاءَتْ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، وَإِنْ شَاءَتْ إذَا كَانَ قُرْبَ آخَرِ وَقْتَ الظُّهْرِ اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ الظُّهْرَ بِقَدْرِ مَا تَسْلَمُ مِنْهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ إذَا كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ الْمَغْرِبَ بِقَدْرِ مَا تَفْرُغُ مِنْهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَتَمَةَ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَإِنْ شَاءَتْ حِينَئِذٍ أَنْ تَتَنَفَّلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَتَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَلَهَا ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِنَا فِي الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ الْغُسْلِ مِنْ مُوَارَةِ الْكَافِرِ] 187 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا أَصْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَثَرٌ يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ فِي الْغُسْلِ مِنْ مُوَارَةِ الْكَافِرِ، فِيهِ نَاجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالشَّرَائِعُ لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ مِنْ كَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِمَّنْ لَا يَرَى الْغُسْلَ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي حَيَاءِ الْبَهِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ: لَا غُسْلَ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ، فَمَنْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ قِيلَ لَهُ: بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ، فَقِيَاسُهَا عَلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي مِنْ الْقَتْلِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْلَى، وَلَا غُسْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.

صفة الغسل الواجب

[صِفَةُ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ] [مَسْأَلَةٌ غُسْلُ الْجَنَابَةِ] ِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا 188 - مَسْأَلَةٌ: أَمَّا غُسْلُ الْجَنَابَةِ فَيَخْتَارُ - دُونَ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فَرْضًا - أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ فَرْجِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ، وَأَنْ يَمْسَحَ بِيَدِهِ الْجِدَارَ أَوْ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ غَسْلِهِ ثُمَّ يُمَضْمِضَ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَسْتَنْثِرَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَرْضًا وَلَا بُدَّ، إنْ قَامَ مِنْ نَوْمٍ وَإِلَّا فَلَا، فَيُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِهِ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّ الْجِلْدَ، ثُمَّ يُفِيضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا بِيَدِهِ وَأَنْ يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ، وَأَمَّا الْفَرْضُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فَأَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ قَامَ مِنْ نَوْمٍ وَإِلَّا فَلَا، وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ جَسَدِهِ بَعْدَ رَأْسِهِ وَلَا بُدَّ إفَاضَةً يُوقِنُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى بَشَرَةِ رَأْسِهِ وَجَمِيعِ شَعْرِهِ وَجَمِيعَ جَسَدِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَكَيْفَمَا أَتَى بِالطُّهُورِ فَقَدْ أَدَّى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ، ثنا عَوْفٌ هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ هُوَ ابْنُ حُصَيْنٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ وَقَالَ: اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ» . وَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ لِمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الْحَائِطَ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» .

مسألة ليس على المغتسل أن يتدلك

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ قَالَتْ: «أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ» وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ: «إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثُمَّ تُفِيضِي الْمَاءَ عَلَيْكِ فَإِذَا بِكِ قَدْ طَهُرْتِ» . فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ غَسْلَ فَرْجِهِ وَأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ قَبْلَ رَأْسِهِ فَقَطْ إنْ شَاءَ، فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ تَقْدِيمَ رَأْسِهِ عَلَى جَسَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ، إلَّا أَنْ يَصِحَّ أَنَّ هَكَذَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَيْضِ فَنَقِفُ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمُهَاجِرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلَيْسَ ذِكْرُ الْحَيْضِ مَحْفُوظًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَصْلًا فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ قُلْنَا بِهِ، وَلَمْ نَسْتَجِزْ مُخَالَفَتَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى المغتسل أَنْ يَتَدَلَّكَ] 189 - مَسْأَلَةٌ: - وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَلَّكَ: وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ بِوُجُوبِ التَّدَلُّكِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا

عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: لَا إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ فَتَطْهُرِينَ» . وَبِهَذَا جَاءَتْ الْآثَارُ كُلُّهَا فِي صِفَةِ غُسْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لَا ذِكْرَ لِلتَّدَلُّكِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ: فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اغْسِلْ رَأْسَكَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْضِ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِكَ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ فِي الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ إنَّهُ يَجْزِيهِ مِنْ الْغُسْلِ. وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى التَّدَلُّكَ فَرْضًا بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ إذَا تَدَلَّكَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَدْ تَمَّ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَدَلَّكْ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُجْزِئَ زَوَالُ الْجَنَابَةِ إلَّا بِالْإِجْمَاعِ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ عَائِشَةَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَا عَائِشَةُ اغْسِلِي يَدَيْكِ ثُمَّ قَالَ لَهَا تَمَضْمَضِي ثُمَّ اسْتَنْشِقِي وَانْتَثِرِي ثُمَّ اغْسِلِي وَجْهَكِ ثُمَّ قَالَ: اغْسِلِي يَدَيْكِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ قَالَ: أَفْرِغِي عَلَى رَأْسَكِ ثُمَّ قَالَ: أَفْرِغِي عَلَى جِلْدِكِ ثُمَّ أَمَرَهَا تَدْلُكُ وَتَتَّبِعُ بِيَدِهَا كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ مِنْ جَسَدِهَا ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ أَفْرِغِي عَلَى رَأْسِكِ الَّذِي بَقِيَ ثُمَّ اُدْلُكِي جِلْدَكِ وَتَتَّبِعِي» . وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «إنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» . وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ: «خَلِّلْ أُصُولَ الشَّعْرِ وَأَنْقِ الْبَشَرَ» وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ: «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ أَوْ تَبْلُغُ فِي الطَّهُورِ ثُمَّ تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُ حَتَّى يَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِعَرْكٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْله تَعَالَى: {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَكُلُّهُ إيهَامٌ وَبَاطِلٌ.

أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْغُسْلَ إذَا كَانَ بِتَدَلُّكٍ فَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَمَامِهِ وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَمَامِهِ دُونَ تَدَلُّكٍ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي الدِّينِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ فِيمَا صَحَّ وُجُوبُهُ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ: وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي ذَكَرُوا فَإِنَّمَا هُوَ إيجَابُ اتِّبَاعِ الِاخْتِلَافِ لَا وُجُوبُ اتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ. وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّدَلُّكَ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَا جَاءَ بِهِ نَصٌّ. وَفِي الْعَمَلِ الَّذِي ذَكَرُوا إيجَابُ الْقَوْلِ بِمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَهَذَا بَاطِلٌ، ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْأَصْلَ، وَإِنْ اتَّبَعُوهُ بَطَلَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةِ أَعْشَارِ مَذَاهِبِهِمْ، أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ إنْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَا اسْتَنْشَقَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا غُسْلَ لَهُ وَلَا تَحِلُّ لَهُ الصَّلَاةُ بِهَذَا الِاغْتِسَالِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَيَلْزَمُكُمْ إيجَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ فَرْضًا لِأَنَّهُمَا إنْ أَتَى بِهِمَا الْمُغْتَسِلُ فَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَزُولَ حُكْمُ الْجَنَابَةِ إلَّا بِالْإِجْمَاعِ. وَهَكَذَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ مِنْ بِئْرٍ قَدْ بَالَتْ فِيهِ شَاةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيهَا لِلْبَوْلِ أَثَرٌ، وَهَكَذَا فِيمَنْ نَكَسَ وُضُوءَهُ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ، بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِهِمْ، وَمَا يَكَادُ يَخْلُصُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الْإِلْزَامِ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ حُكْمٌ فَاسِدٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَّا إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ، وَحُكْمُ التَّدَلُّكِ مَكَانُ تَنَازُعٍ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْإِجْمَاعُ أَصْلًا. وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَسَاقِطٌ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، وَعِكْرِمَةُ سَاقِطٌ، وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ حَدِيثًا مَوْضُوعًا فِي نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَأَبْعَدَ ذِكْرَهُ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّدَلُّكِ، كَمَا جَاءَ فِيهِ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا فَرْقَ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَرْضًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى كُلَّ ذَلِكَ فَرْضًا، وَلَا يَرَى التَّدَلُّكَ فَرْضًا، فَكُلُّهُمْ إنْ احْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّتَهُمْ وَأَسْقَطُوهَا، وَعَصَوْا مَا أَقَرُّوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِصْيَانُهُ، وَلَيْسَ لِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ مَا وَافَقَهَا عَلَى الْفَرْضِ وَمَا خَالَفَهَا عَلَى النَّدْبِ، إلَّا مِثْلَ مَا لِلْأُخْرَى مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِكُلِّ مَا فِيهِ، فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فَكُلُّهُ مَتْرُوكٌ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ «إنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِسِ بْنِ وَجِيهٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا غَسْلُ الشَّعْرِ وَإِنْقَاءُ الْبَشَرِ، وَهَذَا صَحِيحٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّدَلُّكِ، بَلْ هُوَ تَامٌّ دُونَ تَدَلُّكٍ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ «خَلِّلْ أُصُولَ الشَّعْرِ وَأَنْقِ الْبَشَرَ» فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، وَيَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ مَشْهُورٌ بِرِوَايَةِ الْكَذِبِ، فَسَقَطَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا إيجَابُ التَّخْلِيلِ فَقَطْ لَا التَّدَلُّكِ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَمَعَكَ بِيَدَيْهِ دُونَ أَنْ يُخَلِّلَهُ أَنْ يُجْزِيَهُ، فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

مسألة لا معنى لتخليل اللحية في الغسل ولا في الوضوء

وَأَمَّا حَدِيثُ «تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا» فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا ضَعِيفٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إلَّا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَلْكُ شُئُونِ رَأْسِهَا فَقَطْ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ، فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ يَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ دُونَ مَاءٍ. وَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَقَطْ دُونَ عَرْكٍ. وَمِنْهَا مَا لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِزَالَةِ عَيْنِهِ فَمَا الَّذِي جَعَلَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَنْ يُقَاسَ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ؟ فَكَيْفَ وَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا، وَلَيْسَ فِي جِلْدِ الْجُنُبِ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ إذَا زَالَ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى عَرْكٍ وَلَا دَلْكٍ، بَلْ يُجْزِئُ الصَّبُّ، فَهَلَّا قَاسُوا غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ؟ إذْ كِلَاهُمَا لَا عَيْنَ هُنَاكَ تُزَالُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: (فَاطَّهَّرُوا) دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَتَخْلِيطٌ لَا يُعْقَلُ، وَلَا نَدْرِي فِي أَيِّ شَرِيعَةٍ وَجَدُوا هَذَا، أَوْ فِي أَيِّ لُغَةٍ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] وَهُوَ مَسْحٌ خَفِيفٌ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَوَضَحَ أَنَّ التَّدَلُّكَ لَا مَعْنَى لَهُ فِي الْغُسْلِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ لَا مَعْنًى لِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ] 190 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا مَعْنًى لِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً» . قَالَ عَلِيٌّ: وَغَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً لَا يُمْكِنُ مَعَهُ بُلُوغُ الْمَاءِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ، وَلَا يَتِمُّ

ذَلِكَ إلَّا بِتَرْدَادِ الْغُسْلِ وَالْعَرْكِ، وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وَالْوَجْهُ هُوَ مَا وَاجَهَ مَا قَابَلَهُ بِظَاهِرِهِ، وَلَيْسَ الْبَاطِنُ وَجْهًا وَذَهَبَ إلَى إيجَابِ التَّخْلِيلِ قَوْمٌ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ، فَقَالَ خَلِّلُوا وَعَنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: اغْسِلْ أُصُولَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيَحِقُّ عَلَيَّ أَنْ أَبُلَّ أَصْلَ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي الْوَجْهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَنْ أَزِيدَ مَعَ اللِّحْيَةِ الشَّارِبَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَعَنْ ابْنِ سَابِطٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إيجَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَرُوِّينَا عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ فِعْلَ التَّخْلِيلِ دُونَ أَنْ يَأْمُرُوا بِذَلِكَ، فَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَأَبِي مَيْسَرَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى إيجَابَ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» . وَبِحَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرَكَ بِغَسْلِ الْفَنِيكِ وَالْفَنِيكُ الذَّقَنُ خَلِّلْ لِحْيَتَكَ عِنْدَ الطُّهُورِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَطَهَّرُ وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ، وَيَقُولُ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي وَمِنْ طَرِيقِ وَهْبٍ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ: أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ زَوَرَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ فِيهَا عُمَرُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثَةُ مِنْ طَرِيقِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ مَغْمُوزٌ بِالْكَذِبِ، وَالطَّرِيقُ الرَّابِعَةُ فِيهَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّازٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَهُوَ لَا شَيْءَ، فَسَقَطَتْ كُلُّهَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ مَوْلَى يُوسُفَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَالْأُخْرَى فِيهَا مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُونَ، وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يُسَمَّ فِيهِ مِمَّنْ بَيْنَ ابْنِ وَهْبٍ وَرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ، فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ اسْتَحَبَّ التَّخْلِيلَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ» وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ ذَلِكَ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ مِثْلُ ذَلِكَ.

وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ: أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ، وَلَيْسَ مَشْهُورًا بِقُوَّةِ النَّقْلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَمِنْ طَرِيقِ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَأَيْضًا فَلَا يُعْرَفُ لَهُ لِقَاءٌ لِعَمَّارٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ؟ شُعْبَةُ يُسَمِّيهِ عَمْرَو بْنَ أَبِي وَهْبٍ. وَأُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ يُسَمِّيهِ عِمْرَانَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْوَرْقَاءِ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَسْقَطَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَمِنْ طَرِيقِ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَبُو أَيُّوبَ الْمَذْكُورُ فِيهِ لَيْسَ هُوَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ صَاحِبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسِ الْمَدِينِيِّ، مِنْ وَلَدِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هُوَ خَالِدُ بْنُ إلْيَاسِ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ شُعْبَةُ، ذَا بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَصْرَمَ بْنِ غِيَاثٍ، وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَمُرْسَلَانِ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ " أَجْتَهِدُ رَأْيِي " وَيَجْعَلُهُ أَصْلًا فِي الدِّينِ

مسألة تخليل المرأة شعر ناصيتها أو ضفائرها في غسل الجنابة

وَبِأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَبِالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبِحَدِيثِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَيَدَّعِي فِيهَا الظُّهُورَ وَالتَّوَاتُرَ - أَنْ يُحْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ فَهِيَ أَشَدُّ ظُهُورًا وَأَكْثَرُ تَوَاتُرًا - مِنْ تِلْكَ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا هَمَّهُمْ نَصْرُ مَا هُمْ فِيهِ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا مِنْ رَأَى التَّخْلِيلَ بِأَنْ قَالُوا: وَجَدْنَا الْوَجْهَ يَلْزَمُ غَسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ قَبْلَ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ، فَلِمَا نَبَتَتْ ادَّعَى قَوْمٌ سُقُوطَ ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ آخَرُونَ، فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَسْقُطَ مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ أَوْ إجْمَاعٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حَقٌّ، وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ غَسْلَهُ مَا دَامَ يُسَمَّى وَجْهًا، فَلَمَّا خَفِيَ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْوَجْهِ، وَانْتَقَلَ هَذَا الِاسْمُ إلَى مَا ظَهَرَ عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الشَّعْرِ، وَإِذْ سَقَطَ اسْمُهُ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَخْلِيل الْمَرْأَة شَعْر نَاصِيَتِهَا أَوْ ضَفَائِرِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ] 191 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُخَلِّلَ شَعْرَ نَاصِيَتِهَا أَوْ ضَفَائِرِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَطْ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِبَابَيْنِ فِي بَابِ التَّدَلُّكِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَنَا. [مَسْأَلَةٌ حَلُّ ضَفَائِر الْمَرْأَةَ وَنَاصِيَتِهَا فِي الْغُسْلِ] 192 - مَسْأَلَةٌ: وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ حَلُّ ضَفَائِرِهَا وَنَاصِيَتِهَا فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَمِنْ النِّفَاسِ. لِمَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَغِيثٍ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا فِي الْحَيْضِ «اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَاغْتَسِلِي» . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْأَصْلُ فِي الْغُسْلِ الِاسْتِيعَابُ لِجَمِيعِ الشَّعْرِ، وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الْمَسْحِ، فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهُ النَّصُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْجَنَابَةِ فَقَطْ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ غُسْلَ النِّفَاسِ كَغُسْلِ الْحَيْضِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَكُمْ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ؟ قَالَ: لَا» . قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُهُ هَهُنَا رَاجِعٌ إلَى الْجَنَابَةِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا النَّقْضُ فِي الْحَيْضِ فَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا فِي غُسْلِ الْحَيْضِ «اُنْقُضِي رَأْسَكِ وَاغْتَسِلِي» فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ: قُلْنَا نَعَمْ، إلَّا أَنَّ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ الْوَارِدَ بِنَقْضِ ضَفْرِهَا فِي غُسْلِ الْحَيْضَةِ - هُوَ زَائِدٌ حُكْمًا وَمُثْبَتٌ شَرْعًا عَلَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثًا سَاقِطًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَرْأَةِ تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضَةٍ أَوْ جَنَابَةٍ «لَا تَنْقُضُ شَعْرَهَا» وَهَذَا حَدِيثٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا ابْنُ لَهِيعَةَ لَكَفَى سُقُوطًا، فَكَيْفَ وَفِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَحَسْبُكَ بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ " حَدَّثَنَا " وَهُوَ مُدَلِّسٌ فِي جَابِرٍ مَا لَمْ يَقُلْهُ. فَإِنْ قِيلَ: قِسْنَا غُسْلَ الْحَيْضِ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ، قُلْنَا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يَقِينُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الشَّعْرِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ مَا خَرَجَ عَنْ أَصْلِهِ لَمْ يُقَسْ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: لَا يُؤْخَذُ بِهِ كَمَا فَعَلُوا فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، وَخَبَرِ جُعْلِ الْآبِقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ عَائِشَةَ قَدْ أَنْكَرَتْ نَقْضَ الضَّفَائِرِ، كَمَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ «بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَأْمُرُ

مسألة انغمس من عليه غسل واجب في ماء جار

النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ. أَوَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ؟ لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ إفْرَاغَاتٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ عَلَيْنَا فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَعْنِ بِهَذَا إلَّا غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَقَطْ وَهَكَذَا نَقُولُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إحَالَتُهَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عَلَى غُسْلِهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِلَا شَكٍّ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْحَيْضِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِيهِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الْحَيْضَ لَمَا كَانَ عَلَيْنَا فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّنَا لَمْ نُؤْمَرْ بِقَبُولِ رَأْيِهَا، إنَّمَا أُمِرْنَا بِقَبُولِ رِوَايَتِهَا، فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ اللَّازِمُ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ صَاحِبٌ، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ، وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، لَا إلَى قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَفِي السُّنَّةِ مَا ذَكَرْنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ فِي مَاءٍ جَارٍ] 193 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ - أَيُّ غُسْلٍ كَانَ - فِي مَاءٍ جَارٍ أَجْزَأَهُ إذَا نَوَى بِهِ ذَلِكَ الْغُسْلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَوَى بِهِ ذَلِكَ الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ، إذَا عَمَّ جَمِيعَ جَسَدِهِ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّدَلُّكَ لَا مَعْنًى لَهُ، وَهُوَ قَدْ تَطَهَّرَ وَاغْتَسَلَ كَمَا أُمِرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ. [مَسْأَلَةٌ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ وَنَوَى الْغُسْلَ] 194 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ انْغَمَسَ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، وَنَوَى الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْحَيْضِ وَمِنْ النِّفَاسِ وَمِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَمِنْ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يُجْزِهِ لِلْجَنَابَةِ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَنَوَى بِانْغِمَاسِهِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ غُسْلًا مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ وَلَمْ يَنْوِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَوْ نَوَاهُ، لَمْ يُجْزِهِ أَصْلًا لَا لِلْجَنَابَةِ وَلَا لِسَائِرِ الْأَغْسَالِ، وَالْمَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، مُطَهِّرٌ لَهُ إذَا تَنَاوَلَهُ، وَلِغَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا كَانَ مَاءً قَلِيلًا فِي مَطْهَرَةٍ أَوْ جُبٍّ أَوْ بِئْرٍ، أَوْ كَانَ غَدِيرًا رَاكِدًا فَرَاسِخُ فِي فَرَاسِخَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى

ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الْأَيْلِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ثنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» فَقِيلَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيُّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ " كُنَّا نَسْتَحِبُّ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ مَاءِ الْغَدِيرِ وَنَغْتَسِلَ بِهِ فِي نَاحِيَةٍ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُنُبَ عَنْ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ - فِي رِوَايَةِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - جُمْلَةُ فَوَجَبَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ دَائِمٍ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى إنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ، وَلَا يُجْزِيهِ لِأَيِّ غُسْلٍ نَوَاهُ، لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُمْلَةً. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَدِيثُ ابْنِ عَجْلَانَ لَأَجْزَأَ الْجُنُبَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لِغَيْرِ الْجَنَابَةِ، لَكِنَّ الْعُمُومَ وَزِيَادَةَ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ خِلَافَهَا. وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ اغْتِسَالَ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَا يُجْزِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ عَمَّ بِذَلِكَ كُلَّ غُسْلٍ وَكُلَّ وُضُوءٍ، وَخَصَّ بِذَلِكَ مَا كَانَ دُونَ الْغَدِيرِ الَّذِي إذَا حُرِّكَ طَرْفُهُ لَمْ يَتَحَرَّكْ الْآخَرُ، وَرَأَى الْمَاءَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ، فَكَانَ مَا زَادَ بِذَلِكَ عَلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُمُومِ كُلِّ غُسْلٍ - خَطَأً، وَمِنْ تَنْجِيسِ الْمَاءِ وَكَانَ مَا نَقَصَ بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

مسألة أجنب يوم الجمعة

مِنْ تَخْصِيصِهِ بَعْضَ الْمِيَاهِ الرَّوَاكِدِ دُونَ بَعْضٍ - خَطَأٌ وَكَانَ مَا وَافَقَ فِيهِ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَوَابًا، وَقَالَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، إلَّا أَنَّهُ خَصَّ بِهِ مَا دُونَ الْكُرِّ مِنْ الْمَاءِ، فَكَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ خَطَأً. وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ خَصَّ بِهِ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ، فَكَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ خَطَأً، وَعَمَّ بِهِ كُلَّ غُسْلٍ، فَكَانَ هَذَا الَّذِي زَادَهُ خَطَأٌ، وَرَأَى الْمَاءَ لَا يَفْسُدُ، فَأَصَابَ، وَكَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ. وَأَجَازَهُ إذَا وَقَعَ، فَكَانَ هَذَا مِنْهُ خَطَأٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْزِئَ غُسْلٌ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ غُسْلٍ أَمَرَ بِهِ، أَبَى اللَّهُ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ وَأَنْ يُجْزِئَ الْحَرَامُ مَكَانَ الْفَرْضِ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَمْ يَجْزِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ شَعْرَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ بَعْضَ الْغُسْلِ غُسْلٌ، وَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يَغْتَسِلَ غَيْرُ الْجُنُبِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَصَحَّ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ يُجْزِيهِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَجْنَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] 195 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَجْنَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ - فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا غُسْلَانِ غُسْلٌ يَنْوِي بِهِ الْجَنَابَةَ وَلَا بُدَّ، وَغُسْلٌ آخَرُ يَنْوِي بِهِ الْجُمُعَةَ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَيْضًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا غُسْلٌ ثَالِثٌ يَنْوِي بِهِ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ أَنْ وُطِئَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ عَجَّلَتْ الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَخَّرَتْهُ حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ لَمْ يُجْزِهَا إلَّا غُسْلَانِ، غُسْلٌ تَنْوِي بِهِ الْجَنَابَةَ وَغُسْلٌ آخَرُ تَنْوِي بِهِ الْحَيْضَ، فَلَوْ صَادَفَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَغَسَّلَتْ مَيِّتًا لَمْ يُجْزِهَا إلَّا أَرْبَعَةُ أَغْسَالٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَوْ نَوَى بِغُسْلٍ وَاحِدٍ غُسْلَيْنِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَأَكْثَرَ، لَمْ يُجْزِهِ وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُمَا، وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ غُسْلَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَغْسِلُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مَرَّتَيْنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلَانِ - أَوْ ثَلَاثًا - إنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَغْسَالٍ - أَوْ أَرْبَعًا - إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَغْسَالٍ - وَنَوَى فِي كُلِّ غَسْلَةٍ الْوَجْهَ الَّذِي غَسَلَهُ لَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ أَرَادَ مَنْ ذَكَرْنَا: الْوُضُوءَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْمَجِيءُ بِالْوُضُوءِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ مُفْرَدًا عَنْ كُلِّ غُسْلٍ ذَكَرْنَا، حَاشَا

غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَحْدَهُ فَقَطْ فَإِنَّهُ إنْ نَوَى بِغَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ مَعًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَّا الْغُسْلَ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِلْوُضُوءِ وَلَوْ نَوَاهُ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِلْغُسْلِ، وَلَا يُجْزِئُ لِلْوُضُوءِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا مُرَتَّبًا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِكُلٍّ غُسْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ، فَإِذْ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُجْزِئَ عَمَلُ وَاحِدٍ عَنْ عَمَلَيْنِ أَوْ عَنْ أَكْثَرَ، وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إنْ نَوَى أَحَدَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ - بِشَهَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّادِقَةِ - الَّذِي نَوَاهُ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ، فَإِنْ نَوَى بِعَمَلِهِ ذَلِكَ غُسْلَيْنِ فَصَاعِدًا فَقَدْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغُسْلٍ تَامٍّ لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَالْغُسْلُ لَا يَنْقَسِمُ، فَبَطَلَ عَمَلُهُ كُلُّهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَأَمَّا غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ أَجْزَأَ فِيهِمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَهُمَا جَمِيعًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ قَالَتْ «أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ» فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعُدَّ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي غُسْلِهِ لِلْجَنَابَةِ، وَنَحْنُ نُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ضَيَّعَ نِيَّةَ كُلِّ عَمَلٍ افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ خَاصَّةً وَبَقِيَتْ سَائِرُ الْأَغْسَالِ عَلَى حُكْمِهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُ غُسْلٌ وَاحِدٌ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: يُجْزِئُ غُسْلٌ وَاحِدٌ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ نَوَى الْجَنَابَةَ يُجْزِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ نَوَى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُ، مِنْ الْجَنَابَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ عِنْدَهُمْ تَطَوُّعٌ، فَكَيْفَ يُجْزِئُ تَطَوُّعٌ عَنْ فَرْضٍ؟ أَمْ كَيْفَ تُجْزِئُ نِيَّةٌ فِي فَرْضٍ لَمْ تَخْلُصْ وَأُضِيفَ إلَيْهَا نِيَّةُ تَطَوُّعٍ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: وَجَدْنَا وُضُوءًا وَاحِدًا وَتَيَمُّمًا وَاحِدًا يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِ الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ لِلْوُضُوءِ، وَغُسْلًا وَاحِدًا يُجْزِئُ عَنْ جَنَابَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَغُسْلًا وَاحِدًا يُجْزِئُ عَنْ حَيْضِ أَيَّامٍ، وَطَوَافًا وَاحِدًا يُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةٍ وَحَجٍّ فِي الْقُرْآنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كُلُّ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ لَأَنْ يُجْزِئَ غُسْلٌ وَاحِدٌ عَنْ غُسْلَيْنِ

مَأْمُورٍ بِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي الْوُضُوءِ: بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلَانِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ - شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ رَقَبَتَانِ عَنْ ظِهَارَيْنِ، أَوْ كَفَّارَتَانِ عَنْ يَمِينَيْنِ، أَوْ هَدْيَانِ عَنْ مُتْعَتَيْنِ، أَوْ صَلَاتَا ظُهْرٍ مِنْ يَوْمَيْنِ، أَوْ دِرْهَمَانِ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجْزِئَ فِي كُلِّ ذَلِكَ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَرَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَدْيٌ وَاحِدٌ، وَصَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَدِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ الْفَاسِدُ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا الْوُضُوءُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ، فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ جُمْلَةً، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ حَدَثٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ جَنَابَةٍ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُضُوءٌ وَاحِدٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ سَلَفَ، مِنْ نَوْمٍ وَبَوْلٍ وَحَاجَةِ الْمَرْءِ وَمُلَامَسَةٍ، وَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا هُشَيْمٌ ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» . وَأَمَّا - طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ فِي الْقِرَانِ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَوَافٌ وَاحِدٌ يَكْفِيكَ لِحَجِّكَ وَعُمْرَتِكَ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يُجْزِئُ عِنْدَهُ غُسْلٌ وَاحِدٌ عَنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَالتَّبَرُّدِ، وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَهُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي الْقِرَانِ إلَّا طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ. وَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ وَإِبْطَالُ السُّنَنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ " وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ

مسألة يكره للمغتسل أن يتنشف في ثوب غير ثوبه الذي يلبس

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: ثنا حَبِيبٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الْأَعْلَى وَبِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ. قَالَ حَبِيبٌ عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ - عَنْ الْمَرْأَة تُجَامَعُ ثُمَّ تَحِيضُ؟ قَالَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ - يَعْنِي لِلْجَنَابَةِ - وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ مَقْسَمٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ. قَالَ لَيْثٌ: عَنْ طَاوُسٍ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ. قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الْمَرْأَةِ تُجْنِبُ ثُمَّ تَحِيضُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ - يَعْنُونَ لِلْجَنَابَةِ - وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكُ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ جُنُبًا ثُمَّ تَحِيضُ، قَالَا جَمِيعًا: تَغْتَسِلُ، يَعْنِيَانِ لِلْجَنَابَةِ، قَالَ وَسَأَلْتُ عَنْهَا الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ قَالَ: تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، غَسْلَةً دُونَ غَسْلَةٍ وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى ثنا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرَوَيْهِ، قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الْمَرْأَةِ تُجَامَعُ ثُمَّ تَحِيضُ، أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِجَنَابَتِهَا، وَقَالَ بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الْمَرْأَةِ تُجَامَعُ ثُمَّ تَحِيضُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ، فَإِنْ أَخَّرَتْ فَغُسْلَانِ عِنْدَ طُهْرِهَا. فَهَؤُلَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَالزُّهْرِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِنَا. [مَسْأَلَةٌ يُكْرَهُ لِلْمُغْتَسِلِ أَنْ يَتَنَشَّفَ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ ثَوْبِهِ الَّذِي يَلْبَسُ] 196 - مَسْأَلَةٌ: وَيُكْرَهُ لِلْمُغْتَسِلِ أَنَّ يَتَنَشَّفَ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ ثَوْبِهِ الَّذِي يَلْبَسُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا حَرَجَ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ السَّكَنِ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُوسَى ثنا أَبُو عَوَانَةَ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ «وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلًا وَسَتَرْتُهُ - فَذَكَرْتُ صِفَةَ غُسْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَتْ - وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَلَمْ يَرُدَّهَا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا هِشَامٌ ثنا أَبُو مَرْوَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «زَارَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْزِلِنَا - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة المغتسل إذا انغمس في ماء

أَمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغُسْلٍ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ فَاشْتَمَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا يُضَادُّ الْأَوَّلَ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتَمَلَ فِيهَا فَصَارَتْ لِبَاسُهُ حِينَئِذٍ، وَقَالَ بِهَذَا بَعْضُ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمِنْدِيلِ الْمُهَذَّبِ أَيَمْسَحُ بِهِ الرَّجُلُ الْمَاءَ؟ فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ فِيهِ، وَقَالَ هُوَ شَيْءٌ أُحْدِثَ. قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي الْمِنْدِيلُ بَرْدَ الْمَاءِ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَنْ، وَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ مُبَاحٌ فِيهِ. [مَسْأَلَةٌ المغتسل إذَا انْغَمِسْ فِي مَاءٍ] 197 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ غُسْلٍ ذَكَرْنَا فَلِلْمَرْءِ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ مِنْ رِجْلَيْهِ أَوْ مِنْ أَيِّ أَعْضَائِهِ شَاءَ، حَاشَا غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا إلَّا الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ الرَّأْسِ أَوَّلًا ثُمَّ الْجَسَدِ، فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الْبُدَاءَةَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِجَسَدِهِ وَلَا بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ «حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ» وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» وَسَنَذْكُرُهُ فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ بِإِسْنَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ بَدَأَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالرَّأْسِ قَبْلَ الْجَسَدِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] فَصَحَّ أَنَّ مَا ابْتَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نُطْقِهِ فَعَنْ وَحْيٍ أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِاَلَّذِي بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ الْوُضُوءِ] 198 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْوُضُوءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَأَنْ يَسْتَنْشِقَ وَأَنْ يَسْتَنْثِرَ ثَلَاثًا لِيَطْرُدَ الشَّيْطَانَ عَنْ خَيْشُومِهِ كَمَا قَدْ وَصَفْنَا، وَسَوَاءٌ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ نَوْمِهِ وَوُضُوئِهِ أَوْ لَمْ يَتَبَاعَدْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الْوُضُوءَ مِنْ حَدَثِ غَيْرِ النَّوْمِ، فَلَوْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إنَاءٍ دُونَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهِ لَزِمَهُ غُسْلُ يَدِهِ أَيْضًا ثَلَاثًا إنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ، ثُمَّ نَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَلَيْسَتْ الْمَضْمَضَةُ فَرْضًا، وَإِنْ تَرَكَهَا فَوُضُوءُهُ تَامٌّ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، عَمْدًا تَرَكَهَا أَوْ

نِسْيَانًا، ثُمَّ يَنْوِي وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَا، ثُمَّ يَضَعُ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ وَيَجْبِذُهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بُدَّ، ثُمَّ يَنْثُرُهُ بِأَصَابِعِهِ وَلَا بُدَّ مَرَّةً فَإِنْ فَعَلَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فَحَسَنٌ، وَهُمَا فَرْضَانِ لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَلَا الصَّلَاةُ دُونَهُمَا، لَا عَمْدًا وَلَا نِسْيَانًا، ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ مِنْ حَدِّ مَنَابِتِ الشَّعْرِ فِي أَعْلَى الْجَبْهَةِ إلَى أُصُولِ الْأُذُنَيْنِ مَعًا إلَى مُنْقَطِعِ الذَّقَنِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ وَتُجْزِئُ مَرَّةً، لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءَ مَا انْحَدَرَ مِنْ لِحْيَتِهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ، وَلَا أَنْ يُخَلِّلَ لِحْيَتَهُ، ثُمَّ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ مُنْقَطَعِ الْأَظْفَارِ إلَى أَوَّلِ الْمَرَافِقِ مِمَّا يَلِي الذِّرَاعَيْنِ، فَإِنْ غَسَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَحَسَنٌ، وَمَرَّتَيْنِ حَسَنٌ، وَتُجْزِئُ مَرَّةً، وَلَا بُدَّ ضَرُورَةٌ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ بِيَقِينٍ إلَى مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ بِتَحْرِيكِهِ عَنْ مَكَانِهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ كَيْفَمَا مَسَحَهُ أَجْزَأَهُ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَعُمَّ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ، فَكَيْفَمَا مَسَحَهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ. فَلَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَلَّ، وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ وَوَاحِدَةٌ تُجْزِئُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ مَسُّ مَا انْحَدَرَ مِنْ الشَّعْرِ عَنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ عَلَى الْقَفَا وَالْجَبْهَةِ ثُمَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ أُذُنَيْهِ، إنْ شَاءَ بِمَا مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ وَإِنْ شَاءَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَيُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْمَاءَ لِكُلِّ عُضْوٍ، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مِنْ مُبْتَدَإِ مُنْقَطَعِ الْأَظْفَارِ إلَى آخِرِ الْكَعْبَيْنِ مِمَّا يَلِي السَّاقَ، فَإِنْ غَسَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَحَسَنٌ، وَمَرَّتَيْنِ حَسَنٌ وَمَرَّةٌ تُجْزِئُ، وَتُسْتَحَبُّ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَوُضُوءُهُ تَامٌّ. أَمَّا قَوْلُنَا فِي الْمَضْمَضَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرٌ، وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَتْ فَرْضًا، وَإِنَّمَا فِيهَا الْإِيتَارُ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِطَاعَةِ أَمْرِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَنْ نَفْعَلَ أَفْعَالَهُ. قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَسْتَنْثِرْ» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا، وَمِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ فَرْضًا فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُمَا فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَيْسَا فَرْضًا فِي الْوُضُوءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد: الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ وَلَيْسَا فَرْضَيْنِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَلَيْسَتْ الْمَضْمَضَةُ فَرْضًا لَا فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إذَا تَوَضَّأْتَ فَانْثُرْ فَأَذْهِبْ مَا فِي الْمَنْخَرَيْنِ مِنْ الْخُبْثِ، وَعَنْ شُعْبَةَ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ نَسِيَ أَنْ يُمَضْمِضَ وَيَسْتَنْشِقَ قَالَ: يَسْتَقْبِلُ. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ صَلَّى وَقَدْ نَسِيَ أَنْ يُمَضْمِضَ وَيَسْتَنْشِقَ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ يَعْنِي الصَّلَاةَ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ: الِاسْتِنْشَاقُ شَطْرُ الْوُضُوءِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَا جَمِيعًا " إذَا نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي الْوُضُوءِ أَعَادَ " يَعْنُونَ الصَّلَاةَ - وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي الْوُضُوءِ أَعَادَ - يَعْنِي الصَّلَاةَ - وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ: ثِنْتَانِ تَجْزِيَانِ وَثَلَاثٌ أَفْضَلُ. قَالَ عَلِيٌّ وَشَغَبَ قَوْمٌ بِأَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَالِاسْتِنْثَارَ لَيْسَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْقُرْآنِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] فَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الَّذِي قُلْنَا فَرْضُ غَسْلِهِ قَبْلَ خُرُوجِ اللِّحْيَةِ، فَإِذَا خَرَجَتْ اللِّحْيَةُ فَهِيَ مَكَانُ مَا سَتَرَتْ، وَلَا يَسْقُطُ غَسْلُ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَيْهِ

اسْمُ الْوَجْهِ بِالدَّعْوَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالرَّأْيِ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يَغْسِلُ الْأَمْرَدُ مِنْ وَجْهِهِ وَالْكَوْسَجُ وَالْأَلْحَى. وَأَمَّا مَا انْحَدَرَ عَنْ الذَّقَنِ مِنْ اللِّحْيَةِ وَمَا انْحَدَرَ عَنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ مِنْ الْقَفَا وَالْجَبْهَةِ، فَإِنَّمَا أَمَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ رَأْسَ الْإِنْسَانِ لَيْسَ فِي قَفَاهُ، وَأَنَّ الْجَبْهَةَ مِنْ الْوَجْهِ الْمَغْسُولِ، لَا حَظَّ فِيهَا لِلرَّأْسِ الْمَمْسُوحِ، وَأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ فِي الْعُنُقِ وَلَا فِي الصَّدْرِ فَلَا يَلْزَمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ شَيْءٌ، إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ وَمَا تَحْتَ الْخَاتَمِ وَالْمِرْفَقَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا وَلَوْ قَدْرَ شَعْرَةٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِغُسْلِهِ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَصْلًا، وَلَا صَلَاةَ لَهُ فَوَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ بِيَقِينٍ إلَى مَا سَتَرَ الْخَاتَمَ مِنْ الْأُصْبُعِ، وَأَمَّا الْمَرَافِقُ فَإِنَّ " إلَى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ تَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، تَكُونُ بِمَعْنَى الْغَايَةِ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى مَعَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] بِمَعْنَى مَعَ أَمْوَالِكُمْ، فَلَمَّا كَانَتْ تَقَعُ " إلَى " عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وُقُوعًا صَحِيحًا مُسْتَوِيًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ بِهَا عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لِمَا تَقَعُ عَلَيْهِ بِلَا بُرْهَانٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ غَسْلُ الذِّرَاعَيْنِ إلَى أَوَّلِ الْمِرْفَقَيْنِ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَيُجْزِئُ، فَإِنْ غَسَلَ الْمَرَافِقَ فَلَا بَأْسَ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ مَالِكٌ بِعُمُومِ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْسَحُ مِنْ الرَّأْسِ فَرْضًا مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَذُكِرَ عَنْهُ تَحْدِيدُ الْفَرْضِ مِمَّا يُمْسَحُ مِنْ الرَّأْسِ بِأَنَّهُ رُبْعُ الرَّأْسِ، وَإِنَّهُ إنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ بِأُصْبُعٍ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُجْزِئُ مِنْ الرَّأْسِ مَسْحُ بَعْضِهِ وَلَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً، وَيُجْزِئُ مَسْحُهُ بِأُصْبُعٍ وَبِبَعْضِ أُصْبُعٍ، وَحَدَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مَا يُجْزِئُ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ بِشَعْرَتَيْنِ، وَيُجْزِئُ بِأُصْبُعٍ وَبِبَعْضِ أُصْبُعٍ، وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ الْعُمُومُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُجْزِئُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَمْسَحَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهَا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ: يُجْزِئُ مَسْحُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ فَقَطْ وَمَسْحُ بَعْضِهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ دَاوُد:

يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ. وَكَذَلِكَ بِمَا مَسَحَ مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَأَحَبُّ إلَيْهِ الْعُمُومُ ثَلَاثًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَالْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ هُوَ غَيْرُ الْغُسْلِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْغُسْلُ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَالْمَسْحُ لَا يَقْتَضِيهِ حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانُ ثنا التَّيْمِيُّ هُوَ سُلَيْمَانُ - عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ الْحَسَنِ هُوَ الْبَصْرِيُّ - عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ هُوَ حَمْزَةُ - عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَعَلَى نَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» قَالَ بَكْرٌ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْوُضُوءِ فَيَمْسَحُ بِهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً الْيَافُوخَ فَقَطْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: إنَّهَا كَانَتْ تَمْسَحُ عَارِضَهَا الْأَيْمَنَ بِيَدِهَا الْيُمْنَى، وَعَارِضَهَا الْأَيْسَرَ بِيَدِهَا الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ الْخِمَارِ وَفَاطِمَةُ هَذِهِ أَدْرَكَتْ جَدَّتَهَا أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَرَوَتْ عَنْهَا.

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنْ أَصَابَ هَذَا - يَعْنِي مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ - أَجْزَأَهُ - يَعْنِي فِي الْوُضُوءِ - وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنْ مَسَحَ جَانِبَ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ لِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَنَا فِيمَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مَسْحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نُنْكِرُ ذَلِكَ بَلْ نَسْتَحِبُّهُ، وَإِنَّمَا نُطَالِبُهُمْ بِمَنْ أَنْكَرَ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يَجِدُونَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَإِنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ، فَيَقُولُونَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: إنَّهُ خُطُوطٌ لَا يَعُمُّ الْخُفَّيْنِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ؟ وَأُخْرَى وَهِيَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إنْ كَانَ الْمَسْحُ عِنْدَكُمْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَهُوَ وَالْغُسْلُ سَوَاءٌ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ؟ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ تُنْكِرُونَ مَسْحَ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَتَأْبَوْنَ إلَّا غُسْلَهُمَا إنْ كَانَ كِلَاهُمَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّكُمْ لَا تَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ يَلْزَمُ تَقَصِّي الرَّأْسِ بِالْمَاءِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ، فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ خِلَافُ الْغُسْلِ، وَلَيْسَ هُنَا فَرْقٌ إلَّا أَنَّ الْمَسْحَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَقَطْ، وَهَذَا تَرْكٌ لِقَوْلِكُمْ. وَأَيْضًا فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ تَرَكَ بَعْضَ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْوُضُوءِ فَلَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يُجْزِيهِ، وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا نَقُولُ بِالْأَغْلَبِ، قِيلَ لَهُمْ: فَتَرْكُ شَعْرَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ وَهَكَذَا أَبَدًا، فَإِنْ حَدُّوا حَدًّا قَالُوا بِبَاطِلٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَمَادَوْا صَارُوا إلَى قَوْلِنَا، وَهُوَ الْحَقُّ. فَإِنْ قَالُوا: مَنْ عَمَّ رَأْسَهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، وَمَنْ لَمْ يَعُمَّهُ فَلَمْ يُتَّفَقْ عَلَى أَنَّهُ تَوَضَّأَ قُلْنَا لَهُمْ فَأَوْجِبُوا بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ الِاسْتِنْشَاقَ فَرْضًا وَالتَّرْتِيبَ فَرْضًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَرْكٌ لِجُمْهُورِ مَذْهَبِهِمْ. إنْ قَالُوا: مَسْحُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ نَاصِيَتِهِ عَلَى عِمَامَتِهِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، قُلْنَا: هَذَا أَعْجَبُ شَيْءٍ لِأَنَّكُمْ لَا تُجِيزُونَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ مَنْ فَعَلَهُ، فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ بِمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ وَأَيْضًا فَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ؟ بَلْ هُمَا فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ.

مسألة مسح الأذنين

وَأَمَّا تَخْصِيصُ أَبِي حَنِيفَةَ لِرُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ لِمِقْدَارِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، قُلْنَا لَهُمْ: وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ؟ وَالْأَصَابِعُ تَخْتَلِفُ، وَتَحْدِيدُ رُبْعِ الرَّأْسِ يَحْتَاجُ إلَى تَكْسِيرٍ وَمِسَاحَةٍ وَهَذَا بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ بِأُصْبُعٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أَرَدْنَا أَكْثَرَ الْيَدِ، قُلْنَا لَهُمْ: أَنْتُمْ لَا تُوجِبُونَ الْمَسْحَ بِالْيَدِ فَرْضًا، بَلْ تَقُولُونَ إنَّهُ لَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ فَمَسَّ الْمَاءُ مِنْهُ مِقْدَارَ رُبْعِ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. وَيُسْأَلُونَ أَيْضًا عَنْ قَوْلِهِمْ بِأَكْثَرِ الْيَدِ؟ فَإِنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ دَلِيلًا عَلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَذَلِكَ يُسْأَلُونَ عَنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ النَّاصِيَةِ؟ فَإِنْ قَالُوا: اتِّبَاعًا لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ: فَلِمَ تَعَدَّيْتُمْ النَّاصِيَةَ إلَى مُؤَخَّرِ الرَّأْسَ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَعَدِّيكُمْ النَّاصِيَةَ إلَى غَيْرِهَا وَبَيْنَ تَعَدِّي مِقْدَارِهَا إلَى غَيْرِ مِقْدَارِهَا؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِمَسْحِ الشَّعْرِ فَيَكُونُ مَا قَالَ مِنْ مُرَاعَاةِ عَدَدِ الشَّعْرِ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُرَاعَى إلَّا مَا يُسَمَّى مَسْحَ الرَّأْسِ فَقَطْ، وَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ هُوَ بَعْضُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فَالْآيَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْآيَةِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاصِيَةِ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ] 199 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ فَلَيْسَا فَرْضًا، وَلَا هُمَا مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا، قَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ مَنَابِتِ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ وَبَيْنَ الْأُذُنَيْنِ لَيْسَ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ فِي حُكْمِ الْوُضُوءِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ يَحُولُ بَيْنَ أَجْزَاءِ رَأْسِ الْحَيِّ عُضْوٌ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ، وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ رَأْسِ الْحَيِّ مُبَايِنًا لِسَائِرِ رَأْسِهِ، وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لَوَجَبَ حَلْقُ شَعْرِهِمَا فِي الْحَجِّ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ، فَلَوْ كَانَ الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لَأَجْزَأَ أَنْ يُمْسَحَا عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَيُقَالُ لَهُمْ: إنْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ فَمَا بَالُكُمْ تَأْخُذُونَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا وَهُمَا بَعْضُ الرَّأْسِ؟ وَأَيْنَ رَأَيْتُمْ عُضْوًا يُجَدِّدُ لِبَعْضِهِ مَاءً غَيْرَ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ سَائِرَهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْأَثَرُ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ لَمَا كَانَ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ نَقْضٌ لِشَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الرجلان في الوضوء

[مَسْأَلَةٌ الرِّجْلَانِ فِي الْوُضُوءِ] مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الرِّجْلَيْنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِالْمَسْحِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] وَسَوَاءٌ قُرِئَ بِخَفْضِ اللَّامِ أَوْ بِفَتْحِهَا هِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَطْفٌ عَلَى الرُّءُوسِ: إمَّا عَلَى اللَّفْظِ وَإِمَّا عَلَى الْمَوْضِعِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ. وَهَكَذَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْمَسْحِ - يَعْنِي فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ - وَقَدْ قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ، وَرُوِيَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ. مِنْهَا أَثَرٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ - هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّهَا «لَا تَجُوزُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ» . وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ " كُنْتُ أَرَى بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالْمَسْحِ حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا ". قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالْغُسْلِ فِيهِمَا لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «تَخَلَّفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَنَا الْعَصْرُ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» . كَتَبَ إلَيَّ سَالِمُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الشَّنْتَجَالِيُّ ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ

ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ هِلَالِ بْنِ إسَافٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى هُوَ مُصَدِّعُ الْأَعْرَجُ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَتَوَعَّدَ بِالنَّارِ عَلَى تَرْكِ الْأَعْقَابِ. فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَعَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَنَاسِخًا لِمَا فِيهَا، وَلِمَا فِي الْآيَةِ وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِتَرْكِ الْأَخْبَارِ لِلْقُرْآنِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْخَبَرَ لِلْآيَةِ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَتْرُكُ الْأَخْبَارَ الصِّحَاحَ لِلْقِيَاسِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْخَبَرَ: لِأَنَّنَا وَجَدْنَا الرِّجْلَيْنِ يَسْقُطُ حُكْمُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ، كَمَا يَسْقُطُ الرَّأْسُ فَكَانَ حَمْلُهُمَا عَلَى مَا يَسْقُطَانِ بِسُقُوطِهِ وَيُثْبَتَانِ بِثَبَاتِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَا لَا يُثْبَتَانِ بِثَبَاتِهِ. وَأَيْضًا فَالرِّجْلَانِ مَذْكُورَانِ مَعَ الرَّأْسِ، فَكَانَ حَمْلُهُمَا عَلَى مَا ذُكِرَا مَعَهُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَا لَمْ يُذْكَرَا مَعَهُ. وَأَيْضًا فَالرَّأْسُ طَرَفٌ وَالرِّجْلَانِ طَرَفٌ، فَكَانَ قِيَاسُ الطَّرَفِ عَلَى الطَّرَفِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الطَّرَفِ عَلَى الْوَسَطِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَكَانَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ الْمَسْحِ أَوْلَى مِنْ تَعْوِيضِ الْمَسْحِ مِنْ الْغُسْلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى سَاتِرٍ لِلرِّجْلَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى سَاتِرٍ دُونَ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ دَلَّ - عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ - أَنَّ أَمْرَ الرِّجْلَيْنِ أَخَفُّ مِنْ أَمْرِ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ إلَّا الْمَسْحُ وَلَا بُدَّ. فَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ فِي الْأَرْضِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا.

مسألة ما لبس على الرأس من عمامة أو خمار أجزأ المسح عليه

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ سَقَطَ حُكْمُ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ الْمَسْحُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ صَدَقْتَ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَكُمْ بِالْقِيَاسِ، وَيُرِيكُمْ تَفَاسُدَهُ كُلَّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا رُمْتُمْ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ، لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ صِفَةٍ يَفْتَرِقَانِ فِيهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرِّجْلَيْنِ {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] كَمَا قَالَ فِي الْأَيْدِي {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] دَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّجْلَيْنِ حُكْمُ الذِّرَاعَيْنِ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ ذِكْرُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ الْوَجْهَ وَلَمْ يَذْكُرَ فِي مَبْلَغِهِ حَدًّا وَكَانَ حُكْمُهُ الْغَسْلَ، لَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الذِّرَاعَيْنِ بِالْغُسْلِ كَانَ حُكْمُهُمَا الْغُسْلَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الرِّجْلَيْنِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُهُمَا مَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ نَصٌّ آخَرُ قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحُكْمُ لِلنُّصُوصِ لَا لِلدَّعَاوَى وَالظُّنُونِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا لُبِسَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ] 201 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا لُبِسَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ بَيْضَةٍ أَوْ مِغْفَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ثنا بِشْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ. وَهَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ لِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ

سَمَاعًا، وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ جَعْفَرٍ ابْنُهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ الَّذِي سَمِعَ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ مِنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ الْحَسَنِ عَنْ حَمْزَةَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ: ثنا مُعَاوِيَةُ وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَعِيسَى كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلَالٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ» وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي

إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ بِلَالٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْمُوقَيْنِ» وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ سَلْمَانَ وَمِنْ طَرِيقِ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ» . فَهَؤُلَاءِ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَبِلَالٌ وَسَلْمَانُ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ وَأَبُو ذَرٍّ، كُلُّهُمْ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسَانِيدَ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا. وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ، يَعْنِي فِي الْوُضُوءِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: سَأَلَ نُبَاتَةُ الْجُعْفِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ شِئْتَ فَامْسَحْ عَلَى الْعِمَامَةِ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ، وَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.

وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أُمِّهِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: امْسَحْ عَلَى خُفَّيْكَ وَعَلَى خِمَارِكَ، وَامْسَحْ بِنَاصِيَتِكَ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَدَثٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَقَلَنْسُوَتِهِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ نَعَمْ، وَعَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْخِمَارِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ: الْقَلَنْسُوَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعِمَامَةِ - يَعْنِي فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِهِ أَقُولُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْخَبَرُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - قَدْ صَحَّ فَهُوَ قَوْلُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لَا يُمْسَحُ عَلَى عِمَامَةٍ وَلَا خِمَارٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَصِحَّ الْخَبَرُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِلْمَانِعِينَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلًا، فَإِنْ قَالُوا جَاءَ الْقُرْآنُ بِمَسْحِ الرُّءُوسِ، قُلْنَا نَعَمْ، وَبِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، فَأَجَزْتُمْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَيْسَ بِأَثْبَتَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَالْمَانِعُونَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَكْثَرُ مِنْ الْمَانِعِينَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَمَا رُوِيَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ إلَّا عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ جَاءَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبْطَلْتُمْ مَسْحَ الرِّجْلَيْنِ - وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ - بِخَبَرٍ يَدَّعِي مُخَالِفُنَا وَمُخَالِفُكُمْ أَنَّنَا سَامَحْنَا أَنْفُسَنَا وَسَامَحْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مَسْحِهَا، وَقَدْ قَالَ بِمَسْحِهَا طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقُلْتُمْ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِيهِ «إنَّهُ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» فَأَمَّا مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ عَلَى النَّاصِيَةِ يُجْزِئُ فَقَدْ جَاهَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَالنَّاسَ فِي احْتِجَاجِهِ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَهُوَ عَاصٍ لِكُلِّ مَا فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ يُجْزِئُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الَّذِي أَجْزَأَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ مَسْحُ النَّاصِيَةِ فَقَطْ وَكَانَ مَسْحُ الْعِمَامَةِ فَضْلًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رَامَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَجْعَلُوا كُلَّ مَا فِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ حِكَايَةً عَنْ وُضُوءِ وَاحِدٍ وَهَذَا كَذِبٌ وَجَرْأَةٌ عَلَى الْبَاطِلِ، بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ، هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهُ، وَكَيْفَ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُ الْمُغِيرَةِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَخْطَأَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ شَيْبَانُ وَحَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَبَكْرُ بْنُ نَضْرٍ وَأَبَانُ الْعَطَّارُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا لَهُمْ فَكَانَ مَاذَا؟ قَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَحْفَظُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسُوا حُجَّةً عَلَيْهِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ثِقَةٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ لَا يَحِلُّ رَدُّهَا، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ فِي كُلِّ خَبَرٍ احْتَجَجْتُمْ بِهِ: إنَّ رَاوِيَهُ أَخْطَأَ فِيهِ، لِأَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ يَرْوِ هَذَا الْخَبَرَ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُمْ يُعَارَضُونَ فِيهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ إنْ كَانَ هَذَا الْقِيَاسُ عِنْدَكُمْ صَحِيحًا فَأَبْطِلُوا بِهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ بِالْيَدَيْنِ أَشْبَهُ مِنْهُمَا بِالرَّأْسِ، فَقُولُوا: كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قِيلَ لَهُمْ: وَقَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُعَارَضُونَ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ الرُّءُوسَ بِالْأَرْجُلِ فِي الْوُضُوءِ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَجِيزُوا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عُضْوَانِ يَسْقُطَانِ فِي التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عِنْدَكُمْ مِنْ غَسْلِ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَجُوزُ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ الْمَسْحِ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الرَّأْسَ طَرَفٌ، وَالرِّجْلَانِ طَرَفٌ، وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَعُوِّضَ الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ مِنْ غَسْلِ كُلِّ ذَلِكَ، وَعُوِّضَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ، لِتَتَّفِقَ أَحْكَامُ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ.

قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا إنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ مُعَارَضَةً لِقِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الْأَحْكَامِ قَالُوا فِيهِ بِالْقِيَاسِ إلَّا وَلِمَنْ خَالَفَهُمْ - مِنْ التَّعَلُّقِ بِالْقِيَاسِ - كَاَلَّذِي لَهُمْ أَوْ أَكْثَرَ فَيَظْهَرُ بِذَلِكَ بُطْلَانُ الْقِيَاسِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا مَسَحَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ لِمَرَضٍ كَانَ فِي رَأْسِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَلَامُ مَنْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْكَذِبِ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ مُكَالَمَةِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ وَالْإِفْكِ بِقَوْلٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ، وَقَدْ عَجَّلَ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، بِأَنْ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، لِكَذِبِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: قُولُوا مِثْلَ هَذَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، إنَّهُ كَانَ لِعِلَّةٍ بِقَدَمَيْهِ وَلَا فَرْقَ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ قَالَ هَذَا لَكَانَ أَعْذَرَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: لَوْ قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ أَوْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَلَمْ يُرْوَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، وَصَحَّ خِلَافُهُ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَنَسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَلِلْقِيَاسِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ لِغَيْرِ مَا صَحَّ النَّصُّ بِهِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُمُومَ لَفْظٍ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ. قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ إنَّهُ لَا يَمْسَحْ إلَّا عَلَى عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ، لَكِنْ عَلِمْنَا بِمَسْحِهِ عَلَيْهَا أَنَّ مُبَاشَرَةَ الرَّأْسِ بِالْمَاءِ لَيْسَ فَرْضًا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَيُّ شَيْءٍ لُبِسَ عَلَى الرَّأْسِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: قُولُوا لَنَا لَوْ أَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عِمَامَةٍ صَفْرَاءَ مِنْ كَتَّانٍ مَطْوِيَّةٍ ثَلَاثَ طَيَّاتٍ، أَكَانَ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ الْمَسْحُ عَلَى حَمْرَاءَ مِنْ قُطْنٍ مَلْوِيَّةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَسَحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ، أَكَانَ

مسألة لا يمسح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة

يَجُوزُ عَلَى أَبْيَضَيْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَزِمُوا قَوْلَ الرَّاوِي أَحْدَثُوا دِينًا جَدِيدًا، وَإِنْ لَمْ يُرَاعُوهُ رَجَعُوا إلَى قَوْلِنَا. [مَسْأَلَة لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ إلَّا مَنْ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ] 202 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَوَاءٌ لُبِسَ مَا ذَكَرْنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ إلَّا مَنْ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ، قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا قُلْنَا قَالَ عَلِيٌّ: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَيْسَ هُنَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ حُكْمِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَإِنَّمَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللِّبَاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ، عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَمْ يَنُصَّ ذَلِكَ فِي الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَلَوْ وَجَبَ هَذَا فِي الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْخُفَّيْنِ، وَمُدَّعِي الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ وَبَيْنَ الْخُفَّيْنِ، مُدَّعٍ بِلَا دَلِيلٍ، وَيُكَلَّفُ الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ، إذْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ، أَنْ يَجِبَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ أَصْلًا بِأَكْثَرَ مِنْ قَضِيَّةٍ مِنْ رَأْيِهِ، وَهَذَا لَا مَعْنًى لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . [مَسْأَلَةٌ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَة والخمار والخفين بِلَا تَوْقِيتٍ وَلَا تَحْدِيد] 203 - مَسْأَلَةٌ: وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ أَبَدًا بِلَا تَوْقِيتٍ وَلَا تَحْدِيدَ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّوْقِيتُ فِي ذَلِكَ ثَابِتًا عَنْهُ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا قُلْنَا. وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَمَّا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فِي السَّفَرِ وَوَقْتٍ فِي الْحَضَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَذَلِكَ، دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا وَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِهِ، وَيُقَالُ لَهُ مَا دَلِيلُكَ عَلَى صِحَّةِ مَا تَذْكُرُ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ بِمِثْلِ الْوَقْتَيْنِ الْمَنْصُوصَيْنِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّعْوَى، وَقَدْ «مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ وَقْتًا وَوَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ» ، فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ مَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنْ لَا نَقُولَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] .

مسألة كان تحت ما لبس على الرأس خضاب أو دواء

[مَسْأَلَةٌ كَانَ تَحْتَ مَا لَبِسَ عَلَى الرَّأْسِ خِضَابٌ أَوْ دَوَاءٌ] مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ كَانَ تَحْتَ مَا لَبِسَ عَلَى الرَّأْسِ خِضَابٌ أَوْ دَوَاءٌ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَمَا قُلْنَا وَلَا فَرْقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ ذَلِكَ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ جَازَ الْمَسْحُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الْمَسْحُ الْمَذْكُورُ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِي كُلِّ غِسْلٍ وَاجِبٍ فَلَا، وَلَا بُدَّ مِنْ خَلْعِ كُلِّ ذَلِكَ وَغَسْلُ الرَّأْسِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخِمَارِ» ، وَلَمْ يَخُصَّ لَنَا حَالًا مِنْ حَالٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصُّ بِالْمَسْحِ حَالٌ دُونَ حَالٍ، وَإِذَا كَانَ الْمَسْحُ جَائِزًا فَالْقَصْدُ إلَى الْجَائِزِ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا مَسَحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِي السُّنَنِ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهَا، وَلَا أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُ الْخَبَرِ بِهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا يَقُولُ خُصُومُنَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. [مَسْأَلَةٌ تَرَكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ] 205 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَلَوْ قَدْرَ شَعْرَةٍ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا، لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ حَتَّى يُوعِبَهُ كُلَّهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . [مَسْأَلَةٌ نَكَسَ وُضُوءَهُ أَوْ قَدَّمَ عُضْوًا عَلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فِي الْقُرْآنِ] 206 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَكَسَ وُضُوءَهُ أَوْ قَدَّمَ عُضْوًا عَلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فِي الْقُرْآنِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ أَصْلًا، وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ، وَلَا بُدَّ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالْيَمِينِ قَبْلَ الْيَسَارِ كَمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ، فَإِنْ جَعَلَ الِاسْتِنْشَاقَ وَالِاسْتِنْثَارَ فِي آخِرِ وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُجْزِ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الَّذِي بَدَأَ بِهِ قَبْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَهُ فَيَعْمَلُهُ إلَى أَنْ يُتِمَّ وُضُوءَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ، فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَنَوَى الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ مَعًا لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ الْوُضُوءِ وَلَا مِنْ الْغُسْلِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُرَتَّبًا، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ ثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ جَابِرٌ خَرَجْنَا

مَعَهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا إلَى الصَّفَا قَالَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يُجْزِئُ فِي الْأَعْضَاءِ الْمَغْمُوسَةِ مَعًا لَا الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْغَمْسِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوُضُوءِ كَمَا أُمِرَ، وَلَمْ يَخْلُصْ الْغُسْلُ فَيُجْزِيهِ، لَكِنْ خَلَطَهُ بِعَمَلٍ فَاسِدٍ فَبَطَلَ أَيْضًا الْغُسْلُ فِي تِلْكَ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ فَلَمْ يَأْتِ فِيهِمَا فِي الْوُضُوءِ ذِكْرٌ بِتَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ، فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِمَا فِي وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَ وُضُوئِهِ، وَقَبْلَ صَلَاتِهِ أَوْ قَبْلَ وُضُوئِهِ: أَجْزَأَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جَائِزٌ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وَالْأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْإِقَامَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وَلَا يَجُوزُ تَنْكِيسُ الطَّوَافِ وَلَا السَّعْيِ وَلَا الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ تَنْكِيسُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْهُ مُنَكَّسًا فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَطَرْدُ قَوْلًا، وَأَكْثَرُ خَطَأً، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ تَنْكِيسِ الصَّلَاةِ؟ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى تَنْكِيسِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ حَالُ مَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا أَوْ سَاجِدًا، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ الصَّلَاةِ، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ فِي قِيَاسِهِمْ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازَ تَنْكِيسِ الْوُضُوءِ، وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ الْقُرْآنِ إلَّا فِي الَّذِي أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ فَتَرَكُوا فِيهِ قَوْلَ صَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ أَجَازُوا تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا أَجَازَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْكِيسَهُ فَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ،

مسألة من فرق وضوءه أو غسله

وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالنَّحْرُ وَالذَّبْحُ وَالطَّوَافُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ تَقْدِيمَ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحَجِّ، فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الطَّوَافِ عَلَى الرَّمْيِ، وَلَا تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا أَبِي حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأْتُمْ وَلَبِسْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» . وَأَمَّا وُجُوبُ تَقْدِيمِ الِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَلَا بُدَّ، فَلِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ» فَصَحَّ أَنَّ هَهُنَا إسْبَاغًا عُطِفَ عَلَيْهِ غَسْلُ الْوَجْهِ، وَلَيْسَ إلَّا الِاسْتِنْشَاقَ وَالِاسْتِنْثَارَ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ أَوْ غُسْلَهُ] 207 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فَرَّقَ وُضُوءَهُ أَوْ غُسْلَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَتْ، مَا لَمْ يَحْدُثْ فِي خِلَالِ وُضُوئِهِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَمَا لَمْ يَحْدُثْ فِي خِلَالِ غُسْلِهِ مَا يَنْقُضُ الْغُسْلَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالتَّطَهُّرِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، وَبِالْوُضُوءِ مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مُتَابَعَةً، فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِ الْمَرْءُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ تَطَهَّرَ، وَبِأَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا

أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ فَيَصُبُّ عَلَى يَسَارِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ حَتَّى يُنَقِّيَهُ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ غَسْلًا حَسَنًا، ثُمَّ يُمَضْمِضُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَغْسِلُ جَسَدَهُ غَسْلًا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مُغْتَسَلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: إذَا جَازَ أَنْ يَجْعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَبَيْنَ تَمَامِهِمَا بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ مُهْلَةَ خُرُوجِهِ مِنْ مُغْتَسَلِهِ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُدَدِ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا بُرْهَانَ، وَهَذَا قَوْلُ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ بَالَ بِالسُّوقِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. - وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ يَغْسِلُ رَأْسَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ بِالسِّدْرِ ثُمَّ يَمْكُثُ سَاعَةً ثُمَّ يَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ تَابِعٌ أَدْرَكَ أَكَابِرَ التَّابِعِينَ وَصِغَارَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، قَالَ إبْرَاهِيمُ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ وَالْجَارِيَةُ فَيُرَافِثُ امْرَأَتَهُ بِالْغُسْلِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ ثُمَّ يَمْكُثُ ثُمَّ يَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ بَعْدُ وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ غَسَلَ الْجُنُبُ رَأْسَهُ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالْخِطْمِيِّ ثُمَّ يَجْلِسُ حَتَّى يَجِفَّ رَأْسَهُ فَحَسْبُهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ طَالَ الْأَمَدُ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَنَى عَلَى وُضُوئِهِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ نَحْوُ هَذَا. وَحَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْجُفُوفِ، وَحَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَيَبْنِيَ أَوْ يَتْرُكَ وُضُوءَهُ وَيَبْتَدِئَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَحْدِيدُ مَالِكٍ بِالطُّولِ فَإِنَّهُ يُكَلِّفُ الْمُنْتَصَرَ لَهُ بَيَانَ مَا ذَلِكَ الطُّولُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ شَرِيعَةٌ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءَ، وَالْقَصْرُ الَّذِي لَا تَجِبُ بِهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ، فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالدَّعْوَى الَّتِي لَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ، وَمَا كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ لَا

بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، إذْ الشَّرَائِعُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يُوجِبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِجُفُوفِ الْمَاءِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي الصَّيْفِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ لَا يُتِمُّ أَحَدٌ وُضُوءَهُ حَتَّى يَجِفَّ وَجْهُهُ، وَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ عَلَى هَذَا. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ بِمَا دَامَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ، فَقَوْلٌ أَيْضًا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالدَّعْوَى لَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا يُجِيزُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَرْءُ إذَا رَعَفَ بَيْنَ أَجْزَاءِ صَلَاتِهِ مُدَّةً وَعَمَلًا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ تَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ بَحِيرٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي قَدِمَهُ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ رَاوِيَهُ بَقِيَّةُ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَفِي السَّنَدِ مَنْ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ، وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَقَدْ تَرَكَ مِنْ رِجْلِهِ مَوْضِعَ ظُفْرٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَبَا قِلَابَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَأَبُو سُفْيَانَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ثنا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ مَوْضِعَ الظُّفْرِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ» وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا. قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ فِعْلِ عُمَرَ هَذَا، فَقَدْ خَالَفُوا

مسألة الإكثار من الماء في الغسل والوضوء

هَهُنَا صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي عِلْمٍ أَنَّ مُرُورَ الْأَوْقَاتِ لَيْسَ مِنْ الْأَحْدَاثِ النَّاقِضَةِ لِلْوُضُوءِ، وَقَدْ تَنَاقَضَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَرَأَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنْ غَسَلَهُ أَجْزَأَهُ، وَرَأَى فِيمَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَبَقِيَ كَذَلِكَ نَهَارَهُ ثُمَّ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَإِنَّ وُضُوءَ رِجْلَيْهِ عِنْدَهُ قَدْ انْتَقَضَ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا غَسْلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ، وَهَذَا تَبْعِيضُ الْوُضُوءِ الَّذِي مُنِعَ مِنْهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِكْثَارُ مِنْ الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ] 208 - مَسْأَلَةٌ: وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي حَيَّةَ بْنِ قَيْسٍ «أَنَّ عَلِيًّا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا، يُسْنِدُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَعَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ فَلَمْ يَخُصَّ فِي هَذِهِ الْآثَارِ رَأْسًا مِنْ غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ» . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ مَسْحَ رَأْسَهُ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا وَاثْنَتَيْنِ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَكْثَرُ مَا أَمْسَحُ بِرَأْسِي ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَا أَزِيدُ بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَسْحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِبَلَلِ يَدَيْهِ وَالْأُخْرَى بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ثنا هُشَيْمٌ ثنا الْعَوَّامُ: أَنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ كَانَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْإِكْثَارُ مِنْ الْمَاءِ فَمَذْمُومٌ مِنْ الْجَمِيعِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ ثنا شَبَابَةُ ثنا لَيْثٌ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ - قَالَتْ «إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ

مسألة كان على ذراعيه أو أصابعه أو رجليه جبائر أو دواء ملصق لضرورة

الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيُّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ عَنْ جَدَّتِي - وَهِيَ أُمُّ عُمَارَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلُثَيْ الْمُدِّ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مِنْ النَّوْمِ فَعَمَدَ إلَى شَجْبٍ مِنْ مَاءٍ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُهْرِقْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا قَلِيلًا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَاءَتْ آثَار أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَضَّأَ بِالْمُدِّ وَاغْتَسَلَ بِالصَّاعِ» ، وَأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَضَّأَ بِمَكُّوكٍ وَاغْتَسَلَ بِخَمْسِ مَكَاكِيَّ» ، وَأَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ مُدٌّ وَرُبْعٌ» ، وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ لَا يَخْتَلِفُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا أَجْزَأَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ أَوْ أَصَابِعِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ جَبَائِرُ أَوْ دَوَاءٌ مُلْصَقٌ لِضَرُورَةٍ] 209 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ أَوْ أَصَابِعِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ جَبَائِرُ أَوْ دَوَاءٌ مُلْصَقٌ لِضَرُورَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إمْسَاسُ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَسَقَطَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كُلُّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرْءُ، وَكَانَ التَّعْوِيضُ مِنْهُ شَرْعًا، وَالشَّرْعُ لَا يُلْزَمْ إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ بِتَعْوِيضِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالدَّوَاءِ مِنْ غَسْلِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى غَسْلِهِ، فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ؟ قَالَ نَعَمْ امْسَحْ عَلَيْهَا» قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ لَا

تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلَّا عَلَى بَيَانِ سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ» قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَلَوْ كَانَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْعَصَائِبَ هِيَ الْعَمَائِمُ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ: وَرَكْبٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تُطْلَبُ عِنْدَهُمْ ... لَهَا تِرَةٌ مِنْ جَذْبِهَا بِالْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينُ هِيَ الْخِفَافُ. وَإِنَّمَا أَوْجَبَ مَنْ أَوْجَبَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ قِيَاسًا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِيهِ تَوْقِيتٌ، وَلَا تَوْقِيتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَمَّا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ، دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَقَضِيَّةُ مَنْ عِنْدَهُ، ثُمَّ هِيَ أَيْضًا مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا فَاسِدًا لِأَنَّهُ إيجَابُ فَرْضٍ قِيسَ عَلَى إبَاحَةٍ وَتَخْيِيرٍ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْقِيَاسِ فِي شَيْءٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلُ قَوْلِنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْجِرَاحَةِ: اغْسِلْ مَا حَوْلَهَا، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَلْقَمَ أُصْبُعَ رِجْلِهِ مَرَارَةً فَكَانَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا. قُلْنَا: هَذَا فِعْلٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ إيجَابًا لِلْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ «- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

مسألة حكم مس الذكر باليمين

أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي بَاطِنِ عَيْنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ» ، وَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ ذَلِكَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تُوجِبُوهُ فَرْضًا، وَصَحَّ أَنْ كَانَ يُجِيزُ بَيْعَ الْحَامِلِ وَاسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا، وَهَذَا عِنْدَكُمْ حَرَامٌ، وَمِنْ الْمَقْتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ وَتُسْقِطُوا الْحُجَّةَ بِهِ حَيْثُ لَمْ تَشْتَهُوا، وَهَذَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ جِدًّا. وَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا فَالْوُضُوءُ إذَا تَمَّ وَجَازَتْ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَنْقُضُهُ إلَّا حَدَثٌ أَوْ نَصٌّ جَلِيٌّ وَارِدٌ بِانْتِقَاضِهِ، وَلَيْسَ سُقُوطُ اللَّصْقَةِ أَوْ الْجَبِيرَةِ أَوْ الرِّبَاطِ حَدَثًا، وَلَا جَاءَ نَصٌّ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ، وَالشَّرَائِعُ لَا تُؤْخَذُ إلَّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِمَّنْ رَأَى الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ] 210 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مَسُّ ذَكَرِهِ بِيَمِينِهِ جُمْلَةً إلَّا عِنْدَ ضَرُورَةٍ لَا يُمْكِنُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ بِيَمِينِهِ ثَوْبًا عَلَى ذَكَرِهِ، وَمَسُّ الذَّكَرِ بِالشِّمَالِ مُبَاحٌ، وَمَسْحُ سَائِرِ أَعْضَائِهِ بِيَمِينِهِ وَبِشِمَالِهِ مُبَاحٌ، وَمَسُّ الرَّجُلِ ذَكَرَ صَغِيرٍ لِمُدَاوَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ كَالْخِتَانِ وَنَحْوِهِ، جَائِزٌ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَمَسُّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا بِيَمِينِهَا وَشِمَالِهَا جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ مَسُّهَا ذَكَرَ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا بِيَمِينِهَا أَوْ بِشِمَالِهَا جَائِزٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَلَا نَصَّ فِي النَّهْيِ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا لَا نَصَّ فِي تَحْرِيمِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ جُرْمًا فِي الْإِسْلَامِ مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ قَدْ فُصِّلَ لَنَا بِاسْمِهِ، فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ فَلَمْ يُحَرَّمْ، وَكَذَلِكَ بِالْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، كَمَا حَدَّثَنَا حَمَامٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا

مسألة أيقن بالوضوء والغسل ثم شك

أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ثنا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَقَالَ حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ قَاضِي بَغْدَادَ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَمَعْمَرٌ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» هَذَا لَفْظُ مَعْمَرٍ. وَلَفْظُ أَيُّوبَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ وَأَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَأَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ» . وَبِهَذَا الْخَبَرِ حَرُمَ أَنْ يُزِيلَ أَحَدٌ أَثَرَ الْبَوْلِ بِيَمِينِهِ بِغَسْلٍ أَوْ مَسْحٍ، لِأَنَّهُ اسْتِطَابَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: رِوَايَةُ مَعْمَرٍ وَأَيُّوبَ زَائِدَةٌ عَلَى كُلِّ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ الِاقْتِصَارُ بِالنَّهْيِ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ فِي حَالِ الْبَوْلِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا، لَا سِيَّمَا وَأَيُّوبُ وَمَعْمَرٌ أَحْفَظُ مِمَّنْ رَوَى بَعْضَ مَا رَوَيَاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَأَخْذُ كُلِّ ذَلِكَ فَرْضٌ لَا يَحِلُّ رَدُّ شَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ الثِّقَاتُ، فَمَنْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ أَيُّوبَ وَمَعْمَرٍ فَقَدْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ هَمَّامٍ وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي إسْمَاعِيلَ، وَمَنْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ وَخَالَفَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ وَمَعْمَرٍ فَقَدْ عَصَى. وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا هَذَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: مَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُذْ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ: مَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُذْ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً. وَرُوِّينَا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ التَّابِعِينَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا أَمَسُّ ذَكَرِي بِيَمِينِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ آخُذَ بِهَا كِتَابِي. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ثُمَّ شَكَّ] 211 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ كَانَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ غُسْلًا وَلَا وُضُوءًا، فَلَوْ اغْتَسَلَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَيْقَنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُجْنِبًا، أَوْ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ اللَّذَانِ أَحْدَثَا بِالشَّكِّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِغُسْلٍ آخَرَ وَوُضُوءٍ آخَرَ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا شَكَّ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ،

فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى بِشَكِّهِ ثُمَّ أَيْقَنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَلَا كَانَ عَلَيْهِ غُسْلٌ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ تِلْكَ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادٌ ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد، وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَوَضَّأُ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى بِأَنْ يُلْغِيَ الشَّكَّ وَيَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا تَرْكُهُمْ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهُ، وَأَنْ يَجْعَلُوا هَذَا الْأَمْرَ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يُوجِبُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ قَدْ أَنْكَرُوا مِثْلَهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا وَأَخْذُهُمْ بِخَبَرٍ جَاءَ فِي حُكْمٍ آخَرَ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجْعَلْ لِلشَّكِّ حُكْمًا، وَأَبْقَاهُ عَلَى الْيَقِينِ عِنْدَهُ بِلَا شَكٍّ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّ - هَذَا - إلَى تَنَاقُضِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ شَكَّ أَطَلَّقَ أَمْ لَمْ يُطَلِّقْ، وَأَيْقَنَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِصِحَّةِ الْمِلْكِ فَشَكَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَمْ لَمْ يُعْتِقْ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ، وَمَنْ تُيُقِّنَتْ حَيَاتُهُ وَشُكَّ فِي مَوْتِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا هُوَ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ تَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ ثُمَّ أَيْقَنَ بِأَنَّهُ كَانَ أَحْدَثَ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ الْوُضُوءُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ الْوُضُوءَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَوَضَّأَ وُضُوءًا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَا يَنُوبُ وُضُوءٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَنْ وُضُوءٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

مسألة المسح على ما لبس في الرجلين مما يبلغ فوق الكعبين

[مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ مِمَّا يَبْلُغُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ] مَسْأَلَةٌ: وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ - مِمَّا يَحِلُّ لِبَاسُهُ مِمَّا يَبْلُغُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ سُنَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَا خُفَّيْنِ مِنْ جُلُودٍ أَوْ لُبُودٍ أَوْ عُودٍ أَوْ حَلْفَاءَ أَوْ جَوْرَبَيْنِ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ - كَانَ عَلَيْهِمَا جِلْدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - أَوْ جُرْمُوقَيْنِ أَوْ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ عَلَى جَوْرَبَيْنِ أَوْ مَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ هَرَاكِسَ. وَكَذَلِكَ إنْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَرِيرِ، فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا إذَا لُبِسَ عَلَى وُضُوءٍ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِذَا انْقَضَى هَذَانِ الْأَمَدَانِ - يَعْنِي أَحَدُهُمَا - لِمَنْ وُقِّتَ لَهُ صَلَّى بِذَلِكَ الْمَسْحِ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ، فَإِنْ انْتَقَضَتْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحُ، لَكِنْ يَخْلَعُ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ أَصَابَهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ خَلَعَهُمَا وَلَا بُدَّ، ثُمَّ مَسَحَ كَمَا ذَكَرْنَا إنْ شَاءَ، وَهَكَذَا أَبَدًا كَمَا وَصَفْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبِي ثنا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ - هُوَ الشَّعْبِيُّ - ثنا عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ الْمُغِيرَةُ ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ الْخُفَّيْنِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ «حُذَيْفَةَ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فَانْتَهَى إلَى سُبَاطَةِ نَاسٍ فَبَالَ عَلَيْهَا قَائِمًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - ثنا

مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ الْهِشَامِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَقَالَ يَحْيَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي، ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ قَالَا: ثنا وَكِيعٌ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» . حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ - هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ «شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ: ائْتِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي، فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْمَسْحِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثًا» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَزَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ - وَكَانَ سُفْيَانُ إذَا ذَكَرَهُ أَثْنَى عَلَيْهِ -. وَقَالَ زَكَرِيَّا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ وَإِسْنَادُهُ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِي ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّجِيرَمِيُّ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيُّ ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى وَشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ «زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ فَقُلْتُ: إنَّهُ حَكَّ فِي نَفْسِي مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَيْءٌ، فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَمَرَنَا أَنْ نَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ. وَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ، فَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ

أَدْخَلَ الرِّجْلَيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ. وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الْمَسْحُ فِي الْحَضَرِ، وَفِي حَدِيثِ هُزَيْلٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عُمُومُ الْمَسْحِ عَلَى كُلِّ مَا لُبِسَ فِي الرِّجْلَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثًا لِلْمُسَافِرِ، وَأَنْ لَا يَخْلَعَ إلَّا لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا إنَّهُ إذَا انْقَضَى أَحَدُ الْأَمَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ صَلَّى الْمَاسِحُ بِذَلِكَ الْمَسْحِ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إلَّا حَتَّى يَنْزِعَهُمَا وَيَتَوَضَّأَ، فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ إنْ كَانَ مُسَافِرًا ثَلَاثًا فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَطْ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْمَسْحِ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ الصَّلَاةِ بِهِ بَعْدَ أَمَدِهِ الْمُؤَقَّتِ لَهُ، وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَنْ الْمَسْحِ فَقَطْ، وَهَذَا نَصُّ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الزِّبْرِقَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيِّ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ وَالْأَعْمَشِ، قَالَ الزِّبْرِقَانُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَالَ فَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، وَقَالَ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْجُلَاسِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضِرَارٍ قَالَ إسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى الْخَلَاءَ ثُمَّ خَرَجَ وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ بَيْضَاءُ مَزْرُورَةٌ فَمَسَحَ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ وَعَلَى جَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ خَزٍّ عَرَبِيٍّ أَسْوَدَ ثُمَّ صَلَّى. وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَا جَمِيعًا: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي جَنَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ جُمُعَةٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ شَعْرٍ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْجَوْرَبَانِ بِمَنْزِلَةِ الْخُفَّيْنِ فِي الْمَسْحِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: نَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ؟ قَالَ نَعَمْ امْسَحُوا عَلَيْهِمَا مِثْلَ الْخُفَّيْنِ. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ بَأْسًا. وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ سُئِلَ عَنْ الْجَوْرَبَيْنِ أَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا مَنْ بَاتَ فِيهِمَا؟ قَالَ نَعَمْ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ الْجَوْرَبَيْنِ فِي الْمَسْحِ بِمَنْزِلَةِ الْخُفَّيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ - فَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعْدٌ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِمَّنْ يُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ. وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَخِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَهُمَا قَدْ خُرِزَ عَلَيْهِ جِلْدٌ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: اشْتِرَاطُ التَّجْلِيدِ خَطَأٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا صَاحِبٌ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ خَطَأٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخِلَافُ الْآثَارِ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا خُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ يُشَنِّعُونَ وَيُعَظِّمُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا أَحَدَ عَشَرَ صَاحِبًا، لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يُجِيزُ الْمَسْحَ، فِيهِمْ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَخَالَفُوا أَيْضًا مَنْ

لَا يُجِيزُ الْمَسْحَ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَحَصَلُوا عَلَى خِلَافِ كُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَخَالَفُوا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسَ بِلَا مَعْنًى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اخْتَلَفَا فِي الْمَسْحِ، فَمَسَحَ سَعْدٌ وَلَمْ يَمْسَحْ ابْنُ عُمَرَ، فَسَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالَ عُمَرُ: امْسَحْ يَوْمَكَ وَلَيْلَتَكَ إلَى الْغَدِ سَاعَتَكَ. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ سُوَيْد بْنَ غَفَلَةَ قَالَ بَعَثَنَا نُبَاتَةُ الْجُعْفِيُّ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، قَالَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ، وَهَذَانِ إسْنَادَانِ لَا نَظِيرَ لَهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْجَلَالَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ كِلَاهُمَا عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِمُسَافِرٍ وَيَوْمٌ لِلْمُقِيمِ يَعْنِي فِي الْمَسْحِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذَا أَيْضًا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ الْحَارِثِيِّ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ الْمَسْحِ فَقَالَ: لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَارَتْ سُنَّةً لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْمَسْحِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَالْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ وَيَحْيَى بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ شُرَيْحٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ شَرِيكًا الْقَاضِيَ كَانَ يَقُولُ: لِلْمُقِيمِ يَوْمٌ إلَى اللَّيْلِ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي رَاشِدٍ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَهْلِ الْمِصِّيصَةِ: أَنْ اخْلَعُوا الْخِفَافَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ رَبِيعَةَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ: ثَلَاثٌ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمٌ لِلْمُقِيمِ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَجُمْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَالرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ مُخْتَلِفَةٌ، فَالْأَظْهَرُ عَنْهُ كَرَاهَةُ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إجَازَةُ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ، وَأَنَّهُ لَا يَرَى التَّوْقِيتَ لَا لِلْمُقِيمِ وَلَا لِلْمُسَافِرِ وَأَنَّهُمَا يَمْسَحَانِ أَبَدًا مَا لَمْ يَجْنُبَا. وَتَعَلَّقَ مُقَلِّدُوهُ فِي ذَلِكَ بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، أَرْفَعُهَا مِنْ طَرِيقِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ صَاحِبُ رَايَةِ الْكَافِرِ الْمُخْتَارِ، وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ الْمَسْحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَلَكِنْ فِي آخِرِ الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي: وَلَوْ تَمَادَى السَّائِلُ لَزَادَنَا. وَهَذَا ظَنٌّ وَغَيْبٌ لَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِهِ فِي أَخْبَارِ النَّاسِ، فَكَيْفَ فِي الدِّينِ إلَّا أَنَّهُ صَحَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَتَمَادَ فَلَمْ يَزِدْهُمْ شَيْئًا، فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ - حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ، وَمُبْطِلًا لِقَوْلِهِمْ، وَمُبَيِّنًا لِتَوْقِيتِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي السَّفَرِ وَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي الْحَضَرِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، رَوَاهُ أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَسَدٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْخَبَرَ أَحَدٌ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ مُنْقَطِعٌ، لَيْسَ فِيهِ إلَّا «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَخْلَعْهُمَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» . ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَتْ أَحَادِيثُ التَّوْقِيتِ زَائِدَةً عَلَيْهِ، وَالزِّيَادَةُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا.

وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ، فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْكُوفِيُّ وَأُخَرُ مَجْهُولُونَ. وَآخَرُ فِيهِ: قَالَ عُمَرُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ - أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ لِعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مَعَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: «سَأَلْتُ مَيْمُونَةَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكُلَّ سَاعَةٍ يَمْسَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَا يَنْزِعُهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يَذْكُرْ لِعُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ هُوَ السَّائِلُ مَيْمُونَةَ، وَلَعَلَّ السَّائِلَ غَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ فِي الدِّينِ بِالشَّكِّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إبَاحَةُ الْمَسْحِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إذَا أَتَى بِشُرُوطِ الْمَسْحِ مِنْ إتْمَامِ الْوُضُوءِ وَلِبَاسِهِمَا عَلَى طَهَارَةٍ وَإِتْمَامِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ وَخَلْعِهِمَا لِلْجَنَابَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا مِنْهُ شَيْءٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَذَكَرُوا آثَارًا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا تَصِحُّ. مِنْهَا أَثَرٌ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ، سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا مَا لَمْ يَخْلَعْهُمَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ. وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ، وَأَسَدٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ أَحَالَهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ زُبَيْدَ بْنَ الصَّلْتِ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَأَدْخَلَ خُفَّيْهِ فِي رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا إنْ شَاءَ وَلَا يَخْلَعْهُمَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ " مَا لَمْ يَخْلَعْهُمَا " كَمَا رَوَى أَسَدٌ، وَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ فِي التَّوْقِيتِ - بِرِوَايَةِ نَبَاتَةَ الْجُعْفِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَهُمَا مِنْ أَوْثَقِ التَّابِعِينَ - هُوَ الزَّائِدُ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ لَا يَجْعَلُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقْتًا، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا أَدْرَكَ عُمَرَ، فَكَيْفَ عُمَرُ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ عَنْ الْحَسَنِ: سَافَرْنَا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانُوا يَمْسَحُونَ عَلَى خِفَافِهِمْ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ وَلَا عُذْرٍ، وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ جِدًّا.

وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ بَعَثَاهُ بَرِيدًا إلَى أَبِي بَكْرٍ بِرَأْسِ سَانٍ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُقْبَةَ وَقَالَ: مُذْ كَمْ لَمْ تَنْزِعْ خُفَّيْكَ؟ قَالَ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ، قَالَ أَصَبْتَ. وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَرَّةً عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَقْرَبُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلَطَ فِيهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ، وَهَذَا خَبَرٌ مَعْلُولٌ؛ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ وَلَا مِنْ أَبِي الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَلَوِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ مَجْهُولٌ، هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يُخْبِرُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ الشَّامِ وَعَلَيَّ خُفَّانِ لِي جُرْمُوقَانِ غَلِيظَانِ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: كَمْ لَكَ مُذْ لَمْ تَنْزِعْهُمَا؟ قُلْتُ لَبِسْتُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْيَوْمُ الْجُمُعَةُ، قَالَ أَصَبْتَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ الْحُبَابِ يَذْكُرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ لَبِسْتُ الْخُفَّيْنِ وَرِجْلَايَ طَاهِرَتَانِ وَأَنَا عَلَى وُضُوءٍ لَمْ أُبَالِ أَنْ لَا أَنْزِعَهُمَا حَتَّى أَبْلُغَ الْعِرَاقَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَكَذَا هُوَ الْحَدِيثُ، فَسَقَطَ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا رَأَى عُمَرُ فَكَيْفَ عُمَرُ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عِيَاضٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُقْبَةَ وَهَذَا أَسْقَطُ وَأَخْبَثُ؛ لِأَنَّ يَزِيدَ لَمْ يُدْرِكْ عُقْبَةَ وَفِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَلَا يَصِحُّ خِلَافُ التَّوْقِيتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَطْ، فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَيْئًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْمَسْحُ وَلَا عَرَفَهُ، بَلْ أَنْكَرَهُ حَتَّى أَعْلَمَهُ بِهِ سَعْدٌ بِالْكُوفَةِ، ثُمَّ أَبُوهُ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الْمَسْحِ كَغَيْرِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ التَّوْقِيتُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُونَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً. ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُقْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَدْ خَالَفَ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا، لَوَجَبَ عِنْدَ التَّنَازُعِ الرَّدُّ إلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَانُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ صَحَّ بِالتَّوْقِيتِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَصْلًا، فَكَيْفَ وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ إلَّا التَّوْقِيتُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا انْقَضَى الْأَمَدَانِ الْمَذْكُورَانِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ وَبَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالُوا: يَخْلَعُهُمَا وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا بُدَّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَعَدَ الْإِنْسَانُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا بِبَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَيْسَ السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَرْضًا. قَالَ: فَإِنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَانْقَضَى وَقْتُ الْمَسْحِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَبَطَلَتْ طَهَارَتُهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ، وَفِي هَذَا مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْخَطَأِ مَا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَّا تَكْلِيفِ رَدٍّ عَلَيْهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّلَامَةِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَدَاوُد: يُصَلِّي مَا لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ بِحَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَنْتَقِضُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا عَنْ بَعْضِهَا بِانْقِضَاءِ وَقْتِ الْمَسْحِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يَمْسَحَ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ لِلْمُسَافِرِ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ. فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَاهِمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ، وَالطَّهَارَةُ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا الْحَدَثُ، وَهَذَا قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَالطَّاهِرُ يُصَلِّي مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ جَلِيٌّ فِي أَنَّ

طَهَارَتَهُ انْتَقَضَتْ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَهَذَا الَّذِي انْقَضَى وَقْتُ مَسْحِهِ لَمْ يُحْدِثْ وَلَا جَاءَ نَصٌّ فِي أَنَّ طَهَارَتَهُ انْتَقَضَتْ لَا عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَلَا عَنْ جَمِيعِهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ يُصَلِّي حَتَّى يُحْدِثَ، فَيَخْلَعُ خُفَّيْهِ حِينَئِذٍ وَمَا عَلَى قَدَمَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْمَسْحَ تَوْقِيتًا آخَرَ، وَهَكَذَا أَبَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الطَّهَارَةَ تَنْتَقِضُ عَنْ قَدَمَيْهِ خَاصَّةً، فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ خَبَرٍ وَاهٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ أَصْلًا، وَمَا عُلِمَ فِي الدِّينِ قَطُّ حَدَثٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ - بَعْدَ تَمَامِهَا وَبَعْدَ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا - عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا رُوِيَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ قَبْلَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. 213 - مَسْأَلَةٌ: وَيَبْدَأُ بَعْدَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْمُقِيمُ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا الْمُسَافِرُ مِنْ حِينِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إثْرَ حَدَثِهِ، سَوَاءٌ مَسَحَ وَتَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ وَلَا تَوَضَّأَ، عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، فَإِنْ أَحْدَثَ يَوْمَهُ بَعْدَ مَا مَضَى أَكْثَرُ هَذَيْنِ الْأَمَدَيْنِ أَوْ أَقَلُّهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَاقِيَ الْأَمَدَيْنِ فَقَطْ، وَلَوْ مَسَحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَحَدِ الْأَمَدَيْنِ بِدَقِيقَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: يَبْتَدِئُ بَعْدَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَبْدَأُ بَعْدَهُمَا مِنْ حِينِ يَمْسَحُ، وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ يَمْسَحُ لِخَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ إنْ كَانَ مُقِيمًا، وَلَا يَمْسَحُ لِأَكْثَرَ، وَيَمْسَحُ لِخَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً فَقَطْ، إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَلَا يَمْسَحُ لِأَكْثَرَ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَنَرُدَّهَا إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلْنَا، فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يَبْدَأُ بَعْدَ الْوَقْتَيْنِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ، فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بِهِ تَعَلَّقُوا كُلُّهُمْ وَبِهِ أَخَذُوا أَوْ وَقَفُوا فِي أَخْذِهِمْ بِهِ - إنَّمَا جَاءَنَا بِالْمَسْحِ مُدَّةَ أَحَدِ الْأَمَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَذَا، وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ فِي حَالِ الْحَدَثِ، هَذَا مَا لَا يَقُولُونَ بِهِ هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْأَحْدَاثِ قَدْ تَطُولُ جِدًّا السَّاعَةَ وَالسَّاعَتَيْنِ وَالْأَكْثَرُ كَالْغَائِطِ. وَمِنْهَا مَا يَدُومُ أَقَلَّ كَالْبَوْلِ،

فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْخَبَرِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ الْخَمْسَ عَشْرَةَ، فَوَجَدْنَاهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إلَّا مُرَاعَاةُ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهِنَّ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ إذَا مَسَحَ الْمَرْءُ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الضُّحَى بِالْمَسْحِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا إلَى الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَحَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوتِرَ وَلَا أَنْ يَتَهَجَّدَ وَلَا أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِمَسْحٍ، وَهَذَا خِلَافٌ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَّحَ لِلْمُقِيمِ فِي مَسْحِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهُمْ مَنَعُوهُ مِنْ الْمَسْحِ إلَّا يَوْمًا وَبَعْضَ لَيْلَةٍ، أَوْ لَيْلَةً وَأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ، وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ نَامَ عَنْهُنَّ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ - وَكَانَ قَدْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ نَامَ - أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا أَتَمَّهُنَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدَهُنَّ بَاقِيَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْخَبَرِ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِمُخَالَفَتِهِ لِلْخَبَرِ وَتَعَرِّيه مِنْ أَنْ يَكُونَ لِصِحَّتِهِ بُرْهَانٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَحْمَدَ فَوَجَدْنَاهُ يُلْزِمُهُ إنْ كَانَ إنْسَانٌ فَاسِقٌ قَدْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ بَقِيَ شَهْرًا لَا يُصَلِّي عَامِدًا ثُمَّ تَابَ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ مِنْ حِينِ تَوْبَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا إنْ كَانَ مُسَافِرًا. وَكَذَلِكَ إنْ مَسَحَ يَوْمًا ثُمَّ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَيَّامًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ لَيْلَةً، وَهَكَذَا فِي الْمُسَافِرِ، فَعَلَى هَذَا يَتَمَادَى مَاسِحًا عَامًا وَأَكْثَرَ، وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ الْخَبَرِ، فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا. فَنَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَاهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي صَحَّ عَنْهُ وَمُوَافِقًا لِنَصِّ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِأَنْ يَمْسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ إنْ شَاءَ، وَأَنْ يَخْلَعَ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُمَا، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاسِقٌ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ مَسَحَ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، أَوْ أَخْطَأَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَضَى مِنْ الْأَمَدِ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةٌ، وَبَقِيَ بَاقِيهَا فَقَطْ، وَهَكَذَا إنْ تَعَمَّدَ أَوْ نَسِيَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ لِلْمُقِيمِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيِهِنَّ

لِلْمُسَافِرِ، فَقَدْ مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَسْحِ فِيهِ. فَلَوْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَتَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ تَامَّةٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] وَمَنْ جَازَتْ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا شَكٍّ، وَإِذَا كَانَ طَاهِرًا كُلَّهُ فَقَدَمَاهُ طَاهِرَتَانِ بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ أَدْخَلَ خُفَّيْهِ الْقَدَمَيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ، فَجَائِزٌ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا الْأَمَدَ الْمَذْكُورَ لِلْمُسَافِرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ بِأَيَّامِهَا - مِنْ حِينِ أَحْدَثَ بَعْدَ لِبَاسِ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ - لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ، لِأَنَّ الْأَمَدَ قَدْ تَمَّ، وَقَدْ كَانَ مُمْكِنًا لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بِنُزُولِ مَطَرٍ أَوْ وُجُودِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْأَمَدِ الْمَذْكُورِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إلَّا بَاقِيَ الْأَمَدِ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا تَمَّ حَدَثُهُ فَحِينَئِذٍ جَازَ لَهُ الْوُضُوءُ وَالْمَسْحُ وَلَا يُبَالِي بِالِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بَعْدَ الْوُضُوءِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ فَرْضُهُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمْرٌ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ عَيْنٌ أُمِرْنَا بِإِزَالَتِهَا بِصِفَةٍ مَا لِلصَّلَاةِ فَقَطْ، فَمَتَى أُزِيلَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ قَبْلَ الْوُضُوءِ، فَقَدْ أَدَّى مُزِيلُهَا مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ بَقَاءُ الْبَوْلِ فِي ظَاهِرِ الْخُرْتِ وَبَقَاءُ النَّجْوِ فِي ظَاهِرِ الْمَخْرَجِ حَدَثًا، إنَّمَا الْحَدَثُ خُرُوجُهُمَا مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ فَقَطْ، فَإِذَا ظَهَرَا فَإِنَّمَا خَبَثَانِ فِي الْجِلْدِ تَجِبُ إزَالَتُهُمَا لِلصَّلَاةِ فَقَطْ، فَمِنْ حِينَئِذٍ يُعَدُّ، سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ صَلَاةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا جَائِزٌ، وَقَدْ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاةً فَائِتَةً، أَوْ رَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْغَدِ إنْ كَانَ ذَلِكَ نَهَارًا، وَإِلَى مِثْلِهِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْلًا، فَإِنْ انْقَضَى لَهُ الْأَمَدُ الْمَذْكُورُ وَقَدْ مَسَحَ أَحَدَ خُفَّيْهِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنْ الْآخَرِ بَطَلَ الْمَسْحُ، وَلَزِمَهُ خَلْعُهُمَا وَغَسْلُهُمَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ مَسْحُهُ إلَّا فِي وَقْتٍ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ حَدَثُهُ نَهَارًا أَوْ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْلًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الرجال والنساء في أحكام المسح على الخفين وتوقيت المدة

[مَسْأَلَة الرجال وَالنِّسَاء فِي أَحْكَام الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ وتوقيت الْمُدَّة] مَسْأَلَةٌ: وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ، وَسَفَرُ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً، وَقَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ عُمُومُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمِهِ، وَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَخْصِيصَ سَفَرٍ مِنْ سَفَرٍ، وَمَعْصِيَةٍ مِنْ طَاعَةٍ، لَمَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَاهِبُ الرِّزْقِ وَالصِّحَّةِ وَعُلُوُّ الْيَدِ لِلْعَاصِي وَالْمَرْجُوُّ لِلْمَغْفِرَةِ لَهُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مَنْ فُسَحِ الدِّينِ بِمَا شَاءَ، وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَا مَعْنَى لِتَفْرِيقِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ - لَا مِنْ طَرِيقِ الْخَبَرِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ. أَمَّا الْخَبَرُ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَلَوْ كَانَ هَهُنَا فَرْقٌ لَمَا أَهْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا كَلَّفَنَا عِلْمَ مَا لَمْ يُخْبِرْنَا بِهِ، وَلَا أَلْزَمَنَا الْعَمَلَ بِمَا لَمْ يُعَرِّفْنَا بِهِ، هَذَا أَمْرٌ قَدْ أَمِنَّاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْمُقِيمَ قَدْ تَكُونُ إقَامَتُهُ إقَامَةَ مَعْصِيَةٍ وَظُلْمٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَعُدْوَانًا عَلَى الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ يُطِيعُ الْمُسَافِرُ فِي الْمَعْصِيَةِ فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِ، وَأَوَّلُهَا الْوُضُوءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَسْحُ الْمَذْكُورُ الَّذِي مَنَعُوهُ مِنْهُ، فَمَنَعُوهُ مِنْ الْمَسْحِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ، وَأَمَرُوهُ بِالْغُسْلِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ أَيْضًا، وَهَذَا فَسَادٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا، وَأَطْلَقُوا الْمَسْحَ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي فِي إقَامَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا الْمَسْحُ رُخْصَةٌ وَرَحْمَةٌ، قُلْنَا مَا حَجَرَ عَلَى اللَّهِ التَّرْخِيصَ لِلْعَاصِي فِي بَعْضِ أَعْمَالِ طَاعَتِهِ، وَلَا رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إلَّا جَاهِلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، قَائِلٌ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَكُلُّ سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيَمْسَحُ فِيهِ مَسْحَ سَفَرٍ، وَمَا لَا قَصْرَ فِيهِ فَهُوَ حَضَرٌ وَإِقَامَةٌ، لَا يَمْسَحُ فِيهِ إلَّا مَسْحَ الْمُقِيمِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَوَضَّأَ فَلَبِسَ أَحَدَ خُفَّيْهِ بَعْدَ أَنْ غَسَلَ تِلْكَ الرِّجْلَ] 215 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَوَضَّأَ فَلَبِسَ أَحَدَ خُفَّيْهِ بَعْدَ أَنْ غَسَلَ تِلْكَ الرِّجْلَ ثُمَّ إنَّهُ غَسَلَ الْأُخْرَى بَعْدَ لِبَاسِهِ الْخُفَّ عَلَى الْمَغْسُولَةِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ الْآخَرَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَالْمَسْحُ لَهُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ لِبَاسَهُمَا بَعْدَ غَسْلِ كِلْتَيْ رِجْلَيْهِ، وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَأَصْحَابُهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يَمْسَحُ لَكِنْ إنْ خَلَعَ الَّتِي لَبِسَ أَوَّلًا ثُمَّ أَعَادَهَا مِنْ حِينِهِ فَإِنَّ لَهُ الْمَسْحَ.

مسألة كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير

قَالَ عَلِيٌّ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ عُمْدَةُ أَهْلِهِ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» ، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الْقَوْلَيْنِ هُوَ أَسْعَدُ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَوَجَدْنَا مَنْ طَهَّرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَلْبَسَهَا الْخُفَّ فَلَمْ يَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَإِنَّمَا لَبِسَ الْوَاحِدَ وَلَا أَدْخَلَ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ، إنَّمَا أَدْخَلَ الْقَدَمَ الْوَاحِدَةَ، فَلَمَّا طَهَّرَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ أَلْبَسَهَا الْخُفَّ الثَّانِيَ صَارَ حِينَئِذٍ مُسْتَحِقًّا لَأَنْ يُخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ أَدْخَلَهُمَا طَاهِرَتَيْنِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَصَحَّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ، وَلَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَمَا قَالَ هَذَا اللَّفْظَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ: دَعْهُمَا فَإِنِّي ابْتَدَأْتُ إدْخَالَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ بَعْدَ تَمَامِ طَهَارَتِهِمَا جَمِيعًا، فَإِذْ لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذَا الْقَوْلَ فَكُلُّ مَنْ صَدَقَ الْخَبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ الْإِدْخَالِ، وَمَا عَلِمْنَا خَلْعَ خُفٍّ وَإِعَادَتَهُ فِي الْوَقْتِ يُحْدِثُ طَهَارَةً لَمْ تَكُنْ، وَلَا حُكْمًا فِي الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ، فَالْمُوجِبُ لَهُ مُدَّعٍ بِلَا بُرْهَانٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي الْخُفَّيْنِ أَوْ فِيمَا لَبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ خَرْقٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ] 216 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ فِي الْخُفَّيْنِ أَوْ فِيمَا لَبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ خَرْقٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ، طُولًا أَوْ عَرْضًا، فَظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ، أَقَلُّ الْقَدَمِ أَوْ أَكْثَرُهَا أَوْ كِلَاهُمَا فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْمَسْحُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ، مَا دَامَ يَتَعَلَّقُ بِالرِّجْلَيْنِ مِنْهُمَا شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُفَّيْنِ خَرْقٌ عَرْضًا يَبْرُزُ مِنْ كُلِّ خَرْقٍ أُصْبُعَانِ فَأَقَلُّ أَوْ مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ فَأَقَلُّ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ أَوْ مِقْدَارُهَا فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ طَوِيلًا مِمَّا لَوْ فُتِحَ ظَهَرَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ جَازَ الْمَسْحُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْقَدَمُ جَازَ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَاحِشًا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، فِيهِمَا كَانَ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إنْ ظَهَرَ مِنْ الْقَدَمِ شَيْءٌ مِنْ الْخَرْقِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْخَرْقِ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: فَإِنْ كَانَ مِنْ تَحْتِ الْخَرْقِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ جَوْرَبٌ يَسْتُرُ الْقَدَمَ جَازَ الْمَسْحُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ انْكَشَفَ مِنْ الْخَرْقِ فِي الْخُفِّ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ مَسَحَ عَلَى

الْخُفَّيْنِ وَغَسَلَ مَا انْكَشَفَ مِنْ الْقَدَمِ أَوْ الْقَدَمَيْنِ وَصَلَّى، فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَا ظَهَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا، فَوَجَدْنَا قَوْلَ مَالِكٍ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْمَسْحِ فِي حَالٍ مَا وَأَبَاحَهُ فِي حَالٍ أُخْرَى، وَلَمْ يُبَيِّنْ لِمُقَلَّدِيهِ وَلَا لِمُرِيدِي مَعْرِفَةِ قَوْلِهِ وَلَا لِمَنْ اسْتَفْتَاهُ، مَا هِيَ الْحَالُ الَّتِي يَحِلُّ فِيهَا الْمَسْحُ، وَلَا مَا الْحَالُ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهَا الْمَسْحُ فَهَذَا إنْشَابٌ لِلْمُسْتَفْتِي فِيمَا لَا يَعْرِفُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ تَحَكُّمًا بِلَا دَلِيلٍ، وَفَرْقًا بِلَا بُرْهَانٍ، لَا يَعْجِزُ عَنْ مِثْلِهِ أَحَدٌ، وَلَا يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذَا، وَأَيْضًا فَالْأَصَابِعُ تَخْتَلِفُ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ تَفَاوُتًا شَدِيدًا، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيَّ الْأَصَابِعِ أَرَادَ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ فَسَادِهِ، فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ أَنَّ فَرْضَ الرِّجْلَيْنِ الْغُسْلُ إنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ أَوْ الْمَسْحُ إنْ كَانَتَا مَسْتُورَتَيْنِ، فَإِذَا انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَإِنْ قَلَّ فَقَدْ انْكَشَفَ شَيْءٌ فَرْضُهُ الْغُسْلُ، قَالُوا: وَلَا يَجْتَمِعُ غُسْلٌ وَمَسْحٌ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَا قَالُوهُ صَحِيحٌ، إلَّا قَوْلَهُمْ إذَا انْكَشَفَ مِنْ الْقَدَمِ شَيْءٌ فَقَدْ انْكَشَفَ شَيْءٌ فَرْضُهُ الْغُسْلُ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا يُوَافَقُونَ عَلَيْهِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الْمُبَيِّنَةُ لِلْقُرْآنِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْقَدَمَيْنِ اللَّتَيْنِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مَلْبُوسٌ يُمْسَحُ عَلَيْهِ أَنْ يُغْسَلَا، وَحُكْمُهُمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مَلْبُوسٌ أَنْ يُمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، بِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ - أَنَّ مِنْ الْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ الْمُخَرَّقَ خَرْقًا فَاحِشًا أَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ، وَغَيْرَ الْمُخَرَّقِ، وَالْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ وَالْأَبْيَضَ، وَالْجَدِيدَ وَالْبَالِيَ، فَمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الدِّينِ يَخْتَلِفُ لَمَا أَغْفَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُوحِيَ بِهِ، وَلَا أَهْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُفْتَرَضُ

مسألة كان الخفان مقطوعين تحت الكعبين

عَلَيْهِ الْبَيَانُ، حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْمَسْحُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا، وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: امْسَحْ مَا دَامَ يُسَمَّى خُفًّا، وَهَلْ كَانَتْ خِفَافُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إلَّا مُشَقَّقَةً مُخَرَّقَةً مُمَزَّقَةً؟ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة كَانَ الْخُفَّانِ مَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ] 217 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْخُفَّانِ مَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَالْمَسْحُ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَمْسَحُ الْمُحْرِمُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ «صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْرُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ» ، وَلَوْ كَانَ هَهُنَا حَدٌّ مَحْدُودٌ لَمَا أَهْمَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَغْفَلَهُ فَوَجَبَ أَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُفٍّ أَوْ جَوْرَبٍ أَوْ لُبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فَالْمَسْحُ عَلَيْهِ جَائِزٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمَسْحَ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ. وَبِذَلِكَ الدَّلِيلِ يَبْطُلُ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَا سِيَّمَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَظْهَرُ مِنْهُمَا مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ مِنْ كُلِّ خُفٍّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ ظَهَرَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ كُلِّ قَدَمٍ فَوْقَ الْخُفِّ مِقْدَارُ أُصْبُعَيْنِ فَالْمَسْحُ جَائِزٌ وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَلِكَ يُلْزِمُ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا: إنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَوْقَ الْخُفِّ يَسِيرًا جَازَ الْمَسْحُ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَمْ يَجُزْ، وَمَا نَدْرِي عَلَامَ بَنَوْا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا نَصَّ وَلَا قِيَاسَ وَلَا اتِّبَاعَ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَحُكْمُ الرِّجْلَيْنِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ الْمَسْحُ فَقَطْ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، فَلَا مَعْنَى لِزِيَادَةِ الْغُسْلِ عَلَى ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ لَبِسَ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ] 218 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنَّ فَرْضَهُ أَنْ يَخْلَعَ الْآخَرَ إنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ وَلَا بُدَّ، وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ. وَقَدْ رَوَى الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَغْسِلُ الرِّجْلَ الْمَكْشُوفَةَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْأُخْرَى الْمَسْتُورَةِ. وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْهُ،

مسألة مسح على ما في رجليه ثم خلعهما

أَنَّهُ يَنْزِعُ مَا عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى وَيَغْسِلُهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا نَصَّ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُمَا طَاهِرَتَيْنِ. وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ الْمَكْشُوفَتَيْنِ فَكَانَ هَذَانِ النَّصَّانِ لَا يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهُمَا. وَوَجَدْنَا مَنْ غَسَلَ رِجْلًا وَمَسَحَ عَلَى الْأُخْرَى قَدْ عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا دَلِيلَ مِنْ لَفْظَيْهِمَا. وَلَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ إلَّا مَا وُجِدَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَلَامِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ غَسْلُ رِجْلٍ وَمَسْحٌ عَلَى الْأُخْرَى. وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غُسْلِهِمَا أَوْ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا. سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا. وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ قَالَ: ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ - هُوَ الْأَوْدِيُّ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ - هُوَ الْمَقْبُرِيُّ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا لَبِسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى وَإِذَا خَلَعَهُ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُسْرَى، وَلَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خُفٍّ وَاحِدَةٍ، لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَمْشِ فِيهِمَا جَمِيعًا» . فَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَلْعَهُمَا وَلَا بُدَّ أَوْ تَرْكَهُمَا جَمِيعًا، فَإِنْ خَلَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ فِي إبْقَائِهِ الَّذِي أَبْقَى، وَإِذَا كَانَ بِإِبْقَائِهِ عَاصِيًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فَرْضُهُ نَزْعُهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ بِرِجْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي تِلْكَ الرِّجْلِ شَيْءٌ أَصْلًا، لَا مَسْحٌ وَلَا غَسْلٌ، لِأَنَّ فَرْضَهُ قَدْ سَقَطَ. وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُوَافِقِينَ لَنَا قَدْ احْتَجَّ فِي هَذَا بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدٍ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ بِغَسْلِ رِجْلٍ وَمَسْحٍ عَلَى خُفٍّ عَلَى أُخْرَى لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَعْدَ نَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ يَرِدُ عَلَى رِجْلَيْنِ غَيْرِ طَاهِرَتَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ بَعْدَ صِحَّةِ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بَعْدَ إدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ. فَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَعْظَمُ فَرْقٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَسَحَ عَلَى مَا فِي رِجْلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا] 219 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَسَحَ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا فِي رِجْلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ وُضُوءٍ وَلَا غَسْلُ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ وَيُصَلِّي كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ عَلَى عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ ثُمَّ نَزَعَهُمَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ وُضُوءٍ وَلَا مَسْحُ رَأْسِهِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ وَيُصَلِّي كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ عَلَى خُفٍّ ثُمَّ نَزَعَ

الْأَعْلَى فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ شَيْئًا، وَيُصَلِّي كَمَا هُوَ دُونَ أَنْ يُعِيدَ مَسْحًا. وَكَذَلِكَ مَنْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ حَلَقَ شَعْرَهُ أَوْ تَقَصَّصَ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ، فَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى وُضُوئِهِ وَطَهَارَتِهِ وَيُصَلِّي كَمَا هُوَ دُونَ أَنْ يَمْسَحَ مَوَاضِعَ الْقَصِّ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُحْدِثُ ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَى جُرْمُوقَيْنِ لَهُ مِنْ لُبُودٍ ثُمَّ يَنْزِعُهُمَا، فَإِذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ لَبِسَهُمَا وَصَلَّى. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ أَخْرَجَ قَدَمَهُ الْوَاحِدَةَ مِنْ مَوْضِعِهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ، أَوْ أَخْرَجَ كِلْتَيْهِمَا كَذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَ مَسْحُهُ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا وَيَغْسِلَهُمَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ لَوْ أَخْرَجَهُمَا بِالْكُلِّ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ. قَالَ فَلَوْ لَبِسَ جُرْمُوقَيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي كَانَ تَحْتَ الْجُرْمُوقِ وَيَمْسَحَ أَيْضًا عَلَى الْجُرْمُوقِ الثَّانِي وَلَا بُدَّ، لِأَنَّ بَعْضَ الْمَسْحِ إذَا انْتَقَضَ انْتَقَضَ كُلُّهُ. قَالَ: فَلَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ جَزَّ شَعْرَهُ وَقَصَّ شَارِبَهُ وَأَظْفَارَهُ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ خَلَعَ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْلَعَ الثَّانِيَ وَيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَعَهُمَا جَمِيعًا. وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ فَإِنَّهُ يَخْلَعُهُمَا جَمِيعًا وَلَا بُدَّ وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ قَدَمَيْهِ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ لَزِمَهُ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ، فَلَوْ تَوَضَّأَ وَجَزَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، قَالَ فَلَوْ أَخْرَجَ عَقِبَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ إلَّا أَنَّ سَائِرَ قَدَمَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ لِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ خَلَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ لَزِمَهُ خَلْعُ الثَّانِي وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ، فَإِنْ خَلَعَهُمَا جَمِيعًا فَكَذَلِكَ، فَلَوْ أَخْرَجَ رِجْلَيْهِ كِلَيْهِمَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا وَلَا شَيْئًا مِنْهُمَا عَنْ مَوْضِعِ سَاقِ الْخُفِّ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُخْرِجَ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ

غَسْلُهُ عَنْ جَمِيعِ الْخُفِّ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَخْلَعَهُمَا حِينَئِذٍ وَيَغْسِلَهُمَا، فَإِنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ جَزَّ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ أَوْ جَزَّ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ فِي خَلْعِ الْخُفَّيْنِ وَأَنْ يَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُمِسَّ الْمَاءَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مِنْ أَظْفَارِهِ فِي الْجَزِّ وَالْقَصِّ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ بِالْمَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي مُرَاعَاةِ إخْرَاجِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ عَنْ مَوْضِعِهَا فَيَلْزَمُهُ الْغَسْلُ فِي رِجْلَيْهِ مَعًا أَوْ إخْرَاجُ نِصْفِهَا فَأَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ، فَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ ظَاهِرٌ وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا رَأْيٌ مُطَّرِدٌ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَرَّةً الْكَثِيرَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَمَرَّةً الثُّلُثَ، وَمَرَّةً الرُّبُعَ، وَمَرَّةً شِبْرًا فِي شِبْرٍ، وَمَرَّةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ. وَأَمَّا فَرْقُ مَالِكٍ بَيْنَ إخْرَاجِ الْعَقِبِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ فَلَا يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ، وَبَيْنَ إخْرَاجِ الْقَدَمِ كُلِّهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ فَيَنْتَقِضُ الْمَسْحُ، فَتَحَكُّمٌ أَيْضًا لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ وَلَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ مُطَّرِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ فِي الْوُضُوءِ لَا يَطْهُرُ، إنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا وُضُوءَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ قَدْ انْتَقَضَ عَنْ الرِّجْلِ بِخُرُوجِهَا عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ انْتِقَاضِ الْمَسْحِ عَنْ الْعَقِبِ بِخُرُوجِهَا عَنْ مَوْضِعِهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ لَا يَنْتَقِضُ عَنْ الْعَقِبِ بِخُرُوجِهَا إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ أَيْضًا بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى مَوْضِعِ السَّاقِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا تَفْرِيقُهُمْ جَمِيعُهُمْ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يُخْلَعَانِ فَيَنْتَقِضُ الْمَسْحُ وَيَلْزَمُ إتْمَامُ الْوُضُوءِ، وَبَيْنَ الْوُضُوءِ ثُمَّ يُجَزُّ الشَّعْرُ وَتُقَصُّ الْأَظْفَارُ فَلَا يَنْتَقِضُ الْغَسْلُ عَنْ مِقَصِّ الْأَظْفَارِ وَلَا الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ فَفَرْقٌ فَاسِدٌ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَلَوْ عَكَسَ إنْسَانٌ هَذَا الْقَوْلَ فَأَوْجَبَ مَسْحَ الرَّأْسِ عَلَى مَنْ حَلَقَ شَعْرَهُ وَمَسَّ مِجَزَّ الْأَظْفَارِ بِالْمَاءِ وَلَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى مَنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ، لَمَا كَانَ بَيْنَهَا فَرْقٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: وَجَدْنَا مَسْحَ الرَّأْسِ وَغَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ الرَّأْسُ لَا الشَّعْرُ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ

الْأَصَابِعُ لَا الْأَظَافِرُ، فَلَمَّا جُزَّ الشَّعْرُ وَقُطِعَتْ الْأَظْفَارُ بَقِيَ الْوُضُوءُ بِحَسَبِهِ، وَأَمَّا الْمَسْحُ فَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ الْخُفَّانِ لَا الرِّجْلَانِ، فَلَمَّا نُزِعَا بَقِيَتْ الرِّجْلَانِ لَمْ تُوَضَّآ، فَهُوَ يُصَلِّي بِرِجْلَيْنِ لَا مَغْسُولَتَيْنِ وَلَا مَمْسُوحٍ عَلَيْهِمَا فَهُوَ نَاقِصُ الْوُضُوءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَتَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ، فَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهُ: بَلْ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ وَغَسْلُ الْأَظْفَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ الشَّعْرُ وَالْأَظْفَارُ فَقَطْ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الشَّعْرِ حِنَّاءٌ وَعَلَى الْأَظْفَارِ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ، وَأَمَّا الْخُفَّانِ فَالْمَقْصُودُ بِالْمَسْحِ الْقَدَمَانِ لَا الْخُفَّانِ، لِأَنَّ الْخُفَّيْنِ لَوْلَا الْقَدَمَانِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الْقَدَمَيْنِ الْغَسْلُ، إنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ، وَالْمَسْحُ إنْ كَانَتَا فِي خُفَّيْنِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَسْحِ الْخُفَّانِ، وَبِالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ الرَّأْسُ، وَبِغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْأَصَابِعِ لَا لِلْأَظْفَارِ. فَكَانَ مَاذَا؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يُعَادَ الْمَسْحُ بِخَلْعِ الْخُفَّيْنِ وَلَا يُعَادَ بِحَلْقِ الشَّعْرِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُصَلِّي بِقَدَمَيْنِ لَا مَغْسُولَتَيْنِ وَلَا مَمْسُوحٍ عَلَيْهِمَا - فَبَاطِلٌ، بَلْ مَا يُصَلِّي - إلَّا عَلَى قَدَمَيْنِ مَمْسُوحٍ عَلَى خُفَّيْنِ عَلَيْهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ، فَهُوَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بِإِقْرَارِهِمْ قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَجَازَتْ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ ثُمَّ أَمَرْتُمُوهُ بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ فَقَطْ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ الَّذِي قَدْ كَانَ تَمَّ قَدْ بَطَلَ أَوْ يَكُونَ لَمْ يَبْطُلْ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْطُلْ فَهَذَا قَوْلُنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ بَطَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا يُخَيَّلُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءٌ قَدْ تَمَّ ثُمَّ يُنْقَضُ بَعْضُهُ وَلَا يُنْقَضُ بَعْضُهُ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُوجِبُهُ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ يَصِحُّ. فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا أَوْ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْبُرْهَانَ قَدْ صَحَّ بِنَصِّ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَجَازَتْ لَهُ الصَّلَاةُ. وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ وَخُفَّيْهِ ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا خَلَعَ

مسألة تعمد لباس الخفين على طهارة ليمسح عليهما

خُفَّيْهِ وَعِمَامَتَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ تَقَصَّصَ وَقَطَعَ أَظْفَارَهُ: قَالَ قَوْمٌ: قَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَلْقَ وَقَصَّ الشَّعْرِ وَقَصَّ الْأَظْفَارِ وَخَلْعَ الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ حَدَثًا، وَالطَّهَارَةُ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا الْأَحْدَاثُ، أَوْ نَصٌّ وَارِدٌ بِانْتِقَاضِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَدَثٌ وَلَا نَصٌّ هَهُنَا عَلَى انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ وَلَا عَلَى انْتِقَاضِ بَعْضِهَا فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ، وَصَحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَلَا أَظْفَارِهِ وَلَا غَسْلُ رِجْلَيْهِ وَلَا إعَادَةُ وُضُوئِهِ، وَكَانَ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ أَوْجَبَهُ مِنْ الْمَشْيِ أَوْ مِنْ الْكَلَامِ أَوْ مِنْ خَلْعِ قَمِيصِهِ وَلَا فَرْقَ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ لِبَاسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا] 220 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا أَوْ خَضَبَ رِجْلَيْهِ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِمَا دَوَاءً ثُمَّ لَبِسَهُمَا لِيَمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ. أَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً ثُمَّ لَبِسَ الْعِمَامَةَ أَوْ الْخِمَارَ لِيَمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ أَحْسَنَ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ الْمَسْحِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَلَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ نَصٌّ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ لِيَبِيتَ فِيهَا لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَتَخْصِيصٌ لِلسُّنَّةِ بِلَا دَلِيلٍ. وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يُصَحِّحْهُ النَّصُّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا] 221 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ - قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا - مَسَحَ أَيْضًا حَتَّى يَتِمَّ لِمَسْحِهِ فِي كُلِّ مَا مَسَحَ فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ مَعًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا. ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِنْ مَسَحَ فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ أَوْ دَخَلَ مَوْضِعَهُ ابْتَدَأَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ كَانَ قَدْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ فَأَقَلَّ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِنْ كَانَ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ مَسَحَ بَاقِيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَلَيْلَتِهِ فَقَطْ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا خَلَعَ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبِحْ الْمَسْحَ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ بِلَيَالِيِهَا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، لَا مُقِيمًا وَلَا مُسَافِرًا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ابْتِدَاءِ الْمَسْحِ - لَا عَنْ الصَّلَاةِ بِالْمَسْحِ الْمُتَقَدِّمِ - فَوَجَبَ مَا قُلْنَا، فَلَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي السَّفَرِ

مسألة المسح على الخفين وما لبس على الرجلين على ظاهرهما فقط

أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ لَكَانَ قَدْ مَسَحَ وَهُوَ فِي الْحَضَرِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ: مَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَتَّى سَافَرَ مَسَحَ حَتَّى يُتِمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا مِنْ حِينِ أَحْدَثَ وَهُوَ مُقِيمٌ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي حَضَرِهِ ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ. قَالَ: فَإِنْ سَافَرَ فَمَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ أَوْ أَقَامَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ فَلَوْ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ قَدِمَ أَوْ أَقَامَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ تَمَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ خَلَعَ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسَحَ بَاقِيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَطْ ثُمَّ يَخْلَعُ. وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ قَدِمَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، إنْ كَانَ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَقَدِمَ أَوْ أَقَامَ فَإِنَّهُ يَخْلَعُ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ كَانَ مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَفَرِهِ أَتَمَّ بَاقِيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِالْمَسْحِ فَقَطْ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا مَسَحَ فِي سَفَرِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لَا أَكْثَرَ وَقَدِمَ اسْتَأْنَفَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى سَافَرَ اسْتَأْنَفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِظَاهِرِ لَفْظِ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَظَاهِرُ لَفْظِهِ يُوجِبُ صِحَّةَ قَوْلِنَا، لِأَنَّ النَّاسَ قِسْمَانِ: مُقِيمٌ وَمُسَافِرٌ، وَلَمْ يُبِحْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُسَافِرِ إلَّا ثَلَاثًا، وَلَا أَبَاحَ لِلْمُقِيمِ إلَّا بَعْضَ الثَّلَاثِ فَلَمْ يُبِحْ لِأَحَدٍ - لَا مُقِيمٍ وَلَا مُسَافِرٍ - أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَمَنْ خَرَجَ إلَى سَفَرٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ مَسَحَ مَسْحَ مُسَافِرٌ، ثَلَاثًا بِلَيَالِيِهِنَّ، وَمَنْ خَرَجَ دُونَ ذَلِكَ مَسَحَ مَسْحَ مُقِيمٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ هَذَا الْبُرُوزِ حُكْمُ الْحَضَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا لُبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَطْ] 222 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا لُبِسَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَطْ، وَلَا يَصِحُّ مَعْنًى لِمَسْحِ بَاطِنِهِمَا الْأَسْفَلِ تَحْتَ الْقَدَمِ، وَلَا لِاسْتِيعَابِ ظَاهِرِهِمَا، وَمَا مُسِحَ مِنْ ظَاهِرِهِمَا بِأُصْبُعٍ أَوْ أَكْثَرَ أَجْزَأَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ

عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ «عَلِيٍّ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ» . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُد، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: رَأَيْتُ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ بَالَ ثُمَّ أَتَى رَحْلَهُ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ عَلَى أَعْلَاهُمَا حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ عَلَى خُفَّيْهِ. وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، فَرَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَمْسَحُ عَلَى بُطُونِ الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ لَا إلَّا بِظُهُورِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَسْحُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ فَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لَا بِأَقَلَّ، وَقَالَ سُفْيَانُ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد: إنْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ، قَالَ زُفَرُ: إذَا مَسَحَ عَلَى أَكْثَرِ الْخُفَّيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَحْدِيدُ الثَّلَاثِ أَصَابِعَ وَأَكْثَرِ الْخُفَّيْنِ كَلَامٌ فَاسِدٌ وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ بَارِدٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ مَسَحَ بِأَقَلَّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مَذَاهِبِهِمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ مِثْلُ هَذَا فِي فَوْرِ الْوُضُوءِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَفِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَلَا تَحِلُّ مُرَاعَاةُ إجْمَاعٍ إذَا وُجِدَ النَّصُّ يَشْهَدُ لِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْمَسْحِ دُونَ تَحْدِيدِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] بَلْ هَذَا الَّذِي قَالُوا هُوَ إيجَابُ الْفَرَائِضِ بِالدَّعْوَى الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بِلَا نَصٍّ، وَهَذَا الْبَاطِلُ الْمُجْمَعُ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَيُعَارِضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْمَسْحِ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْمَسْحِ بِمَا زَادَ، فَلَا يَجِبُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مَرْوِيٌّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحَبُّ مَسْحُ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا دُونَ الْبَاطِنِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ لَمْ يُجْزِهِ.

مسألة لبس على رجليه شيئا مما يجوز المسح عليه على غير طهارة ثم أحدث

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَسْحُ الْأَسْفَلِ لَيْسَ فَرْضًا وَلَا جَاءَ نَدْبٌ إلَيْهِ: فَلَا مَعْنَى لَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: إنْ مَسَحَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ مَسَحَ الْبَاطِنَ دُونَ الظَّاهِرِ أَعَادَ أَبَدًا. وَقَدْ رُوِّينَا مَسْحَ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ: الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عَلَى أُصُولِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا مَعْنَى لَهَا، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَدَّى فَرْضَ طَهَارَتِهِ وَصَلَاتِهِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهِمَا فَيَلْزَمُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ أَبَدًا. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأْي مَسْحَ بَاطِنِ الْخُفَّيْنِ مَعَ ظَاهِرِهِمَا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا» وَحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ عَنْ بْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ الْكَعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا» وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بْنِ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَعَيْنَ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّهُمْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ، أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَعُبَادَةَ فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَا يُسَمَّى عَمَّنْ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَمَّنْ لَا يُعْرَفُ، وَهَذَا فَضِيحَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثَا الْمُغِيرَةِ فَأَحَدُهُمَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ، وَلَمْ يُولَدْ ابْنُ شِهَابٍ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُغِيرَةِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، وَالثَّانِي مُدَلِّسٌ أَخْطَأَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَهَذَا خَبَرٌ حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ قَالَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا» فَصَحَّ أَنَّ ثَوْرًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمُغِيرَةُ، وَعِلَّةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ كَاتِبَ الْمُغِيرَةِ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَبِسَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ] 223 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَبِسَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ

طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ، فَلَمَّا أَرَادَ الْوُضُوءَ وَتَوَضَّأَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ غَيْرُ رِجْلَيْهِ فَجَاءَهُ خَوْفٌ شَدِيدٌ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ نَزْعِ خُفَّيْهِ، فَإِنَّهُ يَنْهَضُ وَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، وَيُصَلِّي كَمَا هُوَ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، فَإِذَا أَمْكَنَهُ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَوَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يَلْزَمُهُ نَزْعُهُمَا وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ فَرْضًا وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَنَزَعَ مَا عَلَى رِجْلَيْهِ وَغَسَلَهُمَا وَابْتَدَأَ الصَّلَاةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَيُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ بِحَدَثٍ لَا بِوُجُودِ الْمَاءِ، وَهَذَا أَصَحُّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَلَمَّا عَجَزَ هَذَا عَنْ غَسْلِ رِجْلَيْهِ سَقَطَ حُكْمُهُمَا، وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ وُضُوءِ سَائِرِ أَعْضَائِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَزِمَهُ إتْمَامُ وُضُوئِهِ فَرْضًا وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ لَا يُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا بِوُضُوءٍ تَامٍّ، وَالصَّلَاةُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَعْمَالِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، فَقَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، بَلْ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ مِنْ النَّصِّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ تَمَّتْ طَهَارَتُهُ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ، إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَلَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُوجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةَ الْوُضُوءِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ وَلَا غَسْلُ رِجْلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ، لَكِنْ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يُحْدِثْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ. قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ كُلُّهُ، وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ إذَا وَجَبَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَجِبَ فِي الْعَاجِزِ عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ؟ فَلَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ غَيْرُ دَعْوَاكُمْ أَنَّ هَذَا وَجَبَ فِي الْعَاجِزِ كَمَا وَجَبَ فِي التَّيَمُّمِ، وَهَذِهِ دَعْوَى مُفْتَقِرَةٌ إلَى بُرْهَانٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ بِدَعْوَاهُ فَقَدْ أَرَادَ الْبَاطِلَ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ - كَمَنْ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ - لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَأَنَّ حُكْمَهُ إنَّمَا هُوَ غَسْلُ مَا بَقِيَ مِنْ وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسْحُ رَأْسِهِ فَقَطْ، وَأَنَّ وُضُوءَهُ بِذَلِكَ تَامٌّ وَصَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ حُكْمُ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. -

كتاب التيمم

[كِتَابُ التَّيَمُّمِ] [مَسْأَلَةٌ يَتَيَمَّمُ مِنْ الْمَرْضَى مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ] ِ 224 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَتَيَمَّمُ مِنْ الْمَرْضَى إلَّا مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ، أَوْ مَنْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ أَوْ فِي الْغُسْلِ بِهِ أَوْ الْمُسَافِرُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ بِهِ أَوْ الْغُسْلِ بِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] فَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَاهُ وَإِسْقَاطُ الْحَرَجِ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] فَالْحَرَجُ وَالْعُسْرُ سَاقِطَانِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - سَوَاءٌ زَادَتْ عِلَّتُهُ أَوْ لَمْ تَزِدْ، وَكَذَلِكَ إنْ خَشِيَ زِيَادَةَ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَيْضًا عُسْرٌ وَحَرَجٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ: الْمَرِيضُ لَا يَتَيَمَّمُ أَصْلًا مَا دَامَ يَجِدُ الْمَاءَ، وَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ، الْمَجْدُورُ وَغَيْرُ الْمَجْدُورِ سَوَاءٌ. 225 - مَسْأَلَةٌ: وَسَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، سَفَرَ طَاعَةٍ كَانَ أَوْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ أَوْ مُبَاحًا، هَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ قَوْلًا لَمْ يَنْسِبْهُ إلَى أَحَدٍ، وَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ حَدَّ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ سَفَرًا دُونَ سَفَرٍ، فِي بَعْضِ الْمَسَافَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَفِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ دُونَ بَعْضٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا لَزِمَهُمْ، إذْ هُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ أَنْ يَقِيسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ صِفَةِ السَّفَرِ فِي الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ السَّفَرِ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ، وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

مسألة يتيمم من كان في الحضر صحيحا إذا كان لا يقدر على الماء

مَسْأَلَةٌ: وَالْمَرَضُ هُوَ كُلُّ مَا أَحَالَ الْإِنْسَانَ عَنْ الْقُوَّةِ وَالتَّصَرُّفِ، هَذَا حُكْمُ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يَتَيَمَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ] 227 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَيَتَيَمَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ وَالدَّلْوُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى شَفِيرِ النَّهْرِ وَالسَّاقِيَّةِ وَالْعَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يُوقِنُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّ وُضُوءَهُ أَوْ غُسْلَهُ حَتَّى يَطْلُعَ أَوَّلُ قَرْنِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجُونُ وَالْخَائِفُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ» ، فَذَكَرَ فِيهَا: «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا إسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ» . فَهَذَا عُمُومٌ دَخَلَ فِيهِ الْحَاضِرُ وَالْبَادِي. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» فَلَمْ يُبِحْ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجُنُبِ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ إلَّا مُسَافِرًا. قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ذَكَرْتُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ زَائِدَةً حُكْمًا وَوَارِدَةً بِشَرْعٍ لَيْسَ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ بَلْ فِيهَا إبَاحَةٌ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ الْجُنُبُ دُونَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَهُوَ غَيْرُ عَابِرِ سَبِيلٍ، لَكِنْ إذَا كَانَ مَرِيضًا لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَوْ عَلَيْهِ حَرَجٌ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا زَائِدَةً حُكْمًا

مسألة السفر الذي يتيمم فيه

عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي لَفْظُهُ «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا بِزِيَادَةٍ وَعُمُومٍ عَلَى الْآيَتَيْنِ وَالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، فَدَخَلَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ الصَّحِيحُ الْمُقِيمُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ جَمْعُ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَكُلُّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَاللَّيْثِ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَتَيَمَّمُ الْحَاضِرُ، لَكِنْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ إلَّا حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَعَادَ وَلَا بُدَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ فِي الْحَضَرِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، لَكِنْ يَصْبِرُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَيَجِدَ الْمَاءَ فَيُصَلِّي حِينَئِذٍ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَمْرُهُمَا لَهُ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ مِنْ أَنْ يَكُونَا أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ هِيَ فَرْضُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَوْ بِصَلَاةٍ لَمْ يَفْرِضْهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ قَالَ مُقَلِّدُهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ: هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، قُلْنَا فَلِمَ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ، أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، وَهَذَا خَطَأٌ، وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَدَائِهَا فِيهِ، وَأَلْزَمَهُ إيَّاهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخِيرَهَا إلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ، وَالتَّأْكِيدُ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَوَجَدْنَا هَذَا الَّذِي حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ وَبِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا وَبِالصَّلَاةِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ سَقَطَا عَنْهُ، وَقَدْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، فَهُوَ غَيْرُ بَاقٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ السَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ] 228 - مَسْأَلَةٌ: وَالسَّفَرُ الَّذِي يُتَيَمَّمُ فِيهِ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ سَفَرًا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْ مِمَّا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ - مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ مِنْ الْبُرُوزِ عَنْ الْمَنَازِلِ - فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، فَأَمَّا الْمُسَافِرُ سَفَرًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَفَرٍ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَهُ التَّيَمُّمُ فَالْأَفْضَلُ لَهُمَا أَنْ يَتَيَمَّمَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ،

سَوَاءٌ رَجَوْا الْمَاءَ أَوْ أَيْقَنَا بِوُجُودِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، أَوْ أَيْقَنَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَكَذَلِكَ رَجَاءُ الصِّحَّةِ وَلَا فَرْقَ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ وَمَنْ لَهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ إلَّا حَتَّى يُوقِنَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ إمْكَانِ الْمَاءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ، وَفِي الْمَرِيضِ كَذَلِكَ وَفِي الْمَرِيضِ ذِي الْحَرَجِ، وَكَانَ الْبِدَارُ إلَى الصَّلَاةِ أَفْضَلَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَلَا خِلَافَ مِنْ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَمَا أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ تَيَقُّنِ خُرُوجِ الْوَقْتِ إلَّا بِاخْتِلَافٍ، وَلَوْلَا النَّصُّ مَا حُلَّ لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: لَا يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ إلَّا فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ يَطْمَعُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِهِ فَلْيَتَيَمَّمْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: يُؤَخِّرُ الْمُسَافِرُ التَّيَمُّمَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ، وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: لَا يُعَجِّلُ وَلَا يُؤَخِّرُ، وَلَكِنْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ. وَقَالَ مَرَّةً: إنْ أَيْقَنَ بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ التَّيَمُّمَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَإِنْ كَانَ طَامِعًا فِي وُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَخَّرَ التَّيَمُّمَ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ، فَيَتَيَمَّمُ فِي وَسَطِهِ وَيُصَلِّي، وَإِنْ كَانَ مُوقِنًا أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَيَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: التَّعَلُّقُ بِتَأْخِيرِ التَّيَمُّمِ لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ عَمَلَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْمُتَيَمِّمِ، وَلَا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُتَوَضِّئِ أَفْضَلُ وَلَا أَتَمُّ مِنْ صَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ طَهَارَةٌ تَامَّةٌ وَصَلَاةٌ تَامَّةٌ، وَفَرْضٌ فِي حَالَةٍ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ رَجَاءَ وُجُودِ الْمَاءِ تَرْكٌ لِلْفَضْلِ فِي الْبِدَارِ إلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بِلَا مَعْنَى، وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ

مسألة كان الماء منه قريبا إلا أنه يخاف ضياع رحله أو فوت الرفقة

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ. قَالَ «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مِيلٌ أَوْ مِيلَانِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الْجُرْفِ، فَلَمَّا أَتَى الْمِرْبَدَ لَمْ يَجِدْ مَاءً، فَنَزَلَ فَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ وَصَلَّى ثُمَّ لَمْ يُعِدْ تِلْكَ الصَّلَاةَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ طَلَبَهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبُهُ وَتَيَمَّمَ. قَالَ: وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ غَيْرَ مُسَافِرٍ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ حِسَّ النَّاسِ وَأَصْوَاتَهُمْ تَيَمَّمَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا وَمِنْ مِثْلِهَا [مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ قَرِيبًا إلَّا أَنَّهُ يَخَافُ ضَيَاعَ رَحْلِهِ أَوْ فَوْتَ الرُّفْقَةِ] . 229 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ الْمَاءُ مِنْهُ قَرِيبًا إلَّا أَنَّهُ يَخَافُ ضَيَاعَ رَحْلِهِ أَوْ فَوْتَ الرُّفْقَةِ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ ظَالِمٌ أَوْ نَارٌ أَوْ أَيُّ خَوْفٍ كَانَ فِي الْقَصْدِ إلَيْهِ مَشَقَّةٌ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَجِدُونَ مَاءً يَقْدِرُونَ عَلَى الطَّهَارَةِ بِهِ. 230 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَلَبَ بِحَقٍّ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ، لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْ كُلِّ حَقٍّ قَبِلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِعِبَادِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَهُوَ عَاصٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَى بِئْرٍ يَرَاهَا وَيَعْرِفُهَا فِي سَفَرٍ وَخَافَ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ] 231 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ كَانَ عَلَى بِئْرٍ يَرَاهَا وَيَعْرِفُهَا فِي سَفَرٍ وَخَافَ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ أَوْ فَوْتَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ خُرُوجَ الْوَقْتِ: تَيَمَّمَ وَأَجْزَأَهُ، لَكِنْ يَتَوَضَّأُ لِمَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ، فَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ الْمَاءَ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا حَرَجٍ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى] 232 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ فَنَسِيَهُ أَوْ كَانَ بِقُرْبِهِ بِئْرٌ أَوْ عَيْنٌ لَا يَدْرِي بِهَا فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ هَذَيْنِ غَيْرُ وَاجِدَيْنِ لِلْمَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ بِنَصِّ

مسألة كل حدث ينقض الوضوء فإنه ينقض التيمم

كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد. وَقَالَ مَالِكٌ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: يُعِيدُ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مِنْهُ عَلَى رَمْيَةِ سَهْمٍ أَوْ نَحْوِهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهَا أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى شَفِيرِهَا أَوْ بِقُرْبِهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهَا لَمْ يُجْزِهِ التَّيَمُّمُ. [مَسْأَلَةٌ كُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ] 233 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. [مَسْأَلَةٌ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ وُجُودُ الْمَاءِ] 234 - مَسْأَلَةٌ: وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ أَيْضًا وُجُودُ الْمَاءِ، سَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ صَلَّى أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا تُنْتَقَضُ لِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا قَدْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ إثْرَ سَلَامِهِ مِنْهَا، الْخِلَافُ فِي هَذَا فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا خِلَافٌ قَدِيمٌ فِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا وُجِدَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا الْغُسْلُ مَا لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: إذَا كُنْتَ جُنُبًا فِي سَفَرٍ فَتَمْسَحُ ثُمَّ إذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَلَا تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ إنْ شِئْتَ، قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: مَا يُدْرِيهِ؟ إذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ. وَبِإِحْدَاثِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ يَقُولُ جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لَا يَرَى تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَنْ قَالَ: التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْقُضُهَا إلَّا مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَاتِ، وَلَيْسَ وُجُودُ الْمَاءِ حَدَثًا، فَوُجُودُ الْمَاءِ لَا يَنْقُضُ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ هَذَا قَوْلًا صَحِيحًا لَوْلَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْقَطَّانُ - ثنا عَوْفٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - ثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاتِهِ إذْ هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: مَا

مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» ثُمَّ ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ أَمْرَ الْمَاءِ الَّذِي أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى آيَةً لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ «أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ، وَقَالَ: اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ» . حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ بِبَغْدَادَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبِي ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ «عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْقَوْمِ جُنُبٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ وَجَدْنَا الْمَاءَ بَعْدُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَا يُعِيدَ الصَّلَاةَ» وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ حُذَيْفَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» . فَصَحَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الطَّهُورَ بِالتُّرَابِ إنَّمَا هُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ، وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّطَهُّرُ بِالتُّرَابِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ طَهُورٌ بِالتُّرَابِ إلَّا أَنْ لَا نَجِدَ الْمَاءَ إلَّا لِمَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ نَصٌّ آخَرُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِالْقَبُولِ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، بَلْ فَرَضَ الْعَمَلَ بِهِمَا مَعًا، وَصَحَّحَ هَذَا أَيْضًا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُجْنِبَ بِالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ وَالصَّلَاةِ، ثُمَّ أَمْرُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ بِالْغُسْلِ، فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: إنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيُعِيدُهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ طَاوُسٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ يَتَيَمَّمُونَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ، فَإِنْ تَيَمَّمُوا وَصَلَّوْا ثُمَّ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُعِيدُ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ فَيُعِيدَانِ الصَّلَاةَ.

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ، لِأَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ، كَمَا أُمِرَ بِهِ الْمُسَافِرُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ الْمُبَاحُ لَهُمَا التَّيَمُّمُ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْعُسْرِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا، فَلَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، نَعَمْ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُعِيدُ الْكُلَّ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يُعِيدُ فَنَظَرْنَا، فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مَأْمُورًا بِالتَّيَمُّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا صَلَّوْا كَانُوا لَا يَخْلُونَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونُوا صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا أَوْ لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا. فَإِنْ قَالُوا لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا قُلْنَا لَهُمْ: فَهُمْ إذًا مَنْهِيُّونَ عَنْ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ ابْتِدَاءً لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلَوْ قَالَهُ لَكَانَ مُخْطِئًا مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْقِسْمُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا، فَإِذْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا فَلَا تَحِلُّ لَهُمْ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَبُو كَامِلٍ ثنا يَزِيدُ - يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ - ثنا حُسَيْنٌ - هُوَ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: «أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» فَسَقَطَ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ جُمْلَةً. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالثَّالِثُ مَنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا ثَوْرٍ وَدَاوُد. قَالُوا: إنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَتَمَادَ عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يُعِيدُهَا وَلَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَغْتَسِلْ وَلَا بُدَّ، لَا تُجْزِيهِ صَلَاةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ إلَّا بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَلَا بُدَّ، وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ وَيَبْتَدِيهَا، وَأَمَّا إنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ تِلْكَ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِمَا يَسْتَأْنِفُ لَا تُجْزِيهِ صَلَاةٌ يَسْتَأْنِفُهَا إلَّا بِذَلِكَ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَوُجُودِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ - إنْ قَالُوا قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذِهِ، وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَا، لِأَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَخْلُو وُجُودُ الْمَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُحْدِثِ أَوْ الْمُجْنِبِ، أَوْ يَكُونَ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَلَا يُعِيدُهُ فِي حُكْمِ الْمُجْنِبِ أَوْ الْمُحْدِثِ. فَإِنْ قَالُوا لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَلَا يُعِيدُهُ مُجْنِبًا وَلَا مُحْدِثًا، فَهَذَا جَوَابُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا، قُلْنَا فَلَا عَلَيْكُمْ، أَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ مَتَى وَجَدَ الْمَاءَ بِلَا خِلَافٍ مِنْكُمْ، فَمِنْ قَوْلِهِمْ نَعَمْ، فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي حِينِ وُجُودِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ بِنَصِّ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِكُمْ فِي الْبِدَارِ إلَى مَا أُمِرْنَا بِهِ فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ مَأْمُورًا بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ لِشُغْلِهِ بِهَا، قُلْنَا: هَذَا فَرْقٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، فَإِذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ فَقَدْ صَحَّ إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ أَمْرَكُمْ بِالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِكُمْ لَا تُنْتَقَضُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ، فَكَانَ اللَّازِمُ عَلَى أُصُولِكُمْ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ وَيَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ كَمَا تَقُولُونَ فِي الْمُحْدِثِ وَلَا فَرْقَ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَجَوَابُهُمْ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَيُعِيدُ التَّيَمُّمَ مُجْنِبًا وَمُحْدِثًا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ هَذَا قَوْلًا ظَاهِرَ الْفَسَادِ وَدَعْوَى عَارِيَّةً عَنْ الدَّلِيلِ، وَمَا جَاءَ قَطُّ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا فِي قِيَاسٍ وَلَا فِي رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ أَنَّ شَيْئًا يَكُونُ حَدَثًا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ حَدَثًا فِي الصَّلَاةِ وَالدَّعْوَى لَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ، وَهِيَ بَاطِلٌ مَا لَمْ يُصَحِّحْهَا بُرْهَانٌ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، لَا سِيَّمَا قَوْلُهُمْ: إنَّ وُجُودَ الْمُصَلِّي الْمَاءَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ لَا يَنْقُضُ صَلَاتَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ اُنْتُقِضَتْ طَهَارَتُهُ بِالْوُجُودِ الَّذِي كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَادَ ذَلِكَ الْوُجُودُ إلَى بَعْدِ الصَّلَاةِ، فَهَذَا أَطْرَفُ مَا يَكُونُ شَيْءٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ إذَا عُدِمَ وَلَا يَنْقُضُهَا إذَا وُجِدَ وَهُمْ قَدْ أَنْكَرُوا هَذَا بِعَيْنِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْقَهْقَهَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَنْقُضُهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ.

مسألة المريض المباح له التيمم مع وجود الماء

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ ظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ» فَصَحَّ أَنْ لَا طَهَارَةَ تَصِحُّ بِتُرَابٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلَّا لِمَنْ أَجَازَهُ لَهُ النَّصُّ مِنْ الْمَرِيضِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَرَجٌ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ بُطْلَانُ طَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي صَلَاةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَصَحَّ قَوْلُ سُفْيَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تَنَاقَضَ هَهُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَرَى لِمَنْ أَحْدَثَ مَغْلُوبًا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ، وَهَذَا أَحْدَثَ مَغْلُوبًا، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَرَى السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْسَ فَرْضًا: وَأَنَّ مَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَأَنَّهُ إنْ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَأَى هَهُنَا أَنَّهُ وَإِنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ قَدْ بَطَلَتْ وَكَذَلِكَ طَهَارَتُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُعِيدَهَا أَبَدًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ وَالْبُعْدِ عَنْ النُّصُوصِ وَالْقِيَاسِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ، وَمَا عَلِمْنَا هَذِهِ التَّفَارِيقَ لِأَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. [مَسْأَلَةٌ الْمَرِيضُ الْمُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ] 235 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَرِيضُ الْمُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّ صِحَّتَهُ لَا تَنْقُضُ طَهَارَتَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي أَتْبَعْنَا إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَهُوَ الَّذِي تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ بِوُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ قَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ، بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِذْ ذَاكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصِّحَّةَ لَيْسَتْ حَدَثًا أَصْلًا، إذْ لَمْ يَأْتِ بِأَنَّهَا حَدَثٌ لَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الْمَرِيضَ عَلَى الْمُسَافِرِ، قُلْنَا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ وَهُوَ قِيَاسُ وَاجِدِ الْمَاءِ عَلَى عَادِمِهِ، وَقِيَاسُ مَرِيضٍ عَلَى صَحِيحٍ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ أَحْكَامَهُمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا تَخْتَلِفُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ] 236 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُتَيَمِّمُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْفَرْضَ وَالنَّوَافِلَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ بِحَدَثٍ أَوْ بِوُجُودِ الْمَاءِ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ بِالتَّيَمُّمِ إلَّا مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ فَقَطْ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد.

وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مِثْلِ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: التَّيَمُّمُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ. يَقُولُ يُصَلِّي بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: صَلِّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا مَا لَمْ تُحْدِثْ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى صَلَاتَا فَرْضٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَتَطَوَّعَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَيَمَّمَ تَيَمُّمًا آخَرَ لِلْفَرِيضَةِ فَلَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ صَلَّى الْفَرِيضَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَلَا بُدَّ، وَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ. وَقَالَ شَرِيكٌ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ شَرِيكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَرَبِيعَةَ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةِ فَرْضٍ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّي الْفَوَائِتَ مِنْ الْفُرُوضِ كُلِّهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُ بِحُجَّةٍ أَصْلًا، لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا يَخْلُو التَّيَمُّمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهَارَةً أَوْ لَا طَهَارَةَ، فَإِنْ كَانَ طَهَارَةً فَيُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ يُوجِبْ نَقْضَهَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ طَهَارَةً فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ طَهَارَةً تَامَّةً وَلَكِنَّهُ اسْتِبَاحَةٌ لِلصَّلَاةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَوْلٌ يُكَذِّبُهُ الْقُرْآنُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6] فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ طَهَارَةً تَامَّةً - وَلَكِنَّهُ اسْتِبَاحَةٌ لِلصَّلَاةِ،

وَهَذَا كَلَامٌ يَنْقُضُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ لِلصَّلَاةِ لَا تَكُونُ إلَّا بِطَهَارَةٍ، فَهُوَ إذَنْ طَهَارَةٌ لَا طَهَارَةٌ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ هَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا اسْتِبَاحَةً لِلصَّلَاةِ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنْ لَا يَسْتَبِيحُوا بِهَذِهِ الِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ كَمَا اسْتَبَاحُوا بِهِ الصَّلَاةَ الْأُولَى؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اسْتِبَاحَةً لِلصَّلَاةِ الْأُولَى دُونَ أَنْ يَكُونَ اسْتِبَاحَةً لِلثَّانِيَةِ؟ وَقَالُوا: إنَّ طَلَبَ الْمَاءِ يَنْقُضُ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ. قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا بَاطِلٌ، أَوَّلُ ذَلِكَ إنَّ قَوْلَكُمْ، إنَّ طَلَبَ الْمَاءِ يَنْقُضُ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَثَانِيهِ أَنَّ قَوْلَكُمْ: أَنَّ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَاءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَاطِلٌ وَأَيَّ مَاءٍ يَطْلُبُ؟ وَهُوَ قَدْ طَلَبَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ؟ ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، فَأَيَّ مَاءٍ يَطْلُبُهُ الْمَرِيضُ الْوَاجِدُ الْمَاءَ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً، لَا سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ لِلنَّوَافِلِ وَانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ النَّافِلَةِ لِلْفَرِيضَةِ، وَبَعْدَ الْفَرِيضَةِ لِلْفَرِيضَةِ، وَطَلَبُ الْمَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ يَلْزَمُ لِلنَّافِلَةِ وَلَا بُدَّ، كَمَا يَلْزَمُ لِلْفَرِيضَةِ، إذْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلنَّافِلَةِ كَمَا تَجِبُ لِلْفَرِيضَةِ وَلَا فَرْقَ، بِلَا خِلَافٍ بِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَشَيْخُهُمْ الَّذِي قَلَّدُوهُ - مَالِكٌ - يَقُولُ فِي الْمُوَطَّأِ: لَيْسَ الْمُتَوَضِّئُ بِأَطْهَرَ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ، وَمَنْ تَيَمَّمَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ تَجْدِيدَ التَّيَمُّمِ لِلْفَرِيضَةِ وَلَمْ يُوجِبْهُ لِلنَّافِلَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ جَعَلَ الطَّهَارَةَ بِالتَّيَمُّمِ تَصِحُّ بِبَقَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَتُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَمَا عَلِمْنَا فِي الْأَحْدَاثِ خُرُوجَ وَقْتٍ أَصْلًا، لَا فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ الْأَمْرُ بِالْغُسْلِ فِي كُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ قِيَاسَ الْمُتَيَمِّمِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لَمْ يُوجِبْهُ شَبَهٌ بَيْنَهُمَا وَلَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، فَحَصَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ دَعْوَى كُلَّهَا بِلَا بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا إنَّ قَوْلَنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ

قُلْنَا أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَاقِطَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّمَا هِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَتَادَةُ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا لَا تَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، إذْ لَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا فَإِنَّ تَقْسِيمَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَهُمْ مُخَالِفُونَ الصَّحَابَةَ الْمَذْكُورِينَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، فَصَحَّ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] إلَى قَوْلِهِ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] قَالَ فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ خَرَجَ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْآيَةِ، وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ لِلصَّلَاةِ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا لَيْسَ كَمَا قَالُوا، لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْمُبِيحِينَ لِلْقِيَامِ إلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِغَيْرِ إحْدَاثِ تَيَمُّمٍ وَلَا إحْدَاثِ طَلَبٍ لِلْمَاءِ، فَلَا مُتَعَلَّقَ لِهَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ شَرِيكٍ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ الْآيَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُمْ، وَلَوْ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ لَأَوْجَبَتْ غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ أَبَدًا، وَإِنَّمَا حُكْمُ الْآيَةِ فِي إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُجْنِبِينَ وَالْمُحْدِثِينَ فَقَطْ، بِنَصِّ آخِرِ الْآيَةِ الْمُبَيِّنِ لِأَوَّلِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ هَهُنَا حَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ وَإِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَأَحْدَثْتُمْ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ، فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ. بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ حُكْمَ تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ بِنَصِّ الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ حُكْمُهُ الْوُضُوءُ لَا عَلَى مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ، لَكَانَ أَحَقَّ بِظَاهِرِ الْآيَةِ

مسألة التيمم جائز قبل الوقت وفي الوقت

مِنْهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْآيَةِ إلَّا مَنْ كَانَ مُحْدِثًا فَقَطْ، لَا كُلَّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ أَصْلًا، وَهَذَا لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ فِي إيجَابِ تَجْدِيدِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِالْآيَةِ وَصَارَتْ الْآيَةُ مُوجِبَةً لِقَوْلِنَا، وَمُسْقِطَةً لِلتَّيَمُّمِ إلَّا عَمَّنْ كَانَ مُحْدِثًا فَقَطْ، وَأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ صَحِيحَةٌ بِنَصِّ الْآيَةِ، فَإِذْ الْآيَةُ مُوجِبَةٌ لِذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ النَّافِلَةِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَجْنُبْ أَوْ يَجِدْ الْمَاءَ بِنَصِّ الْآيَةِ نَفْسِهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ التَّيَمُّمُ جَائِزٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ] 237 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّيَمُّمُ جَائِزٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَافِلَةً أَوْ فَرْضًا كَالْوُضُوءِ وَلَا فَرْقَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى إلَى صَلَاةِ فَرْضٍ دُونَ النَّافِلَةِ، فَكُلُّ مُرِيدٍ صَلَاةً فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا، وَبِالْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّم إنْ كَانَ مُحْدِثًا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِمُرِيدِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ تَطَهُّرِهِ وَبَيْنَ صَلَاتِهِ مُهْلَةٌ مِنْ الزَّمَانِ، فَإِذْ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَنْ حَدَّ فِي قَدْرِ تِلْكَ الْمُهْلَةِ حَدًّا فَهُوَ مُبْطِلٌ، لِأَنَّهُ يَقُولُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، فَإِذْ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالْوُضُوءِ وَلَا بِالتَّيَمُّمِ طُولُ تِلْكَ الْمُهْلَةِ وَلَا قِصَرُهَا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى] 238 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، لِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَالسَّفِينَةُ تَجْرِي وَأَرَادَ الصَّلَاة] 239 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ وَالسَّفِينَةُ تَجْرِي فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِ مَاءِ الْبَحْرِ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ تَيَمَّمَ وَأَجْزَأَهُ. رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءَ بِهِ، وَأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ التَّيَمُّمُ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» وَمَاءُ الْبَحْرِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ الْمَاءِ مِنْهُ فَهُوَ لَا يَجِدُ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى التَّطَهُّرِ بِهِ، فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ.

مسألة لم يجد إلا ماء يخاف على نفسه منه

[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ] مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ الْمَوْتَ أَوْ الْمَرَضَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْخِينِهِ إلَّا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى التَّطَهُّرِ بِهِ. [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى مَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلْغُسْلِ] 241 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلْغُسْلِ، لَا بِمَا قَلَّ وَلَا بِمَا كَثُرَ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا الْغُسْلُ وَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلشُّرْبِ إنْ لَمْ يُعْطَهُ بِلَا ثَمَنٍ، وَأَنْ يَطْلُبَهُ لِلْوُضُوءِ فَذَلِكَ لَهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ وُهِبَ لَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَا بُدَّ، وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ» . حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عِيسَى بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَبُو الْمِنْهَالِ أَنَّ إيَاسَ بْنَ عَبْدٍ قَالَ لِرَجُلٍ: لَا تَبِعْ الْمَاءَ، فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ «عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيِّ - وَرَأَى نَاسًا يَبِيعُونَ الْمَاءَ - فَقَالَ لَا تَبِيعُوا الْمَاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُبَاعَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَمْنَعَ نَقْعَ الْبِئْرِ يَعْنِي فَضْلَ الْمَاءِ» هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لَا تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ تَقَصَّيْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ فَبَيْعُهُ حَرَامٌ، وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَخْذُهُ بِالْبَيْعِ أَخْذٌ بِالْبَاطِلِ، وَإِذْ هُوَ مَأْخُوذٌ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَمَلِّكَ لَهُ، وَإِذْ هُوَ غَيْرُ

مسألة معه ماء يسير يكفيه لشربه فقط وأراد الصلاة

مُتَمَلِّكٍ لَهُ فَلَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَإِذَا لَمْ يَجِدْهُ إلَّا بِوَجْهٍ حَرَامٍ - مِنْ غَصْبٍ أَوْ بَيْعٍ مُحَرَّمٍ - فَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ الْمَاءَ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا ابْتِيَاعُهُ لِلشُّرْبِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ، وَالثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا اسْتِيهَابُهُ الْمَاءَ فَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ إيجَابٌ وَلَا جَاءَ عَنْهُ مَنْعٌ فَهُوَ مُبَاحٌ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِذَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ فَقَدْ مَلَكَهُ بِحَقٍّ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ: عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ بِثَمَنِهِ، فَإِنْ طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِهِ، تَيَمَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِيهِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ قَلِيلَ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بِثَمَنٍ غَالٍ تَيَمَّمَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَشِطُّوا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَشْتَرِيهِ وَلَوْ بِمَالِهِ كُلِّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ وَاجِدُهُ بِالثَّمَنِ - وَاجِدًا لِلْمَاءِ - فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاجِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُنَا، وَأَمَّا التَّقْسِيمُ فِي ابْتِيَاعِهِ مَا لَمْ يَغْلِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَتَرَكَهُ إنْ غُولِي بِهِ، فَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، وَكُلُّ مَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَيْسَ غَالِيًا بِشَيْءٍ أَصْلًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِشُرْبِهِ فَقَطْ وَأَرَادَ الصَّلَاة] 242 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِشُرْبِهِ فَقَطْ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . [مَسْأَلَةٌ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ] 243 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَسِيرٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ، لَا يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ، لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَإِذْ هُمَا كَذَلِكَ فَلَا يَنُوبُ أَحَدٌ عَنْ الْآخَرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَحَدَهُمَا بِكَمَالِهِ بِالْمَاءِ، فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا ذَلِكَ، وَيُؤَدِّي الْآخَرَ بِالتَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا أُمِرَ. 244 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ فَضَلَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ يَسِيرٌ فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ ذَهَبَ

مسألة أجنب ولا ماء معه

وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَعُمَّ بِهِ سَائِرَ أَعْضَائِهِ، فَفَرْضُهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ وَالتَّيَمُّمُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَغْسِلُ بِهِ أَيَّ أَعْضَائِهِ شَاءَ وَيَتَيَمَّمُ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ سَائِرِ أَعْضَائِهِ. بِمَنْعٍ مِنْهَا فَيُجْزِيهِ تَطْهِيرُ بَعْضِهَا: وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَطْهِيرِ مَا أُمِرَ بِتَطْهِيرِهِ بِالْمَاءِ، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَالْفَرْضُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَلَا بُدَّ، بِتَعْوِيضِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّعِيدَ مِنْ الْمَاءِ إذَا لَمْ يُوجَدْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ لَأَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ وُضُوئِهِ أَوْ بِبَعْضِ غُسْلِهِ، غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ عَلَى بَاقِيهِ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْغُسْلِ بِمَا يَسْتَطِيعُ فِي الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلُ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَعْضَاءِ الْغُسْلِ حَيْثُ بَلَغَ، فَإِذَا نَفِدَ لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِبَاقِي أَعْضَائِهِ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فِي تَطْهِيرِهَا، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَعْوِيضُ التُّرَابِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَائِهِ ذَاهِبًا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّهِ الْمَاءَ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ سَقَطَ حُكْمُهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَأَجْزَأَهُ غَسْلُ مَا بَقِيَ، لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ عَاجِزٌ عَنْ تَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ لِوُجُودِهِ الْمَاءَ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ مَعَهُ] 245 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ مَعَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَيَمَّمَ تَيَمُّمَيْنِ، يَنْوِي بِأَحَدِهِمَا تَطْهِيرَ الْجَنَابَةِ وَبِالْآخِرِ الْوُضُوءَ، وَلَا يُبَالِي أَيَّهُمَا قَدَّمَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَمَلَانِ مُتَغَايِرَانِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَلَا يُجْزِئُ عَمَلٌ وَاحِدٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُفْتَرَضَيْنِ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُمَا، وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ غَسْلِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَصِرْنَا إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِأَنَّ تَيَمُّمًا وَاحِدًا يُجْزِئُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَعَنْ الْوُضُوءِ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ مُسَافِرَةٌ وَلَا مَاءَ مَعَهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَرْبَعِ تَيَمُّمَاتٍ: تَيَمُّمٌ لِلْحَيْضِ وَتَيَمُّمٌ لِلْجَنَابَةِ وَتَيَمُّمٌ لِلْوُضُوءِ وَتَيَمُّمٌ لِلْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ غَسَّلَتْ مَيِّتًا فَتَيَمُّمٌ خَامِسٌ، وَالْبُرْهَانُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْغُسْلِ وَاجْتِمَاعِ وُجُوهِهِ الْمُوجِبَةِ لَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ مَحْبُوسًا أَوْ مَصْلُوبًا بِحَيْثُ لَا يَجِدُ تُرَابًا وَلَا مَاءً وَجَاءَتْ الصَّلَاةُ] 246 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ تُرَابًا وَلَا مَاءً أَوْ

كَانَ مَصْلُوبًا وَجَاءَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ كَمَا هُوَ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَلَا يُعِيدُهَا، سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَصَحَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا مِنْ الشَّرَائِعِ إلَّا مَا اسْتَطَعْنَا، وَأَنَّ مَا لَمْ نَسْتَطِعْهُ فَسَاقِطٌ عَنَّا، وَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْنَا تَرْكَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ إلَّا أَنْ نُضْطَرَّ إلَيْهِ، وَالْمَمْنُوعُ مِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ مُضْطَرٌّ إلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ، فَسَقَطَ عَنَّا تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِتَوْفِيَتِهَا أَحْكَامَهَا وَبِالْإِيمَانِ، فَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِذَا صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ صَلَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ مَتَى وَجَدَهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ وَلَا بُدَّ مَتَى وَجَدَهُ، وَإِنْ خَشِيَ الْمَوْتَ مِنْ الْبَرْدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي كَمَا هُوَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَعَادَ مَتَى وَجَدَهُ، فَإِنْ قَدَرَ فِي الْمِصْرِ عَلَى التُّرَابِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَأَعَادَ أَيْضًا وَلَا بُدَّ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ. وَقَالَ زُفَرُ فِي الْمَحْبُوسِ فِي الْمِصْرِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا تُرَابًا أَوْ بِحَيْثُ يَجِدُ التُّرَابَ: إنَّهُ لَا يُصَلِّي أَصْلًا حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ، لَا بِتَيَمُّمٍ وَلَا بِلَا تَيَمُّمٍ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَوَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُصَلِّي كَمَا هُوَ وَلَا يُعِيدُ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ لِغَيْرِ الْمَرِيضِ وَخَائِفِ الْمَوْتِ، كَمَا لَا يُجِيزُ لَهُ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَلَا فَرْقَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا - وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُ لَا تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ - فَأَمَرَ أَحَدَهُمَا بِأَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً

لَا تُجْزِيهِ، وَأَمَرَ الْآخَرَ بِأَنْ لَا يُصَلِّيَهَا، وَهَذَا خَطَأٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ سُقُوطًا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَمَا لَهُ حُجَّةٌ أَصْلًا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُمَا أَمَرَاهُ بِصَلَاةٍ لَا تُجْزِيهِ وَلَا لَهَا مَعْنَى، فَهِيَ بَاطِلٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَخَطَأٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تَأْخِيرِهِ الصَّلَاةَ إلَيْهِ، وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا أَوْكَدَ أَمْرٍ وَأَشَدَّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فَلَمْ يَأْمُرْ تَعَالَى بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِ الْكَافِرِ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ الْكُفْرِ وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يُفْسِحْ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهِ عَنْهُ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ زُفَرَ وَكُلِّ مَنْ أَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يُصَلِّي أَصْلًا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» قَالُوا: فَلَا نَأْمُرُهُ بِمَا لَمْ يَقْبَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهَا غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ وَلَا مُتَطَهِّرٍ، وَهُوَ بَعْدَ الْوَقْتِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَانَ أَصَحَّ الْأَقْوَالِ، لَوْلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْقَطَ عَنَّا مَا لَا نَسْتَطِيعُ مِمَّا أَمَرَنَا بِهِ، وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَسْتَطِيعُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنَّا مَا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَبْقَى عَلَيْنَا مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِطَهُورِ» إنَّمَا كَلَّفَ ذَلِكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ الطَّهُورِ بِوُجُودِ الْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ، لَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ، هَذَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ سَقَطَ عَنَّا تَكْلِيفُ مَا لَا نُطِيقُ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ عَلَيْنَا تَكْلِيفُ مَا نُطِيقُهُ، وَهُوَ الصَّلَاةُ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُصَلِّي كَذَلِكَ مُؤَدٍّ مَا أُمِرَ بِهِ، وَمَنْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا نَصٌّ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السَّلِيمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا النُّفَيْلِيُّ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ

مسألة كان في سفر ولا ماء معه أو كان مريضا

قَالَتْ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ وَأُنَاسًا مَعَهُ فِي طَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَوَجَدَهَا، فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ» فَهَذَا أُسَيْدٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاءِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي سَفَرٍ وَلَا مَاءَ مَعَهُ أَوْ كَانَ مَرِيضًا] 247 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَلَا مَاءَ مَعَهُ أَوْ كَانَ مَرِيضًا يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَ زَوْجَتَهُ وَأَنْ يَطَأَهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ عَطَاءٌ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ ثَلَاثُ لَيَالٍ فَأَقَلَّ فَلَا يَطَؤُهَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَطَؤُهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مَغْرِبًا رَحَّالًا فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا مَاءَ مَعَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَطَؤُهَا وَلَا يُقَبِّلُهَا إنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ، فَإِنْ كَانَ بِهِ جِرَاحٌ يَكُونُ حُكْمُهُ مَعَهَا التَّيَمُّمَ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيُقَبِّلَهَا، لِأَنَّ أَمْرَ هَذَا يَطُولُ. قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَطَهُرَتْ فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَا يَطَؤُهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مُتَيَمِّمَةً. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا تَقْسِيمُ عَطَاءٍ فَلَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ الْحَدَّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَمْ يُخَالَفْ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا احْتِيَاطٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى التَّيَمُّمَ طُهْرًا، وَالصَّلَاةُ بِهِ جَائِزَةٌ، وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى

مسألة يؤم المتيمم المتوضئين والمتوضئ المتيممين

مُبَاضَعَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَصَحَّ أَنَّهُ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ، وَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ مِمَّنْ حُكْمُهُ الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْوُضُوءِ وَلِلْحَيْضِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ يَمْنَعُ الْمُحْدِثَةَ وَالْمُتَطَهِّرَةَ مِنْ الْحَيْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمُحْدِثَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ أَنَّهُمَا عَمَلَانِ مُتَغَايِرَانِ، فَكَيْفَ يُجْزِئُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لِلْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ نِسَاءَنَا حَرْثًا لَنَا وَلِبَاسًا لَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْوَطْءِ فِي الزَّوْجَاتِ وَذَوَاتِ الْأَيْمَانِ، حَتَّى أَوْجَبَ تَعَالَى عَلَى الْحَالِفِ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَجَلًا مَحْدُودًا - إمَّا أَنْ يَطَأَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَجَعَلَ حُكْمَ الْوَاطِئِ وَالْمُحْدِثِ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَالتَّيَمُّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، لَا فَضْلَ لِأَحَدِ الْعَمَلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَطْهَرَ مِنْ الْآخَرِ وَلَا بِأَتَمَّ صَلَاةً، فَصَحَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ، فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ مِنْ الْوَطْءِ، كَمَا لَا مَعْنَى لِمَنْعِ مَنْ حُكْمُهُ الْغُسْلُ مِنْ الْوَطْءِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ سَوَاءٌ، لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا وَالثَّانِي فَرْعًا، بَلْ هُمَا فِي الْقُرْآنِ سَوَاءٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يَؤُمّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَالْمُتَوَضِّئُ الْمُتَيَمِّمِينَ] 248 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ، وَالْمُتَوَضِّئُ الْمُتَيَمِّمِينَ، وَالْمَاسِحُ الْغَاسِلِينَ وَالْغَاسِلُ الْمَاسِحِينَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَطْهَرَ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا أَحَدُهُمَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هَهُنَا وَاجِبٌ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبَيَّنَهُ وَلَا أَهْمَلَهُ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَسُفْيَانَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِيَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَا يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَلَا الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ، وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ جَنَابَةٍ إلَّا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَبِهِ يَقُولُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا يَؤُمُّهُمْ. وَكَرِهَ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَؤُمُّهُمْ إلَّا إنْ كَانَ أَمِيرًا.

مسألة يتيمم الجنب والحائض وكل من عليه غسل واجب

قَالَ عَلِيٌّ: النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ كَرَاهَتُهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ مَنْ قَسَّمَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ] 249 - مَسْأَلَةٌ: وَيَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ كَمَا يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَلَا فَرْقَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَتَيَمَّمُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ مِثْلُ ذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ وَاصِلٌ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - وَهُمَا خَيْرٌ مِنِّي - يَقُولَانِ: إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لَمْ يُصَلِّ - يَعْنِي الْجُنُبَ - قَالَ: وَأَنَا لَوْ لَمْ أَجِدْ الْمَاءَ لَتَيَمَّمْتُ وَصَلَّيْتُ. وَقَالَ الْحَكَمُ: سَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ قَالَ لَا أُصَلِّي قَالَ شُعْبَةُ: وَقُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: أَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إنْ لَمْ أَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا لَمْ أُصَلِّ؟ - يَعْنِي الْجُنُبَ - فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ نَعَمْ وَالْأَسْوَدُ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا عَوْفٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - ثنا أَبُو رَجَاءٍ - هُوَ الْعُطَارِدِيُّ - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ صَلَاتِهِ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» . وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] قَالَ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْجُنُبِ إلَّا الْغُسْلَ، قُلْنَا لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْجُنُبَ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ.

مسألة صفة التيمم للجنابة وللحيض ولكل غسل واجب وللوضوء صفة عمل واحد

فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْمُخَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصَلِّ، فَقَالَ أَحْسَنْتَ. وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي أَجْنَبْتُ فَتَيَمَّمْتُ فَصَلَّيْتُ، قَالَ أَحْسَنْتَ» قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَالْمُخَارِقُ ثِقَةٌ، تَابِعٌ، وَطَارِقٌ صَاحِبٌ، صَحِيحُ الصُّحْبَةِ مَشْهُورٌ وَالْخَبَرُ بِهِ نَقُولُ، وَهَذَا الَّذِي أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ، فَأَصَابَ إذْ لَمْ يُصَلِّ بِمَا لَا يَدْرِي، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الشَّرَائِعُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وَاَلَّذِي تَيَمَّمَ عَلِمَ فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَفَعَلَهُ، لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ هَذَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ فَرْضَ الْمُجْنِبِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَيُخْطِئُ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ مِمَّنْ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ لَيْسَ فَرْضَ الْمُجْنِبِ الْمَذْكُورِ فَيُخْطِئُ مَنْ فَعَلَهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ فَرْضُهُ بِمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَالْآخَرَ عَلِمَهُ، فَأَتَى بِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَائِضُ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ وَاجِبٌ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِالطَّهُورِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَالتُّرَابُ بِنَصِّ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ] 250 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِكُلِّ غُسْلٍ وَاجِبٍ وَلِلْوُضُوءِ صِفَةُ عَمَلٍ وَاحِدٍ، إنَّمَا يَجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْوَجْهَ الَّذِي تَيَمَّمَ لَهُ، مِنْ طَهَارَةٍ لِلصَّلَاةِ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ إيلَاجٍ فِي الْفَرْجِ أَوْ طَهَارَةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهِ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِمَا وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَلَا الْكَفَّيْنِ وَلَا يَمْسَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّيَمُّمِ ذِرَاعَيْهِ وَلَا رَأْسَهُ وَلَا رِجْلَيْهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ جِسْمِهِ. أَمَّا النِّيَّةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَهَا قَبْلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ فِيهِمَا إلَّا بِنِيَّةٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: كُلُّ ذَلِكَ يُجْزِئُ بِلَا نِيَّةٍ، وَأَمَّا كَوْنُ عَمَلِ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَيْضِ وَلِلنِّفَاسِ وَلِسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا - كَصِفَتِهِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَإِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ وَبِالتَّيَمُّمِ لَهَا.

وَأَمَّا سُقُوطُ مَسْحِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، إلَّا شَيْئًا فَعَلَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِي سَائِرِ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ وَلَا بُدَّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُ ذِرَاعَيْهِ إلَى الْآبَاطِ، وَقَالَ آخَرُونَ إلَى الْمَرَافِقِ. فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْأُخْرَى لِلْيَدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ إلَى الْمَرَافِقِ، فَإِنَّهُ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي التَّيَمُّمِ «ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَأُخْرَى لِلذِّرَاعَيْنِ» وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إلَى الْمِرْفَقَيْنِ " وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سِكَّةٍ مِنْ السِّكَكِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ» . ثُمَّ بِحَدِيثِ الْأَسْلَعِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْأَعْرَجِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَسَكَتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالصَّعِيدِ، فَقَالَ: قُمْ يَا أَسْلَعُ فَارْحَلْ، قَالَ: ثُمَّ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّيَمُّمَ، فَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ حَتَّى أَمَرَّ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ أَعَادَهَا إلَى الْأَرْضِ فَمَسَحَ كَفَّيْهِ الْأَرْضَ فَدَلَّكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا» . وَبِحَدِيثٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّيَمُّمِ «ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» وَبِحَدِيثٍ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» .

وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، مِنْ فُتْيَاهُمْ وَفِعْلِهِمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ، ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ وَالْيَدَيْنِ، قَالُوا وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ مِنْ الْوُضُوءِ، فَلَمَّا كَانَ يُجَدِّدُ الْمَاءَ لِلْوَجْهِ وَمَاءً آخَرَ لِلذِّرَاعَيْنِ وَجَبَ كَذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ كَذَلِكَ. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الْأَخْبَارُ فَكُلُّهَا سَاقِطَةٌ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْيَافِعِيِّ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، فَفِيهِ عِلَّتَانِ: إحْدَاهُمَا الْقَاسِمُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَدْ دَلَّسَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ جَعْفَرٍ. وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُدْرِكْ جَعْفَرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَمَّارٍ، فَلَمْ يُسَمِّ قَتَادَةَ مَنْ حَدَّثَهُ. وَالْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ كُلُّهَا عَنْ عَمَّارٍ بِخِلَافِ هَذَا، فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ التَّيَمُّمَ فِي الْحَضَرِ لِلصَّحِيحِ، وَالتَّيَمُّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ، وَتَرْكَ رَدِّ السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَمِنْ الْمَقْتِ احْتِجَاجُ امْرِئٍ بِمَا لَا يَرَاهُ لَا هُوَ وَلَا خَصْمُهُ حُجَّةً وَاحْتِجَاجُهُ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً فِي التَّيَمُّمِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، فَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ رَدِّ السَّلَامِ إلَّا عَلَى طُهْرٍ، وَفِي التَّيَمُّمِ بَيْنَ الْحِيطَانِ فِي الْمَدِينَةِ لِرَدِّ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي هَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ عَلَى النَّدْبِ، قُلْنَا: وَكَذَلِكَ قُولُوا فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ فِيهِ مَرَّتَيْنِ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ وَلَا فَرْقَ، فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَسْلَعِ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ

يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ عَنْ عَلِيلَةَ - هُوَ الرَّبِيعُ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ الْأَسْلَعِ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَيْسُوا بِشَيْءٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ، وَهَذَا كَمَا تَرَى، لَا نَدْرِي مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانُ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيُّ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْوَاقِدِيِّ فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ، لِأَنَّهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ثُمَّ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِهِ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى ذَلِكَ، فَمَا الَّذِي جَعَلَهُمْ حُجَّةً حَيْثُ يَشْتَهِي هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ حُجَّةً حَيْثُ لَا يَشْتَهُونَ؟ هَذَا مُوجِبٌ لِلنَّارِ فِي الْآخِرَةِ وَلِلْعَارِ فِي الدُّنْيَا، فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عُمَرَ وَابْنَهُ وَجَابِرًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مِنْ الْوُضُوءِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ عَلَى صِفَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ؟ وَإِنْ كَانَ هَذَا فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ الَّذِي قَضَيْتُمْ أَنَّهُ حَقٌّ، فَأَسْقَطْتُمْ فِي التَّيَمُّمِ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ، وَهُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ وَأَسْقَطْتُمْ جَمِيعَ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الْغُسْلِ، وَأَوْجَبْتُمْ أَنْ يُحْمَلَ الْمَاءُ إلَى الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ تُوجِبُوا حَمْلَ شَيْءٍ مِنْ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ، وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْهُمْ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَأَوْجَبَهَا فِي التَّيَمُّمِ، ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ فِي الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى صِفَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا دَعْوَى فَاسِدَةٌ كَاذِبَةٌ؟ وَقَدْ وَجَدْنَا الرَّقَبَةَ وَاجِبَةً فِي الظِّهَارِ وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَكَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ عَمْدًا نَهَارًا فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ عَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْدَلَ مِنْ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمِنْ رِقَابِ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ وَالظِّهَارِ صِيَامَ

شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَعَوَّضَ مِنْ ذَلِكَ إطْعَامًا فِي الظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ، وَلَمْ يُعَوِّضْهُ فِي الْقَتْلِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ، قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، وَهَلَّا قِسْتُمْ مَا يُتَيَمَّمُ مِنْ الْيَدَيْنِ عَلَى مَا يُقْطَعُ مِنْ الْيَدَيْنِ فِي السَّرِقَةِ كَمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَقِيسُوا مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَرْجُ الْحُرَّةِ فِي النِّكَاحِ عَلَى مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَرْجُ الْأَمَةِ فِي الْبَيْعِ، وَقِسْتُمُوهُ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ فَرَّقْتُمْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ بَيْنَ حُكْمِ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ فِي سُقُوطِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ، وَسُقُوطِ الْجَسَدِ كُلِّهِ فِي التَّيَمُّمِ دُونَ الْغُسْلِ. وَيُقَالُ لَهُمْ كَمَا جَعَلْتُمْ سُكُوتَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذِكْرِ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ فِيهِ وَلَمْ تَقِيسُوهُ عَلَى الْوُضُوءِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ سُكُوتَهُ تَعَالَى عَنْ ذِكْرِ التَّحْدِيدِ إلَى الْمَرَافِقِ فِي التَّيَمُّمِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ، وَلَا تَقِيسُوهُ عَلَى الْوُضُوءِ؟ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي سُكُوتِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ دَيْنِ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ، وَلَمْ يَقِيسُوهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ، وَإِذَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ لِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ فَقِيسُوا التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ عَلَى الْجَنَابَةِ، فَعُمُّوا بِهِ الْجَسَدَ وَهَذَا مَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ، ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ فَقَطْ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ ثنا الْحَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ أَخُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرْبَةً وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى الْأَرْضِ أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا كَفَّيْهِ» . وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي التَّيَمُّمِ «ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْكَفَّيْنِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَرِيشِ بْنِ الْخِرِّيتِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْحَرَّانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْأُخْرَى لِلْيَدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ إلَى

الْمِرْفَقَيْنِ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَا: إلَّا أَنْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ ذَلِكَ فَنَقُولَ بِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَلَمْ يُرَ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ إلَّا فِي الْوَقْتِ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ إلَى الْمَنَاكِبِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: «تَيَمَّمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحْنَا بِوُجُوهِنَا وَأَيْدِينَا إلَى الْمَنَاكِبِ» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: ثنا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - فَذَكَرَ نُزُولَ آيَةِ التَّيَمُّمِ قَالَ: فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبُوا أَيْدِيَهُمْ إلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنْ التُّرَابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ، وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إلَى الْآبَاطِ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ عَمَّارٌ وَالزُّهْرِيُّ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ الْوَاشِحِيِّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: التَّيَمُّمُ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِبَيَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمَ التَّيَمُّمِ وَفَرْضَهُ، وَلَا نَصُّ بَيَانٍ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَدْبًا مُسْتَحَبًّا، وَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ يَرَى إنْكَارَ عُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ إنْ لَمْ يُصَلِّ الْغُسْلَ بِالرَّوَاحِ إلَى

الْجُمُعَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: حُجَّةً فِي إبْطَالِ وُجُوبِ الْغُسْلِ، وَهَذَا الْخَبَرُ مُؤَكِّدٌ لِوُجُوبِهِ مُنْكِرٌ لِتَرْكِهِ، ثُمَّ لَا يَرَى عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّيَمُّمِ إلَى الْمَنَاكِبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً فِي وُجُوبِ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ - وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ كَمَا ذَكَرْنَا - فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ الْيَدَيْنِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ إلَى الْمَرَافِقِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ لَبَيَّنَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَ فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ أَرَادَ جَمِيعَ الْجَسَدِ لَبَيَّنَهُ كَمَا فَعَلَ فِي الْغُسْلِ، فَإِذْ لَمْ يُرِدْ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذِكْرِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى. مِنْ الذِّرَاعَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ، وَلَمْ يَلْزَمْ فِي التَّيَمُّمِ إلَّا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، وَهُمَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدَيْنِ، وَوَجَدْنَا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ قَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ لَا الْأَكَاذِيبُ الْمُلَفَّقَةُ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ذَرٍّ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيُّ - عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى - هُوَ سَعِيدٌ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ - فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِابْنِ مَسْعُودٍ " أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ؟»

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ الْعَبْدِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ ثنا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً، قَالَ عُمَرُ لَا تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ الْأَرْضَ بِيَدَيْكَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ عَمَّارًا قَدَّرَ أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ مِنْ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ، إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمَهُ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَفِيهِ أَنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَهِمُ وَيَنْسَى، وَفِيهِ نَصُّ حُكْمِ التَّيَمُّمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ السَّلَامَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ الثَّابِتُ لَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَهَذَا فِعْلٌ مُسْتَحَبٌّ يَعْنِي التَّيَمُّمَ لِرَدِّ السَّلَامِ فِي الْحَضَرِ. وَبِهَذَا يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ. وَرُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا شُعْبَةُ ثنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ

حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: التَّيَمُّمُ هَكَذَا وَضَرَبَ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ، فَلَمْ يُخَالِفْهُ مِمَّنْ حَضَرَ أَحَدٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ: التَّيَمُّمُ لِلْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ، وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَمَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَوْجَبَهُ حُجَّةً إلَّا قِيَاسَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِيعَابِهِمَا بِالْمَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّجْلَيْنِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلُ، فَلَمَّا عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَقَطَ الِاسْتِيعَابُ عِنْدَهُمْ، فَيَلْزَمُهُمْ - إنْ كَانُوا يَدْرُونَ مَا الْقِيَاسُ - أَنَّ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ الْغُسْلَ، ثُمَّ عَوَّضَ مِنْهُ الْمَسْحَ فِي التَّيَمُّمِ، أَنْ يَسْقُطَ الِاسْتِيعَابُ كَمَا سَقَطَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لَا سِيَّمَا وَمِنْ أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ لَا يَقْوَى قُوَّةَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ، وَإِنَّمَا نُورِدُهُ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَهُمْ وَفَسَادَ أُصُولِهِمْ، وَهَدْمَ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، كَمَا نَحْتَجُّ عَلَى كُلِّ مِلَّةٍ وَكُلِّ نِحْلَةٍ وَكُلِّ قَوْلَةٍ بِأَقْوَالِهَا الْهَادِمِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ، لِأَنَّهُمْ يُصَحِّحُونَهَا كُلَّهَا، لَا عَلَى أَنَّنَا نُصَحِّحُ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا عُمْدَتُنَا هَهُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] وَالْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالِاسْتِيعَابِ فِي التَّيَمُّمِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، نَعَمْ وَلَا قِيَاسٌ، فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا، وَأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ فَقَطْ: أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ أَنَّ لَفْظَةَ الْمَسْحِ لَمْ تَأْتِ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ

مسألة لو عدم الميت الماء

مَوَاضِعَ وَلَا مَزِيدَ: مَسْحُ الرَّأْسِ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ وَمَسْحٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، وَمَسْحُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ خُصُومِنَا الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ وَمَسْحَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ، ثُمَّ نَقَضُوا ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، فَأَوْجَبُوا فِيهِ الِاسْتِيعَابَ تَحَكُّمًا بِلَا بُرْهَانٍ، وَاضْطَرَبُوا فِي الرَّأْسِ، فَلَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا الشَّافِعِيُّ فِيهِ الِاسْتِيعَابَ، وَهَمَّ مَالِكٌ بِأَنْ يُوجِبَهُ، وَكَادَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَخْصِيصُ الْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ بِالِاسْتِيعَابِ بِلَا حُجَّةٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا مِنْ لُغَةٍ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ؟ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَوْ عَدِمَ الْمَيِّتُ الْمَاءَ] 251 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ عَدِمَ الْمَيِّتُ الْمَاءَ يُمِّمَ كَمَا يَتَيَمَّمُ الْحَيُّ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ فَرْضٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ، فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ طَهُورٍ وَاجِبٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ طَهُورٌ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالْأَرْضِ] 252 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالْأَرْضِ، ثُمَّ تَنْقَسِمُ الْأَرْضُ إلَى قِسْمَيْنِ: تُرَابٌ وَغَيْرُ تُرَابٍ، فَأَمَّا التُّرَابُ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ، كَانَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مَنْزُوعًا مَجْعُولًا فِي إنَاءٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ أَوْ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ نُفِضَ غُبَارٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَاجْتُمِعَ مِنْهُ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْكَفُّ، أَوْ كَانَ فِي بِنَاءِ لَبِنٍ أَوْ طَابِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا عَدَا التُّرَابَ مِنْ الْحَصَى أَوْ الْحَصْبَاءِ أَوْ الصَّحْرَاءِ أَوْ الرَّضْرَاضِ أَوْ الْهِضَابِ أَوْ الصَّفَا أَوْ الرُّخَامِ أَوْ الرَّمْلِ أَوْ مَعْدِنِ كُحْلٍ أَوْ مَعْدِنِ زِرْنِيخٍ أَوْ جَيَّار أَوْ جِصٍّ أَوْ مَعْدِنِ ذَهَبٍ أَوْ تُوتِيَاءَ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ لَازَوَرْدَ أَوْ مَعْدِنِ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ غَيْرَ مُزَالٍ عَنْهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُزَالٌ إلَى إنَاءٍ أَوْ إلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْآجُرِّ، فَإِنْ رُضَّ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الطِّينُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، فَإِنْ جَفَّ حَتَّى يُسَمَّى تُرَابًا جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِمِلْحٍ انْعَقَدَ مِنْ الْمَاءِ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا بِثَلْجٍ وَلَا بِوَرَقٍ وَلَا بِحَشِيشٍ وَلَا بِخَشَبٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحُولُ بَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّعِيدِ، وَهُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِالْأَرْضِ - وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ - وَبِالتُّرَابِ فَقَطْ فَوَجَدْنَا التُّرَابَ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزُوعًا عَنْ الْأَرْضِ، مَحْمُولًا فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ إنْسَانٍ أَوْ عَرَقِ فَرَسٍ أَوْ لَبَدٍ أَوْ كَانَ لَبِنًا أَوْ طَابِيَةً أَوْ رُضَاضَ آجُرٍّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تُرَابٌ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الِاسْمُ، فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ جَائِزًا، وَوَجَدْنَا الْآجُرَّ وَالطِّينَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا اسْمُ تُرَابٍ وَاسْمُ أَرْضٍ وَاسْمُ صَعِيدٍ فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ، فَإِذَا رُضَّ أَوْ جُفِّفَ عَادَ عَلَيْهِ اسْمُ تُرَابٍ فَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَوَجَدْنَا سَائِرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصَّخْرِ وَمِنْ الرَّمْلِ، وَمِنْ الْمَعَادِنِ مَا دَامَتْ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ اسْمَ الصَّعِيدِ وَاسْمَ الْأَرْضِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ، فَكَانَ التَّيَمُّمُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزًا، وَوَجَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ إذَا أُزِيلَ عَنْ الْأَرْضِ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْأَرْضِ وَاسْمُ الصَّعِيدِ وَلَمْ يُسَمَّ تُرَابًا، فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ الْمُنْعَقِدَ مِنْ الْمَاءِ، وَالثَّلْجَ وَالْحَشِيشَ وَالْوَرَقَ لَا يُسَمَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ صَعِيدًا وَلَا أَرْضًا وَلَا تُرَابًا، فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ: إنْ وُضِعَ التُّرَابُ فِي ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَهَذَا تَفْرِيقٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَيَمَّمُ عَلَى الثَّلْجِ، وَرُوِيَ أَيْضًا ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ. قِيلَ لَهُمْ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ قَتْلَى أَوْ غَنَمٌ أَوْ ثِيَابٌ أَوْ خَشَبٌ أَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِ فَيُتَيَمَّمُ عَلَيْهِ؟ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ - فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا لُغَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَالثَّلْجُ وَالطِّينُ وَالْمِلْحُ لَا يُتَوَضَّأُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا يُتَيَمَّمُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُسَمَّى مَاءً وَلَا تُرَابًا وَلَا أَرْضًا وَلَا صَعِيدًا، فَإِذَا ذَابَ الْمِلْحُ وَالثَّلْجُ فَصَارَا مَاءً جَازَ الْوُضُوءُ بِهِمَا، لِأَنَّهُمَا مَاءٌ، وَإِذَا جَفَّ الطِّينُ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّهُ تُرَابٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا بِالتُّرَابِ خَاصَّةً، لَا بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ،

مسألة يقدم في التيمم اليدان قبل الوجه

فَادَّعَوْا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» بَيَانٌ لِمُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّعِيدِ، وَلِمُرَادِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] بَلْ كُلُّ مَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ حَقٌّ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَرْضُ مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْأَرْضُ مَسْجِدٌ وَتُرْبَتُهَا طَهُورٌ» فَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ بِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهُ لِشَيْءٍ آخَرَ فَالتُّرَابُ كُلُّهُ طَهُورٌ وَالْأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورٌ وَالصَّعِيدُ كُلُّهُ طَهُورٌ، وَالْآيَةُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي عُمُومِ الْأَرْضِ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التُّرْبَةِ، فَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْذِ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مُخَالَفَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الصَّعِيدُ كُلُّهُ يُتَيَمَّمُ بِهِ، كَالتُّرَابِ وَالطِّينِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْجِيرِ وَالْكُحْلِ والمرادسنج وَكُلُّ تُرَابٍ نُفِّضَ مِنْ وِسَادَةٍ أَوْ فِرَاشٍ أَوْ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ: فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ كَانَ فِي ثَوْبِكَ أَوْ سَرْجِكَ أَوْ بَرْدَعَتِكَ تُرَابٌ أَوْ عَلَى شَجَرٍ فَتَيَمَّمْ بِهِ، وَهَذَا قَوْلُنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يُقَدَّمُ فِي التَّيَمُّمِ الْيَدَانِ قَبْلَ الْوَجْهِ] 253 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْأَعْمَشُ: يُقَدَّمُ فِي التَّيَمُّمِ الْيَدَانِ قَبْلَ الْوَجْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقَدَّمُ الْوَجْهُ عَلَى الْكَفَّيْنِ وَلَا بُدَّ، وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ تَقْدِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَقُولُ؛ لِأَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ التَّيَمُّمَ فَضَرَبَ ضَرْبَةً بِكَفَّيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ» فَكَانَ هَذَا حُكْمًا زَائِدًا، وَبَيَانًا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فَبَدَأَ بِالْوَجْهِ فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ فَبَدَأَ بِالْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوَجْهِ فَحَسَنٌ، ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ إلَّا الِابْتِدَاءُ بِالْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ.

كتاب الحيض والاستحاضة

[كِتَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ] [مَسْأَلَةٌ الْحَيْضُ هُوَ الدَّمُ الْأَسْوَدُ الْخَاثِرُ الْكَرِيهُ الرَّائِحَةِ خَاصَّةً] ِ 254 - مَسْأَلَةٌ: الْحَيْضُ هُوَ الدَّمُ الْأَسْوَدُ الْخَاثِرُ الْكَرِيهُ الرَّائِحَةِ خَاصَّةً، فَمَتَى ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ وَلَا أَنْ تَصُومَ وَلَا أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَلَا أَنْ يَطَأَهَا زَوْجُهَا وَلَا سَيِّدُهَا فِي الْفَرْجِ، إلَّا حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ، فَإِذَا رَأَتْ أَحْمَرَ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةٍ أَوْ بَيَاضًا أَوْ جُفُوفًا فَقَدْ طَهُرَتْ وَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدِهَا بِالْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَلْتَتَيَمَّمْ ثُمَّ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ قَبْلَ الْحَيْضِ وَبَعْدَهُ طُهْرٌ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا أَصْلًا. أَمَّا امْتِنَاعُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فِي حَالِ الْحَيْضِ فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِيهِ، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الْأَزَارِقَةِ حَقُّهُمْ أَلَّا يُعَدُّوا فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا مَا هُوَ الْحَيْضُ؟ فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ

عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا ذَهَبَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي» وَفِي بَعْضِهَا «فَتَوَضَّئِي» . وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ثنا أَبِي ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ

الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «اُسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّهَا لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» . حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ ثنا أَبُو بَكْرٍ الْأَذْفُونِيُّ الْمُقِرُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةَ «عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَكَتْ إلَيْهِ الدَّمَ، فَقَالَ إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَانْظُرِي إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ» . فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاجْتِنَابِ الصَّلَاةِ لِإِقْبَالِ الْحَيْضَةِ وَبِالْغُسْلِ لِإِدْبَارِهَا، وَخَاطَبَ بِذَلِكَ نِسَاءَ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبَ الْعَارِفَاتِ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَيْضَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُطْلَبَ بَيَانُ ذَلِكَ وَمَا هِيَ الْحَيْضَةُ فِي الشَّرِيعَةِ وَاللُّغَةِ، فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ " كَانَتْ اُسْتُحِيضَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالدَّمَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ أَمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ حُبَيْشٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي. قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ» . فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَيْضَ إنَّمَا هُوَ الدَّمُ الْأَسْوَدُ وَحْدَهُ وَإِنَّ الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ عِرْقٌ وَلَيْسَ حَيْضًا، وَلَا يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا هَذَا لِلَّتِي يَتَّصِلُ بِهَا الدَّمُ أَبَدًا، قُلْنَا فَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا الدَّمُ بَعْضَ دَهْرِهَا وَانْقَطَعَ بَعْضُهُ فَمَا قَوْلُكُمْ؟ أَلَهَا هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ فَكُلُّهُمْ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا

الْحُكْمَ لَهَا. فَقُلْنَا لَهُمْ: حُدُّوا لَنَا الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا اتَّصَلَ بِهَا الدَّمُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ كَانَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُدَّةَ الَّتِي إذَا اتَّصَلَ بِهَا هَذَا كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ، فَكَانَ الَّذِي وَقَفُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قَالَتْ طَائِفَةٌ: تِلْكَ الْمُدَّةُ هِيَ أَيَّامُهَا الْمُعْتَادَةُ لَهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ تِلْكَ الْمُدَّةُ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَيَّامِهَا الْمُعْتَادَةِ لَهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَاعَوْا فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا تَكَوُّنَ الدَّمِ وَإِلَّا فَلَا، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَاتَانِ دَعْوَيَانِ قَدْ سَمِعْنَاهُمَا، وَالدَّعْوَةُ مَرْدُودَةٌ سَاقِطَةٌ إلَّا بِبُرْهَانٍ، فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اُقْعُدِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ وَدَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا» . قُلْنَا نَعَمْ هَذَا صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذَا الَّتِي لَا تُمَيِّزُ دَمَهَا وَاَلَّذِي هُوَ كُلُّهُ أَسْوَدُ مُتَّصِلٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِلَّتِي تُمَيِّزُ دَمَهَا «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا جَاءَ الْآخَرُ فَصَلِّي، وَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ، مِثْلُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ: كُنْتُ أَرَى النِّسَاءَ يُرْسِلْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهَا الصُّفْرَةُ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ، فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَا تُصَلِّينَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَعَلَّقًا إلَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَحْدَهَا، وَقَدْ خُولِفَتْ أُمُّ عَلْقَمَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَخَالَفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ غَيْرُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ أَبُو ذَرٍّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَافِظُ بِنَيْسَابُورَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ الْبَصْرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ - هُوَ جَامِعُ الصَّحِيحِ - قَالَ: قَالَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الشِّمَالِ الْعُطَارِدِيُّ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ طَلْحَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: دَمُ الْحَيْضِ بَحْرَانِيٌّ أَسْوَدُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: اُسْتُحِيضَتْ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ أَنَسٍ فَأَمَرُونِي فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي. فَلَمْ يَلْتَفِتْ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى اتِّصَالِ الدَّمِ، بَلْ رَأَى وَأَفْتَى أَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَهُوَ طُهْرٌ، تُصَلِّي مَعَ وُجُودِهِ وَلَوْ لَمْ تَرَ إلَّا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ إلَّا الدَّمُ الْبَحْرَانِيُّ، وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الْجَلَالَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ

شَيْئًا " وَأُمُّ عَطِيَّةَ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ قَدِيمَةُ الصُّحْبَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ هَذَا نَفْسَهُ، وَكُلُّ هَذَا هُوَ الثَّابِتُ بِالْأَسَانِيدِ الْعَالِيَةِ الصَّحِيحَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا رَأَتْ بَعْدَ الظُّهْرِ مِثْلَ غُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ مِثْلَ قَطْرَةِ الدَّمِ مِنْ الرُّعَافِ، فَإِنَّمَا تِلْكَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَلْتَنْضَحْ بِالْمَاءِ وَلْتَتَوَضَّأْ وَلْتُصَلِّ، فَإِنْ كَانَ عَبِيطًا لَا خَفَاءَ بِهِ فَلْتَدَعْ الصَّلَاةَ. وَعَنْ ثَوْبَانَ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الْبَرِيَّةَ قَالَ: تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي. قِيلَ: أَشَيْءٌ تَقُولُهُ أَمْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا أَقْوَى مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ عَلْقَمَةَ وَأَوْلَى، وَقَدْ رَوَى مَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ أُمِّ عَلْقَمَةَ عَنْ عَمْرَةَ مِنْ رَأْيِهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفَ

هَؤُلَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْقَعْقَاعِ: سَأَلْنَا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ؟ قَالَ: تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، وَعَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ» قُلْنَا: هَذَا حَدِيثٌ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوا مَا فِيهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْخَبَرِ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ حَجَّةً، فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَاوِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ، جَرَّحَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ اضْطَرَبَ فِيهِ، فَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مَنْ حِفْظِهِ فَقَالَ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلَامَ أَحَدٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ. قُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ، وَلَيْسَ هَذَا اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ رَوَاهُ عَنْ فَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ مَعًا وَأَدْرَكَهُمَا مَعًا، فَعَائِشَةُ خَالَتُهُ أُخْتُ أُمِّهِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ابْنَةُ عَمِّهِ، وَهُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ الثِّقَةُ الْحَافِظُ الْمَأْمُونُ، وَلَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا إلَّا الْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، تَعَلُّلًا عَلَى إبْطَالِ السُّنَنِ فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الدَّمُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ. وَقَالَ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الصُّفْرَةُ وَالدَّمُ فَكُلُّ ذَلِكَ

فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَأَمَّا الْكُدْرَةُ فَهِيَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَبْلَ الْحَيْضِ لَيْسَتْ حَيْضًا، وَأَمَّا بَعْدَ الْحَيْضِ فَهِيَ حَيْضٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا، عَلَى عَظِيمِ اضْطِرَابِهِمْ فِي الدَّمِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ وَانْقَطَعَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا أَوْ اتَّصَلَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْهَا فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا وَلَا تَمْتَنِعُ بِذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ، إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ، وَيَتَّصِلَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ مُتَّصِلٌ. قَالَ: فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِيَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ وَاتَّصَلَ بِهَا فِي أَيَّامِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَهُوَ كُلُّهُ حَيْضٌ، مَا لَمْ تُجَاوِزْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: فَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ أَيَّامِ حَيْضِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَفِي أَيَّامِ الْحَيْضِ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، فَمَرَّةً قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ، وَمَرَّةً قَالَ: أَمَّا مَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا فَلَيْسَ حَيْضًا، وَأَمَّا مَا رَأَتْ فِي أَيَّامِهَا فَهُوَ حَيْضٌ، وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَاهِيكَ بِهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَتَا حَيْضًا، وَفِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَبْلَ الدَّمِ لَيْسَتَا حَيْضًا، وَأَمَّا بَعْدَ الدَّمِ مُتَّصِلًا بِهِ فَهُمَا حَيْضٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنْ قَالُوا: مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الْحَيْضُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ الْمُتَيَقَّنَ وُجُوبُهُمَا، وَلَا أَنْ تُمْنَعَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُتَيَقَّنِ تَحْلِيلُهُ حَتَّى إذَا تُيُقِّنَ الْحَيْضُ وَحَرُمَتْ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْوَطْءُ بِيَقِينٍ لَمْ يَسْقُطْ تَحْرِيمُ ذَلِكَ إلَّا بِيَقِينٍ آخَرَ. قَالَ عَلِيٌّ وَهَذَا عَمَلٌ غَيْرُ صَحِيحِ الْبَيَانِ، بَلْ هُوَ مُمَوَّهٌ، وَذَلِكَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ حَقٌّ، إلَّا أَنَّ الْيَقِينَ الَّذِي ذَكَرُوا هُوَ النَّصُّ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ، بِأَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الْأَسْوَدَ لَيْسَ حَيْضًا، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا مِنْ صَوْمٍ وَلَا مِنْ وَطْءٍ، فَصَارَتْ حُجَّتُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَهُنَا هَذَا النَّصُّ لَمَا وَجَبَ مَا قَالُوهُ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فَرْضَانِ قَدْ تُيُقِّنَ وُجُوبُهُمَا، وَالْوَطْءُ حَقٌّ قَدْ تُيُقِّنَتْ إبَاحَتُهُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ الْمُبَاحَةِ، وَالْحَيْضُ قَدْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى شَيْءٍ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مُحَرِّمٌ لِلصَّلَاةِ وَلِلصَّوْمِ وَلِلْوَطْءِ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَأَمَّا بِدَعْوَى مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلَا، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ وَلَا لُغَةَ فِي أَنَّ مَا عَدَا الدَّمَ الْأَسْوَدَ حَيْضٌ أَصْلًا. وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَاللُّغَةُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الْأَسْوَدَ

حَيْضٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى حَيْضًا إلَّا مَا صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، لَا مَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى بِأَنْ قَالَ: لَمَّا كَانَ السَّوَادُ حَيْضًا وَكَانَتْ الْحُمْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ السَّوَادِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا، وَلَمَّا كَانَتْ الصُّفْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْحُمْرَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا، وَلَمَّا كَانَتْ الْكُدْرَةُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الصُّفْرَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ حَيْضًا، وَلَمَّا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ حَيْضًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ حَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: لَمَّا كَانَتْ الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ طُهْرًا وَلَيْسَتْ

مسألة الحائض إذا رأت الطهر

حَيْضًا بِإِجْمَاعٍ، ثُمَّ كَانَتْ الْكُدْرَةُ بَيَاضًا غَيْرَ نَاصِعٍ، وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ حَيْضًا، ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الصُّفْرَةُ كُدْرَةً مُشْبَعَةً وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ حَيْضًا، ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ الْحُمْرَةُ صُفْرَةً مُشْبَعَةً وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ حَيْضًا، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ - وَهُوَ مَا كَانَ بَعْدَ أَكْثَرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ - لَيْسَ حَيْضًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَيْسَ حَيْضًا، فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُسَاعِدْهُمْ قَطُّ عَلَى أَنَّ الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضٌ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَلَا جَاءَ بِذَلِكَ قَطُّ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ غَيْرُ مُعَارَضٍ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَمْ يُعَارَضْ وَهُمْ كُلُّهُمْ قَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَيْضًا إذَا رُئِيَ فِيمَا زَادَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ، فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ، وَكَانَ مَا جِئْنَاهُمْ بِهِ - لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ لَا يُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحُمْرَةَ جُزْءٌ مِنْ السَّوَادِ، وَلَا أَنَّ الصُّفْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْحُمْرَةِ، وَلَا أَنَّ الْكُدْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الصُّفْرَةِ، بَلْ هِيَ دَعْوَى عَارَضْنَاهُمْ بِدَعْوَى مِثْلِهَا فَسَقَطَ كُلُّ مَا قَالُوهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَثَبَتَ قَوْلُنَا بِشَهَادَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَائِض إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ] 255 - مَسْأَلَةٌ فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ وَلَا الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدِهَا بِالْمَاءِ، أَوْ تَتَيَمَّمَ إنْ عَدِمَتْ الْمَاءَ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً عَلَيْهَا فِي الْغُسْلِ حَرَجٌ، وَإِنْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَاغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ - إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ - بِمِقْدَارِ مَا تَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ صَحَّ صِيَامُهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا أَدْبَرَتْ الْحَيْضَةُ فَتَطَهَّرِي» وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] وَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْأَرْضَ طَهُورٌ إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ، فَوَجَبَ التَّيَمُّمُ لِلْحَائِضِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَفِي تَأْخِيرِهَا الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ عَنْ هَذَا الْمِقْدَارِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ. [مَسْأَلَة الْحَائِض إذَا وَطِئَهَا زَوْجهَا أَوْ سيدها لَهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرِ] 256 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا وَطْءُ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا لَهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِأَنْ تَغْسِلَ جَمِيعَ رَأْسِهَا وَجَسَدَهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِأَنْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ أَوْ تَتَيَمَّمَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَبِأَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهَا بِالْمَاءِ وَلَا بُدَّ، أَيَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ فَعَلَتْ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]

فَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] مَعْنَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُنَّ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَيْضِ وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] هُوَ صِفَةُ فِعْلِهِنَّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا يُسَمَّى فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ تَطَهُّرًا وَطَهُورًا وَطُهْرًا، فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَتْ فَقَدْ تَطَهَّرَتْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] فَجَاءَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ بِالْمَاءِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَصَحَّ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَدَثِ طَهُورٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» يَعْنِي الْوُضُوءَ. وَمَنْ اقْتَصَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] عَلَى غَسْلِ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ كُلِّهِ دُونَ الْوُضُوءِ وَدُونَ التَّيَمُّمِ وَدُونَ غَسْلِ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ، فَقَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا فَعَلْتُمْ هَذَا فِي الشَّفَقِ؟ إذْ قُلْتُمْ أَيُّ شَيْءٍ تَوَقَّعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّفَقِ فَبِغُرُوبِهِ تَدْخُلُ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ، فَمَرَّةً تَحْمِلُونَ اللَّفْظَ عَلَى كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ، وَمَرَّةً عَلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ بِالدَّعْوَى وَالْهَوَسِ. فَإِنْ قَالَ: إذَا حَاضَتْ حَرُمَتْ بِإِجْمَاعٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِإِجْمَاعٍ آخَرَ، قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، لَمْ يُوجِبْهَا لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ إذَا حَرُمَ الشَّيْءُ بِإِجْمَاعٍ ثُمَّ جَاءَ نَصٌّ يُبِيحُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ، مَا نُبَالِي أُجْمِعَ عَلَى إبَاحَتِهِ أَمْ اُخْتُلِفَ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَضِيَّتُكُمْ هَذِهِ صَحِيحَةً لَبَطَلَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَكْثَرُ أَقْوَالِكُمْ، فَيُقَالُ لَكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُمْ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْمُجْنِبِ بِإِجْمَاعٍ، فَلَا تَحِلُّ لَهُمَا إلَّا بِإِجْمَاعٍ وَلَا تُجِيزُوا لِلْجُنُبِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ شَهْرًا فَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ، بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْأَسْوَدُ لَا يُجِيزُونَ لَهُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ، وَأَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْشِقْ، لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي صِحَّتِهَا، وَأَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ امْرَأَةٍ وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَجَمِيعِ الشَّرَائِعِ، فَصَحَّ أَنَّ قَضِيَّتَهُمْ هَذِهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ فِي ذَاتِهَا، وَفِي غَايَةِ الْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِانْقِطَاعِ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ يَحِلُّ

لَهُ وَطْؤُهَا، اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ، مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ أَوْ لَمْ يَمْضِ، تَوَضَّأَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَضَّأْ، تَيَمَّمَتْ أَوْ لَمْ تَتَيَمَّمْ، غَسَلَتْ فَرْجَهَا أَوْ لَمْ تَغْسِلْهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَّا بِأَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ أَدْنَى صَلَاةٍ مِنْ طُهْرِهَا، فَإِنْ مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ طَهُرَتْ فِيهِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فِيهِ فَلَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلَا تَيَمَّمَتْ وَلَا تَوَضَّأَتْ وَلَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا، فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةٍ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلَّا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ الْمَنْعَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ انْفَرَدُوا، فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا مُخَالِفٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا قَبْلُ، وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَقْبَرَةٍ وَلَا إلَى قَبْرٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَخَالَفُوهُمْ بِآرَائِهِمْ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَأَنَسٍ: الْفَخِذُ لَيْسَتْ عَوْرَةً وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَخَالَفُوهُمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا. وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ وَأَحَالَنَا عَلَى الْقُرْآنِ أَيْقَنَّا قَطْعًا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُرِدْ بَعْضَ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ قَالُوا قَوْلُنَا أَحْوَطُ، قُلْنَا حَاشَا لِلَّهِ، بَلْ الْأَحْوَطُ أَنْ لَا يُحَرِّمَ عَلَيْهِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْوَطْءِ بِغَيْرِ يَقِينٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا بِمَا يَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ، قُلْنَا هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ مُنْتَقِضَةٌ، أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَيْثُ لَا تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَهُوَ كَوْنُهَا مُجْنِبَةً وَمُحْدِثَةً. وَالثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: هَلَّا قُلْتُمْ لَا يَحِلُّ

مسألة قضاء الحائض للصلاة

لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا بِمَا يَحِلُّ لَهَا بِهِ الصَّوْمُ وَهُوَ يَحِلُّ لَهَا عِنْدَهُمْ بِرُؤْيَةِ الطُّهْرِ فَقَطْ فَهَذِهِ دَعْوَى بِدَعْوَى فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَدْنَا التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَشْيَاءِ، كَنِكَاحِ مَا نَكَحَ الْآبَاءُ، يَحْرُمُ بِالْعَقْدِ، وَتَحْلِيلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا يَحِلُّ لَهَا إلَّا بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ. قُلْنَا لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ، بَلْ قَدْ خَالَفْتُمْ قَضِيَّتَكُمْ هَذِهِ عَلَى فَسَادِهَا وَبُطْلَانِهَا، فَتَرَكْتُمْ أَغْلَظَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا قَالَهُ غَيْرُكُمْ وَهُوَ الْإِجْنَابُ، فَإِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَا يَرَى الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا تَحِلُّ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ وَالْإِنْزَالِ وَلَا بُدَّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرَى أَنَّهَا تَحِلُّ بِالْعَقْدِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْءٌ وَلَا دُخُولٌ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: قَدْ وَجَدْنَا التَّحْلِيلَ يَدْخُلُ بِأَدَقِّ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ فَرْجُ الْأَجْنَبِيَّةِ الَّذِي فِي وَطْئِهِ دُخُولُ النَّارِ وَإِبَاحَةُ الدَّمِ بِالرَّجْمِ وَالشُّهْرَةِ بِالسِّيَاطِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ: أَنْكِحْنِي ابْنَتَكَ. قَالَ قَدْ أَنْكَحْتُهَا. أَوْ تَلْفِظُ هِيَ بِالرِّضَا وَالْوَلِيُّ بِالْإِذْنِ. وَبِأَنْ يَقُولَ سَيِّدُ الْأَمَةِ: هِيَ لَكَ هِبَةً. وَوَجَدْنَا التَّحْرِيمَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ أَوْ انْقِضَاءُ أَمَدِ الْعِدَّةِ، وَوَجَدْنَا تَحْرِيمَ الرَّبِيبَةِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا، فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي قَالُوهُ تَخْلِيطٌ وَقَوْلٌ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ، وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا هُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ وَلَا مَزِيدَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَضَاء الْحَائِض لِلصَّلَاةِ] 257 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَقْضِي الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي مَرَّتْ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا. وَتَقْضِي صَوْمَ الْأَيَّامِ الَّتِي مَرَّتْ لَهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا. وَهَذَا نَصٌّ مُجْمَعٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ. 258 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ تِلْكَ الصَّلَاةَ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا. وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ: عَلَيْهَا الْقَضَاءُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمْكَنَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ. قَالَ عَلِيٌّ: بُرْهَانُ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا مَحْدُودًا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِي آخِرِ وَقْتِهَا، فَصَحَّ أَنَّ الْمُؤَخِّرَ

مسألة للرجل أن يتلذذ من امرأته الحائض بكل شيء حاشا الإيلاج في الفرج

لَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا لَيْسَ عَاصِيًا. لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ فَإِذًا هِيَ لَيْسَتْ عَاصِيَةً فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِعُدُولِهَا تَأْخِيرَهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهَا حَتَّى حَاضَتْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَكَانَ مَنْ صَلَّاهَا بَعْدَ مُضِيِّ مِقْدَارِ تَأْدِيَتِهَا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَاضِيًا لَهَا لَا مُصَلِّيًا، وَفَاسِقًا بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَمُؤَخِّرًا لَهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. 259 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِمِقْدَارِ مَا لَا يُمْكِنُهَا الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَلَا تَلْزَمُهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ وَلَا قَضَاؤُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الصَّلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ، وَقَدْ حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِلصَّلَوَاتِ أَوْقَاتَهَا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّهُورُ وَفِي الْوَقْتِ بَقِيَّةٌ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تُكَلَّفْ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُؤَدِّيَهَا فِي وَقْتِهَا. [مَسْأَلَةٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَلَذَّذَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ بِكُلِّ شَيْءٍ حَاشَا الْإِيلَاجَ فِي الْفَرْجِ] 260 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَتَلَذَّذَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ بِكُلِّ شَيْءٍ، حَاشَا الْإِيلَاجَ فِي الْفَرْجِ، وَلَهُ أَنْ يُشَفِّرَ وَلَا يُولِجَ، وَأَمَّا الدُّبُرُ فَحَرَامٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَفِي هَذَا خِلَافٌ فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَزِلُ فِرَاشَ امْرَأَتِهِ إذَا حَاضَتْ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ - إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ - وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ مِنْ السُّرَّةِ فَصَاعِدًا إلَى أَعْلَاهَا، وَلَيْسَ لَهُ مَا دُونَ ذَلِكَ. فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ، وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " كُنْتُ إذَا حِضْتُ نَزَلْتُ عَنْ الْمِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ كَثِيرِ بْنِ الْيَمَانِ الرَّحَّالِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَسَقَطَ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ مُوجِبَةٌ لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ

إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بَيَانٌ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، فَأَرْجَأْنَا أَمْرَ الْآيَةِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ» . وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عَنْ نُدْبَةَ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إذَا كَانَ عَلَيْهَا إزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ» . وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلِيفَةَ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَائِضٌ وَبَيْنَهُمَا ثَوْبٌ» . وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو الْعِجْلِيِّ «أَنَّ نَفَرًا سَأَلُوا عُمَرَ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ حَائِضًا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، لَا تَطَّلِعَنَّ إلَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى تَطْهُرَ» . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ مِثْلُهُ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو: عَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ ثنا مَرْوَانُ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ - حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ ثنا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ «عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» . وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيِّ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَغْطَشِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذِ الْأَزْدِيِّ هُوَ ابْنُ قُرْطٍ أَمِيرُ حِمْصَ - عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ» .

وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ عَنْ كُرَيْبٍ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ حَائِضٌ لِزَوْجِهَا؟ قَالَ: سَمِعْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ كَانَ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَذَلِكَ: يَحِلُّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» . وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» . فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ فَوَجَدْنَاهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، أَمَّا حَدِيثَا مَيْمُونَةَ فَأَحَدُهُمَا عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: مَخْرَمَةُ هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَالْآخَرُ مِنْ طَرِيقِ نَدَبَةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا تُعْرَفُ، وَأَبُو دَاوُد يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ اللَّيْثِ فَقَالَ: قَالَ نَدَبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ وَمَعْمَرٌ يَرْوِيهِ وَيَقُولُ: نُدْبَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ، وَيُونُسُ يَقُولُ بُدَيَّةَ، بِالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَالدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، كُلُّهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ، فَسَقَطَ خَبَرَا مَيْمُونَةَ ". وَأَمَّا حَدِيثَا عَائِشَةَ فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَلَمْ يُوَثِّقْهُ أَحَدٌ فَسَقَطَ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ الْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ، إنَّمَا الثِّقَةُ أَخُوهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَسَقَطَ حَدِيثَا عَائِشَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ، هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْجَزَرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ نَصًّا، فَسَقَطَ إسْنَادُهُ لِأَنَّ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ بَلْ رَوَاهُ كَمَا ذَكَرْنَا مُنْقَطِعًا عَنْ عُمَيْرٍ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو الشَّامِيِّ عَنْ أَحَدِ النَّفَرِ الَّذِينَ أَتَوْا عُمَرَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِنَصِّهِ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو الْبَجَلِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَأَلُوا عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَاصِمٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ عَنْ مَجْهُولِينَ، فَسَقَطَ جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ فَوَجَدْنَاهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَرَامَ بْنَ حَكِيمٍ ضَعِيفٌ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى غَسْلَ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الْمَذْيِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ

عَنْ حَرَامٍ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فَوَجَدْنَاهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ بَقِيَّةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْأَغْطَشِ وَهُوَ مَجْهُولٌ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَنَّ التَّعَفُّفَ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدْنَاهُ لَمْ يُحَقَّقْ إسْنَادُهُ، فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا وَلَمْ يَجُزْ التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا قُلْنَاهُ فَوَجَدْنَا الصَّحِيحَ عَنْ مَيْمُونَةَ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ» . وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَسْوَدِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْلِكُ إرْبَهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ثنا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ صُبْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ خِلَاسَ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ «عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ وَأَنَا حَائِضٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ غَسَلَهُ لَمْ يَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ يَعُودُ مَعِي» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثنا ثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]

إلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» . فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ بِصِحَّتِهِ، وَبَيَانُ أَنَّهُ كَانَ إثْرَ نُزُولِ الْآيَةِ هُوَ الْبَيَانُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْمَحِيضُ فِي اللُّغَةِ مَوْضِعَ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ، وَهَذَا فَصِيحٌ مَعْرُوفٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ حِينَئِذٍ مُوَافِقَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهَا: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي مَوْضِعِ الْحَيْضِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْفَرْجَ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] قَالَ: اعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ، وَهُوَ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ: إنَّ حَدِيثَ عُمَرَ - الَّذِي لَا يَصِحُّ - نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - الَّذِي لَا يَثْبُتُ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ - قَالَ: لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ كَانَ مُتَّصِلًا بِنُزُولِ الْآيَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُمَرَ فَمَنْ لَهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ؟ وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِذْ ذَلِكَ مُمْكِنٌ هَكَذَا فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِأَحَدِهِمَا، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ يَقِينِ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إثْرَ نُزُولِ الْآيَةِ لِظَنٍّ كَاذِبٍ فِي حَدِيثٍ لَا يَصِحُّ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ الثَّابِتَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِّينَاهُمَا: أَحَدُهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَتْ فَقُلْتُ: إنَّنِي حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» .

مسألة دم النفاس يمنع ما يمنع منه دم الحيض حاشا الطواف بالبيت

وَرُوِّينَا الْآخَرَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ وَأَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ، فَقَالَتْ إنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» فَهُمَا دَلِيلُ أَنْ لَا يُجْتَنَبَ إلَّا الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْحَيْضَةُ وَحْدَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دَمُ النِّفَاسِ يَمْنَعُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ دَمُ الْحَيْضِ حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ] 261 - مَسْأَلَةٌ: وَدَمُ النِّفَاسِ يَمْنَعُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ دَمُ الْحَيْضِ. هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَإِنَّ النُّفَسَاءَ تَطُوفُ بِهِ، لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْحَائِضِ وَلَمْ يَرِدْ فِي النُّفَسَاءِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا أَنَّ النِّفَاسَ حَيْضٌ صَحِيحٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ «لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ أَنُفِسْتِ؟ قَالَتْ نَعَمْ» فَسَمَّى الْحَيْضَ نِفَاسًا. وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ مِنْهُ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعٍ. [مَسْأَلَةٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَتَزَوَّجَا وَأَنْ يَدْخُلَا الْمَسْجِدَ وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ] 262 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَتَزَوَّجَا وَأَنْ يَدْخُلَا الْمَسْجِدَ وَكَذَلِكَ الْجُنُبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ يَبِيتُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ فِيهِمْ مِنْ يَحْتَلِمُ، فَمَا نُهُوا قَطُّ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ إلَّا مُجْتَازِينَ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] فَادَّعُوا أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ مَعْنَاهُ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ زَيْدٍ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَهُ لَكَانَ خَطَأً مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ فَيَلْبِسُ عَلَيْنَا فَيَقُولُ: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء: 43] وَرُوِيَ أَنَّ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ نَفْسِهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَمُرَّا فِيهِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ لَا يَمُرَّا فِيهِ، فَإِنْ اُضْطُرَّا إلَى ذَلِكَ تَيَمَّمَا ثُمَّ مَرَّا فِيهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ

عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» ، وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي غُنْيَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ الْهَجَرِيِّ عَنْ مَحْدُوجٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا إنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ إلَّا لِلنَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ» . وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ عَطَاءٍ الْخَفَّافِ عَنْ ابْنِ أَبِي غُنْيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذَا الْمَسْجِدُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ جُنُبٍ مِنْ الرِّجَالِ وَحَائِضٍ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مُحَمَّدًا وَأَزْوَاجَهُ وَعَلِيًّا وَفَاطِمَةَ» . وَخَبَرٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَمُرَّ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ إلَّا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ: أَمَّا أَفْلَتُ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَا مَعْرُوفٍ بِالثِّقَةِ، وَأَمَّا مَحْدُوجٌ فَسَاقِطٌ يَرْوِي الْمُعْضِلَاتِ عَنْ جَسْرَةَ، وَأَبُو الْخَطَّابِ الْهَجَرِيُّ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا عَطَاءٌ الْخَفَّافُ فَهُوَ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَإِسْمَاعِيلُ مَجْهُولٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلُهُ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ وَلِيدَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَتْ فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ حِفْشٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ امْرَأَةٌ سَاكِنَةٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَعْهُودُ مِنْ النِّسَاءِ الْحَيْضُ فَمَا مَنَعَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ وَلَا نَهَى عَنْهُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ فَمُبَاحٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا» وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ

مسألة حكم وطء الحائض

الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ مُبَاحٌ لَهُمَا جَمِيعُ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَسْجِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الْمَسَاجِدِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَائِشَةَ، إذْ حَاضَتْ فَلَمْ يَنْهَهَا إلَّا عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ لَا يَحِلُّ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَنْهَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الطَّوَافِ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ وَطْءِ الْحَائِضِ] 263 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ أَصَابَهَا فِي الدَّمِ فَيَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: مَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَطَأُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ: إنْ كَانَ وَاجِدًا فَدِينَارٌ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُعْتِقُ رَقَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ «إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي أَهْلَهُ حَائِضًا يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ «عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ - يَعْنِي الَّذِي يَعْمِدُ وَطْءَ حَائِضٍ - أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسَيْ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَإِذَا بِهَا حَائِضٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ

عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَصَابَ حَائِضًا بِعِتْقِ نَسَمَةٍ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ نَصًّا، وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ أَوْ الصِّيَامَ أَوْ الْإِطْعَامَ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْوَطْءِ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ. أَمَّا حَدِيثُ مِقْسَمٍ فَمِقْسَمٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ، فَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ خُصَيْفٍ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ فَمُرْسَلٌ، وَأَمَّا حَدِيثَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ لَكَفَى بِهِ سُقُوطًا، فَكَيْفَ وَأَحَدُهُمَا عَنْ السَّبِيعِيِّ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ مَعَ الْمَكْفُوفِ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَأَمَّا حَدِيثَا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ، فَسَقَطَ جَمِيعُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا قِيَاسُ الْوَاطِئِ حَائِضًا عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْآخِذِينَ بِالْآثَارِ الْوَاهِيَةِ كَحَدِيثِ حِزَامٍ فِي الِاسْتِظْهَارِ وَأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَأَحَادِيثِ الْجُعْلِ فِي الْأَنْفِ، وَحَدِيثِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ، وَأَحَادِيثِ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ، وَبِالْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ فِي أَنْ لَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ الْجُنُبُ، أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الْآثَارِ فَهِيَ أَحْسَنُ عَلَى عِلَّاتِهَا مِنْ تِلْكَ الصُّلْعِ الدَّبِرَةِ الَّتِي أَخَذُوا بِهَا هَهُنَا، وَلَكِنْ هَذَا يُلِيحُ اضْطِرَابَهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَتَعَلَّقُونَ بِمُرْسَلٍ وَلَا مُسْنَدٍ وَلَا قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ إلَّا مَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ، عَلَى الْوَاطِئِ فِيهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَقِيسَ وَاطِئَ الْحَائِضِ عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ، لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَطِئَ فَرْجًا حَلَالًا فِي الْأَصْلِ حَرَامًا بِصِفَةٍ تَدُورُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّ الْوَاطِئَ أَشْبَهُ بِالْوَاطِئِ مِنْ الْآكِلِ بِالْوَاطِئِ. نَعَمْ وَمِنْ الزَّيْتِ بِالسَّمْنِ وَمِنْ الْمُتَغَوِّطِ بِالْبَائِلِ، وَمِنْ الْخِنْزِيرِ بِالْكَلْبِ وَمِنْ

مسألة دم رأته الحامل ولم تضع آخر ولد في بطنها

فَرْجِ الزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ بِيَدِ السَّارِقِ الْمَلْعُونِ، وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّهُمْ لَا النُّصُوصَ يَلْتَزِمُونَ، وَلَا الْقِيَاسَ يَتَّبِعُونَ، وَإِنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُونَ أَوْ مُسْتَحْسِنُونَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ لَأَخَذْنَا بِهِ، فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فِي إيجَابِ شَيْءٍ عَلَى وَاطِئِ الْحَائِضِ فَمَالُهُ حَرَامٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ حُكْمًا أَكْثَرَ مِمَّا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي عَمِلَ، وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّعْزِيرِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ، وَسَنَذْكُرُ مِقْدَارَ التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ دَمٌ رَأَتْهُ الْحَامِلُ وَلَمْ تَضَعْ آخِرَ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا] 264 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ دَمٍ رَأَتْهُ الْحَامِلُ مَا لَمْ تَضَعْ آخِرَ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا، فَلَيْسَ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ شَيْءٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا قَبْلُ وَبُرْهَانُهُ، وَلَيْسَ أَيْضًا نِفَاسًا لِأَنَّهَا لَمْ تُنْفِسْ وَلَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدُ وَلَا حَائِضٌ، وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا مَا قَدْ صَحَّ وُجُوبُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَإِبَاحَةِ الْجِمَاعِ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ لَا بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ. [مَسْأَلَةٌ رَأَتْ الْعَجُوزُ الْمُسِنَّةُ دَمًا أَسْوَدَ] 265 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ رَأَتْ الْعَجُوزُ الْمُسِنَّةُ دَمًا أَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالْوَطْءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَتْهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَيْضِ «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» فَهَذَا دَمٌ أَسْوَدُ وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا، كَمَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فِي الْحَامِلِ، فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] قُلْنَا: إنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ بِيَأْسِهِنَّ، وَلَمْ يُخْبِرْ تَعَالَى أَنْ يَأْسَهُنَّ حَقٌّ قَاطِعٌ لِحَيْضِهِنَّ، وَلَمْ نُنْكِرْ يَأْسَهُنَّ مِنْ الْحَيْضِ، لَكِنْ قُلْنَا: إنَّ يَأْسَهُنَّ مِنْ الْحَيْضِ، لَيْسَ مَانِعًا مِنْ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ حَيْضًا، وَلَا أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُنَّ يَائِسَاتٌ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ أَنْ يُنْكَحْنَ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُرُودِ الْكَلَامَيْنِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ

مسألة أقل الحيض

وَاَللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا، وَكِلَاهُمَا حُكْمٌ وَارِدٌ فِي اللَّوَاتِي يَظْنُنَّ هَذَيْنِ الظَّنَّيْنِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَمْنَعُ مِمَّا يَئِسْنَ مِنْهُ، مِنْ الْمَحِيضِ وَالنِّكَاحِ، وَبِقَوْلِنَا فِي الْعَجُوزِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَقَلُّ الْحَيْضِ] 266 - مَسْأَلَةٌ: وَأَقَلُّ الْحَيْضِ دَفْعَةً، فَإِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ الْأَسْوَدَ مِنْ فَرْجِهَا أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَحَرُمَ وَطْؤُهَا عَلَى بَعْلِهَا وَسَيِّدِهَا، فَإِنْ رَأَتْ أَثَرَ الدَّمِ الْأَحْمَرِ أَوْ كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ أَوْ الصُّفْرَةَ أَوْ الْكُدْرَةَ أَوْ الْبَيَاضَ أَوْ الْجُفُوفَ التَّامَّ - فَقَدْ طَهُرَتْ وَتَغْتَسِلُ أَوْ تَتَيَمَّمُ إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ، وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا بَعْلُهَا أَوْ سَيِّدُهَا، وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى رَأَتْ الدَّمَ الْأَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَمَتَى رَأَتْ غَيْرَهُ فَهُوَ طُهْرٌ، وَتَعْتَدُّ بِذَلِكَ مِنْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ تَمَادَى الْأَسْوَدُ فَهُوَ حَيْضٌ إلَى تَمَامِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنْ زَادَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَيْضًا، وَنَذْكُرُ حُكْمَ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُرُودِ النَّصِّ بِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ حَيْضًا، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِذَلِكَ عَدَدَ أَوْقَاتٍ مِنْ عَدَدٍ، بَلْ أَوْجَبَ بِرُؤْيَتِهِ أَنْ لَا تُصَلِّيَ وَلَا تَصُومَ، وَحَرَّمَ تَعَالَى نِكَاحَهُنَّ فِيهِ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالصَّلَاةِ عِنْدَ إدْبَارِهِ وَالصَّوْمَ، وَأَبَاحَ تَعَالَى الْوَطْءَ عِنْدَ الطُّهْرِ مِنْهُ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِذَلِكَ، وَمَا دَامَ يُوجَدُ الْحَيْضُ فَلَهُ حُكْمُهُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي أَقَلِّ مِنْ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا، فَمَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا وُقِفَ عِنْدَهُ، وَانْتَقَلَتْ عَنْ حُكْمِ الْحَائِضِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَمَرْدُودٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ لِلدَّمِ الْأَسْوَدِ حُكْمَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ مَانِعٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ الْمُبِيحِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا يَكُونُ قُرْءًا فِي الْعِدَّةِ، فَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُخْطِئٌ مُتَيَقِّنٌ الْخَطَأِ، قَائِلٌ مَا لَا قُرْآنَ جَاءَ بِهِ وَلَا سُنَّةَ، لَا صَحِيحَةً وَلَا سَقِيمَةً، وَلَا قِيَاسَ وَلَا إجْمَاعَ، بَلْ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ كِلَاهُمَا يُوجِبُ مَا قُلْنَا: مِنْ امْتِنَاعِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِالْحَيْضِ، وَوُجُودِهِمَا بِعَدَمِ الْحَيْضِ، وَوُجُودِ الطُّهْرِ وَكَوْنِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ قُرْءًا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَمَنْ حَدَّ فِي أَيَّامِ الْقُرْءِ حَدًّا فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَقَافٍ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ. وَفِي هَذَا خِلَافٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ مُدَّةِ

الْحَيْضِ، وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَأَمَّا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: أَقَلُّ الْحَيْضِ دَفْعَةٌ تُتْرَكُ لَهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَأَمَّا فِي الْعِدَّةِ فَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَقَلُّهُ فِي الْعِدَّةِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَقَلُّ الْحَيْضِ دَفْعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ وَالْعِدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَلَيْسَ حَيْضًا وَلَا تُتْرَكُ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا صَوْمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَيْضُ النِّسَاءِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، وَهُوَ قَوْلٌ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَبَيْنَ الْعِدَّةِ، فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ احْتِيَاطٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: حَيْضُ النِّسَاءِ يَدُورُ عَلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنْ قَالُوا: هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي النِّسَاءِ، وَذَكَرُوا حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ «عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّهَا اُسْتُحِيضَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَلَ حَيْضَتِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: تَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فِي عِلْمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا اسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ وَأَيَّامَهَا وَصُومِي كَذَلِكَ، وَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» . وَقَدْ أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو عُبَيْدٍ فَجَعَلَ هَذَا حُكْمَ الْمُبْتَدَأَةَ.

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَلَا يَصِحَّانِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ. كَذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ أَيْمَنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ - وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حَدَّثْتُ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ أَحْمَدُ: وَالنُّعْمَانُ يُعْرَفُ فِيهِ الضَّعْفُ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا شَرِيكٌ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَيْضًا فَعُمَرُ بْنُ طَلْحَةَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لَا يُعْرَفُ لِطَلْحَةَ ابْنٌ اسْمُهُ عُمَرُ. وَأَمَّا الْآخَرُ فَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، وَقَدْ تُرِكَ حَدِيثُهُ فَسَقَطَ الْخَبَرُ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ حَيْضِ النِّسَاءِ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ مَنْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا فَلَا يُجْعَلُ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ، فَبَطَلَ حَمْلُهُنَّ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَقَدْ يُوجَدُ مَنْ تَحِيضُ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسٌ، فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةً أَيَّامٍ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ «عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ، أَوْ أَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ ثُمَّ تَغْتَسِلَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالُوا: أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ أَيَّامٍ فَثَلَاثَةٌ، وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُرَيْقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ درخت ثنا أَسَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَيْضَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا فَوْقَ عَشْرٍ» قَالُوا: وَهُوَ

قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أَفْتَتْ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ نَهْيِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ وَأَسْمَاءَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ كَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ، هَذَا نَصُّ ذَلِكَ الْخَبَرِ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَنْ يُحَالَ عَنْهُ وَلَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ مَنْ لَا أَيَّامَ لَهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَجَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ والدّرَاوَرْدِيُّ وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، كُلَّهُمْ رَوَوْا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ الْحَيْضَةُ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ رَوَوْا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عُرْوَةَ كُلُّهُمْ «إذَا جَاءَتْ الْحَيْضَةُ وَإِذَا جَاءَ قُرْؤُكِ وَإذَا جَاءَ الدَّمُ الْأَسْوَدُ» دُونَ ذِكْرِ أَيَّامٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدَّمِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» فَهَذَا أَمْرٌ لِمَنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمِنْ يَوْمٍ وَأَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا. وَهَذِهِ كُلُّهَا فَتَاوَى حَقٍّ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا، وَلَا إحَالَةُ شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ ظَاهِرِهَا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ مُرَادَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا: إنَّمَا أَرَادَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ مَقْدِمٌ كَانَ كَاذِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا خَبَرُ مُعَاذٍ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ وَهُوَ

أكثر مدة الحيض

مَجْهُولٌ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، وَالْعَجَبُ مِنْ انْتِصَارِهِمْ هَهُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ الْأَيَّامِ إلَّا عَلَى ثَلَاثٍ لَا أَقَلَّ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى أَخَوَيْنِ فَقَطْ فَهَلَّا جَعَلُوا لَفْظَةَ الْأَيَّامِ تَقَعُ هَهُنَا عَلَى يَوْمَيْنِ؟ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فَلَا يَصِحُّ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَقِيلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا أَفْتَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ مَنْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ، فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ إجْمَاعًا فِي ذَلِكَ فَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: إنَّهُ يَعْرِفُ امْرَأَةً تَطْهُرُ عَشِيَّةً وَتَحِيضُ غُدْوَةً، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَدْ أَوْجَبَا بِرُؤْيَةِ دَفْعَةٍ مِنْ الدَّمِ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَفِطْرَ الصَّائِمَةِ وَتَحْرِيمَ الْوَطْءِ، وَهَذِهِ أَحْكَامٌ الْحَيْضِ، فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا: بِمَاذَا تُفْتُونَهَا؟ فَلَا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ وَلَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ، فَنَسْأَلُهُمْ: إنْ رَأَتْ الطُّهْرَ إثْرَهَا؟ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: تَغْتَسِلِي وَتُصَلِّي، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا أَلَّا تُفْطِرَ وَلَا تَدَعَ الصَّلَاةَ وَأَلَّا يَحْرُمَ وَطْؤُهَا إلَّا حَتَّى تُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، فَإِذْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآثَارَ الصِّحَاحَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَاءَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» دُونَ تَحْدِيدِ وَقْتٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ - بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَفْتَى إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ، فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي. [أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ] وَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَالَا: أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَكُونُ

مسألة لا حد لأقل الطهر ولا لأكثره

أَكْثَرَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَكْثَرُ الْحَيْضِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ: أَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ. فَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَقَالَ: لَا يَقَعُ اسْمُ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى عَشَرَةٍ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَيْضَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اسْمَ أَيَّامٍ لَا يَقَعُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَكَذِبٌ لَا تُوجِبُهُ لُغَةٌ وَلَا شَرِيعَةٌ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَهَذَا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَا خِلَافٍ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ قَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَهَذَا بَاطِلٌ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَيْضٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ، قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: أَنَّ الثِّقَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحِيضُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَرُوِّينَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَنْ نِسَاءِ آلِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحِضْنَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ فَإِذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ، فَوَجَبَ الِانْقِيَادُ لِذَلِكَ، وَصَحَّ أَنَّهَا مَا دَامَتْ تَرَاهُ فَهِيَ حَائِضٌ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي دَمٍ أَسْوَدَ أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا. وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ دَمٌ أَسْوَدُ وَلَيْسَ حَيْضًا، وَلَمْ يُوَقِّتْ لَنَا فِي أَكْثَرِ عِدَّةِ الْحَيْضِ مِنْ شَيْءٍ، فَوَجَبَ أَنْ نُرَاعِيَ أَكْثَرَ مَا قِيلَ، فَلَمْ نَجِدْ إلَّا سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَقُلْنَا بِذَلِكَ، وَأَوْجَبْنَا تَرْكَ الصَّلَاةِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ هَذِهِ الْمُدَّةَ - لَا مَزِيدَ - فَأَقَلَّ، وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا. وَقَالُوا: إنْ كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ الطُّهْرِ وَهَذَا مُحَالٌ، فَقُلْنَا لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ مُحَالٌ؟ وَمَا الْمَانِعُ إنْ وَجَدْنَا ذَلِكَ أَلَا يُوقَفُ عِنْدَهُ؟ فَمَا نَعْلَمُ مَنَعَ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ أَصْلًا وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ] 267 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ، فَقَدْ يَتَّصِلُ الطُّهْرُ بَاقِي عُمُرِ

الْمَرْأَةِ فَلَا تَحِيضُ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ لِذَلِكَ، وَقَدْ تَرَى الطُّهْرَ سَاعَةً وَأَكْثَرَ بِالْمُشَاهَدَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ لَيْسَ طُهْرًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً يَشْتَغِلُ بِهَا أَصْلًا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَكُونُ طُهْرٌ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا فَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْعِدَّةَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِلَّتِي تَحِيضُ وَجَعَلَ لِلَّتِي لَا تَحِيضُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، قَالُوا: فَصَحَّ أَنَّ بِإِزَاءِ كُلِّ حَيْضٍ وَطُهْرٍ شَهْرًا، فَلَا يَكُونُ حَيْضٌ وَطُهْرٌ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ اللَّهُ تَعَالَى فَنَاسِبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَاذِبٌ، نَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ قَطُّ إنِّي جَعَلْتُ بِإِزَاءِ كُلِّ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ شَهْرًا، بَلْ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّنَا وَهُمْ لَا نَخْتَلِفُ فِي امْرَأَةٍ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ مَرَّةً أَوْ فِي كُلِّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَرَّةً، فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ حَتَّى تَتِمَّ لَهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَلَا بُدَّ، فَظَهَرَ كَذِبُ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ شَهْرًا، بَلْ قَدْ وَجَدْنَا الْعِدَّةَ تَنْقَضِي فِي سَاعَةٍ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَبَطَلَ كُلُّ هَذَرٍ أَتَوْا بِهِ وَكُلُّ ظَنٍّ كَاذِبٍ شَرَعُوا بِهِ الدِّينَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ طُهْرًا وَهُوَ يَأْمُرُهَا فِيهِ بِالصَّلَاةِ وَبِالصَّوْمِ وَيُبِيحُ وَطْأَهَا لِزَوْجِهَا، فَكَيْفَ لَا يَكُونُ طُهْرًا مَا هَذِهِ صِفَتُهُ؟ وَكَيْفَ لَا يَعُدُّ الْيَوْمُ وَأَقَلُّ مِنْهُ حَيْضًا وَهُوَ يَأْمُرُهَا فِيهِ بِالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَبِتَرْكِ الصَّلَاةِ؟ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يُغْنِي ذِكْرُهَا عَنْ تَكَلُّفِ فَسَادِهَا، وَلَا يُعْرَفُ لِشَيْءٍ مِنْهَا قَائِلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي فِي يَوْمٍ أَوْ فِي يَوْمَيْنِ عَلَى قَوْلِكُمْ؟ قُلْنَا نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَأَيْنَ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا؟ وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِكُمْ وَقَدْ أَرَيْنَاكُمْ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي فِي أَقَلِّ مِنْ سَاعَةٍ فَمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ؟

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ هَذَا لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، قُلْنَا لَهُمْ: لَيْسَتْ الْعِدَّةُ لِلْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ، لِبَرَاهِينَ: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مِنْكُمْ دَعْوَى كَاذِبَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِدَّةَ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ تَلْزَمُ الْعَجُوزَ ابْنَةَ الْمِائَةِ عَامٍ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَا حَمَلَ بِهَا، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْعِدَّةَ تَلْزَمُ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تَحْمِلُ، وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا تَلْزَمُ مِنْ الْعَقِيمِ، وَالْخَامِسُ: أَنَّهَا تَلْزَمُ مِنْ الْخَصِيِّ مَا بَقِيَ لَهُ مَا يُولِجُهُ، وَالسَّادِسُ: أَنَّهَا تَلْزَمُ الْعَاقِرَ، وَالسَّابِعُ: أَنَّهَا تَلْزَمُ مَنْ وَطِئَ مَرَّةً ثُمَّ غَابَ إلَى الْهِنْدِ وَأَقَامَ هُنَالِكَ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَا حَمْلَ بِهَا، وَالثَّامِنُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ لَكَانَتْ حَيْضَةً وَاحِدَةً تُبْرِئُ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّاسِعُ: أَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُطَلَّقَةَ إثْرَ نِفَاسِهَا وَلَا حَمْلَ بِهَا، وَالْعَاشِرُ: أَنَّ الْمَكِّيِّينَ بِالضِّدِّ مِنْهُمْ، قَالُوا: لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَتُصَدَّق فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا، وَتُصَدَّقُ فِي السِّتِّينَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا لَا فِي أَقَلَّ، وَقَالَ مَالِكٌ: تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا فِي أَقَلَّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُصَدَّقُ فِي تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا أَقَلَّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُصَدَّقُ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا أَقَلَّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذِهِ الْمُدَدِ الَّتِي بَنَوْهَا عَلَى أُصُولِهِمْ لَا يُؤْمَنُ مَعَ انْقِضَاءِ وُجُودِ الْحَمْلِ، فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ عِلَّتَهُمْ، وَكَذَّبَ دَلِيلَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُؤْمَنَ الْحَمْلُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَكَيْفَ وَهُمْ الْمُحْتَاطُونَ بِزَعْمِهِمْ لِلْحَمْلِ وَهُمْ يُصَدِّقُونَ قَوْلَهَا، وَلَوْ أَنَّهَا أَفْسَقُ الْبَرِيَّةِ وَأَكْذَبَهُمْ فِي هَذِهِ الْمُدَدِ، أَمَّا نَحْنُ فَلَا نُصَدِّقُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ مِنْ أَرْبَعِ قَوَابِلَ عُدُولٍ عَالِمَاتٍ، فَظَهَرَ مِنْ الْمُحْتَاطِ لِلْحَمْلِ، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ: أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ، فَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إنَّ الْعِدَّةَ وُضِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ أَوْ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ اقْضِ فِيهَا؟ قَالَ إنْ جَاءَتْ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ النِّسَاءِ الْعُدُولِ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى صِدْقُهُ وَعَدْلُهُ أَنَّهَا رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ مِنْ الطَّمْثِ الَّذِي هُوَ الطَّمْثُ وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَتُصَلِّي فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " قالون " مَعْنَاهَا أَصَبْتُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ:

مسألة لا حد لأقل النفاس

أَيَكُونُ طُهْرًا خَمْسَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُ قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالنِّفَاسُ وَالْحَيْضُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ] 268 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَسَبْعَةُ أَيَّامٍ لَا مَزِيدَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ إنْ كَانَ دَفْعَةً ثُمَّ انْقَطَعَ الدَّمُ وَلَمْ يُعَاوِدْهَا فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ عَاوَدَهَا دَمٌ فِي الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ دَمُ نِفَاسٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. إنْ عَاوَدَهَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَيْسَ دَمَ نِفَاسٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ حُدُودٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا أَكْثَرُ النِّفَاسِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ مَرَّةً: سِتُّونَ يَوْمًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. فَأَمَّا مَنْ حَدَّ سِتِّينَ يَوْمًا فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً، وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا رِوَايَاتٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ طَرِيقِ مَسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَرِوَايَةً عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَهُوَ كَذَّابٌ، وَرِوَايَةً عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ امْرَأَتَهُ رَأَتْ الطُّهْرَ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا، فَاغْتَسَلَتْ وَدَخَلَتْ مَعَهُ فِي لِحَافِهِ، فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ وَقَالَ: لَا تَغُضِّي مِنْ دِينِي حَتَّى تَمْضِيَ الْأَرْبَعُونَ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، وَلَا أَسْوَأَ حَالًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا لَا يَرَاهُ حُجَّةً، وَهُوَ أَيْضًا عَنْ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ مِثْلُهُ، وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ مَا خَالَفُوا فِيهِ الصَّاحِبَ، وَالصَّحَابَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفُونَ، وَأَقْرَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهَذِهِ مِنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا وَلَقَدْ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْمُشَنِّعِينَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي

لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، أَنْ يَقُولُوا بِمَا رُوِيَ هَهُنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ بِيَقِينٍ وَأَبَاحَ وَطْأَهَا لِزَوْجِهَا، لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا حَيْثُ تَمْتَنِعُ بِدَمِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ. وَقَدْ حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: تَنْتَظِرُ إذَا وَلَدَتْ سَبْعَ لَيَالٍ أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. قَالَهُ جَابِرٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَنْتَظِرُ أَقْصَى مَا تَنْتَظِرُ امْرَأَةٌ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ ثُمَّ اتَّفَقَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: تَنْتَظِرُ الْبِكْرُ إذَا وَلَدَتْ كَامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَهْلِ دِمَشْقَ: تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ مِنْ الْغُلَامِ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَمِنْ الْجَارِيَةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ خِلَافَ الطَّائِفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ - خِلَافًا لِلْإِجْمَاعِ، فَقَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي خِلَافِ الْإِجْمَاعِ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّهُمْ حَدُّوا حُدُودًا لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقُولُ إلَّا بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، مِنْ أَنَّهُ دَمٌ يَمْنَعُ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ، فَهُوَ حَيْضٌ. وَقَدْ حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ ثنا أَبُو الْحَسَنِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ ثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ أَمَدِ النِّفَاسِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلُّ أَمَدِ النِّفَاسِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا.

مسألة أول ما ترى الجارية الدم تراه أسود

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَانِ حَدَّانِ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحُدُّ مِثْلَ هَذَا بِرَأْيِهِ وَلَا يُنْكِرُهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ وَقَفَ عِنْدَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ هُوَ حَيْضٌ صَحِيحٌ، وَأَمَدُهُ أَمَدُ الْحَيْضِ وَحُكْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حُكْمُ الْحَيْضِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنُفِسْتِ» بِمَعْنَى حِضْتِ فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدَّمِ الْأَسْوَدِ مَا قَالَ مِنْ اجْتِنَابِ الصَّلَاةِ إذَا جَاءَ، وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ، وَقَدْ حَكَمُوا لَهُمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا أَمَدَهُمَا وَاحِدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَوَّلَ مَا تَرَى الْجَارِيَةُ الدَّمَ تَرَاهُ أَسْوَدَ] 269 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ رَأَتْ الْجَارِيَةُ الدَّمَ أَوَّلَ مَا تَرَاهُ أَسْوَدَ فَهُوَ دَمُ حَيْضٍ كَمَا قَدَّمْنَا تَدَعُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَلَا يَطَؤُهَا بَعْلُهَا أَوْ سَيِّدُهَا، فَإِنْ تَلَوَّنَّ أَوْ انْقَطَعَ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَهُوَ طُهْرٌ صَحِيحٌ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَإِنْ تَمَادَى أَسْوَدَ تَمَادَتْ عَلَى أَنَّهَا حَائِضٌ إلَى سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَمَادَى بَعْدَ ذَلِكَ أَسْوَدَ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ طَاهِرٌ أَبَدًا لَا تَرْجِعُ إلَى حُكْمِ الْحَائِضَةِ إلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ أَوْ يَتَلَوَّنَ كَمَا ذَكَرْنَا، فَيَكُونُ حُكْمُهَا إذَا كَانَ أَسْوَدَ حُكْمَ الْحَيْضِ وَإِذَا تَلَوَّنَ أَوْ انْقَطَعَ أَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعَ عَشْرَةَ حُكْمَ الطُّهْرِ. فَأَمَّا الَّتِي قَدْ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ فَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا فِي تَمَادِي الدَّمِ الْأَسْوَدِ مُتَّصِلًا فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهَا أَوْ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُهُ إمَّا مِرَارًا فِي الشَّهْرِ أَوْ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ أَوْ مَرَّةً فِي أَشْهُرٍ أَوْ فِي عَامٍ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْأَمَدُ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ بِهِ الْحَائِضُ، فَإِذَا انْقَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ اغْتَسَلَتْ وَصَارَتْ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهَكَذَا أَبَدًا مَا لَمْ يَتَلَوَّنْ الدَّمُ أَوْ يَنْقَطِعُ، فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَيَّامِ بَنَتْ عَلَى آخِرِ أَيَّامِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ حَيْضِهَا لَزِمَهَا فَرْضًا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَوْ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَتَمَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ

لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَذَلِكَ لَهَا، وَفِي أَوَّلِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ، فَذَلِكَ لَهَا، وَتُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا وَلَا بُدَّ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهَا فِيهِ حَرَجٌ تَيَمَّمَتْ كَمَا ذَكَرْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْحَيْضِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا - «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَفِي بَعْضِهَا «فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي» وَفِي بَعْضِهَا «فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي وَصَلِّي» وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ إيجَابُ مُرَاعَاةِ تَلَوُّنِ الدَّمِ. وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ ثنا أَبُو أُسَامَةَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: لَا، إنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَمَدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدَّمِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنُ دَمًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَفِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إيجَابُ مُرَاعَاةِ الْقَدْرِ. الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُهُ قَبْلَ أَنْ يَمْتَدَّ بِهَا الدَّمُ. وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ الَّتِي لَا يَتَلَوَّنُ دَمُهَا عَنْ السَّوَادِ وَلَا مِقْدَارَ عِنْدَهَا لِحَيْضٍ مُتَقَدِّمٍ،

فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ عَلَيْهَا، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الدَّمَ الْأَسْوَدَ مِنْهُ حَيْضٌ وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ بِرَأْيِهِ بَعْضَ ذَلِكَ الدَّمِ حَيْضًا وَبَعْضَهُ غَيْرَ حَيْضٍ، لِأَنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، أَوْ قَائِلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَدَيْهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهَا تَرْكُ يَقِينِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِظَنٍّ فِي بَعْضِ دَمِهَا أَنَّهُ حَيْضٌ، وَلَعَلَّهُ لَيْسَ حَيْضًا، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَدَاوُد، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: تَجْعَلُ لِنَفْسِهَا مِقْدَارَ حَيْضِ أُمِّهَا وَخَالَتِهَا وَعَمَّتِهَا وَتَكُونُ فِيمَا زَادَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ جَعَلَتْ حَيْضَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَتَكُونُ فِي بَاقِي الشَّهْرِ مُسْتَحَاضَةً تَصُومُ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَطَاءٌ: تَجْعَلُ لِنَفْسِهَا قَدْرَ حَيْضِ نِسَائِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَقْعُدُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَكُونُ فِيهِ حَائِضًا، وَبَاقِي الشَّهْرِ مُسْتَحَاضَةً تُصَلِّي وَتَصُومُ، وَإِلَى هَذَا مَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَقْعُدُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَائِضًا وَبَاقِي الشَّهْرِ مُسْتَحَاضَةٌ تُصَلِّي وَتَصُومُ. قَالَ عَلِيٌّ: يُقَالُ لِجَمِيعِهِمْ: مِنْ أَيْنَ قَطَعْتُمْ بِأَنَّهَا تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ وَلَا بُدَّ؟ وَفِي الْمُمَكَّنِ أَنْ تَكُونَ ضَهْيَاءَ لَا تَحِيضُ فَتَرَكْتُمْ بِالظَّنِّ فَرْضَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، ثُمَّ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ: اُقْتُصِرَ بِهَا عَلَى أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَيْضِ لِئَلَّا تَتْرُكَ الصَّلَاةَ إلَّا بِيَقِينٍ: إلَّا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَقُولَ. بَلْ اُقْتُصِرَ بِهَا عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ لِئَلَّا تُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَيَطَأَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ، وَكُلُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُفْسِدُ صَاحِبَهُ، وَهُمَا جَمِيعًا فَاسِدَانِ لِأَنَّهُمَا قَوْلٌ بِالظَّنِّ، وَالْحُكْمُ بِالظَّنِّ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَجُوزُ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْمُبْتَدَأَةَ لَمْ تَحِضْ قَطُّ، وَأَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ فَرْضَانِ عَلَيْهَا، وَأَنَّ زَوْجَهَا مَأْمُورٌ وَمَنْدُوبٌ إلَى وَطْئِهَا، ثُمَّ لَا نَدْرِي وَلَا نَقْطَعُ إنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا الدَّمِ الظَّاهِرِ عَلَيْهَا دَمُ حَيْضٍ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الْيَقِينِ وَالْفَرَائِضِ اللَّازِمَةِ بِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا وُضُوءُهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي الْوُضُوءِ وَمَا يُوجِبُهُ.

وَأَمَّا غُسْلُهَا لِكُلِّ صَلَاتَيْنِ أَوْ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا عَلَّانُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - «عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ وَأَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ» . وَبِهِ إلَى ابْنِ أَيْمَنَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيِّ الْقَاضِي ثنا أَبُو مَعْمَرٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّيَ» . قَالَ عَلِيٌّ: زَيْنَبُ هَذِهِ رَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَتْ فِي حِجْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَهَا صُحْبَةٌ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَيْمَنَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ «أَنَّهَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اُسْتُحِضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ ثنا خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اُسْتُحِيضَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلًا وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ» . فَهَذِهِ آثَارٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ رَوَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ صَوَاحِبَ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ

وَزَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ. وَرَوَاهَا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ عُرْوَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ وَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ، وَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَهَذِهِ أُمُّ حَبِيبَةَ تَرَى ذَلِكَ وَعَائِشَةُ تَذْكُرُ ذَلِكَ لَا تُنْكِرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَاهُ كِتَابُ امْرَأَةٍ. قَالَ سَعِيدٌ: فَدَفَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَيَّ، فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: إنِّي امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ أَصَابَنِي بَلَاءٌ وَضُرٌّ، وَإِنِّي أَدَعُ الصَّلَاةَ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ، وَإِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي أَنْ أَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّهُمَّ لَا أَجِدُ لَهَا إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ، غَيْرَ أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الْكُوفَةَ أَرْضٌ بَارِدَةٌ وَأَنَّهَا يَشُقُّ عَلَيْهَا، قَالَ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَابْتَلَاهَا بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَذْكُرُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ثنا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: أَرْسَلَتْ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ: إنِّي أُفْتِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مَا أَجِدُ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، ثُمَّ أَرْسَلَتْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فَقَالَا جَمِيعًا: مَا نَجِدُ إلَّا ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ: تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ عَنْهُ: تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا وَاحِدًا، وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلًا.

وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: تَنْتَظِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ قَلِيلًا وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ قَلِيلًا، وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ غُسْلًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيُّ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي. فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ أُمُّ حَبِيبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إلَّا رِوَايَةٌ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَرُوِّينَاهُ هَكَذَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ هَكَذَا مُبَيِّنًا، كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، كُلُّ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، فَأَيْنَ الْمُشَنِّعُونَ بِمُخَالَفَةِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ عَنْ هَذَا وَمَنْعُهُمْ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِي الَّتِي تُمَيِّزُ دَمَهَا أَنَّ الْأَسْوَدَ حَيْضٌ، وَأَنَّ مَا عَدَاهُ طُهْرٌ، فَوَضَحَ أَمْرُ هَذِهِ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِي الَّتِي لَا تُمَيِّزُ دَمَهَا - وَهُوَ كُلُّهُ أَسْوَدُ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ طُهْرٌ لَا حَيْضٌ وَلَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ مُمَيَّزٌ كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ: أَنْ تُرَاعِيَ أَمَدَ حَيْضِهَا فَتَكُونُ فِيهِ حَائِضًا، وَيَكُونُ مَا عَدَاهُ طُهْرًا، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ حُكْمُ الَّتِي كَانَتْ أَيَّامُهَا مُخْتَلِفَةً مُنْتَقِلَةً أَنْ تَبْنِيَ عَلَى آخِرِ حَيْضٍ حَاضَتْهُ قَبْلَ اتِّصَالِ دَمِهَا، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُهَا وَبَطَلَ مَا قَبْلَهُ بِالْيَقِينِ وَالْمُشَاهَدَةِ، فَخَرَجَتْ هَاتَانِ بِحُكْمِهِمَا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الَّتِي لَا تُمَيِّزُ دَمَهَا وَلَا لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمَأْمُورَةُ بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ لِكُلِّ صَلَاتَيْنِ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ تَكُونَ هِيَ، إذْ لَيْسَتْ إلَّا ثَلَاثَ صِفَاتٍ وَثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ فَلِلصِّفَتَيْنِ حُكْمَانِ مَنْصُوصَانِ عَلَيْهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الثَّالِثُ لِلصِّفَةِ الثَّالِثَةِ ضَرُورَةً وَلَا بُدَّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ غَلَّبَ حُكْمَ تَلَوُّنِ الدَّمِ وَلَمْ يُرَاعِ الْأَيَّامَ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَغَلَّبَ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُرَاعِ حُكْمَ تَلَوُّنِ الدَّمِ، وَكِلَا الْعَمَلَيْنِ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِسُنَّةٍ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد فَأَخَذُوا بِالْحُكْمَيْنِ مَعًا، إلَّا أَنَّ

أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا عُبَيْدٍ غَلَّبَا الْأَيَّامَ وَلَمْ يَجْعَلَا لِتَلَوُّنِ الدَّمِ حُكْمًا إلَّا فِي الَّتِي لَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا، وَجَعَلَا لِلَّتِي تَعْرِفُ أَيَّامَهَا حُكْمَ الْأَيَّامِ وَإِنْ تَلَوَّنَ دَمُهَا، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد فَغَلَّبَا حُكْمَ تَلَوُّنِ الدَّمِ، سَوَاءٌ عَرَفَتْ أَيَّامَهَا أَوْ لَمْ تَعْرِفْهَا، وَلَمْ يَجْعَلَا حُكْمَ مُرَاعَاةِ وَقْتِ الْحَيْضِ إلَّا لِلَّتِي لَا يَتَلَوَّنُ دَمُهَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَقِيَ النَّظَرُ فِي أَيِّ الْعَمَلَيْنِ هُوَ الْحَقُّ؟ فَفَعَلْنَا، فَوَجَدْنَا النَّصَّ قَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ بِأَنَّهُ لَا حَيْضَ إلَّا الدَّمُ الْأَسْوَدُ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ حَيْضًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» فَصَحَّ أَنَّ الْمُتَلَوِّنَةَ الدَّمِ طَاهِرَةٌ تَامَّةُ الطَّهَارَةِ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي حُكْمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّمِ الْأَحْمَرِ وَبَيْنَ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَوَجَبَ أَنَّ الدَّمَ إذَا تَلَوَّنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَيَّامِهَا الْمَعْهُودَةِ أَنَّهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ، فَبَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي الدَّمِ الْأَسْوَدِ الْمُتَّصِلِ فَقَطْ، فَجَاءَ النَّصُّ بِمُرَاعَاةِ الْوَقْتِ لِمَنْ تَعْرِفُ وَقْتَهَا، وَبِالْغُسْلِ الْمُرَدَّدِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ لِصَلَاتَيْنِ فِي الَّتِي نَسِيَتْ وَقْتَهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ سَبَبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ، لَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ: إنَّ الَّتِي يَتَّصِلُ بِهَا الدَّمُ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، أَوْ بِيَوْمَيْنِ إنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَوْ بِيَوْمٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، لَا صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ وَلَا احْتِيَاطٌ، بَلْ فِيهِ إيجَابُ تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالصَّوْمِ اللَّازِمِ بِلَا مَعْنًى. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِحَدِيثِ سُوءٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِمَا قَالَ «جَاءَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ مُرْشِدٍ الْحَارِثِيَّةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَتْ لِي حَيْضَةٌ أُنْكِرُهَا، أَمْكُثُ بَعْدَ الطُّهْرِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، ثُمَّ تُرَاجِعُنِي فَتُحَرِّمُ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: إذَا رَأَيْتِ ذَلِكَ فَامْكُثِي ثَلَاثًا ثُمَّ تَطَهَّرِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ فَصَلِّي إلَّا أَنْ تَرَيْ دَفْعَةً مِنْ دَمٍ قَاتِمَةً» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ أَقْبَحَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُحْتَجِّ لَهُ بِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بَاطِلٌ إذْ هُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ، وَمَالِكٌ نَفْسُهُ يَقُولُ: هُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ.

فَالْعَجَبُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَلِلْحَنَفِيِّينَ، وَقَدْ جَرَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ وَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ، وَمَالِكٌ جَرَّحَ حَرَامَ بْنَ عُثْمَانَ وَصَالِحًا مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، ثُمَّ لَا مُؤْنَةَ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ إذَا جَاءَ هَؤُلَاءِ خَبَرٌ مِنْ رِوَايَةِ حَرَامٍ وَصَالِحٍ يُمْكِنُ أَنْ يُوهِمُوا بِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِتَقْلِيدِهِمْ إلَّا احْتَجُّوا بِهِ وَأَكْذَبُوا تَجْرِيحَ مَالِكٍ لَهُمْ وَلَا مُؤْنَةَ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ إذَا جَاءَهُمْ خَبَرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُوهِمُوا بِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لِتَقْلِيدِهِمْ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ إلَّا احْتَجُّوا بِهِ، وَيُكَذِّبُوا تَجْرِيحَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ، وَنَحْنُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - أَحْسَنُ مُجَامَلَةً لِشُيُوخِهِمْ مِنْهُمْ، فَلَا نَرُدُّ تَجْرِيحَ مَالِكٍ فِيمَنْ لَمْ تُشْتَهَرْ إمَامَتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهِ مُتَعَلَّقٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٌ، وَلَا مِنْ تِلْكَ التَّقَاسِيمِ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ، وَمُوجِبٌ لِلصَّلَاةِ إلَّا أَنْ تَرَى دَمًا، فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْنَاهُ عَلَى حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، وَعَلَى أَجَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِثَمُودَ، فَكَانَ هَذَا إلَى الْهَزْلِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْعِلْمِ. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا. قَالَ عَلِيٌّ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهَا إمَّا حَائِضٌ وَإِمَّا طَاهِرٌ غَيْرُ حَائِضٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فِي غَيْرِ النُّفَسَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ وَلَا الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نُفَسَاءَ وَلَا حَائِضٍ فَوَطْءُ زَوْجِهَا لَهَا حَلَالٌ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا أَوْ مُعْتَكِفًا أَوْ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الفطرة

[الْفِطْرَةُ] مَسْأَلَةٌ: السِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَوْ أَمْكَنَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَكَانَ أَفْضَلَ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَالْخِتَانُ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَفَرْضٌ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ وَجْهِهَا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إنْ أَرَادَ الْأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ أَوْ الشُّرْبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَلَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُعَاوَدَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَيْضًا، وَإِنْ وَطِئَ زَوْجَتَيْنِ لَهُ أَوْ زَوْجَاتٍ أَوْ إمَاءً وَزَوْجَاتٍ فَيَغْتَسِلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا فِي آخِرِ ذَلِكَ فَحَسَنٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ فَلَيْسَ فَرْضًا. وَبِهِ إلَى مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ. ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ

عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَلَّا تُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» . وَأَمَّا فَرْضُ قَصِّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ ثنا قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ ثنا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» . حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ قَالَ: قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّضُونَ شَوَارِبَهُمْ شِبْهَ الْحَلْقِ، قُلْتُ: مَنْ؟ قَالَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَا أُسَيْدَ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» . حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أرنا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ» . فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ أَنَّ «عُمَرَ ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ» . قُلْنَا فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ كَهَيْئَتِهِ وَلَا يَمَسُّ مَاءً» .

وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَجَعَ مِنْ الْمَسْجِدِ صَلَّى مَا قَضَى اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ مَال إلَى فِرَاشِهِ أَوْ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ قَضَاهَا ثُمَّ نَامَ كَهَيْئَتِهِ لَا يَمَسُّ مَاءً، فَإِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وَثَبَ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ» . فَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ مَعًا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ سُفْيَانَ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ الْمُخْطِئُ، بِدَعْوَاهُ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَالَفَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. قُلْنَا: سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ زُهَيْرٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَمَا كَانَ فِي خِلَافِ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِبَعْضٍ دَلِيلٌ عَلَى خَطَأِ أَحَدِهِمْ، بَلْ الثِّقَةُ مُصَدَّقٌ فِي كُلِّ مَا يَرْوِي. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ مُدَاوَمَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ، وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ إبَاحَةَ النَّوْمِ لِلْمُجَامِعِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْرٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَهُشَيْمٍ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. قَالَ يَزِيدُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَمَّته سَلْمَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُسْلًا» . وَقَالَ هُشَيْمٌ: ثنا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطُوفُ عَلَى جَمِيعِ نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ» وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا» .

الآنية

[الْآنِيَةُ] مَسْأَلَةٌ: لَا يَحِلُّ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ وَلَا الشُّرْبُ وَلَا الْأَكْلُ لَا لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ فِي إنَاءٍ عُمِلَ مِنْ عَظْمِ ابْنِ آدَمَ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ مِنْ وُجُوبِ دَفْنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ، وَلَا فِي إنَاءٍ عُمِلَ مِنْ عَظْمِ خِنْزِيرٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ كُلَّهُ رِجْسٌ، وَلَا فِي إنَاءٍ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ. وَلَا فِي إنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءِ ذَهَبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَا: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَعَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَنَا فِي الْآخِرَةِ» . وَلَا فِي إنَاءٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

مسألة الأكل والوضوء والغسل في إناء من صفر أو نحاس أو ياقوت

[مَسْأَلَةٌ الْأَكْلُ وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فِي إنَاء مِنْ صُفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ يَاقُوتٍ] مَسْأَلَةٌ: ثُمَّ كُلُّ إنَاءٍ بَعْدَ هَذَا مِنْ صُفْرٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ قَزْدِيرٍ أَوْ بَلُّورٍ أَوْ زُمُرُّدٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمُبَاحٌ الْأَكْلُ فِيهِ وَالشُّرْبُ وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فِيهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ» فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَسْكُوتٍ عَنْ ذِكْرِهِ بِتَحْرِيمٍ أَوْ أَمْرٍ فَمُبَاحٌ. وَالْمُذَهَّبُ وَالْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ حَلَالٌ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إنَاءً، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَلَالٌ لِإِنَاثِ أُمَّتِي حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِهَا» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " وَلَيْسَ الْمُذَهَّبُ إنَاءَ ذَهَبٍ، وَالْمُفَضَّضُ وَالْمُضَبَّبُ بِالْفِضَّةِ حَلَالٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إنَاءً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". [مَسْأَلَةٌ مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فِي الطَّهَارَةِ] 273 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فِي الطَّهَارَةِ: مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ أَوْ بَعْضُ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُهُ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَقِيَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ جُرْحٌ سَقَطَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ فَرْضُ غَسْلِ سَائِرِ الْجَسَدِ أَوْ الْأَعْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ عَمَّتْ الْقُرُوحُ يَدَيْهِ أَوْ يَدَهُ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ وَجْهَهُ أَوْ بَعْضَ جَسَدِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ إلَى اسْمِ الْمَرَضِ وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ إمْسَاسِهِ الْمَاءَ حَرَجٌ تَيَمَّمَ فَقَطْ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمَرِيضِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْمَاءِ غَمَسَهُ فَقَطْ وَأَجْزَأَهُ، أَوْ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُخْرِجْهُ إلَى اسْمِ الْمَرَضِ غَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ فَقَطْ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي وُضُوءٍ تَيَمُّمٌ وَغُسْلٌ، وَلَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَيْضًا إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ وَهُوَ: مَنْ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَعُمُّ بِهِ جَمِيعَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ جَمِيعَ جَسَدِهِ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَنْ شَكَّ فِي الْمَاءِ] ِ 274 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَاءٌ وَشَكَّ أَوَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَمْ لَا؟ أَمْ هُوَ فَضْلُ امْرَأَةٍ أَمْ لَا، فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِهِ فِي أَصْلِهِ، وَجَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ حُرِّمَ ذَلِكَ فِيهِ أَمْ لَا، وَالْحَقُّ الْيَقِينُ

لَا يُسْقِطُهُ الظَّنُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] فَإِنْ شَكَّ أَهُوَ مَاءٌ أَمْ هُوَ مُعْتَصَرٌ مِنْ بَعْضِ النَّبَاتِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ جَازَ بِهِ التَّطَهُّرُ يَوْمًا مَا، وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فَرْضَانِ، فَلَا يُرْفَعُ الْفَرْضُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ إنَاءَانِ فَصَاعِدًا فِي أَحَدِهِمَا مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَسَائِرُهَا مِمَّا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَوْ فِيهَا وَاحِدٌ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَسَائِرُهَا طَاهِرٌ، وَلَا يُمَيِّزُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِأَيِّهَا شَاءَ، مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ عَدَدَ الطَّاهِرَاتِ وَتَوَضَّأَ بِمَا لَا يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ، لِأَنَّ كُلَّ مَاءٍ مِنْهَا فَعَلَى أَصْلِ طَهَارَتِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ، فَإِذَا حَصَلَ عَلَى يَقِينِ التَّطَهُّرِ فِيمَا لَا يَحِلُّ التَّطَهُّرُ بِهِ فَقَدْ حَصَلَ عَلَى يَقِينِ الْحَرَامِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُطَهِّرَ أَعْضَاءَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَاءُ حَرَامًا اسْتِعْمَالُهُ جُمْلَةً، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مُعْتَصَرٌ لَا يَدْرِي، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ، وَالْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالظَّنِّ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الصلاة

[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ قِسْمَانِ فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ] ِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ الصَّلَاةُ 275 - مَسْأَلَةٌ: الصَّلَاةُ قِسْمَانِ: فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ؛ فَالْفَرْضُ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا، كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ وَالْفَجْرُ. وَالْقَضَاءُ لِمَا نَسِيَ مِنْهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا هُوَ هِيَ نَفْسُهَا، وَالْفَرْضُ قِسْمَانِ: فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ حَضَرَ؛ فَإِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ سَائِرِهِمْ، وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى جَنَائِزِ الْمُسْلِمِينَ. وَالتَّطَوُّعُ هُوَ مَا إنْ تَرَكَهُ الْمَرْءُ عَامِدًا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالْكُسُوفُ وَالضُّحَى، وَمَا يَتَنَفَّلُ الْمَرْءُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهَا، وَالْإِشْفَاعُ فِي رَمَضَانَ وَتَهَجُّدُ اللَّيْلِ وَكُلُّ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْمَرْءُ، وَيُكْرَهُ تَرْكُ كُلِّ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ضَرُورَةِ الْعَقْلِ إلَّا الْقِسْمَانِ الْمَذْكُورَانِ، إمَّا شَيْءٌ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى تَارِكُهُ؛ وَإِمَّا شَيْءٌ لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى تَارِكُهُ؛ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُنَا: الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ وَالْحَتْمُ وَاللَّازِمُ وَالْمَكْتُوبُ؛ أَلْفَاظٌ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُنَا: التَّطَوُّعُ وَالنَّافِلَةُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ قَوْمٌ: هَهُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الْوَاجِبُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَقَوْلٌ لَا يُفْهَمُ، وَلَا يَقْدِرُ قَائِلُهُ عَلَى أَنْ يُبَيِّنَ مُرَادَهُ فِيهِ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ بَعْضَ ذَلِكَ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، قُلْنَا: نَعَمْ، بَعْضُ التَّطَوُّعِ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخْرِجِ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا، لَكِنْ أَخْبِرُونَا عَنْ هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ: هُوَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، وَلَا تَطَوُّعٌ، أَيَكُونُ تَارِكُهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ أَمْ لَا يَكُونُ عَاصِيًا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ عَاصِيًا فَهُوَ فَرْضٌ؛ وَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ لَيْسَ عَاصِيًا فَلَيْسَ فَرْضًا. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» . وَهَذَا نَصٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلِنَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنَّ مَا عَدَا الْخَمْسَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ. وَأَمَّا وُجُوبُ النَّذْرِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ، وَلَا خِلَافَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَرْضٌ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَكَافِرٌ. وَأَمَّا كَوْنُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا قَامَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا قَوْمٌ فَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ. وَأَمَّا كَوْنُ مَا عَدَا ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَإِجْمَاعٌ مِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ إلَّا فِي الْوِتْرِ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّهُ فَرْضٌ. فَالْبُرْهَانُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ فَرْضٌ مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ ثنا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

فَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ - وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً " ثُمَّ ذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرَاجَعَتَهُ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ؛ إلَى أَنْ قَالَ " فَرَاجَعْت رَبِّي " فَقَالَ: " هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] فَهَذَا خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَأْمُونٌ تَبَدُّلُهُ، فَصَحَّ أَنَّ الصَّلَوَاتِ لَا تُبَدَّلُ أَبَدًا عَنْ خَمْسٍ وَأَمِنَّا النَّسْخَ فِي ذَلِكَ أَبَدًا بِهَذَا النَّصِّ، فَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ، وَإِنَّ تَهَجُّدَ اللَّيْلِ فَرْضٌ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ الْحَسَنِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ: أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي يَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ تَهَجُّدَ اللَّيْلِ لَيْسَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَالْوِتْرُ مِنْ تَهَجُّدِ اللَّيْلِ؛ فَبِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ صَحَّ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَفْصَةَ عَنْ أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ» وَ «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا» إنَّ هَذِهِ الْأَوَامِرَ كُلَّهَا نَدْبٌ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ «إنَّ الشَّيْطَانَ يَعْقِدُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ وَفِي آخِرِهِ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إذْ ذُكِرَ لَهُ

رَجُلٌ لَمْ يَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» - إنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَرْضِ وَنَوْمِهِ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالْبُرْهَانُ لَا يُعَارَضُ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَا يَخْتَلِفُ، وَلَا يَتَكَاذَبُ، وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ. وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «الْوِتْرُ لَيْسَ فَرِيضَةً وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ تَكْذِيبُ مَنْ قَالَ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ وَهَلْ لِلْوَتْرِ فَضِيلَةٌ عَلَى سَائِرِ التَّطَوُّعِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَنْ لَمْ يُوتِرْ حَتَّى أَصْبَحَ؟ قَالَ سَيُوتِرُ يَوْمًا آخَرَ. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك، وَصَلَّى الضُّحَى، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك؛ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ أَمَامَ الصُّبْحِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ لَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، وَلَا تَطَوُّعٌ؛ فَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إبْطَالَهُ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فَرْضًا، وَلَكِنْ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ، وَكَانَتْ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو تَارِكُهُ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ غَيْرَ عَاصٍ؛ فَإِنْ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَعْصِي أَحَدٌ بِتَرْكِ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فَرْضًا؛ فَالْوِتْرُ إذَنْ فَرْضٌ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهَذَا، وَإِنْ قَالَ: بَلْ هُوَ غَيْرُ عَاصٍ - لِلَّهِ تَعَالَى. قِيلَ: فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ أَنْ تُجَرَّحَ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْوِتْرَ أَوْكَدُ التَّطَوُّعِ، لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ثُمَّ أَوْكَدُهَا بَعْدَ الْوِتْرِ صَلَاةُ الضُّحَى وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ تِلْكَ الصَّلَاةَ؛ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْجُمُعَةِ «؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَذِهِ» ، وَمَا أَمَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ أَوْكَدُ مِمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمِ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» . وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدِ التَّنُّورِيِّ ثنا أَبُو التَّيَّاحِ حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أَوْتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ» . وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلِّ مَعَهُمْ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ» . وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ» . وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ أَيْمَنَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا» .

مسألة لا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء

ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ سَائِرَ الَّتِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَمْرٌ، لَكِنْ جَاءَ بِهَا عَمَلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَرْغِيبٌ، وَأَمَّا كَرَاهَتُنَا تَرْكَ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] . [مَسْأَلَةٌ لَا صَلَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ] 276 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا صَلَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ وَيُسْتَحَبُّ لَوْ عُلِّمُوهَا إذَا عَقَلُوهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَ فِيهِ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ» ؛ وَقَدْ «عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عَبَّاسٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ بَعْضَ حُكْمِ الصَّلَاةِ وَأَمَّهُ فِيهَا» ، وَيُسْتَحَبُّ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ أَنْ يُدَرَّبَ عَلَيْهَا فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ أُدِّبَ عَلَيْهَا. لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» . [لَا صَلَاة عَلَى مجنون وَلَا مغمى عَلَيْهِ وَلَا حائض وَلَا نفساء] 277 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ، وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا حَائِضٍ، وَلَا نُفَسَاءَ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِي وَقْتٍ أَدْرَكُوا فِيهِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَ الْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ» وَأَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَإِسْقَاطُ الْقَضَاءِ عَنْهَا فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي، وَقَالَ سُفْيَانُ: يَقْضِي إنْ أَفَاقَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَضَاهُنَّ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ لَمْ يَقْضِ شَيْئًا. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ أَتَى بِمَا قَالَ، وَلَا

مسألة سكر حتى خرج وقت الصلاة أو نام عنها حتى خرج وقتها

قِيَاسَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْهُنَّ. وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَنْ يَقْضِيَهُنَّ؛ فَلَمْ يَقِسْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَلَا قَاسَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى النَّائِمِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا نَامَ عَنْهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ قَوْلِ عَمَّارٍ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِّينَا عَنْ عَمَّارٍ إنَّمَا هُوَ إنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَكَى مَرَّةً غُلِبَ فِيهَا عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى تَرَكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَفَاقَ فَلَمْ يُصَلِّ مَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ: أُغْمِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ: إذَا أُغْمِيَ عَلَى الْمَرِيض ثُمَّ عَقَلَ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ. قَالَ مَعْمَرٌ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَا يَقْضِي وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ الَّتِي أَفَاقَ عِنْدَهَا. قَالَ حَمَّادٌ قُلْت لِعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ: أَعُدْتَ مَا كَانَ مُغْمًى عَلَيْك؟ قَالَ أَمَّا ذَاكَ فَلَا. قَالَ عَلِيٌّ: الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَعْقِلُ، وَلَا يَفْهَمُ؛ فَالْخِطَابُ عَنْهُ مُرْتَفِعٌ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِهَا فِي وَقْتِهَا الَّذِي أُلْزِمَ النَّاسُ أَنْ يُؤَدُّوهَا فِيهِ: فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَصَلَاةٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا لَا تَجِبُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ سَكِرَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ نَامَ عَنْهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا] 278 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ سَكِرَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ نَامَ عَنْهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا أَوْ نَسِيَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا: فَفُرِضَ عَلَى هَؤُلَاءِ خَاصَّةً أَنْ يُصَلُّوهَا أَبَدًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لِلسَّكْرَانِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّهُ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نَسِيَ

مسألة تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها

أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ مُسْنَدًا: وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا] 279 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَهَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا، فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ؛ لِيُثْقِلَ مِيزَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَلْيَتُبْ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَقْضِيهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، حَتَّى أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالَا: مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَاةٍ أَوْ صَلَوَاتٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الَّتِي حَضَرَ وَقْتُهَا - إنْ كَانَتْ الَّتِي تَعَمَّدَ تَرْكَهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ - سَوَاءٌ خَرَجَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ؛ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ بَدَأَ بِالْحَاضِرَةِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4] {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] وقَوْله تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] فَلَوْ كَانَ الْعَامِدُ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مُدْرِكًا لَهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَمَا كَانَ لَهُ الْوَيْلُ، وَلَا لَقِيَ الْغَيَّ؛ كَمَا لَا وَيْلَ، وَلَا غَيَّ؛ لِمَنْ أَخَّرَهَا إلَى آخَرِ وَقْتِهَا الَّذِي يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَقْتًا مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ، يَدْخُلُ فِي حِينٍ مَحْدُودٍ؛ وَيَبْطُلُ فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّاهَا بَعْدَ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا صَلَّى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ؛ وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَضَاءَ إيجَابُ شَرْعٍ، وَالشَّرْعُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ. فَنَسْأَلُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْعَامِدِ قَضَاءَ مَا تَعَمَّدَ تَرْكَهُ مِنْ الصَّلَاةِ: أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَأْمُرُهُ بِفِعْلِهَا، أَهِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؟ أَمْ هِيَ غَيْرُهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: هِيَ هِيَ؛ قُلْنَا لَهُمْ: فَالْعَامِدُ؛ لِتَرْكِهَا لَيْسَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا إثْمَ

عَلَى قَوْلِكُمْ، وَلَا مَلَامَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، قُلْنَا صَدَقْتُمْ؛ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ إذْ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ أَمَرُوهُ بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ إلَى بَعْدِ الْوَقْتِ: أَطَاعَةٌ هِيَ أَمْ مَعْصِيَةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: طَاعَةٌ، خَالَفُوا إجْمَاعَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِمْ الْمُتَيَقَّنَ، وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ: وَإِنْ قَالُوا: هُوَ مَعْصِيَةٌ صَدَقُوا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَدَّ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ لِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ مِنْهَا أَوَّلًا لَيْسَ مَا قَبْلَهُ وَقْتًا لِتَأْدِيَتِهَا، وَآخِرًا لَيْسَ مَا بَعْدَهُ وَقْتًا؛ لِتَأْدِيَتِهَا، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ؛ فَلَوْ جَازَ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ لِتَحْدِيدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخِرَ وَقْتِهَا مَعْنًى؛ وَلَكَانَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ عُلِّقَ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتًا لَهُ، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَنَسْأَلُهُمْ: لِمَ أَجَزْتُمْ الصَّلَاةَ، بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَمْ تُجِيزُوهَا قَبْلَهُ؟ فَإِنْ ادَّعُوا الْإِجْمَاعَ كَذَبُوا؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يُجِيزَانِ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، لَا سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ يُجِيزُونَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ قِتَالَ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ، إنَّمَا كَانَ قِيَاسًا لِلزَّكَاةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ قَالَ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَهُمْ قَدْ فَرَّقُوا هَهُنَا بَيْنَ حُكْمِ الزَّكَاةِ وَالصَّلَاةِ فَلْيَعْجَبْ الْمُتَعَجِّبُونَ، وَإِنْ ادَّعُوا فَرْقًا مِنْ جِهَةِ نَصٍّ أَوْ نَظَرٍ لَمْ يَجِدُوهُ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ النَّاسِيَ وَالنَّائِمَ وَالسَّكْرَانَ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا. وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ بِالْوَقْتِ؟ قُلْنَا: لَا بَلْ وَقْتُ الصَّلَاةِ لِلنَّاسِي وَالسَّكْرَانِ وَالنَّائِمِ مُمْتَدٌّ غَيْرُ مُنْقَضٍ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عُصَاةً فِي تَأْخِيرِهَا إلَى أَيِّ وَقْتٍ صَلُّوهَا فِيهِ، وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ مُنْقَسِمٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا رَابِعَ لَهَا إمَّا أَمْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِوَقْتٍ؛ فَهَذَا يُجْزِئُ أَبَدًا مَتَى أُدِّيَ، كَالْجِهَادِ وَالْعُمْرَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا يُجْزِئُ مَتَى أُدِّيَ؛ وَالْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا} [آل عمران: 133] ، وَإِمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مَحْدُودِ الْآخِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا لَا يُجْزِئُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَهَذَا لَا يُجْزِئُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَا بَعْدَ وَقْتِهِ؛ وَيُجْزِئُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَوَسَطِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَنَقُولُ لِمَنْ خَالَفَنَا: قَدْ وَافَقْتُمُونَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ النَّهَارِ؛ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ؟ وَكُلُّ ذَلِكَ ذُو وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ؟ وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالُوا قِسْنَا الْعَامِدَ عَلَى النَّاسِي. قُلْنَا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، فَصَارَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا وَبَاطِلًا لَا شَكَّ فِيهِ. وَالْعَمْدُ ضِدُّ النِّسْيَانِ، وَالْمَعْصِيَةُ ضِدُّ الطَّاعَةِ، بَلْ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَجِّ؛ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، لَا سِيَّمَا، وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَقِيسُونَ الْحَالِفَ عَامِدًا؛ لِلْكَذِبِ عَلَى الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ غَيْرُ عَامِدٍ لِلْكَذِبِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ يُسْقِطُونَ الْكَفَّارَةَ عَنْ الْعَامِدِ، وَيُوجِبُونَهَا عَلَى غَيْرِ الْعَامِدِ، وَلَا يَقِيسُونَ قَاتِلَ الْعَمْدِ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، بَلْ يُسْقِطُونَهَا عَنْ قَاتِلِ الْعَمْدِ، وَلَا يَرُونَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ؛ فَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَتَحَكُّمٌ بِالدَّعْوَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى الْعَامِدِ؛ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَلَا نَسِيَاهُ، وَلَا تَعَمَّدَا إعْنَاتَنَا بِتَرْكِ بَيَانِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا الْقُرْآنُ، وَلَا السُّنَّةُ فَهِيَ بَاطِلٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» فَصَحَّ أَنَّ مَا فَاتَ فَلَا سَبِيلَ إلَى إدْرَاكِهِ، وَلَوْ أُدْرِكَ أَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَ؛ لَمَا فَاتَ، كَمَا لَا تَفُوتُ الْمَنْسِيَّةُ أَبَدًا، وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَالْأُمَّةُ أَيْضًا كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ وَالْحُكْمِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ فَاتَتْ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، فَصَحَّ فَوْتُهَا بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلَوْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا وَتَأْدِيَتُهَا لَكَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا فَاتَتْ كَذِبًا وَبَاطِلًا. فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَبَدًا.

وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسُلَيْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَبَدِيلٌ الْعُقَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَقْرَأُ صَحِيفَةً، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا الْقَارِئُ؛ إنَّهُ لَا صَلَاةَ؛ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَصَلِّ ثُمَّ اقْرَأْ مَا بَدَا لَك. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ عَنْ عَمِّهِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْجَابِيَةِ: أَلَا، وَإِنَّ الصَّلَاةَ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لَا تَصْلُحُ إلَّا بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ - هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ؛ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ؛ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قِيلَ فِي الْمُطَفِّفِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ طَفَّفَ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] قَالَ: السَّهْوُ التَّرْكُ عَنْ الْوَقْتِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَجْزَأَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ لَهُ الْوَيْلُ عَنْ شَيْءٍ قَدْ أَدَّاهُ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَالْحَسَنُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23] {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34] فَقَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَوَاقِيتِهَا. قَالُوا: مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إلَّا عَلَى تَرْكِهَا، قَالَ تَرْكُهَا هُوَ الْكُفْرُ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ؛ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ؛ لِمِيقَاتِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ

يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الَّذِي يُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ يُصَلِّي مَعَهُمْ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أُصَلِّي مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ لَا أُصَلِّيَ شَيْئًا. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى كَانَتْ فَرْضَهُ وَالْأُخْرَى تَطَوُّعٌ، فَهُمَا صَلَاتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ صَلَاةً أَصْلًا، وَلَا هِيَ شَيْءٌ. وَعَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْوَانِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَقْوَامًا فَعَابَهُمْ فَقَالَ: {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] وَلَمْ تَكُنْ إضَاعَتُهُمْ إيَّاهَا، أَنْ تَرَكُوهَا؛ وَلَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلِ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ؛ لِوَقْتِهَا صَعِدَتْ وَلَهَا نُورٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: حَفِظْتَنِي حَفِظَك اللَّهُ، وَإِذَا صَلَّاهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا طُوِيَتْ كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً؛ وَكَذَلِكَ قَالَ آخَرُونَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ؛ لِهَؤُلَاءِ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا ادَّعَيْتُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مَعْهُودُ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قُلْنَا: مَا هُوَ كَذَلِكَ؛ بَلْ مَعْهُودُ كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ - أَنَّ " لَا " لِلنَّفْيِ وَالتَّبْرِئَةِ جُمْلَةً إلَّا أَنْ يَأْتِيَ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ أَوْ ضَرُورَةُ حِسٍّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَنَا، وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَمْ تَكْمُلْ وَلَمْ تَتِمَّ فَهِيَ بَاطِلٌ كُلُّهَا، بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هَذَا فِيمَا نَقَصَ مِنْ فَرَائِضِهَا؛ قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَالْوَقْتُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ صَلَاةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِهَا.

قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ؛ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفًا مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةٍ مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ. وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَرَوْنَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءَ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ. فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَيْضًا لَا يَرَوْنَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا قَضَاءً. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِمَنْ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لَا فِي حَالِ الْمُطَاعَنَةِ وَالْقِتَالِ وَالْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَلَمْ يَفْسَحْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَرْكِهَا عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى صَلَّاهَا بِطَائِفَتَيْنِ وُجُوهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَمْ يَفْسَحْ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا لِلْمَرِيضِ الْمُدْنَفِ، بَلْ أُمِرَ إنْ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا أَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ فَعَلَى جَنْبٍ؛ وَبِالتَّيَمُّمِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ، وَبِغَيْرِ تَيَمُّمٍ إنْ عَجَزَ عَنْ التُّرَابِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَازَ مَنْ أَجَازَ تَعَمُّدَ تَرْكِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا؟ ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا تُجْزِئُهُ كَذَلِكَ؛ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، لَا صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلٍ لِصَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ. وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ «صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لَهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ مِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُمْ مُقِرُّونَ مَعَنَا بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَاةِ فَرْضٍ ذَاكِرًا لَهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، فَإِنَّهُ فَاسِقٌ مُجَرَّحُ الشَّهَادَةِ، مُسْتَحِقٌّ؛ لِلضَّرْبِ وَالنَّكَالِ، وَمَنْ أَوْجَبَ شَيْئًا مِنْ النَّكَالِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ وَصَفَهُ وَقَطَعَ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ أَوْ بِجَرْحِهِ فِي شَهَادَتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ مُرْتَدٌّ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ حَلَالُ الدَّمِ وَالْمَالِ؛ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:

مسألة تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله تعالى ويكثر من التطوع

«خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى» وَقَالَ قَدْ صَحَّ وُجُوبُ الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُهَا إلَّا بِبُرْهَانِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. قَالَ عَلِيٌّ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ» ، وَلَمْ يُوجِبْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بَعْدَهُ، فَمَنْ أَخَذَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا الْخَبَرِ لَزِمَهُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا خِلَافٌ لِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ بِوَقْتِهَا. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ؛ إنَّهُمْ اشْتَدَّتْ الْحَرْبُ غَدَاةَ فَتْحِ تُسْتَرَ فَلَمْ يُصَلُّوا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مَكْحُولٌ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ أَنَسًا؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا عَارِفِينَ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا، بَلْ كَانُوا نَاسِينَ لَهَا بِلَا شَكٍّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِفَاضِلٍ مِنْ عَرْضِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ هَذَا، فَكَيْفَ بِصَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَوْ كَانُوا ذَاكِرِينَ لَهَا لَصَلَّوْهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا أُمِرُوا، أَوْ رِجَالًا وَرُكْبَانًا كَمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا، فَلَاحَ يَقِينًا كَذِبُ مَنْ ظَنَّ غَيْرَ هَذَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكْثِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ] 280 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَتُوبَ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكْثِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [مريم: 60] وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135] وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ - وَبِهِ وَرَدَتْ النُّصُوصُ كُلُّهَا - عَلَى أَنَّ لِلتَّطَوُّعِ جُزْءًا مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، وَلِلْفَرِيضَةِ أَيْضًا جُزْءٌ مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، فَلَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْ جُزْءِ التَّطَوُّعِ إذَا كَثُرَ مَا يُوَازِي جُزْءَ الْفَرِيضَةِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ، وَأَنَّ {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، وَأَنَّ {مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 6] {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 7] ، وَ {مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 8] {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلَاةُ، يَقُولُ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِلْمَلَائِكَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ: اُنْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةٌ وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكُمْ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ «ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ حَسَبَ ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ني عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا جَمِيعًا ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - ثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْت إلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» . فَهَذَا بَيَانُ مِقْدَارِ أَجْرِ التَّطَوُّعِ وَأَجْرِ الْفَرِيضَةِ، وَإِنَّمَا هَذَا لِمَنْ تَابَ وَنَدِمَ وَأَقْلَعَ وَاسْتَدْرَكَ مَا فَرَّطَ. وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْمَفْرُوضَاتِ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّطَوُّعِ؛ لِيَجْبُرَ بِذَلِكَ مَا عَصَى فِي تَرْكِهِ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا عَاصٍ فِي تَطَوُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَضَعْهُ؛ لِتُتْرَكَ الْفَرِيضَةَ، بَلْ؛ لِيَكُونَ زِيَادَةَ خَيْرٍ وَنَافِلَةً، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُجْبَرُ بِهِ

الصلوات المفروضات الخمس

الْفَرْضُ الْمُضَيَّعُ. وَإِذَا عَصَى فِي تَطَوُّعِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يُقْبَلُ مِمَّنْ لَا يُؤَدِّي الْفَرِيضَةَ كَالتَّاجِرِ لَا يَصِحُّ لَهُ رِبْحٌ حَتَّى يَخْلُصَ رَأْسُ مَالِهِ؛ فَبَاطِلٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ عَنْ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ، وَهَذِهِ بَلَايَا فِي نَسَقٍ إحْدَاهَا يَكْفِي؛ وَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ. وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ؛ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَصَدَ التَّطَوُّعَ؛ لِيُعَوِّضَهُ عَنْ الْفَرِيضَةِ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ نَادِمٍ، وَلَا تَائِبٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ الْخَمْسُ] ُ 281 - مَسْأَلَةٌ الْمَفْرُوضُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى خَمْسٌ وَهِيَ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَهِيَ الْعَتَمَةُ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ. فَالصُّبْحُ رَكْعَتَانِ أَبَدًا، عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، مِنْ صَحِيحٍ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ؛ خَائِفٍ أَوْ آمِنٍ؛ وَالْمَغْرِبُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ أَبَدًا؛ كَمَا قُلْنَا فِي الصُّبْحِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَأَمَّا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ الْآخِرَةُ - فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الْمُقِيمِ - مَرِيضًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا، خَائِفًا أَوْ آمِنًا - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ؛ وَكُلُّ هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ قَدِيمًا، وَلَا حَدِيثًا، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ وَكُلُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ عَلَى الْمُسَافِرِ الْآمِنِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ الْخَائِفُ فَإِنْ شَاءَ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَالْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ هَذَا فِيمَا ذَلِكَ السَّفَرُ؛ وَفِي مِقْدَارِ ذَلِكَ السَّفَرِ مِنْ الزَّمَانِ وَمِنْ الْمَسَافَةِ؛ وَفِي هَلْ ذَلِكَ الْقَصْرُ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَمْ هُوَ فِيهِ مُخَيَّرٌ، وَفِي هَلْ تُجْزِئُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ أَمْ لَا. وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَبُطْلَانَ الْخَطَأِ فِيهِ، فِي أَبْوَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينَ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ.

أقسام التطوع

[أَقْسَامُ التَّطَوُّعِ] مَسْأَلَةٌ: أَقْسَامُ التَّطَوُّعِ أَوْكَدُ التَّطَوُّعِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا، مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصَةً بِأَسْمَائِهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ أَمْرٌ، وَلَكِنْ جَاءَ النَّدْبُ إلَيْهِ. أَوْكَدُ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ الثَّانِي وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحَ، ثُمَّ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ؛ ثُمَّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَقِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ، إنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ؛ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَمَا تَطَوَّعَ بِهِ الْمَرْءُ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْمَرْءُ فِي نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ، أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الْغُبَرِيِّ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنُ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَقَدْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ» عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ

عَزَّ وَجَلَّ، «وَحَضَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ» عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَطَوُّعِهِ؟ فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا؛ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَوَصَفَ، قَالَ: «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا ثِنْتَيْنِ، وَيُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ» . وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَصَفَ قَالَ: «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُبَاحٌ؛ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيِّ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ - عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ» .

فصل في الركعتين قبل المغرب

قَالَ عَلِيٌّ: دَخَلَ فِي هَذَا الْعُمُومِ مَا بَيْنَ أَذَانِ الْعَتَمَةِ، وَإِقَامَتِهَا، وَمَا بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ، وَإِقَامَتِهَا؛ وَمَا بَيْنَ أَذَانِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَإِقَامَتِهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ - ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ إلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ؛ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: يَا بِلَالُ؛ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ دُفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ قَالَ بِلَالٌ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ» . [فَصْلٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ] [مَسْأَلَة منع قَوْم مِنْ التَّطَوُّع بَعْد غروب الشَّمْس وَقَبْل صَلَاة الْمَغْرِب] فَصْلٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ 283 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنَعَ قَوْمٌ مِنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيَّ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ثنا الصَّمُوتُ ثنا الْبَزَّارُ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ ثنا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ إلَّا الْمَغْرِبَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَالصَّحِيحُ هُوَ مَا رَوَاهُ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. وَذَكَرُوا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ، وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِسِنِينَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَهُوا عَنْهُمَا، وَلَا أَنَّهُمْ كَرِهُوهُمَا، وَنَحْنُ لَا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ تَرْكَ جَمِيعِ التَّطَوُّعِ مُبَاحٌ، مَا لَمْ يَتْرُكْهُ الْمَرْءُ رَغْبَةً عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا هُوَ الْهَالِكُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ نَهْيُهُمْ عَنْهُمَا - وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ - لَمَا كَانَتْ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى مَنْ صَلَّاهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَمَعَهُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ إقْدَامِهِمْ عَلَى مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ إذَا اشْتَهُوا وَتَعْظِيمِهِمْ مُخَالَفَتِهِمَا إذَا اشْتَهُوا وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ لَا خَفَاءَ بِهِ نَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَذَكَرُوا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا يُصَلِّيهِمَا، وَهَذَا لَا شَيْءَ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبٍ، وَلَا نَدْرِي مَنْ هُوَ؟ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ نَهْيٌ عَنْهُمَا، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ تَرْكَ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْهُمَا؛ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَبَدًا؛ بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ صَلَاتِهِمَا؛ لَمَّا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ النَّادِبِينَ إلَيْهِمَا؛ وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ حُجَّةَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ» إذْ لَمْ يُوَافِقْ تَقْلِيدَهُمْ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ ثُمَّ يَجْعَلُونَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، حُجَّةً إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحُجَّةُ فِيهَا هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي - ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ سَمِعْت مَرْثَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ هُوَ أَبُو الْخَيْرِ قَالَ: «أَتَيْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرِ الْجُهَنِيِّ فَقُلْت: أَلَا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ؛ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ

قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ عُقْبَةُ إنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْت فَمَا يَمْنَعُك الْآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ غُنْدَرٍ ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ عَامِرِ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَسَأَلْت: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا؟ فَقَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا» . قَالَ عَلِيٌّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ إلَّا عَلَى الْحَقِّ الْحَسَنِ، وَلَا يَرَى مَكْرُوهًا إلَّا كَرِهَهُ، وَلَا خَطَأً إلَّا نَهَى عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورُ النَّاسِ، وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ لِكَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا " فَهَذَا عُمُومٌ لِلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ؛ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يُصَلِّيَانِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأُبَيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ: لَا يَدَعَانِهِمَا. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ

مسألة إعادة من صلى إذا وجد جماعة تصلي تلك الصلاة

عَنْ رَغْبَانَ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ: رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهُبُّونَ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ كَمَا يَهُبُّونَ إلَى الْفَرِيضَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا رَأَيْت فَقِيهًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ إلَّا سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ، يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَكَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ: سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَسْأَلُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؟ فَقَالَ: حَسَنَتَيْنِ جَمِيلَتَيْنِ؛ لِمَنْ أَرَادَ بِهِمَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا. [مَسْأَلَةٌ إعَادَةُ مَنْ صَلَّى إذَا وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ] 284 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا إعَادَةُ مَنْ صَلَّى إذَا وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ - مَكْرُوهٌ تَرْكُهُ - فِي كُلِّ صَلَاةٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى مُنْفَرِدًا؛ لِعُذْرٍ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَلْيُصَلِّهَا وَلَوْ مَرَّاتٍ كُلَّمَا وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّيهَا، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَا يُصَلِّيهَا ثَانِيَةً أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُصَلِّي ثَانِيَةً إلَّا الظُّهْرَ وَالْعَتَمَةَ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَ صَلَّاهُمَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا، وَالْأُولَى هِيَ صَلَاتُهُ؛ حَاشَا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهُ إنْ صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَجْزَأَتْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَضَ إلَى الْجَامِعِ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ لَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ فَحِينَ خُرُوجِهِ لِذَلِكَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ الَّتِي كَانَ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، وَكَانَتْ الَّتِي تُصَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَرْضَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِخُرُوجِهِ إلَى الْجَامِعِ، لَكِنْ بِدُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَبْطُلُ الَّتِي صَلَّى فِي

مَنْزِلِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ صَلَاةَ فَرْضٍ مَعَ الْجَمَاعَةِ إذَا وَجَدَهَا تُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ حَاشَا الْمَغْرِبَ فَلَا يُعِيدُهَا، قَالَ: وَالْأَمْرُ فِي أَيِّ الصَّلَاتَيْنِ فَرْضُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: فَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يُعِدْ فِي أُخْرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الْإِعَادَةِ جُمْلَةً فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: ثنا أَبُو كَامِلٍ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقُلْت: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ قَدْ صَلَّيْت، وَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا؛ إنَّهُ يُصَلِّي عَلَى نِيَّةِ أَنَّهَا الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى، فَيَجْعَلُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ظُهْرَيْنِ أَوْ عَصْرَيْنِ أَوْ صُبْحَيْنِ أَوْ مَغْرِبَيْنِ أَوْ عَتَمَتَيْنِ؛ هَذَا كُفْرٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَحَدٍ لَكِنَّهُ يُصَلِّي نَافِلَةً كَمَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ وَاحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَغَلَّبَهَا عَلَى أَحَادِيثِ الْأَمْرِ؛ وَغَلَّبْنَا نَحْنُ أَحَادِيثَ الْأَمْرِ، وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْعَمَلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بَعْدَ تَمَامِ كَلَامِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تُصَلِّي الْمَغْرِبَ خَاصَّةً بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرُ النَّهَارِ، فَلَوْ صَلَّاهَا ثَانِيَةً لَشَفَعَهَا، فَبَطَلَ كَوْنُهَا وِتْرًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا نَافِلَةٌ وَالْأُخْرَى فَرِيضَةٌ، بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ وَالنَّافِلَةُ لَا تَشْفَعُ الْفَرِيضَةَ، بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ. وَقَالُوا: لَا تَطَوُّعَ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِي إخْبَارِهِ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، هُوَ الَّذِي أَمَرَ مَنْ صَلَّى وَوَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَلَمْ يَخُصَّ صَلَاةً بَعْدَ صَلَاةٍ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُتَنَفَّلَ فِي الْوِتْرِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ، وَالْعَجَبُ مِنْ

احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْوَقْتِ فَقَالُوا: يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعَتَمَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ؛ فَأَجَازُوا لَهُ التَّطَوُّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَا يُسَلِّمُ بَيْنَهَا؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَثْنَى مَثْنَى، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. وَالْحَقُّ فِي هَذَا هُوَ أَنَّ جَمِيعَ أَوَامِرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقٌّ لَا يُضْرَبُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بَلْ يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهَا كَمَا هِيَ. وَقَالُوا: إنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي، لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا تُصَلِّي فِي وَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ، فَمَا ضَاقَ وَقْتُهَا بَعْدُ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْمَغْرِبِ هُمْ وَالْحَنَفِيُّونَ مَعًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْمَالِكِيِّينَ بِأَنْ يُصَلِّيَ مَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِتَخْصِيصِ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَضْلًا لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لِمَنْ يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا فَرْقَ، وَفَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَائِمٌ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ يَجِدُهَا، وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا صَلَاتُهُ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي - غَيْرُ رَاغِبٍ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، فَإِذْ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلَا بُدَّ؛ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا نَافِلَةٌ إنْ صَلَّاهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ صِفَةُ النَّافِلَةِ؛ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إنْ شَاءَ صَلَّاهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُصَلِّهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ قَبْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَوَى صَلَاتَهُ إيَّاهَا أَنَّهُ فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي الَّتِي صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ هَذَا، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ؛ فِي أَنْ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؛ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَرْضُهُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، أَوْ يَكُونَ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِلْتَيْهِمَا؛ فَهَذَا لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا. وَلَا تَجْزِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَهُوَ عَابِثٌ عَاصٍ؛ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ يَكُونَ نَوَى فِي الْأُولَى أَنَّهَا فَرْضُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا نَافِلَةٌ أَوْ فِي الْأُولَى أَنَّهَا نَافِلَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا فَرْضُهُ، فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الثَّانِيَةُ هِيَ فَرْضُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحَقُّ فِي هَذَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَصَلَّى وَحْدُهُ، أَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، فَالْأُولَى فَرْضُهُ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي

أَدَّى عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا؛ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّأَخُّرِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ فَالْأُولَى إنْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ بَاطِلٌ: وَالثَّانِيَةُ فَرْضُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلَا بُدَّ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي وُجُوبِ فَرْضِ الْجَمَاعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي مَنْزِلِهِ؛ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَبَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: تَفْرِيقُهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا بِلَا بُرْهَانٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا تُجْزِئُهُ إذَا صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا؛ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي مَنْزِلِهِ. وَالثَّالِثُ: إبْطَالُهُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَهَا: إمَّا بِخُرُوجِهِ إلَى الْجَامِعِ، وَإِمَّا بِدُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مَدْخُولَةٌ، وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَأَبُو كَامِلِ الْجَحْدَرِيِّ قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا فِيهِمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَخَّرَ ابْنُ زِيَادٍ الصَّلَاةَ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ فَذَكَرْت لَهُ صَنِيعَ ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ «إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتَنِي فَضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي» . فَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلِمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَخَذَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ؛ وَكَمَا

رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَالنُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ اتَّعَدَا مَوْعِدًا فَجَاءَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ صَلَّى، فَصَلَّى الْفَجْرَ مَعَ صَاحِبِهِ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَحُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَصَلَّى بِنَا الْفَجْرَ فِي الْمِرْبَدِ، ثُمَّ جِئْنَا إلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَإِذَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ مُخْتَلِطُونَ، فَصَلَّيْنَا مَعَهُمْ. فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَبَعْدَ أَنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ يَخُصُّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ دُونَ غَيْرِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرِ الْعَبْسِيِّ: خَرَجْت مَعَ حُذَيْفَةَ فَمَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الظُّهْرَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى؛ ثُمَّ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الْعَصْرَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى، ثُمَّ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الْمَغْرِبَ وَشَفَعَ بِرَكْعَةٍ وَكَانَ قَدْ صَلَّى، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يُعِيدُ الْعَصْرَ إذَا جَاءَ الْجَمَاعَةَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: صَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَإِنَّ صَلَاتَك مَعَهُمْ تَفْضُلُ صَلَاتَك وَحْدَك بِضْعًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً. وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ أَنْ تُعَادَ الصَّلَاةُ كُلُّهَا. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: إذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ فِي الْبَيْتِ ثُمَّ أَدْرَكْتُهَا مَعَ النَّاسِ فَإِنِّي أَجْعَلُ الَّتِي صَلَّيْتُهَا فِي بَيْتِي نَافِلَةً، وَأَجْعَلُ الَّتِي صَلَّيْت مَعَ النَّاسِ الْمَكْتُوبَةَ وَلَوْ لَمْ أُدْرِكْ إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْهَا. قَالَ: وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ الْمَغْرِبِ يُصَلِّيهَا الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَجِدُ النَّاسَ فِيهَا؟ قَالَ: أَشْفَعُ الَّتِي صَلَّيْت فِي بَيْتِي بِرَكْعَةٍ ثُمَّ أُسَلِّمُ ثُمَّ أَلْحَقُ بِالنَّاسِ، فَأَجْعَلُ الَّتِي هُمْ فِيهَا الْمَكْتُوبَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَسَّانٍ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: صَلَّيْت أَنَا وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ جِئْنَا إلَى النَّاسِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَدَخَلْنَا مَعَهُمْ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إبْرَاهِيمُ فَشَفَعَ بِرَكْعَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَشْفَعْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ.

مسألة الركعتان بعد العصر

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى أَنَّ مَسْرُوقًا صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ مَعَهُمْ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ شَفَعَ الْمَغْرِبَ بِرَكْعَةٍ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ: تُعَادُ الصَّلَاةُ إلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ؛ وَلَكِنْ إذَا أَذَّنَ فِي الْمَسْجِدِ فَالْفِرَارُ أَقْبَحُ مِنْ الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْت الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْإِمَامِ فَصَلِّ مَعَهُ؛ غَيْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُمَا لَا يُصَلَّيَانِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ فَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي زِيَادَتِهِ الْعَصْرَ فِيمَا لَا يُعَادُ؛ وَخَالَفَهُ مَالِكٌ فِي إعَادَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَقِّ وَالْحُجَّةِ، فَقَدْ كَفَى خَصْمَهُ مُؤْنَتَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ] 285 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا نَهَيَا عَنْهُمَا؟ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ [أَوْ بَعْدَهُ] فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ؛ فَإِنْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَهُمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَدَعُهُمَا أَبَدًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أُصَلِّيهِمَا، وَلَا أُنْكِرُ عَلَى مَنْ صَلَّاهُمَا، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: هُمَا مُسْتَحْسَنَتَانِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ أَنَا «أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» .

قَالَ عَلِيٌّ: بِهَذَا تَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ -، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إنَّهُمَا لَا تَجُوزَانِ إلَّا لِمَنْ نَسِيَهُمَا أَوْ شُغِلَ عَنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُمَا حِينَئِذٍ جَائِزَةً حَسَنَةً مَا أَثْبَتَهُمَا فِي وَقْتٍ لَا تَجُوزَانِ فِيهِ. ؟ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ - فَاحْتُجَّ لَهُمَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثنا عَمِّي - هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - ثنا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ - يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ - وَيَنْهَى عَنْهَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ» ؟ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ: ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَهُ مَالٌ فَقَسَّمَهُ شَغَلَهُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ، بَعْدَ الظُّهْرِ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَعُدْ لَهُمَا» ؟ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ: ثنا قَاسِمُ بْنُ يُونُسَ ثنا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ثنا اللَّيْثُ ثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابِيٍّ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ

أَنَّ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَجَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَسَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ اللَّتَيْنِ صَلَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِيهِ عَائِشَةُ؛ فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إلَى عَائِشَةَ: هَلْ صَلَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[عِنْدَك] ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَخْبَرَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عِنْدَهَا؟ فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ الْمِسْوَرَ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ الْيَوْمَ صَلَّيْتَ صَلَاةً مَا رَأَيْتُكَ تُصَلِّيهَا؟ فَقَالَ: شَغَلَنِي خَصْمٌ فَكَانَتْ رَكْعَتَيْنِ وَكُنْتُ أُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُصَلِّيَهُمَا الْآنَ؟ قَالَتْ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا بَعْدَهُ» .

وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - ثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْعَصْرَ وَالصُّبْحَ» . وَبِمَا رَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ؟ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ تُصَلِّهَا؟ قَالَ: قَدِمَ عَلَيَّ مَالٌ فَشَغَلَنِي عَنْ رَكْعَتَيْنِ كُنْتُ أَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَقْضِيهِمَا إذَا فَاتَتَا؟ قَالَ: لَا» . وَبِمَا رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ

السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَالَتْ: لَيْسَ عِنْدِي صَلَّاهُمَا لَكِنْ أُمُّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْنِي أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عِنْدَهَا؟ فَأَرْسَلَ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ: «صَلَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدِي، لَمْ أَرَهُ صَلَّاهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ؟ قَالَ: هُمَا سَجْدَتَانِ كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَدِمَ عَلَيَّ قَلَائِصُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَنَسِيتُهُمَا حَتَّى صَلَّيْتُ الْعَصْرَ؛ ثُمَّ ذَكَرْتُهُمَا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُصَلِّيَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَرَوْنِي فَصَلَّيْتُهُمَا عِنْدَكِ» ؟ وَذَكَرُوا الْأَخْبَارَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ وَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - وَبِهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ -: أَمَّا حَدِيثُ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ؛ فَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا فِيهِ نَهْيٌ عَنْهَا يَعْنِي عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ جُمْلَةً، وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ فِعْلِهِ وَنَهْيِهِ؛ فَنَنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَنُصَلِّي مَا صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَنَخُصُّ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَنَسْتَعْمِلُهُمَا جَمِيعًا، وَلَا نَخَافُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَنَهَى عَنْهُمَا مِنْ أَجْلِ نَهْيِهِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ -: وَبَيْنَ مَنْ تَرَكَ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ أَجْلِ صَلَاتِهِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَلَوْ قَالَتْ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْهُمَا؛ لَكَانَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا لَهُ خَاصَّةً؛ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ بِالْكَذِبِ، وَلَا الزِّيَادَةِ فِي الرِّوَايَةِ؛ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَعْلُولٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَوَّلُهَا: - أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِ عَطَاءٍ، وَتَفَلُّتِ عَقْلِهِ، هَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَثَانِيهَا: - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ وَسَمِعْنَا نَحْنُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ ذَلِكَ -: لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ بِمَا عَرَفَ، وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ بِمَا كَانَ عِنْدَهَا، مِمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدَعْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ مَاتَ» ؟ فَهَذَا الْعِلْمُ الزَّائِدُ الَّذِي لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ، وَمَنْ أَيْقَنَ وَقَالَ: عَلِمْت أَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ؟ وَثَالِثُهَا - أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ - لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّيْءَ مَرَّةً وَاحِدَةً حُجَّةٌ بَاقِيَةٌ؛ وَحَقٌّ ثَابِتٌ أَبَدًا، مَا لَمْ يَنْهَ عَمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَمَنْ قَالَ: لَا يَكُونُ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّيْءَ حَقًّا إلَّا حَتَّى يُكَرِّرَ فِعْلَهُ فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ وَسَخِيفٌ [مَعَ ذَلِكَ] ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا فُعِلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَلَا فَرْقَ؛ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَلَا ذُو عَقْلٍ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خَالَفَهُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عِنْدَهُمْ عَلَى وَهْنِ الْخَبَرِ؛ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فَهَلَّا عَلَّلُوا هَذَا الْخَبَرَ بِمُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِمَا رَوَى فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ لَا مَئُونَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّنَاقُضِ - فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ جُمْلَةً، - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟

وَأَمَّا خَبَرُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - ضَعْفُ سَنَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ سَمَاعًا مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَالثَّانِي: - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ صَلَاتِهِمَا وَالثَّالِثُ: - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ» وَلَوْ كَانَتَا لَا تَجُوزَانِ، أَوْ مَكْرُوهَتَيْنِ مَا فَعَلَهُمَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَقٌّ وَهُدًى، سَوَاءٌ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ؛ وَمَنْ قَالَ: إنَّ فِعْلَهُ ضَلَالٌ؛ فَهُوَ كَافِرٌ؟ . وَالرَّابِعُ: - أَنَّهُ قَدْ صَحَّ خِلَافُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْخَامِسُ: - أَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْكَارَ عَائِشَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّاهُمَا عِنْدَهَا، وَنَقْلُ التَّوَاتُرِ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّيهِمَا عِنْدَهَا؛ مِثْلُ: عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَيْمَنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ أَيْضًا - فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا مَجْهُولٌ - وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ

وَهُوَ خَبَرٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَذِبًا ظَاهِرًا لَا شَكَّ فِيهِ؟ وَهُوَ مَا نُسِبَ إلَى عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهَا " لَيْسَ عِنْدِي صَلَّاهُمَا " وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ رَوَى تَكْذِيبَ هَذَا آنِفًا. وَلِأَنَّ فِيهِ أَيْضًا لَفْظًا لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَقُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وَهُوَ «فَكَرِهْت أَنْ أُصَلِّيَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيَّ فَصَلَّيْتُهُمَا عِنْدَكِ» . إذْ لَا يَخْلُو فِعْلُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا؛ أَوْ مُبَاحًا حَسَنًا؟ فَإِنْ كَانَ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا؛ فَمَنْ نَسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّسَتُّرَ لِمُحَرَّمَاتٍ فَهُوَ كَافِرٌ؛ لِتَفْسِيقِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُمِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] . وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَتَعَنَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَكَلُّفِ صَلَاةٍ مَكْرُوهَةٍ لَا أَجْرَ فِيهَا؟ فَهَذَا هُوَ التَّكَلُّفُ الَّذِي أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وَحَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَاصِدًا إلَى فِعْلِهِ - إلَّا مَا يُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى وَيُنْسِيهِ تَعَالَى الشَّيْءَ [لَيْسَ] لَنَا فِيهِ مَا يُقَرِّبُنَا مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ ، وَلَا مَزِيدَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إخْبَارُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا عَلِمَ؛ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا، وَهُوَ الصَّادِقُ فِي قَوْلِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا نَهْيٌ عَنْهُمَا، وَلَا كَرَاهَةٌ لَهُمَا؛ [وَمَا] صَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ؛ وَلَيْسَ هَذَا بِمُوجِبٍ كَرَاهِيَةَ صَوْمِ [شَهْرٍ كَامِلٍ تَطَوُّعًا] . ثُمَّ قَدْ رَوَى غَيْرُ عَلِيٍّ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّاهُمَا - فَكُلٌّ أَخْبَرَ بِعِلْمِهِ، وَكُلُّهُمْ صَادِقٌ

ثُمَّ قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ ذَلِكَ؛ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى حَدِيثًا وَخَالَفَهُ فَهَذَا دَلِيلٌ عِنْدَهُمْ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ؛ فَهَلَّا قَالُوا هَذَا هَهُنَا؟ ، وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؟ فَحَدِيثٌ مُنْكَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِي كُتُبِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ ذَكْوَانُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي بَيْتِهَا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقُلْت: مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ؟ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَجَاءَنِي مَالٌ فَشَغَلَنِي فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ» . فَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمُتَّصِلَةُ: وَلَيْسَ فِيهَا «أَفَنَقْضِيهِمَا نَحْنُ؟ قَالَ: لَا» فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا ذَكْوَانُ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلَا نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهَا؟ فَسَقَطَتْ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَهْيٌ عَنْ صَلَاتِهِمَا [أَصْلًا] ، وَإِنَّمَا فِيهَا: النَّهْيُ عَنْ قَضَائِهِمَا فَقَطْ، فَلَا يَحِلُّ تَوْثِيبُ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

إلَى مَا لَمْ يَقُلْهُ تَلْبِيسًا مِنْ فَاعِلِ ذَلِكَ فِي الدِّينِ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ فَسَنَذْكُرُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى - إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا؛ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ؟ وَأَمَّا تَعَلُّقُ الشَّافِعِيِّ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَنْ لَمْ يَنْسَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ؛ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا [الْإِبَاحَةُ؛ لِلصَّلَاةِ] حِينَئِذٍ؛ إذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً لَمَا صَلَّاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَاضِيًا، وَلَا مُثْبِتًا، وَفِي إثْبَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيَّاهَا أَصَحُّ بَيَانٍ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ جَائِزَةٌ حَسَنَةٌ؛ وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّهُ لَا يُصَلِّيهِمَا إلَّا مَنْ نَسِيَهُمَا - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُ بِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَلْنَذْكُرْ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ؛ قَالَ زُهَيْرٌ: ثنا جَرِيرٌ، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: ثنا أَبِي، ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «صَلَاتَانِ مَا تَرَكَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِي قَطُّ سِرًّا، وَلَا عَلَانِيَةً: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ» .

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثنا حَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعَ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «لَمْ يَدَعْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «وَاَلَّذِي ذَهَبَ بِهِ تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى - تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ - قَالَتْ: وَمَا لَقِيَ اللَّهَ حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلَاةِ» فَهَذَا غَايَةُ التَّأْكِيدِ فِيهِمَا. وَقَدْ رَوَتْهُمَا أَيْضًا أُمُّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةُ أَمَّا الْمُؤْمِنِينَ وَتَمِيمٌ الدَّارِيِّ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدِ الْجُهَنِيُّ، وَغَيْرُهُمْ - فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثنا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ - ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ التَّنُّورِيُّ ثنا حَنْظَلَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ: قَالَ: صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْعَصْرَ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ فَقَالُوا: هَذِهِ فُتْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ؟ فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ الْفُتْيَا الَّتِي تُفْتِي: أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ؟

فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: حَدَّثَتْنِي زَوْجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ» . فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إلَى عَائِشَةَ؟ فَقَالَتْ: هَذَا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ؟ فَأَرْسَلَ إلَى مَيْمُونَةَ رَسُولَيْنِ؟ فَقَالَتْ: إنَّمَا حَدَّثْت «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجَهِّزُ جَيْشًا فَحَبَسُوهُ حَتَّى أَرْهَقَ الْعَصْرُ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى مَا كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا؟ قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى صَلَاةً أَوْ فَعَلَ شَيْئًا -: يُحِبُّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ» . فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَلَيْسَ قَدْ صَلَّى؟ وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّهُ قَالَ عَلِيٌّ: ظَهَرَتْ حُجَّةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالُوا: قَدْ كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ مَعَهُ؟ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي عُمَرَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ؛ بَلْ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحُجَّةُ عَلَى عُمَرَ وَغَيْرِهِ - وَقَدْ خَالَفَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ طَوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إبَاحَةُ الرُّكُوعِ وَالتَّطَوُّعِ؛ وَالْوَجْهُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ ضَرَبَ عُمَرُ عَلَيْهَا - فَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافِ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ يَتِيمِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ «أَخْبَرَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيِّ، أَوْ أُخْبِرْتُ أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَأَتَاهُ عُمَرُ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَأَشَارَ إلَيْهِ تَمِيمٌ: أَنْ اجْلِسْ؟ فَجَلَسَ عُمَرُ حَتَّى فَرَغَ تَمِيمٌ، فَقَالَ لِعُمَرَ: لِمَ ضَرَبْتَنِي؟

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لِأَنَّكَ رَكَعْتَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُ عَنْهُمَا؟ قَالَ لَهُ تَمِيمٌ إنِّي صَلَّيْتُهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ: رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنِّي لَيْسَ بِي إيَّاكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ؟ وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ، حَتَّى يَمُرُّونَ بِالسَّاعَةِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلَّى فِيهَا كَمَا صَلَّوْا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ ثُمَّ يَقُولُونَ: قَدْ رَأَيْنَا فُلَانًا وَفُلَانًا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْعَصْرِ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْأَعْمَى يُحَدِّثُ عَنْ السَّائِبِ مَوْلَى الْفَارِسِيِّينَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ عُمَرَ رَآهُ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ - وَعُمَرُ خَلِيفَةٌ - فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَهُوَ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَاَللَّهِ لَا أَدَعُهُمَا أَبَدًا بَعْدَ إذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا؛» فَجَلَسَ إلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ: يَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّخِذَهُمَا النَّاسُ سُلَّمًا إلَى الصَّلَاةِ حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِبْ فِيهِمَا " فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ بِإِجَازَتِهِ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَتُقَارِبَ الْغُرُوبَ؟ وَرُوِّينَا بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلِّ إنْ شِئْت مَا بَيْنَك وَبَيْنَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ؟ .

قَالَ عَلِيٌّ: هُمْ يَقُولُونَ فِي الصَّاحِبِ يَرْوِي الْحَدِيثَ ثُمَّ يُخَالِفُهُ: لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِنَسْخِهِ مَا خَالَفَهُ؟ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا هَهُنَا: لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِلْمٌ أَثْبَتَ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ مَا خَالَفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ [مَعَ] عُمَرُ. وَبِمِثْلِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ: فَرَخَّصَ فِيهِمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَلَّا قَالُوا: إنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ؛ لِيُخَالِفَ أَبَاهُ، لَوْلَا فَضْلُ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ بِأَثْبَتِ مِنْ فِعْلِ أَبِيهِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتَا تَرْكَعَانِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ حَمَّادٌ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهِيَ قَائِمَةٌ: وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُصَلِّي أَرْبَعًا وَهِيَ قَاعِدَةٌ، فَسُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ عَنْ عَائِشَةَ: إنَّهَا شَابَّةٌ وَأَنَا عَجُوزٌ فَأُصَلِّي أَرْبَعًا بَدَلَ رَكْعَتَيْهَا. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يُبْطِلُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَقْضِيهَا نَحْنُ؟ قَالَ: لَا» . وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ: كَانَ الزُّبَيْرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُصَلِّيَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ

الْعَصْرَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَكَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَكُنَّا نُصَلِّيهِمَا مَعَهُ، نَقُومُ صَفًّا خَلْفَهُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَبَّحَ الْمُنْكَدِرُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَضَرَبَهُ عُمَرُ قَالَ عَلِيٌّ: الْمُنْكَدِرُ وَالسَّائِبُ صَاحِبَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ خِلَافَةِ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ تَرَكَهُمَا: فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ رَكَعَهُمَا؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إنَّ عُمَرَ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهِمَا قَالَ عَلِيٌّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يُجِيزَانِ الرُّكُوعَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ جَمِيعًا قَالَا: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ فِي سَفَرٍ فَصَلَّى الْعَصْرَ؛ ثُمَّ دَخَلَ فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ؟ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: سَأَلْت أَبَا جُحَيْفَةَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَنْفَعَاك لَمْ يَضُرَّاك وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ ثنا يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ يَنْهَاهُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ فَقَالَ

أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتْرُكُهُمَا؛ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَنْحَضِجَ فَلْيَنْحَضِجْ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ثنا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: خَرَجْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إلَى أَرْضِهِ بِبَذَّ سِيرِينَ، وَهِيَ خَمْسَةُ فَرَاسِخَ فَحَضَرْت صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَأَمَّنَا قَاعِدًا عَلَى بِسَاطٍ فِي السَّفِينَةِ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الذُّهَنِيِّ عَنْ أَبِي شُعْبَةَ التَّمِيمِيِّ قَالَ: رَأَيْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَطُوفُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُصَلِّي؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ بِلَالٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَمْ يَنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ

فِي حَدِيثٍ: «سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ كَثِيرٌ خُطَبَاؤُهُ، قَلِيلٌ عُلَمَاؤُهُ، يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا شَرَقُ الْمَوْتَى قُلْت: وَمَا شَرَقُ الْمَوْتَى؟ قَالَ: إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ جِدًّا فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ احْتَبَسَ فَلْيُصَلِّ مَعَهُمْ، وَلْيَجْعَلْ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ الْفَرِيضَةَ، وَصَلَاتَهُ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَؤُلَاءِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةُ: أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيِّ، وَالْمُنْكَدِرُ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدِ الْجُهَنِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو جُحَيْفَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، [وَأَنَسٌ] وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَبِلَالٌ، وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَغَيْرِهِمْ، فَمَنْ بَقِيَ؟ ؟ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، جَعَلَهَا خَاصَّةً؛ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِذَا قَالَ صَاحِبٌ: هِيَ خَاصَّةٌ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هِيَ عَامَّةٌ، فَالسَّيْرُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ صَحِيحٌ بِأَنَّهَا خُصُوصٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، وَأُخْرَى عَنْ

مُعَاوِيَةَ، لَيْسَ فِيهَا نَهْيٌ عَنْهُمَا، بَلْ فِيهَا: إنَّ النَّاسَ كَانُوا يُصَلُّونَهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُخْرَى مُرْسَلَةٌ لَا تَصِحُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لَيْسَ فِيهَا أَيْضًا إلَّا: وَأَنَا أَكْرَهُ مَا كَرِهَ عُمَرُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: إبَاحَةُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ: الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ جُمْلَةً مِنْ حِينِ صُفْرَةِ الشَّمْسِ. وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَكَثِيرٌ، مِنْهُمْ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ؛ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ؛ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلَقٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّ طَاوُسًا صَلَّى بِحَضْرَتِهِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أُكْرِمْت وَاَللَّهِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُوَ أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَافَرْت مَعَ أَبِي، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَالْأَسْوَدِ، وَمَسْرُوقٍ، وَأَبِي وَائِلٍ فَكَانُوا يُصَلُّونَ بَعْدَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ؟ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ: ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: رَأَيْت شُرَيْحًا الْقَاضِي يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ؟ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيِّ ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ؟ .

مسألة تعمد تأخير ما نسي أو نام عنه من الفرض

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ يَطُوفُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ -، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ فَهَؤُلَاءِ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَطَاوُسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ، وَأَشْعَثُ ابْنُهُ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَالْأَسْوَدُ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ وَغَيْرُهُمْ: كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَالْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَبِهِمَا يَقُولُ أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَبُو أَيُّوبَ الْهَاشِمِيُّ، وَبِهِ نَأْخُذُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ مَا نَسِيَ أَوْ نَامَ عَنْهُ مِنْ الْفَرْضِ] 286 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ مَا نَسِيَ أَوْ نَامَ عَنْهُ مِنْ الْفَرْضِ. وَلَا تَعَمُّدَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ حَتَّى يَتِمَّ غُرُوبُهَا؛ وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، حَتَّى تَأْخُذَ فِي الزَّوَالِ. وَلَا بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَصْفُوَ الشَّمْسُ وَتَبْيَضَّ. وَيَقْضِي فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كُلَّ مَا لَمْ يَذْكُرْ إلَّا فِيهَا؛ مِنْ صَلَاةٍ مَنْسِيَّةٍ أَوْ نِيمَ عَنْهَا؛ [مِنْ فَرْضٍ] أَوْ تَطَوُّعٍ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ وَالِاسْتِسْقَاءِ؛ وَالْكُسُوفِ، وَالرَّكْعَتَانِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ.

وَمَنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ حِينَئِذٍ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَرْءُ تَرْكَ كُلِّ ذَلِكَ - وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ - حَتَّى تَدْخُلَ الْأَوْقَاتُ الْمَذْكُورَةُ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَلَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ تِلْكَ أَصْلًا؟ وَهَذَا نَصُّ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَحَرِّي الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ فَالتَّطَوُّعُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ حَسَنٌ مَا أَحَبَّ الْمَرْءُ، وَكَذَلِكَ إثْرَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَبِنَحْوِ هَذَا يَقُولُ دَاوُد فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا؛ حَاشَا التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ جَائِزٌ إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَرَأَى النَّهْيَ - عَنْ ذَلِكَ - مَنْسُوخًا؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ لَا يُصَلَّى فِيهَا فَرْضٌ فَائِتٌ أَوْ غَيْرُ فَائِتٍ، وَلَا نَفْلٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ وَهِيَ: عِنْدَ أَوَّلِ طُلُوعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، إلَّا أَنْ تَبْيَضَّ وَتَصْفُوَ. أَوْ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ حَتَّى تَأْخُذَ فِي الزَّوَالِ، حَاشَا يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً؛ فَإِنَّهَا يُصَلِّي فِيهَا مَنْ جَاءَ إلَى الْجَامِعِ وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ. وَعِنْدَ أَخْذِ أَوَّلِ الشَّمْسِ فِي الْغُرُوبِ حَتَّى يَتِمَّ غُرُوبُهَا؛ حَاشَا عَصْرِ يَوْمِهِ خَاصَّةً؛ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عِنْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِيهِنَّ أَجْزَأَ ذَلِكَ؟ وَثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ يُصَلِّي فِيهِنَّ الْفُرُوضَ كُلَّهَا؛ وَعَلَى الْجِنَازَةِ؛ وَيَسْجُدُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ،

وَلَا يُصَلِّي فِيهَا التَّطَوُّعَ؛ وَلَا الرَّكْعَتَانِ إثْرَ الطَّوَافِ؛ وَلَا الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ؛ وَهِيَ: إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ؛ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَطْ. وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَأْخُذَ الشَّمْسُ فِي الْغُرُوبِ، [إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ] . وَكَذَلِكَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ؛ وَبَعْدَ تَمَامِ غُرُوبِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ. وَمَنْ جَاءَ عِنْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ: وَقْتٌ رَابِعٌ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا آخِرًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَطَلَعَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ صَلَّى أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ تِلْكَ. وَلَوْ أَنَّهُ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ طَلَعَ أَوَّلُ قُرْصِ الشَّمْسِ إثْرَ [ذَلِكَ] كُلِّهِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَوْ قَهْقَهَ حِينَئِذٍ لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ. وَلَوْ أَنَّهُ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ كَامِلَةٌ - وَلَوْ قَهْقَهَ حِينَئِذٍ لَمْ يُنْقَضْ وُضُوءُهُ؟ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: إذَا قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ الشَّمْسِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، فَلَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَصَلَّى أَوَّلَهَا وَلَوْ تَكْبِيرَةً أَوْ أَكْثَرَهَا فَغَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَلْيَتَمَادَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يَضُرُّهَا ذَلِكَ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. قَالُوا: فَإِنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَجْلِسْ وَلَا يَرْكَعْ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلْيَقِفْ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَجْلِسْ وَلَا يَرْكَعْ.

قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجْلِسُ وَلَا يَرْكَعُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّي الْفُرُوضَ كُلَّهَا الْمَنْسِيَّةَ وَغَيْرَهَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يَتَطَوَّعُ [بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ] حَتَّى تَبْيَضَّ الشَّمْسُ وَتَصْفُوَ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ غُرُوبِهَا حَتَّى تُصَلَّى الْمَغْرِبُ. وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ [حِينَئِذٍ] قَعَدَ وَلَا يَرْكَعُ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، حَاشَا مَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ عَنْ حِزْبِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَمَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ، وَلَمْ يَرْكَعْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: [إنْ] كَانَ مُصْبِحًا فَلْيَجْلِسْ وَلَا يَرْكَعْ. وَالتَّطَوُّعُ عِنْدَهُ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ وَأَجَازَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ جِدًّا، وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَعَنْهُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَسْجُدُ لَهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَصْفُوَ الشَّمْسُ، وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالسُّجُودِ لَهَا مَا لَمْ يُسْفِرْ، وَمَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَقَالَ: مَنْ قَرَأَهَا فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ فِيهِ عَنْ السُّجُودِ فَلْيُسْقِطْ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ

وَيَصِلْ الَّتِي قَبْلَهَا بِاَلَّتِي بَعْدَهَا؟ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْضِي الْفَائِتَاتِ مِنْ الْفُرُوضِ وَيُصَلِّي كُلَّ تَطَوُّعٍ مَأْمُورٍ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ: هُوَ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ فِيهَا فَقَطْ، إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبِمَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَتَطَوَّعُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَغَيْرِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا تَقَاسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فَدَعَاوٍ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَأَقْوَالُ مَالِكٍ: لَا دَلِيلَ عَلَى تَقْسِيمِهَا؛ لَا سِيَّمَا قَوْلُهُ بِإِسْقَاطِ الْآيَةِ فِي التِّلَاوَةِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، فَهُوَ إفْسَادُ نَظْمِ الْقُرْآنِ، وَقَوْلٌ مَا سَبَقَهُ إلَيْهِ أَحَدٌ. وَكَذَاك إسْقَاطُهُ وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، فَهُوَ خِلَافُ الثَّابِتِ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا مُعَارِضٍ لَهُ؟ وَأَمَّا تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ: فَلِأَثَرَيْنِ سَاقِطَيْنِ رُوِّينَاهُمَا: فِي أَحَدِهِمَا - النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إلَّا بِمَكَّةَ.

وَفِي الْآخَرِ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ صَلَاةٌ كُلُّهُ» ، وَلَيْسَا مِمَّا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَلَا أَوْرَدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ فَوَجَبَ الْإِضْرَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ جُمْلَةً، وَالْإِقْبَالُ عَلَى السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالنَّظَرِ فِي اسْتِعْمَالِهَا كُلِّهَا [وَفِي] تَغْلِيبِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، عَلَى مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعَنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ثنا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» . وَرُوِّينَاهُ هَكَذَا مِنْ طُرُقٍ، اكْتَفَيْنَا بِهَذَا لِصِحَّتِهِ وَكُلُّهَا صِحَاحٌ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ يَقُولُ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفَ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ وَغَيْرِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ هُوَ أَبُو تَوْبَةَ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ «عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَتَرْتَفِعَ قِيسَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، فَإِنَّهَا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ، وَأَقْصِرْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ وَتُفْتَحُ أَبْوَابُهَا فَإِذَا زَاغَتْ فَصَلِّ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ

ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الشَّمْسُ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا. فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ» ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْعَجَبُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَالِكِيِّينَ لِهَذَا الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ شَيْخِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: فَذَهَبَ إلَى هَذِهِ الْآثَارِ قَوْمٌ، فَلَمْ يَرَوْا الصَّلَاةَ أَصْلًا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرَةَ فِي بُسْتَانٍ لَهُ فَنَامَ عَنْ الْعَصْرِ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ، فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَرُبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ أَتَاهُمْ فِي بُسْتَانٍ لَهُمْ فَنَامَ عَنْ الْعَصْرِ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ

كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَنَّهُ نَامَ عَنْ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قَالَ: فَقُمْت أُصَلِّي فَدَعَانِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَأَجْلَسَنِي حَتَّى ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ، ثُمَّ قَالَ: قُمْ فَصَلِّ؟ . وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ عَلَى الصَّلَاةِ بِنِصْفِ النَّهَارِ. أَبُو الْبَخْتَرِيِّ هَذَا هُوَ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَإِلَى التَّمَادِي فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِيهَا، أَوْ إذَا غَرُبَتْ لَهُ وَهُوَ فِيهَا، وَإِلَى تَأْدِيَةِ كُلِّ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ جَاءَ بِهَا أَمْرٌ، وَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَة عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ حَدَّثَنِي حَجَّاجُ الْأَحْوَلُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يَرْقُدُ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَغْفُلُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: كَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» . وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّهُ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَبِالرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَبِالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَسَائِرَ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ التَّطَوُّعِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَخَذَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ دَخَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَحَدَّثَهُ، فَنَامَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَانْسَلَّ الْمِسْوَرُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَصْبَحَ، فَقَالَ لِغُلَامِهِ: أَتَرَانِي أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَلِّيَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ أَرْبَعًا - يَعْنِي الْعِشَاءَ - وَثَلَاثًا - يَعْنِي الْوِتْرَ - وَرَكْعَتَيْنِ - يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ - وَوَاحِدَةً - يَعْنِي رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ؟ - قَالَ: نَعَمْ فَصَلَّاهُنَّ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يُحَنَّسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إنْ خَشِيتَ مِنْ الصُّبْحِ فَوَاتًا فَبَادَرْت بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى الشَّمْسَ، فَإِنْ سَبَقْت بِهَا الشَّمْسَ فَلَا تُعَجِّلْ بِالْآخِرَةِ أَنْ تُكْمِلَهَا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الْفَجْرَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ فَقَرَأَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ: فَقَالَ عُمَرُ حِينَ فَرَغَ قَالَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَك لَقَدْ كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ؟ قَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَأَلْفَتْنَا غَيْرَ غَافِلِينَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَمَا انْصَرَفَ حَتَّى عَرَفَ كُلُّ ذِي بَالٍ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَرَغَتْ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ؟ فَقَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَأَلْفَتْنَا غَيْرَ غَافِلِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

وَكُلَّ مَنْ مَعَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَرَوْنَ طُلُوعَ الشَّمْسِ يَقْطَعُ صَلَاةَ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُصَلِّي الصُّبْحَ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ إنْكَارَ عُمَرَ عَلَى عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ تَرَكَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ حُجَّةً فِي سُقُوطِ وُجُوبِ الْغُسْلِ لَهَا - وَهَذَا ضِدُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إنْكَارُ عُمَرَ -: ثُمَّ لَا يَرَوْنَ تَجْوِيزَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ: حُجَّةً فِي ذَلِكَ. بَلْ خَالَفُوا جَمِيعَ مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ مُبِيحٍ وَمَانِعٍ وَخَالَفُوا أَبَا بَكْرَةَ فِي تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَمَنْ أَمَرَ بِالْإِعَادَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَى صُفْرَةِ الشَّمْسِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ؟ . وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تُنْسَى، قَالَ: يُصَلِّيهَا حِينَ يَذْكُرُهَا، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَمِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: إنَّ أَبَاهُ كَانَ يَطُوفُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَبَعْدَ الْغَدَاةِ ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ مُوسَى: وَكَانَ نَافِعٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَحَدَّثْته عَنْ سَالِمٍ فَقَالَ لِي نَافِعٌ: سَالِمٌ أَقْدَمُ مِنِّي وَأَعْلَمُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِ نَافِعٍ إلَى الْقَوْلِ بِهَذَا؛ وَعَلَى أَنَّهُ قَوْلُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ -: قَالَ عَلِيٌّ: فَغَلَّبَ هَؤُلَاءِ أَحَادِيثَ الْأَوَامِرِ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَقَالُوا: إنَّ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، أَيْ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً أُمِرْتُمْ بِهَا، فَصَلَّوْهَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا.

وَقَالَ الْآخَرُونَ: مَعْنَى الْأَمْرِ بِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ، أَيْ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَقْتًا نَهَى فِيهِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا تُصَلُّوهَا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا كَانَ كِلَا الْعَمَلَيْنِ مُمْكِنًا، لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا بِبُرْهَانٍ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ حَدَّثُوهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» ؟ . فَكَانَ هَذَا مُبَيِّنًا غَايَةَ الْبَيَانِ أَنَّ قَضَاءَ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَرْضٌ؛ وَأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ بِلَا شَكٍّ؟ . فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ وَمِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا؟ . قُلْنَا: لِمَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ - مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ» . فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُمْكِنًا أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَقْتَ الْخُرُوجِ مِنْ هَاتَيْنِ

الصَّلَاتَيْنِ، وَمُمْكِنًا أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَقْتَ الدُّخُولِ فِيهَا؟ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ؛ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مُبَيِّنًا أَنَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا وَقْتٌ لِبَعْضِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلِبَعْضِ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِيَقِينٍ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَرَادَ وَقْتَ الدُّخُولِ فِيهِمَا، وَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ هُوَ الزَّائِدَ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» وَالزِّيَادَةُ وَاجِبٌ قَبُولُهَا؟ فَوَضَحَ أَنَّ الْأَمْرَ مُغَلَّبٌ عَلَى النَّهْيِ. فَوَجَدْنَا الْآخَرِينَ قَدْ احْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ ثنا خَالِدُ بْنُ شُمَيْرٍ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِبَاحٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ، فَحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَيْشَ الْأُمَرَاءِ فَلَمْ يُوقِظْنَا إلَّا الشَّمْسُ طَالِعَةً فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلَاتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوَيْدًا رُوَيْدًا، حَتَّى تَعَالَتْ الشَّمْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَرْكَعْهُمَا؟ فَقَامَ مَنْ كَانَ يَرْكَعُهُمَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِنَا؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا شَغَلَنَا عَنْ صَلَاتِنَا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: «أَسْرَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَرَّسَ بِنَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَاسْتَيْقَظْنَا وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ الرَّجُلَ مِنَّا يَثُورُ إلَى طَهُورِهِ دَهِشًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْتَحِلُوا؟ قَالَ: فَارْتَحَلْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَزَلْنَا، فَقَضَيْنَا مِنْ حَوَائِجِنَا، ثُمَّ تَوَضَّأْنَا؛ ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

حَدَّثَنَا حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَبِيهِ قَالَ: «سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ فِي سَفَرٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا؟ قَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ، فَمَنْ يُوقِظُنَا بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ بِلَالٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَرَّسَ الْقَوْمُ، وَاسْتَنَدَ بِلَالٌ إلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، وَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ؛ ثُمَّ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْتَشَرُوا لِحَاجَاتِهِمْ وَتَوَضَّئُوا، وَارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ، فَصَلَّى بِهِمْ الْفَجْرَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - ثنا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ الظُّهْرِ، قَالَ: وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ؛ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: صَلَّيْتُمْ الْعَصْرَ؟ قُلْنَا: لَا، إنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنْ الظُّهْرِ؛ قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ، فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ جَلَسَ يَرْقُبُ الْعَصْرَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ عَلَى قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» . وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا شَرَقُ الْمَوْتَى، فَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: وَمَا شَرَقُ الْمَوْتَى؟ قَالَ: إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ جِدًّا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ احْتَبَسَ فَلْيُصَلِّ مَعَهُمْ، وَلْيَجْعَلْ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ: الْفَرِيضَةَ، وَصَلَاتَهُ مَعَهُمْ: تَطَوُّعًا. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْت: فَمَا

تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» . وَقَالُوا: صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ جُمْلَةً فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الصِّيَامِ جُمْلَةً فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَصَحَّ أَمْرُهُ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ مَنْ نَامَ عَنْهَا أَوْ نَسِيَهَا، وَبِالنَّذْرِ، وَبِمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ النَّوَافِلِ، وَبِقَضَاءِ الصَّوْمِ لِلْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ -: فَلَمْ تَخْتَلِفُوا مَعَنَا فِي أَنْ لَا يُصَامَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صِيَامِهَا، وَغَلَّبْتُمْ: النَّهْيَ عَلَى الْأَمْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي نَهْيِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، مَعَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَقَضَائِهَا، وَإِلَّا فَلِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ النَّهْيَيْنِ وَالْأَمْرَيْنِ؟ فَغَلَّبْتُمْ فِي الصَّوْمِ: النَّهْيَ عَلَى الْأَمْرِ، وَغَلَّبْتُمْ فِي الصَّلَاةِ: الْأَمْرَ عَلَى النَّهْيِ؟ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يَجُوزُ؟ . وَقَالُوا: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَمِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ طُلُوعِ [الشَّمْسِ] ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ: قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا اعْتَرَضُوا بِهِ، مَا لَهُمْ اعْتِرَاضٌ غَيْرُهُ أَصْلًا، وَلَسْنَا نَعْنِي أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُمْ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، إذْ لَيْسَ مِنْهَا خَبَرٌ إلَّا وَقَدْ خَالَفُوهُ، وَتَحَكَّمُوا فِيهِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنَّمَا نَعْنِي مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَغْلِيبِ النَّهْيِ جُمْلَةً فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا مُتَعَلِّقَ لِلْمَالِكِينَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْآثَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا وَقَدْ خَالَفُوهُ، وَتَحَكَّمُوا فِيهِ، وَحَمَلُوا بَعْضَهُ عَلَى الْفَرْضِ، وَبَعْضَهُ عَلَى التَّطَوُّعِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا نَعْنِي مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَغْلِيبِ الْأَمْرِ جُمْلَةً

وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ فَقَطْ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثَا أَبِي قَتَادَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَدْ جَاءَا بِبَيَانٍ زَائِدٍ، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -: «مَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِلْتُ مَعَهُ، فَقَالَ اُنْظُرْ؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ رَاكِبَانِ، هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ؟ حَتَّى صِرْنَا سَبْعَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ؛ فَقَامُوا فَسَارُوا هُنَيْهَةً ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا وَأَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوْا الْفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَارْتَفَعُوا قَلِيلًا حَتَّى اسْتَقَلَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ

أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ» . فَهَذَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ وَهُمَا أَحْفَظُ مِنْ خَالِدِ بْنِ شُمَيْرٍ، مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ يَذْكُرَانِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ حَرَّ الشَّمْسِ لَا يُوقِظُ النَّائِمَ إلَّا بَعْدَ صَفْوِهَا وَابْيِضَاضِهَا وَارْتِفَاعِهَا؛ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَرَهُمْ بِالِانْتِظَارِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالِانْتِشَارِ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ الْوُضُوءُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ فَقَطْ» . وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ حَرَّ الشَّمْسِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ صَفَتْ وَلَا ابْيَضَّتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَصْلًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إنَّمَا أَخَّرْتُ الصَّلَاةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَبْيَضَّ وَلَا ارْتَفَعَتْ؛ وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَتَبْيَضَّ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ ظَنٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] . عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَطُّ أَبُو قَتَادَةَ وَلَا عِمْرَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّ تَأْخِيرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّلَاةَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ ابْيَضَّتْ، وَلَا ارْتَفَعَتْ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا صِفَةَ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَطْ؟ .

فَحَصَلَ مَنْ قَطَعَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمئِذٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ ابْيَضَّتْ وَلَا ارْتَفَعَتْ: عَلَى قَفْوِ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَعَلَى الْحُكْمِ بِالظَّنِّ؛ وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ؛ وَعَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَخَّرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: فَفَعَلْنَا، فَوَجَدْنَا -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - ثنا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ ثنا أَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ؟ فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ» . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ؟ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى» . قَالَ عَلِيٌّ: فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ؛ وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَخَّرَ

الصَّلَاةَ؛ لِيَزُولُوا عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ، وَحَضَرَهُمْ فِيهِ الشَّيْطَانُ فَقَطْ، لَا لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ ارْتَفَعَتْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ؛ فَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَخْدِيشٌ فِي الرُّخَامِ وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الشَّمْسِ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ؛ وَإِنَّمَا قَالَ: «مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ» وَحُضُورُ الشَّيْطَانِ فِي مَنْزِلِ قَوْمٍ هُوَ - بِلَا شَكٍّ مِنْ كُلِّ ذِي فَهْمٍ - غَيْرُ كَوْنِ الشَّمْسِ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ فَظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ يَقِينًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ . وَوَجْهٌ رَابِعٌ هُوَ: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ تَرَدُّدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ ابْيَضَّتْ بَعْدُ -، وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَبَدًا - لَكَانَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ بِهِمْ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» . وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ «فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا» نَاسِخًا لِفِعْلِهِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ؟ . فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمُوهُ نَاسِخًا لِتَحَوُّلِهِمْ عَنْ الْمَكَانِ؟ . قُلْنَا: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا ذَكَرَهَا» وَ «حِينَ يَذْكُرُهَا» قَصْدٌ مِنْهُ إلَى زَمَانِ تَأْدِيَتِهَا؛ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ لِمَكَانِ تَأْدِيَتِهَا؛ فَلَا يَكُونُ لِمَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ بِحُكْمِهِ أَصْلًا، وَهَذَا غَايَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْبَيَانِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؟ . وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِوُجُوهٍ -:

أَحَدُهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَذُمَّ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَحْدَهُ؛ وَإِنَّمَا ذَمَّ التَّأْخِيرَ مَعَ كَوْنِهِ يَنْقُرُهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا؛ وَهَذَا بِلَا شَكٍّ مَذْمُومٌ - أَخَّرَ الصَّلَاةَ أَوْ لَمْ يُؤَخِّرْهَا - وَهَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النساء: 142] . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً وَمِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاتَيْنِ؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُدْرِكُ لِلصَّلَاةِ عَاصِيًا بِهَا وَمُصَلِّيًا صَلَاةَ الْمُنَافِقِينَ. وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا فَقَدْ أَدَّى مَا أُمِرَ، وَلَيْسَ عَاصِيًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ؟ . وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ثنا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ سَمِعْت جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَمَا إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» - يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» - يَعْنِي: الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَصًّا.

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا هَذَا كَذَلِكَ فَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنَى مَنْ أَخَّرَ صَلَاةً لَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعَصْرِ بِلَا شَكٍّ [لَكِنْ فِي الظُّهْرِ الْمُتَعَيِّنُ تَحْرِيمُ تَأْخِيرِهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ] كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي الْيَقَظَةِ: أَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاةٌ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى؟ . فَإِنْ قَالُوا فِي خَبَرِ أَنَسٍ «جَلَسَ يَرْقُبُ وَقْتَ الْعَصْرِ» ، قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِذَا أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ رَاقِبًا لِلْعَصْرِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا أَيْضًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَحُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِيَقِينٍ إلَّا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ تُؤَخَّرُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ بِقَوْلِهِ: «يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ» . وَأَيْضًا - فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَازَ التَّطَوُّعَ مَعَهُمْ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مُوَافِقٌ لَنَا فِي هَذَا؟ . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ خَبَرٌ مُوَافِقٌ لَنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. لِأَنَّهُ نَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا» ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ فَهُوَ وَقْتٌ لِلدُّخُولِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَمَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَهُوَ وَقْتٌ لِلدُّخُولِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِجَمِيعِ الْآثَارِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؟ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَعَلَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ -: فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ " لَعَلَّ " لَا حُكْمَ لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ ظَنٌّ؟ .

وَأَيْضًا - فَالْبُرْهَانُ قَدْ صَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَخْبَارِ النَّهْيِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ رَوَى «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الصُّحْبَةِ وَرَوَى أَخْبَارَ النَّهْيِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبَسَةَ وَإِسْلَامُهُمَا قَدِيمٌ؟ . وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَقْدَحُ فِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ تَأَخُّرُهُ وَلَا تَقَدُّمُهُ، إذَا أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُمَا وَضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ؛ فَالْوَاجِبُ الْأَخْذُ بِجَمِيعِهَا كَمَا قَدَّمْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّنَا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى تَغْلِيبِ خَبَرِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، عَلَى أَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالنَّذْرِ، وَالْكَفَّارَاتِ؛ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نُغَلِّبَ أَخْبَارَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَالْمَنُومِ عَنْهَا وَالنَّذْرِ وَسَائِرِ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ التَّطَوُّعِ -: فَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ . وَلَعَلَّ هَذَا يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، إلَّا أَنَّهُمْ أَيْضًا يُعَارِضُونَ الْحَنَفِيِّينَ فِي هَذَا الْقِيَاسِ، بِأَنْ يَقُولُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْقِيَاسَ، وَلَمْ يَطْرُدْهُ؛ فَأَجَزْتُمْ صَلَاةَ عَصْرِ الْيَوْمِ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَلَمْ تَقِيسُوا عَلَيْهِ الصُّبْحَ، وَلَا قِسْتُمُوهَا عَلَى الصُّبْحِ، ثُمَّ زِدْتُمْ إبْطَالًا لِهَذَا الْقِيَاسِ: فَجَعَلْتُمْ بَعْضَ الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ جُمْلَةً يُقْضَى فِيهِ الْفَرْضُ وَيُسْجَدُ فِيهِ لِلتِّلَاوَةِ وَيُصَلَّى فِيهِ عَلَى الْجِنَازَةِ؛ وَلَا يُصَلَّى فِيهِ صَلَاةً مَنْذُورَةً، وَجَعَلْتُمْ بَعْضَهُ لَا يُصَلَّى فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَمْ تَقِيسُوا صَلَاةً فِي بَعْضِ

الْوَقْتِ عَلَى صَلَاةٍ فِي سَائِرِهِ؟ وَكَانَ هَذَا أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ وَأَوْلَى مِنْ قِيَاسِ حُكْمِ صَلَاةٍ عَلَى صَوْمٍ؟ . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَنَا: لِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَالنَّهْيَيْنِ؟ . [فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: أَنَّنَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ جَاءَتْ مُثْبِتَةً] لِتَغْلِيبِ أَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِالصَّلَوَاتِ جُمْلَةً عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ، وَبَعْضُهَا مُتَأَخِّرٌ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ أَصْلًا بِتَغْلِيبِ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ؛ بَلْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى وُجُوبِ تَغْلِيبِ النَّهْيِ [عَنْ] صِيَامِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ عَلَى أَحَادِيثِ إيجَابِ الْقَضَاءِ، وَالنُّذُورِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: «إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» مُوجِبًا لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهَا؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَامَ بِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ فِيهَا بِخِلَافِ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؟ . وَأَمَّا جَوَازُ ابْتِدَاءِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَجَوَازُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ تُصَلَّ صَلَاةُ الْفَجْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؟ . فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ الْأَجْدَعِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تُصَلُّوا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» . وَهْبُ بْنُ الْأَجْدَعِ تَابِعٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ - وَسَائِرُ الرُّوَاةِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُمْ؛ وَهَذِهِ

زِيَادَةُ عَدْلٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا؟ . وَأَمَّا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي فِيهِ «فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ؟ . وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ» ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَالرِّوَايَةُ فِي أَنْ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ»

سَاقِطَةٌ مَطْرُوحَةٌ مَكْذُوبَةٌ كُلُّهَا، لَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ وَهُوَ مَالِكٌ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَلَيْسَ هُوَ ابْنُ حَزْمٍ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَهُوَ سَاقِطٌ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ

وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمُدَلِّسٌ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ مِمَّنْ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ؟ فَأَتَيْنَاهَا يَوْمًا فَإِذَا هِيَ تُصَلِّي؛ فَقُلْنَا: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَتْ: إنِّي نِمْت عَنْ حِزْبِي فَلَمْ أَكُنْ لِأَدَعَهُ؟ . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ بِرَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ،

فَقَالَ: يَا هَذَانِ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَا وَإِمَّا أَنْ تَسْكُتَا؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِمُجَاهِدٍ: أَتَعْقِلُ؟ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلِّ مَا شِئْت؟ . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: صَلِّ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا شِئْت؟ . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [عَنْ أَبِيهِ] أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ؟ ، وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَعَلُّقِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، وَفِيهِ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ نَقْبُرَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ خَبَرٌ يُعَارِضُ هَذَا النَّهْيَ أَصْلًا - ثُمَّ لَا يُبَالُونَ بِإِطْرَاحِهِ، فَيُجِيزُونَ أَنْ تُقْبَرَ الْمَوْتَى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ دُونَ أَنْ يَكْرَهُوا ذَلِكَ، ثُمَّ يُحَرِّمُونَ قَضَاءَ التَّطَوُّعِ، وَبَعْضُهُمْ قَضَاءَ الْفَرْضِ، وَقَدْ جَاءَتْ النُّصُوصُ مُعَارِضَةً لِهَذَا النَّهْيِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا يَحِلُّ دَفْنُ الْمَوْتَى فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ أَلْبَتَّةَ -، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فَجَائِزَةٌ بِهَا، لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ عُمُومًا؟ .

وَلِمَا حَدَّثَنَا حَمَّامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَمْ مَرَّةً يَقُولُ: سَمِعْت نَافِعًا يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَسْت أَنْهَى أَحَدًا صَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ؛ وَلَكِنِّي أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْت أَصْحَابِي يَفْعَلُونَ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وَلَا غُرُوبَهَا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّمَا نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَحَرِّي الصَّلَاةَ وَالْقَصْدَ إلَيْهَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَفِي وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ فَقَطْ، وَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ التَّطَوُّعَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَالْمَنْدُوبَ إلَيْهِ يُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ: هُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَ [أَنَّهُ] إنَّمَا يَفْعَلُ كَمَا رَأَى أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ: وَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ آنِفًا - يُصَلِّي إثْرَ الطَّوَافِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، [وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ] . وَأَمَّا مَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِنَا النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ [صَلَاةِ] الْعَصْرِ مَنْسُوخًا بِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الرَّكْعَتَيْنِ -: فَكَانَ يَصِحُّ هَذَا لَوْلَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ الْأَجْدَعِ الَّذِي ذَكَرْنَا - مِنْ إبَاحَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ مُرْتَفِعَةً؛ فَبَطَلَ النَّسْخُ فِي ذَلِكَ؟ . وَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ إلَّا عَنْ الْقَصْدِ بِالصَّلَاةِ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَضَافَتْ

مسألة اختصاص ليلة الجمعة بصلاة زائدة على سائر الليالي

لِلْغُرُوبِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْت مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَابَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَإِسْلَامُ جُبَيْرٍ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا، إنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ: وَهَذَا بِلَا شَكٍّ بَعْدَ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ النَّهْيِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ اخَتِصَاصُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِيِ] 287 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُخَصَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِيِ؟ . لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِيِ» ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.؟ [مَسْأَلَةٌ خَيْرُ الْأَعْمَالِ] 288 - مَسْأَلَةٌ: وَخَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمِلَهُ وَمَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ، وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ

مسألة صلاة التطوع في الجماعة

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَدَعَ الْأَفْضَلَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ الثَّقَفِيُّ - ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ» . [مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي الْجَمَاعَةِ] 289 - مَسْأَلَةٌ: وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْهَا مُنْفَرِدًا؛ وَكُلُّ تَطَوُّعٍ فَهُوَ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسَاجِدِ إلَّا مَا صَلَّى مِنْهُ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَفْضَلُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ «أَنَسٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلْأُصَلِّي

لَكُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ» . وَقَدْ صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ تَطَوُّعًا إذْ أَمَّهُمْ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي بَيْتِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ. قَدْ صَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ جَمَاعَةً وَكَذَلِكَ أَنَسٌ أَيْضًا. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد: ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدٍ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لِي أَبُو مَعْمَرٍ: إذَا صَلَّيْت الْمَكْتُوبَةَ فَارْجِعْ إلَى بَيْتِك. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ قَيْسٍ مَا رَأَيْت عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ مُتَطَوِّعًا فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ قَطُّ؟ . وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى: ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مُخْلِدٍ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ

مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: تَطَوُّعُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ يَزِيدُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عِنْدَ النَّاسِ كَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ؟ . وَبِهِ إلَى ابْنِ الْمُثَنَّى: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا إسْرَائِيلُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كَانَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي الْمَسْجِدِ. وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ مَا رَأَيْت الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ مُتَطَوِّعَا فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ قَطُّ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ سُئِلَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ عَنْ التَّطَوُّعِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ؟

فَقَالَ: إنِّي لَأَكْرَهُهُ؛ بَيْنَمَا هُمْ جَمِيعًا إذَا اخْتَلَفُوا. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَدْرَكْت النَّاسَ زَمَانَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُمْ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بُيُوتِهِمْ؟ . وَالتَّطَوُّعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْمَسْجِدِ أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ كَرِهَ التَّطَوُّعَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِأَنَّ هَذَا خَوْفُ الذَّرِيعَةِ فِي أَنْ يَقْضِيَهَا أَهْلُ الْبِدَعِ الَّذِينَ لَا يَعْتَدُّونَ بِالصَّلَاةِ مَعَ الْأَئِمَّةِ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْفَسَادِ مِنْ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَا فَرْقَ. وَأَيْضًا: فَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَى بُيُوتِهِمْ فَيَقْضُونَهَا هُنَالِكَ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَيَنْمَازُ عَنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ قَلِيلًا غَيْرَ كَثِيرٍ، فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَمْشِي أَنْفَسَ مِنْ ذَلِكَ فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ رَأَيْته يَصْنَعُ ذَلِكَ مِرَارًا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ سَمِعْت عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فَكُنَّا نُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا؛ حَتَّى جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَهَا سِتًّا، فَنَحْنُ نُصَلِّي بَعْدَهَا سِتًّا؟ . وَقَدْ حَدَّثَنَا حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ

مسألة أفضل الوتر

ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَبْلَ أَنْ نَلْقَى الزُّهْرِيَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» . [مَسْأَلَةٌ أَفْضَلُ الْوِتْرِ] 290 - مَسْأَلَةٌ: وَأَفْضَلُ الْوِتْرِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وَتُجْزِئُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْوِتْرُ وَتَهَجُّدُ اللَّيْلِ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا، أَيُّهَا فَعَلَ أَجْزَأَهُ، وَأَحَبُّهَا إلَيْنَا، وَأَفْضَلُهَا: أَنْ نُصَلِّيَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، نُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نُصَلِّي رَكْعَةً وَاحِدَةً وَنُسَلِّمُ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْقَعْنَبِيُّ ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» . وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا، ثُمَّ يُصَلِّي خَمْسَ رَكَعَاتٍ مُتَّصِلَاتٍ لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهُنَّ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَمْسِ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ» .

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُصَلِّيَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ آخِرِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ - وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ - إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» ؟ . وَالرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ: - لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ» .

وَالْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ إلَّا فِي آخِرِهَا؛ فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِهِنَّ وَتَشَهَّدَ: قَامَ دُونَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ فَأَتَى بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ: - لِمَا رُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أَنَّ «سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. فَذَكَرَ سَعْدٌ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَهَا عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ، وَهُوَ قَاعِدٌ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ؛ وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي حُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ، يَقْعُدُ فِي الثَّامِنَةِ؛ ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَةً» ؟ . وَالسَّادِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ سِتَّ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ فِي آخِرِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا، وَيُوتِرُ بِسَابِعَةٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» ؟ . وَالسَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ سَبْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ وَلَا يَتَشَهَّدُ إلَّا فِي آخِرِ السَّادِسَةِ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يَقُومُ دُونَ تَسْلِيمٍ فَيَأْتِي بِالسَّابِعَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى ثنا إِسْحَاقُ أَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ، لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي السَّادِسَةِ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي السَّابِعَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَالثَّامِنُ: أَنْ يُصَلِّيَ سَبْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِهِنَّ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ - لِمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ أَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ثنا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «لَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ» . وَالتَّاسِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» . وَالْعَاشِرُ: أَنْ يُصَلِّيَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ مُتَّصِلَاتٍ؛ لَا يَجْلِسُ، وَلَا يَتَشَهَّدُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ -: لِمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ» ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ رَأَى عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ مَا جَلَسَ لِمَثْنَى -:

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَذَلِكَ يُوتِرُ أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ -: وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْوِتْرُ كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ: قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا نَقُولُ بِهِ إذْ لَا حُجَّةَ إلَّا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ أَوْ عَمَلُهُ أَوْ إقْرَارُهُ فَقَطْ؟ . وَالْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، يَجْلِسُ فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ مِنْهُنَّ،

وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، يَتَشَهَّدُ فِي آخِرِهَا وَيُسَلِّمُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» . وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا أَثَرًا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ بِتَسْلِيمٍ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ الْبُتَيْرَاءُ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَتُرِيدُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ هَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ . وَالثَّانِيَ عَشَرَ: أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، يَجْلِسُ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ يَقُومُ دُونَ تَسْلِيمٍ وَيَأْتِي بِالثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ -: لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ» ؟ . وَالثَّالِثَ عَشَرَ: أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا -: لِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَّامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - ثنا شُعْبَةُ ثنا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ عَنْ الْوِتْرِ؟ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» .

وَرُوِّينَا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِهِمْ: الْوِتْرُ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا صَحَّ عِنْدَنَا؛ وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا لَقُلْنَا بِهِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهْيٌ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ، وَلَا فِي الْحَدِيثِ - عَلَى سُقُوطِهِ - بَيَانُ مَا هِيَ الْبُتَيْرَاءُ؟ ، وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الثَّلَاثُ بُتَيْرَاءُ - يَعْنِي فِي الْوِتْرِ؛ فَعَادَتْ الْبُتَيْرَاءُ عَلَى الْمُحْتَجِّ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وِتْرُ النَّهَارِ، فَأَوْتِرُوا صَلَاةَ اللَّيْلِ» ؟ . قِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ وِتْرُ اللَّيْلِ ثَلَاثًا كَوِتْرِ النَّهَارِ، وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ يَنْسُبُهُ إلَى إرَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَطَعْتُمْ بِذَلِكَ كَذَبْتُمْ وَكُنْتُمْ أَيْضًا خَالَفْتُمْ مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا فِي الْأُولَيَيْنِ وَتُسِرُّوا فِي الثَّالِثَةِ كَالْمَغْرِبِ؛ وَأَنْ تَقْنُتُوا فِي الْمَغْرِبِ كَمَا تَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ؛ أَوْ أَنْ لَا تَقْنُتُوا فِي الْوِتْرِ كَمَا لَا تَقْنُتُوا فِي الْمَغْرِبِ؛ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ

مسألة الوتر آخر الليل أفضل

بَاطِلٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْوِتْرُ آخِرُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ] 291 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوِتْرُ آخِرُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ. وَمَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَهُ فَحَسَنٌ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَ الْوِتْرِ جَائِزَةٌ، وَلَا يُعِيدُ وِتْرًا آخَرَ؛ وَلَا يَشْفَعُ بِرَكْعَةٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا ابْنُ أَبِي خَلَفٍ ثنا أَبُو زَكَرِيَّاءَ السَّيْلَحِينِيُّ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَقَالَ لِعُمَرَ: مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرٍ: أَخَذَ هَذَا بِالْحَذَرِ، وَقَالَ لِعُمَرَ: أَخَذَ هَذَا بِالْقُوَّةِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ حَمْزَةَ قَاضِي دِمَشْقَ - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا - وَهُوَ جَالِسٌ - فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ، ثُمَّ رَكَعَ بَعْدَ ذَلِكَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا»

وَ «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ» فَنَدْبٌ؛ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا: مِنْ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ فَرْضًا؛ وَمِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ «وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عَلَى وِتْرٍ» . فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ بَعْضِ كَلَامِهِ لِبَعْضٍ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ لَكِنَّهُ إبَاحَةٌ كُلُّهُ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ «قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ فِي رَمَضَانَ، وَأَمْسَى عِنْدَنَا فَأَفْطَرَ ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْتَرَ بِنَا ثُمَّ انْحَدَرَ إلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى إذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلًا، فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»

مسألة يقرأ في الوتر بما تيسر من القرآن مع أم القرآن

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ شَفْعُ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ، إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَمَا يُوتِرُ - وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ يُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ] 292 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ: "، وَإِنْ قَرَأَ فِي الثَّلَاثِ رَكَعَاتٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَحَسَنٌ. وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى (أُمِّ الْقُرْآنِ) فَحَسَنٌ، وَإِنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِمِائَةِ آيَةٍ مِنْ النِّسَاءِ " فَحَسَنٌ؟ ، قَالَ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ «أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ؛ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أَوْتَرَهَا، وَقَرَأَ فِيهَا بِمِائَةِ آيَةٍ مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ: مَا أَلَوْتُ أَنْ وَضَعْت قَدَمِي حَيْثُ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ أَقْرَأَ مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

مسألة يوتر المرء قائما وقاعدا لغير عذر إن شاء وعلى دابته

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى ثنا أَبُو أُسَامَةَ ثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» . [مَسْأَلَةٌ يُوتِرُ الْمَرْءُ قَائِمًا وَقَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ إنْ شَاءَ وَعَلَى دَابَّتِهِ] 293 - مَسْأَلَةٌ: وَيُوتِرُ الْمَرْءُ قَائِمًا وَقَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ إنْ شَاءَ، وَعَلَى دَابَّتِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ثنا مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ «سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كُنْت أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَخَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ قُلْت: بَلَى، وَاَللَّهِ قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» .

وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ وَهَلْ لِلْوِتْرِ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ التَّطَوُّعِ؟ ، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ:، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَيُوتِرُ الرَّجُلُ وَهُوَ جَالِسٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ: الْوِتْرُ لَا يُقْضَى، وَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ؛ وَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ أَشْرَفُ التَّطَوُّعِ.: وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْوِتْرُ وَالْأَضْحَى: تَطَوُّعٌ -: قَالَ عَلِيٌّ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّطَوُّعَ يُصَلِّيهِ الْمَرْءُ جَالِسًا إنْ شَاءَ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ

مسألة يستحب أن يختم القرآن كله مرة في كل شهر

«عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا حَتَّى كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا» ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ] 294 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ؛ فَإِنْ خَتَمَهُ فِي أَقَلَّ: فَحَسَنٌ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِمَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ فَإِنْ فَعَلَ فَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْتُ: إنِّي أَجِدُ قُوَّةً؟

قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً، قُلْتُ: إنِّي أَجِدُ قُوَّةً؟ قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ، لَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الصَّمَدُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ - ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ثنا قَتَادَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ - «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: فِي شَهْرٍ» ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ: «اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ؟ قَالَ: إنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ كَانَ عُثْمَانُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ؟ قُلْنَا: قَدْ كَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرْنَا -: وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ فَهُوَ رَاجِزٌ؟ ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ ثنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ؛ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَكْرَهُ ذَلِكَ؟

فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: اقْرَأْهُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لَا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ؟» . فَإِنَّ رِوَايَةَ عَطَاءٍ لِهَذَا الْخَبَرِ مُضْطَرِبَةٌ مَعْلُولَةٌ، وَعَطَاءٌ قَدْ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ، قَالَ: فَنَاقَصَنِي وَنَاقَصْتُهُ» . قَالَ عَطَاءٌ: فَاخْتَلَفْنَا عَنْ أَبِي؛ فَقَالَ بَعْضُنَا: سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ بَعْضُنَا خَمْسَةٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَعَطَاءٌ يَعْتَرِفُ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَبِيهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحَقِّقْ مَا قَالَ أَبُوهُ فَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي سَاعَةٍ؟ قُلْنَا: قُرْآنُ دَاوُد هُوَ الزَّبُورُ، لَا هَذَا الْقُرْآنُ، وَشَرِيعَتُهُ غَيْرُ شَرِيعَتِنَا - وَدَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبْعَثْ إلَّا إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، لَا إلَيْنَا؛ وَمُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الَّذِي بُعِثَ إلَيْنَا، صَحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] . وَأَمَّا قِيَامُ اللَّيْلِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُمْ لَيْلَةً قَطُّ حَتَّى الصَّبَاحِ؟ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا

مسألة الجهر والإسرار في قراءة التطوع ليلا ونهارا

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَرْقُدُ شَطْرَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْقُدُ آخِرَهُ ثُمَّ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ بَعْدَ شَطْرِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ هَذَا أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَا زَادَ عَلَى هَذَا فَهُوَ دُونَ هَذَا بِلَا شَكٍّ؛ فَإِذَا كَانَ دُونَ هَذَا فَهُوَ ضَائِعٌ لَا أَجْرَ فِيهِ؛ فَهُوَ تَكَلُّفٌ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ - وَقَدْ مَنَعَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ: سَلْمَانُ، وَمُعَاذٌ، وَغَيْرُهُمَا؟ [مَسْأَلَةٌ الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي قِرَاءَةِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا وَنَهَارًا] 295 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي قِرَاءَةِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا وَنَهَارًا: مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟ إذْ لَمْ يَأْتِ مَنْعٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا إيجَابٌ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: تَخْفِضُ النِّسَاءُ؟ قُلْنَا: وَلِمَ؟ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ سَمَاعَ النَّاسِ كَلَامَ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ، وَلَا جَاءَ نَصٌّ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ النِّسَاءِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ بَيْنَ السُّوَرِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ] 296 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ السُّوَرِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ أَيْضًا:

مسألة للمرء أن يتطوع مضطجعا بغير عذر إلى القبلة وراكبا

حَسَنٌ - وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ بَعْضِ السُّوَرِ فِي الرَّكْعَةِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ أَيْضًا: حَسَنٌ لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قِرَاءَتَهُمَا " الْبَقَرَةَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ " وَآلَ عِمْرَانَ " كَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ . [مَسْأَلَةٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَطَوَّعَ مُضْطَجِعًا بِغَيْرِ عُذْرٍ إلَى الْقِبْلَةِ وَرَاكِبًا] 297 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَطَوَّعَ مُضْطَجِعًا بِغَيْرِ عُذْرٍ إلَى الْقِبْلَةِ، وَرَاكِبًا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا؛ الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا رُوحُ بْنُ عُبَادَةَ أَنَا حُسَيْنُ هُوَ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ «عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» ؟ .

قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ إلَّا مُصَلِّي الْفَرْضَ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ عَلَى الْقُعُودِ فَقَطْ؟ ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا؛ فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ؛ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا؛ فَإِذَا قَرَأَ قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا؟» . قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا سُنَّةٌ وَمُبَاحٌ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثنا شَيْبَانُ هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ

مسألة سجود الراكب وركوعه إذا صلى إيماء

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا عُمُومٌ لِلرَّاكِبِ أَيَّ شَيْءٍ رَكِبَ، وَفِي كُلِّ حَالٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، وَهَذَا الْعُمُومُ زَائِدٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ. وَلَمْ يَأْتِ فِي الرَّاجِلِ نَصٌّ أَنْ يَتَطَوَّعَ مَاشِيًا، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الرَّاكِبِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى رِحَالِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِمْ. وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عُمُومًا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ سُجُودُ الرَّاكِبِ وَرُكُوعُهُ إذَا صَلَّى إيمَاءً] 298 - مَسْأَلَةٌ: وَيَكُونُ سُجُودُ الرَّاكِبِ وَرُكُوعُهُ إذَا صَلَّى إيمَاءً -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إيمَاءً، وَذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ» .

مسألة صلاة الفرض لا يحل لأحد أن يصليها إلا واقفا إلا لعذر

[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا وَاقِفًا إلَّا لِعُذْرٍ] مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَرْضِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا وَاقِفًا إلَّا لِعُذْرٍ: مِنْ مَرَضٍ، أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ ظَالِمٍ؛ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ؛ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ أَوْ ضَعْفٍ عَنْ الْقِيَامِ كَمَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ؛ أَوْ مَنْ صَلَّى مُؤْتَمًّا بِإِمَامٍ مَرِيضٍ، أَوْ مَعْذُورٍ فَصَلَّى قَاعِدًا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُصَلُّونَ قُعُودًا؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى الْقُعُودِ، وَلَا الْقِيَامِ: صَلَّى مُضْطَجِعًا وَصَلُّوا كُلُّهُمْ خَلْفَهُ مُضْطَجِعِينَ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ كَانَ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ مُذَكِّرًا - يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ - صَلَّى إنْ شَاءَ قَائِمًا إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى كَمَا يُصَلِّي إمَامُهُ. فَأَمَّا الْخَائِفُ، وَالْمَرِيضُ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَامَ إلَّا عَمَّنْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ بِالنَّصِّ؛ وَهَذَا فِي الْخَائِفِ وَالْمَرِيضِ: إجْمَاعٌ - مَعَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ قَاعِدًا لِمَرَضٍ كَانَ بِهِ وَلَوْثٍ بِرِجْلِهِ» . وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي قَاعِدًا لِعُذْرٍ، فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمَرِيضُ قَاعِدًا الْأَصِحَّاءَ - إلَّا رِوَايَةً رَوَاهَا عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ مُوَافِقَةً لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَؤُمُّ الْمَرِيضُ قَاعِدًا: الْأَصِحَّاءَ، إلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ قِيَامًا، وَلَا بُدَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَا يَؤُمُّ الْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا لِعُذْرٍ: الْأَصِحَّاءَ أَصْلًا وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا: يَؤُمُّ الْمَرِيضُ قَاعِدًا: الْأَصِحَّاءَ، وَلَا يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ إلَّا قُعُودًا كُلُّهُمْ، وَلَا بُدَّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ إلَّا فِيمَنْ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ يُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُعْلِمُهُمْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ؛ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا.

قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا هَلْ جَاءَ فِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ؟ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَذَكَرَ كَلَامَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِيهِ «، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا الْمُغِيرَةُ الْحِزَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؟ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّفْظُ لَهُ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانِ، وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ؛ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: ثنا أَبِي، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ قِيَامًا؛ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ: أَنْ اجْلِسُوا؟ فَجَلَسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا

صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا، فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إنْ كِدْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ؟ فَلَا تَفْعَلُوا وَائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» ، وَرَوَاهُ أَيْضًا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَأَبُو عَلْقَمَةَ وَأَبُو يُونُسَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ وَمِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ؛ فَوَجَبَ لِلْعِلْمِ؛ فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ خِلَافُ ذَلِكَ؟ . فَنَظَرْنَا فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ صَلَاةِ الْجَالِسِ لِمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ لِلْأَصِحَّاءِ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا أَصْلًا، إلَّا أَنَّ قَائِلَهُمْ قَالَ: هَذَا خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدُكُمْ بَعْدِي جَالِسًا» ؟

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا شَيْءَ. أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا خُصُوصٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ يُكَذِّبُ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِيهِ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّ بِذَلِكَ كُلَّ إمَامٍ بَعْدَهُ بِلَا إشْكَالٍ. وقَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] تَكْذِيبٌ لِكُلِّ مَنْ ادَّعَى الْخُصُوصَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَنِهِ وَأَفْعَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى دَعْوَاهُ بِنَصٍّ صَحِيحٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ؟ . وَأَمَّا حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ الْمَشْهُورِ بِالْقَوْلِ بِرَجْعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ وَمُجَالِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ مُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُوهِنُونَ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا، وَلَا يَجِدُونَ فِي رِوَايَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحَّ مِنْهَا أَصْلًا؛ فَمَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَصَحَّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: ثُمَّ لَا يُبَالُونَ هَاهُنَا بِتَغْلِيبِ أَفَتْنِ رِوَايَةٍ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَخْبَثِهَا عَلَى أَصَحِّ رِوَايَةٍ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَالزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، كُلِّهِمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا بَعْدَ هَذَا عَجَبٌ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ أَفْعَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَأَوَامِرِهِ، ثُمَّ لَمْ يُبَالُوا هَاهُنَا بِخِلَافِ آخِرِ فِعْلٍ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّاسِ قَاعِدًا، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ نَاقِصَةُ الْفَضْلِ عَنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ، فَكَيْفَ يَؤُمُّ الصَّحِيحَ؟ قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ نَاقِصَ الْفَضْلِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ، أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَفُسِحَ لَهُ فِي الْقُعُودِ، وَأَمَّا إذَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ الْقُعُودُ فَلَا نُقْصَانَ لِفَضْلِ صَلَاتِهِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ مَا فِي هَذَا مِمَّا يَمْنَعُ أَنْ يَؤُمَّ الْأَنْقَصُ فَضْلًا مَنْ هُوَ أَتَمُّ فَضْلًا فِي صَلَاتِهِ مِنْهُ؟ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنْ لَا صَلَاةَ لِأَحَدٍ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ائْتَمَّ بِأَبِي بَكْرٍ، وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمَا أَنْقُصُ صَلَاةً مِنْهُ بِلَا شَكٍّ؟ وَقَدْ يَؤُمُّ عِنْدَكُمْ الْمُسَافِرُ - وَصَلَاتُهُ رَكْعَتَانِ - هَذَا الْمُقِيمَ - وَفَرْضُهُ أَرْبَعٌ؛ فَلِمَ أَجَزْتُمْ ذَلِكَ وَمَنَعْتُمْ هَذَا؟ لَوْلَا التَّحَكُّمُ بِلَا بُرْهَانٍ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ -، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ جُلُوسًا خَلْفَ الْإِمَامِ الْجَالِسِ لِعُذْرٍ، أَوْ مَرَضٍ مَنْسُوخٌ، فَسَأَلْنَاهُمْ: بِمَاذَا؟ فَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ

ثنا زَائِدَةُ ثنا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ «عُتْبَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلْتُهَا عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ الْخَبَرَ؛ وَفِيهِ: عَهْدُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِي بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ تِلْكَ الْأَيَّامَ ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدٌ» فَذَكَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عَرَضَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يُنْكِرْ مِنْهُ شَيْئًا. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ فَذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقِمْ مَكَانَك فَجَاءَ رَسُولُ

اللَّهِ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ أَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ - هُوَ عَلِيٌّ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَلَمْ نَجِدْ فِيهِ لَا نَصًّا، وَلَا دَلِيلًا عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ نَسْخِ الْأَمْرِ بِأَنْ يُصَلِّيَ الْأَصِحَّاءُ قُعُودًا خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِعُذْرٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ

بَيَانٌ وَلَا إشَارَةٌ بِأَنَّ النَّاسَ صَلَّوْا خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيَامًا، حَاشَا أَبَا بَكْرٍ الْمُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَقَطْ؛ فَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَةُ يَقِينِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِأَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ جُلُوسًا -: لِظَنٍّ كَاذِبٍ لَا يَصِحُّ أَبَدًا، بَلْ لَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُظَنَّ بِالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَيْفَ وَفِي نَصِّ لَفْظِ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا إلَّا قُعُودًا وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ: «أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا قِيَامًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ لَمَا اقْتَدَى بِصَلَاتِهِ إلَّا الصَّفُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ؛ وَأَمَّا سَائِرُ الصُّفُوفِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَهُ؛ لِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ، وَالصُّفُوفُ خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ مَرْصُوصَةً، لَا مُتَنَابِذَةً، وَلَا مُتَقَطِّعَةً، فَإِذْ فِي نَصِّ الْخَبَرِ، وَلَفْظِهِ: «أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» ، فَهَذَا خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ؛ فَصَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي حَالٍ يَرَوْنَهُ كُلُّهُمْ، فَيَصِحُّ لَهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي حَالِ قُعُودِهِمْ؛ وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ لَفْظِ الْخَبَرِ، وَلَا حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ نَصًّا: أَنَّهُمْ صَلَّوْا قِيَامًا - وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا - لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ إبَاحَةً فَقَطْ، وَبَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْمُتَقَدَّمَ نَدْبٌ وَلَا مَزِيدَ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُذَكَّرِ: إنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، وَفِي الصَّفِّ إنْ شَاءَ أَوْ إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ.

فَبَطَلَ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ جُمْلَةً، وَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إجَازَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرِيضُ قَاعِدًا بِالْأَصِحَّاءِ قِيَامًا -، وَمَنَعَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرِيضُ مُضْطَجِعًا الْأَصِحَّاءَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا؟ ، وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ. وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ ثنا حُمَيْدٍ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ: آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْقَوْمِ: صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» . وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عِيسَى قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَذْكُرُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّفِّ» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثني أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبِّرِ ثنا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ» ، قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ بِلَا شَكٍّ. ؟ إحْدَاهُمَا: الَّتِي رَوَاهَا الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْهَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، صِفَتُهَا: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إمَامُ النَّاسِ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ يَمِينِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فِي مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ، يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَالصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ: الَّتِي رَوَاهَا مَسْرُوقٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، صِفَتُهَا: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّفِّ مَعَ النَّاسِ؟» فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً. وَلَيْسَتْ صَلَاةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَارُضِ، بَلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسُ

صَلَوَاتٍ، وَمَرَضُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مُدَّةَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا مَرَّتْ فِيهَا سِتُّونَ صَلَاةً أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَدْ اعْتَرَضَ قَوْمٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِرِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ وَاهِيَةٍ، انْفَرَدَ بِهَا إسْرَائِيلُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ - وَلَيْسَ بِمَشْهُورِ الْحَالِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَتَمَّ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ» ، قَالَ: وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْجَوَابُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُطَّرَحَةَ لَا يُعَارَضُ بِهَا مَا رَوَاهُ مِثْلُ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْفِعْلُ لَقُلْنَا بِهِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَاَلَّتِي لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ قَرَأَهَا كَمَا لَا بُدَّ مِنْ الطَّهَارَةِ وَمِنْ الْقِبْلَةِ؛ وَمِنْ التَّكْبِيرِ -، وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ - ثُمَّ بَدَأَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْقِرَاءَةِ فِي السُّورَةِ مِنْ حَيْثُ وَقَفَ أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا مُبَاحٌ جَيِّدٌ؟ . وَأَيْضًا: فَإِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَكَرَتْ: أَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَهِيَ سِرٌّ؛ فَبَطَلَ مَا رَوَاهُ إسْرَائِيلُ.

وَأَيْضًا: فَلَوْ بَطَلَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ -: لَخَلُصَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُصَلَّيْنَ خَلْفَهُ فِي مَرَضِهِ - إذْ سَقَطَ مِنْ فَرَسٍ فَوَثِئَتْ رِجْلُهُ الطَّاهِرَةُ بِالْقُعُودِ، وَبِالصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْجَالِسِ جُلُوسًا، الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، بَاقِيًا لَا مُعَارِضَ لَهُ، وَلَا مُعْتَرَضَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:

الْإِمَامُ أَمِينٌ، فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا؟ ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ بِهِ وَجَعٌ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ قَاعِدًا وَأَصْحَابُهُ قُعُودًا؟ . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ اشْتَكَى فَكَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ جَالِسًا؟ . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيُّ «أَنَّ إمَامًا لَهُمْ اشْتَكَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ جُلُوسٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَؤُلَاءِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ، وَأُسَيْدُ، وَكُلُّ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ، لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَصْلًا؛ كُلُّهُمْ يَرْوِي إمَامَةَ الْجَالِسِ لِلْأَصِحَّاءِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي أَنْ يُصَلِّيَ الْأَصِحَّاءُ وَرَاءَهُ جُلُوسًا؟ ، وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ أَمَرَ الْأَصِحَّاءَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ الْقَاعِدِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْت النَّاسَ إلَّا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قُعُودًا؛ قَالَ: وَهِيَ السُّنَّةُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ؟ . وَرُوِّينَا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ قَالَ: «أَتَيْنَا حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ يَوْمًا، وَقَدْ صَلَّوْا الصُّبْحَ، فَقَالَ: إنَّا أَحْيَيْنَا الْيَوْمَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: مَا هِيَ يَا أَبَا إسْمَاعِيلَ؟ قَالَ: كَانَ إمَامُنَا مَرِيضًا، فَصَلَّى بِنَا جَالِسًا، فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ جُلُوسًا» . وَبِإِمَامَةِ الْجَالِسِ لِلْأَصِحَّاءِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ،

وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَدَاوُد وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ قَاعِدًا بِالْأَصِحَّاءِ؛ إلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ؟ - وَلَيْسَ هَذَا مَنْعًا مِنْ جَوَازِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلُ: يُصَلِّي الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَلَا عَلَى الْقُعُودِ بِالْأَصِحَّاءِ مُضْطَجِعًا؛ إلَّا أَنَّهُ رَأَى أَنْ يُصَلُّوا وَرَاءَهُ قِيَامًا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ بَلْ لَا يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ إلَّا مُضْطَجِعِينَ مُومِئِينَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَهَذَا عُمُومٌ مَانِعٌ لِلِاخْتِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ جُمْلَةً؟ . وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ يَأْتَمُّوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ فَوَجَبَ الِائْتِمَامُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ، إلَّا حَالًا خَصَّهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمَرِيضُ خَلْفَ الصَّحِيحِ؛ فَإِنَّ الصَّحِيحَ يُصَلِّي قَائِمًا، وَالْمَرِيضُ يَأْتَمُّ بِهِ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ النَّاسِ فِي جَمَاعَةٍ صَلَّى قَاعِدًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ لَا يَخْتَلِفَ عَلَى الْإِمَامِ؟ . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ولا يحل لأحد أن يصلي الفرض راكبا ولا ماشيا إلا في حال الخوف فقط

[مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ رَاكِبًا وَلَا مَاشِيًا إلَّا فِي حَالِ الْخَوْفِ فَقَطْ] ْ؛ وَسَوَاءٌ خَافَ طَالِبًا لَهُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ أَوْ خَافَ نَارًا، أَوْ سَيْلًا، أَوْ حَيَوَانًا عَادِيًا، أَوْ مَطَرًا، أَوْ فَوْتَ رُفْقَةٍ، أَوْ تَأَخُّرًا عَنْ بُلُوغِ مَحَلِّهِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ -؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا - فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 239 - 103] فَلَمْ يَفْسَحْ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا مَاشِيًا إلَّا لِمَنْ خَافَ؛ وَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ خَوْفًا مِنْ خَوْفٍ؛ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ أَصْلًا. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ مَنَعُوا مِنْ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ إلَّا مَنْ خَافَ طَالِبًا، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْض: إنَّ مُبَاحًا لَهُمْ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالْمُحَرَّمَاتِ فِي حَالِ تَمَادِيهِمْ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا فَخَصُّوا مَا عَمَّ اللَّهُ تَعَالَى بِلَا دَلِيلٍ، وَأَتَوْا إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] ، وَإِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فَقَالُوا: نَعَمْ، وَمَنْ اُضْطُرَّ مُتَجَانِفًا لِإِثْمٍ وَبَاغِيًا وَعَادِيًا، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا؟ . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَجَازَ الْقَصْرَ لِلْمُسَافِرِ فِي مَعْصِيَةٍ؛ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلَهُ؛ إذْ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا اتَّبَعْنَا إلَّا النَّصَّ فَقَطْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ مِنْ الدِّفَاعِ عَنْهُ] 301 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ مِنْ الدِّفَاعِ عَنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمُحَارَبَةُ لِلظَّالِمِ، وَإِطْفَاءُ النَّارِ الْعَادِيَةِ، وَإِنْقَاذُ الْمُسْلِمِ، وَفَتْحُ الْبَابِ؛ قَلَّ ذَلِكَ الْعَمَلُ أَمْ كَثُرَ؟ . وَكُلُّ مَا تَعَمَّدَ الْمَرْءُ عَمَلَهُ فِي صَلَاتِهِ مِمَّا لَمْ يُبَحْ لَهُ عَمَلُهُ فِيهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ قَلَّ ذَلِكَ الْعَمَلُ أَمْ كَثُرَ؟ .

وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ الْمَرْءُ نَاسِيًا فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ فِعْلُهُ: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ؛ قَلَّ ذَلِكَ الْعَمَلُ أَمْ كَثُرَ؟ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ يُقَاتِلُ؛ لَكِنْ يَدَعُونَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَإِنْ ذَهَبَتْ صَلَاتَانِ أَوْ أَكْثَرُ؛ فَإِذَا ذَهَبَ الْقِتَالُ قَضَوْهَا؟ . وَرَأَى أَنَّ الْكَلَامَ نَاسِيًا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ؛ كَمَا يُبْطِلُهُ الْعَمْدُ، وَرَأَى السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ عَمْدًا يُبْطِلُهَا قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، فَإِنْ كَانَ بِالنِّسْيَانِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الصَّلَاةُ. قَالَ: فَلَوْ أَرَادَ مُرِيدٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ الْمُصَلِّي: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ أَشَارَ بِيَدِهِ؛ لِيَرُدَّهُ كَرِهْت ذَلِكَ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ؛ فَلَوْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ كَلَامًا؟ فَقَالَ لَهُ الْمُصَلِّي: سُبْحَانَ اللَّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. فَلَوْ عَطَسَ الْمُصَلِّي فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَحَرَّكَ بِذَلِكَ لِسَانَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَمَنْ دَعَا لِإِنْسَانٍ أَوْ عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ ، وَرَأَى الْحَدَثَ بِالْغَلَبَةِ - مِنْ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ - لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَلَكِنْ تَبْطُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ فَقَطْ؟ . وَرَأَى مَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ طَعَامًا بِلِسَانِهِ فَابْتَلَعَهُ عَامِدًا: أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ؛ وَحَدَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ بِمِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ. قَالَ: وَإِنْ بَدَأَ الصَّلَاةَ رَاكِبًا ثُمَّ أَمِنَ فَنَزَلَ بَنَى، فَإِنْ بَدَأَهَا نَازِلًا ثُمَّ خَافَ فَرَكِبَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ .

وَرَأَى قَتْلَ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَرَأَى النَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. وَرَأَى سَائِرَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِالْعَمْدِ تُبْطِلُهَا بِالنِّسْيَانِ؟ . وَرَأَى مَالِكٌ: الْكَلَامَ، وَالسَّلَامَ، وَالْعَمَلَ: كُلَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِالْعَمْدِ، بَعْضُ ذَلِكَ يَحُدُّ فِيهِ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْقَلِيلِ، وَبَعْضُهُ بِالْقَلِيلِ وَبِالْكَثِيرِ. وَرَأَى أَيْضًا: الْكَلَامَ، وَالْعَمَلَ، وَالسَّلَامَ، بِالنِّسْيَانِ لَا يُبْطِلُ شَيْءٌ مِنْهُ الصَّلَاةَ؛ فَإِنْ كَثُرَ بِالنِّسْيَانِ بَطَلَتْ بِهِ الصَّلَاةُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي النَّفْخِ هَلْ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا؟ . وَرَأَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا بَلَغَ فِي صَلَاتِهِ مِمَّا بَيْنَ أَسْنَانِهِ الْحَبَّةَ وَنَحْوَهَا عَمْدًا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَمْ يَرَ التَّسْبِيحَ لِلْعَارِضِ بِغَرَضٍ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَكَرِهَ قَوْلَ الْمُصَلِّي إذَا عَطَسَ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ " وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ؟ . وَكَرِهَ قَتْلَ الْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَرَهَا تَبْطُلُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. وَأَجَازَ لِلْمُصَلِّي رَمْيَ الْعُصْفُورِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَرَهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَمَرَ الْمُحَارَبَ أَنْ يُصَلِّيَ إيمَاءً، فَإِنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَمِنَ فَنَزَلَ، أَوْ ابْتَدَأَهَا نَازِلًا ثُمَّ خَافَ فَرَكِبَ -: بَنَى فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اُضْطُرَّ الْمُحَارِبُ إلَى الْقِتَالِ، فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ الضَّرْبَةَ وَيَطْعَنَ الطَّعْنَةَ، فَإِنْ تَابَعَ الضَّرْبَ وَالطَّعْنَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلَّى مُبْتَدِئًا لِلصَّلَاةِ وَهُوَ رَاكِبٌ ثُمَّ أَمِنَ فَنَزَلَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ؛ إلَّا أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ.

فَإِنْ بَدَأَ الصَّلَاةَ نَازِلًا ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ فَرَكِبَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَابْتَدَأَهَا؟ قَالَ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ يَجْرِي مَجْرَى الرِّيقِ فَابْتَلَعَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ فَإِنْ مَضَغَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَمْ يَرَ التَّسْبِيحَ وَلَا التَّصْفِيقَ يُنْقِصَانِ الصَّلَاةَ. وَرَأَى قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا، وَكُلَّ عَمَلٍ خَفِيفٍ جَاءَ بِمِثْلِهِ أَثَرٌ لَمْ يَقْطَعْهَا، وَرَأَى الْعَمَلَ الْكَثِيرَ وَالْمَشْيَ الْكَثِيرَ بِالنِّسْيَانِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ مُتَنَاقِضَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَأَعْجَبُ ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلَا دَلِيلٍ. ثُمَّ مَا هُوَ الْقَلِيلُ، وَمَا هُوَ الْكَثِيرُ؟ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا قَلِيلَ إلَّا، وَهُوَ كَثِيرٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَلَا كَثِيرَ إلَّا، وَهُوَ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ رَأْيٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، لَا صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا احْتِيَاطٍ وَلَا رَأْيٍ يَصِحُّ. فَمِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ فِي الصَّلَاةِ: الِالْتِفَاتُ لِمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَكَ؟ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إذْ أَمَرْتُكَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ التَّصْفِيحِ؟ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ» . وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ، وَفِي آخِرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ» . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: إبَاحَةُ التَّسْبِيحِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِبَاحَةُ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ: وَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ وَرَاءَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ

تَعَالَى رَافِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ؟ . وَفِيهِ: أَنَّ التَّصْفِيقَ نَهَى عَنْهُ الرِّجَالَ، وَأَمَرَ بِهِ النِّسَاءَ فِيمَا نَابَهُنَّ فِي الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ صَفَّقَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا نَهَى عَنْهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ. وَإِنْ سَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ فَلَمْ تُنْهَ عَنْ التَّسْبِيحِ؛ بَلْ هُوَ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ، وَإِنْ صَفَّحَتْ فَحَسَنٌ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَبَثًا وَلِغَيْرِ نَائِبٍ؛ فَهُوَ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ نُهِينَا عَنْهُ، وَمَنْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؟ . وَفِيهِ: إبَاحَةُ الِالْتِفَاتِ لِلنَّائِبِ يَنُوبُ فِي الصَّلَاةِ؛ فَمَنْ الْتَفَتَ عَبَثًا لِغَيْرِ نَائِبٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْأَحْوَصِ يُحَدِّثُنَا فِي مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ جَالِسٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ انْصَرَفَ عَنْهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا زَائِدَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الصَّلَاةِ» . قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ صَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ تَرَكَهُ وَلَمْ يَرْضَ عَمَلَهُ،

وَإِذَا لَمْ يَرْضَ عَمَلَهُ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ الِالْتِفَاتَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَسَخِطَهُ هُوَ غَيْرُ الِالْتِفَاتِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ؟ ، وَعَلِمْنَا أَنَّ مَنْ اخْتَلَسَ الشَّيْطَانُ بَعْضَ صَلَاتِهِ فَلَمْ يُتِمَّهَا، وَإِذَا لَمْ يُتِمَّهَا فَلَمْ يُصَلِّ. وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ عِرْفَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الِالْتِفَاتُ؟ . وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ بِوَجْهِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ أَوْ يُحْدِثْ - يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: يُدْعَى قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " الْمَنْقُوصِينَ " الَّذِينَ يَنْقُصُ أَحَدُهُمْ صَلَاتَهُ، وَوُضُوءَهُ، وَالْتِفَاتَهُ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي صَلَاتِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَذَكَرَ مِنْهَا: الِالْتِفَاتَ، وَالْإِشَارَةَ بِالْيَدِ، وَبِالرَّأْسِ لِلْحَاجَةِ، وَالِاسْتِمَاعَ إلَى مَا يَأْتِيهِ، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ لِحَاجَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ - فَكُلُّ هَذَا مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - عَنْ كُرَيْبٍ هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ

أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهُمَا - يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ - ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَرَاك تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ؟ فَفَعَلَتْ الْجَارِيَةُ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟» وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ «إشَارَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِيَدِهِ إذْ صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ إلَى الْمُصَلِّينَ وَرَاءَهُ قِيَامًا يَنْهَاهُمْ عَنْ الْقِيَامِ» ، وَالْإِشَارَةُ بِرَدِّ السَّلَامِ بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ جَائِزَةٌ. كَمَا حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ» وَهَذَا عُمُومٌ فِي كُلِّ مَا نَابَ؟ .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ «عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيَّ؛ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي وَقَالَ: إنَّكَ سَلَّمْتَ عَلَيَّ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي» . حَدَّثَنَا حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَسْجِدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ؛ فَسَأَلْتُ صُهَيْبًا وَكَانَ مَعَهُ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ إلَيْهِمْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا الْأَعْرَابِيُّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا قُتَيْبَةُ: أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ «صُهَيْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إشَارَةً؟» .

قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَعَلَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ نَهْيٌ لَهُمْ؟ ؛ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْكَذِبُ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَنَهَاهُمْ إثْرَ فَرَاغِهِ -: وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي؟ . وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَأْمُرُ خَادِمَهَا أَنْ تُقَسِّمَ الْمَرَقَةَ، فَتَمُرُّ بِهَا، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَتُشِيرُ إلَيْهَا: أَنْ زِيدِي؛ وَتَأْمُرُ بِالشَّيْءِ لِلْمِسْكِينِ تُومِئُ بِهِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ؟ . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُشِيرُ إلَى أَوَّلِ رَجُلٍ فِي الصَّفِّ - وَرَأَى خَلَلًا: أَنْ تَقَدَّمَ؟ . وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْمَأَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ إلَى نِسْوَةٍ: أَنْ كُلْنَ؟ . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: إنِّي لَأَعُدُّهَا لِلرَّجُلِ عِنْدِي يَدًا أَنْ يَعْدِلَنِي فِي الصَّلَاةِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: يَمُرُّ بِي إنْسَانٌ فَأَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا -: فَيُقْبِلُ؛ فَأَقُولُ لَهُ بِيَدِي: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَيَقُولُ: إلَى كَذَا كَذَا - وَأَنَا فِي الْمَكْتُوبَةِ، هَلْ انْقَطَعَتْ صَلَاتِي؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَكْرَهُهُ، قُلْت:

فَاسْجُدْ لِلسَّهْوِ؟ قَالَ: لَا. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَامَتْ إلَى الصَّلَاةِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، فَأَشَارَتْ إلَى الْمِلْحَفَةِ فَنَاوَلْتهَا، وَكَانَ عِنْدَهَا نِسْوَةٌ فَأَوْمَأَتْ إلَيْهِنَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ بِيَدِهَا - تَعْنِي وَهِيَ تُصَلِّي. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «كَانَ يَجِيءُ الرَّجُلَانِ إلَى الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيُشْهِدَانِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَيُصْغِي لَهَا سَمْعَهُ، فَإِذَا فَرَغَا يُومِئُ بِرَأْسِهِ أَيْ: نَعَمْ؟» . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنْ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَسُلِّمَ عَلَيْهِ؟ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ، وَلْيُشِرْ إشَارَةً؟ فَإِنَّ ذَلِكَ رَدُّهُ؟ . فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ» . قِيلَ: لَيْسَ هَذَا نَهْيًا عَنْ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ؛ وَلَا يُفْهَمُ هَذَا مِنْ هَذَا

اللَّفْظِ، وَالدَّعْوَى مَرْدُودَةٌ إلَّا بِبُرْهَانٍ؟ . وَالتَّرْوِيحُ لِمَنْ آذَاهُ الْحَرُّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَلَوْ تَرَوَّحْ عَبَثًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ . وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيِّ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى بَأْسًا بِالتَّرْوِيحِ فِي الصَّلَاةِ؟ . وَعَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ كَانَ يَتَرَوَّحُ فِي الصَّلَاةِ وَيَمْسَحُ الْعَرَقَ؟ . وَمِنْ ذَلِكَ إمَاطَتُهُ عَنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ وَيَشْغَلُهُ عَنْ تَوْفِيَةِ صَلَاتِهِ حَقَّهَا: لِمَا ذَكَرْنَا؟ ، وَكَذَلِكَ سُقُوطُ ثَوْبٍ، أَوْ حَكُّ بَدَنٍ، أَوْ قَلْعُ بَثْرَةٍ، أَوْ مَسُّ رِيقٍ، أَوْ وَضْعُ دَوَاءٍ، أَوْ رِبَاطُ مُنْحَلٍّ: إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ يُؤْذِيهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ إصْلَاحُ شَأْنِهِ؛ لِيَتَفَرَّغَ لِصَلَاتِهِ؟ . رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَأَى الْإِنْسَانُ فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ يَغْسِلُهُ؟ أَتَمَّ، صَلَّى مَا بَقِيَ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ الْقِبْلَةِ عَامِدًا؟ ، وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ فِي صَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يُصْلِحَ ثَوْبًا أَوْ يَحُكَّ جِلْدًا. وَأَمَّا مَنْ اسْتَرْخَى ثَوْبُهُ حَتَّى مَسَّ كَعْبَهُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ؛ لِئَلَّا يُصَلِّي مُسْبِلًا

عَامِدًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ . وَحَتُّ النُّخَامَةِ مِنْ حَائِطِ الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي قِبْلَتِهِ -: لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ: إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ» . وَقَتْلُ الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْغُرَابِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرِ، وَالْوَزَغِ - صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا -: مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ؟ ؛ لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسْلِمٌ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ،

وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا؟» . قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثِقَاتٌ فَوَاضِلُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُقَدَّسَاتٌ بِيَقِينٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَغِيبَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ عِلْمُهُنَّ وَلَا عِلْمُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. فَإِنْ تَأَذَّى بِوَزَغَةٍ، أَوْ بُرْغُوثٍ، أَوْ قَمْلٍ؟ فَوَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُنَّ عَنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي دَفْعِهِ قَتْلُهُنَّ دُونَ تَكَلُّفِ عَمَلٍ شَاغِلٍ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَمِّ شَرِيكٍ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّفَلِّي فِي الصَّلَاةِ، وَلَا أَنْ يَشْتَغِلَ بِرَبْطِ بُرْغُوثٍ، أَوْ قَمْلَةٍ فِي ثَوْبِهِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى ذَلِكَ؛ وَلَا جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ، وَلَا طَلَبُ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» ؟ . وَمَنْ خَطَرَ عَلَيْهِ مِسْكِينٌ فَخَشِيَ فَوْتَهُ فَلَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ صَدَقَةً وَهُوَ يُصَلِّي؟ وَلَوْ خَشِيَ عَلَى نَعْلَيْهِ أَوْ خُفَّيْهِ مَطَرًا أَوْ أَذًى أَوْ سَرِقَةً فَلَهُ أَنْ يُحَصِّنَهُمَا وَيُزِيلَهُمَا عَنْ مَكَانِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؟ . وَلَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَلْيُشِرْ لَهُ إلَيْهِ، أَوْ لِيُنَاوِلْهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ تُؤَدَّى إلَى أَهْلِهَا، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا خَشِيَ ضَيَاعَ الشَّيْءِ أَوْ فَوْتَ صَاحِبِهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَخْشَ ذَلِكَ فَلَا

يَفْعَلُ؛ إلَّا حَتَّى يُتِمَّ الصَّلَاةَ؟ . وَمَنْ صَفَّ قَدَمَيْهِ أَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ قِيَامٌ، وَمَنْ أَنَّ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ شِدَّةِ مَرَضٍ غَالِبٍ لَا يَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى أَكْثَرَ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَإِنْ تَعَمَّدَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ؟ . وَمَنْ صَلَّى، وَفِي فَمِهِ -: دِينَارٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، أَوْ لُؤْلُؤَةٌ، أَوْ فِي كُمِّهِ -: حَرِيرٌ، أَوْ ذَهَبٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِ حِفْظُهُ -: فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ. وَدَفْعُ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتُهُ وَمُقَاتَلَتُهُ إنْ أَبَى -: حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُصَلِّي، فَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ مَوْتَ الْمَارِّ دُونَ تَعَمُّدٍ مَنْ الْمُصَلِّي لِقَتْلِهِ: فَهُوَ هَدَرٌ، وَلَا دِيَةَ فِيهِ، وَلَا قَوَدَ، وَلَا كَفَّارَةَ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ثنا ابْنُ هِلَالٍ يَعْنِي حُمَيْدًا - قَالَ: قَالَ لِي «أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ، فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إلَّا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيدٍ؛ فَعَادَ فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ أَشَدَّ مِنْ الدَّفْعَةِ الْأُولَى، فَمَثَلَ قَائِمًا فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ ثُمَّ زَاحَمَ النَّاسَ فَخَرَجَ، فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إلَيْهِ مَا لَقِيَ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ؟ جَاءَ يَشْكُوكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ

يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ؛ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ مَالِكٍ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِرَجُلٍ كُسِرَ أَنْفُهُ، فَقَالَ: مَرَّ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ بَلَغَنِي مَا سَمِعْت فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: فَمَا صَنَعْت أَشَدَّ يَا ابْنَ أَخِي ضَيَّعْت الصَّلَاةَ، وَكَسَرْت أَنْفَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَلَاغٌ لَا يَصِحُّ؛ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إلَّا عَلَى الْمُخَالِفِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَادَ مَنْ كُسِرَ أَنْفُهُ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رَأَى مُقَاتَلَتَهُ وَضَرْبَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرُهُ؟ . وَحَمْلُ الْمُصَلِّي صَغِيرًا عَلَى عُنُقِهِ [أَوْالسُّجُودُ بِهِ] إذَا دَعَتْ إلَى حَمْلِهِ حَاجَةٌ جَائِزٌ؟ .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ سَمِعَا عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ عَنْ «أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ بِنْتُ زَيْنَبَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا» ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى ثنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، وَقَدْ دَعَاهُ بِلَالٌ لِلصَّلَاةِ إذْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ - بِنْتُ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَاتِقِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُصَلَّاهُ، فَقُمْنَا خَلْفَهُ، وَهِيَ فِي مَكَانِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ، فَكَبَّرَ؟ فَكَبَّرْنَا، حَتَّى إذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ وَقَامَ أَخَذَهَا فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا؛ فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ» . وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يُثْبِتَانِ كَذِبَ مَنْ خَالَفَهُمَا، وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِي نَافِلَةٍ، وَكُلُّ مَا

فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ غَايَةُ الْخُشُوعِ، وَكُلُّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ الْبَاطِلُ، وَإِنْ ظَنَّهُ الْمُخْطِئُ خُشُوعًا. وَهَذَا الْخَبَرُ بِلَا شَكٍّ كَانَ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ، إثْرَ مَجِيءِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ؛ لَمْ تَرِدْ زَيْنَبُ الْمَدِينَةَ وَابْنَتُهَا إلَّا بَعْدَ بَدْرٍ، بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ؟ ، وَمَنْ رَكِبَ عَلَى ظَهْرِهِ صَغِيرٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَتَوَقَّفَ لِذَلِكَ فَحَسَنٌ؟ . وَمَنْ اسْتَرَابَ بِتَطْوِيلِ الْإِمَامِ سُجُودَهُ فَلْيَرْفَعْ رَأْسَهُ لِيَسْتَعْلِمَ: هَلْ خَفِيَ عَنْهُ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ أَوْ لَا؟ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الْإِمَامِ؛ فَإِنْ رَآهُ لَمْ يَرْفَعْ فَلْيَعُدْ إلَى السُّجُودِ؛ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَالِ الْإِمَامِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الطَّرَسُوسِيُّ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْبَصْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَرَجَعْتُ إلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» .

وَتَحْرِيكُ مَنْ خَشِيَ الْمُصَلِّي نَوْمَهُ، وَإِدَارَةُ مَنْ كَانَ عَلَى الْيَسَارِ إلَى الْيَمِينِ: مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقُلْت لَهَا: إذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَيْقِظِينِي؛ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَعَلَنِي مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ؟ . وَيَدْعُو الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ فِي سُجُودِهِ وَقِيَامِهِ وَجُلُوسِهِ بِمَا أَحَبَّ، مِمَّا لَيْسَ مَعْصِيَةً، وَيُسَمِّي فِي دُعَائِهِ مَنْ أَحَبَّ، وَقَدْ «دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى: عُصَيَّةَ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ» . «وَدَعَا لِلْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ» ، وَمَا نُهِيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ عَنْ هَذَا، وَلَا نَهَى هُوَ عَنْهُ. «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي السُّجُودِ أَخْلِصُوا فِيهِ الدُّعَاءَ» أَوْ نَحْوَ هَذَا. وَقَالَ: «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ» ، وَسَنَذْكُرُهَا بِأَسَانِيدِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ؟ . وَكُلُّ مُنْكَرٍ رَآهُ الْمَرْءُ فِي الصَّلَاةِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ، وَلَا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ حَقٌّ، وَفَاعِلُ الْحَقِّ مُحْسِنٌ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ -: إطْفَاءُ النَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ، وَإِنْقَاذُ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُقْعَدِ، وَالنَّائِمِ: مِنْ نَارٍ، أَوْ مِنْ حَنَشٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ إنْسَانٍ عَادٍ؛ أَوْ مِنْ سَيْلٍ وَالْمُحَارَبَةُ لِمَنْ أَرَادَ الْمُصَلِّي أَوْ أَرَادَ مُسْلِمًا بِظُلْمٍ، وَشَدُّ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ، أَوْ الظَّالِمِ - إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَقَالَ بِلَا بُرْهَانٍ؟ . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا آدَم ثنا شُعْبَةُ ثنا «الْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا بِالْأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ؛ فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهْرٍ إذَا رَجُلٌ يُصَلِّي وَلِجَامُ دَابَّتِهِ فِي يَدِهِ؛ فَجَعَلَتْ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا قَالَ شُعْبَةُ وَهُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ؛ فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ قَالَ: إنِّي سَمِعْت قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَشَهِدْت تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي كُنْتُ أَرْجِعُ مَعَ دَابَّتِي أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقُّ عَلَيَّ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ [عَنْ الزُّهْرِيِّ] عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ

أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ خَافَ عَلَى دَابَّتِهِ الْأَسَدَ فَمَشَى إلَيْهَا، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ: تَدْخُلُ الشَّاةُ بَيْتِي وَأَنَا أُصَلِّي فَأُطَأْطِئُ رَأْسِي فَآخُذُ الْقَصَبَةَ فَأَضْرِبُهَا بِهَا؟ قَالَ قَتَادَةُ: لَا بَأْسَ بِهِ؟ . وَمِنْ طَرِيق يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْقَمْلَةِ يَقْتُلُهَا الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكَذَلِكَ مَنْ خَافَ عَلَى مَالِهِ أَوْ سُرِقَتْ نَعْلُهُ أَوْ خُفُّهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَ السَّارِقَ فَيَنْتَزِعَ مِنْهُ مَتَاعَهُ؟ . وَلَا يَضُرُّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مَا اُضْطُرَّ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَقِلَّتِهِ؛ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ؛ فَإِنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا فَطَمِعَ بِشَيْءٍ مِنْ إدْرَاكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِ حَاجَتِهِ، أَوْ بِانْتِظَارِ النَّاسِ لَهُ -: رَجَعَ وَلَا بُدَّ؛ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ «كَبَّرَ نَاسِيًا وَهُوَ جُنُبٌ فَذَكَرَ فَاغْتَسَلَ وَرَجَعَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ» ، وَكَمَا فَعَلَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ أَيْقَنَ أَنَّ النَّاسَ لَا يَنْتَظِرُونَهُ [أَوْ كَانَ قَدْ] أَتَمَّ صَلَاتَهُ حِينَ تَمَامِ حَاجَتِهِ فِي أَوَّلِ مَكَان تَجُوزُ لَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخْطُوَ خُطْوَةً وَاحِدَةً لِغَيْرِ رُجُوعٍ إلَى الصَّلَاةِ؛ أَوْ لِزَوَالٍ عَنْ مَكَان لَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ؟ . فَلَوْ رَجَا بِصَلَاةٍ [فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى أَقْرَبَ مِنْهَا فَلْيُدْخَلْ فِيهَا؛ فَآخِرُ صَلَاةٍ] صَلَّاهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِإِمَامَيْنِ: بَدَأَ أَبُو بَكْرٍ وَأَتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا جَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَوَّلُهُمْ

عَنْ آخِرِهِمْ، مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -] وَقَلَّدَ رَأْيَ مَنْ يُخْطِئُ مَرَّةً وَيُصِيبُ أُخْرَى -: فَمَا خَيْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُرْضِيهِ. آمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ لَهُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَحِدَّ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ حَدًّا فَاسِدًا لَيْسَ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ التَّحْدِيدِ، فَيَحْصُلُ عَلَى التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ، وَأَنْ يُشَرِّعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَحِدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، فَيَحْصُلُ عَلَى أَقْبَحِ الْحَيْرَةِ فِي أَهَمِّ أَعْمَالِ دِينِهِ، وَعَلَى أَنْ لَا يَدْرِيَ مَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ مِمَّا لَا تَبْطُلُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَهْلُ الْمُتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ؟ . وَنَسْأَلُهُ عَنْ عَمَلِ عَمَلٍ: أَهَذَا مِمَّا أُبِيحَ فِي الصَّلَاةِ؟ أَوْ مِمَّا لَمْ يُبَحْ فِيهَا؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ؟ ، فَإِنْ قَالَ: هُوَ مِمَّا أُبِيحَ فِيهَا - لَزِمَهُ أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ: مُبَاحٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا فِيمَا جَاءَ الْبُرْهَانُ بِإِبَاحَتِهِ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ: هُوَ مِمَّا لَمْ يُبَحْ فِيهَا - لَزِمَهُ أَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ: غَيْرُ مُبَاحٍ فِيهَا؛ وَهُوَ قَوْلُنَا فِيمَا لَمْ يَأْتِ الْبُرْهَانُ بِإِبَاحَتِهِ فِيهَا؟ . فَإِنْ قَالُوا: أُبِيحَ قَلِيلُهُ وَلَمْ يُبَحْ كَثِيرُهُ؟ . قُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى دَلِيلٍ، فَهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوَّلًا، ثُمَّ عَلَى بَيَانِ حَدِّ الْقَلِيلِ الْمُبَاحِ مِنْ الْكَثِيرِ الْمَحْظُورِ؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ .

قَالَ عَلِيٌّ: وَمَشْيُ الْمُصَلِّي إلَى فَتْحِ الْبَابِ لِلْمُسْتَفْتِحِ حَسَنٌ لَا يَضُرُّ الصَّلَاةَ شَيْئًا -: حَدَّثَنَا حَمَّامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرْتَتِيُّ الْقَاضِي ثنا أَبُو مَعْمَرٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ثنا بُرْدٌ أَبُو الْعَلَاءِ هُوَ ابْنُ سِنَانٍ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَأَسْتَفْتِحُ الْبَابَ، وَالْبَابُ فِي الْقِبْلَةِ، فَيَجِيءُ فَيَفْتَحُ الْبَابَ ثُمَّ يَعُودُ فِي صَلَاتِهِ» . قَالَ ابْنُ أَيْمَنَ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَعَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُهُ فَمَشَى فَفَتَحَ لِي ثُمَّ رَجَعَ إلَى مُصَلَّاهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ ثنا بُرْدٌ ثنا الزُّهْرِيُّ، يَذْكُرُهُ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: فَالْمَشْيُ لِمَا ذَكَرْنَا مُبَاحٌ، وَلَمْ يُوقَفْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَشْيِ مَنْ مَشَى؟ . وَمَسْحُ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً جَائِزٌ وَنَكْرَهُهُ، فَإِنْ زَادَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَرْوِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَى» .

وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «لَا تَمْسَحْ - يَعْنِي الْحَصَى - وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» . قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجُّوا بِهَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؟ . قُلْنَا: هَذَا فِي مَسْحِ الْحَصَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ جُمْلَةً، الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ؛ فَقُولُوا لَنَا: مَاذَا تَقِيسُونَ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ؟ الْأَعْمَالَ الْمُبَاحَةَ جُمْلَةً بِالنُّصُوصِ؟ أَمْ الْأَعْمَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا جُمْلَةً؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ؟ . فَإِنْ قَالُوا: بَلْ الْأَعْمَالَ الْمُبَاحَةَ جُمْلَةً؟ . قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ قِيَاسُ الْمُبَاحِ عَلَى الْمَحْظُورِ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ صَاحِبِ كُلِّ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ: قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ جُمْلَةً، أَوْ عَلَى نَظِيرِهِ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْحُكْمِ بِزَعْمِهِمْ. وَأَيْضًا: فَأَنْتُمْ تُبِيحُونَ الْخُطْوَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فِي الصَّلَاةِ وَالضَّرْبَةَ وَالضَّرْبَتَيْنِ، وَأَخْذَ الْمَاءِ بِإِنَاءٍ مِنْ الْجَابِيَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ؛ فَظَهَرَ بُطْلَانُ قِيَاسِكُمْ وَتُحَرِّمُونَ مَا زَادَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. ؟ وَاسْتِقَاءَ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ؛ فَلَاحَ أَنَّكُمْ لَمْ تَتَعَلَّقُوا بِقِيَاسٍ أَصْلًا؟ . فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قِسْنَا الْأَعْمَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا عَلَى هَذَا الْخَبَرِ؟ . قُلْنَا لَهُمْ: فَأَبِيحُوا إدْخَالَ الْإِبْرَةِ فِي خِيَاطَةِ الثَّوْبِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَقَدْحَ النَّارِ بِالزَّنْدِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَأَبِيحُوا لَطْمَةً وَاحِدَةً لِلْخَادِمِ، وَرَدَّ مَرْمَى الْحَائِكِ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَقَدَّ

الْأَدِيمِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَالتَّذْكِيَةَ بِجَرَّةٍ وَاحِدَةٍ - كُلُّ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ - يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْهَا - يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ؛ وَلَوْ صَحَّ لَوَجَبَ ضَمُّهُ إلَى الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ مِنْ إشَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ، وَإِلَى الْخَادِمِ فِي أَنْ تَسْتَأْخِرَ عَنْهُ؛ وَكُلُّ مَا بِالْمَرْءِ إلَى الْإِشَارَةِ بِهِ، وَإِلَيْهِ ضَرُورَةٌ؛ فَتَخْرُجُ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ بِالنُّصُوصِ الَّتِي فِيهَا، وَتَبْقَى كُلُّ إشَارَةٍ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهَا نَصٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ، كَالْإِشَارَةِ بِالْبَيْعِ وَبِالْمُسَاوَمَةِ، وَبِمَاذَا عَمِلْت؛ وَالِاسْتِخْبَارِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ -، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -؛ لِأَنَّ الْإِشَارَاتِ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ فَمَا أُبِيحَ

مسألة خرج من صلاته وهو يظن أنه قد أتمها

مِنْهَا بِالنَّصِّ كَانَ مُبَاحًا، وَمَا لَمْ يُبَحْ مِنْهَا بِالنَّصِّ كَانَ مُحَرَّمًا؛ فَكَيْفَ وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ؟ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا] 302 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا فَكُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ -: فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ ذَكَرَ لَعَادَ إلَيْهَا. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ غَيْرُ الْفِعْلِ الْجَائِزِ اللَّازِمِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ الْمُبَاحِ بِلَا شَكٍّ -، وَإِذْ هُوَ غَيْرُ الْجَائِزِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَهَذَا عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِلَا شَكٍّ. فَلَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ بِذَكَرِهِ وَقَصْدِهِ إلَى عَمَلِ مَا ذَكَرْنَا خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ؛ وَإِذَا خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حَالٍ تَنْفُذُ فِيهَا هَذِهِ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا؛ وَهَكَذَا أَيْضًا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْد انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ فَهِيَ أَيْضًا نَافِذَةٌ لَازِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ؛ فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ خَطَرَ عَلَى بَالِهِ شَيْءٌ دُنْيَوِيٌّ أَوْ صَلَّى مُصِرًّا عَلَى كَبِيرَةٍ] 303 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَطَرَ عَلَى بَالِهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ غَيْرِهَا، مَعْصِيَةً أَوْ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ، أَوْ صَلَّى مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ؛ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ

قَالَ: [حَدَّثَنِي أَبِي] عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا نُودِيَ بِالْأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَانُ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ» ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ وَتَعْمَلْ بِهِ، وَبِمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ» . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إلَّا قَوْلٌ مَقْصُودٌ إلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَوْ عَمَلٌ كَذَلِكَ، أَوْ الْقَصْدُ إلَى تَبْدِيلِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ؛ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا، وَهِيَ النِّيَّةُ لِأَدَاءِ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِاسْمِهَا وَعَيْنِهَا؛ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ قَاصِدًا إلَى ذَلِكَ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؟ .

مسألة كان راكبا على محمل فقدر على الصلاة

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: - إنِّي لَأَحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ؟ . وَقَدْ افْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْبَةَ عَلَى الْعَاصِينَ، وَأُمِرُوا بِالصَّلَاةِ مَعَ ذَلِكَ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا خَاطَبَ بِهَذَا الْمُصِرِّينَ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ لَا سَيِّئَةَ لَهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] . وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ، إلَّا قَوْمًا خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ - مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ - قَالُوا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ عَمِلَ سُوءًا حَتَّى يَتُوبَ مِنْ كُلِّ عَمَلِ سُوءٍ، فَلَزِمَهُمْ أَنْ لَا تُقْبَلَ التَّوْبَةُ مِمَّنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلَاةِ، وَتَرْكَ الزَّكَاةِ، وَتَرْكَ الصَّوْمِ؛ نَعَمْ وَلَا مَنْ تَرَكَ التَّوْحِيدَ إلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ كُلِّ سَيِّئَةٍ - فَحَصَلُوا عَلَى الْأَمْرِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَجَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ - وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْإِسْلَامِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ رَاكِبًا عَلَى مَحْمَلٍ فَقَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ] 304 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى مَحْمَلٍ، أَوْ عَلَى فِيلٍ، أَوْ كَانَ فِي غُرْفَةٍ، أَوْ فِي أَعْلَى شَجَرَةٍ، أَوْ عَلَى سَقْفٍ، أَوْ فِي قَاعِ بِئْرٍ، أَوْ عَلَى نَهْرٍ جَامِدٍ، أَوْ عَلَى حَشِيشٍ، أَوْ عَلَى صُوفٍ أَوْ عَلَى جُلُودٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ -: فَقَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ حَيْثُ هُوَ قَائِمًا، يُوَفِّي رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَجُلُوسَهُ حَقَّهَا؟ . لِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَعَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَلَا بُدَّ؛ فَإِذَا وَفَّى كُلِّ ذَلِكَ حَقَّهُ فَقَدْ صَلَّى كَمَا أُمِرَ؟ . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ» وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ

مسألة تعمد ترك الوتر حتى طلع الفجر الثاني

الْمَوَاضِعِ مَنْهِيًّا عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا. [وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُحَرِّمُ الصَّلَاةَ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْمَحْمَلِ] وَلَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَهُوَ يُبِيحُهَا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَإِلَى الْقَبْرِ وَالنَّصُّ قَدْ صَحَّ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إتْمَامِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْجُلُوسِ أَوْ الْقِبْلَةِ - فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا - فَفَرْضٌ عَلَيْهِ النُّزُولُ إلَى الْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ كَمَا أُمِرَ؟ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ النُّزُولِ؛ مِنْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ؛ فَلِيُصَلِّ كَمَا هُوَ يَقْدِرُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي] 305 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ أَبَدًا، فَلَوْ نَسِيَهُ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَبَدًا مَتَى مَا ذَكَرَهُ وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ؟ . بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» . حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ الْمُفَرِّجِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَتْ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ، فَأَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» .

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا صَالِحُ بْنُ مُعَاذٍ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَلَمْ يُوتِرْ فَلَا وِتْرَ لَهُ» . وَأَمَّا مَنْ نَسِيَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، فَهُوَ بِالْفَرْضِ أَمْرُ فَرْضٍ؛ وَهُوَ بِالنَّافِلَةِ أَمْرُ نَدْبٍ وَحَضٍّ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَكُونُ فَرْضًا.

مسألة صلى الوتر قبل صلاة العتمة

وَهَذِهِ الْآثَارُ تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: [مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَاةِ الْوِتْرِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ] إنْ ذَكَرَ الْوِتْرَ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلْيَتَمَادَ فِيهَا وَلْيَبْدَأْ بِهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَهُوَ مَعَ خِلَافِهِ لِلسُّنَّةِ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، لَا مِنْ نَظَرٍ وَلَا مِنْ احْتِيَاطٍ، لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الْفَرْضَ الْمَأْمُورَ بِإِتْمَامِهِ مِنْ أَجْلِ نَافِلَةٍ؛ وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . [مَسْأَلَةٌ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ] 306 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى الْوِتْرَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ مُلْغَاةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوِتْرِ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَالشَّرَائِعُ لَا تُجْزِئُ إلَّا فِي وَقْتِهَا، لَا قَبْلَ وَقْتِهَا، وَلَا بَعْدَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ . [مَسْأَلَةٌ وَقْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] 307 - مَسْأَلَةٌ: وَوَقْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى أَنْ تُقَامَ صَلَاةُ الصُّبْحِ - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ. [مَسْأَلَةٌ سَمِعَ إقَامَةَ صَلَاةِ الصُّبْحِ] 308 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ سَمِعَ إقَامَةَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ [إنْ] اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَاتَهُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَوْ التَّكْبِيرُ -: فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِمَا؛ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى. وَإِنْ دَخَلَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَقَدْ بَطَلَتْ الرَّكْعَتَانِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا إلَّا السَّلَامُ لَكِنْ يَدْخُلُ بِابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ كَمَا هُوَ.

فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْكَعْهُمَا، وَهَكَذَا يَفْعَلُ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ؟ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَإِنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ تَفُوتُهُ أُخْرَى فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ. وَإِنْ خَشِيَ أَلَا يُدْرِكَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا رَكْعَةً فَلْيَبْدَأْ بِالدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَا يَقْضِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ؛ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَإِنْ شَاءَ فَلْيَقْضِهِمَا؟ . وَأَمَّا إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَعَلِمَ بِالْإِقَامَةِ أَوْ بِأَنَّ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ: فَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لِيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قُلْنَا؟ : قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ حُجَّةً، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ أَصْلًا. فَإِنْ شَغَبُوا بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى الْمَسْجِدَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ الْإِمَامَ يُصَلِّي فَدَخَلَ بَيْتَ حَفْصَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ فَلَمْ يُقَسِّمْ ابْنُ مَسْعُودٍ

وَلَا ابْنُ عُمَرَ تَقْسِيمَهُمْ، مِنْ رَجَاءِ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ أَوْ عَدَمِ رَجَاءِ ذَلِكَ، وَلَا يَجِدُونَ هَذَا عَنْ مُتَقَدِّمٍ أَبَدًا. وَالثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا؟ ؛ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» ؟ . قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَقٌّ، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، وَلَمْ يَأْتِ إلَّا، وَالْإِمَامُ فِيهَا. وَأَمَّا مَنْ كَانَ حَاضِرًا لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَتَرَكَ الدُّخُولَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ بِذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِابْتِدَاءِ تَطَوُّعٍ -: فَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَلَاعِبٌ بِالصَّلَاةِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اشْتِغَالِهِ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَوْ أَنْصَفُوا؟ . فَإِنْ مَوَّهُوا بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ ، قِيلَ لَهُمْ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذَا الْفِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَرَوْا لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي أَنْ يَشْتَغِلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَدْ قَسَّمُوا تَقْسِيمًا لَمْ يَأْتِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَابْنِ مَسْعُودٍ يَرَى التَّطْبِيقَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ. وَابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنْ لَا تُعْتَقَ أُمُّ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ حِصَّةِ وَلَدِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ؟ ، وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ حَيْثُ وَافَقَ السُّنَّةَ، وَلَا يَحِلُّ خِلَافُهُ؛ وَحَيْثُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فِي عَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا؛ بَلْ لَعَلَّهُمْ خَالَفُوهُ كَذَلِكَ فِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا وَقَدْ خَالَفَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

فَلَمَّا عَرِيَ قَوْلُهُمْ مِنْ حُجَّةٍ أَصْلًا رَجَعْنَا إلَى قَوْلِنَا؛ فَوَجَدْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى وُجُوبِهِ وَصِحَّتِهِ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ: قَالَ (أَحْمَدُ) : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ وَرْقَاءَ وَقَالَ (مُسْلِمٌ) : ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَالَ (الْحَسَنُ) : ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ،، وَأَبُو عَاصِمٍ قَالَ (يَزِيدُ) : عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَقَالَ (أَبُو عَاصِمٍ) : عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ (مُحَمَّدٌ) : ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ -: ثُمَّ اتَّفَقَ وَرْقَاءُ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَقَالَ: أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ

الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا فُلَانُ، بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا؟» . وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ حَجَاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ بِمِثْلِهِ، وَفِيهِ: أَنَّهُ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ خَلْفَ النَّاسِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ هُوَ أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ - عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَكُنْ صَلَّيْت الرَّكْعَتَيْنِ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْت لِأُصْلِيَهُمَا فَجَبَذَنِي وَقَالَ: أَتُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟ قِيلَ لِأَبِي عَامِرٍ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ؟» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ نُصُوصٌ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ الْوِتْرِ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهَا، وَقَدْ حَمَلَ اتِّبَاعُ الْهَوَى بَعْضَهُمْ عَلَى أَنْ قَالَ: إنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ [قَدْ اُضْطُرِبَ] عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَرَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَأَوْقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لِقَائِلِهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلًا ثُمَّ يَسْتَحْيِ مِنْ النَّاسِ

ثَانِيَةً، وَلَا يَأْتِي بِهَذِهِ الْفَضِيحَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ قَوْلَ الصَّاحِبِ حُجَّةٌ فَهَبْكَ لَوْ لَمْ يُسْنَدْ. أَمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ تُرَجِّحَ إمَّا قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَوْ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَكَيْفَ وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ مِمَّا يَضُرُّ الْحَدِيثَ شَيْئًا لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، وَأَيُّوبَ وَزَكَرِيَّا بْنَ إِسْحَاقَ لَيْسُوا بِدُونِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَكَيْفَ وَاَلَّذِي أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْثَقُ، وَأَضْبَطُ مِنْ الَّذِي أَوْقَفَهُ عَنْهُ، وَأَيُّوبُ لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ فَكَيْفَ وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَهُوَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ، فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ؟ . ثُمَّ لَوْ لَمْ يَأْتِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصْلًا لَكَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَرْجِسَ وَابْنِ بُحَيْنَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَتَّبِعْ هَوَاهُ فِي تَقْلِيدِ مَنْ لَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَنَصْرِ الْبَاطِلِ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الْكَلَامِ الْغَثِّ؟ . فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلَا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . فَهَذَا فَرْضٌ لِلدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ كَيْفَمَا وُجِدَ، وَتَحْرِيمٌ لِلِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ عَنْ ذَلِكَ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ سَرْجِسَ وَابْنِ بُحَيْنَةَ بِضَحِكَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ قَالَ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، وَمُجَاهَرَةٌ سَمِجَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ [أَنَّهُ لَمْ]

يُصَلِّهِمَا إلَّا خَلْفَ النَّاسِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، كَمَا يَأْمُرُونَ مَنْ قَلَّدَهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ فَكَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا لَكَانَ مِمَّا يُوَضِّحُ كَذِبَ هَذَا الْقَائِلِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْت؟ أَبِصَلَاتِك وَحْدَك أَمْ بِصَلَاتِك مَعَنَا؟» وَ «أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟» لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَقُولَ [لَهُ] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إلَّا صَلَاتَهُ الرَّكْعَتَيْنِ مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ [وَمُتَّصِلًا بِهِمْ] فَيَسْكُتُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّا أَنْكَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ وَيَهْتِفُ بِمَا لَمْ يَذْكَرْ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَنْ هَذَا التَّخْلِيطِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِذِي مَسْكَةٍ إلَّا بِمِثْلِ مَنْ أَطْلَقَ هَذَا؟ . وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ ظَنٌّ مَكْذُوبٌ مُجَرَّدٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ هَذَا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِلَا وُضُوءٍ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ ثَوْبَ حَرِيرٍ؟ وَمِثْلُ هَذِهِ الظُّنُونِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ فِي الدِّينِ، وَعَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ قِيلَ: وَلَا ذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتِلَاطَهُ بِالنَّاسِ وَلَا اتِّصَالَهُ بِهِمْ، وَإِنَّمَا نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى إنْكَارِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي الصُّبْحَ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ فَعَلَ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61] وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ الْفَرِيضَةَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، وَهُمْ يَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ النَّافِلَةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى بِبَعْضِ الْفَرِيضَةِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، مَعَ مَعْصِيَتِهِمْ السُّنَنَ الَّتِي أَوْرَدْنَا وَبِمَا قُلْنَاهُ يَقُولُ جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ.

وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فَلَمَّا ضَحَّى قَامَ فَصَلَّاهُمَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ؟ . وَعَنْ مَعْمَرٍ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ أَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَا الْفَجْرِ عِنْدَ إقَامَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، قَالَ: أَتُصَلِّيهِمَا وَقَدْ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ؟ . وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ رَكَعَهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِي الَّذِي يَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي وَلَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ: يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَةِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ مَوْهَبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ مُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ يَقُولُ لِلنَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: وَيْلَكُمْ، لَا صَلَاةَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ فُضَيْلٍ [عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: اقْطَعْ صَلَاتَك عِنْدَ الْإِقَامَةِ؟ وَعَنْ عِمَادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ] بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: جَاءَ ابْنُ أَخٍ لِعُرْوَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ؛ فَزَجَرَهُ عُرْوَةُ

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ بَدَأَ فِي تَطَوُّعِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ أَوْ غَيْرُهَا فَقَدْ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا، بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا؟ . فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا حَقٌّ، وَمَا هُوَ أَبْطَلَهَا؛ وَلَوْ تَعَمَّدَ إبْطَالَهَا لَكَانَ مُسِيئًا؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْطَلَهَا عَلَيْهِ كَمَا تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ؛ وَبِمُرُورِ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مُرُورُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ . وَأَمَّا قَضَاءُ الرَّكْعَتَيْنِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَهَذَا عُمُومٌ. حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ» فَهَذَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَبْدَأْ بِهِمَا قَبْلَ الْفَرْضِ؟ . [وَبِهِ إلَى ابْنِ أَيْمَنَ] ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيِّ الْقَاضِي ثنا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ الْغَدَاةِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ؟ فَلَمْ يَقُلْ [لَهُ]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا.»

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ [صَلَّاهُمَا -: صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حِينَ صَلَّى الْإِمَامُ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: إذَا أَخْطَأْت] أَنْ تَرْكَعَهُمَا قَبْلَ الصُّبْحِ فَارْكَعْهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: رَأَيْت ابْنَ جُرَيْجٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ صَنْعَاءَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الْإِمَامُ. وَبِهِ يَقُولُ طَاوُسٍ وَغَيْرُهُ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا إلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى

مسألة نام عن صلاة الصبح أو نسيها حتى طلعت الشمس

قَضَائِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ خَرَجَ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ نَسِيَهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ] 309 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ نَسِيَهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلَاةِ الصُّبْحِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَهُ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ - وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ الْكَلَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهَا] 310 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهَا: وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُذْ يَطْلُعُ الْفَجْرُ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ -: قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ؛ فَهَذَانِ الْوَقْتَانِ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَا فَرْقَ. وَإِنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَحِينَ حُضُورِ الْخُطْبَةِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] [مَسْأَلَةٌ دَخَلَ فِي مَسْجِدٍ فَظَنَّ أَنَّ أَهْلَهُ قَدْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا] 311 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ دَخَلَ فِي مَسْجِدٍ فَظَنَّ أَنَّ أَهْلَهُ قَدْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْفَرْضِ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ فَابْتَدَأَ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ -: فَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى تَكْبِيرِهِ وَيَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَكَذَلِكَ؛ فَإِذَا أَتَمَّ هُوَ صَلَاتَهُ جَلَسَ وَانْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ فَسَلَّمَ مَعَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ وَجَدَ إمَامًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ؛ وَلِإِنْكَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ؛ فَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ. وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ عُذِرَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَقَطْ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ

مسألة التسليم قبل الإمام

شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ إمَامِهِ إذَا كَانَ تَكْبِيرُهُ بِحَقٍّ، وَمُخَالِفُنَا يُجِيزُ لِمَنْ كَبَّرَ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَنْ كَبَّرَ بَعْدَهُ أَنْ يَأْتَمَّ بِهَذَا الْمُسْتَخْلَفِ الَّذِي كَبَّرَ مَأْمُومُهُ قَبْلَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، وَالْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ دَخَلَ فِي مَسْجِدٍ يَرَى أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ -: قَالَ إبْرَاهِيمُ: يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَجْعَلُ الْبَاقِيَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنَّ هَذَا كَانَ يَفْعَلُهُ [مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ] . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ لِمَنْ افْتَتَحَ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْمَكْتُوبَةِ وَاصِلِينَ بِتَطَوُّعِهِمْ بِهَا، فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْجَبُ بِلَا شَكٍّ: مِنْهُمْ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا، بَلْ هُوَ بَابٌ وَاحِدٌ، وَنَتِيجَةُ بُرْهَانٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرْنَا - وَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا فِي التَّطَوُّعِ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ [مِنْ] انْقِطَاعِهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْإِمَامِ] 312 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ إلَّا لِعُذْرٍ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بَدَأَ فِي قَضَاءِ صَلَاةٍ فَائِتَةٍ أَوْ بَدَأَهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهَا؛ فَإِنَّ هَذَا يَأْتَمُّ

مسألة كان ممن يلزمه فرض الجماعة ولم يكن يائسا عن إدراكها

بِالْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا؛ فَإِذَا أَتَمَّهَا سَلَّمَ ثُمَّ دَخَلَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي الْإِمَامُ فِيهَا، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَقَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا؟ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَاَلَّتِي دَخَلَ فِيهَا مَكْتُوبَةٌ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ؛ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «بِأَيِّ صَلَاتَيْكَ اعْتَدَدْتَ» مُنْكِرًا عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ بِالْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يُصَلِّيهَا الْإِمَامُ؛ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالسَّلَامِ، فَيُسَلِّمُ وَلَا بُدَّ، أَوْ يَكُونُ مُسَافِرًا يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ مُقِيمٍ، وَيَخَافُ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ إنْ قَعَدَ مُنْتَظِرًا سَلَامَ الْإِمَامِ فَهَذَا يُسَلِّمُ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ مُتَطَوِّعًا، وَنَحْوُ هَذَا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ يَائِسًا عَنْ إدْرَاكِهَا] 313 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَائِسًا عَنْ إدْرَاكِهَا فَابْتَدَأَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ - فَاَلَّتِي بَدَأَ بِهَا بَاطِلَةٌ فَاسِدَةٌ، لَا تُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الَّتِي أُقِيمَتْ، وَلَا مَعْنَى لَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ الَّتِي بَدَأَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَهَذَا كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ؛ لِمَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَهُوَ مَرْدُودٌ؟ .

باب الأذان

[بَابُ الْأَذَانِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلَّا صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَطْ] ِ 314 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلَّا صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي بِمِقْدَارِ مَا يُتِمُّ الْمُؤَذِّنُ أَذَانَهُ وَيَنْزِلُ مِنْ الْمَنَارِ أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ وَيَصْعَدُ مُؤَذِّنٌ آخَرُ وَيَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الثَّانِي فِي الْأَذَانِ، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَذَانٍ ثَانٍ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَا يُجْزِئُ الْأَذَانُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ أَذَانُ سُحُورٍ، لَا أَذَانٌ لِلصَّلَاةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا قَبْلَ الْمِقْدَارِ الَّذِي ذَكَرْنَا، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، قُلْتُ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، الرَّجُلُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ يُوقِظُ النَّاسَ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ عُلُوجٌ فِرَاغٌ لَوْ أَدْرَكَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَأَوْجَعَ جَنُوبَهُمْ مَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنَّمَا صَلَّى أَهْلُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِإِقَامَةٍ لَا أَذَانَ فِيهِ. وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ.

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ مُؤَذِّنًا بِلَيْلٍ فَقَالَ: لَقَدْ خَالَفَ هَذَا سُنَّةً مِنْ سُنَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلِ قَالُوا لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَأَعِدْ أَذَانَك قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَكَابِرِ التَّابِعِينَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: ثنا أَيُّوبُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَادٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ، أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بِأَنْ يُنَادِيَ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: مَتَى تُوتِرِينَ؟ قَالَتْ: بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَمَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى يُصْبِحُوا. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٍ قَالَ: مَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَافِعٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فَوَجَدَ عَمَلًا لَا يُدْرَى أَصْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ دَعْوَى نَقْلِ التَّوَاتُرِ عَنْ مِثْلِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ هَؤُلَاءِ الثِّقَاتِ مُبْطِلَةٌ لِهَذِهِ

الدَّعْوَى الَّتِي لَا تَصِحُّ؛ وَلَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ؟ . وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: يُؤَذَّنُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ بِلَيْلٍ، وَلَا يُؤَذَّنُ لِغَيْرِهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. [قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ] قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا حَقٌّ، إلَّا أَنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَذَانَ الصَّلَاةِ، وَلَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِلَيْلٍ طَوِيلٍ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ آخَرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا حَفْصٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [الصِّدِّيقِ] عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَكُلُوا

وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؟ قُلْتُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَصْعَدَ هَذَا» . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ» ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا قُتَيْبَةُ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يُغِيرُ بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ الْأَذَانَ لِلصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَسَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ مُسْنَدًا أَيْضًا، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا، وَلَا غَيْرِهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اكْتَفَى بِذَلِكَ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ؛ بَلْ فِي كُلِّهَا، وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ أَذَانٌ آخَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَمِنْ كِبَارِهِمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقِيَاسَ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَهَا هُنَا تَرَكُوا قِيَاسَ الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ عَلَى الْأَذَانِ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِخَبَرٍ

مسألة لا تجزئ صلاة فريضة في جماعة اثنين فصاعدا إلا بأذان وإقامة

أَصْلًا - لَا صَحِيحٍ وَلَا سَقِيمٍ - فِي أَنَّ ذَلِكَ الْأَذَانَ يُجْزِئُ عَنْ آخِرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَيُقَالُ لِمَنْ رَأَى أَنَّ الْأَذَانَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي يُجْزِئُ فِيهِ الْأَذَانُ لَهَا مِنْ اللَّيْلِ؟ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا حَدًّا فِي ذَلِكَ لَزِمَهُمْ أَنْ يُجْزِئَ إثْرَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْلٌ بِلَا شَكٍّ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: أَوَّلُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُجْزِئُ فِيهَا الْأَذَانُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلِ هُوَ إثْرَ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ؟ أَوْ قَالُوا: [هُوَ] فِي أَوَّلِ الثُّلُثِ الْآخِرِ مِنْ اللَّيْلِ؟ . قُلْنَا لَهُمْ: هَذِهِ دَعْوَى مُفْتَقِرَةٌ إلَى دَلِيلٍ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دِينِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَرَوْنَ لِلْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ تُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالْمَغْرِبَ، فَقَدْ أَجَازُوا الْأَذَانَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ [بَعْضَ] وَقْتٍ [صَلَاةِ] الْعَتَمَةِ دُونَ جَمِيعِ وَقْتِهَا؟ نَعَمْ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا؟ . فَإِنْ قَالُوا: لَا نُجِيزُ ذَلِكَ إلَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ؟ قِيلَ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ إلَّا الْخَبَرَ الَّذِي أَخَذْنَا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ تَحْدِيدُ وَقْتِ ذَلِكَ الْأَذَانِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا إلَّا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ] 315 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةُ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ - اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا - إلَّا بِأَذَانٍ

وَإِقَامَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي وَقْتِهَا، أَوْ كَانَتْ مَقْضِيَّةً لِنَوْمٍ عَنْهَا أَوْ لِنِسْيَانٍ، مَتَى قُضِيَتْ، السَّفَرُ وَالْحَضَرُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَإِنْ صَلَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُمْ، حَاشَا الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ بِمُزْدَلِفَةَ؛ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ بِأَذَانٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِقَامَةٍ لِلصَّلَاتَيْنِ مَعًا لِلْأَثَرِ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - ثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ثنا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُمْ: ارْجِعُوا إلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ الْجَرْمِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ وَافِدَ قَوْمِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا [فِي حِينِ كَذَا] وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا» .

قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وُجُوبُ الْأَذَانِ وَلَا بُدَّ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، عُمُومًا لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَدَخَلَتْ الْإِقَامَةُ فِي هَذَا الْأَمْرِ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ» . ، وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِلَالًا بِأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ» كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الْفِرْيَابِيُّ ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: «أَتَى رَجُلَانِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدَانِ السَّفَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» . فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا هَذَا فِي السَّفَرِ؟ قُلْنَا: لَا، بَلْ فِي الْخُرُوجِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِشَأْنِهِمَا، وَهَذَا كُلُّهُ عُمُومٌ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ مَقْضِيَّةٍ - كَمَا ذَكَرْنَا - أَوْ غَيْرَ مَقْضِيَّةٍ. وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَيْضًا بَيَانٌ يَرْفَعُ التَّمْوِيهَ وَالْإِيهَامَ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى غَرُبَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ،

مسألة لا يلزم المنفرد أذان ولا إقامة

قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْقِتَالِ [مَا نَزَلَ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَذَّنَ لِلظُّهْرِ فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا؛ ثُمَّ أَذَّنَ لِلْعَصْرِ فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا؟» قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الْخَبَرُ زَائِدٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ وَاجِبٌ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: صَلَّيْتُ لِنَفْسِي الصَّلَاةَ فَنَسِيتُ أَنْ أُقِيمَ لَهَا؟ قَالَ: عُدْ لِصَلَاتِك أَقِمْ لَهَا ثُمَّ أَعِدْ، وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا نَسِيتَ الْإِقَامَةَ فِي السَّفَرِ فَأَعِدْ الصَّلَاةَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَرْضًا: أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ فَرْضًا حُجَّةً أَصْلًا " وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا اسْتِحْلَالُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِمَاءَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدَهُمْ أَذَانًا، وَأَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ -: لَكَفَى فِي وُجُوبِ فَرْضِ ذَلِكَ -، وَهُوَ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ جَمِيعِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَا شَكٍّ؛ فَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الْمَقْطُوعُ عَلَى صِحَّتِهِ لَا الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةُ الَّتِي لَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ ادِّعَائِهَا، إذَا لَمْ يَرْدَعْهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ أَوْ حَيَاءٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ] 316 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ فَإِنْ أَذَّنَ، وَأَقَامَ فَحَسَنٌ؛ [لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِ الْأَذَانِ إلَّا عَلَى الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ] ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَقَدْ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ مَنْ

مسألة لا يلزم النساء فرضا حضور الصلاة المكتوبة في جماعة

لَعَلَّهُ يَسْمَعُهُ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ؛ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْوَقْتِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ النِّسَاءَ فَرْضًا حُضُورُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي جَمَاعَةٍ] 317 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ النِّسَاءَ فَرْضًا حُضُورُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَلَا الرِّجَالَ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ. عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِمَامُ جُنَّةٌ» وَحُكْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ وَلَا بُدَّ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لَا بُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهِ - وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلَانُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا [مَسْأَلَةٌ حَضَرَتْ الْمَرْأَةُ الصَّلَاةَ مَعَ الرِّجَالِ] 318 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ حَضَرَتْ الْمَرْأَةُ الصَّلَاةَ مَعَ الرِّجَالِ فَحَسَنٌ؛ لِمَا قَدْ صَحَّ مِنْ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَشْهَدْنَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً وَأَمَّتْهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ] 319 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً، وَأَمَّتْهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ يَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَقْطَعُ بَعْضُهُنَّ صَلَاةَ بَعْضٍ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا» . [رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ] عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ هُوَ أَبُو خَازِمٍ - عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّتْهُنَّ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ.

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ زِيَادِ بْنِ لَاحِقٍ عَنْ تَمِيمَةَ بِنْتِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا أَمَّتْ نِسَاءً فِي الْفَرِيضَةِ فِي الْمَغْرِبِ، وَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ، وَجَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ؟ وَعَنْ [عَبْدِ الرَّزَّاقِ] عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمَّارِ الدُّهْنِيِّ عَنْ حُجَيْرَةَ بِنْتِ حُصَيْنٍ قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقَامَتْ بَيْنَنَا وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَهِيَ خَيْرَةُ -، هُوَ اسْمُهَا، ثِقَةٌ مَشْهُورَةٌ - حَدَّثَتْهُمْ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّهُنَّ فِي رَمَضَانَ، وَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ [فِي التَّطَوُّعِ] وَتَقُومُ وَسْطَهُنَّ فِي الصَّفِّ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي التَّطَوُّعِ تَقُومُ وَسْطَهُنَّ؟ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَؤُمُّ [نِسَاءَهُ] فِي لَيَالِي رَمَضَانَ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: [رُوِّينَا] عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ،

مسألة لا أذان على النساء ولا إقامة على سبيل الوجوب

عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - قَالُوا كُلُّهُمْ بِإِجَازَةِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ. قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: فِي الْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي فَرْضٍ وَلَا نَافِلَةٍ -، وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَخِلَافٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْلَمُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ؛ وَهُمْ يُشَيِّعُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، بَلْ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَرْضًا، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» ؟ قُلْنَا لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ جَائِزًا أَنْ تَؤُمَّنَا، وَهَذَا مُحَالٌ؛ وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَتَوَجَّهُ أَلْبَتَّةَ إلَى نِسَاءٍ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، لِأَنَّهُ لَحْنٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُتَيَقَّنٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَلْحَنُ؟ . [مَسْأَلَةٌ لَا أَذَانَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا إقَامَةَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ] 320 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا أَذَانَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا إقَامَةَ؛ فَإِنْ أَذَّنَّ، وَأَقَمْنَ فَحَسَنٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَلَيْسَ النِّسَاءُ مِمَّنْ أُمِرْنَ بِذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ قَدْ صَحَّ فَالْأَذَانُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِقَامَةُ كَذَلِكَ؛ فَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا فِعْلٌ حَسَنٌ.

مسألة منع المرأة والأمة من حضور الصلاة في المسجد

وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: تُقِيمُ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا، وَقَالَ طَاوُسٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْعُ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ مِنْ حُضُورِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ] 321 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَلَا لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مَنْعُهُمَا مِنْ حُضُورِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، إذَا عَرَفَ أَنَّهُنَّ يُرِدْنَ الصَّلَاةَ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ مُتَطَيِّبَاتٍ، وَلَا فِي ثِيَابٍ حِسَانٍ؛ فَإِنْ فَعَلَتْ فَلْيَمْنَعْهَا، وَصَلَاتُهُنَّ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ. -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالَا ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ بِلَالٌ ابْنُهُ؛ وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْته سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: أُخْبِرُك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ؟ .» وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسَاجِدِ» . حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا حَامِدٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ - ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَالتَّفِلَةُ السَّيِّئَةُ الرِّيحِ وَالْبِزَّةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ ثنا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّفَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُتَقَدِّمُ، وَشَرُّهَا الْمُؤَخَّرُ، وَشَرُّ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُتَقَدِّمُ، وَخَيْرُهَا الْمُؤَخَّرُ؛ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ إذَا سَجَدَ الرِّجَالُ فَاغْضُضْنَ أَبْصَارَكُنَّ لَا تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مِنْ ضِيقِ الْأُزُرِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ أَبُو مَعْمَرٍ - ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ التَّنُّورِيُّ - ثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ؟ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.»

وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثنا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - عَنْ نَافِعٍ قَالَ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِ النِّسَاءِ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَمَا تَرَكَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَنَّيْنَ بِتَعَبٍ لَا يُجْدِي عَلَيْهِنَّ زِيَادَةُ فَضْلٍ أَوْ يَحُطُّهُنَّ مِنْ الْفَضْلِ، وَهَذَا لَيْسَ نُصْحًا، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وَحَاشَا لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ أَنْصَحُ الْخَلْقِ لِأُمَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا افْتَرَضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا يَمْنَعَهُنَّ؛ وَلَمَا أَمَرَهُنَّ بِالْخُرُوجِ تَفِلَاتٍ. وَأَقَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَمْرَ نَدْبٍ وَحَضٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ: صَلَاتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ، وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ خُرُوجَهُنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلِلْجُمُعَةِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَرَخَّصَ لِلْعَجُوزِ خَاصَّةً فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَالْفَجْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ خُرُوجَهُنَّ فِي الْعِيدَيْنِ -: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَمْنَعُهُنَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَبَاحَ لِلْمُتَجَالَّةِ شُهُودَ الْعِيدَيْنِ، وَالِاسْتِسْقَاءَ. وَقَالَ: تَخْرُجُ الشَّابَّةُ إلَى الْمَسْجِدِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ. قَالَ: وَالْمُتَجَالَّةُ تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَا تُكْثِرُ التَّرَدُّدَ -: قَالَ عَلِيٌّ: وَشَغَبَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنَى إسْرَائِيلَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ

أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ صَلَاتَكِ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِكِ مَعِي» ؟ ، وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ فِي مَخْدَعِهَا أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دَارِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي دَارِهَا أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى الصَّلَاةِ يَوْمَ الْعِيدِ.» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُرُوجِهِنَّ يَوْمَ الْعِيدِ إنَّمَا كَانَ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ لِيَكْثُرُوا فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا كِذْبَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ بَيَّنَ أَنَّ أَمْرَهُ بِخُرُوجِهِنَّ لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى؛ فَأُفٍّ لِمَنْ كَذَّبَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافْتَرَى كِذْبَةً بِرَأْيِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا بَحْتًا فَهُوَ بَارِدٌ سَخِيفٌ جِدًّا. لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ عَسْكَرٍ فَيُرْهِبُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَدُوٌّ إلَّا الْمُنَافِقُونَ وَيَهُودُ الْمَدِينَةِ، الَّذِينَ يَدْرُونَ أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا التَّخْلِيطِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَا حَدَّثَتْ بِهِ عَائِشَةُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُدْرِكْ مَا أَحْدَثْنَ، فَلَمْ يَمْنَعْهُنَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ فَمَنْعُهُنَّ بِدْعَةٌ وَخَطَأٌ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] فَمَا أَتَيْنَ قَطُّ بِفَاحِشَةٍ وَلَا ضُوعِفَ لَهُنَّ الْعَذَابُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96] فَلَمْ يُؤْمِنُوا فَلَمْ يَفْتَحْ عَلَيْهِمْ وَمَا نَعْلَمُ احْتِجَاجًا أَسْخَفَ مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ كَذَا: لَكَانَ كَذَا -: عَلَى إيجَابِ مَا لَمْ يَكُنْ، الشَّيْءُ الَّذِي لَوْ كَانَ لَكَانَ ذَلِكَ الْآخَرُ؟ وَوَجْهٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ مَا يُحْدِثُ النِّسَاءُ، وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ،

فَلَمْ يُوحِ قَطُّ إلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْعِهِنَّ مِنْ أَجْلِ مَا اسْتَحْدَثْنَهُ، وَلَا أَوْحَى تَعَالَى قَطُّ إلَيْهِ: أَخْبِرْ النَّاسَ إذَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ فَامْنَعُوهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ؛ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا فَالتَّعَلُّقُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ هُجْنَةٌ وَخَطَأٌ؟ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّنَا مَا نَدْرِي مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ، مِمَّا لَمْ يُحْدِثْنَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ فِي إحْدَاثِهِنَّ مِنْ الزِّنَى، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمَ فِيهِ وَجَلَدَ، فَمَا مَنَعَ النِّسَاءَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَطُّ، وَتَحْرِيمُ الزِّنَى عَلَى الرِّجَالِ كَتَحْرِيمِهِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا فَرْقَ؛ فَمَا الَّذِي جَعَلَ الزِّنَى سَبَبًا يَمْنَعُهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ؟ وَلَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا إلَى مَنْعِ الرِّجَالِ مِنْ الْمَسَاجِدِ؟ هَذَا تَعْلِيلٌ مَا رَضِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَوَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ الْإِحْدَاثَ إنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ بِلَا شَكٍّ دُونَ بَعْضٍ، وَمِنْ الْمُحَالِ مَنْعُ الْخَيْرِ عَمَّنْ لَمْ يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَوَجْهٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ السُّوقِ، وَمِنْ كُلِّ طَرِيقٍ بِلَا شَكٍّ، فَلِمَ خَصَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مَنْعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ إحْدَاثِهِنَّ، دُونَ مَنْعِهِنَّ مِنْ سَائِرِ الطُّرُقِ؟ بَلْ قَدْ أَبَاحَ لَهَا أَبُو حَنِيفَةَ السَّفَرَ وَحْدَهَا، وَالْمَسِيرَ فِي الْفَيَافِي وَالْفَلَوَاتِ مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ وَنِصْفٍ، وَلَمْ يَكْرَهْ لَهَا ذَلِكَ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ التَّخْلِيطُ. وَوَجْهٌ سَادِسٌ: وَهُوَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَرَ مَنْعَهُنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَلَا قَالَتْ: امْنَعُوهُنَّ لِمَا أَحْدَثْنَ؛ بَلْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ عَاشَ لَمَنَعَهُنَّ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا؟ وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ مَنْعَهُنَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَنَعْنَاهُنَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ فَلَا نَمْنَعُهُنَّ، فَمَا حَصَلُوا إلَّا عَلَى خِلَافِ السُّنَنِ، وَخِلَافِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْكَذِبِ بِإِيهَامِهِمْ مَنْ يُقَلِّدُهُمْ: أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْ خُرُوجِ النِّسَاءِ بِكَلَامِهَا ذَلِكَ، وَهِيَ لَمْ تَفْعَلْ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَ رِوَايَاتُ الثِّقَاتِ الْمُتَوَاتِرَةُ بِرِوَايَةِ مِنْ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ فَهُوَ كَثِيرُ التَّصْحِيفِ وَالْغَلَطِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ هَكَذَا قَالَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ الْفَلَّاسُ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ، وَخَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ - وَهُمَا لَا يَصِحَّانِ - لَكَانَ عَلَى أُمُورِهِمَا مُعَارَضَةٌ لِلْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، وَلِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخُرُوجِهِنَّ، حَتَّى ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ إلَى مُشَاهَدَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَمَرَ مَنْ لَا جِلْبَابَ لَهَا أَنْ تَسْتَعِيرَ مِنْ غَيْرِهَا جِلْبَابًا لِذَلِكَ؟ . وَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمِ الْكِلَابِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ ثنا هَمَّامُ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» . قَالَ عَلِيٌّ: يُرِيدُ بِلَا شَكٍّ مَسْجِدَ مُحَلَّتِهَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْجِدَ بَيْتِهَا لَكَانَ قَائِلًا: صَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا، وَحَاشَا لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَقُولَ الْمُحَالَ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مَنْسُوخٌ؟ . أَمَّا قَوْلُهُ «إنَّ صَلَاتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» وَحَضُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى خُرُوجِهِنَّ إلَى الْعِيدِ، وَإِلَى الْمَسْجِدِ -: مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: «إنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ» وَمِنْ خُرُوجِهَا إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ ". وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا» ، وَصَلَاتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ خُرُوجِهَا إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:

«إنَّ صَلَاتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» وَحَضِّهِ عَلَى خُرُوجِهَا إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ. لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ عَلَى نَسْخِ خَبَرٍ صَحِيحٍ إلَّا بِحُجَّةٍ؟ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا خُرُوجَهُنَّ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى عَمَلًا زَائِدًا عَلَى الصَّلَاةِ؛ وَكُلْفَةً فِي الْأَسْحَارِ وَالظُّلْمَةِ وَالزَّحْمَةِ وَالْهَوَاجِرِ الْحَارَّةِ؛ وَفِي الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ؛ فَلَوْ كَانَ فَضْلُ هَذَا الْعَمَلِ الزَّائِدِ مَنْسُوخًا لَمْ يَخْلُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى مُسَاوِيَةً لِصَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا؛ فَيَكُونُ هَذَا الْعَمَلُ كُلُّهُ لَغْوًا وَبَاطِلًا، وَتَكَلُّفًا وَعَنَاءً، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا؛ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، أَوْ تَكُونَ صَلَاتُهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُصَلَّى مُنْحَطَّةَ الْفَضْلِ عَنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ إثْمًا حَاطًّا مِنْ الْفَضْلِ، وَلَا بُدَّ؛ إذْ لَا يَحُطُّ مِنْ الْفَضْلِ فِي صَلَاةٍ مَا عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا عَمَلٌ زَائِدٌ إلَّا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا؟ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَرْكِ أَعْمَالٍ مُسْتَحَبَّةٍ فِي الصَّلَاةِ، فَيَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ لَوْ عَمِلَهَا؛ فَهَذَا لَمْ يَأْتِ بِإِثْمٍ لَكِنْ تَرْكُ أَعْمَالِ بِرٍّ، وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ عَمَلًا تَكَلَّفَهُ فِي صَلَاتِهِ فَأَتْلَفَ بَعْضَ أَجْرِهِ الَّذِي كَانَ يَتَحَصَّلُ لَهُ لَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ، وَأَحْبَطَ بَعْضَ عَمَلِهِ -: فَهَذَا عَمَلٌ مُحَرَّمٌ بِلَا شَكٍّ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا. وَلَيْسَ فِي الْكَرَاهَةِ إثْمٌ أَصْلًا، وَلَا إحْبَاطُ عَمَلٍ؛ بَلْ فِيهِ عَدَمُ الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ مَعًا، وَإِنَّمَا الْإِثْمُ إحْبَاطٌ عَلَى الْحَرَامِ فَقَطْ وَقَدْ اتَّفَقَ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْنَعْ النِّسَاءَ قَطُّ الصَّلَاةَ مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وَلَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مَنْسُوخٌ؛ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَقَرَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَلَا تَرَكَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَهُ بِلَا مَنْفَعَةٍ، بَلْ بِمَضَرَّةٍ، وَهَذَا الْعُسْرُ وَالْأَذَى، لَا النَّصِيحَةُ؛

وَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَهُوَ النَّاسِخُ، وَغَيْرُهُ الْمَنْسُوخُ؟ هَذَا لَوْ صَحَّ ذَانِكَ الْحَدِيثَانِ؛ فَكَيْفَ، وَهُمَا لَا يَصِحَّانِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ تَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَهَا: وَاَللَّهِ إنَّك لَتَعْلَمِينَ أَنِّي مَا أُحِبُّ هَذَا؟ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى تَنْهَانِي قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي لَا أَنْهَاك؛ فَلَقَدْ طُعِنَ عُمَرُ يَوْمَ طُعِنَ، وَإِنَّهَا لَفِي الْمَسْجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَمْتَنِعُ مِنْ نَهْيِهَا عَنْ خُرُوجِهَا إلَى الْمَسْجِدِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهَا فِيهِ؛ فَكَيْفَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحُطُّ مِنْ أَجْرِهَا وَيُحْبِطُ عَمَلَهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ لَهَا: إنِّي لَا أُحِبُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَيْلَ النَّفْسِ لَا إثْمَ فِيهِ؛ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ -: لَوْلَا خَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى لَأَحَبَّ الْأَكْلَ إذَا جَاعَ فِي رَمَضَانَ، وَالشُّرْبَ فِيهِ إذَا عَطِشَ، وَالنَّوْمَ فِي الْغَدَوَاتِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلِ الْقَصِيرِ عَنْ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَوَاتِ، وَوَطْءَ كُلِّ جَارِيَةٍ حَسْنَاءَ يَرَاهَا الْمَرْءُ؟ فَيُحِبُّ الْمَرْءُ الشَّيْءَ الْمَحْظُورَ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِ قَلْبِهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي صَبْرِهِ أَوْ عَمَلِهِ فَقَطْ. قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216] ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرِو الثَّقَفِيِّ عَنْ عَرْفَجَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ؛ فَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إمَامًا، وَلِلنِّسَاءِ إمَامًا؛ فَأَمَرَنِي فَأَمَمْتُ النِّسَاءَ؟ ،

مسألة لا يؤذن ولا يقام لشيء من النوافل

قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّوَابُّ وَغَيْرُهُنَّ سَوَاءٌ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا يُقَامُ لِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ] 322 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُؤَذَّنُ وَلَا يُقَامُ لِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ، كَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ -، وَإِنْ صَلَّى كُلَّ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ وَفِي الْمَسْجِدِ - وَلَا لِصَلَاةِ فَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ: كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ؟ ، وَيُسْتَحَبُّ إعْلَامُ النَّاسِ بِذَلِكَ، مِثْلَ النِّدَاءِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ؛ وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا شَيْئًا كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ قَدْ أَحْدَثُوهُ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِأَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ . قَالَ عَلِيٌّ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ أَمْرٌ بِالْمَجِيءِ إلَى الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْفَرَائِضِ الْمُتَعَيَّنَةِ؛ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي النَّوَافِلِ؛ فَلَا أَذَانَ فِيهَا وَلَا إقَامَةَ، وَإِعْلَامُ النَّاسِ بِذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى خَيْرٍ - وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ [مَسْأَلَةٌ شُرُوط الْأَذَان] 323 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ إلَّا رَجُلٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ مُؤَدٍّ لِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَسْبَ طَاقَتِهِ، وَلَا يُجْزِئُ أَذَانُ مَنْ لَا يَعْقِلُ حِينَ أَذَانِهِ لِسُكْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِذَا أَذَّنَ الْبَالِغُ لَمْ يُمْنَعْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْأَذَانِ بَعْدَهُ؛ وَيُجْزِئُ أَذَانُ الْفَاسِقِ؛ وَالْعَدْلُ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ وَالصَّيِّتُ أَفْضَلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يُخَاطَبْنَ بِالْأَذَانِ لِلرِّجَالِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ أَوْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا» فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْأَذَانِ مَنْ أُلْزِمَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ وَهُمْ الرِّجَالُ فَقَطْ؛ لَا النِّسَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؟ وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ بِسُكْرٍ: غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ، وَالنَّائِمَ -» وَالْأَذَانُ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَلَا يُجْزِئُ أَدَاؤُهُ إلَّا مِنْ مُخَاطَبٍ بِهِ بِنِيَّةِ أَدَائِهِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَغَيْرُ الْفَرْضِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ أَذَّنَ لِأَهْلِ مَسْجِدٍ أَنْ يُؤَذِّنَ لِأَهْلِ مَسْجِدٍ آخَرَ فِي تِلْكَ

مسألة لا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا

الصَّلَاةِ نَفْسِهَا؛ وَهَذَا تَطَوُّعٌ مِنْهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ، فَهُوَ مِنْ أَحَدِهِمْ الْمَأْمُورِينَ بِإِقَامَةِ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالْإِقَامَةِ لِمَنْ مَعَهُ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُؤَدِّي فَرْضٍ، وَإِذَا تَأَدَّى الْفَرْضُ؛ فَالْأَذَانُ: فِعْلُ خَيْرٍ لَا يُمْنَعُ الصِّبْيَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَطَوُّعٌ وَبِرٌّ؟ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ أَحَدَنَا وَلَا مُؤْمِنًا، وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ لَنَا أَحَدُنَا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ أَلْفَاظَ الْأَذَانِ مُتَعَمِّدًا فَلَمْ يُؤَذِّنْ كَمَا أُمِرَ، وَلَا أَتَى بِأَلْفَاظِ الْأَذَانِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا؛ فَهَذَا لَمْ يُؤَذِّنْ أَصْلًا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ لِلُثْغَةٍ أَوْ لُكْنَةٍ أَجْزَأَ أَذَانُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَهَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ إلَّا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَالِكَ مَنْ يُؤَدِّي أَلْفَاظَ الْأَذَانِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَانَ أَفْضَلَ لَوْ أَذَّنَ الْمُحْسِنُ؟ . وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ أَحَدُنَا بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» وَلَا خِلَافَ فِي اخْتِيَارِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا الصَّيِّتُ؛ فَلِأَنَّ الْأَذَانَ أَمْرٌ بِالْمَجِيءِ إلَى الصَّلَاةِ؛ فَإِسْمَاعُ الْمَأْمُورِينَ أَوْلَى؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مَحْذُورَةَ «ارْجِعْ فَارْفَعْ صَوْتَكَ» وَهَذَا أَمْرٌ بِرَفْعِ الصَّوْتِ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ لَمْ يُجْزِهِ أَذَانُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا قَدْ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ، «إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ» فَالِاجْتِهَادُ فِي طَرْدِ الشَّيْطَانِ فِعْلٌ حَسَنٌ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ . وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا جَانٌّ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُسْنَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا] 324 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ، وَالدَّاخِلُ عَلَيْهِ مُسِيءٌ لَا أَجْرَ لَهُ، وَمَا يَبْعُدُ عَنْهُ الْإِثْمُ، وَالْوَاجِبُ مَنْعُهُ؛ فَإِنْ

مسألة الأذان والإقامة قاعدا وراكبا وجنبا وإلى غير القبلة

بَدَآ مَعًا فَالْأَذَانُ لِلصَّيِّتِ الْأَحْسَنِ تَأْدِيَةً. وَجَائِزٌ أَنْ يُؤَذِّنَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لِلْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَإِنْ تَشَاحُّوا، وَهُمْ سَوَاءٌ فِي التَّأْدِيَةِ وَالصَّوْتِ وَالْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْأَوْقَاتِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، سَوَاءٌ عَظُمَتْ أَقْطَارُ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ تَعْظُمْ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» . قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ جَازَ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا لَكَانَ الِاسْتِهَامُ لَغْوًا لَا وَجْهَ لَهُ؛ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَلَوْ كَانَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ لِمَنْ بَادَرَ بِالْمَجِيءِ لَكَانَ الِاسْتِهَامُ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْبِدَارِ، وَإِنَّمَا الِاسْتِهَامُ فِيمَا يَضِيقُ فَلَا يَحْمِلُ إلَّا بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ غَيْرُ هَذَا. وَقَدْ أَقْرَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بَيْنَ الْمُتَشَاحِّينَ فِي الْأَذَانِ؛ إذْ قُتِلَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ؛ وَلَوْ جَازَ أَذَانُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ لَا يُضَيِّعُوا فَضْلَهُ؛ فَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ وَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُؤَذِّنَانِ فَقَطْ؟ [مَسْأَلَةٌ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا وَجُنُبًا وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ] 325 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَجُنُبًا، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ -، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ إلَّا قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى طَهَارَةٍ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، فِي الْأَذَانِ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَغَيْرِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا نَهْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] .

مسألة عطس في أذانه وإقامته

فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طَهَارَةٍ قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. [مَسْأَلَةٌ عَطَسَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ] 326 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَطَسَ فِي أَذَانِهِ، وَإِقَامَتِهِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ سَمِعَ عَاطِسًا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي أَذَانِهِ، وَإِقَامَتِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فِي أَذَانِهِ، وَإِمَامَتِهِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ بِالْكَلَامِ ثُمَّ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حَالًا مِنْ حَالٍ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» . فَلَمْ تَخُصَّ النُّصُوصُ حَالَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَا جَاءَ نَهْيٌ قَطُّ عَنْ الْكَلَامِ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ، وَمَا نَعْلَمُ حُجَّةً لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ أَصْلًا؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قُلْنَا: فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الْأَذَانَ بِلَا وُضُوءٍ؛ فَأَيْنَ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ . حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ، فَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ» .

مسألة الأجرة على الأذان

وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ صَاحِب رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلْعَسْكَرِ فَكَانَ يَأْمُرُ غُلَامَهُ فِي أَذَانِهِ بِالْحَاجَةِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ لِلْحَاجَةِ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُؤَذِّنُ عَلَى بَعِيرِهِ. [مَسْأَلَةٌ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَذَانِ] 327 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَذَانِ، فَإِنْ فَعَلَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ إلَّا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجُزْ أَذَانُهُ، وَلَا أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ بِهِ - وَجَائِزٌ أَنْ يُعْطَى عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ، وَأَنْ يَرْزُقَهُ الْإِمَامُ كَذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ. رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ هُوَ أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - قَالَ: أَرْبَعٌ لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِنَّ أَجْرٌ: الْأَذَانُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْمَقَاسِمِ وَالْقَضَاءِ؟ . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ

مسألة الخروج من المسجد بعد الأذان

يَقُولُ لِرَجُلٍ: إنِّي لَأَبْغَضُك فِي اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنَّهُ يَتَغَنَّى فِي أَذَانِهِ وَيَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَحَرَّمَ تَعَالَى أَكْلَ الْأَمْوَالِ إلَّا لِتِجَارَةٍ، فَكُلُّ مَالٍ فَهُوَ حَرَامٌ إلَّا مَا أَبَاحَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ؛ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ النَّهْيُ عَنْ أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى الْأَذَانِ لَكَانَ حَرَامًا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. لَا يُعْرَفُ لِابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَأَمَّا إنْ أُعْطِي عَلَى سَبِيل الْبِرِّ فَهُوَ فَضْلٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] . [مَسْأَلَةٌ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَان] 328 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَانْدَفَعَ الْأَذَانُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ لِضَرُورَةٍ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْفٍ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ أَنَا أَبُو صَخْرَةَ هُوَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ - عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إِسْحَاقُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَرَجَعَ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ

مسألة جائز أن يقيم غير الذي أذن

مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ» وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . [مَسْأَلَةٌ جَائِزٌ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ الَّذِي أَذَّنَ] 329 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ الَّذِي أَذَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ ذَلِكَ نَهْيٌ يَصِحُّ، وَالْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ «إنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ» إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ، وَهُوَ هَالِكٌ؟ [مَسْأَلَةٌ مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَلْيَقُلْ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ] 330 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَلْيَقُلْ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ سَوَاءً سَوَاءً، مِنْ أَوَّلِ الْأَذَانِ إلَى آخِرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ أَوْ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ، حَاشَا قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " فَإِنَّهُ لَا يَقُولُهُمَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُهُمَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، فَإِذَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ فَلْيَقُلْ ذَلِكَ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» ؟ . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا -: مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَوْنَهُ فِي صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ فِيهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ "؟ لِأَنَّهُ

مسألة بيان صفة الأذان

تَكْلِيمٌ لِلنَّاسِ يُدْعَوْنَ بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، وَسَائِرُ الْأَذَانِ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةُ مَوْضِعُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ حَجَاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ -: وَفِي آخِرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَإِنْ قَالَ سَامِعُ الْأَذَانِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " مَكَانَ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " فَحَسَنٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي حَجَاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى أَنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «إنِّي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إذْ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ، حَتَّى إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَلَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ ذَلِكَ» . [مَسْأَلَةٌ بَيَانُ صِفَةُ الْأَذَانِ] 331 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْأَذَانِ: مَعْرُوفَةٌ، وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَيْنَا أَذَانُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ . وَأَذَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا وَصَفْنَا سَوَاءً سَوَاءً؛ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَذَانِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " إلَّا مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَأَذَانُ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَمَا وَصَفْنَا أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " إلَّا مَرَّتَيْنِ فَقَطْ؟ وَإِنْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بِأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ بِأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: فَحَسَنٌ وَإِنْ زَادَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ -: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ: فَحَسَنٌ؟ . وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ ذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَفِيهِ تَرْجِيعُ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَفِيهِ تَرْجِيعُ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "، وَهَذِهِ زِيَادَةُ خَيْرٍ لَا تُحَقَّرُ. أَقَلُّ مَا يَجِبُ لَهَا سِتُّونَ حَسَنَةً؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا -: مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ الْبَصْرِيُّ ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْأَحْوَلَ حَدَّثَهُ أَنَّ مَكْحُولًا الشَّامِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً» ثُمَّ وَصَفَ الْأَذَانَ الَّذِي ذَكَرْنَا حَرْفًا حَرْفًا؟ . وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ وَيُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حَجَّاجُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ -، وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ - قَالَ: قُلْت لِأَبِي مَحْذُورَةَ: إنِّي خَارِجٌ إلَى الشَّامِ، وَأَخْشَى أَنْ أُسْأَلَ عَنْ تَأْذِينِكَ فَأَخْبِرْنِي؟ فَذَكَرَ لَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ» كَمَا ذَكَرْنَا نَصًّا. وَقَدْ جَاءَتْ أَيْضًا آثَارٌ مِثْلُ هَذِهِ بِمِثْلِ أَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ إلَّا أَنَّ

هَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا تَرْبِيعًا وَتَرْجِيعًا؛ وَزِيَادَةُ الرُّوَاةِ الْعُدُولِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا؛ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ذِكْرٍ وَخَيْرٍ؟ . وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعُ بْنُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى مُؤَذِّنٍ لَهُ: لَا تُثَوِّبُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا الْفَجْرَ؛ فَإِذَا بَلَغْت " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " فَقُلْ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " فَإِنَّهُ أَذَانُ بِلَالٍ. قَالَ عَلِيٌّ: سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ مِنْ أَكْبَرِ التَّابِعِينَ، قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ نَحْوِهَا؛ وَأَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ الْبَاقِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا بَلَغَ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " فِي الْفَجْرِ قَالَ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ ". قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يُؤَذِّنْ بِلَالٌ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً بِالشَّامِ لِلظُّهْرِ، أَوْ الْعَصْرِ فَقَطْ، وَلَمْ يَشْفَعْ الْأَذَانَ فِيهَا أَيْضًا. وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَهِيَ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ ". بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ إلَّا الْإِقَامَةَ» .

حَدَّثَنَا حَمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كَانَ بِلَالٌ يُوتِرُ الْإِقَامَةَ وَيُثَنِّي الْأَذَانَ؛ إلَّا قَوْلَهُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ "؟ . قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ: أَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُؤَذِّنْ قَطُّ لِأَحَدٍ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً بِالشَّامِ، وَلَمْ يُتِمَّ أَذَانَهُ فِيهَا؛ فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ مُسْنَدًا صَحِيحَ الْإِسْنَادِ، وَصَحَّ أَنَّ الْآمِرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَحَدَ غَيْرَهُ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: الْإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمْ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ؛ فَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي ابْتِدَاءِ الْأَذَانِ، وَفِي ابْتِدَاءِ الْإِقَامَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا؛ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُمْ الْحَنَفِيُّونَ الْيَوْمَ؟ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " فِي ابْتِدَائِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَقَطْ. وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ بِمِثْلِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَذَانِ، وَمَا نَعْلَمُ خَبَرًا قَطُّ رُوِيَ فِي قَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَوَّلِ الْإِقَامَةِ وَلَوْلَا أَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَوَجَبَ إبْطَالُ الْإِقَامَةِ بِهَا؛ وَإِبْطَالُ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الْإِقَامَةِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ زَادَ فِي الْإِقَامَةِ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي شَيْءٍ؟ . وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: الْإِقَامَةُ كُلُّهَا وِتْرٌ؛ إلَّا " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " فَإِنَّهُ يُكَرَّرُ؛ وَلَا يُقَالُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ عَلِيٌّ: الْأَذَانُ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ بِمَكَّةَ وَبِالْمَدِينَةِ وَبِالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ - مُذْ نَزَلَ الْأَذَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِ مَاتَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: آخِرُ مَنْ شَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحْبَهُ - يَوْمٌ إلَّا وَهُمْ يُؤَذِّنُونَ فِيهِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ؛ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَى وَلَا أَنْ يُحَرَّفَ؟ فَلَوْلَا أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَدْ كَانَ يُؤَذَّنُ بِهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا شَكٍّ؛

وَكَانَ الْأَذَانُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ حَجَّ، ثُمَّ يَسْمَعُهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَسَكَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ابْنُ الزُّبَيْرِ تِسْعَ سِنِينَ، وَهُوَ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ، وَالْعُمَّالُ مِنْ قِبَلِهِ بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ بَدَّلُوا الْأَذَانَ وَسَمِعَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ بَلَغَهُ وَالْخِلَافَةُ بِيَدِهِ -: فَلَمْ يُغَيِّرْ، هَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ؛ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بِحَضْرَتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ وَلَا فَرْقَ؟ وَكَذَلِكَ فُتِحَتْ الْكُوفَةُ وَنَزَلَ بِهَا طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتَدَاوَلَهَا عُمَّالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَّالُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، كَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٍ، وَالْمُغِيرَةِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَمْ تَزَلْ الصَّحَابَةُ الْخَارِجُونَ عَنْ الْكُوفَةِ يُؤَذِّنُونَ فِي كُلِّ يَوْمِ سَفَرِهِمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ، إلَى أَنْ بَنُوهَا وَسَكَنُوهَا؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يُحَالَ الْأَذَانُ بِحَضْرَةِ مَنْ ذَكَرْنَا وَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَوْ يَعْلَمُهُ أَحَدُهُمَا فَيُقِرُّهُ وَلَا يُنْكِرُهُ؟ ثُمَّ سَكَنَ الْكُوفَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَنَفَّذَ الْعُمَّالَ مِنْ قِبَلِهِ إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، ثُمَّ الْحَسَنُ ابْنُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنْ سَلَّمَ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُغَيَّرَ الْأَذَانُ وَلَا يُنْكِرُ تَغَيُّرَهُ: عَلِيٌّ؛ وَالْحَسَنُ؛ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ؛ لَجَازَ مِثْلُهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَحَاشَا لَهُمْ مِنْ هَذَا؛ مَا يَظُنُّ هَذَا بِهِمْ، وَلَا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ مُسْلِمٌ أَصْلًا؟ . فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ أَذَانُ مَكَّةَ وَلَا أَذَانُ الْكُوفَةِ نَقْلَ كَافَّةٍ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: بَلْ أَذَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ هُوَ نَقْلُ كَافَّةٍ فَمَا الْفَرْقُ؟ فَإِنْ ادَّعُوا فِي هَذَا مُحَالًا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ يَرْجِعُ إلَى قَوْمٍ مَحْصُورٍ عَدَدُهُمْ؟ قِيلَ لَهُمْ: وَأَذَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةِ رِجَالٍ لَا أَكْثَرَ: مَالِكٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَقَطْ؛ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ أَصْحَابُ هَؤُلَاءِ عَنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْأَذَانِ بِالتَّثْنِيَةِ؟ قِيلَ لَهُمْ: هَذَا الْكَذِبُ الْبَحْتُ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ:

الْأَذَانُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ؛ فَيَبْطُلُ بِهَذَا بِيَقِينِ الْبُطْلَانِ فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ لِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْأَذَانِ بِأَنَّهُ نَقْلُ الْكَافَّةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِأَذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ ذَلِكَ مَا لِأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً - وَأَنَّ لِأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا لِأَذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَكِنْ غُيِّرَ بَعْدَهُمْ؟ قُلْنَا: إنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى التَّابِعِينَ بِمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ عَلَى التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ أَجْوَزُ؛ فَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي التَّابِعِينَ كَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ؛ وَالرُّحَيْلِ وَمَسْرُوقٍ، وَنُبَاتَةَ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمْ؛ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَفْتَى فِي حَيَاةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ وَمَا يَرْتَفِعُ أَحَدٌ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ تَبْدِيلُ عَمُودِ الدَّيْنِ؟ فَإِنْ هَبَطُوا إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ؛ فَمَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلَّا جَازَ مِثْلُهُ عَلَى مَالِكٍ؛ فَمَا لَهُ عَلَى هَذَيْنِ فَضْلٌ، لَا فِي عِلْمٍ وَلَا فِي وَرَعٍ؛ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الْوُلَاةِ؛ فَإِنَّ الْوُلَاةَ عَلَى مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْكُوفَةِ: إنَّمَا كَانُوا يَنْفُذُونَ مِنْ الشَّامِ مِنْ عَهْدِ مُعَاوِيَةَ إلَى صَدْرِ زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ؛ ثُمَّ مِنْ الْأَنْبَارِ وَبَغْدَادَ فِي بَاقِي أَيَّامِ هَؤُلَاءِ؛ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَالِي مَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، إلَّا جَازَ مِثْلُهُ عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ؛ وَكُلُّهَا قَدْ وَلِيَهَا الصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ، كَالْحَجَّاجِ، وَحُبَيْشِ بْنِ دُلْجَةَ، وَطَارِقٍ، وَخَالِدٍ الْقَسْرِيِّ وَمَا هُنَالِكَ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا خَيْرَ؛ فَمَا جَازَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ بِالْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً؟ بَلْ الْأَمْرُ أَقْرَبُ إلَى الِامْتِنَاعِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ وُفُودَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَرِدُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ؛ فَمَا كَانَ لِيَخْفَى ذَلِكَ أَصْلًا عَلَى النَّاسِ؛ وَمَا قَالَ هَذَا أَحَدٌ قَطُّ -، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ

فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الرِّوَايَاتِ؛ فَالرِّوَايَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا مُتَقَارِبَةٌ إلَّا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْهُورَ فِي الْإِقَامَةِ؛ فَمَا جَاءَتْ بِهِ قَطُّ رِوَايَةٌ؟ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُدِّ، وَالصَّاعِ، وَالْوَسْقِ، فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ، أَوْ قَفِيزٍ أُحْدِثَ بِالْمَدِينَةِ وَبِالْكُوفَةِ فَقَدْ عُرِفَ؛ كَمَا عُرِفَ بِالْمَدِينَةِ مُدُّ هِشَامٍ الَّذِي أَحْدَثَ؛ وَالْمُدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: أَنَّ الصَّاعَ هُوَ مُدٌّ وَثُلُثٌ بِالْمُدِّ الْآخَرِ، وَكَمُدِّ أَهْلِ الْكُوفَةِ الْحَجَّاجِي، وَكَصَاعِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَا حَرَجَ فِي إحْدَاثِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مُدًّا أَوْ صَاعًا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ؟ وَبَقِيَ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاعُهُ وَوَسْقُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ نَقْلَ الْكَافَّةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا رَأَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ خَاصَّةً بِمُدِّ هِشَامٍ الْمُحْدَثِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِهِ فِيهِ؛ فَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: وَهُوَ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: هُوَ مُدَّانِ غَيْرُ ثُلُثٍ - وَيَقُولُ غَيْرُهُمْ: هُوَ مُدَّانِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ مُتَأَخِّرٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ؛ وَأَحْسَنُ طُرُقِهِ مُوَافِقٌ لِاخْتِيَارِنَا -، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِيهِ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ تَثْنِيَتَهَا كَانَ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ؛ وَإِفْرَادُهَا كَانَ الْأَمْرَ الْآخَرَ بِلَا شَكٍّ. لِمَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ؟ قَالَ: عَلِّمْهُ بِلَالًا؛ فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مِنْ إسْنَادِ الْكُوفِيِّينَ؟ فَصَحَّ أَنَّ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ قَدْ نُسِخَتْ؛ وَأَنَّهُ هُوَ كَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَخَذَ عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَأَدْرَكَ بِلَالًا وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ فَلَاحَ

بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ -، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ؟ . إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ مَا صَحَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا بِأَنْ يُوتِرَهَا إلَّا الْإِقَامَةَ؛ وَالصَّحِيحُ الْآخَرُ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِمَّا لَا يَبْلُغُ دَرَجَتَهُ؟ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيِّينَ: مَعْنَى " إلَّا الْإِقَامَةَ " أَيْ إلَّا " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذَا جَرْيٌ مِنْهُمْ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْكَذِبِ " وَمَا سَمَّى أَحَدٌ قَطُّ قَوْلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " إقَامَةً، لَا فِي لُغَةٍ، وَلَا فِي شَرِيعَةٍ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا أَنَّهُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " كَمَا ذَكَرْنَاهُ؟ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: إنَّ الْأَمْرَ لِبِلَالٍ بِأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ هُوَ مِمَّنْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لِحَاقٌ مِنْهُمْ بِالرَّوَافِضِ النَّاسِبِينَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، تَبْدِيلَ دَيْنِ الْإِسْلَامِ؛ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ هَذَا؛ فَمَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَيْوَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ: أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَأَنَسٌ رَوَى: أَنَّ بِلَالًا أَمَرَ بِوِتْرِهَا، وَأَنَسٌ سَمِعَ أَذَانَ بِلَالٍ بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْأَسْوَدُ قَطُّ يُؤَذِّنُ، وَلَا يُقِيمُ -: فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْأَسْوَدِ: إنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ يُرِيدُ قَوْلَهُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " حَتَّى يَتَّفِقَ قَوْلُهُ مَعَ رِوَايَةِ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ: لَعَلَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ خَفَضَ بِهِ صَوْتَهُ، لَا لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْأَذَانِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا التَّرْجِيعَ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْأَذَانِ لَنَبَّأَهُ عَلَيْهِ، وَلَمَا تَرَكَهُ أَلْبَتَّةَ يَقُولُ ذَلِكَ خَافِضًا صَوْتَهُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَذَانِ؛ فَلَيْسَ هُوَ كَلِمَةً وَاحِدَةً؛ بَلْ أَرْبَعَ قَضَايَا -: الِاثْنَتَانِ مِنْهَا -: سِتُّ كَلِمَاتٍ، سِتُّ كَلِمَاتٍ، وَالِاثْنَتَانِ -: خَمْسُ كَلِمَاتٍ، خَمْسُ كَلِمَاتٍ. فَمِنْ الْكَذِبِ الْبَحْتِ - الَّذِي يَسْتَحِقُّ فِيهِ صَاحِبُهُ أَنْ يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ - أَنْ يَدَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا مَحْذُورَةَ يَأْتِي بِكُلِّ ذَلِكَ خَافِضَ الصَّوْتِ؛ وَلَيْسَ خَفْضُهُ مِنْ حُكْمِ

الْأَذَانِ؛ فَإِذَا تَرَكَهُ عَلَى الْخَطَأِ، وَلَمْ يَنْهَهُ زَادَ فِي إضْلَالِهِ، بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ رَافِعًا صَوْتَهُ، وَلَا يُعْلِمُهُ أَنَّ تَكْرَارَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْأَذَانِ وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطَلِقُ بِهَذَا لِسَانُ مُسْلِمٍ أَوْ يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ؟ . فَكَيْفَ وَالْآثَارُ - الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ - جَاءَتْ مُبَيِّنَةً بِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ كَذَلِكَ نَصًّا؛ كَلِمَةً كَلِمَةً، تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فَوَضَحَ كَذِبُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ جِهَارًا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَا رَأَيْنَا مَا كَانَ فِي الْأَذَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي عَلَى نِصْفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ -: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَرَّتَيْنِ، وَيُقَالُ فِي آخِرِهِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَرَّةً وَكَانَ التَّكْبِيرُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الْأَذَانِ، وَكَانَ التَّكْبِيرُ فِي آخَرِ الْأَذَانِ مَرَّتَيْنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ أَرْبَعًا. قَالَ عَلِيٌّ: إذَا كَانَ هَذَا الْهَوَسُ عِنْدَكُمْ حَقًّا فَإِنَّ التَّكْبِيرَ مُرَبَّعٌ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ كَمَا تَقُولُ؛ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " مُرَبَّعًا أَيْضًا فِي التَّكْبِيرِ، وَأَنْ لَا يُثَنَّى مِنْ الْأَذَانِ إلَّا مَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنْ يُثَنَّى، كَمَا لَا يُفْرَدُ مِنْهُ إلَّا مَا اُتُّفِقَ عَلَى إفْرَادِهِ، وَهُوَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَقَطْ؛ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْأَذَانِ ثَلَاثَ قَضَايَا مُرَبَّعَاتٍ، ثُمَّ يَتْلُوهَا ثَلَاثُ قَضَايَا مُثَنَّيَاتٍ؛ ثُمَّ تُوتِرُ ذَلِكَ قَضِيَّةٌ سَابِعَةٌ مُفْرَدَةٌ؛ فَهَذَا هَذْرٌ أَفْلَحُ مِنْ هَذْرِكُمْ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْتَزِمُوهُ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَاسُوا الْمُسْتَحَاضَةَ عَلَى الْمُصَرَّاةِ، وَالنَّفْخَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَالْمَرْأَةَ ذَاتَ الزَّوْجِ فِي مَالِهَا عَلَى الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ؛ وَفَرْجَ الْمُتَزَوِّجَةِ عَلَى يَدِ السَّارِقِ؛ وَسَائِرَ تِلْكَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي لَا شَيْءَ أَسْقَطَ مِنْهَا وَلَا أَغَثَّ. فَهَذَانِ الْقِيَاسَانِ أَدْخَلُ فِي الْمَعْقُولِ عِنْدَ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ؛ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَلْتَزِمُوهَا إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ؛ وَإِلَّا فَلْيَتْرُكُوا تِلْكَ الْمُقَايِسَ السَّخِيفَةَ؛ فَهُوَ أَحْظَى لَهُمْ فِي الدِّينِ وَأَدْخَلُ فِي الْمَعْقُولِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ: لَمَّا كَانَتْ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " تُقَالُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً -: وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، إلَّا مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْبِيرِ فِيهَا؟

مسألة تنكيس الأذان والإقامة وتقديم المؤخر منها على ما قبله

فَقُلْنَا لَهُمْ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْتُمْ حُجَّةً فِي إفْرَادِ الْأَذَانِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي إفْرَادِ الْإِقَامَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ فِي الْإِقَامَةِ يُثَنَّى بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ -: وَجَبَ أَنْ يُثَنَّى سَائِرُ الْإِقَامَةِ، إلَّا مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ التَّهْلِيلُ فِي آخِرِهَا فَقَطْ أَوْ لَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ فِي الْإِقَامَةِ يُقَالُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْإِقَامَةِ أَيْضًا يُقَالُ مَرَّتَيْنِ؛ لِيَكُونَ فِيهَا تَرْبِيعٌ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى تَثْنِيَةٍ إلَى إفْرَادٍ، وَكُلُّ هَذَا هَوَسٌ؛ إنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِيَرَى أَهْلُ التَّصْحِيحِ فَسَادَ الْقِيَاسِ وَبُطْلَانَهُ؟ . وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي أَذَانِهِمْ " حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ " وَلَا نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ - وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا عَنْ الصَّاحِبِ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ -: أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، فَهُوَ عَنْهُ ثَابِتٌ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُقَالُ فِي الْعَتَمَةِ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " وَلَا نَقُولُ بِهَذَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ تَنْكِيسُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَتَقْدِيمُ الْمُؤَخَّرٍ مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهُ] 332 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْأَذَانِ وَلَا الْإِقَامَةِ، وَلَا تَقْدِيمُ مُؤَخَّرٍ مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَا أَقَامَ وَلَا صَلَّى بِأَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهَا -: الْوُضُوءُ، وَالْأَذَانُ، وَالْإِقَامَةُ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ تَنْكِيسُ كُلِّ ذَلِكَ؟ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْأَذَانِ، وَلَا الْإِقَامَةِ، وَلَا الطَّوَافِ - وَقَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَشْهَرِهِمَا: يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ تَنْكِيسُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ النَّاسَ الْأَذَانَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا

مسألة قول المؤذن في أذانه ألا صلوا في رحالكم

تَكَهَّنُوهُمَا، وَلَا ابْتَدَعُوهُمَا. فَإِذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَلَّمَهُمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرَتَّبَيْنِ كَمَا هُمَا؛ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، يَأْمُرُ الَّذِي يُعَلِّمُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَا يُلَقِّنُهُ، ثُمَّ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الْقَوْلِ، إلَى انْقِضَائِهِمَا. فَإِذْ هَذَا كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْدِيمِ مَا أَخَّرَ أَوْ تَأْخِيرِ مَا قَدَّمَ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَوْلُ الْمُؤَذِّن فِي أَذَانِهِ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ] 333 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ بَرْدٌ شَدِيدٌ أَوْ مَطَرُ رَشٍّ فَصَاعِدًا؛ فَيَجِبُ أَنْ يَزِيدَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ بَعْدَ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ " أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ". وَهَذَا الْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ -: حَدَّثَنَا حَمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَذَّنَ بِضَجِنَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ " صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ". ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ أَوْ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ: صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» . حَدَّثَنَا حَمَامُ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ أَيْمَنَ ثنا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، كُلِّهِمْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ؟ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ. فَقَالَ لَهُمْ: كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنَّهَا لَعَزِيمَةٌ» وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.

مسألة الكلام جائز بين الإقامة والصلاة

[مَسْأَلَةٌ الْكَلَامُ جَائِزٌ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ] مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلَامُ جَائِزٌ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ - طَالَ الْكَلَامُ أَوْ قَصُرَ - وَلَا تُعَادُ الْإِقَامَةُ لِذَلِكَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ النَّاسُ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا إقَامَةَ الْمُسْلِمِينَ لِلصَّلَاةِ، وَتَذَكُّرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ جُنُبٌ، وَرُجُوعَهُ وَاغْتِسَالَهُ، ثُمَّ مَجِيئَهُ وَصَلَاتَهُ بِالنَّاسِ؟ . وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ إعَادَةَ الْإِقَامَةِ أَصْلًا؛ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: فِي أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ أَحْدَثَ؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَلَا تُعَادُ الْإِقَامَةُ لِذَلِكَ وَيُكَلَّفُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَقَلِيلِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِهِ -: أَنْ يَأْتِيَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ بِدَلِيلٍ، ثُمَّ عَلَى حَدِّ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْكَثِيرِ؛ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ أَصْلًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

أوقات الصلاة

[أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ] [مَسْأَلَةٌ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ] مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَخْذُ الشَّمْسِ فِي الزَّوَالِ وَالْمَيْلِ؛ فَلَا يَحِلُّ ابْتِدَاءُ الظُّهْرِ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا يُجْزِئُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ لَا يُعَدُّ فِي ذَلِكَ الظِّلُّ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي أَوَّلِ زَوَالِ الشَّمْسِ؛ وَلَكِنْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَإِذَا كَبَّرَ الْإِنْسَانُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ حِينَ ذَلِكَ - فَمَا قَبْلَهُ - فَقَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الظُّهْرِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَإِذَا زَادَ الظِّلُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا -: بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ إلَّا لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ فَقَطْ؛ وَدَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ؛ فَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجْزِهِ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ فَقَطْ، ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ كُلُّهَا؛ إلَّا أَنَّنَا نَكْرَهُ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ إلَّا لِعُذْرٍ -: وَمَنْ كَبَّرَ لِلْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْرُبَ جَمِيعُ الْقُرْصِ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ؟ فَإِذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ، وَدَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛ وَلَا يُجْزِئُ الدُّخُولُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ غُرُوبِ جَمِيعِ الْقُرْصِ. ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ -: فَمَنْ كَبَّرَ لِلْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ آخِرُ حُمْرَةِ الشَّفَقِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ بِلَا

كَرَاهَةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ؟ . فَإِذَا غَرُبَتْ حُمْرَةُ الشَّفَقِ كُلُّهَا فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛ إلَّا لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ، وَبِمُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ؛ وَدَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَهِيَ الْعَتَمَةُ، وَمَنْ كَبَّرَ لَهَا وَمِنْ الْحُمْرَةِ فِي الْأُفُقِ شَيْءٌ لَمْ يَجْزِهِ. ثُمَّ يَتَمَادَى وَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ إلَى انْقِضَاءِ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَابْتِدَاءِ النِّصْفِ الثَّانِي -: فَمَنْ كَبَّرَ لَهَا فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْعَتَمَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَا ضَرُورَةٍ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ؟ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي فَقَدْ دَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ فَلَوْ كَبَّرَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ، وَيَتَمَادَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَطْلُعَ أَوَّلُ قُرْصِ الشَّمْسِ -: فَمَنْ كَبَّرَ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ - إلَّا أَنَّنَا نَكْرَهُ تَأْخِيرَهَا عَنْ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ إلَّا لِعُذْرٍ؛ فَإِذَا طَلَعَ أَوَّلُ الْقُرْصِ فَقَدْ بَطَلَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ كُلِّ صَلَاةٍ ذَكَرْنَاهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا: لَا صَبِيٌّ يَبْلُغُ؛ وَلَا حَائِضٌ تَطْهُرُ؛ وَلَا كَافِرٌ يُسْلِمُ - وَلَا يُصَلِّي هَؤُلَاءِ إلَّا مَا أَدْرَكُوا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ؟ . وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ إنْ زَالَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ نَازِلٌ أَوْ غَرُبَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ نَازِلٌ -: فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا فَرْقَ -: يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا وَلَا بُدَّ. فَإِنْ زَالَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَهُوَ مَاشٍ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِلْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ. وَإِنْ غَابَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَهُوَ مَاشٍ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَتَمَةِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ؟ ، وَأَمَّا بِعَرَفَةَ - يَوْمَ عَرَفَةَ خَاصَّةً - فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا؛ ثُمَّ يُصَلِّي الْعَصْرَ إذَا سَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؟ . وَأَمَّا بِمُزْدَلِفَةَ - لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً - فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ أَيَّ وَقْتٍ

جَاءَهَا؛ فَإِنْ جَاءَهَا فِي وَقْتِ الْعَتَمَةِ صَلَّاهَا، ثُمَّ صَلَّى الْعَتَمَةَ، وَأَمَّا النَّاسِي لِلصَّلَاةِ وَالنَّائِمُ عَنْهَا فَإِنَّ وَقْتَهَا مُتَمَادٍ أَبَدًا لَا بُدَّ؛ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا الَّذِي ذَكَرْنَا؛ وَلَا يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ وَلَا أَنْ يُقَدِّمَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الَّذِي ذَكَرْنَا، لَا يُجْزِئُهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ؛ وَوَقْتُ الْعَتَمَةِ الْمُسْتَحَبُّ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَإِلَى نِصْفِهِ، وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ - وَإِنْ كُرِهَ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ. وَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، وَلَا تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ -: لِلْمُسَافِرِ الْمُجِدِّ وَرَأَى مَالِكٌ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ ذَهَابَ عَقْلِهِ، وَلِلْمُسَافِرِ الَّذِي يُرِيدُ الرَّحِيلَ -: أَنْ يُقَدِّمَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَالْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ. وَرَأَى لِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ - فِي الْمَطَرِ وَالظُّلْمَةِ - أَنْ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ قَلِيلًا وَتُقَدِّمَ الْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَلَا يُتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا؛ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ لِخَوْفِ عَدُوٍّ، وَلَا رَأَى ذَلِكَ فِي نَهَارِ الْمَطَرِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَرَأَى وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يَمْتَدَّانِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِدْرَاكِ الظُّهْرِ وَرَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ جَمِيعِهَا؟ وَرَأَى وَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ يَمْتَدَّانِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْمَغْرِبَ وَرَكْعَةً مِنْ الْعَتَمَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَرَأَى الشَّافِعِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَسَطِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ فِي وَسَطِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ -: لِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ خَاصَّةً فِي الْمَطَرِ. وَرَأَى وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مُشْتَرَكًا مُمْتَدًّا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ مُشْتَرَكًا مُمْتَدًّا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.

هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ ظَاهِرَةُ التَّنَاقُضِ بِلَا بُرْهَانٍ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ هُوَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ - أَنَا هَمَّامُ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْمَرَاغِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلَمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أُبَيٌّ ثنا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ - وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى

انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ: الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ» . وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ بِإِسْنَادِهِ -: وَفِيهِ «فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ صَلَّى الْفَجْرَ فَانْصَرَفَ فَقُلْنَا: طَلَعَتْ الشَّمْسُ؟ وَأَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَصَلَّى الْعَصْرَ وَقَدْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ أَوْ قَالَ: أَمْسَى» . حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ ابْنُ زُهَيْرٍ: حَدَّثَنِي أَبِي وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ زُهَيْرٌ، وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا -: وَإِنَّ أَوَّلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ: حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ: حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ

وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ: حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَغِيبُ الْأُفُقُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ: حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ: حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا اعْتِلَالُ مَنْ اعْتَلَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِأَنَّ قَتَادَةَ أَسْنَدَهُ مَرَّةً وَأَوْقَفَهُ أُخْرَى، وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ، بَلْ هُوَ قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ، إذَا كَانَ الصَّاحِبُ يَرْوِيهِ مَرَّةً عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُفْتِي بِهِ أُخْرَى؟ وَهَذَا جَهْلٌ مِمَّنْ تَعَلَّلَ بِهَذَا، وَقَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ قَلَّدَ فِيهِ مَنْ ظَنَّهُ. ؟ وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا مَنْ تَعَلَّلَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى مُجَاهِدٍ - وَهَذَا أَيْضًا دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا يَضُرُّ إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَ إيقَافَ مَنْ أَوْقَفَ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ، مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ؛ فَوَاجِبٌ الْأَخْذُ بِالزَّائِدِ؛ وَاَلَّذِي فِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ» . لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِاشْتِرَاكِ وَقْتَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ «وَقْتَ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» . وَنَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى بُطْلَانِ الِاشْتِرَاكِ، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ

ثنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ: أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» . فَلَا بُدَّ مِنْ جَمْعِهَا كُلِّهَا لِصِحَّتِهَا فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَبَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِلظُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَصَارَ مُصَلِّيًا لَهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَهَذَا حَسَنٌ؟ وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ «وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ» زَائِدٌ عَلَى سَائِرِ الْأَخْبَارِ؛ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا؟ وَكَذَلِكَ هُوَ زَائِدٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ. وَفِيهِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» ؟ ، وَهَذَا الْخَبَرُ زَائِدٌ عَلَى الْآثَارِ الَّتِي فِيهَا «وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ زِيَادَةِ الْعَدْلِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا زَائِدَةٌ عَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّاهَا فِيهِ بِالْأَمْسِ وَقْتًا وَاحِدًا» . وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا مُبْطِلَةٌ قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ؛ وَهُوَ قَوْلٌ يَبْطُلُ مِنْ جِهَاتٍ -: مِنْهَا: مَا قَدْ صَحَّ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ سُورَةَ الْأَعْرَافِ، وَسُورَةَ الطُّورِ، وَالْمُرْسَلَاتِ» . فَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُصَلِّيًا لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ تَخْتَلِفُ؛ فَبَعْضُهَا لَا مَنَارَ لَهَا؛ وَهِيَ ضَيِّقَةُ السَّاحَةِ جِدًّا؛ فَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ مُسْرِعًا وَيُصَلِّي، وَبَعْضُهَا وَاسِعَةُ الصُّحُونِ: كَالْجَوَامِعِ الْكِبَارِ، وَعَالِيَةُ الْمَنَارِ؛ فَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ مُسْتَرْسِلًا ثُمَّ يَنْزِلُ؛ فَلَا سَبِيلَ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ إلَّا وَأَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ قَدْ أَتَمُّوا؛ هَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ. فَعَلَى قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ: كَانَ يَجِبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يُصَلُّوا الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا؟

وَأَيْضًا: فَيَسْأَلُونَ: مَتَى يَنْقَضِي وَقْتُهَا عِنْدَكُمْ؟ فَلَا يَأْتُونَ بِحَدٍّ أَصْلًا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةٌ مَحْدُودَةٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ حَدَّهَا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا؟ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ أَيْضًا: تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِاشْتِرَاكِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ وَبِاشْتِرَاكِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ وَلَمْ يَأْتِ خَبَرٌ يُعَارِضُهَا فِي هَذَا أَصْلًا؟ وَحُكْمُ عَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ: حُكْمٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي ذَيْنِك الْمَوْضِعَيْنِ فَقَطْ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ - بِلَا خِلَافٍ - عَلَى أَنَّ إمَامًا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِعَرَفَةَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؛ ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، كَحُكْمِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ أَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي إثْرِ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ -: لَكَانَ مُخْطِئًا مُسِيئًا؛ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ فَاسِدَ الصَّلَاةِ فَصَحَّ: أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْقِيَاسَ وَالنُّصُوصَ: أَمَّا النُّصُوصُ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا؟ ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا - أَنْ يَجُوزَ، وَأَنْ يَلْزَمَ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ: مَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُ فِي عَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ فَيَكُونُ الْحُكْمُ: أَنْ تُصَلِّيَ الْعَصْرَ أَبَدًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَأَنْ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ أَبَدًا إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّفَقِ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ هَذَا؛ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا قَوْلَهُمْ فِي اشْتِرَاكِ الْأَوْقَاتِ عَلَى حُكْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، وَلَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ بِمُزْدَلِفَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلَمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إذَا عَجَّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ

فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» ، وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا «إذَا جَدَّ بِهِ السَّفَرُ» . وَهَذَا الْخَبَرُ: يَقْضِي عَلَى كُلِّ خَبَرٍ جَاءَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْ: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ وَبَيْنَ صَلَاتَيْ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ خَبَرٍ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا؟ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ السَّفَرِ: فَلَا سَبِيلَ أَلْبَتَّةَ إلَى وُجُودِ خَبَرٍ فِيهِ: الْجَمْعُ بِتَقْدِيمِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ. وَلَا بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ؛ وَلَا بِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ. وَلَا بِتَقْدِيمِ الْعَتَمَةِ إلَى قَبْلِ غُرُوبِ الشَّفَقِ، فَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى هَذَا؛ فَمَنْ قَطَعَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا الْجَمْعُ؛ فَقَدْ أَقْدَمَ عَلَى الْكَذِبِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَنَحْنُ نَرَى الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ ثُمَّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَبَدًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ، وَلَا مُخَالَفَةَ لِلسُّنَنِ؛ لَكِنْ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَيُبْتَدَأُ فِي وَقْتِهَا وَيُسَلِّمُ مِنْهَا وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ؛ فَيُؤَذَّنُ لِلْعَصْرِ، وَيُقَامُ وَتُصَلَّى فِي وَقْتِهَا؛ وَتُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا؛ فَيُكَبِّرُ لَهَا فِي وَقْتِهَا وَيُسَلِّمُ مِنْهَا، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ: فَيُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ وَتُصَلَّى الْعِشَاءُ فِي وَقْتِهَا. فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا الْعَمَلِ مُوَافَقَةُ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا؛ وَمُوَافَقَةُ يَقِينِ الْحَقِّ: فِي أَنْ تُؤَدَّى كُلُّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا -، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ ادَّعُوا الْعَمَلَ بِالْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ؛ فَلَا حُجَّةَ فِي عَمَلِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ؟ وَلَا يَجِدُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: صِفَةَ الْجَمْعِ الَّذِي يَرَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ وَقَدْ أَنْكَرَهُ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِي الْجَمْعِ: هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» . قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ فِي مَطَرٍ، وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ - بِالْمَدِينَةِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ؟ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ؟ . قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؛ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ خِلَافٌ لِقَوْلِنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَلَا صِفَةُ الْجَمْعِ؛ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِمَا عَلَيْنَا؟ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُمْ «أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا؛ ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» . فَهَذَا أَيْضًا كَمَا قُلْنَا: لَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْجَمْعِ عَلَى مَا يَقُولُونَ؛ فَلَيْسُوا أَوْلَى بِظَاهِرِهِ مِنَّا، وَهَذَا أَيْضًا: خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ، وَإِنْ غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ

وَالْعِشَاءِ؛ وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ؛ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» . فَهَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَجَّلَ الْعَصْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَالْعَتَمَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَمَنْ تَأَمَّلَ لَفْظَ الْخَبَرِ رَأَى ذَلِكَ وَاضِحًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ أَعْمَلُوهَا؛ فَزَلَّ فِيهَا مَنْ زَلَّ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ سَوَاءً سَوَاءً فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ؛ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ.» -: فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَرْدَى حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَكَذَا إلَّا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِيَزِيدَ سَمَاعًا مِنْ أَبِي الطُّفَيْلِ؟ وَالثَّانِي: أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ " صَاحِبُ رَايَةِ الْمُخْتَارِ " وَذُكِرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ وَالثَّالِثُ: أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ مُؤَلِّفِ الصَّحِيحِ - أَنَّهُ قَالَ: قُلْت لِقُتَيْبَةِ: مَعَ مَنْ كَتَبْت عَنْ اللَّيْثِ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ؟ يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي قُتَيْبَةُ: كَتَبْته مَعَ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ

قَالَ الْبُخَارِيُّ: كَانَ خَالِدٌ الْمَدَائِنِيُّ يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ؟ يُرِيدُ: أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ فِي رِوَايَتِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدَّمَ الْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ فِي اشْتِرَاكِ الْوَقْتَيْنِ؛ وَفِي تَقْدِيمِ صَلَاةٍ إلَى وَقْتِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ وَتَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتِ غَيْرِهَا بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ؟ لَا سِيَّمَا مَعَ نَصِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ «وَقْتَ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» . وَأَنَّ «آخِرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغْرُبْ الْأُفُقُ، وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الْأُفُقُ؟» فَهَذَا نَصٌّ يُبْطِلُ الِاشْتِرَاكَ جُمْلَةً، وَأَمَّا النَّاسِي وَالنَّائِمُ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» . فَصَحَّ أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ لِلنَّاسِي وَلِلنَّائِمِ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ مُمْتَدٌّ لِلْمُجِدِّ فِي السَّيْرِ، وَفِي مُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ: مُنْتَقِلٌ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ. وَانْتِقَالُ الْأَوْقَاتِ أَوْ تَمَادِيهَا أَوْ حَدُّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَلْتَزِمُوا قِيَاسًا فِي شَيْءٍ مِمَّا قَالُوهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا؟ ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ -: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ ذَكَرَ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ «أَنَّ جَبْرَائِيلُ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَأَمَرَهُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ» .

قَالُوا: فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ يَدْرِي أَمْرَهُ بِابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظِّلَّ لَا يَسْتَقِرُّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ هَذَا لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي مَسْعُودٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَةٍ لَهُمْ فِي تَوْثِيبِ أَحْكَامِ الْأَحَادِيثِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ، وِتْرِكِ مَا فِيهَا، وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَا إشَارَةٌ، وَلَا دَلِيلٌ، وَلَا مَعْنَى يُوجِبُ امْتِدَادَ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ. وَلَا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بَعْدَ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا جَوَازُ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ حِينَ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ؛ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي أَمَرَهُ فِيهِ جِبْرِيلُ بِأَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِيهِ، لَا فِيمَا بَعْدَهُ؟ وَذَكَرَ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ ذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْأُجَرَاءَ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ غَدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ، ثُمَّ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؛ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ الَّذِينَ عَمِلُوا مِنْ الْعَصْرِ إلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، وَهُمْ نَحْنُ؟ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً؟ فَقَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا؛ قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» . وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَيْضًا الْمَأْثُورُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذَا؛ وَفِيهِ «أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُمْ قَالَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا إلَى حِينِ صَلَاةِ الْعَصْرِ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ؛ فَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ؟» . فَقَالَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: لَوْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ يَخْرُجُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ظِلِّ الْمِثْلِ، وَيَدْخُلُ حِينَئِذٍ وَقْتُ الْعَصْرِ -: لَكَانَ مِقْدَارُ وَقْتِ الْعَصْرِ مِثْلَ مِقْدَارِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛

وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي ذَيْنِك الْخَبَرَيْنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا قُلْنَا مِنْ تِلْكَ الْعَوَائِدِ الْمَلْعُونَةِ، وَالْإِيهَامِ بِتَوْثِيبِ الْأَحَادِيثِ عَمَّا فِيهَا إلَى مَا لَيْسَ فِيهَا. وَبَيَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ - لَا بِدَلِيلٍ وَلَا بِنَصٍّ - أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ أَوْسَعُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أَجْرًا؛ فَمَنْ أَضَلُّ وَأَخْزَى فِي الْمَعَادِ مِمَّنْ جَعَلَ قَوْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِي لَمْ يُصَدِّقْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا -: فَإِنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً يَرُدُّ بِهَا تَمْوِيهًا وَتَخَيُّلًا نَصُّ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مَا دَامَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» . فَكَيْفَ وَاَلَّذِي قَالَتْ الْيَهُودُ لَا يُخَالِفُ مَا حَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ؛ وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً؟ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي عَمِلُوهُ كُلُّهُمْ أَكْثَرُ مِمَّا عَمِلْنَاهُ نَحْنُ؛ بَلْ الَّذِي عَمِلَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي عَمِلْنَاهُ نَحْنُ وَاَلَّذِي مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ - فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ - أَكْثَرُ مِمَّا فِي حِينِ زِيَادَةِ الظِّلِّ عَلَى الْمِثْلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ أَقَلُّ مِمَّا أَخَذْنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «إنَّمَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ؟» . وَهَذَا حَقٌّ؛ لِأَنَّ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ يَسِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ، مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، نَعَمْ وَبِالْإِضَافَةِ أَيْضًا إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى قَوْلِنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ يَسِيرٌ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ

قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ ' - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا عَنَى آخِرَ أَوْقَاتِ الْعَصْرِ، وَهُوَ مِقْدَارُ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ آخِرِ الْقُرْصِ -: لَصَدَقَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ بُعِثَ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ، وَضَمَّ أُصْبُعَهُ إلَى الْأُخْرَى وَأَنَّنَا فِي الْأُمَمِ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ - فَهَذَا أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَتَّفِقَ أَخْبَارُهُ كُلُّهَا؛ بَلْ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: إنَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَزَادَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ امْتِدَادَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ -: فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَخِلَافٌ لِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ، أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ، وَقَدْ احْتَجَّ فِي هَذَا بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» وَرَامُوا بِهَذَا اتِّصَالَ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِوَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوهُ أَصْلًا، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا - بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ؟ فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِوَقْتِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ مَعْصِيَةُ مَنْ أَخَّرَ صَلَاةً إلَى وَقْتِ غَيْرِهَا فَقَطْ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ آخِرُ وَقْتِهَا بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ لَهَا، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ؟ وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفَرِّطًا أَيْضًا مَنْ أَخَّرَهَا إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ أُخْرَى، وَلَا أَنَّهُ يَكُونُ مُفَرِّطًا؛ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَكِنَّ بَيَانَهُ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا نَصٌّ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَالضَّرُورَةُ تُوجِبُ أَنَّ مَنْ تَعَدَّى بِكُلِّ عَمَلٍ وَقْتَهُ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ الْعَمَلِ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] فَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ صَلَاةً قَبْلَ وَقْتِهَا الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا وَعَلَّقَهَا بِهِ، وَأَمَرَ بِأَنْ تُقَامَ فِيهِ، وَنَهَى عَنْ التَّفْرِيطِ فِي ذَلِكَ؛ أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ -: فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَهُوَ ظَالِمٌ عَاصٍ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ

وَأَمَّا تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا فَمَعْصِيَةٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ تَقَدَّمَ وَتَأَخَّرَ، مَقْطُوعٌ عَلَيْهِ مُتَيَقَّنٌ، وَمَنْ شَبَّهَ الصَّلَاةَ بِالدَّيْنِ، لَزِمَهُ إجَازَةُ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا؛ كَالدَّيْنِ يُقَدَّمُ قَبْلَ أَجَلِهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِعِصْيَانِ مَنْ أَخَّرَهَا عَامِدًا قَادِرًا عَنْ وَقْتِهَا، كَالدَّيْنِ يَمْطُلُ بِأَدَائِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ؟ . وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ خَالَفُوهُ فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى قَوْلِهِمْ؟ كَذَبُوا، فَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ جَوَازُ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَمَا جَازَ قَطُّ عِنْدَ أَحَدٍ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ . وَأَمَّا إنْكَارُ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْخِيرَ الْمُسَافِرِ الَّذِي جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَلَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَا بَعْدَهُ صَلَاةَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ كَغَيْرِهِ وَتَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ إلَى وَقْتِ الْعَتَمَةِ كَغَيْرِهِ؟ -: فَهُوَ خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ؟ رَوَاهَا أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَنَسٍ؛ وَغَنِيّنَا بِهَا عَنْ ذِكْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا أَعْجَبَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ الْعَتَمَةَ؟» . فَقَالَ هَذَا الْمَفْتُونُ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ؛ فَقَالَ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ مُجَاهَرَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَسْهِلْهَا ذُو وَرَعٍ وَحَيَاءٍ أَنْ يَقُولَ الثِّقَةُ «بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ» فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّمَا أَرَادَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ دَخَلَ فِي طَرِيقِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُفَسِّرُونَ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ وَأَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً عَلَى مَا هُمْ

أَوْلَى بِهِ وَفِي هَذَا بُطْلَانُ جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ، وَبُطْلَانُ جَمِيعِ الْمَعْقُولِ، وَالسَّفْسَطَةُ الْمُجَرَّدَةُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟ . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] فَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، بَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَمُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى أَجَلُ الْكَوْنِ فِي الْعِدَّةِ، لَا أَجَلُ انْقِضَائِهَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» أَيْضًا حَقِيقَةٌ عَلَى ظَاهِرِهِ - وَمَا أَذَانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ إلَّا بَعْد الْفَجْرِ، وَأَمْرِ الْإِصْبَاحِ: لَا قَبْلَهُمَا؟ وَلَوْ كَانَ مَا ظَنُّوهُ: لَحَرُمَ الْأَكْلُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، وَلَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ بِتَقْدِيمِ الْمَرِيضِ - الَّذِي يُخْشَى ذَهَابُ عَقْلِهِ - الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْعَتَمَةَ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ -: خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَلَا يَخْلُو وَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا وَقْتًا لِلْعَصْرِ، وَيَكُونُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَقْتًا لِلْعَتَمَةِ، أَوْ لَا يَكُونُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنْ كَانَ وَقْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ وَلِلْعَتَمَةِ أَيْضًا -: فَتَقْدِيمُ الْعَتَمَةِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ - الَّذِي هُوَ وَقْتٌ لَهَا - وَتَقْدِيمُ وَقْتِ الْعَصْرِ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ - الَّذِي هُوَ وَقْتٌ لَهَا أَيْضًا -: جَائِزٌ لِغَيْرِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ وَالْعَصْرَ أَيْضًا فِي وَقْتَيْهِمَا، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ؟ . وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْعَصْرِ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْعَتَمَةِ -: فَقَدْ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً قَبْلَ وَقْتِهَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ وَلَئِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لَيَجُوزَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَيْضًا فِي تَقْدِيمِ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَتَقْدِيمِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَتَقْدِيمِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ - فَقَدْ ظَهَرَ التَّنَاقُضُ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَقْتًا لِلْعَصْرِ إلَّا لِلْمَرِيضِ الَّذِي يُخْشَى ذَهَابُ عَقْلِهِ: كُلِّفَ الدَّلِيلَ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ الْمُدَّعَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَاَلَّذِي لَا يَعْجَزُ عَنْ مِثْلِهِ أَحَدٌ، وَلَا

مسألة تعجيل جميع الصلوات في أول أوقاتها أفضل على كل حال حاشا العتمة

سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ فِي الْجَمْعِ وَفِي اشْتِرَاكِ الْوَقْتَيْنِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَهُنَا حَدِيثٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّنَا أَغْفَلْنَاهُ، وَأَنَّ فِيهِ مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ حَدِيثٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ لِمَغِيبِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ ثَالِثَةٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: بَشِيرُ بْنُ ثَابِتٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَبُو بِشْرٍ، وَلَا رَوَى عَنْهُ أَبُو بِشْرٍ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَدْ وُثِّقَ وَتُكُلِّمَ فِيهِ، وَهُوَ إلَى الْجَهَالَةِ أَقْرَبُ؟ وَحَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَكَاتِبُهُ؛ وَلَيْسَ مَشْهُورَ الْحَالِ فِي الرُّوَاةِ. وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي أَنَّ هَذَا هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَتَمَةِ؛ بَلْ قَدْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَالْقَمَرُ يَغِيبُ لَيْلَةً ثَالِثَةً فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ بَعْدَ ذَهَابِ سَاعَتَيْنِ وَنِصْفِ سَاعَةٍ وَنِصْفِ سُبْعِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمُجَزَّأَةِ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْبَيَاضُ يَتَأَخَّرُ، وَالشَّفَقُ الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ يَغِيبُ قَبْلَ سُقُوطِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بِحِينٍ كَبِيرٍ جِدًّا مُغَيَّبَةً بَعْدَ سُقُوطِ الْقَمَرِ لَيْلَةً ثَالِثَةً سَاعَةً وَنِصْفًا مِنْ السَّاعَاتِ الْمَذْكُورَةِ. فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ - لَوْ صَحَّ - حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ أَصْلًا مِمَّا يَخْتَلِفُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعْجِيلُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَاشَا الْعَتَمَةِ] 336 - مَسْأَلَةٌ: وَتَعْجِيلُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ حَاشَا الْعَتَمَةِ؛ فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ زَمَانٍ أَفْضَلُ؛ إلَّا أَنْ يَشُقَّ ذَلِكَ

عَلَى النَّاسِ؛ فَالرِّفْقُ بِهِمْ أَوْلَى، وَحَاشَا الظُّهْرِ لِلْجَمَاعَةِ خَاصَّةً فِي شِدَّةِ الْحَرِّ خَاصَّةً، فَالْإِبْرَادُ بِهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10] {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 11] {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 12] فَالْمُسَارَعَةُ إلَى الْخَيْرِ وَالْمُسَابَقَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ الْقَاضِي بِالثَّغْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَاضِي طَرْطُوشَةَ قَالَا ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْمُطَّوِّعِيُّ الرَّازِيّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ بِنَيْسَابُورَ ثنا أَبُو عُمَرَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَّاكُ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مَكْرَمٍ ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَسْأَلُ أَبَا بَرْزَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُبَالِي بَعْضَ تَأْخِيرِهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ - يَعْنِي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ - وَلَا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلَا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ

تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ حِينَ يَذْهَبُ الرَّجُلُ إلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُ فَيَعْرِفُهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا؟ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَخَرَجَ إلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُهُ أَوْ بَعْدَهُ - يَعْنِي ثُلُثَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْت بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنُ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى» . وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ كَادَ يَذْهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ»

وَمِنْ طَرِيقِ أُمِّ كُلْثُومَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُخْتِهَا عَائِشَةَ «أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ» . قَالَ عَلِيٌّ: إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ فَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ؛ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ زَائِدَةٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ؟ وَالسَّنَدُ الْمَذْكُورُ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ سَمِعْت مُهَاجِرًا أَبَا الْحَسَنِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ «أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْرِدْ أَبْرِدْ، أَوْ قَالَ: انْتَظِرْ انْتَظِرْ، إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا لَمْ نَحْمِلْ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ خَبَّابٍ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِدَّةَ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا» . قُلْت لِأَبِي إِسْحَاقَ: أَفِي الظُّهْرِ فِي تَعْجِيلِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ مَا تَخَيَّرْنَاهُ فِي الْأَوْقَاتِ عَنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَأَبْرِدْ؟ . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ

الْمُهَاجِرِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ حِينَ تَزِيغُ الشَّمْسُ أَوْ حِينَ تُدْرِكُ، وَصَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، وَصَلِّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَصَلِّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ -: أَيْ حِينَ تَبِيتُ، وَصَلِّ صَلَاةَ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ، أَوْ بِسَوَادٍ؛ وَأَطِلْ الْقِرَاءَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: ثنا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: «خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرُبَتْ الشَّمْسُ وَبَدَتْ النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لَا يَفْتُرُ وَلَا يَنْثَنِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ، لَا أُمَّ لَكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.» وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَ عَنْ تَفْرِيطِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: أَنْ تُؤَخِّرَهَا إلَى الَّتِي بَعْدَهَا؟ حَدَّثَنَا حَمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ الَّذِي تَفُوتُهُ

صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» ، فَقُلْت لِنَافِعٍ: حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي فِيهِ «إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ أَقْدَمَ بِالْعَظِيمَةِ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ذَاكِرًا لَهَا حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ تَعَمَّدَ حَالًا مِنْ الْحِرْمَانِ صَارَ فِيهَا كَمَا لَوْ وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، قَاصِدًا إلَى مَا ذَمَّهُ مِنْ التَّفْرِيطِ -، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ؟ . وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: إمَامٌ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ؛ أُصَلِّيهَا مَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْجَمَاعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ؟ قُلْت: وَإِنْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ وَلَحِقَتْ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ تَغِبْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَكَانَ طَاوُسٍ يُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُهَا؛ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ حَتَّى تَصْفَرَّ الشَّمْسُ جِدًّا. وَأَمَّا الْآخَرُ: الَّذِي فِيهِ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الصَّلَاةَ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ؟» فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لَمْ يُسْنَدْ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الْمُعْتَرِضُ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، يَعْنِي إثْرَ سَلَامِهِ مِنْهَا؟

قَالَ: وَتَأْخِيرُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّغْلِيسِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لِلْجَمَاعَةِ. وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَكُونَ الظِّلُّ دُونَ الْقَامَتَيْنِ؛ وَالتَّهْجِيرُ بِهَا فِي الشِّتَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ: وَأَنْ يُبْرِدَ بِهَا فِي الصَّيْفِ أَعْجَبُ إلَيَّ. وَوَقْتُ الْعَصْرِ إذَا كَانَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ إلَى قَبْلِ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، يُرِيدُ -: أَنْ يُكَبِّرَ لَهَا قَبْلَ تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَتَأْخِيرُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مُذْ تَغْرُبُ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَتَعْجِيلُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ. وَوَقْتُ الْعَتَمَةِ مُذْ يَغِيبُ الشَّفَقُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَوَقْتُهَا يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَا قَالَ مِمَّا خَالَفْنَاهُ فِيهِ فَقَدْ أَبَدَيْنَا بِالْبُرْهَانِ سُقُوطَ قَوْلِهِ؛ إلَّا تَأْخِيرَ الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ [بِخَبَرٍ] مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَسْفِرُوا بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِكُمْ» «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ أَوْ لِأَجْرِكُمْ» قَالَ عَلِيٌّ: مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ ثِقَةٌ، وَهُوَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ لَبِيدٍ. وَالْخَبَرُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إذَا أُضِيفَ إلَى الثَّابِتِ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي التَّغْلِيسِ؛ حَتَّى إنَّهُ لَيَنْصَرِفُ وَالنِّسَاءُ لَا يُعْرَفْنَ، أَوْ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ وَجْهَ جَلِيسِهِ الَّذِي كَانَ يَعْرِفُهُ؛ وَأَنَّ هَذَا كَانَ الْمُدَاوَمُ عَلَيْهِ مِنْ عِلْمِهِ. - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

صَحَّ أَنَّ الْإِسْفَارَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَنْ يَنْقَضِيَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَلَا يُصَلِّيَ عَلَى شَكٍّ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَا أَجْرَ فِي غَيْرِ هَذَا، بَلْ مَا فِيهِ إلَّا الْإِثْمُ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يُنْكَرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ} [النساء: 46] وَلَا خَيْرَ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَلِّفُ أُمَّتَهُ وَأَصْحَابَهُ الْمَشَقَّةَ فِي تَرْكِ النَّوْمِ أَلَذَّ مَا يَكُونُ، وَخُرُوجُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ -: عَمَلًا فِيهِ مَشَقَّةٌ وَكُلْفَةٌ وَحَطِيطَةٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ وَيَمْنَعُهُمْ الْفَضْلَ وَالْأَجْرَ مَعَ الرَّاحَةِ؛ حَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا؛ فَهَذَا ضِدُّ النَّصِيحَةِ، وَعَيْنُ الْغِشِّ وَالْحَرَجِ وَالظُّلْمِ. وَمَا نَدْرِيهِمْ تَعَلَّقُوا فِي هَذَا إلَّا بِرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّغْلِيسِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّهَا صَلَاةٌ حُوِّلَتْ عَنْ وَقْتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَهَذَا خَبَرٌ مُسْقِطٌ لِقَوْلِهِمْ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً؛ إذْ قَوْلُهُمْ الَّذِي لَا خِلَافَ عَنْهُمْ فِيهِ: أَنَّ التَّغْلِيسَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْفَجْرِ لَيْسَ صَلَاةً لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ بَلْ هُوَ وَقْتُهَا عِنْدَهُمْ؟ فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُمَوِّهُ بِحَدِيثٍ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ؛ وَيُوهِمُ خَصْمَهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي اخْتِيَارِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ: فَقَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ - وَلِجَمِيعِ السُّنَنِ، وَلِجَمِيعِ السَّلَفِ؛ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالصُّبْحُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ - وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي الصُّبْحِ: التَّغْلِيسُ. وَأَحَبُّ إلَيْهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ: أَنْ تُصَلَّى فِي الْبَرْدِ وَالْحَرِّ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا، وَأَحَبُّ إلَيْهِ: أَنْ تُصَلَّى الْعَصْرُ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ؟ وَتَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إلَّا لِلْمُسَافِرِ؛ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُمَدَّ الْمِيلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا.

مسألة وقت الظهر أطول من وقت العصر أبدا في كل زمان ومكان

وَالْعَتَمَةُ: إثْرَ مَغِيبِ الشَّفَقِ قَلِيلًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُ فِي اتِّصَالِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَوَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ؟ فَقَوْلٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ السُّنَنِ؛ وَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - إلَّا عَنْ عَطَاءٍ وَحْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الْعَتَمَةِ؟ فَلَا نَعْلَمُ اخْتِيَارَهُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؟ فَإِنَّهُ عَوَّلَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَاتِ الْمُتَرَادِفَةَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بِأَنْ تُصَلَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ وَأَنْ يُبْرَدَ بِهَا. رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَمَالِكٌ جَدُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَرَوَتْهُ عَائِشَةُ مُسْنَدًا، وَمِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ؟ وَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَقْتُ الْعَتَمَةِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْإِفْرَاطُ فِي الْعَتَمَةِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ؟ -: فَإِنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ الْأَثَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ: وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ؛ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ؟ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] . [مَسْأَلَةٌ وَقْتُ الظُّهْرِ أَطْوَلُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ أَبَدًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ] 337 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَقْتُ الظُّهْرِ أَطْوَلُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ أَبَدًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ تَأْخُذُ فِي الزَّوَالِ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ السَّابِعَةِ، وَيَأْخُذُ ظِلُّ الْقَائِمِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مِثْلِ

مسألة في بيان الشفق والفجر وتعريفهما وبيان أنواعهما

الْقَائِمِ - بَعْدَ طَرْحِ ظِلِّ الزَّوَالِ - فِي صَدْرِ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ؛ أَمَّا فِي خُمُسِهَا الْأَوَّلِ إلَى ثُلُثِهَا الْأَوَّلِ: لَا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ أَصْلًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؟ وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُسَاوٍ لِوَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَبَدًا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى أَوَّلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، كَاَلَّذِي مِنْ آخِرِ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ - الَّذِي هُوَ الْحُمْرَةُ أَبَدًا - فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ؛ يَتَّسِعُ فِي الصَّيْفِ، وَيَضِيقُ فِي الشِّتَاءِ؛ لِكِبَرِ الْقَوْسِ وَصِغَرِهِ. وَوَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَبَدًا: هُوَ أَقَلُّ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَوَقْتِ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ هُوَ رُبُعُ النَّهَارِ وَزِيَادَةٌ؟ فَهُوَ أَبَدًا ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، وَشَيْءٌ مِنْ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ وَوَقْتُ الْعَصْرِ رُبُعُ النَّهَارِ غَيْرَ شَيْءٍ فَهُوَ أَبَدًا ثَلَاثُ سَاعَاتٍ، غَيْرَ شَيْءٍ مِنْ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَلَا وَقْتُ الصُّبْحِ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ وَقْتُ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُمَا سَاعَتَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَرُبُعَ سَاعَةٍ مِنْ السَّاعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ، وَأَقْصَرِ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ -: اثْنَتَا عَشْرَةَ، فَهِيَ تَخْتَلِفُ لِذَلِكَ فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا؛ وَفِي الْهَيْئَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ؟ وَأَوْسَعُهَا كُلُّهَا وَقْتُ الْعَتَمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَزْيَدُ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَمِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِي بَيَان الشَّفَقِ وَالْفَجْرِ وتعريفهما وَبَيَان أنواعهما] 338 - مَسْأَلَةٌ: الشَّفَقُ، وَالْفَجْرُ. قَالَ عَلِيٌّ -: الْفَجْرُ: فَجْرَانِ - وَالشَّفَقُ: شَفَقَانِ. وَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْمُسْتَطِيلُ الْمُسْتَدَقُّ صَاعِدًا فِي الْفَلَكِ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ،

وَتَحْدُثُ بَعْدَهُ ظُلْمَةٌ فِي الْأُفُقِ -: لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ وَلَا الشُّرْبُ عَلَى الصَّائِمِ؛ وَلَا يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ -: هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا. وَالْآخَرُ: هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَأْخُذُ فِي عَرْضِ السَّمَاءِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ فِي مَوْضِعِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا، وَهُوَ مُقَدِّمَةُ ضَوْئِهَا، وَيَزْدَادُ بَيَاضُهُ؛ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ تَوْرِيدٌ بِحُمْرَةِ بَدِيعَةٍ، وَبِتَبَيُّنِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّوْمِ وَوَقْتُ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَوَقْتُ صَلَاتِهَا. فَأَمَّا دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِتَبَيُّنِهِ؟ فَلَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ وَأَمَّا الشَّفَقَانِ: فَأَحَدُهُمَا الْحُمْرَةُ - وَالثَّانِي: الْبَيَاضُ، فَوَقْتُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ -: يَخْرُجُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ بِمَغِيبِ الْحُمْرَةِ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ. إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: يُسْتَحَبُّ - فِي الْحَضَرِ خَاصَّةً دُونَ السَّفَرِ -: أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا إذَا غَابَ الْبَيَاضُ؛ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مَغِيبِ الْحُمْرَةِ فَقَدْ تُوَارِيهَا الْجُدْرَانُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَتَمَةِ إلَّا بِمَغِيبِ الْبَيَاضِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ خُرُوجَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَدُخُولَ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِمَغِيبِ نُورِ الشَّفَقِ؛ وَالشَّفَقُ: يَقَعُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْحُمْرَةِ، وَعَلَى الْبَيَاضِ. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ؛ فَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا غَابَ مَا يُسَمَّى شَفَقًا فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَتَمَةِ وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ: حَتَّى يَغِيبَ كُلُّ مَا يُسَمَّى شَفَقًا؟ .

وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ؛ وَهُوَ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ بِأَنَّ: أَوَّلَهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وَآخِرَهُ: ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَرُوِيَ أَيْضًا: نِصْفُ اللَّيْلِ. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْمَطَالِعِ، وَالْمَغَارِبِ، وَدَوَرَانِ الشَّمْسِ: أَنَّ الْبَيَاضَ لَا يَغِيبُ إلَّا عِنْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ الَّذِي حَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُرُوجَ أَكْثَرِ الْوَقْتِ فِيهِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ وَقْتَهَا دَاخِلٌ قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ، فَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ دَاخِلٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، الَّذِي هُوَ الْبَيَاضُ بِلَا شَكٍّ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْلَ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ: الْحُمْرَةُ بِيَقِينٍ؛ إذْ قَدْ بَطَلَ كَوْنُهُ: الْبَيَاضَ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: إذَا صَلَّيْنَا عِنْدَ غُرُوبِ الْبَيَاضِ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ - بِإِجْمَاعٍ - أَنَّنَا قَدْ صَلَّيْنَا عِنْدَ الْوَقْتِ، وَإِنْ صَلَّيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ نُصَلِّ بِيَقِينِ إجْمَاعٍ فِي الْوَقْتِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَيْسَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمُوهُ؟ أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ جُمْهُورَ مَذْهَبِهِمْ فَيُقَالُ: مِثْلُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَالِاسْتِنْثَارِ، وَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَكُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ، وَمِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُؤَدُّوا عَمَلًا مِنْ الشَّرِيعَةِ إلَّا حَتَّى لَا يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي أَنَّهُمْ قَدْ أَدُّوهُ كَمَا أُمِرُوا. وَمَعَ هَذَا لَا يَصِحُّ لَهُمْ مِنْ مَذْهَبِهِمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ بِلَا شَكٍّ وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ ثَالِثَةٍ» . وَلَوْ كَانَ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الشَّفَقَ الْأَبْيَضَ يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِلَا خِلَافٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِالْأَثَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ إذَا اسْوَدَّ اللَّيْلُ» وَبَقَاءُ الْبَيَاضِ يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الْأُفُقِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ مَعَ بَيَاضِ الْقَمَرِ، وَهُوَ أَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ

الْأُفُقِ عَلَى أُصُولِهِمْ: مِنْ الْبَيَاضِ الْبَاقِي بَعْدَ الْحُمْرَةِ، الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الْأُفُقِ؛ لِقِلَّتِهِ وَدِقَّتِهِ؟ . وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ لَيْلَةِ ثَالِثَةٍ» ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ؛ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ وَقْتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَذَكَرُوا حَدِيثًا سَاقِطًا مَوْضُوعًا، فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الْعَتَمَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ» . وَهَذَا لَوْ صَحَّ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا جَوَازُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِنَا وَذَكَرُوا عَنْ ثَعْلَبٍ: أَنَّ الشَّفَقَ: الْبَيَاضُ قَالَ عَلِيٌّ: لَسْنَا نُنْكِرُ أَنَّ الشَّفَقَ: الْبَيَاضُ، وَالشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ؛ وَلَيْسَ ثَعْلَبٌ حُجَّةً فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا فِي نَقْلِهِ؛ فَهُوَ ثِقَةٌ، وَأَمَّا فِي رَأْيِهِ فَلَا؟ وَأَظْرَفُ ذَلِكَ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ: بِأَنَّ الشَّفَقَ: مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّفَقَةِ، وَهِيَ الرِّقَّةُ؛ وَيُقَالُ: ثَوْبٌ شَفِيقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا. قَالُوا: وَالْبَيَاضُ أَحَقُّ بِهَذَا؛ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ رَقِيقَةٌ تَبْقَى بَعْدَ الْحُمْرَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا هَوَسٌ نَاهِيك بِهِ فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: بَلْ الْحُمْرَةُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّدُ عَنْ الْإِشْفَاقِ وَالْحَيَاءِ، وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ هُوَ فِي الْهَزْلِ أَدْخَلُ مِنْهُ فِي الْجَدِّ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا كَانَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ الثَّانِي: وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ بِالشَّفَقِ الثَّانِي؟ فَعُورِضُوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَجْرُ فَجْرَيْنِ، وَكَانَ دُخُولُ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ

مسألة كبر لصلاة فرض وهو شاك هل دخل وقتها أم لا

بِالْفَجْرِ الَّذِي مَعَهُ الْحُمْرَةُ: - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ وَقْتِ الْعَتَمَةِ بِالشَّفَقِ الَّذِي مَعَهُ الْحُمْرَةُ. وَقَالُوا أَيْضًا: لَمَّا كَانَتْ الْحُمْرَةُ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي خُرُوجِ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ -: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ؟ فَعُورِضُوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الطَّوَالِعُ: ثَلَاثَةً، وَالْغَوَارِبُ ثَلَاثَةً، وَكَانَ الْحُكْمُ فِي دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِلْأَوْسَطِ مِنْ الطَّوَالِعِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي دُخُولِ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ لِلْأَوْسَطِ مِنْ الْغَوَارِبِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَخَالِيطُ وَدَعَاوَى فَاسِدَةٌ مُتَكَاذِبَةٌ؛ وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهَا لِيَعْلَمَ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِأَنْ هَدَاهُ لِإِبْطَالِ الْقِيَاسِ فِي الدِّينِ -: عَظِيمَ نِعْمَةٍ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِيَتَبَصَّرَ مَنْ غَلِطَ فَقَالَ بِهِ - وَمَا تَوْفِيقُنَا إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ كَبَّرَ لِصَلَاةِ فَرْضٍ وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ دَخَلَ وَقْتُهَا أَمْ لَا] 339 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَبَّرَ لِصَلَاةِ فَرْضٍ، وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ دَخَلَ وَقْتُهَا أَمْ لَا؟ لَمْ تُجْزِهِ: سَوَاءٌ وَافَقَ الْوَقْتَ أَمْ لَمْ يُوَافِقْهُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا بِخِلَافِ مَا أُمِرَ؟ وَإِنَّمَا أُمِرَ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فِي وَقْتِهَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . [مَسْأَلَةٌ بَدَأَ الصَّلَاة وَهُوَ مُوقِنٌ بِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ دَخَلَ فَإِذَا بِالْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ] 340 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ بَدَأَهَا وَهُوَ عِنْدَ نَفْسِهِ مُوقِنٌ بِأَنَّ وَقْتَهَا قَدْ دَخَلَ؟ فَإِذَا بِالْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ لَمْ تُجْزِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا كَمَا أُمِرَ؛ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ الْوَقْتُ؛ وَيَكُونُ الْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مِنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ] 341 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ مَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ إلَّا بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ بَيْنَ سَلَامِهِ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَبَيْنَ تَكْبِيرِهِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ. وَسَوَاءٌ - عِنْدَنَا - تَرْكُ الضَّجْعَةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا؛ وَسَوَاءٌ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا أَوْ صَلَّاهَا قَاضِيًا لَهَا مِنْ نِسْيَانٍ، أَوْ عَمْدِ نَوْمٍ. فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الضَّجْعَةِ عَلَى

الْيَمِينِ لِخَوْفٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ حَسْبَ طَاقَتِهِ فَقَطْ؟ . بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ هُوَ السَّمَّانُ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ» ؟ . فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: مَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ عِنْدَهَا: تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ؟ قَالَ: لَا؛ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: فَمَا ذَنْبِي إنْ كُنْت حَفِظْت وَنَسُوا؟ . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: مَرَّ بِي أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَأَنَا أُصَلِّي؟ فَقَالَ: افْصِلْ بِضَجْعَةٍ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَصَلَاةِ النَّهَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُ عَلَى الْفَرْضِ، حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ غَيْرُ مُدَّعًى بِالْبَاطِلِ -: عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، فَنَقِفُ عِنْدَهُ، وَإِذَا تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَالرَّدُّ إلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَرَدَ إنْكَارُ الضَّجْعَةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَخَالَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ وَمَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِهِ وَعَمَلِهِ. وَإِنْ كَانَ إنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ: حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: فَقَدْ أَنْكَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَضْعَ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الصَّلَاةِ، وَضَرَبَ الْيَدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَقَدْ أَنْكَرَ قَصْرَ الصَّلَاةِ إلَّا فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ

وَأَنْكَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ فَمَا الْتَفَتُّمْ إنْكَارَهُ فَالْآنَ اسْتَدْرَكْتُمْ هَذِهِ السُّنَّةَ؟ . وَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ الضَّجْعَةُ فَرْضًا لَمَا خَفِيَتْ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَلَّا قُلْتُمْ مِثْلَ هَذَا فِي إتْمَامِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمِنًى؛ وَإِتْمَامِ عَائِشَةَ وَسَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؟ فَقُولُوا: لَوْ كَانَ قَصْرُ الصَّلَاةِ سُنَّةً مَا خَفِيَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَلَّا قُلْتُمْ: لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَرْضًا مَا خَفِيَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ يَقُولُ: إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ آخِرِ صَلَاتِك مِنْ السُّجُودِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، فَإِنْ شِئْت فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت فَاقْعُدْ؟ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا؛ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَفْزَعُونَ إلَيْهِ إذَا ضَاقَ بِهِمْ الْمَجَالُ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ تَارِكٍ لَهُ؟ ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: فَبَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَضْطَجِعْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرِهِمْ؟ قُلْنَا: إنَّ الْمُجْتَهِدَ مَأْجُورٌ يُصَلِّي، وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ النَّصُّ؛ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَنَدَ. ثُمَّ نَعْكِسُ قَوْلَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ: أَتَرَى بَطَلَتْ صَلَاةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَنْ وَافَقَهُ؛ إذَا كَانَ يُصَلِّي، وَلَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ؟ وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: أَتَرَى صَلَاةَ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَاسِدَةً، إذْ كَانَا يُصَلِّيَانِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِ أَحَدِهِمَا دَمٌ، وَمِنْ بَثْرَةٍ بِوَجْهِ الْآخَرِ دَمٌ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ لِذَلِكَ؟ . وَنَقُولُ لِجَمِيعِهِمْ: أَتَرَوْنَ صَلَاةَ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَزَيْدٍ، وَغَيْرِهِمْ -: كَانَتْ فَاسِدَةً إذَا كَانُوا يَرَوْنَ: أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَلَمْ يُنْزِلْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَيُفْتُونَ بِذَلِكَ؟ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، يَعُودُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ حُجَّةٌ غَيْرُ التَّشْنِيعِ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَشَدُّ خِلَافًا عَلَى الصَّحَابَةِ مِنَّا،

وَسُؤَالُهُمْ هَذَا لَازِمٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ كَلُزُومِهِ لَنَا وَلَا فَرْقَ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي - ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا إذَا صَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعُوا وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أُنْبِئْت: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا مُوسَى، كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ إذَا صَلَّوْا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؟ . وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غَيَّاثٍ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ - أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي " كِتَابِ السَّبْعَةِ " أَنَّهُمْ - يَعْنِي: سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ -: كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ؟ . وَحُكْمُ النَّاسِي هَهُنَا كَحُكْمِ الْعَامِدِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَسِيَ عَمَلًا مُفْتَرَضًا مِنْ الصَّلَاةِ

مسألة فاتته صلاة الصبح بنسيان أو بنوم

وَالطَّهَارَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِسُقُوطِ ذَلِكَ عَنْهُ؟ وَإِنَّمَا يَكُونُ النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الْعَمْدِ فِي حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا - سُقُوطُ الْإِثْمِ جُمْلَةً هُنَا، وَفِي كُلِّ مَكَان. وَالثَّانِي -: مَنْ زَادَ عَمَلًا لَا يَجُوزُ لَهُ نَاسِيًا، وَكَانَ قَدْ أَوْفَى جَمِيعَ عَمَلِهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَمِلَ مَا أُمِرَ، وَكَانَ مَا زَادَ بِالنِّسْيَانِ لَغْوًا لَا حُكْمَ لَهُ؟ فَإِنْ أَدْرَكَ إعَادَةَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ أَنْ يَضْطَجِعَ وَيُعِيدَ الْفَرِيضَةَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِعَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؟ . وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالضَّجْعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَهَا؛ وَلَا يُجْزِئُ عَمَلُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَلَا فِي غَيْرِ زَمَانِهِ، وَلَا بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ هُوَ غَيْرُ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِنِسْيَانٍ أَوْ بِنَوْمٍ] 342 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِنِسْيَانٍ، أَوْ بِنَوْمٍ؟ فَنَخْتَارُ لَهُ إذَا ذَكَرَهَا - وَإِنْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ - أَنْ يَبْدَأَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَضْطَجِعُ، ثُمَّ يَأْتِي بِصَلَاةِ الصُّبْحِ؟

وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ غَفَلَ عَنْ صَلَاةٍ بِنَوْمٍ، أَوْ بِنِسْيَانٍ؟ ثُمَّ ذَكَرَهَا أَنْ يَزُولَ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِجِسْمِهِ فِيهِ إلَى مَكَان آخَرَ؛ وَلَوْ الْمَكَانَ الْمُتَّصِلَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ فَمَا زَادَ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ نَوْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ: «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ؟ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثنا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ ثنا خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ ثنا أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَيْشَ الْأُمَرَاءِ؛ فَلَمْ تُوقِظْنَا إلَّا الشَّمْسُ طَالِعَةً، فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلَاتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُوَيْدًا رُوَيْدًا حَتَّى تَعَالَتْ الشَّمْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَرْكَعْهُمَا؟ فَقَامَ مَنْ يَرْكَعُهُمَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِنَا» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ الضَّجْعَةِ؟ قُلْنَا: قَدْ يَسْكُتُ عَنْهَا الرَّاوِي، كَمَا يَسْكُتُ عَنْ الْوُضُوءِ، وَعَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ ذِكْرِ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالضَّجْعَةِ؟ وَلَيْسَ جَمِيعُ السُّنَنِ مَذْكُورَةً فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَلَا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَالتَّعَلُّلُ بِهَا قَدَحٌ فِي جَمِيعِ الشَّرِيعَةِ: أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ فَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا، وَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.

فَكُلُّ مَنْ تَعَلَّلَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ، وَفِي أَمْرِهِ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، وَفِي أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّأَنِّي [وَالِانْتِشَارِ] وَالتَّحَوُّلِ - بِمَا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَافْتَرَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ -. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذَانَ لَهَا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا -: حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ؟ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُمْ حِينَئِذٍ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَدْ رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ، وَرُوِيَ «لِيُصَلِّهَا أَحَدُكُمْ مِنْ الْغَدَاةِ لِوَقْتِهَا» ؟ . وَرُوِيَ «فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا وَمِنْ الْغَدِ لِلْوَقْتِ» ؟ ، وَرُوِيَ «أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَقْضِيهَا لِمِيقَاتِهَا مِنْ الْغَدِ؟ وَأَنَّهُمْ قَالُوا: أَلَا نُصَلِّي كَذَا وَكَذَا صَلَاةً قَالَ: لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ» . وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ وَمُتَّفِقُ الْمَعْنَى؛ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ

مسألة صفة الصلاة وما لا تجزئ إلا به

صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا» ؟ ، وَإِذَا تُؤُمِّلَ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ - فِي لُغَةِ الْعَرَبِ - رَاجِعٌ إلَى " الْغَدَاةِ " - لَا إلَى الصَّلَاةِ -: أَيْ فَلْيَقْضِ مَعَ الْغَدَاةِ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي يُصَلِّي، بِلَا زِيَادَةٍ عَلَيْهَا -: أَيْ: فَلْيُؤَدِّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ كُلَّ يَوْمٍ؛ فَتَتَّفِقُ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ الصَّلَاةِ وَمَا لَا تُجْزِئُ إلَّا بِهِ] 343 - مَسْأَلَةٌ: صِفَةُ الصَّلَاةِ، وَمَا لَا تُجْزِئُ إلَّا بِهِ: لَا تُجْزِئُ أَحَدًا صَلَاةٌ إلَّا بِثِيَابٍ طَاهِرَةٍ، وَجَسَدٍ طَاهِرٍ، فِي مَكَان طَاهِرٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا الْأَشْيَاءَ الْمُفْتَرَضَ اجْتِنَابُهَا؛ فَمَنْ صَلَّى غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لَهَا فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَنْسِ مَا كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهِ؛ وَبِأَنْ تُطَيَّبَ الْمَسَاجِدُ وَتُنَظَّفَ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْنَادِهِ «وَجُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ؟ ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] . وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: الْقَلْبُ -: فَقَدْ خَصَّ الْآيَةَ بِدَعْوَاهُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَالْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: أَنَّ الثِّيَابَ هِيَ الْمَلْبُوسَةُ وَالْمُتَوَطَّأَةُ وَلَا يُنْقَلُ عَنْ ذَلِكَ إلَى الْقَلْبِ وَالْعَرَضِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا حَالَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا حَالَانِ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا: حَالُ الصَّلَاةِ، وَحَالُ غَيْرِ الصَّلَاةِ؟ . وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لَا يُحْرَجُ مَنْ فِي بَدَنِهِ شَيْءٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ وَفِي ثِيَابِهِ أَوْ فِي مَقْعَدِهِ فِي حَالِ غَيْرِ الصَّلَاةِ؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ: هَلْ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا خَرَجَتْ حَالُ غَيْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ لَمْ يَبْقَ حَيْثُ تُسْتَعْمَلُ أَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِلصَّلَاةِ؛ فَهَذَا فَرْضٌ فِيهَا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة أصاب بدنه أو ثيابه أو مصلاه شيء فرض اجتنابه

[مَسْأَلَةٌ أَصَابَ بَدَنَهُ أَوْ ثِيَابَهُ أَوْ مُصَلَّاهُ شَيْءٌ فُرِضَ اجْتِنَابُهُ] مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ أَصَابَ بَدَنَهُ أَوْ ثِيَابَهُ أَوْ مُصَلَّاهُ شَيْءٌ فُرِضَ اجْتِنَابُهُ بَعْدَ أَنْ كَبَّرَ سَالِمًا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ -: فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ: أَزَالَ الثَّوْبَ - وَإِنْ بَقِيَ عُرْيَانًا - مَا لَمْ يُؤْذِهِ الْبَرْدُ، وَزَالَ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ وَأَزَالَهَا عَنْ بَدَنِهِ بِمَا أُمِرَ أَنْ يُزِيلَهَا بِهِ، وَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَأَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ نَسِيَ حَتَّى عَمِلَ عَمَلًا مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاتِهِ أُلْغِيَ، وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَأَتَى بِذَلِكَ الْعَمَلِ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ؛ فَإِنْ انْتَقَضَتْ أَعَادَ الصَّلَاةَ مَتَى ذَكَرَ. فَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَكَان مِنْ صَلَاتِهِ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ صَلَاتُهُ مِثْلُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالْجُلُوسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ -: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ؟ فَإِنْ تَعَمَّدَ مَا ذَكَرْنَا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ وَكَانَ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَلَا فَرْقَ، لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا فِي وَقْتِهَا؟ فَصَحَّ الْآنَ أَنَّ النَّاسِيَ يُعِيدُ أَبَدًا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ؟ . وَالنَّاسِي: هُوَ الَّذِي عَلِمَ الشَّيْءَ ثُمَّ نَسِيَهُ، وَبَعْضُ الصَّلَاةِ: صَلَاةٌ بِنَصِّ حُكْمِ اللُّغَةِ وَالضَّرُورَةِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ، أَوْ بَعْضَ أَعْضَائِهِ، أَوْ نَسِيَ سَتْرَ عَوْرَتِهِ؟ فَإِنْ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ كَذَلِكَ أَعَادَهَا أَبَدًا. وَصَحَّ: أَنَّ الْعَامِدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا فِي وَقْتِهَا؛ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْجَاهِلُ: وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الشَّيْءَ إلَّا فِي صَلَاتِهِ أَوْ بَعْدَهَا؟ كَمَنْ كَانَ فِي ثِيَابِهِ، أَوْ بَدَنِهِ، أَوْ فِي مَكَانِهِ -: شَيْءٌ فُرِضَ اجْتِنَابُهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ؟ فَإِنَّهُ يُعِيدُ كُلَّ مَا صَلَّى كَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ كَذَلِكَ

وَكَذَلِكَ مَنْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَهُوَ لَا يَرَى. وَكَذَلِكَ مَنْ جَهِلَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ طَهَارَتِهِ، أَوْ صَلَاتِهِ ثُمَّ عَلِمَهَا -: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا فِي الْوَقْتِ فَقَطْ، لَا بَعْدَ الْوَقْتِ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْفَرَائِضُ تَنْزِلُ؛ كَتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، وَالزِّيَادَةِ فِي عَدَدِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِعَادَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ بَلَغَهُ ذَلِكَ، وَأَمَرَ الَّذِي رَآهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ أَنْ يُعِيدَهَا. فَصَحَّ بِذَلِكَ -: أَنْ يَأْتِيَ بِمَا جَهِلَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إذَا عَلِمَهُ؛ مَا دَامَ الْوَقْتُ قَائِمًا فَقَطْ؟ وَأَمَّا الْمُكْرَهُ، وَالْعَاجِزُ؛ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ؟ فَإِنَّهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا -: إنْ زَالَ الْإِكْرَاهُ، أَوْ الضَّرُورَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ -: فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ؟ . وَإِنْ زَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ؛ فَأَتَمَّهَا كَمَا يَقْدِرُ وَاعْتَدَّ بِمَا عَمِلَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ: إنْ كَانَ عَمَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ، فَهُوَ فِيهَا جَائِزٌ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ، وَإِزَالَةُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَى الْمَرْءِ اجْتِنَابُهُ فِي الصَّلَاةِ مَأْمُورٌ بِهِ فِيهَا؛ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الصَّلَاةِ؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَإِنْ بَقِيَ عُرْيَانًا؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ -: أَحَدُهُمَا: سَتْرُ الْعَوْرَةِ؛ وَالثَّانِي: اجْتِنَابُ مَا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ؟ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ صَلَّى غَيْرَ مُجْتَنِبٍ؛ لِمَا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ؟ فَقَدْ تَعَمَّدَ فِي صَلَاتِهِ عَمَلًا مُحَرَّمًا عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؛ فَلَا صَلَاةَ لَهُ؟ . وَإِذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا أُمِرَ بِالِاسْتِتَارِ بِمِثْلِهِ؛ فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الِاسْتِتَارِ؛ وَلَا حَرَجَ عَلَى الْمَرْءِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] ، وَلَيْسَ الْمَرْءُ مُضْطَرًّا إلَى لِبَاسِ ثَوْبٍ يَقْدِرُ عَلَى خَلْعِهِ، وَلَا إلَى الْبَقَاءِ فِي مَكَان يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى التَّعَرِّي إذَا لَمْ يَجِدْ مَا أُبِيحَ لَهُ لِبَاسُهُ؛ فَإِنْ خَشِيَ الْبَرْدَ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُضْطَرٌّ إلَى مَا يَطْرُدُ بِهِ الْبَرْدَ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَيُصَلِّي بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ حِينَئِذٍ؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَسِيَ حَتَّى عَمِلَ عَمَلًا مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ أَلْغَاهُ، وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ وَأَتَى بِذَلِكَ الْعَمَلِ كَمَا أُمِرَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ، مَا لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ؟ . فَلِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ مَا نَسِيَهُ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ؟ ؛ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَلِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ» بِأَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ وَهَذَا قَدْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا مَا لَوْ تَعَمَّدَهُ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ أَعَادَهَا أَبَدًا مَتَى ذَكَرَ؟ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَبَعْضُ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ عَلَيْهِ فَفَرْضٌ أَنْ يُصَلِّيَهَا، وَأَنْ يَأْتِيَ بِمَا نَسِيَ، وَبِمَا لَا يُجْزِئُ - إذَا مَا نَسِيَ - إلَّا بِهِ، مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، أَوْ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى تَرْتِيبِهَا، إلَى أَنْ يُتِمَّ مَا نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَكَان مِنْ صَلَاتِهِ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، إلَى آخِرِ كَلَامِنَا؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى جَمِيعَ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ سَالِمَةً كَمَا أُمِرَ؛ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَعْمَالُ الزَّائِدَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ جَائِزَةً دُونَهَا -: فَإِنَّهَا فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ، وَفِي حَالٍ لَوْ تَعَمَّدَ فِيهَا مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَانَ مِنْهُ فِيهَا مَا كَانَ نَاسِيًا فَزَادَ فِي صَلَاتِهِ

عَمَلًا بِالسَّهْوِ لَا يَجُوزُ لَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سُجُودُ السَّهْوِ، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِلْقَذَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِمَا، وَعَنْ الْحَسَنِ إذَا رَأَيْت فِي ثَوْبِك قَذَرًا فَضَعْهُ عَنْك وَامْضِ فِي صَلَاتِك، وَقَدْ أَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: غَسْلَ الرُّعَافِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَأَمَّا الصَّلَاةُ بِالنَّجَاسَةِ: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُعِيدُ الْعَامِدُ لِذَلِكَ وَالنَّاسِي إلَّا فِي الْوَقْتِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَدَّى الصَّلَاةَ الَّتِي أُمِرَ بِهَا كَمَا أُمِرَ، أَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا أُمِرَ؛ فَإِنْ كَانَ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ظُهْرَيْنِ، وَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ صَلَاةً قَدْ صَلَّاهَا؟ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا أُمِرَ فَمِنْ قَوْلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَبَدًا؛ فَظَهَرَ بُطْلَانُ هَذَا الْقَوْلِ؟ . وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي تَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْوَقْتِ وَلَا تَأْمُرُونَهُ بِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ: أَفَرْضٌ هِيَ عِنْدَكُمْ أَمْ نَافِلَةٌ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ وَبِأَيِّ نِيَّةٍ يُصَلِّيهَا؟ أَبِنِيَّةِ أَنَّهَا الْفَرْضُ اللَّازِمُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ؟ أَمْ بِلَا نِيَّةٍ، لَا لِفَرْضٍ وَلَا لِتَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ فَرْضٌ وَلَا يُصَلِّيهَا إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ؛ فَمِنْ أَصْلِكُمْ الَّذِي لَمْ تَخْتَلِفُوا فِيهِ: أَنَّ الْفَرْضَ يُصَلَّى أَبَدًا، وَلَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فِيهِ، فَهَذَا تَنَاقُضٌ وَهَدْمٌ لِأَصْلِكُمْ. وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا وَتَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ لَا يُجْزِئُ بَدَلَ الْفَرْضِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَرْضِ وَيُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ عِوَضًا مِنْ الْفَرْضِ؛ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَهُ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ؛ بَلْ هُوَ خُرُوجُ الْكُفْرِ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يُصَلِّيهَا بِنِيَّةِ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ؟ كَانَ هَذَا بَاطِلًا مُتَيَقَّنًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَهَذَا لَا عَمَلَ لَهُ، إذْ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، فَقَدْ أَمَرْتُمُوهُ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا يَحِلُّ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا

اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ؛ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ: - أَيْ نَجَاسَةٌ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا؟ فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ؛ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ؛ وَالنِّسْيَانِ؟ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، وَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ يَدَيْهِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ حِذَاءِ إبِطَيْهِ: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِ جَبْهَتِهِ فِي السُّجُودِ. فَمَرَّةً قَالَ: صَلَاتُهُ تَامَّةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ، وَمَرَّةً قَالَ: صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فِي الْعَمْدِ، وَالنِّسْيَانِ؛ وَبِهِ يَقُولُ زُفَرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ: فَسَدَتْ تِلْكَ السَّجْدَةُ - وَحْدَهَا خَاصَّةً - وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْهَا؟ وَإِنْ سَجَدَهَا مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ - وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كُلُّهَا؟ وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي هَذَا أَسْقَطَ مِنْ قَوْلِهِمْ؛ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ وَلَا رُكْبَتَيْهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلَاتَهُ شَيْئًا بِخِلَافِ قَدَمَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِأَشْنَعَ مَا يَكُونُ مِنْ الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِخْفَافٌ بِالصَّلَاةِ، وَيَلْزَمُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إلَّا أَنَّهَا فِي مَوْضِعٍ يُسَجِّيهِ، وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جِسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ إذَا تَحَرَّكَ فِي صَلَاتِهِ لِقِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ تَحَرَّكَتْ النَّجَاسَةُ -: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا؟ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمُصَلِّي الْمُبَطِّنُ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، إنْ كَانَ فِي الْبَاطِنَةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ غَيْرِ نَافِذَةٍ إلَى الْوَجْهِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَبْطُلُ، وَهُمَا ثَوْبَانِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْبَغِي حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا، وَلَا مَزِيدَ،

مسألة كان محبوسا في مكان فيه ما يلزمه اجتنابه لا يقدر على الزوال عنه

وَلَا سَلَفَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ثُمَّ الْعَجَبُ قَوْلُهُمْ لِمَنْ أَخَذَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِصِحَّةِ نَقْلِهِ وَبَيَانِهِ: قُولُوا لَنَا: مَنْ قَالَ بِهَذَا قَبْلَكُمْ؟ فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُعَنَّفُ مَنْ أَخَذَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، الَّتِي أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا، حَتَّى يَأْتِيَ بِاسْمِ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ؟ وَلَا يُعَنَّفُ مَنْ قَالَ بِرَأْيِهِ - مُبْتَدِئًا دُونَ مُوَافِقٍ مِنْ السَّلَفِ - مِثْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ الْمُتَنَاقِضَةِ؟ وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى هِدَايَتِهِ لَنَا وَتَوْفِيقِهِ إيَّانَا؟ [مَسْأَلَةٌ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَكَان فِيهِ مَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الزَّوَالِ عَنْهُ] 345 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَكَان فِيهِ مَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الزَّوَالِ عَنْهُ، وَكَانَ مَغْلُوبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ جَسَدِهِ، وَلَا عَنْ ثِيَابِهِ -: فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَمَا هُوَ، وَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ. فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ أَوْ جُلُوسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مَكَان غَيْرِهِ -: صَلَّى قَائِمًا وَجَلَسَ عَلَى أَقْرَبِ مَا يَقْدِرُ مِنْ الدُّنُوِّ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يُقَرِّبُ: جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَضَعُهُمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ جَلَسَ عَلَيْهِ، أَوْ سَجَدَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ -: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَصَحَّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِ وَفِي الصَّلَاةِ جُمْلَةً] 346 - مَسْأَلَةٌ: وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِ، وَفِي الصَّلَاةِ جُمْلَةً، كَانَ هُنَالِكَ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]- {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] . فَمَنْ أَبْدَى فَرْجَهُ لِغَيْرِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى؟ وَقَالَ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] فَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ؟ .

مسألة لم يجد ثوبا يستر عورته في الصلاة

[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَجِدُ ثَوْبًا يستر عَوْرَته فِي الصَّلَاةِ] مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّمَا هَذَا لِلْعَامِدِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَجِدُ ثَوْبًا أُبِيحَ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ أَوْ أُكْرِهَ أَوْ نَسِيَ -: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وقَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] ؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِي إلْغَاءِ مَا عَمِلَ مِنْ فَرَائِضِ صَلَاتِهِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ نَاسِيًا، وَالْمَجِيءَ بِهَا كَمَا أُمِرَ، وَالْبِنَاءَ عَلَى مَا صَلَّى مُغَطَّى الْعَوْرَةِ، وَالسُّجُودَ لِلسَّهْوِ، وَجَوَازَ الصَّلَاةِ بِمَا صَلَّى كَذَلِكَ فِي حَالٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَوْ أَسْقَطَهَا تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَسُجُودَ السَّهْوِ لِذَلِكَ -: كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ: غَيْرُ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اجْتِنَابُهُ، سَوَاءً سَوَاءً وَلَا فَرْقَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ] 348 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرَ مُجْتَنِبٍ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ - عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا - فَلَا صَلَاةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ؛ وَلَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ يَبْنِي عَلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ تَقْدِيمُ مُؤَخَّرٍ قَبْلَ مَا هُوَ فِي الرُّتْبَةِ قَبْلَهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ؟ . [مَسْأَلَةٌ الْعَوْرَةُ الْمُفْتَرَضُ سَتْرُهَا عَلَى النَّاظِرِ وَفِي الصَّلَاةِ مِنْ الرَّجُلِ] 349 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَوْرَةُ الْمُفْتَرَضُ سَتْرُهَا عَلَى النَّاظِرِ وَفِي الصَّلَاةِ -: مِنْ الرَّجُلِ: الذَّكَرُ وَحَلْقَةُ الدُّبُرِ فَقَطْ؛ وَلَيْسَ الْفَخِذُ مِنْهُ عَوْرَةً وَهِيَ مِنْ الْمَرْأَةِ: جَمِيعُ جِسْمِهَا، حَاشَا الْوَجْهِ، وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْحُرَّةُ، وَالْأَمَةُ، سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا ابْنُ الْحَجَّاجِ ثنا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ ثنا أَبِي ثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيُّ ثنا أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ

الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: «أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ أَحْمِلُهُ وَعَلَيَّ إزَارٌ خَفِيفٌ، فَانْحَلَّ إزَارِي وَمَعِي الْحَجَرُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَمْنَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إلَى مَوْضِعِهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْجِعْ إلَى إزَارِكَ فَخُذْهُ، وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً» فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَ الْإِزَارِ فَرْضٌ. وَأَمَّا الْفَخِذُ: فَإِنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ. - ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ؛ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ؛ فَأَجْرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ عَوْرَةً وَلَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمَا كَشَفَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُطَهَّرِ الْمَعْصُومِ مِنْ النَّاسِ فِي حَالِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ؛ وَلَا أَرَاهَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَلَا غَيْرَهُ، وَهُوَ تَعَالَى قَدْ عَصَمَهُ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي حَالِ الصِّبَا وَقَبْلَ النُّبُوَّةِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرَبٍ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبِكَ دُونَ الْحِجَارَةِ قَالَ: فَحَلَّهُ وَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ؛ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عُرْيَانًا» . حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ

أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بُنِيَتْ الْكَعْبَةُ - ذَهَبَ هُوَ وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ فَقَالَ عَبَّاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلْ إزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ مِنْ الْحِجَارَةِ فَفَعَلَ، فَخَرَّ إلَى الْأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: إزَارِي إزَارِي فَشُدَّ عَلَيْهِ إزَارُهُ» . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرَبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ ضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ: إنِّي سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْت فَخِذَك، وَقَالَ: «إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتَنِي فَضَرَبَ فَخِذِي كَمَا ضَرَبْتُ فَخِذَكَ، وَقَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا؛ فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي» . فَلَوْ كَانَتْ الْفَخِذُ عَوْرَةً لَمَا مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَبِي ذَرٍّ أَصْلًا بِيَدِهِ الْمُقَدَّسَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَخِذُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ عَوْرَةً لَمَا ضَرَبَ عَلَيْهَا بِيَدِهِ: وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ. وَمَا يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ عَلَى ذَكَرِ إنْسَانٍ عَلَى الثِّيَابِ، وَلَا عَلَى حَلْقَةِ دُبُرِ الْإِنْسَانِ عَلَى الثِّيَابِ، وَلَا عَلَى بَدَنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى الثِّيَابِ أَلْبَتَّةَ وَقَدْ «مَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقَوَدِ مِنْ الْكَسْعَةِ وَهِيَ ضَرْبُ الْأَلْيَتَيْنِ عَلَى الثِّيَابِ بِبَاطِنِ الْقَدَمِ، وَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» . فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ الْحَجَرَ قَدْ جَمَحَ بِثِيَابِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى رَأَى بَنُو إسْرَائِيلَ أَنَّهُ لَيْسَ آدَرَ

قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا، لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا كَشْفُ الْعَوْرَاتِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفِي ذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ: أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، وَكَانَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَغْتَسِلُ فِي الْخَلَاءِ، وَلَمْ يَأْتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَاهُمْ عَنْ الِاغْتِسَالِ عُرَاةً وَقَدْ يَسْتَتِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيَاءً، كَمَا سَتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَهُ حَيَاءً مِنْ عُثْمَانَ؛ وَلَيْسَتْ سَاقُ الرَّجُلِ عَوْرَةً عِنْدَ أَحَدٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُمْ رَأَوْا مِنْ مُوسَى: الذَّكَرَ - الَّذِي هُوَ عَوْرَةٌ - وَإِنَّمَا رَأَوْا مِنْهُ هَيْئَةً تَبَيَّنُوا بِهَا أَنَّهُ مُبَرَّأٌ مِمَّا قَالُوهُ مِنْ الْأُدْرَةِ؛ وَهَذَا يَتَبَيَّنُ لِكُلِّ نَاظِرٍ بِلَا شَكٍّ بِغَيْرِ أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْ الذَّكَرِ، لَكِنْ بِأَنْ يَرَى مَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ خَالِيًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فَإِنْ ذَكَرُوا الْأَخْبَارَ الْوَاهِيَةَ فِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؛ فَهِيَ كُلُّهَا سَاقِطَةٌ. أَمَّا حَدِيثُ جُوَيْبِرٍ -: فَإِنَّهُ عَنْ ابْنِ جَوْهَرٍ؛ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَعَنْ مَجْهُولِينَ، وَمُنْقَطِعٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - وَهُوَ صَحِيفَةٌ - قَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا لَا يَقُولُونَ بِهِ. مِثْلَ: رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ كُلَّ مُسْتَلْحَقٍ اُسْتُلْحِقَ بَعْدَ أَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ ادَّعَاهُ وَرَثَتُهُ: إنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَمْلِكُهَا يَوْمَ أَصَابَهَا: فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ؛ وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا قُسِمَ قَبْلَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ، وَمَا أَدْرَكَ مِنْ مِيرَاثٍ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ، وَلَا يَلْحَقُ إنْ كَانَ أَبُوهُ الَّذِي يُدْعَى لَهُ أَنْكَرَهُ» . وَمِثْلَ: رِوَايَتِهِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ مُسْنَدًا وَذَكَرَ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا «هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» وَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْحِلَقِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» .

وَلَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا هَلَكَ زَوْجُهَا فِي عِصْمَتِهَا وَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ» . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَفِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ مِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، فِيهِ: سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَجَرِيرُ بْنُ قَطَنٍ؛ وَهُمْ مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَحْشٍ، فِيهِ أَبُو كَثِيرٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ، مُنْقَطِعٌ، رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، بَيْنَهُمَا مَنْ لَمْ يُسَمَّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَرِوَايَةُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: بَيْنَهُمَا رَجُلٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إلَّا أَبُو خَالِدٍ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيهَا أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيهِ مَجْهُولُونَ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا شَيْءَ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ مِنْ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا شَيْءٌ لَمَا جَازَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَى عُضْوٍ بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ -: إلَّا بِبُرْهَانٍ، مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: «كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّ حَمْزَةَ صَعَّدَ النَّظَرَ إلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إلَى

سُرَّتِهِ.» وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ. فَلَوْ كَانَتْ السُّرَّةُ عَوْرَةً لَمَا أَطْلَقَ اللَّهُ حَمْزَةَ وَلَا غَيْرَهُ عَلَى النَّظَرِ إلَيْهَا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ» . فَلَوْ كَانَ الْوَرِكُ عَوْرَةً مَا كَشَفَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْحَجَّامِ وَهَذَا إسْنَادٌ أَعْظَمُ آمَالِهِمْ أَنْ يَظْفَرُوا بِمِثْلِهِ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَغَانُونَ بِالصَّحِيحِ عَلَى مَا لَا نَرَاهُ حُجَّةً، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ فِي مَكَان بِمَا لَا نَرَاهُ حُجَّةً فِي كُلِّ مَكَان، تَعَصُّبًا لِلتَّقْلِيدِ؛ وَاسْتِهَانَةً بِالشَّرِيعَةِ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا بِهِ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ يُخْبِرُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَاقِفًا عَلَى قُزَحٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إلَى فَخِذِهِ قَدْ انْكَشَفَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ هُوَ الْحَجَبِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا ابْنُ عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنِسِ بْنِ مَالِكٍ: فَذَكَرَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ:

أَتَى أَنَسٌ إلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ وَقَدْ حَسَرَ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهُوَ يَتَحَنَّطُ -: يَعْنِي مِنْ الْحَنُوطِ لِلْمَوْتِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَرَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -: وَهُوَ مَحْمُومٌ وَقَدْ كَشَفَ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ فَهَؤُلَاءِ - أَبُو بَكْرٍ بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ -: وَثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ نَأْخُذُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31]- إلَى قَوْلِهِ -: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] . فَأَمَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِالضَّرْبِ بِالْخِمَارِ عَلَى الْجُيُوبِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْعُنُقِ، وَالصَّدْرِ. وَفِيهِ نَصٌّ عَلَى إبَاحَةِ كَشْفِ الْوَجْهِ؛ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] نَصٌّ عَلَى أَنَّ الرِّجْلَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ مِمَّا يُخْفَى وَلَا يَحِلُّ إبْدَاؤُهُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا هِشَامٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقُ، وَالْحُيَّضُ، وَذَوَاتُ الْخُدُورِ. قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَمْرٌ بِلُبْسِهِنَّ الْجَلَابِيبَ لِلصَّلَاةِ وَالْجِلْبَابُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي خَاطَبْنَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مَا غَطَّى جَمِيعَ الْجِسْمِ، لَا بَعْضَهُ فَصَحَّ مَا قُلْنَا نَصًّا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ - أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَطَبَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ؛ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَرَأَيْتُهُنَّ يُهَوِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ» . فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى أَيْدِيَهُنَّ؛ فَصَحَّ أَنَّ الْيَدَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْوَجْهَ: لَيْسَا عَوْرَةً، وَمَا عَدَاهُمَا؛ فَفَرْضٌ عَلَيْهَا سَتْرُهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ثنا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ " فَأَخَذَ الْفَضْلُ يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً حَسْنَاءَ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَوِّلُ وَجْهَ الْفَضْلِ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ ". فَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ عَوْرَةً يَلْزَمُ سَتْرُهُ لَمَا أَقَرَّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى كَشْفِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَلَأَمَرَهَا أَنْ تُسْبِلَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقٍ، وَلَوْ كَانَ وَجْهُهَا مُغَطًّى مَا عَرَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَسْنَاءُ هِيَ أَمْ شَوْهَاءُ فَصَحَّ كُلُّ مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ، وَالْخِلْقَةُ وَالطَّبِيعَةُ وَاحِدَةٌ، كُلُّ

ذَلِكَ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ سَوَاءٌ، حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] : يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْحَرَائِرَ فَقُلْنَا: هَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ الْبَعْلَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: السَّيِّدُ، وَالزَّوْجُ، وَأَيْضًا فَالْأَمَةُ قَدْ تَتَزَوَّجُ؛ وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ أَنَّ الْإِمَاءَ لَا يَكُونُ لَهُنَّ: أَبْنَاءٌ، وَآبَاءٌ، وَأَخْوَالٌ، وَأَعْمَامٌ، كَمَا لِلْحَرَائِرِ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ وَهَلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] إلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ لِلْفِسْقِ؛ فَأَمَرَ الْحَرَائِرَ بِأَنْ يَلْبَسْنَ الْجَلَابِيبَ لِيَعْرِفَ الْفُسَّاقُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلَا يَعْتَرِضُوهُنَّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نَبْرَأُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ الْفَاسِدِ، الَّذِي هُوَ: إمَّا زَلَّةُ عَالِمٍ وَوَهْلَةُ فَاضِلٍ عَاقِلٍ؛ أَوْ افْتِرَاءُ كَاذِبٍ فَاسِقٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الْفُسَّاقَ عَلَى أَعْرَاضِ إمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ مُصِيبَةُ الْأَبَدِ، وَمَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَى بِالْحُرَّةِ كَتَحْرِيمِهِ بِالْأَمَةِ؛ وَأَنَّ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي بِالْحُرَّةِ كَالْحَدِّ عَلَى الزَّانِي بِالْأَمَةِ وَلَا فَرْقَ، وَإِنَّ تَعَرُّضَ الْحُرَّةِ فِي التَّحْرِيمِ كَتَعَرُّضِ الْأَمَةِ وَلَا فَرْقَ، وَلِهَذَا وَشِبْهِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِأَنْ يُسْنِدَهُ إلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَارُودِ الْقَطَّانُ ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثنا قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ. قَالَتْ: فِي الدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُوَارِي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَفِي الْخِمَارِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أُمِّ ثَوْرٍ عَنْ زَوْجِهَا بِشْرٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ.؟ قَالَ: فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَمَّنْ سَأَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ لَهُ: سَلْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ ارْجِعْ إلَيَّ فَأَخْبِرْنِي فَأَتَى عَلِيًّا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ، فَرَجَعَ إلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَهَا. فَقَالَتْ: صَدَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ أَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ جَارِيَةً كَانَتْ تَخْرُجُ عَلَى عَهْدِ عَائِشَةَ بَعْدَمَا تَحَرَّكَ ثَدْيَاهَا؛ فَقِيلَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحِضْ بَعْدُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَرَادُوا الْحَرَائِرَ دُونَ الْإِمَاءِ: كَانَ كَاذِبًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ فَرْقٌ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ أَرَادُوا إلَّا الْقُرَشِيَّاتِ خَاصَّةً، أَوْ الْمُضَرِيَّاتِ خَاصَّةً؛ أَوْ الْعَرَبِيَّاتِ خَاصَّةً، وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُثَنَّى ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ ثنا خُصَيْفٌ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ صَلَّتْ وَلَمْ تُغَطِّ شَعْرَهَا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهَا صَلَاةً.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: تنع الْأَمَةُ رَأْسَهَا فِي الصَّلَاةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلَاةٌ حَتَّى تَخْتَمِرَ، وَتُوَارِيَ رَأْسَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا صَلَّتْ الْأَمَةُ غَطَّتْ رَأْسَهَا وَغَيَّبَتْهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ خِمَارٍ، وَكَذَلِكَ كُنَّ يَضَعْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ الْحَسَنُ يَأْمُرُ الْأَمَةَ إذْ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَنْ تَخْتَمِرَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافِ هَذَا وَعَنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا تَنَازَعَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَجَبَ الرَّدُّ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ: مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ: فَرْقٌ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَا يُبَالُونَ بِخِلَافِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَيْثُ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، وَحَيْثُ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَحَيْثُ مَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ: إذَا خَالَفَهُ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ -: كَقَضَائِهِ فِي الْأَرْنَبِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ بِعَنَاقٍ، وَفِي الضَّبِّ بِجَدْيٍ. وَكَقَوْلِهِ: كُلُّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلَا صَدَاقَ فِيهِ. وَقَوْلِهِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ - إلَى مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، فَإِذَا وَافَقَ مَا رُوِيَ عَنْهُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: صَارَ حِينَئِذٍ حُجَّةً لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَإِنْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي خُرُوجِهِنَّ لَا فِي الصَّلَاةِ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِعُمَرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: إنْ صَلَّتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِلَا خِمَارٍ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]

قَالَ: الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ، وَالْوَجْهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْوَجْهُ، وَالْكَفَّانِ، وَعَنْ أَنَسٍ: الْكَفُّ، وَالْخَاتَمُ وَكُلُّ هَذَا عَنْهُمْ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ الْفَرْقُ فِي الْحُدُودِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَبَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ؛ فَلِمَ سَاوَيْتُمْ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِيمَا هُوَ مِنْهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِيمَا هُوَ مِنْهُمَا عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَمَةِ كَوُجُوبِهَا عَلَى الْحُرَّةِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا، مِنْ الطَّهَارَةِ، وَالْقِبْلَةِ، وَعَدَدِ الرُّكُوعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَوْرَةِ وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ، الَّذِي لَا شَيْءَ أَسْقَطَ مِنْهُ وَلَا أَشَدَّ تَخَاذُلًا، فَلَا النَّصَّ اتَّبَعُوا وَلَا الْقِيَاسَ عَرَفُوا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ فَرَّقْتُمْ أَنْتُمْ بَيْنَ مَنْ اُضْطُرَّ الْمَرْءُ إلَيْهِ بِعَدَمٍ أَوْ إكْرَاهٍ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ، وَفِي مَكَان فِيهِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ، أَوْ فِي ثِيَابِهِ، أَوْ فِي جَسَدِهِ؛ فَأَجَزْتُمْ صَلَاتَهُ كَذَلِكَ -: وَبَيْنَ صَلَاتِهِ كَذَلِكَ نَاسِيًا فَلِمَ تُجِيزُوهَا. قُلْنَا: نَعَمْ، فَإِنَّ النُّصُوصَ قَدْ جَاءَتْ بِأَنَّ كُلَّ مَا نَسِيَهُ الْمَرْءُ مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ دُونَهَا؛ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إتْيَانِهَا؛ كَمَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ، أَوْ التَّكْبِيرَ، أَوْ الْقِيَامَ؛ أَوْ السُّجُودَ، أَوْ الرُّكُوعَ، أَوْ الْجُلُوسَ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ نَسِيَ فَعَوَّضَ الْقُعُودَ مَكَانَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ الْقِيَامَ مَكَانَ الْقُعُودِ، أَوْ الرُّكُوعَ مَكَانَ السُّجُودِ -: فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ. وَقَدْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا» ؛ وَبَعْضُ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ بِلَا خِلَافٍ؛ فَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا كَمَا أَمَرَ نَاسِيًا فَقَدْ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ جُزْءًا وَأَتَى بِمَا لَيْسَ صَلَاةً، إذْ صَلَّى بِخِلَافِ مَا أَمَرَ؛ فَمِنْ هَهُنَا أَوْجَبْنَا عَلَى النَّاسِي أَنْ يَأْتِيَ بِمَا نَسِيَ كَمَا أَمَرَ وَأَجَزْنَا صَلَاتَهُ كَذَلِكَ فِي الْإِكْرَاهِ بِغَلَبَةٍ أَوْ عَدَمٍ؛ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِجَوَازِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي عَدَمِ الْقُوَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا؛ فَخَلَعَهُمَا وَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ جَائِزًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي آخِرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ إذْ سَلِمَ كَلَامًا مَعْنَاهُ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَنْظُرْ نَعْلَيْهِ - أَوْ قَالَ خُفَّيْهِ - فَإِنْ رَأَى فِيهَا شَيْئًا فَلْيَحُكَّهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» وَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ وَارِدًا بَعْدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ. فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يَتَأَمَّلْ نَعْلَيْهِ، أَوْ خُفَّيْهِ، وَكَانَ فِيهِمَا أَذًى فَقَدْ صَلَّى بِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعَوْرَةُ تَخْتَلِفُ؛ فَهِيَ مِنْ الرِّجَالِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ، وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ عَوْرَةٌ. وَهِيَ مِنْ الْحُرَّةِ: جَمِيعُ جَسَدِهَا، حَاشَا الْوَجْهَ، وَالْكَفَّيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ. وَهِيَ مِنْ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ سَوَاءً سَوَاءً؛ فَتُصَلِّي الْأَمَةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرَةُ: عِنْدَهُمْ عُرْيَانَةَ الرَّأْسِ، وَالْجَسَدِ كُلِّهِ، حَاشَا مِئْزَرًا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فَقَطْ، لَا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَأَحْكَامُ الْعَوْرَاتِ تَخْتَلِفُ؛ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ؛ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الِافْتِتَاحَ لِلصَّلَاةِ؛ أَوْ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الرُّكُوعَ؛ أَوْ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الْقِيَامَ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا، فَإِنْ انْكَشَفَ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ الْقِيَامِ، أَوْ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ، فَسَتَرَا ذَلِكَ حِينَ انْكِشَافِهِ -: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلَاتَهُمَا شَيْئًا. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ فَرْجِهَا، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلُّ: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلَاتَهُمَا شَيْئًا. طَالَ ذَلِكَ أَمْ قَصُرَ.

فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ فَخِذِ الرَّجُلِ، أَوْ الْأَمَةِ، أَوْ الْحُرَّةِ، أَوْ مَقَاعِدِهِمَا، أَوْ وَرِكَيْهِمَا، أَوْ مِنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْحُرَّةِ: الصَّدْرِ، أَوْ الْبَطْنِ، أَوْ الظَّهْرِ، أَوْ الشَّعْرِ، أَوْ الْعُنُقِ -: مِقْدَارُ رُبْعِ الْعُضْوِ فَأَكْثَرُ -: بَطَلَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ لَمْ يَضُرَّ الصَّلَاةَ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنْ يَنْكَشِفَ مِمَّا عَدَا الْفَرْجِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعُضْوِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ قِنَاعَهَا وَتَسْتَتِرُ، وَتَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهَا، فَإِنْ بَدَأَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ عُرْيَانًا لِضَرُورَةٍ ثُمَّ وَجَدَ ثَوْبًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ؛ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا وَلَا بُدَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ وُجُودُهُ الثَّوْبَ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ أَوْ فِي آخِرِهَا، وَلَوْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، مَا لَمْ يُسَلِّمْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَصَارَ وُجُوبُ الثَّوْبِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ، قَالَ: فَلَوْ زَحَمَ الْمَأْمُومُ حَتَّى وَقَعَ إزَارُهُ وَبَدَا فَرْجُهُ كُلُّهُ فَبَقِيَ وَاقِفًا كَمَا هُوَ حَتَّى تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ -: فَصَلَاةُ ذَلِكَ الْمَأْمُومِ تَامَّةٌ، فَلَوْ رَكَعَ بِرُكُوعِ الْإِمَامِ أَوْ سَجَدَ بِسُجُودِهِ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، قَالَ عَلِيٌّ: فَهَلْ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ دَوَاءٌ أَوْ مُعَارَضَةٌ إلَّا حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا؟ وَهَلْ يُحْصَى مَا فِيهَا مِنْ التَّخْلِيطِ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمَةُ عَوْرَةٌ كَالْحُرَّةِ؛ حَاشَا شَعْرَهَا فَقَطْ؛ فَلَيْسَ عَوْرَةً؛ فَإِنْ انْكَشَفَ شَعْرُ الْحُرَّةِ أَوْ صَدْرُهَا أَوْ سَاقُهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا نَدْرِي قَوْلَهُ فِي الْفَرْجِ؛ وَمَا نَرَاهُ يَرَى الْإِعَادَةَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْوَقْتِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ إفْسَادُنَا لِقَوْلِهِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا؛ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ نِسْيَانٍ وَعَمْدٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ انْكَشَفَ مِنْ عَوْرَةِ الرَّجُلِ - وَهِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ - أَوْ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ - وَهُوَ جَمِيعُ جَسَدِ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ، حَاشَا شَعْرَ الْأَمَةِ وَوَجْهَهَا، وَوَجْهَ الْحُرَّةِ

مسألة صلاة العراة

وَكَفَّيْهَا، وَكَفَّيْ الْأَمَةِ -: شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ فَإِنْ سُتِرَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا وَالصَّلَاةُ تَامَّةٌ؛ وَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارَ مَا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَلَمْ يُغَطِّ: بَطَلَتْ الصَّلَاةُ - النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ سَوَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: النِّسْيَانُ فِي ذَلِكَ مَرْفُوعٌ؛ فَإِنْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ الْعَوْرَةِ عَمْدًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ. [مَسْأَلَةٌ صَلَاة الْعُرَاة] 350 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعُرَاةُ بِعَطَبٍ، أَوْ سَلْبٍ، أَوْ فَقْرٍ: يُصَلُّونَ كَمَا هُمْ فِي جَمَاعَةٍ فِي صَفٍّ خَلْفَ إمَامِهِمْ، يَرْكَعُونَ، وَيَسْجُدُونَ، وَيَقُومُونَ، وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ. وَمَنْ تَعَمَّدَ فِي صَلَاتِهِ؛ تَأَمُّلَ عَوْرَةِ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ تَأَمَّلَهَا نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ. فَإِنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِقْبَالَ عَلَى صَلَاتِهِ عَامِدًا لِذَلِكَ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِسَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَلَا فَرْقَ؛ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ لِذَلِكَ الْإِقْبَالَ عَلَى صَلَاتِهِ: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . فَإِذْ هُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ: فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالصَّلَاةِ كَمَا يَقْدِرُونَ، وَبِالْإِمَامَةِ فِيهَا فِي جَمَاعَةٍ؛ فَسَقَطَ عَنْهُمْ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ، وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ مَا يَسْتَطِيعُونَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَأَمَّا مَنْ تَأَمَّلَ فِي صَلَاتِهِ عَوْرَةً - لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا -: فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِيهَا عَمَلًا لَا يَحِلُّ لَهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .

فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ نِسْيَانًا مَا لَوْ عَمَدَهُ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا إذَا تَأَمَّلَ عَوْرَةً أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وُقُوعِ النَّظَرِ عَلَى بَعْضِهَا فِي الصَّلَاةِ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ. فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ صَلَاتِهِ عَمْدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي الْعُرَاةُ فُرَادَى قُعُودًا يُومِئُونَ لِلسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً أَجْزَأَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ وَيَقْعُدُ الْإِمَامُ فِي وَسَطِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ: أَنَّهُمْ إنْ صَلَّوْا قِيَامًا أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلُّونَ فُرَادَى، يَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ قِيَامًا، فَإِنْ كَانُوا فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ صَلَّوْا فِي جَمَاعَةٍ قِيَامًا، يَقِفُ إمَامُهُمْ أَمَامَهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي الْعُرَاةُ فُرَادَى، أَوْ جَمَاعَةً قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ وَيَقُومُ إمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ، وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ؛ وَيَصْرِفُ الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْ النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ وُجُوهَهُنَّ عَنْ الرِّجَالِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ، وَلَا يُجْزِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ - وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تَخْلُ مِنْ إسْقَاطِ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَهَذَا لَا يَجُوزُ. أَوْ مِنْ إسْقَاطِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. أَوْ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ الْإِمَامِ فِي تَقَدُّمِهِ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَغَضُّ الْبَصَرِ يَسْقُطُ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْفُتْيَا. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْثَرُهَا تَنَاقُضًا. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ لَا يُوَارُونَ جَمِيعَ عَوْرَاتِهِمْ مِنْ الْأَفْخَاذِ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِمَا قُلْنَا.

مسألة استقبال جهة الكعبة بالوجه والجسد فرض على المصلي حاشا المتطوع

حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنَ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، إذَا سَجَدْتُنَّ فَاحْفَظُوا أَبْصَارَكُمْ، لَا تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ؛ مِنْ ضِيقِ الْأُزُرِ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا فِي كِتَابِي عَنْ حُمَامٍ، وَبِاَللَّهِ مَا لَحَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْلَا أَنَّ مُمْكِنًا أَنْ يُخَاطِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ وَمَنْ مَعَهُنَّ مِنْ صِغَارِ أَوْلَادِهِنَّ لَمَا كَتَبْنَاهُ إلَّا " فَاخْفِضْنَ أَبْصَارَكُنَّ ". فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُصَلُّونَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ اللِّبَاسِ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُمْ، وَلَا يَتْرُكُونَ الْقُعُودَ وَلَا الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ؛ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ بِغَضِّ الْبَصَرِ لَازِمٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِالْوَجْهِ وَالْجَسَدِ فَرْضٌ عَلَى الْمُصَلِّي حَاشَا الْمُتَطَوِّعَ] 351 - مَسْأَلَةٌ: وَاسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِالْوَجْهِ وَالْجَسَدِ فَرْضٌ عَلَى الْمُصَلِّي حَاشَا الْمُتَطَوِّعَ رَاكِبًا، فَمَنْ كَانَ مَغْلُوبًا بِمَرَضٍ أَوْ بِجَهْدٍ أَوْ بِخَوْفٍ أَوْ بِإِكْرَاهٍ فَتُجْزِيهِ صَلَاتُهُ كَمَا يَقْدِرُ؛ وَيَنْوِي فِي كُلِّ ذَلِكَ التَّوَجُّهَ إلَى الْكَعْبَةِ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] . وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فِي الْمَبْدَأِ: إنَّمَا هُوَ الْبَيْتُ فَقَطْ؛ ثُمَّ زِيدَ فِيهِ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ امْرَءًا لَوْ كَانَ بِمَكَّةَ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي صَلَاتِهِ -: فَصَرَفَ وَجْهَهُ عَامِدًا عَنْهَا إلَى أَبْعَاضِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ خَارِجِهِ أَوْ مِنْ دَاخِلِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلٌ، وَأَنَّهُ إنْ اسْتَجَازَ ذَلِكَ: كَافِرٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّطَوُّعَ عَلَى الدَّابَّةِ قَبْلُ

مسألة الجاهل بالقبلة يصدق من أخبره من أهل المعرفة

وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْجَاهِلُ وَالْخَائِفُ وَالْمُكْرَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ.» [مَسْأَلَةٌ الْجَاهِل بِالْقِبْلَةِ يُصَدِّق مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ] 352 - مَسْأَلَةٌ: وَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ أَنْ يُصَدِّقَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِالصِّدْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا سَبِيلَ لِمَنْ غَابَ عَنْ مَوْضِعِ الْقِبْلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا إلَّا بِالْخَبَرِ؛ وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ. نَعَمْ، وَمَنْ كَانَ حَاضِرًا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْكَعْبَةُ إلَّا بِالْخَبَرِ وَلَا بُدَّ؛ وَهَذَا مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِيهَا. [مَسْأَلَةٌ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا] 353 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا - عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا - بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ، إنْ كَانَ عَامِدًا، وَيُعِيدُ أَبَدًا إنْ كَانَ نَاسِيًا بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ هَذَيْنِ مُخَاطَبَانِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَصَلَّيَا بِخِلَافِ مَا أُمِرَا بِهِ، وَلَا يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي أَمْرِ النَّاسِي قَبْلُ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ أَهْلِ قُبَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا الصَّلَاةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَتَاهُمْ الْخَبَرُ: بِأَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إلَى الْكَعْبَةِ فَاسْتَدَارُوا - كَمَا كَانُوا فِي صَلَاتِهِمْ - إلَى الْكَعْبَةِ، وَاجْتَزَءُوا بِمَا صَلَّوْا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَيْنَا؛ وَلَا نُخَالِفُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -: أَوَّلُ ذَلِكَ - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. أَوْ فِي عَمَلِهِ أَوْ فِيمَا عَلِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؛ ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عَمَلَ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ

قَالَ عَلِيٌّ: أَهْلُ قُبَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ فَلَوْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إلَى الْكَعْبَةِ: لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ. وَلَا تَلْزَمُ الشَّرِيعَةُ إلَّا مَنْ بَلَغَتْهُ، لَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] . وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَلَا الْمَلَائِكَةِ: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، أَوْ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَإِنَّهُمْ تَمَادَوْا عَلَى الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُدَّةً طَوِيلَةً -: أَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَأَيَّامًا كَثِيرَةً بَعْدَ نُزُولِ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ. وَأَمَّا مَنْ بِالْحَبَشَةِ: فَلَعَلَّهُمْ صَلَّوْا عَامًا أَوْ أَعْوَامًا حَتَّى بَلَغَهُمْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ؛ فَحِينَئِذٍ لَزِمَهُمْ الْفَرْضُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا لَزِمَ أَهْلَ قُبَاءَ التَّحَوُّلُ حِينَ بَلَغَهُمْ لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَانْتَقَلُوا عَنْ فَرْضِهِمْ إلَى فَرْضٍ نَاسِخٍ لَمَا كَانُوا عَلَيْهِ؛ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَهُ فَرْضُ تَحْوِيلِ الْكَعْبَةِ وَعِلْمِهِ وَكَانَ مُخَاطَبًا بِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ تَكْلِيفُهُ عَنْهُ لِعُذْرٍ مَانِعٍ -: فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. فَإِنْ صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ مُتَحَرِّيًا وَلَمْ يَسْأَلْ مَنْ بِحَضْرَتِهِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ: أَعَادَ - وَهُوَ فَرْقٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ نَوْعٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ فَإِنْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا لَهَا: أَعَادَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ: قَطَعَ وَابْتَدَأَ. وَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا إلَى شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ: لَمْ يُعِدْ، وَبَنَى عَلَى مَا صَلَّى وَانْحَرَفَ وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي تَعَمُّدِ الِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ كَالِاسْتِدْبَارِ لَهَا وَلَا فَرْقَ، وَأَهْلُ قُبَاءَ كَانُوا مُسْتَدْبِرِينَ إلَى الْقِبْلَةِ.

وَلَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ - الَّذِي فَرَّقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ -: عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ وَالْمَحْبُوسُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالْأَعْمَى الَّذِي لَا دَلِيلَ لَهُ -: يُصَلُّونَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَمْكَنَهُمْ، وَيُعِيدُونَ إذَا قَدَرُوا عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةٍ تُجْزِئُ عَنْهُمْ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهَا أَوْ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةٍ لَا تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ -: فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةِ تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَبِاَلَّتِي أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَلِأَيِّ مَعْنًى يُصَلُّونَهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِصَلَاةٍ لَا تُجْزِئُ عَنْهُمْ، وَلَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَهَذَا أَمْرٌ فَاسِدٌ، وَلَا يَحِلُّ لِآمِرِهِ الْأَمْرُ بِهِ، وَلَا لِلْمَأْمُورِ بِهِ الِائْتِمَارُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: تُجْزِئُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَبْنُونَ إذَا عَرَفُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ آنِفًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ، قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةَ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ، فَأَصْبَحْنَا: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] .» وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَصَابَتْنَا ظُلْمَةٌ فَلَمْ نَعْرِفْ الْقِبْلَةَ فَذَكَرَ: أَنَّهُمْ خَطُّوا خُطُوطَهُمْ فِي جِهَاتِ اخْتِلَافِهِمْ؛ فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصَبْنَا تِلْكَ الْخُطُوطَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] » فَإِنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لَا يَصِحَّانِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ

مسألة النية في الصلاة

وَلَمْ يَرْوِ حَدِيثَ جَابِرٍ إلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ -، وَعَاصِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ جَهِلُوا، وَصَلَاةُ الْجَاهِلِ تَامَّةٌ؛ وَلَيْسَ النَّاسِي كَذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ النِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ] 354 - مَسْأَلَةٌ: وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ -: إنْ كَانَتْ فَرِيضَةً: نَوَاهَا بِاسْمِهَا وَإِلَى الْكَعْبَةِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ، مُتَّصِلَةً بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ، لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا نَوَى كَذَلِكَ: أَنَّهَا تَطَوُّعٌ؛ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] . وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. لَوْ جَازَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ - وَلَوْ دَقِيقَةً أَوْ قَدْرَ اللَّحْظَةِ - لَجَازَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ، حَتَّى يَجُوزَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، وَهَذَا بَاطِلٌ أَوْ يَحُدُّ الْمُخَالِفُ حَدًّا بِرَأْيِهِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مَعَ التَّكْبِيرِ غَيْرَ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النِّيَّةِ: الْقَصْدُ إلَى الْعَمَلِ؛ وَالْقَصْدُ إلَى الْعَمَلِ بِالْإِرَادَةِ مُتَقَدِّمٌ لِلْعَمَلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ تَحْدِيدِ مِقْدَارِ مُدَّةِ التَّقَدُّمِ الَّذِي تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَاَلَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا فَهُمْ عَلَى عَمًى فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ إلَّا مُخَالِطَةً لِلتَّكْبِيرِ، لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ؛ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْلُ دَاوُد، وَأَبِي حَنِيفَةَ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُجِزْ الصَّلَاةَ إلَّا بِنِيَّةٍ لَهَا؛ وَأَجَازَ الْوُضُوءَ لَهَا بِلَا نِيَّةٍ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ.

مسألة انصرفت نيته في الصلاة ناسيا إلى غيرها

[مَسْأَلَةٌ انْصَرَفَتْ نِيَّتُهُ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا إلَى غَيْرِهَا] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ انْصَرَفَتْ نِيَّتُهُ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا إلَى غَيْرِهَا، أَوْ إلَى تَطَوُّعٍ، أَوْ إلَى خُرُوجٍ عَنْ الصَّلَاةِ: أَلْغَى مَا عَمِلَ مِنْ فُرُوضِ صَلَاتِهِ كَذَلِكَ وَبَنَى عَلَى مَا عَمِلَ بِالنِّيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَأَجْزَأَهُ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا فِي عَمَلٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ الصَّلَاةَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا عَمَلًا لَوْ زَادَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ وَفِي هَذَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ. [مَسْأَلَةٌ الْإِحْرَامُ بِالتَّكْبِيرِ فَرْضٌ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ] 356 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِحْرَامُ بِالتَّكْبِيرِ: فَرْضٌ، لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ» . فَقَدْ أُمِرَ بِتَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِإِيجَابِ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ عَنْ التَّكْبِيرِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ ذَكَرَ، مِثْلُ " اللَّهُ أَعْظَمُ " وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَجَازُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْأَذَانِ.

مسألة التكبير في الصلاة

وَلَمْ يُجِيزُوا الصَّلَاةَ إذَا اُفْتُتِحَتْ بِ " اللَّهُ أَعْلَمُ ". وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَهَدْمٌ لِلْإِسْلَامِ، وَشَرَائِعُ جَدِيدَةٌ فَاسِدَةٌ، قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُوهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] . قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَمَلُ الصَّلَاةِ وَصِفَتُهَا وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ: فِيهِ عَمَلُ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ إلَّا بِهِ، فَلَا يُعْتَرَضُ بِالْآيَةِ عَلَيْهِ؛ بَلْ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ أَنَّ ذَلِكَ الذِّكْرَ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ غَيْرُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَصَلَّى} [الأعلى: 15] فَعَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَى ذِكْرِ اسْمِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فَهَذَا الذِّكْرُ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْقَصْدُ إلَيْهِ تَعَالَى بِالنِّيَّةِ فِي أَدَائِهَا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ [مَسْأَلَةٌ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاة] 357 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَاَللَّهُ الْأَكْبَرُ، وَالْأَكْبَرُ اللَّهُ، وَالْكَبِيرُ اللَّهُ، وَاَللَّهُ الْكَبِيرُ، وَالرَّحْمَنُ أَكْبَرُ - وَأَيُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرْنَا بِالتَّكْبِيرِ. وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " فَكَبِّرْ ". وَكُلُّ هَذَا تَكْبِيرٌ، وَلَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَفْظُ: " التَّكْبِيرِ "؛ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ إلَّا " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلتَّكْبِيرِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ فِي الْحَدِيثِ: " إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَقُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ " قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ مَا عُرِفَ قَطُّ؛ وَلَوْ وَجَدْنَاهُ صَحِيحًا لَقُلْنَا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: بِهَذَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ، قُلْنَا لَهُمْ: مَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ إلَّا بِتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ كَمَا فِي الْآيَةِ، وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ تَنْكِيسَهُ، وَمَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ قَطُّ فِي الْوُضُوءِ إلَّا بِالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ مَعَ صِحَّتِهِ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: مَنْ تَرَكَهَا فَوُضُوءُهُ تَامٌّ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ وَمَا جَرَى عَمَلُ النَّاسِ قَطُّ إلَّا بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْبَوَاقِي، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنْ تَرَكَ السُّورَةَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَمَا جَرَى عَمَلُ الْأُمَّةِ إلَّا بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.

مسألة رفع اليدين للتكبير مع الإحرام في أول الصلاة

وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ فَتَرَى الْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا شِئْتُمْ، لَا إذَا لَمْ تَشَاءُوا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّكْبِيرِ مَعَ الْإِحْرَامِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ] 358 - مَسْأَلَةٌ: وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّكْبِيرِ مَعَ الْإِحْرَامِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ: فَرْضٌ، لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - ثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ثنا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَى بِهِمَا أُذُنَيْهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَفْسِهِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ فَرْضًا؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنَ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ

مسألة قراءة أم القرآن في الصلاة

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «أَلَا أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ» . فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَرْفَعُ، كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحًا لَا فَرْضًا، وَكَانَ لَنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَذَلِكَ، فَإِنْ رَفَعْنَا صَلَّيْنَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، وَإِنْ لَمْ نَرْفَعْ فَقَدْ صَلَّيْنَا كَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ سَمِعْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى مُصَلِّيًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ حَصَبَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ: مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ لِيُحَصِّبَ مَنْ تَرَكَ مَا لَهُ تَرْكُهُ، وَقَدْ رُوِيَ إيجَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ فَرْضًا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِنَا [مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاة] 359 - مَسْأَلَةٌ: وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ: فَرْضٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا - وَالْفَرْضُ وَالتَّطَوُّعُ سَوَاءٌ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَوَجَبْتُمُوهَا فَرْضًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قُلْنَا: لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - ثنا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الَّذِي أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ

مسألة قراءة المأموم خلف الإمام

مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا ". فَوَجَبَ بِهَذَا الْأَمْرِ فَرْضًا أَنْ يَفْعَلَ فِي بَاقِي صَلَاتِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِثْلَ هَذَا. [مَسْأَلَةٌ قِرَاءَة الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ] 360 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ شَيْئًا غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ -: لِمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمٍ ثنا أَبُو ثَوْرِ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَجْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: تَقْرَءُونَ خَلْفِي قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِهَا» . وَمِمَّنْ قَالَ بِإِيجَابِ أُمِّ الْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ جَوَّابِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ لَهُ عُمَرُ: نَعَمْ، قَالَ: وَإِنْ قَرَأْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ قَرَأْت. وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَدَّادٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَجُوزُ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَشَيْءٍ مَعَهَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْت إنْ كُنْت خَلْفَ إمَامٍ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ إمَامٍ قَالَ: اقْرَأْ فِي نَفْسِك وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ، أَوْ لَا

تَجُوزُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: صَلَّيْت صَلَاةً وَإِلَى جَنْبِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْت: أَبَا الْوَلِيدِ، أَلَمْ أَسْمَعْك قَرَأْت فَاتِحَةَ الْكِتَابِ قَالَ: أَجَلْ، إنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِهَا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ؛ جَهَرَ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَدَعُ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ. وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَوْ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَيْضًا. وَعَنْ مُعَاذٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَجَهَرَ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ فَلَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثنا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: سَأَلَ جَارٌ لَنَا الْحَسَنَ قَالَ: أَكُونُ خَلْفَ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَا أَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ قَالَ: اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ الرَّجُلُ: وَسُورَةٍ قَالَ: يَكْفِيك ذَلِكَ الْإِمَامُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ

قَالَ: لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنَمُوا الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، حِينَ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَحِينَ يَقُولُ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] . وَالرِّوَايَاتُ هَهُنَا تَكْثُرُ جِدًّا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا، وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ مِثْلَ: " آيَةِ الدَّيْنِ " وَنَحْوِهَا وَلَمْ يَقْرَأْ أُمَّ الْكِتَابِ أَجْزَأَهُ وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَطْ إمَّا الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِمَّا وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ شَيْئًا أَصْلًا، أَجْهَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ. وَقَالَ مَالِكٌ: قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضٌ فِي جُمْهُورِ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَإِنْ تَرَكَاهُ فِي رَكْعَةٍ، فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ، فَمَرَّةً رَأَى أَنْ يُلْغِيَ الرَّكْعَةَ وَيَأْتِيَ بِأُخْرَى وَمَرَّةً رَأَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَأَجَازَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ أُمَّ الْقُرْآنِ وَسُورَةً إذَا أَسَرَّ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يُسِرُّ فِيهَا مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ. وَاخْتَارَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا الْإِمَامُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ كَقَوْلِنَا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ - أَسَرَّ الْإِمَامُ أَوْ جَهَرَ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ خَاصَّةً؛ وَلَا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَرْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَبِتَعْلِيمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فَقَالَ لَهُ: «اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ عُبَادَةَ يُبَيِّنُ هَذَا الْخَبَرَ الْآخَرَ؛ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِإِيجَابِ قِرَاءَتِهِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ: هُوَ أُمُّ الْقُرْآنِ فَقَطْ.

وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ حَدِيثَ عُبَادَةَ قَدْ أَخَذَ بِالْآيَةِ وَبِالْأَخْبَارِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» قَدْ خَالَفَ حَدِيثَ عُبَادَةَ؛ وَأَجَازَ صَلَاةً أَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا يَجُوزُ، لَا سِيَّمَا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ إجَازَتِهِ قِرَاءَةَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَمَنْعِهِ مِمَّا دُونِهَا. فَهَذَا قَوْلٌ مَا حُفِظَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ؛ وَهُوَ خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ، وَلِجَمِيعِ الْآثَارِ - وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ مَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى: أَنْ لَا يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ الْجَاهِرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] . قَالَ عَلِيٌّ: وَتَمَامُ الْآيَةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الْآيَةِ فِي الصَّلَاةِ فَآخِرُهَا فِي الصَّلَاةِ؛ وَإِنْ كَانَ آخِرُهَا لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَأَوَّلُهَا لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِالذِّكْرِ سِرًّا وَتَرْكُ الْجَهْرِ فَقَطْ؛ وَهَكَذَا نَقُولُ وَذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ أُكَيْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» - وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقِرَاءَةِ. وَهَذَا حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ أُكَيْمَةَ وَقَالُوا: هُوَ مَجْهُولٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ وَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَحَرَامٌ أَنْ يُضْرَبَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ كَلَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُّهُ بِظَاهِرِهِ كَمَا هُوَ، كَمَا قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لَا يُزَادُ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا يُنَازِعُ

الْقُرْآنَ، وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؛ وَمَا عَدَا هَذَا فَزِيَادَةٌ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُقْصَانٌ مِنْهُ، وَذَكَرُوا أَيْضًا: حَدِيثًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلَانَ فِيهِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . فَهَذَا خَبَرٌ أَوَّلُ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ مِنْ مُخَالِفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِأَكْثَرَ مَا فِيهِ؛ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ التَّكْبِيرَ إثْرَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ: لَا مَعَهُ لِلْإِحْرَامِ خَاصَّةً. ثُمَّ يَرَوْنَ سَائِرَ التَّكْبِيرِ وَالرَّفْعِ وَالْخَفْضِ مَعَ الْإِمَامِ: لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ؛ وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَفِيهِ «إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» فَخَالَفُوهُ إلَى خَبَرٍ كَاذِبٍ لَا يَصِحُّ، وَإِلَى ظَنٍّ غَيْرِ مَوْجُودٍ، فَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِقَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ قَضَايَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا وَيَتْرُكُوا سَائِرَ قَضَايَاهُ الَّتِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا صَحِيحٌ، وَبِهِ كُلُّهُ نَأْخُذُ، لِأَنَّ تَأْلِيفَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَمَّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَالْأَخْذَ بِجَمِيعِهِ -: فَرْضٌ لَا يَحِلُّ سِوَاهُ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا وَ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» فَلَا بُدَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَوَامِرِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، إلَّا عَنْ أُمِّ الْقُرْآنِ - كَمَا قُلْنَا نَحْنُ

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، إلَّا إنْ قَرَأَ الْإِمَامُ - كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْقَائِلِينَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنْ يَجْهَرَ الْإِمَامُ - كَمَا يَقُولُ آخَرُونَ، قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَأَمَّا بِدَعْوَى فَلَا فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهِيَ صَلَاةُ جَهْرٍ فَقَالَ: «أَتَقْرَءُونَ خَلْفِي؟ قَالُوا: نَعَمْ؛ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِهَا» فَكَانَ هَذَا كَافِيًا فِي تَأْلِيفِ أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ. وَقَدْ مَوَّهَ قَوْمٌ بِأَنْ قَالُوا: هَذَا خَبَرٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ مَكْحُولٌ مَرَّةً عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ؛ وَمَرَّةً عَنْ نَافِعَ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، وَثَّقَهُ الزُّهْرِيُّ - وَفَضَّلَهُ عَلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَصْرِهِ - وَشُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَسُفْيَانُ وَحَمَّادٌ؛ وَحَمَّادٌ وَيَزِيدُ، وَيَزِيدُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِيهِ شُعْبَةُ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُحَدِّثِينَ، هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الطَّاعِنِينَ عَلَيْهِ هَهُنَا هُمْ الَّذِينَ احْتَجُّوا بِرِوَايَتِهِ الَّتِي لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُهُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَإِذَا رَوَى مَا

يَظُنُّونَ أَنَّهُ يُوَافِقُ تَقْلِيدَهُمْ: صَارَ ثِقَةً، وَصَارَ حَدِيثُهُ حُجَّةً؛ وَإِذَا رَوَى مَا يُخَالِفُهُمْ: صَارَ مُجَرَّحًا وَ {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] وَأَمَّا رِوَايَةُ مَكْحُولٍ هَذَا الْخَبَرَ مَرَّةً عَنْ مَحْمُودٍ وَمَرَّةً عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودٍ فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ لَا وَهْنٌ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا ثِقَةٌ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» إلَّا تَرْكُ الْقِرَاءَةِ حِينَ قِرَاءَتِهِ، وَيَبْقَى وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ فَكَيْفَ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ -: يَعْنِي «إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» قَدْ أَنْكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ غَيْلَانَ أَخْطَأَ فِي إيرَادِهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ الْحَدِيثِ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقُولُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ: إنَّهُ خَطَأٌ؛ إلَّا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ؛ لَكِنَّ وَجْهَ الْعَمَلِ هُوَ مَا أَرَدْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَ التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» إنَّمَا مَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً، كَمَا جَاءَ «لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ» قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا مُتَعَلَّقٌ لَهُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَتِمَّ صَلَاةٌ أَوْ لَمْ تَكْمُلْ: فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَصْلًا؛ إذْ بَعْضُ الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ عَنْ جَمِيعِهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ؛ فَالْأَمَانَةُ: هِيَ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] . فَنَعَمْ: مَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ فَلَا إيمَانَ لَهُ؛ وَمَنْ لَا شَرِيعَةَ لَهُ فَلَا دِينَ لَهُ - هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظَيْنِ الَّذِي لَا يَحِلُّ صَرْفُهُمَا عَنْهُ. وَقَدْ أَقْدَمَ آخَرُونَ فَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّغْلِيظِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ. وَمَنْ كَذَّبَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَقَدْ كَفَرَ؛ وَلَا أَعْظَمُ مِنْ كُفْرِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَّظَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَيْسَ هُوَ حَقًّا.

مسألة دخل خلف إمام فبدأ بقراءة أم القرآن فركع الإمام

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ سَاقِطَةٌ كُلُّهَا فِيهَا «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامُ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَفِي بَعْضِهَا " مَا أَرَى الْإِمَامُ إلَّا قَدْ كَفَّاهُ ". وَكُلُّهَا إمَّا مُرْسَلٌ؛ وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ، وَإِمَّا عَنْ مَجْهُولٍ - وَلَوْ صَحَّتْ كُلُّهَا لَكَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» كَافِيًا فِي تَأْلِيفِ جَمِيعِهَا، فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ ثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعْدٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَقْرَأَ فِي صَلَاتِنَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا تَيَسَّرَ» فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ: وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ؛ فَإِذَا لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى سَائِرِ الذِّكْرِ. وَهَكَذَا نَقُولُ بِوُجُوبِ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَوُجُوبِ التَّكْبِيرِ. عَلَى أَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَدَّادٍ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِآيَتَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ كُنْت خَلْفَ إمَامٍ فَاقْرَأْ فِي نَفْسِك. وَقَدْ رُوِّينَا خِلَافَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ - وَقَدْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالنَّاسِ وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا -: أَلَيْسَ قَدْ أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.؟ قَالُوا: بَلَى؛ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَقَالَ: إنِّي صَلَّيْت وَلَمْ أَقْرَأْ، قَالَ: أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ؛ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: تَمَّتْ صَلَاتُك؛ مَا كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ أَنْ يَقْرَأَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَبَدَأَ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ] 361 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَبَدَأَ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الدَّاخِلُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَلَا يَرْكَعُ حَتَّى يُتِمَّهَا.

مسألة جاء المأموم إلى الصلاة والإمام راكع

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَهْمَا أَسْبِقُكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ» وَسَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ فِي بَابِ وُجُوبِ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْمَأْمُومُ رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلَا مَعَهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى [مَسْأَلَةٌ جَاءَ الْمَأْمُوم إلَى الصَّلَاة وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ] 362 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْقِيَامَ، وَلَا الْقِرَاءَةَ؛ وَلَكِنْ يَقْضِيهَا إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، فَإِنْ خَافَ جَاهِلًا فَلْيَتَأَنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَيُكَبِّرْ حِينَئِذٍ. وَقَالَ قَائِلُونَ، إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مَعَ الْإِمَامِ اعْتَدَّ بِهَا. وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ ثَابِتَةٍ؛ إلَّا أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَهِيَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ» . وَمِنْهَا - حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّهُ جَاءَ وَالْقَوْمُ رُكُوعٌ، فَرَكَعَ ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ قَالَ: أَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ ثُمَّ جَاءَ إلَى الصَّفِّ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» . قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» فَحَقٌّ؛ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ - مَعَ ذَلِكَ - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلَاةِ - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؛ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ: أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ: فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْفَةَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ: فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ» حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ؛ وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْفَةَ الَّتِي قَبْلَ الرُّكُوعِ؛ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْحِمَ فِي كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ اجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهَا - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ جُمْلَةً، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ

سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ائْتُوا الصَّلَاةَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ، وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ» . وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ -: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْأُولَى كُلُّهَا. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى: فَقَدْ فَاتَتْهُ وَقْفَةٌ، وَرُكُوعٌ، وَرَفْعٌ، وَسَجْدَةٌ، وَجُلُوسٌ، وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْجَلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: فَقَدْ فَاتَهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالرَّفْعُ، وَسَجْدَةُ. وَأَنَّ مِنْ أَدْرَكَ الرَّفْعَ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ السَّجْدَتَيْنِ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَالرُّكُوعُ. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ: فَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ، وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ؛ وَكِلَاهُمَا فَرْضٌ، لَا تُتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِنَصِّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَضَاءِ مَا سَبَقَهُ وَإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ: فَكَيْفَ وَقَعَ لَهُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ فَوْتِ إدْرَاكِ الْوَقْفَةِ، وَبَيْنَ فَوْتِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَالْوَقْفَةِ؛ فَلَمْ يَرَوْا عَلَى أَحَدِهِمَا قَضَاءً مَا سَبَقَهُ، وَرَأَوْهُ عَلَى الْآخَرِ. فَلَا الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلَا النُّصُوصَ اتَّبَعُوا، وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا أَتَيْت الْقَوْمَ وَهُمْ رُكُوعٌ فَلَا تُكَبِّرْ حَتَّى تَأْخُذَ مَقَامَك مِنْ الصَّفِّ

وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِالرَّكْعَةِ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: دَخَلْت أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَرَكَعْنَا ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا بِالصَّفِّ؛ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قُمْت أَقْضِي، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَدْ أَدْرَكْتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا إيجَابُ الْقَضَاءِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَهُوَ صَاحِبٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنْ قِيلَ: فَلَمْ يَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَلِكَ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا فَإِذَا تَنَازَعَ الصَّاحِبَانِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا يَحِلُّ الرَّدُّ إلَى سِوَى ذَلِكَ؛ فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةً عَلَى زَيْدٍ، وَلَا قَوْلُ زَيْدٍ حُجَّةً عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لَكِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ إنْسٍ وَجِنٍّ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ رُجُوعُ زَيْدٍ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَوْ رَجَعَ لَمَا كَانَ فِي رُجُوعِهِ حُجَّةٌ؛ وَالْخِلَافُ لِابْنِ مَسْعُودٍ مِنْهُ قَدْ حَصَلَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: إذَا انْتَهَيْت إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَأَدْرَكْت تَكْبِيرَةً تَدْخُلُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ: فَقَدْ أَدْرَكْت تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ وَإِلَّا فَارْكَعْ مَعَهُمْ وَاسْجُدْ، وَلَا تَحْتَسِبْ بِهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ كَلَامًا مَعْنَاهُ: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ؛ وَمَا يُدْرِيهِ وَالنَّاسُ قَدْ اخْتَلَفُوا، هَذِهِ أَخْبَارُ الْأَصَمِّ، وَبِشْرِ الْمَرِيسِيِّ

قَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِيمَا لَا يَقِينَ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِلَا شَكٍّ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ: قَدْ كَذَبَ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا؛ وَقَطَعَ بِظَنِّهِ عَلَيْهِمْ؛ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا لَا يُقَالُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ. قِيلَ لَهُمْ: فَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا فِيمَا رُوِّينَاهُ آنِفًا - فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا - عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَآيَتَيْنِ مَعَهَا، وَلَكِنَّ التَّحَكُّمَ سَهْلٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُعَدَّ كَلَامُهُ مِنْ عَمَلِهِ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، قُلْنَا: مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجُمْهُورِ؛ لَا فِي آيَةٍ وَلَا فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ؛ وَأَمَّا الْمَوْضُوعَاتِ فَسَهْلٌ وُجُودُهَا فِي كُلِّ حِينٍ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهَا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ؛ فَقَدْ صَارَ مُدْرِكًا لِلْوُقُوفِ قُلْنَا: وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى؛ وَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي يَجِدُ الْإِمَامَ عَلَيْهَا. وَأَيْضًا: فَلَا يُجْزِئُ قَضَاءُ شَيْءٍ سَبَقَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ؛ لَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُنَا أَقْوَالٌ، نَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا لِيَلُوحَ كَذِبُ مِنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَمَشَى إلَى الصَّفِّ، فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا - قَالَ الْحَجَّاجُ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ

مسألة فرض على كل مصل أن يقول إذا قرأ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

إذَا جَاءَ وَالْقَوْمُ سُجُودٌ سَجَدَ مَعَهُمْ؛ فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ أُخْرَى وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا قَالَ أَيُّوبُ: وَدَخَلْت مَعَ أَبِي قِلَابَةَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ سَجَدُوا سَجْدَةً فَسَجَدْنَا مَعَهُمْ الْأُخْرَى؛ فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدْنَا الْأُخْرَى؛ فَلَمَّا قَضَى أَبُو قِلَابَةَ الصَّلَاةَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ الْوَهْمِ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا انْتَهَى إلَى الصَّفِّ الْآخَرِ وَلَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَقَدْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَقَدْ أَدْرَكَ؛ لِأَنَّ الصَّفَّ الَّذِي فِيهِ هُوَ إمَامُهُ، وَإِنْ جَاءَ وَالْقَوْمُ سُجُودٌ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُمْ وَلَا يَعْتَدُّ بِهَا وَبِهِ إلَى دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: إذَا جَاءَ وَهُمْ سُجُودٌ سَجَدَ مَعَهُمْ؛ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَةً وَلَا يَسْجُدُ وَيُعْتَدُّ بِهَا. وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَحُمَيْدٍ، وَأَصْحَابِ الْحَسَنِ: إذَا وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ؛ وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا قَالَ حَمَّادٌ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزُفَرُ: إذَا كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَلْيَرْكَعْ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ. [مَسْأَلَةٌ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَقُولَ إذَا قَرَأَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] 363 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَقُولَ إذَا قَرَأَ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " لَا بُدَّ لَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يَتَعَوَّذُ قَبْلَ ابْتِدَائِهِ بِالْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ وَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ فَرْضًا وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَعَوَّذُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرِيضَةِ، وَلَا التَّطَوُّعِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ بِالتَّعَوُّذِ فَقَطْ ثُمَّ لَا يَعُودَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ قَوْلَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ؛ وَلَا أَثَرٍ أَلْبَتَّةَ؛ وَلَا مِنْ دَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ؛

وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنْ أَقْدَمَ مُقَدِّمٌ عَلَى ادِّعَاءِ عَمَلٍ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْ آخَرَ ادَّعَى الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ التَّعَوُّذَ لَيْسَ فَرْضًا -: فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . وَمِنْ الْخَطَأِ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرٍ ثُمَّ يَقُولُ قَائِلٌ - بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ -: هَذَا الْأَمْرُ لَيْسَ فَرْضًا، لَا سِيَّمَا أَمْرُهُ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ فِي أَنْ يُعِيذُنَا مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ؛ فَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ: أَنَّهُ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَ الشَّيْطَانِ، وَالْفِرَارَ مِنْهُ؛ وَطَلَبَ النَّجَاةِ مِنْهُ: لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ فَرْضٌ، ثُمَّ وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْنَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ التَّعَوُّذُ: فَرْضًا؛ لَلَزِمَ كُلَّ مَنْ حَكَى عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ: أَنْ يَتَعَوَّذَ وَلَا بُدَّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ وَلَا يَرَوْنَ التَّعَوُّذَ عِنْدَ حِكَايَةِ الْمَرْءِ قَوْلَ غَيْرِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّ التَّعَوُّذَ الَّذِي اخْتَلَفْنَا فِيهِ فَأَوْجَبْنَاهُ نَحْنُ وَلَمْ يُوجِبُوهُ هُمْ - إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا جَاءَ فِي النَّصِّ، لَا عِنْدَ حِكَايَةٍ لَا يَقْصِدُ بِهَا الْمَرْءُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ التَّعَوُّذَ: فَرْضًا، فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ، عَلَى عُمُومِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَاصِمٍ الْعَنَزِيِّ عَنْ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَخَلَ الصَّلَاةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، ثَلَاثًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا - اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» .

حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَالَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ قِرَاءَتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خَنْزَبٌ؛ فَإِذَا حَسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا» . وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُخْفِي الْإِمَامُ أَرْبَعًا -: التَّعَوُّذُ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَآمِينَ، وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَعَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُخْفِي الْإِمَامُ ثَلَاثًا -: الِاسْتِعَاذَةُ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَآمِينَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعِيذُ؟ قَالَ: كَانَ يَقُولُ؛ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: خَمْسٌ يُخْفَيْنَ -: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَالتَّعَوُّذُ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَآمِينَ، وَاَللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً حِينَ يَسْتَفْتِحُ صَلَاتَهُ حِينَ يَقْرَأُ أُمَّ الْكِتَابِ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ

الشَّيْطَانِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَبَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ فِي الْأَرْضِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَيُجْزِئُ عَنْك، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: مِنْ أَجْلِ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] قَالَ: نَعَمْ. وَبِالتَّعَوُّذِ فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: هَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَأَخَذَ بِهِ فَيَرَى التَّعَوُّذَ سُنَّةً قَبْلَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَقْلِ الْقُرَّاءِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَفَرْضًا بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ، وَلَوْ أَنَّهُ كَلِمَتَانِ، عَلَى نَصِّ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ التَّعَوُّذَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ بِظَاهِرِهَا. وَأَمَّا مَنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَفُرِضَ عَلَيْهِ التَّعَوُّذُ حِينَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ إذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ جَمِيعِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالتَّعَوُّذِ مُتَّصِلًا بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي الْقِرَاءَةِ -: مُبَلَّغًا إلَيْنَا مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا قَاضٍ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْثِرْ» . وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَنْثَرَ فِي أَوَّلِ وُضُوئِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة نسي المصلي التعوذ أو شيئا من أم القرآن حتى ركع

[مَسْأَلَةٌ نَسِيَ المصلي التَّعَوُّذَ أَوْ شَيْئًا مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى رَكَعَ] مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ أَوْ شَيْئًا مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى رَكَعَ أَعَادَ مَتَى ذَكَرَ فِيهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا أَلْغَى مَا قَدْ نَسِيَ إلَى أَنْ ذَكَرَ، وَإِذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ قَامَ يَقْضِي مَا كَانَ أَلْغَى ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ فِيمَنْ نَسِيَ فَرْضًا فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا لَمْ يُصَلِّ كَمَا أَمَرَ؛ وَيُعِيدُ مَا صَلَّى كَمَا أُمِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمُصَلِّي لَا يَحْفَظُ أُمَّ الْقُرْآنِ] 365 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ أُمَّ الْقُرْآنِ صَلَّى وَقَرَأَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ، لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَأَجْزَأَهُ، وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ أُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنْ عَرَفَ بَعْضَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ الْبَعْضَ: قَرَأَ مَا عَرَفَ مِنْهَا فَأَجْزَأَهُ، وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ صَلَّى كَمَا هُوَ؛ يَقُومُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ كَمَا يُحْسِنُ بِلُغَتِهِ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ حَتَّى يُتِمَّ صَلَاتَهُ؛ وَيُجْزِيهِ. وَلْيَسْعَ فِي تَعَلُّمِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: يَقْرَأُ مِقْدَارَ سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى مِقْدَارَ سَبْعِ آيَاتٍ قَالَ عَلِيٌّ: وَقُصِدَ بِذَلِكَ قَصْدُ التَّعْوِيضِ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالتَّعْوِيضُ مِنْ الشَّرَائِعِ بَاطِلٌ، إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَا قُرْآنَ وَلَا سُنَّةَ فِيمَا ادَّعَى؛ وَلَوْ كَانَ قِيَاسُ هَذَا الْقَائِلِ صَحِيحًا لَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ مَنْ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا يَوْمٌ بِطُولِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَصَحَّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا اسْتَطَاعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَعَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُصَلِّيَ فَقَالَ: «اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ.

مسألة من عد بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن

فَمَنْ عَجَزَ عَنْ أُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدَرَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَلَزِمَهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قُرْآنٍ مِنْ كَلِمَتَيْنِ - مَعْرُوفٌ أَنَّهُمَا مِنْ الْقُرْآنِ - فَصَاعِدًا، وَإِنْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّ عُمُومَ " مَا تَيَسَّرَ " يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ عَدَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ] 366 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ بِرِوَايَةِ مَنْ عَدَّ مِنْ الْقُرَّاءِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ إلَّا بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُمْ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمَنْ كَانَ يَقْرَأُ بِرِوَايَةِ مَنْ لَا يَعُدُّهَا آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُبَسْمِلَ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُبَسْمِلَ. وَهُمْ: ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ نَافِعٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَسْمِلُ الْمُصَلِّي إلَّا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَكْثَرُوا مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِمَا لَا حُجَّةَ لِأَيٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فِيهِ. مِثْلُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ نَهْيٌ مِنْ رَسُولِ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِرَاءَةِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ لَا يَقْرَؤُهَا وَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ أَخْبَارَ أُخَرَ مِنْهَا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا " فَلَمْ يَجْهَرُوا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا وَيَسُرُّونَ بِهَا، وَهَذَا أَيْضًا الْإِيجَابُ فِيهِ لِقِرَاءَتِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَخْبَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا أَنَّ النَّصَّ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فَرْضًا، وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ حَقٌّ كُلُّهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، مُبَلَّغَةٌ كُلُّهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِنَقْلِ الْمَلَوَانِ فَقَدْ وَجَبَ إذْ كُلُّهَا حَقٌّ أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ فِي قِرَاءَتِهِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ؛ وَصَارَتْ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فِي قِرَاءَةٍ صَحِيحَةٍ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَفِي قِرَاءَةٍ صَحِيحَةٍ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ -: مِثْلُ لَفْظَةِ " هُوَ " فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: {هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان: 26] . وَكَلَفْظَةِ " مِنْ " فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التوبة: 89] فِي سُورَةِ (بَرَاءَةٌ) عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ آيَةٍ - هُمَا مِنْ السُّورَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِهِمَا، وَلَيْسَتَا مِنْ السُّورَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهِمَا. وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَارِدٌ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ، ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَاتِ وَآيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَسَائِرُ ذَلِكَ مِنْ الْحُرُوفِ يَطُولُ ذِكْرُهَا. كَزِيَادَةِ مِيمِ " مِنْهَا " فِي سُورَةِ الْكَهْفِ. وَفِي {حم} [الشورى: 1] {عسق} [الشورى: 2] : {فَبِمَا كَسَبَتْ} [الشورى: 30] . وَهَاءَاتٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي {يس} [يس: 1] : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ} [يس: 69] .

مسألة قرأ أم القرآن في صلاته مترجما بغير العربية

وَفِي الزُّخْرُفِ {تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ} [الزخرف: 71] وَ {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259] وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْقُرْآنُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا حَقٌّ، وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ تِلْكَ الْأَحْرُفِ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ عَلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي صَلَاتِهِ مُتَرْجَمًا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ] 367 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي صَلَاتِهِ مُتَرْجَمًا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، أَوْ بِأَلْفَاظٍ عَرَبِيَّةٍ غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، عَامِدًا لِذَلِكَ، أَوْ قَدَّمَ كَلِمَةً أَوْ أَخَّرَهَا عَامِدًا لِذَلِكَ -: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ فَاسِقٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] ، وَغَيْرُ الْعَرَبِيِّ لَيْسَ عَرَبِيًّا، فَلَيْسَ قُرْآنًا. وَإِحَالَةُ رُتْبَةِ الْقُرْآنِ تَحْرِيفُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَالَ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] . قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَيْنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْأَوَّلِينَ، وَإِنَّمَا فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ذِكْرُهُ وَالْإِقْرَارُ بِهِ فَقَطْ؛ وَلَوْ أُنْزِلَ عَلَى غَيْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَا كَانَ آيَةً لَهُ، وَلَا فَضِيلَةً لَهُ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَمَنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَلْيَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى بِلُغَتِهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجَمًا عَلَى أَنَّهُ الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَيَكُونُ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَعَوَّزَا لِلسُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ] 368 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَعَوَّذَا لِلسُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَعَوَّذَا إذْ قَرَآ. وَمَنْ اتَّصَلَتْ قِرَاءَتُهُ فَقَدْ تَعَوَّذَ كَمَا أُمِرَ، وَلَوْ لَزِمَهُ تَكْرَارُ التَّعَوُّذِ لَمَا كَانَ لِذَلِكَ غَايَةٌ إلَّا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ، فَإِنْ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ قَطْعَ تَرْكٍ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ قِرَاءَةً فِي

مسألة الركوع في الصلاة والطمأنينة فيه

رَكْعَةٍ أُخْرَى تَعَوَّذَ - كَمَا أُمِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ] 369 - مَسْأَلَةٌ: وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى تَعْتَدِلَ جَمِيعُ أَعْضَائِهِ وَيَضَعَ فِيهِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ -: فَرْضٌ، لَا صَلَاةَ لِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَامِدًا. وَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ نَاسِيًا أَلْغَاهُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ لِعُذْرٍ بِصُلْبِهِ أَجْزَأَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَسَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَالتَّكْبِيرُ لِلرُّكُوعِ فَرْضٌ، وَقَوْلُهُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ " فِي الرُّكُوعِ فَرْضٌ وَالْقِيَامُ إثْرَ الرُّكُوعِ فَرْضٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَقَوْلُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ، مِنْ إمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ أَوْ مَأْمُومٍ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ " رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " أَوْ " وَلَك الْحَمْدُ " وَلَيْسَ هَذَا فَرْضًا عَلَى إمَامٍ وَلَا فَذٍّ. وَإِنْ قَالَاهُ كَانَ حَسَنًا وَسُنَّةً وَقَوْلُ الْمَأْمُومِ " آمِينَ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَرْضٌ؛ وَإِنْ قَالَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ حَسَنٌ وَسُنَّةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَرْكَعَ، وَلَا أَنْ يَرْفَعَ، وَلَا أَنْ يَسْجُدَ مَعَ إمَامِهِ وَلَا قَبْلَهُ؛ لَكِنْ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ نَسِيَ أَلْغَى تِلْكَ الْمُدَّةَ مِنْ سُجُودِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَسَجْدَتَانِ إثْرَ الْقِيَامِ الْمَذْكُورِ فَرْضٌ؛ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِمَا فَرْضٌ؛ وَالتَّكْبِيرُ لِكُلِّ سَجْدَةٍ مِنْهُمَا فَرْضٌ وَقَوْلُ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " فِي كُلِّ سَجْدَةٍ فَرْضٌ، وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَصُدُورِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى مَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ - مِمَّا أُبِيحَ لَهُ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ -: فَرْضٌ كُلُّ ذَلِكَ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضٌ؛ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَرْضٌ؛ وَالتَّكْبِيرُ لَهُ فَرْضٌ لَا

تُجْزِئُ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ بِأَنْ يَدَعَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ عَامِدًا شَيْئًا؛ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَاسِيًا أَلْغَى ذَلِكَ وَأَتَى بِهِ كَمَا أُمِرَ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِجَهْلٍ أَوْ عُذْرٍ مَانِعٍ سَقَطَ عَنْهُ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَا يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَالْأَنْفِ: إلَّا مَكْشُوفَيْنِ؛ وَيُجْزِئُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ مُغَطَّاةٍ، وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ مَا ذَكَرْنَا بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى؛ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا؛ فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَعَلَيْكَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْكَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَا أَدْرِي مَا عِبْتَ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ

حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ وَيَحْمَدَهُ وَيُمَجِّدَهُ، وَيَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ وَتَيَسَّرَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ فَيَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَسْتَوِيَ قَائِمًا حَتَّى يَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ مَأْخَذَهُ، وَيُقِيمَ صُلْبَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ وَيُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ. فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا حَتَّى فَرَغَ. ثُمَّ قَالَ: لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ» . قَالَ عَلِيٌّ: التَّحْمِيدُ الْمَذْكُورُ وَالتَّمْجِيدُ الْمَذْكُورُ هُوَ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] يَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] قَالَ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» . قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ ظَهْرَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ - قِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لَهُ - كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ، وَالْأَنْفِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» . قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي السُّجُودِ وَلَمْ يَضَعْ أَنْفَهُ وَلَا يَدَيْهِ وَلَا رُكْبَتَيْهِ أَجْزَأَهُ

ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُهُ أَنْ يَضَعَ فِي السُّجُودِ أَنْفَهُ وَلَا يَضَعَ جَبْهَتَهُ وَلَا يَدَيْهِ وَلَا رُكْبَتَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ لَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا: آمِينَ، يُحِبُّكُمْ اللَّهُ وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ؛ فَتِلْكَ بِتِلْكَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْعَظَائِمِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ كَذَا أَوْ كَذَا، وَافْعَلُوا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ قَائِلٌ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ: إنَّ الصَّلَاةَ تَتِمُّ دُونَ ذَلِكَ، مُقَلِّدًا لِمَنْ أَخْطَأَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ، أَوْ بَلَغَهُ فَتَأَوَّلَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِخِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ مِنْ الْبَاطِلِ وَالتَّلَعُّبِ بِالسُّنَنِ أَنْ يَنُصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمُورٍ ذَكَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا -: فَيَقُولُ قَائِلٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ كَذَلِكَ، وَبَعْضُهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَقْدَمَ كَاذِبٌ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ. وَادَّعَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ خِلَافُ الْيَقِينِ الصَّادِقِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لِظَنٍّ كَاذِبٍ افْتَرَى فِيهِ الَّذِي ظَنَّهُ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا؛ إذْ نَسَبَ إلَيْهَا مُخَالَفَةَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ". وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يُجْزِئُ تَكْبِيرُ الْمَأْمُومِ إلَّا بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ وَلَا يُجْزِئُ سَلَامُهُ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ -: أَمَّا رُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ وَسُجُودُهُ فَمَعَ الْإِمَامِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ عَجِيبٌ، وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ هَهُنَا فَهُوَ لَازِمٌ لَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَنْعٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَلَا مَنْعُ الْمَأْمُومِ مِنْ قَوْلِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَإِيجَابُ هَذَا مَذْكُورٌ فِي الْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ. وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ تُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلَا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ كِتَابًا إلَيَّ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَغْرِبِيُّ الطَّرَسُوسِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّجِيرَمِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيّ بسيراف ثَنَا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلُوهَا فِي الرُّكُوعِ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَبِإِيجَابِ فَرْضِ هَذَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» وَأَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَشَفَ السِّتَارَةَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ الدُّعَاءَ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ.» قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ سُقُوطُ مَا أَوْجَبَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ بَلْ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " فَعَظِّمُوا الرَّبَّ " مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ".

وَأَمَّا اجْتِهَادُ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ وَقَوْلُ «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» فَزِيَادَةُ خَيْرٍ، وَحَسَنَةٌ لِمَنْ فَعَلَهَا مَعَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ تَكْبِيرَتَيْنِ وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ. وَهَذَا قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ بِرَأْيِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَا كَثِيرَ إلَّا وَهُوَ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَلَا قَلِيلَ إلَّا وَهُوَ كَثِيرٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَإِنَّ الْعَمَلَ الْوَاجِبَ فَتَرْكُ قَلِيلِهِ وَتَرْكُ كَثِيرِهِ سَوَاءٌ فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ الْعَمَلَ الْمُحَرَّمَ فَكَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ سَوَاءٌ فِي ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنَّ الْمُبَاحَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مُبَاحٌ وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَادِيرِ فِي الْأَعْمَالِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا أَيْضًا كَذَلِكَ وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا، فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتُهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ".

فَهَذَا آخِرُ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ الْمَالِكِيُّونَ بِرَأْيٍ لَا بِخَبَرٍ أَصْلًا، وَمَا لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إلَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَمْنَعْ الْإِمَامَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَا مَنَعَ الْمَأْمُومَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِمَا لِذَلِكَ، وَلَا فِي تَرْكِهِمَا لِقَوْلِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ وَهُوَ إمَامٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنَّهُ عَمَلُهُ إلَى أَنْ مَاتَ؛ فَبَطَلَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ أَيْضًا عَمَلُ السَّلَفِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا كَانَ إمَامًا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا، ثُمَّ يَسْجُدُ لَا يُخْطِئُهُ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ إمَامٌ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا، يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ وَنُتَابِعُهُ مَعًا. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَ ذَلِكَ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ كُنْت مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَحَسَنٌ؛ وَإِنْ لَمْ تَقُلْهَا فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْكَ، وَإِنْ تَجْمَعْهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ يَقُولُ الْإِمَامُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَفَرَّقَ بِلَا دَلِيلٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَقَدْ تَنَاقَضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُ الْإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ

فَإِنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُهَا وَهُوَ إمَامٌ، قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ الصَّلَاةَ. وَفِيهَا أَنْ يُقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَأْمُومًا مِنْ إمَامٍ، مِنْ مُنْفَرِدٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُ: آمِينَ فَإِنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا وَسُنَّةً، وَيَقُولُهَا الْمَأْمُومُ فَرْضًا وَلَا بُدَّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَاجِ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: آمِينَ ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ - ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَلَا عَلَيْهِمْ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: آمِينَ، حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيَهُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ «أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» . وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ

وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ: وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " آمِينَ " وَهُوَ إمَامٌ فِي الصَّلَاةِ، يَسْمَعُهَا مَنْ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَمَلُ السَّلَفِ كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ عَلَى إثْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ وَرَاءَهُ، حَتَّى إنْ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً. قَالَ عَطَاءٌ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَهُ فَيَقُولُ وَيُنَادِيه: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ. قَالَ عَطَاءٌ: وَلَقَدْ كُنْت أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ يَقُولُونَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ عَلَى إثْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ " آمِينَ " هُمْ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ حَتَّى إنْ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً. قَالَ عَلِيٌّ: اللُّجَّةُ، الْجَلَبَةُ، وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ مُؤَذِّنًا لِلْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ بِالْبَحْرَيْنِ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِآمِينَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يُخْفِي الْإِمَامُ أَرْبَعًا: " التَّعَوُّذُ " " وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " " وَآمِينَ " " وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ". وَعَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ كِلَيْهِمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُخْفِي الْإِمَامُ ثَلَاثًا: التَّعَوُّذُ، " وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " " وَآمِينَ ". وَعَنْ عِكْرِمَةَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَلَهُمْ ضَجَّةٌ بِآمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

فَأَمَّا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَيَرَوْنَ الْجَهْرَ بِهَا لِلْإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ، وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْجَهْرُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَقُولُهَا الْإِمَامُ سِرًّا - ذَهَبُوا إلَى تَقْلِيدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْمَأْمُومُ " آمِينَ " وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَطْعًا، نَعَمْ، وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُمْتَحِنِينَ بِتَقْلِيدِهِ قَالَ: إنَّ سُمَيًّا مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَسُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَوَيَا كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْقَارِئُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . هَذَا لَفْظُ سُهَيْلٍ. وَأَمَّا لَفْظُ سُمَيٍّ فَإِنَّهُ قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا: آمِينَ» . قَالَ: فَلَيْسَ فِي هَذَا تَأْمِينُ الْإِمَامِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا غَايَةُ الْمَقْتِ فِي الِاحْتِجَاجِ، إذْ ذَكَرُوا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ شَرِيعَةٌ قَدْ ذَكَرْت فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَرَامُوا إسْقَاطَهَا بِذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ فِي إسْقَاطِ جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ أَقْوَى مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ تُذْكَرْ كُلُّ شَرِيعَةٍ فِي كُلِّ آيَةٍ، وَلَا فِي كُلِّ حَدِيثٍ، ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِأَبِي صَالِحٍ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَفْظًا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَوْ انْفَرَدَ سَعِيدٌ لَكَانَ يَعْدِلُ جَمَاعَةً مِثْلَ أَبِي صَالِحٍ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: أَنْ لَا يَقُولَ الْإِمَامُ " آمِينَ " فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» إنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا قَالَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُلْتَ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نَفْسِهِ، وَأَخْبَرْت عَنْ مُرَادِهِ بِالْإِفْكِ، وَحَرَّفْت الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِلَا بُرْهَانٍ؛ وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] يُسَمَّى تَأْمِينًا فَاحْتَجَّ لِقَوْلِهِ الْفَاسِدِ بِطَامَّةِ أُخْرَى وَهِيَ: أَنَّهُ قَالَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] أَنَّهُ كَانَ مُوسَى يَدْعُو وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَدْهَى وَأَمَرُّ لَيْتَ شَعْرِي أَيْنَ وَجَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، أَوْ مَنْ بَلَغَهُ إلَى مُوسَى، وَهَارُونَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ قَائِلٍ لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ قَالَهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ يَقِينًا لَمَا كَانَ لَهُ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَمِّنَ فِي اللُّغَةِ دَاعٍ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ مَعْنَى " آمِينَ " اللَّهُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فَالتَّأْمِينُ دُعَاءٌ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَا يُسَمَّى الدَّاعِي مُؤَمِّنًا أَصْلًا، وَلَا يُسَمَّى الدُّعَاءُ تَأْمِينًا حَتَّى يَلْفِظَ بِآمِينَ: فَكُلُّ تَأْمِينٍ دُعَاءٌ، وَلَيْسَ كُلُّ دُعَاءٍ تَأْمِينًا. فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: آمِينَ، وَهُوَ الْإِمَامُ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَجُمْهُورِ السَّلَفِ بِرَأْيِهِمْ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا السُّجُودُ - فَإِنَّ مَنْ أَجَازَ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ سَأَلْنَاهُ عَنْ عِمَامَةٍ غِلَظٌ كَوْرُهَا إصْبَعُ، ثُمَّ إصْبَعَانِ، إلَى أَنْ نُبْلِغَهُ إلَى ذِرَاعَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَكْثَرَ؛ فَيَخْرُجُ إلَى مَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، ثُمَّ نَحُطُّهُ مِنْ الْإِصْبَعِ إلَى طَيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عِمَامَةِ شَرِبَ وَكَلَّفْنَاهُ الْفَرْقَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْت زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْت، وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ أَحَدُهُمَا مُسَبِّلٌ إزَارَهُ، وَالْآخَرُ لَا يُتِمُّ

مسألة عجز المصلى عن الركوع أو عن السجود

رُكُوعَهُ وَلَا يُتِمُّ سُجُودَهُ؛ فَقَالَ: أَمَّا الْمُسَبِّلُ إزَارَهُ فَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي عَمَلٍ مَا، فَذَلِكَ الْعَمَلُ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ مَرَضِيٍّ؛ وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مَرَضِيٍّ فَهُوَ يَقِينًا غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا سَارِقُ، أَعِدْ الصَّلَاةَ، وَاَللَّهِ لَتُعِيدَنَّ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَعَادَهَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا سَجَدْت فَأَلْصِقْ أَنْفَك بِالْأَرْضِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ لِمَنْ رَآهُ يُصَلِّي: أَمَسَّ أَنْفُكَ الْأَرْضَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إذَا لَمْ تَضَعْ أَنْفَك مَعَ جَبْهَتِك لَمْ تُقْبَلْ مِنْك تِلْكَ السَّجْدَةُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَرِهَ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ. وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ حَسِرَ الْعِمَامَةَ عَنْ جَبْهَتِهِ. وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ حَتَّى يَكْشِفَهَا. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَصَابَتْنِي شَجَّةٌ فِي وَجْهِي فَعَصَبْتُ عَلَيْهَا وَسَأَلْتُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ: أَسْجُدُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: انْزِعْ الْعِصَابَ وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا إذَا سَجَدَ رَفَعَ رِجْلَيْهِ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ: مَا تَمَّتْ صَلَاةُ هَذَا. [مَسْأَلَةٌ عَجَزَ الْمُصَلَّى عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ عَنْ السُّجُودِ] 370 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ عَنْ السُّجُودِ خَفَضَ لِذَلِكَ قَدْرَ طَاقَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْإِيمَاءِ أَوْمَأَ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ لِلزِّحَامِ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ لِلسُّجُودِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَمَامِهِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِ مَنْ أَمَامَهُ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ

مسألة كان بين يديه في الصلاة طين لا يفسد ثيابه ولا يلوث وجهه

بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ آذَاهُ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَبْسُطْ ثَوْبَهُ وَيَسْجُدْ عَلَيْهِ، وَمَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ وَعَنْ الْحَسَنِ: إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَإِنْ شِئْت فَاسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيك، وَإِنْ شِئْت فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ فَاسْجُدْ وَعَنْ طَاوُسٍ: إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَأَوْمِ بِرَأْسِك مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ اُسْجُدْ عَلَى أَخِيك. وَعَنْ مُجَاهِدٍ سُئِلَ: أَيَسْجُدُ الرَّجُلُ فِي الزِّحَامِ عَلَى رِجْلِ الرَّجُلِ قَالَ: نَعَمْ وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَلَا عَلَى السُّجُودِ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَتْ: رَأَيْت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْجُدُ عَلَى مِرْفَقَةٍ عَالِيَةٍ مِنْ رَمَدٍ كَانَ بِهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَأَلَهُ أَبُو فَزَارَةَ عَنْ الْمَرِيضِ: أَيَسْجُدُ عَلَى الْمِرْفَقَةِ الطَّاهِرَةِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: لَا بَأْسَ أَنْ يَلُفَّ الْمَرِيضُ الثَّوْبَ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ [مَسْأَلَةٌ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة طِينٌ لَا يُفْسِدُ ثِيَابَهُ وَلَا يُلَوِّثُ وَجْهَهُ] 371 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ طِينٌ لَا يُفْسِدُ ثِيَابَهُ وَلَا يُلَوِّثُ وَجْهَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ آذَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ

مسألة الجلوس بعد رفع الرأس من آخر سجدة من الركعة الثانية

رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى مَاءٍ وَطِينٍ وَانْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الطِّينِ» وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [مَسْأَلَةٌ الْجُلُوسُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ] 372 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجُلُوسُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَرْضٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مُفْتَرَضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، حَاشَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنْوَاعِ الْوِتْرِ. فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ لَا تَكُونُ إلَّا رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِمَقَاعِدِهِ إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ قَاعِدٌ وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَفْرِشُ الْيُسْرَى. وَإِذَا كَانَ فِي صَلَاةٍ تَكُونُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا جَلَسَ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى كَمَا قُلْنَا وَيَجْلِسُ فِي الْجِلْسَةِ الْآخِرَةِ الَّتِي تَلِي السَّلَامَ مُفْضِيًا بِمُقَاعِدَةِ إلَى الْأَرْضِ نَاصِبًا لِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَارِشًا لِلْيُسْرَى. وَفَرْضٌ عَلَيْهِ، أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ جِلْسَةٍ مِنْ الْجِلْسَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَصَفُوا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الصِّفَةِ -: فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى. فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: الْجُلُوسُ فِي كِلْتَيْ الْجِلْسَتَيْنِ سَوَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خِلَافُ الْأَثَرِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَحْمَةُ اللَّهِ

وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» . وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزَائِدَةٌ كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرْفًا حَرْفًا وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ وَوَكِيعٌ كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بِإِسْنَادِهِ، وَلَفْظِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ - أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرةَ وَعَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيُّ. فَإِنْ تَشَهَّدَ امْرُؤٌ بِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَسَنٌ. وَاَلَّذِي تَخَيَّرْنَا هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَشَهُّدًا مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ ابْنُهُ وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ: الْجُلُوسُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ فَرْضًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْجُلُوسُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ فَرْضًا وَقَالَ مَالِكٌ: الْجُلُوسُ فَرْضٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ فَرْضًا وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ خَطَأٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ فِي الصَّلَاةِ، فَصَارَ التَّشَهُّدُ فَرْضًا، وَصَارَ الْقُعُودُ الَّذِي لَا يَكُونُ التَّشَهُّدُ إلَّا فِيهِ فَرْضًا، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَرْضٍ مَا لَا يَتِمُّ الْفَرْضُ إلَّا فِيهِ أَوْ بِهِ رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي النَّضْرِ سَمِعْت حَمْلَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِتَشَهُّدٍ. وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: مَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالتَّشَهُّدِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ

مسألة المصلى إذا فرغ من التشهد

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ الْأَوَّلُ فَرْضًا لَمَا أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ إذَا نَسِيَهُ الْمَرْءُ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي جَاءَتْ بِوُجُوبِهِ هِيَ الَّتِي جَاءَتْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُ بِنِسْيَانِهِ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجُلُوسَ عَمْدًا فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ حَرَامٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَعَمُّدِهِ، وَلَا تَبْطُلُ بِنِسْيَانِهِ، وَكَذَلِكَ السَّلَامُ قَبْلَ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ فَعَادَ نَظَرُهُمْ ظَاهِرَ الْفَسَادِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُصَلَّى إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ] 373 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: وَيَلْزَمُهُ فَرْضٌ " أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي كِلْتَيْ الْجِلْسَتَيْنِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» وَهَذَا فَرْضٌ كَالتَّشَهُّدِ وَلَا فَرْقَ. لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ حَسَّانُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ. وَقَالَ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلِيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ ثنا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ» ثُمَّ ذَكَرَهَا نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهَا. قَالَ: فَهَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ زِيَادَةُ عَدْلٍ، فَهِيَ مَقْبُولَةٌ، فَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَقَطْ قُلْنَا: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَحْدَهُ لَكَانَ مَا ذَكَرْتَ لَكِنَّهُمَا حَدِيثَانِ كَمَا أَوْرَدْنَا، أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ، وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، فَإِنَّمَا زَادَ الْوَلِيدُ عَلَى وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَبَقِيَ خَبَرُ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ تَشَهُّدٍ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّهُ صَلَّى ابْنُهُ بِحَضْرَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَذَكَرْت هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَالَ: لَا، فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ 374 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ - وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ - هُوَ الَّذِي أَرَى النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ - أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ» . وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ثنا رَوْحٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ

أَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ «أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْف نُصَلِّي عَلَيْكَ. قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ لَمْ تَجْعَلُوا الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَثَرِ التَّشَهُّدِ فَرْضًا بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ قُلْنَا: لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَهُ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أُمِرَ ثُمَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَهُوَ تَزَيُّدٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» . فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى وُجُوبِ هَذَا مَرَّةً فِي الدَّهْرِ، وَلَمْ تُوجِبُوا تَكْرَارَ ذَلِكَ مَتَى ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاجِبٌ بِالنَّصِّ، لَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَرَّةٍ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ فَنَحْنُ نَسْأَلُكُمْ: كَمْ مِنْ مَرَّةٍ تُوجِبُونَ ذَلِكَ فِي الدَّهْرِ، أَوْ فِي الْحَوْلِ، أَوْ فِي الشَّهْرِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ، أَوْ فِي السَّاعَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ تَحْدِيدُ عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ فَقَدْ امْتَنَعَ هَذَا بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ فَإِنْ قَالُوا: نُوجِبُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي الْآيَةِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَهُوَ دَعْوَى مِنْكُمْ بِلَا بُرْهَانٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّينَ: نَقُولُ بِإِيجَابِ ذَلِكَ مَتَى ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا قُلْنَا: أَيْضًا هَذَا لَا يُوجَدُ لَا فِي آيَةٍ وَلَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي

مسألة التطبيق في الصلاة

حَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ كَعْبًا - وَهَذَا سَنَدٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ مَجْهُولٌ؛ وَسَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى الصِّيَامَ فِي الِاعْتِكَافِ فَرْضًا - بِدَلِيلٍ ذَكَرَهُ بَيْنَ آيَتَيْ صِيَامٍ -: أَنْ يَجْعَلَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا لِلْأَمْرِ بِهَا مَعَ ذِكْرِ السَّلَامِ الَّذِي عَلِمُوهُ، وَهُوَ إمَّا السَّلَامُ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِمَّا السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَطَّرِدُونَ اسْتِدْلَالَهُمْ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَا يَلْتَزِمُونَ الْأَدِلَّةَ الْوَاجِبَ قَبُولُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ التَّطْبِيقُ فِي الصَّلَاةِ] 375 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّطْبِيقُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَهُوَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَفْعَلُهُ، وَيَضْرِبُ الْأَيْدِيَ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الْقُومِسِيِّ: ثنا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدَ اللَّهِ - عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَرَكَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا، ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا، يَعْنِي الْإِمْسَاكَ بِالرُّكَبِ» قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَضْعِ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَصَحَّ أَنَّهُ هُوَ الْأَمْرُ الْآخَرُ النَّاسِخُ لِلتَّطْبِيقِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ التَّسْلِيمُ فَرْضٌ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ] 376 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ صَلَاتَهُ فَلْيُسَلِّمْ، وَهُوَ فَرْضٌ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ. وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " أَوْ " عَلَيْكُمْ السَّلَامُ " أَوْ " سَلَامٌ عَلَيْكُمْ " أَوْ " عَلَيْكُمْ سَلَامٌ " سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا؛ وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " عَنْ يَمِينِهِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " عَنْ يَسَارِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُد ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ الْخُدْرِيِّ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُجَالِدِيُّ ثنا فُضَيْلٌ هُوَ ابْنُ عِيَاضٍ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَأَيُّكُمْ نَسِيَ شَيْئًا فِي صَلَاتِهِ فَلِيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ صَوَابٌ ثُمَّ يُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» . فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّسْلِيمِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ، وَأَوَامِرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرْضٌ، وَلَفْظَةُ التَّسْلِيمِ تَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَاهُ. حَدَّثَنَا حِمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا نَسِيتُ فِيمَا نُسِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ أَيْضًا» . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُسْنَدًا أَبُو الْأَحْوَصِ، وَأَبُو مَعْمَرٍ. وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَهُوَ فِعْلُ السَّلَفِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ثنا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، وَعَلْقَمَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَرَأَيْت أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَفْعَلَانِهِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَخَيْثَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالنَّخَعِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: التَّسْلِيمَتَانِ مَعًا فَرْضٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: التَّسْلِيمَتَانِ اخْتِيَارٌ، وَلَيْسَ السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَرْضًا؛ بَلْ إذَا قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ، أَوْ تَعَمَّدَ الْقِيَامَ، أَوْ الْكَلَامَ، أَوْ الْعَمَلَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَالْأَمَةُ تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ثُمَّ تُعْتَقُ فِي آخِرِ صَلَاتِهَا بَعْدَ أَنْ جَلَسَتْ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ فَإِنَّ صَلَاتَهَا قَدْ تَمَّتْ. وَمَنْ صَلَّى جَالِسًا لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَمَنْ صَلَّى مُتَحَرِّيًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَرَفَ الْقِبْلَةَ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ إلَّا فِي مَوَاضِعَ عَشْرَةٍ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ السَّلَامَ فِيهَا فَرْضًا، وَأَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَإِنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَهِيَ -:

مَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ فَرَأَى الْمَاءَ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ عُرْيَانُ ثُمَّ وَجَدَ مَا يُغَطِّي بِهِ عَوْرَتَهُ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ طَلَعَ أَوَّلُ قُرْصِ الشَّمْسِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ فَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاتُهُ قَدْ بَطَلَتْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ: انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَمَنْ تَمَّ لَهُ وَقْتُ الْمَسْحِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَخَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَقَدْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ صَلَاةً فَاتَتْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَأَقَلُّ وَالْمُسْتَحَاضَةُ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَتْ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَتَعَلَّمَ سُورَةً بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ مَسَحَ عَلَى جِرَاحَةٍ بِهِ فَبَرِئَتْ بَعْدَ أَنْ جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ ابْتِدَاؤُهَا وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ مُسَافِرٌ فَلَمَّا جَلَسَ فِي آخِرِ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَإِنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا حَضَرِيَّةً؛ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ صَلَّى وَهُوَ مَرِيضٌ نَائِمًا - لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - ثُمَّ صَحَّ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي نِيَّتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ

وَمَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ نَقَلَهُ إلَى الْجُلُوسِ، أَوْ الْإِيمَاءِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ -: فَمَرَّةً قَالَ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ وَيَبْتَدِئُونَهَا - وَمَرَّةً قَالَ: قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِنَرَى تَنَاقُضَ أَقْوَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا لَا بِإِيجَابِ السَّلَامِ فَرْضًا وَلَا بِتَرْكِ إيجَابِهِ، وَلَا ثَبَتُوا عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ مِثْلِهَا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يُخْرِجُوا هَذَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُمَا قَوْلَانِ لَهُ؛ بَلْ مَا زَالُوا يَشْغَبُونَ بِالْبَاطِلِ وَالْهَذْرِ فِي تَصْحِيحِ إسْقَاطِ فَرْضِ السَّلَامِ جُمْلَةً إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ فَإِنَّهُمْ شَغَبُوا فِي إيجَابِ فَرْضِ السَّلَامِ فِيهَا فَقَطْ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: السَّلَامُ فَرْضٌ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يُسَلِّمْ؛ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: الْإِمَامُ وَالْفَذُّ لَا يُسَلِّمَانِ إلَّا تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ شِمَالِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ - تَسْلِيمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْأُخْرَى يَرُدُّ بِهَا عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ ثَالِثَةً رَدًّا عَلَى الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَتَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ؛ وَالْإِمَامُ لَمْ يَقْصِدْ بِسَلَامِهِ أَحَدًا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ، وَالْكَلَامُ مَعَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَبُرْهَانُ هَذَا -: أَنَّ الْمُصَلِّيَ - كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ كَمَا يُسَلِّمُ الْإِمَامُ، فَصَحَّ أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الصَّلَاةِ، لَا تَسْلِيمٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ. فَسَقَطَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ سُقُوطًا بَيِّنًا دُونَ كُلْفَةٍ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَالَ عَلِيٌّ: وَبَقِيَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَرَ التَّسْلِيمَ مِنْ الصَّلَاةِ فَرْضًا، وَقَوْلُ مَنْ اخْتَارَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرِبْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ فَوَجَدْنَا مَنْ لَا يَرَى التَّسْلِيمَ فَرْضًا يَحْتَجُّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ «عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ

أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي وَحَدَّثَنِي: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ، قَالَ: فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ انْفَرَدَ بِهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ، وَلَعَلَّهَا مِنْ رَأْيِهِ وَكَلَامِهِ، أَوْ مِنْ كَلَامِ عَلْقَمَةَ، أَوْ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلْقَمَةَ: إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْ الْقَاسِمِ - فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَبَلَةَ قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ بْنُ هِلَالٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ عَنْ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ - عَنْ حَمَّادٍ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ إذَا صَلَّيْنَا، فَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَامِعَ الْكَلِمِ، فَقَالَ لَنَا: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ عَلْقَمَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ» . ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زِيَادَةَ حُكْمٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا

وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إيجَابُ التَّسْلِيمِ فَرْضًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدُّ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ إمَّا أَنَّهَا مِمَّنْ بَعْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِمَّا أَنَّهَا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخَةٌ، وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَكَرِهَ مَا زَادَ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ -: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُصْعَبِ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ. وَالثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ» . وَبِآثَارٍ وَاهِيَةٍ -: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ؛ وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ - أَوْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ زِيَادَةً يَكُونُ الْفَضْلُ فِي الْأَخْذِ بِهَا فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا إنْ كَانَ فِي السَّلَامِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ، بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» . وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ مُحْكَمٌ؛ ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ تَخْصِيصَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ النَّاسِخُ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ مِنْ إبَاحَةِ التَّسْلِيمِ وَرَدِّهِ فِي الصَّلَاةِ؛ فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

مسألة سها عن شيء من الصلاة

[مَسْأَلَةٌ سَهَا عَنْ شَيْء مِنْ الصَّلَاة] 377 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ سَهَا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ حَتَّى رَكَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَقَضَاهَا إذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا، وَكَذَلِكَ يُلْغِيهَا الْفَذُّ وَالْإِمَامُ، وَيُتِمَّانِ صَلَاتَهُمَا، وَعَلَى جَمِيعِهِمْ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِالرَّكْعَةِ كَمَا أُمِرُوا، وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْمَلَ فِي مَكَان مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] [مَسْأَلَةٌ تَعَمُّدُ الْكَلَامِ مَعَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ] 378 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ تَعَمُّدُ الْكَلَامِ مَعَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ، لَا مَعَ الْإِمَامِ فِي إصْلَاحِ الصَّلَاةِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ: رَحِمَك اللَّهُ يَا فُلَانُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - ثنا عَاصِمُ هُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ - عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَاتِنَا، فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ»

مسألة لا يجوز لأحد أن يفتي الإمام إلا في أم القرآن وحدها

[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ الْإِمَامَ إلَّا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا] 379 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ الْإِمَامَ إلَّا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا. فَإِنْ الْتَبَسَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْإِمَامِ فَلْيَرْكَعْ، أَوْ فَلْيَنْتَقِلْ إلَى سُورَةٍ أُخْرَى، فَمَنْ تَعَمَّدَ إفْتَاءَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَقْرَءُونَ خَلْفِي قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ أَفْتَى الْإِمَامَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ؛ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ.

فَإِنْ كَانَ قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ حَاشَا أُمِّ الْقُرْآنِ. إنْ كَانَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ يَزِيدَ الْأَسَدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسِيَ آيَةً فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ ذَكَّرَهُ رَجُلٌ بِهَا، فَقَالَ لَهُ: أَفَلَا أَذْكَرْتَنِيهَا» . فَإِنَّ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ مِنْ إبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَهُ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَنَاسِخٌ لِذَلِكَ وَمَانِعٌ مِنْهُ؛ وَلَا يَجُوزُ الْعَوْدُ إلَى حَالٍ مَنْسُوخَةٍ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ فِي عَوْدِيِّهَا

مسألة تكلم ساهيا في الصلاة

[مَسْأَلَةٌ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي الصَّلَاةِ] 380 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي الصَّلَاةِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ قَلَّ كَلَامُهُ أَوْ كَثُرَ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ جَاهِلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا وَسَهْوًا سَوَاءٌ: تَبْطُلُ بِكِلَيْهِمَا؛ وَرَأَى السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا يُبْطِلُهَا، وَلَا يُبْطِلُهَا إذَا كَانَ سَهْوًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيِّ أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ بْنِ الرَّيَّانِ الْمَخْزُومِيِّ وَرَّاقِ بَكَّارِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْقَاضِي قَالَتْ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ،

فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِيَقِينٍ، وَلَمْ يُبْطِلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ. فَإِنْ قِيلَ: وَلَا أَمَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ قُلْنَا: قَدْ صَحَّ الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ نَقَصَ، فَوَاجِبٌ ضَمُّ هَذَا الْحُكْمِ إلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ثنا شَيْبَانُ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ تَقْصُرْ وَلَمْ أَنْسَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَغَلَط فِي هَذَا الْخَبَرِ صِنْفَانِ: أَحَدُهُمَا - أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي - ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ

فَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَعَلَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالُوا: الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ. وَعَمَدُوا إلَى لَفْظٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْخَبَرِ وَهُوَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَقَالُوا: هَذَا إخْبَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَتَمْوِيهٌ وَظَنٌّ كَاذِبٌ -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ بِيَقِينٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ هُوَ مُحَمَّدٌ - ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَقَالَ: إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ بَدْرًا بَعْدَ إقْبَالِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ - وَكِلَاهُمَا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ - يَذْكُرَانِ جَمِيعًا حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ، وَإِسْلَامُهُمَا بَعْدَ بَدْرٍ بِأَعْوَامٍ - وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ، لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّ أَعْلَى مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ بَدْرٍ بِبِضْعَةِ عَشَرَ عَامًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْتُولَ يَوْمَ بَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ عَمْرٍو وَنَسَبُهُ الْخُزَاعِيُّ، وَالْمُكَلِّمُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ وَنَسَبُهُ سُلَمِيٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ صَلَاتِهِ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَعَهُمْ -: فَبَاطِلٌ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا السَّهْوَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَمْدِ قِيلَ لَهُمْ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَاسُ عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَالنِّسْيَانُ ضِدُّ الْعَمْدِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: فَهَلَّا قِسْتُمْ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا عَلَى السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا، فَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا كَلَامٌ فَأَيُّ شَيْءٍ قَصَدُوا بِهِ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ سَهْوِ الْكَلَامِ وَعَمْدِهِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا بِهَذَا الْخَبَرِ كَلَامَ النَّاسِ مَعَ الْإِمَامِ فِي إصْلَاحِ الصَّلَاةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَتَعَمُّدُ الْكَلَامِ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَضُرُّ الصَّلَاةَ شَيْئًا، وَكَلَّمَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ، وَأَنَّ الْكَلَامَ لَهُ مُبَاحٌ؛ وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الصَّلَاةَ قَصُرَتْ وَتَمَّتْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ «أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَرَآنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي قُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]

مسألة لا يحل للمصلي أن يضم ثيابه قاصدا بذلك الصلاة

» ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا بَعْدَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، لِامْتِنَاعِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ إجَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَصَحَّ أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ هَذَا خَاصٌّ لَهُ، وَفِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُتَيَقِّنِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ " السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ ". وَلَا يَخْتَلِفُ الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ عَامِدًا فِي صَلَاتِهِ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا فُلَانُ، أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ بَطَلَتْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَضُمَّ ثِيَابَهُ قَاصِدًا بِذَلِكَ الصَّلَاةِ] 381 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَضُمَّ ثِيَابَهُ أَوْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ قَاصِدًا بِذَلِكَ لِلصَّلَاةِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَأَنْ لَا أَكْفِتَ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» . [مَسْأَلَةٌ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ] 382 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] . مَنْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِهَا فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ إنْسَانٍ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

مسألة المصلي لا يضحك ولا يتبسم عمدا

[مَسْأَلَةٌ المصلي لَا يَضْحَكَ وَلَا يَتَبَسَّمَ عَمْدًا] 383 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْحَكَ وَلَا يَتَبَسَّمَ عَمْدًا، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ وَإِنْ سَهَا بِذَلِكَ فَسُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ فَإِجْمَاعٌ، وَأَمَّا التَّبَسُّمُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَالْقُنُوتُ الْخُشُوعُ، وَالتَّبَسُّمُ ضَحِكٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} [النمل: 19] وَمَنْ ضَحِكَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَخْشَعْ، وَمَنْ لَمْ يَخْشَعْ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ. رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّبَسُّمِ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ التَّبَسُّمَ إلَّا ضَحِكًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الضَّحِكِ. قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْقَهْقَهَةِ وَالتَّبَسُّمِ مَنْ يَقُولُ بِالِاسْتِحْسَانِ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَفَرْقٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا الدَّعْوَى وَلَا يَخْلُو الضَّحِكُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ مُحَرَّمًا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ. وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي الْإِبَاحَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ فرض عَلَى المصلي أَنْ لَا يَمْسَحَ الْحَصَا أَوْ مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً] 384 - مَسْأَلَةٌ: وَأَنْ لَا يَمْسَحَ الْحَصَا أَوْ مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، لَكِنْ يُسَوِّي مَوْضِعَ سُجُودِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ يَحْيَى - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ «أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَسْحِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: وَاحِدَةٌ» .

مسألة يقطع صلاة المصلي كون الكلب بين يديه مارا أو غير مار

قَالَ مُسْلِمٌ: وَثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: إنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً» [مَسْأَلَةٌ يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُصَلِّي كَوْنُ الْكَلْبِ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارًّا أَوْ غَيْرَ مَارٍّ] 385 - مَسْأَلَةٌ: وَيَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُصَلِّي كَوْنُ الْكَلْبِ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَارًّا أَوْ غَيْرَ مَارٍّ، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، أَوْ كَوْنُ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ، مَارَّةً أَوْ غَيْرَ مَارَّةٍ، صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً مُعْتَرِضَةً فَقَطْ، فَلَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ، وَلَا يَقْطَعُ النِّسَاءُ بَعْضُهُنَّ صَلَاةَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مُرْتَفِعٌ بِقَدْرِ الذِّرَاعِ - وَهُوَ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ الْمَعْهُودَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَلَا نُبَالِي بِغِلَظِهَا - لَمْ يَضُرَّ صَلَاتَهُ كُلُّ مَا كَانَ وَرَاءَ السُّتْرَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَلَا مَا كَانَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَوْقَ السُّتْرَةِ. وَمَنْ حَمَلَ صَبِيَّةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثنا الْمَخْزُومِيُّ هُوَ أَبُو هِشَامٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ - ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ

ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَصَمِّ ثنا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا» . وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ» . فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَصَلَّى فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ: الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» قُلْنَا: نَعَمْ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ فِيهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَالزِّيَادَةُ

الْوَارِدَةُ فِي الدِّينِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فُرِضَ قَبُولُهَا، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَخَذَ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ إلَّا ذِكْرُ الْأَسْوَدِ فَقَطْ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَقَدْ خَالَفَ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُعْتَرِضَةً لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمٌ الْحَجَّاجُ ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثنا أَبِي ثنا الْأَعْمَشُ ثنا إبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ - وَمُسْلِمٌ هُوَ أَبُو الضُّحَى - كِلَاهُمَا عَنْ مَسْرُوقٍ «عَنْ عَائِشَةَ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ» قَالَ عَلِيٌّ: فَقَدْ فَرَّقَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ حَالِ جُلُوسِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَأَخْبَرَتْ بِأَنَّهُ أَذًى لَهُ، وَبَيْنَ اضْطِجَاعِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ تَرَهُ أَذًى، وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَدْ ذَكَرْنَا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُنُقِهِ فَاسْتَثْنَيْنَا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ، وَأَبْقَيْنَا مَا أَبْقَاهُ النَّصُّ.

وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ. وَهَذَانِ سَنَدَانِ لَا يُوجَدُ أَصَحُّ مِنْهُمَا وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كُنْت أُصَلِّي إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَدَخَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ - يُرِيدُ جَرْوًا - فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيَّ فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا أَنْتَ فَأَعِدْ الصَّلَاةَ؛ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أُعِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ جَرْوًا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ ابْنِ عُمَرَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَهَذَا أَيْضًا أَصَحُّ إسْنَادٍ يَكُونُ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: صَلَّى الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ بِالنَّاسِ فِي سَفَرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، فَمَرَّتْ حَمِيرٌ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ فَأَعَادَ بِهِمْ الصَّلَاةَ

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: جَعَلْتُمُونَا بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ، وَالْحِمَارِ؛ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالسِّنَّوْرُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلَّا أَنَّهُمَا خَصَّا: الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ، وَالْمَرْأَةَ الْحَائِضَ وَعَنْ عِكْرِمَةَ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْأَحْوَصِ - هُوَ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ - يَقُولُ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ.

وَحَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْت الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلَتْ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهُمَا: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - سَمِعْت أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهَاجِرَةِ إلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ» . وَزَادَ فِيهِ عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ «وَكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ثنا أُبَيٌّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ - سَمِعَ أَبَا عَلْقَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لِجَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ، وَلَوْ امْتَدَّ الصَّفُّ فَرَاسِخَ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ فِي أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ لَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ اتِّخَاذَ سُتْرَةٍ أُخْرَى؛ بَلْ اكْتَفَى الْجَمِيعُ بِالْعَنَزَةِ الَّتِي كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي إلَيْهَا، فَلَمْ تَدْخُلْ أَتَانُ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ

وَأَيْضًا: فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ - أَنَّ الْحِمَارَ، وَالْمَرْأَةَ وَالْكَلْبَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّاوِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى ثُمَّ لَوْ صَحَّ غَيْرُ هَذَا - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - لَكَانَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو ذَرٍّ - هُوَ النَّاسِخَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ مَا رَوَوْهُ وَذَكَرُوا خَبَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا - مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَارَ الْعَبَّاسَ فَصَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ حِمَارَةٌ وَكُلَيْبَةٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عَمَّهُ الْفَضْلَ وَحَدِيثٌ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: أَبُو الْوَدَّاكِ ضَعِيفٌ، وَمُجَالِدٌ مِثْلُهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ هَذَا لَمَا وَجَبَ الْأَخْذُ بِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى إلَّا بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ، لَا بِالْهَوَى وَالْمُطَارَفَةِ، فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْآثَارُ - وَهِيَ لَا تَصِحُّ - لَكَانَ حُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ

الْكَلْبَ، وَالْحِمَارَ، وَالْمَرْأَةَ يَقْطَعُونَ الصَّلَاةَ - هُوَ النَّاسِخَ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ، مِنْ أَنْ لَا يَقْطَعَ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ، كَمَا لَا يَقْطَعُهَا: الْفَرَسُ، وَالسِّنَّوْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا يَخْفَى وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ النَّاسِخِ الْمُتَيَقَّنِ وَالْأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ الْمُتَيَقَّنِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَعُودَ الْحَالَةُ الْمَنْسُوخَةُ ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَوْدَهَا. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] قَالَ: فَمَا يَقْطَعُ هَذَا قَالَ عَلِيٌّ: يَقْطَعُهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْغِبِينَ -:

مسألة لا يحل للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء

قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَمَسُّهُ ذَكَرَهُ، وَأَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ بَوْلٍ، وَيَقْطَعُهُ عِنْدَ الْكُلِّ: رُوَيْحَةٌ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ مُتَعَمَّدَةً وَأَمَّا النِّسَاءُ فَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّ خَيْرَ صُفُوفِهِنَّ آخِرُهَا، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ بَعْضُهُنَّ صَلَاةَ بَعْضٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ] 386 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَلَا عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا ابْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ - ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ وَالْأَعْرَجِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أُنَاسٌ عَنْ رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى لَتُخْطَفَ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَالْوَعِيدُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى كَبِيرَةٍ مِنْ الْحَرَامِ، لَا عَلَى مُبَاحٍ مَكْرُوهٍ أَصْلًا، وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ مَغْفُورَةٍ وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زِيَادٍ عَنْ فَيَّاضٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَوْمًا رَافِعِي أَبْصَارِهِمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا

مسألة صلت امرأة إلى جنب رجل لا تأتم به ولا بإمامه

تَرْجِعُ إلَيْهِمْ وَقَالَ أَيْضًا: أَوْ مَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ تَعَالَى رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ أَنْ يُخْتَلَسُ بَصَرُهُ "، أَلَا أَرَى أَنَّهُ كَانَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ الْحَنَفِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ وَإِلَى جَانِبِهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي بِصَلَاةِ ذَلِكَ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَصَلَاةَ مَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي صَلَاتِهِ وَالْمَالِكِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى وَقَدْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ وَالشَّافِعِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى وَعَلَى ثِيَابِهِ شَعْرٌ مِنْ شَعْرِهِ نَفْسِهِ قَدْ سَقَطَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ يُجِيزُونَ صَلَاةَ مَنْ تَعَمَّدَ فِي صَلَاتِهِ عَمَلًا صَحَّ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ وَشِدَّةِ الْوَعِيدِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ صَلَّتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ لَا تَأْتَمُّ بِهِ وَلَا بِإِمَامِهِ] 387 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ لَا تَأْتَمُّ بِهِ وَلَا بِإِمَامِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَنْوِي أَنْ يَؤُمَّهَا وَنَوَتْ هِيَ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَؤُمَّهَا وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى التَّأَخُّرِ عَنْهُ فَصَلَاتُهُمَا جَمِيعًا فَاسِدَةٌ فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مُؤْتَمَّيْنِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ وَلَا تَقْدِرُ هِيَ وَلَا هُوَ عَلَى مَكَان آخَرَ فَصَلَاتُهُمَا تَامَّةٌ

مسألة تعمد وضع يده على خاصرته في الصلاة

وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى التَّأَخُّرِ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَأْخِيرِهَا فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى تَأْخِيرِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَةٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ «مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَنَا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ» . فَصَحَّ أَنَّ مَقَامَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرِ - إنَّمَا هُوَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَلَا بُدَّ لَا مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَصْلًا، وَلَا أَمَامَهُ، وَأَنَّ مَوْقِفَ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالْأَكْثَرِ إنَّمَا هُوَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالْأَكْثَرِ وَلَا بُدَّ. فَمَنْ تَعَدَّى مَوْضِعَهُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَصَلَّى حَيْثُ مَنَعَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ: فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَالْمَعْصِيَةُ لَا تُجْزِئُ عَنْ الطَّاعَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأُتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ فِي الصَّلَاةِ] 388 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ فِي الصَّلَاةِ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

وَكَذَلِكَ مَنْ جَلَسَ فِي صَلَاتِهِ مُتَعَمِّدًا أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ حَدَّثَنَا حِمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «نُهِيَ عَنْ التَّخَصُّرِ فِي الصَّلَاةِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ الْأَوَّلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلَاةِ: فِعْلُ الْيَهُودِ، وَكَرِهَتْهُ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا رَأَتْ رَجُلًا فِي الصَّلَاةِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ فَقَالَتْ: هَكَذَا أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيّ قَالَ «صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ

فَوَضَعْت يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي؛ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهُ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ: الشَّيْطَانُ يَحْضُرُهُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَجْعَلْ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَأَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى الْيَدِ -: فَحَدَّثَنَا حِمَامٌ عَنْ ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدِهِ» . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ يُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ يَقُولُ فِي وَضْعِ الرَّجُلِ شِمَالَهُ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ: هِيَ قِعْدَةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي» فَمَنْ صَلَّى بِخِلَافِ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ؛ فَقَدْ صَلَّى غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، فَلَا تُجْزِئُهُ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ خِلَافُ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِإِنْسَانٍ: مَا يُجْلِسُك فِي صَلَاتِك جِلْسَةَ

مسألة الإتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة إلا به

الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ رَآهُ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ [مَسْأَلَةٌ الْإِتْيَانُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ فَرْضٌ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ] 389 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِتْيَانُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ فَرْضٌ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ، لِكُلِّ قِيَامٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ رَفْعٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ - هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فَمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَقَامَ عِنْدَ نَفْسِهِ إلَى رَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لَمْ تُتَمَّ، وَصَارَ قِيَامُهُ إلَى الثَّانِيَةِ لَغْوًا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَلَوْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، حَتَّى إذَا رَكَعَ وَرَفَعَ فَكُلُّ ذَلِكَ لَغْوٌ، لِأَنَّهُ عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نِسْيَانًا، وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعٌ. فَإِذَا سَجَدَ تَمَّتْ لَهُ حِينَئِذٍ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْهَا. وَلَوْ نَسِيَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً لَكَانَ - إنْ كَانَتْ: الصُّبْحَ، أَوْ الْجُمُعَةَ، أَوْ الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ. أَوْ الْعَتَمَةَ فِي السَّفَرِ -: قَدْ صَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ. فَلْيَأْتِ بِأُخْرَى ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ، فَإِذَا أَتَمَّهَا جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَإِنْ كَانَتْ: الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ، أَوْ الْعَتَمَةَ فِي الْحَضَرِ -: فَقَدْ صَحَّتْ لَهُ رَكْعَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: 195] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مُعْتَدٌّ لَهُ بِهِ، وَكُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي أَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ رَدٌّ - وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُلْغَى قِيَامُهُ فِي الْأُولَى وَرُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ وَالسَّجْدَةُ الَّتِي سَجَدَهَا وَيُعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ

وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَدَّ لَهُ بِقِيَامٍ فَاسِدٍ وَرُكُوعٍ فَاسِدٍ وَرَفْعٍ فَاسِدٍ، وَضَعَ كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ؛ وَحَيْثُ لَوْ وَضَعَهُ عَامِدًا لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، وَأَلْغَى لَهُ قِيَامًا وَرُكُوعًا وَرَفْعًا وَسَجْدَةً أَدَّاهَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ مَعَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ: أَرَدْنَا أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِعَمَلٍ قُلْنَا: قَدْ أَجَزْتُمْ لَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ وَبَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِهَا بِعَمَلٍ أَبْطَلْتُمُوهُ، فَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ حَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ نَاسِيًا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، مِنْ سَلَامٍ وَكَلَامٍ وَمَشْيٍ وَاتِّكَاءٍ وَدُخُولِهِ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ مَا عَمِلَ مِنْ صَلَاتِهِ شَيْئًا؛ فَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَتْ بِنِسْيَانٍ لَا تَضُرُّ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِالسَّجْدَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَإِنَّمَا نَوَاهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا لَا يَضُرُّ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَوَى بِالْجَلْسَةِ الَّتِي سَلَّمَ مِنْهَا أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ مِنْ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ اعْتَدَّ بِهَا لِلثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ لَمْ يَدْرِ كَمْ رَكْعَةً صَلَّى أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّمَامِ، وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَالْمُصَلِّي عَلَى هَذَا يَنْوِي بِالرَّكْعَةِ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ وَلَعَلَّهَا رَابِعَةٌ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: هَذَا نَفْسُهُ لَازِمٌ لَكُمْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ [أَنْ] تَلِيَ الرَّكْعَةَ الَّتِي أَبْطَلْتُمْ عَلَيْهِ، لَا الرَّكْعَةَ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا أَوَّلًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ اعْتَدَّ لَهُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ لَمْ يُتِمَّ مِنْهَا وَلَا وَاحِدَةً؛ وَهَذَا بَاطِلٌ. ثُمَّ أَجَازَ لَهُ سَجَدَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِهَا، أَتَى بِهَا عَامِدًا مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَصْدِ. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .

مسألة لا يحل للمصلي أن يفترش ذراعيه في السجود

وَلِتَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُصَلِّيَ كَيْف يَعْمَلُ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ؛ وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي تَعَمُّدُ تَقْدِيمِ سَجْدَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ؛ وَلَا تَعَمُّدُ تَقْدِيمِ رُكُوعٍ قَبْلَ السَّجْدَةِ الَّتِي فِي الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ ثُمَّ أَجَازُوا هَذَا بِعَيْنِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ] 390 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ سَمِعْت قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» . وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ: مَا صَلَّيْتَ. قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ افْتَرَشَ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يُتِمَّ سُجُودَهُ، وَمَنْ لَمْ يُتِمَّ سُجُودَهُ فَلَا صَلَاةَ لَهُ عِنْدَ حُذَيْفَةَ؛ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - [مَسْأَلَةٌ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ لَا يَبْصُقَ فِي الْمَسْجِد] 391 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ لَا يَبْصُقَ أَمَامَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، فِي صَلَاةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ - وَحُكْمُهُ أَنْ يَبْصُقَ فِي الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، أَوْ عَلَى بُعْدٍ عَلَى يَسَارِهِ، مَا لَمْ يُلْقِ الْبَصْقَةَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَبْصُقْ خَلْفَهُ مَا لَمْ يُؤْذِ بِذَلِكَ أَحَدًا. وَلَا يَجُوزُ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، إلَّا أَنْ يَدْفِنَهُ.

حَدَّثَنَا حِمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا الثَّوْرِيُّ هُوَ سُفْيَانُ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ «طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا صَلَّيْتَ فَلَا تَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَا عَنْ يَمِينِكَ، وَابْصُقْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ إنْ كَانَ فَارِغًا، وَإِلَّا فَتَحْتَ قَدَمِكَ، وَأَشَارَ بِرِجْلِهِ فَفَحَصَ الْأَرْضَ» وَرُوِّينَا أَيْضًا بِأَجَلِ إسْنَادٍ عَنْ شُعْبَةَ ثنا قَتَادَةُ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا شُعْبَةُ ثنا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ» . فَهَذَا عُمُومٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَأَمْرُ الصَّلَاةِ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَإِلَى كُلِّ هَذَا ذَهَبَ السَّلَفُ الطَّيِّبُ: - رُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَزَقَ فِي الْمَسْجِدِ وَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ فَجَعَلَ يَتَّبِعُ الْبُزَاقَ حَتَّى دَفَنَهُ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبْصُقَ وَمَا عَنْ يَمِينِهِ فَارِغٌ؛ فَكَرِهَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَيْسَ فِي صَلَاةٍ

مسألة الصلاة في عطن إبل

وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا فَقَالَ: مَا بَصَقْتُ عَنْ يَمِينِي مُذْ أَسْلَمْتُ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ ابْنَ نُعَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَبَصَقَ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ؛ فَنَهَاهُ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّك تُؤْذِي صَاحِبَك، اُبْصُقْ عَنْ شِمَالِك. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا الْمُنْذِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ خُنَاسٍ قَالَ: نَهَانِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ أَنْ أَبْصُقَ عَنْ يَمِينِي فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: رَأَيْت عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُصَلِّي فَأَرَادَ أَنْ يَبْصُقَ فَلَمْ يَجِدْ عَنْ يَسَارِهِ مَوْضِعًا فَالْتَفَتَ خَلْفَهُ فَبَزَقَ. وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: دَخَلْت عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَرَأَيْته دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْزُقَ وَكَانَ الْحَائِطُ عَنْ يَسَارِهِ، فَالْتَفَتَ يَسَارَهُ حَتَّى أَخْرَجَ الْبُزَاقَ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ فِي عَطَنِ إبِلٍ] 392 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِي عَطَنِ إبِلٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ الْإِبِلُ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ وَتَبْرُكُ، وَفِي الْمَرَاحِ وَالْمَبِيتِ، فَإِنْ كَانَ لِرَأْسِ وَاحِدٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ لِرَأْسَيْنِ فَالصَّلَاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ لِثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا. [ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَقُلْنَا: إنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ أَلْبَتَّةَ فِي الْمَوْضِعِ الْمُتَّخَذِ لِبُرُوكِ جَمَلٍ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا، وَلَا فِي الْمُتَّخَذِ عَطَنًا لِبَعِيرٍ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا؛ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] . وَالصَّلَاةُ إلَى الْبَعِيرِ جَائِزَةٌ وَعَلَيْهِ، فَإِنْ انْقَطَعَ أَنْ تَأْوِيَ الْإِبِلُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى

يَسْقُطَ عَنْهُ اسْمُ عَطَنٍ: جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ فَمَنْ صَلَّى فِي عَطَنِ إبِلٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنِ الْجَحْدَرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ؛ قَالَ أَبُو كَامِلٍ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوهِبٍ؛ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ كِلَاهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قَالَ: لَا» . حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْقَاضِي ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا لَمْ تَجِدُوا إلَّا مَرَابِضَ الْغَنَمِ وَأَعْطَانَ الْإِبِلِ فَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ» . وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ كِلَاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ يَقِينَ الْعِلْمِ. وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ فَذَكَرَ فِيهَا وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ

الصَّلَاةُ فَصَلِّ» . وَقَالَ: وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ، وَالْفَضَائِلُ لَا تُنْسَخُ، وَذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] . فَقُلْنَا: إنَّ هَذَا كُلَّهُ حَقٌّ، وَلَيْسَ لِلنَّسْخِ هَهُنَا مَدْخَلٌ، وَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ هَذِهِ النُّصُوصِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ، فَتُسْتَعْمَلَ جَمِيعًا حِينَئِذٍ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مُخَالَفَةُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا تَغْلِيبُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِهَوَاهُ ثُمَّ نَسْأَلُ الْمُخَالِفَ -: عَنْ الصَّلَاةِ فِي كَنِيفٍ أَوْ مَزْبَلَةٍ - إنْ كَانَ شَافِعِيًّا، أَوْ حَنَفِيًّا وَعَنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ مَالِكِيًّا وَعَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَيَخْتَصُّونَهَا مِنْ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ الْفَضِيلَةِ الْمَنْصُوصَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَذَكَرَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108] فَحَرَّمَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَهُوَ مِنْ الْأَرْضِ فَصَحَّ أَنَّ الْفَضِيلَةَ بَاقِيَةٌ، وَأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ إلَّا مَكَانًا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرِهِ وَإِلَى بَعِيرِهِ قُلْنَا: نَعَمْ وَمَنْ مَنَعَ هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَنْ صَلَّى عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ إلَى بَعِيرِهِ فَلَمْ يُصَلِّ فِي عَطَنِ إبِلٍ، وَعَنْ هَذَا جَاءَ النَّهْيُ لَا عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْبَعِيرِ. وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ كَذِبًا وَجُرْأَةً وَافْتِرَاءً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِهَا وَمَبَارِكِهَا لِنِفَارِهَا وَاخْتِلَاطِهَا، أَوْ لِأَنَّ الرَّاعِيَ يَبُولُ بَيْنَهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِخْبَارٌ عَنْهُ بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ، وَلَوْ أُطْلِقَ مِثْلُ هَذَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضَ النَّاسِ لَكَانَ إثْمًا وَفِسْقًا، فَكَيْفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ مَا ذَكَرُوا لَبَيَّنَهُ ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - فَإِنَّ النَّهْيَ وَالتَّحْرِيمَ بِذَلِكَ بَاقٍ كَمَا

مسألة الصلاة في حمام ومقبرة

كَانَ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يُصَحِّحُوا النَّهْيَ وَيَدَّعُوا أَنَّهُ لِعِلَّةٍ يَذْكُرُونَهَا -: ثُمَّ يُبِيحُونَ مَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ هَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ هُوَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا عَطَنَ إبِلٍ قَالَ: لَا يُصَلِّي فِيهِ، قَالَ: فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا قَالَ: لَا، أَيْضًا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ صَلَّى فِي عَطَنِ إبِلٍ أَعَادَ أَبَدًا، فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ» . قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَقّ، وَنَحْنُ نُقِرُّ بِهَذَا، وَلَا اعْتِرَاضَ فِي هَذَا عَلَى نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَالْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ لَا يُشَكُّ فِي أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمُتَّخَذَ لِمَبْرَكِهِمَا أَوْ لِمَبْرَكِ أَحَدِهِمَا دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ مَبَارِكِ الْإِبِلِ وَعَطَنِ الْإِبِلِ، وَكُلُّ عَطَنٍ فَهُوَ مَبْرَكٌ. وَلَيْسَ كُلُّ مَبْرَكٍ عَطَنًا؛ لِأَنَّ الْعَطَنَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ فَقَطْ، وَالْمَبْرَكُ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّخَذُ لِبُرُوكِهَا فِي كُلِّ حَالٍ. وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْعَطَنِ وَالْمَبْرَكِ اسْمُ عَطَنٍ وَمَبْرَكٍ فَلَيْسَ عَطَنًا وَلَا مَبْرَكًا؛ فَالصَّلَاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ. فَأَمَّا قَوْلُنَا: عَالِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ؛ فَلِأَنَّهُ أَتَى بِالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَمَكَانِهَا، وَالصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَحْدُودَيْنِ، فَإِذَا لَمْ تُؤَدَّ فِي مَكَانِهَا وَزَمَانِهَا فَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، بَلْ هِيَ غَيْرُهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ فِي حَمَّامٍ وَمَقْبَرَةٍ] 393 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِي حَمَّامٍ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَبْدَأُ بَابِهِ إلَى مُنْتَهَى جَمِيعِ حُدُودِهِ، وَلَا عَلَى سَطْحِهِ، وَمُسْتَوْقَدِهِ، وَسَقْفِهِ، وَأَعَالِي حِيطَانِهِ، خَرِبًا كَانَ أَوْ قَائِمًا: فَإِنْ سَقَطَ مِنْ بِنَائِهِ شَيْءٌ فَسَقَطَ عَنْهُ اسْمُ " حَمَّامٍ " جَازَتْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضِهِ حِينَئِذٍ.

وَلَا فِي مَقْبَرَةٍ - مَقْبَرَةَ مُسْلِمِينَ كَانَتْ أَوْ مَقْبَرَةَ كُفَّارٍ -، فَإِنْ نُبِشَتْ وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَلَا إلَى قَبْرٍ، وَلَا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَوْضِعَ قَبْرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ عَطَنًا، أَوْ مَزْبَلَةً، أَوْ مَوْضِعًا فِيهِ شَيْءٌ أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ -: فَلْيَرْجِعْ وَلَا وَيُصَلِّي هُنَالِكَ جُمُعَةً، وَلَا جَمَاعَةَ، فَإِنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ بِسُجُودِهِ، لَكِنْ يُقَرِّبُ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَهُ، وَلَا يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَةً، وَلَا أَنْفًا، وَلَا يَدَيْنِ وَلَا رُكْبَتَيْنِ، وَلَا يَجْلِسُ إلَّا الْقُرْفُصَاءَ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْجُلُوسِ، أَوْ الِاضْطِجَاعِ؛ صَلَّى كَمَا يَقْدِرُ وَأَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو الْبَزَّارُ ثنا أَبُو كَامِلٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ - ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ» . قَالَ الْبَزَّارُ: أَسْنَدَهُ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ

وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يَتَّقِي عَاقِبَةَ كَلَامِهِ فِي الدَّيْنِ: هَذَا حَدِيثٌ أَرْسَلَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَكَّ فِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ مَاذَا لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُسْنَدَ كَالْمُرْسَلِ وَلَا فَرْقَ ثُمَّ أَيُّ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ فِي شَكِّ مُوسَى وَلَمْ يَشُكَّ حَجَّاجٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ مُوسَى فَلَيْسَ دُونَهُ أَوْ فِي إرْسَالِ سُفْيَانَ - وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادٌ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَكُلُّهُمْ عَدْلٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ سَمِعْت أَبَا إدْرِيسِ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا الدُّبَيْرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَاهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يُلْقِي عَلَى وَجْهِهِ طَرَفَ خَمِيصَةٍ لَهُ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، تَقُولُ

عَائِشَةُ يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ -: قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عُدَيٍّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثِنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عُدَيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ حَدَّثَنِي «جُنْدُبٌ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ: " وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ بِذَلِكَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّ بِالنَّهْيِ جَمِيعَ الْقُبُورِ، ثُمَّ أَكَّدَ بِذَمِّهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَلَا يَسَعُ أَحَدًا تَرْكُهَا. وَبِهِ يَقُولُ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. رُوِّينَا عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ: يَنْهَى أَنْ يُصَلَّى وَسَطَ الْقُبُورِ وَالْحَمَّامِ، وَالْحُشَّانِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تُصَلِّيَنَّ إلَى حُشٍّ، وَلَا فِي حَمَّامٍ، وَلَا فِي مَقْبَرَةٍ

قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ثَلَاثَ أَبْيَاتٍ قِبْلَةً: الْحُشُّ، وَالْحَمَّامُ، وَالْقَبْرُ وَعَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تُصَلِّ إلَى حَمَّامٍ، وَلَا إلَى حُشٍّ، وَلَا وَسَطَ مَقْبَرَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ صَلَّى فِي حَمَّامٍ أَعَادَ أَبَدًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَآنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُصَلِّي إلَى قَبْرٍ فَنَهَانِي، وَقَالَ: الْقَبْرُ أَمَامَك. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَآنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ لِي: الْقَبْرَ لَا تُصَلِّ إلَيْهِ قَالَ ثَابِتٌ: فَكَانَ أَنَسٌ يَأْخُذُ بِيَدِي إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَتَنَحَّى عَنْ الْقُبُورِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: «لَا تُصَلُّوا إلَى قَبْرٍ، وَلَا عَلَى قَبْرٍ» وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَتَكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ وَسَطَ الْقُبُورِ أَوْ إلَى قَبْرٍ قَالَ: نَعَمْ - كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ - لَا تُصَلِّ وَبَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ قَبْرٌ؛ فَإِنْ كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ سُتْرَةُ ذِرَاعٍ فَصَلِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسُئِلَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَطَ الْقُبُورِ فَقَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ فَلَعَنَهُمْ اللَّهُ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ وَسَطَ الْقُبُورِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا إذَا خَرَجُوا فِي جِنَازَةٍ تَنَحَّوْا عَنْ الْقُبُورِ لِلصَّلَاةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ أَوْ إلَى قَبْرٍ أَعَادَ أَبَدًا قَالَ عَلِيٌّ: فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ؛ وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ عَلِيٌّ: وَكَرِهَ الصَّلَاةَ إلَى الْقَبْرِ، وَفِي الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْمِسْكِينَةِ السَّوْدَاءِ» قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَجَبٌ نَاهِيك بِهِ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يُخَالِفُونَ هَذَا الْخَبَرَ فِيمَا جَاءَ فِيهِ، فَلَا يُجِيزُونَ أَنْ تُصَلَّى صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى مَنْ قَدْ دُفِنَ ثُمَّ يَسْتَبِيحُونَ بِمَا لَيْسَ

مسألة الصلاة في أرض مغصوبة

فِيهِ مِنْ أَثَرٍ وَلَا إشَارَةٍ مُخَالَفَةَ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ حَقٌّ، فَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ حَيْثُ ذَكَرْنَا، إلَّا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ الَّذِي قَدْ دُفِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُحَرِّمُ مَا نَهَى عَنْهُ، وَنَعُدُّ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ؛ فَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ حَقٌّ، وَفِعْلُهُ حَقٌّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَرْجِعَ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا تَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ زِحَامًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَا عَلَى الصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِ، فَلَهُ حُكْمُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ: «إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا قَدَرَ عَلَى اجْتِنَابِهِ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] [مَسْأَلَة الصَّلَاةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ] 394 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَلَا مُتَمَلَّكَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ هِبَةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ فِيهَا لَوْحٌ مَغْصُوبٌ لَوْلَاهُ لَغَرَّقَهَا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْهَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى وِطَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. أَوْ عَلَى دَابَّةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ فِي ثَوْبٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ فِي بِنَاءٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَسَامِيرُ السَّفِينَةِ مَغْصُوبَةً، أَوْ خُيُوطُ الثَّوْبِ الَّذِي خِيطَ بِهَا مَغْصُوبَةً. أَوْ أُخِذَ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَصْلًا، وَلَا عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ السَّفِينَةِ أَوْ كَانَ اللَّوْحُ لَا يَمْنَعُ الْمَاءَ مِنْ الدُّخُولِ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَظِلٍّ بِذَلِكَ الْبِنَاءِ وَلَا مُسْتَتِرًا بِهِ، أَوْ

كَانَ قَدْ يَئِسَ [مِنْ] مَعْرِفَةِ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ كَانَتْ سَفِينَةً أَوْ بِنَاءً لَمْ يُغْصَبْ شَيْءٌ مِنْ أَعْيَانِهَا لَكِنْ سَخَّرَ النَّاسَ فِيهَا ظُلْمًا: فَالصَّلَاةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ، قَدَرَ عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ. وَكَذَلِكَ إنْ خَشِيَ الْبَرْدَ وَأَذَاهُ، أَوْ الْحَرَّ وَأَذَاهُ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ وَعَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ؛ وَإِلَّا فَلَا؛ وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُبَاحَةُ الَّتِي لَمْ يَحْظُرْهَا صَاحِبُهَا وَلَا مَنَعَ مِنْهَا، فَالصَّلَاةُ فِيهَا جَائِزَةٌ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27] {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» صَحَّ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَنُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ الْأَشْجَعِيِّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَإِذَا كَانَ مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدُّخُولَ إلَى مَكَان مَا، وَالْإِقَامَةَ فِيهِ، وَلِبَاسَ ثَوْبٍ مَا، وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ، أَوْ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مَا: فَفَعَلَ فِي صَلَاتِهِ كُلَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؛ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ أَصْلًا، وَالصَّلَاةُ طَاعَةٌ وَفَرِيضَةٌ، قِيَامُهَا وَقُعُودُهَا وَالْإِقَامَةُ فِيهَا، وَبَعْضُ اللِّبَاسِ فِيهَا، فَإِذَا قَعَدَ حَيْثُ نُهِيَ عَنْهُ؛ أَوْ عَمِلَ مُتَصَرِّفًا فِيمَا حَرُمَ أَوْ اسْتَعْمَلَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ: فَإِنَّمَا أَتَى بِعَمَلِ مَعْصِيَةٍ، وَقُعُودِ مَعْصِيَةٍ، مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ الْمُحَرَّمَةُ عَنْ الطَّاعَةِ الْمُفْتَرَضَةِ، وَأَنْ يُجْزِئَ الضَّلَالُ وَالْفُسُوقُ عَنْ الْهُدَى وَالْحَقِّ وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ فَقَالَ: يَلْزَمُكُمْ إذَا طَلَّقَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ، أَوْ أَعْتَقَ فِيهِ، أَوْ نَكَحَ فِيهِ، أَوْ بَاعَ فِيهِ، أَوْ اشْتَرَى، أَوْ وَهَبَ؛ أَوْ تَصَدَّقَ -: أَنْ تَنْقُضُوا كُلَّ ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ مَنْ صَبَغَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ مَغْصُوبَةٍ ثُمَّ صَلَّى وَمَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ مِنْ مُصْحَفٍ مَسْرُوقٍ أَنْ يَنْسَاهُ، أَوْ عَلَّمَهُ إيَّاهُ عَبْدٌ آبِقٌ، وَأَكْثَرُوا مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْحَمَاقَاتِ وَقَالُوا: كُلُّ مَنْ ذَكَرْتُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى مُصِرًّا عَلَى الزِّنَى، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسَّرِقَةِ - وَلَا فَرْقَ قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا قَالُوا مِنْ بَابِ مَا قُلْنَا، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إقَامَةٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَمِنْ جُلُوسٍ مُفْتَرَضٍ. وَمِنْ سَتْرِ عَوْرَةٍ، وَمِنْ تَرْكِ كُلِّ عَمَلٍ لَمْ يُبَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْ زَمَانٍ مَحْدُودٍ مُؤَقَّتٍ لَهَا، وَمِنْ مَكَان مَوْصُوفٍ لَهَا، وَمِنْ مَاءٍ يَتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ تُرَابٍ يَتَيَمَّمُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَلَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ الطَّلَاقُ، وَلَا النِّكَاحُ، وَلَا الْعَتَاقُ، وَلَا الْبَيْعُ، وَلَا الْهِبَةُ، وَلَا الصَّدَقَةُ، وَلَا تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ -. مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَلَا مَأْمُورًا فِيهِ بِهَيْئَةٍ مَا، وَلَا بِجُلُوسٍ وَلَا بُدَّ، وَلَا بِقِيَامٍ عَلَى صِفَةٍ، وَلَا بِمَكَانٍ مَوْصُوفٍ، لَكِنْ كُلُّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَيْضًا مُحْتَاجَةٌ وَلَا بُدَّ إلَى أَلْفَاظٍ مَوْضُوعَةٍ، أَوْ أَعْمَالٍ مَحْدُودَةٍ، وَأَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ، فَكُلُّ مَنْ أَتَى بِالصَّلَاةِ، أَوْ النِّكَاحِ، أَوْ الطَّلَاقِ، أَوْ الْبَيْعِ، أَوْ الْهِبَةِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ لَا طَلَاقٌ، وَلَا نِكَاحٌ، وَلَا عَتَاقٌ، وَلَا هِبَةٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ - وَلَا فَرْقَ فَمَنْ صَلَّى فَجَعَلَ الْجُلُوسَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ بَدَلَ الْجُلُوسِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ وَالْإِقَامَةَ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بَدَلَ الْإِقَامَةِ الْمُفْتَرَضَةِ عَلَيْهِ؛ وَسَتَرَ عَوْرَتَهُ بِمَا حَرُمَ عَلَيْهِ سَتْرُهَا بِهِ؛ وَأَتَى بِهَا فِي غَيْرِ الزَّمَانِ الَّذِي أُمِرَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهِ، وَعَوَّضَ مِنْ ذَلِكَ زَمَانًا وَمَكَانًا حَرُمَا عَلَيْهِ؛ وَعَوَّضَ الْمَاءَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ التُّرَابَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ التُّرَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ -: فَلَمْ يُصَلِّ قَطُّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ وَهُوَ وَاَلَّذِي صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عَمْدًا سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ؛ وَكِلَاهُمَا صَلَّى بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً، أَوْ بِغَيْرِ الْكَلَامِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ بِهِ وَحَرُمَ بِهِ

مسألة الصلاة للرجل خاصة في ثوب فيه حرير

الْفَرْجُ الَّذِي كَانَ حَلَالًا، أَوْ نَكَحَ ذَاتَ زَوْجٍ؛ أَوْ فِي عِدَّةٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْكَلَامِ الَّذِي أَبَاحَ بِهِ النِّكَاحَ وَحُلِّلَ بِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ قَبْلَهُ؛ أَوْ بَاعَ بَيْعًا مُحَرَّمًا؛ أَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ؛ أَوْ وَهَبَ هِبَةً لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهَا، أَوْ أَعْتَقَ عِتْقًا حَرُمَ عَلَيْهِ؛ كَمَنْ أَعْتَقَ غُلَامَ غَيْرِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِثَوْبٍ عَلَى الْأَوْثَانِ - فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ تَبْطُلُ شَرِيعَةٌ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ أُخْرَى؛ لَكِنْ بِأَنْ يَعْمَلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ تُعْمَلَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي صَبَغَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ مَغْصُوبَةٍ، فَإِنْ صَلَّى حَامِلًا لِتِلْكَ الْحِنَّاءِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ. وَأَمَّا إذَا نَزَعَهَا وَلَمْ يُصَلِّ بِهَا - فَاللَّوْنُ غَيْرُ مُتَمَلَّكٍ - فَلَمْ يُصَلِّ بِخِلَافِ مَا أُمِرَ وَأَمَّا الْمُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَنْ كُلِّ مَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَهَذَا مَعْفُوٌّ لَهُ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ صَلَاةَ مَنْ نَوَى خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا قَالَ قُلْنَا: بَلَى قَدْ عَمِلَ، لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ تِلْكَ صَارَ وُقُوفُهُ - إنْ كَانَ وَاقِفًا؛ وَقُعُودُهُ - إنْ كَانَ قَاعِدًا؛ وَرُكُوعُهُ - إنْ كَانَ رَاكِعًا؛ وَسُجُودُهُ - إنْ كَانَ سَاجِدًا -: عَمَلًا يَعْمَلُهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ؛ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ إذْ حَالَ عَامِدًا بَيْنَ أَعْمَالِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا؛ لَكِنْ لَوْ نَوَى أَنْ يُبْطِلَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهِ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ عَفَا اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ؛ فَهَذَا مُضْطَرٌّ مُكْرَهٌ؛ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ فِي إبْطَالِهَا بِذَلِكَ، كَالْحَدَثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّمَادِي فِي الصَّلَاةِ إثْرَهُ إلَّا بِإِحْدَاثِ وُضُوءٍ وَأَمَّا السَّفِينَةُ، وَالْبِنَاءُ الَّذِي سُخِّرَ النَّاسُ ظُلْمًا فِيهِمَا فَلَيْسَ هُنَاكَ عَيْنٌ مُحَرَّمَةٌ كَانَ الْمُصَلِّي مُسْتَعْمِلًا لَهَا، وَالْآثَارُ لَا تُتَمَلَّكُ، فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ فَقَدْ صَارَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ - وَهُوَ أَحَدُهُمْ - فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حِينَئِذٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ لِلرَّجُلِ خَاصَّةً فِي ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ] 395 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ - لِلرَّجُلِ خَاصَّةً - فِي ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ

أَصَابِعَ عَرْضًا فِي طُولِ الثَّوْبِ، إلَّا اللَّبِنَةَ وَالتَّكْفِيفَ فَهُمَا مُبَاحَانِ وَلَا فِي ثَوْبٍ فِيهِ ذَهَبٌ، وَلَا لَابِسًا ذَهَبًا فِيهِ خَاتَمٌ وَلَا فِي غَيْرِهِ. فَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى لِبَاسِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ خَوْفَ الْبَرْدِ: حَلَّ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ. أَوْ كَانَ بِهِ دَاءٌ يُتَدَاوَى مِنْ مِثْلِهِ بِلِبَاسِ الْحَرِيرِ: فَالصَّلَاةُ لَهُ فِيهِ جَائِزَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ ذَهَبًا لَهُ فِي كُمِّهِ لِيُحْرِزَهُ، أَوْ حَرِيرًا أَوْ ثَوْبَ حَرِيرٍ كَذَلِكَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا: ثِنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثِنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ثِنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - ثِنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ثِنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ

ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَسَدٍ الْكَازَرُونِيُّ ثِنَا الدُّبَيْرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمٌ الْحَجَّاجُ ثِنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثِنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَكَا إلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: الْقَمْلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثِنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي الْقُمُصِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا أَوْ وَجَعٍ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثِنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " أَنَّ أَسْمَاءَ أَخْرَجَتْ إلَيْهِ جُبَّةً طَيَالِسِيَّةً كِسْرَوَانِيَّةً لَهَا لَبِنَةُ دِيبَاجٍ فَرْجَاهَا مَكْنُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ فَقَبَضْتُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا» . وَمَسُّ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَمِلْكُهُمَا وَحَمْلُهُمَا حَلَالٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ لِبَاسُ الْخَزِّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

قُلْنَا: قَدْ جَاءَ تَحْرِيمُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ -: كَمَا رُوِّينَا: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَهَّزَ جَيْشًا فَغَنِمُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ عُمَرُ فَرَآهُمْ قَدْ لَبِسُوا أَقْبِيَةَ الدِّيبَاجِ وَلِبَاسَ الْعَجَمِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَقَالَ: أَلْقُوا عَنْكُمْ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَوْهَا. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: أَصَبْنَا فُتُوحًا بِالشَّامِ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا دَنَوْنَا لَبِسْنَا الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ، فَلَمَّا رَآنَا عُمَرُ رَمَانَا، فَنَزَعْنَاهَا، فَلَمَّا رَآنَا قَالَ: مَرْحَبًا بِالْمُهَاجِرِينَ إنَّ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ بِهِ لِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَيَرْضَى بِهِ عَنْكُمْ؟ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ إلَّا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ: أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الْخَيْرِ: أَنَّهُ سَأَلَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ عَنْ لَبِنَةٍ حَرِيرٍ فِي جُبَّتِهِ قَالَ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: أَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي ذُبْيَانَ هُوَ خَلِيفَةُ بْنُ كَعْبٍ -: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْخَبَرَ فِي أَنَّ " مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ " فَقَالَ: إذَنْ وَاَللَّهِ لَا يَدْخُلُهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] »

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثِنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اجْتَنِبُوا مِنْ الثِّيَابِ مَا خَالَطَهُ الْحَرِيرُ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَوْبًا مِنْ نَارٍ، لَيْسَ مِنْ أَيَّامِكُمْ وَلَكِنْ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الطِّوَالِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَابِسًا جُبَّةً عَلَى صَدْرِهَا دِيبَاجٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: مَا هَذَا النَّتِنُ عَلَى صَدْرِك وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَهُ ابْنٌ لَهُ عَلَيْهِ قَمِيصُ حَرِيرٍ فَشَقَّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَالْفَرْضُ الرَّدُّ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ بَاعَ سَمُرَةُ خَمْرًا، وَأَكَلَ أَبُو طَلْحَةَ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَلَا يَصِحُّ فِي الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ سَدَاهُ حَرِيرٌ: خَبَرٌ أَصْلًا، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ انْفَرَدَ بِهَا خُصَيْفٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. فَكَيْفَ وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَبِسَ الْخَزَّ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ سَدَاهَا حَرِيرٌ. رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عُبَيْدَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: رَأَيْت عَلَى أَنَسٍ جُبَّةَ خَزٍّ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: رَأَيْت عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ جُبَّةَ خَزٍّ وَكِسَاءَ خَزٍّ وَأَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَوْ أَدْرَكَهُ السَّلَفُ لَأَوْجَعُوهُ. فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ، إذْ لَا يُوجِعُونَ عَلَى مُبَاحٍ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَرِيرِ أَشَدَّ النَّهْيِ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلَيْسَ هَذَا عَلَيْكَ حَرِيرًا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا خَزٌّ، قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ سَدَاهُ حَرِيرٌ، قَالَ: مَا شَعُرْتُ» . وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لَهُ ثَوْبٌ مِنْ خَزٍّ سَدَاهُ كَتَّانٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَا يَخْلُو كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ لَبِسَ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:

مسألة قراءة المصلي القرآن في ركوعه وسجوده

إمَّا أَنْ سَدَى تِلْكَ الثِّيَابِ كَانَ كَتَّانًا. وَإِمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ حَرِيرٌ؛ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ غَيْرُهُ. وَإِمَّا أَنَّهُمْ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ لِبَاسِهِ، فَأَقَلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغَطِّي عَلَى أَضْعَافِ هَذَا، وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ مِثْلَهُمْ، فَنِصْفُ مُدِّ شَعِيرٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَدُهُمْ يَفْضُلُ جَمِيعَ أَعْمَالِ أَحَدِنَا لَوْ عَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ مُدِّ أَحَدِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ جَبَلِ أَحَدٍ ذَهَبًا نُنْفِقُهُ نَحْنُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ؛ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا يُنْفِقُ فِي الْبِرِّ زِنَةَ حَجَرٍ ضَخْمٍ مِنْ حِجَارَةِ أَحَدٍ فَكَيْفَ الْجَبَلُ كُلُّهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ خَوْفَ الْبَرْدِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] [مَسْأَلَةٌ قِرَاءَة الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ] 396 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ وَلَا فِي سُجُودِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَسِيَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنَّ وَسَبَّحَ كَمَا أُمِرَ أَجْزَأَهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَلْغَى تِلْكَ السَّجْدَةَ أَوْ الرَّكْعَةَ وَكَانَ كَأَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا، وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرِ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَفِيهِ «نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ» قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا نَهْيُ عَلِيٍّ، وَفِي الَّذِي ذَكَرْنَا نَهْيُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ

مسألة قرأ المصلي القرآن في جلوسه بعد أن يتشهد وهو إمام أو فذ

كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَحُكْمُنَا حُكْمُهُ؛ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَخْصِيصِهِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ «رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا سَمِعَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ» قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ، يَعْنِي {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] » هَكَذَا، فِي الْخَبَرِ نَصًّا، فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى تَأَوُّلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْقُرْآنَ هُوَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3] . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَا تَقْرَأْ وَأَنْتَ رَاكِعٌ، وَلَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: لَا تَقْرَأْ فِي الرُّكُوعِ وَلَا السُّجُودِ، إنَّمَا جُعِلَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِلتَّسْبِيحِ [مَسْأَلَةٌ قَرَأَ الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ فِي جُلُوسِهِ بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ فَذٌّ] 397 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ فِي جُلُوسِهِ بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ فَذٌّ أَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ: جَازَتْ صَلَاتُهُ - عَمْدًا فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ نِسْيَانًا - وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيْنَا فَأَمَّا جَوَازُ صَلَاتِهِ وَسُقُوطُ سُجُودِ السَّهْوِ عَنْهُ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ نُهِيَ عَنْهُ، بَلْ قَرَأَ وَالْقِرَاءَةُ: فِعْلٌ حَسَنٌ مَا لَمْ يُنْهَ الْمَرْءُ عَنْهُ، وَالتَّشَهُّدُ أَيْضًا ذِكْرٌ حَسَنٌ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ وَلَا حَضٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ] 398 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي بِقُرْبِ قُبَاءَ، لَا عَمْدًا وَلَا نِسْيَانًا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 107] إلَى قَوْله تَعَالَى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108]

مسألة الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضرارا على مسجد آخر

فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ صَلَاةٍ [مَسْأَلَة الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ مُبَاهَاةً أَوْ ضِرَارًا عَلَى مَسْجِدٍ آخَرَ] 399 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ مُبَاهَاةً، أَوْ ضِرَارًا عَلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. إذَا كَانَ أَهْلُهُ يَسْمَعُونَ نِدَاءَ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِهِ، وَالْوَاجِبُ هَدْمُهُ، وَهَدْمُ كُلِّ مَسْجِدٍ أُحْدِثَ لِيَنْفَرِدَ فِيهِ النَّاسُ كَالرُّهْبَانِ، أَوْ يَقْصِدَهَا أَهْلُ الْجَهْلِ طَلَبًا لِفَضْلِهَا، وَلَيْسَتْ عِنْدَهَا آثَارٌ لِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَلَا يَحِلُّ قَصْدُ مَسْجِدٍ أَصْلًا يُظَنُّ فِيهِ فَضْلٌ زَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا مَسْجِدَ مَكَّةَ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَطْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَمَّ تَقَارُبَ الْمَسَاجِدِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» . [قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى] قَالَ عَلِيٌّ: التَّشْيِيدُ: الْبِنَاءُ بِالشَّيْدِ. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثِنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي كُلِّ مَكَان، وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ غَيْرُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحَقٌّ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ هُوَ كَمَا بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرِهِ وَفِعْلِهِ، وَهُوَ بِنَاؤُهَا فِي الدُّورِ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالدُّورُ هِيَ الْمَحَلَّاتُ» ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ» . وَعَلَى قَدْرِ مَا بَنَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمَدِينَةِ، لِكُلِّ أَهْلِ مَحَلَّةٌ مَسْجِدُهُمْ الَّذِي لَا حَرَجَ

مسألة الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل

عَلَيْهِمْ فِي إجَابَةِ مُؤَذِّنِهِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَبَاطِلٌ وَمُنْكَرٌ، وَالْمُنْكَرُ وَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ. وَقَدْ افْتَرَضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النِّكَاحَ وَالتَّسَرِّيَ وَنَهَى عَنْ الرَّهْبَانِيَّةِ، فَكُلُّ مَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَبِدْعَةٌ وَبَاطِلٌ وَقَدْ هَدَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَسْجِدًا بَنَاهُ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ وَرَدَّهُ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ - وَلَا فَضْلَ لِجَامِعٍ عَلَى سَائِر الْمَسَاجِدِ. وَلَا يَحِلُّ السَّفَرُ إلَى مَسْجِدٍ، حَاشَا مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ثِنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ» [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ فِي مَكَان يُسْتَهْزَأُ فِيهِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] 400 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ فِي مَكَان يُسْتَهْزَأُ فِيهِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ بِرَسُولِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الدِّينِ، أَوْ فِي مَكَان يُكْفَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الزَّوَالُ وَلَا قَدَرَ صَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68] .

مسألة القراءة في مصحف في الصلاة

فَمَنْ اسْتَجَازَ الْقُعُودَ فِي مَكَان هَذِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ مِثْلُ الْمُسْتَهْزِئِ الْكَافِرِ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَقَامَ حَيْثُ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْقُعُودَ فَقُعُودُهُ وَإِقَامَتُهُ مَعْصِيَةٌ، وَقُعُودُ الصَّلَاةِ طَاعَةٌ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تُجْزِئَ الْمَعَاصِي عَنْ الطَّاعَاتِ وَأَنْ تَنُوبَ الْمَحَارِمُ عَنْ الْفَرَائِضِ. وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] [مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَةُ فِي مُصْحَفٍ فِي الصَّلَاة] 401 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي مُصْحَفٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِمُصَلٍّ، إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَكَذَلِكَ عَدُّ الْآيِ؛ لِأَنَّ تَأَمُّلَ الْكِتَابِ عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ: مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ. وَقَدْ قَالَ بِإِبْطَالِ صَلَاةِ مَنْ أَمَّ بِالنَّاسِ فِي الْمُصْحَفِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ، وَالْمَرْجُوعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» فَصَحَّ أَنَّهَا شَاغِلَةٌ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ السَّلَام عَلَى المصلي أتناء الصَّلَاة] 402 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرُدَّ إشَارَةً لَا كَلَامًا، بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ، فَإِنْ تَكَلَّمَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَمَنْ عَطَسَ فَلْيَقُلْ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَحَدٌ " رَحِمَك اللَّهُ "، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَائِلِ لَهُ ذَلِكَ إنْ تَعَمَّدَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي ذَلِكَ وَحَدِيثَ الرَّدِّ أَيْضًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الصلاة بحضرة طعام المصلي أو وهو يدافع البول أو الغائط

[مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ بِحَضْرَةِ طَعَامِ الْمُصَلِّي أَوْ وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ] 403 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِحَضْرَةِ طَعَامِ الْمُصَلِّي غَدَاءً كَانَ أَوْ عَشَاءً، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْلَ، أَوْ الْغَائِطَ. وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَكْلِ، وَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدٌ عَبَّادٌ ثِنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ هُوَ أَبُو حَزْرَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ قَالَ: تَحَدَّثْت أَنَا وَالْقَاسِمُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عِنْدَ عَائِشَةَ فَأَتَى بِالْمَائِدَةِ فَقَامَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَيْنَ قَالَ: أُصَلِّي، قَالَتْ: اجْلِسْ غُدَرَ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا الدُّبَيْرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ ثُمَّ ذَهَبَ لِلْغَائِطِ وَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبِأَحَدِكُمْ الْغَائِطُ فَلْيَبْدَأْ بِالْغَائِطِ» . وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عُثْمَانَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ

مسألة من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا

قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: صَلُّوا، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَبِأَحَدِكُمْ حَاجَةٌ فَلْيَقْضِ حَاجَتَهُ ثُمَّ يُصَلِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى» . وَبِهِ قَالَ السَّلَفُ -: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: وُضِعَتْ الْمَائِدَةُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْت لِأُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِثَوْبِي وَقَالَ: اجْلِسْ وَكُلْ ثُمَّ صَلِّهِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَا تُدَافِعُوا الْأَخْبَثَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ عَلَيْهِ يُصَلِّي مَنْ شُكِيَ بِهِ، أَوْ كَانَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ وَالْأَكْلِ، فَصَحَّ أَنَّ الْوَقْتَ مُتَمَادًى لَهُ إذْ أُمِرَ بِتَأْخِيرِهَا حَتَّى يُتِمَّ شُغْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ مِنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا] 404 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَذْهَبَ الرَّائِحَةُ، وَفُرِضَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ دَخَلَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّائِحَةِ، فَإِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَلَا أَبْخَرُ، وَلَا مَجْذُومٌ، وَلَا ذُو عَاهَةٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا ابْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ» . وَبِهِ إلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: ثِنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - ثِنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ - فَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا -: وَفِيهِ " إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلُ، وَالثُّومُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ» .

مسألة تعمد فرقعة أصابعه أو تشبيكها في الصلاة

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ؛ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» . قَالَ عَلِيٌّ: إذَا لَمْ يَقُلْ مَسْجِدَنَا هَذَا، أَوْ لَفْظًا يُبَيِّنُ تَخْصِيصَهُ بِمَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ -: فَكُلُّ مَسْجِدٍ فَهُوَ مَسْجِدُنَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُخْبِرُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: «مَسْجِدَنَا» مَعَ مَا قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعِيدٍ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الثُّومَ خَرَجَ إلَى الْبَرِّيَّةِ كَأَنَّهُ يَعْنِي إيَّاهُ وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشُرَيْكِ بْنِ حَنْبَلٍ مِنْ التَّابِعِينَ تَحْرِيمَ الثُّومِ النِّيءِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: لَيْسَ حَرَامًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَهُ فِي الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مَنْعَ آكِلِ الثُّومِ مِنْ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَمْنَعْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ أَحَدًا غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ فَرْقَعَةَ أَصَابِعِهِ أَوْ تَشْبِيكَهَا فِي الصَّلَاةِ] 405 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ فَرْقَعَةَ أَصَابِعِهِ أَوْ تَشْبِيكَهَا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» [مَسْأَلَةٌ صَلَّى مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى جِدَارٍ أَوْ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مُسْتَنِدًا] 406 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى جِدَارٍ أَوْ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مُسْتَنِدًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمُضْطَجِعًا وَكَانَ الِاتِّكَاءُ وَالِاسْتِنَادُ عَمَلًا لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» . قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا أَنْ يَصِحَّ أَثَرٌ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ فَنَقُولُ بِهِ، وَلَا نَعْلَمُهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَابِصِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَلَا يُعْلَمُ حَالُهُ وَلَا

مسألة تختم في غير الخنصر وتعمد الصلاة كذلك

حَالُ أَبِيهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا إبَاحَةٌ فِيهِ لِلِاعْتِمَادِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا لِلِاسْتِنَادِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ، وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مِقْدَارُ مَا قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ» [مَسْأَلَةٌ تَخَتَّمَ فِي غَيْر الْخِنْصَرِ وَتَعَمَّدَ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ] 407 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَخَتَّمَ فِي السَّبَّابَةِ أَوْ الْوُسْطَى، أَوْ الْإِبْهَامِ، أَوْ الْبِنْصِرِ - إلَّا الْخِنْصَرَ وَحْدَهُ - وَتَعَمَّدَ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَاتَمِ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» . وَقَالَ هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ: عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَتَخَتَّمَ

مسألة صرف المصلي نيته في الصلاة متعمدا إلى صلاة أخرى

فِي أُصْبُعِي هَذِهِ، وَفِي الْوُسْطَى، أَوْ الَّتِي تَلِيهَا» . قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ شُعْبَةَ هَذَا يَقْضِي عَلَى كُلِّ خَبَرٍ شَكَّ فِيهِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا فِي إصْبَعٍ نُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى لَابِسَ حَرِيرٍ أَوْ عَلَى حَالٍ مُحَرَّمَةٍ، لِأَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ فِعْلًا نُهِيَ عَنْهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ [مَسْأَلَةٌ صَرَفَ المصلي نِيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى] 408 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ صَرَفَ نِيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى، أَوْ إلَى تَطَوُّعٍ عَنْ فَرْضٍ، أَوْ إلَى فَرْضٍ عَنْ تَطَوُّعٍ -: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا كَمَا أُمِرَ؛ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ وَلَكِنْ يُلْغَى مَا عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ، طَالَ أَمْ قَصُرَ، وَيَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى كَمَا أُمِرَ، وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، ذَلِكَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا، لَمَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْكَلَامِ وَالْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ [مَسْأَلَةٌ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ مُصَدِّقًا لَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ] 409 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا - وَهُوَ الْكَاهِنُ - فَسَأَلَهُ مُصَدِّقًا لَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ -: لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إلَّا أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَفِيَّةَ هِيَ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ - عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» . قَالَ عَلِيٌّ: أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُنَّ فِي غَايَةِ الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالثِّقَةِ؛ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخْفِينَ، وَلَا أَنْ يَخْتَلِطَ بِهِنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْهُنَّ؛ بِخِلَافِ مُدَّعِي الصُّحْبَةِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ وَمَنْ أَتَى الْعَرَّافَ فَسَأَلَهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ لَهُ لَكِنْ لِيُكَذِّبَهُ فَلَيْسَ سَائِلًا لَهُ وَلَا آتِيًا إلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ فَقَدْ اسْتَثْنَى اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ سُقُوطَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ إذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ وَكَانَتْ عَلَى وَجْهِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ فَقَدْ نَسَبَ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَفِي هَذَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ

مسألة ظن أن إمامه قد سلم فقام لقضاء ما لم يدرك

[مَسْأَلَةٌ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ سَلَّمَ فَقَامَ لِقَضَاءِ مَا لَمْ يُدْرِكْ] 410 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ سَلَّمَ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي إمَامَةِ الْإِمَامِ فَقَامَ لِقَضَاءِ مَا لَمْ يُدْرِكْ أَوْ لِتَطَوُّعٍ أَوْ لِحَاجَةٍ سَاهِيًا: فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى مَا ذَكَرَ وَيَجْلِسَ وَيَتَشَهَّدَ إنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ وَجَالِسًا: وَلَا بُدَّ، فَإِنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُلُوسِ: سَلَّمَ كَمَا يَقْدِرُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مَا ذَكَرْنَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةِ وَلَا بُدَّ فَلَوْ تَعَمَّدَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ ذَاكِرًا أَنَّهُ فِي إمَامَةِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِكُلِّ عَمَلٍ تَعَمَّدَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَا أُبِيحَ لَهُ، وَبِأَنَّ النِّسْيَانَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَالسَّلَامُ لَا يَكُونُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي آخِرِ الْجُلُوسِ الَّذِي فِيهِ التَّشَهُّدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَدْرِي الْمَرْءُ أَنَّهُ كَافِرٌ] 411 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَدْرِي الْمَرْءُ أَنَّهُ كَافِرٌ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ خَلْفَ مَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ، أَوْ مُتَعَمِّدٌ لِلْعَبَثِ فِي صَلَاتِهِ - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مَعَ النَّصِّ الثَّابِتِ بِأَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ «وَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ» فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَحَدَنَا وَلَيْسَ الْكَافِرُ مِنْ الْمُصَلِّينَ وَلَا مُضَافًا إلَيْهِمْ، وَلَيْسَ الْعَابِثُ مُصَلِّيًا وَلَا فِي صَلَاةٍ فَالْمُؤْتَمُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ [مَسْأَلَةٌ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَافِرٌ] 412 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَافِرٌ، أَوْ أَنَّهُ عَابِثٌ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ؛ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْرِفَةَ مَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ أُبْعَثْ لِأَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا ظَاهِرَ أَمْرِهِمْ» فَأُمِرْنَا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ أَنْ يَؤُمَّنَا بَعْضُنَا فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ

مسألة تأول في بعض ما يوجب الوضوء فلم ير الوضوء منه

صَلَّى كَمَا أُمِرَ، وَكَذَلِكَ الْعَابِثُ فِي نِيَّتِهِ أَيْضًا لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ تَأَوَّلَ فِي بَعْضِ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَرَ الْوُضُوءَ مِنْهُ] 413 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَ فِي بَعْضِ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَرَ الْوُضُوءَ مِنْهُ -: فَالِائْتِمَامُ بِهِ جَائِزٌ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ مُتَأَوِّلًا أَنَّ بَعْضَ فُرُوضِ صَلَاتِهِ تَطَوُّعٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، وَقَدْ أَجَازَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَاةَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ قَدْ تَعَمَّدَ الْكَلَامَ فِي صَلَاتِهِ جَاهِلًا [مَسْأَلَةٌ مِنْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ زَادَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً] 414 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ قَدْ زَادَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ عَلَيْهَا، بَلْ يَبْقَى عَلَى الْحَالَةِ الْجَائِزَةِ، وَيُسَبِّحُ بِالْإِمَامِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} [النساء: 84] [مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ] 415 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّمَا رَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ شَيْئًا. وَفُرِضَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ تَعْدِيلُ الصُّفُوفِ - الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ - وَالتَّرَاصُّ فِيهَا، وَالْمُحَاذَاةُ بِالْمَنَاكِبِ، وَالْأَرْجُلِ، فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ كَانَ فِي آخِرِهَا وَمَنْ صَلَّى وَأَمَامَهُ فِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ يُمْكِنُهُ سَدُّهَا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ مَدْخَلًا فَلْيَجْتَذِبْ إلَى نَفْسِهِ رَجُلًا يُصَلِّي مَعَهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَرْجِعْ، وَلَا يُصَلِّ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا فَيُصَلِّي وَتُجْزِئُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ هُوَ ابْنُ مَعْبَدِ الْأَسَدِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» .

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ أَخْبَرَهُ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» . فَقَالَ قَوْمٌ بِآرَائِهِمْ: لَعَلَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِأَمْرٍ غَيْرِ ذَلِكَ لَا نَعْرِفُهُ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ بَيَانَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَوْا، وَإِذَا جَوَّزُوا مِثْلَ هَذَا لَمْ يَعْجِزْ أَحَدٌ لَا يَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ إذَا ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ: لَعَلَّهُ نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ يُبْطِلُ هَذَا الْحُكْمَ الْوَارِدَ فِيهِ فَكَيْفَ وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ الْجَسُورِ ثِنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرِو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ

عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، فَقَضَى الصَّلَاةَ فَرَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى انْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ» . قَالَ عَلِيٌّ: مُلَازِمٌ ثِقَةٌ. وَثَّقَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، وَهَذَا لَيْسَ جُرْحَةً. وَرِوَايَةُ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ حَدِيثُ وَابِصَةَ مَرَّةً عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَمَرَّةً عَنْ عَمْرٍو بْنِ رَاشِدٍ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ، وَعَمْرُو بْنُ رَاشِدٍ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - ثِنَا شُعْبَةُ أَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْت سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْت النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ. وَالْوَعِيدُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَبِهِ نَصًّا إلَى شُعْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» .

قَالَ عَلِيٌّ: تَسْوِيَةُ الصَّفِّ إذَا كَانَ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فَهُوَ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الصَّلَاةِ فَرْضٌ؛ وَمَا كَانَ مِنْ الْفَرْضِ فَهُوَ فَرْضٌ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ ثِنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرِو ثِنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ ثِنَا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ ثِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» . وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ " كَانَ أَحَدُنَا يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ، وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِطِيُّ ثِنَا

عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَكَانَتْ قُرْعَةً» . قَالَ عَلِيٌّ: لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْقُرْعَةُ إلَّا فِيمَا لَا يَسَعُ الْجَمِيعَ فَيَقَعُ فِيهِ التَّغَايُرُ وَالْمُضَايَقَةُ وَلَوْ كَانَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ لِلْمُبَادِرِ بِالْمَجِيءِ - كَمَا يَقُولُ مَنْ لَا يُحَصِّلُ كَلَامَهُ - لَمَا كَانَتْ الْقُرْعَةُ فِيهِ إلَّا حَمَاقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْمُبَادَرَةِ بِالْمَجِيءِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى قُرْعَةٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ ثِنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ - عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ ثِنَا سَعِيدُ هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» . قَالَ عَلِيٌّ: شَغَبَ مَنْ أَجَازَ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَسٍ، وَالْيَتِيمِ خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِنَّ مِنْ إقَامَةِ الصُّفُوفِ إذَا كَثُرْنَ مَا عَلَى الرِّجَالِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ حَدِيثُ مُصَلَّى الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ لِحَدِيثِ وَابِصَةَ، وَلَا حَدِيثُ وَابِصَةَ لِحَدِيثِ مُصَلَّى الْمَرْأَةِ، فَلَيْسَ مَنْ تَرَكَ هَذَا لِهَذَا بِأَوْلَى مِمَّنْ تَرَكَ مَا أَخَذَ هَذَا وَأَخَذَ بِمَا تَرَكَ، وَكُلُّ هَذَا لَا يَجُوزُ وَشَغَبُوا بِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ إذْ جَاءَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَوَقَفَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْتَمًّا بِهِ وَحْدَهُ فَأَدَارَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ» ، قَالُوا: فَقَدْ صَارَ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلْكَ الْإِدَارَةِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لَهُمْ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ضَرْبُ السُّنَنِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِحَدِيثِ وَابِصَةَ، وَعَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ وَبَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ وَابِصَةَ، وَعَلِيٍّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهَلْ هَذَا كُلُّهُ إلَّا بَاطِلٌ بَحْتٌ، وَتَحَكُّمٌ بِلَا بُرْهَانٍ بَلْ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ الْأَخْذُ بِكُلِّ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ حَقٌّ، وَلَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، فَإِدَارَةُ الْإِمَامِ مَنْ صَلَّى عَنْ يَسَارِهِ إلَى يَمِينِهِ حَقٌّ، وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ، وَبِخِلَافِ مَنْ صَلَّى عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فَصَلَاةُ هَذَيْنِ بَاطِلٌ، بِخِلَافِ حُكْمِ الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، وَمَا سُمِّيَ قَطُّ الْمُدَارُ عَنْ شِمَالٍ إلَى يَمِينٍ مُصَلِّيًا وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ إذَا أَتَى وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا حُمَيْدٍ بْنُ مَسْعَدَةَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: ثِنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ ثِنَا الْحَسَنُ «أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ حَدَّثَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعٌ، قَالَ: فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْأَعْلَمِ هُوَ زِيَادٌ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ «أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَقَدْ رَكَعَ، فَرَكَعَ ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ وَهُوَ رَاكِعٌ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَيُّكُمْ دَخَلَ الصَّفَّ وَهُوَ رَاكِعٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، قَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» .

قَالَ عَلِيٌّ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرُّكُوعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دُخُولَ الصَّفِّ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِعَادَةِ كَمَا أَمَرَ الَّذِي أَسَاءَ الصَّلَاةَ وَاَلَّذِي صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ قُلْنَا: نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ - نَقْطَعُ بِهِ - أَنَّ الرُّكُوعَ دُونَ الصَّفِّ إنَّمَا حَرُمَ حِينَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا قَبْلَ النَّهْيِ؛ لَمَا أَغْفَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْرَهُ بِالْإِعَادَةِ، كَمَا فَعَلَ مَعَ غَيْرِهِ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ أَجَازَ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ، وَصَلَاةُ مَنْ لَمْ يُقِمْ الصُّفُوفَ: حُجَّةٌ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ -: رُوِّينَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كُنْت فِيمَنْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدَمَهُ لِإِقَامَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ قَالَ عَلِيٌّ: مَا كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَضْرِبَ أَحَدًا وَيَسْتَبِيحَ بَشَرَةً مُحَرَّمَةً عَلَى غَيْرِ فَرْضٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ثِنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، فَإِذَا جَاءُوا: كَبَّرَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ أَوْ حَائِطٌ أَوْ طَرِيقٌ فَلَيْسَ مَعَ الْإِمَامِ وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ قَلَّمَا يَدَعُ ذَلِكَ كَلَامًا فِيهِ: إذَا قَامَتْ الصَّلَاةُ فَاعْدِلُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا

بِالْمَنَاكِبِ، فَإِنَّ اعْتِدَالَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهَا اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ. هَذَا فِعْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اعْدِلُوا الصُّفُوفَ وَصُفُّوا الْأَقْدَامَ وَحَاذُوا بِالْمَنَاكِبِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عِمْرَانَ الْجُعْفِيِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: كَانَ بِلَالٌ - هُوَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ أَقْدَامَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيُسَوِّي مَنَاكِبَنَا. فَهَذَا بِلَالٌ مَا كَانَ: لِيَضْرِبَ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ اعْتِدَالُ الصَّفِّ. وَأَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ تَخِرَّ ثَنِيَّتَايَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَى خَلَلًا فِي الصَّفِّ فَلَا أَسُدَّهُ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا يُتَمَنَّى فِي تَرْكِ مُبَاحٍ أَصْلًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إيَّاكُمْ وَمَا بَيْنَ السَّوَارِي، وَعَلَيْكُمْ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ: رَأَيْت الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتُقَيِّمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفْنَ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ. وَقِيلَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَتُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا، إلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقَيِّمُونَ الصُّفُوفَ. قَالَ عَلِيٌّ: الْمُبَاحُ لَا يَكُونُ مُنْكَرًا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الْأَمْرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ

مسألة ماذا يقول من دخل المسجد

وَعَنْ عَطَاءٍ: عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَوُّوا الصُّفُوفَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: سَوُّوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ إقَامَةَ الصَّفِّ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الرَّجُلِ يَجِيءُ وَقَدْ تَمَّ الصَّفُّ: إنْ قَدَرَ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ، أَوْ يَجْتَذِبُ رَجُلًا فَيُصَلِّي مَعَهُ، فَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ. وَعَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ قَالَ: يُعِيدُ. وَبِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مُنْفَرِدًا يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ [مَسْأَلَةٌ مَاذَا يَقُول مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ] 416 - مَسْأَلَةٌ: وَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك " فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ فَلْيَقُلْ: " اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك ". وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مَتَى دَخَلَهُ، لَا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، فَصَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَائِزَةٌ، وَقَدْ عَصَى فِي تَرْكِهِ قَوْلَ مَا أُمِرَ بِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ سُوَيْد الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِكَ» . قَالَ عَلِيٌّ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مَنْ بَعْدَهُ [مَسْأَلَةٌ مُتَابَعَة الْمَأْمُوم لِإِمَامِهِ] 417 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ مَأْمُومٍ أَنْ لَا يَرْفَعَ وَلَا يَرْكَعَ وَلَا يَسْجُدَ وَلَا يُكَبِّرَ وَلَا يَقُومَ وَلَا يُسَلِّمَ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلَا مَعَ إمَامِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لَكِنْ بَعْدَ تَمَامِ كُلِّ

ذَلِكَ مِنْ إمَامِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا فَلْيَرْجِعْ وَلَا بُدَّ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ بَعْدَ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ إمَامِهِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ثِنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ ثِنَا أَبُو مُوسَى قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَنَا فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّةَ الْخَيْرِ، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ يُجِبْكُمْ اللَّهُ فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ - ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ ثِنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ» . وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ، أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؛ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» .

حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثِنَا ابْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثِنَا الْحُمَيْدِيُّ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا السُّجُودِ فَإِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ فَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ، وَمَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا سَجَدْتُ فَإِنَّكُمْ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ» وَبِهِ قَالَ السَّلَفُ. رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيَخْفِضُ قَبْلَهُ فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَا يُؤْمِنُ الرَّجُلُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ تَعُودَ رَأْسُهُ رَأْسَ كَلْبٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا وَعِيدَ أَشَدَّ مِنْ الْمَسْخِ فِي صُورَةِ كَلْبٍ أَوْ حِمَارٍ، وَلَا عُقُوبَةَ أَعْظَمَ مِنْ إسْلَامِ نَاصِيَةِ الْمَرْءِ إلَى يَدِ الشَّيْطَانِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا تُبَادِرُوا أَئِمَّتَكُمْ بِالسُّجُودِ، فَإِنْ سَبَقَكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلْيَضَعْ أَحَدُكُمْ رَأْسَهُ كَقَدْرِ مَا سَبَقَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلُ هَذَا حَرْفًا حَرْفًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَعْصِيَةُ الْمُحَرَّمَةُ الْمُبْعِدَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ الْمُفْتَرَضَةِ

مسألة كان عليل البصر وخشي ضررا من طول الركوع أو السجود

الْمُقَرِّبَةِ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ [مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلِيلَ الْبَصَرِ وَخَشِيَ ضَرَرًا مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ] 418 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ كَانَ عَلِيلَ الْبَصَرِ وَخَشِيَ ضَرَرًا مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ فَلْيُؤَخِّرْ ذَلِكَ إلَى قُرْبِ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ بِمِقْدَارِ مَا يَرْكَعُ وَيَطْمَئِنُّ وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثُمَّ يَرْفَعُ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: لَا يَحِلُّ لِمَأْمُومٍ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلَا مَعَ إمَامِهِ، وَلَا أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ إمَامِهِ، وَلَا مَعَ إمَامِهِ: ثُمَّ أَجَازُوا لَهُ أَنْ يَفْعَلَ سَائِرَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمَامِ وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» أَوْ «فَاقْضُوا» نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُفَارِقَ الْإِمَامَ حَتَّى تَتِمَّ صَلَاةُ الْإِمَامِ، وَلَا تَتِمُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ إلَّا بِتَمَامِ سَلَامِهِ [مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ إمَامِهِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ] 419 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ إمَامِهِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ -: أَحَدُهَا: مَنْ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَلَمَّا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَكَبَّرَ النَّاسُ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى النَّاسِ أَنْ اُمْكُثُوا، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يَأْتِي فَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ لِلْإِحْرَامِ، وَهُمْ بَاقُونَ عَلَى مَا كَبَّرُوا؛ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالثَّانِي: أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ وَيُكَبِّرَ النَّاسُ بَعْدَهُ ثُمَّ يُحْدِثُ، فَيَسْتَخْلِفُ مَنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ، فَيَصِيرُ إمَامًا مَكَانَهُ، وَيَكُونُ الْمُؤْتَمُّونَ بِهِ قَدْ كَبَّرُوا قَبْلَهُ - وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنْبَلِيِّينَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَغِيبَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَسْتَخْلِفَ النَّاسُ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ ثُمَّ يَأْتِي الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَتَأَخَّرُ الْمُقَدَّمُ، وَيَتَقَدَّمُ هُوَ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَقَدْ كَبَّرَ الْمَأْمُومُونَ قَبْلَهُ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ -: مَرَّةً «إذْ مَضَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَقَدَّمَ النَّاسُ

لِلصَّلَاةِ الَّتِي حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِالنَّاسِ بَانِينَ عَلَى مَا صَلَّوْا مَعَ أَبِي بَكْرٍ» . وَكَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالرَّابِعُ: مَنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ أَوْ يَئِسَ عَنْ أَنْ يَجِدَ جَمَاعَةً فَبَدَأَ الصَّلَاةَ فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا أَتَى الْإِمَامُ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَعْتَدُّ بِتَكْبِيرِهِ وَبِمَا صَلَّى، لِأَنَّهُ كَبَّرَ كَمَا أُمِرَ، وَصَلَّى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَحْسَنَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مَا عَمِلَ إلَّا بِنَصِّ: قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ إمَامِهِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ -: أَحَدُهَا: صَلَاةُ الْخَوْفِ، كَمَا نَذْكُرُ فِي أَبْوَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي: مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ أَوْ يَئِسَ عَنْ وُجُودِ جَمَاعَةٍ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ أَتَى الْإِمَامُ، فَصَارَ هَذَا مُؤْتَمًّا بِهِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَهَذَا مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ سَلَّمَ وَنَهَضَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِائْتِمَامُ بِالْإِمَامِ فِي أَحْوَالٍ يَفْعَلُهَا الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْتَمِّ أَنْ يَزِيدَهَا فِي صَلَاتِهِ؛ فَإِذْ لَا يَجُوزُ لَهُ الِائْتِمَامُ بِالْإِمَامِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ إمَامَتِهِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ، فَلْيُسَلِّمْ، وَإِنْ شَاءَ يَتَمَادَى عَلَى تَشَهُّدِهِ وَدُعَائِهِ، حَتَّى إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمَ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ. وَالثَّالِثُ: مُسَافِرٌ دَخَلَ خَلْفَ مَنْ يُتِمُّ الصَّلَاةَ - إمَّا مُقِيمًا وَإِمَّا مُتَأَوِّلًا مَعْذُورًا بِخَطَئِهِ فَإِذَا تَمَّتْ لِلْمَأْمُومِ رَكْعَتَانِ بِسَجْدَتَيْهِمَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ؛ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سَلَامٍ أَوْ تَمَادَى عَلَى الْجُلُوسِ وَالدُّعَاءِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنْ يَنْهَضَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ بَاقِيَ صَلَاتِهِ مُتَطَوِّعًا فَذَلِكَ لَهُ وَالرَّابِعُ: مَنْ طَوَّلَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ تَطْوِيلًا يَضُرُّ بِهِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي ضَيَاعِ مَالِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ إمَامَتِهِ، وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُسَلِّمَ وَيَنْهَضَ لِحَاجَتِهِ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا

مسألة من سبق إلى مكان من المسجد لم

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَأُخْبِرَنَّهُ؛ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَك الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُعَاذٌ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ اقْرَأْ بِكَذَا، وَاقْرَأْ بِكَذَا» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْكَلَامِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثِنَا غُنْدَرٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ أَوْ قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنًا وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ» . وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ النَّصِّ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا تَشَهَّدَ الرَّجُلُ وَخَافَ أَنْ يُحْدِثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَلْيُسَلِّمْ وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا. وَبِكُلِّ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، قَدْ قَالَتْ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - [مَسْأَلَةٌ مَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ] 420 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَامَ عَنْهُ غَيْرَ تَارِكٍ لَهُ فَرَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقَامَ أَحَدٌ عَنْ مَكَانِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .

مسألة لا يحل لأحد أن يصلي أمام الإمام

[مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَ الْإِمَامِ] 421 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي أَمَامَ الْإِمَامِ إلَّا لِضَرُورَةِ حَبْسٍ فَقَطْ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثِنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَرَزَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَحَدَّثَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ، قَالَ جَابِرٌ: فَتَوَضَّأْتُ مِنْ مُتَوَضَّأِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» . فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا بُدَّ؛ وَيَكُونُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ دَفْعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَابِرًا وَجَبَّارًا إلَى مَا وَرَاءَهُ أَمْرٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَإِدَارَتَهُ جَابِرًا إلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ؛ فَمَنْ صَلَّى بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ الِاثْنَيْنِ يَكُونَانِ حِفَافَيْ الْإِمَامِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ «عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ: أَنَّهُمَا صَلَّيَا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ. وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، وَقَامَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَكَعَ بِهِمَا، فَوَضَعَا أَيْدِيَهُمَا عَلَى رُكَبِهِمَا، فَضَرَبَ أَيْدِيَهُمَا ثُمَّ طَبَّقَ يَدَيْهِ فَجَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ وَأُخْرَى فِيهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ -

مسألة من استخلفه الإمام

وَكِلَاهُمَا مَتْرُوكٌ -: أَنَّ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ - وَهِيَ الثَّابِتَةُ - فَلَا بَيَانَ فِيهَا إلَى أَيِّ شَيْءٍ أَشَارَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ: «هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إلَى مَوْقِفِ الْإِمَامِ بَيْنَ الْمَأْمُومَيْنِ وَإِلَى التَّطْبِيقِ مَعًا أَمْ إلَى التَّطْبِيقِ وَحْدَهُ وَإِذْ لَا بَيَانَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلظُّنُونِ. ثُمَّ حَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ إبْعَادُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِجَابِرٍ، وَجَبَّارٍ، عَنْ كَوْنِهِمَا حِفَافَيْهِ وَإِيقَافُهُمَا خَلْفَهُ -: مُدْخِلًا لَنَا فِي يَقِينِ مَنْعِ الِاثْنَيْنِ مِنْ كَوْنِهِمَا حِفَافَيْ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَجَوَازُ كَوْنِ الِاثْنَيْنِ حِفَافَيْ الْإِمَامِ قَدْ حَرُمَ بِيَقِينٍ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَوَازِ مَا قَدْ تُيُقِّنَ تَحْرِيمُهُ إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ بِعَوْدَتِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ] 422 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا صَلَاةَ نَفْسِهِ لَا عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ الْمُسْتَخْلِفِ لَهُ، وَيَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُونَ فِيمَا يَلْزَمُهُمْ، وَلَا يَتْبَعُونَهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُمْ؛ بَلْ يَقِفُونَ عَلَى حَالِهِمْ، يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى مَا هُمْ فِيهِ فَيَتْبَعُوهُ حِينَئِذٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: بَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ الْمُسْتَخْلِفُ كَمَا كَانَ يُصَلِّي لَوْ كَانَ مَأْمُومًا، وَعَلَى حُكْمِ صَلَاةِ إمَامِهِ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ وَنَحْنُ تَنَازَعْنَا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» قَالَ عَلِيٌّ: وَالْإِمَامُ الَّذِي أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ وَخَرَجَ فَقَدْ بَطَلَتْ إمَامَتُهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ فِي دَارِهِ يُحْدِثُ أَوْ يَأْكُلُ أَوْ يَعْمَلُ مَا اللَّهُ

مسألة وأيما عبد أبق عن مولاه فلا تقبل له صلاة حتى يرجع

تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَكَانَ مُؤْتَمًّا عِنْدَكُمْ لَا إمَامًا، فَقَدْ أَيْقَنَّا: أَنَّ إمَامَتَهُ قَدْ بَطَلَتْ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا قُلْنَا: بَقِيَ حُكْمُ إمَامَتِهِ، لَا إمَامَتُهُ قُلْنَا فِي هَذَا نَازَعْنَاكُمْ، فَلَيْسَ دَعْوَاكُمْ حُجَّةً لِنَفْسِهَا، وَإِذْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّ إمَامَتَهُ قَدْ بَطَلَتْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ إمَامًا - فَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ حُكْمِ إمَامَةٍ قَدْ بَطَلَتْ أَصْلًا وَأَمَّا الثَّانِي - فَهُوَ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ - الْإِمَامُ الَّذِي أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ نَأْتَمَّ بِهِ، وَأَنْ نُكَبِّرَ إذَا كَبَّرَ، وَنَرْفَعَ إذَا رَفَعَ، وَنَرْكَعَ إذَا رَكَعَ، وَنَسْجُدَ إذَا سَجَدَ؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ الْإِمَامُ لَا الْمَأْمُومُ، وَالْإِمَامُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ؛ وَالْمُؤْتَمُّونَ بِهِ هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِالِائْتِمَامِ بِهِ، فَإِنْ قَالُوا: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْمَأْمُومَ إذَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ لَمْ يَنْتَظِرْ الْإِمَامَ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ تَتِمَّ صَلَاتُهُمْ بَعْدُ. فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ انْتِظَارُهُ، كَمَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ فِي انْتِظَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ خَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ اغْتَسَلَ، وَكَمَا فَعَلُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّهُمْ بَعْدُ مُؤْتَمُّونَ بِهِ، وَهُوَ إمَامُهُمْ، وَصَلَاتُهُمْ لَمْ تَتِمَّ، فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الِائْتِمَامِ بِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوهُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاتِهِمْ فَيَزِيدُوا فِيهَا بِالْعَمْدِ مَا قَدْ صَلَّوْهُ، فَوَجَبَ انْتِظَارُهُمْ إيَّاهُ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ مِنْهُمْ، فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ أَطَالَ التَّشَهُّدَ؛ فَذَلِكَ لَهُ، حَتَّى يُسَلِّمَ مَعَ الْإِمَامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ عَنْ مَوْلَاهُ فَلَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ حَتَّى يَرْجِعَ] 423 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ عَنْ مَوْلَاهُ فَلَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ حَتَّى يَرْجِعَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَقَ لِضَرَرٍ مُحَرَّمٍ لَا يَجِدُ مَنْ يَنْصُرُهُ مِنْهُ، فَلَيْسَ آبِقًا حِينَئِذٍ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْبُعْدَ عَنْهُ فَقَطْ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثِنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ» وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؛ كَمَا رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي

مسألة ومن صلى من الرجال وهو لابس معصفرا

الْآبِقِ: لَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، وَخُصُومُنَا يَشْغَبُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ [مَسْأَلَةٌ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ وَهُوَ لَابِسٌ مُعَصْفَرًا] 424 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ وَهُوَ لَابِسٌ مُعَصْفَرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ ذَكَرًا عَالِمًا بِالنَّهْيِ وَإِلَّا فَلَا؛ فَإِنْ كَانَ مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ لَا يَظْهَرُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ " مُعَصْفَرٌ " فَصَلَاتُهُ فِيهِ جَائِزَةٌ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا الْقَعْنَبِيُّ ثِنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ» . وَبِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ السَّلَفِ الصَّالِحِ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ ثَوْبًا مُعَصْفَرًا فَقَالَ: دَعُوا هَذِهِ الْبَرَّاقَاتِ لِلنِّسَاءِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صَرْدِ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ مُمَصَّرَيْنِ فَقَالَ: أَلْقِ هَذَيْنِ عَنْك؛ لَعَلَّك أَنْ تُوهَمَ مِنْ عَمَلِك مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ جِدًّا وَرُوِّينَا أَنَّ أُمَّ الْفَضْلَ بِنْتَ غِيلَانَ: أَرْسَلَتْ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ تَسْأَلُهُ عَنْ الْعُصْفُرِ فَقَالَ أَنَسٌ: لَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبَاحَتُهُ لِلنِّسَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثِنَا يَعْقُوبَ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - ثِنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ، أَوْ خَزٍّ،

مسألة ومن صلى وهو يحمل شيئا مسروقا أو مغصوبا أو إناء فضة أو ذهب

أَوْ حُلِيٍّ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصٍ، أَوْ خُفٍّ» . [مَسْأَلَةٌ وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ يَحْمِلُ شَيْئًا مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ] 425 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ يَحْمِلُ شَيْئًا مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقِّهِ لِيَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ، أَوْ يَحْمِلَ الْإِنَاءَ لِيَكْسِرَهُ -: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، فَإِنْ صَلَّى وَفِي كَفِّهِ أَوْ حُجْزَتِهِ حُلِيٌّ ذَهَبٌ يَتَمَلَّكُهُ لِأَهْلِهِ، أَوْ لِيَبِيعَهُ، أَوْ ثَوْبٌ حَرِيرٌ كَذَلِكَ، أَوْ دَنَانِيرُ -: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى وَفِي فِيهِ دِينَارٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ يُحْرِزُهُمَا بِذَلِكَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ عَمِلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَمَنْ عَمِلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا؛ فَإِذَا حَمَلَ ذَلِكَ لِمَا أُمِرَ بِهِ؛ فَلَمْ يَعْمَلْ فِي صَلَاتِهِ إلَّا مَا أُمِرَ بِهِ؛ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ الرَّجُلِ إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاسِعٍ] 426 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الرَّجُلِ - إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاسِعٍ - أَنْ يَطْرَحَ مِنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ عَاتِقَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَأَجْزَأَهُ، كَانَ مَعَهُ ثِيَابٌ غَيْرَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ - عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ» .

مسألة ولا يجوز لأحد أن يصلي وهو مشتمل الصماء الرجل والمرأة سواء

قَالَ عَلِيٌّ: الْمَعْنَى فِي كِلَا اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ مَتَى أَلْقَى بَعْضَ الثَّوْبِ عَلَى عَاتِقِهِ فَلَمْ يُصَلِّ فِي ثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثِنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزَرَةَ - عَنْ «عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا وَأَبِي فَحَدَّثَنَا فِي حَدِيثٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ يَا جَابِرُ، إذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» يَعْنِي ثَوْبَهُ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَقْضِي سَائِرَ الْأَخْبَارِ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الثَّوْب: إذَا كَانَ وَاسِعًا فَتَوَشَّحَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا فَاِتَّزَرَ بِهِ. وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْك إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، إنْ كَانَ وَاسِعًا فَتَوَشَّحْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَاِتَّزِرْ بِهِ وَعَنْ طَاوُسٍ بِنَحْوِ هَذَا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُخَمِّرْ عَلَى عَاتِقَيْهِ فِي الصَّلَاةِ [مَسْأَلَةٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ مُشْتَمِلُ الصَّمَّاءَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ] 427 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي وَهُوَ مُشْتَمِلُ الصَّمَّاءَ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ الْمَرْءُ وَيَدَاهُ تَحْتَهُ، الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ خَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لُبْسَتَيْنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ» [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ مِمَّنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ مِنْ الرِّجَالِ] 428 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ مِمَّنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ مِنْ الرِّجَالِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تُسْبِلَ ذَيْلَ مَا تَلْبَسُ ذِرَاعًا لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ عَالِمَةً بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا

وَحَقُّ كُلِّ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ إلَى الْكَعْبَيْنِ لَا أَسْفَلَ أَلْبَتَّةَ؛ فَإِنْ أَسْبَلَهُ فَزَعًا أَوْ نِسْيَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» . فَهَذَا عُمُومٌ لِلسَّرَاوِيلِ، وَالْإِزَارِ، وَالْقَمِيصِ وَسَائِرِ مَا يُلْبَسُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ مُسْنَدًا بِوَعِيدٍ شَدِيدٍ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُسْبِلُ إزَارَهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا فِي حَرَامٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مُسْبِلٍ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ مَسَّ إزَارُهُ كَعْبَهُ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً فَهَذَا مُجَاهِدٌ يَحْكِي ذَلِكَ عَمَّنْ قَبْلَهُ، وَلَيْسُوا إلَّا الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ؛ بَلْ مِنْ أَوَاسِطِهِمْ وَعَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيِّ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ -: كَانَ يُقَالُ: مَنْ جَرَّ ثِيَابَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثِنَا النُّفَيْلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - ثِنَا مُحَمَّدٌ ثِنَا زُهَيْرُ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - ثِنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: إنَّ أَحَدَ جَانِبَيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَسْت مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ الْقُومِسِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ: تُرْخِينَهُ شِبْرًا؛ قَالَتْ: إذَنْ تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ؛ قَالَ: تُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - ثِنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، وَمَا أَسْفَلُ ذَلِكَ فِي النَّارِ، لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» .

مسألة الصلاة في ثوب الكافر والفاسق

[مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ] مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ فِي ثَوْبِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ، مَا لَمْ يُوقِنْ فِيهَا شَيْئًا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] . وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي جُبَّةٍ رُومِيَّةٍ» ؛ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَةِ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالشَّعْرِ، وَالْوَبَرِ، وَالْجُلُودِ، وَالْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ؛ وَإِبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ فَمَنْ ادَّعَى نَجَاسَةً أَوْ تَحْرِيمًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آنِيَتَهُمْ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا قُلْنَا: نَعَمْ، وَالْآنِيَةُ غَيْرُ الثِّيَابِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ ثِيَابِهِمْ لَبَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَعَلَ بِالْآنِيَةِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي ثِيَابِهِمْ يُبِيحُ آنِيَتَهُمْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ وَإِبَاحَةُ الصَّلَاةِ فِي ثِيَابِ الْمُشْرِكِينَ هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ، وَبِهِ نَقُولُ [مَسْأَلَةٌ وَلَا يُجْزِئ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ أَنْ يُصَلِّيَ وَقَدْ زَعْفَرَ جِلْدَهُ بِالزَّعْفَرَانِ] 430 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ أَنْ يُصَلِّي وَقَدْ زَعْفَرَ جِلْدَهُ بِالزَّعْفَرَانِ، فَإِنْ صَبَغَ ثِيَابَهُ، أَوْ عِمَامَتَهُ، بِالزَّعْفَرَانِ، أَوْ زَعْفَرَ لِحْيَتَهُ، فَحَسَنٌ، وَصَلَاتُهُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» . هَذَا لَفْظُ إسْمَاعِيلَ، وَلَفْظُ حَمَّادٍ، «عَنْ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ» .

مسألة ولا يحل للرجل أن يصفق بيديه في صلاته

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ ثِنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ ثِنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ جَدَّيْهِ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: الْخَلُوقُ الزَّعْفَرَانُ، وَأَوَّلُ مَرَاتِبِ هَذَا الْخَبَرِ كَوْنُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي مُوسَى. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا النَّهْيُ نَاسِخٌ لِمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ مِنْ إبَاحَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَأَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ، إذْ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ حِينَ تَزَوَّجَ وَعَلَيْهِ الْخَلُوقُ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ إذْ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْإِبَاحَةُ، ثُمَّ طَرَأَ النَّهْيُ فَجَاءَ نَاسِخًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثِنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْخَلُوقِ، فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّك تُصَفِّرُ لِحْيَتَك بِالْخَلُوقِ قَالَ: [ «إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَفِّرُ بِهَا لِحْيَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الصَّبْغِ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهَا؛ وَلَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ» ] . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النِّسَاءَ عَنْ التَّزَعْفُرِ، فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُنَّ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . [مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَفِّقَ بِيَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ] 431 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَفِّقَ بِيَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لَكِنْ إنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَحُكْمُهَا إنْ نَابَهَا شَيْءٌ فِي صَلَاتِهَا أَنْ تُصَفِّقَ بِيَدَيْهَا، فَإِنْ سَبَّحَتْ: فَحَسَنٌ

مسألة ولا يحل للمرأة إذا شهدت المسجد أن تمس طيبا

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ سَبَّحَ الرَّجُلُ مُرِيدًا إفْهَامَ غَيْرِهِ بِأَمْرٍ مَا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُصَفِّقُ الْمَرْأَةُ بَلْ تُسَبِّحُ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ، وَخِلَافٌ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - ثِنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثِنَا أَبُو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ -: إنَّ النَّاسَ صَفَّحُوا إذْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءُوهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ إذْ سَلَّمَ «إذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ فِي الصَّلَاةِ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّصْفِيقَ، وَالتَّصْفِيحَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الضَّرْبُ بِإِحْدَى صَفْحَتَيْ الْأَكُفِّ عَلَى الْأُخْرَى وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُمَا قَالَا: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ وَإِنَّمَا جَازَ التَّسْبِيحُ لِلنِّسَاءِ، لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ مَكَانٌ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا شَهِدَتْ الْمَسْجِدَ أَنْ تَمَسَّ طِيبًا] 432 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا شَهِدَتْ الْمَسْجِدَ أَنْ تَمَسَّ طِيبًا، فَإِنْ فَعَلَتْ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا؛ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجُمُعَةُ، وَالْعَتَمَةُ، وَالْعِيدُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ ثِنَا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» .

مسألة صلاة الواصلة

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثِنَا ابْنُ السُّلَيْمِ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ يَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: إنْ أَمْكَنَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَتَطَيَّبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طِيبًا تَذْهَبُ رِيحُهُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَذَلِكَ عَلَيْهَا؛ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَرْكِ الطِّيبِ أَوْ تَرْكِ الْجُمُعَةِ؛ أَيُّ ذَلِكَ فَعَلَتْ فَمُبَاحٌ لَهَا [مَسْأَلَةٌ صَلَاة الواصلة] 433 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ وَهِيَ وَاصِلَةٌ شَعْرَهَا بِشَعْرِ إنْسَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِصُوفٍ، أَوْ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ؛ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا. وَأَمَّا الَّتِي تُضَفِّرُ غَدِيرَتَهَا أَوْ غَدَائِرَهَا بِخَيْطٍ مِنْ حَرِيرٍ، أَوْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ، أَوْ قُطْنٍ، أَوْ سَيْرٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ؛ فَلَيْسَتْ وَاصِلَةً، وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا. وَلَا صَلَاةَ لِلَّتِي تُعَظِّمُ رَأْسَهَا بِشَيْءٍ تَخْتَمِرُ عَلَيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا الْحُمَيْدِيُّ ثِنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - ثِنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ - أَنَّهُ سَمِعَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ: إنَّهَا سَمِعَتْ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَقُولُ «سَأَلَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَامَّرَقَ شَعْرُهَا وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا، أَفَأَصِلُ فِيهِ قَالَ: لَعَنْ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الْحِمْصِيُّ ثِنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَعْقُوبَ هُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ

مسألة بيان أن من وصل شعره من النساء ملعون

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاكُمْ عَنْ الزُّورِ، وَجَاءَ بِخِرْقَةٍ سَوْدَاءَ فَأَلْقَاهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَالَ: هُوَ هَذَا تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ فِي رَأْسِهَا ثُمَّ تَخْتَمِرُ عَلَيْهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ مُعَاوِيَةَ: «نَهَاكُمْ» خِطَابٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَمَنْ صَلَّى وَهُوَ عَامِلٌ فِي صَلَاتِهِ حَالًا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؛ فَلَا صَلَاةَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيَان أَنْ مِنْ وَصَلّ شَعَره مِنْ النِّسَاء ملعون] 434 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الَّتِي تَتَوَلَّى وَصْلَ شَعْرِ غَيْرِهَا، وَالْوَاشِمَةُ، وَالْمُسْتَوْشِمَةُ - وَالْوَشْمُ: النَّقْشُ فِي الْجِلْدِ ثُمَّ يُعْمَلُ بِالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ - وَالْمُتَفَلِّجَةُ وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ - وَالنَّمْصُ هُوَ نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ - فَكُلُّ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهَا، أَوْ فِي غَيْرِهَا فَمَلْعُونَاتٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَلَوَاتُهُنَّ تَامَّةٌ أَمَّا اللَّعْنَةُ فَقَدْ صَحَّ لَعْنُ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا تَمَامُ صَلَاتِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ بَعْدَ حُصُولِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ فِيهِنَّ وَمِنْهُنَّ لَا يَقْدِرْنَ عَلَى التَّبَرُّؤِ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَمَنْ عَجَزَ عَمَّا كُلِّفَ سَقَطَ عَنْهُ. قَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَلَمْ يُكَلَّفْ أَحَدٌ إلَّا مَا يَسْتَطِيعُ؛ فَإِذَا عَجَزْنَ عَنْ إزَالَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُنَّ إزَالَتُهَا، وَهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالصَّلَاةِ؛ فَيُؤَدِّينَهَا كَمَا يَقْدِرْنَ. وَأَمَّا الْوَاصِلَةُ فِي شَعْرِ نَفْسِهَا فَقَادِرَةٌ عَلَى إزَالَتِهِ، فَإِذَا لَمْ تُزِلْهُ فَقَدْ اسْتَصْحَبْت فِي صَلَاتِهَا عَمَلًا هِيَ فِيهِ عَاصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمْ تُصَلِّ كَمَا أُمِرَتْ فَلَا صَلَاةَ لَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الصَّلَاةُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَعَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَعَلَى كُلِّ سَقْفٍ بِمَكَّةَ] 435 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَعَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَعَلَى كُلِّ سَقْفٍ بِمَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْ الْكَعْبَةِ، وَفِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ أَيْنَمَا شِئْت مِنْهَا، الْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ سَوَاءٌ

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، الْفَرْضَ خَاصَّةً، وَأَجَازَ فِيهَا التَّنَفُّلَ وَاَلَّذِي قُلْنَا نَحْنُ: هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَاحْتَجَّ أَتْبَاعُ مَالِكٍ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ مَنْ صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَقَدْ اسْتَدْبَرَ بَعْضَ الْكَعْبَةِ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] . فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيُّونَ حُجَّةً لَمَا حَلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقِبْلَةُ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَنْ يُصَلِّي فِيهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْتَدْبِرَ بَعْضَهُ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَهَا عَنْ يَمِينِهِ وَبَعْضَهَا عَنْ شِمَالِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى شِمَالِهِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ مُرَاعَاةَ هَذَا، وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا أَنْ نُقَابِلَ بِأَوْجُهِنَا مَا قَابَلَنَا مِنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ حَيْثُمَا كُنَّا فَقَطْ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا، فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ صَلَّى» . قَالَ عَلِيٌّ: مَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ إنَّ صَلَاتَهُ الْمَذْكُورَةَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ نَصَّ

مسألة صلى وفي قبلته مصحف

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ، وَبَاطِنَ الْكَعْبَةِ أَطْيَبُ الْأَرْضِ وَأَفْضَلُهَا، فَهِيَ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ وَأَوْلَاهَا بِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ. وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الرَّاكِبِ، أَوْ الْخَائِفِ، أَوْ الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ بِلَا قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ خَطَأٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكُلُّ مَكَان أَعْلَى مِنْ الْكَعْبَةِ فَإِنَّمَا عَلَيْنَا مُقَابَلَةُ جِهَةَ الْكَعْبَةِ فَقَطْ؛ وَقَدْ هُدِمَتْ الْكَعْبَةُ لِتُجَدَّدَ فَمَا قَالَ أَحَدٌ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ [مَسْأَلَةٌ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ مُصْحَفٌ] 436 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ مُصْحَفٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ عِبَادَةَ الْمُصْحَفِ؛ إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعَ، بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ نَارٌ أَوْ كَنِيسَةٌ أَوْ بِيعَةٌ أَوْ بَيْتُ نَارٍ] 437 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ نَارٌ، أَوْ حَجَرٌ، أَوْ كَنِيسَةٌ، أَوْ بِيعَةٌ، أَوْ بَيْتُ نَارٍ، أَوْ إنْسَانٌ، مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ حَائِضٌ، أَوْ أَيٌّ جِسْمٍ كَانَ - حَاشَا الْكَلْبِ، وَالْحِمَارِ، وَغَيْرِ الْمُضْطَجِعَةِ مِنْ النِّسَاء - فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَجْسَامِ كُلِّهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ. وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي جِسْمٌ مِنْ أَجْسَامِ الْعَالَمِ؛ فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ فِي الْبَيْعَةِ وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ] 438 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ فِي الْبَيْعَةِ، وَالْكَنِيسَةِ، وَبَيْتِ النَّارِ وَالْمَجْزَرَةِ - مَا اجْتَنَبَ الْبَوْلَ وَالْفَرْثَ وَالدَّمَ - وَعَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَبَطْنِ الْوَادِي، وَمَوَاضِعِ الْخَسْفِ؛ وَإِلَى الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ، وَلِلتَّحَدُّثِ، وَالنِّيَامِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ -: جَائِزَةٌ، مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي مَكَان مَا؛ فَيُوقَفُ عِنْدَ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا حُمَامُ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا الدَّبَرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، فَهُوَ مَسْجِدٌ» .

قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ أَنَّ الْكَعْبَةَ مَسْجِدٌ، مَعَ مَجِيءِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ، وَمَا عَلِمَ أَحَدٌ مَسْجِدًا تَحْرُمُ فِيهِ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَتَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ وَرُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَنَسٍ: «أَنَّ مِنْ فَضَائِلِنَا: أَنَّ الْأَرْضَ جُعِلَتْ لَنَا مَسْجِدًا» . وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَرْضِ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ، حَاشَا مَا جَاءَ النَّصُّ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ كَعَطَنِ الْإِبِلِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَإِلَى قَبْرٍ وَعَلَيْهِ، وَالْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَالنَّجِسِ، وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ فَقَطْ وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَجْزَرَةِ، وَظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، وَهُوَ لَا شَيْءَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعِ الْخَسْفِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لَا شَيْءَ.

مسألة الصلاة على الجلود والصوف

وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ جَابِرٍ. [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ عَلَى الْجُلُودِ وَالصُّوفِ] 439 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْجُلُودِ، وَعَلَى الصُّوفِ، وَعَلَى كُلِّ مَا يَجُوزُ الْقُعُودُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ طَاهِرًا. وَجَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْحَرِيرِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا عَلَى التُّرَابِ وَالْبَطْحَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَرْضِ أَوْ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالسُّجُودُ وَاجِبٌ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءَ: الرِّجْلَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ. وَهُوَ يُجِيزُ وَضْعَ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، حَاشَا الْجَبْهَةِ؛ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ فَرْقٍ بَيْنَهَا: لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَسْحِ شَعْرٍ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى عَبْقَرِيٍّ وَهُوَ بِسَاطُ صُوفٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى طُنْفُسَةٍ وَهِيَ بِسَاطُ صُوفٍ

مسألة زوحم يوم الجمعة أو غيرها فلم يقدر على السجود على ما بين يديه

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَلَا مُخَالِفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ] 440 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّجُودِ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَسْجُدْ عَلَى رِجْلِ مَنْ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ وَيُجْزِئُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالسُّجُودِ، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا نَسْجُدُ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثِنَا أَبِي ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثِنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ثَوْبِهِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَنْ طَاوُسٍ: إذَا كَثُرَ الزِّحَامُ فَاسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيك؛ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: اُسْجُدْ عَلَى رِجْلِ أَخِيك. وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذَا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ. [مَسْأَلَةٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ، وَفِي أَخْفَضَ مِنْهُ] 441 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ، وَفِي أَخْفَضَ مِنْهُ؛ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْعَامَّةُ، وَالْأَكْثَرُ، وَالْأَقَلُّ فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ فَحَسَنٌ؛ وَإِلَّا فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ فَلْيَنْزِلْ حَتَّى يَسْجُدَ حَيْثُ يَقْدِرُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ قَامَةٍ فَأَقَلَّ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي الِارْتِفَاعِ الْيَسِيرِ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَانِ تَحْدِيدَانِ فَاسِدَانِ؛ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا نَصُّ الْقُرْآنِ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا عُلِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَرْقٌ بَيْنَ قَلِيلِ الِارْتِفَاعِ وَكَثِيرِهِ، وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ وَالتَّحْدِيدُ بَيْنَهُمَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَلَئِنْ كَانَ وُقُوفُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ بِمِقْدَارِ أُصْبُعٍ حَلَالًا، فَإِنَّهُ لَحَلَالٍ بِأُصْبُعٍ بَعْدَ أُصْبُعٍ، حَتَّى يَبْلُغَ أَلْفَ قَامَةٍ وَأَكْثَرَ، وَلَئِنْ كَانَتْ الْأَلْفُ قَامَةً حَرَامًا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَحَرَامٌ كُلُّهُ إلَى قَدْرِ الْأُصْبُعِ فَأَقَلَّ وَإِنَّ الْمُتَحَكِّمَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ لَقَائِلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا قَالَا: إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعُلُوِّ طَائِفَةٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِاَلَّذِينَ أَسْفَلُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا عَجَبٌ وَزِيَادَةٌ فِي التَّحَكُّمِ وَأَجَازَا: أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فِي مَكَان أَسْفَلَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ ثَالِثٌ كُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ صُفُوفًا صُفُوفًا، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُخِلُّوا بِهَذِهِ الرُّتْبَةِ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ وُجُوبِ تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ، بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَ مُصَلَّى الْإِمَامِ فِي دُكَّانٍ، أَوْ غَرْفَةٍ، أَوْ رَابِيَةٍ، لَا يَسَعُ فِيهَا مَعَهُ صَفٌّ خَلْفَهُ: صَلَّوْا تَحْتَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ. أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ سَهْلٌ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ عَلَيْهِ - يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ - فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ، وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ

صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنِّي إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» . قَالَ عَلِيٌّ: لَا بَيَانَ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا فِي جَوَازِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْمَأْمُومِينَ وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِخَبَرٍ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْمَأْمُومِينَ وَهُوَ خَبَرٌ سَاقِطٌ، انْفَرَدَ بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبُكَائِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْخَبَرُ الَّذِي أَوْرَدْنَا إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا هُوَ الْحُجَّةُ لَا الْبَاطِلُ الْمُلَفَّقُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ: هَذَا مِنْ الْكِبْرِ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَاطِلٌ وَيُعْكَسُ عَلَيْهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِ الْإِمَامِ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذَا كِبْرٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَلَا فَرْقُ وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يَمْنَعُوا أَيْضًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، وَلَابِسَ دِرْعٍ فَهَذَا أَدْخَلُ فِي الْكِبْرِ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَكَان عَالٍ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الأعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا

[الْأَعْمَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ فَرْضًا] [مَسْأَلَةٌ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَجُلُوسٍ، سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ] مَسْأَلَةٌ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَجُلُوسٍ، سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَطَائِفَةٌ: لَمْ تَرْفَعْ الْيَدَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا فِي أَوَّلِهَا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى ظَلْعٍ أَيْضًا. وَرَأَوْهُ أَيْضًا - إنْ كَانَ - فَرَفْعٌ يَسِيرٌ - وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلْإِحْرَامِ أَوَّلًا - سُنَّةً لَا فَرِيضَةً - وَمَنَعُوا مِنْهُ فِي بَاقِي الصَّلَاةِ وَرَأَتْ طَائِفَةٌ: رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَعِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَأَحْمَدَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَأَبِي الْمُصْعَبِ، وَغَيْرِهِمْ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَيُفْتِي بِهِ؟ وَرَأَتْ طَائِفَةٌ: رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرٍ فِي الصَّلَاةِ، الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، وَعِنْدَ كُلِّ قَوْلِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؟ فَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهَا وَجْهًا أَصْلًا، وَلَا تَعَلُّقًا بِشَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَلَا قَائِلًا بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ؟

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ثِنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «أَلَا أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ» قَالُوا: وَكَانَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، لَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَنَقُولُ: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَيْسَ فَرْضًا فَقَطْ، وَلَوْلَا هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ - عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَحْمِيدٍ فِي الصَّلَاةِ -: فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي بَابِ وُجُوبِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. فَلَوْلَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا لَكَانَ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي. وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي رَافِعًا يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ، لَكِنْ لَمَّا صَحَّ خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلِمْنَا أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ: سُنَّةٌ وَنَدْبٌ فَقَطْ؟ وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَرْفَعَانِ، فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُونَ فَلَيْسَ فِعْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَى فِعْلِ بَعْضٍ، بَلْ الْحُجَّةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٌّ: لَا يَرْفَعَانِ، فَمَا جَاءَ قَطُّ أَنَّهُمَا كَرِهَا الرَّفْعَ، وَلَا نَهَيَا عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ وَأَمَّا مَنْ رَأَى رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا

رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ جُرَيْجِ، وَالزُّبَيْدِيِّ، وَمَعْمَرٍ، وَغَيْرِهِمْ، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا أَيْضًا كَذَلِكَ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» . وَرُوِّينَا هَذَا الْفِعْلَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا الْفِعْلَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُ النَّاسَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَجُمْلَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ " كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا أَحْرَمُوا وَإِذَا رَكَعُوا وَإِذَا رَفَعُوا كَأَنَّهَا الْمَرَاوِحُ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَمَكْحُولٍ، وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَابْنِ وَهْبٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَالْمُزَنِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالرَّبِيعِ

وَمُحَمَّدِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ثِنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا جَاءَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ. وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَيَّاشٌ قَالَ: ثِنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثِنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ» ، وَرَفَعَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَاهُ أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَا: ثِنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثِنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ - ثِنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ. فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: فَلِمَ؟ فَوَاَللَّهِ مَا كُنْتَ بِأَكْثَرِنَا تَبِعَةً وَلَا أَقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةً قَالَ: بَلَى قَالُوا: فَاعْرِضْ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ وَلَا يُقْنِعُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ - قَالُوا: صَدَقْتَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد [حَدَّثَنَا] عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْجُشَمِيُّ ثِنَا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ [قَالَ: كُنْت غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي فَحَدَّثَنِي

عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ] عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ سَجَدَ، وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ أَيْضًا رَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ فَقَالَ: هِيَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ وَتَرَكَهُ مَنْ تَرَكَهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ وَعَبْدُ الْأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ. ثُمَّ اتَّفَقُوا، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ إذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ وَإِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ» هَذَا لَفْظُ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى وَقَالَ مُعَاذٌ فِي حَدِيثَهُ: «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ

فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثِنَا وَهْبُ بْنُ مَيْسَرَةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَأَنَسٍ، وَسِوَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يُوجِبُ يَقِينَ الْعِلْمِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ زَائِدًا عَلَى مَا رَوَاهُ عَلْقَمَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَوَجَبَ أَخْذُ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَكَى: أَنَّهُ رَأَى مَا لَمْ يَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ رَفْعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ، وَكِلَاهُمَا حَكَى مَا شَاهَدَ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمْرُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، فَكَيْفَ وَمَا تُحْمَلُ كِلَا رِوَايَتَيْهِمَا إلَّا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ الصَّحِيحَةِ؟ وَكَانَ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَا رَوَاهُ أَبُو حُمَيْدٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ -: زِيَادَةٌ عَلَى مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكُلٌّ ثِقَةٌ، وَكُلٌّ مُصَدَّقٌ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَرَآهُ - وَأَخْذُ الزِّيَادَةِ وَاجِبٌ؟ . وَكَانَ مَا رَوَاهُ أَنَسٌ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ -: زِيَادَةً عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، وَالْكُلُّ ثِقَةٌ فِيمَا رَوَى وَمَا شَاهَدَ وَمَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ رُكُوعٍ وَرَفْعٍ مِنْ رُكُوعٍ، وَكُلِّ

سُجُودٍ وَرَفْعٍ مِنْ سُجُودٍ -: زَائِدًا عَلَى كُلِّ ذَلِكَ، وَالْكُلُّ ثِقَاتٌ فِيمَا رَوَوْهُ وَمَا سَمِعُوهُ وَأَخْذُ الزِّيَادَاتِ فَرْضٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، لِأَنَّ الزِّيَادَاتِ حُكْمٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، رَوَاهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَلَا يَضُرُّهُ سُكُوتُ مَنْ لَمْ يَرَوْهُ عَنْ رِوَايَتِهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا وَلَا فَرْقَ؟ وَمِمَّنْ قَالَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ: ابْنُ عُمَرَ، كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ عَمَلِهِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالصَّحَابَةُ، جُمْلَةً كَمَا أَوْرَدْنَاهُ -: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذَا سَجَدَ، وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، يَرْفَعُهُمَا إلَى ثَدْيَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا إسْنَادٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، وَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ لِيَرْجِعَ إلَى خِلَافِ مَا رَوَى - مِنْ تَرْكِ الرَّفْعِ عِنْدَ السُّجُودِ - إلَّا وَقَدْ صَحَّ عِنْدَهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا أَبُو سَهْلٍ النَّضْرُ بْنُ كَثِيرٍ السَّعْدِيُّ قَالَ: صَلَّى إلَى جَنْبِي ابْنُ طَاوُسٍ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى، فَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى رَفَعَ يَدَيْهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَأَنْكَرْت ذَلِكَ، وَقُلْت لِوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ: إنَّ هَذَا يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَ أَحَدًا يَصْنَعُهُ؟ فَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: رَأَيْت أَبِي يَصْنَعُهُ، وَقَالَ لِي: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَصْنَعُهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: رَأَيْت طَاوُسًا وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَالَ حَمَّادٌ: وَكَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُهُ حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا الدَّبَرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ: قُلْت لِعَطَاءٍ: رَأَيْتُك تُكَبِّرُ بِيَدَيْك حِينَ تَسْتَفْتِحُ، وَحِينَ تَرْكَعُ وَحِينَ تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ الرَّكْعَةِ، وَحِينَ تَرْفَعُ رَأْسَك مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى، وَمِنْ الْآخِرَةِ، وَحِينَ تَسْتَوِي مِنْ مَثْنًى؟ قَالَ: أَجَلْ.

مسألة والتوجيه سنة حسنة

قُلْت: تَخْلُفُ بِالْيَدَيْنِ الْأُذُنَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَخْلُفُ بِيَدَيْهِ أُذُنَيْهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجِ: قُلْت لِعَطَاءٍ: وَفِي التَّطَوُّعِ مِنْ التَّكْبِيرِ بِالْيَدَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي كُلِّ صَلَاةٍ. [مَسْأَلَةٌ وَالتَّوْجِيهُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ] 443 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّوْجِيهُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِكُلِّ صَلَاةٍ - فَرْضٌ أَوْ غَيْرُ فَرْضٍ، جَهْرًا أَوْ سِرًّا -: مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي. ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثِنَا أَبُو سَعِيدٍ ثِنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَاجِشُونِ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، وَأَبُو يُوسُفَ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ اسْتَفْتَحَ ثُمَّ قَالَ -:» . وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ: ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثِنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ - حَدَّثَنِي عَمِّي - هُوَ أَبُو يُوسُفَ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ اسْتَفْتَحَ ثُمَّ قَالَ -» : وَاتَّفَقَ أَحْمَدُ وَزُهَيْرٌ فِي رِوَايَتَيْهِمَا جَمِيعًا «وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْت نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا

إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَمُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَ أَبُو كَامِلٍ: ثِنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ: ثِنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، وَقَالَ زُهَيْرٌ: ثِنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. ثُمَّ اتَّفَقَ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَجَرِيرٌ - وَاللَّفْظُ لَهُ - كُلُّهُمْ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيَّة قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. وَإِنَّمَا نَذْكُرُ ذَلِكَ فَرْضًا، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَكَانَ الِائْتِسَاءُ بِهِ حَسَنًا.

وَنَسْتَحِبُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِلْإِمَامِ سَكْتَةٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ رُكُوعِهِ كَمَا حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثِنَا أَبُو مَعْمَرٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ثِنَا يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ «أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ صَلَّى فَكَبَّرَ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَرَأَ فَلَمَّا خَتَمَ السُّورَةَ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ؟ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ سَمُرَةُ: حَفِظْتُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَدَّقَ سَمُرَةَ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَنَحْنُ نَخْتَارُ أَنْ يَفْعَلَ كُلُّ إمَامٍ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهُ بَعْدَهُ سَمُرَةُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَيَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى " أُمَّ الْقُرْآنِ " فَمَنْ فَاتَتْهُ قَرَأَ فِي السَّكْتَةِ الثَّانِيَةِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ فَعَلَ مَا قُلْنَا جُمْهُورُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّمَنَا؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمَرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا كَبَّرَ قَالَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، تَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك فَهَذَا فِعْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ، كُلُّهُمْ يَتَوَجَّهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُ التَّوْجِيهَ قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ مَنْ لَا يَعْرِفُ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَرَفَ؟ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ فِي مُعَارَضَتِهِ مَا ذَكَرْنَا بِمَا «رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ

مسألة على الإمام التخفيف إذا أم جماعة

كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ بِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] » . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ قَوْلُنَا، لِأَنَّ اسْتِفْتَاحَ الْقِرَاءَةِ بِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ": لَا يَدْخُلُ فِيهِ التَّوْجِيهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ التَّوْجِيهُ قِرَاءَةً، وَإِنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا قَدْ صَحَّ عَنْهُ مِنْ الذِّكْرِ، ثُمَّ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَزِيَادَةُ الْعُدُولِ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَلَا يَقُولُهَا الْمَأْمُومُ، لِأَنَّ فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ إلَّا " بِأُمِّ الْقُرْآنِ " فَقَطْ، فَإِنْ دَعَا بَعْدَ قِرَاءَةِ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فِي حَالِ سَكْتَةِ الْإِمَامِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَحَسَنٌ؟ . [مَسْأَلَةٌ عَلَى الْإِمَامِ التَّخْفِيفُ إذَا أَمَّ جَمَاعَةً] 444 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ التَّخْفِيفُ إذَا أَمَّ جَمَاعَةً لَا يَدْرِي كَيْف طَاقَتُهُمْ وَيُطَوِّلُ الْمُنْفَرِدُ مَا شَاءَ، وَحَدُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِي الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَإِنْ خَفَّفَ الْمُنْفَرِدُ فَذَلِكَ لَهُ مُبَاحٌ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثِنَا زُهَيْرٌ وَهُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - ثِنَا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ - سَمِعْت قَيْسًا هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ - قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ «أَنَّ رَجُلًا

قَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ؟» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ - «عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إمَامَ قَوْمِي، قَالَ: أَنْتَ إمَامُهُمْ، وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ، وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا حَدُّ التَّخْفِيفِ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ مَا يَحْتَمِلُ أَضْعَفُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَمَسُّهُمْ حَاجَةً مِنْ الْوُقُوفِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ فَلْيُصَلِّ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ؟ وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ الطَّيِّبِ -: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَحُمَيْدٍ كِلَاهُمَا «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَمَامٍ، كَانَتْ صَلَاتُهُ مُتَقَارِبَةً، وَصَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ مُتَقَارِبَةً، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ مَدَّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: قُلْت لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: مَا لَكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَخَفِّ النَّاسِ صَلَاةً؟ قَالَ: نُبَادِرُ الْوَسْوَاسَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إذَا كُنْت إمَامًا فَخَفِّفْ الصَّلَاةَ، فَإِنَّ فِي النَّاسِ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمُعْتَلَّ وَذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّيْت وَحْدَك فَطَوِّلْ مَا بَدَا لَك.

مسألة الفرض في كل ركعة أن يقرأ (بأم القرآن)

وَأَبْرِدْ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؟ وَعَنْ طَلْحَةَ التَّخْفِيفُ أَيْضًا، وَعَنْ عَمَّارٍ كَذَلِكَ؟ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِهِ، وَيُقَصِّرُ عِنْدَ النَّاسِ، وَيَحُضُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ شَاةً عَزُوزًا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ لَبَنِهَا حَتَّى أُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، أُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَعَنْ عَلْقَمَةَ: لَوْ أُمِرَ بِذَبْحِ شَاةٍ فَأَخَذَ فِي سَلْخِهَا لَصَلَّيْت الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي تَمَامٍ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا وَأَمَّا الْحَدُّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي التَّطْوِيلِ فَهُوَ: أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ بِالْأَمْسِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَقْتُ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ. وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ. وَوَقْتُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.» فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَإِنَّمَا يُصَلِّي بَاقِيَهَا فِي وَقْتِ الْأُخْرَى، وَفِي وَقْتٍ لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ أَصْلًا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ «التَّفْرِيطَ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» . فَصَحَّ أَنَّ لَهُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ مَا شَاءَ، كَمَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلَّا تَطْوِيلًا مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ، وَلَيْسَ إلَّا أَنْ يُطِيلَ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ التَّالِيَةُ لَهَا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ . [مَسْأَلَةٌ الْفَرْضَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَنْ يَقْرَأَ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) ] 445 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ قُلْنَا: إنَّ الْفَرْضَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَنْ يَقْرَأَ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ قُرْآنًا فَحَسَنٌ، قَلَّ أَمْ كَثُرَ، أَيُّ صَلَاةٍ كَانَتْ مِنْ فَرْضٍ

أَوْ غَيْرِ فَرْضٍ، لَا نُحَاشِ شَيْئًا. إلَّا أَنَّنَا نَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مَعَ (أُمِّ الْقُرْآنِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ سِتِّينَ آيَةً إلَى مِائَةِ آيَةٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ. وَفِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " نَحْوَ ثَلَاثِينَ آيَةً كَذَلِكَ، وَفِي الْآخِرَتَيْنِ مِنْهَا مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً. وَفِي الْأُولَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ كَالْآخِرَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَفِي الْآخِرَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ (أُمَّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ. وَفِي الْمَغْرِبِ نَحْوَ الْعَصْرِ، وَلَوْ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ أَوْ (الْمَائِدَةِ) أَوْ (الطُّورِ) أَوْ (الْمُرْسَلَاتِ) فَحَسَنٌ. وَفِي الْعَتَمَةِ فِي الْأُولَتَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِ (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ ". وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ. وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ (سُورَةَ الْجُمُعَةِ) وَفِي الثَّانِيَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ مَرَّةً (سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ) وَمَرَّةً (سُورَةَ الْغَاشِيَةِ) . وَلَوْ قَرَأَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: سُورَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَحَسَنٌ. وَلَوْ قَدَّمَ السُّورَةَ قَبْلَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " كَرِهْنَا ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ. وَمَنْ أَرَادَ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَطْوِيلَ صَلَاةٍ ثُمَّ أَحَسَّ بِعُذْرٍ مِمَّنْ خَلْفَهُ فَلْيُوجِزْ فِي مَدِّهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا آدَم - ثِنَا شُعْبَةُ ثِنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ هُوَ أَبُو الْمِنْهَالِ - قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي بَرْزَةَ فَسَأَلْنَاهُ فَأَخْبَرَنَا «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ

جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ زَاذَانَ - عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ هُوَ أَبُو بِشْرٍ الْعَنْبَرِيُّ - عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ هُوَ بَكْرُ بْنُ عَمْرٍو النَّاجِي - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ. وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ» ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَمَّالُ ثِنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ - الْأُخْرَيَيْنِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ» ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا؟ ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ وَاَللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إنَّهَا لَأَخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عَمْرُو النَّاقِدُ ثِنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثِنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، «وَأَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ قَالَتْ ثُمَّ مَا صَلَّى بَعْدُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟» . فَهَذَا آخِرُ صَلَاةِ مَغْرِبٍ صَلَّاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَآخِرُ عَمَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَأَيْنَ الْمُدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ عَمَلَهُ وَآخِرَ عَمَلِهِ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ أَبِيهِ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِنَا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثِنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ - ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ «مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قُلْت: مَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: الْأَعْرَافُ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجِ: وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ؟ فَقَالَ لِي مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: الْمَائِدَةُ (وَالْأَعْرَافُ) . فَهَذَا زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُنْكِرُ عَلَى أَمِيرِ الْمَدِينَةِ الِاقْتِصَارَ عَلَى صِغَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الْمَغْرِبِ وَيَخُصُّهُ عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِرَاءَةِ الْأَعْرَافِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثِنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ

أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «صَلَّى مُعَاذٌ لِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ، فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا فَصَلَّى، فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ، فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ " بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا "، وَ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى) وَ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى) » . قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ قَرَأَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَيْضًا أَمَّهُمْ فِي الصُّبْحِ بِآلِ عِمْرَانَ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ يُوسُفَ ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ " إذَا زُلْزِلَتْ " وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى الصُّبْحَ بِذِي الْحُلَيْفَةَ فَقَالَ:

سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَقَرَأَ " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " " وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَكَانَ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ؟ وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي الظُّهْرِ (ق) ، وَالذَّارِيَاتِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الظُّهْرِ كهيعص وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ: أَأَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ إمَامُك، اقْرَأْ مِنْهُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قَلِيلٌ؟ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ " سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى " " وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " وَيُسْمِعُنَا النَّغْمَةَ أَحْيَانًا؟ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ يس؟ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعَ «أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ، فَوَجَدْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الْمَغْرِبِ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةَ مَرْيَمَ وَفِي الثَّانِيَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» . وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا يَأْخُذُ: الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثِنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَوْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِبِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ» .

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَلَّى الصُّبْحَ بِالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ مِائَةَ آيَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بَاقِيَ السُّورَةِ. وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَقَدْ غَزَوْنَا غَزْوَةً إلَى خُرَاسَانَ مَعَنَا فِيهَا ثَلَاثُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُصَلِّي بِنَا، فَيَقْرَأُ بِالْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ ثُمَّ يَرْكَعُ؟ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجِ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ آيَاتٍ مِنْ بَعْضِ السُّورَةِ، مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ مِنْ وَسَطِهَا أَوْ مِنْ آخِرِهَا، قَالَ عَطَاءٌ: لَا يَضُرُّك، كُلُّهُ قُرْآنٌ؟ وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ سُورَةَ الدُّخَانِ وَالطُّورِ وَسُورَةَ الْجِنِّ وَيَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهَا آخِرَ الْبَقَرَةِ وَآخِرَ آلِ عِمْرَانَ وَالسُّورَةَ الْقَصِيرَةَ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّهُ قَرَأَ فِي إحْدَى رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ " أُمَّ الْقُرْآنِ " وَآيَةً. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوُ هَذَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ أَحْيَانًا يَقْرَأُ بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ " " وَلِإِيلَافِ قُرَيْشٍ " جَمَعَهُمَا. وَمِثْلُ هَذَا عَنْ طَاوُسٍ، وَالرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ؟

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: ثِنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ -: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: ثِنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ وَ (هَلْ أَتَى) » . وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ -: وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ثِنَا عَمْرُو النَّاقِدُ ثِنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيم هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - أَنَا ابْنُ جُرَيْجِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فِي كُلِّ الصَّلَاةِ يَقْرَأُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنْ لَمْ أَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: إنْ زِدْت عَلَيْهَا فَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ انْتَهَيْت إلَيْهَا أَجْزَأَتْ عَنْك. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبَ ثِنَا سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «صَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ. قَالَ ابْنُ أَبِي رَافِعٍ فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ -: إنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنِّي سَمِعْتُ

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا عَمْرُو النَّاقِدُ ثِنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَسْأَلُهُ " أَيُّ شَيْءٍ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْجُمُعَةِ سِوَى سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ: " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثِنَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ - عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ " بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) » وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يَلْتَزِمُ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا سُورَةً بِعَيْنِهَا، أَوْ سُوَرًا بِعَيْنِهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: كَرِهَ السُّنَّةَ، وَخَالَفَ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ مَنْ كَرِهَ شَيْئًا مِمَّا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهُ؟ وَأَمَّا تَقْدِيمُ السُّورَةِ قَبْلَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فَلَمْ يَأْتِ أَمْرٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ، لَكِنَّ عَمَلَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ تَقْدِيمُ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فَكَرِهْنَا خِلَافَ هَذَا، وَلَمْ نُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] . وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُشَنِّعُ هَذَا وَيُجِيزُ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ، وَتَنْكِيسَ الطَّوَافِ وَتَنْكِيسَ الْأَذَانِ. وَأَمَّا مَنْ بَدَأَ الصَّلَاةَ يُرِيدُ تَطْوِيلَهَا فَأَحَسَّ بِعُذْرٍ مِنْ بَعْضِ مَنْ خَلْفَهُ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ: ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُوسَى الْفَرَّاءُ ثِنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - ثِنَا الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ

مسألة الجهر في الصلاة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» . [مَسْأَلَةٌ الْجَهْرُ فِي الصَّلَاة] 446 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ فِي رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَالْأُولَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَالْأُولَتَيْنِ مِنْ الْعَتَمَةِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَالْإِسْرَارُ فِي الظُّهْرِ كُلِّهَا، وَفِي الْعَصْرِ كُلِّهَا، وَفِي الثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَفِي الْآخِرَتَيْنِ مِنْ الْعَتَمَةِ، فَإِنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ كَرِهْنَاهُ، وَأَجْزَأَهُ؟ . وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْإِسْرَارُ بِ " أُمِّ الْقُرْآنِ " فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ جَهَرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجْهَرُ فِيهِ، وَالْإِسْرَارُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسِرُّ فِيهِ إنَّمَا هُمَا فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَا أَمْرًا مِنْهُ، وَأَفْعَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الِائْتِسَاءِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْإِمَامُ، وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ كَحُكْمِ الْإِمَامِ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ الْحَجَّاجِ يَعْنِي الصَّوَّافَ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِنَا، فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِ " فَاتِحَةِ الْكِتَابِ " وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» .

فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْهَرُ بِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَلَمِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثِنَا هَاشِمُ بْنُ الْبَرِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ فَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثِنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ ثِنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ هُوَ عَلِيُّ بْنُ دَاوُد النَّاجِي - قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا، وَ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) يُعْلِنُ فِيهِمَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُصَلِّي بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَرُبَّمَا سَمِعْنَا مِنْ قِرَاءَتِهِ {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فَهَذَا فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَسٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ فِي نَفْسِهِ فَأَسْمَعَ نَفْسَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ؟ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ جَهَرَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، فَمَضَى فِي جَهْرِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: إنِّي كَرِهْت أَنْ أُخْفِيَ الْقُرْآنَ بَعْدَمَا جَهَرْت بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مِنْهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا الْجَهْرَ فِي الْعَصْرِ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافَتُ بِهِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ

الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْهَرَانِ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ فَلَا يَسْجُدَانِ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: ثِنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ كِلَاهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: " صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ " قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا كَرِهْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الْجَهْرُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْإِسْرَارُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسِرُّ فِيهِ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ مَا أُبِيحَ تَعَمُّدُ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ فَلَا سَهْوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ، وَإِنَّمَا السَّهْوُ الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ فِيمَا لَوْ فَعَلَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، مِنْ تَرْكٍ أَوْ فِعْلٍ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ كَرِهْنَاهُ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ نَقُولُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فَالْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ سَوَاءٌ، أَوْ يَكُونَ مَحْظُورًا، فَالْقَلِيلُ مِنْهُ وَالْكَثِيرُ سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِلَّ قَلِيلَ مَا حُرِّمَ كَثِيرُهُ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا: فَيَسْأَلُ عَنْ حَدِّ الْكَثِيرِ الْمُوجِبِ لِسُجُودِ السَّهْوِ مِنْ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُوجِبُهُ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى تَحْدِيدِهِ إلَّا بِتَحَكُّمٍ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَعْجِزُ عَنْ مِثْلِهِ أَحَدٌ وَمِنْ الْمُحَالِ إيجَابُ حُكْمٍ فِيمَا لَا يَبِينُ مِقْدَارُهُ الْمُوجِبُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ؟ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَسَرَّ الْإِمَامُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ أَوْ جَهَرَ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ، وَالصَّلَاةُ تَامَّةٌ. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ

مسألة تطويل الركعة الأولى من كل صلاة أكثر من الركعة الثانية منها

الْمُنْفَرِدُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ، [وَالصَّلَاةُ تَامَّةٌ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ] . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: إبَاحَتُهُ تَعَمُّدَ ذَلِكَ وَلَا سُجُودَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَامِدِ، وَإِيجَابُهُ السُّجُودَ عَلَى السَّاهِي، وَهُوَ لَمْ يَسْهُ إلَّا عَمَّا أُبِيحَ لَهُ - عِنْدَهُ - تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ، فَأَيُّ سُجُودٍ فِي هَذَا؟ وَالثَّانِي: تَفْرِيقُهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ وَلَا نَعْرِفُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلَ مَالِكٍ هَهُنَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَقَدْ خَالَفَا فِي ذَلِكَ كُلَّ رِوَايَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ جَهَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» . وَفِي الْحَدِيثِ: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» . فَمَنْ لَمْ يُنْصِتْ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَجَهَرَ فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يُصَلِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَةٌ تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ أَكْثَرَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا] 447 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ أَكْثَرَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» ؟

مسألة يضع المصلي يده اليمنى على كوع يده اليسرى في الصلاة

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ ثِنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِمَاعَةَ ثِنَا الْأَوْزَاعِيِّ ثِنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى» ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا -: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ - قَالَ الْأُولَى مِنْ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا الطِّوَالُ فِي الْقِرَاءَةِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يُطَوِّلَ الْإِمَامُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَكْثُرَ النَّاسُ، فَإِذَا صَلَّيْت لِنَفْسِي فَإِنِّي أَحْرِصُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ الْأُولَتَيْنِ وَالْآخِرَتَيْنِ سَوَاءً [مَسْأَلَةٌ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ] 448 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، فِي وُقُوفِهِ كُلِّهِ فِيهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا عَفَّانَ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - ثِنَا هَمَّامٌ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ ثِنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثِنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا

مسألة لا يكبر الإمام حتى يستوي من وراءه

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «رَآنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَضَعْتُ شِمَالِي عَلَى يَمِينِي فِي الصَّلَاةِ فَأَخَذَ بِيَمِينِي فَوَضَعَهَا عَلَى شِمَالِي» . وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ كَانَ إذَا طَوَّلَ قِيَامَهُ فِي الصَّلَاةِ يُمْسِكُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ذِرَاعَهُ الْيُسْرَى فِي أَصْلِ الْكَفِّ إلَّا أَنْ يُسَوِّيَ ثَوْبًا أَوْ يَحُكَّ جِلْدًا؟ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: ثَلَاثٌ مِنْ النُّبُوَّةِ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ، وَزَادَ: تَحْتَ السُّرَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ ". قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا رَاجِعٌ فِي أَقَلِّ أَحْوَالِهِ إلَى فِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْنَدًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ثُمَّ وَصَفَ: أَنَّهُ كَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى وَجْهِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ» . وَرُوِّينَا فِعْلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد؟ [مَسْأَلَةٌ لَا يُكَبِّر الْإِمَامُ حَتَّى يَسْتَوِيَ مَنْ وَرَاءَهُ] 449 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يُكَبِّرَ الْإِمَامُ إلَّا حَتَّى يَسْتَوِيَ كُلُّ مَنْ وَرَاءَهُ فِي صَفٍّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ صَفٍّ، فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ الْمُقِيمُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " فَلْيُكَبِّرْ الْإِمَامُ؟ وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إجَازَةَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: ثِنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَقَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ، فَلَمْ نَزَلَ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا؟» حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا الدَّبَرِيُّ ثِنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ «أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيُكَلِّمُ الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَاجَةِ تَكُونُ لَهُ، يَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ يَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَأَيْضًا - «فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَأْمُومِينَ وَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» يَعْنِي الْإِمَامَ -: مُبْطِلٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُتِمَّ الْمُقِيمُ الْإِقَامَةَ لَمْ يُمْكِنْ الْمُقِيمُ أَنْ يُكَبِّرَ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يَأْمُرُ بِخِلَافِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُكَبِّرَ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَبْعَثُ رِجَالًا يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ فَإِذَا جَاءُوهُ كَبَّرَ وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِجَالٌ قَدْ وَكَّلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهَا قَدْ اسْتَوَتْ فَيُكَبِّرُ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ قَلِيلًا؟

وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نَحْوَ هَذَا؟ . فَهَذَا فِعْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِجْمَاعُهُمْ مَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَرُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ قَالَ: أَذَّنَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْمَنَارِ وَأَقَامَ فِي الْمَنَارِ، ثُمَّ نَزَلَ فَأَمَّنَا. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ «أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ مُؤَذِّنًا لِلْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ بِالْبَحْرَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: لِتَنْتَظِرَنِّي بِآمِينَ أَوْ لَا أُؤَذِّنُ لَك. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتِجَاجُهُمْ بِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ مِنْ التَّمْوِيهِ فِي الدِّينِ وَإِقْدَامٌ عَلَى الْفَضِيحَةِ بِالتَّدْلِيسِ عَلَى مَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ وَدَلِيلٌ عَلَى قِلَّةِ الْوَرَعِ جُمْلَةً، لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَصْلًا بَلْ يَرَوْنَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: 79] إلَى آخِرِ الْكَلَامِ الْمَرْوِيِّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ " أُمَّ الْقُرْآنِ " وَبِالضَّرُورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرُونَ أَنَّ الْمُقِيمَ إذَا قَالَ: " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " فَكَبَّرَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْمُقِيمِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". فَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُشْكِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يُتِمُّ قِرَاءَةَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقِيمُ قَوْلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " ثُمَّ يُكَبِّرَ. فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُكَبِّرُ إذَا قَالَ الْمُقِيمُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ". بَلْ لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ مَعَ ابْتِدَاءِ الْمُقِيمِ الْإِقَامَةَ لَمَا أَتَمَّ " أُمَّ الْقُرْآنِ " أَصْلًا إلَّا بَعْدَ إتْمَامِ الْمُقِيمِ الْإِقَامَةَ، وَبَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ، فَكَيْفَ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ؟

مسألة ويستحب لكل مصل إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله

فَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَحْيُوا مِنْ التَّمْوِيهِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ بِمِثْلِ هَذَا الضَّعْفِ؟ فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ بِلَالٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ؟ قُلْنَا: مَعْنَاهُ بَيِّنٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ " آمِينَ " قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ " آمِينَ " فَإِنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، فَأَرَادَ بِلَالٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَمَهَّلَ فِي قَوْلِ " آمِينَ " فَيَجْتَمِعَ مَعَهُ فِي قَوْلِهَا، رَجَاءً لِمُوَافَقَةِ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ الْعَلَاءِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ؟ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ فَرُّوخَ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ بِلَالٌ إذَا قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّكْبِيرِ» . قَالَ الْبَزَّارُ: لَمْ يَرْوِ هَذَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ وَرَوَوْا نَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَانِ أَثَرَانِ مَكْذُوبَانِ؟ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرُّوخَ، وَهُوَ مُتَّفِقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ فَمِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِمَا؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا نَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعْظُمُ الْبَلْوَى بِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ مَا خَفِيَ عَلَى سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ قَبِلُوا فِيهِ خَبَرًا وَاهِيًا، وَتَرَكُوا لَهُ الْآثَارَ الثَّابِتَةَ [مَسْأَلَةٌ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ] 450 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ النَّارِ؟ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

مسألة إذا قال المصلي سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد

بَشَّارٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ «عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ صَلَّى إلَى جَنْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً، فَكَانَ إذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ وَقَفَ فَدَعَا، وَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَرَّتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] فَقَالَتْ: رَبِّ مُنَّ عَلَيَّ وَقِنِي عَذَابَ السَّمُومِ؟ وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ: عَنْ السُّدِّيَّ وَمِسْعَرٍ قَالَ السُّدِّيَّ: عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَرَأَ فِي صَلَاةٍ " سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى؟ وَقَالَ مِسْعَرٌ: عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَرَأَ فِي الْجُمُعَةِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40] قَالَ: اللَّهُمَّ بَلَى وَإِذَا قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى؟ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ قَرَأَ {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا؟ وَعَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا قَرَأَ {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58] {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] قَالَ: بَلْ أَنْتَ رَبِّ [مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ المصلي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ] 451 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا قَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ " أَنْ يَقُولَ " مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ " فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ " أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلّنَا لَك عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ " فَحَسَنٌ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ: فَحَسَنٌ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي ثِنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثِنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» . حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا عَبَّاسٌ ثِنَا ابْنُ أَيْمَنَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثِنَا أَبِي ثِنَا وَكِيعٌ ثِنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُزَنِيّ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو بَكْرٍ ثِنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ثِنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ ثِنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ - وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ - اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» .

مسألة من طول ركوعه وسجوده ووقوفه في رفعه من الركوع

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثِنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ وَأَحَادِيثُ مُتَوَاتِرَةٌ، وَرِوَايَاتٌ مُتَنَاصِرَةٌ وَلَا يَسَعُ أَحَدًا الرَّغْبَةُ عَنْهَا؟ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ عُثْمَانَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثِنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثِنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: " اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ قَدْرَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ نَأْخُذُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ مِنْ طَوَّلَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَوُقُوفَهُ فِي رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ] 452 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَوَّلَ الْإِنْسَانُ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَوُقُوفَهُ فِي رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، حَتَّى يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مُسَاوِيًا لِوُقُوفِهِ مُدَّةَ قِرَاءَتِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَحَسَنٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

مسألة: تحسين الركوع

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلٍ بْنُ الْحُسَيْنِ الْجَحْدَرِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ «رَمَقْتُ الصَّلَاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ فَسَجْدَتَهُ فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَسَجْدَتَهُ فَجِلْسَتَهُ وَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ ثِنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ ثِنَا حَمَّادٌ أَنَا ثَابِتٌ «عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ خَلْفَ أَحَدٍ أَوْجَزَ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَمَامٍ، كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَقَارِبَةً، وَكَانَتْ صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ مُتَقَارِبَةً، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَدَّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ» . وَفَعَلَهُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثِنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ «عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِنَا، قَالَ ثَابِتٌ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يُوَضِّحُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي عَمَلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُطِيلُ الْقِيَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَكَانُوا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْمَعِيبُ هُوَ مَنْ عَابَ عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَوَّلَ عَلَى مَا لَا حُجَّةَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ: تَحْسِينُ الرُّكُوعِ] 453 - مَسْأَلَةٌ: وَتَحْسِينُ الرُّكُوعِ هُوَ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ إذَا رَكَعَ وَلَا يُمِيلَهُ، لَكِنْ مُعْتَدِلًا مَعَ ظَهْرِهِ، وَأَمَّا فِي السُّجُودِ فَيُقَنْطِرُ ظَهْرَهُ جِدًّا مَا أَمْكَنَهُ، وَيُفَرِّجُ ذِرَاعَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ،

الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر ثِنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ هُرْمُزٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثِنَا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ» . وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قُلْت لِعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ إذَا رَكَعْت أَنْصِبُ فِي رُكُوعِي؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ اعْتَدِلْ حَتَّى تَسْتَوِيَ أَطْبَاقُ صُلْبِك، قُلْت: إذَا سَجَدْت أَسْجُدُ عَلَى مِرْفَقَيَّ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ جَافِيهِمَا. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ الْقَصَّابِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا رَكَعُوا أَنْ لَا يُقَنِّعُوا وَلَا يُصَوِّبُوا. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شِهَابٍ الْبَارِقِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا سَجَدَ خَوَى

مسألة يستحب لكل مصل إذا رفع رأسه من السجدة الثانية أن يجلس متمكنا

كَمَا يَخْوِي الْبَعِيرُ الضَّامِرُ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: رَأَيْت مَسْرُوقًا سَاجِدًا كَأَنَّهُ أَحْدَبُ؟ وَعَنْ الْحَسَنِ: يَرْكَعُ الرَّجُلُ غَيْرَ شَاخِصٍ وَلَا مُنَكِّسٍ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَنِّعَ أَوْ يُصَوِّبَ فِي الرُّكُوعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ - فَلَوْ كَانَ لَهَا حُكْمٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَبْدُو مِنْهَا فِي هَذَا الْعَمَلِ هُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهَا فِي خِلَافِهِ، وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعْتَصِمُ؟ [مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَجْلِسَ مُتَمَكِّنًا] 454 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَجْلِسَ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ يَقُومَ مِنْ ذَلِكَ الْجُلُوسِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيُّ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» . وَهُوَ عَمَلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ «ثِنَا أَبُو سُلَيْمَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا قَالَ: إنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ مَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أُرِيكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: كَانَ يُصَلِّي مِثْلَ صَلَاةِ شَيْخِنَا هَذَا، يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ إمَامَكُمْ، وَذَكَر أَنَّهُ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَعَدَ ثُمَّ قَامَ» . قَالَ عَلِيٌّ: عَمْرٌو هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ، وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، فَهُوَ عَمَلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مَعَهُمْ؟ وَرُوِّينَا - عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد؟ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ عَمَلَ صَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؟ فَإِنْ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ - الَّذِي نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْجُلُوسُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ تُذْكَرُ جَمِيعُ السُّنَنِ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو حُمَيْدٍ فَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَمَنْ أَقْحَمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى أَبِي حُمَيْدٍ، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَذَكَرَ أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ -: وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَهُ، فَقَالَ: لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَذَكَرَ أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْعَلُهُ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ خَالَفُوا حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ نَصًّا، كَمَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَرَوْهُ حُجَّةً فِيمَا فِيهِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ السُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ؟ فَهَلَّا قَالُوا: كَمَا لَا يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ إلَّا مِنْ قُعُودٍ فَكَذَلِكَ لَا يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ

مسألة في الصلاة أربع جلسات

إلَّا مِنْ قُعُودٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَا السُّنَنَ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَةٌ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعُ جَلْسَاتٍ] 455 - مَسْأَلَةٌ: فَفِي الصَّلَاةِ أَرْبَعُ جَلْسَاتٍ: جِلْسَةٌ بَيْنَ كُلِّ سَجْدَتَيْنِ، وَجَلْسَةٌ إثْرَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ، وَجَلْسَةٌ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، يَقُومُ مِنْهَا إلَى الثَّالِثَةِ فِي الْمَغْرِبِ، وَالْحَاضِرُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَجِلْسَةٌ لِلتَّشَهُّدِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ، يُسَلِّمُ فِي آخِرِهَا. وَصِفَةُ جَمِيعِ الْجُلُوسِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَهُ الْيُسْرَى عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى مُفْتَرِشًا لِقَدَمِهِ، وَيَنْصِبُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، رَافِعًا لِعَقِبِهَا، مُجْلِسًا لَهَا عَلَى بَاطِنِ أَصَابِعِهَا، إلَّا الْجُلُوسَ الَّذِي يَلِي السَّلَامَ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنَّ صِفَتَهُ: أَنْ يُفْضِيَ بِمَقَاعِدِهِ إلَى مَا هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَقْعُدَ عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ فَقَطْ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا ابْنُ السُّلَيْمِ ثِنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا مُسَدَّدٌ ثِنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا بِأُذُنَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى» ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ جُلُوسٍ فِي الصَّلَاةِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ

ثنا الْبُخَارِيُّ ثِنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر ثِنَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ «مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: سَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَسَمِعَ يَزِيدَ بْنَ حَلْحَلَةَ وَابْنَ حَلْحَلَةَ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ فِي مَثْنَى فَيُجْلِسُ عَلَى الْيُسْرَى رِجْلَيْهِ، يَتَبَطَّنُهَا جَالِسًا عَلَيْهَا، وَيُقْعِي عَلَى أَصَابِعِ يُمْنَاهُ ثَانِيَهَا وَرَاءَهُ؟ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْجُلُوسُ كُلُّهُ - لَا نُحَاشِ شَيْئًا - مُفْتَرِشًا بِأَلْيَتِهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى؟ وَقَالَ مَالِكٌ: الْجُلُوسُ كُلُّهُ - لَا نُحَاشِ شَيْئًا - مُفْضِيًا بِمَقَاعِدِهِ إلَى الْأَرْضِ قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَخِلَافٌ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَا؟ وَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُ الطَّائِفَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ الْمَذْكُورِ فِي إسْقَاطِ الْجَلْسَةِ إثْرَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لَهَا أَصْلًا، لَا بِإِثْبَاتٍ وَلَا بِإِسْقَاطٍ، ثُمَّ يُخَالِفُونَ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ فِي نَصِّ مَا فِيهِ مِنْ صِفَةِ الْجُلُوسِ وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا

وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُعْتَرِضِينَ بِالْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا بِأَنَّ الْعَطَّافَ بْنَ خَالِدٍ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا التَّقْسِيمُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا اعْتِرَاضُ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ؛ لِأَنَّ عَطَّافَ بْنَ خَالِدٍ سَاقِطٌ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ إلَّا عَلَى بَيَانِ ضَعْفِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ شَهِدَ الْأَمْرَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ فَهَذَا خَطَأٌ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ. إنَّمَا رَوَاهُ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، أَوْ عَيَّاشٌ - هَكَذَا بِالشَّكِّ. وَرَوَاهُ أَيْضًا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ -: وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ أَيْضًا - عَلَى عِلَّاتِهِمَا - مُوَافَقَتَانِ لِرِوَايَتَيْ أَبِي حُمَيْدٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: إنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ فَذَكَرَ فِيهِ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ شَهِدَ الْمَجْلِسَ وَأَبُو قَتَادَةَ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ عَلِيٌّ: وَاَلَّذِي ذُكِرَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ مِنْ أَحَادِيثِ السَّمُرِيِّينَ وَالرَّوَافِضِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِمِثْلِ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الثِّقَاتِ.

مسألة على كل مصل أن يضع إذا سجد يديه على الأرض قبل ركبتيه

وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا ذَكَرَ أَبَا قَتَادَةَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَلَعَلَّهُ وَهِمَ فِيهِ، فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَضَعَ إذَا سَجَدَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ] 456 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَضَعَ - إذَا سَجَدَ - يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَلَا بُدَّ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِنَا أَبُو دَاوُد ثِنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثِنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» . فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثِنَا الْعَلَاءُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ثِنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا انْحَطَّ لِلسُّجُودِ سَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ» .

مسألة لكل مصل إماما كان أو مأموما رجلا كان أو امرأة أن يسلم تسليمتين

قُلْنَا: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ: سَبْقُ الرُّكْبَتَيْنِ الْيَدَيْنِ فَقَطْ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّبْقُ فِي حَرَكَتِهِمَا لَا فِي وَضْعِهِمَا، فَيُتَّفَقُ الْخَبَرَانِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ بَيَانُ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ، لَكَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ فِي إبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ، وَلَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَارِدًا بِشَرْعٍ زَائِدٌ رَافِعٍ لِلْإِبَاحَةِ السَّالِفَةِ بِلَا شَكٍّ، نَاهِيَةٍ عَنْهَا بِيَقِينٍ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الْيَقِينِ لِظَنٍّ كَاذِبٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ وَرُكْبَتَا الْبَعِيرِ: هِيَ فِي ذِرَاعَيْهِ [مَسْأَلَةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةٍ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ] 457 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فِي فَرْضٍ كَانَ أَوْ نَافِلَةٍ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةٍ -: أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَطْ: إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ، يَقُولُ فِي كِلْتَيْهِمَا " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " لَا يَنْوِي بِشَيْءٍ مِنْهُمَا سَلَامًا عَلَى إنْسَانٍ لَا عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ، وَلَا رَدًّا عَلَى الْإِمَامِ، وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ لَكِنْ يَنْوِي بِالْأُولَى - وَهِيَ الْفَرْضُ - الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَالثَّانِيَةُ: سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، لَا يَأْثَمُ تَارِكُهَا؟ أَمَّا وُجُوبُ فَرْضِ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ؟ وَأَمَّا التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ التَّمِيمِيِّ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ

- قَالَ إِسْحَاقُ: ثِنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثِنَا ابْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ الْفَضْلُ وَيَحْيَى، وَمُعَاذٌ: ثِنَا زُهَيْرٌ هُوَ أَبُو مُعَاوِيَةَ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ، وَرَفْعٍ، وَقِيَامٍ، وَقُعُودٍ، وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَفْعَلَانِهِ» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ؟ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، «قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، عَنْ يَمِينِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، عَنْ يَسَارِهِ» وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ» بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ مُتَوَاتِرَةٍ مُتَظَاهِرَةٍ وَهُوَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " وَعَنْ يَسَارِهِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ "؟ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: كَانَ مَسْجِدُ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُ الْمُهَاجِرِينَ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ الصَّلَاةِ تَسْلِيمَتَيْنِ؟ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَمَّارٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: مِنْ أَكَابِرِ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُوَ فِعْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَخَيْثَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَنْ أَدْرَكُوا مِنْ الصَّحَابَةِ وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيِّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَالْفَذُّ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ تَسْلِيمَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ الَّذِي عَلَى يَسَارِهِ غَيْرُهُ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ، الثَّالِثَةُ رَدٌّ عَلَى الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي

ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفَرِّجَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَوْ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ وَالثَّابِتُ عَنْ سَعْدٍ تَسْلِيمَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَهِيَ زِيَادَةُ عَدْلٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ مَنْ رَوَى تَسْلِيمَتَيْنِ قَدْ زَادَ حُكْمًا وَعِلْمًا عَلَى مَنْ لَمْ يَرْوِ إلَّا وَاحِدَةً، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ

تَرْكُهَا، وَهِيَ زِيَادَةُ خَيْرٍ؟ وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا فَرْضًا كَمَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: فَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ إنَّمَا هِيَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَتْ أَمْرًا مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَمْرُهُ لَا فِعْلُهُ؟ وَتَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ سَلَامِ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ -: قَوْلٌ لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَيْهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلٍ لِصَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ؟ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ التَّسْلِيمَ خُرُوجٌ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَطْ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ سَلَامٍ وَلَا رَدًّا، لِبُرْهَانَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ اللَّهَ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ وَالتَّسْلِيمُ الْمَقْصُودُ بِهِ الِابْتِدَاءُ أَوْ الرَّدُّ: كَلَامٌ مَعَ النَّاسِ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ لَا يَحِلُّ، بَلْ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ إنْ وَقَعَ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْفَذَّ يَقُولُ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إنْسَانٌ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ لَا يَكُونُ مَعَهُ إلَّا الْوَاحِدُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " بِخِطَابِ الْجَمَاعَةِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ ابْتِدَاءَ سَلَامٍ عَلَى إنْسَانٍ وَلَا رَدًّا؟ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٌ قَالَا: ثِنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» ؟

مسألة ونستحب إذا أكمل المصلي التشهد في كلتا الجلستين أن يصلي على رسول الله

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثِنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مِسْعَرٍ ثِنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ابْنُ الْقِبْطِيَّةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ» قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيمَتَيْنِ كَمَا تَرَى؟ وَأَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ فِي أَنَّ السَّلَامَ مِنْ الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً: سَلَامٌ عَلَى مَنْ مَعَهُ، فَإِنَّ هَذَا بِلَا شَكٍّ كَانَ ثُمَّ نُسِخَ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْخَبَرِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، فَأُمِرُوا بِالسُّكُونِ فِيهَا، وَأَنَّ هَذَا كَانَ إذْ كَانَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ التَّسْلِيمُ، الَّذِي هُوَ التَّحْلِيلُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَةٌ وَنَسْتَحِبُّ إذَا أَكْمَلَ المصلي التَّشَهُّدَ فِي كِلْتَا الْجِلْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ] 458 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ إذَا أَكْمَلَ التَّشَهُّدَ فِي كِلْتَا الْجِلْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولَ: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ "؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الَّذِي أَرَى النِّدَاءَ لِلصَّلَاةِ - أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ

قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثِنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثِنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثِنَا رَوْحٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ أَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ " أَنَّهُمْ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» ؟ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثِنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَك هَدِيَّةً؟ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» قَالَ عَلِيٌّ: جَمَعَنَا قَبْلَ جَمِيعِ أَلْفَاظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُصَلِّي عَلَى بَعْضِ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْلًا كَرِهْنَا ذَلِكَ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ

إلَّا أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَا فِي خَبَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي دَهْرِهِ، لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَالْمَرْءُ إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مَرَّةً فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْأَمْرُ بِتَرْدِيدِ ذَلِكَ مَقَادِيرَ مَعْلُومَةً، أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا وَمَنْ قَالَ: إنَّ تَكْرَارَ مَا أُمِرَ بِهِ يَلْزَمُ -: كَانَ كَلَامُهُ بَاطِلًا، لِأَنَّهُ يُكَلَّفُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا حَدَّ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا لَأَدَّى إلَى بُطْلَانِ كُلِّ شُغْلٍ، وَبُطْلَانِ سَائِرِ الْأَوَامِرِ، وَهَذَا هُوَ الْإِصْرُ وَالْحَرَجُ اللَّذَانِ قَدْ آمَنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمَا وَإِنَّمَا كَرِهْنَا تَرْكَهُ، لِأَنَّهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ لَا يَزْهَدُ فِيهِ إلَّا مَحْرُومٌ وَصَحَّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا» ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ، وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ فَرْضٌ. قَالَ: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُمِرْنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَأَنْ نُسَلِّمَ، فَأَمَّا السَّلَامُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَعَلَّمَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ " وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُمْ: «وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ» قَالُوا: فَالصَّلَاةُ فَرْضٌ حَيْثُ السَّلَامُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ حَيْثُ يَكُونُ السَّلَامُ: لَكَانَ مَا قَالُوهُ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَحْكُمَ بِمَا لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَيَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ يُقَنِّت لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، وَشَارِعًا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ عَلِيٌّ: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الصِّيَامَ فَرْضٌ فِي الِاعْتِكَافِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الِاعْتِكَافَ مَعَ ذِكْرِهِ لِلصَّوْمِ -: أَنْ يَجْعَلَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ

صَلَاةٍ فَرْضًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَعَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: حَدِيثَ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي هَانِئٍ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْجَنْبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ (اللَّهَ) وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " عَجَّلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ رَجُلًا يُصَلِّي فَمَجَّدَ اللَّهَ تَعَالَى وَحَمِدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُدْعُ تُجَبْ، وَسَلْ تُعْطَ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذَا إيجَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا قَالَ لَهُ " عَجَّلْت " فَلَيْسَ مَنْ عَجَّلَ فِي صَلَاتِهِ بِمُبْطِلٍ لَهَا، بَلْ كَانَ يَقُولُ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، لَكِنْ فِي هَذَا الْخَبَرِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَقَطْ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الَّذِي فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: آمِينَ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقَدْ غَمَزَ غَمْزًا شَدِيدًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي اسْمِهِ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ إيجَابُ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا مَتَى ذُكِرَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْصِيصُ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي أُسَيْدَ؟

مسألة والقنوت فعل حسن بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَازِمٌ لِمَنْ رَأَى تَقْلِيدَ الصَّاحِبِ، لَا لَنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَةٌ وَالْقُنُوتُ فِعْلٌ حَسَنٌ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ] 459 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقُنُوتُ فِعْلٌ حَسَنٌ، بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ - الصُّبْحِ وَغَيْرِ الصُّبْحِ، وَفِي الْوِتْرِ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت، تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت " وَيَدْعُو لِمَنْ شَاءَ، وَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ إنْ أَحَبَّ - فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَاَلَّذِي ذَكَرْنَا؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثِنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ قَالَا: ثِنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ» حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثِنَا أَبُو مَعْمَرٍ ثِنَا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " وَاَللَّهِ إنِّي لَأَقْرَبُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، بَعْدَمَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ؟ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»

حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثِنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَابُلِيُّ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً إلَّا قَنَتَ فِيهَا» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ سُئِلَ: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ» قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ قَوْلِنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقُنُوتِ: أَقْبَلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ قُلْنَا: إنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ أَنَسٌ عَنْ أُمَرَاءِ عَصْرِهِ، لَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سُئِلَ عَنْ بَعْضِ أُمُورِ الْحَجِّ فَأَخْبَرَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: أَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُك - وَهَذَا مِنْ أَنَسٍ: إمَّا تَقِيَّةٌ، وَإِمَّا رَأْيٌ مِنْهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا عَمَّنْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا الْعَوَّامُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ؟ فَقَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ،

فَقُلْت: عَمَّنْ؟ قَالَ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَرَوَى أَيْضًا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَقَدْ شَاهَدَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فَدَعَا عَلَى أُنَاسٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَاةِ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْقُنُوتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْهُدَى، أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَمُعَاوِيَةُ، وَمَعَهُمْ أُبَيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْقُنُوتِ كَمَا رُوِّينَا «عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْنُتْ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَخَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَخَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَخَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ، يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ» وَعَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ قَالَا: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ زَمَانًا فَلَمْ يَقْنُتْ

وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ؟ فَقَالَ: مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ؟ وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَمْ يَقْنُتْ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: قَالَ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: هَلْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مِنْ أَيْنَ أَخَذَ النَّاسُ الْقُنُوتَ؟ وَيَعْجَبُ: إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَّامًا ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى اللَّيْثِيُّ، وَبَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ: لَا يَرَيَانِ الْقُنُوتَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى أَهْلُ مَسْجِدَيْهِمَا بِقُرْطُبَةَ إلَى الْآنَ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: بِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْنُتُوا فَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ عَنْ الْقُنُوتِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّهُمْ قَنَتُوا، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، قَنَتُوا وَتَرَكُوا، فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ، وَالْقُنُوتُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَفِعْلُهُ حَسَنٌ، وَتَرْكُهُ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ فَرْضًا، وَلَكِنَّهُ فَضْلٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُ وَالِدِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ: إنَّهُ بِدْعَةٌ - فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَمَنْ عَرَفَهُ أَثْبَتُ فِيهِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَالْحُجَّةُ فِيمَنْ عَلِمَ، لَا فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ كُرْهُهُ، وَلَا أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ، وَإِنَّمَا جَاءَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ فَقَطْ، وَهَذَا مُبَاحٌ، وَقَدْ قَنَتَ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ كَمَا لَمْ يَعْرِفْ الْمَسْحَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ عَرَفَهُ؟ وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَجَهِلَ الْقُنُوتَ وَرَآهُ مَنْسُوخًا، كَمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا:

أَنَّ كَوْنَ زَكَاةِ الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ: تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ: مُسِنَّةٌ - مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ زَكَاتَهَا كَزَكَاةِ الْإِبِلِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي نَسْخِ الْقُنُوتِ حُجَّةً، فَهُوَ حُجَّةٌ فِي نَسْخِ زَكَاةِ الْبَقَرِ فِي ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ حُجَّةٌ فَلَيْسَ هُوَ هَهُنَا حُجَّةً؟ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِمْ هَهُنَا خِلَافَ ابْنِ عُمَرَ، وَخِلَافَ سَالِمٍ ابْنِهِ، وَخِلَافَ الزُّهْرِيِّ، وَهُمَا عَالِمَا أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ بِقَوْلِ سَالِمٍ: أَحْدَثَهُ النَّاسُ، وَهُوَ يَرَى حُجَّةَ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَعَدَلَ النَّاسُ مُدَّيْنِ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ وَقَالُوا: لَوْ كَانَ الْقُنُوتُ سُنَّةً مَا خَفِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ؟ فَقُلْنَا: قَدْ خَفِيَ وَضْعُ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَثَبَتَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّطْبِيقِ إلَى أَنْ مَاتَ، وَخَفِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ حُجَّةً، فَمَا بَالُ خَفَاءِ الْقُنُوتِ عَنْهُمَا صَارَ حُجَّةً؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَتَلَاعُبٌ بِالدِّينِ، مَعَ أَنَّ الْقُنُوتَ مُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى، لِأَنَّهُ سُكُوتٌ مُتَّصِلٌ بِالْقِيَامِ مِنْ الرُّكُوعِ، لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ سَأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ فَرْضًا فَيَعْلَمُهُ النَّاسُ وَلَا بُدَّ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَرَفَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ؟ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الدَّلِيلُ عَلَى نَسْخِ الْقُنُوتِ مَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَلْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا، دَعَا عَلَى نَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] »

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا حُجَّةٌ فِي إثْبَاتِ الْقُنُوتِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْهُ، فَهَذَا حُجَّةٌ فِي بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ جَهِلَ الْقُنُوتَ، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا أَنْكَرَ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، فَهُوَ مَوْضِعُ إنْكَارٍ، وَتَتَّفِقُ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ، فَهُوَ أَوْلَى، لِئَلَّا يَجْعَلَ كَلَامَهُ خِلَافًا لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْأَمْرَ لَهُ، لَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ أُولَئِكَ الْمَلْعُونِينَ لَعَلَّهُ تَعَالَى يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، أَوْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ: أَنَّهُمْ سَيُؤْمِنُونَ فَقَطْ؟ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْقُنُوتَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ؟ : وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُجَالِدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ قَالَا " مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، إلَّا إذَا حَارَبَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهِنَّ، وَلَا قَنَتَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، وَلَا عُثْمَانُ، حَتَّى مَاتُوا، وَلَا قَنَتَ عَلِيٌّ حَتَّى حَارَبَ أَهْلَ الشَّامِ، فَكَانَ يَقْنُتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهِنَّ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَقْنُتُ أَيْضًا، يَدْعُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ " قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَفِيهِ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ: أَنَّهُمْ لَمْ يَقْنُتُوا وَقَدْ صَحَّ عَنْهُمْ بِأَثْبَتَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْنُتُونَ وَالْمُثْبِتُ الْعَالِمُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ أَوْ نَقُولُ: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَكِلَاهُمَا مُبَاحٌ؟ وَفِيهِ - لَوْ انْسَنَدَ - إثْبَاتُ الْقُنُوتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ؟ وَعَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ فِي غَيْرِ حَالِ الْمُحَارَبَةِ، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا - لَوْ ثَبَتَ - وَنَحْنُ غَانُونَ عَنْهُ بِالثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ؟

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ فَقَالُوا: لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، إلَّا فِي الْوِتْرِ، فَإِنَّهُ يَقْنُتُ فِيهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ: السَّنَةَ كُلَّهَا، فَمَنْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِيهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؟ وَأَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ كُلِّهَا إلَّا فِي الصُّبْحِ خَاصَّةً وَقَالَ مَالِكٌ: قَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَلَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ خَاصَّةً بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَمَا وَجَدْنَاهُ كَمَا هُوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - نَعْنِي النَّهْيَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ حَاشَا الْوِتْرِ فَإِنَّهُ يُقْنَتُ فِيهِ، وَعَلَى مَنْ تَرَكَهُ سُجُودُ السَّهْوِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَخْصِيصِهِ الصُّبْحَ خَاصَّةً بِالْقُنُوتِ، مَا وَجَدْنَاهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ؟ وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؟ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، مَعَ تَشْنِيعِهِمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ بَعْضَ الرِّوَايَةِ عَنْ صَاحِبٍ لِسُنَّةٍ صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؟ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: مَا كُنْت لِأُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ لَا يَقْنُتُ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَعَنْ اللَّيْثِ كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ جُمْلَةً؟ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ وَعَنْ أَشْهَبَ: تَرْكُ الْقُنُوتِ جُمْلَةً؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَثَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ ابْنِ أَبْزَى؟

قَالَ عَلِيٌّ: وَعُزْرَةُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَبِأَثَرٍ آخَرَ فِي الْوِتْرِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قِيلَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا ذَكَرْنَا؟ وَمَنْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَأْتِ بِالْمُخْتَارِ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى؟ وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ قَالَا: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ السَّعْدِيُّ - قَالَ: «قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ - قَالَ ابْنُ جَوَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» قَالَ عَلِيٌّ: الْقُنُوتُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَاءٌ، فَنَحْنُ نُحِبُّهُ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ فَلَمْ نَجِدْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الرَّأْيِ، قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَقُولُ؟ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقُنُوتُ بِغَيْرِ هَذَا وَالْمُسْنَدُ أَحَبُّ إلَيْنَا؟ فَإِنْ قِيلَ: لَا يَقُولُهُ عُمَرُ إلَّا وَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

قُلْنَا لَهُمْ: الْمَقْطُوعُ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى مِنْ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالظَّنِّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَ ظَنًّا، فَأَدْخِلُوا فِي حَدِيثِكُمْ أَنَّهُ مُسْنَدٌ، فَقُولُوا: عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ فَعَلْتُمْ كَذَبْتُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ حَقَّقْتُمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَوْلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] وَأَمَّا تَسْمِيَةُ مَنْ يُدْعَى لَهُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ - ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ، وَرِعْلًا، وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الرَّازِيّ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا، إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ، فَقُلْت: أَرَى رَسُولَ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ؟ فَقِيلَ: وَمَا تَرَاهُمْ قَدِمُوا» قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا تَرَكَ الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدِمُوا قَالَ عَلِيٌّ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: احْمِلُوا حَوَائِجَكُمْ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ؟ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ مَكَّةَ مَا مِنْ صَلَاةٍ أَدْعُو فِيهَا بِحَاجَتِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: اُدْعُ فِي الْفَرِيضَةِ بِمَا شِئْت؟ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي سُجُودِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؟ وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَدَاوُد، وَغَيْرُهُمْ وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ: أَنْ لَا يُدْعَى فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَعَنْ عَطَاءٍ: مَنْ دَعَا فِي صَلَاتِهِ لِإِنْسَانٍ سِمَاهُ بِاسْمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ: لَا يُدْعَى فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا فِي الْقُرْآنِ؟ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ مَنْ سَمَّى فِي صَلَاتِهِ إنْسَانًا يَدْعُو لَهُ بِاسْمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، ثُمَّ زَادَ غُلُوًّا فَقَالَ: مِنْ عَطَسَ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَحَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا يُدْعَى فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا يُشْبِهُ مَا فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافٌ لِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ دَعَا لِقَوْمٍ سِمَاهُمْ وَعَلَى قَوْمٍ سِمَاهُمْ، وَمَا نَهَى قَطُّ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ؟ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ أَنْ يُكَلِّمَ الْمُصَلِّي

مسألة يشير المصلي إذا جلس للتشهد بأصبعه ولا يحركها

أَحَدًا مِنْ النَّاسِ؟ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا فَالْقِرَاءَةُ كَلَامُ النَّاسِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ سَاجِدًا، وَأَمَرَ بِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ؟ فَصَحَّ بُطْلَانُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ؟ وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَلْيَدْعُ بِهِ» وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ: ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - [مَسْأَلَةٌ يُشِيرَ الْمُصَلِّي إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُحَرِّكَهَا] 460 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُشِيرَ الْمُصَلِّي إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُحَرِّكَهَا وَيَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَعْبَثُ بِالْحَصَى فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي وَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ «إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» [مَسْأَلَةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ فِي التَّكْبِيرِ مَعَ ابْتِدَائِهِ لِلِانْحِدَارِ لِلرُّكُوعِ] 461 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ فِي التَّكْبِيرِ مَعَ ابْتِدَائِهِ لِلِانْحِدَارِ لِلرُّكُوعِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ لِلِانْحِدَارِ لِلسُّجُودِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ لِلرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ، وَمَعَ ابْتِدَائِهِ لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ لِقَوْلِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " مَعَ ابْتِدَائِهِ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُطِيلَ التَّكْبِيرَ، بَلْ يُسْرِعَ فِيهِ، فَلَا يَرْكَعُ وَلَا يَسْجُدُ وَلَا يَقُومُ وَلَا يَقْعُدُ إلَّا وَقَدْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ حَدَّثَنَا حَمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ

مسألة كل حدث ينقض الطهارة بعمد أو نسيان ينقض الصلاة

الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُصَلِّي فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، وَحِينَ يَرْكَعُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ، وَإِذَا سَجَدَ بَعْدَمَا يَرْفَعُ مِنْ السُّجُودِ وَإِذَا جَلَسَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا زَالَتْ هَذِهِ صَلَاتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ -: أَمَّا عَلِيٌّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، فَمِنْ فِعْلِهِمَا وَعَنْ عِمْرَانَ مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ بِذَلِكَ، إلَّا فِي التَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَرَاهُ إلَّا إذَا اسْتَوَى قَائِمًا - وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا بِإِيجَابِ تَعْجِيلِ التَّكْبِيرِ لِلْإِمَامِ فَرْضًا: فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» فَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّكْبِيرَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ فَرْضًا إثْرَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ وَلَا بُدَّ، فَإِذَا مَدَّ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ فَكَبَّرُوا مَعَهُ وَقَبْلَ تَمَامِ تَكْبِيرِهِ، فَلَمْ يُكَبِّرُوا كَمَا أُمِرُوا، وَمَنْ لَمْ يُكَبِّرْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ صَلَاتَهُمْ، وَأَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعَدُوَّانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ كُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِعَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ] 462 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ حَدَثٍ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ - بِعَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ - فَإِنَّهُ مَتَى وُجِدَ بِغَلَبَةٍ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِنِسْيَانٍ فِي الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ لَهَا إلَى أَنْ يَتِمَّ سَلَامُهُ مِنْهَا -: فَهُوَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ مَعًا، وَيَلْزَمُهُ ابْتِدَاؤُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ

مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا، فِي فَرْضٍ كَانَ أَوْ فِي تَطَوُّعٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؟ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا: يَبْنِي بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَوْ نَامَ فِي صَلَاتِهِ فَاحْتَلَمَ فَإِنَّهُ يَغْتَسِلُ وَيَبْتَدِئُ وَلَا يَبْنِي، وَلَا نَدْرِي قَوْلَهُمْ فِيهِ إنْ كَانَ حُكْمُهُ التَّيَمُّمَ، فَإِنَّهُمْ إنْ كَانُوا رَاعُوا طُولَ الْعَمَلِ فِي الْغُسْلِ، فَلَيْسَ التَّيَمُّمُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحْدِثِ، وَالْجُنُبِ فِيهِ سَوَاءٌ وَقَالُوا: إنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بِغَلَبَةٍ وَهُوَ سَاجِدٌ -: فَإِنْ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ وَرَاءَهُ وَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُكَبِّرْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ وَرَاءَهُ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ أَوْ اسْتَخْلَفُوا قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَسْجِدِ: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَلَا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ؟ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلَيْهِمْ وَلَا اسْتَخْلَفُوا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ وَتَتِمُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ؟ فَإِنْ خَرَجَ فَأَخَذَ الْمَاءَ مِنْ خَابِيَةٍ بِإِنَاءٍ فَتَوَضَّأَ: رَجَعَ وَبَنَى -: فَإِنْ اسْتَقَى الْمَاءَ مِنْ بِئْرٍ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ تَكَلَّمَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ وَالتَّحَكُّمِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا دَلِيلٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُهَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُمْ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي إبْطَالِ الْبِنَاءِ وَإِثْبَاتِهِ قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْبِنَاءِ بِأَثَرَيْنِ ضَعِيفَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْمُطَّوِّعِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ رُشَيْدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ أَوْ قَلَسَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلِيَبْنِ عَلَى مَا صَلَّى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ»

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ رَعَفَ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا وَالثَّانِي - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ وَكِلَاهُمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، لَا سِيَّمَا فِيمَا رَوَى عَنْ الْحِجَازِيِّينَ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؟ وَأَثَرٌ سَاقِطٌ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ رِيَاحٍ الْبَصْرِيِّ - وَهُوَ سَاقِطٌ - عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَعَفَ فِي الصَّلَاةِ تَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ» وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فَقَاسُوا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِيهِمَا. وَلَمْ يَقِيسُوا الِاحْتِلَامَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَمَا جَاءَ قَطُّ أَثَرٌ - صَحِيحٌ وَلَا سَقِيمٌ - فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأَحْدَاثِ، كَالْبَوْلِ وَالرَّجِيعِ وَالرِّيحِ وَالْمَذْيِ؟ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ مَا صَلَّى فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا بِنَصٍّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ، وَلَوْلَا النَّصُّ الْوَارِدُ بِإِبْطَالِ مَا مَضَى مِنْهَا مَا أَبْطَلْنَاهُ وَلَكِنَّ الْبُرْهَانَ عَلَى بُطْلَانِ مَا صَلَّى: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ، فَإِذْ صَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّنْ أَحْدَثَ لَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، وَقَدْ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ وَبِالنَّصِّ: أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ إلَّا مُتَّصِلَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَجْزَائِهَا بِمَا لَيْسَ صَلَاةً: فَنَحْنُ نَسْأَلُ مَنْ يَرَى الْبِنَاءَ لِلْمُحْدِثِ فَنَقُولُ: أَخْبَرُونَا عَنْ الْمُحْدِثِ الَّذِي أَمَرْتُمُوهُ بِالْبِنَاءِ، مُذْ يُحْدِثُ فَيَخْرُجُ فَيَمْشِي فَيَأْخُذُ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ حَدَثَهُ أَوْ يَسْتَنْجِي فَيَتَوَضَّأُ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَنْ يَأْخُذَ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ، أَهُوَ عِنْدَكُمْ فِي صَلَاةٍ؟ أَمْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ فِي صَلَاةٍ أَكْذَبَهُمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»

وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يُعْتَدَّ لَهُ بِصَلَاةٍ قَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُهَا، فَصَحَّ أَنَّ عَمَلَ صَلَاتِهِ الَّذِي كَانَ قَبْلُ قَدْ انْقَطَعَ، وَأَمَّا أَجْرُهُ فَبَاقٍ لَهُ بِلَا شَكٍّ، إلَّا أَنَّهُ الْآنَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ بِلَا شَكٍّ، إذْ هُوَ فِي حَالٍ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهَا صَلَاةً؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، فَإِذْ هُوَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ مُتَّصِلَةً، لَا يَحُولُ بَيْنَ أَجْزَائِهَا - وَهُوَ ذَاكِرٌ قَاصِدًا - بِمَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِوَقْتٍ هُوَ فِيهِ فِي صَلَاةٍ، وَهَذَا بُرْهَانٌ لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ؟ وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَحْتَجَّ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَقْوَى مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ لَذَكَرْنَا مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ»

مسألة رعف المصلي في الصلاة

فَإِنْ ذَكَرُوا مَنْ بَنَى مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْمِسْوَرِ بْنَ مَخْرَمَةَ كَانَ إذَا رَعَفَ فِي الصَّلَاةِ يُعِيدُهَا وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا مَضَى؟ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ الصَّالِحُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ قَالَ - فِي الَّذِي يُحْدِثُ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ -: صَلِّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِك وَإِنْ تَكَلَّمْت. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: فِي الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالرِّيحِ: يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ، وَفِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ: يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ؟ وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، قَالَ: إنَّ صَلَاتَهُ لَمْ تَتِمَّ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ: أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَآخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ نَأْخُذُ [مَسْأَلَةٌ رَعَفَ المصلي فِي الصَّلَاةِ] 463 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ رَعَفَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِي صَلَاةٍ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسُدَّ أَنْفَهُ وَأَنْ يَدَعَ الدَّمَ يَقْطُرُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ لَهُ ثَوْبًا وَلَا شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِ جَسَدِهِ، فَعَلَ وَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الرُّعَافَ لَيْسَ حَدَثًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، فَإِذْ لَيْسَ حَدَثًا، وَلَا مَسَّ لَهُ الدَّمُ ثَوْبًا، وَلَا ظَاهِرَ جَسَدٍ فَلَمْ يَعْرِضْ فِي طَهَارَتِهِ، وَلَا فِي صَلَاتِهِ شَيْءٌ؟ فَإِنْ مَسَّ الدَّمُ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَأَمْكَنَهُ غَسْلُ ذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ الْقِبْلَةَ فَلْيَغْسِلْهُ

مسألة زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات

وَهُوَ مُتَمَادِي فِي صَلَاتِهِ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَسَوَاءٌ مَشَى إلَى الْمَاءِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ - أَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ وَاجْتِنَابَ الْمُحَرَّمَاتِ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ، فَهُوَ فِي مَشْيِهِ لِذَلِكَ وَفِي عَمَلِهِ لِذَلِكَ مُؤَدِّي فَرْضٍ، وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ فِيهَا مَا أُمِرَ بِأَدَائِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ، بَلْ صَلَّى كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ: صَلَّى كَمَا هُوَ، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ فَإِنْ تَعَمَّدَ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ لِذَلِكَ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قَاصِدًا إلَى ذَلِكَ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَصَابَهُ الرُّعَافُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا: قَطَعَ صَلَاتَهُ وَابْتَدَأَ، وَإِنْ أَصَابَهُ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا: فَلْيَخْرُجْ فَلْيَغْسِلْ الدَّمَ وَيَرْجِعْ فَيَبْنِي؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، لَا صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ [مَسْأَلَةٌ زُوحِمَ حَتَّى فَاتَهُ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ أَوْ رَكْعَةٌ أَوْ رَكَعَاتٌ] 464 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ زُوحِمَ حَتَّى فَاتَهُ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ أَوْ رَكْعَةٌ أَوْ رَكَعَاتٌ -: وَقَفَ كَمَا هُوَ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا فَاتَهُ فَعَلَ، ثُمَّ اتَّبَعَ الْإِمَامَ حَيْثُ يُدْرِكُهُ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِمُدَّةٍ - قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ - فَعَلَ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا؟ فَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً صَلَّاهَا وَأَضَافَهَا إلَى مَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَالْغَافِلُ سَهْوًا وَالْمَزْحُومُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا؟ فَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ مِمَّنْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَلَى رِجْلِهِ، فَلْيَفْعَلْ وَيُجْزِئُهُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَمَنْ صَحَّ لَهُ الْإِحْرَامُ فَمَا زَادَ فَقَدْ صَحَّ لَهُ عَمَلٌ مُفْتَرَضٌ أَدَاؤُهُ كَمَا أُمِرَ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إبْطَالِهِ

مسألة لم يمس بالماء مما أمر بغسله في وضوئه وغسله ولو مقدار شعرة

وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ وَلَا بِسُجُودٍ فَإِنَّهُ مَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ، إنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِصَلَاةِ مَا أَدْرَكَ الْمَرْءُ، وَأَنْ لَا يَسْبِقَ الْإِمَامَ بِرُكُوعٍ وَلَا بِسُجُودٍ، وَأَنَّهُ مَهْمَا فَاتَ الْمَأْمُومَ مِنْ رُكُوعٍ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكْعَةً أُولَى مِنْ ثَانِيَةٍ، وَلَا ثَالِثَةٍ وَلَا رَابِعَةٍ، وَأَمَرَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ؟ وَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ رُفِعَ عَنْ أُمَّتِهِ الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ - وَهَذَا يُوجِبُ يَقِينَ مَا قُلْنَا: مِنْ أَنْ يَأْتِيَ الْمَرْءُ بِصَلَاتِهِ حَسَبَ مَا يَسْتَطِيعُ وَمَا عَدَا هَذَا فَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ؟ [مَسْأَلَةٌ لَمْ يَمَسَّ بِالْمَاءِ مِمَّا أُمِرَ بِغَسْلِهِ فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَلَوْ مِقْدَارَ شَعْرَةٍ] 465 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَمَسَّ بِالْمَاءِ - فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ - وَلَوْ مِقْدَارَ شَعْرَةٍ مِمَّا أُمِرَ بِغَسْلِهِ فِي الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَهَذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ بَعْدُ، إذْ لَمْ يُكْمِلْ طَهَارَتَهُ كَمَا أُمِرَ [مَسْأَلَةٌ أَحَالَ الْقُرْآنَ مُتَعَمِّدًا] 466 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَحَالَ الْقُرْآنَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ؟

وَمَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَا فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا، وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ: فَلَا صَلَاةَ لَهُ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي صَلَاتِهِ: جَازَتْ صَلَاتُهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] فَصَحَّ أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُرْسِلْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا أَنْزَلَ بِهِ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَمْ يَقْرَأْ مَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، بَلْ لَعِبَ بِصَلَاتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إذْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَإِنْ ذَكَرُوا: قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، ذِكْرُ الْقُرْآنِ وَالْإِنْذَارُ بِهِ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاطِلٌ وَكَذِبٌ مِمَّنْ ادَّعَى ذَلِكَ؟ وَلَوْ كَانَ هَذَا مَا كَانَ فَضِيلَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُعْجِزَةً لَهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ (أُمَّ الْقُرْآنِ) صَلَّى كَمَا هُوَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَفِظَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ غَيْرَهَا لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَيَتَعَلَّمَ (أُمَّ الْقُرْآنِ) : لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]

سجود السهو

[سُجُودُ السَّهْوِ] [مَسْأَلَةٌ حُكْم مَا يَعْمَلُهُ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ سَهْوًا] ِ 467 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ سَهْوًا وَكَانَ - ذَلِكَ الْعَمَلُ مِمَّا لَوْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ -: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي السَّهْوِ سَجْدَتَا السَّهْوِ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُ رَأَى السَّهْوَ فِي تَرْكِ الْجِلْسَةِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا؟ وَقَالَ: مَنْ أَسْقَطَ شَيْئًا مِنْ صُلْبِ صَلَاتِهِ سَهْوًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؟ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا: لَا سُجُودَ سَهْوٍ إلَّا فِي مَوَاضِعَ، وَهِيَ -: مَنْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ مَشَى سَاهِيًا فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. أَوْ مَنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَمَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ أَوْ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رَكْعَةً فَمَا فَوْقَهَا سَاهِيًا فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا سُجُودَ سَهْوٍ إلَّا فِي عَشَرَةِ أَوْجُهٍ -: إمَّا قِيَامٌ مَكَانَ قُعُودٍ وَإِمَّا قُعُودٌ مَكَانَ قِيَامٍ - لِلْإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ وَإِمَّا سَلَامٌ قَبْلَ تَمَامِ الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ تَكْبِيرِ صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً لِلْإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ لِلْإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ التَّشَهُّدِ لِلْإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ أَوْ نِسْيَانُ (أُمِّ الْقُرْآنِ) لِلْإِمَامِ أَوْ الْفَذِّ

أَوْ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ لِلْإِمَامِ أَوْ لِلْفَذِّ أَوْ مَنْ جَهَرَ فِي قِرَاءَةِ سِرٍّ أَوْ أَسَرَّ فِي قِرَاءَةِ جَهْرٍ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً، فَقَطْ؟ قَالَ: فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَإِنْ نَسِيَ سَجْدَةً أَوْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: أَعَادَ الصَّلَاةَ؟ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً: سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَعَادَهَا. وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي سُجُودِهِ لِسَهْوٍ فَغَيْرُ مُنْضَبِطٍ، لِأَنَّهُ رَأَى فِيمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَصَاعِدًا غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ -: أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، أَوْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَعَادَهَا. وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ: أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؟ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ. وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَا سُجُودَ سَهْوٍ وَلَا غَيْرَهُ. وَرَأَى عَلَى مَنْ جَعَلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " مَكَانَ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " سُجُودَ السَّهْوِ. وَرَأَى عَلَى مَنْ جَهَرَ فِي قِرَاءَةِ سِرٍّ، أَوْ أَسَرَّ فِي قِرَاءَةِ جَهْرٍ، إنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَرَأَى فِيمَنْ سَهَا عَنْ قِرَاءَةِ (أُمِّ الْقُرْآنِ) فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاتِهِ فَصَاعِدًا: أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ. فَإِنْ سَهَا عَنْهَا فِي رَكْعَةٍ -: فَمَرَّةً رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ فَقَطْ وَمَرَّةً رَأَى عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَفْسَدُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ بِقُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ بَلْ لَا نَعْلَمُ

أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءً سَوَاءً، وَزِيَادَةُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي -: أَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ - تَكُونُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ - فَإِنَّ فِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؟ وَأَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِيهَا سِتَّ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؟ وَأَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ تَكُونُ رَكْعَتَيْنِ فَفِيهَا عَشْرُ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؟ فَتَسْوِيَتُهُمْ بَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ وَبَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَتَيْنِ، وَتَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَتَيْنِ، وَبَيْنَ مَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ -: أَحَدُ عَجَائِبِ الدُّنْيَا وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ -: إذْ رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ فِي تَرْكِ الْجِلْسَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَرْضًا وَلَمْ يَرَ سُجُودَ السَّهْوِ فِي تَرْكِ جَمِيعِ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ - حَاشَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ - وَلَا فِي الْعَمَلِ الْقَلِيلِ - الَّذِي تَفْسُدُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ بِكَثِيرِهِ وَلَمْ يَجِدْ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ السُّجُودَ حَدًّا يَفْصِلُهُ بِهِ مِمَّا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ بِتَعَمُّدِهِ، وَيَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فِي سَهْوِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ جِدًّا وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُهُ " صُلْبِ الصَّلَاةِ " وَمَا عَلِمَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ صُلْبًا وَلَا بَطْنًا وَلَا كَبِدًا وَلَا مَعْيًا وَمِثْلُ هَذَا قَدْ أَغْنَى ظَاهِرُ فَسَادِهِ عَنْ تَكَلُّفِ نَقْضِهِ وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا سُجُودَ سَهْوٍ إلَّا حَيْثُ سَجَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمَرَ بِسُجُودِهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا حَيْثُ ذَكَرْنَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، إلَّا أَنَّنَا قَدْ وَجَدْنَا خَبَرًا صَحِيحًا يُوجِبُ صِحَّةَ قَوْلِنَا وَجَعَلُوهُ مُعَارِضًا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، بَلْ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا تُسْتَعْمَلُ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ الْأَخْذُ بِالشَّرْعِ الزَّائِدِ الْوَارِدِ فِيهَا، لِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُهُ؟

قَالَ عَلِيٌّ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا هُوَ أَنَّ أَعْمَالَ الصَّلَاةِ قِسْمَانِ - بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ - لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا فَرْضٌ، يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ، وَإِمَّا غَيْرُ فَرْضٍ، فَلَا يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ؟ فَمَا كَانَ غَيْرَ فَرْضٍ فَهُوَ مُبَاحٌ فِعْلُهُ، وَمُبَاحٌ تَرْكُهُ؟ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ مَكْرُوهًا تَرْكُهُ. فَمَا كَانَ مُبَاحًا تَرْكُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ حُكْمًا فِي تَرْكِ أَمْرٍ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى تَرْكَهُ، فَيَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ شَارِعًا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَأَمَّا الْفَرْضُ - وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِالسَّهْوِ فِيهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . فَإِذْ الصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ بِالسَّهْوِ فِيهِ وَكَانَ سَهْوًا، فَفِيهِ سُجُودُ السَّهْوِ، إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بَعْضُهُ بِالسُّجُودِ دُونَ بَعْضٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَاءَ مَا قُلْنَا نَصًّا -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِمَّا زَادَ أَوْ نَقَصَ - شَكَّ إبْرَاهِيمُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْنَا لَهُ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ: إذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا شُعْبَةُ قَالَ: قَرَأْت عَلَى مَنْصُورٍ، وَسَمِعْته يُحَدِّثُ، وَكَتَبَ بِهِ إلَيَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ

مسألة ما عمله المرء في صلاته سهوا من كلام أو إنشاد شعر

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، إذَا أَوْهَمَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ مِنْ الصَّوَابِ ثُمَّ لِيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا فِي إيجَابِ السُّجُودِ فِي كُلِّ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فِي الصَّلَاةِ، وَكُلِّ وَهْمٍ، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَدَّى صَلَاتَهُ بِجَمِيعِ فَرَائِضِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ، وَلَا نَقَصَ مِنْهَا، وَلَا أَوْهَمَ فِيهَا، بَلْ قَدْ أَتَمَّهَا كَمَا أُمِرَ، وَإِنَّمَا الزَّائِدُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ النَّاقِصُ مِنْهَا، وَالْوَاهِمُ: مَنْ زَادَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا، أَوْ نَقَصَ مِنْهَا مَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْوَهْمِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: - كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَطَنٍ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: إذَا أَوْهَمَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْ الْوَهْمِ؟ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا وَهْمَ إلَّا فِي قُعُودٍ، أَوْ قِيَامٍ، أَوْ زِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ تَسْلِيمٍ فِي رَكْعَتَيْنِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ نَسِيَ رَكْعَةً مِنْ الْفَرِيضَةِ حَتَّى دَخَلَ فِي التَّطَوُّعِ، ثُمَّ ذَكَرَ، فَصَلَّى بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِأَنَسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ - قُلْت لِعَطَاءٍ: فَإِنْ اسْتَيْقَنْت أَنِّي صَلَّيْت خَمْسَ رَكَعَاتٍ؟ قَالَ: فَلَا تُعِدْ وَلَوْ صَلَّيْت عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إذَا زِدْت أَوْ نَقَصْت: فَاسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ [مَسْأَلَةٌ مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ سَهْوًا مِنْ كَلَامٍ أَوْ إنْشَادِ شَعْرٍ] ؟ 468 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ مَا عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي صَلَاتِهِ سَهْوًا مِنْ كَلَامٍ أَوْ إنْشَادِ شَعْرٍ، أَوْ مَشْيٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ، أَوْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَمَلِ أَيِّ عَمَلٍ كَانَ، أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ، أَوْ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكَعَاتٍ، أَوْ خُرُوجٍ إلَى تَطَوُّعٍ - كَثُرَ ذَلِكَ أَوْ قَلَّ - أَوْ تَسْلِيمٍ قَبْلَ تَمَامِهَا، فَإِنَّهُ مَتَى ذَكَرَ - طَالَ زَمَانُهُ أَوْ قَصُرَ، مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ -: فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَا تَرَكَ فَقَطْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، إلَّا انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مُتَّصِلَةً بِهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ سَلَّمَ مِنْهَا سَاهِيًا: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ أَكَلَ سَاهِيًا - أَوْ زَادَ رَكْعَةً، وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ - فَإِنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ بِغَلَبَةٍ: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ عَطَسَ فَقَالَ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " مُحَرِّكًا بِهَا لِسَانَهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ وَالْقُبْحِ - مَعَ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ - مَا نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ مِنْ مِثْلِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي قِلَابَةَ وَأَنَا أَسْمَعُ: حَدَّثَكُمْ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ حَدَّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى إمَامُ مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ: سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ فَعَطَسَ رَجُلٌ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا كُلُّهُمْ يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا وَيَصْعَدُ بِهَا إلَى السَّمَاءِ»

فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ غَبَطَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ جَاهِرًا بِذَلِكَ، وَلَمْ يُلْزِمْ الَّذِي تَكَلَّمَ نَاسِيًا بِإِعَادَةٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا خَلَا مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، فَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِكَثِيرِهِ وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِقَلِيلِهِ، أَوْ رَأَى سُجُودَ السَّهْوِ فِي كَثِيرِهِ وَلَمْ يَرَهُ فِي قَلِيلِهِ، أَوْ حَدَّ الْكَثِيرَ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَالْقَلِيلَ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُ -: فَكَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَنَسْأَلُهُمْ: عَمَّنْ رَمَى نَزْقًا لِنَسْجٍ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامِدًا فِي الصَّلَاةِ. أَوْ أَخَذَ حَبَّةَ سِمْسِمَةٍ عَمْدًا ذَاكِرًا فَأَكَلَهَا. أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ذَاكِرًا. فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ قَلِيلَ هَذَا وَكَثِيرَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. فَنَسْأَلُهُمْ: عَمَّنْ كَثُرَ حَكُّهُ لِجَسَدِهِ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ كِسَاءٌ فَلُوتٌ فَاضْطُرَّ إلَى جَمْعِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا. فَمِنْ قَوْلِهِمْ: هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ فِي الصَّلَاةِ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، فَهَاتُوا نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا - غَيْرَ مُدَّعًى بِلَا عِلْمٍ - عَلَى أَنَّ هَهُنَا أَعْمَالًا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَثِيرُهَا وَلَا يُبْطِلُهَا قَلِيلُهَا. ثُمَّ هَاتُو نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا -: غَيْرَ مُدَّعًى بِالْكَذِبِ عَلَى تَحْدِيدِ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ أَبَدًا؟ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أُبِيحَ فِي الصَّلَاةِ بِالنَّصِّ -: فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ مُبَاحٌ فِيهَا، وَكُلُّ عَمَلٍ لَمْ يُبَحْ بِالنَّصِّ فِي الصَّلَاةِ: فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِالْعَمْدِ، وَيُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ إذَا كَانَ سَهْوًا. وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَسْجِدِ فَرُبَّ مَسْجِدٍ يَكُونُ طُولُهُ أَزِيدَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ خُطْوَةٍ

مسألة سها الإمام فسجد للسهو

وَرُبَّ مَسْجِدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. «وَقَدْ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاهِيًا وَتَكَلَّمَ وَرَاجَعَ وَخَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ وَدَخَلَ بَيْتَهُ ثُمَّ عَرَفَ فَخَرَجَ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ سَجْدَتَيْنِ فَقَطْ» . وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وَبِهَذَا يَبْطُلُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ " لِكُلِّ سَهْوٍ فِي الصَّلَاةِ سَجْدَتَانِ ". وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَنْ تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ إعَادَتُهَا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ -: فَقَوْلَانِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؟ وَأَوَّلُ ذَلِكَ -: أَنَّهُمَا قَوْلَانِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْفَرْقُ بَيْنَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ وَبَيْنَ قِصَرِهَا بِنَصٍّ صَحِيحٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ غَيْرِ مُدَّعًى بِالْكَذِبِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ؟ وَالْحَقُّ فِي هَذَا: هُوَ أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَقَدْ لَزِمَهُ أَدَاءُ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ رَأْيُ ذِي رَأْيٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبَدًا، وَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ إلَّا تَحْدِيدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الْعَمَلَ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الْآخِرِ؟ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْمٍ أَتَوْا إلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ، وَبِالصِّيَامِ فِي وَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ - فَقَالُوا: لَا يَسْقُطُ عَمَلُهُمَا؟ وَإِنْ بَطَلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقْتًا لَهُمَا وَلَمْ يَجْعَلْ مَا عَدَا ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقْتًا لَهُمَا ثُمَّ أَتَوْا إلَى سُجُودِ السَّهْوِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إصْلَاحًا لِمَا وُهِمَ فِيهِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ، وَأَطْلَقَ بِالْأَمْرِ بِهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ -: فَأَبْطَلُوهُ بِوَقْتٍ حَدُّوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ سَهَا الْإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ] 469 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ: فَفَرْضٌ عَلَى الْمُؤْتَمِّينَ أَنْ يَسْجُدُوا مَعَهُ، إلَّا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَهُ رَكْعَةٌ فَصَاعِدًا، فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَتَمَّهُ سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَهُمَا مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ، ثُمَّ لَا يُعِيدُ سُجُودَهُمَا إذَا - سَلَّمَ؟

مسألة سها المأموم ولم يسه الإمام

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا فَسَجَدَ وَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ» ؟ وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ فَصَاعِدًا: فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا سَلَّمَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقَضَاءُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا: «فَأَتِمُّوا» فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الْإِتْمَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَوْصُولًا بِمَا أَدْرَكَ، فَلَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ بَعْدُ، وَالسُّجُودُ لِلسَّهْوِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ تَمَامِهَا، بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا؟ وَأَمَّا إذَا سَجَدَهُمَا الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ بِهِ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ لِلْمَأْمُومِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالسُّجُودِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ سَهَا الْمَأْمُومُ وَلَمْ يَسْهُ الْإِمَامُ] 470 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا سَهَا الْمَأْمُومُ وَلَمْ يَسْهُ الْإِمَامُ فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، كَمَا كَانَ يَسْجُدُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا وَلَا فَرْقَ؟ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا كُلَّ مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلَاتِهِ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ إمَامًا وَلَا مُنْفَرِدًا مِنْ مَأْمُومٍ، فَلَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ السَّهْوَ عَنْ الْمَأْمُومِ -: فَقَدْ أَبْطَلَ، وَقَالَ مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ، وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَذْكُورَ بِرَأْيِهِ، وَلَا خِلَافَ مِنَّا وَمِنْهُمْ فِي أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ أَحْدَثَ - سَهْوًا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ عَمْدًا - فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهُ سَائِرَ مَا سَهَا فِيهِ مِنْ فَرْضٍ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَبِهِ نَأْخُذُ؟ [مَسْأَلَةٌ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ] 471 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَجْزَأَتَا عَنْهُ وَنَكْرَهُ ذَلِكَ؟ . بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِمَّا حَدَّثَنَاهُ عَبِدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ

مسألة الأفضل أن يكبر لكل سجدة من سجدتي السهو ويتشهد بعدهما

ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا جَمِيعًا: ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيَّ هُوَ الْبَارِقِيُّ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» . قَالَ عَلِيٌّ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةٌ غَيْرَ مَثْنَى، إلَّا مَا سِمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً وَهُوَ غَيْرُ مَثْنَى: كَالْفُرُوضِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعُ أَرْبَعُ، وَكَالْوِتْرِ وَكَالصَّلَاةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا تَسْلِيمَ بَيْنَهُنَّ، وَصَلَاةِ الْجَنَائِزِ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَيْسَ صَلَاةً، وَلَمْ يُسَمِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَجْدَتَيْ السَّهْوِ: صَلَاةً. وَلَا وُضُوءٌ يَجِبُ لَازِمًا إلَّا لِصَلَاةٍ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنُ عَبَّادِ بْنُ جَبَلَةَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى حَاجَتَهُ مِنْ الْخَلَاءِ فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعَامٌ فَأَكَلَ فَلَمْ يَمَسَّ مَاءً» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ -: وَزَادَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ: إنَّكَ لَمْ تَتَوَضَّأْ؟ قَالَ: مَا أَرَدْت صَلَاةً فَأَتَوَضَّأُ» قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْته مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ [مَسْأَلَةٌ الْأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ لِكُلِّ سَجْدَةٍ مِنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَتَشَهَّدَ بَعْدَهُمَا] 472 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ لِكُلِّ سَجْدَةٍ مِنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَيَتَشَهَّدَ بَعْدَهُمَا وَيُسَلِّمَ مِنْهُمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّجْدَتَيْنِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى السَّجْدَتَيْنِ فَقَطْ، فَلِمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ: بِسَجْدَتَيْنِ، وَلَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ؟ وَأَمَّا اخْتِيَارُنَا التَّكْبِيرَ لَهُمَا وَالتَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ -: فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ ثنا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، الظُّهْرَ قَالَ أَوْ الْعَصْرَ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا، إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، ثُمَّ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ وَهُمْ يَقُولُونَ: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ، فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ يُسَمِّيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ؟ - قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ: أَيْ نَعَمْ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَقَامِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ» . فَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: سَلَّمَ فِي السَّهْوِ؟ قَالَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نُبِّئْت أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ قَالَ: " ثُمَّ سَلَّمَ ". وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي أَشْعَثُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» .

مسألة سجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَعْمَالٌ لَا أَوَامِرُ، فَالِائْتِسَاءُ فِيهَا حَسَنٌ؟ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قِرَاءَةٌ، وَلَا رُكُوعٌ، وَلَا تَشَهُّدٌ. وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمَا لَا يَتَشَهَّدَانِ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ. وَعَنْ الْحَسَنِ: لَيْسَ فِيهِمَا تَسْلِيمٌ -: قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا بُدَّ لَهُ فِيهِمَا مِنْ أَنْ يَقُولَ " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ سُجُودٍ؟ . [مَسْأَلَةٌ سُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ] 473 - مَسْأَلَةٌ: وَسُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ، فَإِنَّ السَّاهِيَ فِيهِمَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ شَاءَ قَبْلَ السَّلَامِ؟ أَحَدُهُمَا: مَنْ سَهَا فَقَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ وَيَتَشَهَّدْ، فَهَذَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْجُلُوسِ، فَإِنْ رَجَعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ذَاكِرٌ لِذَلِكَ -: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ سَهْوٌ يُوجِبُ السُّجُودَ، لَكِنْ يَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ فَإِذَا أَتَمَّ التَّشَهُّدَ الْآخِرَ فَإِنْ شَاءَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ؟ وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَدْرِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ تَكُونُ رَكْعَتَيْنِ أَصَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ؟ وَفِي كُلّ صَلَاةِ تَكُونُ ثَلَاثًا أَصَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ وَفِي كُلِّ صَلَاةٍ تَكُونُ أَرْبَعًا أَصَلَّى أَرْبَعًا أَمْ أَقَلَّ؟ فَهَذَا يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَيُصَلِّي أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ رَكَعَاتِ صَلَاتِهِ وَشَكَّ فِي الزِّيَادَةِ.

فَإِذَا تَشَهَّدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ. وَإِنْ أَيْقَنَ مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ جَلَسَ مِنْ حِينِهِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَا بُدَّ، ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَسَجَدَ أَنَّهُ زَادَ يَقِينًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَالسُّجُودُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: السُّجُودُ كُلُّهُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ كُلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَفِي النُّقْصَانِ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ عَلِيٌّ: تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَعْضِ الْآثَارِ وَتَرَكَ بَعْضًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الشَّافِعِيُّ وَزَادَ حُجَّةً نَظَرِيَّةً وَهِيَ: أَنَّهُ قَالَ: إنَّ جَبْرَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا فِيهِ لَا بَائِنًا عَنْهُ قَالَ عَلِيٌّ: وَالنَّظَرُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُعَارَضَ بِهِ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ بِأَنَّ جَبْرَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا فِيهِ لَا بَائِنًا عَنْهُ؟ وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ، وَالصِّيَامَ: يَكُونَانِ جَبْرًا لِمَا نَقَصَ مِنْ الْحَجِّ، وَهُمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْهُ وَأَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّدَقَةَ، أَوْ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ جَبْرٌ لِنَقْصِ وَطْءِ التَّعَمُّدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَبَعْضُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهِ، وَسَائِرُ ذَلِكَ يَجُوزُ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْآرَاءِ الْمُقْحَمَةِ فِي الدِّينِ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، فَرَأْيٌ مُجَرَّدٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِهِ بِسُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ وَهُوَ سَهْوُ زِيَادَةٍ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ ثنا الْفُضَيْلُ هُوَ ابْنُ عِيَاضٍ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ: «فَأَيُّكُمْ مَا نَسِيَ شَيْئًا فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ صَوَابٌ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ -: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ جِيَادٍ غَايَةً فَلَوْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُ هَذِهِ السُّنَّةِ لَمْ يَجُزْ سُجُودُ السَّهْوِ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ -: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ» . فَلَمْ يَرْجِعْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْجُلُوسِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي» -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ أَبُو الْعُمَيْسِ عُتْبَةُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ «صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَضَى، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ، فَكِلَاهُمَا الْأَخْذُ بِهِ سُنَّةٌ؟ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ: لَعَلَّ ابْنَ بُحَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ سَلَّمَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَعَلُّلٌ بِدَعْوَى الْكَذِبِ، وَإِسْقَاطُ السُّنَنِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالُ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَةُ - فَكَيْفَ الصَّاحِبُ -: لَعَلَّهُ وَهْمٌ، إلَّا بِيَقِينٍ وَارِدٍ بِأَنَّهُ وَهْمٌ، وَأَمَّا بِالظَّنِّ فَلَا. قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُسَلِّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاتِهِ وَلَا يُسَلِّمَ الْمُؤْتَمُّونَ بِسَلَامِهِ، وَأَنْ يُسَلِّمُوا كَمَا سَلَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَسْمَعَ ابْنُ بُحَيْنَةَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَدَّعِي هَذَا إلَّا قَلِيلُ الْحَيَاءِ، رَقِيقُ الدِّينِ مُسْتَهِينٌ بِالْكَذِبِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُد ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو خَالِدٍ هُوَ الْأَحْمَرُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ

أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُلْغِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِذَا اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلَاتِهِ، وَكَانَتْ السَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ مُرْسَلًا. فَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا، وَهَذَا هُوَ بَيَانُ التَّحَرِّي الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَفِي هَذَا بُطْلَانُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّى أَغْلَبَ ظَنِّهِ - مَعَ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ بِلَا بُرْهَانٍ؟ حَدَّثَنَا عَبِدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ - وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ خَمْسًا؟ فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ قِيلَ: صَلَّيْت خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ» . فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ صَلَّى خَمْسًا سَاهِيًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَلَسَ فِي آخِرِ الرَّابِعَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ، بَعِيدٌ عَنْ سَدَادِ الرَّأْيِ وَرُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شِبْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَمَضَى، فَلَمَّا سَلَّمَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ مَرَّتَيْنِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا أَبِي ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّهُ نَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحُوا لَهُ، فَاسْتَتَمَّ

مسألة أكره على السجود لوثن أو صليب

قَائِمًا، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حِينَ انْصَرَفَ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُمْ تَرَوْنِي أَجْلِسُ إنِّي صَنَعْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ» . وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَوَخَّ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ. فَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ التَّحَرِّيَ كَمَا قُلْنَاهُ؟ فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «التَّسْلِيمُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» ؟ قُلْنَا: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَهَذَا مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ لَوْ أُسْنِدَ لَمَا كَانَ مُعَارِضًا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ، بَلْ كَانَ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَنَّ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ تَسْلِيمًا مِنْهُمَا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ إيجَابَ سُجُودِ السَّهْوِ فِي التَّطَوُّعِ، وَعُمُومُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَوْهَمَ فِي صَلَاةٍ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ -: يَدْخُلُ فِيهِ التَّطَوُّعُ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ بِالظَّنِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِوَثَنٍ أَوْ صَلِيبٍ] 474 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِوَثَنٍ أَوْ لِصَلِيبٍ أَوْ لِإِنْسَانٍ وَخَشِيَ الضَّرْبَ أَوْ الْأَذَى أَوْ الْقَتْلَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ -: فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى قَبَالَةَ الصَّنَمِ، أَوْ الصَّلِيبِ، أَوْ الْإِنْسَانِ، وَلَا يُبَالِي إلَى الْقِبْلَةِ يَسْجُدُ أَوْ إلَى غَيْرِهَا؟ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِالسُّجُودِ لَهُ فِي الْقِبْلَةِ فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ وَإِلَّا فَلَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى إلَى كُلِّ جِهَةٍ عَمْدًا قَصْدًا لَمْ يَأْتِ مِنْهُ مَنْعٌ.

مسألة عجز عن القيام أو عن شيء من فروض صلاته

قَالَ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَالسُّجُودُ وَحْدَهُ لَيْسَ صَلَاةً، وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا طَهَارَةٍ، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلِلْحَائِضِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ ذَلِكَ فِيهِ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] . [مَسْأَلَةٌ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فُرُوضِ صَلَاتِهِ] 475 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فُرُوضِ صَلَاتِهِ -: أَدَّاهَا قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمُضْطَجِعًا بِإِيمَاءٍ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُجْزِئُهُ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ؟ وَيَكُونُ فِي اضْطِجَاعِهِ كَمَا يَقْدِرُ، إمَّا عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَإِمَّا عَلَى ظَهْرِهِ بِمِقْدَارِ مَا لَوْ قَامَ لَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ - كَمَا يَقْدِرُ - إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَدَحَ عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي كَمَا يَقْدِرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَأَمَرَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّدَاوِي؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَتْ الْأَعْرَابُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ» . فَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّ عَائِشَةَ نَهَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ

مسألة ابتدأ الصلاة مريضا مومئا أو قاعدا أو راكبا لخوف ثم أفاق أو أمن

قُلْنَا: كَمْ قِصَّةٍ لَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خَالَفْتُمُوهَا؟ حَيْثُ لَا يُعْلَمُ لَهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَحَيْثُ لَمْ تَأْتِ سُنَّةٌ بِخِلَافِهَا -: كَأَمْرِهَا الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إيجَابًا وَمَعَهَا فِي ذَلِكَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّه عَنْ جَمِيعِهِمْ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمَعَهَا السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ. وَكَإِمَامَتِهَا هِيَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: النِّسَاءَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا فِي مَكَان لَمْ يَحِلَّ فِي كُلِّ مَكَان، وَإِنْ كَانَ خِلَافُهَا لِلسُّنَّةِ مُبَاحًا فِي مَوْضِعٍ فَهُوَ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ [مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مَرِيضًا مُومِئًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ أَمِنَ] 476 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مَرِيضًا مُومِئًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا لِخَوْفٍ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ أَمِنَ -: قَامَ الْمُفِيقُ وَنَزَلَ الْآمِنُ، وَبَنَيَا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمَا، وَأَتَمَّا مَا بَقِيَ، وَصَلَاتُهُمَا تَامَّةٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَا مَضَى مِنْهَا أَقَلُّهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا التَّكْبِيرُ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا السَّلَامُ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ؟ . وَمَنْ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ صَحِيحًا قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا أَصَارَهُ إلَى الْقُعُودِ، أَوْ إلَى الْإِيمَاءِ، أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. أَوْ خَافَ فَاضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ وَالرَّكْضِ وَالدِّفَاعِ -: فَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، وَلْيُتِمَّ مَا بَقِيَ، كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؟» . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَزُفَرَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمِنَ بَعْدَ الْخَوْفِ فَنَزَلَ بَنَى وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ خَافَ بَعْدَ الْأَمْنِ فَرَكِبَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَتَفْرِيقٌ - عَلَى أَصْلِهِ - بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ.

مسألة اشتغل باله بشيء من أمور الدنيا في الصلاة

وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . وَقَدْ صَلَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ مَاشِيًا إلَى عَدُوِّهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا لِمَرَضٍ بِهِ ثُمَّ صَحَّ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَبْنِي، لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَفْتَتِحُهَا مُومِئًا لِمَرَضٍ بِهِ ثُمَّ يَصِحُّ فِيهَا، وَفِي الَّذِي يَفْتَتِحُهَا صَحِيحًا قَائِمًا ثُمَّ يَمْرَضُ فِيهَا مَرَضًا يَنْقُلُهُ إلَى الْقُعُودِ أَوْ إلَى الْإِيمَاءُ مُضْطَجِعًا. فَمَرَّةً قَالَ: يَبْنِي، وَمَرَّةً قَالَ: يَبْتَدِئُهَا وَلَا بُدَّ، وَسَوَاءٌ أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، أَوْ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَالتَّفْرِيقِ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا يُدْرَى كَيْفَ يَتَهَيَّأُ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ قَبُولُهُ مِنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] مِنْ الْخَالِقِ الَّذِي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ افْتَتَحَ صَحِيحًا قَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فَانْتَقَلَ إلَى الْإِيمَاءِ أَوْ إلَى الْجُلُوسِ، أَوْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ -: فَإِنَّ هَؤُلَاءِ - مَا لَمْ يَنْتَقِلْ حَالُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدُوا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ -: فَإِنَّهُمْ يَبْنُونَ. قَالَ: وَمَنْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا مُومِئًا ثُمَّ صَحَّ فِيهَا - قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ: - فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ وَلَا بُدَّ؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَنْ افْتَتَحَهَا مَرِيضًا قَاعِدًا، أَوْ مُومِئًا ثُمَّ صَحَّ فِيهَا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ وَلَا بُدَّ. وَمَنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَصَارَ إلَى الْقُعُودِ أَوْ إلَى الْإِيمَاءِ فَإِنَّهُ يَبْنِي؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِنُرِيَ أَهْلَ السُّنَّةِ مِقْدَارَ فِقْهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَعِلْمِهِمْ [مَسْأَلَةٌ اشْتَغَلَ بَالُهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فِي الصَّلَاةِ] 477 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَغَلَ بَالُهُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فِي الصَّلَاةِ كَرِهْنَاهُ، وَلَمْ

مسألة ذكر في صلاته أنه نسي صلاة فرض

تَبْطُلْ لِذَلِكَ صَلَاتُهُ، وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ، إذَا عَرَفَ مَا صَلَّى وَلَمْ يَسْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تُخْرِجْهُ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ» وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُبْطِلُونَ الصَّلَاةَ بِأَنْ يَنْوِيَ فِيهَا عَمْدًا الْخُرُوجَ عَنْ الصَّلَاةِ جُمْلَةً، أَوْ الْخُرُوجَ عَنْ إمَامَةِ الْإِمَامِ بِلَا سَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أَوْ الْخُرُوجَ عَنْ فَرْضٍ إلَى تَطَوُّعٍ، أَوْ مِنْ تَطَوُّعٍ إلَى فَرْضٍ، أَوْ مِنْ صَلَاةٍ إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى، إذَا عَمَدَ كُلَّ ذَلِكَ ذَاكِرًا وَيُوجِبُونَ فِي سَهْوِهِ بِكُلِّ ذَلِكَ سُجُودَ السَّهْوِ، وَحُكْمُ السَّهْوِ فِي إلْغَاءِ مَا عَمِلَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ وَاجِبَاتِ صَلَاتِهِ؟ . قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّ هَذَا قَدْ أَخْرَجَ مَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ بِعَمَلٍ فَعَمِلَ شَيْئًا مَا، فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ، فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ سَهَا بِذَلِكَ الْعَمَلِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ثنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا نُودِيَ بِالْأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ يَخْطِرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا وَكَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الْمَرْءُ إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى؟ فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى؟ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ؟» . فَلَمْ يُبْطِلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّلَاةَ بِتَذْكِيرِ الشَّيْطَانِ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ بِهِ عَنْ صَلَاتِهِ، وَلَا جَعَلَ فِي ذَلِكَ سُجُودَ سَهْوٍ، وَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُجُودَ السَّهْوِ فِي جَهْلِهِ كَمْ صَلَّى فَقَطْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنِّي لِأَحْسِب جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ فِي الصَّلَاةِ [مَسْأَلَةٌ ذَكَرَ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ] 478 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَكَرَ فِي نَفْسِ صَلَاتِهِ - أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ: أَنَّهُ نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْوِتْرَ -: تَمَادَى

فِي صَلَاتِهِ تِلْكَ حَتَّى يُتِمَّهَا، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ فَقَطْ، لَا يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يُعِيدُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَهَذَا فِي عَمَلٍ قَدْ نُهِيَ عَنْ إبْطَالِهِ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ: قَطَعَ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَصَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، وَقَطَعَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ صَلَّى الَّتِي قَطَعَ، فَإِنْ خَشِيَ فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِيهَا تَمَادَى فِيهَا ثُمَّ صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ وَلَا مَزِيدَ. فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ سِتَّ صَلَوَاتٍ فَصَاعِدًا تَمَادَى فِي صَلَاتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ قَضَى الَّتِي ذَكَرَ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ أَعَادَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا. وَإِنْ كَانَتْ سِتَّ صَلَوَاتٍ فَأَكْثَرَ أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ قَضَى الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَا يُعِيدُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَانِ قَوْلَانِ فَاسِدَانِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الْخَمْسِ وَذِكْرِ السِّتِّ، لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَبَيْنَ وُجُوبِهِ فِي تَرْتِيبِ صَلَاةِ أَمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْيَوْمِ، وَصَلَاةِ أَوَّلِ أَمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ أَمْسِ، وَهَكَذَا أَبَدًا؟ فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» ؟ قُلْنَا: هَذَا حَقٌّ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْآمِرُ بِهَذَا قَدْ ذَكَرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ إذْ انْتَبَهَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالِاقْتِيَادِ، وَالْوُضُوءِ، وَالْأَذَانِ. ثُمَّ صَلَّى هُوَ وَهُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ. فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» كَمَا أُمِرَ، لَا كَمَا لَمْ يُؤْمَرْ

مسألة ذكر صلاة وهو في وقت أخرى

مَنْ قَطَعَ صَلَاةً قَدْ أَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّمَادِي فِيهَا بِقَوْلِهِ: «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» . ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ لِتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ ذِكْرِ خَمْسٍ فَأَقَلَّ، وَبَيْنَ ذِكْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ: " مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ " انْهَدَمَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ خَمْسٍ فَأَقَلَّ وَبَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا فِي ذَلِكَ كَانُوا كَاذِبِينَ عَلَى الْأُمَّةِ، لِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَبِالظَّنِّ الَّذِي لَا يَحِلُّ وَأَكْذَبَهُمْ: أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ -: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ، وَلَوْ أَنَّهَا صَلَاةُ عِشْرِينَ سَنَةً؟ لَا سِيَّمَا أَمْرَ أَبِي حَنِيفَةَ بِإِبْطَالِ الصُّبْحِ - وَهِيَ فَرِيضَةٌ - لِلْوِتْرِ - وَهِيَ تَطَوُّعٌ - وَلَا يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَهُ. وَأَمْرُ مَالِكٍ بِأَنْ يُتِمَّ صَلَاةً لَا يَعْتَدُّ لَهُ بِهَا، ثُمَّ يُعِيدَهَا؟ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِعَمَلٍ لَا يَعْتَدُّ لَهُ بِهِ وَلَا يَخْلُو هَذَا الْمَأْمُورُ بِالتَّمَادِي فِي صَلَاتِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا أَمْ هِيَ صَلَاةٌ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ. فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالتَّمَادِي فِي الصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَأَمْرُهُ بِإِعَادَتِهَا بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالتَّمَادِي فِي صَلَاةٍ لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَقَدْ أَمَرَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ؟ وَقَوْلُنَا: هُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ أَوْ نَامَ عَنْهَا فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّ صَلَاةً أُخْرَى، أَوْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِهَا - مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي وَقْتِ أُخْرَى] 479 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي وَقْتِ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ فُسْحَةٌ

فَلْيَبْدَأْ بِاَلَّتِي ذَكَرَ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ خَمْسًا أَوْ عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ، يُصَلِّي جَمِيعَهَا مَرْتَبَةً ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فَذًّا، وَحُكْمُهُ - وَلَا بُدَّ - أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الَّتِي نَسِيَ، فَإِنْ قَضَاهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى فَوْتَ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا بَدَأَ بِهَا وَلَا بُدَّ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا أَتَمَّ الَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا صَلَّى الَّتِي ذَكَرَ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ وَفَاتَ وَقْتُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي وَقْتِهَا بَطَلَ كِلَاهُمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الَّتِي ذَكَرَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الَّتِي تَعَمَّدَ تَرْكَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الَّتِي ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ: بَدَأَ بِاَلَّتِي ذَكَرَ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الَّتِي حَضَرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ بَدَأَ بِاَلَّتِي حَضَرَ وَقْتُهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، لَكِنَّهُ طَرَدَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ إذْ تَنَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ؟ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسِيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا» . وَإِنَّمَا لَمْ نَجْعَلْ ذَلِكَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا أَمْرٌ. وَأَمَّا إنْ فَاتَهُ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّ الَّتِي ذَكَرَ مِنْ اللَّوَاتِي خَرَجَ وَقْتُهَا لِغَيْرِ النَّاسِي مُتَمَادِيَةُ الْوَقْتِ لِلنَّاسِي أَبَدًا لَا تَفُوتُهُ بَاقِي عُمْرِهِ، وَاَلَّتِي هُوَ فِي وَقْتِهَا تَفُوتُهُ بِتَعَمُّدِهِ تَرْكَهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا، فَهُوَ مَأْمُورٌ بِصَلَاتِهَا، كَمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِاَلَّتِي نَسِيَ وَلَا فَرْقَ. فَإِذًا حَرَامٌ عَلَيْهِ التَّفْرِيطُ فِي صَلَاةٍ يَذْكُرُهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى أَوْ يَخْرُجَ وَقْتُ هَذِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ؟ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، فِي تَفْرِيقِكُمْ بَيْنِ الْخَمْسِ وَبَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا خَالَفْنَاهُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَى الَّتِي ذَكَرَ قَبْلَ الْأُخْرَى،

مسألة أيقن أنه نسي صلاة لا يدري أي صلاة هي

فَاَلَّتِي يَكُونُ عَاصِيًا لِلَّهِ إنْ أَخَّرَهَا أَوْجَبُ مِنْ الَّتِي لَا يَكُونُ عَاصِيًا لَهُ تَعَالَى إنْ أَخَّرَهَا وَبِقَوْلِنَا هَذَا يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ؟ [مَسْأَلَةٌ أَيْقَنَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلَاةً لَا يَدْرِي أَيُّ صَلَاةٍ هِيَ] 480 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلَاةً لَا يَدْرِي أَيُّ صَلَاةٍ هِيَ؟ فَإِنَّ مَالِكًا، وَأَبَا يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَبَا سُلَيْمَانَ قَالُوا: يُصَلِّي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ لَمْ يَدْرِ أَمِنْ سَفَرٍ أَمْ مِنْ حَضَرٍ؟ أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ صَلَوَاتٍ؟ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُصَلِّي ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ -: إحْدَاهَا - رَكْعَتَانِ، يَنْوِي بِهَا الصُّبْحَ. وَالثَّانِيَةُ - ثَلَاثٌ يَنْوِي بِهَا الْمَغْرِبَ. وَالثَّالِثَةُ - أَرْبَعٌ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ؟ أَوْ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ؟ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ لَمْ يَدْرِ أَمِنْ سَفَرٍ هِيَ أَمْ مِنْ حَضَرٍ؟ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ فَقَطْ -: إحْدَاهُمَا رَكْعَتَانِ، وَالْأُخْرَى ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ؟ وَقَالَ زُفَرُ، وَالْمُزَنِيُّ: يُصَلِّي صَلَاةً وَاحِدَةً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ فِي الرَّابِعَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. قَالَ زُفَرُ: بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ: قَبْلَ السَّلَامِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُصَلِّي صَلَاةً وَاحِدَةً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقَطْ، لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ يَنْوِي فِي ابْتِدَائِهِ إيَّاهَا أَنَّهَا الَّتِي فَاتَتْهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَبِهَذَا نَأْخُذُ، إلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَقُلْنَا نَحْنُ: بَعْدِ السَّلَام؟ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِ - بِيَقِينٍ مَقْطُوعٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنَّا -: صَلَاةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي فَاتَتْهُ، فَمَنْ أَمَرَهُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، أَوْ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ، أَوْ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ، أَوْ صَلَاتَيْنِ؟ فَقَدْ أَمَرَهُ - يَقِينًا - بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَرَضُوا عَلَيْهِ صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ أَوْ صَلَوَاتٍ لَيْسَتْ

عَلَيْهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ إلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً كَمَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا مَزِيدَ. فَسَقَطَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، حَاشَا قَوْلِنَا، وَقَوْلِ زُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ؟ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْنَا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ فَرْضٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَهُ بِنِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ لَا تَدْرُونَ أَنَّهَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ أَمَرُوهُ بِالْخَمْسِ، أَوْ الثَّمَانِ فَقَطْ؟ قُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ إنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَمَرْتُمُوهُ بِهَا بِنِيَّةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا أَوْ كَاذِبَةٍ بِيَقِينٍ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. لِأَنَّكُمْ إنْ أَمَرْتُمُوهُ أَنْ يَنْوِيَ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَنَّهَا الَّتِي فَاتَتْهُ قَطْعًا فَقَدْ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا الَّتِي فَاتَتْهُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْهَا وَنَوَاهَا قَطْعًا فَقَدْ نَوَى الْبَاطِلَ، وَهَذَا حَرَامٌ. وَإِنْ أَمَرْتُمُوهُ أَنْ يَنْوِيَ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا أَنَّهَا الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا فَاتَتْهُ فَقَدْ أَمَرْتُمُوهُ بِمَا عِبْتُمْ عَلَيْنَا، سَوَاءً سَوَاءً، لَا بِمِثْلِهِ؟ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الْمَلَامَةَ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهَا أَصْلًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ؟ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَبَقِيَ عَلَيْهِ وُجُوبُ النِّيَّةِ الْمَرْجُوعِ فِيهَا إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، فَسَقَطَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَيْضًا؟ . ثُمَّ قُلْنَا لِزُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ: إنَّكُمْ أَلْزَمْتُمُوهُ جِلْسَةً بَعْدَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا قَطُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ أَحَدٌ إلَّا مَا نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُ إيَّاهُ فَسَقَطَ أَيْضًا قَوْلُهُمَا، لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي بَعْضِ مَا أَنْكَرَا عَلَى غَيْرِهِمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ صَلَاةً وَاحِدَةً فَقَطْ، لَا يَدْرِي أَيُّ صَلَاةٍ هِيَ؟ فَلَا يَقْدِرُ أَلْبَتَّةَ عَلَى نِيَّةٍ لَهَا بِعَيْنِهَا، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا أَيُّ صَلَاةٍ هِيَ؟ فَيَنْوِي أَنَّهُ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ الَّتِي فَاتَتْهُ الَّتِي يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى،

فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ، فَإِذَا أَتَمَّ تَشَهُّدَهُ فَقَدْ شَكَّ: أَتَمَّ صَلَاتَهُ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ الصُّبْحَ، أَوْ إنْ كَانَتْ صَلَاةً تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ؟ أَمْ صَلَّى بَعْضَهَا كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يُتِمَّهَا، إنْ كَانَتْ صَلَاةً تَتِمُّ فِي الْحَضَرِ؟ أَوْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ؟ فَإِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّمَامِ، وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ فَيَقُومَ إلَى رَكْعَةٍ ثَالِثَةٍ وَلَا بُدَّ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا فَقَدْ شَكَّ: هَلْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ الَّتِي عَلَيْهِ - إنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ - فَيَقْعُدُ حِينَئِذٍ؟ أَمْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، إنْ كَانَتْ الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ، أَوْ الْعَتَمَةَ، فِي حَضَرٍ؟ فَإِذَا صَارَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ بِأَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّمَامِ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ إلَى رَابِعَةٍ، فَإِذَا أَتَمَّهَا وَجَلَسَ فِي آخِرِهَا وَتَشَهَّدَ فَقَدْ أَيْقَنَ بِالتَّمَامِ بِلَا شَكٍّ، وَحَصَلَ فِي شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَلْيُسَلِّمْ حِينَئِذٍ، وَلْيَسْجُدْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ عَلَى وُجُوبِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ وَيَدْخُلُ عَلَى زُفَرَ، وَالْمُزَنِيِّ - فِي إلْزَامِهِمَا إيَّاهُ جِلْسَةً فِي الثَّالِثَةِ - أَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ إفْرَادَ النِّيَّةِ فِي تِلْكَ الْجِلْسَةِ أَنَّهَا لِلْمَغْرِبِ خَاصَّةً، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ إعْمَالُ يَقِينٍ فِيمَا لَا يَقِينَ فِيهِ؟ فَإِنْ أَيْقَنَ أَنَّهَا مِنْ سَفَرٍ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً كَمَا ذَكَرْنَا، يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا لَا يَدْرِي؟ أَمِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ يَوْمَيْنِ، أَوْ يَدْرِي صَلَّاهُمَا فَقَطْ، وَلَا يُبَالِي أَيُّهُمَا قَدَّمَ؟ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ نَصُّ سُنَّةٍ وَلَا قُرْآنٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: إنْ لَمْ يَدْرِ أَهِيَ مِنْ يَوْمٍ أَمْ مِنْ يَوْمَيْنِ؟ فَلْيُصَلِّ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ إمَّا ظُهْرًا بَيْنَ عَصْرَيْنِ، وَإِمَّا عَصْرًا بَيْنَ ظُهْرَيْنِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ مَا دَامَتْ الْأَوْقَاتُ قَائِمَةً

مسألة قوم في سفينة لا يمكنهم الخروج إلى البر إلا بمشقة أو بتضييع الصلاة

مُرَتَّبَةً بِتَرْتِيبِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَلَا؟ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَوْمٌ فِي سَفِينَةٍ لَا يُمْكِنُهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الْبَرِّ إلَّا بِمَشَقَّةٍ أَوْ بِتَضْيِيعِ الصَّلَاة] 481 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ فِي سَفِينَةٍ لَا يُمْكِنُهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الْبَرِّ إلَّا بِمَشَقَّةٍ أَوْ بِتَضْيِيعِهَا فَلْيُصَلُّوا فِيهَا كَمَا يَقْدِرُونَ، بِإِمَامٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ إقَامَةِ الصُّفُوفِ وَعَنْ الْقِيَامِ لِمَيْدٍ أَوْ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ تَحْتَ السَّطْحِ أَوْ لِتَرَجُّحِ السَّفِينَةِ -: صَلُّوا كَمَا يَقْدِرُونَ. وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ قُدَّامَ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ أَوْ خَلْفَهُ، إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَكْثَرَ، وَصَلَّى مَنْ عَجَزَ مِنْ الْقِيَامِ قَاعِدًا وَلَا يُجْزِئُ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا الْقِيَامُ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي قَاعِدًا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ - وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَنَسًا صَلَّى فِي سَفِينَةٍ قَاعِدًا؟ . فَقُلْنَا: وَمَا يَدْرِيكُمْ أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ؟ حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ صَلَّى قَاعِدًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاة فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَالْهَبَّارَاتِ وَالْبَيْتِ مِنْ بُيُوتِ النِّيرَانِ] 482 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ فِي الْبِيَعِ، وَالْكَنَائِسِ، وَالْهَبَّارَاتِ وَالْبَيْتِ مِنْ بُيُوتِ النِّيرَانِ، وَبُيُوتِ الْبُدِّ وَالدُّيُورِ: إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُنَالِكَ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ دَمٍ، أَوْ خَمْرٍ أَوْ مَا

مسألة حد دنو المرء من سترته في الصلاة

أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ» . [مَسْأَلَةٌ حْدُ دُنُوِّ الْمَرْءِ مِنْ سُتْرَتِهِ فِي الصَّلَاة] 483 - مَسْأَلَةٌ: وَحْدُ دُنُوِّ الْمَرْءِ مِنْ سُتْرَتِهِ أَقْرَبُ ذَلِكَ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ، وَأَبْعَدُهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ بَعُدَ عَنْ سُتْرَتِهِ عَامِدًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَهُوَ يَنْوِي أَنَّهَا سُتْرَتُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَنَّهَا سُتْرَةٌ لَهُ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَكُلُّ مَا مَرَّ أَمَامَهُ مِمَّا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالسُّتْرَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ مِقْدَارُهَا - نَوَى ذَلِكَ سُتْرَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ -: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَسَوَاءٌ مَرَّ ذَلِكَ عَلَى السُّتْرَةِ أَوْ خَلْفَهَا؟ وَحَدُّ مِقْدَارِ السُّتْرَةِ: ذِرَاعٌ فِي أَيِّ غِلَظٍ كَانَ وَمَنْ مَرَّ أَمَامَ الْمُصَلِّي وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَلَا إثْمَ عَلَى الْمَارِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُصَلِّي دَفْعُهُ، فَإِنْ مَرَّ أَمَامَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ فَهُوَ آثِمٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، فَلَا حَرَجِ عَلَى الْمَارِّ فِي الْمُرُورِ وَرَاءَهَا أَوْ عَلَيْهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: أَنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَصَارَ فَرْضًا عَلَى مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهَا، وَكَانَ مَنْ لَمْ يَدْنُ مِنْهَا - إذَا صَلَّى إلَيْهَا - غَيْرَ مُصَلٍّ كَمَا أُمِرَ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ؟ فَإِذْ الدُّنُوُّ مِنْهَا فَرْضٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مِقْدَارِ الدُّنُوِّ الْمُفْتَرَضِ مِنْ خِلَافِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَمْرٍ يَلْزَمُنَا، ثُمَّ لَا يُبَيِّنَهُ عَلَيْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَهُ بِالْبَيَانِ عَلَيْنَا، وَالتَّبْلِيغِ إلَيْنَا، قَالَ تَعَالَى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] . وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] .

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا -: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ بْنِ نَامِي حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ ثنا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ - ثنا أَبِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ» فَكَانَ هَذَا أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ مِنْ الدُّنُوِّ، إذْ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا فَمَانِعٌ مِنْ الرُّكُوعِ وَمِنْ السُّجُودِ إلَّا بِتَقَهْقُرٍ، وَلَا يَجُوزُ تَكَلُّفُ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ، هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ: مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ - وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ - ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ فِي الْبُعْدِ عَنْ السُّتْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَكَانَ هَذَا حَدَّ الْبَيَانِ فِي أَقْصَى الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ - وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبَرَاهِينَ فِيمَا خَلَا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا قَبْلَنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُقَالُ: أَدْنَى مَا يَكْفِيك فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ السَّارِيَةِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ. وَقَدْ «صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْحَرْبَةِ، وَالْعَنَزَةِ، وَالْبَعِيرِ، وَحَدُّ السُّتْرَةِ فِي ارْتِفَاعِهَا بِمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» ، وَرُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمْ.

مسألة بكى في الصلاة من خشية الله ولم يمكنه رد البكاء

وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْخَطِّ شَيْءٌ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ بَكَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّ الْبُكَاءِ] 484 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَكَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ هَمٍّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّ الْبُكَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ وَلَا غَيْرَهُ، فَلَوْ تَعَمَّدَ الْبُكَاءَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ مُطَرِّفٍ هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ، يَعْنِي يَبْكِي» . قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ نَصًّا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ؟ وَأَمَّا غَلَبَةُ الْبُكَاءِ فَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَأَمَّا تَعَمُّدُ الْبُكَاءِ فَعَمَلٌ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهِ نَصٌّ؟ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي الصَّلَاةِ، إلَّا عَمَلًا جَاءَ بِإِبَاحَتِهِ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة صلاة الجماعة

[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ] [مَسْأَلَةٌ لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْ الرِّجَالِ يَسْمَعُ الْأَذَانَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةُ فَرْضٍ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ -: إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْأَذَانَ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ وَاحِدٍ إلَيْهِ فَصَاعِدًا وَلَا بُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا مَعَهُ فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ، إلَّا مَنْ لَهُ عُذْرٌ فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنْ حَضَرْنَهَا حِينَئِذٍ فَقَدْ أَحْسَنَّ، وَهُوَ أَفْضَلُ لَهُنَّ؟ فَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْحَرَائِرُ، أَوْ الْإِمَاءُ بُعُولَتَهُنَّ أَوْ سَادَاتِهِنَّ فِي حُضُورِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ الْإِذْنُ لَهُنَّ - وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا تَفِلَاتٍ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَلَا مُتَزَيِّنَاتٍ، فَإِنْ تَطَيَّبْنَ، أَوْ تَزَيَّنَّ لِذَلِكَ: فَلَا صَلَاةَ لَهُنَّ، وَمَنْعُهُنَّ حِينَئِذٍ فَرْضٌ؟ . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - كُلُّهُمْ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَأَجِبْ؟» حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا

الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيِّ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» ؟ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلَيْنِ أَتَيَاهُ يُرِيدَانِ السَّفَرَ: «إذَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» ؟ . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ -: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ثنا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَنَا - وَقَدْ أَتَيْتُهُ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي -: إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ. فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» .

حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» . وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا - وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا. وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا الْمُتَوَعَّدُ عَلَى تَرْكِهَا دُونَ غَيْرِهَا، بَلْ هِيَ قَضِيَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ؟ . وَأَيْضًا فَالْمُخَالِفُ مُوَافِقٌ لَنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي وُجُوبِ حُضُورِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَا فَرْقَ. وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُهِمُّ بِبَاطِلٍ وَلَا يَتَوَعَّدُ إلَّا بِحَقٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يُحَرِّقْهَا؟ قِيلَ: لِأَنَّهُمْ بَادَرُوا وَحَضَرُوا الْجَمَاعَةَ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ -:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا النُّفَيْلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - ثنا أَبُو الْمَلِيحِ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الرَّقِّيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ جَابِرٍ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَتَجْمَعَ حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ» . قَالَ يَزِيدُ: فَقُلْت لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: يَا أَبَا عَوْفٍ، الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا؟ قَالَ: صُمَّتَا أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا ". قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَقْدَمَ قَوْمٌ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَارًا فَقَالَ: إنَّمَا عَنَى الْمُنَافِقِينَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُرِيدُ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَذْكُرُهُمْ وَيَذْكُرُ تَارِكِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . قُلْنَا: هَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ، وَقَدْ صَحَّتْ الْأَخْبَارُ الَّتِي صَدَّرْنَاهَا، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمُتَخَلِّفٍ عَنْ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا، فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى مَا قَدْ صَحَّ هُنَالِكَ، لَا عَلَى التَّعَارُضِ وَالتَّنَاقُضِ الْمُبْعَدَيْنِ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا التَّفَاضُلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى صَلَاةِ الْمَعْذُورِ الَّتِي تَجُوزُ، وَهِيَ دُونَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَضْلِ كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَمَنْ حَمَلَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا حَصَلَ عَلَى خِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ، وَعَلَى تَكْذِيبِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ: أَنْ لَا صَلَاةَ فِي غَيْرِ الْجَمَاعَةِ إلَّا لِمَعْذُورٍ، وَاسْتَخَفَّ بِوَعِيدِهِ، وَعَصَى أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي إجَابَةِ النِّدَاءِ. وَبِأَنْ يَؤُمَّ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا؟ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا: هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} [النساء: 96] .

فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُتَخَلِّفَ عَنْ الْجِهَادِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَذْمُومٌ أَشَدَّ الذَّمِّ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ -: مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: 39] فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُجَاهِدِينَ مُفَضَّلُونَ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَدَرَجَاتٍ، فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى الْقَاعِدِينَ الْمَعْذُورِينَ الَّذِينَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَالْأَجْرُ، لَا الَّذِينَ تُوُعِّدُوا بِالْعَذَابِ؟ وَكَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا مَعَنَا فِي أَنَّ الْمُصَلِّيَ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَا نَصِيبَ مِنْ الصَّلَاةِ، فَصَحَّ أَنَّ النِّسْبَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْفَضْلِ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ الْمُبَاحِ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا لِعُذْرٍ مِنْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ فِي نَافِلَةٍ؟ فَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ النَّافِلَةَ فَقَطْ، سَأَلْنَاهُمْ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ؟ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ، إلَّا بِدَعْوَى فِي أَنَّ الْمَعْذُورَ فِي الْفَرِيضَةِ صَلَاتُهُ كَصَلَاةِ الْقَائِمِ، وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» دُونَ تَخْصِيصٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، وَالْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ -: قَالَ الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ: ثنا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ -: وَقَالَ بَكْرٌ: ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ

ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ -: قَالَ الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ حَدَّثَهُ - وَكَانَ رَجُلًا مَبْسُورًا: «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» قَالَ عَلِيٌّ: وَخُصُومُنَا لَا يُجِيزُونَ التَّنَفُّلَ بِالْإِيمَاءِ لِلصَّحِيحِ، فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْخَيْرَ أَفْضَلُ مِنْ آخَرَ مَنَعَهُ الْعُذْرُ مِنْ فِعْلِهِ، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ -: إنَّ الْفُقَرَاءَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، فَعَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذِّكْرَ الَّذِي عَلَّمَهُمْ، فَبَلَغَ الْأَغْنِيَاءَ فَفَعَلُوهُ زَائِدًا عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ، فَذَكَرَ الْفُقَرَاءُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ حَجَّ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مِمَّنْ أَقْعَدَهُ الْعُذْرُ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ - وَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ الصَّحِيحِ: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا» . فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا الْأَثَرَ الْوَارِدَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ حِزْبٌ مِنْ اللَّيْلِ فَأَقْعَدَهُ عَنْهُ الْمَرَضُ أَوْ النَّوْمُ: كُتِبَ لَهُ؟ قُلْنَا: لَا نُنْكِرُ تَخْصِيصَ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَخْصِيصَهُ إذَا وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُهُ بِالرَّأْيِ وَالظَّنِّ وَالدَّعْوَى، وَقَدْ يُكْتَبُ لَهُ الْقِيَامُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَيُضَاعَفُ الْأَجْرُ لِلْقَائِمِ عَشَرَةَ أَمْثَالِ قِيَامِهِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ النُّصُوصِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ذَكَرُوا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّ النَّاسَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْقَدَمِ وَفِي مَنْزِلِ أَنَسٍ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ مَعْذُورٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِانْفِكَاكِ قَدَمِهِ، وَلَا يَخْلُو الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ أَنْ

يَكُونُوا جَمِيعَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّوْا هُنَالِكَ، فَهُنَالِكَ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ، وَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ، أَوْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَزِمَهُ الْكَوْنُ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِضَرُورَةٍ، فَهَذَا عُذْرٌ، وَتَكُونُ إمَامَتُهُ فِي مَنْزِلِ أَنَسٍ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةِ فَرْضٍ، لَكِنْ تَطَوُّعًا؟ وَكُلُّ هَذَا لَا يُعَارَضُ بِهِ مَا ثَبَتَ مِنْ وُجُوبِ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَوُجُوبِ إجَابَةِ دَاعِي اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ "؟ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِذْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا فَرْضٌ، ثُمَّ ادَّعَى سُقُوطَ الْفَرْضِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِنَصٍّ وَقَدْ قَالَ: بِمِثْلِ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَأَى إنْسَانًا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ فَقَالَ " أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " حَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُنَّ إلَّا مُنَافِقٌ بَيِّنُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَإِنَّ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ وَمَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا لَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَكَفَرْتُمْ ". وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ

الْمَكْتُوبَةِ فِي بَيْتِهِ فَسَمِعَ الْإِقَامَةَ فَخَرَجَ إلَيْهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَجْزَأَتْ ابْنَ عُمَرَ صَلَاتُهُ فِي مَنْزِلِهِ مَا قَطَعَهَا؟ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَأَنْ يَمْتَلِئَ أُذُنَا ابْنِ آدَمَ رَصَاصًا مُذَابًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ الْمُنَادِيَ فَلَا يُجِيبُهُ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَمْ يُرِدْ خَيْرًا وَلَمْ يُرَدْ بِهِ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: ثنا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَيَّانَ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ: لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَضَرِ وَالْقَرْيَةِ يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَالْإِقَامَةَ -: رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ الصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: وَإِنْ كَانَ عَلَى بَزٍّ يَبِيعُهُ يَفْرَقُ إنْ قَامَ عَنْهُ أَنْ يَضِيعَ؟ قَالَ: لَا، لَا رُخْصَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ قُلْت: إنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ أَوْ رَمَدٌ غَيْرُ حَابِسٍ أَوْ تَشْتَكِي يَدُهُ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَكَلَّفَ، قُلْت لَهُ: أَرَأَيْت مَنْ لَمْ يَسْمَعْ النِّدَاءَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: إنْ شَاءَ فَلْيَأْتِ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَجْلِسْ ؟ وَعَنْ عَطَاءٍ: كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إلَّا مُنَافِقٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ إلَّا لِمَرِيضٍ أَوْ خَائِفٍ؟

وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا سَمِعَ الرَّجُلُ الْأَذَانَ فَقَدْ اُحْتُبِسَ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ قَالَ: كُنْت عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْأَمْرِ وَنَادَى الْمُنَادِي فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: قَدْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّ أَصْحَابِي قَدْ مَضَوْا وَهَذِهِ رَاحِلَتِي بِالْبَابِ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: لَا تَخْرُجْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إلَى الصَّلَاةِ» فَأَبَى الرَّجُلُ إلَّا الْخُرُوجَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: دُونَكُمْ الرَّجُلُ، قَالَ: فَإِنِّي عِنْدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلَمْ تَرَ الرَّجُلَ؟ - يَعْنِي ذَلِكَ الَّذِي خَرَجَ - وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ قَالَ سَعِيدٌ: قَدْ ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُصِيبُهُ أَمْرٌ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا؟ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ شُهُودَهُنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَ فَرْضًا؟ وَقَدْ صَحَّ فِي الْآثَارِ كَوْنُ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُجَرِهِنَّ لَا يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسْجِدِ؟ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَيِّ الْأَمْرَيْنِ أَفْضَلُ لَهُنَّ؟ أَصَلَاتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ؟ أَمْ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الْجَمَاعَاتِ -: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: هُوَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ النِّسَاءُ مِنْ غَيْرِهِنَّ - : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إلَيْهَا» . فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا، مَا سَمِعْته سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا

اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا أَبِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالَا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ ثنا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا حَامِدٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ - ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا، فَإِذَا خَرَجْنَ مُتَزَيِّنَاتٍ أَوْ مُتَطَيِّبَاتٍ فَهُنَّ عَاصِيَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى، خَارِجَاتٌ بِخِلَافِ مَا أُمِرْنَ، فَلَا يَحِلُّ إرْسَالُهُنَّ حِينَئِذٍ أَصْلًا. وَالْآثَارُ فِي حُضُورِ النِّسَاءِ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَاتِرَةٌ فِي غَايَةِ

الصِّحَّةِ، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ -: كَحَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» . وَحَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «لَقَدْ رَأَيْتُ الرِّجَالَ عَاقِدِي أُزُرِهِمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ مِنْ ضِيقِ الْأُزُرِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَائِلٌ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ» . وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي خَشْيَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ» . وَالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ، وَشَرُّهَا الْمُؤَخَّرُ وَشَرُّ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُقَدَّمُ، وَخَيْرُهَا الْمُؤَخَّرُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، إذَا سَجَدَ الرِّجَالُ فَاغْضُضْنَ أَبْصَارَكُنَّ، لَا تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مِنْ ضِيقِ الْأُزُرِ» وَحَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ» فَمَا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ. وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُدْخَلَ مِنْ بَابِ النِّسَاءِ وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَأَنَّهَا صَلَّتْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ النِّسَاءِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَدَعَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ الْخُرُوجَ فِي اللَّيْلِ وَالْغَلَسِ يَحْمِلْنَ صِغَارَهُنَّ وَيُفْرِدَ لَهُنَّ بَابًا وَيَأْمُرَ بِخُرُوجِ الْأَبْكَارِ وَغَيْرِ الْأَبْكَارِ وَمَنْ لَا جِلْبَابَ لَهَا فَتَسْتَعِيرُ جِلْبَابًا إلَى الْمُصَلَّى، فَيَتْرُكُهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحُطُّ أُجُورَهُنَّ، وَيَكُونُ الْفَضْلُ لَهُنَّ فِي تَرْكِهِ، هَذَا لَا يَظُنُّهُ بِنَاصِحٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا عَدِيمُ عَقْلٍ، فَكَيْفَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ

مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبّ الْكَعْبَة: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرِو بْن العاص قَالَ: - اجْتَمَعْنَا إلَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ فِي هَذَا بِخَبَرٍ مَوْضُوعٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ صَلَاتَكِ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِكِ مَعِي» ؟ قَالَ عَلِيٌّ: عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْمُنْذِرِ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِيهِ أَحَدٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا - مَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ قَوْلِهَا: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْخُرُوجِ كَمَا مَنَعَهُ نِسَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ؟ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ ثَمَانِيَةٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاعِثُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ مُوجِبٌ دِينَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْمُوحِي إلَيْهِ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ النِّسَاءَ - حَرَائِرَهُنَّ وَإِمَاءَهُنَّ، ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ وَغَيْرَهُنَّ - مِنْ الْمَسَاجِدِ لَيْلًا وَنَهَارًا - قَدْ عَلِمَ مَا يُحْدِثُ النِّسَاءُ، فَلَمْ يُحْدِثْ تَعَالَى لِذَلِكَ مَنْعًا لَهُنَّ، وَلَا قَالَ لَهُ: إذَا أَحْدَثْنَ فَامْنَعُوهُنَّ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لَوْ صَحَّ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ أَحْدَاثَهُنَّ لَمَنَعَهُنَّ - لَمَا كَانَ ذَلِكَ مُبِيحًا مَنَعَهُنَّ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُدْرِكْ فَلَمْ يَمْنَعْ، فَلَا يَحِلُّ الْمَنْعُ، إذْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالثَّالِثُ: أَنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ نَسْخُ شَرِيعَةٍ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَنْسَخْهَا، بَلْ هُوَ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَالْخَامِسُ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَقُلْ: إنَّ مَنَعَهُنَّ لَكُمْ مُبَاحٌ، بَلْ مَنَعَتْ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَخْبَرَتْ ظَنًّا مِنْهَا بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وَلَا تَمَّ، فَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا فِي ذَلِكَ؟ وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ لَا حَدَثَ مِنْهُنَّ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى، وَقَدْ كَانَ فِيهِنَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ نَهَاهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى: عَنْ التَّبَرُّجِ، وَأَنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ {لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] ، وَأَنْذَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنِسَاءٍ كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ مَائِلَاتٍ مُمِيلَاتٍ رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ لَا يَرِحْنَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ سَيَكُنَّ بَعْدَهُ، فَمَا مَنَعَهُنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ؟ وَالسَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِقَابُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَالثَّامِنُ: أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ مِنْ التَّزَاوُرِ، وَمِنْ الصَّفْقِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَالْخُرُوجِ فِي حَاجَاتِهِنَّ، وَلَيْسَ فِي الضَّلَالِ وَالْبَاطِلِ أَكْثَرُ مِنْ إطْلَاقِهِنَّ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ وَقَدْ أَحْدَثَ مِنْهُنَّ مَنْ أَحْدَثَ، وَتُخَصُّ صَلَاتُهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ بِالْمَنْعِ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطَلِقُ لِسَانُ مَنْ يَعْقِلُ بِالِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا فِي خِلَافِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا - هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمٍ الْكِلَابِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: ثنا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» . وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ ثنا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا» قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا بِذِكْرِ الْمَخْدَعِ لَيْسَ فِيهِ لِلْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَصْلًا، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فِيهِ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا - وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا

خَيْرٌ - لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ، بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرْكِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَ التَّكَلُّفَ فِي الْغَبَشِ، رَاغِبَاتٍ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ مَعَهُ إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَهَذَا آخِرُ الْأَمْرِ بِلَا شَكٍّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَسْجِدُهَا هَهُنَا هُوَ مَسْجِدُ مَحَلَّتِهَا وَمَسْجِدُ قَوْمِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ مَسْجِدُ بَيْتِهَا، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِلًا: صَلَاتُك فِي بَيْتِك أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِك فِي بَيْتِك، وَهَذِهِ لُكْنَةٌ وَعِيٌّ، حَرَامٌ أَنْ يُنْسَبَا إلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِقَوْلِنَا: قَالَ الْأَئِمَّةُ -: رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ تَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَهَا: وَاَللَّهِ إنَّك لَتَعْلَمِينَ مَا أُحِبُّ هَذَا، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى تَنْهَانِي، فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي لَا أَنْهَاك - قَالَ: فَلَقَدْ طُعِنَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ وَإِنَّهَا لَفِي الْمَسْجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ رَأَى عُمَرُ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلَ لَكَانَ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَجْبُرَهَا بِذَلِكَ وَيَقُولَ لَهَا: إنَّك تَدَعِينَ الْأَفْضَلَ وَتَخْتَارِينَ الْأَدْنَى، لَا سِيَّمَا مَعَ أَنِّي لَا أُحِبُّ لَك ذَلِكَ، فَمَا فَعَلَ، بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى إخْبَارِهَا بِهَوَاهُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَخْتَارَ - وَهِيَ صَاحِبَةٌ، وَيَدَعَهَا هُوَ - أَنْ تَتَكَلَّفَ إسْخَاطَ زَوْجِهَا فِيمَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ؟ فَصَحَّ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ مُوَافَقَةُ رِضَا الزَّوْجِ، وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَصَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُرُوجِهَا إلَى الْمَسْجِدِ فِي الْغَلَسِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ لِمَنْ عَقَلَ؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَرْفَجَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ، فَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إمَامًا، وَلِلنِّسَاءِ إمَامًا، قَالَ عَرْفَجَةُ: فَأَمَرَنِي فَأَمَمْت النِّسَاءَ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شِدَّةِ غَضَبِ ابْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِهِ إذْ قَالَ: إنَّهُ يَمْنَعُ النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ؟

مسألة العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد

فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْعُذْرِ لِلرِّجَالِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ] 486 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ الْعُذْرِ لِلرِّجَالِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ -: الْمَرَضُ، وَالْخَوْفُ، وَالْمَطَرُ، وَالْبَرْدُ، وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَالِ، وَحُضُورُ الْأَكْلِ، وَخَوْفُ ضَيَاعِ الْمَرِيضِ، أَوْ الْمَيِّتِ، وَتَطْوِيلُ الْإِمَامِ حَتَّى يَضُرَّ بِمَنْ خَلْفَهُ، وَأَكْلُ الثُّومِ، أَوْ الْبَصَلِ، أَوْ الْكُرَّاثِ مَا دَامَتْ الرَّائِحَةُ بَاقِيَةً، وَيُمْنَعُ آكِلُوهَا مِنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ، وَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهُ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْمَسَاجِدِ أَحَدٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، لَا مَجْذُومٌ، وَلَا أَبْخَرُ، وَلَا ذُو عَاهَةٍ، وَلَا امْرَأَةٌ بِصَغِيرٍ مَعَهَا فَأَمَّا الْمَرَضُ وَالْخَوْفُ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106] . وَكَذَلِكَ إضَاعَةُ الْمَالِ، وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثنا حَاتِمٌ هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ - عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ أَنَّهُ شَهِدَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ثنا عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ: الثُّومِ، ثُمَّ قَالَ: الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسَاجِدِنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - ثنا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: «إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ

مِنْ شَجَرَتَيْنِ مَا أُرَاهُمَا إلَّا خَبِيثَتَيْنِ: هَذَا الْبَصَلُ، وَالثُّومُ، لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ» -: وَلَا يَخْرُجُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى: لَوْ أَرَادَ مَنْعَ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» ؟ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] أَيْ فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ، لَا عَدْوَى إنَّهُ لَا يُعْدِيك، وَلَا يَنْفَعُك فِرَارُك مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْك، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ هَذَا لَكَانَ آخِرُ الْحَدِيثِ يَنْقُضُ أَوَّلَهُ، وَهَذَا مُحَالٌ وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْفِرَارِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ عُمُومًا، فَوُجُوبُ أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَوَلَدُهُ وَكُلُّ أَحَدٍ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا وَجَهْدًا، وَلَوَجَبَ أَنْ تُقْفَلَ الْأَزِقَّةُ أَمَامَهُ، كَمَا يُفْعَلُ بِالْأَسَدِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَجْذُومُونَ فَمَا فَرَّ عَنْهُمْ أَحَدٌ. فَصَحَّ أَنَّ مُرَادَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا ذَكَرْنَاهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ «أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ - أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتْ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَأَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ» . قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ؟ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: أَذِنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجِنَانَ ثُمَّ قَالَ: أَلَّا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» ؟ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ هُوَ أُسَامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ «رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمُطِرْنَا مَطَرًا فَلَمْ تَبُلَّ السَّمَاءُ أَسْفَلَ نِعَالِنَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» . وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ قَالَ «أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فِيهَا بَرْدٌ، وَأَنَا تَحْتَ اللِّحَافِ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ يُلْقِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَا حَرَجَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: وَلَا حَرَجَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت " أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " فَلَا تَقُلْ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " قُلْ " صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْت أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ الْقَاضِي

مسألة الأفضل أن يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن

ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْعُقَيْلِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ قَالَ: مَرَرْت بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَهُوَ عَلَى بَابِهِ جَالِسٌ، فَقَالَ: مَا خَطْبُ أَمِيرِكُمْ؟ قُلْت: أَمَا جَمَعْت مَعَنَا؟ قَالَ: مَنَعَنَا هَذَا الرَّدْغُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ يَتْرُكُونَ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا لِلطِّينِ، وَيَأْمُرُونَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» وَلَا نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -؟ وَأَمَّا التَّطْوِيلُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مُعَاذٍ وَاَلَّذِي خَرَجَ عَنْ إمَامَتِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَلَى الْخَارِجِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى ثنا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ، فَقَالَ يَوْمَئِذٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ» . فَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَخُّرَهُ عَنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ أَجْلِ إطَالَةِ الْإِمَامِ؟ وَأَمَّا الْمَجْذُومُ، وَالْأَبْخَرُ، وَآكِلُ الْفُجْلَ وَغَيْرُهُمْ -: فَلَوْ جَازَ مَنْعُهُمْ الْمَسْجِدَ لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] [مَسْأَلَةٌ الْأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ] 487 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ فَضْلًا.

فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَأَفْقَهُهُمْ. فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ فَأَقْدَمُهُمْ صَلَاحًا فَإِنْ حَضَرَ السُّلْطَانُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ أَوْ أَمِيرُهُ عَلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانُوا فِي مَنْزِلِ إنْسَانٍ فَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ. وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَأَسَنُّهُمْ؟ فَإِنْ أَمَّ أَحَدٌ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا أَجْزَأَ ذَلِكَ، إلَّا مَنْ تَقَدَّمَ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ عَلَى السُّلْطَانِ، أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ، فَلَا يُجْزِئُ هَذَيْنِ وَلَا تُجْزِئُهُمْ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَكَانَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ وَالْهِجْرَةِ سَوَاءً؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» . وَرُوِّينَاهُ - أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالَ الْأَشَجُّ: عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ الْأَعْمَشِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ. ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَالْأَعْمَشُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ؟

قَالَ شُعْبَةُ: سَمِعْت أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا مَسْعُودٍ هُوَ الْبَدْرِيُّ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهِجْرَةَ الْبَاقِيَةَ أَبَدًا كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَؤُمُّ الْأَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِرَاءَةً - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَا نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ " كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَنْصَارُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فِيهِمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعُصَبَةَ مَوْضِعًا بِقُبَاءَ قَبْلَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا ". قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ عُمَرَ قَدَّمَ صُهَيْبًا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَصَارَ صُهَيْبٌ أَمِيرًا مُسْتَخْلَفًا مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ، فَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُ سُلْطَانٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فِي سَفَرٍ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا، فَإِذَا أَمَّهُمْ فَهُوَ أَمِيرُهُمْ» . وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَذَاكَ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَجَزْنَا إمَامَةَ مَنْ أَمَّ بِخِلَافِ ذَلِكَ -: لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا بَكْرُ بْنُ عِيسَى قَالَ سَمِعْت شُعْبَةَ يَذْكُرُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ صَلَّى لِلنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّفِّ» . وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ -: أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - ثنا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْقَوْمِ: صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَحُسْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ - فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ

قَالَ «فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُتِمُّ صَلَاتَهُ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ، أَوْ قَدْ أَصَبْتُمْ، يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا» . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَى ابْنِ شِهَابٍ -: عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ: «أَرَدْت تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَبِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَفْقَهُهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ اسْتَوَوْا، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» : نَدْبٌ لَا فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَفْقَهُ مِنْهُمَا، وَأَقْدَمُ هِجْرَةً، إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمَا وَأَسَنُّ مِنْهُمَا؟ وَبِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ جَازَتْ الصَّلَاةُ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ النُّقْصَانِ، لِأَنَّهُ لَا مُسْلِمَ إلَّا وَنِسْبَتُهُ فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ إلَى أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَقْرَبُ مِنْ نِسْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - وَهُمَا مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَخَرَجَ هَذَا بِدَلِيلِهِ؟ وَلَمْ نَجِدْ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَثَرًا يُخْرِجُهُمَا عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ، فَبَقِيَ عَلَى الْوُجُوبِ. بَلْ وَجَدْنَا مَا يَشُدُّ وُجُوبَ ذَلِكَ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: «لَمَّا اسْتَعَزَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَعَاهُ بِلَالٌ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: مُرُوا مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا، فَقَالَ: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلِّ بِالنَّاسِ، فَتَقَدَّمَ وَكَبَّرَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْتَهُ - وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مُجْهِرًا - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ، فَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثنا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ قَالَ: تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَكَانَ عِنْدِي لَيْلَةَ زِفَافِ امْرَأَتِي نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ أَرَادَ أَبُو ذَرٍّ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّيَ، فَجَذَبَهُ حُذَيْفَةُ وَقَالَ: رَبُّ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَتَقَدَّمْت فَصَلَّيْت بِهِمْ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَبْدٌ؟ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ - فِي الْقَوْمِ يَتَنَازَلُونَ فِيهِمْ الْقُرَشِيُّ وَالْعَرَبِيُّ وَالْمَوْلَى وَالْأَعْرَابِيُّ وَالْعَبْدُ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ فُسْطَاطٌ، فَانْطَلَقَ أَحَدُهُمْ إلَى فُسْطَاطِ أَحَدِهِمْ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ -: صَاحِبُ الرَّحْلِ يَؤُمُّهُمْ هُوَ، حَقُّهُ يُعْطِيه مَنْ يَشَاءُ.

مسألة الأعمى والبصير والعبد والحر سواء في الإمامة في الصلاة

[مَسْأَلَةٌ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فِي الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ] مَسْأَلَةٌ: وَالْأَعْمَى، وَالْبَصِيرُ، وَالْخَصِيُّ، وَالْفَحْلُ، وَالْعَبْدُ، وَالْحُرُّ، وَوَلَدُ الزِّنَى، وَالْقُرَشِيُّ -: سَوَاءٌ فِي الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَكُلُّهُمْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا، وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمْ إلَّا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْفِقْهِ، وَقِدَمِ الْخَيْرِ، وَالسِّنِّ، فَقَطْ؟ وَكَرِهَ مَالِكٌ إمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَى، وَكَوْنَ الْعَبْدِ إمَامًا رَاتِبًا - وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَعُيُوبُ النَّاسِ فِي أَدْيَانِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، لَا فِي أَبْدَانِهِمْ وَلَا فِي أَعْرَاقِهِمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ بِأَنْ قَالَ: يُفَكِّرُ مَنْ خَلْفَهُ فِيهِ فَيُلَهَّى عَنْ صَلَاتِهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْغَثَاثَةِ وَالسُّقُوطِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ فِكْرَةَ الْمَأْمُومِ فِي أَمْرِ الْخَلِيفَةِ إذَا صَلَّى بِالنَّاسِ، أَوْ الْأَحْدَبِ إذَا أَمَّهُمْ - أَكْثَرُ مِنْ فِكْرَتِهِ فِي وَلَدِ الزِّنَى، وَلَوْ كَانَ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكْمٌ فِي الدِّينِ لَمَا أَغْفَلَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ وَغَيْرِ الرَّاتِبِ وَتَجُوزُ إمَامَةُ الْفَاسِقِ كَذَلِكَ وَنَكْرَهُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَقْرَأُ، وَالْأَفْقَهُ، فَهُوَ أَوْلَى حِينَئِذٍ مِنْ الْأَفْضَلِ، إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ الْفِقْهِ، وَلَا أَحَدَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَلَهُ ذُنُوبٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] . فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ: إخْوَانُنَا فِي الدِّينِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ صَالِحِينَ؟ -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ

جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَعْلَى الْوَادِي، هُوَ وَأَبُوهُ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ كَثِيرٌ، فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ وَهُوَ غُلَامُهَا لَمْ يُعْتَقْ، فَكَانَ إمَامَ أَهْلِهَا بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُرْوَةَ، وَأَهْلِهَا، إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَسْتَأْخِرُ عَنْهُ أَبُو عَمْرٍو فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إذَا غَيَّبَنِي أَبُو عَمْرٍو وَدَلَّانِي فِي حُفْرَتِي فَهُوَ حُرٌّ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يَؤُمُّ الْعَبْدُ الْأَحْرَارَ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: كَانَ يَؤُمُّنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا عَبْدٌ، فَكَانَ شُرَيْحٌ يُصَلِّي فِيهِ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: وَلَدُ الزِّنَى وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: وَلَدُ الزِّنَى بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَؤُمُّ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ إذَا سُئِلَتْ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى: قَالَتْ لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُرْدِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ أَئِمَّةٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي مِنْ الزِّنَى. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى، وَالْأَعْرَابِيِّ، وَالْعَبْدِ، وَالْأَعْمَى: هَلْ يَؤُمُّونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: وَلَدُ الزِّنَى تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَؤُمُّ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى: هَلْ يَؤُمُّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا شَأْنُهُ؟

وَقَدْ كَانَ أَبُو زَيْدٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤُمُّ وَهُوَ مُقْعَدٌ ذَاهِبُ الرِّجْلِ وَقَدْ كَانَ طَلْحَةُ أَشَلَّ الْيَدِ، وَمَا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إمَامَتِهِ، وَقَدْ كَانَ فِي الشُّورَى. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ لَهُ: إنَّك إمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِك مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إنَّ الصَّلَاةَ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ؟ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَنَجْدَةَ -: أَحَدُهُمَا خَارِجِيٌّ، وَالثَّانِي أَفْسَقُ الْبَرِيَّةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: الصَّلَاةُ حَسَنَةٌ مَا أُبَالِي مَنْ شَرِكَنِي فِيهَا؟ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْت إمَامًا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مُفَرِّطًا فِيهَا؟ قَالَ: أُصَلِّي مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ، قُلْت: وَإِنْ اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ وَلَحِقَتْ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ تَغِبْ، قُلْت لِعَطَاءٍ: فَالْإِمَامُ لَا يُوفِي الصَّلَاةَ، أَعْتَزِلُ الصَّلَاةَ مَعَهُ؟ قَالَ: بَلْ صَلِّ مَعَهُ، وَأَوْفِ مَا اسْتَطَعْت، الْجَمَاعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُوفِ الرَّكْعَةَ فَأَوْفِ أَنْتَ، فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ وَلَمْ يُوفِ، فَأَوْفِ أَنْتَ، فَإِنْ قَامَ وَعَجَّلَ عَنْ التَّشَهُّدِ فَلَا تُعَجِّلْ أَنْتَ، وَأَوْفِ وَإِنْ قَامَ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ مَعَ الْمُخْتَارِ الْكَذَّابِ. وَعَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ قَالَ: ظَهَرَتْ الْخَوَارِجُ عَلَيْنَا فَسَأَلْت يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، فَقُلْت: يَا أَبَا نَصْرٍ، كَيْفَ تَرَى فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: الْقُرْآنُ إمَامُك، صَلِّ مَعَهُمْ مَا صَلُّوهَا؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قُلْت لِعَلْقَمَةَ: إمَامُنَا لَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ؟ قَالَ عَلْقَمَةُ: لَكِنَّا نُتِمُّهَا، يَعْنِي نُصَلِّي مَعَهُ وَنُتِمُّهَا

وَعَنْ الْحَسَنِ: لَا تَضُرُّ الْمُؤْمِنَ صَلَاتُهُ خَلْفَ الْمُنَافِقِ، وَلَا تَنْفَعُ الْمُنَافِقَ صَلَاتُهُ خَلْفَ الْمُؤْمِنِ؟ وَعَنْ قَتَادَةَ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ؟ قَالَ: إنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُخْتَارِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، وَالْحَجَّاجِ، وَلَا فَاسِقَ أَفْسَقُ مِنْ هَؤُلَاءِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَلَا بِرَّ أَبَرُّ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَمْعِهَا فِي الْمَسَاجِدِ فَمَنْ دَعَا إلَيْهَا فَفَرْضُ إجَابَتِهِ وَعَوْنِهِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الَّذِي دَعَا إلَيْهِمَا، وَلَا إثْمَ بَعْدَ الْكُفْرِ آثَمُ مِنْ تَعْطِيلِ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَحَرَامٌ عَلَيْنَا أَنْ نُعِينَ عَلَى ذَلِكَ؟ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ، مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمِلْنَاهُ مَعَهُ، وَمَنْ دَعَانَا إلَى إثْمٍ لَمْ نُجِبْهُ، وَلَمْ نُعِنْهُ عَلَيْهِ وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟

مسألة صلى جنبا أو على غير وضوء عمدا أو نسيانا

[مَسْأَلَةٌ صَلَّى جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَلَّى جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ - عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا - فَصَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ يَقِينًا فَلَا صَلَاةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا فَالْمُؤْتَمُّ بِمَنْ لَا يُصَلِّي عَابِثٌ عَاصٍ مُخَالِفٌ لِمَا أُمِرَ بِهِ، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فِي صَلَاتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ عَامِدًا كَانَ الْإِمَامُ أَوْ نَاسِيًا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ نَاسِيًا فَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَلَا صَلَاةَ لِمَنْ خَلْفَهُ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، كَمَا قُلْنَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]

وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا عِلْمُ الْغَيْبِ مِنْ طَهَارَتِهِ؟ وَكُلُّ إمَامٍ يُصَلَّى وَرَاءَهُ فِي الْعَالَمِ: فَفِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، فَصَحَّ أَنَّنَا لَمْ نُكَلَّفْ عِلْمَ يَقِينِ طَهَارَتِهِمْ؟ وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، وَلَا يُبْطِلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ - إنْ صَحَّتْ - بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلَا يُصِحُّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ - إنْ بَطَلَتْ - صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَهُوَ مُنَاقِضٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ - نَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ - فِي أَنَّ الْإِمَامَ إنْ أَحْدَثَ مَغْلُوبًا فَإِنَّ طَهَارَتَهُ قَدْ انْتَقَضَتْ. قَالَ الْمَالِكِيُّونَ: وَصَلَاتُهُ أَيْضًا قَدْ بَطَلَتْ. ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ صَلَاةَ مَنْ خَلْفَهُ لَمْ تُنْتَقَضْ وَلَا طَهَارَتَهُمْ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ مُتَعَلِّقَةً بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَأَنْ تَفْسُدَ بِفَسَادِهَا، وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ. وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ: فِي أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ إنْ فَسَدَتْ فَإِنَّهُ لَا يُصْلِحُهَا صَلَاحُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَهَلَّا طَرَدُوا أَصْلَهُمْ فَقَالُوا: فَكَذَلِكَ إنْ صَحَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لَمْ يُفْسِدْهَا فَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ؟ فَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا، لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الْأَرْضِ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكَمْ وَعَلَيْهِمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَعُمْدَتُنَا فِي هَذَا هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ

ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَكَبَّرَ فَأَوْمَأَ إلَيْهِمْ: أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَقَدْ اعْتَدُّوا بِتَكْبِيرِهِمْ خَلْفَهُ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُنُبٌ قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ فَأَعَادَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّاسَ أَعَادُوا؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَبَاهُ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَعَادَ وَلَمْ يُعِدْ أَصْحَابُهُ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فِيمَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ؟ أَنَّهُ يُعِيدُ وَلَا يُعِيدُونَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَاسٍ وَعَامِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يُعِيدُونَ خَلْفَ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ، وَيُعِيدُونَ خَلْفَ الْجُنُبِ - وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ؟ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفَهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، هَذَا لَوْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، فَكَيْفَ وَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ فِي الطَّرِيقِ إلَيْهِ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ، وَهُوَ مُطَّرَحٌ، وَغَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ؟ وَرَوَى الْمُخَالِفُونَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ كَذَّابٌ - عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فِي الْقَوْمِ يُصَلُّونَ خَلْفَ مَنْ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ نَاسِيًا -: أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُرْسَلًا لَا حُجَّةَ فِيهِ، فَكَيْفَ وَفِيهِ: كَذَّابَانِ وَمَجْهُولٌ فَحَصَلَتْ

مسألة إمامة من لم يبلغ الحلم

الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُهَا، وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الْأَلْثَغُ، وَالْأَلْكَنُ، وَالْأَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ، وَاللَّحَّانُ: فَصَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ جَائِزَةٌ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَلَمْ يُكَلَّفُوا إلَّا مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، لَا مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَدَّوْا صَلَاتَهُمْ كَمَا أُمِرُوا، وَمَنْ أَدَّى صَلَاتَهُ كَمَا أُمِرَ فَهُوَ مُحْسِنٌ. قَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يُجِيزُ صَلَاةَ الْأَلْثَغِ وَاللَّحَّانِ وَالْأَلْكَنِ لِنَفْسِهِ - وَيُبْطِلُ صَلَاةَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَهُمْ - مَعَ ذَلِكَ - يُبْطِلُونَ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى وَهُوَ جُنُبٌ نَاسِيًا، وَيُجِيزُونِ صَلَاةَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ وَهُوَ لَا صَلَاةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إمَامَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ] 490 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ إمَامَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، لَا فِي فَرِيضَةٍ، وَلَا نَافِلَةٍ، وَلَا أَذَانُهُ؟ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ، وَيَجُوزُ أَذَانُهُ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي النَّافِلَةِ وَلَا تَجُوزُ فِي الْفَرِيضَةِ قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ إمَامَتَهُ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ «عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: كُنَّا بِحَاضِرٍ يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إذَا أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا فَأَخْبَرُونَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ كَذَا وَقَالَ كَذَا، وَكُنْت غُلَامًا حَافِظًا، فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا، فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمْ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ، فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ، وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ، فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مَا فَرِحْتُ بِهِ فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ؟»

مسألة صلاة المرأة بالنساء والرجال

قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا فِعْلُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَهُ، لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، مُخَالِفٌ فَأَيْنَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: الْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؟ وَهُمْ أَتْرَكُ النَّاسِ لَهُ. لَا سِيَّمَا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إنَّ مَا لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ: فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَقَدْ وَجَدْنَا لِعَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ هَذَا: صُحْبَةً، وَوِفَادَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حَاجَةَ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إقْرَارٍ، أَوْ قَوْلٍ، أَوْ عَمَلٍ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ هَذَا وَأَقَرَّهُ لَقُلْنَا بِهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَثَرٌ فَالْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ أَنْ يُرَدَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ -: فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» فَكَانَ الْمُؤَذِّنُ مَأْمُورًا بِالْأَذَانِ، وَالْإِمَامُ مَأْمُورًا بِالْإِمَامَةِ، بِنَصِّ هَذَا الْخَبَرِ. وَوَجَدْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: «إنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ وَلَا مُكَلَّفٍ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِالْأَذَانِ، وَلَا بِالْإِمَامَةِ، وَإِذْ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِمَا فَلَا يُجْزِئَانِ إلَّا مِنْ مَأْمُورٍ بِهِمَا، لَا مِمَّنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِمَا، وَمَنْ ائْتَمَّ بِمَنْ لَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يُؤْتَمَّ بِهِ - وَهُوَ عَالِمٌ بِحَالِهِ - فَصَلَاتُهُ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ، وَظَنَّهُ رَجُلًا بَالِغًا -: فَصَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ تَامَّةٌ، كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ جُنُبٍ، أَوْ كَافِرٍ - لَا يَعْلَمُ بِهِمَا - وَلَا فَرْقَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ؟ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ إمَامَةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي الْفَرِيضَةِ وَبَيْنَ إمَامَتِهِ فِي النَّافِلَةِ -: فَكَلَامٌ لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ [مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ وَالرِّجَال] 491 - مَسْأَلَةٌ: وَصَلَاةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ جَائِزَةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الرِّجَالَ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ - إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ ذَلِكَ، وَأَجَازَ ذَلِكَ -: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ هِيَ السُّنَّةُ - وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ؟

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَنْعُهُنَّ مِنْ إمَامَةِ الرِّجَالِ: فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ، وَأَنَّ مَوْقِفَهَا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَالْإِمَامُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ أَمَامَ الْمُؤْتَمِّينَ، أَوْ مِنْ الْوُقُوفِ عَنْ يَسَارِ الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ. فَلَوْ تَقَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ أَمَامَ الرَّجُلِ لَقَطَعَتْ صَلَاتَهُ، وَصَلَاتَهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّتْ إلَى جَنْبِهِ، لِتَعَدِّيهَا الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ، فَقَدْ صَلَّتْ بِخِلَافِ مَا أُمِرَتْ؟ وَأَمَّا إمَامَتُهَا النِّسَاءَ: فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ إذَا صَلَّتْ أَمَامَهَا أَوْ إلَى جَنْبِهَا، وَلَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَهُوَ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَكَذَلِكَ: إنْ أَذَّنَّ وَأَقَمْنَ فَهُوَ حَسَنٌ لِمَا ذَكَرْنَا؟ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنَ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ هُوَ أَبُو حَازِمٍ - عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّتَهُنَّ فِي الْفَرِيضَةِ؟ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا زِيَادُ بْنُ لَاحِقٍ عَنْ تَمِيمَةَ بِنْتِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا أَمَّتْ النِّسَاءَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَامَتْ وَسَطُهُنَّ وَجَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ وَبِهِ إلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أُمَّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ حَدَّثَتْهُمْ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّهُنَّ فِي رَمَضَانَ وَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ خِيرَةُ ثِقَةِ الثِّقَاتِ، وَهَذَا إسْنَادٌ كَالذَّهَبِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: تُقِيمُ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا؟ وَقَالَ طَاوُسٍ: كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُؤَذِّنُ، وَتُقِيمُ؟ :

مسألة أحدث الإمام أو ذكر أنه غير طاهر فخرج

وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمَّارِ الدُّهْنِيِّ عَنْ حُجَيْرَةَ بِنْتِ حُصَيْنٍ قَالَتْ أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقَامَتْ بَيْنَنَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ بِإِسْنَادِهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ؟ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَؤُمُّ نِسَاءَهُ فِي رَمَضَانَ؟ وَعَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، جَوَازُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ فِي الْفَرِيضَةِ، وَالتَّطَوُّعِ - وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ بِأَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ بِالنِّسَاءِ فِي رَمَضَانَ، وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ، وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْعِهَا مِنْ التَّقَدُّمِ حُجَّةً أَصْلًا، وَحُكْمُهَا عِنْدَنَا التَّقَدُّمُ أَمَامَ النِّسَاءِ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ إمَامَتَهَا النِّسَاءَ حُجَّةً أَصْلًا. لَا سِيَّمَا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا، لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَصْلًا، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَيَرَوْنَهُ خِلَافًا لِلْإِجْمَاعِ، وَهُوَ سَهْلٌ عَلَيْهِمْ خِلَافُهُمْ، إذَا لَمْ يُوَافِقْ أَهْوَاءَهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ أَحْدَثَ الْإِمَامُ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ فَخَرَجَ] 492 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ، أَوْ ذَكَرَ: أَنَّهُ غَيْرُ طَاهِرٍ، فَخَرَجَ، فَاسْتَخْلَفَ: فَحَسَنٌ - فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَلْيَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمْ يُتِمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ؟ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ انْتِظَارَهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُتِمَّ بِهِمْ صَلَاتَهُمْ، ثُمَّ يُتِمَّ لِنَفْسِهِ؟ أَمَّا انْتِظَارُهُ: فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ «ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَنُبَ فَخَرَجَ وَأَوْمَأَ إلَيْهِمْ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ عَادَ، وَقَدْ اغْتَسَلَ فَصَلَّى بِهِمْ» ؟ وَأَمَّا اسْتِخْلَافُهُمْ: فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَضَى إلَى قُبَاءَ فَقَدَّمَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا أَحَسَّ أَبُو بَكْرٍ بِهِ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصَلَّى بِالنَّاسِ» ، وَلِأَنَّ فَرْضًا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إمَامٍ: إمَّا

بِاسْتِخْلَافِ إمَامِهِمْ، وَإِمَّا بِاسْتِخْلَافِهِمْ أَحَدَهُمْ، وَإِمَّا بِتَقَدُّمِ أَحَدِهِمْ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُكَبِّرْ وَاسْتَخْلَفَ: جَازَ ذَلِكَ. وَصَلَاتُهُمْ كُلُّهُمْ تَامَّةٌ. فَلَوْ كَبَّرَ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ. فَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا مِنْ بَهْجَةِ الْحَقِّ أَثَرٌ؟ وَلَيْتَ شِعْرِي إذَا أَحْدَثَ سَاجِدًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُكَبِّرْ: فِي صَلَاةٍ هُوَ أَمْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ؟ وَهَلْ إمَامَتُهُ لَهُمْ بَاقِيَةٌ أَوْ لَا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ -: فَإِنْ قَالُوا: هُوَ فِي صَلَاةٍ وَإِمَامَتُهُ بَاقِيَةٌ، جَعَلُوهُ مُصَلِّيًا بِلَا وُضُوءٍ، وَإِمَامًا بِلَا وُضُوءٍ، وَهَذَا خِلَافُ أَصْلِهِمْ الْآخَر الْفَاسِدِ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ ائْتَمَّ بِإِمَامٍ هُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا؟ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إذْ هُوَ فِي صَلَاةٍ وَهُوَ بَعْدُ بَاقٍ عَلَى إمَامَتِهِ لَهُمْ؟ فَمَا ذَنْبُهُ إذْ كَبَّرَ فَأَبْطَلَ صَلَاةَ نَفْسِهِ وَصَلَاتَهُمْ؟ هَذِهِ عَدَاوَةٌ مِنْكُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَخِيَّةُ قَوْلِكُمْ: مَنْ عَطَسَ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ بِلِسَانِهِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؟ وَلَوْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَذَفَ مُحْصَنَةً، أَوْ ضَرَطَ عَامِدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ تَعَالَى اللَّهُ، مَا أَوْحَشَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا؟ إلَّا لَوْ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ، الَّذِي لَمْ نَأْخُذْ الصَّلَاةَ، وَلَا الدِّينَ، وَلَا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا عَنْهُ، فَلَا يَحِلُّ لَنَا إذَنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا كَمَا أَمَرَنَا وَإِنْ قَالُوا: بَلْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَلَا هُمْ بَعْدُ فِي إمَامَتِهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَإِذْ قَدْ خَرَجَ بِالْحَدَثِ مِنْ إمَامَتِهِمْ وَعَنْ الطَّهَارَةِ الَّتِي لَا صَلَاةَ إلَّا بِهَا -: فَمَا الَّذِي وَلَّدَ عَلَيْهِ تَكْبِيرُهُ مِنْ الضَّرَرِ، حَتَّى أَحْدَثَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " اللَّهُ أَكْبَرُ ": بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ؟

وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ السَّخَافَةِ غَيْرُ قَلِيلٍ وَهَذَا مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ طُولُهُ ثَمَانُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَنَيِّفٍ، وَرُبَّ مَسْجِدٍ لَيْسَ عَرْضُهُ إلَّا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَطُولُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَقَطْ وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَسْلِيمِهِ إيَّانَا مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمُنَافِرَةِ لِصِحَّةِ الدِّمَاغِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ وَلَمْ يُكَبِّرْ بَعْدُ، أَوْ قَدْ كَبَّرَ، أَوْ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، أَوْ قَدَّمُوا لَهُمْ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، أَوْ تَقَدَّمَ هُوَ -: فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، إذْ اسْتِخْلَافُ إمَامٍ يُتِمُّ بِهِمْ فَرْضٌ كَمَا ذَكَرْنَا، لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَيْهِمْ، فَلْيَبْدَأْ الْمُسْتَخْلِفُ - إنْ كَانَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَاسْتُخْلِفَ فِي الثَّانِيَةِ: فَيُتِمَّ تِلْكَ الرَّكْعَةِ بِهِمْ، ثُمَّ إذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْهَا أَشَارَ إلَيْهِمْ فَجَلَسُوا، وَقَامَ هُوَ إلَى ثَانِيَتِهِ، فَإِذَا أَتَمَّهَا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَامَ وَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَمَّ بِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ الرَّكْعَةِ -: إنْ كَانَتْ الْمَغْرِبَ، فَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحَ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، فَإِذَا أَتَمَّ تَشَهُّدَهُ سَلَّمَ وَسَلَّمُوا؟ فَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَانِ وَاسْتُخْلِفَ فِي الْجُلُوسِ كَبَّرَ وَقَامُوا مَعَهُ بَعْدَ أَنْ يُتِمُّوا تَشَهُّدَهُمْ بِأَسْرَعَ مَا يُمْكِنُ، وَأَتَى بِالرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَهُمْ مَعَهُ، فَإِذَا جَلَسُوا قَامَ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ فَأَتَمَّهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جُلُوسِ الصُّبْحِ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا؟ فَإِنْ فَاتَتْهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَاسْتُخْلِفَ فِي أَوَّلِ الرَّابِعَةِ صَلَّاهَا، فَإِذَا رَفَعَ مِنْ آخِرِ سُجُودِهِ قَامَ وَجَلَسُوا، ثُمَّ أَتَى بِرَكْعَةٍ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَامَ وَأَتَى بِبَاقِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا؟ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يُصَلِّي إلَّا صَلَاةَ نَفْسِهِ، لَا كَمَا كَانَ يُصَلِّي لَوْ كَانَ مَأْمُومًا، لِأَنَّهُ إمَامٌ وَالْإِمَامُ لَا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي صَلَاتِهِ لَكِنْ يُتْبَعُ فِيهَا، وَأَمَّا هُمْ فَيَتْبَعُونَهُ فِيمَا لَا يُرِيدُونَ بِهِ فِي صَلَاتِهِمْ وُقُوفًا وَلَا سَجْدَةً ثَالِثَةً، وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ فِي مُؤَخَّرِ الصُّفُوفِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَحَدِ جِهَاتِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ -: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ كَمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ إلَى مَوْقِفِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْإِمَامِ - لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ - أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ وَهُمْ وَرَاءَهُ وَلَا بُدَّ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ عَنْ كَوْنِ وَجْهِهِ إلَى شَطْرِ

مسألة لا يحل لأحد أن يؤم وهو ينظر ما يقرأ به في المصحف

الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إلَّا لِضَرُورَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَعَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ وَهُوَ يَنْظُرُ مَا يَقْرَأُ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ] 493 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ وَهُوَ يَنْظُرُ مَا يَقْرَأُ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ، لَا فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ عَالِمًا بِحَالِهِ، عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةَ مَا لَا يَحْفَظُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِ. قَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا ذَلِكَ فَتَكَلَّفَهُ مَا سَقَطَ عَنْهُ: بَاطِلٌ، وَنَظَرُهُ فِي الْمُصْحَفِ عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهِ فِي الصَّلَاةِ نَصٌّ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» ؟ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى عَلَى عَصًا، أَوْ إلَى حَائِطٍ لِضَعْفِهِ عَنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ وَحُكْمُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ يُصَلِّي جَالِسًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَضْلًا لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، بَلْ صَلَّى جَالِسًا إذْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ، فَصَلَاةُ الْمُعْتَمِدِ: مُخَالِفَةٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمَا [مَسْأَلَةٌ نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ فَوَجَدَ إمَامًا يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى فِي جَمَاعَةٍ] 494 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ - أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ - فَوَجَدَ إمَامًا يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى - أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ - فِي جَمَاعَةٍ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ فَيُصَلِّي الَّتِي فَاتَتْهُ، وَتُجْزِئُهُ، وَلَا نُبَالِي بِاخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَجَائِزٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ: وَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ، وَصَلَاةُ فَرْضٍ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةَ فَرْضٍ أُخْرَى، كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَسُنَّةٌ؟ وَلَوْ وَجَدَ الْمَرْءُ جَمَاعَةً تُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ، يَنْوِي فَرْضَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَلَا يُسَلِّمُ، بَلْ يَقُومُ، فَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ: قَامَ هُوَ أَيْضًا فَائْتَمَّ بِهِ فِيهِمَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِسَلَامِ

الْإِمَامِ - وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ صَلَاةً فَائِتَةً؟ وَجَائِزٌ أَنْ يُصَلِّيَ إمَامٌ وَاحِدٌ بِجَمَاعَتَيْنِ فَصَاعِدًا فِي مَسَاجِدَ شَتَّى صَلَاةً وَاحِدَةً هِيَ لَهُمْ: فَرْضٌ، وَكُلُّهَا لَهُ: نَافِلَةٌ، سِوَى الَّتِي صَلَّى أَوَّلًا. وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى صَلَاةَ فَرْضٍ فِي جَمَاعَةٍ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً أُخْرَى وَجَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ.؟ وَمَنْ فَاتَتْهُ الصُّبْحُ فَوَجَدَ قَوْمًا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ صَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا الصُّبْحَ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَصَلَّى الْبَاقِيَتَيْنِ بِنِيَّةِ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَتَمَّ ظُهْرَهُ، وَهَكَذَا يَعْمَلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ عَلَى حَسْبِ مَا ذَكَرْنَا: وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَخْتَلِفَ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. قَالَ عَلِيٌّ: إنَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ الْحَنِيفِيُّونَ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَالْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، أَوْ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ. وَفِيهِمْ مَنْ يُجِيزُ صَوْمَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْإِفْطَارِ، وَتَرْكَ الصَّوْمِ وَكُلُّهُمْ يُجِيزُهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ، وَبِنِيَّةِ الْفِطْرِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، فَيُبْطِلُونَ النِّيَّاتِ حَيْثُ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُوجِبُونَهَا هَهُنَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي الْمَالِكِيِّينَ مَنْ يُجْزِئُ عِنْدَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَيُسْقِطُونَ النِّيَّةَ حَيْثُ هِيَ فَرْضٌ، وَيُوجِبُونَهَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا يَجِبُ الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ اتِّفَاقِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، أَوْ فِي سُقُوطِ وُجُوبِهِ، فَإِذَا سَقَطَ وُجُوبُهُ صَحَّتْ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرْنَا كُلُّهَا، لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَمُنْتَجَةٌ مِنْهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ: يُوجِبُ اتِّفَاقَ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، فَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَهَذِهِ شَرِيعَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَهِيَ بَاطِلٌ؟

ثُمَّ الْبُرْهَانُ يَقُومُ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ يَكْفِي مِنْ سُقُوطِهِ عَدَمُ الْبُرْهَانِ عَلَى وُجُوبِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ تَعَالَى مُوَافَقَةَ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ مِنَّا لِنِيَّةِ الْإِمَامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا عِلْمُ مَا غُيِّبَ عَنَّا مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامِ حَتَّى نُوَافِقَهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْنَا مَا يَسَعُنَا وَنَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْدِ بِنِيَّاتِنَا تَأْدِيَةَ مَا أُمِرْنَا بِهِ كَمَا أُمِرْنَا، وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ وَبُرْهَانٌ آخَرُ: وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} [النساء: 84] وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ كَافٍ فِي إبْطَالِ قَوْلِهِمْ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ - الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَلْزَمُ الِائْتِمَامَ بِالْإِمَامِ فِيهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» فَهَاهُنَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالِائْتِمَامِ فِيهِ، لَا فِي النِّيَّةِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ لِنَاوِيهَا وَحْدَهُ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ أَثَرٌ - مِنْ إيجَابِ مُوَافَقَةِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِنِيَّةِ الْإِمَامِ -: أَوَّلُ عَاصِينَ لِهَذَا الْخَبَرِ -: فَيَقُولُونَ: لَا يَقْتَدِي الْمَأْمُومُ بِالْإِمَامِ فِي قَوْلِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: هَذَا؟ قَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: وَلَا نَهَى عَنْهُ، وَلَا ذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا مُوَافَقَةَ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ، لَا فِي هَذَا وَلَا فِي غَيْرِهِ. ثُمَّ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَمْرِهِ بِأَنْ نُصَلِّيَ قُعُودًا إذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِخَبَرٍ يُخَالِفُونَ نَصَّ مَا فِيهِ وَيُوجِبُونَ بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ؟ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا؟

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَنَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَصًّا جَلِيًّا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا نَوَى. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِلْإِمَامِ نِيَّتَهُ، وَلِلْمَأْمُومِ نِيَّتَهُ، لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ بَحْتٌ لَا شَكَّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشَاءَ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ، فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا» . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ بِالْأَمْرِ وَأَقَرَّهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهَا؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنُ مَيْسَرَةَ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» . قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ لَا يَرْدَعُهُ دِينٌ عَنْ الْكَذِبِ قَالَ: لَمْ

يَرْوِ أَحَدٌ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إلَّا عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ؟ فَأَرَيْنَاهُ: أَنَّهُ قَدْ رَوَاهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ثِقَتِهِ، ثُمَّ حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ بِهَا عَمْرٌو فَكَانَ مَاذَا؟ مَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ عَمْرًا هُوَ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ثِقَةً وَحِفْظًا وَإِمَامَةً، وَبِلَا شَكٍّ فَهُوَ فَوْقَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ اللَّذَيْنِ يُعَارِضُ هَؤُلَاءِ السُّنَنِ بِرَأْيِهِمَا الَّذِي أَخْطَآ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَمْرًا لَقِيَ الصَّحَابَةَ وَأَخَذَ عَنْهُمْ. وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ عَمْرٍو: أَنْ يَكُونَ فِي نِصَابِ شُيُوخِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: كَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ رَوَى عَنْ عَمْرٍو مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمِثْلِهِمَا: كَأَيُّوبَ، وَمَنْصُورٍ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسُفْيَانَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ. فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ فِي هَذَا مَا هُوَ أَجَلُّ مِنْ فِعْلِ مُعَاذٍ؟ كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ «عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، وَاَلَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعًا، وَلِهَؤُلَاءِ رَكْعَتَيْنِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ الْعَنْبَرِيُّ ثنا أَبِي ثنا الْأَشْعَثُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعًا وَلِأَصْحَابِهِ: رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ» وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْحَسَنُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ -: كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا أَبُو مُوسَى هُوَ إسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى - قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُول: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى

الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مَعَهُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَبُو مُوسَى هَذَا: ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَفَّانُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - ثنا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارِ - ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: «فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ جَابِرٌ: فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا حَدِيثٌ سَمِعَهُ يَحْيَى مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ جَابِرٍ، وَرُوِّينَاهُ كَذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ، اكْتَفَيْنَا بِهَذَا طَلَبَ الِاخْتِصَارِ. فَهَذَا آخِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ شَهِدَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ إسْلَامُهُ يَوْمَ الطَّائِفِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَعْدَ حُنَيْنٍ وَقَدْ لَجَأَ بَعْضُهُمْ إلَى مَا يَلْجَأُ إلَيْهِ الْمَفْضُوحُ الْمُبْلِحُ الَّذِي لَا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: أَنَّهُ سَلَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْت، قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَلَّمَ بَيْنَهُمَا» . فَقَالُوا: قَدْ تُكُلِّمَ فِي سَمَاعِ قُتَيْبَةَ مِنْ سُلَيْمَانَ؟ فَقُلْنَا: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، فَالْآنَ أَتَاكُمْ التَّعَلُّلُ بِالْبَاطِلِ فِي الْمُسْنَدِ بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ - وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الْقَوْلُ -: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو بَكْرَةَ

فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَلَّمَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ؟ وَلَوْ صَحَّ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَلِّمْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُو أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى عَلَى مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَهُوَ مُسَافِرٌ: أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ، إلَّا أَنْ يَجْلِسَ فِي الِاثْنَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ يَقُومُ إلَيْهِمَا تَطَوُّعًا. فَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ عِنْدَهُمْ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ أَقْدَمُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَفَرُوا بِلَا مِرْيَةٍ. وَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَعَدَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، فَقَدْ صَارَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مُصَلِّيَةً فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَنَفِّلٌ، وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ؟ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُسَافِرَ إنْ صَلَّى أَرْبَعًا: فَقَدْ أَسَاءَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرُوا بِلَا مِرْيَةٍ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ سَلَّمَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ: أَقَرُّوا بِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صَلَّوْا فَرْضَهُمْ خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ مُتَنَفِّلٌ وَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ حَضَرَ، وَلَا يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى مَنْ غَابَ، وَكُلُّهُمْ مُسَلِّمٌ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَقَدْ لَجَأَ بَعْضُ الْمَفْتُونِينَ مِنْ مُقَلِّدِي مَالِكٍ إلَى أَنْ قَالَ: هَذَا خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ فِي الِائْتِمَامِ بِهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي النَّافِلَةِ مَا لَيْسَ فِي الِائْتِمَامِ بِغَيْرِهِ فِي الْفَرِيضَةِ؟ -: قَالَ عَلِيٌّ: فَرَّ هَذَا الْبَائِسُ مِنْ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَعْوَاهُ الْخُصُوصَ فِيمَا لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ: إنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ. بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ قَالَ «صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي» .

وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ: إنَّهُ يَجُوزُ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ مَا لَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِ، إلَّا هَؤُلَاءِ الْمُقَدِّمُونَ، نَصْرًا لِتَقْلِيدِهِمْ الْفَاسِدِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاعْتَرَضُوا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا، وَإِنْ كُنَّا غَانِينَ عَنْ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَجَابِرٍ، لَكِنَّ نَصْرَ الْحَقِّ فَضِيلَةٌ، وَقَمْعَ الْبَاطِلِ وَسِيلَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى -: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَخْبَرَ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسِ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ» : قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو صَالِحٍ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ -: فَهُوَ مَا رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَابْنُ جُرَيْجِ بْنِ سَلَمَةَ وَوَرْقَاءُ بْنُ عَمْرٍو وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» .

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَفْظُ صَالِحٍ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ مَعًا مُتَّفِقُونَ -: عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ إذَا أُقِيمَتْ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ، وَلَا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ -: يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الَّتِي أُقِيمَتْ فَسُبْحَانَ مَنْ يَسَّرَهُمْ لِلِاحْتِجَاجِ بِمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي إبْطَالِ مَا صَحَّ مِنْهَا ثُمَّ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَافِ مَا احْتَجُّوا بِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ؟ وَأَيْضًا: فَهُمْ مُصَفِّقُونَ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَقُلْنَا بِهِ، وَلَاسْتَعْمَلْنَا مَعَهُ مَا قَدْ صَحَّ مِنْ سَائِرِ الْأَخْبَارِ، مِنْ حَدِيثِ: مُعَاذٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَلَمْ نَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا لِشَيْءٍ آخَرَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ خَبَرًا: - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ سُلَيْمٌ «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَيَأْتِي مُعَاذٌ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا؟ إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ لِقَوْمِكَ، أَوْ تَجْعَلَ صَلَاتَكَ مَعِي» . فَادَّعَوْا مِنْ هَذَا أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَجْعَلُ الَّتِي يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَافِلَةً؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ، لِوُجُوهٍ سِتَّةٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّهُ كَذِبٌ وَدَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا لَا يَعْجِزُ عَنْهُ مَنْ لَا يَحْجُزُهُ عَنْهُ تَقْوَى أَوْ حَيَاءٌ؟ وَالثَّانِي - أَنَّ هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَدْرَكَ هَذَا الَّذِي شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُعَاذٍ؟ -: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ

عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ثنا أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت مُعَاذَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: «أَنَّ سُلَيْمًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي رَجُلٌ أَعْمَلُ نَهَارِي حَتَّى إذَا أَمْسَيْتُ أَمْسَيْتُ نَاعِسًا، فَيَأْتِينَا مُعَاذٌ وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا احْتَبَسَ صَلَّيْتُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: أَنَّ سُلَيْمًا صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ؟ وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] ثُمَّ يَكُونُ مُعَاذٌ - وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالدِّينِ - يُضَيِّعُ فَرْضَ صَلَاتِهِ الَّذِي قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، فَيَتْرُكُ أَدَاءَهُ، وَيَشْتَغِلُ بِالتَّنَفُّلِ، وَصَلَاةُ الْفَرْضِ قَدْ أُقِيمَتْ، حَتَّى لَا يُدْرِكَ مِنْهَا شَيْئًا، لَا سِيَّمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَيْتَ شِعْرِي، إلَى مَنْ كَانَ يُؤَخِّرُ مُعَاذٌ صَلَاةَ فَرْضِهِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَهُ رَاغِبًا عَنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتِّبَاعًا لِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ؟ أَلَّا إنَّ هَذَا هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ، قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَاذًا عَنْهُ عِنْدَ كُلِّ ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ؟ وَالرَّابِعُ - أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ السَّخِيفَ الَّذِي لَمْ يَسْتَحْيُوا مِنْ أَنْ يَنْسُبُوهُ إلَى مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ تَحْضُرَ صَلَاةُ فَرْضٍ فَيَنْوِيَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى بَعْدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ - أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَا يَنْوِي بِهَا إلَّا التَّطَوُّعَ فَفِي كُلِّ حَالٍ قَدْ نَسَبُوا إلَى مُعَاذٍ مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَهَذِهِ فِتْنَةُ سُوءٍ مُذْهِبَةٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ، فَأَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي أَنْ يَنْسُبُوا إلَى مُعَاذٍ مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ بِلَا مَعْنًى؟ وَالْخَامِسُ - أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إذْ جَوَّزْتُمْ لِمُعَاذٍ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاذٌ لَمْ يُصَلِّ ذَلِكَ الْفَرْضَ بَعْدُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي فَرْضَهُ -: فَأَيُّ فَرْقٍ فِي شَرِيعَةٍ، أَوْ فِي مَعْقُولٍ بَيْنَ صَلَاةِ نَافِلَةٍ خَلْفَ مُصَلِّي فَرِيضَةٍ، وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ

مِنْهُ مِنْ صَلَاةِ فَرْضٍ خَلْفَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً، وَكِلَاهُمَا اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ مَعَ الْمَأْمُومِ، وَلَا فَرْقَ؟ فَهَلَّا قَاسُوا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ؟ وَهَلَّا قَاسُوا جَوَازَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَلْفَ الْحَاجِّ تَطَوُّعًا مِنْ الْأَئِمَّةِ، يَقِفُ بِوُقُوفِهِ وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ وَيَأْتَمُّ بِهِ فِي حَجِّهِ؟ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْقِيَاسِ وَأَصَحِّهِ، وَهُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلَكِنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ فِيمَا شَغَلُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَتَرَكُوا السُّنَنَ؟ فَكَيْفَ بِمَا لَا يَشْتَغِلُونَ بِهِ مِنْ طَلَبِ السُّنَنِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ هُنَا بِكَلَامٍ يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَمْرُورِينَ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ بَعْضَ سَبَبِ التَّطَوُّعِ سَبَبُ الْفَرِيضَةِ، وَأَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ صَلَاةً لَا يَنْوِي بِهَا شَيْئًا كَانَ دَاخِلًا فِي نَافِلَةٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَلَامٌ لَا يَفْهَمُهُ قَائِلُهُ فَكَيْفَ سَامِعُهُ وَحَقُّ قَائِلِهِ سُكْنَى الْمَارَسْتَانِ وَمُعَانَاةُ دِمَاغِهِ وَيُقَالُ لَهُ: اجْعَلْ هَذَا الْكَلَامَ حُجَّةً فِي الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؟ وَأَيْضًا: فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ، بَلْ مَنْ ابْتَدَأَ صَلَاةً لَا يَنْوِي بِهَا شَيْئًا فَلَيْسَ مُصَلِّيًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . فَنَحْنُ نَدِينُ بِأَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ كَلَامِ هَذَا الْمُمَخْرِقِ بِالْهَذَيَانِ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ وَاضِحُ الْمَعْنَى، وَكَانَ يَكُونُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ أَوْ اجْعَلْ صَلَاتَكَ مَعِي» أَيْ لَا تُصَلِّ بِهِمْ إذَا لَمْ تُخَفِّفْ بِهِمْ، وَاقْتَصِرْ عَلَى أَنْ تَكُونَ صَلَاتُك مَعِي فَقَطْ، هَذَا مُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ سِوَاهُ؟ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَعَافِرِيِّ قَالَ: «وَكَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَيُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ.»

وَخَبَرٍ آخَرَ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إلَى أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنُ شَاذِ بْنُ دَاوُد الْمِصْرِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَنِيّ بْنُ سَعِيدِ الْأَزْدِيُّ الْحَافِظُ ثنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: سَمِعْت يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ يَقُولُ: أَنَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ «سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ فِي رَحْلِي إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» قَالَ: فَكَانَتْ صَلَاةُ مُعَاذٍ إذْ كَانَ مُبَاحًا أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ فِي الْيَوْمِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَصَحِيحٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ أَيْمَنَ: فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. ثُمَّ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّ قَائِلَ هَذَا قَدْ كَذَبَ، وَمَا كَانَ قَطُّ مُبَاحًا أَنْ تُصَلِّيَ صَلَاةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ مَرَّتَيْنِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ إلَّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ، حَاشَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْوِتْرِ فَقَطْ، وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] » فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهَ بِهِ هَذَا الْمُمَوِّهُ؟ وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ حَقٌّ، وَمَا حَلَّ قَطُّ، وَلَا قُلْنَا نَحْنُ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تُصَلَّى صَلَاةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ -: وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَنْ تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَتُصَلَّى النَّافِلَةُ خَلْفَ مُصَلِّي الْفَرْضِ، كَمَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَمَا يُجِيزُونَ هُمْ أَيْضًا مَعَنَا. وَتُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ خَلْفَ مُؤَدِّي فَرِيضَةٍ أُخْرَى، كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بِأَنَّ «الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ قَطُّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى حَدَثَ مَا حَدَثَ وَإِنَّمَا الْمُجِيزُونَ أَنْ تُصَلَّى صَلَاةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ: فَالْمَالِكِيُّونَ الْقَائِلُونَ: بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَبِأَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي أُخْرَى: صَلَّى الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ

يُصَلِّي الَّتِي صَلَّى، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا؟ وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ عُمَرَ، وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلًا يَجْرِي فِي الْقُبْحِ مَجْرَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ وَيُرْبِي عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ مُعَاذٍ لِعَدَمِ مَنْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ حِينَئِذٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ اتَّقَى اللَّهَ قَائِلُ هَذَا الْهَوَسِ أَوْ اسْتَحْيَا مِنْ الْكَذِبِ، لَمْ يَنْصُرْ الْبَاطِلَ بِمَا هُوَ أَبْطَلُ مِنْهُ. وَلَوْ عَرَفَ قَدْرَ الصَّحَابَةِ وَمَنْزِلَتَهُمْ فِي الْعِلْمِ: لَمْ يَقُلْ هَذَا؛ لِأَنَّنَا نَجِدُ، الزِّنْجِيَّ وَالتُّرْكِيَّ، وَالصَّقْلَبِيَّ وَالرُّومِيَّ وَالْيَهُودِيَّ: يُسَلِّمُونَ، فَلَا تَمْضِيَ لَهُمْ جُمُعَةٌ إلَّا وَقَدْ تَعَلَّمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ، وَالرَّجُلُ (أُمَّ الْقُرْآنِ) وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَمَا يُقِيمُونَ بِهِ صَلَاتَهُمْ. وَلَمْ يَسْتَحِ هَذَا الْجَاهِلُ الْوَقَّاحُ أَنْ يَنْسُبَ إلَى حَيٍّ عَظِيمٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْأَنْصَارِ، وَحَيٍّ آخَرَ صَغِيرٍ مِنْهُمْ، وَهُمْ بَنُو سَلَمَةَ، وَبَنُو أَدَى قَدْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ - قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِعَامَيْنِ وَأَشْهُرٍ - ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، وَأَسْلَمَ جُمْهُورُهُمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِدَهْرٍ -: أَنَّهُمْ بَقُوا الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ لَمْ يَهْتَبِلُوا بِصَلَاتِهِمْ، وَلَا تَعَلَّمُوا سُورَةً يُصَلُّونَ بِهَا، وَهُمْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْبَصَائِرِ فِي الدِّينِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مَنْ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ؟ فَلْيَعْلَمْ أَهْلُ الْجَهْلِ: أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلَمَةَ الَّذِي كَانَ يَؤُمُّ فِيهِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - ثَلَاثُونَ عَقَبِيًّا، وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا سِوَى غَيْرِهِمْ. أَفَمَا كَانَ فِي جَمِيعِ هَؤُلَاءِ الْفُضَلَاءِ أَحَدٌ يُحْسِنُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا يُصَلِّي بِهِ؟ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ. وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَوَالِدُهُ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الْيَسْرِ وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَمُعَاذٌ، وَمُعَوِّذٌ، وَخَلَّادٌ بَنُو عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِئٍ وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى حَفِظْتُ سُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ» ؟ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْكِذْبَةَ الَّتِي قَالَهَا هَذَا الْجَاهِلُ دَعْوَى افْتَرَاهَا لَمْ يَجِدْهَا قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ السَّقِيمَةِ فَكَيْفَ الصَّحِيحَةِ؟ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا وَجْهَ لِلشُّغْلِ بِهَا إلَّا فَضِيحَةُ قَائِلِهَا فَقَطْ، ثُمَّ تَحْذِيرُ الضُّعَفَاءِ مِنْهُ، وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ؟ وَالثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ لَهُ: هَبْكَ أَنَّ هَذِهِ الْكِذْبَةَ كَمَا ذَكَرْتَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ؟ وَهَلْ يَحِلُّ لَدَيْكُمْ أَنْ تُسْلِمَ طَائِفَةٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا وَاحِدٌ فَيُصَلِّي ذَلِكَ الْوَاحِدُ مَعَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ يَؤُمُّهُمْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي اسْتِنْبَاطِ كَذِبٍ لَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي تَرْقِيعِ فَاسِدِ تَقْلِيدِكُمْ؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: احْمِلُوهُ عَلَى مَا شِئْتُمْ، أَلَيْسَ قَدْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّهُ؟ فَبِأَيِّ وَجْهٍ تُبْطِلُونَ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمَهُ؟ وَقَدْ تَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي بَكْرَةَ بِنَحْوِ هَذِهِ الْفَضَائِحِ فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تُقْصَرَ الصَّلَاةُ، أَوْ فِي سَفَرٍ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي مِثْلِهِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا جَهْلٌ وَكَذِبٌ آخَرُ، أَبُو بَكْرَةَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَشْهَدْ بِالْمَدِينَةِ قَطُّ خَوْفًا، وَلَا صَلَاةَ خَوْفٍ، وَلَا فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ - قَالَ جَابِرٌ -: بِنَخْلٍ، وَبِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَكِلَا الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ الصَّلَاةَ أُنْزِلَتْ بِمَكَّةَ: رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ؟ فَبَطَلَ كُلُّ عَارٍ أَتَوْا بِهِ فِي إبْطَالِ الْحَقَائِقِ مِنْ السُّنَنِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا؟ ثُمَّ هُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمَّارِ الْعَنَزِيِّ: أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ بِكَسْكَرَ فَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ، فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ إنِّي رَأَيْتنِي شَاخِصًا عَنْ أَهْلِي وَلَمْ أَرَنِي بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ فَرَأَيْت أَنْ أُصَلِّيَ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُسَلِّمَ ثُمَّ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُسَلِّمَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ قَدْ أَحْسَنْت؟

مسألة أتى مسجدا قد صليت به صلاة فرض جماعة بإمام راتب وهو لم يكن صلاها

وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا مَعَ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ - هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَيْشٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِنَا صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، فَمَرَّ حِمَارٌ بَيْنَ يَدَيْ الصُّفُوفِ فَأَعَادَ بِهِمْ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: قَدْ كَانَ بَيْنَ يَدَيَّ مَا يَسْتُرُنِي - يَعْنِي الْعَنَزَةَ - وَلَكِنِّي أَعَدْت لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ: فَهَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى نَافِلَةً بِمَنْ يُؤَدِّي فَرِيضَةً؟ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَى مَسْجِدَ دِمَشْقَ وَهُمْ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى مَعَهُمْ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً، فَجَعَلَ ثَلَاثًا لِلْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ هَذَا الْخَبَرَ، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: فِيمَنْ أَتَى التَّرَاوِيحَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَقَدْ بَقِيَ لِلنَّاسِ رَكْعَتَانِ قَالَ: اجْعَلْهُمَا مِنْ الْعِشَاءِ؟ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ صَلَّى مَعَ قَوْمٍ هُوَ يَنْوِي الظُّهْرَ وَهُمْ يُرِيدُونَ الْعَصْرَ، قَالَ: لَهُ مَا نَوَى، وَلَهُمْ مَا نَوَوْا، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ؟ وَعَنْ طَاوُسٍ: مِنْ وَجَدَ النَّاسَ يُصَلُّونَ الْقِيَامَ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُمْ، وَلْيَعْتَدَّهَا الْمَكْتُوبَةَ؟ وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الثِّقَاتِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفًا أَصْلًا، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَقَوْلُنَا هَذَا: هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَتْ بِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا] 495 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَتْ بِهِ صَلَاةُ فَرْضٍ جَمَاعَةٌ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا: فَلْيُصَلِّهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَيُجْزِئُهُ الْأَذَانُ الَّذِي أُذِّنَ فِيهِ قَبْلُ، وَكَذَلِكَ الْإِقَامَةُ، وَلَوْ أَعَادُوا أَذَانًا وَإِقَامَةً: فَحَسَنٌ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ

وَالْإِقَامَةُ: فَإِنَّهُ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مِمَّنْ شَهِدَهُمَا أَوْ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا؟ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ. وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِأَنَّهُ قَالَ هَذَا قَطْعًا لَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ أَئِمَّتِنَا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا فِي مَنَازِلِهِمْ، وَلَا يَعْتَدُّونَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ مُبْتَدَأَةً أَوْ غَيْرَ مُبْتَدَأَةٍ مَعَ إمَامٍ مِنْ غَيْرِهِمْ. فَهَذَا الِاحْتِيَاطُ لَا وَجْهَ لَهُ، بَلْ مَا حَصَلُوا إلَّا عَلَى اسْتِعْجَالِ الْمَنْعِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِاحْتِيَاطِهِمْ؟ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيَ بْنِ زَرْبٍ الْقَاضِي إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ فِيهِ إمَامُهُ الرَّاتِبُ - وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدُ - جَمَعَ بِمَنْ مَعَهُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْقَصْدُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ عَجَبٌ آخَرُ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ قِلَّةَ اهْتِبَالٍ، أَوْ لِهَوًى، أَوْ لِعَدَاوَةٍ مَعَ الْإِمَامِ -: فَإِنَّنَا نَنْهَاهُ، فَإِنْ انْتَهَى وَإِلَّا أَحْرَقْنَا مَنْزِلَهُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: فَإِنْ صَلَّوْهَا فِيهِ جَمَاعَةً أَجْزَأَتْهُمْ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً؟ وَهِيَ عِنْدَهُمْ جَازِيَةٌ عَمَّنْ صَلَّاهَا فَأَيُّ اخْتِيَارٍ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا؟ وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: جَاءَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّيْنَا فَأَقَامَ وَأَمَّ أَصْحَابَهُ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ. وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ وَسَمَّاهُ حَمَّادُ فَقَالَ: فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ؟

مسألة دخل اثنان فصاعدا فوجدوا الإمام في بعض صلاته

وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: نَفَرٌ دَخَلُوا مَسْجِدَ مَكَّةَ خِلَافَ الصَّلَاةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، أَيَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ: أَمَّنِي إبْرَاهِيمُ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَعَنْ مَعْمَرٍ صَحِبْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْبَصْرَةِ، فَأَتَيْنَا مَسْجِدَ أَهْلِ مَاءٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ أَيُّوبُ وَأَقَامَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِنَا؟ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ: دَخَلْت مَعَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ، فَأَذَّنَ ثَابِتٌ وَأَقَامَ، وَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ فَصَلَّى بِنَا، فَقُلْت: يَا أَبَا سَعِيدٍ: أَمَا يُكْرَهُ هَذَا؟ قَالَ: وَمَا بَأْسُهُ قَالَ عَلِيٌّ هَذَا مِمَّا لَا يُعْرَفُ فِيهِ لِأَنَسٍ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ الْأَسْوَدِ النَّاجِي عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ هُوَ عَلِيُّ بْنُ دَاوُد النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا، فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ» قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِ هَذَا لَطَارُوا بِهِ كُلَّ مَطَارٍ [مَسْأَلَةٌ دَخَلَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَوَجَدُوا الْإِمَامَ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ] 496 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ دَخَلَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَوَجَدُوا الْإِمَامَ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ فَالْأَفْضَلُ لِلَّذِينَ يُتِمُّونَ مَا فَاتَهُمْ أَنْ يَقْضُوهُ بِإِمَامٍ يَؤُمُّهُمْ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً، وَلَوْلَا نَصٌّ وَرَدَ بِأَنْ يَقْضُوا فُرَادَى لَمَا أَجْزَأَ ذَلِكَ -: وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثٍ قَالَ: دَخَلْت مَعَ ابْنِ سَابِطٍ فِي أُنَاسٍ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ فَسَجَدَ بَعْضُنَا وَتَهَيَّأَ بَعْضُنَا لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ ابْنُ سَابِطٍ بِأَصْحَابِهِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ؟ فَقَالَ: كَذَلِكَ يَنْبَغِي، فَقُلْت: إنَّ هَذَا لَا يُفْعَلُ عِنْدَنَا. قَالَ: يَفْرُقُونَ.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّاسَ مَضَوْا عَلَى أَعْمَالِ سَلَاطِينِ الْجَوْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: فِي الْقَوْمِ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ فَيُدْرِكُونَ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً؟ قَالَ: يَقُومُونَ فَيَقْضُونَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ، يَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ وَهُوَ قَائِمٌ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ

حكم المساجد

[حُكْمُ الْمَسَاجِدِ] [مَسْأَلَةٌ الْمَحَارِيبُ فِي الْمَسَاجِدِ] مَسْأَلَةٌ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ: وَتُكْرَهُ الْمَحَارِيبُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَوَاجِبٌ كَنْسُهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُطَيِّبَ بِالطِّيبِ -: وَيُسْتَحَبُّ مُلَازَمَةُ الْمَسْجِدِ لِمَنْ هُوَ فِي غِنًى عَنْ الْكَسْبِ وَالتَّصَرُّفِ؟ وَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْمَحَارِيبُ فَمُحْدَثَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقِفُ وَحْدَهُ وَيَصُفُّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ خَلْفَهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - حَدَّثَنِي عُقَيْلُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِهِمْ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَشَفَ سَجْفَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ تَبَسَّمَ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّلَاةِ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ: أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ فِي مِحْرَابٍ لَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَشَفَ السِّتْرَ، وَكَانَ هَذَا يَوْمَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْمِحْرَابَ فِي الْمَسْجِدِ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي طَاقِ الْإِمَامِ، قَالَ سُفْيَانُ وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ؟ وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت الْحَسَنَ جَاءَ إلَى ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَالَ ثَابِتٌ: تَقَدَّمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَالَ الْحَسَنُ: بَلْ أَنْتَ أَحَقُّ، قَالَ ثَابِتٌ: وَاَللَّهِ لَا أَتَقَدَّمُك أَبَدًا فَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ فَاعْتَزَلَ الطَّاقَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ قَالَ مُعْتَمِرٌ: وَرَأَيْت أَبِي، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ يَعْتَزِلَانِهِ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ تَنْقُصُ أَعْمَارُهُمْ، يُزَيِّنُونَ مَسَاجِدَهُمْ، وَيَتَّخِذُونَ لَهَا مَذَابِحَ كَمَذَابِحِ النَّصَارَى فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صُبَّ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ؟ [وَهُوَ قَوْلُ] مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا كَنْسُ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} [النور: 37] وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُجِيزُ الْمَجِيءَ إلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ - ثُمَّ يَكْرَهُ الْمَجِيءَ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ أَوْقَاتِهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ» قَالَ عَلِيٌّ: الدُّورُ هِيَ الْمَحَلَّاتُ، وَالْأَرْبَاضُ، تَقُولُ: دَارُ بَنِي عَبْدَ الْأَشْهَلِ، وَدَارُ بَنِي النَّجَّارِ تُرِيدُ: مَحَلَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ

مسألة التحدث في المسجد بما لا إثم فيه من أمور الدنيا

إبْرَاهِيم هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ ثنا حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْسَنَ هَذَا» [مَسْأَلَةٌ التَّحَدُّثُ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا] 498 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّحَدُّثُ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، مُبَاحٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ. وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ فِيهِ مُبَاحٌ، وَالتَّعَلُّمُ فِيهِ لِلصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ مُبَاحٌ، وَالسَّكَنُ فِيهِ وَالْمَبِيتُ مُبَاحٌ، مَا لَمْ يَضِقْ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَإِدْخَالُ الدَّابَّةِ فِيهِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِ وَالْخِصَامُ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَالتَّطَرُّقُ فِيهِ جَائِزٌ، إلَّا أَنَّ مَنْ خَطَرَ فِيهِ بِنَبْلٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُمْسِكَ بِحَدَائِدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي كُلِّ مَا أَصَابَ مِنْهَا؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الْأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ - وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ لِقَوْمٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ - إلَّا الدَّمَ يَسِيلُ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ، مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا» . وَحَدِيثُ السَّوْدَاءِ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا. وَأَهْلُ الصُّفَّةِ كَانُوا سُكَّانًا فِي الْمَسْجِدِ؟ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ فِي الْمَسْجِدِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ

أَبِي سَلَمَةَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي، قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي الْحَدْرَدِ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا فَنَادَى: يَا كَعْبُ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ: أَيْ الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ كُنْت أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثنا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.

مسألة دخول المشركين في جميع المساجد حاشا حرم مكة كله

وَقَدْ «صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ؟ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ ثنا أَبُو بُرْدَةَ هُوَ بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ هُوَ جَدُّهُ عَامِرُ بْنُ أَبِي مُوسَى - عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ لَا يَعْقِرْ مُسْلِمًا» . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ "، وَهِيَ صَحِيفَةٌ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: إبَاحَةَ التَّطَرُّقِ فِي الْمَسْجِدِ؟ . [مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْمُشْرِكِينَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ حَاشَا حَرَمَ مَكَّةَ كُلَّهُ] 499 - مَسْأَلَةٌ: وَدُخُولُ الْمُشْرِكِينَ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ: جَائِزٌ، حَاشَا حَرَمَ مَكَّةَ كُلَّهُ - الْمَسْجِدَ وَغَيْرَهُ - فَلَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَدْخُلَهُ كَافِرٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ الْيَهُودِيُّ، وَالنَّصْرَانِيُّ، وَمَنَعَ مِنْهُ سَائِرَ الْأَدْيَانِ وَكَرِهَ مَالِكٌ دُخُولَ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] قَالَ عَلِيٌّ: فَخَصَّ اللَّهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَقَدْ كَانَ الْحَرَمُ قَبْلَ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . فَصَحَّ أَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا اللَّيْثُ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ، يَا مُحَمَّدُ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ: فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ: مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إلَيَّ، وَاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ سَائِرِ الْكُفَّارِ -: فَقَالَ تَعَالَى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} [البينة: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} [الحج: 17] قَالَ: وَالْمُشْرِكُ: هُوَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا، لَا مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَرِيكًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ لَهُ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْآيَتَيْنِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وَالرُّمَّانُ مِنْ الْفَاكِهَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وَهُمَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ؟

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الأحزاب: 7] وَهَؤُلَاءِ مِنْ النَّبِيِّينَ؟ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ حُجَّةً: إنْ لَمْ يَأْتِ بُرْهَانٌ بِأَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسَ، وَالصَّابِئِينَ: مُشْرِكُونَ، لِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ شَيْءٌ مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُهُ، حَتَّى يَأْتِيَ بُرْهَانٌ بِأَنَّهُ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِنَصِّ الْآيَتَيْنِ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَجُوسَ عِنْدَهُ: مُشْرِكُونَ، وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الذِّكْرِ بَيْنَ الْمَجُوسِ، وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقَهُ بِعَطْفِ اللَّهِ تَعَالَى إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى؟ ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فَلَوْ كَانَ هَاهُنَا كُفْرٌ لَيْسَ شِرْكًا لَكَانَ مَغْفُورًا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ الشِّرْكِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: أَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ

الْجُرَيْرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا؟ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ» وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» قَالَ عَلِيٌّ: فَلَوْ كَانَ هَاهُنَا كُفْرٌ لَيْسَ شِرْكًا لَكَانَ ذَلِكَ الْكُفْرُ خَارِجًا عَنْ الْكَبَائِرِ، وَلَكَانَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ؟ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ كُفْرٍ شِرْكٌ، وَكُلَّ شِرْكٍ كُفْرٌ، وَأَنَّهُمَا اسْمَانِ شَرْعِيَّانِ أَوْقَعَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؟ ؟ وَأَمَّا حُجَّتُهُ بِأَنَّ الْمُشْرِكَ هُوَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا فَقَطْ: فَهِيَ مُنْتَقِضَةٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّصَارَى يَجْعَلُونَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّهُمْ لَيْسُوا مُشْرِكِينَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ؟ وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَرَاهِمَةَ، وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ، وَأَنَّ لَهُ خَالِقًا وَاحِدًا لَمْ يَزَلْ، وَالْقَائِلِينَ بِنُبُوَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْمُغِيرَةِ وَبُزَيْغٍ كُلُّهُمْ لَا يَجْعَلُونَ لِلَّهِ تَعَالَى

مسألة اللعب والزفن مباحان في المسجد

شَرِيكًا وَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُشْرِكُونَ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ؟ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُ إلَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّشْرِيكِ فِي اللُّغَةِ -: وَهُوَ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا فَقَطْ -: لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْكُفْرُ إلَّا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَرَهُ جُمْلَةً، لَا مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَجْحَدْهُ، فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ الْكُفَّارُ إلَّا الدَّهْرِيَّةُ فَقَطْ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْيَهُودُ، وَلَا النَّصَارَى، وَلَا الْمَجُوسُ، وَلَا الْبَرَاهِمَةُ. كُفَّارًا؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهَذَا، وَلَا مُسْلِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. أَوْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ غَطَّى شَيْئًا: كَافِرًا، فَإِنَّ الْكُفْرَ فِي اللُّغَةِ: التَّغْطِيَةُ، فَإِذَا كُلُّ هَذَا بَاطِلٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُمَا اسْمَانِ نَقَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَوْضُوعِهِمَا فِي اللُّغَةِ إلَى كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ دِينِ اللَّهِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ بِإِنْكَارِهِ مُعَانِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ بُلُوغِ النِّذَارَةِ إلَيْهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اللَّعِبُ وَالزَّفْنُ مُبَاحَانِ فِي الْمَسْجِدِ] 500 - مَسْأَلَةٌ: وَاللَّعِبُ، وَالزَّفْنُ مُبَاحَانِ فِي الْمَسْجِدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ» . [مَسْأَلَةٌ إنْشَادُ الضَّوَالِّ فِي الْمَسَاجِدِ] 501 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ إنْشَادُ الضَّوَالِّ فِي الْمَسَاجِدِ: " فَمَنْ نَشَدَهَا فِيهِ قِيلَ لَهُ: لَا وَجَدْت: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك " -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثنا الْحِجِّيُّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ - يَعْنِي فِي الْمَسْجِدِ - فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.» .

مسألة البول في المسجد

وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا " لَا وَجَدْت ". [مَسْأَلَةٌ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ] 502 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَنْ بَالَ فِيهِ صُبَّ عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، وَلَا يَجُوزُ الْبُصَاقُ، فَمَنْ بَصَقَ فِيهِ فَلْيَدْفِنْ بَصْقَتَهُ. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبْنَى مَسْجِدٌ بِذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ خَاصَّةً؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» . وَرُوِّينَا الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاوِيَةَ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» قَالَ عَلِيٌّ: «أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَنْظِيفِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا» كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ يَقْتَضِي كُلَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ تَنْظِيفٍ وَتَطْيِيبٍ، وَالتَّنْظِيفُ وَالتَّطْيِيبُ: يُوجِبَانِ إبْعَادَ كُلِّ مُحَرَّمٍ، وَكُلِّ قَذِرٍ، وَكُلِّ قُمَامَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْهَابِ عَيْنِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي

مسألة بناء مسجد عليه بيت متملك ليس من المسجد

فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَمَرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَمْرُو بْنُ الْعَبَّاسِ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ - ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْت إلَى شَيْبَةَ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ - قَالَ: جَلَسَ إلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِك هَذَا فَقَالَ: هَمَمْت أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إلَّا قَسَمْتهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْت: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، قَالَ: لِمَ؟ قُلْت: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاك، قَالَ: هُمَا الْمَرْءَانِ يُقْتَدَى بِهِمَا ". وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: إذَا حَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، وَزَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ: فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ؟ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقَوْمَ إذَا زَيَّنُوا مَسَاجِدَهُمْ: فَسَدَتْ أَعْمَالُهُمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ عَلَى مَسْجِدٍ لِلتَّيْمِ مَشُوفٍ فَكَانَ يَقُولُ: هَذِهِ بِيعَةُ التَّيْمِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا: لَا تُحَمِّرْ، وَلَا تُصَفِّرْ؟ [مَسْأَلَةٌ بِنَاءُ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ بَيْتٌ مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ] 503 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بِنَاءُ مَسْجِدٍ عَلَيْهِ بَيْتٌ مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا بِنَاءُ مَسْجِدٍ تَحْتَهُ بَيْتٌ مُتَمَلَّكٌ لَيْسَ مِنْهُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَسْجِدًا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ بَانِيهِ كَمَا كَانَ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُتَمَلَّكُ، لِأَنَّهُ لَا يُضْبَطُ وَلَا يَسْتَقِرُّ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] فَلَا يَكُونُ مَسْجِدًا إلَّا خَارِجًا عَنْ مِلْكِ كُلِّ أَحَدٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ بَيْتٍ مُتَمَلَّكٍ لِإِنْسَانٍ فَلَهُ أَنْ يُعَلِّيَهُ مَا شَاءَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْهَوَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَحُكْمُهُ الْوَاجِبُ لَهُ، لَا إلَى إنْسَانٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ إذَا بَنِي عَلَى الْأَرْضِ مَسْجِدًا وَشَرَطَ الْهَوَاءَ لَهُ يَعْمَلُ فِيهِ مَا شَاءَ: فَلَمْ

مسألة البيع في المساجد

يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِشَرْطٍ فَاسِدٍ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَأَيْضًا: فَإِذَا عَمِلَ مَسْجِدًا عَلَى الْأَرْضِ وَأَبْقَى الْهَوَاءَ لِنَفْسِهِ: فَإِنْ كَانَ السَّقْفُ لَهُ؟ فَهَذَا مَسْجِدٌ لَا سَقْفَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ بِنَاءٌ بِلَا سَقْفٍ أَصْلًا. وَإِنْ كَانَ السَّقْفُ لِلْمَسْجِدِ؟ فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ. وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي الْعُلْوِ وَالسَّقْفُ لِلْمَسْجِدِ: - فَهَذَا مَسْجِدٌ لَا أَرْضَ لَهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ. فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، فَإِنَّمَا أَبْقَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا بِلَا سَقْفٍ، وَهَذَا مُحَالٌ؟ ؟ وَأَيْضًا: فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ سُفْلًا؟ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى رُءُوسِ حِيطَانِهِ شَيْئًا، وَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عُلْوًا، فَلَهُ هَدْمُ حِيطَانِهِ مَتَى شَاءَ، وَفِي ذَلِكَ هَدْمُ الْمَسْجِدِ وَانْكِفَاؤُهُ وَلَا يَحِلُّ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ. [مَسْأَلَةٌ الْبَيْعُ فِي الْمَسَاجِدِ] 504 - مَسْأَلَةٌ: وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ صَحِيفَتُهُ. [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى] 505 - مَسْأَلَةٌ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى؟ وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى: هِيَ الْعَصْرُ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -: فَصَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهَا الظُّهْرُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمْ؟ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّهَا الصُّبْحُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمَا. وَعَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ؟

وَهُوَ قَوْل: طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهَا الْمَغْرِبُ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الْعَتَمَةُ؟ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا الْعَصْرُ؟ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا الظُّهْرُ -: بِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالنَّاسُ فِي قَائِلَتِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الصَّفُّ وَالصَّفَّانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ» ؟ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: قَبْلَهَا: صَلَاتَانِ وَبَعْدَهَا: صَلَاتَانِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ؟ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا الْمَغْرِبُ بِأَنَّ أَوَّلَ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ الظُّهْرُ، فَهِيَ الْأُولَى، وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ الْأُولَى، وَبَعْدَهَا الْعَصْرُ، صَلَاتَانِ لِلنَّهَارِ، فَالْمَغْرِبُ هِيَ الْوُسْطَى، وَبِأَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا إلَّا وَقْتًا وَاحِدًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهَا خَمْسٌ أَبَدًا بِالْعَدَدِ مِنْ حَيْثُ شِئْت، فَالثَّالِثَةُ الْوُسْطَى، وَمَنْ جَعَلَ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا فَقَدْ أَخْطَأَ، إذْ قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِأَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ؟ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا: " الْعَتَمَةُ " حُجَّةً نَشْتَغِلُ بِهَا؟ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا الصُّبْحُ بِأَنْ قَالَ: إنَّهَا تُصَلَّى فِي سَوَادٍ مِنْ اللَّيْلِ وَبَيَاضٍ مِنْ النَّهَارِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا شَيْءَ، لِأَنَّ الْمَغْرِبَ تُشَارِكُهَا فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ فِي كَوْنِهَا كَذَلِكَ بَيَانٌ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى.

وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَةً، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ لَيْلَةٍ» قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذَا تَفْضِيلٌ لَهَا عَلَى الظُّهْرِ، وَلَا عَلَى الْعَصْرِ، وَلَا عَلَى الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَفْضِيلُهَا عَلَى الْعَتَمَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ: أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، يَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ» قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ شَارَكَهَا فِي هَذَا صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا هِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» . «وَمَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَلَا فَرْقَ.

وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وَهَذَا لَا بَيَانَ فِيهِ بِأَنَّهَا الْوُسْطَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِغَيْرِ الصُّبْحِ كَمَا أَمَرَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] فَالْأَمْرُ بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَعَاقَبُ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَقُرْآنُ الْعَصْرِ مَشْهُودٌ كَقُرْآنِ الْفَجْرِ وَلَا فَرْقَ. وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] دَلِيلٌ أَنَّ قُرْآنَ غَيْرِ الْفَجْرِ مِنْ الصَّلَوَاتِ لَيْسَ مَشْهُودًا، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا بَلْ كُلُّهَا مَشْهُودٌ بِلَا شَكٍّ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا أَصْعَبُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُصَلِّينَ، فِي الشِّتَاءِ: لِلْبَرْدِ، وَفِي الصَّيْفِ: لِلنَّوْمِ، وَقِصَرِ اللَّيَالِيِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ أَصْلًا عَلَى أَنَّهَا الْوُسْطَى، وَالظُّهْرُ يَشْتَدُّ فِيهَا الْحَرُّ حَتَّى تَكُونَ أَصْعَبَ الصَّلَوَاتِ، كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجَّةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَلَا يَحِلُّ الْإِخْبَارُ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: نَجْعَلُ كُلَّ صَلَاةٍ هِيَ الْوُسْطَى قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صَلَاةً وَاحِدَةً، فَلَا يَحِلُّ حَمْلُهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلَا عَلَى غَيْرِ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ عَلِيٌّ: فَوَجَبَ طَلَبُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى مِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ. وَقَالَ الْمُسْنَدِيُّ: ثنا يَزِيدُ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَزِيدُ وَيَحْيَى قَالَا: أَنَا هِشَامُ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ - أَوْ أَجْوَافَهُمْ - نَارًا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَا: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ هُوَ مُسْلِمٌ الْأَجْرَدُ - عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَحْزَابِ: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى آبَتْ الشَّمْسُ، مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» هَذَا لَفْظُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَلَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ «قُبُورَهُمْ أَوْ بُيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ نَارًا» . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ «زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ:

قُلْتُ لِعُبَيْدَةَ: سَلْ عَلِيًّا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: كُنَّا نَرَاهَا صَلَاةَ الْفَجْرِ، حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَأَجْوَافَهُمْ أَوْ بُيُوتَهُمْ نَارًا» . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ قَالُوا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَشُتَيْرٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَأَبُوهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ سَمِعَهُ شُتَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ لَا يَسَعُ الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ عَلِيٌّ: فَتَعَلَّلَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَتْ بِخَطِّ يَدِهَا فِي مُصْحَفِهَا حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ - وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وَبِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَتْهُ أَنْ يَنْسَخَ لَهَا مُصْحَفًا، وَأَمَرَتْهُ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ إذَا بَلَغَ إلَى هَذَا الْمَكَانِ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَمْلَتْ عَلَيْهِ فِي مُصْحَفٍ كَتَبَهُ لَهَا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ - وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ

وَقَالَتْ: " سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: «كَانَ فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى - وَصَلَاةِ الْعَصْرِ - وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» . وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ " وَعَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يَقْرَؤُهَا: عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ. قَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا اعْتِرَاضٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى حَفْصَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، حَاشَا رِوَايَةَ عَائِشَةَ فَقَطْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ نَصُّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلَامِ غَيْرِهِ؟ فَإِنْ وَهَّنُوا تِلْكَ الرِّوَايَاتِ قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ الرِّوَايَاتُ هِيَ الْوَاهِيَةُ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ؟ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُكُمْ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا، وَلَا أَنْ يَكْتُبَهَا فِي مُصْحَفِهِ، وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهَا رِوَايَاتٌ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَكُلُّ مَا كَانَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ عِنْدَ

التَّنَازُعِ بِالرَّدِّ إلَى أَحَدٍ غَيْرِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إلَى غَيْرِهِمَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَخَالَفَ أَمْرَهُ، فَهَذَا بُرْهَانٌ كَافٍ ثُمَّ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَعَارَضَتْ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ -: عَلَى أَنْ نُسَلِّمَ لَكُمْ كُلَّ مَا تُرِيدُونَ فِي مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ الزَّائِدَةِ الَّتِي فِي هَذِهِ - الْآثَارِ - وَهِيَ أَنَّنَا رُوِّينَا خَبَرَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَتْ مُصْحَفًا فَقَالَتْ: اُكْتُبْ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ هَكَذَا بِلَا وَاوٍ؟ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ - هَكَذَا بِلَا وَاوٍ؟ فَاخْتَلَفَ وَكِيعٌ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلَى دَاوُد بْنِ قَيْسٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَاخْتَلَفَ وَكِيعٌ، وَيَحْيَى عَلَى شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ وَكِيعٌ دُونَ يَحْيَى وَلَا دُونَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ؟ وَأَمَّا خَبَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مَجْلُوبِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ دُونَ الْأُولَى، فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا؟ وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ؟ فَهَذِهِ أَصَحُّ رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ ثِقَةٌ - رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيعٌ، وَمَعْمَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرُهُمْ. فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ، إذْ لَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ

بِأُولَى مِنْ بَعْضٍ، وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أُورِدَتْ عَنْ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأُبَيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ -: الَّتِي فِيهَا " وَصَلَاةُ الْعَصْرِ " وَاَلَّتِي فِيهَا " صَلَاةُ الْعَصْرِ " عَنْهُمْ " بِلَا وَاوٍ " حَاشَا حَفْصَةَ وَكَيْفَ تَقُولُونَ فِي الْقِرَاءَةِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ لَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهَا الْيَوْمَ؟ فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّ الَّذِي يُظَنُّ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ اخْتِلَافًا، بَلْ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَعَ " الْوَاوِ " وَمَعَ إسْقَاطِهَا سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهَا تَعْطِفُ الصِّفَةَ عَلَى الصِّفَةِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ. وَكَمَا تَقُولُ: أَكْرِمْ إخْوَانَك، وَأَبَا زَيْدٍ الْكَرِيمِ وَالْحَسِيبِ أَخَا مُحَمَّدٍ فَأَبُو زَيْدٍ هُوَ الْحَسِيبُ، وَهُوَ أَخُو مُحَمَّدٍ. فَقَوْلُهُ " وَصَلَاةُ الْعَصْرِ " بَيَانٌ لِلصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَهِيَ الْوُسْطَى وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» فَلَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَصْلًا، فَوَجَبَ بِذَلِكَ حَمْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ» عَلَى أَنَّهَا عَطْفُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ وَلَا بُدَّ وَيُبَيِّنُ أَيْضًا صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْهُمْ مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ عَنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ " وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ ". وَصَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ، وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ نُزُولَ الْآيَةِ فِيهَا " وَصَلَاةُ الْعَصْرِ " فَصَحَّ أَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهَا صِفَةٌ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهِيَ سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْلُوهَا كَذَلِكَ، وَبِهَذَا ارْتَفَعَ الِاضْطِرَابُ عَنْهُمْ، وَتَتَّفِقُ أَقْوَالُهُمْ، وَيَصِحُّ كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ الِاخْتِلَافُ، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْتِيَ اضْطِرَابٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَمَنْ أَبَى مِنْ هَذَا لَمْ يَحْصُلْ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَوَجَبَ الِاضْطِرَابُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَوَجَبَ سُقُوطُ الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا، وَصَحَّ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَطَلَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِرِوَايَاتٍ اضْطَرَبَ عَلَى أَصْحَابِهَا بِمَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِمَّا يَدَّعِيهِ الْمُخَالِفُ، وَبِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِمَّا يُوَافِقُ قَوْلَنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَلَا تَحِلُّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَزِيدَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُبَيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ فِيهِ؟ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا: هُوَ أَنَّ تِلْكَ اللَّفْظَةَ كَانَتْ مُنَزَّلَةً ثُمَّ نُسِخَ لَفْظُهَا -: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبِدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ «أُمِّ حُمَيْدٍ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى؟ فَقَالَتْ: كُنَّا نَقْرَؤُهَا فِي الْحَرْفِ الْأَوَّلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى - وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَقَرَأْنَاهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ: هِيَ إذَنْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَقَالَ الْبَرَاءُ: قَدْ أَخْبَرْتُك كَيْفَ نَزَلَتْ؟ وَكَيْفَ نَسَخَهَا اللَّهُ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ نَسْخُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَبَقِيَ حُكْمُهَا كَآيَةِ الرَّجْمِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ يُثْبِتُهَا مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بِهَذَا مِنْ السَّلَفِ طَائِفَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ.

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ: أَلَسْت تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْك بِهَذَا الْقُرْآنِ حَتَّى تَفْهَمَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] الْمَغْرِبُ. وَقَالَ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] الْعَتَمَةُ. وَقَالَ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] الْغَدَاةُ. ثُمَّ قَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] هِيَ الْعَصْرُ، هِيَ الْعَصْرُ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّلَاةَ الْوُسْطَى: صَلَاةَ الْعَصْرِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ هُوَ يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْمَرَاغِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْهَا مِثْلُ ذَلِكَ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى؟ قَالَ: هِيَ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا ابْنُ دَاوُد يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَلِيًّا: أَيُّ الصَّلَوَاتِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْوُسْطَى؟ وَقَدْ نَادَى مُنَادِيهِ الْعَصْرَ، فَقَالَ: هِيَ هَذِهِ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا عَنْ عَائِشَةَ: غَيْرُ هَذَا أَصْلًا. وَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ.

مسألة رفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة

وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ؟ وَعَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى: صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَدَاوُد، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ. [مَسْأَلَةٌ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ إثْرَ كُلِّ صَلَاةٍ] 506 - مَسْأَلَةٌ: وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ إثْرَ كُلِّ صَلَاةٍ: حَسَنٌ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرٍو - قَالَ سَمِعْته يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِالتَّكْبِيرِ " قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَسِيَ أَبُو مَعْبَدٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنْكَرَهُ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ عَمْرٌو أَوْثَقُ الثِّقَاتِ، وَالنِّسْيَانُ لَا يَعْرَى مِنْهُ آدَمِيٌّ. وَالْحُجَّةُ قَدْ قَامَتْ بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ [مَسْأَلَةٌ جُلُوسُ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ سَلَامِهِ] 507 - مَسْأَلَةٌ: وَجُلُوسُ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ سَلَامِهِ: حَسَنٌ مُبَاحٌ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ قَامَ سَاعَةَ يُسَلِّمُ: فَحَسَنٌ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ

مسألة وجد الإمام جالسا في آخر صلاته

عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ رَمَقْتُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجَدْتَهُ، فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجِلْسَتَهُ، وَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ.» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَتْنِي هِنْدٌ الْفِرَاسِيَّةُ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ إذَا سَلَّمْنَ مِنْ الصَّلَاةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ الرِّجَالُ» وَقَدْ صَحَّتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مُسْنَدَةٌ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ «عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّبْحَ، فَلَمَّا صَلَّى انْحَرَفَ» قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ كَانَ إذَا سَلَّمَ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى يَقُومَ وَرُوِّينَا خِلَافَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ: أَيَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إمَامٍ وَغَيْرِ إمَامٍ؟ . وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ ثُمَّ يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَدْ كَانَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قِيلَ لِطَاوُسٍ: أَيَتَحَوَّلُ الرَّجُلُ إذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَتَطَوَّعَ؟ فَقَالَ: {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [الحجرات: 16] [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ] 508 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ، سَوَاءٌ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لَمْ يَطْمَعْ، فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ، فَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا مَشَقَّةَ فِي

قَصْدِهِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ النُّهُوضُ إلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ الْإِسْرَاعُ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ اُبْتُدِئَتْ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - ثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا آدَم ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» فَهَذَا عُمُومٌ لِمَا أَدْرَكَهُ الْمَرْءُ مِنْ الصَّلَاةِ، قَلَّ أَمْ كَثُرَ، وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الْأَخْذِ بِالزِّيَادَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَدْرَكَ قَوْمًا جُلُوسًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ: أَدْرَكْتُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا أَدْرَكَهُمْ سُجُودًا سَجَدَ مَعَهُمْ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: إنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَوْ الْأَذَانَ وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَيَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيَأْتِي الْجَمَاعَةَ؟ قَالَ: إنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ شَيْئًا فَنَعَمْ؟ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ جَاءَ قَوْمًا فَوَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا، فَسَمِعَ مُؤَذِّنًا فَخَرَجَ إلَيْهِ؟

مسألة يستحب لكل مصل أن ينصرف عن يمينه

وَرُوِّينَا: أَنَّ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ فَعَلَهُ أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مُقْبِلًا إلَى صَلَاةٍ فَلْيَمْشِ عَلَى رِسْلِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ، فَمَا أَدْرَكَ فَلْيُصَلِّ، وَمَا فَاتَهُ فَلْيَقْضِهِ بَعْدُ، قَالَ عَطَاءٌ وَإِنِّي لَأَصْنَعُهُ وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيَّ فَجَعَلَ يُقَارِبُ بَيْنَ الْخُطَا، فَانْتَهَيْنَا إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ سُبِقْنَا بِرَكْعَةٍ، فَصَلَّيْنَا مَعَ الْإِمَامِ وَقَضَيْنَا مَا فَاتَنَا، فَقَالَ لِي أَنَسٌ: يَا ثَابِتٌ أَغَمَّك مَا صَنَعْتُ بِك؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: صَنَعَهُ بِي أَخِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: مَنْ أَقْبَلَ لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ فَأُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُسْرِعُ وَلَا يَزِدْ عَلَى مِشْيَتِهِ الْأُولَى، فَمَا أَدْرَكَ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ، وَمَا لَمْ يُدْرِكْ فَلْيُتِمَّهُ؟ . وَعَنْ سُفْيَانَ بْنَ زِيَادٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُعَجِّلُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: أَقْصِدْ، فَإِنَّك فِي صَلَاةٍ، لَا تَخْطُو خُطْوَةً إلَّا رَفَعَك اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئَةً؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ " اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ". وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ -: فِيهِمَا النَّهْيُ عَنْ الْإِسْرَاعِ أَيْضًا؟ [مَسْأَلَةٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِهِ] 509 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ انْصَرَفَ عَنْ شِمَالِهِ: فَمُبَاحٌ، لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ، ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ سَمِعْت أَبِي عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . وَرُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ السُّدِّيَّ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: كَيْفَ أَنْصَرِفُ إذَا صَلَّيْت؟ قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْصَرِفُ عَلَى يَمِينِهِ»

مسألة وجد الإمام راكعا أو ساجدا

وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مَا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ عُمَارَةُ: فَرَأَيْتُ حِجْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ.» [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا] 510 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ جَالِسًا فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا، لَكِنْ يُكَبِّرُ وَهُوَ فِي الْحَالِ الَّتِي يَجِدُ إمَامَهُ عَلَيْهَا وَلَا بُدَّ، تَكْبِيرَتَيْنِ وَلَا بُدَّ، إحْدَاهُمَا لِلْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ، وَالثَّانِيَةِ لِلْحَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا. لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» . وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا.» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالِائْتِمَامِ بِالْإِمَامِ، وَالِائْتِمَامُ بِهِ: هُوَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ الْإِنْسَانُ فِي جَمِيعِ عَمَلِهِ، وَمَنْ كَبَّرَ قَائِمًا وَالْإِمَامُ غَيْرُ قَائِمٍ فَلَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، فَقَدْ صَلَّى بِخِلَافِ مَا أُمِرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِنْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

صلاة المسافر

[صَلَاةُ الْمُسَافِرِ] [مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَبَدًا] مَسْأَلَةٌ: صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَبَدًا، وَفِي الْخَوْفِ كَذَلِكَ. وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ، وَالسَّفَرِ، وَالْخَوْفِ أَبَدًا. وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعَتَمَةِ، فَإِنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ لِلصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ، وَرَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ. كُلُّ هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، إلَّا كَوْنُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ رَكْعَةً فِي الْخَوْفِ فَفِيهِ خِلَافٌ. 512 - مَسْأَلَةٌ: وَكَوْنُ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ فَرْضٌ - سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، أَوْ لَا طَاعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ، أَمْنًا كَانَ أَوْ خَوْفًا - فَمَنْ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا عَامِدًا، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَطْ وَأَمَّا قَصْرُ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ إلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ فَمُبَاحٌ، مَنْ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ: فَحَسَنٌ، وَمَنْ صَلَّاهَا رَكْعَةً: فَحَسَنٌ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَرْضٌ، فَمَنْ أَتَمَّهَا فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ الِاثْنَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَأَعَادَ أَبَدًا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَصْرُ مُبَاحٌ، وَمَنْ شَاءَ أَتَمَّ؟ وَلَا قَصْرَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ إلَّا فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ فَقَطْ

وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا مَالِكٌ، وَلَا الشَّافِعِيُّ: الْقَصْرَ فِي الْخَوْفِ إلَى رَكْعَةٍ أَصْلًا، لَكِنْ رَكْعَتَانِ فَقَطْ؟ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأُولَى» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ «صَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْجَرْجَرَائِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ثنا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَقَدْ كَفَرَ» .

وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟ ، قَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَلَغَهَا فِي الْحَضَرِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعًا، وَأَقَرَّ صَلَاةَ السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ. وَصَحَّ أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ: رَكْعَتَانِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَهِيَ رَكْعَتَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أَمَرَ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ. وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ، بَلْ عَمَّ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَخْصِيصُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ رَدُّ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَبُولِهَا، فَيَكُونُ مَنْ لَا يَقْبَلُهَا عَاصِيًا وَاحْتَجَّ مَنْ خَصَّ بَعْضَ الْأَسْفَارِ بِذَلِكَ بِأَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ مُحَرَّمٌ، فَلَا حُكْمَ لَهُ؟ فَقُلْنَا: أَمَّا مُحَرَّمٌ فَنَعَمْ، هُوَ مُحَرَّمٌ، وَلَكِنَّهُ سَفَرٌ، فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّهُ مُحَرَّمٌ، ثُمَّ تَجْعَلُونَ فِيهِ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَتُجِيزُونَ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَتَرَوْنَهَا فَرْضًا، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَجَزْتُمْ - مِنْ الصَّلَاةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا - وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمْ مِنْ تَأْدِيَتِهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّفَرِ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ؟ وَكَذَلِكَ الزِّنَى مُحَرَّمٌ، وَفِيهِ مِنْ الْغُسْلِ كَاَلَّذِي فِي الْحَلَالِ، لِأَنَّهُ إجْنَابٌ. وَمُجَاوَزَةُ

خِتَانٍ لِخِتَانٍ، فَوَجَبَ فِيهِ حُكْمُ عُمُومِ الْإِجْنَابِ وَمُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ لِلْخِتَانِ؟ وَكَمَا قَالُوا فِيمَنْ قَاتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ مَنَعَتْهُ مِنْ الْقِيَامِ، فَإِنَّ لَهُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ جَالِسًا مَا لِمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا فَرْقَ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلُّوا قِيَامًا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» . فَإِنْ قِيلَ لَنَا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِ سَبِيلِ الْحَقِّ رَاكِبًا أَوْ مُقَاتِلًا أَوْ مَاشِيًا فَلَا صَلَاةَ لَهُ فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوا فِي صَلَاتِهِمْ حَرَكَاتٍ لَا يَحِلُّ لَهُمْ فِعْلُهَا، فَبِذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ الْمُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً فِي صَلَاتِهِ شَيْئًا غَيْرَهَا، وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ فَمَشَوْا مَشْيًا مُحَرَّمًا فِي الصَّلَاةِ، وَقَاتَلُوا فِيهَا قِتَالًا مُحَرَّمًا؟ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ أَتَوْا إلَى عُمُومِ اللَّهِ تَعَالَى لِلسَّفَرِ، وَعُمُومِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّفَرِ - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]- فَخَصُّوهُ بِآرَائِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْطَلَ فِيهِ الْعُمُومَ، مِنْ تَحْرِيمِهِ الْمَيْتَةَ جُمْلَةً، ثُمَّ قَالَ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] . وَقَوْلُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] : فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ: إنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ: حَلَالٌ لِلْمُضْطَرِّ، وَإِنْ كَانَ مُتَجَانِفًا لِإِثْمٍ، وَبَاغِيًا عَادِيًا قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ، مُنْتَظِرًا لِرِفَاقِ الْمُسْلِمِينَ يُغِيرُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَيَسْفِكُ دِمَاءَهُمْ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا: حَرَامٌ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ فَقُلْنَا لَهُمْ: وَلِمَ يَقْتُلْ نَفْسَهُ؟ بَلْ يَتُوبُ الْآنَ مِنْ نِيَّتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَيَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ حِينِهِ، وَالتَّوْبَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ؟ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ، أَوْ عُمْرَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ -:

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا حَاجٌّ، أَوْ مُجَاهِدٌ؟ وَعَنْ طَاوُسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ؟ فَيَقُولُ: إذَا خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْقَصْرَ إلَّا فِي: حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] . وَقَالُوا: لَمْ يُصَلِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكْعَتَيْنِ إلَّا فِي: حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ جِهَادٍ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ لَمْ يَرِدْ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ وَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَكَانَ مَا قَالُوا، لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ، وَأَمَرَ بِقَبُولِ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ -: كَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْآيَةِ وَعَلَى عَمَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الْأَخْذِ بِالشَّرْعِ الزَّائِدِ؟ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ -: بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَنَّهَا جَاءَتْ بِلَفْظِ لَا جُنَاحَ وَهَذَا يُوجِبُ الْإِبَاحَةَ لَا الْفَرْضَ؟ وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَتْ مَكَّةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَصَرْتُ وَأَتْمَمْتُ، وَأَفْطَرْتُ وَصُمْتُ قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَافِرُ فَيُتِمُّ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُ» . وَبِأَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِمِنًى بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَتَمُّوهَا مَعَهُ؟ وَبِأَنَّ عَائِشَةَ - وَهِيَ رَوَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فِي الْقَصْرِ الْمَذْكُورِ، بَلْ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا، إنْ

شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ فَلَا خَيْرَ فِيهِمَا -: أَمَّا الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ فَانْفَرَدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ الْأَزْدِيُّ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ فَانْفَرَدَ بِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ، لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ ضَعِيفٌ، كُلُّ حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ فَهُوَ مُنْكَرٌ وَأَمَّا فِعْلُ عُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا تَأَوَّلَا تَأْوِيلًا خَالَفَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْغَدْرِيُّ ثنا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ ثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ - فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا كَانَ عَمَلُ عَائِشَةَ أَنْ تُتِمَّ فِي السَّفَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: تَأَوَّلَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ بِمِنًى وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا صَلَّاهَا أَرْبَعًا - يَعْنِي بِمِنًى - لِأَنَّهُ أَزْمَعَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ الْحَجِّ. فَعَلَى هَذَا أَتَمَّ مَعَهُ مَنْ كَانَ يُتِمُّ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِأَنَّهُمْ أَقَامُوا بِإِقَامَتِهِ وَقَدْ خَالَفَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ طَوَائِفُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَعَادَهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَلَاةِ السَّفَرِ بِمِنًى؟

فَقَالَ: " سَمِعْت «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» فَصَلِّ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيِّ: ثنا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ مُوَرِّقِ الْعِجْلِيّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: حَدِّثْنِي عَنْ صَلَاةِ السَّفَرِ، قَالَ: أَتَخْشَى أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ، قُلْت: لَا، قَالَ: رَكْعَتَانِ، مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ - ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا كَمَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اعْتَلَّ عُثْمَانُ وَهُوَ بِمِنًى فَأَتَى عَلِيٌّ فَقِيلَ لَهُ: صَلِّ بِالنَّاسِ؟ فَقَالَ: إنْ شِئْتُمْ صَلَّيْت لَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ قَالُوا: لَا، إلَّا صَلَاةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنُونَ عُثْمَانَ -: أَرْبَعًا فَأَبَى عُثْمَانُ. وَهَكَذَا عَمَّنْ بَعْدَهُمْ: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ الْإِتْمَامُ فِي السَّفَرِ لِمَنْ شَاءَ، فَقَالَ: لَا، الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ حَتْمَانِ لَا يَصِحُّ غَيْرُهُمَا. فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؟ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ تَنَاقَضُوا هَهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، لِأَنَّهُمْ إذَا تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ وَخَالَفُوا رِوَايَتَهُ قَالُوا: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِعِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ رَآهُ أَوْلَى مِمَّا رَوَى. وَهَا هُنَا أَخَذُوا رِوَايَةَ عَائِشَةَ وَتَرَكُوا فِعْلَهَا، وَقَالُوا بِأَقْبَحَ مَا يُشَنِّعُونَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَرَأَوْا أَنَّ عُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهُمَا صَلَّوْا صَلَاةً فَاسِدَةً يَلْزَمُهُمْ إعَادَتُهَا، إمَّا أَبَدًا وَإِمَّا فِي الْوَقْتِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَقُتَيْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» .

مسألة خرج عن موضع سكناه فمشى ميلا فصاعدا

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، كُلِّهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] . كَتَبَ إلَى هِشَامِ بْنِ سَعِيدِ الْخَيْرِ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ الطَّوِيلُ ثنا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدَوَيْهِ النَّجِيرَمِيُّ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَصْفَهَانِيُّ ثنا أَبُو بِشْرٍ يُونُسُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ ثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثنا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ صُهَيْبٍ - قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، أَقْصُرُهُمَا؟ قَالَ جَابِرٌ لَا: إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ لَيْسَتَا بِقَصْرٍ، إنَّمَا الْقَصْرُ رَكْعَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذِهِ الْآيَةِ قُلْنَا: إنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ - إنْ شَاءَ - رَكْعَةً - وَإِنْ شَاءَ - رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِلَفْظَةِ لَا جُنَاحَ لَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَالْإِيجَابِ، وَصَلَّاهُمَا النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً رَكْعَةً وَمَرَّةً رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِيَارِ كَمَا قَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ [مَسْأَلَةٌ خَرَجَ عَنْ مَوْضِعِ سُكْنَاهُ فَمَشَى مِيلًا فَصَاعِدًا] 513 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَرَجَ عَنْ بُيُوتِ مَدِينَتِهِ، أَوْ قَرْيَتِهِ، أَوْ مَوْضِعِ سُكْنَاهُ فَمَشَى مِيلًا فَصَاعِدًا: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَا بُدَّ إذَا بَلَغَ الْمِيلَ، فَإِنْ مَشَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ: صَلَّى أَرْبَعًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ: إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا يَخْرُجُونَ: إمَّا لِجِبَايَةٍ، وَإِمَّا لِتِجَارَةٍ، وَإِمَّا لِجَشَرٍ ثُمَّ لَا يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ، فَلَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّمَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَنْ كَانَ شَاخِصًا، أَوْ بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ -:

لَا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ: جَابٍ، وَلَا تَاجِرٌ، وَلَا تَانٍ، إنَّمَا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ مَنْ كَانَ مَعَهُ الزَّادُ وَالْمَزَادُ. قَالَ عَلِيٌّ: الثَّانِي - هُوَ صَاحِبُ الضَّيْعَةِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا فِي كِتَابِي وَصَوَابُهُ عِنْدِي: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ سَوَادُكُمْ هَذَا مِنْ صَلَاتِكُمْ، فَإِنَّهُ مِنْ مِصْرِكُمْ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَأْذَنْته أَنْ آتِيَ أَهْلِي بِالْكُوفَةِ، فَأَذِنَ لِي وَشَرَطَ عَلَيَّ أَنْ لَا أُفْطِرَ وَلَا أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْهِ، وَبَيْنَهُمَا نَيِّفٌ وَسِتُّونَ مِيلًا؟ وَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَعَنْ حُذَيْفَةَ: أَنْ لَا يَقْصُرَ إلَى السَّوَادِ، وَبَيْنَ الْكُوفَةِ وَالسَّوَادِ: سَبْعُونَ مِيلًا. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: لَا يَطَأُ أَحَدُكُمْ بِمَاشِيَتِهِ أَحْدَابَ الْجِبَالِ، وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ سَفَرٌ، لَا وَلَا كَرَامَةَ، إنَّمَا التَّقْصِيرُ فِي السَّفَرِ الْبَاتُّ، مِنْ الْأُفُقِ إلَى الْأُفُقِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: السَّفَرُ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ: الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الزَّادُ وَالْمَزَادُ؟ وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ شُقَيْقِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى وَاسِطَ؟ فَقَالَ: لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ، وَبَيْنَهُمَا مِائَةُ مِيلٍ وَخَمْسُونَ مِيلًا؟ فَهُنَا قَوْلٌ -: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ أَدْنَى مَا يُقْصِرُ الصَّلَاةَ إلَيْهِ: مَالٌ لَهُ بِخَيْبَرَ، وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ فَوَاصِلٌ لَمْ يَكُنْ يُقْصِرُ فِيمَا دُونَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقْصِرُ الصَّلَاةَ فِيمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَخَيْبَرَ، وَهِيَ كَقَدْرِ الْأَهْوَازِ مِنْ الْبَصْرَةِ، لَا يَقْصُرُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ؟

قَالَ عَلِيٌّ: بَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَخَيْبَرَ كَمَا بَيْنَ الْبَصْرَةِ، وَالْأَهْوَازِ -: وَهُوَ مِائَةُ مِيلٍ وَاحِدَةٌ غَيْرُ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ عَنْ نَافِعٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: أَنَّهُ قَالَ: لَا قَصْرَ فِي أَقَلِّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلًا، كَمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ، وَبَغْدَادَ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ الْأَسَدِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: حَاجٌّ، أَوْ مُعْتَمِرٌ، أَوْ غَازٍ؟ قُلْت: لَا، وَلَكِنَّ أَحَدَنَا تَكُونُ لَهُ الضَّيْعَةُ بِالسَّوَادِ، فَقَالَ: تَعْرِفُ السُّوَيْدَاءَ؟ قُلْت: سَمِعْت بِهَا وَلَمْ أَرَهَا، قَالَ: فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ وَلَيْلَتَانِ وَلَيْلَةٌ لِلْمُسْرِعِ، إذَا خَرَجْنَا إلَيْهَا قَصَرْنَا قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى السُّوَيْدَاءِ -: اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا، أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا؟ فَهَذِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى يَقُولُ: سَمِعْت سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ يَقُولُ: إذَا سَافَرْت ثَلَاثًا فَاقْصُرْ الصَّلَاةَ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ -: أَنَّهُ قَالَ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَتِهِ: مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ: إلَى نَحْوِ الْمَدَائِنِ يَعْنِي مِنْ الْكُوفَةِ، وَهُوَ نَحْوُ نَيِّفٍ وَسِتِّينَ مِيلًا، لَا يَتَجَاوَزُ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ وَاحِدٍ وَسِتِّينَ؟ وَبِهَذَيْنِ التَّحْدِيدَيْنِ جَمِيعًا يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ الثَّلَاثِ: سَيْرُ الْأَقْدَامِ وَالثِّقَلِ وَالْإِبِلِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ، وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ تَحْدِيدَ الثَّلَاثِ؟

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ: فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ لَيْلَتَيْنِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ: لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي لَيْلَتَيْنِ، وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ تَحْدِيدَ اللَّيْلَتَيْنِ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ، قَالَ: وَبِهِ يَأْخُذُ قَتَادَةُ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ؟ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَا عَنْ الزُّهْرِيِّ: تَحْدِيدَ الْيَوْمَيْنِ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا سَافَرْت يَوْمًا إلَى الْعِشَاءِ فَأَتِمَّ، فَإِنْ زِدْت فَقَصْرٌ؟ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ عَنْ مَسِيرَةِ يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ، إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْصُرُ إلَى عَرَفَةَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ إلَى الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ، فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَعَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؟ وَهَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا؟ وَبِهَذَا يَأْخُذُ اللَّيْثُ، وَمَالِكٌ فِي أَشْهَرِ أَقْوَالِهِ عَنْهُ.

وَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ لَا أَمْيَالَ فِيهَا فَلَا - قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلثِّقَلِ قَالَ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيَّ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ: لَا قَصْرَ إلَّا فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا فَصَاعِدًا؟ وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا قَصْرَ إلَّا فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا فَصَاعِدًا. وَرُوِيَ عَنْهُ: لَا قَصْرَ إلَّا فِي أَرْبَعِينَ مِيلًا فَصَاعِدًا. وَرَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: لَا قَصْرَ إلَّا فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا فَصَاعِدًا - ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَبْسُوطِ. وَرَأَى لِأَهْلِ مَكَّةَ خَاصَّةً فِي الْحَجِّ خَاصَّةً -: أَنْ يَقْصُرُوا الصَّلَاةَ إلَى مِنًى فَمَا فَوْقَهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ خَرَجَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ - كَالرِّعَاءِ وَغَيْرِهِمْ - فَتَأَوَّلَ فَأَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ فَقَطْ وَرُوِّينَا عَنْ الشَّافِعِيِّ: لَا قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ وَهَهُنَا أَقْوَالٌ أُخَرُ أَيْضًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْصُرُ إلَى الْأُبُلَّةِ؟ قَالَ: تَذْهَبُ وَتَجِيءُ فِي يَوْمٍ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: لَا، إلَّا يَوْمٌ مُتَاحٌ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْصُرُ إلَى مِنًى أَوْ عَرَفَةَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ إلَى الطَّائِفِ، أَوْ جُدَّةَ، أَوْ عُسْفَانَ، فَإِذَا وَرَدْت عَلَى مَاشِيَةٍ لَك، أَوْ أَهْلٍ: فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ بِتَكْسِيرِ الْحُلَفَاءِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِيلًا. وَأَخْبَرَنَا الثِّقَاتُ أَنَّ مِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ: أَرْبَعِينَ مِيلًا.

وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي يَوْمٍ تَامٍّ؟ وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَافَرَ إلَى رِيمٍ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: إذَا خَرَجْتَ فَبِتَّ فِي غَيْرِ أَهْلِكَ فَاقْصُرْ، فَإِنْ أَتَيْتَ أَهْلَكَ فَأَتْمِمْ؟ وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا قَصْرَ إلَّا فِي يَوْمٍ تَامٍّ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ هَؤُلَاءِ تَحْدِيدَ الْيَوْمِ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَصَدَ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ، وَكُنْت أُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ذَاتُ النُّصْبِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: ثنا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: خَرَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى ذَاتِ النُّصْبِ - وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا - فَلَمَّا أَتَاهَا قَصَرَ الصَّلَاةَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا هُشَيْمٌ أَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَرَجَ إلَى النُّخَيْلَةِ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ: رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ، وَقَالَ: أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ثنا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: خَرَجْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إلَى أَرْضِهِ بِبَذْقِ سِيرِينَ - وَهِيَ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةِ فَرَاسِخَ - فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ فِي سَفِينَةٍ، وَهِيَ تَجْرِي بِنَا فِي دَجْلَةَ قَاعِدًا عَلَى بِسَاطٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّازِ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ابْنِ السِّمْطِ هُوَ شُرَحْبِيلُ -: أَنَّهُ

أَتَى أَرْضًا يُقَالُ لَهَا " دَوْمِينُ " - مِنْ حِمْصٍ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْت لَهُ: أَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ عُمَرَ يُصَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ» ". وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ ابْنُ السِّمْطِ هُوَ شُرَحْبِيلُ - إلَى أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا " دَوْمِينُ " - مِنْ حِمْصٍ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِيلًا، فَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَالَ: «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ: أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى شُرَحْبِيلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لَمْ يَسْأَلْهُ وَلَا أُنْكِرُ ذَلِكَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْوَرْدِ بْنِ ثُمَامَةَ عَنْ اللَّجْلَاجِ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ فَيَتَجَوَّزُ فِي الصَّلَاةِ فَيُفْطِرُ وَيَقْصُرُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت مُيَسَّرَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - وَهُوَ رَدِيفُهُ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ - مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي بِهَذَا مُيَسَّرُ بْنُ عِمْرَانَ، وَأَبُوهُ عِمْرَانُ بْنُ عُمَيْرٍ شَاهِدٌ قَالَ عَلِيٌّ: عُمَيْرٌ هَذَا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي

مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا طَائِيٌّ وَلَّاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ، مَشْهُورٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا وَكِيعٌ ثنا مِسْعَرٌ هُوَ ابْنُ كِدَامٍ - عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إنِّي لَأُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنْ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ، يَعْنِي الصَّلَاةَ. مُحَارِبٌ هَذَا سُدُوسِيٌّ قَاضِي الْكُوفَةِ، مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ، وَمِسْعَرٌ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: سَمِعْت جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْ خَرَجْتُ مِيلًا قَصَرْت الصَّلَاةَ؟ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ تَابِعٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شَكَّ شُعْبَةُ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ أَنَسٌ إذَا سُئِلَ إلَّا بِمَا يَقُولُ بِهِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ: أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ أَفْطَرَ فِي مَسِيرٍ لَهُ مِنْ الْفُسْطَاطِ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ: ثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَقَدْ كَانَتْ لِي أَرْضٌ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ فَلَمْ أَدْرِ أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَيْهَا أَمْ أُتِمُّهَا؟

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا إسْنَادٌ كَالشَّمْسِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زَمْعَةَ هُوَ ابْنُ صَالِحٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُوَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ - قَالَ: يُقْصَرُ فِي مَسِيرَةِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: لَوْ خَرَجْت إلَى دَيْرِ الثَّعَالِبِ لَقَصَرْت؟ وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٍ: أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلًا مَكِّيًّا بِالْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى، وَلَمْ يَخُصَّا حَجًّا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا مَكِّيًّا مِنْ غَيْرِهِ. وَصَحَّ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ هَانِئٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، وَقَبِيصَةِ بْنِ ذُؤَيْبٍ: الْقَصْرُ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا. وَبِكُلِّ هَذَا نَقُولُ، وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا فِي السَّفَرِ: إذَا كَانَ عَلَى مِيلٍ فَصَاعِدًا فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ، وَفِي الْفِطْرِ، فِي كُلِّ سَفَرٍ قَالَ عَلِيٌّ: فَهِمَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَدِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ، وَكُلْثُومُ بْنُ هَانِئٍ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَغَيْرُهُمْ. وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَيَدْخُلُ فِيمَنْ قَالَ بِهَذَا: مَالِكٌ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي الْمُفْطِرِ مُتَأَوِّلًا، وَفِي الْمَكِّيِّ يَقْصُرُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا تَقَصَّيْنَا الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ، لِأَنَّنَا وَجَدْنَا الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ قَدْ أَخَذُوا يُجَرِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِهِمْ

بَلْ قَدْ هَجَمَ عَلَى ذَلِكَ كَبِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَكَبِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَمْ أَجِدْ أَحَدًا قَالَ بِأَقَلَّ مِنْ - الْقَصْرِ فِيمَا قُلْنَا بِهِ، فَهُوَ إجْمَاعٌ وَقَالَ الْآخَرُ: قَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فَاحْتَسَبْنَا الْأَجْرَ فِي إزَالَةِ ظُلْمَةِ كَذِبِهِمَا عَنْ الْمُغْتَرِّ بِهِمَا، وَلَمْ نُورِدْ إلَّا رِوَايَةً مَشْهُورَةً ظَاهِرَةً عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّقْلِ، وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَ صِبْيَانِ الْمُحَدِّثِينَ، فَكَيْفَ أَهْلُ الْعِلْمِ؟ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَنْ قَالَ بِتَحْدِيدِ مَا يُقْصَرُ فِيهِ بِالسَّفَرِ، مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ، وَحَيْثُ يُحْمَلُ الزَّادُ وَالْمَزَادُ وَفِي سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلًا، وَفِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلًا، وَفِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلًا، وَفِي ثَلَاثَةٍ وَسِتِّينَ مِيلًا، أَوْ فِي أَحَدٍ وَسِتِّينَ مِيلًا، أَوْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، أَوْ أَرْبَعِينَ مِيلًا، أَوْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا: فَمَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا وَلَا مُتَعَلِّقَ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِفٍ لَهُ مِنْهُمْ - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ ثُمَّ نَسْأَلُ مَنْ حَدَّ مَا فِيهِ الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَيِّ مِيلٍ هُوَ؟ ثُمَّ نَحُطُّهُ مِنْ الْمِيلِ عَقْدًا أَوْ فَتَرًا أَوْ شِبْرًا، وَلَا نَزَالُ نَحُطُّهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ، أَوْ تَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ؟ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟

وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ التَّحْدِيدُ بِالْأَمْيَالِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُمَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُمَا أَشَدُّ الِاخْتِلَافِ كَمَا أَوْرَدْنَا. فَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، وَوَافَقَهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلًا وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْقَصْرِ فِي أَقَلَّ؟ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَّا فِي الْيَوْمِ التَّامِّ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يُقْصَرُ فِي الْبَرِيدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: ذَاتُ النُّصْبِ، وَرِيمٌ: كِلْتَاهُمَا مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيُّ: لَا قَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلًا. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ -: أَنَّهُ قَصَرَ إلَى ثَلَاثِينَ مِيلًا. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ - وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ وَأَعْلَمُ بِهِ: أَنَّهُ قَصَرَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا؟ وَرَوَى عَنْهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَجَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ - وَكُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ -: الْقَصْرَ فِي أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَفِي مِيلٍ وَاحِدٍ، وَفِي سَفَرِ سَاعَةٍ. وَأَقْصَى مَا يَكُونُ سَفَرُ السَّاعَةِ مِنْ مِيلَيْنِ إلَى ثَلَاثَةٍ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ: الْقَصْرَ إلَى عُسْفَانَ، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِيلًا، وَإِذَا وَرَدْت عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ، وَلَا تَقْصُرْ إلَى عَرَفَةَ وَلَا مِنًى.

وَرَوَى عَنْهُ مُجَاهِدٌ: لَا قَصْرَ فِي يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ، لَكِنْ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ: لَا قَصْرَ إلَّا فِي يَوْمٍ مُتَاحٍ. وَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ فِي أَمْرِهِ عَطَاءً: أَنْ لَا يَقْصُرَ إلَى مِنًى وَلَا إلَى عَرَفَةَ، وَعَطَاءٌ مَكِّيٌّ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ قَوْلِهِ حُجَّةً وَجُمْهُورُ قَوْلِهِ لَيْسَ حُجَّةً وَخَالَفَهُ أَيْضًا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ: إذَا قَدِمْت عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ. فَحَصَلَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: خَارِجًا عَنْ أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّهُ تَحْدِيدُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا وُجِدَ بَيِّنًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ حَدَّ مَا فِيهِ الْقَصْرُ بِذَلِكَ. وَلَعَلَّ التَّحْدِيدَ - الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - إنَّمَا هُوَ مِنْ دُونِ عَطَاءٍ، وَهُوَ هِشَامُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ مَنَعَ الْقَصْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَسَقَطَتْ أَقْوَالُ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالْأَمْيَالِ الْمَذْكُورَةِ سُقُوطًا مُتَيَقَّنًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِ مَنْ حَدَّ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ يَوْمٍ وَشَيْءٍ زَائِدٍ، أَوْ يَوْمٍ تَامٍّ، أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ -: فَلَمْ نَجِدْ لِمَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَزِيَادَةِ شَيْءٍ مُتَعَلِّقًا أَصْلًا، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ فَنَظَرْنَا فِي الْأَقْوَالِ الْبَاقِيَةِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلَّا بِالْحَدِيثِ الَّذِي صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ فِي «نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنْ السَّفَرِ -: فِي بَعْضِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا لَيْلَتَيْنِ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» ".

فَتَعَلَّقَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا؟ فَأَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِلَيْلَتَيْنِ، أَوْ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ: فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ بِيَوْمٍ، وَجَاءَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّعَلُّقِ بِالْيَوْمَيْنِ، وَلَا بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، دُونَ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَصْلًا. وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ هَاهُنَا بِالتَّعَلُّقِ بِالْأَكْثَرِ مِمَّا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، أَوْ بِالْأَقَلِّ مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ - وَأَمَّا التَّعَلُّقُ بِعَدَدٍ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَلَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا، فَسَقَطَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ أَيْضًا؟ فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ تَعَلَّقَ بِالثَّلَاثِ، أَوْ بِالْيَوْمِ: فَكَانَ مِنْ شَغَبِ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْيَوْمِ أَنْ قَالَ: هُوَ أَقَلُّ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي مَا دُونَهُ بِخِلَافِهِ،

فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا لِمَا يُقْصَرُ فِيهِ قَالُوا: وَكَانَ مَنْ أَخَذَ بِحَدِّنَا قَدْ اسْتَعْمَلَ حُكْمَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالثَّلَاثِ، وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ حُكْمِ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ شَيْئًا: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّنْ أَسْقَطَ أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا لَهُمْ: تَأْتُوا بِشَيْءٍ فَإِنْ كُنْتُمْ إنَّمَا تَعَلَّقْتُمْ بِالْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ -: فَلَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ، وَقَدْ جَهِلْتُمْ أَوْ تَعَمَّدْتُمْ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» ". وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا» ". وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ لَيْلَةً إلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -: " أَنْ تُسَافِرَ بَرِيدًا " وَسَعِيدٌ أَدْرَكَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعَ مِنْهُ؟ فَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ وَلَا اُخْتُلِفَ عَنْهُ؟ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . فَعَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ كُلَّ سَفَرٍ دُونَ الْيَوْمِ وَدُونَ الْبَرِيدِ وَأَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَكُلُّ سَفَرٍ قَلَّ أَوْ طَالَ فَهُوَ عَامٌّ لِمَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَكُلُّ مَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ فَهُوَ بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فَهُوَ الْمُحْتَوِي عَلَى جَمِيعِهَا، وَالْجَامِعُ لَهَا كُلِّهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى مَا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ، فَسَقَطَ قَوْلُ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْيَوْمِ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِذِكْرِ الثَّلَاثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَسْحِ «لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا بِلَيَالِيِهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً» لَمْ نَجِدْهُمْ مَوَّهُوا بِغَيْرِ هَذَا أَصْلًا قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالُوا: مَنْ تَعَلَّقَ بِالثَّلَاثِ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الصَّوَابِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ نَهْيَهُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلَاثًا قَبْلَ نَهْيِهِ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ -: فَالْخَبَرُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الْيَوْمُ هُوَ الْوَاجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، وَيَبْقَى نَهْيُهُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلَاثًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ، بَلْ ثَابِتٌ كَمَا كَانَ. وَإِنْ كَانَ ذُكِرَ نَهْيُهُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلَاثًا بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ -: فَنَهْيُهُ عَنْ السَّفَرِ ثَلَاثًا هُوَ النَّاسِخُ لِنَهْيِهِ إيَّاهَا عَنْ السَّفَرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ؟ قَالُوا: فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حُكْمِ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ ثَلَاثًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَعَلَى شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ النَّهْيِ لَهَا عَمَّا دُونَ الثَّلَاثِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلشَّكِّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ -:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّهْيُ أَنْ تُسَافِرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَخُوهَا أَوْ أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ ابْنُهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» . فَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الثَّلَاثِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُخْرِجًا لِمَا دُونَ الثَّلَاثِ، مِمَّا قَدْ ذُكِرَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، عَنْ حُكْمِ الثَّلَاثِ -: فَإِنَّ ذِكْرَ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُخْرِجٌ لِلثَّلَاثِ أَيْضًا، وَإِنْ ذُكِرَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ حُكْمِ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ، وَإِلَّا فَالْقَوْمُ مُتَلَاعِبُونَ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ؟ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ حُكْمِ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ وَبَقَائِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ، وَعَلَى شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ بَقَاءِ النَّهْيِ عَنْ الثَّلَاثِ، كَمَا قَالُوا فِي الثَّلَاثِ وَفِيمَا دُونَهَا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَلَا فَرْقَ فَقَالُوا: لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: قُلْتُمْ بِالْبَاطِلِ، قَدْ صَحَّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ حَدَّ مَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ لَا بِثَلَاثٍ. فَكَيْفَ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلٌ قَالَهُ رَجُلَانِ مِنْ التَّابِعِينَ، وَرَجُلَانِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ فَمَا يَعُدُّهُ إجْمَاعًا إلَّا

مَنْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا حَيَاءَ فَكَيْفَ؟ وَإِذْ قَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَدَّ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلًا إلَى السُّوَيْدَاءِ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ، فَإِنَّ تَحْدِيدَهُ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ: أَنْ لَا قَصْرَ فِيمَا دُونَهُ لِسِتَّةٍ وَتِسْعِينَ مِيلًا -: مُوجِبٌ أَنَّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثٍ، لِأَنَّ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا، وَمُحَالٌ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ ثَلَاثًا مُسْتَوِيَةً وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَدَّ بِالْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَقَوْلُهُمْ: نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِنَا نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا وَاحِدًا مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ وَنَهْيَهَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ سَفَرِهَا ثَلَاثًا هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ هُوَ الْآخِرُ، فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ الْيَوْمِ، وَلَيْسَ تَأْخِيرُ نَهْيِهَا عَنْ الثَّلَاثِ بِنَاسِخٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّا دُونَ الثَّلَاثِ، وَأَنْتُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ مُخَالَفَتِكُمْ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهَا عَمَّا دُونَ الثَّلَاثِ، وَخِلَافُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِغَيْرِ يَقِينٍ لِلنَّسْخِ لَا يَحِلُّ، فَتَعَارَضَ الْقَوْلَانِ وَالثَّالِثُ: أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا: قَاضٍ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَكُلُّهَا بَعْضُ مَا فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ مَا فِيهِ أَصْلًا؟ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِهِ فَقَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَنْ عَمِلَ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ - دُونَ سَائِرِهَا - فَقَدْ خَالَفَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ لَوْ لَمْ تَتَعَارَضْ الرِّوَايَاتُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ نَهْيُ الْمَرْأَةِ عَنْ سَفَرِ مُدَّةٍ مَا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مُدَّةُ مَسْحِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ -: ذِكْرٌ أَصْلًا - لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ - عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا وَيُفْطِرُ، وَلَا يَقْصُرُ، وَلَا يُفْطِرُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى -: ذَكَرَ الْقَصْرَ فِي الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ مَعَ الْخَوْفِ. وَذَكَرَ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ؟ وَذَكَرَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ -:

فَجَعَلَ هَؤُلَاءِ حُكْمَ نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنْ السَّفَرِ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَحُكْمُ مَسْحِ الْمُسَافِرِ -: دَلِيلٌ عَلَى مَا يَقْصُرُ فِيهِ وَيُفْطِرُ، دُونَ مَا لَا قَصْرَ فِيهِ وَلَا فِطْرَ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ دَلِيلًا عَلَى السَّفَرِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ فِيهِ مِنْ السَّفَرِ الَّذِي لَا يُتَيَمَّمُ فِيهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَمَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ عَلَى مَا تُسَافِرُ فِيهِ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَمَا لَا تُسَافِرُهُ، وَعَلَى مَا يَمْسَحُ فِيهِ الْمُقِيمُ، وَمَا لَا يَمْسَحُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَلِمَ فَعَلْتُمْ هَذَا؟ وَمَا الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؟ أَوْ مَا الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا؟ وَهَلَّا قِسْتُمْ الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا نَوَى إقَامَتَهَا الْمُسَافِرُ أَتَمَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا؟ وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ أَنْ يَقِيسَ بِرَأْيِهِ حُكْمًا عَلَى حُكْمٍ آخَرَ وَهَلَّا قِسْتُمْ مَا يَقْصُرُ فِيهِ عَلَى مَا لَا يَتَيَمَّمُ فِيهِ؟ فَهُوَ أَوْلَى إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، أَوْ عَلَى مَا أَبَحْتُمْ فِيهِ لِلرَّاكِبِ التَّنَفُّلَ عَلَى دَابَّتِهِ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ قَوْلِكُمْ: إنْ سَافَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَصَرَ وَأَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ أَقَلَّ لَمْ يَقْصُرْ وَلَمْ يُفْطِرْ -: مَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ؟ أَمِنْ أَيَّامِ حُزَيْرَانَ؟ أَمْ مِنْ أَيَّامِ كَانُونَ الْأَوَّلِ فَمَا بَيْنَهُمَا؟ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي قُلْتُمْ، أَسَيْرُ الْعَسَاكِرِ؟ أَمْ سَيْرُ الرِّفَاقِ عَلَى الْإِبِلِ، أَوْ عَلَى الْحَمِيرِ، أَوْ عَلَى الْبِغَالِ، أَمْ سَيْرُ الرَّاكِبِ الْمُجِدِّ؟ أَمْ سَيْرُ الْبَرِيدِ؟ أَمْ مَشْيُ الرَّجَّالَةِ. وَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ مَشْيَ الرَّاجِلِ الشَّيْخِ الضَّعِيفِ فِي وَحْلٍ وَوَعِرٍ، أَوْ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ -: خِلَافُ مَشْيِ الرَّاكِبِ عَلَى الْبَغْلِ الْمُطِيقِ فِي الرَّبِيعِ فِي السَّهْلِ، وَأَنَّ هَذَا يَمْشِي فِي يَوْمٍ مَا لَا يَمْشِيهِ الْآخَرُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ؟ وَأَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ: كَيْفَ هِيَ؟ أَمَشْيًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ؟ أَمْ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ قَلِيلًا، أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ قَلِيلًا؟ أَمْ النَّهَارُ وَاللَّيْلُ مَعًا؟ أَمْ كَيْفَ هَذَا وَأَخْبِرُونَا: كَيْفَ جَعَلْتُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِيلًا عَلَى وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ مِيلًا كُلَّ يَوْمٍ؟ وَلَمْ تَجْعَلُوهَا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِيلًا عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلًا كُلَّ يَوْمٍ؟ أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِيلًا كُلَّ يَوْمٍ؟ أَوْ عِشْرِينَ مِيلًا كُلَّ يَوْمٍ؟ أَوْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِيلًا كُلَّ يَوْمٍ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ

فَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ تَمْشِيهَا الرِّفَاقُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا - دُونَ سَائِرِهِ - إلَّا بِرَأْيٍ فَاسِدٍ. وَهَكَذَا يُقَالُ لِمَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، أَوْ بِلَيْلَةٍ، أَوْ بِيَوْمٍ، أَوْ بِيَوْمَيْنِ، وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا الِاعْتِرَاضُ يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُدْخِلُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِهِ الْمَرْأَةَ أَنْ لَا تُسَافِرَ ثَلَاثًا أَوْ لَيْلَتَيْنِ، أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَفِي تَحْدِيدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْحَ الْمُسَافِرِ ثَلَاثًا وَالْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً؟ قُلْنَا - وَلَا كَرَامَةَ لِقَائِلِ هَذَا مِنْكُمْ -: بَلْ بَيْنَ تَحْدِيدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْدِيدِكُمْ أَعْظَمُ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّكُمْ لَمْ تَكِلُوا الْأَيَّامَ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا - حَدًّا لِمَا يَقْصُرُ فِيهِ وَمَا يُفْطِرُ، أَوْ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ كَذَلِكَ، الَّتِي جَعَلَهَا مِنْكُمْ مَنْ جَعَلَهَا حَدًّا -: إلَى مَشْيِ الْمُسَافِرِ الْمَأْمُورِ بِالْقَصْرِ أَوْ الْفِطْرِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ؟ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ جَعَلَتْ لِذَلِكَ حَدًّا مِنْ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ لَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّكُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَشَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، أَوْ عِشْرِينَ مِيلًا لَا يَقْصُرُ، فَإِنْ مَشَى يَوْمًا وَلَيْلَةً ثَلَاثِينَ مِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ. وَاتَّفَقْتُمْ أَنَّهُ مَنْ مَشَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ بَرِيدًا غَيْرُ شَيْءٍ أَوْ جَمَعَ ذَلِكَ الْمَشْيَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ؟ وَاتَّفَقْتُمْ مَعْشَرَ الْمُمَوِّهِينَ بِذِكْرِ الثَّلَاثِ لَيَالِي فِي الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَشَى مِنْ يَوْمِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِيلًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَلَوْ لَمْ يَمْشِ إلَّا بَعْضَ يَوْمٍ وَهَذَا مُمْكِنٌ جِدًّا، كَثِيرٌ فِي النَّاسِ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرْأَةَ بِأَنْ لَا تُسَافِرَ ثَلَاثًا أَوْ يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُسَافِرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ بِالْمَسْحِ ثُمَّ يَخْلَعُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ مَوْكُولَةٌ إلَى حَالَةِ الْمُسَافِرِ وَالْمُسَافِرَةِ، عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي لَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ لَبَيَّنَهُ لِأُمَّتِهِ. فَلَوْ أَنَّ مُسَافِرَةً خَرَجَتْ تُرِيدُ سَفَرَ مِيلٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَهُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ؟

وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا سَافَرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ يَمْشِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِيلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ؟ وَلَوْ سَافَرَ يَوْمًا وَأَقَامَ آخَرَ وَسَافَرَ ثَالِثًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ كَمَا هِيَ. وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا خَبَرُ الثَّلَاثِ فَقَطْ لَكَانَ الْقَوْلُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ خَرَجَتْ فِي سَفَرٍ مِقْدَارَ قُوَّتِهَا فِيهِ أَنْ لَا تَمْشِيَ إلَّا مِيلَيْنِ مِنْ نَهَارِهَا أَوْ ثَلَاثَةً -: لَمَا حَلَّ، لَهَا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. فَلَوْ كَانَ مِقْدَارُ قُوَّتِهَا أَنْ تَمْشِيَ خَمْسِينَ مِيلًا كُلَّ يَوْمٍ لَكَانَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَسَافَةَ مِائَةِ مِيلٍ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَكِنْ وَحْدَهَا. وَاَلَّذِي حَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ مَضْبُوطٌ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِسَاحَةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا تَتَعَدَّى، بَلْ بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْمَ سَفَرِ ثَلَاثٍ أَوْ سَفَرِ يَوْمٍ، وَلَا مَزِيدَ؟ وَاَلَّذِي حَدَّدْتُمُوهُ أَنْتُمْ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَفْهُومٍ وَلَا مَضْبُوطٍ أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَظَهَرَ فَرْقُ مَا بَيْنَ قَوْلِكُمْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَبَيَّنَ فَسَادُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَنَّهَا لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا وَلَا لِشَيْءٍ مِنْهَا لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِمَعْقُولٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ حَقٌّ كُلُّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَمُقْتَضَاهَا، مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا خَالَفَ الْحَقَّ، لَا سِيَّمَا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ خُرُوجِ الْمَكِّيِّ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ فَيَقْصُرُ -: وَبَيْنَ سَائِرِ جَمِيعِ بِلَادِ الْأَرْضِ يَخْرُجُونَ هَذَا الْمِقْدَارَ فَلَا يَقْصُرُونَ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَنْ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ قَبْلَهُ؟ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ: بِمِنًى.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ أَخْرَجُوا حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِمِنًى عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الْأَسْفَارِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرُوا -: أَنْ يَقْصُرَ أَهْلُ مِنًى بِمِنًى وَبِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ لِأَهْلِ مِنًى: أَتِمُّوا؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ عُرِفَ أَنَّ الْحَاضِرَ لَا يَقْصُرُ؟ قِيلَ لَهُمْ: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَسْفَارِ لَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْصُرُونَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى مِنْ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتِلْكَ الْمَسَافَةُ فِي جَمِيعِ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ، إذْ لَيْسَ إلَّا سَفَرٌ أَوْ إقَامَةٌ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ وَلَا فَرْقَ وَقَدْ حَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ الْمَشَقَّةُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَخْتَلِفُ، فَنَجِدُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ حَتَّى لَا يَبْلُغَهَا إلَّا بِشِقِّ النَّفْسِ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْأَغْلَبَ، وَنَجِدُ مَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ فِي عِمَارِيَّةٍ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ مُرَفَّهًا مَخْدُومًا شَهْرًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، فَبَطَلَ هَذَا التَّحْدِيدُ قَالَ عَلِيٌّ: فَلْنَقُلْ الْآنَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ عَلَى بَيَانِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْصُرُ فِيهِ وَيُفْطِرُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] . وَقَالَ عُمَرُ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: بَلْ لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا فِي سَفَرٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْقَصْرِ فِيهِ وَالْفِطْرِ؟

قُلْنَا لَهُمْ: فَلَا تَقْصُرُوا وَلَا تُفْطِرُوا إلَّا فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ، وَلَوْ قُلْتُمُوهُ لَكُنْتُمْ قَدْ خَصَّصْتُمْ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَلَزِمَكُمْ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا أَنْ لَا تَأْخُذَا فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ إلَّا حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْهَا، وَفِي هَذَا هَدْمُ مَذَاهِبِكُمْ كُلِّهَا، بَلْ فِيهِ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِبَاحَةِ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّينِ كُلِّهِ، إلَّا حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا نَفْسُهُ خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ حَتَّى يَصِحَّ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ، فَيُوقَفُ عِنْدَ مَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُطَاعَ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] وَلَمْ يَبْعَثْهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيُعْصَى حَتَّى يُجْمِعَ النَّاسُ عَلَى طَاعَتِهِ، بَلْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ قَبْلَ أَنْ يُطِيعَهُ أَحَدٌ. وَقَبْلَ أَنْ يُخَالِفَهُ أَحَدٌ، لَكِنْ سَاعَةَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ، هَذَا مَا لَا يَقُولُ مُسْلِمٌ خِلَافَهُ، حَتَّى نَقَضَ مَنْ نَقَضَ وَالسَّفَرُ: هُوَ الْبُرُوزُ عَنْ مَحَلَّةِ الْإِقَامَةِ، وَكَذَلِكَ الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ، هَذَا الَّذِي لَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ - الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ - سِوَاهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ إلَّا مَا صَحَّ النَّصُّ بِإِخْرَاجِهِ؟ ثُمَّ وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَرَجَ إلَى الْبَقِيعِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى، وَخَرَجَ إلَى الْفَضَاءِ لِلْغَائِطِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَلَمْ يَقْصُرُوا وَلَا أَفْطَرُوا، وَلَا أَفْطَرَ وَلَا قَصَرَ فَخَرَجَ هَذَا عَنْ أَنْ يُسَمَّى سَفَرًا، وَعَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُوقِعَ اسْمَ سَفَرٍ وَحُكْمَ سَفَرٍ إلَّا عَلَى مَنْ سِمَاهُ مَنْ هُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ سَفَرًا، فَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ. فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ خَرَجْت مِيلًا لَقَصَرْت الصَّلَاةَ، فَأَوْقَعْنَا اسْمَ السَّفَرِ وَحُكْمَ السَّفَرِ فِي الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ عَلَى الْمِيلِ فَصَاعِدًا، إذْ لَمْ نَجِدْ عَرَبِيًّا وَلَا شَرِيعِيًّا عَالِمًا أَوْقَعَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ اسْمَ سَفَرٍ، وَهَذَا بُرْهَانٌ صَحِيحٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلْتُمْ الثَّلَاثَةَ الْأَمْيَالَ - كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ - حَدًّا لِلْقَصْرِ وَالْفِطْرِ، إذْ لَمْ تَجِدُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَصَرَ وَلَا أَفْطَرَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؟

قُلْنَا: وَلَا وَجَدْنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْعًا مِنْ الْفِطْرِ وَالْقَصْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ وَجَدْنَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا، وَجَعَلَ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ مُطْلَقًا، فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَالْمِيلُ: هُوَ مَا سُمِّيَ عِنْدَ الْعَرَبِ مِيلًا، وَلَا يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا عَلَى عُثْمَانَ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ، فَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى قُلْنَا: قَدْ عَرَفَهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ. ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْكُمْ قَوْلَكُمْ -: فَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ قَوْلَكُمْ، كَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ لَا يَقُولُ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى؟ وَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا مَا خَفِيَ عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى؟ إلَّا أَنَّ هَذَا الْإِلْزَامَ لَازِمٌ لِلطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ لَا لَنَا؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ هَذَا الْإِلْزَامَ حَقًّا، وَمَنْ حَقَّقَ شَيْئًا لَزِمَهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُحَقِّقُ هَذَا الْإِلْزَامَ الْفَاسِدَ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا وَسْوَاسٌ وَضَلَالٌ، وَإِنَّمَا حَسْبُنَا اتِّبَاعُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَمَا مِنْ شَرِيعَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا إلَّا قَدْ عَلِمَهَا بَعْضُ السَّلَفِ وَقَالَ بِهَا، وَجَهِلَهَا بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ مِنْ الْعَجَبِ تَرْكَ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْعَظِيمَةِ، وَهِيَ حَدُّ السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيُفْطَرُ فِيهِ فِي رَمَضَانَ؟

فَقُلْنَا: هَذَا أَعْظَمُ بُرْهَانٍ، وَأَجَلُّ دَلِيلٍ، وَأَوْضَحُ حُجَّةٍ لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَتَمْيِيزٍ -: عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِذَلِكَ أَصْلًا إلَّا مَا سُمِّيَ سَفَرًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذْ لَوْ كَانَ لِمِقْدَارِ السَّفَرِ حَدٌّ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا لَمَا أَغْفَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَهُ أَلْبَتَّةَ، وَلَا أَغْفَلُوا هُمْ سُؤَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ، وَلَا اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ نَقْلِ تَحْدِيدِهِ فِي ذَلِكَ إلَيْنَا، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَاحَ بِذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْهُمْ قَنَعُوا بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَإِنَّمَا هُوَ وَهْمٌ أَخْطَأَ فِيهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ وَهُوَ يُرِيدُ: إمَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِمَّا أَرْبَعَةَ بُرُدٍ -: أَنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. فَنَسْأَلُهُمْ: أَهُوَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ؟ أَمْ لَيْسَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ بَعْدُ، لَكِنَّهُ يُرِيدُ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ بَعْدُ، وَلَا يَدْرِي أَيَبْلُغُهُ أَمْ لَا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ بَعْدُ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُهُ، وَلَا يَدْرِي أَيَبْلُغُهُ أَمْ لَا، أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ الْقَصْرَ، وَهُوَ فِي غَيْرِ سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، مِنْ أَجْلِ نِيَّتِهِ فِي إرَادَتِهِ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا لَهُ الْقَصْرَ فِي مَنْزِلِهِ وَخَارِجِ مَنْزِلِهِ بَيْنَ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ، مِنْ أَجْلِ نِيَّتِهِ فِي إرَادَتِهِ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ: عَطَاءٌ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُمَا، إلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ يُقِرُّونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي سَفَرٍ، ثُمَّ يَأْمُرُونَهُ بِالْقَصْرِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ؟ هَدَمُوا كُلَّ مَا بَنَوْا، وَأَبْطَلُوا أَصْلَهُمْ وَمَذْهَبَهُمْ، وَأَقَرُّوا بِأَنَّ قَلِيلَ السَّفَرِ وَكَثِيرَهُ: تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَنْصَرِفُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْمِقْدَارَ الَّذِي فِيهِ الْقَصْرُ عِنْدَهُمْ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ مَا دُونَ الْمِيلِ مِنْ آخِرِ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ لَهُ حُكْمُ الْحَضَرِ، فَلَا يُقْصَرُ فِيهِ وَلَا يُفْطَرُ، فَإِذَا بَلَغَ الْمِيلَ فَحِينَئِذٍ صَارَ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيُفْطَرُ فِيهِ، فَمِنْ حِينَئِذٍ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ فَكَانَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي سَفَرٍ - يَقْصُرُ فِيهِ بَعْدُ

مسألة سافر فأقام في مكان واحد عشرين يوما بلياليها هل يقصر الصلاة

مَسْأَلَةٌ: وَسَوَاءٌ سَافَرَ فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ، أَوْ نَهْرٍ، كُلُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَلَا فَرْقَ؟ [مَسْأَلَةٌ سَافَرَ فَأَقَامَ فِي مَكَان وَاحِدٍ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا هَلْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ] 515 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ سَافَرَ الْمَرْءُ فِي جِهَادٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْفَارِ -: فَأَقَامَ فِي مَكَان وَاحِدٍ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا: قَصَرَ، وَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ: أَتَمَّ - وَلَوْ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ ثُمَّ ثَبَتْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ سَفَرَ الْجِهَادِ، وَسَفَرَ الْحَجِّ، وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ، وَسَفَرَ الطَّاعَةِ، وَسَفَرَ الْمَعْصِيَةِ، وَسَفَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً -: كُلُّ ذَلِكَ سَفَرٌ، حُكْمُهُ كُلُّهُ فِي الْقَصْرِ وَاحِدٌ. وَإِنَّ مَنْ أَقَامَ فِي شَيْءٍ عِشْرِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَلَا بُدَّ، سَوَاءٌ نَوَى إقَامَتَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهَا، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ إقَامَةَ مُدَّةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ: أَتَمَّ وَلَا بُدَّ، هَذَا فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَأَمَّا فِي الصِّيَامِ فِي رَمَضَانَ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ إنْ أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي خِلَالِ السَّفَرِ لَمْ يُسَافِرْ فِيهِمَا -: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ وَكَذَلِكَ إنْ نَزَلَ وَنَوَى إقَامَةَ لَيْلَةٍ وَالْغَدِ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ وَيَصُومَ؟ فَإِنْ وَرَدَ عَلَى ضَيْعَةٍ لَهُ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ دَارٍ، فَنَزَلَ هُنَالِكَ: أَتَمَّ، فَإِذَا رَحَلَ مِيلًا فَصَاعِدًا: قَصَرَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا أَجْمَعَ عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا: أَتَمَّ الصَّلَاةَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ثنا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشَرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» ".

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشَرَةَ بِمَكَّةَ: قَصَرَ، وَمَنْ أَقَامَ فَزَادَ: أَتَمَّ؟ وَرُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ: إذَا أَجْمَعَ إقَامَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً: أَتَمَّ، فَإِنْ نَوَى أَقَلَّ: قَصَرَ؟ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا أَجْمَعْتَ إقَامَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ؟ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا أَقَمْت عَشْرًا فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ. وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَحُمَيْدُ الرُّؤَاسِيُّ صَاحِبُهُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ: إذَا أَقَمْت أَرْبَعًا فَصَلِّ أَرْبَعًا. وَبِهِ يَأْخُذُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ، إلَّا أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا: قَصَرَ، وَإِنْ بَقِيَ حَوْلًا؟ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ: إذَا أَقَمْت ثَلَاثًا فَأَتِمَّ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشَرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلٌ آخَرُ: إذَا وَضَعْت رَحْلَك بِأَرْضٍ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ سَنَتَيْنِ وَهُوَ عَامِلٌ عَلَيْهَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْصَرَفَ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ الضُّبَعِيِّ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ الْعَنَزِيِّ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي أُقِيمُ بِالْمَدِينَةِ حَوْلًا لَا أَشَدُّ عَلَى سَيْرٍ؟ قَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذَرْبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَرْتَجَ

عَلَيْهِمْ الثَّلْجُ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْوَالِي لَا يَنْوِي رَحِيلًا قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بِلَا شَكٍّ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْتَجَ عَلَيْهِ الثَّلْجُ فَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُ لَا يَنْحَلُّ إلَى أَوَّلِ الصَّيْفِ؟ وَقَدْ أَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ سَنَةً لَا يَنْوِي سَيْرًا: بِالْقَصْرِ؟ وَعَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَنْزِلِهِ، إلَّا أَنْ يَدْخُلَ مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَكْثَرُ مَا قِيلَ، وَأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ أَتَمَّ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْقَصْرِ إلَّا بِإِجْمَاعٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ، قَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ يَقْصُرُ حِينَ يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا وَغَيْرُهُ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ وَاحْتَجَّ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ مُقَلِّدُوهُمَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» . قَالُوا: فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ الَّتِي كَانَتْ أَوْطَانَهُمْ فَأُخْرِجُوا عَنْهَا فِي اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَلْقَوْا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ غُرَبَاءَ عَنْ أَوْطَانِهِمْ لِوَجْهِهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَبَاحَ لَهُمْ الْمُقَامَ بِهَا ثَلَاثًا بَعْدَ تَمَامِ النُّسُكِ. قَالُوا: فَكَانَتْ الثَّلَاثُ خَارِجَةً عَنْ الْإِقَامَةِ الْمَكْرُوهَةِ لَهُمْ، وَكَانَ مَا زَادَ عَنْهَا دَاخِلًا فِي الْإِقَامَةِ الْمَكْرُوهَةِ؟ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَصٌّ وَلَا إشَارَةٌ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي إذَا

أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ أَتَمَّ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُهَاجِرِ، فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يُقَاسَ الْمُسَافِرُ يُقِيمُ عَلَى الْمُهَاجِرِ يُقِيمُ؟ هَذَا لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، وَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ،؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا وَأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، لَا كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُهَاجِرُ فَمَكْرُوهٌ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ نُسُكِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، فَأَيُّ نِسْبَةٍ بَيْنَ إقَامَةٍ مَكْرُوهَةٍ وَإِقَامَةٍ مُبَاحَةٍ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لِلْمُهَاجِرِ دَاخِلٌ عِنْدَهُمْ فِي حُكْمِ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا لَا مُقِيمًا، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِلْمُسَافِرِ فَإِقَامَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُقَاسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ قِيسَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لَوَجَبَ أَنْ يَقْصُرَ الْمُسَافِرُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، لَا أَنْ يُتِمَّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ إقَامَةَ قَدْرِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَكْرُوهَةٌ، فَيَنْبَغِي عِنْدَهُمْ - إذَا قَاسُوا عَلَيْهِ الْمُسَافِرَ - أَنْ يُتِمَّ وَلَوْ نَوَى زِيَادَةَ صَلَاةٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ. وَهَكَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ؟ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَرِيَتْ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا عَنْ حُجَّةٍ، فَوَجَبَ أَنْ نُبَيِّنَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْإِقَامَةُ فِي الْجِهَادِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْقَصْرَ إلَّا مَعَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَصْرَ إلَّا مَعَ السَّفَرِ، لَا مَعَ الْإِقَامَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ حَالَ السَّفَرِ غَيْرُ حَالِ الْإِقَامَةِ، وَأَنَّ السَّفَرَ إنَّمَا هُوَ التَّنَقُّلُ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِقَامَةِ وَأَنَّ الْإِقَامَةَ هِيَ السُّكُونُ وَتَرْكُ النُّقْلَةِ وَالتَّنَقُّلِ فِي دَارِ الْإِقَامَةِ، هَذَا حُكْمُ الشَّرِيعَةِ وَالطَّبِيعَةِ مَعًا. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُقِيمُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مُقِيمٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ بِلَا شَكٍّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَالِ الْإِقَامَةِ وَحُكْمِهَا فِي الصِّيَامِ وَالْإِتْمَامِ إلَّا بِنَصٍّ. وَقَدْ صَحَّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ فِي حَالِ سَفَرِهِ فَأَقَامَ بَاقِيَ نَهَارِهِ وَلَيْلَتِهِ، ثُمَّ رَحَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَصَرَ فِي بَاقِي يَوْمِهِ ذَلِكَ وَفِي لَيْلَتِهِ الَّتِي بَيْنَ يَوْمَيْ نُقْلَتِهِ، فَخَرَجَتْ هَذِهِ الْإِقَامَةُ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْإِتْمَامِ، وَالصِّيَامِ، وَلَوْلَا

ذَلِكَ لَكَانَ مُقِيمُ سَاعَةٍ لَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ وَرَدَ عَلَى ضَيْعَةٍ لَهُ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ عَقَارٍ فَنَزَلَ هُنَالِكَ فَهُوَ مُقِيمٌ، فَلَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، إذْ لَمْ نَجِدْ نَصًّا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ يَنْقُلُهَا عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَرْحَلْ فِيهِمَا فَقَصَرَ وَأَفْطَرَ إلَّا فِي الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَالْجِهَادِ فَقَطْ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَامَ فِي خِلَالِ سَفَرِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَظْعَنْ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ، وَيَصُومُ. وَكَذَلِكَ مَنْ مَشَى لَيْلًا وَيَنْزِلُ نَهَارًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ بَاقِيَ لَيْلَتِهِ وَيَوْمِهِ الَّذِي بَيْنَ لَيْلَتَيْ حَرَكَتِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ. وَنَسْأَلُ مَنْ أَبَى هَذَا عَنْ مَاشٍ فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ نَوَى إقَامَةً وَهُوَ سَائِرٌ لَا يَنْزِلُ وَلَا يَثْبُتُ -: اُضْطُرَّ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضَهُ رَاكِبًا نَاهِضًا أَوْ يَنْزِلَ لِصَلَاةِ فَرْضِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الْمَشْيِ: أَيَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: يَقْصُرُ -: فَصَحَّ أَنَّ السَّفَرَ: هُوَ الْمَشْيُ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ نَوَى إقَامَةً وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ مَاشٍ: أَيُتِمُّ أَمْ يَقْصُرُ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: يُتِمُّ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْإِقَامَةَ هِيَ السُّكُونُ لَا الْمَشْيُ مُتَنَقِّلًا. وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ؟ وَأَمَّا الْجِهَادُ، وَالْحَجُّ -: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» .

قَالَ عَلِيٌّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ثِقَةٌ، وَبَاقِي رُوَاةِ الْخَبَرِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُمْ؟ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي إقَامَتِهِ بِتَبُوك، فَخَرَجَ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الْإِقَامَةِ عَنْ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَقْصُرُ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ إلَّا فِي السَّفَرِ، وَأَنَّ الْإِقَامَةَ خِلَافُ السَّفَرِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: كَقَوْلِنَا فِي الْجِهَادِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا نَصًّا إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي الْمُدَّةِ. وَأَمَّا الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ: فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ، قَالَ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَبِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ: أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْخَامِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ السَّادِسُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالرَّابِعُ وَهُوَ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَأَنَّهُ خَرَجَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى مِنًى قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،

هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، فَتَمَّتْ لَهُ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَأَرْبَعُ لَيَالٍ كَمَلًا، أَقَامَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ بِهَا بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا؟ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَوَى بِلَا شَكٍّ إقَامَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُتِمَّ. ثُمَّ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِنًى الْيَوْمَ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَبَاتَ بِهَا لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ. ثُمَّ أَتَى إلَى عَرَفَةَ بِلَا شَكٍّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَبَقِيَ هُنَالِكَ إلَى أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ، ثُمَّ نَهَضَ إلَى مُزْدَلِفَةَ فَبَاتَ بِهَا اللَّيْلَةَ الْعَاشِرَةَ. ثُمَّ نَهَضَ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إلَى مِنًى، فَكَانَ بِهَا، وَنَهَضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إمَّا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَإِمَّا فِي اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، بِلَا شَكٍّ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَدَفَعَ مِنْهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَكَانَتْ إقَامَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِنًى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ نِصْفِ يَوْمٍ. ثُمَّ أَتَى إلَى مَكَّةَ فَبَاتَ اللَّيْلَةَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بِالْأَبْطَحِ، وَطَافَ بِهَا طَوَافَ الْوَدَاعِ، ثُمَّ نَهَضَ فِي آخِرِ لَيْلَتِهِ تِلْكَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَكَمُلَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَكَّةَ، وَمِنًى، وَعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ: عَشْرُ لَيَالٍ كَمَلًا كَمَا قَالَ أَنَسٌ، فَصَحَّ قَوْلُنَا، وَكَانَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَمَتِّعُونَ، وَكَانَ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَارِنًا. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَخَرَجَتْ هَذِهِ الْإِقَامَةُ بِهَذَا الْأَثَرِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حَيْثُ أَقَامَ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الْإِقَامَاتِ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً -: فِي بَعْضِهَا «أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا ثَمَانِ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ.

وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي عَامِ الْفَتْحِ، وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي جِهَادٍ، وَفِي دَارِ حَرْبٍ، لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ -: كَصَفْوَانَ وَغَيْرِهِمْ لَهُمْ مُدَّةُ مُوَادَعَةٍ لَمْ تَنْقَضِ بَعْدُ. وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فِي هَوَازِنَ قَدْ جُمِعَتْ لَهُ الْعَسَاكِرُ بِحُنَيْنٍ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا. وَخَالِدُ بْنُ سُفْيَانَ الْهُذَلِيُّ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يَجْمَعُ هُذَيْلًا لِحَرْبِهِ. وَالْكُفَّارُ مُحِيطُونَ بِهِ مُحَارِبُونَ لَهُ -: فَالْقَصْرُ وَاجِبٌ بَعْدُ فِي أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْإِقَامَةِ. وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَرَدَّدُ مِنْ مَكَّةَ إلَى حُنَيْنٍ. ثُمَّ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، ثُمَّ إلَى الطَّائِفِ. وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُوَجِّهُ السَّرَايَا إلَى مَنْ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، كَبَنِي كِنَانَةَ، وَغَيْرِهِمْ. فَهَذَا قَوْلُنَا، وَمَا دَخَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَكَّةَ قَطُّ مِنْ حِينِ خَرَجَ عَنْهَا مُهَاجِرًا إلَّا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، أَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ. ثُمَّ حِينَ فَتَحَهَا كَمَا ذَكَرْنَا مُحَارِبًا. ثُمَّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَقَامَ بِهَا كَمَا وَصَفْنَا، وَلَا مَزِيدَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ هَذِهِ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي أَوَّلِ دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ الْإِحْرَامِ -: فَلِأَنَّ الْقَاصِدَ إلَى الْجِهَادِ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ فِي حَالِ جِهَادٍ، وَلَكِنَّهُ مُرِيدٌ لِلْجِهَادِ وَقَاصِدٌ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسَافِرٌ كَسَائِرِ الْمُسَافِرِينَ، إلَّا أَجْرَ نِيَّتِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ فَلَيْسَ بَعْدُ فِي عَمَلِ حَجٍّ وَلَا عَمَلِ عُمْرَةٍ، لَكِنَّهُ مُرِيدٌ لَأَنْ يَحُجَّ، أَوْ لَأَنْ يَعْتَمِرَ، فَهُوَ كَسَائِرِ مَنْ يُسَافِرُ وَلَا فَرْقَ؟ [قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ - إذْ أَقَامَ

بِمَكَّةَ أَيَّامًا: إنِّي إنَّمَا قَصَرْت أَرْبَعًا؛ لِأَنِّي فِي حَجٍّ، وَلَا لِأَنِّي فِي مَكَّةَ.

وَلَا قَالَ - إذْ أَقَامَ بِتَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ: إنِّي إنَّمَا قَصَرْت لِأَنِّي فِي جِهَادٍ. فَمَنْ قَالَ: شَيْئًا مِنْ هَذَا فَقَدْ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَوْلَا مُقَامُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي تَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ، وَبِمَكَّةَ دُونَ ذَلِكَ يَقْصُرُ -: لَكَانَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي يَوْمٍ يَكُونُ فِيهِ الْمَرْءُ مُسَافِرًا، وَلَكَانَ مُقِيمُ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ. لَكِنْ لَمَّا أَقَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِشْرِينَ يَوْمًا بِتَبُوكِ يَقْصُرُ صَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ عِشْرِينَ يَوْمًا إذَا أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ فَلَهُ فِيهَا حُكْمُ السَّفَرِ، فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَوْ نَوَى إقَامَةً أَكْثَرَ فَلَا بُرْهَانَ يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ أَصْلًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَصَّ الْإِقَامَةَ فِي الْجِهَادِ بِعِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ فِيهَا، وَبَيْنَ مَنْ خَصَّ بِذَلِكَ بِتَبُوكَ دُونَ سَائِرِ الْأَمَاكِنِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ أَصْلًا، وَالْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ، فَمَنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ] . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ أَقَامَ فِي مَكَان يَنْوِي خُرُوجًا غَدًا أَوْ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَلَوْ أَقَامَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى خُرُوجًا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ، وَإِنْ نَوَى: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا: قَصَرَ، وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا -؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ إسْقَاطُ أَبِي حَنِيفَةَ النِّيَّةَ حِينَ افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ وَبَقَائِهِ فِي رَمَضَانَ يَنْوِي الْفِطْرَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ

الشَّمْسِ، وَيُجِيزُ كُلَّ ذَلِكَ بِلَا نِيَّةٍ -: ثُمَّ يُوجِبُ النِّيَّةَ فَرْضًا فِي الْإِقَامَةِ، حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَوْجَبَهَا بُرْهَانٌ نَظَرِيٌّ قَالَ عَلِيٌّ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَنَّ الْحُكْمَ [لِلْإِقَامَةِ لِلْمُدَدِ] الَّتِي ذَكَرْنَا - كَانَتْ هُنَالِكَ نِيَّةٌ لِإِقَامَةٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ - فَهُوَ أَنَّ النِّيَّاتِ إنَّمَا تَجِبُ فَرْضًا فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى بِلَا نِيَّةٍ وَأَمَّا عَمَلٌ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فِيهِ، إذْ لَمْ يُوجِبْهَا هُنَالِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا نَظَرٌ، وَلَا إجْمَاعٌ. وَالْإِقَامَةُ لَيْسَتْ عَمَلًا مَأْمُورًا بِهِ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ، وَإِنَّمَا هُمَا حَالَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا الْعَمَلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِمَا، فَذَلِكَ الْعَمَلُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، لَا الْحَالُ. وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا: أَنَّ السَّفَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً خَرَجَ لَا يُرِيدُ سَفَرًا فَدَفَعَتْهُ ضَرُورَاتٌ لَمْ يَقْصِدْ لَهَا حَتَّى صَارَ مِنْ مَنْزِلِهِ عَلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ، أَوْ سِيرَ بِهِ مَأْسُورًا أَوْ مُكْرَهًا مَحْمُولًا مُجْبَرًا فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِيمَنْ أُقِيمَ بِهِ كُرْهًا فَطَالَتْ بِهِ مُدَّتُهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَيَصُومُ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِيمَنْ اُضْطُرَّ لِلْخَوْفِ إلَى الصَّلَاةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا، فَذَلِكَ الْخَوْفُ وَتِلْكَ الضَّرُورَةُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ. وَكَذَلِكَ النَّوْمُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَلَهُ حُكْمٌ فِي إسْقَاطِ الْوُضُوءِ وَإِيجَابِ تَجْدِيدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْإِجْنَابُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَهُوَ يُوجِبُ الْغُسْلَ. وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَهُوَ يُوجِبُ حُكْمَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ، فَكُلُّ عَمَلٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ لَكِنْ أُمِرَ فِيهِ بِأَعْمَالٍ مَوْصُوفَةٍ فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ.

مسألة ابتدأ صلاة وهو مقيم ثم نوى فيها السفر

وَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ هِيَ الْإِقَامَةُ وَالسَّفَرُ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى نِيَّةٍ أَصْلًا، لَكِنْ مَتَى وُجِدَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحُكْمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ وَلَا مَزِيدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا. [مَسْأَلَةٌ ابْتَدَأَ صَلَاةً وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ نَوَى فِيهَا السَّفَرَ] 516 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَدَأَ صَلَاةً وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ نَوَى فِيهَا السَّفَرَ، أَوْ ابْتَدَأَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ نَوَى فِيهَا أَنْ يُقِيمَ -: أَتَمَّ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِقَامَةَ غَيْرُ السَّفَرِ وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ مِمَّا هُوَ إقَامَةٌ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ. فَهُوَ إذَا نَوَى فِي الصَّلَاةِ سَفَرًا فَلَمْ يُسَافِرْ بَعْدُ، بَلْ هُوَ مُقِيمٌ، فَلَهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ. وَإِذَا افْتَتَحَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ فَنَوَى فِيهَا الْإِقَامَةَ فَهُوَ مُقِيمٌ بَعْدُ لَا مُسَافِرٌ، فَلَهُ أَيْضًا حُكْمُ الْإِقَامَةِ. إذْ إنَّمَا كَانَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ بِالنَّصِّ الْمُخْرِجِ لِتِلْكَ الْحَالِ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ، فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الْحَالُ بِبُطْلَانِ نِيَّتِهِ صَارَ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ذَكَرَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ صَلَاةً نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فِي إقَامَتِهِ] 517 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ صَلَاةً نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فِي إقَامَتِهِ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ ذَكَرَ فِي الْحَضَرِ صَلَاةً نَسِيَهَا فِي سَفَرٍ صَلَّاهَا أَرْبَعًا وَلَا بُدَّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلِّيهَا فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ: أَرْبَعًا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلِّيهَا إذَا نَسِيَهَا فِي السَّفَرِ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ: رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا نَسِيَهَا فِي الْحَضَرِ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ صَلَّاهَا: أَرْبَعًا. حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ - الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ، وَإِنَّمَا الْقَصْرُ رُخْصَةٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَوْ أَرَدْنَا مُعَارَضَتَهُ لَقُلْنَا: بَلْ الْأَصْلُ الْقَصْرُ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى ". وَلَكِنَّا لَا نَرْضَى بِالشَّغَبِ، بَلْ نَقُولُ: إنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ أَصْلٌ، وَصَلَاةَ الْإِقَامَةِ أَصْلٌ، لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا فَرْعًا لِلْأُخْرَى، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ.

وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تُؤَدَّى كَمَا لَزِمَتْ إذَا فَاتَتْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَيْضًا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلَ وَيَهْدِمُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، إلَّا هُنَا فَإِنَّهُ تَنَاقُضٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ صَلَوَاتٌ كَانَ حُكْمُهَا لَوْ صَلَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُومِئًا فَذَكَرَهَا فِي صِحَّتِهِ -: فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا قَائِمًا. وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ صَلَاةً فَاتَتْهُ فِي صِحَّتِهِ كَانَ حُكْمُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا. وَمَنْ صَلَّى فِي حَالِ خَوْفٍ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا صَلَاةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الْأَمْنِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا. وَمَنْ ذَكَرَ فِي حَالِ الْأَمْنِ صَلَاةً نَسِيَهَا فِي حَالِ الْخَوْفِ حَيْثُ لَوْ صَلَّاهَا لَصَلَّاهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا نَازِلًا قَائِمًا. وَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً لَوْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلَّا مُتَوَضِّئًا فَذَكَرَهَا فِي حَالِ تَيَمُّمٍ: صَلَّاهَا مُتَيَمِّمًا. وَلَوْ نَسِيَ صَلَاةً لَوْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ يُصَلِّهَا إلَّا مُتَيَمِّمًا فَذَكَرَهَا وَالْمَاءُ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا مُتَوَضِّئًا. وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ حُجَّتَنَا فِي هَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَإِنَّمَا جَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقْتَهَا وَقْتَ أَدَائِهَا لَا الْوَقْتَ الَّذِي نَسِيَهَا فِيهِ أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكُلُّ صَلَاةٍ تُؤَدَّى فِي سَفَرٍ فَهِيَ صَلَاةُ سَفَرٍ، وَكُلُّ صَلَاةٍ تُؤَدَّى فِي حَضَرٍ فَهِيَ صَلَاةُ حَضَرٍ وَلَا بُدَّ؟

مسألة مسافر صلى بصلاة إمام مقيم

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ «كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا لِوَقْتِهَا» . قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَهَذِهِ لَفْظَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَمْ تَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا أَرْبَعًا -: فَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَسِيَهَا فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي سَفَرٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً -: فَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقْصُرُ إلَّا مَنْ نَوَى الْقَصْرَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ تَنَاقَضَ، فَلَمْ يَرَ النِّيَّةَ لِلْإِتْمَامِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا خَطَأَهُ فِيهِ، مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْإِتْمَامُ، وَالْقَصْرُ دَخِيلٌ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ، أَوْ الْعَتَمَةَ فَقَطْ. ثُمَّ إنْ كَانَ مُقِيمًا فَهِيَ أَرْبَعٌ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَهِيَ رَكْعَتَانِ وَلَا بُدَّ وَمِنْ الْبَاطِلِ إلْزَامُهُ النِّيَّةَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الْآخَرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مُسَافِرٌ صَلَّى بِصَلَاةِ إمَامٍ مُقِيمٍ] 518 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِصَلَاةِ إمَامٍ مُقِيمٍ قَصَرَ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ صَلَّى مُقِيمٌ بِصَلَاةِ مُسَافِرٍ أَتَمَّ وَلَا بُدَّ، وَكُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، وَإِمَامَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ جَائِزَةٌ وَلَا فَرْقَ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: رَكْعَتَانِ؟ قُلْتُ: كَيْفَ تَرَى وَنَحْنُ هَهُنَا بِمِنًى؟ قَالَ: وَيْحَك سَمِعْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَنْتَ بِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ؟ قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ -» وَهَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَمْرِ ابْنِ عُمَرَ الْمُسَافِرَ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ.

قَالَ: كَانَ أَبِي إذَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً - وَهُوَ مُسَافِرٌ - صَلَّى إلَيْهَا أُخْرَى، وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ اجْتَزَأَ بِهِمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَطَرِ بْنِ فِيلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَأَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ رَكْعَتَيْنِ اعْتَدَّ بِهِمَا؟ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَمِعْت طَاوُسًا وَسَأَلْته عَنْ مُسَافِرٍ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِينَ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: تُجْزِيَانِهِ قَالَ عَلِيٌّ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَصَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلَاةِ» وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَأْمُومًا مِنْ إمَامٍ مِنْ مُنْفَرِدٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: بِأَنَّ الْمُقِيمَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ يُتِمُّ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ إمَامِهِ فِي التَّقْصِيرِ، وَإِنَّ الْمُسَافِرَ خَلْفَ الْمُقِيمِ يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ إمَامِهِ فِي الْإِتْمَامِ. وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا

صلاة الخوف

أَصَحَّ قِيَاسٍ يُوجَدُ، وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ وَالْقِيَاسَ وَمَا وَجَدْت لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى فِي صَلَاتِهِ الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا، وَالْمُقِيمُ إذَا نَوَى فِي صَلَاتِهِ السَّفَرَ لَمْ يَقْصُرْهَا، قَالَ: فَإِذَا خَرَجَ بِنِيَّتِهِ إلَى الْإِتْمَامِ فَأَحْرَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْإِتْمَامِ بِحُكْمِ إمَامِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ وَلَا شَبَهَ بَيْنَ صَرْفِ النِّيَّةِ مِنْ سَفَرٍ إلَى إقَامَةٍ وَبَيْنَ الِائْتِمَامِ بِإِمَامٍ مُقِيمٍ، بَلْ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا هَوَسٌ ظَاهِرٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَقُولُوا لِلْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ: أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ إذَنْ؟ فَقَالَ قَائِلُهُمْ: قَدْ جَاءَ " أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ "؟ فَقُلْنَا: لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُتِمُّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَأْمُومٍ وَلَا إمَامٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُسَافِرَ جُمْلَةً يَقْصُرُ، وَالْمُقِيمَ جُمْلَةً يُتِمُّ، وَلَا يُرَاعِي أَحَدٌ مِنْهُمَا حَالَ إمَامِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [صَلَاةُ الْخَوْفِ] [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ الصَّلَاة فَحَضَرَهُ خَوْفٌ مِنْ عَدُوٍّ وَهُمْ ثَلَاثَة فَصَاعِدًا] 519 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ حَضَرَهُ خَوْفٌ مِنْ عَدُوٍّ ظَالِمٍ كَافِرٍ، أَوْ بَاغٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ سَيْلٍ، أَوْ مِنْ نَارٍ، أَوْ مِنْ حَنَشٍ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا -: فَأَمِيرُهُمْ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا، كُلُّهَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَّاهَا غَايَةَ الْبَيَانِ وَالتَّقَصِّي فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ وَإِنَّمَا كَتَبْنَا كِتَابَنَا هَذَا لِلْعَامِّيِّ وَالْمُبْتَدِئِ وَتَذْكِرَةً لِلْعَالِمِ، فَنَذْكُرُ هَهُنَا بَعْضَ تِلْكَ الْوُجُوهِ، مِمَّا يَقْرُبُ حِفْظُهُ وَيَسْهُلُ فَهْمُهُ، وَلَا يَضْعُفُ فِعْلُهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ فَإِنْ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَإِنْ شَاءَ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمُوا، ثُمَّ تَأْتِي طَائِفَةٌ أُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ، وَإِنْ كَانَ فِي حَضَرٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبُ صَلَّى بِكُلِّ

طَائِفَةٍ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، الْأُولَى فَرْضُ الْإِمَامِ، وَالثَّانِيَةُ تَطَوُّعٌ لَهُ وَإِنْ شَاءَ فِي السَّفَرِ أَيْضًا صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ تُسَلِّمُ تِلْكَ الطَّائِفَةُ وَيُجْزِئُهُمَا، وَإِنْ شَاءَ هُوَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ، وَيُصَلِّي بِالْأُخْرَى رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ وَيُجْزِئُهُمْ. وَإِنْ شَاءَتْ الطَّائِفَةُ أَنْ تَقْضِيَ الرَّكْعَةَ وَالْإِمَامُ وَاقِفٌ فَعَلَتْ، ثُمَّ تَفْعَلُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ؟ فَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحُ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً ثُمَّ وَقَفَ وَلَا بُدَّ وَقَضَوْا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ تَأْتِي الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ قَامُوا فَقَضَوْا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ وَيُسَلِّمُونَ؟ فَإِنْ كَانَتْ الْمَغْرِبُ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا جَلَسَ قَامُوا فَقَضَوْا رَكْعَةً وَسَلَّمُوا وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ، فَإِذَا قَعَدَ صَلُّوا رَكْعَةً ثُمَّ جَلَسُوا وَتَشَهَّدُوا، ثُمَّ صَلَّوْا الثَّالِثَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ؟ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، أَوْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَتُجْزِئُهُ وَأَمَّا الصُّبْحُ فَاثْنَتَانِ وَلَا بُدَّ، وَالْمَغْرِبُ ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي الْحَضَرِ أَرْبَعٌ وَلَا بُدَّ؟ سَوَاءٌ هَهُنَا الْخَائِفُ مِنْ طَلَبٍ بِحَقٍّ، أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: 101] {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] . فَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي بِعُمُومِهَا الصِّفَاتِ الَّتِي قُلْنَا نَصًّا ثُمَّ كُلُّ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْغَبَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى آمِرًا لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] . وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِنْ مِلَّتِهِ، وَمِلَّتُهُ هِيَ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ فِي بَابِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَوَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَجَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ فِي الْخَوْفِ ثُمَّ سَلَّمَ، وَبِطَائِفَةٍ أُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» . وَذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَهَذَا آخِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ أَبَا بَكَرَةَ شَهِدَهُ مَعَهُ وَلَمْ يُسْلِمْ إلَّا يَوْمَ الطَّائِفِ، وَلَمْ يَغْزُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ الطَّائِفِ غَيْرَ تَبُوكَ فَقَطْ. فَهَذِهِ أَفْضَلُ صِفَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ " فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ " -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ - عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمَ قَالَ: " كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، فَقَامَ حُذَيْفَةُ وَصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، وَانْصَرَفَ هَؤُلَاءِ إلَى مَكَانِ هَؤُلَاءِ، وَجَاءَ أُولَئِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا ". قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِي الرُّكَيْنُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ صَلَاةِ حُذَيْفَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: الْأَسْوَدُ بْنُ هِلَالٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَهْدَمٍ أَحَدُ الصَّحَابَةِ حَنْظَلِيٌّ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعَ مِنْهُ وَرَوَى عَنْهُ. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّ الْقَصْرَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ عِنْدَ الْخَوْفِ هُوَ هَذَا؟ لَا كَوْنُ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَصَحَّ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ، وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَيَّامَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَعَنْ جَابِرٍ، وَغَيْرِهِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى بِمَنْ مَعَهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَلَّاهَا بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ وَلَا أَمَرَ بِالْقَضَاءِ؟ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُومِئُ بِرَكْعَةٍ عِنْدَ الْقِتَالِ؟ وَعَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ صَلَّى فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْمُسَايَفَةُ فَإِنَّمَا هِيَ رَكْعَةٌ يُومِئُ إيمَاءً حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا؟ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ فِي صَلَاةِ الْمُطَارَدَةِ: رَكْعَةٌ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْأَرْضِ صَلُّوا عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرُوا فَرَكْعَةٌ وَسَجْدَتَانِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا أَخَّرُوا حَيْثُ يَأْمَنُوا؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَلَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهَا وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَجْلَانَ الْأَفْطَسُ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ

يَقُولُ: كَيْف يَكُونُ قَصْرٌ وَهُمْ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ؟ وَإِنَّمَا هُوَ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ، يُومِئُ بِهَا حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ؟ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ - عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ غُرَابٍ كُنَّا مَصَافِّي الْعَدُوِّ بِفَارِسَ، وَوُجُوهُنَا إلَى الْمَشْرِقِ، فَقَالَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ: لِيَرْكَعْ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْكُمْ رَكْعَةً تَحْتَ جُنَّتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَتَادَةَ عَنْ صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ؟ فَقَالُوا: رَكْعَةٌ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُ قَوْلِ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَقَتَادَةَ. وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] قَالَ: فِي الْعَدُوِّ يُصَلِّي رَاكِبًا وَرَاجِلًا يُومِئُ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ تُجْزِئُهُ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَانِ الْعَمَلَانِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَيْنَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نَرْغَبَ عَنْ سَائِرِ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. لَكِنْ مِلْنَا إلَى هَذَيْنِ لِسُهُولَةِ الْعَمَلِ فِيهِمَا عَلَى كُلِّ جَاهِلٍ، وَعَالِمٍ، وَلِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِكَثْرَةِ مَنْ قَالَ بِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَلِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ بِهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمُوَافَقَتِهِمَا الْقُرْآنَ؟

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ، عَصَبِيَّةً لِتَقْلِيدِهِ الْمُهْلِكِ لَهُ -: الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُمْ قَضَوْا قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا انْسِلَاخٌ مِنْ الْحَيَاءِ جُمْلَةً، وَقَصْدٌ إلَى الْكَذِبِ جِهَارًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُمْ أَتَمُّوا أَرْبَعًا؟ وَقَالَ: لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ صَلَاةً مِنْ رَكْعَةٍ؟ وَقُلْنَا لَهُمْ: وَلَا وَجَدْتُمْ فِي الْأُصُولِ صَلَاةَ الْإِمَامِ بِطَائِفَتَيْنِ، وَلَا صَلَاةً إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَلَا صَلَاةً يَقْضِي فِيهَا الْمَأْمُومُ مَا فَاتَهُ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَلَا صَلَاةً يَقِفُ الْمَأْمُومُ فِيهَا لَا هُوَ يُصَلِّي مَعَ إمَامِهِ وَلَا هُوَ يَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَكُمْ جَائِزٌ فِي الْخَوْفِ، وَلَا وَجَدْتُمْ شَيْئًا مِنْ الدِّيَانَةِ حَتَّى جَاءَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأُصُولُ لَيْسَتْ شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ؟ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ أَمَرَ بِقَضَاءِ رَكْعَةٍ قُلْنَا: هَذَا انْفَرَدَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا مُنِعَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْضُوا، بَلْ كَانَ يَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزًا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ؟ قُلْنَا: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ شَرِيكٍ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَخَدِيجٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ مَقْصُودًا بِهِ صَلَاةُ إمَامِهِمْ بِهِمْ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ صُلَيْعٍ السَّلُولِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدٍ: مُرْ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِك فَيُصَلُّونَ مَعَكَ، وَطَائِفَةً خَلْفَكُمْ، فَتُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ؟ وَهَكَذَا نَقُولُ: فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ بِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إلَّا مَا جَاءَ نَصٌّ فِيهِ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مَثْنَى، كَالْوِتْرِ، وَصَلَاةِ الْخَوْفِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَثْنَى، كَالظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، وَالْعِشَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ نُهِيَ عَنْ " الْبُتَيْرَاءِ "؟

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ كِذْبَةٌ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ. وَمَا نَدْرِي " الْبُتَيْرَاءَ " فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْتُمْ تُجِيزُونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ إنْ شَاءَ رَكْعَةً وَيُسَلِّمَ، وَإِنْ شَاءَ وَصَلَهَا بِأُخْرَى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ مَا كَانَ لِلْمَرْءِ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمُحَالٌ أَنْ يَصِلَ فَرْضَهُ بِتَطَوُّعٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا سَلَامٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا يَكُونُ مَا ذَكَرُوا فِيمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَأُمًّا إذَا جَاءَ النَّصُّ فَالنَّظَرُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، لَا يَحِلُّ بِهِ مُعَارِضَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَلَيْسَ مُصَلِّي الْفَرْضَ مِنْ إمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ - عِنْدَكُمْ وَعِنْدَنَا - مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَقْرَأَ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " سُورَةً إنْ شَاءَ طَوِيلَةً وَإِنْ شَاءَ قَصِيرَةً وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى " أُمِّ الْقُرْآنِ " فَقَطْ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ تَسْبِيحَةً تَسْبِيحَةً وَإِنْ شَاءَ طَوَّلَهُمَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ. فَقُلْنَا لَهُمْ: فَقَدْ أَبَحْتُمْ هَهُنَا مَا قَدْ حَكَمْتُمْ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَمُحَالٌ مَنْ صِلَتُهُ فَرِيضَةٌ بِمَا هُوَ عِنْدَكُمْ تَطَوُّعٌ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ كُلُّ هَذَا خَيْرٌ فِيهِ الْبِرُّ، فَإِنَّ طَوَّلَ فَفَرْضٌ أَدَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يُطَوِّلْ فَفَرْضٌ أَدَّاهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً فِي الْخَوْفِ فَهِيَ فَرْضُهُ، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَهُمَا فَرْضُهُ. كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَمَا أَمَرَ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] قَالَ عَلِيٌّ وَسَائِرُ الْوُجُوهِ الصِّحَاحِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرُ أَخَذَ بِبَعْضِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَهَهُنَا أَقْوَالٌ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ أَصْلًا، وَلَكِنْ رُوِيَتْ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَالْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ.

وَمِنْ التَّابِعِينَ -: مَسْرُوقٌ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ -: الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَحُمَيْدُ الرُّؤَاسِيُّ صَاحِبُهُ. وَمِنْ جُمْلَتِهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، رَجَعَ مَالِكٌ إلَى الْقَوْلِ بِهِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ: أَنْ يَصُفَّ الْإِمَامُ أَصْحَابَهُ طَائِفَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا خَلْفَهُ، وَالثَّانِيَةُ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ، فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، فَإِذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ثَبَتَ وَاقِفًا وَأَتَمَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ لِأَنْفُسِهَا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَلَّمَتْ وَنَهَضَتْ فَوَقَفَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَالْإِمَامُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاقِفٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَتَصُفَّ خَلْفَ الْإِمَامِ وَتُكَبِّرُ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِسَجْدَتَيْهَا، هِيَ لَهُمْ أُولَى، وَهِيَ لِلْإِمَامِ ثَانِيَةٌ، ثُمَّ يَجْلِسُ الْإِمَامُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، فَإِذَا سَلَّمَ قَامَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَقَضَتْ الرَّكْعَةَ الَّتِي لَهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ - قَضَاءُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَالْإِمَامُ وَاقِفٌ، وَقَضَاءُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ - لَمْ يَأْتِ قَطُّ جَمْعُ هَذَيْنِ الْقَضَاءَيْنِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا. وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] وَلِأَنَّ الطَّائِفَةَ لَمْ تُصَلِّ بَعْضَ صَلَاتِهَا مَعَهُ، وَمَا كَانَ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ دُونَ نَصٍّ مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَيْسَ يُوجِبُ هَذَا الْقَوْلَ قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ ". وَلَيْسَ تَقْلِيدُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِمَّنْ قَدْ ذَكَرْنَاهُ -: كَعَمْرٍو، وَابْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي مُوسَى، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو، وَحُذَيْفَةَ، وَثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ رَوَى بَعْضَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَخَالَفَهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ خَالَفَ مَا حَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِأَمْرٍ عَلِمَهُ هُوَ نَاسِخٌ لِمَا رَوَاهُ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَحُكْمٌ بِالظَّنِّ، وَتَرْكٌ لِلْيَقِينِ، وَإِضَافَةٌ إلَى الصَّاحِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

مَا لَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِ، مِنْ أَنَّهُ رَوَى لَنَا الْمَنْسُوخَ وَكَتَمَ النَّاسِخَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكُمْ هَذَا وَبَيْنَ مِنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا رَوَى، فَالدَّاخِلَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا رُوِيَ مِنْهُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ، لَا فِيمَا رَوَاهُ هُوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَسْنَا نَقُولُ: بِشَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، بَلْ نَقُولُ: إنَّ الْحَقَّ أَخْذُ رِوَايَةِ الرَّاوِي، لَا أَخْذُ رَأْيِهِ، إذْ قَدْ يَتَأَوَّلُ فِيهِمْ، وَقَدْ يَنْسَى، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكْتُمَ النَّاسِخَ وَيَرْوِي الْمَنْسُوخَ؟ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُوهَمُوا هَهُنَا بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالزُّهْرِيَّ: مُخَالِفُونَ لِاخْتِيَارِ مَالِكٍ، وَمَا وَجَدْنَا مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ إلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: وَمِنْهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَخَذَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَجَعَ عَنْهُ -: وَهُوَ أَنْ يَصُفَّهُمْ الْإِمَامُ صَفَّيْنِ: طَائِفَةٌ خَلْفَهُ، وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ -: فَيُصَلِّي بِاَلَّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، فَإِذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَفَ، وَنَهَضَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ فَوَقَفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ بَعْدُ. ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَتُكَبِّرُ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لَهُ وَهِيَ لَهُمْ الْأُولَى، فَإِذَا جَلَسَ وَتَشَهَّدَ: سَلَّمَ، وَتَنْهَضُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، فَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى فَتَرْجِعُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ، فَتَقْضِي فِيهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لَهَا، وَتُسَلِّمُ، ثُمَّ تَأْتِي فَتَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. وَتَرْجِعُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ، فَتَقْضِي فِيهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لَهَا. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ زَادَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ زِيَادَةً لَا تُعْرَفُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ قَبْلَهُ -: وَهِيَ أَنَّهُ

قَالَ: تَقْضِي الطَّائِفَةُ الْأُولَى الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِلَا قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهَا. وَتَقْضِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا وَلَا بُدَّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَذَلِكَ أَنَّ فِيهِ مِمَّا قَدْ يُخَالِفُ كُلَّ أَثَرٍ جَاءَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، تَأْخِيرُ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا إتْمَامَ الرَّكْعَةِ الْبَاقِيَةِ لَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ، فَتَبْتَدِئُ أُولَاهُمَا بِالْقَضَاءِ، ثُمَّ لَا تَقْضِي الثَّانِيَةُ إلَّا حَتَّى تُسَلِّمَ الْأُولَى. وَفِيهِ أَيْضًا مِمَّا يُخَالِفُ كُلَّ أَثَرٍ رُوِيَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ -: مَجِيءُ كُلِّ طَائِفَةٍ لِلْقَضَاءِ خَاصَّةً إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ أَنْ زَالَتْ عَنْهُ إلَى مُوَاجِهَةِ الْعَدُوِّ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ قُلْنَا: قُلْتُمْ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ، إنَّمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ - خَبَرٌ فِيهِ ابْتِدَاءُ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا بِالصَّلَاةِ مَعًا مَعَ الْإِمَامِ، وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي صَلَّتْ آخِرًا هِيَ بَدَأَتْ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنْتُمْ تُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ، لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا تَخَيَّرْنَا ابْتِدَاءَ طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ؟ قُلْنَا: فَقَدْ خَالَفْتُمْ الْآيَةَ فِي إيجَابِكُمْ صَلَاةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] فَخَالَفْتُمْ الْقُرْآنَ، وَجَمِيعَ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا، وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَا نَظَرٍ وَلَا قِيَاسٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِنَادِرَةٍ، وَهِيَ: أَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُ الْإِمَامُ الْعَدْلَ بَيْنَهُمْ، فَكَمَا صَلَّتْ الطَّائِفَةُ الْوَاحِدَةُ أَوَّلًا فَكَذَلِكَ تَقْضِي أَوَّلًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ الْجَوْرُ وَالْمُحَابَاةُ، بَلْ الْعَدْلُ وَالتَّسْوِيَةُ هُوَ أَنَّهُ إذَا صَلَّتْ الْوَاحِدَةُ أَوَّلًا أَنْ تَقْضِيَ الثَّانِيَةُ أَوَّلًا، فَتَأْخُذَ كُلُّ طَائِفَةٍ بِحَظِّهَا مِنْ التَّقَدُّمِ وَبِحَظِّهَا مِنْ التَّأَخُّرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ نَرَ قَطُّ مَأْمُومًا بَدَأَ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاةِ إمَامِهِ؟

فَقِيلَ لَهُمْ: وَلَا رَأَيْتُمْ قَطُّ مَأْمُومًا يَتْرُكُ صَلَاةَ إمَامِهِ وَيَمْضِي إلَى شُغْلِهِ وَيَقِفُ بُرْهَةً طَوِيلَةً بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ إمَامِهِ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: بِهَذَا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا قِيَاسٍ، ثُمَّ تَعِيبُونَ مِنْ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ لَا سِيَّمَا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَضَاءِ الطَّائِفَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا بِقِرَاءَةٍ وَالْأُخْرَى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، فَمَا عُرِفَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا يُؤَيِّدُهُ رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلَا قِيَاسٌ؟ وَمِنْهَا قَوْلٌ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ اللُّؤْلُؤِيِّ، وَهُوَ: أَنْ لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ النِّكَاحَ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّلَاةَ جَالِسًا كَذَلِكَ -: لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ قَوْلَهُ هَهُنَا؟ وَمِنْهَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ: أَنَّ تَكْبِيرَتَيْنِ فَقَطْ تُجْزِئَانِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ، وَمُجَاهِدٍ: تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْف تَقُولُونَ بِصَلَاةِ الْخَوْفُ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّةً، لَمْ يُصَلِّ بِنَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» ؟ قُلْنَا: هَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَشَدَّ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَكُمْ: مِنْ أَيْنَ كَانَ لَكُمْ بِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي عَمِلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ صَلَّاهَا؟ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ بِهَذَا حَنَفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا؟ لِأَنَّ اخْتِيَارَ هَاتَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَيْف وَهَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ؟ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَهُوَ مُدَلِّسٌ لَا

مسألة من خاف من طالب له بحق لا يجوز له أن يصلي صلاة الخوف

يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، فَكَيْف يَسْتَحِلُّ ذُو دِينٍ أَنْ يُعَارِضَ بِهَذِهِ السَّوْءَةِ أَحَادِيثَ الْكَوَافِّ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ: إنَّهُمْ شَهِدُوا صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّاتٍ: مَرَّةً بِذِي قَرَدٍ، وَمَرَّةً بِذَاتِ الرِّقَاعِ، وَمَرَّةً بِنَجْدٍ، وَمَرَّةً بَيْنَ ضَجَنَانَ وَعُسْفَانَ، وَمَرَّةً بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ، وَمَرَّةً بِنَخْلٍ، وَمَرَّةً بِعُسْفَانَ، وَمَرَّةً يَوْمَ مُحَارَبٍ وَثَعْلَبَةَ، وَمَرَّةً إمَّا بِالطَّائِفِ وَإِمَّا بِتَبُوكَ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَكَابِرُ التَّابِعِينَ وَالثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا: بِالصَّلَاةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً فِي كُلِّ خَوْفٍ لِعُمُومِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ خَافَ مِنْ طَالِبٍ لَهُ بِحَقٍّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ] 520 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِطَائِفَتَيْنِ مَنْ خَافَ مِنْ طَالِبٍ لَهُ بِحَقٍّ، وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ أَصْلًا بِثَلَاثِ طَوَائِفَ فَصَاعِدًا؟ لِأَنَّ فِي صَلَاتِهَا بِطَائِفَتَيْنِ عَمَلًا لِكُلِّ طَائِفَةٍ فِي صَلَاتِهَا هِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ إنْ كَانَتْ بَاغِيَةً وَمَنْ عَمِلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إذْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا، أَوْ مُحَارَبًا، أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ قَاعِدًا خَوْفَ طَالِبٍ لَهُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَمِلَ عَمَلًا قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي كَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِبَاطِلٍ عَامِلٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عَمَلًا أُبِيحَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ تِلْكَ؟ وَلَمْ يُصَلِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ بِثَلَاثِ طَوَائِفَ، وَلَوْلَا صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَائِفَتَيْنِ لَمَا جَازَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَجُوزُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ، إلَّا مَا أَبَاحَهُ النَّصُّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» . وَالْوَاحِدُ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ وَصَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَمَنْ صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا هَارِبًا عَنْ كَافِرٍ أَوْ عَنْ بَاغٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي مَشْيِهِ ذَلِكَ تَحَرُّفًا لِقِتَالٍ أَوْ تَحَيُّزًا إلَى فِئَةٍ فَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ.

صلاة الجمعة

لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] فَمَنْ وَلِيَ الْكُفَّارَ ظَهْرَهُ وَالْبُغَاةَ الْمُفْتَرَضُ قِتَالُهُمْ لَا يَنْوِي تَحَيُّزًا وَلَا تَحَرُّفًا -: فَقَدْ عَمِلَ فِي صَلَاتِهِ عَمَلًا مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْفَارُّ عَنْ السِّبَاعِ، وَالنَّارِ، وَالْحَنَشِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْحَيَوَانِ الْعَادِي، وَالسَّيْلِ وَخَوْفِ عَطَشٍ، وَخَوْفِ فَوْتِ الرُّفْقَةِ، أَوْ فَوْتِ مَتَاعِهِ، أَوْ ضَلَالِ الطَّرِيقِ -: فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا أُمِرَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [صَلَاة الْجُمُعَة] [مَسْأَلَةٌ وَقْت الْجُمُعَةَ] 521 - مَسْأَلَةٌ: الْجُمُعَةُ، هِيَ ظُهْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَآخِرُ وَقْتِهَا: آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيلَانَ قَالَ: شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَضَى صَلَاتَهُ وَخُطْبَتَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَضَى صَلَاتَهُ وَخُطْبَتَهُ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْجُمُعَةَ ضُحًى، وَقَالَ: إنَّمَا عَجَّلْت بِكُمْ خَشْيَةَ الْحَرِّ عَلَيْكُمْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت أَرَى طَنْفَسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تُطْرَحُ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ، فَإِذَا غَشَّى الطَّنْفَسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى، ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنُقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا يُوجِبُ أَنَّ صَلَاةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجُمُعَةَ كَانَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ، لِأَنَّ ظِلَّ الْجِدَارِ مَا دَامَ فِي الْغَرْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَارَ الظِّلُّ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ وَلَا بُدَّ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلِيطٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ

صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى الْعَصْرَ بِمَلَلٍ قَالَ ابْنُ أَبِي سَلِيطٍ: وَكُنَّا نُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ عُثْمَانَ وَنَنْصَرِفُ وَمَا لِلْجِدَارِ ظِلٌّ؟ قَالَ عَلِيٌّ: بَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَمَلَلٍ: اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مِيلًا، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَخْطُبَ وَيُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَمْشِيَ هَذِهِ الْمَسَافَةَ قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ إلَّا مَنْ طَرَقَ طَرْقَ السَّرَايَا أَوْ رَكَضَ رَكْضَ الْبَرِيدِ الْمُؤَجَّلِ وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ هَذَا؟ وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا هَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُلُّ عِيدٍ حِينَ يَمْتَدُّ الضُّحَى: الْجُمُعَةُ، وَالْأَضْحَى، وَالْفِطْرُ، كَذَلِكَ بَلَغَنَا؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ عِيدٍ فَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَيْنَ الْمُمَوِّهُونَ إنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ عَمَلَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ؟ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ؟ وَهَذَا عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَطَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لَا يُبَالُونَ مَا قَالُوا فِي نَصْرِ تَقْلِيدِهِمْ وَأَمَّا نَحْنُ فَالْحُجَّةُ عِنْدَنَا فِيمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا وَكِيعٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثنا حَسَنُ بْنُ عَيَّاشِ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ

جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا، قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ؟ قَالَ: زَوَالَ الشَّمْسِ» . وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إلَى الْجُمُعَةِ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ مَثَلُ مَنْ يُهْدِي شَاةً، ثُمَّ مَثَلُ مَنْ يُهْدِي دَجَاجَةً، ثُمَّ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي عُصْفُورًا، ثُمَّ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَجَلَسَ طُوِيَتْ الصُّحُفُ» . وَرُوِّينَا نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ -: فَضْلُ التَّبْكِيرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ الْجُمُعَةِ؟ وَبُطْلَانُ قَوْلِ مِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ لِسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهَا سَاعَاتٍ مُتَغَايِرَاتٍ ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً، وَرَابِعَةً، وَخَامِسَةً، فَلَا يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ دَرَجَ الْفَضْلِ يَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ، وَخُرُوجُهُ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ النِّدَاءِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ مَعَ النِّدَاءِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ؟

وَفِيهِمَا -: أَنَّ الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا عَنْ سُمَيٍّ ذَكَرَ خَمْسَ سَاعَاتٍ. وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّيْثِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -: سَاعَةً سَادِسَةً وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَصَحَّ أَنَّ خُرُوجَهُ بَعْدَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ الزَّوَالِ، وَوَقْتُ الظُّهْرِ؟ فَإِنْ قِيلَ: " قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ ظِلًّا نَسْتَظِلُّ بِهِ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَنْفِ سَلَمَةُ الظِّلَّ جُمْلَةً، إنَّمَا نَفَى ظِلًّا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ الْخُطْبَةِ، وَتَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ " وَمَا كُنَّا نُقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ " لَيْسَ، فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ يَعْنِي، لِلْجُمُعَةِ؟ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: شَهِدْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إذَا زَالَتْ، الشَّمْسُ؟ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا فِي

مسألة الجمعة إذا صلاها اثنان فصاعدا ركعتان يجهر فيهما

أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِذْ هِيَ ظُهْرُ الْيَوْمِ فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ آخِرِ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِ الْأَيَّامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْجُمُعَةُ إذَا صَلَّاهَا اثْنَانِ فَصَاعِدًا رَكْعَتَانِ يَجْهَرُ فِيهِمَا] 522 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجُمُعَةُ إذَا صَلَّاهَا اثْنَانِ فَصَاعِدًا رَكْعَتَانِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. وَمِنْ صَلَّاهُمَا وَحْدَهُ صَلَّاهُمَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُسِرُّ فِيهَا كُلَّهَا، لِأَنَّهَا الظُّهْرُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ وُجُوبِ قَصْرِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِنَا حَدِيثَ عُمَرَ «صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّهَا رَكْعَتَانِ لِلْفَذِّ وَلِلْجَمَاعَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ الْجُمُعَةُ: اسْمٌ إسْلَامِيٌّ لِلْيَوْمِ، لَمْ يَكُنْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إنَّمَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ " الْعُرُوبَةُ " فَسُمِّيَ فِي الْإِسْلَامِ " يَوْمَ الْجُمُعَةِ "؛ لِأَنَّهُ يُجْتَمَعُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ اسْمًا مَأْخُوذًا مِنْ الْجَمْعِ، فَلَا تَكُونُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ صَلَاةَ جُمُعَةٍ، إنَّمَا هُمَا ظُهْرٌ، وَالظُّهْرُ أَرْبَعٌ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِيهَا، وَهُوَ عَمَلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، نَقْلُ كَوَافٍ مِنْ عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْيَوْمِ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا؟ وَأَمَّا الْعَدَدُ الَّذِي يُصَلِّيه الْإِمَامُ فِيهِ جُمُعَةٍ رَكْعَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا -: فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ -: فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْجُمُعَةُ تَكُونُ بِخَمْسِينَ رَجُلًا فَصَاعِدًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا جُمُعَةَ إلَّا بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا: أَحْرَارًا، مُقِيمِينَ، عُقَلَاءَ، بَالِغِينَ - فَصَاعِدًا. وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ النَّاسِ: ثَلَاثِينَ رَجُلًا. وَعَنْ غَيْرِهِ: عِشْرِينَ رَجُلًا. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: سَبْعَةَ رِجَالٍ لَا أَقَلَّ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَزُفَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: إذَا كَانَ ثَلَاثَةُ

رِجَالٍ وَالْإِمَامُ رَابِعُهُمْ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَكُونُ بِأَقَلَّ؟ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إذَا كَانَ رَجُلَانِ وَالْإِمَامُ ثَالِثُهُمَا صَلَّوْا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إذَا كَانَ وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّيَا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةِ رَكْعَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ نَقُولُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَأَمَّا مَنْ حَدَّ خَمْسِينَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا حَدِيثًا فِيهِ «عَلَى الْخَمْسِينَ جُمُعَةٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ إمَامٌ» . وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَالْقَاسِمُ هَذَا ضَعِيفٌ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ بِثَلَاثِينَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا مُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - «إذَا اجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَلْيُؤَمِّرُوا رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ» . وَأَمَّا مِنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاللَّيْثِ: فَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ وَقَدْ أَدْرَكَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إلَّا أَرْبَعَةٌ؟» . وَهَذَا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى، وَمُعَاوِيَةَ بْنَ سَعِيدٍ: مَجْهُولَانِ وَأَيْضًا -: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ هَذَا الْخَبَرَ، لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجُمُعَةَ فِي الْقُرَى، لَكِنْ فِي الْأَمْصَارِ فَقَطْ

فَكُلُّ هَذِهِ آثَارٌ لَا تَصِحُّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إسْقَاطُ الْجُمُعَةِ عَنْ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ؟ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ سَاقِطٌ عَنْ رَوْحِ بْنِ غُطَيْفٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ «لَمَّا بَلَغُوا مِائَتَيْنِ جَمَّعَ بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَإِنْ أَخَذُوا بِالْأَكْثَرِ فَهَذَا الْخَبَرُ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ أَخَذُوا بِالْأَقَلِّ فَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثًا فِيهِ أَقَلُّ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ إذَا سَمِعَ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَسَأَلَهُ ابْنُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي هَزْمِ حُرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ، فِي نَقِيعٍ يُعْرَفُ بِنَقِيعِ الْخَضِمَاتِ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ، نَعَمْ وَالْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا وَبِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَبِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ؟ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانِ - عَنْ هِشَامٍ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - ثنا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» . وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ لَا تَكُونُ جَمَاعَةٌ وَلَا جُمُعَةٌ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ؟

وَأَمَّا حُجَّتُنَا فَهِيَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ: قَالَ لَهُ: «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلِاثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ثَالِثٌ فَإِنَّ حُكْمَ الْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَقَدْ قِيلَ: يَقِفَانِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَيَسَارِهِ؟ وَقَدْ قِيلَ: بَلْ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْأَرْبَعَةِ: أَنَّ الثَّلَاثَةَ يَقِفُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَوَجَدْنَا حُكْمَ الْأَرْبَعَةِ غَيْرَ حُكْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ نَعَمْ، هُوَ كَمَا تَقُولُونَ: فِي مَوَاضِعِ الْوُقُوفِ، إلَّا أَنَّ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبٌ لَهُمَا بِإِقْرَارِكُمْ، وَلَيْسَ فِي حُكْمِ اخْتِلَافِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْجُمُعَةِ أَصْلًا؟ وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَعَنْ هَذَا الْحُكْمِ أَحَدٌ إلَّا مَنْ جَاءَ نَصٌّ جَلِيٌّ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْفَذَّ وَحْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ابْتَدَأَهَا إنْسَانٌ وَلَا أَحَدَ مَعَهُ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ أَوْ أَكْثَرُ، فَسَوَاءٌ أَتَوْهُ إثْرَ تَكْبِيرِهِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى -: يَجْعَلُهَا جُمُعَةً وَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ صَلَاةَ جُمُعَةٍ، فَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ ظُهْرُ يَوْمِهِ. فَإِنْ جَاءَهُ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ -: فَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَبْتَدِئُهَا صَلَاةَ جُمُعَةٍ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِقَطْعِ صَلَاتِهِ الَّتِي قَدْ بَطَلَ حُكْمُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة المسافر والمقيم والعبد والحر سواء في وجوب الجمعة في سفره

[مَسْأَلَةٌ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ فِي سَفَرِهِ] مَسْأَلَةٌ: وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا - مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ - الْمُسَافِرُ فِي سَفَرِهِ، وَالْعَبْدُ، وَالْحُرُّ، وَالْمُقِيمُ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا يَكُونُ إمَامًا فِيهَا، رَاتِبًا وَغَيْرَ رَاتِبٍ، وَيُصَلِّيهَا الْمَسْجُونُونَ، وَالْمُخْتَفُونَ رَكْعَتَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ بِخُطْبَةٍ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَتُصَلَّى فِي كُلِّ قَرْيَةٍ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ، كَانَ هُنَالِكَ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ صُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي الْقَرْيَةِ فَصَاعِدًا: جَازَ ذَلِكَ؟ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: أَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَى عَبْدٍ، وَلَا مُسَافِرٍ. وَاحْتَجَّ لَهُمْ مَنْ قَلَّدَهُمْ فِي ذَلِكَ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ لَا تَصِحُّ: أَحَدُهَا مُرْسَلٌ، وَالثَّانِي فِيهِ هُرَيْمٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالثَّالِثُ فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَضِرَارُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمَا مَجْهُولَانِ وَلَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا؟ وَلَوْ شِئْنَا لَعَارَضْنَاهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ «بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ، وَخَطَبَهُمْ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا» وَلَكِنَّنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي غِنًى بِالصَّحِيحِ عَمَّا لَا يَصِحُّ؟ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْهَرْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ بِعَرَفَةَ، وَكَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ» قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَا رَوَى قَطُّ أَحَدٌ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا، وَالْقَاطِعُ بِذَلِكَ كَاذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ بِهِ؟ وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ: إنْ وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمُ جُمُعَةٍ جَهَرَ الْإِمَامُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَطَبَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجْهَرْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ أَصْلًا،

لِأَنَّ الْجَهْرَ لَيْسَ فَرْضًا، وَمَنْ أَسَرَّ فِي صَلَاةِ جَهْرٍ، أَوْ جَهَرَ فِي صَلَاةِ سِرٍّ، فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ؟ وَلَجَأَ بَعْضُهُمْ إلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا مَكَانٌ هَانَ فِيهِ الْكَذِبُ عَلَى مُدَّعِيهِ. وَرُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ كَذَبَ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ -: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ -: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ -: ثُمَّ اتَّفَقَ وَكِيعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُمْ كَتَبُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ: أَنْ جَمِّعُوا حَيْثُمَا كُنْتُمْ؟ وَقَالَ وَكِيعٌ: إنَّهُ كَتَبَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْت

سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ: عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَعَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ وَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ، عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ؟ قَالَ: عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَعَمَّمَ سَعِيدُ، وَعَمْرٌو: كُلُّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَلَمْ يَخُصَّا عَبْدًا، وَلَا مُسَافِرًا، مِنْ غَيْرِهِمَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ ثنا صَالِحُ بْنُ سَعْدٍ الْمَكِّيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ مُتَبَدٍّ بِالسُّوَيْدَاءِ فِي إمَارَتِهِ عَلَى الْحِجَازِ، فَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ، فَهَيَّئُوا لَهُ مَجْلِسًا مِنْ الْبَطْحَاءِ، ثُمَّ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَجَلَسَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، ثُمَّ أَذَّنُوا أَذَانًا آخَرَ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَأَعْلَنَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ حَيْثُمَا كَانَ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقَالَ، إذَا سُئِلَ عَنْ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ قَرْيَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ فِيهَا؟ قَالَ: إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ فَلْيَشْهَدْ الْجُمُعَةَ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مَكِينٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إذَا كَانُوا سَبْعَةً فِي سَفَرٍ فَجَمَعُوا - يُحْمَدُ اللَّهُ وَيُثْنَى عَلَيْهِ وَيُخْطَبُ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْأَضْحَى وَالْفِطْرِ

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَيُّمَا عَبْدٍ كَانَ يُؤَدِّي الْخَرَاجَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَرَاجٌ أَوْ شَغَلَهُ عَمَلُ سَيِّدِهِ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: الْفَرْقُ بَيْنَ عَبْدٍ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَبَيْنَ عَبْدٍ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ: دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَلَجَئُوا إلَى أَنْ قَالُوا: رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ كَانَ بِنِيسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَكَانَ لَا يَجْمَعُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّهُ كَانَ بِكَابُلَ شِتْوَةً أَوْ شِتْوَتَيْنِ فَكَانَ لَا يَجْمَعُ. قَالَ عَلِيٌّ: حَصَلْنَا مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى ثَلَاثَةٍ قَدْ خَالَفْتُمُوهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَأَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا لَا يَجْمَعَانِ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ مَعَ النَّاسِ وَيُجْزِئُهُ. وَرَأَى عَلِيٌّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِالنَّاسِ مَنْ يُصَلِّي بِضُعَفَائِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ: بِهَذَا. وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرَى الْجُمُعَةَ عُمُومًا قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]-: قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا خِطَابٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ مُسَافِرٌ وَلَا عَبْدٌ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُهُ وَفِعْلُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ؟ وَأَمَّا إمَامَةُ الْمُسَافِرِ، وَالْعَبْدِ فِي الْجُمُعَةِ -: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَبَا سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابَهُمْ قَالُوا: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ -: وَهُوَ خَطَأٌ. أَوَّلُ ذَلِكَ - قَوْلُهُ: إنَّ الْمُسَافِرَ وَالْعَبْدَ إذَا حَضَرَا الْجُمُعَةَ كَانَتْ لَهُمَا جُمُعَةٌ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ جَوَازِ إمَامَتِهِمَا فِيهَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ» ؟ فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُمُعَةً مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا مُسَافِرًا، وَلَا عَبْدًا مِنْ حُرٍّ مُقِيمٍ، وَلَا جَاءَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الْعَبْدِ مِنْ الْإِمَامَةِ فِيهِمَا، بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ عَبْدٌ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْوَدُ مَمْلُوكٌ أَمِيرًا لَهُ عَلَى الرَّبَذَةَ يُصَلِّي خَلْفَهُ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الرَّبَذَةَ بِهَا جُمُعَةٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا: كَانَ هُنَالِكَ سُلْطَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ -: فَالْحَاضِرُونَ مِنْ مُخَالِفِينَا مُوَافِقُونَ لَنَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ؟ وَقَدْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّجْمِيعِ بِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهَا وَبَيْنَ الْإِمَامِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالْجَمَاعَةِ فِيهَا، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ رَدُّ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً إلَى السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهَا؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا: تُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِي أَيِّ قَرْيَةٍ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ -: فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافَ عُمَرَ لِذَلِكَ، وَخِلَافَهُمْ لِعَلِيٍّ فِي غَيْرِ مَا قِصَّةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا تَحْدِيدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ، لِأَنَّ ثَلَاثَةَ دُورٍ قَرْيَةٌ مُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَحْدِيدِ الْعَدَدِ الَّذِي لَا يَقَعُ اسْمُ قَرْيَةٍ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ، وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ النَّقْلُ بِهِ مُتَّصِلًا؟ فَيُقَالُ لَهُ: نَعَمْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ، حَتَّى قَطَعَهُ الْمُقَلِّدُونَ بِضَلَالِهِمْ عَنْ الْحَقِّ، وَقَدْ شَاهَدْنَا جَزِيرَةَ " مَيُورْقَةَ " يَجْمَعُونَ فِي قُرَاهَا، حَتَّى قَطَعَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لِمَالِكٍ، وَبَاءَ بِإِثْمِ النَّهْيِ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمُرُّ عَلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ وَهُمْ يَجْمَعُونَ فَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَ الْمِيَاهِ أَنْ يَجْمَعُوا، وَيَأْمُرُ أَهْلَ كُلِّ

قَرْيَةٍ لَا يَنْتَقِلُونَ بِأَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ يَجْمَعُ بِهِمْ؟ وَيُقَالُ لَهُمْ: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ حَقًّا وَصَوَابًا لَجَاءَ بِهِ النَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ، وَلَمَا جَازَ أَنْ يَجْهَلَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَبْلَهُ أَبُوهُ عُمَرُ، وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ الْجُمُعَةَ جَائِزَةٌ فِي مَسْجِدَيْنِ فَصَاعِدًا فِي الْقَرْيَةِ -: فَإِنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ حَكَمُوا عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمِصْرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَانِبَانِ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، فَيُجْزِئُ أَنْ يَجْمَعَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُمَا. وَرَوَوْا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا: أَنَّ الْجُمُعَةَ تُجْزِئُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ، وَلَا تُجْزِئُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ؟ وَكِلَا هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ السُّخْفِ حَيْثُ لَا نِهَايَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَضِّدُهُمَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَقَدْ رَوَوْا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمِصْرِ. فَإِنْ قَالُوا: صَلَّى عَلِيٌّ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى وَاسْتَخْلَفَ مَنْ صَلَّى بِالضُّعَفَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، فَهُمَا مَوْضِعَانِ وَهَذَا لَا يُقَالُ: رَأْيًا؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَقُولُوا: إنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي الْمُصَلَّى. وَفِي الْجَامِعِ فَقَطْ، وَإِلَّا فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ، كَمَا خَالَفْتُمُوهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، إذْ أَمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي اسْتَخْلَفَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْعِيدَ أَرْبَعًا -: فَقُلْتُمْ: هَذَا شَاذٌّ فَيُقَالُ لَكُمْ: بَلْ الشَّاذُّ هُوَ الَّذِي أَجَزْتُمْ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى آرَاءَكُمْ قِيَاسًا عَلَى الْأُمَّةِ، وَلَا عِيَارًا فِي دِينِهِ وَهَلَّا قُلْتُمْ، فِي هَذَا الْخَبَرِ كَمَا تَقُولُونَ فِي خَبَرِ الْمُصَرَّاةِ وَغَيْرِهِ: هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِافْتِرَاضِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَصَارَ تَخْصِيصُهُ اعْتِرَاضًا عَلَى الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ شَاذٍّ غَيْرِ قَوِيِّ النَّقْلِ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ؟ وَمَنَعَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: مِنْ التَّجْمِيعِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمِصْرِ. وَرَأَيْنَا الْمُنْتَسِبِينَ إلَى مَالِكٍ يَحُدُّونَ فِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعِينَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ، وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا التَّحْدِيدُ؟ وَلَا كَيْف دَخَلَ فِي

عَقْلِ ذِي عَقْلٍ حَتَّى يَجْعَلَهُ دِينًا؟ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة: 9] فَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ: فِي مَوْضِعٍ وَلَا مَوْضِعَيْنِ وَلَا أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَإِنْ قَالُوا: قَدْ كَانَ أَهْلُ الْعَوَالِي يَشْهَدُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ. قُلْنَا: نَعَمْ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَجْمَعُونَ مَعَهُ أَيْضًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، وَلَا يَلْزَمُ هَذَا عِنْدَكُمْ، وَقَدْ كَانُوا يَشْهَدُونَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَائِرَ الصَّلَوَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ سَائِرَ قَوْمِهِمْ لَا يُصَلُّونَ الْجَمَاعَاتِ فِي مَسَاجِدِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَجْمَعُونَ سَائِرَ قَوْمِهِمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ، وَلَا يَحُدُّونَ هَذَا أَبَدًا؟ وَمِنْ الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ فِي الْقُرْآنِ السَّعْيَ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى نَحْوِ نِصْفِ مِيلٍ، أَوْ ثُلُثَيْ مِيلٍ لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ أَصْلًا إذَا رَاحَ إلَيْهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّوَاحِ إلَيْهَا. فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ مَسْجِدٍ يَجْمَعُونَ فِيهِ إذَا رَاحُوا إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرُوا بِالرَّوَاحِ إلَيْهِ فِيهِ أَدْرَكُوا الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَوْجَبَ الرَّوَاحَ حِينَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَإِيجَابُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ وَاجِبًا. وَمِنْ أَعْظَمِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى الْمَدِينَةَ وَإِنَّمَا هِيَ قُرًى صِغَارٌ مُفَرَّقَةٌ، بَنُو مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ فِي قَرْيَتِهِمْ حَوَالِي دُورِهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَنَخْلُهُمْ، وَبَنُو عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ فِي دَارِهِمْ كَذَلِكَ، وَبَنُو مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ كَذَلِكَ، وَبَنُو سَالِمٍ كَذَلِكَ، وَبَنُو سَاعِدَةَ كَذَلِكَ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ كَذَلِكَ، وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَذَلِكَ، وَبَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَذَلِكَ، وَسَائِرِ بُطُونِ الْأَنْصَارِ كَذَلِكَ، فَبَنَى مَسْجِدَهُ فِي بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَجَمَعَ فِيهِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَتْ بِالْكَبِيرَةِ، وَلَا مِصْرَ هُنَالِكَ. فَبَطَل قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنْ لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي مِصْرٍ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ، بَلْ هُوَ نَقْلُ الْكَوَافِّ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ليس للسيد منع عبده من حضور الجمعة

وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، " حَيْثُمَا كُنْتُمْ " إبَاحَةٌ لِلتَّجْمِيعِ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ تُجْمَعُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ فَلْتُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَرَأَيْت أَهْلَ الْبَصْرَةِ لَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ الْأَكْبَرُ كَيْفَ يَصْنَعُونَ؟ قَالَ: لِكُلِّ قَوْمٍ مَسْجِدٌ يَجْمَعُونَ فِيهِ ثُمَّ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَبِهِ نَأْخُذُ؟ [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُ عَبْدِهِ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ] 524 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُ عَبْدِهِ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّهُ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَدْعُوٌّ إلَيْهَا فَسَعْيُهُ إلَيْهَا فَرْضٌ، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ وَلَا فَرْقَ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [هود: 19] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ» . [مَسْأَلَةٌ لَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمَرَضٍ] 525 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَلَا عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنْ حَضَرَ هَؤُلَاءِ صَلُّوهَا رَكْعَتَيْنِ. لِأَنَّ الْجُمُعَةَ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ - وَيُسْقِطُ الْإِجَابَةَ مِنْ الْأَعْذَارِ مَا يُسْقِطُ الْإِجَابَةَ إلَى غَيْرِهَا وَلَا فَرْقَ فَإِنْ حَضَرَهَا الْمَعْذُورُ فَقَدْ سَقَطَ الْعُذْرُ، فَصَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ صَلَّاهَا الرَّجُلُ الْمَعْذُورُ بِامْرَأَتِهِ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّاهَا النِّسَاءُ فِي جَمَاعَةٍ. [مَسْأَلَةٌ الْمَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ] 526 - مَسْأَلَةٌ: وَيَلْزَمُ الْمَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ مِنْهَا بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَقَدْ تَوَضَّأَ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ الطَّرِيقَ إثْرَ أَوَّلِ الزَّوَالِ وَمَشَى مُتَرَسِّلًا وَيُدْرِكُ مِنْهَا وَلَوْ السَّلَامَ، سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ، فَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ إنْ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا وَلَا السَّلَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَجِيءُ إلَيْهَا، سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ. وَالْعُذْرُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا كَالْعُذْرِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ سَائِرِ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ، كَمَا ذَكَرْنَا

قَبْلُ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى: أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يَأْمُرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُطْبَتِهِ أَهْلَ فَاءَيْنِ فَمَنْ دُونَهَا بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِيلًا مِنْ دِمَشْقَ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ مَنْ كَانَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ الْجَامِعِ بِمِقْدَارِ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: تُؤْتَى الْجُمُعَةُ مِنْ فَرْسَخَيْنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَكَمِ، وَعَطَاءٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ: تُؤْتَى الْجُمُعَةُ مِنْ حَيْثُ إذَا صَلَّاهَا ثُمَّ خَرَجَ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي مَنْزِلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَكُونُ مِنْ الطَّائِفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَلَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ. وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: تُؤْتَى الْجُمُعَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ؟ وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ: تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْمِصْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ عَظُمَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ، فَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ وَمَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: تَلْزَمُ الْجُمُعَةُ جَمِيعَ أَهْلِ الْمِصْرِ - سَمِعُوا النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعُوا - وَلَا تَلْزَمُ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ، سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ؟

قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا حُجَّةَ لِقَائِلِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِفٍ لَهُ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ لَا سِيَّمَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. فَإِنْ تَعَلَّقَ مِنْ يَحُدُّ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ بِأَنَّ أَهْلَ الْعَوَالِي كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهِيَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا، بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُذِنَ لَهُمْ فِي أَنْ لَا يُصَلُّوهَا مَعَهُ. وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ، فَقَدْ أَذِنْت لَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَذِنَ لَهُمْ فِي تَرْكِهَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ -: فَإِنَّ النِّدَاءَ قَدْ لَا يَسْمَعُهُ لِخَفَاءِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ - أَوْ لِحَمْلِ الرِّيحِ لَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، أَوْ لِحَوَالَةٍ رَابِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ دُونَهُ مَنْ كَانَ قَرِيبًا جِدًّا، وَقَدْ يَسْمَعُ عَلَى أَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارِ وَالْقَرْيَةُ فِي جَبَلٍ، وَالْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا وَالرِّيحُ تَحْمِلُ صَوْتَهُ؟ وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَجِبْ» أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِجَابَةِ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهَا، لَا مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مِنْهَا

مسألة يبتدئ الإمام بعد الأذان وتمامه بالخطبة يوم الجمعة

شَيْئًا، هَذَا مَعْلُومٌ يَقِينًا وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ يَهُمُّ بِإِحْرَاقِ مَنَازِلِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. فَإِذْ قَدْ اخْتَلَفُوا هَذَا الِاخْتِلَافَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؟ -: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى السَّعْيَ إلَيْهَا إذَا نُودِيَ لَهَا، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعَالَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَالنِّدَاءُ لَهَا إنَّمَا هُوَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، فَمَنْ أَمَرَ بِالرَّوَاحِ قَبْلَ ذَلِكَ فَرْضًا فَقَدْ افْتَرَضَ مَا لَمْ يَفْتَرِضْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرَّوَاحِ إلَيْهَا إثْرَ زَوَالِ الشَّمْسِ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَصَحَّ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَضِيلَةٌ لَا فَرِيضَةٌ، كَمَنْ قَرَّبَ بَدَنَةً، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ كَبْشًا، أَوْ مَا ذُكِرَ مَعَهَا وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَشَى إلَى الصَّلَاةِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَالسَّعْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ الْمَشْيُ لَا الْجَرْيُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ السَّعْيَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ لَا لِلْعَنَاءِ دُونَ إدْرَاكِهَا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأَذَانِ وَتَمَامِهِ بِالْخُطْبَةِ يَوْم الْجُمُعَةَ] 527 - مَسْأَلَةٌ: وَيَبْتَدِئُ الْإِمَامُ - بَعْدَ الْأَذَانِ وَتَمَامِهِ - بِالْخُطْبَةِ فَيَخْطُبُ وَاقِفًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً؟ وَلَيْسَتْ الْخُطْبَةُ فَرْضًا، فَلَوْ صَلَّاهَا إمَامٌ دُونَ خُطْبَةٍ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ جَهْرًا وَلَا بُدَّ وَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهُمَا عَلَى أَعْلَى الْمِنْبَرِ مُقْبِلًا عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِالْآخِرَةِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِمَا يَلْزَمُهُمْ فِي دِينِهِمْ؟ وَمَا خَطَبَ بِهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ خَطَبَ بِسُورَةٍ يَقْرَؤُهَا: فَحَسَنٌ

فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى النَّاسِ إذْ دَخَلَ - فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ إذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ؟ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: أَنَّهُمَا كَانَا يُسَلِّمَانِ إذَا قَعَدَا عَلَى الْمِنْبَرِ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ، كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْمَ» . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ، وَمُعَاوِيَةَ، أَنَّهُمَا كَانَا يَخْطُبَانِ جَالِسَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فَإِنَّمَا لَنَا الِائْتِسَاءُ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِعْلُهُ فَرْضًا؟ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ فَقَالَا: الْخُطْبَةُ فَرْضٌ لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ إلَّا بِهَا، وَالْوُقُوفُ فِي الْخُطْبَةِ فَرْضٌ، وَاحْتَجَّا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ تَنَاقَضَا فَقَالَا: إنْ خَطَبَ جَالِسًا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْطُبْ لَمْ يُجْزِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ " مَنْ أَخْبَرَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرْضًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ فَرْضٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ. ثُمَّ تَنَاقَضَ فَأَجَازَ الْجُمُعَةَ لِمَنْ خَطَبَ قَاعِدًا، وَالْقَوْلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فِي إجَازَتِهِمَا الْجُمُعَةَ بِخُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا فَرْقَ؟ وَقَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُصَلِّهَا إلَّا

أَرْبَعًا، لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ الْمَكِّيِّ قَالَ: سَمِعْت طَاوُسًا، وَعَطَاءً يَقُولَانِ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ صَلَّى أَرْبَعًا وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي يُونُسَ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ: إذَا لَمْ تُدْرِكْ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلِّ أَرْبَعًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: الْخُطْبَةُ مَوْضِعُ الرَّكْعَتَيْنِ، فَمَنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ صَلَّى أَرْبَعًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ وَأَقْوَى، فَيَلْزَمُهُمْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ عُمَرَ هَهُنَا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ احْتَجَّ فِي إيجَابِ فَرْضِ الْخُطْبَةِ بِأَنَّهَا جُعِلَتْ بَدَلًا عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي إيجَابِ الْخُطْبَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ فِي تَصْوِيبِ قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ قَائِمًا، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّهُمْ تَرَكُوهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَاعِدًا، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلَيْسَ فِي إنْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَرْكِهِمْ لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمًا -: إيجَابٌ لِفَرْضِ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ، وَلَا لِفَرْضِ الْخُطْبَةِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَمَا يَقُولُونَ فَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ خَطَبَ قَاعِدًا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا لَهُمْ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَظَهَرَ أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِالْآيَةِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِأَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ عَلَى إيجَابِ الْقِيَامِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى إيجَابِ الْخُطْبَةِ، إنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ قِيَامًا فَقَطْ؟ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا تُعْجَلُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: مَنْ لَمْ يَخْطُبْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَقَدْ قَالَهُ أَيْضًا ابْنُ سِيرِينَ: وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ - بِجَارِي عَادَتِهِمْ فِي الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى - فَقَالَ: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] إنَّمَا مُرَادُهُ إلَى الْخُطْبَةِ وَجَعَلَ هَذَا حُجَّةً فِي إيجَابِ فَرْضِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ لِهَذَا الْمُقْدِمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا الْخُطْبَةَ؟ بَلْ أَوَّلُ الْآيَةِ وَآخِرُهَا يُكَذِّبَانِ ظَنَّهُ الْفَاسِدَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] . ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة: 10] . فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا افْتَرَضَ السَّعْيَ إلَى الصَّلَاةِ إذَا نُودِيَ لَهَا، وَأَمَرَ إذَا قُضِيَتْ بِالِانْتِشَارِ وَذَكَرَهُ كَثِيرًا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِالسَّعْيِ لَهُ هُوَ الصَّلَاةُ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّمْجِيدِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالتَّشَهُّدِ لَا غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا الْجَاهِلُ لَكَانَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ وَلَا شَيْئًا مِنْهَا وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ غَيْرَ مُؤَدٍّ لِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ السَّعْيِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا، وَقَدْ قَالَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَلَا يَكْذِبُونَ ثَانِيَةً فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مُمَوِّهِينَ عَلَى الضُّعَفَاءِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُصَلِّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ إلَّا بِخُطْبَةٍ؟ قُلْنَا: وَلَا صَلَّاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ إلَّا بِخُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، فَاجْعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ فَرْضًا لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِهِ، وَلَا صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ إلَّا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، فَأَبْطِلُوا الصَّلَاةَ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُنَا: مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ فَاقْتِدَاءٌ بِظَاهِرِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ تَكْبِيرَةٌ، وَهَذَا نَقْضٌ مِنْهُ لِإِيجَابِهِ الْخُطْبَةَ فَرْضًا، لِأَنَّ التَّكْبِيرَةَ لَا تُسَمَّى خُطْبَةً، وَيُقَالُ لَهُمْ: إذَا جَازَ هَذَا عِنْدَكُمْ فَلِمَ لَا أَجْزَأَتْ عَنْ الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَهِيَ ذِكْرٌ؟

مسألة إطالة خطبة الجمعة

وَقَالَ مَالِكٌ -: الْخُطْبَةُ: كُلُّ كَلَامٍ ذِي بَالٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ هَذَا حَدًّا لِلْخُطْبَةِ، وَهُوَ يَرَاهَا فَرْضًا، وَمَنْ أَوْجَبَ فَرْضًا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ تَحْدِيدُهُ، حَتَّى يَعْلَمَهُ مُتَّبِعُوهُ عِلْمًا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَهِلُوا فَرْضَهُمْ وَأَمَّا خُطْبَتُهَا عَلَى أَعْلَى الْمِنْبَرِ فَهَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَا أَيْضًا فَرْضًا، لِأَنَّهُ مُذْ عُمِلَ الْمِنْبَرُ لَمْ يَخْطُبْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ إلَّا عَلَيْهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ خَطَبَ بِسُورَةٍ يَقْرَؤُهَا: فَحَسَنٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنَةٍ لِحَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ " مَا حَفِظْت (ق) إلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدًا ". [مَسْأَلَةٌ إطَالَةُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةَ] 528 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ إطَالَةُ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ قَرَأَ فِيهَا بِسُورَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ أَوْ آيَةٍ فِيهَا سَجْدَةٌ فَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فَيَسْجُدَ وَالنَّاسُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، لَقَدْ أَبْلَغْت وَأَوْجَزْت فَلَوْ كُنْت تَنَفَّسْت؟ فَقَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرِ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، فَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَحْسِنُوا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا هَذِهِ الْخُطَبَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: شَهِدْت ابْنَ مَعْدَان فِي جَامِعِ قُرْطُبَةَ قَدْ أَطَالَ الْخُطْبَةَ، حَتَّى أَخْبَرَنِي بَعْضُ وُجُوهِ النَّاسِ أَنَّهُ بَالَ فِي ثِيَابِهِ. وَكَانَ قَدْ نَشِبَ فِي الْمَقْصُورَةِ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثنا ابْنُ السَّلِيمِ الْقَاضِي ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ ص فَلِمَا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ فَسَجَدَ بِالنَّاسِ سَجْدَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ نَزَلَ فَسَجَدَ فَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَتَهَيَّئُوا لِلسُّجُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: عَلَى رِسْلِكُمْ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ - أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] ثُمَّ نَزَلَ فَسَجَدَ.

مسألة الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ كَانَ يَخْطُبُ فَقَرَأَ " ص وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ بِالْمَدِينَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالْكُوفَةِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، وَقَدْ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ الْمَشْهُورَةِ، فَأَيْنَ دَعْوَاهُمْ اتِّبَاعَ عَمَلِ الصَّحَابَةِ؟ [مَسْأَلَةٌ الْكَلَام وَالْإِمَام يخطب يَوْم الْجُمُعَةَ] 529 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ - سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ - أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ مُدَّةَ خُطْبَةِ الْإِمَامِ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ، إلَّا التَّسْلِيمَ إنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ، وَرَدَّ السَّلَامَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ مِمَّنْ دَخَلَ حِينَئِذٍ، وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى إنْ عَطَسَ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ إنْ حَمِدَ اللَّهَ، وَالرَّدَّ عَلَى الْمُشَمِّتِ، وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ الْخَطِيبُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَالتَّأْمِينَ عَلَى دُعَائِهِ، وَابْتِدَاءَ مُخَاطَبَةِ الْإِمَامِ فِي الْحَاجَةِ تَعِنُّ، وَمُجَاوَبَةَ الْإِمَامِ مِمَّنْ ابْتَدَأَهُ الْإِمَامُ بِالْكَلَامِ فِي أَمْرٍ مَا فَقَطْ؟ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ حِينَئِذٍ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ -: انْصِتْ، وَلَكِنْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يَغْمِزُهُ، أَوْ يَحْصِبُهُ؟ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا ذَاكِرًا عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ؟ فَإِنْ أَدْخَلَ الْخَطِيبُ فِي خُطْبَتِهِ مَا لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْكَلَامُ مُبَاحٌ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَالْكَلَامُ حِينَئِذٍ مُبَاحٌ، وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ وَابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَلَا يَجُوزُ الْمَسُّ لِلْحَصَى مُدَّةَ الْخُطْبَةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ زِيَادِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ الْقَرْثَعِ الضَّبِّيِّ - وَكَانَ مِنْ الْقُرَّاءِ الْأَوَّلِينَ - عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا أُمِرَ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كُرَيْبٍ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا» حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ سُورَةً عَلَى الْمِنْبَرِ؟ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ أُبَيٌّ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لِأَبِي ذَرٍّ: مَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إلَّا مَا لَغَوْتَ، فَدَخَلَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: صَدَقَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ» . وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ

كَانَ بِمَكَّةَ فَجَاءَ كريه وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ: حَبَسْت الْقَوْمَ قَدْ ارْتَحَلُوا، فَقَالَ لَهُ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى نَنْصَرِفَ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا صَاحِبُك فَحِمَارٌ، وَأَمَّا أَنْت فَلَا جُمُعَةَ لَك؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَحَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ آيَةً وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: هَذَا حَظُّك مِنْ صَلَاتِك؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، كُلُّهُمْ يُبْطِلُ صَلَاةَ مَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي الْخُطْبَةِ. وَبِهِ نَقُولُ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ: مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ بَطَلَ أَجْرُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِذَا بَطَلَ أَجْرُهُ فَقَدْ بَطَلَ عَمَلُهُ بِلَا شَكٍّ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَصَبَ رَجُلَيْنِ كَانَا يَتَكَلَّمَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَنَّهُ رَأَى سَائِلًا يَسْأَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَحَصَبَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ يُومِئُ إلَى الرَّجُلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْ اُسْكُتْ؟ وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ مَدْحَ مَنْ لَا حَاجَةَ بِالْمُسْلِمِينَ إلَى مَدْحِهِ، أَوْ دُعَاءً فِيهِ بَغْيٌ وَفُضُولٌ مِنْ الْقَوْلِ، أَوْ ذَمَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ -: فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْخُطْبَةِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِنْصَاتُ لِذَلِكَ، بَلْ تَغْيِيرُهُ وَاجِبٌ إنْ أَمْكَنَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ قَالَ: رَأَيْت الشَّعْبِيَّ، وَأَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ يَتَكَلَّمَانِ وَالْحَجَّاجُ يَخْطُبُ حِينَ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ وَلَعَنَ اللَّهُ، فَقُلْت: أَتَتَكَلَّمَانِ فِي الْخُطْبَةِ؟ فَقَالَا: لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ نُنْصِتَ لِهَذَا؟ وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: رَأَيْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ زَمَنَ الْحَجَّاجِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ الْحَجَّاجُ وَخُطَبَاؤُهُ يَلْعَنُونَ عَلِيًّا، وَابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلُعِنَ لَاعِنُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا خِلَافًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لَا نَقُولُ بِهِ؟ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ نَائِلٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْكَلَامِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ. وَأَمَّا ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رُبَيْعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا بِشْرٌ هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ» وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] . وَأَمَّا حَمْدُ الْعَاطِسِ وَتَشْمِيتُهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رُبَيْعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِمْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ» . وَقَدْ قِيلَ: إنَّ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ وَبَيْنَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ: خَالِدَ بْنَ عَرْفَجَةَ وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد: ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الْكَلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ، وَصَحَّ الْأَمْرُ بِالسَّلَامِ وَرَدِّهِ، وَبِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْعُطَاسِ وَتَشْمِيتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَرَدِّهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: إلَّا فِي الْخُطْبَةِ، وَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: بِالْإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ إلَّا عَنْ السَّلَامِ وَرَدِّهِ وَالْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَالرَّدِّ، فَمَنْ لَكُمْ بِتَرْجِيحِ اسْتِثْنَائِكُمْ وَتَغْلِيبِ اسْتِعْمَالِكُمْ لِلْأَخْبَارِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ غَيْرِكُمْ وَاسْتِعْمَالِهِ لِلْأَخْبَارِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ؟ قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ «لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَالْقِيَاسُ لِلْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بَاطِلٌ، إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْخُطْبَةَ يَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الْخَطِيبِ بِالْكَلَامِ وَمُجَاوَبَتِهِ، وَابْتِدَاءُ ذِي الْحَاجَةِ لِلَّهِ بِالْمُكَالَمَةِ وَجَوَابِ الْخَطِيبِ لَهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ هُوَ فَرْضًا، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ. وَيَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الدَّاخِلِ بِالصَّلَاةِ تَطَوُّعًا. فَصَحَّ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَأْمُورَ بِهِ مُغَلَّبٌ عَلَى الْإِنْصَاتِ فِيهَا، لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ جَوَازُهُ -: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ جَائِزًا فِيهَا وَيَكُونُ الْكَلَامُ الْفَرْضُ الْمَأْمُورُ بِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ فِيهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا أَبُو عَمْرٍو هُوَ الْأَوْزَاعِيُّ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ثنا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: «قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ: انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ، وَأَتَى بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ثُمَّ أَتَى إلَى خُطْبَتِهِ فَأَتَمَّ آخِرَهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو رِفَاعَةَ هَذَا تَمِيمُ الْعَدَوِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي الْمُتَّصِلِ بِهِ كَلَامَ عُمَرَ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَنَّ السُّجُودَ لَيْسَ فَرْضًا. وَذَكَرْنَا قَبْلُ كَلَامَ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَكَلَامَ عُثْمَانَ مَعَهُ وَعُمَرُ يَخْطُبُ فِي أَمْرِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنْكَارِ تَرْكِهِ، لَا يُنْكِرُ الْكَلَامَ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، حَتَّى نَشَأَ مَنْ لَا يَعْتَدُّ بِهِ مَعَ مَنْ ذَكَرْنَا. وَالْعَجِيبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ - مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ بِزَعْمِهِمْ - قَالَ: لَعَلَّ هَذَا قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَالَ: فِي الْخُطْبَةِ فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدَ نَسْخَ الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخُطْبَةِ؟ وَمَا الَّذِي أَدْخَلَ الصَّلَاةَ فِي الْخُطْبَةِ؟ وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ فِي أَحْكَامِهَا. وَلَوْ خَطَبَ الْخَطِيبُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمَا ضَرَّ ذَلِكَ خُطْبَتَهُ، وَهُوَ يَخْطُبُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَأَيْنَ الصَّلَاةُ مِنْ الْخُطْبَةِ لَوْ عَقَلُوا؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ - وَالدِّينُ لَا يُؤْخَذُ بِ " لَعَلَّ "

الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ يُسَلِّمُ، وَيَرُدُّ السَّلَامَ، وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ - وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُهُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَا: رُدَّ السَّلَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْمَعْ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ رَجُلٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: يُسَلِّمُ وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَطَسَ شَمَّتُوهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ؟ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا عَطَسَ الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ سَلَّمَ وَأَنْت تَسْمَعُهُ وَتَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَشَمِّتْهُ فِي نَفْسِك، وَرُدَّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِك، فَإِنْ كُنْت لَا تَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَشَمِّتْهُ وَأَسْمِعْهُ، وَرُدَّ عَلَيْهِ، وَأَسْمِعْهُ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ قَالَا جَمِيعًا فِي الرَّجُلِ يُسَلِّمُ وَهُوَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ: أَنَّهُ يَرُدُّ وَيُسْمِعُهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ وَيَرُدَّ السَّلَامَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ. [الِاحْتِبَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ] 530 - مَسْأَلَةٌ: وَالِاحْتِبَاءُ جَائِزٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَكَذَلِكَ شُرْبُ الْمَاءِ، وَإِعْطَاءُ الصَّدَقَةِ، وَمُنَاوَلَةُ الْمَرْءِ أَخَاهُ حَاجَتَهُ، لِأَنَّ كُلَّ هَذَا أَفْعَالُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا نَهْيٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَلَوْ كُرِهَتْ أَوْ حَرُمَتْ لَبَيَّنَّ ذَلِكَ

مسألة دخل يوم الجمعة والإمام يخطب

تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الِاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ. وَأَبُو مَرْحُومٍ هَذَا مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا سَعِيدَ بْنَ أَبِي أَيُّوبَ. رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَحْتَبِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَكَذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ، وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَنُعَيْمُ بْنُ سَلَامَةَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ كَرَّهَهُ، إلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ وَحْدَهُ، وَلَمْ تُرْوَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ إبَاحَةَ شُرْبِ الْمَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ شَرِبَ الْمَاءَ فَسَدَتْ جُمُعَتُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ] 531 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا شُعْبَةُ ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فَقَالَ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَمْرٌ لَا حِيلَةَ لِمُمَوِّهٍ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا قُتَيْبَةُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: قُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ» . هَذَا لَفْظُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ " رَكْعَتَيْنِ ". وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُبَيْعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَا: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَصَلَّيْتَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا» . وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ الْعَبْقَسِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّهُ جَاءَ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَجْلَسُوهُ، فَأَبَى، وَقَالَ: أَبَعْدَ مَا صَلَّيْتُمُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ " فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَصَحِّ أَسَانِيدَ تُوجِبُ الْعِلْمَ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّاهُمَا أَبُو سَعِيدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَلَا عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، إلَّا شُرَطُ مَرْوَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِالْبَاطِلِ وَعَمِلُوا الْبَاطِلَ فِي الْخُطْبَةِ، فَأَظْهَرُوا بِدْعَةً وَرَامُوا إمَاتَةَ سُنَّةٍ وَإِطْفَاءَ حَقٍّ، فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَقْتَدِي بِهِمْ وَيَدَعُ الصَّحَابَةَ؟ وَقَدْ رَوَى النَّاسُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» . فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ إلَّا مَا خَصَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ يَجِدُ الْإِمَامَ يُقِيمُ لِصَلَاةِ الْفَرْضُ، أَوْ قَدْ دَخَلَ فِيهَا؟ وَسُبْحَانَ مَنْ يَسَّرَ هَؤُلَاءِ لِعَكْسِ الْحَقَائِقِ، فَقَالُوا: مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلَا يَرْكَعْ، وَمَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَلَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ وَلَا رَكَعَ رَكْعَتِي الْفَجْرِ فَلْيَتْرُكْ الْفَرِيضَةَ وَلْيَشْتَغِلْ بِالنَّافِلَةِ فَعَكَسُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَكْسًا. وَلَوْلَا الْبُرْهَانُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِأَنْ لَا فَرْضَ إلَّا الْخَمْسُ لَكَانَتْ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فَرْضًا، وَلَكِنَّهُمَا فِي غَايَةِ التَّأْكِيدِ، لَا شَيْءَ مِنْ السُّنَنِ أَوْكَدُ مِنْهُمَا، لِتَرَدُّدِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ

سِمَاكِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؟ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ فَعَلُوهُ كَانَ حَسَنًا؟ وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ: ثنا بَرِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ قَالَ: رَأَيْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَابْنُ هُبَيْرَةَ يَخْطُبُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَلَسَ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: إذَا جِئْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَإِنْ شِئْت صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئِ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ كَانَ صَلَّاهُمَا فِي بَيْتِهِ جَلَسَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّهِمَا فِي بَيْتِهِ رَكَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُصَلِّ، قَالَ مَالِكٌ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِمَا فَلْيُتِمَّهُمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَتَا حَقًّا فَلِمَ لَا يَبْتَدِئُ بِهِمَا؟ فَالْخَيْرُ يَنْبَغِي الْبِدَارُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتَا خَطَأً وَغَيْرَ جَائِزَتَيْنِ فَمَا يَجُوزُ التَّمَادِي عَلَى الْخَطَأِ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمَا بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ - لَوْ صَحَّ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَهُمَا، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَكَعَهُمَا ثُمَّ تَخَطَّى، وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ رَكَعَهُمَا، فَإِذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ لَا أَنَّهُ رَكَعَ، وَلَا أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ -: فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا عَلَيْهِمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدَ الْكَذَّابِينَ؟ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ، وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ -: لَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِالرُّكُوعِ، وَمُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ؟ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ وَصَحَّ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَكَعَ. وَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِأَنْ يَرْكَعَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ -: لِمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّنَا لَمْ نَقُلْ: إنَّهُمَا فَرْضٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُمَا سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ صَلَاتِهِمَا؟ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْفَاسِدِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَبَقِيَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِصَلَاتِهِمَا لَا مُعَارِضَ لَهُ؟ وَتَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ " فَذَكَر الْحَدِيثَ. وَفِيهِ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطُنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ» ؟ قَالُوا: فَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّكْعَتَيْنِ لِيُفْطَنَ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاتِهِمَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ اعْتِرَاضٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَفِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مِنْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» . ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: قُولُوا لَنَا: هَلْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ أُمّ بِبَاطِلٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: بِبَاطِلٍ، كَفَرُوا. وَإِنْ قَالُوا: بِحَقٍّ أَبْطَلُوا مَذْهَبَهُمْ، وَلَزِمَهُمْ الْأَمْرُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّ أَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إذْ لَا يَأْمُرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا بِحَقٍّ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إذْ قُلْتُمْ هَذَا فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ بِهِ فَتَأْمُرُونَ مَنْ دَخَلَ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ لِيُفْطَنَ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ؟ أَمْ لَا تَرَوْنَ ذَلِكَ؟ إنْ قَالُوا: نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ تَرَكُوا مَذْهَبَهُمْ. وَإِنْ قَالُوا: لَسْنَا نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي تَوْجِيهِكُمْ لِلْخَبَرِ الثَّابِتِ وُجُوهًا أَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا، وَعَاصُونَ لِلْخَبَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؟ وَهَلْ هَهُنَا إلَّا إيهَامُ الضُّعَفَاءِ الْمُغْتَرِّينَ الْمَحْرُومِينَ أَنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ حُكْمَ الْخَبَرِ وَصَحَّحْتُمْ بِذَلِكَ قَوْلَكُمْ؟ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِالضِّدِّ، بَلْ هُوَ عَلَيْكُمْ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، وَلَا قَضَاهَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بَلْ قَدْ فَرَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَهُمَا، بِأَنْ أَمَرَ مَنْ حَضَرَ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ، وَأَمَرَ الدَّاخِلَ بِالصَّلَاةِ، فَالْمُعْتَرِضُ عَلَى هَذَا مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَالْمُتَطَوِّعُ جَائِزٌ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ وَلِمَنْ دَخَلَ مَا لَمْ تَقُمْ الْإِقَامَةُ لِلصَّلَاةِ؟

مسألة الكلام والمؤذن يؤذن يوم الجمعة وبعد الخطبة

[مَسْأَلَةٌ الْكَلَامُ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ الْخُطْبَةِ] مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلَامُ مُبَاحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا دَامَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَبْدَأْ الْخَطِيبُ بِالْخُطْبَةِ. وَالْكَلَامُ جَائِزٌ بَعْدَ الْخُطْبَةِ إلَى أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ. وَالْكَلَامُ جَائِزٌ فِي جِلْسَةِ الْإِمَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ بِالْمُبَاحِ مُبَاحٌ إلَّا حَيْثُ مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ، وَلَمْ يَمْنَعْ النَّصُّ إلَّا مِنْ الْكَلَامِ فِي خُطْبَةِ الْإِمَامِ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ؟ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ، فَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إلَى الْمُصَلَّى فَيُصَلِّي» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمَّا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ لَهُ بِلَالٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: لَبَّيْكَ، قَالَ: أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ أَمْ لِنَفْسِك؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَذِنَ لَهُ، فَذَهَبَ إلَى الشَّامِ فَمَاتَ بِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ بُرْدِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: كَلَامُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الْكَلَامَ -: فَلَمْ يَرَ عُمَرُ الْكَلَامَ يَقْطَعُهُ إلَّا كَلَامُ الْإِمَامِ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي الصَّعْبَةِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَجُلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ: هَلْ اشْتَرَيْت لَنَا؟ وَهَلْ أَتَيْتنَا بِهَذَا؟ يَعْنِي الْحَبَّ؟

مسألة رعف والإمام يخطب واحتاج إلى الخروج

وَعَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ جَالِسًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ وَعُثْمَانُ يَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ أَسْعَارِهِمْ وَأَخْبَارِهِمْ. وَعَنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كَلَامُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الْكَلَامَ؟ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ: قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: كَيْفَ أَصْبَحْت؟ وَعَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ مِثْلُهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلُهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ فِي جُلُوسِ الْإِمَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ. [مَسْأَلَةٌ رَعَفَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ] 533 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ رَعَفَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ فَلْيَخْرُجْ وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَدْعُوهُ إلَى الْخُرُوجِ. وَلَا مَعْنَى لِاسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ؟ وَيُقَالُ لِمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ: فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ، أَتَرَاهُ يَبْقَى بِلَا وُضُوءٍ؟ أَوْ هُوَ يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ بِالدَّمِ؟ أَوْ يُضَيِّعُ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَضْيِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ؟ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا؟ [مَسْأَلَةٌ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ صَلَاةَ فَرْضٍ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا] 534 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَكَرَ فِي الْخُطْبَةِ صَلَاةَ فَرْضٍ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فَقِيهًا أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرهَا»

مسألة لم يدرك من صلاة الجمعة إلا ركعة أو الجلوس فقط

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ. وَقَدْ فَرَّقَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَقِيهِ وَغَيْرِهِ - وَهَذَا خَطَأٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا نَظَرٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، بَلْ الْحُجَّةُ أَلْزَمُ لِلْفَقِيهِ فِي أَنْ لَا يُضَيِّعَ دِينَهُ مِنْهَا لِغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرَاهُ الْجَاهِلُ فَيَظُنُّ الصَّلَاةَ تَطَوُّعًا جَائِزَةً حِينَئِذٍ؟ قُلْنَا: لَا أَعْجَبُ مِمَّنْ يَسْتَعْمِلُ لِنَفْسِهِ مُخَالَفَةَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَضْيِيعَ فَرْضِهِ خَوْفَ أَنْ يُخْطِئَ غَيْرُهُ وَلَعَلَّ غَيْرَهُ لَا يَظُنُّ ذَلِكَ أَوْ يَظُنُّ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} [النساء: 84] . وَقَالَ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] . [مَسْأَلَةٌ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إلَّا رَكْعَةً أَوْ الْجُلُوسَ فَقَطْ] 535 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً، أَوْ الْجُلُوسَ فَقَطْ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ وَلْيَقْضِ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا الْجُلُوسَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَضَى إلَيْهَا أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا رَفْعَ الرَّأْسِ مِنْ الرَّكْعَةِ فَمَا بَعْدَهُ صَلَّى أَرْبَعًا. وَقَالَ عَطَاءُ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْخُطْبَةِ صَلَّى أَرْبَعًا. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِأَنَّ الْخُطْبَةَ جُعِلَتْ بِإِزَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا: أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ الْأُولَى وَأَدْرَكَ الثَّانِيَةَ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً، مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ؟ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ؟ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ النَّضْرِيُّ ثنا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ثنا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ، عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ ثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ مَا أَدْرَكَ، وَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ، وَسَمَّاهُ مُدْرِكًا لِمَا أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ، فَمَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا، أَوْ سَاجِدًا، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيَلْتَزِمَ إمَامَتَهُ، وَيَكُونَ بِذَلِكَ بِلَا شَكٍّ دَاخِلًا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ وَيُتِمُّ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ تَفُتْهُ إلَّا رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ فَلَا تُصَلَّى إلَّا رَكْعَتَيْنِ. وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى الَّذِي فِيهِ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً " وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُمْ جُلُوسٌ؟ قَالَ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْنَا لَهُ: مَا قَالَ هَذَا عَنْ إبْرَاهِيمَ

مسألة الغسل يوم الجمعة

إلَّا حَمَّادٌ؟ قَالَ الْحَكَمُ: وَمَنْ مِثْلُ حَمَّادٍ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: إنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَدْ تَنَاقَضُوا هَهُنَا، لِأَنَّ مِنْ أُصُولِهِمْ - الَّتِي جَعَلُوهَا دِينًا - أَنَّ قَوْلَ الصَّاحِبِ الَّذِي يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ رَكْعَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى إلَيْهَا أُخْرَى، وَإِنْ وَجَدَ الْقَوْمَ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا؟ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا. وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ. نَعَمْ، وَقَدْ رُوِيَتْ فِيهِ آثَارٌ - لَيْسَتْ بِأَضْعَفَ مِنْ حَدِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْءِ، فَخَالَفُوهَا إذْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ - مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدَيْنِ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ صَحَّ فِي هَذَا أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَتَعَدَّهُ [مَسْأَلَةٌ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] 536 - مَسْأَلَةٌ: وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ، وَالسِّوَاكُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ، إذْ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَلَا يَتَطَيَّبُ لَهَا الْمُحْرِمُ وَلَا الْمَرْأَةُ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي النِّسَاءِ يَحْضُرُونَ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ إحْدَاثِ

مسألة ضاق المسجد واتصلت الصفوف يوم الجمعة

التَّطَيُّبِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَلْزَمُ الْغُسْلُ، وَالسِّوَاكُ: الْمُحْرِمَ، وَالْمَرْأَةَ كَمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ، فَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ [مَسْأَلَةٌ ضَاقَ الْمَسْجِدُ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ يَوْم الْجُمُعَةُ] 537 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ امْتَلَأَتْ الرِّحَابُ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ صُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي الدُّورِ، وَالْبُيُوتِ، وَالدَّكَاكِينِ الْمُتَّصِلَةِ بِالصُّفُوفِ، وَعَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، بِحَيْثُ يَكُونُ مُسَامِتًا لِمَا خَلْفَ الْإِمَامِ، لَا لِلْإِمَامِ وَلَا لِمَا أَمَامَ الْإِمَامِ أَصْلًا وَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالصُّفُوفِ نَهْرٌ عَظِيمٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ حَائِطٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، وَصَلَّى الْجُمُعَةَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ - ثنا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حُكْمُ الْإِمَامَةِ سَوَاءٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَالنَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَحْوَالِ الْإِمَامَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا جَاءَ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ الِائْتِمَامِ بِالْإِمَامِ إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ، فَلَا يَجُوزُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ؟ وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ» فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعَ أَحَدٌ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَوْضِعٍ إلَّا مَوْضِعًا جَاءَ النَّصُّ بِالْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. رُوِّينَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي بَيْتِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ؟

وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، إذْ صَلَّتْ فِي بَيْتِهَا بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الشَّقَرِيُّ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْبَابِ الصَّغِيرِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْمَسْجِدِ يَرَى رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ؟ وَعَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: تُصَلِّي الْمَرْأَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ بَعْدَ أَنْ تَسْمَعَ التَّكْبِيرَ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ امْتَلَأَ فَدَخَلَ دَارَ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى مَعَهُمْ وَهُوَ يَرَى رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ. وَعَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي بَيْتِ الْخَيَّاطِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الرَّحْبَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا الْقِبَابُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: جِئْت أَنَا وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّاسُ عَلَى الْجُدُرِ وَالْكَنَفِ، فَقُلْت لَهُ: أَبَا سَعِيدٍ، أَتَرْجُو لِهَؤُلَاءِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونُوا فِي الْأَجْرِ سَوَاءً؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُصَلَّى الْجُمُعَةُ خَاصَّةً فِي مَكَان مَحْجُورٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا سَائِرُ صَلَوَاتِ الْفَرْضِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِيهَا. وَهَذَا لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُعَضِّدُ هَذَا الْقَوْلَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ نَهْرٌ صَغِيرٌ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ تُجْزِهِ. وَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ، لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ،

مسألة من زوحم يوم الجمعة

وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ؟ وَحَدُّ النَّهْرِ الْكَبِيرِ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ تَجْرِيَ فِيهِ السُّفُنُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي أَيْ السُّفُنُ؟ وَفِي السُّفُنِ مَا يَحْمِلُ أَلْفَ وَسْقٍ، وَفِيهَا زُوَيْرِقٌ صَغِيرٌ يَحْمِلُ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً فَقَطْ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جُدُرٌ أَوْ نَهْرٌ فَلَا يَأْتَمُّ بِهِ - فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نَهْرٍ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ: ثنا قَتَادَةُ قَالَ: قَالَ لِي زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا جُمُعَةَ لِمَنْ صَلَّى فِي الرَّحْبَةِ - وَبِهِ يَقُولُ زُرَارَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ تَقْلِيدًا لَكَانَ هَذَا - لِصِحَّةِ إسْنَادِهِ - أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: لَا جُمُعَةَ لَهُمْ، قُلْت: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَدْخُلُوا فَلَا يَفْعَلُونَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَصِلَ الصَّفَّ فَلَمْ يَفْعَلْ وَإِنَّ الْعَجَبَ كُلَّهُ مِمَّنْ يُجِيزُ الصَّلَاةَ حَيْثُ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ كَالْمَقْبَرَةِ، وَمَعْطِنِ الْإِبِلِ، وَالْحَمَّامِ، ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْهَا حَيْثُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا، كَالْمَوْضِعِ الْمَحْجُورِ، أَوْ بَيْنَهَا نَهْرٌ كَبِيرٌ وَكُلُّ هَذَا كَمَا تَرَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ مِنْ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] 538 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ زُوحِمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَلَوْ إيمَاءً وَعَلَى الرُّكُوعِ كَذَلِكَ -: أَجْزَأَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَصْلًا وَقَفَ كَمَا هُوَ، فَإِذَا خَفَّ الْأَمْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَجْزَأَهُ. لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجْزِ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِمَرَضٍ أَوْ بِخَوْفٍ أَوْ بِمَنْعِ زِحَامٍ وَقَدْ صَلَّى السَّلَفُ الْجُمُعَةَ إيمَاءً فِي الْمَسْجِدِ، إذْ كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ إلَى قُرْبِ غُرُوبِ الشَّمْسِ

مسألة جاء اثنان فصاعدا وقد فاتت الجمعة

[مَسْأَلَةٌ جَاءَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَقَدْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ] مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ جَاءَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَقَدْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ صَلَّوْهَا جُمُعَةً، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي الْجَمَاعَةِ [مَسْأَلَةٌ كَانَ بِالْمِصْرِ فَرَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ] 540 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ فَرَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَحَسَنٌ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ فَصَاعِدًا صَلَّى فِي مَوْضِعِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَجِيءُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا مَسْجِدَ مَكَّةَ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَاصَّةً، فَالْمَجِيءُ إلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ: فَضِيلَةٌ -: لِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ثنا رَوْحٌ هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الرِّحْلَةُ هِيَ السَّفَرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ السَّفَرَ مِيلٌ فَصَاعِدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

مسألة الصلاة في المقصورة

[مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْصُورَةِ] مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ فِي الْمَقْصُورَةِ جَائِزَةٌ، وَالْإِثْمُ عَلَى الْمَانِعِ لَا عَلَى الْمُطْلَقِ لَهُ دُخُولُهَا، بَلْ الْفَرْضُ عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ دُخُولُهَا أَنْ يَصِلَ الصُّفُوفَ فِيهَا، لِأَنَّ إكْمَالَ الصُّفُوفِ فَرْضٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ فَحَقُّهُ أَطْلَقَ لَهُ، وَحَقٌّ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، وَمَنْ مُنِعَ فَحَقُّهُ مُنِعَ مِنْهُ وَالْمَانِعُ مِنْ الْحَقِّ ظَالِمٌ، وَلَا إثْمَ عَلَى الْمَمْنُوعِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] [مَسْأَلَةٌ الْبَيْعُ وَقْت صَلَاة الْجُمُعَةِ] 542 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ مِنْ أَثَرِ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، وَمِنْ أَوَّلِ أَخْذِهَا فِي الزَّوَالِ وَالْمَيْلِ إلَى أَنْ تُقْضَى صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ قَدْ مُنِعَ أَهْلُهَا الْجُمُعَةَ أَوْ كَانَ سَاكِنًا بَيْنَ الْكُفَّارِ، وَلَا مُسْلِمَ مَعَهُ: فَإِلَى أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرَ يَوْمِهِ، أَوْ يُصَلُّوا ذَلِكَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ: فَإِلَى أَنْ يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ أَبَدًا إنْ وَقَعَ وَلَا يُصَحِّحُهُ خُرُوجُ الْوَقْتِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّبَايُعُ مِنْ مُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، أَوْ مِنْ كَافِرِينَ. وَلَا يَحْرُمُ حِينَئِذٍ: نِكَاحٌ، وَلَا إجَازَةٌ، وَلَا سَلَمٌ، وَلَا مَا لَيْسَ بَيْعًا؟ وَقَالَ مَالِكٌ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ مُسْلِمٌ، وَفِي النِّكَاحِ، وَعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَالسَّلَمِ، وَأَبَاحَ الْهِبَةَ، وَالْقَرْضَ، وَالصَّدَقَةَ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: الْبَيْعُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالسَّلَمُ: جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] وَوَقْتُ النِّدَاءِ: هُوَ أَوَّلُ الزَّوَالِ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ إلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ وَأَبَاحَهُ بَعْدَهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُحَرِّمْ تَعَالَى نِكَاحًا، وَلَا إجَارَةً، وَلَا سَلَمًا، وَلَا مَا لَيْسَ

بَيْعًا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] . وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرَ مُتَشَاغِلٍ بِهَا فَجَازَ كُلُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ السَّعْيِ إلَى الصَّلَاةِ. فَظَهَرَ تَنَاقُضُ قَوْلِ مَالِكٍ وَفَسَادُهُ فَإِنْ كَانَ جَعَلَ عِلَّةَ كُلِّ ذَلِكَ: التَّشَاغُلَ، سَأَلْنَاهُمْ عَمَّنْ لَمْ يَتَشَاغَلْ؟ بَلْ بَاعَ أَوْ أَنْكَحَ، أَوْ أَجَرَ وَهُوَ نَاهِضٌ إلَى الْجُمُعَةِ، أَوْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: يُفْسَخُ، فَبَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِالتَّشَاغُلِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّلُوا بِالتَّشَاغُلِ فَقَدْ قَاسُوا عَلَى غَيْرِ عِلَّةٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: بِالْقِيَاسِ، فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: النِّكَاحُ بَيْعٌ، قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بَيْعًا وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ: فَنَكَحَ أَوْ أَجَرَ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَحْنَثُ وَاعْتَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّشَاغُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ فَقَطْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَقَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى خَطَأِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَنِّهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . فَإِنْ قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمُوهُ؟ فَإِنْ ادَّعَيْتُمْ ضَرُورَةً كَذَبْتُمْ، لِأَنَّنَا غَيْرُ مُضْطَرِّينَ إلَى عِلْمِ ذَلِكَ، وَالطَّبِيعَةُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ادَّعَوْا دَلِيلًا سُئِلُوهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الظَّنُّ وَقَالُوا: نَحْنُ مَنْهِيُّونَ عَنْ الْبَيْعِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ بَاعَ امْرُؤٌ فِي صَلَاتِهِ: نَفَذَ الْبَيْعُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: إنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَمْدًا

أَبْطَلَهَا، فَلَيْسَ حِينَئِذٍ فِي صَلَاةٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ فَبَاعَ، أَوْ نَكَحَ، أَوْ أَنْكَحَ، أَوْ عَمِلَ مَا لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ الَّتِي هُوَ فِيهَا مَانِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ حَالٌ ثَابِتَةٌ، فَمَا ضَادَّهَا فَبَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ، أَوْ نَكَحَ، أَوْ طَلَّقَ، أَوْ أَعْتَقَ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مِقْدَارُ إحْرَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ - وَهُوَ ذَاكِرٌ لِذَلِكَ - فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ أَمْرًا بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا يَصْلُحُ الْبَيْعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَاشْتَرِ وَبِعْ ". وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ فَسَخَ بَيْعًا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهَذَا مَكَانٌ لَا يُعْرَفُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ وَتَنَاقَضَ الْمَالِكِيُّونَ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ حَمَلُوا قَوْله تَعَالَى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] : عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَمْ يَحْمِلُوا أَمْرَهُ تَعَالَى بِتَمْتِيعِ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى الْإِيجَابِ وَقَالُوا: لَفْظَةُ " ذَرْ " لَا تَكُونُ إلَّا لِلتَّحْرِيمِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] فَهَذِهِ لِلْوَعِيدِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَأَمَّا مَنْعُنَا أَهْلَ الْكُفْرِ مِنْ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فَوَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]

صلاة العيدين

[صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ] [مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ وَالْبَيْعُ فِي الْعِيدَيْنِ] ِ 543 - مَسْأَلَةٌ: هُمَا عِيدُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ: أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَيَوْمُ الْأَضْحَى: وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ غَيْرُهُمَا، إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عِيدًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَحْرُمُ الْعَمَلُ، وَلَا الْبَيْعُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ أَيْضًا بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا؟ وَسُنَّةُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: أَنْ يَبْرُزَ أَهْلُ كُلِّ قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ إلَى فَضَاءٍ وَاسِعٍ بِحَضْرَةِ مَنَازِلِهِمْ ضَحْوَةً إثْرَ ابْيِضَاضِ الشَّمْسِ، وَحِينَ ابْتِدَاءِ جَوَازِ التَّطَوُّعِ. وَيَأْتِي الْإِمَامُ فَيَتَقَدَّمُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ " أُمُّ الْقُرْآنِ " وَسُورَةٌ، وَتُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ فِي الْأُولَى " ق ". وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ " أَوْ " سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ". وَ " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ". وَمَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ (أُمِّ الْقُرْآنِ) أَجْزَأَهُ. وَيُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى إثْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ: سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ مُتَّصِلَةٍ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (أُمِّ الْقُرْآنِ) وَيُكَبِّرُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ إثْرَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ: خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ. يَجْهَرُ بِجَمِيعِهِنَّ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ (أُمَّ الْقُرْآنِ) . وَلَا يَرْفَعُ - يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا حَيْثُ يَرْفَعُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ. وَلَا يُكَبِّرُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ إلَّا تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَقَطْ. فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً، فَإِذَا أَتَمَّهُمَا افْتَرَقَ النَّاسُ. فَإِنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ خُطْبَةً، وَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ، كُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ -:

مِنْهَا -: مَا يُقْرَأُ مَعَ (أُمِّ الْقُرْآنِ) وَفِي صِفَةِ التَّكْبِيرِ وَأَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ: تَأْخِيرَ الْخُرُوجِ إلَى الْعِيدِ، وَتَقْدِيمَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَأَمَّا الَّذِي يُقْرَأُ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ ": فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى سُورَةٍ بِعَيْنِهَا. وَشَاهَدْنَا الْمَالِكِيِّينَ لَا يَقْرَءُونَ مَعَ " أُمِّ الْقُرْآنِ " " إلَّا " " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا "، وَ " سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ". وَهَذَانِ الِاخْتِيَارَانِ: فَاسِدَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ جَائِزَةً. وَإِنَّمَا نُنْكِرُ اخْتِيَارَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا خِلَافُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عُبَيْدُ اللَّهِ أَدْرَكَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ وَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلَانَ ثنا وَكِيعٌ ثنا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - كِلَاهُمَا عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» . وَاخْتِيَارُنَا هُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ؟ وَمِنْهَا - التَّكْبِيرُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ يَجْهَرُ بِهَا، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، فَإِذَا قَامَ بَعْدَ السُّجُودِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ قَرَأَ، فَإِذَا أَتَمَّ السُّورَةَ مَعَ (أُمِّ الْقُرْآنِ) كَبَّرَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ جَهْرًا، يَرْفَعُ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ يَدَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ. وَقَالَ مَالِكٌ: سَبْعًا فِي الْأُولَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ

الْقِيَامِ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى، وَالِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، وَيُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ فِي الطَّرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى، وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ عَلِيًّا؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا، وَفِي الْأُخْرَى خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَهَذَا سَنَدٌ كَالشَّمْسِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَقَتَادَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ هُوَ ابْنُ نَوْفَلٍ - قَالَ: كَبَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ كَبَّرَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَانِ إسْنَادَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَبِهَذَا تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَيْنَ وُجِدَ لِهَؤُلَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا قَالَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَوَّذَ إثْرَ الْأُولَى ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَأَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَهُنَّ؟ فَبَطَلَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِصَاحِبٍ.

وَأَطْرَفُ ذَلِكَ أَمْرُهُ بِرَفْعِ الْأَيْدِي فِي التَّكْبِيرِ، الَّذِي لَمْ يَصِحَّ قَطُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ فِيهِ يَدَيْهِ، وَنَهْيُهُ عَنْ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ عَكْسَ الْحَقَائِقِ، وَخِلَافَ السُّنَنِ؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ؟ قَالَ: يُكَبِّرُ تِسْعًا أَوْ إحْدَى عَشَرَةَ، أَوْ ثَلَاثَ عَشَرَةَ - وَهَذَا سَنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؟ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: التَّكْبِيرُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَرْبَعًا، وَفِي الْآخِرَةِ ثَلَاثًا، وَالتَّكْبِيرُ سَبْعٌ سِوَى تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ - إلَّا أَنَّ فِي الطَّرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِي هَذَا آثَارٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا -: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى، فِي الْأُولَى: سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ: خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَاهُمَا» . وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لَا يَصِحُّ كَمَنْ يَحْتَجُّ بِابْنِ لَهِيعَةَ

وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إذَا وَافَقَا هَوَاهُ، كَفِعْلِهِ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَرُدُّ رِوَايَتَهُمَا إذَا خَالَفَا هَوَاهُ هَذَا فِعْلُ مَنْ لَا دِينَ لَهُ، وَلَا يُبَالِي بِأَنْ يَضِلَّ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُضِلَّ وَمِنْهَا - خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَخْبَرَنِي أَبُو عَائِشَةَ جَلِيسُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَضَرَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ «سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، تَكْبِيرُهُ عَلَى الْجَنَائِزِ، قَالَ حُذَيْفَةُ: صَدَقَ، قَالَ أَبُو مُوسَى كَذَلِكَ كُنْت أُكَبِّرُ بِالْبَصْرَةِ حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَوْبَانَ ضَعِيفٌ وَأَبُو عَائِشَةَ مَجْهُولٌ، لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَلَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ وَلَا تَصِحُّ رِوَايَةٌ عَنْهُ لِأَحَدٍ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ لِلْحَنَفِيِّينَ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقُولُونَ مِنْ أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ فِي الْأُولَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، وَلَا أَنَّ الْأُولَى يُكَبِّرُ فِيهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَرْبَعٌ فِي كِلْتَا الرَّكْعَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا، كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَ الْجِنَازَةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: بِسِتٍّ فِي كِلْتَا الرَّكْعَتَيْنِ دُونَ تَكْبِيرَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالْقِيَامِ، أَوْ بِعَشْرِ تَكْبِيرَاتٍ إنْ عَدُّوا فِيهَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، وَالْقِيَامِ، وَالرُّكُوعِ، وَلَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْأَيْدِي كَمَا زَعَمُوا، فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ فِي الْأُولَى سَبْعًا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ دُونَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ، وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا قِيلَ، وَالتَّكْبِيرُ خَيْرٌ، وَلِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ،

فَلَا يُحَقِّرُهَا إلَّا مَحْرُومٌ، وَلَوْ وَجَدْنَا مَنْ يَقُولُ: بِأَكْثَرَ لَقُلْنَا بِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَالتَّكْبِيرُ خَيْرٌ بِلَا شَكٍّ. وَاخْتِيَارُنَا هُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَمِنْهَا - مَا أَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَإِحْدَاثِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ - ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ كِلَاهُمَا يَقُولُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كُلُّهُمْ يُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثنا هِشَامُ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا جَمِيعًا: لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى؟

قَالَ عَلِيٌّ: لَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ لِغَيْرِ الْفَرِيضَةِ، وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فِيهِمَا الدُّعَاءُ إلَى الصَّلَاةِ، فَلَوْ أُمِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ لَصَارَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً بِدُعَائِهِ إلَيْهَا؟ وَاعْتَلُّوا: بِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا إذَا صَلُّوا تَرَكُوهُمْ وَلَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَلْعَنُونَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفِرُّونَ، وَحُقَّ لَهُمْ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ الْجُلُوسُ لِلْخُطْبَةِ وَاجِبًا؟ حَدَّثَنَا حَمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْكَرْمَانِيُّ ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّينَانِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ - عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِيدَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: قَدْ قَضَيْنَا الصَّلَاةَ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ قِيلَ: إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الصَّبَّاحِ أَرْسَلَهُ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ الْمُسْنِدُ زَائِدٌ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُرْسِلِ، فَكَيْفَ وَخُصُومُنَا أَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ؟

مسألة صلاة العيدين للعبد والحر والحاضر والمسافر والمرأة

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَيْسَ حَقًّا عَلَى النَّاسِ حُضُورُ الْخُطْبَةِ، يَعْنِي فِي الْعِيدَيْنِ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا [مَسْأَلَةٌ صَلَاة الْعِيدَيْنِ لِلْعَبْدِ وَالْحُرّ وَالْحَاضِر وَالْمُسَافِر وَالْمَرْأَة] ؟ 544 - مَسْأَلَةٌ: وَيُصَلِّيهِمَا، الْعَبْدُ، وَالْحُرُّ، وَالْحَاضِرُ، وَالْمُسَافِرُ، وَالْمُنْفَرِدُ، وَالْمَرْأَةُ وَالنِّسَاءُ: وَفِي كُلِّ قَرْيَةٍ، صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ، كَمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَخْطُبُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةٌ فِي الْبُرُوزِ إلَى الْمُصَلَّى صَلُّوا جَمَاعَةً فِي الْجَامِعِ؟ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ - فِي كَلَامِنَا فِي الْقَصْرِ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ - أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ، فَكَانَ هَذَا عُمُومًا، لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ -: وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، إلَّا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ لَا تُصَلَّى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ إلَّا شَيْئًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ: لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ كَانَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حُجَّةً فِي هَذَا فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ

مسألة خروج النساء إلى المصلى في العيدين

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُصَلِّيَ بِضَعَفَةِ النَّاسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْعِيدِ؟ فَإِنْ ضَعَّفُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ؟ قِيلَ لَهُمْ: هِيَ أَقْوَى مِنْ الَّتِي تَعَلَّقْتُمْ بِهَا عَنْهُ أَوْ مِثْلُهَا، وَلَا فَرْقَ، وَكُلُّهُمْ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ تُصَلَّى حَيْثُ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا - حُكْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَصَلَاتِهَا فِي الْمَوَاطِنِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّهُمَا صَلَّيَا الْعِيدَ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَطَرٍ وَقَعَ يَوْمَ الْعِيدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْرُزُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، فَهَذَا أَفْضَلُ، وَغَيْرُهُ يُجْزِئُ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا أَمْرٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ خُرُوجُ النِّسَاء إلَى الْمُصَلَّى فِي الْعِيدَيْنِ] 545 - مَسْأَلَةٌ: وَيَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى: النِّسَاءُ حَتَّى الْأَبْكَارُ، وَالْحُيَّضُ وَغَيْرُ الْحُيَّضِ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، وَأَمَّا الطَّوَاهِرُ فَيُصَلِّينَ مَعَ النَّاسِ، وَمَنْ لَا جِلْبَابَ لَهَا فَلْتَسْتَعِرْ جِلْبَابًا وَلْتَخْرُجْ، فَإِذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ فَنَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ يَعِظُهُنَّ وَيَأْمُرْهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، وَتُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الصَّدَقَةُ يَوْمَئِذٍ بِمَا تَيَسَّرَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ - ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - ثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ «حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِينَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا؟ فَقَالَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ - أَوْ قَالَ: وَذَوَاتُ الْخُدُورِ» - شَكَّ أَيُّوبُ - «وَالْحُيَّضُ، فَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا هِشَامُ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ «أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتَ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا» . وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ - ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ خَطَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، تُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً» . وَقُلْت لِعَطَاءٍ: أَتَرَى حَقًّا عَلَى الْإِمَامِ ذَلِكَ، يَأْتِيَهُنَّ وَيُذَكِّرَهُنَّ؟ قَالَ: إنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ؟ وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَ يَجْلِسُ الرِّجَالُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ، حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَقَالَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ - لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا مِنْهُنَّ -: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَتَصَدَّقْنَ، فَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلُمَّ فِدًى لَكُنَّ أَبِي وَأُمِّي، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ» .

مسألة من آداب العيد مخالفة الطريق

فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى حُضُورَ النِّسَاءِ الْمُصَلَّى، وَأَمَرَ بِهِ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَهُ وَلَا مُتَعَلِّقَ لِلْمُخَالِفِ إلَّا رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَنَعَهُنَّ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِابْنِ عُمَرَ إلَّا أَنَّهُ إذْ مَنَعَهُنَّ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَهُ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ كَمَا فَعَلَ إذْ سَبَّ ابْنَهُ أَشَدَّ السَّبِّ إذْ سَمِعَهُ يَقُولُ: نَمْنَعُ النِّسَاءَ الْمَسَاجِدَ لَيْلًا؟ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ ادَّعَى امْرُؤٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْعِيدَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُنَّ -: لَصُدِّقَ، لِأَنَّنَا لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ بَلَغَهُ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ -: فَقَدْ سَلَّمَ وَرَضِيَ وَأَطَاعَ، وَالْمَانِعُ مِنْ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلِلسُّنَّةِ [مَسْأَلَةٌ مِنْ آدَاب الْعِيد مُخَالَفَةَ الطَّرِيق] ؟ 546 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ السَّيْرَ إلَى الْعِيدِ عَلَى طَرِيقٍ وَالرُّجُوعَ عَلَى آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالْقَوِيَّةِ؟ [مَسْأَلَةٌ اجْتَمَعَ عِيدٌ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ] 547 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ: صُلِّيَ لِلْعِيدِ، ثُمَّ لِلْجُمُعَةِ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَصِحُّ أَثَرٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ فِي رُوَاتِهِ: إسْرَائِيلَ، وَعَبْدَ الْحُمَيْدِ بْنَ جَعْفَرٍ، وَلَيْسَا بِالْقَوِيَّيْنِ، وَلَا مُؤْنَةَ عَلَى خُصُومِنَا مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِمَا إذَا وَافَقَ مَا رَوَيَاهُ تَقْلِيدَهُمَا، وَهُنَا خَالَفَا رِوَايَتَهُمَا فَأَمَّا رِوَايَةُ إسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ «عَنْ إيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ صَلَّى الْعِيدَ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ» .

مسألة التكبير ليلة عيد الفطر

وَرَوَى عَبْدُ الْحُمَيْدِ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ " اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ فَأَطَالَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ لِلنَّاسِ يَوْمَئِذٍ الْجُمُعَةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصَابَ السُّنَّةَ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْجُمُعَةُ فَرْضٌ وَالْعِيدُ تَطَوُّعٌ، وَالتَّطَوُّعُ لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ. [مَسْأَلَةٌ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ] 548 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّكْبِيرُ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ: فَرْضٌ، وَهُوَ فِي لَيْلَةِ عِيدِ الْأَضْحَى: حَسَنٌ. قَالَ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] . فَبِإِكْمَالِ عِدَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَجَبَ التَّكْبِيرُ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ تَكْبِيرَةٌ. وَأَمَّا لَيْلَةُ الْأَضْحَى وَيَوْمُهُ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ: فَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ، لَكِنَّ التَّكْبِيرَ فِعْلُ خَيْرٍ وَأَجْرٍ [مَسْأَلَةٌ الْأَكْلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى] 549 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ، مَا لَمْ يَرْغَبْ عَنْ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَكَلَ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ غُدُوِّهِ إلَى الْمُصَلَّى فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ فَحَسَنٌ، وَلَا يَحِلُّ صِيَامُهَا أَصْلًا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ

مسألة التنفل في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ يُوجِبَ: التَّمْرَ، دُونَ غَيْرِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا أَعْلَمُهُ أَكَلَ شَيْئًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا تَأْكُلُوا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا يَوْمَ الْفِطْرِ إنْ شِئْتُمْ؟ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنْ شَاءَ طَعِمَ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَطْعَمْ؟ [مَسْأَلَةٌ التَّنَفُّل فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا] 550 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّنَفُّلُ قَبْلَهُمَا فِي الْمُصَلَّى حَسَنٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ، لِأَنَّ التَّنَفُّلَ فِعْلُ خَيْرٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا، وَلَا بَعْدَهُمَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الْإِمَامَ، وَكَانَ مَجِيئُهُ إلَى التَّكْبِيرِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ بِلَا فَصْلٍ، وَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ - لَا بِإِيجَابٍ وَلَا بِكَرَاهَةٍ - عَنْ التَّنَفُّلِ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لِبَيْنِهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي لَيْلَةٍ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَفَتَكْرَهُونَ الزِّيَادَةَ أَوْ تَمْنَعُونَ مِنْهَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فُرِّقُوا وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَالْحَسَنُ، وَأَخُوهُ سَعِيدٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ يُصَلُّونَ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ: يَعْنِي فِي الْعِيدَيْنِ؟ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَالْحَسَنَ يُصَلِّيَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ. وَعَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَالْحَسَنَ، وَأَخَاهُ

مسألة التكبير في الأضحى وأيام التشريق ويوم عرفة

سَعِيدًا، وَأَبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ: يُصَلُّونَ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ أَتَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَكُونُ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى [مَسْأَلَةٌ التَّكْبِيرُ فِي الْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ] 551 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّكْبِيرُ إثْرَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَفِي الْأَضْحَى، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ -: حَسَنٌ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِعْلُ خَيْرٍ، وَلَيْسَ هَهُنَا أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ غَيْرِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَأَبِي يُوسُفُ، وَمُحَمَّدٍ: اسْتِحْبَابَ التَّكْبِيرِ غَدَاةَ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْعَصْرِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَتِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ مِثْلُ هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى تَكْبِيرِ أَيَّامِ مِنًى فَقَدْ أَخْطَأَ، لِأَنَّهُ قَاسَ مَنْ لَيْسَ بِحَاجٍّ عَلَى الْحَاجِّ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُمْ لَا يَقِيسُونَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي التَّلْبِيَةِ، فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّكْبِيرِ. وَلَا مَعْنَى لِمَنْ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] . وَقَالَ: إنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَمَا بَعْدَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ

مسألة لم يخرج يوم الفطر ولا يوم الأضحى لصلاة العيدين

دَعْوَى فَاسِدَةٌ، وَمَا حَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ذِكْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ؟ وَلَا مَعْنَى لِمَنْ اقْتَصَرَ بِالْمَعْلُومَاتِ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] وَقَدْ صَحَّ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَنَّ مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ هُوَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ لَمْ يَخْرُجْ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] 552 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ: خَرَجَ لِصَلَاتِهِمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ غُدْوَةً خَرَجَ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ، لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا إلَى مُصَلَّاهُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُسْنَدٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو عُمَيْرٍ مَقْطُوعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَامِهِ مَنْ صَحَّتْ صُحْبَتُهُ مِمَّنْ لَمْ تَصِحَّ صُحْبَتُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا عِلَّةً مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِي الثَّانِي مِنْ الْأَضْحَى وَخَرَجَ فِي الثَّالِثِ فَقَدْ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ؟ [مَسْأَلَةٌ الْغِنَاءُ وَاللَّعِبُ وَالزَّفْنُ فِي أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ] 553 - مَسْأَلَةٌ: وَالْغِنَاءُ وَاللَّعِبُ وَالزَّفْنُ فِي أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ حَسَنٌ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا

أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ وَأَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ يَتِيمُ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءٍ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: دَعْهَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إذَا مَلِلْتُ قَالَ: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبِي» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ - عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ

صلاة الاستسقاء

عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِرَابِهِمْ إذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَهْوَى إلَيْهِمْ لِيَحْصِبَهُمْ بِالْحَصْبَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَيْنَ يَقَعُ إنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ مِنْ إنْكَارِ سَيِّدَيْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؟ وَقَدْ أَنْكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِمَا إنْكَارَهُمَا، فَرَجَعَا عَنْ رَأْيِهِمَا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - [صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ] [مَسْأَلَةٌ قَحَطَ النَّاسُ أَوْ أَشْتَدَّ الْمَطَرُ حَتَّى يُؤْذِيَ] صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ 554 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ قَحَطَ النَّاسُ أَوْ أَشْتَدَّ الْمَطَرُ حَتَّى يُؤْذِيَ فَلْيَدْعُ الْمُسْلِمُونَ فِي إدْبَارِ صَلَوَاتِهِمْ وَسُجُودِهِمْ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَدْعُو الْإِمَامُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] . قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام: 43] . فَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ الْبُرُوزَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خَاصَّةً - لَا فِيمَا سِوَاهُ - فَلْيَخْرُجْ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا إلَى مَوْضِعِ الْمُصَلَّى وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَيَبْدَأُ فَيَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَةً يُكْثِرُ فِيهَا مِنْ الِاسْتِغْفَارِ، وَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَظَهْرَهُ إلَى النَّاسِ، فَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى رَافِعًا يَدَيْهِ، ظُهُورُهُمَا إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ يَقْلِبُ رِدَاءَهُ أَوْ ثَوْبَهُ الَّذِي يَتَغَطَّاهُ، فَيَجْعَلُ بَاطِنَهُ ظَاهِرَهُ، وَأَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَمَا عَلَى مَنْكِبٍ مِنْ مَنْكِبَيْهِ عَلَى الْمَنْكِبِ الْآخَرِ، وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ. ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، كَمَا قُلْنَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، إلَّا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ يَخْرُجُ فِيهَا الْمِنْبَرُ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَا يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ، فَإِذَا سَلَّمَ انْصَرَفَ وَانْصَرَفَ النَّاسُ؟ .

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ - قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِسْقَاءِ؟ فَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، لَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي التَّضَرُّعِ، وَالدُّعَاءِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12] . وَتَحْوِيلُ الرِّدَاءِ يَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ - وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: بِتَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ السَّلَفِ خِلَافَ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعَثَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ هُوَ الْخِطْمِيُّ - أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ، فَخَرَجَ فَاسْتَسْقَى بِالنَّاسِ، وَفِيهِمْ: الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ هَذَا صُحْبَةٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَالْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ، وَيُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَيَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَكِنْ فِي الطَّرِيقِ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ. وَرُوِّينَا: أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَدَعَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يُصَلِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يُمْنَعُ الْيَهُودُ، وَلَا الْمَجُوسُ، وَلَا النَّصَارَى: مِنْ الْخُرُوجِ إلَى

صلاة الكسوف

الِاسْتِسْقَاءِ لِلدُّعَاءِ فَقَطْ، وَلَا يُبَاحُ لَهُمْ إخْرَاجُ نَاقُوسٍ وَلَا شَيْءَ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [صَلَاةُ الْكُسُوفِ] 555 - مَسْأَلَةٌ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ التَّطَوُّعِ، وَهَذَا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَفِي كُسُوفِ الْقَمَرِ أَيْضًا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو مَعْمَرٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - ثنا يُونُسُ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى انْتَهَى إلَى الْمَسْجِدِ، فَثَابَ النَّاسَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ، يُقَالُ لَهُ: إبْرَاهِيمُ، فَقَالَ نَاسٌ فِي ذَلِكَ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ ثنا يُونُسُ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْكَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَقَامَ إلَى الْمَسْجِدِ يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنْ الْعَجَلَةِ، فَقَامَ إلَيْهِ النَّاسُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلُّونَ، فَلَمَّا انْجَلَتْ خَطَبَنَا، فَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ

فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفَ أَحَدِهِمَا فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ» . وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ. فَأَخَذَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: صَلَّى فِي الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَطَّأَهُ أَخُوهُ عُرْوَةُ؟ قُلْنَا: عُرْوَةُ أَحَقُّ بِالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَاحِبٌ، وَعُرْوَةَ لَيْسَ بِصَاحِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ عَمِلَ بِعِلْمٍ، وَأَنْكَرَ عُرْوَةُ مَا لَمْ يَعْلَمْ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْوَجْهُ يُصَلَّى لِكُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلِكُسُوفِ الْقَمَرِ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَوْ صَلَّى ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ تَظْهَرُ - مِنْ زَلْزَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا - لَكَانَ حَسَنًا، لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ، هَكَذَا حَتَّى يَنْجَلِيَ الْكُسُوفُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْآيَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ثنا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ» عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَسْعُودٍ، بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَا. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ

الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَالَ الرَّبِيعُ: عَنْ الْحَسَنِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ قَالَا جَمِيعًا فِي الْكُسُوفِ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَدَعَا بَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا، فَإِذَا انْجَلَى الْكُسُوفُ قَرَأَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ - هَذَا فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْآيَاتِ أَيْضًا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ أَبِي الْعَلَاءِ «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كُنْتُ أَرْمِي بِأَسْهُمٍ لِي فِي الْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ، فَنَبَذْتُهَا، وَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ إلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ، وَيُكَبِّرُ، وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا، فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَإِنْ شَاءَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً إنْ كُسِفَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ -: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَإِنْ كُسِفَتْ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى أَخْذِهَا فِي الْغُرُوبِ: صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، كَصَلَاةِ الظُّهْرِ، أَوْ الْعَصْرِ وَفِي كُسُوفِ الْقَمَرِ خَاصَّةً: إنْ كُسِفَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ: صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ كَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ.

وَإِنْ كُسِفَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ إلَى الصُّبْحِ: صَلَّى أَرْبَعًا: كَصَلَاةِ الْعَتَمَةِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - ثنا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَزِعًا، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي بِنَا حَتَّى انْجَلَتْ فَلَمَّا انْجَلَتْ قَالَ: إنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ إلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ» . فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَبَا قِلَابَةَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ قَبِيصَةَ الْعَامِرِيِّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَأَبُو قِلَابَةَ قَدْ أَدْرَكَ النُّعْمَانَ فَرَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ آخَرَ فَحَدَّثَ بِكِلْتَا رِوَايَتَيْهِ، وَلَا وَجْهَ لِلتَّعَلُّلِ بِمِثْلِ هَذَا أَصْلًا وَلَا مَعْنًى لَهُ؟ وَإِنْ شَاءَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ، يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ، فَيَقْرَأُ. ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ. ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ أُخْرَى، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ، كَمَا وَصَفْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

«انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ» . وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِنْ شَاءَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ: ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ أَيْضًا رَكْعَةً فِيهَا ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَسْجُدُ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ؟ . وَقَدْ رُوِّينَا مَا يُظَنُّ فِيهِ هَذَا الْفِعْلُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ بِالْبَصْرَةِ، قَامَ بِالنَّاسِ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَرَأَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْرَأَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ فِي الزَّلْزَلَةِ فَأَطَالَ الْقُنُوتَ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقُنُوتَ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقُنُوتَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ، فَصَارَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ. وَقَالَ: هَكَذَا صَلَاةُ الْآيَاتِ؟ قَالَ قَتَادَةُ: صَلَّى حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ بِأَصْحَابِهِ مِثْلَ صَلَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَاتِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَفَعَلَ فِي الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ؟

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: صَلَاةُ الْآيَاتِ سِتُّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبٍ هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ - عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ ذَلِكَ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثنا حَبِيبُ هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ - عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ، قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا» . وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا؟ وَقَدْ فَعَلَهُ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلَ أَخْبَرَهُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ - أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ: صَلَّى إذْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ - عَلَى ظَهْرِ صِفَةِ زَمْزَمَ - رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ: أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، كَمَا رَوَى. وَإِنْ شَاءَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ خَاصَّةً رَكْعَتَيْنِ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ كَذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ يَجْلِسُ

وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ فِي صَلَاةِ الْآيَاتِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُبَيَّنًا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ بِصِفَةِ الْعَمَلِ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فُضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَّى فِي كُسُوفٍ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَّنْ عَمِلَ بِهِ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ؟ وَرُوِيَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ الْعَدَوِيِّ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَنَّ صِفَةَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ: أَنْ يَقْرَأَ ثُمَّ يَرْكَعَ فَإِنْ لَمْ تَنْجَلِ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ، فَقَرَأَ هَكَذَا أَبَدًا حَتَّى تَنْجَلِيَ، فَإِذَا انْجَلَتْ سَجَدَ ثُمَّ رَكَعَ الثَّانِيَةَ. وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ نَحْوَ هَذَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَحِلُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْآثَارِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا سُنَنٌ، وَلَا يَحِلُّ النَّهْيُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ؟ فَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِنَّهُ فِي اخْتِيَارِهِ بَعْضِ مَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَتَقْلِيدُ أَصْحَابِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ -: هَادِمُونَ أَصْلًا لَهُمْ كَبِيرًا، وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ مَا رَوَيَا مِمَّا اخْتَارَهُ مَالِكٌ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا.

وَمِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ الصَّاحِبَ إذَا صَحَّ عَنْهُ خِلَافَ مَا رَوَى كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مَا رَوَى إلَّا لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا بِسُنَّةٍ هِيَ أَوْلَى مِنْ الَّتِي تَرَكَ، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ؟ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ: فَإِنَّهُمْ عَارَضُوا سَائِرَ مَا رُوِيَ بِأَنْ قَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ صِفَةَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا ضَلَالٌ يُؤَدِّي إلَى الِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِسْلَامِ؟ لِأَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنْ لَا يُؤْخَذَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ، وَلَا يُطَاعَ لَهُ أَمْرٌ -: إلَّا حَتَّى يُوجَدَ فِي سَائِرِ الدِّيَانَةِ حُكْمٌ آخَرُ مِثْلُ هَذَا الَّذِي خَالَفُوا، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ حُمْقٌ مِنْ الْقَوْلِ. وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ لِلَّهِ شَرِيعَةٌ إلَّا حَتَّى تُوجَدَ أُخْرَى مِثْلُهَا وَإِلَّا فَلَا؟ وَمَا نَدْرِي هَذَا يَجِبُ، لَا بِدَيْنٍ وَلَا بِعَقْلٍ، وَلَا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ، وَلَا بِقَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ، وَمَا هُمْ بِأَوْلَى مِنْ آخَرَ، قَالَ: بَلْ لَا آخُذُ بِهَا حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرَيْنِ أَوْ مِنْ ثَالِثٍ قَالَ: لَا حَتَّى أَجِدَ لَهَا ثَلَاثَ نَظَائِرَ؟ وَالزِّيَادَةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا عَقْلَ وَلَا حَيَاءَ ثُمَّ نَقَضُوا هَذَا فَجَوَّزُوا صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا جَوَّزُوهَا، وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا فِي الْأُصُولِ نَظِيرًا، فِي أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا مُخْتَارًا لِلْوُقُوفِ، لَا يُصَلِّي بِصَلَاةِ إمَامِهِ، وَلَا يُتِمُّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ؟ وَجَوَّزُوا الْبِنَاءَ فِي الْحَدَثِ، وَلَمْ يَجِدُوا فِي الْأُصُولِ لَهَا نَظِيرًا، أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاتِهِ بِلَا طَهَارَةٍ، ثُمَّ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ صَلَاتِهِ، وَلَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهَا، وَالْقَوْمُ لَا يُبَالُونَ بِمَا قَالُوا؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يَجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَقَالَ مَنْ احْتَجَّ لَهُمْ: لَوْ جَهَرَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعُرِفَ بِمَا قَرَأَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا احْتِجَاجٌ فَاسِدٌ، وَقَدْ عُرِفَ مَا قَرَأَ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ هُوَ الرَّازِيّ - ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا ابْنُ نِمْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - سَمِعَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنِي أَبِي ثنا الْأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً فَجَهَرَ بِهَا» فِي صِفَتِهَا لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَطْعُ عَائِشَةَ، وَعُرْوَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَهَرَ فِيهَا -: أَوْلَى مِنْ ظُنُونِ هَؤُلَاءِ الْكَاذِبَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ سُورَةً مِنْ الطُّوَلِ» . فَإِنْ قِيلَ: إنَّ سَمُرَةَ رَوَى فَقَالَ: «إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى فِي الْكُسُوفِ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا» ؟

قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجْهَرْ وَإِنَّمَا فِيهِ «لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا» وَصَدَقَ سَمُرَةُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعْهُ لَسَمِعَهُ كَمَا سَمِعَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الَّتِي كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ الْقِبْلَةِ فِي حُجْرَتِهَا، وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ فِيهِ " لَمْ يَجْهَرْ " لَكَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي خَبَرِ سَمُرَةَ، وَالزَّائِدُ أَوْلَى، أَوْ لَكَانَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزًا لَا يُبْطِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا نَعْلَمُ اخْتِيَارَ الْمَالِكِيِّينَ رُوِيَ عَمَلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِبَيَانِ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ؟ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْأَعْمَالُ صِحَاحًا كُلُّهَا وَإِنَّمَا صَلَّاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّةً وَاحِدَةً إذْ مَاتَ إبْرَاهِيمُ؟ قُلْنَا: هَذَا هُوَ الْكَذِبُ وَالْقَوْلُ بِالْجَهْلِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عُمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي كُسُوفٍ - فِي صِفَةِ زَمْزَمَ - أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» . فَهَذِهِ صَلَاةُ كُسُوفٍ كَانَتْ بِمَكَّةَ سِوَى الَّتِي كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا رَوَوْا قَطُّ عَنْ أَحَدٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إلَّا مَرَّةً ".

وَكُسُوفُ الشَّمْسِ يَكُونُ مُتَوَاتِرًا، بَيْنَ كُلِّ كُسُوفَيْنِ خَمْسَةُ أَشْهُرٍ قَمَرِيَّةٍ، فَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي أَنْ يُصَلِّيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ عَشْرَاتٍ مِنْ الْمَرَّاتِ فِي نُبُوَّتِهِ؟ صُورَةُ الْمَرَاصِدِ الْفَلَكِيَّةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ

سجود القرآن

وَأَمَّا اقْتِصَارُنَا عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةً إلَّا مَثْنَى مَثْنَى، إلَّا صَلَاةٌ جَاءَ نَصٌّ جَلِيٌّ صَحِيحٌ بِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ مَثْنَى أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَثْنَى، كَمَا جَاءَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، فَيُوقَفُ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا تُضْرَبُ الشَّرَائِعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ؟ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ الْقَمَرِيِّ، وَالْآيَاتِ فِي جَمَاعَةٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ» . وَيُصَلِّيهَا: النِّسَاءُ، وَالْمُنْفَرِدُ، وَالْمُسَافِرُونَ، كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [سُجُودُ الْقُرْآنِ] [مَسْأَلَةٌ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً] سُجُودُ الْقُرْآنِ 556 - مَسْأَلَةٌ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً - أَوَّلُهَا -: - فِي آخِرِ خَاتِمَةِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ - ثُمَّ فِي الرَّعْدِ

ثُمَّ فِي النَّحْلِ - ثُمَّ فِي " سُبْحَانَ " - ثُمَّ فِي " كهيعص " - ثُمَّ فِي الْحَجِّ فِي الْأُولَى - وَلَيْسَ قُرْبُ آخِرِهَا - سَجْدَةٌ - ثُمَّ فِي الْفُرْقَانِ - ثُمَّ فِي النَّمْلِ - ثُمَّ فِي " الم تَنْزِيلُ " - ثُمَّ فِي " ص " ثُمَّ فِي " حم " فُصِّلَتْ - ثُمَّ فِي " وَالنَّجْمِ " فِي آخِرِهَا. - ثُمَّ فِي " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] ثُمَّ فِي " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " فِي آخِرِهَا. وَلَيْسَ السُّجُودُ فَرْضًا لَكِنَّهُ فَضْلٌ وَيَسْجُدُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ، وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَاسْتِوَائِهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَعَلَى طَهَارَةٍ وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَأَمَّا السَّجَدَاتُ الْمُتَّصِلَةُ إلَى " الم تَنْزِيلُ " فَلَا خِلَافَ فِيهَا، وَلَا فِي مَوَاضِعِ السُّجُودِ مِنْهَا، إلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ قَالُوا: مَوْضِعُ السَّجْدَةِ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِ قِرَاءَتِك {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] . وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، بَلْ فِي تَمَامِ قِرَاءَتِك {وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] وَبِهَذَا نَقُولُ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَوْضِعِ ذِكْرِ السُّجُودِ وَالْأَمْرِ بِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ أَوْلَى. قَالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي الْحَجِّ سَجْدَةٌ ثَانِيَةٌ قُرْبَ آخِرِهَا، عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَلَا نَقُولُ بِهَذَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِي الصَّلَاةِ سُجُودٌ لَمْ يَصِحَّ بِهِ نَصٌّ، وَالصَّلَاةُ تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَسَنٌ، لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ؟

وَإِنَّمَا لَمْ نُجِزْهُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَجْمَعَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا أَثَرٌ مُرْسَلٌ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: السُّجُودُ فِيهَا - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ: ثنا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ يَقُولُ: صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ وَأَبَاهُ عُمَرَ كَانَا يَسْجُدَانِ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ سَجَدْت فِيهَا وَاحِدَةً لَكَانَتْ السَّجْدَةُ فِي الْآخِرَةِ أَحَبَّ إلَيَّ؟ وَقَالَ عُمَرُ: إنَّهَا فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ سَجَدَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَيْنَ الْمُهَوِّلُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ بِتَعْظِيمِ خِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؟ وَقَدْ خَالَفُوا هَهُنَا فِعْلَ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَمَعَهُ طَوَائِفُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، وَمَعَهُمْ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَطَوَائِفُ مِنْ التَّابِعِينَ وَمِنْ

بَعْدِهِمْ؟ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا إلَّا فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا خِلَافٌ؟ قُلْنَا: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، إنَّمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: السُّجُودُ عَشْرٌ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ: لَيْسَ فِي " ص " سَجْدَةٌ فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ خِلَافٌ فِي هَذَا. بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ السُّجُودُ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ وَاخْتُلِفَ: أَفِي " ص " سَجْدَةٌ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا قُلْنَا: بِالسُّجُودِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودُ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا فِي سُجُودِ الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي السُّجُودِ فِي " حم ". فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: السَّجْدَةُ عِنْدَ تَمَامِ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وَبِهِ نَأْخُذُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي يَسْجُدُ عِنْدَهَا قَبْلَ الْأُخْرَى، وَالْمُسَارَعَةُ إلَى الطَّاعَةِ أَفْضَلُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ وَاتِّبَاعُ الْأَمْرِ أَوْلَى؟ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلصَّوَابِ: وَجَدْنَا السُّجُودَ فِي الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ لَا فِي مَوْضِعِ الْأَمْرِ؟ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ

لِأَنَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ يَسْجُدُونَ فِي الْفُرْقَانِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وَهَذَا أَمْرٌ لَا خَبَرٌ؟ وَفِي قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ وَهِيَ إحْدَى الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ: {أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النمل: 25] إلَى آخِرِ الْآيَةِ، بِتَخْفِيفِ " أَلَّا " بِمَعْنَى: أَلَا يَا قَوْمُ اُسْجُدُوا، وَهَذَا أَمْرٌ؟ وَفِي النَّحْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] . وَقَدْ وَجَدْنَا ذِكْرَ السُّجُودِ بِالْخَيْرِ لَا سُجُودَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فِي آلِ عِمْرَانَ {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] . وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] فَصَحَّ أَنَّ الْقَوْمَ فِي تَخْلِيطٍ لَا يُحَصِّلُونَ مَا يَقُولُونَ -: وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَسْجُدُونَ بِالْأُولَى مِنْ الْآيَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ عَزَائِمَ السُّجُودِ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إلَّا " الم " وَ " حم " وَكَانَا يَرَيَانِهِمَا أَوْكَدُ مِنْ سِوَاهُمَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا سُجُودَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -: وَخَالَفَهُمَا آخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ، كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بَعْدَ أَنْ نَقُولَ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّجُودُ فِيهَا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ وَلَا مَعَهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ سَمِعْت الْأَسْوَدَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ: وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا» . حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءٍ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي: وَالنَّجْمِ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» . وَبِهِ يَأْخُذُ جُمْهُورُ السَّلَفِ؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ لَهُمْ " وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى " فَسَجَدَ فِيهَا، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ؟ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِ " وَالنَّجْمِ " فَسَجَدَ فِي آخِرِهَا، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِ " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ " فَرَكَعَ وَسَجَدَ، فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَزَائِمُ أَرْبَعٌ -: " الم تَنْزِيلُ " " وحم السَّجْدَةُ " " وَالنَّجْمُ " " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَزَائِمُ السُّجُودِ أَرْبَعٌ: (الم تَنْزِيلُ) " وَحُمَّ " " وَالنَّجْمُ " " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا قَرَأَ بِ (النَّجْمِ) سَجَدَ. وَعَنْ «الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ: سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّجْمِ وَلَمْ أَسْجُدْ - وَكَانَ مُشْرِكًا حِينَئِذٍ -.

قَالَ: فَلَنْ أَدَعَ السُّجُودَ فِيهَا أَبَدًا» أَسْلَمَ الْمُطَّلِبُ يَوْمَ الْفَتْحِ. فَهَذَا عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا. وَبِالسُّجُودِ فِيهَا يَقُولُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الْمُقَلِّدُونَ لِمَالِكٍ بِخَبَرٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ «زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا سُجُودَ فِيهَا، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ السُّجُودَ فَرْضٌ فَقَطْ. وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ السُّجُودَ لَيْسَ فَرْضًا، لَكِنْ إنْ سَجَدَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ تَرَكَ فَلَا حَرَجَ، مَا لَمْ يَرْغَبْ عَنْ السُّنَّةِ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْخَبَرِ قَدْ صَحَّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَتِهِ - وَهُوَ ابْنُ قُسَيْطٍ - فَالْآنَ صَارَتْ رِوَايَتُهُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ السُّنَنِ؟ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا يَدَّعُونَهُ؟ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ - أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْجُدُ بِمَكَّةَ بِالنَّجْمِ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ رَأَى أَبُو سَعِيدٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّهُ يَكْتُبُ سُورَةَ ص، فَلَمَّا أَتَى عَلَى السَّجْدَةِ: سَجَدَتْ الدَّوَاةُ، وَالْقَلَمُ، وَالشَّجَرُ، وَمَا حَوْلَهُ مِنْ شَيْءٍ. قَالَ: فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَجَدَ فِيهَا، وَتَرَكَ النَّجْمَ» فَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ بَكْرًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّنْ سَمِعَهُ، إلَّا

أَنَّهُ قَدْ صَحَّ بُطْلَانُ هَذَا الْخَبَرِ بِلَا شَكٍّ لِمَا رُوِّينَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بِهِمْ فِي النَّجْمِ» وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ فِيهَا كَانَ إثْرَ قُدُومِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَدِينَةَ، وَهَذَا بَاطِلٌ وَمَوَّهُوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ يَذْكُرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجُدْ فِي الْمُفَصَّلِ مُذْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ» . وَهَذَا بَاطِلٌ بَحْتٌ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِمَا نَذْكُرُهُ إثْرَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِلَّةُ هَذَا الْخَبَرِ هُوَ أَنَّ مَطَرًا سَيِّئُ الْحِفْظِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي، وَلَا عَمَلَ أَقْوَى مِنْ عَمَلِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَذَكَرُوا أَحَادِيثَ مُرْسَلَةً سَاقِطَةً، لَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا؟ وَأَمَّا إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَمُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَا: ثنا هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَجَدَ فِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لَمْ أَسْجُدْ بِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي: إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يُكَذِّبُ رِوَايَةَ مَطَرٍ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا؟

وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَاتِرَةٍ كَالشَّمْسِ، اكْتَفَيْنَا مِنْهَا بِهَذَا. وَبِهَذَا يَأْخُذُ عَامَّةُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ كُلُّهُمْ قَالَ: ثنا قُرَّةُ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " سَجَدَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي: " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " وَمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمَا " زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالْمُعْتَمِرُ " وَ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وَهَذَا أَثَرٌ كَالشَّمْسِ صِحَّةً. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا: عَزَائِمُ السُّجُودِ -: " الم " " وَحُمَّ " " وَالنَّجْمُ " " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ". وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ: قَرَأَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " وَهُوَ يَخْطُبُ، فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَعَنْ الثِّقَاتِ: أَيُّوبَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْجُدُ فِي: " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ "، " وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ". وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ؟ وَأَمَّا سُجُودُهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَيْفَ مَا يُمْكِنُ؟ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةً، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ صَلَاةٌ، كَرَكْعَةِ الْخَوْفِ، وَالْوِتْرِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَا نَصَّ فِي

سجود الشكر

أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ: صَلَاةٌ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: تُومِئُ الْحَائِضُ بِالسُّجُودِ؟ قَالَ سَعِيدُ: وَتَقُولُ: رَبِّ لَك سَجَدْت. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: جَوَازُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ [سُجُودُ الشُّكْرِ] ِ 557 - مَسْأَلَةٌ: سُجُودُ الشُّكْرِ حَسَنٌ، إذَا وَرَدَتْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَرْءِ نِعْمَةٌ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ السُّجُودُ، لِأَنَّ السُّجُودَ فِعْلُ خَيْرٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] . وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بَلْ قَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَمِعْت الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيُّ ثنا «مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيُّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ، أَوْ قُلْتُ: مَا أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ بِهَا - دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِفَضْلِهِ

وَعَمَلِهِ، وَبَاقِي الْإِسْنَادِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُمْ؟ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا السُّجُودَ إنَّمَا هُوَ سُجُودُ الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى هَذَا فَقَدْ قَالَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ، بَلْ كَذَبَ عَلَيْهِ، إذْ أَخْبَرَ عَنْ مُرَادِهِ بِالْغَيْبِ وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّهُ لَمَّا جَاءَهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ: سَجَدَ؟ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ ذُو الثِّدْيَةِ فِي الْقَتْلَى: سَجَدَ، إذْ عَرَفَ أَنَّهُ فِي الْحِزْبِ الْمُبْطِلِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُحِقُّ؟ وَصَحَّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ: أَنَّهُ لَمَّا تِيبَ عَلَيْهِ: سَجَدَ؟ وَلَا مُخَالِفَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، وَلَا مَغْمَزَ فِي خَبَرِ كَعْبٍ أَلْبَتَّةَ؟ .

كتاب الجنائز صلاة الجنائز وحكم الموتى

[كِتَابُ الْجَنَائِزِ صَلَاةُ الْجَنَائِزِ وَحُكْمُ الْمَوْتَى] [مَسْأَلَةٌ غُسْلُ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتَكْفِينُهُمَا] 558 - مَسْأَلَةٌ: غُسْلُ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتَكْفِينُهُمَا: فَرْضٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ إلَّا حَسَنًا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ - ثنا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِغُسْلِهَا، وَأَمْرُهُ فَرْضٌ، مَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الْفَرْضِ نَصٌّ آخَرُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِيجَابُ الْغُسْلِ: هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد -: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ لَا يَرَى غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضًا وَهُوَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُهُ، وَعَمَلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُذْ أَوَّلِهِ إلَى الْآنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: «أَنَّ

مسألة لم يغسل ولم يكفن حتى دفن

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ، فَقَالَ: إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» . وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي حُلَّةٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ، فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ: لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ، اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ نَقِيَّيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ: وَإِنَّمَا كَرِهَ الْمُغَالَاةَ فَقَطْ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ قَالَ لِأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَلِغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْمِلُونِي عَلَى قَطِيفَةٍ قَيْصُرَانِيَّةٍ، وَأَجْمِرُوا عَلَيَّ أُوقِيَّةَ مِجْمَرٍ وَكَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي الَّتِي أُصَلِّي فِيهَا، وَفِي قُبْطِيَّةٍ فِي الْبَيْتِ مَعَهَا؟ وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَنْ يُغْسَلَ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُكَفَّنَ فِيهِ وَفِي ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ -: تَحْسِينٌ لِلْكَفَنِ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ خِلَافٌ لَوَجَبَ الرَّدُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُكَفَّنْ حَتَّى دُفِنَ] 559 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَا كُفِّنَ حَتَّى دُفِنَ: وَجَبَ إخْرَاجُهُ حَتَّى يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ وَلَا بُدَّ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ،

مسألة الدفن ليلا

فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ وَالْكَفَنِ لَيْسَ مَحْدُودًا بِوَقْتٍ، فَهُوَ فَرْضٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَقَطَّعَ الْمَيِّتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْبِلَى وَبَيْنَ تَقَطُّعِهِ بِالْجِرَاحِ، وَالْجُدَرِيِّ، لَا يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ؟ [مَسْأَلَةٌ الدّفن لَيْلًا] 560 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ أَحَدٌ لَيْلًا إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ وَلَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَلَا حِينَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ حَتَّى تَأْخُذَ فِي الزَّوَالِ، وَلَا حِينَ ابْتِدَاءِ أَخْذِهَا فِي الْغُرُوبِ، وَيَتَّصِلُ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ إنْسَانٌ لَيْلًا إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ» ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَنْ دُفِنَ لَيْلًا مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمِنْ أَزْوَاجِهِ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ ، مِنْ خَوْفِ زِحَامٍ، أَوْ خَوْفِ الْحَرِّ عَلَى مَنْ حَضَرَ، وَحَرُّ الْمَدِينَةِ شَدِيدٌ، أَوْ خَوْفِ تَغَيُّرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ الدَّفْنَ لَيْلًا، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّ بِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافَ ذَلِكَ؟ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَرِهَ الدَّفْنَ لَيْلًا؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ

مسألة الصلاة على موتى المسلمين

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى أَنْ نُصَلِّيَ فِيهَا أَوْ أَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تُضَيِّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هِيَ التَّطَوُّعُ الْمُتَعَمَّدُ ابْتِدَاؤُهُ قَصْدًا إلَيْهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ صَلَاةِ فَرْضٍ مَقْضِيَّةٍ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ يَذْكُرُهَا فَقَطْ، لَا كُلُّ صَلَاةٍ مَأْمُورٍ بِهَا أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ] 561 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ: فَرْضٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - ثنا شُعْبَةُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ؟ فَهَذَا أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عُمُومًا. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْغَالِّ؟ 562 - مَسْأَلَةٌ: حَاشَا الْمَقْتُولِ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَعْرَكَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ، لَكِنْ يُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ، إلَّا أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ فَقَطْ، وَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ: فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ: فَحَسَنٌ، فَإِنْ حُمِلَ عَنْ الْمَعْرَكَةِ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ: غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ ذَكَرَ قَتْلَى أُحُدٍ وَقَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ» . وَبِهِ أَيْضًا إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى

مسألة إعماق حفير القبر

الْمَيِّتِ، ثُمَّ أَنْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَفَنِ، وَالْغُسْلِ، وَالصَّلَاةِ - وَبَقِيَ سَائِرُ مَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ بَاغٍ، أَوْ مُحَارِبٌ، أَوْ رُفِعَ عَنْ الْمَعْرَكَةِ حَيًّا - عَلَى حُكْمِ سَائِرِ الْمَوْتَى، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ أَحَدُ الْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْآخَرِ، بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا مَعًا مُمْكِنٌ فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْمَبْطُونَ، وَالْمَطْعُونَ، وَالْغَرِيقَ، وَالْحَرِيقَ، وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَصَاحِبَ الْهَدَمِ، وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمْعٍ -: شُهَدَاءُ كُلُّهُمْ» . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَفَّنَ فِي حَيَاتِهِ، وَغَسَّلَ مَنْ مَاتَ فِيهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: شُهَدَاءَ، فَغُسِّلُوا، وَكُفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ؟ وَلَا يَصِحُّ فِي تَرْكِ الْمَجْلُودِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّ رَاوِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؟ [مَسْأَلَةٌ إعْمَاقُ حَفِيرِ الْقَبْرِ] 563 - مَسْأَلَةٌ: وَإِعْمَاقُ حَفِيرِ الْقَبْرِ: فَرْضٌ، وَدَفْنُ الْمُسْلِمِ: فَرْضٌ وَجَائِزٌ دَفْنُ الِاثْنَيْنِ، وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَيُقَدَّمُ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ثنا أَبِي قَالَ: سَمِعْت حُمَيْدًا هُوَ ابْنُ هِلَالٍ - عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مَنْ أُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَصَابَ النَّاسَ جِرَاحَاتٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا، وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ، وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا»

مسألة دفن الكافر

وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إنْسَانٍ: شَدِيدٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْإِعْمَاقِ فِي الْحَفْرِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ» [مَسْأَلَةٌ دَفْنُ الْكَافِرِ] 564 - مَسْأَلَةٌ: وَدَفْنُ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ: فَرْضٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ» . وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْمُثْلَةِ. وَتَرْكُ الْإِنْسَانِ لَا يُدْفَنُ: مُثْلَةٌ. وَصَحَّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ إذْ قَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنْ تُحْفَرَ خَنَادِقُ وَيُلْقَوْا فِيهَا» -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ الْقَطَّانِ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ فَمَنْ يُوَارِيهِ؟ قَالَ: اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ -

مسألة أفضل الكفن للمسلم

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: رَجُلٌ فِينَا مَاتَ نَصْرَانِيًّا وَتَرَكَ ابْنَهُ؟ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ وَيَدْفِنَهُ قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمِعْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يُحَدِّثُ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أُمَّ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ مَاتَتْ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، فَشَيَّعَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ أَفْضَلُ الْكَفَنِ لِلْمُسْلِمِ] 565 - مَسْأَلَةٌ: وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ لِلْمُسْلِمِ: ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ بِيضٍ لِلرَّجُلِ، يُلَفُّ فِيهَا، لَا يَكُونُ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ، وَلَا سَرَاوِيلُ، وَلَا قُطْنٌ. وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ، وَثَوْبَانِ زَائِدَانِ. فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ لَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلِاثْنَيْنِ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ: أُدْرِجَا فِيهِ جَمِيعًا. وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا حَرَجَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ، «كُفِّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا تَخَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ إلَّا أَفْضَلَ الْأَحْوَالِ؟ وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ؟ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ، وَقَالَ لَهُ: آذِنِّي أُصَلِّ عَلَيْهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثنا أَبِي عَنْ الْأَعْمَشِ ثنا شَقِيقٌ ثنا خَبَّابٌ قَالَ «هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ

إلَّا بُرْدَةً، إذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُكَفَّنَ مَنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ لَا يَعُمُّهُ كُلَّهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَهُنَا حَدِيثٌ وَهَمَ فِيهِ رَاوِيهِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَشْيَبِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هُوَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ - عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ» . وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى، أَوْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ -: فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ» . قُلْنَا: هَذَا لَيْسَ فَرْضًا، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ وَشَمْلَةً سَوْدَاءَ -: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ - أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قِيلَ لَهُ «لِمَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ؟ قَالَ: إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهَا، وَكَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ «قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيُّ الثِّيَابِ كَانَ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ الْحِبَرَةُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ حَدِيثٌ لِحَدِيثٍ، بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ، فَصَحَّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيَاضِ نَدْبٌ؟ وَبِاخْتِيَارِنَا هَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لَهَا فِي حَدِيثٍ " فِيمَ كَفَّنْتُمُوهُ؟ - يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اُنْظُرُوا ثَوْبِي هَذَا فَاغْسِلُوهُ، وَبِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ مِشْقٍ وَاجْعَلُوا مَعَهُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُفِّنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: ثَوْبَيْنِ سُحُولِيَّيْنِ، وَثَوْبٍ كَانَ يَلْبَسُهُ «وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا تُقَمِّصُونِي وَلَا تُعَمِّمُونِي فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَمَّصْ وَلَمْ يُعَمَّمْ» . وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: لَا يُعَمَّمُ الْمَيِّتُ وَلَا يُؤَزَّرُ وَلَا يُرَدَّى لَكِنْ يُلَفُّ فِيهَا لَفًّا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّنُ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا عِمَامَةٌ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَهَكَذَا كُفِّنَ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، وَقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَفْتَى بِذَلِكَ الْخُشَنِيُّ، وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَضَرَ؟ وَأَمَّا كَفَنُ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «تُوُفِّيَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ

مسألة مات وعليه دين يستغرق كل ما ترك

كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي؟ قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَ آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ» . وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: دِرْعٍ، وَخِمَارٍ، وَثَلَاثِ لَفَائِفَ وَعَنْ النَّخَعِيِّ: تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: دِرْعٍ، وَخِمَارٍ، وَلِفَافَةٍ، وَمِنْطَقَةٍ، وَرِدَاءٍ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ: تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: دِرْعٍ، وَخِمَارٍ، وَلِفَافَتَيْنِ وَخِرْقَةٍ؟ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، وَالرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةٍ؟ [مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ مَا تَرَكَ] 566 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ مَا تَرَكَ: فَكُلُّ مَا تَرَكَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ كَفَنُهُ دُونَ سَائِرِ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ مِيرَاثًا وَلَا وَصِيَّةً إلَّا فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمَرْءُ بَعْدَ دَيْنِهِ، فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ، وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مِقْدَارِ دَيْنِهِ مِمَّا يَتَخَلَّفُهُ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحَقُّ تَكْفِينِهِ - إذَا لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا - وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ غَرِيمٍ، أَوْ غَيْرِ غَرِيمٍ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ.

مسألة صفة غسل الميت

فَكُلُّ مَنْ وَلِيَهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِحْسَانِ كَفَنِهِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ بِذَلِكَ الْغُرَمَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ؟ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَالْكَفَنُ مُقَدَّمٌ فِيهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ -: لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّنَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بُرْدَةٍ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا غَيْرَهَا، فَلَمْ يَجْعَلْهَا لِوَارِثِهِ» 567 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ عَنْ سَائِرِ النَّاسِ، كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلِأَنَّ تَكْلِيفَ مَا عَدَا هَذَا دَاخِلٌ فِي الْحَرَجِ وَالْمُمْتَنِعِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ غُسْل الْمَيِّتِ] 568 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْغُسْلِ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَرَأْسَهُ بِمَاءٍ قَدْ رُمِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ سِدْرٍ وَلَا بُدَّ، إنْ وُجِدَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالْمَاءِ وَحْدَهُ -: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا بُدَّ، يُبْتَدَأُ بِالْمَيَامِنِ، وَيُوَضَّأُ -: فَإِنْ أَحَبُّوا الزِّيَادَةَ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا: إمَّا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، وَإِمَّا خَمْسُ مَرَّاتٍ، وَإِمَّا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَيَجْعَلُ فِي آخِرِ غَسَلَاتِهِ - إنْ غُسِّلَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ - شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ وَلَا بُدَّ فَرْضًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا حَرَجَ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ كُلِّهِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ مُوسَى ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ «أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ لَمَّا غَسَّلْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَنَا: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَبِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ» . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ تَعَالَى سِدْرًا وَلَا كَافُورًا فَلَمْ يُكَلِّفْهُ إيَّاهُمَا -: رُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، كُلُّهُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، فِي كُلِّهِنَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ وَجَسَدُهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِدْرٌ فَخَطْمِيٌّ؟ قَالَ: لَا، سَيُوجَدُ السِّدْرُ. وَرَأَى الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ، وَهَذَا رَأْيٌ مِنْهُ؟ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ: غُسْلُ الْمَيِّتِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمَ: يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ: يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَالثَّالِثَةَ بِمَاءٍ فِيهِ كَافُورٌ. وَالْمَرْأَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ، ثُمَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، ثُمَّ بِمَاءٍ وَكَافُورٍ. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ: الْمَيِّتُ يُوَضَّأُ كَمَا يُوَضَّأُ الْحَيُّ يُبْدَأُ بِمَيَامِنِهِ. وَعَنْ قَتَادَةَ يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ، يَعْنِي فِي الْغُسْلِ؟

مسألة عدم الماء عند إرادة غسل الميت

[مَسْأَلَةٌ عُدِمَ الْمَاءُ عِنْد إرَادَة غَسَلَ الْمَيِّت] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ عُدِمَ الْمَاءُ يُمِّمَ الْمَيِّتُ وَلَا بُدَّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» . [مَسْأَلَةٌ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِبَاسُهُ] 570 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيمَا لَا يَحِلُّ لِبَاسُهُ، مِنْ حَرِيرٍ، أَوْ مُذَهَّبٍ، أَوْ مُعَصْفَرٍ. وَجَائِزٌ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ «قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَرِيرِ، وَالذَّهَبِ إنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» . وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُعَصْفَرِ: إذْ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الرِّجَالَ عَنْهُ؟ [مَسْأَلَةٌ كَفَنُ الْمَرْأَةِ وَحَفْرُ قَبْرِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهَا] 571 - مَسْأَلَةٌ: وَكَفَنُ الْمَرْأَةِ وَحَفْرُ قَبْرِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهَا، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ زَوْجَهَا، لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ مَحْظُورَةٌ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْإِسْكَانَ، وَلَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْكَفَنُ: كِسْوَةً، وَلَا الْقَبْرُ: إسْكَانًا [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّتِ] 572 - مَسْأَلَةٌ: وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ بِإِمَامٍ يَقِفُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ صُفُوفٌ، وَيَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وَسَطِهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوْ الثَّالِثِ» . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا صَلَاةُ قِيَامٍ، لَا رُكُوعَ فِيهَا، وَلَا سُجُودَ، وَلَا قُعُودَ، وَلَا تَشَهُّدَ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى عَلَى أُمِّ كَعْبٍ، مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي

الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَسَطَهَا» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ كُلُّهُمْ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ بِإِسْنَادِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا دَاوُد بْنُ مُعَاذٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ «عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيْتُ عَلَى جِنَازَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا خَلْفَهُ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، الْمَرْأَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ؟ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ، فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلَاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلَاتِكَ، يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي غَالِبٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا، وَفِي آخِرِهِ -: أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: احْفَظُوا؟ فَدَلَّ هَذَا عَلَى مُوَافَقَةِ كُلِّ مَنْ حَضَرَ لَهُ، وَهُمْ تَابِعُونَ كُلُّهُمْ. وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، بِخِلَافِ هَذَا، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا دَعْوَى فَاسِدَةً، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ إذْ لَمْ تَكُنْ النُّعُوشُ وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ قَالَهُ؛ لِأَنَّ أَنَسًا صَلَّى كَذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ فِي نَعْشٍ أَخْضَرَ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَمَا يَقُومُ الْإِمَامُ مُوَازٍ وَسَطَ الصَّفِّ خَلْفَهُ كَذَلِكَ يَقُومُ مُوَازٍ وَسَطَ الْجِنَازَةِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَاطِلٌ، وَقِيَاسٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ الصَّفِّ، وَلَيْسَ إمَامًا لِلْجِنَازَةِ، وَلَا مَأْمُومًا لَهَا، وَاَلَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ فِي وُقُوفِهِ إزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ هُوَ الَّذِي اقْتَدَيْنَا بِهِ إزَاءَ وَسَطِ

مسألة التكبير على الجنازة

الْمَرْأَةِ، وَإِزَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَهُوَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُ حُكْمِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ التَّكْبِير عَلَى الْجِنَازَةِ] 573 - مَسْأَلَةٌ: وَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ كَبَّرُوا أَرْبَعًا فَحَسَنٌ، وَلَا أَقَلَّ، وَلَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ، فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيرُ الْمَذْكُورُ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَسَلَّمُوا كَذَلِكَ، فَإِنْ كَبَّرَ سَبْعًا كَرِهْنَاهُ وَاتَّبَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَ ثَلَاثًا، فَإِنْ كَبَّرَ أَكْثَرَ لَمْ نَتَّبِعْهُ، وَإِنْ كَبَّرَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ نُسَلِّمْ بِسَلَامِهِ، بَلْ أَكْمَلْنَا التَّكْبِيرَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وَأَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا، فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَبِّرُهَا» . وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَبَّرَ أَيْضًا أَرْبَعًا، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ " «جَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ، فَقَالُوا: كَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعًا وَخَمْسًا وَأَرْبَعًا، فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ كَأَطْوَلِ الصَّلَاةِ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ فَذَكَرَهُ. قَالُوا: فَهَذَا إجْمَاعٌ، فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، أَوَّلَ ذَلِكَ -: أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ شَقِيقٍ فَلَا يُدْرَى فِي الْعَالَمِ مَنْ هُوَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَسْتَشِيرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إحْدَاثِ فَرِيضَةٍ بِخِلَافِ مَا فَعَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ مَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَاتَ وَهُوَ مُبَاحٌ، فَيُحَرِّمُ بَعْدَهُ، لَا يَظُنُّ هَذَا بِعُمَرَ إلَّا جَاهِلٌ بِمَحَلِّ عُمَرَ مِنْ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، طَاعِنٌ عَلَى السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ، أَرْبَعًا وَخَمْسًا، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ، يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ؟ وَبِهِ إلَى شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا خَمْسًا، فَضَحِكُوا مِنْهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، قَدْ كُنَّا نُكَبِّرُ أَرْبَعًا، وَخَمْسًا، وَسِتًّا، وَسَبْعًا، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَرْبَعٍ؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوَهُ -: وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ: أَرْبَعٌ، وَخَمْسٌ يَعْنِي التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَأَمَرَ عُمَرُ النَّاسَ بِأَرْبَعٍ؟ قَالُوا: فَهَذَا إجْمَاعٌ؟ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْكَذِبُ؟ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَسَعِيدٌ لَمْ يَحْفَظْ مِنْ عُمَرَ إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ، فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ أَوْ ضَعِيفٌ؟

وَلَوْ صَحَّ، لَكَانَ مَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ مُكَذِّبًا لِدَعْوَاهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ مُعَاذٍ الْمَذْكُورَ كَبَّرَ خَمْسًا، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ كَبَّرَ بَعْدَ عُمَرَ خَمْسًا -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَّى عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ سِتًّا، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ: إنَّهُ بَدْرِيٌّ؟ قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَقَدِمَ عَلْقَمَةُ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: إنَّ إخْوَانَك بِالشَّامِ يُكَبِّرُونَ عَلَى جَنَائِزِهِمْ خَمْسًا، فَلَوْ وَقَّتُّمْ لَنَا وَقْتًا نُتَابِعُكُمْ عَلَيْهِ؟ فَأَطْرَقَ عَبْدُ اللَّهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: اُنْظُرُوا جَنَائِزَكُمْ، فَكَبِّرُوا عَلَيْهَا مَا كَبَّرَ أَئِمَّتُكُمْ، لَا وَقْتَ وَلَا عَدَدَ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ابْنُ مَسْعُودٍ مَاتَ فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلْقَمَةُ مَا ذَكَرَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الَّذِينَ بِالشَّامِ، وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ أَدْرَكَ عَلْقَمَةَ وَأَخَذَ عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَلْعَدَانَ - فَخْذٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ - فَكَبَّرَ عَلَيْهِ خَمْسًا؟ وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةٍ خَمْسًا؟ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا مَعْبَدٍ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكَبِّرُ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثًا. وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي شَيْبَةُ بْنُ أَيْمَنَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا؟ وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّهُ قِيلَ لِأَنَسٍ: إنَّ فُلَانًا كَبَّرَ ثَلَاثًا، يَعْنِي عَلَى جِنَازَةٍ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَلْ التَّكْبِيرُ إلَّا ثَلَاثًا؟ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إنَّمَا كَانَ التَّكْبِيرُ ثَلَاثًا فَزَادُوا وَاحِدَةً يَعْنِي عَلَى الْجِنَازَةِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَلَالِ الْعَتَكِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَمَرَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثَلَاثًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أُفٍّ لِكُلِّ إجْمَاعٍ يُخْرَجُ عَنْهُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالصَّحَابَةُ بِالشَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثُمَّ التَّابِعُونَ بِالشَّامِ، وَابْنُ سِيرِينَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَيَدَّعِي الْإِجْمَاعَ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ بِأَسَانِيدَ وَاهِيَةٍ، فَمَنْ أَجْهَلُ مِمَّنْ هَذِهِ سَبِيلُهُ؟ فَمَنْ أَخْسَرُ صَفْقَةً مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي عَقْلِهِ أَنَّ إجْمَاعًا عَرَفَهُ -: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَخَفِيَ عِلْمُهُ عَلَى -: عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، حَتَّى خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا؟ وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَبَّرَ أَرْبَعًا، وَعَلِيًّا كَبَّرَ عَلَى ابْنِ الْمُكَفِّفِ أَرْبَعًا، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَبَّرَ عَلَى أُمِّهِ أَرْبَعًا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كَبَّرَ عَلَى ابْنَتِهِ أَرْبَعًا، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَبَّرَ أَرْبَعًا، وَأَنَسًا كَبَّرَ أَرْبَعًا -: فَكُلُّ هَذَا حَقٌّ وَصَوَابٌ، وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ صَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ تَكْبِيرِ خَمْسٍ أَصْلًا،

وَحَتَّى لَوْ وُجِدَ لَكَانَ مُعَارِضًا لَهُ قَوْلُ مَنْ أَجَازَهَا، وَوَجَبَ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَبَّرَ خَمْسًا وَأَرْبَعًا، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ أَحَدِ عَمَلَيْهِ لِلْآخَرِ وَلَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَكْبِيرًا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، فَمَنْ زَادَ عَلَى خَمْسٍ وَبَلَغَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، فَكَرِهْنَاهُ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ فَلَمْ نَقُلْ: بِتَحْرِيمِهِ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ: فِيمَنْ كَبَّرَ ثَلَاثًا؟ وَأَمَّا مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَفَوْقَ السَّبْعِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلِمْنَا أَحَدًا قَالَ بِهِ، فَهُوَ تَكَلُّفٌ، وَقَدْ نُهِينَا أَنْ نَكُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ، إلَّا حَدِيثًا سَاقِطًا وَجَبَ أَنْ نُنَبِّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ، وَهُوَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعِينَ صَلَاةً» وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ وَأَمَّا رَفْعُ الْأَيْدِي فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَفَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ إلَّا فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعٌ وَلَا خَفْضٌ؟ وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: بِرَفْعِ الْأَيْدِي فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْعِهِ مِنْ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا التَّسْلِيمَتَانِ فَهِيَ صَلَاةٌ، وَتَحْلِيلُ الصَّلَاةِ: التَّسْلِيمُ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ ذِكْرٌ وَفِعْلُ خَيْرٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 574 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا كَبَّرَ الْأُولَى قَرَأَ (أُمَّ الْقُرْآنِ) وَلَا بُدَّ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ، ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ فِي بَاقِي الصَّلَاةِ؟ أَمَّا قِرَاءَةُ (أُمِّ الْقُرْآنِ) فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا صَلَاةً بِقَوْلِهِ «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» .

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ " صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ الضَّحَّاكُ، وَأَبُو أُمَامَةَ: السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرِ مُخَافَتَةً، ثُمَّ يُكَبِّرَ، وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِ أُمِّ الْكِتَابِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: يَقْرَأُ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ: فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً قَصِيرَةً، رَفَعَ بِهِمَا صَوْتَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَا أَجْهَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَجْمَاءَ، وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ أَنَّ فِيهَا قِرَاءَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَرَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرُ: الْمُخَافَتَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَدْعُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فِي الْجِنَازَةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَلَا يَقْرَءُونَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يُحَدِّثُ

سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ تُكَبِّرَ، ثُمَّ تَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ تُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ، وَلَا تَقْرَأُ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يُسَلِّمُ فِي نَفْسِهِ عَنْ يَمِينِهِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى؟ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ: يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاءً. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؟ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهَا بِأَنْ قَالُوا: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ، مَا رُوِيَ قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ يُشْتَغَلُ بِهَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا مَنَعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إخْلَاصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ نَهْيٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَنَحْنُ نُخْلِصُ لَهُ الدُّعَاءَ وَنَقْرَأُ كَمَا أُمِرْنَا؟ وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ؟ فَذَكَرَ دُعَاءً وَلَمْ يَذْكُرْ قِرَاءَةً وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: أَنَّهُ سُئِلَ: أَيَقْرَأُ فِي الْجِنَازَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا - لَيْسَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ

وَنَعَمْ، نَحْنُ نَقُولُ: لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَصِحُّ خِلَافٌ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ مَنْ صَرَّحَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرِ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ، لَا سِيَّمَا وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ تَكْبِيرًا وَلَا تَسْلِيمًا. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهِ مُتَعَلَّقٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْجِنَازَةِ، فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ؟ لَوَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وَقَالُوا: لَعَلَّ هَؤُلَاءِ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الْأَمْرُ بِقِرَاءَتِهَا، وَأَنَّهَا سُنَّتُهَا، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: لَعَلَّهُمْ قَرَءُوهَا عَلَى أَنَّهَا دُعَاءٌ -: كَذِبٌ بَحْتٌ؟ ثُمَّ لَا نَدْرِي مَا الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قِرَاءَتِهَا حَتَّى يَتَقَحَّمُوا فِي الْكَذِبِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا صَلَاةٌ، وَيُوجِبُونَ فِيهَا: التَّكْبِيرَ، وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ، وَالْإِمَامَةَ لِلرِّجَالِ، وَالطَّهَارَةَ، وَالسَّلَامَ، ثُمَّ يُسْقِطُونَ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا سَقَطَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ: سَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ يُوجَبُ هَذَا الْقِيَاسُ دُونَ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ؟ بَلْ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ قِيَاسُ الْقِرَاءَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ - لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ - أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْقِرَاءَةِ عَلَى عَمَلِ الْجَسَدِ، وَلَكِنْ هَذَا عِلْمُهُمْ بِالْقِيَاسِ وَالسُّنَنِ؟ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ، وَهَهُنَا أَرَيْنَاهُمْ عَمَلَ الصَّحَابَةِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَخَالَفُوهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

مسألة الدعاء على الجنازة

[مَسْأَلَةٌ الدُّعَاء عَلَى الْجِنَازَةِ] مَسْأَلَةٌ: وَأَحَبُّ الدُّعَاءِ إلَيْنَا عَلَى الْجِنَازَةِ هُوَ مَا -: حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ، وَثَلْجٍ، وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَعَذَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ» . وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الرَّقِّيُّ ثنا شُعَيْبٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ - عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا، وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا، وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا، وَأُنْثَانَا، وَشَاهِدِنَا، وَغَائِبِنَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ» . فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلْيَقُلْ " اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِك " لِلْأَثَرِ الَّذِي صَحَّ أَنَّ الصِّغَارَ مَعَ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. وَمَا دَعَا بِهِ فَحَسَنٌ؟ [مَسْأَلَةٌ اللَّحْد] 576 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ اللَّحْدَ، وَهُوَ الشَّقُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْقَبْرِ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الضَّرِيحِ، وَهُوَ الشَّقُّ فِي وَسَطِ الْقَبْرِ. وَنَسْتَحِبُّ اللَّبِنَ أَنْ تُوضَعَ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ، وَنَكْرَهُ الْخَشَبَ، وَالْقَصَبَ، وَالْحِجَارَةَ. وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ؟ -:

مسألة بناء القبر وتجصيصه

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمِسْوَرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ " أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " [مَسْأَلَةٌ بِنَاءُ الْقَبْرِ وَتَجْصِيصُهُ] 577 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ، وَلَا أَنْ يُجَصَّصَ، وَلَا أَنْ يُزَادَ عَلَى تُرَابِهِ شَيْءٌ، وَيُهْدَمُ كُلُّ ذَلِكَ، فَإِنْ بُنِيَ عَلَيْهِ بَيْتٌ أَوْ قَائِمٌ: لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَشَ اسْمَهُ فِي حَجَرٍ: لَمْ نَكْرَهْ ذَلِكَ؟ -: رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ثنا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ شُفَيٍّ حَدَّثَهُ قَالَ: «كُنَّا مَعَ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ، فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا، فَأَمَرَ فُضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ، وَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا» -: وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ «أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ [ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ] عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ أَنْذَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَوْضِعِ قَبْرِهِ بِقَوْلِهِ «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِي بَيْتِهِ بِذَلِكَ. وَلَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَوْنَ الْقَبْرِ فِي بَيْتٍ، وَلَا نَهَى عَنْ بِنَاءٍ قَائِمٍ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ بِنَاءٍ عَلَى الْقَبْرِ: قُبَّةٍ فَقَطْ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ أَوْ تُطَيَّنَ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَفِيرِهَا؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: تَسْوِيَةُ الْقُبُورِ مِنْ السُّنَّةِ؟ وَعَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ، وَأَنْ تُرْفَعَ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ

مسألة الجلوس على القبر

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَقَطَ الْحَائِطُ الَّذِي عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسُتِرَ، ثُمَّ بُنِيَ، فَقُلْت لِلَّذِي سَتَرَهُ: ارْفَعْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ، فَنَظَرْت إلَيْهِ، فَإِذَا عَلَيْهِ جَبُوبٌ وَرَمْلٌ، كَأَنَّهُ مِنْ رَمْلِ الْعَرْصَةِ؟ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْت: يَا أُمَّهُ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا لَاطِئَةٍ وَلَا مُشْرِفَةٍ، مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمًا، وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَرِجْلَاهُ بَيْنَ كَتِفَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأَيْت عُمَرَ عِنْدَ رِجْلَيْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. [مَسْأَلَةٌ الْجُلُوس عَلَى الْقَبْرِ] 578 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَيْنَ يَجْلِسُ: فَلْيَقِفْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ، وَلَوْ اسْتَوْفَزَ وَلَمْ يَقْعُدْ لَمْ يَبْنِ أَنَّهُ يُحْرَجُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، كِلَاهُمَا: عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» .

مسألة المشي بين القبور

فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَأَنْ أَطَأَ عَلَى رَضْفٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَعَمَّدَ وَطْءَ قَبْرٍ لِي عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَأَنْ أَطَأَ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. فَقَالَ قَائِلُونَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَحَمَلُوا الْجُلُوسَ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَائِطِ خَاصَّةً؟ وَهَذَا بَاطِلٌ بَحْتٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَصَرْفٌ لِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَجْهِهِ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَثَانِيهَا - أَنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ: خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» . وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ: أَنَّ الْقُعُودَ لِلْغَائِطِ لَا يَكُونُ هَكَذَا أَلْبَتَّةَ، وَمَا عَهِدْنَا قَطُّ أَحَدًا يَقْعُدُ عَلَى ثِيَابِهِ لِلْغَائِطِ إلَّا مَنْ لَا صِحَّةَ لِدِمَاغِهِ؟ وَثَالِثُهَا - أَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْخَبَرِ لَمْ يَتَعَدَّوْا بِهِ وَجْهَهُ مِنْ الْجُلُوسِ الْمَعْهُودِ، وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ فِي اللُّغَةِ - جَلَسَ فُلَانٌ - بِمَعْنَى تَغَوَّطَ، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَحْرِيمَ الصَّلَاةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحْمُودٌ؟ [مَسْأَلَةٌ الْمَشْي بَيْنَ الْقُبُورِ] 579 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْشِيَ بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ سِبْتِيَّتَيْنِ وَهُمَا اللَّتَانِ لَا شَعْرَ فِيهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا شَعْرٌ: جَازَ ذَلِكَ؟ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِشَعْرٍ، وَالْأُخْرَى بِلَا شَعْرٍ: جَازَ الْمَشْيُ فِيهِمَا؟ -:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثنا وَكِيعٌ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعْبَانَ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ «عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ - قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى رَجُلًا يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ فِي نَعْلَيْهِ، فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا» ؟ وَحَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ثنا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ سَمِيرٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ نَهِيكٍ أَخْبَرَنِي بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ - وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَحْمٌ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشِيرًا - قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي بَيْنَ الْمَقَابِرِ وَعَلَيَّ نَعْلَانِ، إذْ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ، يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ، إذَا كُنْت فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ، قَالَ: فَخَلَعْتُهُمَا» ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ - فَهَلَّا مَنَعْتُمْ مِنْ كُلِّ نَعْلٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» ؟ قُلْنَا: مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهَانِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا دَعَا صَاحِبَ سِبْتِيَّتَيْنِ، بِنَصِّ كَلَامِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ؟ وَالثَّانِي مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

مسألة الصلاة على أجزاء الميت

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ، وَأَنَّ النَّاسَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَيَلْبَسُونَ النِّعَالَ فِي مَدَافِنِ الْمَوْتَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَلَى عُمُومِ إنْذَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَالْأَخْبَارُ لَا تُنْسَخُ أَصْلًا. فَصَحَّ إبَاحَةُ لِبَاسِ النِّعَالِ فِي الْمَقَابِرِ، وَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ السِّبْتِيَّةِ مِنْهَا، لِنَصِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فَقَالَ: لَعَلَّ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ قَطَعَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ فَقَدْ حَكَمَ بِالظَّنِّ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَكِلَاهُمَا خُطَّتَا خَسْفٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فَهَبْكَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؟ أَتَقُولُونَ: بِهَذَا أَنْتُمْ؟ فَتَمْنَعُونَ مِنْ الْمَشْيِ، بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ فِيهِمَا قَذَرٌ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لِمَ تَقُولُوا بِهَا، وَلَبَقِيتُمْ مُخَالِفِينَ لِلْخَبَرِ بِكُلِّ حَالٍ؟ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: وَلَعَلَّ الْبِنَاءَ فِي الرُّعَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّمِ الْأَسْوَدِ لِشَبَهِهِ بِدَمِ الْحَيْضِ، وَلَعَلَّ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ إلَى جَنْبِ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ شَابَّةً خَوْفَ الْفِتْنَةِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاة عَلَى أجزاء الْمَيِّت] 580 - مَسْأَلَةٌ: وَيُصَلَّى عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ أَنَّهُ ظُفْرٌ أَوْ شَعْرٌ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ شَهِيدٍ فَلَا يُغَسَّلُ، لَكِنْ يُلَفُّ وَيُدْفَنُ؟ وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ. فَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْمَيِّتِ عُضْوٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا غُسِّلَ أَيْضًا، وَكُفِّنَ، وَدُفِنَ، وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثَانِيَةً، وَهَكَذَا أَبَدًا؟

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ وُجُوبَ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَصَحَّ بِذَلِكَ غُسْلُ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ - قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا - وَسَتْرُ جَمِيعِهَا بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ، فَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ عَمَلُهُ فِيمَا أَمْكَنَ عَمَلُهُ فِيهِ، بِالْوُجُودِ مَتَى وُجِدَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ ذَلِكَ فِي الْأَعْضَاءِ الْمُفَرَّقَةِ بِلَا بُرْهَانٍ وَيَنْوِي بِالصَّلَاةِ عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِهِ: جَسَدِهِ، وَرُوحِهِ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إنْ وُجِدَ نِصْفُ الْمَيِّتِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الرَّأْسُ -: غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ؟ وَإِنْ وُجِدَ النِّصْفُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ الرَّأْسُ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي فِيهِ الرَّأْسُ -: لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَا كُفِّنَ، وَلَا صُلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيَك بِهِ وَقِيلَ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى أَكْثَرِهِ وَاجِبَةٌ، وَعَلَى نِصْفِهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ؟ وَأَنْتُمْ قَدْ جَعَلْتُمْ الرُّبْعَ - فِيمَا أَنْكَشَفَ مِنْ بَطْنِ الْحُرَّةِ وَشَعْرِهَا - كَثِيرًا فِي حُكْمِ الْكُلِّ، وَجَعَلْتُمْ الْعُشْرَ - فِي بَعْضِ مَسَائِلِكُمْ أَيْضًا - فِي حُكْمِ الْكُلِّ؟ وَهُوَ مِنْ حَلْقِ عُشْرِ رَأْسِهِ، أَوْ عُشْرِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّهُمَا صَلَّيَا عَلَى رِجْلِ، إنْسَانٍ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ صَلَّى عَلَى عِظَامٍ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَأْسٍ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ قَاطِعٌ، أَغْنَى عَنْ النَّظَرِ، وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ

تَجِبُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَائِبُ وَالْحَاضِرُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ أَحَدُهُمَا، بَلْ فَرْضٌ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَهِيَ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ نَدْبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ؟ خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ " قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ، فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ. قَالَ جَابِرٌ: فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ قَوِيَّةٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلُهُ وَعَمَلُ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ، فَلَا إجْمَاعَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، وَآثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا أَوْرَدْنَا؟ وَمَنَعَ مِنْ هَذَا: مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَادَّعَى أَصْحَابُهُمَا الْخُصُوصَ لِلنَّجَاشِيِّ، وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: هَلْ فَعَلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَهَلْ جَاءَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ زَجَرَ عَنْ هَذَا أَوْ أَنْكَرَهُ؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ تَعَالَى: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]

مسألة الصلاة على القبر

[مَسْأَلَةٌ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ] مَسْأَلَةٌ: وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ عَلَى الْقَبْرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ: صُلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ مَا بَيْنَ دَفْنِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ دُفِنَ بَعْدَ أَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ عَلَى قَبْرِهِ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ؟ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى شَهْرٍ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَقَالَ إِسْحَاقُ: يُصَلِّي الْغَائِبُ عَلَى الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْحَاضِرُ إلَى ثَلَاثٍ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، فَقَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟ قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ» . فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْكَلَامِ بَرَكَةُ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَفَضِيلَتُهَا عَلَى صَلَاةِ غَيْرِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيُ غَيْرِهِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ أَصْلًا، بَلْ قَدْ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَى الْخُصُوصِ هَهُنَا مَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ «انْتَهَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قَبْرٍ رَطْبٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا» قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: قُلْت لِعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: مَنْ حَدَّثَك؟ قَالَ: الثِّقَةُ، مَنْ شَهِدَهُ، ابْنُ عَبَّاسٍ. فَهَذَا أَبْطَلَ الْخُصُوصَ، لِأَنَّ أَصْحَابَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَعَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ صَلَّوْا مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ، فَبَطَلَتْ دَعْوَى الْخُصُوصِ وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْعُرَةَ السَّامِيِّ ثنا غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ [عَنْ ثَابِتٍ] عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يَسَعُ الْخُرُوجُ عَنْهَا وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِعْلُ خَيْرٍ، وَالدَّعْوَى بَاطِلٌ إلَّا بِبُرْهَانٍ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْقَبْرِ وَعَلَى الْقَبْرِ مَانِعٌ مِنْ هَذَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا عَكَسَ الْحَقَّ عَكْسًا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، أَوْ إلَيْهِ. أَوْ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَعَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ، فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: كُلُّ هَذَا مُبَاحٌ وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي مَنْعِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ،

وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرَامَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَإِلَى الْقَبْرِ، وَعَلَيْهِ؟ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، كَانَ لَا يُصَلِّي سَائِرَ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْقَبْرِ، وَيُصَلِّي صَلَاةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ أَبَدًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ قَدْ صَحَّ مَا يُعَارِضُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَبْرِ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا عَنْهُ لَكَانَ قَدْ عَارَضَهُ مَا صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، فَحَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ مَكَّةَ فَدَفَنَّاهُ، فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: أَيْنَ قَبْرُ أَخِي؟ فَدَلَلْنَاهَا عَلَيْهِ، فَوَضَعَتْ فِي هَوْدَجِهَا عِنْدَ قَبْرِهِ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَدِمَ وَقَدْ مَاتَ أَخُوهُ عَاصِمٌ، فَقَالَ: أَيْنَ قَبْرُ أَخِي؟ فَدُلَّ عَلَيْهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، لَا الدُّعَاءُ فَقَطْ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ أَمَرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِقَوْمٍ جَاءُوا بَعْدَمَا دُفِنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ؟ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَيْضًا: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا؟ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُ ذَلِكَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إبَاحَةُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَمَا صُلِّيَ عَلَيْهَا

مسألة تزوج مسلم كافرة فحملت منه وماتت حاملا

وَعَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صَلَّى عَلَيْهَا. فَهَذِهِ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ؟ وَأَمَّا أَمْرُ تَحْدِيدِ الصَّلَاةِ بِشَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَخَطَأٌ لَا يُشْكِلُ، لِأَنَّهُ تَحْدِيدٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَدَّ بِهَذَا، أَوْ مَنْ حَدَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ كَافِرَةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَمَاتَتْ حَامِلًا] 582 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ كَافِرَةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَمَاتَتْ حَامِلًا -: فَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ: دُفِنَتْ مَعَ أَهْلِ دِينِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالرُّوحُ قَدْ نُفِخَ فِيهِ: دُفِنَتْ فِي طَرَفِ مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُدْفَنَ مُسْلِمٌ مَعَ مُشْرِكٍ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثنا وَكِيعٌ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ خَالِدِ بْنِ سَمِيرٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ بَشِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ شَرًّا كَثِيرًا، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ خَيْرًا كَثِيرًا» . فَصَحَّ بِهَذَا تَفْرِيقُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ. وَالْحَمْلُ مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّمَا هُوَ بَعْضُ جِسْمِ أُمِّهِ، وَمِنْ حَشْوَةِ بَطْنِهَا، وَهِيَ مَدْفُونَةٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ خَلْقٌ آخَرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] ، فَهُوَ حِينَئِذٍ إنْسَانٌ حَيٌّ غَيْرُ أُمِّهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى، وَهُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ فَلَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ، وَهِيَ كَافِرَةٌ، فَلَا تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَبَ أَنْ تُدْفَنَ بِنَاحِيَةٍ لِأَجْلِ ذَلِكَ

مسألة الصغير يسبى مع أبويه أو أحدهما أو دونهما فيموت

رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى: أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَنَ امْرَأَةً نَصْرَانِيَّةً مَاتَتْ حُبْلَى مِنْ مُسْلِمٍ -: فِي مَقْبَرَةٍ لَيْسَتْ بِمَقْبَرَةِ النَّصَارَى، وَلَا بِمَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهَا تُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَجْلِ وَلَدِهَا [مَسْأَلَةٌ الصَّغِيرُ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ دُونَهُمَا فَيَمُوتُ] 583 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّغِيرُ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ دُونَهُمَا فَيَمُوتُ -: فَإِنَّهُ يُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ، إلَّا مَنْ أَقَرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ، وَلَيْسَ إلَّا مَنْ وُلِدَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ كَافِرَيْنِ، أَوْ حَرْبِيَّيْنِ كَافِرَيْنِ، وَلَمْ يُسْبَ حَتَّى بَلَغَ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَمُسْلِمٌ؟ [مَسْأَلَةٌ أَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ] 584 - مَسْأَلَةٌ: وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ: الْأَوْلِيَاءُ -: وَهُمْ: الْأَبُ وَآبَاؤُهُ، وَالِابْنُ وَأَبْنَاؤُهُ، ثُمَّ الْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ، فَهُوَ أَوْلَى. ثُمَّ الزَّوْجُ، ثُمَّ الْأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي، فَإِنْ صَلَّى غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا أَجْزَأَ -: بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ» يَدْخُلُ فِيهِ: ذُو الرَّحِمِ، وَالزَّوْجُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحَدِيثِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَذُو الرَّحِمِ أَوْلَى بِالْآيَةِ، ثُمَّ الزَّوْجُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِالْحَدِيثِ؟ رُوِّينَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ: أَبٌ، أَوْ

مسألة أحق الناس بإنزال المرأة في قبرها

ابْنٌ، أَوْ أَخٌ: أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ -: الْوَلِيُّ دُونَ الزَّوْجِ؟ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَتْ: الْأَخُ أَحَقُّ مِنْ الزَّوْجِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْأَئِمَّةَ عَلَى جَنَائِزِهِمْ، فَإِنْ تَدَارَءُوا فَالْوَلِيُّ، ثُمَّ الزَّوْجُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَدَّمَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ -: سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ عَلَى وَلِيٍّ لَهُ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مَا قَدَّمْتُك؟ وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ لِإِخْوَةِ زَوْجَتِهِ: أَنَا أَحَقُّ مِنْكُمْ قُلْنَا: لَمْ نَدَّعِ لَكُمْ إجْمَاعًا فَتُعَارِضُونَا بِهَذَا، وَلَكِنْ إذَا تَنَازَعَ الْأَئِمَّةُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا أَوْرَدْنَا، وَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ فِي التَّنَازُعِ إلَى غَيْرِ كَلَامِهِ وَحُكْمِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: الْأَوْلِيَاءُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنْ كَانَ وَلَدُهَا ابْنَ زَوْجِهَا الْحَاضِرُ فَالزَّوْجُ أَبُو الْوَلَدِ أَحَقُّ - وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ [مَسْأَلَةٌ أَحَقُّ النَّاسِ بِإِنْزَالِ الْمَرْأَةِ فِي قَبْرِهَا] 585 - مَسْأَلَةٌ: وَأَحَقُّ النَّاسِ بِإِنْزَالِ الْمَرْأَةِ فِي قَبْرِهَا مَنْ لَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، حَضَرَ زَوْجُهَا أَوْ أَوْلِيَاؤُهَا أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا، وَأَحَقُّهُمْ بِإِنْزَالِ الرَّجُلِ أَوْلِيَاؤُهُ؟ أَمَّا الرَّجُلُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] وَهَذَا عُمُومٌ، لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِنَصٍّ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ - ثنا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ -

مسألة الوصية بأن يصلي على الموصي غير الولي وغير الزوج

ثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: فَانْزِلْ؟ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ثنا رَوْحُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ ابْنَتُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَا يَدْخُلْ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمُقَارَفَةُ الْوَطْءُ، لَا مُقَارَفَةُ الذَّنْبِ. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَزَكَّى أَبُو طَلْحَةَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ لَمْ يُقَارِفْ ذَنْبًا. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِمَا؟ [مَسْأَلَةٌ الْوَصِيَّة بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمُوصِي غَيْرُ الْوَلِيِّ وَغَيْرُ الزَّوْجِ] 586 - بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ: الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاسْتَدْرَكْنَا الْوَصِيَّةَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمُوصِي غَيْرُ الْوَلِيِّ وَغَيْرُ الزَّوْجِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى - وَقَدْ ذَكَرَ وَصِيَّةَ الْمُحْتَضَرِ - قَالَ {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ أَمِيرٍ وَلَا وَلِيٍّ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا وَلَا مِنْ قَوْمِهَا، وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: أَنَّ أَبَا مَيْسَرَةَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ شُرَيْحٌ وَلَيْسَ مِنْ قَوْمِهِ.

مسألة تقبيل الميت

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ: أَنَّ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ. [مَسْأَلَةٌ تَقْبِيلُ الْمَيِّتِ] 587 - مَسْأَلَةٌ: وَتَقْبِيلُ الْمَيِّتِ جَائِزٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ أَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، - أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ - تَعْنِي إذْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَتْ: فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [مَسْأَلَةٌ يُسَجَّى الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ وَيُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ مَا يَمْنَعُ انْتِفَاخَهُ] 588 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسَجَّى الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ وَيُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ مَا يَمْنَعُ انْتِفَاخَهُ -: أَمَّا التَّسْجِيَةُ - فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ مَا فُعِلَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَقٌّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] وَهَذَا عُمُومٌ، لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِنَصٍّ؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا: يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَكُلُّ مَا فِيهِ رِفْقٌ بِالْمُسْلِمِ وَدَفْعٌ لِلْمَثُلَةِ عَنْهُ، فَهُوَ بِرٌّ وَتَقْوَى؟ [مَسْأَلَةٌ الصِّيَاح وَضَرْب الْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَنَتْف الشَّعْرِ وَحَلْقُهُ لِلْمَيِّتِ] 589 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّبْرُ وَاجِبٌ، وَالْبُكَاءُ مُبَاحٌ، مَا لَمْ يَكُنْ نَوْحٌ، فَإِنَّ النَّوْحَ حَرَامٌ، وَالصِّيَاحَ، وَخَمْشَ الْوُجُوهِ وَضَرْبَهَا، وَضَرْبَ الصَّدْرِ، وَنَتْفَ الشَّعْرِ وَحَلْقَهُ لِلْمَيِّتِ -: كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي هُوَ تَسَخُّطٌ لِأَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَقُّ الثِّيَابِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا شُعْبَةُ ثنا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ،

فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي؟» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنِي قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ - عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إنَّهَا رَحْمَةٌ، الْعَيْنُ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ؟» . فَهَذَا إبَاحَةُ الْحُزْنِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ، وَ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَفِيهِ إبَاحَةُ الْبُكَاءِ، وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ بِمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ نا أَبَانُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - نا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَامٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ، النَّائِحَةُ إذَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: أرنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَنَا أَبُو عُمَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا صَخْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَا (جَمِيعًا) : أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ، فَأَفَاقَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي - وَكَانَ يُحَدِّثُهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ» وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نَا أَصْبَغُ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَعَادَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَاشِيَتِهِ فَبَكَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَوْا، فَقَالَ: أَلَا

مسألة مات المحرم بعد الإحرام وقبل طلوع شمس يوم النحر

تَسْمَعُونَ؟ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا الْخَبَرُ بِتَمَامِهِ يُبَيِّنُ مَعْنَى مَا وَهَلَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . وَلَاحَ بِهَذَا أَنَّ هَذَا الْبُكَاءَ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ الْمَيِّتُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي لَا يُعَذَّبُ بِهِ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ، وَحُزْنِ الْقَلْبِ. فَصَحَّ أَنَّهُ الْبُكَاءُ بِاللِّسَانِ، إذْ يُعَذِّبُونَهُ بِرِيَاسَتِهِ الَّتِي جَارَ فِيهَا فَعُذِّبَ عَلَيْهَا، وَشَجَاعَتِهِ الَّتِي يُعَذَّبُ عَلَيْهَا، إذْ صَرَفَهَا فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِجُودِهِ الَّذِي أَخَذَ مَا جَادَ بِهِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ فَأَهْلُهُ يَبْكُونَهُ بِهَذِهِ الْمَفَاخِرِ، وَهُوَ يُعَذَّبُ بِهَا بِعَيْنِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِمَنْ يَتَكَلَّفُ فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى؟ [مَسْأَلَةٌ مَاتَ الْمُحْرِمُ بَعْد الْإِحْرَام وَقَبْل طُلُوع شَمْس يَوْمِ النَّحْرِ] 590 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ كَانَ حَاجًّا، أَوْ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا -: فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنْ يُغَسَّلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ فَقَطْ - إنْ وُجِدَ السِّدْرُ -. وَلَا يُمَسُّ بِكَافُورٍ وَلَا بِطَيِّبٍ، وَلَا يُغَطَّى وَجْهُهُ، وَلَا رَأْسُهُ؟ وَلَا يُكَفَّنُ إلَّا فِي ثِيَابِ إحْرَامِهِ فَقَطْ، أَوْ فِي ثَوْبَيْنِ غَيْرَ ثِيَابِ إحْرَامِهِ. وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَكَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ رَأْسَهَا تُغَطَّى وَيُكْشَفُ وَجْهُهَا، وَلَوْ أُسْدِلَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا فَلَا بَأْسَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَنَّعَ؟ فَمَنْ مَاتَ مِنْ مُحْرِمٍ، أَوْ مُحْرِمَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَسَائِرِ الْمَوْتَى، رَمَى الْجِمَارَ أَوْ لَمْ يَرْمِهَا؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: هُمَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى فِي كُلِّ ذَلِكَ -:

بُرْهَانُ قَوْلِنَا -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ سَمِعْت أَبَا بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْنِ، خَارِجَ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي» وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الْحَفْرِيُّ - عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَاتَ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثِيَابِهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ، إذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ» . فَهَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ، لِأَنَّهُ كَالشَّمْسِ صِحَّةً، رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمَنْصُورٌ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَرَوَاهُ قَبْلَهُمْ أَبُو بِشْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَالْحَكَمُ، وَأَيُّوبُ، وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ شَهِدَ الْقِصَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، آخِرَ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْخَبَرِ كُلُّهَا، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ فِي مُحْرِمٍ سُئِلَ عَنْهُ، وَالْمُحْرِمُ يَعُمُّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَالْبَعْثُ وَالتَّلْبِيَةُ يَجْمَعُهُمَا، وَبِهِمَا جَاءَ الْأَثَرُ، وَالسَّبَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِلْمُحْرِمِ الْحَقَّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ، وَتَمْنَعُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْمُرْ الْمُحْرِمَ الْحَيَّ بِكَشْفِ وَجْهِهِ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ، فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ لَا يُفَرِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ؟ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ وَجَدُوا ذَلِكَ أَمْ فِي أَيِّ دَلِيلِ عَقْلٍ؟ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ قَائِلِينَ بِهَذَا نَفْسِهِ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا: خُصُوصٌ لِذَلِكَ الْمُحْرِمِ. فَقُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ مِنْكُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ إذْ

سُئِلَ عَنْهُ، كَمَا أَفْتَى فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَكَمَا أَفْتَى أُمَّ سَلَمَةَ فِي أَنْ لَا تَحِلَّ ضَفْرَ رَأْسِهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَسَائِرِ مَا اُسْتُفْتِيَ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَأَفْتَى فِيهِ فَكَانَ عُمُومًا؟ . وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ أَتَوْا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّدًا» وَيُلَبِّي " " وَيُهِلُّ " فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ، وَأَوْقَفُوهُ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، وَأَتَوْا إلَى مَا خَصَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ -: فَتَعَدَّوْا بِحُكْمِهَا إلَى مَا لَمْ يَحْكُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ بِهَذَا الْحُكْمِ فِيهِ فَإِنَّمَا أَوْلَعُوا بِمُخَالَفَةِ الْأَوَامِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ: تَحْنِيطُ الْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ، وَتَطْيِيبُهُ، وَتَخْمِيرُ رَأْسِهِ؟ قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَغَيْرِهِ خِلَافُ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ مُعْتَمِرًا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَمَاتَ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمْ يُغَيِّبْ عُثْمَانُ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُمْسِسْهُ طِيبًا، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا أَبِي قَالَ: تُوُفِّيَ عُبَيْدُ بْنُ يَزِيدَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يُغَيِّبْ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ رَأْسَهُ فِي النَّعْشِ -: وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ، يُغْسَلُ رَأْسُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ، وَلَا يَمَسُّ طِيبًا؟ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ وَالْعَجَبُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَهُمْ يَدَّعُونَ الْإِجْمَاعَ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا كَدَعْوَاهُمْ فِي الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ: ثَمَانِينَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ عُثْمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ خَالَفَ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَالْحَسَنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: فِي حَدِّ الْخَمْرِ بَعْدَ عُمَرَ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا؟ وَإِذَا تَنَازَعَ السَّلَفُ فَالْفَرْضُ عَلَيْنَا رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَا إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَهُمَا؟

وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمِّرُوا وُجُوهَهُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» . وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ؟ وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ - لَوْ صَحَّ - عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُحْرِمِ أَصْلًا، بَلْ كَانَ يَكُونُ فِي سَائِرِ الْمَوْتَى؟ وَثَالِثُهَا - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ، وَالْيَهُودُ لَا تَكْشِفُ وُجُوهَ مَوْتَاهَا. فَصَحَّ أَنَّهُ بَاطِلٌ، سَمِعَهُ عَطَاءٌ مِمَّنْ لَا خَيْرَ فِيهِ أَوْ مِمَّنْ وَهَمَ وَالرَّابِعُ -: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مُسْنَدًا فِي الْمُحْرِمِينَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْآخَرُ بِلَا شَكٍّ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَمْرٍ أَمَرَ بِهِ أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَنْهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، ثُمَّ يَأْمُرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، لَا تَشَبُّهًا بِهِمْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِ الْيَهُودِيَّةِ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، ثُمَّ أَتَاهُ الْوَحْيُ بِصِحَّةِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ «إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَمَلُ غَيْرِهِ فِيهِ، بَلْ غَيْرُهُ مَأْمُورٌ فِيهِ بِأَعْمَالٍ مُفْتَرَضَةٍ، مِنْ غُسْلٍ، وَصَلَاةٍ، وَدَفْنٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْعَمَلُ لَيْسَ هُوَ عَمَلُ الْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ، إنَّمَا هُوَ عَمَلُ الْأَحْيَاءِ - فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَتَمْوِيهُهُمْ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

مسألة القيام للجنازة إذا رآها المرء

{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَهَذِهِ إحَالَةٌ مِنْهُمْ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ: إنَّ هَذَا مِنْ سَعْيِ الْمَيِّتِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ سَعْيِ الْأَحْيَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَيِّتِ كَمَا أُمِرْنَا بِأَنْ لَا نُغَسِّلَ الشَّهِيدَ وَلَا نُكَفِّنَهُ، وَأَنْ نَدْفِنَهُ فِي ثِيَابِهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَمَلُ الشَّهِيدِ وَلَا سَعْيُهُ، لَكِنَّهُ عَمَلُنَا فِيهِ وَسَعْيُنَا لِأَنْفُسِنَا الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ فِيهِ وَلَا فَرْقَ؟ وَالْقَوْلُ مُتَحَكِّمُونَ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ وَلَا مَزِيدَ إلَّا إنْ كَانُوا يَحُومُونَ حَوْلَ أَنْ يَعْتَرِضُوا بِهَذَا كُلِّهِ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّدًا» يُلَبِّي " " وَيُهِلُّ " فَهَذَا رِدَّةٌ؟ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الْمُحْرِمَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي وَيُهِلُّ وَمُلَبِّدًا» وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ مَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَثْعَبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» . وَكُلُّ هَذِهِ فَضَائِلُ لَا تُنْسَخُ وَلَا تُرَدُّ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَالُوا: الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمَيِّتُ مُحْرِمًا: كِلَاهُمَا مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُكْمُ أَحَدِهِمَا خِلَافُ حُكْمِ الْمَوْتَى، فَكَذَلِكَ الْآخَرُ؟ وَلَكِنَّهُمْ لَا النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الشَّبَهَ بَيْنَ الْجِهَادِ، وَالْحَجِّ أَقْرَبُ مِنْ الشَّبَهِ بَيْنَ السَّرِقَةِ، وَالنِّكَاحِ [مَسْأَلَةٌ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ إذَا رَآهَا الْمَرْءُ] ؟ 591 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ الْقِيَامَ لِلْجِنَازَةِ إذَا رَآهَا الْمَرْءُ - وَإِنْ كَانَتْ جِنَازَةَ كَافِرٍ - حَتَّى تُوضَعَ أَوْ تَخْلُفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ فَلَا حَرَجَ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ نَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْجِنَازَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى يَخْلُفَهَا أَوْ تَخْلُفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْلُفَهُ» .

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسْلِمٌ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ - نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - نا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُعَاذُ بْنُ فُضَالَةَ نا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ مَرَّ بِنَا جِنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُمْنَا بِهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ؟ قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا» وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو سَعِيدٍ - وَيَرَاهُ وَاجِبًا - وَابْنُ عُمَرَ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَعَدَ يَعْنِي لِلْجِنَازَةِ» فَكَانَ قُعُودُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ مُبَيِّنًا أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ سُنَّةٍ مُتَيَقَّنَةٍ إلَّا بِيَقِينِ نَسْخٍ، وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّهْيِ، أَوْ بِتَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ؟

مسألة الإسراع بالجنازة

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: قُمْت إلَى جَنْبِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ لِي: حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِيَامِ. ثُمَّ أَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ» فَهَلَّا قَطَعْتُمْ بِالنَّسْخِ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قُلْنَا: كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ، لَوْلَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَعْوَرُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَا جَمِيعًا: «مَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِدَ جِنَازَةً قَطُّ فَجَلَسَ حَتَّى تُوضَعَ» . فَهَذَا عَمَلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُدَاوِمُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ مَا فَارَقَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى مَاتَ، فَصَحَّ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْجُلُوسِ إبَاحَةٌ وَتَخْفِيفٌ، وَأَمْرَهُ بِالْقِيَامِ وَقِيَامَهُ نَدْبٌ وَمِمَّنْ كَانَ يَجْلِسُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. [مَسْأَلَةٌ الْإِسْرَاعُ بِالْجِنَازَةِ] 592 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ الْإِسْرَاعُ بِالْجِنَازَةِ، وَنَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَزُولَ عَنْهَا مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَإِنْ انْصَرَفَ قَبْلَ الدَّفْنِ فَلَا حَرَجَ، وَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِ إذْنِ وَلِيِّ الْجِنَازَةِ؟ أَمَّا وُجُوبُ الْإِسْرَاعِ، فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الطَّاهِرِ نا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ شَرًّا تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» . وَهُوَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ وَهُشَيْمٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ

مسألة موقف الإمام في صلاة الجنازة

رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّا لَنَكَادُ نَرْمُلُ بِالْجِنَازَةِ رَمَلًا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ - الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا صَحِيحًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْإِسْرَاعُ بِهَا أَمْرٌ، وَهَذَا الْآخَرُ نَدْبٌ، وَفِي إبَاحَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ لَا يَشْهَدَ دَفْنَهَا وَجُعِلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ قِيرَاطُ أَجْرٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ -: بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِذْنِ صَاحِبِ الْجِنَازَةِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا صَلَّيْت عَلَى الْجِنَازَةِ فَقَدْ قَضَيْت الَّذِي عَلَيْك، فَخَلِّهَا وَأَهْلَهَا، وَكَانَ يَنْصَرِفُ وَلَا يَسْتَأْذِنُهُمْ؟ وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ كَانَ يَنْصَرِفُ وَلَا يَنْتَظِرُ إذْنَهُمْ، يَعْنِي فِي الْجِنَازَةِ وَبِهِ يَأْخُذُ مَعْمَرٌ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ. وَصَحَّ عَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ [مَسْأَلَةٌ مَوْقِفُ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ] 593 - مَسْأَلَةٌ: وَيَقِفُ الْإِمَامُ - إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ - قُبَالَةَ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ قُبَالَةَ وَسَطِهَا -: قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ قُبَالَةَ وَسَطِهِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبِهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا: يَقِفُ قُبَالَةَ الصَّدْرِ مِنْ كِلَيْهِمَا؟ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: نا دَاوُد بْنُ مُعَاذٍ نا عَبْدُ الْوَارِثِ

مسألة سب الأموات

عَنْ أَبِي غَالِبٍ نَافِعٍ قَالَ «شَهِدْت جِنَازَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا خَلْفَهُ، فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ قَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَةَ، الْمَرْأَةُ الْأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ، فَقَامَ عَلَيْهَا عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلَاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلَاتِكَ، يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا، وَفِي آخِرِهِ: فَأَقْبَلَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: احْفَظُوا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مَكَانٌ خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ أُصُولَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَهَذَا صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَقَدْ خَالَفُوهُ؟ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ؟ وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ: يَقِفُ فِي كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْوَسَطِ -: حُجَّةً، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى وُقُوفِ الْإِمَامِ مُقَابِلَ وَسَطِ الصَّفِّ خَلْفَهُ، وَهَذَا أَسْخَفُ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مَأْمُومًا لِلْإِمَامِ فَيَقِفُ وَسَطَهُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: يَقِفُ عِنْدَ الصَّدْرِ أَنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ اتِّخَاذِ النُّعُوشِ، فَيَسْتُرُ الْمَرْأَةَ مِنْ النَّاسِ وَهَذَا بَاطِلٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. ثُمَّ مَعَ كَذِبِهِ بَارِدٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ وَإِنْ سَتَرَ عَجِيزَتَهَا عَنْ النَّاسِ لَمْ يَسْتُرْهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ وَالنَّاسُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ؟ [مَسْأَلَةٌ سَبُّ الْأَمْوَاتِ] 594 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ سَبُّ الْأَمْوَاتِ عَلَى الْقَصْدِ بِالْأَذَى، وَأَمَّا تَحْذِيرٌ مِنْ كُفْرٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ مِنْ عَمَلٍ فَاسِدٍ: فَمُبَاحٌ، وَلَعْنُ الْكُفَّارِ: مُبَاحٌ؟

مسألة تلقين الميت شهادة الإسلام

لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا آدَم نا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا» . وَقَدْ سَبَّ اللَّهُ تَعَالَى: أَبَا لَهَبٍ، وَفِرْعَوْنَ، تَحْذِيرًا مِنْ كُفْرِهِمَا وَقَالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 78] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي غَلَّهَا مِدْعَمٌ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ [مَسْأَلَةٌ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ شَهَادَةَ الْإِسْلَامِ] 595 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الَّذِي يَمُوتُ فِي ذِهْنِهِ وَلِسَانُهُ مُنْطَلِقٌ - أَوْ غَيْرُ مُنْطَلِقٍ - شَهَادَةَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ". لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَمْرٌو النَّاقِدُ نا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَقِّنُونِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَسْرِعُوا بِي إلَى حُفْرَتِي وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ فِي ذِهْنِهِ فَلَا يُمْكِنُ تَلْقِينُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَلَقَّنُ؟ وَأَمَّا مَنْ مُنِعَ الْكَلَامَ فَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرَ ذَلِكَ الْمَقَامِ [مَسْأَلَةٌ تَغْمِيضُ عَيْنَيْ الْمَيِّتِ] 596 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَغْمِيضُ عَيْنَيْ الْمَيِّتِ إذَا قَضَى؟ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ» .

مسألة يقول المصاب إنا لله وإنا إليه راجعون

وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ أَمَرَ بِتَغْمِيضِ أَعْيُنِ الْمَوْتَى [مَسْأَلَةٌ يَقُول الْمُصَابُ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ] 597 - مَسْأَلَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمُصَابُ " إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ آجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ". لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ آجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» . [مَسْأَلَةٌ الصَّلَاة عَلَى الْمَوْلُودِ يُولَدُ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتُ] 598 - مَسْأَلَةٌ وَنَسْتَحِبُّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَوْلُودِ يُولَدُ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتُ - اسْتَهَلَّ أَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ - وَلَيْسَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَرْضًا مَا لَمْ يَبْلُغْ؟ أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا فِعْلُ خَيْرٍ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ أَمَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ إنَّمَا فِيهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْهَا، وَقَدْ جَاءَ أَثَرَانِ مُرْسَلَانِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى عَلَيْهِ، وَالْمُرْسَلُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا، وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» . وَبِهَذَا يَأْخُذُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: أَحَقُّ مَنْ صَلَّيْنَا عَلَيْهِ أَطْفَالُنَا -: وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَنْفُوسٍ إنْ عَمِلَ خَطِيئَةً قَطُّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ - إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ فَصَاحَ: صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ: نا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَدْرَكْت بَقَايَا الْأَنْصَارِ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا مَاتَ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ يَحْيَى: نا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَأَيُّوبُ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ: صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سِقْطٍ لَهُ لَا أَدْرِي اسْتَهَلَّ أَمْ لَا؟ هَذَا لَفْظُ أَيُّوبَ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: " مَوْلُودٍ " مَكَانَ " سِقْطٍ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِأَبَوَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا تَمَّ خَلْقُهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ -: وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ «عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو عَلَى الصَّغِيرِ كَمَا يَدْعُو عَلَى الْكَبِيرِ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ؟ فَقَالَ: وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ غُفِرَ لَهُ

مسألة اتباع النساء الجنازة

مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَا جَمِيعًا: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ: صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي السِّقْطِ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ؟ قَالَ قَتَادَةُ: وَيُسَمَّى، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ أَوْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاسْمِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى، وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ - ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» . وَقَالَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ: يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا اسْتَهَلَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا مَعْنَى لِلِاسْتِهْلَالِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَقَالَ حَمَّادٌ: إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ مِنْ السَّبْيِ لَيْسَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ صُلِّيَ عَلَيْهِ؟ وَرُوِيَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: أَنَّهُ مَاتَ لَهُ ابْنٌ قَدْ لَعِبَ مَعَ الصِّبْيَانِ وَاشْتَدَّ وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ، اسْمُهُ عُمَرُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَا يُصَلَّى عَلَى الصَّبِيِّ؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ [مَسْأَلَةٌ اتِّبَاع النِّسَاءِ الْجِنَازَةَ] 599 - مَسْأَلَةٌ وَلَا نَكْرَهُ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ الْجِنَازَةَ، وَلَا نَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ؟ جَاءَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ آثَارٌ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ، لِأَنَّهَا: إمَّا مُرْسَلَةً، وَإِمَّا عَنْ مَجْهُولٍ، وَإِمَّا عَمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَشْبَهَ مَا فِيهِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ «نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» .

مسألة زيارة القبور

وَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ؛ لِأَنَّنَا لَا نَدْرِي مَنْ هَذَا النَّاهِي؟ وَلَعَلَّهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ كَانَ يَكُونُ كَرَاهَةً فَقَطْ. بَلْ قَدْ صَحَّ خِلَافُهُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى عُمَرُ امْرَأَةً، فَصَاحَ بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ، وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ، وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ» . وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ؟ [مَسْأَلَةٌ زِيَارَة الْقُبُورِ] 600 - مَسْأَلَةٌ وَنَسْتَحِبُّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ، وَهُوَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَزُورَ الْمُسْلِمُ قَبْرَ حَمِيمِهِ الْمُشْرِكِ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ سَوَاءٌ؟ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ هُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ»

مسألة ما يقوله من حضر على القبور

وَقَدْ صَحَّ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِمَا: زِيَارَةُ الْقُبُورِ؟ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ النَّهْيُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَصِحَّ [مَسْأَلَةٌ مَا يَقُولهُ مِنْ حَضَرَ عَلَى الْقُبُورِ] 601 - مَسْأَلَةٌ وَنَسْتَحِبُّ لِمَنْ حَضَرَ عَلَى الْقُبُورِ أَنْ يَقُولَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» . [مَسْأَلَةٌ يُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةٌ فَصَاعِدًا] 602 - مَسْأَلَةٌ وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ مِائَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَصَاعِدًا؟ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى نا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيعِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ: إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» . قَالَ: فَحَدَّثْت بِهِ شُعَيْبَ بْنَ الْحَبْحَابِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة إدخال الموتى في المساجد والصلاة عليهم

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ «يُصَلِّي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ» رَوَاهُ شُرَيْكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الشَّفِيعُ يَكُونُ بَعْدَ الْعِقَابِ، إلَّا أَنَّهُ مُخَفِّفٌ مَا قَدْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلَا الشَّفَاعَةُ لَمْ يُخَفِّفْ، وَشَفَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ الشَّفَاعَاتِ تَكُونُ قَبْلَ دُخُولِ النَّارِ وَبَعْدَ دُخُولِ النَّارِ كَمَا جَاءَتْ - الْآثَارُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ [مَسْأَلَةٌ إدْخَالُ الْمَوْتَى فِي الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ] 603 - مَسْأَلَةٌ وَإِدْخَالُ الْمَوْتَى فِي الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ حَسَنٌ كُلُّهُ، وَأَفْضَلُ مَكَان صُلِّيَ فِيهِ عَلَى الْمَوْتَى فِي دَاخِلَ الْمَسَاجِدِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ؟ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نا بَهْزُ هُوَ ابْنُ أَسَدٍ - نا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - نَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ حَمْزَةَ - عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ «لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا، فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا كَانَتْ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ؟ عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِالْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إلَّا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ» ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ - سُهَيْلٍ، وَأَخِيهِ - فِي الْمَسْجِدِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ

عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ رَأَى النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِيُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ مَا صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ، لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا أَصْلًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا خِيَارُ الْأُمَّةِ، فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ، فَأَيْنَ الْمُشَنِّعُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -؟ : وَاحْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» . قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَضَايَقَ بِهِمْ الْمَكَانُ رَجَعُوا وَلَمْ يُصَلُّوا؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَأَعْرِفَنَّ مَا صَلَّيْت عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَيِّتُ جِيفَةٌ، وَيَنْبَغِي تَجْنِيبُ الْجِيَفِ الْمَسَاجِدَ؟ مَا نَعْلَمُ لَهُ شَيْئًا مَوَّهُوا بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ كُلُّهُ لَا شَيْءَ أَمَّا الْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَهُوَ سَاقِطٌ؟ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَقْلِيدُ الْمَالِكِيِّينَ مَالِكًا دِينَهُمْ، فَإِذَا جَاءَتْ شَهَادَتُهُ الَّتِي لَا يَحِلُّ رَدُّهَا - لِثِقَتِهِ - اطَّرَحُوهَا وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهَا فَوَاخِلَافَاهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: نا

مسألة يبسط في القبر تحت الميت ثوب

أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ - نا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: سَأَلْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. فَكَذَّبُوا مَالِكًا فِي تَجْرِيحِهِ صَالِحًا وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ صَالِحٍ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ؟ وَأَمَّا الْمُنْكِرُونَ إدْخَالَ سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ إلَّا تَجْهِيلُهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، فَصَحَّ أَنَّهُمْ عَامَّةٌ جُهَّالٌ أَوْ أَعْرَابٌ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ وَلَا يَصِحُّ لِكَثِيرِ بْنِ عَبَّاسٍ صُحْبَةٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمَيِّتُ جِيفَةٌ، فَقَوْلُهُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، بَلْ لَعَلَّهُ إنْ تَمَادَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ خَرَجَ إلَى الْكُفْرِ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» فَبَطَلَ قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ. وَصَحَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ: طَاهِرٌ طَيِّبٌ حَيًّا وَمَيِّتًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ يُبْسَط فِي الْقَبْرِ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ] 604 - مَسْأَلَةٌ - وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبْسَطَ فِي الْقَبْرِ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ؟ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا شُعْبَةُ نا أَبُو جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بُسِطَ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَكِيعٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِإِسْنَادِهِ؟ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يُكْسَاهُ الْمَيِّتُ فِي كَفَنِهِ، وَقَدْ تَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْعَمَلَ فِي دَفْنِ رَسُولِهِ الْمَعْصُومِ مِنْ النَّاسِ. وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ، وَفَعَلَهُ خِيَرَةُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ، لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.

مسألة تشييع الجنازة

وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْمَالِكِيُّونَ، وَهُمْ يَدَعُونَ فِي أَقَلِّ مِنْ هَذَا عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَرَكُوا عَمَلَهُمْ هُنَا، وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي حَدِيثِ صَخْرٍ: أَنَّهُ عَمَلُهُمْ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [مَسْأَلَةٌ تَشْيِيع الْجِنَازَةِ] 605 - مَسْأَلَةٌ وَحُكْمُ تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ الرُّكْبَانُ خَلْفَهَا، وَأَنْ يَكُونَ الْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ، عَنْ يَمِينِهَا أَوْ شِمَالِهَا أَوْ أَمَامِهَا أَوْ خَلْفِهَا، وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَيْنَا خَلْفُهَا؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا آنِفًا فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا» . وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا شُعْبَةُ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَفْظُ الِاتِّبَاعِ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى التَّالِي، وَلَا يُسَمَّى الْمُتَقَدِّمُ تَابِعًا، بَلْ هُوَ مَتْبُوعٌ، فَلَوْلَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا، وَالْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا أَبِي نا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - نا سُفْيَانُ وَمَنْصُورٌ وَزِيَادٌ كُلُّهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ يَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ» : لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا فَرْضًا لَا يُجْزِي غَيْرُهُ، لِلْأَمْرِ الْوَارِدِ بِاتِّبَاعِهَا، وَلَكِنْ هَذَانِ الْخَبَرَانِ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا نَدْبٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا بِنَسْخٍ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ كُلِّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ.

وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: أَنَّ خَبَرَ هَمَّامٍ هَذَا خَطَأٌ، وَلَكِنَّا لَا نَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَى الْخَطَأِ فِي رِوَايَةِ الثِّقَةِ إلَّا بِبَيَانٍ لَا يُشَكُّ فِيهِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحُمَيْدِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ؟ وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِيهَا إيجَابُ الْمَشْيِ خَلْفَهَا، لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا أَبَا مَاجِدٍ الْحَنَفِيَّ، وَالْمُطَرِّحَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زُحَرٍ وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ. وَفِي الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَا كِفَايَةٌ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ قَالَ السَّلَفُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ أَوْسٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي جِنَازَةٍ، وَعَلِيٌّ آخِذٌ بِيَدِي، وَنَحْنُ خَلْفَهَا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمَامَهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الَّذِي يَمْشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ، وَإِنَّهُمَا لَيَعْلَمَانِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَعْلَمُ، وَلَكِنَّهُمَا يُسَهِّلَانِ عَلَى النَّاسِ وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ: إنَّمَا أَنْتَ مُشَيِّعٌ، فَامْشِ إنْ شِئْت أَمَامَهَا، وَإِنْ شِئْت خَلْفَهَا، وَإِنْ شِئْت عَنْ يَمِينِهَا وَإِنْ شِئْت عَنْ يَسَارِهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: الْمَشْيُ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ خَيْرٌ أَمْ أَمَامَهَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ مَالِكٌ: الْمَشْيُ أَمَامُ أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ،

مسألة الميت بلع درهما أو دينارا أو لؤلؤة

وَعُمَرَ -: وَعَلِيٌّ، قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَجَعَلُوا ظَنَّ مَالِكٍ أَصْدَقَ مِنْ خَبَرِ عَلِيٍّ [مَسْأَلَةٌ الْمَيِّت بَلَعَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً] 606 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ بَلَعَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً: شُقَّ بَطْنُهُ عَنْهَا، لِصِحَّةِ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ عَيْنِ مَالِهِ، مَا دَامَ عَيْنُ مَالِهِ مُمْكِنًا، لِأَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَلَوْ بَلَعَهُ وَهُوَ حَيٌّ حُبِسَ حَتَّى يَرْمِيَهُ، فَإِنْ رَمَاهُ نَاقِصًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ، فَإِنْ لَمْ يَرْمِهِ: ضَمِنَ مَا بَلَعَ؟ وَلَا يَجُوزُ شَقُّ بَطْنِ الْحَيِّ، لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ - وَلَا يَحِلُّ شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتِ بِلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ نَكْسِرْ لَهُ عَظْمًا، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْ غَيْرِ كَسْرِ الْعَظْمِ فَلَا يَذْكُرُ ذَلِكَ وَيَذْكُرُ كَسْرَ الْعَظْمِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً شَهِدَ عَلَى مَنْ شَقَّ بَطْنَ آخَرَ بِأَنَّهُ كَسَرَ عَظْمَهُ لَكَانَ شَاهِدَ زُورٍ، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الِاحْتِجَاجِ، وَلِهَذَا الْقِيَاسِ، فَلَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ، وَلَا الْأَرْشَ: عَلَى كَاسِرِ عَظْمِ الْمَيِّتِ؟ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي عَظْمِ الْحَيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ حَامِلٌ وَالْوَلَدُ حَيٌّ يَتَحَرَّكُ قَدْ تَجَاوَزَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ] 607 - مَسْأَلَةٌ وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَالْوَلَدُ حَيٌّ يَتَحَرَّكُ قَدْ تَجَاوَزَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يُشَقُّ بَطْنُهَا طُولًا وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]

مسألة تمني الموت

وَمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تُدْخِلُ الْقَابِلَةُ يَدَهَا فَتُخْرِجُهُ، لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ مُحَالٌ لَا يُمْكِنُ، وَلَوْ فُعِلَ ذَلِكَ لَمَاتَ الْجَنِينُ بِيَقِينٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، وَلَوْلَا دَفْعُ الطَّبِيعَةِ الْمَخْلُوقَةِ الْمَقْدُورَةِ لَهُ وَجُرَّ لِيَخْرُجَ لَهَلَكَ بِلَا شَكٍّ. وَالثَّانِي - أَنَّ مَسَّ فَرْجِهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ. [مَسْأَلَةٌ تَمَنَّيْ الْمَوْت] 608 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَخَبَّابٍ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] فَلَيْسَ هَذَا عَلَى اسْتِعْجَالِ الْمَوْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، لَكِنْ عَلَى الدُّعَاءِ بِأَنْ لَا يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَوَفَّاهُ إلَّا مُسْلِمًا، وَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ الَّذِي لَا تَزَيُّدَ فِيهِ [مَسْأَلَةٌ حَمْلُ النَّعْش] 609 - مَسْأَلَةٌ وَيُحْمَلُ النَّعْشُ كَمَا يَشَاءُ الْحَامِلُ، إنْ شَاءَ مِنْ أَحَدِ قَوَائِمِهِ، وَإِنْ شَاءَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ؟ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْمِلُهُ مِنْ قَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ. وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا هُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَحَمَلَ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعِ، ثُمَّ تَنَحَّى؟ ؟

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نَا حُمَيْدٍ عَنْ مِنْدَلٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْت فَابْدَأْ بِالْقَائِمَةِ الَّتِي تَلِي يَدَهُ الْيَمِينَ، ثُمَّ أَطِفْ بِالسَّرِيرِ، وَإِلَّا فَكُنْ قَرِيبًا مِنْهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - يَعْنِي أَبَاهُ -: مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ يَتَطَوَّعُ بَعْدُ إنْ شَاءَ أَوْ لِيَدَعْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَبْدَأُ بِمَيَامِنِ السَّرِيرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْيُمْنَى مِنْ مُقَدَّمِهِ، ثُمَّ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، ثُمَّ الرَّجُلِ الْيُسْرَى، ثُمَّ الْيَدِ الْيُسْرَى؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ ثَوْرٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ جُشَيْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالُوا: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ تَمَامِ أَجْرِ الْجِنَازَةِ أَنْ يُشَيِّعَهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَنْ يَحْمِلَهَا بِأَرْكَانِهَا الْأَرْبَعِ، وَأَنْ يَحْثُوا فِي الْقَبْرِ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ. قَالُوا: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ: إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنْ يَأْتُوا إلَى قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ الْقَطْعِ بِالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ، ثُمَّ لَا يَلْتَفِتُونَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتِ عَنْهُ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إنَّهَا السُّنَّةُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصْدِيقُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا

صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا بِالظَّنِّ فَيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَنْ مِنْدَلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ؟ وَأَمَّا خَبَرَا ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُنْقَطِعَانِ؛ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَا يَذْكُرُ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا، وَعَامِرُ بْنُ جُشَيْبٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ: خِلَافُ هَذَا؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكَ قَالَ: خَرَجْت مَعَ جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَرَأَيْت ابْنَ عُمَرَ جَاءَ فَقَامَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ فِي مُقَدَّمِ السَّرِيرِ، فَوَضَعَ السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ، فَلَمَّا وُضِعَ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ خَلَّى عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْمِهْزَمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ ثَلَاثًا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ. فَإِذْ لَيْسَ فِي حَمْلِهَا نَصٌّ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا اخْتِيَارَ فِي ذَلِكَ. وَكَيْفَمَا

مسألة صلاة الغائب

حَمَلَهَا الْحَامِلُ أَجْزَأَهُ. [مَسْأَلَةٌ صَلَاة الْغَائِبِ] 610 - مَسْأَلَةٌ وَيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ بِإِمَامٍ وَجَمَاعَةٍ. قَدْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّجَاشِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ - وَصَلَّى مَعَهُ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ صُفُوفًا» ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ؟ [مَسْأَلَةٌ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ] 611 - مَسْأَلَةٌ وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، بَرٍّ، أَوْ فَاجِرٍ، مَقْتُولٍ فِي حَدٍّ، أَوْ فِي حِرَابَةٍ، أَوْ فِي بَغْيٍ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ، وَغَيْرُهُ - وَلَوْ أَنَّهُ شَرُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، إذَا مَاتَ مُسْلِمًا لِعُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» وَالْمُسْلِمُ صَاحِبٌ لَنَا. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . فَمَنْ مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا، وَإِنَّ الْفَاسِقَ لَأَحْوَجُ إلَى دُعَاءِ إخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْفَاضِلِ الْمَرْحُومِ؟ وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى " مَاعِزٍ "؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ نَقُلْ إنَّ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَنْ رُجِمَ، إنَّمَا قُلْنَا: لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَوْتَى، وَلَهُ أَنْ يُتْرَكَ كَسَائِرِ الْمَوْتَى، وَلَا فَرْقَ - وَقَدْ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَرْجُمْهُ مِمَّنْ رَجَمَهُ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ «مَاتَ رَجُلٌ بِخَيْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَلُّوا

عَلَى صَاحِبِكُمْ، إنَّهُ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ، فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ، لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ - الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ - لَا يَرَوْنَ امْتِنَاعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَالِّ حُجَّةً فِي الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى " مَاعِزٍ " حُجَّةً فِي الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمَرْجُومِ الْإِمَامُ؟ وَكِلَاهُمَا تَرْكٌ وَتَرْكٌ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى مَنْ رُجِمَ؟ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ نا خَالِدُ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - نا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي زَنَيْتُ - وَهِيَ حُبْلَى - فَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّهَا، وَقَالَ لَهُ: أَحْسِنْ إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ رَجَمَهَا، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟ قَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدَتْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا» . فَقَدْ صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَنْ رُجِمَ فَإِنْ قِيلَ: تَابَتْ؟ قُلْنَا: وَ " مَاعِزٌ " تَابَ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ مَنْعِهِمْ الْإِمَامَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ أَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَلَا يَمْنَعُونَ الْمُتَوَلِّينَ لِلرَّجْمِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ: فَأَيْنَ الْقِيَاسُ لَوْ دَرَوْا مَا الْقِيَاسُ؟

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ إذْ رَجَمَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ قَالَ لِأَوْلِيَائِهَا: اصْنَعُوا بِهَا كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ؟ وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى وَلَدِ الزِّنَى، وَعَلَى أُمِّهِ، وَعَلَى الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَعَلَى الَّذِي يُقَادُ مِنْهُ، وَعَلَى الْمَرْجُومِ، وَاَلَّذِي يَفِرُّ مِنْ الزَّحْفِ فَيُقْتَلُ. قَالَ عَطَاءٌ: لَا أَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113] قَالَ عَطَاءٌ: فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ؟ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَسَأَلْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ فَقَالَ: مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَحْجُبُونَ الصَّلَاةَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَاَلَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَأَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْمَرْجُومِ. فَلَمْ يَخُصَّ إمَامًا مِنْ غَيْرِهِ؟ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ جِدًّا فَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنَاتِ - مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اجْتَنَبَ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَتَأَثَّمُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُصَلَّى عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَصَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ، إنَّمَا هِيَ شَفَاعَةٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ أَبِي غَالِبٍ قُلْت لِأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: الرَّجُلُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، أَيُصَلَّى عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَعَلَّهُ اضْطَجَعَ مَرَّةً عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَغُفِرَ لَهُ؟ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ: أَيُصَلَّى عَلَيْهِ؟

مسألة عيادة مرضى المسلمين

فَقَالَ: لَوْ كَانَ يَعْقِلُ مَا قَتَلَ نَفْسَهُ وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ: مَا مَاتَ فِيكُمْ مُذْ كَذَا وَكَذَا أَحْوَجُ إلَى اسْتِغْفَارِكُمْ مِنْهُ؟ وَقَدْ رُوِّينَا فِي هَذَا خِلَافًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى عَلَى وَلَدِ زِنًى، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ خَيْرُ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى وَلَدِ زِنًى، صَغِيرٍ وَلَا كَبِيرٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَرْجُومِ، وَيُصَلَّى عَلَى الَّذِي يُقَادُ مِنْهُ، إلَّا مَنْ أُقِيدَ مِنْهُ فِي رَجْمٍ - فَلَمْ يَخُصَّ الزُّهْرِيُّ إمَامًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي فَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَلَفًا مِنْ صَاحِبٍ، أَوْ تَابِعٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ؟ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَقَدْ رَجَّانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَفْوِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى نَقُولَ قَدْ فُزْنَا. وَلَقَدْ خَوَّفَنَا عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ هَلَكْنَا، إلَّا أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنْ لَا خُلُودَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي النَّارِ - وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ خَيْرًا قَطُّ غَيْرَ شَهَادَةِ الْإِسْلَامِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، وَلَا امْتَنَعَ مِنْ شَرٍّ قَطُّ غَيْرَ الْكُفْرِ، وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَسَبَقَ الْمُجْتَهِدِينَ، أَوْ لَعَلَّ لَهُ حَسَنَاتٍ لَا نَعْلَمُهَا تَغْمُرُ سَيِّئَاتِهِ فَمَنْ صَلَّى عَلَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، أَوْ عَلَى ظَالِمٍ لِلْمُسْلِمِينَ مُتَبَلِّغٍ فِيهِمْ، أَوْ عَلَى مَنْ لَهُ قِبَلَهُ مَظَالِمُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَغْفِرَهَا لَهُ -: فَلْيَدْعُ لَهُ كَمَا يَدْعُو لِغَيْرِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ بَعْدَ الْقِصَاصِ، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ خُذْ لِي بِحَقِّي مِنْهُ [مَسْأَلَةٌ عِيَادَةُ مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ] 612 - مَسْأَلَةٌ وَعِيَادَةُ مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ - وَلَوْ مَرَّةً - عَلَى الْجَارِ الَّذِي لَا

مسألة الطاعون إذا وقع في بلد

يَشُقُّ عَلَيْهِ عِيَادَتُهُ، وَلَا نَخُصُّ مَرَضًا مِنْ مَرَضٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا مُحَمَّدُ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ - نا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي، سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي» وَقَدْ «عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْيَهُودِ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ؟ فَأَسْلَمَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» . فَعِيَادَةُ الْكَافِرِ فِعْلٌ حَسَنٌ؟ [مَسْأَلَةٌ الطَّاعُونِ إذَا وَقَعَ فِي بَلَدٍ] 613 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَهْرُبَ أَحَدٌ عَنْ الطَّاعُونِ إذَا وَقَعَ فِي بَلَدٍ هُوَ فِيهِ؟ وَمُبَاحٌ لَهُ الْخُرُوجُ لِسَفَرِهِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّاعُونُ وَلَا يَحِلُّ الدُّخُولُ إلَى بِلَادٍ فِيهِ الطَّاعُونُ لِمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُ حَتَّى يَزُولَ؟ وَالطَّاعُونُ هُوَ الْمَوْتُ الَّذِي كَثُرَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَثْرَةً خَارِجَةً عَنْ الْمَعْهُودِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا

مسألة تأخير الدفن

تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي أَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَنْهَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِنِيَّةِ الْفِرَارِ مِنْهُ فَقَطْ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إبَاحَةَ الْفِرَارِ عَنْهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ تَأْخِير الدَّفْنِ] 614 - مَسْأَلَةٌ وَنَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَ الدَّفْنِ وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، مَا لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغْيِيرُ، لَا سِيَّمَا مَنْ تَوَقَّعَ أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ضَحْوَةً، وَدُفِنَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ الْخَيَّاطِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: يُنْتَظَرُ بِالْمَصْعُوقِ ثَلَاثًا؟ . [مَسْأَلَةٌ جَعَلُ الْمَيِّت فِي قَبْرِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْيَمِينِ] 615 - مَسْأَلَةٌ وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْيَمِينِ، وَوَجْهُهُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ، وَرَأْسُهُ وَرِجْلَاهُ إلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ، وَيَسَارِهَا، عَلَى هَذَا جَرَى عَمَلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهَكَذَا كُلُّ مَقْبَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ؟

مسألة توجيه الميت إلى القبلة

[مَسْأَلَةٌ تَوْجِيهُ الْمَيِّتِ إلَى الْقِبْلَةِ] مَسْأَلَةٌ وَتَوْجِيهُ الْمَيِّتِ إلَى الْقِبْلَةِ حَسَنٌ، فَإِنْ لَمْ يُوَجَّهْ فَلَا حَرَجَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْت الشَّعْبِيَّ، عَنْ الْمَيِّتِ يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ: إنْ شِئْت فَوَجِّهْهُ، وَإِنْ شِئْت فَلَا تُوَجِّهْهُ، وَلَكِنْ اجْعَلْ الْقَبْرَ إلَى الْقِبْلَةِ، قَبْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَبْرُ عُمَرَ إلَى الْقِبْلَةِ؟ -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ - فَقَالَ: وَجِّهُوهُ إلَى الْقِبْلَةِ، فَغَضِبَ سَعِيدٌ وَقَالَ: أَلَسْت إلَى الْقِبْلَةِ؟ [مَسْأَلَةٌ تَغْسِيلُ الْمَرْأَة زَوْجَهَا] 617 - مَسْأَلَةٌ وَجَائِزٌ أَنْ تُغَسِّلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَأُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا، وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ، مَا لَمْ تُنْكَحَا، فَإِنْ نُكِحَتَا لَمْ يَحِلَّ لَهُمَا غُسْلُهُ إلَّا كَالْأَجْنَبِيَّاتِ وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ، وَأُمَّ وَلَدِهِ، وَأَمَتَهُ، مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ حَرِيمَتَهَا، أَوْ يَسْتَحِلَّ حَرِيمَتَهَا بِالْمِلْكِ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ غَسْلُهَا؟ وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ أَنْ تُغَسِّلَ سَيِّدَهَا أَصْلًا، لِأَنَّ مِلْكَهَا بِمَوْتِهِ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] : فَسَمَّاهَا زَوْجَةً بَعْدَ مَوْتِهَا وَهِيَ - إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ - امْرَأَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَأَمَتُهُ، وَكَانَ حَلَالًا لَهُ رُؤْيَةُ أَبْدَانِهِنَّ فِي الْحَيَاةِ وَتَقْبِيلُهُنَّ وَمَسُّهُنَّ، فَكُلُّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى التَّحْلِيلِ فَمَنْ ادَّعَى تَحْرِيمَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَقَوْلٌ بَاطِلٍ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَ حَرِيمَتَهَا، أَوْ تَمَلَّكَهَا، أَوْ تَزَوَّجَتْ هِيَ -: فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الِاطِّلَاعُ عَلَى بَدَنَيْهِمَا مَعًا، لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْمَرْأَةِ التَّلَذُّذُ بِرُؤْيَةِ بَدَنِ رَجُلَيْنِ مَعًا؟ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُغَسِّلُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، وَلَا يُغَسِّلُهَا هُوَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيِّ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ دَاوُد

بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِغُسْلِ امْرَأَتِهِ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: إنِّي لَأُغَسِّلُ نِسَائِي، وَأَحُولُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِنَّ وَبَنَاتِهِنَّ وَأَخَوَاتِهِنَّ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ سَمِعْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ يَقُولُ: إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الْقَوْمِ فَالْمَرْأَةُ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا، وَالرَّجُلُ امْرَأَتَهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُوَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ مِنْ أَخِيهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: يُغَسِّلُهَا زَوْجُهَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُغَسِّلُهَا وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: يُغَسِّلُ كُلٌّ صَاحِبَهُ - يَعْنِي الزَّوْجَ، وَالزَّوْجَةَ - بَعْدَ الْمَوْتِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَوْفٍ هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ -: أَنَّهُ شَهِدَ قَسَامَةَ بْنَ زُهَيْرٍ وَأَشْيَاخًا أَدْرَكُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقَدْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ امْرَأَتَهُ مَاتَتْ فَأَمَرَتْهُ أَنْ لَا يُغَسِّلَهَا غَيْرُهُ؟ فَغَسَّلَهَا، فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أَنْكَرَ ذَلِكَ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: يُغَسِّلُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَإِنَّ زَوْجَهَا يُغَسِّلُهَا؟ وَالْحَنَفِيُّونَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَقَدْ خَالَفُوهُ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ غَسَّلَ فَاطِمَةَ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ؟ فَاعْتَرَضُوا عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ لَا تَصِحُّ: أَنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اغْتَسَلَتْ قَبْلَ مَوْتِهَا وَأَوْصَتْ أَلَّا تُحَرَّكَ، فَدُفِنَتْ بِذَلِكَ الْغُسْلِ.

مسألة مات بين نساء لا رجل معهن

وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذَا أَيْضًا عَلِيًّا، وَفَاطِمَةَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: مَاتَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ، فَقَالَ: أَنَا كُنْت أَوْلَى بِهَا إذْ كَانَتْ حَيَّةً، فَأَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِهَا؟ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا خَاطَبَ بِذَلِكَ، أَوْلِيَاءَهَا فِي إدْخَالِهَا الْقَبْرَ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ غَسْلُهَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِلَفْظِ خِطَابِ الْمُذَكَّرِ، وَلَوْ خَاطَبَ النِّسَاءَ لَقَالَ: أَنْتُنَّ أَوْلَى بِهَا، وَعُمَرُ لَا يَلْحَنُ؟ [مَسْأَلَةٌ مَاتَ بَيْنَ نِسَاءٍ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ] 618 - مَسْأَلَةٌ فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَاءٍ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ، أَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ لَا نِسَاءَ مَعَهُمْ -: غَسَّلَ النِّسَاءُ الرَّجُلَ وَغَسَّلَ الرِّجَالُ الْمَرْأَةَ عَلَى ثَوْبٍ كَثِيفٍ، يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ دُونَ مُبَاشَرَةِ الْيَدِ، لِأَنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ مُمْكِنٌ كَمَا ذَكَرْنَا بِلَا مُبَاشَرَةٍ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُهُ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي صَبِّ الْمَاءِ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَ التَّيَمُّمَ مِنْ الْغُسْلِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا أَثَرًا فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مَكْحُولٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُيَمَّمَانِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، فَهُوَ سَاقِطٌ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ قَالَا جَمِيعًا: تُغَسَّلُ وَعَلَيْهَا الثِّيَابُ، يَعْنِيَانِ فِي الْمَرْأَةِ تَمُوتُ بَيْنَ رِجَالٍ لَا امْرَأَةَ مَعَهُمْ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ، وَزِيَادٍ الْأَعْلَمِ، وَالْحَجَّاجِ: قَالَ حُمَيْدٍ، وَزِيَادٌ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَا جَمِيعًا - فِي الْمَرْأَةِ تَمُوتُ مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ -: أَنَّهَا يُصَبُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ وَرَاءِ الثِّيَابِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَائِلِينَ أَنَّهَا تُيَمَّمُ: فَرُّوا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ خَلْفَ ثَوْبٍ وَأَبَاحُوهَا عَلَى الْبَشَرَةِ

مسألة رفع اليدين في الصلاة على الجنازة

وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ] 619 - مَسْأَلَةٌ وَلَا تُرْفَعُ الْيَدَانِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ إلَّا فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِرَفْعِ الْأَيْدِي فِيمَا عَدَا ذَلِكَ نَصٌّ؟ وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ؟ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفْعُ الْأَيْدِي لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَرْفَعَهَا فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ قِيَاسًا عَلَى التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى. [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ أَظْفَارُ الْمَيِّتِ وَافِرَةً أَوْ شَارِبُهُ وَافِيًا أَوْ عَانَتُهُ] 620 - مَسْأَلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ أَظْفَارُ الْمَيِّتِ وَافِرَةً، أَوْ شَارِبُهُ وَافِيًا، أَوْ عَانَتُهُ: أَخَذَ كُلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ وَصَحَّ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْفِطْرَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَهَّزَ إلَى رَبِّهِ تَعَالَى إلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ حَلَقَ عَانَةَ مَيِّتٍ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ: فِي شَعْرِ عَانَةِ الْمَيِّتِ إنْ كَانَ وَافِرًا، قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: فَإِنْ كَانَ أَقْلَفَ أَيُخْتَنُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَالْخِتَانُ مِنْ الْفِطْرَةِ فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ أَنْ يُطَهَّرَ لِلْجَنَابَةِ إنْ مَاتَ مُجْنِبًا، وَلَا لِلْحَيْضِ إنْ مَاتَتْ حَائِضًا، وَلَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ إنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَا الْفَرْقُ؟

مسألة إدخال الميت القبر

قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْأَغْسَالَ مَأْمُورٌ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَا تَلْزَمُ مَنْ لَا يُخَاطَبُ: كَالْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالصَّغِيرِ. وَقَدْ سَقَطَ الْخِطَابُ عَنْ الْمَيِّتِ وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْإِبْطِ، وَالْخِتَانِ: فَالنَّصُّ جَاءَنَا بِأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِهَا الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ، بَلْ الْكُلُّ مَأْمُورُونَ بِهَا، فَيَعْمَلُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالصَّغِيرِ؟ [مَسْأَلَةٌ إدْخَالُ الْمَيِّت الْقَبْرَ] 621 - مَسْأَلَةٌ وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ كَيْفَ أَمْكَنَ، إمَّا مِنْ الْقِبْلَةِ، أَوْ مِنْ دُبُرِ الْقِبْلَةِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، إذْ لَا نَصَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَدْخَلَ يَزِيدَ بْنَ الْمُكَفَّفِ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ. وَعَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ أَدْخَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَدْخَلَ الْحَارِثَ الْخَارِفِيَّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ الْقَبْرِ. وَرَوَى قَوْمٌ مُرْسَلَاتٍ لَا تَصِحُّ فِي إدْخَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ» . وَعَنْ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ» . وَكُلُّ هَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ تَقُمْ بِهِ حُجَّةٌ فِي الْوُجُوبِ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِمَّا سِوَاهُ. [مَسْأَلَةٌ التَّزَاحُمُ عَلَى النَّعْشِ] 622 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يَجُوزُ التَّزَاحُمُ عَلَى النَّعْشِ، لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ، وَقَدْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّفْقِ» . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ نا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ

مسألة فوات بعض التكبيرات على الجنازة

جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَرِهَ الزِّحَامَ عَلَى السَّرِيرِ، وَكَانَ إذَا رَآهُمْ يَزْدَحِمُونَ قَالَ: أُولَئِكَ الشَّيَاطِينُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْت جِنَازَةً فِيهَا أَبُو السِّوَارِ هُوَ حُرَيْثُ بْنُ حَسَّانَ الْعَدَوِيُّ فَازْدَحَمُوا عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ أَبُو السِّوَارِ: أَتَرَوْنَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلَ أَوْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا رَأَى مَحْمَلًا حَمَلَ، وَإِلَّا اعْتَزَلَ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا. [مَسْأَلَةٌ فَوَاتُ بَعْضِ التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ] 623 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَبَّرَ سَاعَةَ يَأْتِي، وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَمَّ هُوَ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرِ، يَدْعُو بَيْنَ تَكْبِيرَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَعَ الْإِمَامِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ أَتَى إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ مَا أَدْرَكَ وَيُتِمَّ مَا فَاتَهُ، وَهَذِهِ صَلَاةٌ، وَمَا عَدَا هَذَا فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الاعتكاف

[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] [مَسْأَلَةٌ اعْتِكَافُ يَوْمٍ دُونَ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةٍ دُونَ يَوْمٍ] ِ الِاعْتِكَافُ: هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً فَمَا فَوْقَهَا، لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا؟ 624 - مَسْأَلَةٌ وَيَجُوزُ اعْتِكَافُ يَوْمٍ دُونَ لَيْلَةٍ، وَلَيْلَةٍ دُونَ يَوْمٍ، وَمَا أَحَبَّ الرَّجُلُ، أَوْ الْمَرْأَةُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ» . فَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وَبِالْعَرَبِيَّةِ خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالِاعْتِكَافُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الْإِقَامَةُ، قَالَ تَعَالَى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] بِمَعْنَى مُقِيمُونَ مُتَعَبِّدُونَ لَهَا. فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا، فَكُلُّ إقَامَةٍ فِي مَسْجِدٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ: اعْتِكَافٌ، وَعُكُوفٌ؟ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا، فَالِاعْتِكَافُ يَقَعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّا قَلَّ مِنْ الْأَزْمَانِ أَوْ كَثُرَ، إذْ

لَمْ يَخُصَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ، وَلَا وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ، وَمُدَّعِي ذَلِكَ مُخْطِئٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِلَا بُرْهَانٍ وَالِاعْتِكَافُ: فِعْلٌ حَسَنٌ، قَدْ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجُهُ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَعْدَهُ وَالتَّابِعُونَ؟ وَمِمَّنْ قَالَ بِمِثْلِ هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدٍ الْبُصَيْرِيُّ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ طَاهِرٌ فَهُوَ عَاكِفٌ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يُخْبِرُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: إنِّي لَأَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ سَاعَةً وَمَا أَمْكُثُ إلَّا لِأَعْتَكِفَ. قَالَ عَطَاءٌ: حَسِبْت أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَنِيهِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ اعْتِكَافٌ مَا مَكَثَ فِيهِ، وَإِنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ احْتِسَابَ الْخَيْرِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ، وَإِلَّا فَلَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَعْلَى صَاحِبٌ، وَسُوَيْدٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، أَفْتَى أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، لَا يُعْرَفُ لِيَعْلَى فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ، وَهَذَا خِلَافٌ لِقَوْلِ يَعْلَى؟ قُلْنَا: لَيْسَ كَمَا تَقُولُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَمَّنْ ذَكَرْت: لَا اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ كَامِلٍ، إنَّمَا جَاءَ عَنْهُمْ: أَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ فَقَطْ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمَرْءُ عَلَى هَذَا سَاعَةً فِي يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَبَطَلَ مَا أَوْهَمْتُمْ بِهِ وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مُدَّةً مِنْ مُدَّةٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .

مسألة صوم المعتكف

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» . فَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ فِي الِاعْتِكَافِ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُدَّةً مِنْ مُدَّةٍ، فَبَطَلَ قَوْلٌ خَالَفَ قَوْلَنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ وَقُلْنَا: هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ. وَلَهُ قَوْلٌ: لَا اعْتِكَافَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ لَيَالٍ، مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ. وَكُلُّ هَذَا قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَعْتَكِفْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَلَّ مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَعْتَكِفْ قَطُّ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَلَا تُجِيزُوا الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا اعْتَكَفَ قَطُّ إلَّا فِي رَمَضَانَ، وَشَوَّالٍ، فَلَا تُجِيزُوا الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ؟ وَالِاعْتِكَافُ فِي فِعْلِ خَيْرٍ، فَلَا يَجُوزُ الْمَنْعُ مِنْهُ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ بِالْمَنْعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَائِرَ الْمَسَاجِدِ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَقِيسُوا عَلَى اعْتِكَافِهِ عَشْرًا، أَوْ عِشْرِينَ: مَا دُونَ الْعَشْرِ. وَمَا فَوْقَ الْعِشْرِينَ، إذْ لَيْسَ مِنْهَا سَاعَةٌ وَلَا يَوْمٌ إلَّا وَهُوَ فِيهِ مُعْتَكِفٌ [مَسْأَلَةٌ صَوْمُ الْمُعْتَكِف] 625 - مَسْأَلَةٌ وَلَيْسَ الصَّوْمُ مِنْ شُرُوطِ الِاعْتِكَافِ، لَكِنْ إنْ شَاءَ الْمُعْتَكِفُ صَامَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْ. وَاعْتِكَافُ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ: حَسَنٌ. وَكَذَلِكَ اعْتِكَافُ: لَيْلَةٍ بِلَا يَوْمٍ، وَيَوْمٍ بِلَا لَيْلَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي اعْتِكَافٌ، فَسَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا صِيَامٌ إلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا. فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَعَنْ عُمَرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَظُنُّهُ قَالَ: فَعَنْ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو سُهَيْلٍ: لَقِيت طَاوُسًا، وَعَطَاءً، فَسَأَلْتهمَا؟ فَقَالَ طَاوُسٍ: كَانَ فُلَانٌ لَا يَرَى عَلَيْهَا صِيَامًا إلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَيْسَ عَلَيْهَا صِيَامٌ إلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهَا وَبِهِ إلَى سَعِيدٍ: نا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ نا لَيْثٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ: أَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالَا جَمِيعًا: الْمُعْتَكِفُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُحَمَّدٌ الْقَلَعِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّوَّافُ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ عُمَيْرَةَ نا أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ نا أَبُو سُهَيْلِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: اجْتَمَعْت أَنَا وَابْنُ شِهَابٍ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ عَلَى امْرَأَتِي اعْتِكَافُ ثَلَاثٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَكُونُ اعْتِكَافٌ إلَّا بِصَوْمٍ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ عُمَرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ عُثْمَانَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو سُهَيْلٍ: فَانْصَرَفْت فَلَقِيت طَاوُسًا، وَعَطَاءً، فَسَأَلْتهمَا عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ طَاوُسٍ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامًا إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ عَطَاءٌ: ذَلِكَ رَأْيِي؟

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُعْتَكِفُ إنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نَا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ لَا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ. وَصَحَّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَصَحَّ عَنْهُمَا كِلَا الْأَمْرَيْنِ؟ كَتَبَ إلَى دَاوُد بْنِ بَابْشَاذَ بْنِ دَاوُد الْمَصْرِيِّ قَالَ: نا عَبْدُ الْغَنِيّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ نا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ قَالَا جَمِيعًا: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَنْ اعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: شَغِبَ مَنْ قَلَّدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ بِأَنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . قَالُوا: فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الِاعْتِكَافَ إثْرَ ذِكْرِهِ لِلصَّوْمِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِصَوْمٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا سُمِعَ بِأَقْبَحَ مِنْ هَذَا التَّحْرِيفِ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِقْحَامِ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَمَا عَلِمَ قَطُّ ذُو تَمْيِيزٍ: أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى شَرِيعَةً إثْرَ ذِكْرِهِ أُخْرَى مُوجِبَةٌ عَقْدَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ لَمَّا ذَكَرَ الصَّوْمَ ثُمَّ الِاعْتِكَافَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ صَوْمٌ إلَّا بِاعْتِكَافٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ قُلْنَا: فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِ حُجَّتِكُمْ، وَعَلَى أَنَّ ذِكْرَ شَرِيعَةٍ مَعَ ذِكْرِ أُخْرَى لَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ إحْدَاهُمَا إلَّا بِالْأُخْرَى. وَأَيْضًا: فَإِنَّ خُصُومَنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ: هُوَ بِاللَّيْلِ مُعْتَكِفٌ كَمَا هُوَ بِالنَّهَارِ، وَهُوَ بِاللَّيْلِ غَيْرُ صَائِمٍ. فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا الِاسْتِدْلَال لَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِئَ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِالنَّهَارِ الَّذِي لَا يَكُونُ الصَّوْمُ إلَّا فِيهِ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْآيَةِ، حَيْثُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيم نا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اعْتَكِفْ وَصُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُدَيْلٍ مَجْهُولٌ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ مُسْنَدِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَصْلًا، وَمَا نَعْرِفُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَّا ثَلَاثَةً، لَيْسَ، هَذَا مِنْهَا -: أَحَدُهَا: فِي الْعُمْرَةِ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . وَالثَّانِي: فِي صِفَةِ الْحَجِّ. وَالثَّالِثُ: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» .

فَسَقَطَ عَنَّا هَذَا الْخَبَرُ، لَبُطْلَانِ سَنَدِهِ؟ ثُمَّ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إيجَابِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ وَمُخَالَفَتُهُمْ إيَّاهُ فِي إيجَابِ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَهُ الْمَرْءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَذِهِ عَظِيمَةٌ لَا يَرْضَى بِهَا ذُو دِينٍ فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ " فِي الْجَاهِلِيَّةِ " أَيْ أَيَّامِ ظُهُورِ الْجَاهِلِيَّةِ بَعْدَ إسْلَامِهِ؟ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ هَذَا: إنْ كُنْت تَقُولُ هَذَا قَاطِعًا بِهِ فَأَنْتَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ، لِقَطْعِك بِمَا لَا دَلِيلَ لَك عَلَيْهِ، وَلَا وَجَدْت قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَإِنْ كُنْت تَقُولُهُ ظَنًّا، فَإِنَّ الْحَقَائِقَ لَا تُتْرَكُ بِالظُّنُونِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ كَذِبُ هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ «نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا أَسْلَمْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أُوفِيَ بِنَذْرِي» . وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لَا كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ الذَّاهِبِ فِي الرِّيَاحِ؟ فَهَلْ سَمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَزَالُونَ يَأْتُونَ بِالْخَبَرِ يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مَنْ لَا يُصَحِّحُهُ فِيمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لِذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِيمَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ -: فَكَيْفَ يَصْعَدُ مَعَ هَذَا عَمَلٌ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ، فَعَادَ خَبَرُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا، وَلَوْ صَحَّ، وَرَأَيْنَاهُ حُجَّةً لَقُلْنَا: بِهِ وَمَوَّهُوا بِأَنَّ هَذَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ. فَقُلْنَا: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَصَحَّ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ: عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يَقُولُ: إنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا اعْتِكَافٌ، فَسَأَلْت

ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: اعْتَكِفْ عَنْهَا وَصُمْ فَمِنْ أَيْنَ صَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُجَّةً فِي إيجَابِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُعْتَكِفِ - وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ -. وَلَمْ يَصِرْ حُجَّةً فِي إيجَابِهِ عَلَى الْوَلِيِّ قَضَاءُ الِاعْتِكَافِ عَنْ الْمَيِّتِ؟ وَهَلَّا قُلْتُمْ هَاهُنَا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ: بِالرَّأْيِ وَعَهِدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَ فُلَانٍ صَحِيحًا مَا تَرَكَهُ. أَوْ يَقُولُونَ: لَمْ يَتْرُكْ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِمَا هُوَ أَصَحُّ عِنْدَهُ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عَطَاءٍ آنِفًا أَنَّهُ لَمْ يَرَ الصَّوْمَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ، وَسَمِعَ طَاوُسًا يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. فَهَلَّا قَالُوا: لَمْ يَتْرُكْ عَطَاءٌ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ إلَّا لِمَا هُوَ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَلَاعِبُونَ وَأَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد -: نا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا خَالِدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا " قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ لَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً، وَلَا يَمَسُّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرُهَا، وَلَا يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ؟ فَمِنْ أَيْنَ صَارَ قَوْلُهَا فِي إيجَابِ الِاعْتِكَافَ حُجَّةً، وَلَمْ يَصِرْ قَوْلُهَا " لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ " حُجَّةً وَرُوِّينَا عَنْهَا عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ -: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ عَائِشَةَ نَذَرَتْ جِوَارًا فِي جُودِ ثَبِيرٍ مِمَّا يَلِي مِنًى.

وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: اعْتَكَفَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ حِرَاءَ، وَثَبِيرٍ، فَكُنَّا نَأْتِيهَا هُنَالِكَ. فَخَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا أَيْضًا، وَهَذَا عَجَبٌ وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا اعْتَكَفَ ضَرَبَ فُسْطَاطًا، أَوْ خِبَاءً يَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهُ، وَلَا يُظِلُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ؟ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ حُجَّةً فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ، وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي أَنَّهُ كَانَ إذَا اعْتَكَفَ لَا يُظِلُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ؟ فَصَحَّ أَنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا يُمَوِّهُونَ بِذِكْرِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ إيهَامًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَافِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوَافِقْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ حُجَّةً إلَّا إذَا وَافَقَتْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فَقَطْ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ، لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَمِنْ الْهَوَسِ قَوْلُهُمْ: لَمَّا كَانَ الِاعْتِكَافُ لُبْثًا فِي مَوْضِعٍ: أَشْبَهَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَا يَصِحُّ إلَّا مُحْرِمًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ الصَّوْمُ. فَقِيلَ لَهُمْ: لَمَّا كَانَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا اعْتِكَافُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ، فَلَا يَخْلُو صَوْمُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِرَمَضَانَ خَالِصًا - وَكَذَلِكَ هُوَ - فَحَصَلَ الِاعْتِكَافُ مُجَرَّدًا عَنْ صَوْمٍ يَكُونُ مِنْ شَرْطِهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْتَجْ الِاعْتِكَافُ إلَى صَوْمٍ يَنْوِي بِهِ الِاعْتِكَافَ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ مِنْ شُرُوطِ الِاعْتِكَافِ وَصَحَّ أَنَّهُ جَائِزٌ بِلَا صَوْمٍ، وَهَذَا بُرْهَانُ مَا قَدَرُوا عَلَى

اعْتِرَاضِهِ إلَّا بِوَسَاوِسَ لَا تُعْقَلُ. وَلَوْ قَالُوا: إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَامَ لِلِاعْتِكَافِ لَا لِرَمَضَانَ، أَوْ لِرَمَضَانَ، وَالِاعْتِكَافِ - لَمْ يَبْعُدُوا عَنْ الِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَيْضًا: فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ بِاللَّيْلِ كَهُوَ بِالنَّهَارِ، وَلَا صَوْمَ بِاللَّيْلِ، فَصَحَّ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَوْمٍ. فَقَالَ مُهْلِكُوهُمْ هَهُنَا: إنَّمَا كَانَ الِاعْتِكَافُ بِاللَّيْلِ تَبَعًا لِلنَّهَارِ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ إنَّمَا كَانَ بِالنَّهَارِ تَبَعًا لِلَّيْلِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ. فَقَالُوا: إنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الِاعْتِكَافَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ صَوْمٍ. فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَلَمَّا كَانَ الِاعْتِكَافُ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ صَوْمٌ يَنْوِي بِهِ الِاعْتِكَافَ صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهِ، وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَا مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ صَوْمٌ، وَقَدْ جَاءَ نَصٌّ صَحِيحٌ بِقَوْلِنَا؟ كَأَنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ، قَالَتْ: وَإِنَّهُ أَرَادَ مَرَّةً أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، قَالَتْ: فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَمَرْتُ بِبِنَائِي فَضُرِبَ، وَأَمَرَ غَيْرِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَائِهِنَّ فَضُرِبَ، فَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ نَظَرَ إلَى الْأَبْنِيَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟ فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَقُوِّضَ، وَأَمَرَ أَزْوَاجَهُ بِأَبْنِيَتِهِنَّ فَقَوَّضْنَ ثُمَّ أَخَّرَ الِاعْتِكَافَ إلَى الْعَشْرِ الْأُوَلِ، يَعْنِي مِنْ شَوَّالٍ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ وَفِيهَا يَوْمُ

مسألة مباشرة المرأة حال اعتكافه

الْفِطْرِ، وَلَا صَوْمَ فِيهِ وَمَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ اعْتِكَافِهِ إلَّا حَتَّى يَنْهَضَ إلَى الْمُصَلَّى. فَنَسْأَلُهُمْ: أَمُعْتَكِفٌ هُوَ مَا لَمْ يَنْهَضْ إلَى الْمُصَلَّى، أَمْ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مُعْتَكِفٌ، تَنَاقَضُوا، وَأَجَازُوا الِاعْتِكَافَ بِلَا صَوْمٍ بُرْهَةً مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ. وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ مُعْتَكِفًا قُلْنَا: فَلِمَ مَنَعْتُمُوهُ الْخُرُوجَ إذَنْ؟ [مَسْأَلَةٌ مُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ حَال اعتكافه] 626 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ، وَلَا لِلْمَرْأَةِ مُبَاشَرَةُ الرَّجُلِ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِسْمِ، إلَّا فِي تَرْجِيلِ الْمَرْأَةِ لِلْمُعْتَكِفِ خَاصَّةً، فَهُوَ مُبَاحٌ، وَلَهُ إخْرَاجُ رَأْسِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلتَّرْجِيلِ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . فَصَحَّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ عُمُومِ الْمُبَاشَرَةِ - ذَاكِرًا لِاعْتِكَافِهِ - فَلَمْ يَعْتَكِفْ كَمَا أُمِرَ، فَلَا اعْتِكَافَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ نَذْرًا قَضَاهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَحُرِّمَتْ الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» . فَخَرَجَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ عُمُومِ نَهْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُعْتَكِف إذَا اشْتَرَطَ مُبَاحًا] 627 - مَسْأَلَةٌ وَجَائِزٌ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا شَاءَ مِنْ الْمُبَاحِ وَالْخُرُوجِ لَهُ، لِأَنَّهُ

مسألة كل فرض على المسلم فإن الاعتكاف لا يمنع منه

بِذَلِكَ إنَّمَا الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي خِلَالِ مَا اسْتَثْنَاهُ، وَهَذَا مُبَاحٌ لَهُ، أَنْ يَعْتَكِفَ إذَا شَاءَ، وَيَتْرُكَ إذَا شَاءَ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ طَاعَةٌ، وَتَرْكُهُ مُبَاحٌ، فَإِنْ أَطَاعَ أُجِرَ، وَإِنْ تَرَكَ لَمْ يَقْضِ؟ وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرَ مِمَّنْ لَا يُجِيزُ هَذَا الشَّرْطَ وَالنُّصُوصُ كُلُّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُوجِبَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَقُولُ: بِلُزُومِ الشُّرُوطِ الَّتِي أَبْطَلَهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ، مِنْ اشْتِرَاطِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ تَسَرَّى فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَالدَّاخِلَةُ بِنِكَاحٍ طَالِقٌ، وَالسَّرِيَّةُ حُرَّةٌ، وَهَذِهِ شُرُوطُ الشَّيْطَانِ، وَتَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ [مَسْأَلَةٌ كُلُّ فَرْضٍ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ] 628 - مَسْأَلَةٌ وَكُلُّ فَرْضٍ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِاعْتِكَافِهِ، وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ، وَغُسْلِ الِاحْتِلَامِ، وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَمِنْ الْحَيْضِ، إنْ شَاءَ فِي حَمَّامٍ أَوْ فِي غَيْرِ حَمَّامٍ. وَلَا يَتَرَدَّدُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ تَمَامِ غُسْلِهِ، وَقَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لِابْتِيَاعِ مَا لَا بُدَّ لَهُ وَلِأَهْلِهِ مِنْهُ، مِنْ الْأَكْلِ وَاللِّبَاسِ، وَلَا يَتَرَدَّدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ تَرَدَّدَ بِلَا ضَرُورَةٍ: بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَلَهُ أَنْ يُشَيِّعَ أَهْلَهُ إلَى مَنْزِلِهَا. وَإِنَّمَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ: خُرُوجُهُ لِمَا لَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ؟ وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثنا مُحَمَّدٌ ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» . وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ دُعِيَ - إنْ كَانَ مُفْطِرًا -: فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، بِمَعْنَى أَنْ يَدْعُوَ لَهُمْ؟

وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . وَقَالَ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] . فَهَذِهِ فَرَائِضُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا لِلِاعْتِكَافِ، وَبِلَا شَكٍّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَدَّى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . فَفَرَضَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ مَرَّةً وَاحِدَةً، يَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ وَاقِفًا وَيَنْصَرِفُ لِأَنَّ مَا زَادَ عَنْ هَذَا فَلَيْسَ مِنْ الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَطْوِيلٌ، فَهُوَ يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ؟ وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لِشُهُودِ الْجِنَازَةِ، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهَا انْصَرَفَ، لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ، وَمَا زَادَ فَلَيْسَ فَرْضًا، وَهُوَ بِهِ خَارِجٌ عَنْ الِاعْتِكَافِ؟ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ: أَنْ يَخْرُجَ إذَا دُعِيَ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا بَلَغَ إلَى دَارِ الدَّاعِي وَدَعَا وَانْصَرَفَ، وَلَا يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ: أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ بِمِقْدَارِ مَا يُدْرِكُ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ رَجَعَ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ خَرَجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، فَإِنْ خَرَجَ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ رَأَى أَنَّ فِي الْوَقْتِ فُسْحَةً فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَى مُعْتَكَفِهِ ثُمَّ خَرَجَ أَدْرَكَ الْخُطْبَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ، وَإِلَّا فَلْيَتَمَادَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ حَرَجٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ لِلشَّهَادَةِ إذَا دُعِيَ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الشُّهَدَاءَ بِأَنْ لَا يَأْبَوْا إذَا دُعُوا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ مَنْ يَقْبَلُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] إذَا أَدَّاهَا رَجَعَ إلَى مُعْتَكَفِهِ وَلَا يَتَرَدَّدُ، فَإِنْ تَرَدَّدَ: بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؟ وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ - عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إذَا اعْتَكَفَ الرَّجُلُ فَلْيَشْهَدْ

الْجُمُعَةَ وَلْيَحْضُرْ الْجِنَازَةَ وَلْيَعُدْ الْمَرِيضَ وَلْيَأْتِ أَهْلَهُ يَأْمُرُهُمْ بِحَاجَتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ؟ وَبِهِ إلَى سَعِيدٍ: نا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَعَانَ ابْنَ أُخْتِهِ جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَطَائِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خَادِمًا، فَقَالَ: إنِّي كُنْت مُعْتَكِفًا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَمَا عَلَيْك لَوْ خَرَجَتْ إلَى السُّوقِ فَابْتَعْت؟ وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ: نا هُشَيْمٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَعُودُ الْمَرِيضَ مِنْ أَهْلِهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَكِفَةً إلَّا وَهِيَ مَارَّةٌ؟ وَبِهِ إلَى سَعِيدٍ: نا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ هَذِهِ الْخِصَالَ - وَهُنَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ -: عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، وَلَا يَدْخَلُ سَقْفًا، وَيَأْتِي الْجُمُعَةَ، وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ، وَيَخْرُجُ إلَى الْحَاجَةِ؟ قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَلَا يَدْخَلُ الْمُعْتَكِفُ سَقِيفَةً إلَّا لِحَاجَةٍ؟ وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ: أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ، وَيُجِيبُ الْإِمَامَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يُرَخِّصُ لِلْمُعْتَكِفِ: أَنْ يَتْبَعَ الْجِنَازَةَ، وَيَعُودَ الْمَرِيضَ وَلَا يَجْلِسَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُعْتَكِفُ يَدْخَلُ الْبَابَ فَيُسَلِّمُ وَلَا يَقْعُدُ، يَعُودُ الْمَرِيضَ؟ وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا إذَا خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ فَيُسَائِلُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ، أَوْ سَأَلَهُ عَنْ سُنَّةٍ مِنْ الدِّينِ، وَإِلَّا فَلَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ

يَعُودَ الْمَرِيضَ، وَيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ، وَيَأْتِيَ إلَى الْجُمُعَةِ، وَيُجِيبَ الدَّاعِيَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: إنْ نَذَرَ جِوَارًا أَيَنْوِي فِي نَفْسِهِ أَنْ لَا يَصُومَ، وَأَنَّهُ يَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، وَيَأْتِي الْأَسْوَاقَ، وَيَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَإِنْ كَانَ مَطَرٌ: فَإِنِّي أَسْتَكِنُ فِي الْبَيْتِ. وَإِنِّي أُجَاوِرُ جِوَارًا مُنْقَطِعًا، أَوْ أَنْ يَعْتَكِفَ النَّهَارَ وَيَأْتِيَ الْبَيْتَ بِاللَّيْلِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: ذَلِكَ عَلَى نِيَّتِهِ مَا كَانَتْ، ذَلِكَ لَهُ؟ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ أَيْضًا؟ وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمُعْتَكِفُ يَعُودُ الْمَرْضَى وَيَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ؟ وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَعُرْوَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: لَا يَعُودُ الْمُعْتَكِفُ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدُ الْجِنَازَةَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مَكَانٌ صَحَّ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مَا أَوْرَدْنَا، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا كِفَايَةٌ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا حُجَّةً، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ. وَنَسْأَلُهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا أَبَاحُوا لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَابْتِيَاعِ مَا لَا بُدَّ

مسألة يعمل المعتكف في المسجد كل ما أبيح له

مِنْهُ، وَبَيْنَ خُرُوجِهِ لِمَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ الْمَرِيضَ، وَلَا أَنْ يَشْهَدَ الْجِنَازَةَ، وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ بِمِقْدَارِ مَا يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَلَهُ أَنْ يَبْقَى فِي الْجَامِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرَ، أَوْ خَرَجَ لِأَكْثَرَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، فَإِنْ خَرَجَ لِجِنَازَةٍ، أَوْ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ: بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؟ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِكُلِّ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ لُبْثِهِ فِي خُرُوجِهِ لِذَلِكَ نِصْفَ يَوْمٍ فَأَقَلَّ لَمْ يَضُرَّ اعْتِكَافَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ: بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ فِي هَذِهِ التَّحْدِيدَاتِ لَعَجَبًا وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْمَحُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يُشَرِّعَ فِي دِينِ اللَّهِ هَذِهِ الشَّرَائِعَ الْفَاسِدَةَ فَيَصِيرُ مُحَرِّمًا مُحَلِّلًا مُوجِبًا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَمَا هُوَ إلَّا مَا جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ، قَلَّ أَمَدُهُ أَوْ كَثُرَ أَوْ مَا جَاءَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ فَهُوَ حَرَامٌ قَلَّ أَمَدُهُ أَوْ كَثُرَ أَوْ مَا جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَحْدِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَسَمْعًا وَطَاعَةً؟ [مَسْأَلَةٌ يَعْمَلُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ كُلَّ مَا أُبِيحَ لَهُ] 629 - مَسْأَلَةٌ وَيَعْمَلُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ كُلَّ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ مُحَادَثَةٍ فِيمَا لَا يَحْرُمُ، وَمِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ، وَمِنْ خِيَاطَةٍ، وَخِصَامٍ فِي حَقٍّ، وَنَسْخٍ، وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَتَزَوُّجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَتَحَاشَ شَيْئًا، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ: هُوَ الْإِقَامَةُ كَمَا ذَكَرْنَا، فَهُوَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَتْرُكْ الِاعْتِكَافَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً فِي ذَلِكَ، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ لَا صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ؟

مسألة خروج المعتكف عن المسجد لغير حاجة

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُهُ طَلَبَ الْعِلْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تُرَجِّلُ شَعْرَهُ الْمُقَدَّسَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَكُلُّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ مَعْصِيَةً، لَكِنَّهُ إمَّا طَاعَةً وَإِمَّا سَلَامَةً؟ [مَسْأَلَةٌ خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ عَنْ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ] 630 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ شَيْءٌ إلَّا خُرُوجُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَامِدًا ذَاكِرًا، لِأَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الْعُكُوفَ وَتَرَكَهُ، وَمُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ التَّرْجِيلِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . وَتَعَمُّدُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى - أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ، لِأَنَّ الْعُكُوفَ الَّذِي نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ هُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْعُكُوفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَمَنْ عَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَقَدْ تَرَكَ الْعُكُوفَ عَلَى الطَّاعَةِ فَبَطَلَ عُكُوفُهُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: الْقُبْلَةُ تُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ مُبَاشَرَةٌ وَلَا قُبْلَةٌ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ، وَهَذَا تَحْدِيدٌ فَاسِدٌ، قِيَاسٌ لِلْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ؟ [مَسْأَلَةٌ الْمُعْتَكِف إذَا عَصَى نَاسِيًا أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِد نَاسِيًا] 631 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ عَصَى نَاسِيًا، أَوْ خَرَجَ نَاسِيًا، أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ بَاشَرَ، أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا، أَوْ مُكْرَهًا -: فَالِاعْتِكَافُ تَامٌّ لَا يَكْدَحُ كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ إبْطَالَ اعْتِكَافِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . 632 - مَسْأَلَةٌ وَيُؤَذِّنُ فِي الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي صَحْنِهِ، وَيَصْعَدُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ بَابُ الْمِئْذَنَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ؟ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

مسألة الاعتكاف جائز في كل مسجد

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَبْطُلُ؟ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْمَسْجِدِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - مُفَارَقَةٌ لِلْعُكُوفِ وَتَرْكٌ لَهُ، وَالتَّحْدِيدُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ بَاطِلٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ خُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ إلَى مِائَةِ أَلْفِ خُطْوَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الِاعْتِكَافُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ] 633 - مَسْأَلَةٌ وَالِاعْتِكَافُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ جُمِعَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَوْ لَمْ تُجْمَعْ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْقَفًا أَوْ مَكْشُوفًا، فَإِنْ كَانَ لَا يُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةً وَلَا لَهُ إمَامٌ: لَزِمَهُ فَرْضًا الْخُرُوجُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إلَى الْمَسْجِدِ تُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةً إلَّا أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ بُعْدًا يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ فَلَا يَلْزَمُهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا فَرْضُ الْجَمَاعَةِ فَتَعْتَكِفُ فِيهِ؟ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ، وَلَا لِلرَّجُلِ: أَنْ يَعْتَكِفَا - أَوْ أَحَدُهُمَا - فِي مَسْجِدِ دَارِهِ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَعَمَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ -: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، بِمَعْنَى أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِأَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ جَائِزٌ فِيمَا عَدَا الْمَسْجِدَ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا عَدَا الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ. فَصَحَّ أَنْ لَا طَاعَةَ فِي إقَامَةٍ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ. فَصَحَّ أَنْ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ، وَهَذَا يُوجِبُ مَا قُلْنَا؟ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، أَحْسِبُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلَ سَعِيدٍ فَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، لَا شَكَّ فِي أَحَدِهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَقَطْ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا جِوَارَ إلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، قُلْت لَهُ: فَمَسْجِدُ إِيلِيَا؟ قَالَ: لَا تُجَاوِرُ إلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ؟ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ الْجِوَارَ هُوَ الِاعْتِكَافُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ، أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: جَاءَ حُذَيْفَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُ: أَلَا أَعْجَبُك مِنْ نَاسٍ عُكُوفٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ الْأَشْعَرِيِّ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا أُبَالِي، أَفِيهِ أَعْتَكِفُ، أَوْ فِي سُوقِكُمْ هَذِهِ، إنَّمَا الِاعْتِكَافُ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى؟ قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَكَانَ الَّذِينَ اعْتَكَفُوا فَعَابَ عَلَيْهِمْ حُذَيْفَةُ -: فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ الْأَكْبَرِ؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَوْمٌ عُكُوفٌ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى، أَلَّا تَنْهَاهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت، وَحَفِظُوا وَنَسِيت، فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ؟ رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلَيْهِ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ؟

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ الْقَوَارِيرِيُّ - ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَرَجُلٍ، قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ يَحْيَى: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَالَ الرَّجُلُ: عَنْ الْحَسَنِ، قَالُوا كُلُّهُمْ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ؟ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلَابَةَ: إبَاحَةُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ، وَهُوَ قَوْلُنَا، لِأَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ فَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ جَائِزَةٌ فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الِاعْتِكَافُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَيَعْتَكِفُ الرَّجُلُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيل عَنْ رَجُلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَكِفَ الرَّجُلُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: تَعْتَكِفُ الْمَرْأَةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا؟ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ حَدَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَحْدَهُ، أَوْ مَسْجِدَ مَكَّةَ وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، أَوْ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ، أَوْ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ فَأَقْوَالٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا فَلَا

مَعْنَى لَهَا هُوَ تَخْصِيصٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَمَّا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أَوْ قَالَ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ» ؟ قُلْنَا: هَذَا شَكٌّ مِنْ حُذَيْفَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ، وَلَا يُقْطَعُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَكٍّ، وَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: " لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ " لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ شَكًّا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نَا هُشَيْمٌ أَنَا جُوَيْبِرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَسْجِدٍ فِيهِ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصْلُحُ» . قُلْنَا: هَذِهِ سَوْأَةٌ لَا يَشْتَغِلُ بِهَا ذُو فَهْمٍ، جُوَيْبِرٌ هَالِكٌ، وَالضَّحَّاكُ ضَعِيفٌ وَلَمْ يُدْرِكْ حُذَيْفَةَ. وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَخَطَأٌ، لِأَنَّ مَسْجِدَ الْبَيْتِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْجِدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ، وَفِي أَنْ يُجْعَلَ كَنِيفًا؟ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفْنَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَقُلْنَا: كَذِبَ مَنْ قَالَ هَذَا وَافْتَرَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَثِمَ؟

مسألة حيض المعتكفة

وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا صَنَعَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بُطْلَانَ التَّعَلُّقِ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَأُقَرِّبُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْمَنْعُ مِمَّا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لِظَنِّ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَتَرَكَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ، وَهَذَا إحْدَاثُ شَرِيعَةٍ فِي الدِّينِ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ الْقَائِلَةُ هَذَا لَمْ تَرَ قَطُّ مَنْعَ النِّسَاءِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَيْض الْمُعْتَكِفَةُ] 634 - مَسْأَلَةٌ وَإِذَا حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ أَقَامَتْ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا هِيَ تَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ، فَإِنَّهَا إنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْخُرُوجِ خَرَجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إذَا قَدَرَتْ؟ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، وَلَا يَجُوزُ مَنْعُهَا مِنْهُ إذْ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ لَهَا مِنْهُ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا قُتَيْبَةُ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» . [مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ اعْتِكَافٍ] 635 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ اعْتِكَافٍ: قَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» .

وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْضِهِ عَنْهَا» وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ نَذْرِ طَاعَةٍ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ هَلْ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ أَمْ لَا، قَبْلَ فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَضَاءِ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نا أَبُو الْأَحْوَصِ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: " اعْتَكَفَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَخِيهَا بَعْدَ مَا مَاتَ "؟ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ اعْتِكَافٌ: اعْتَكَفَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَعْتَكِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ قَالَ: وَمَنْ نَذَرَ صَلَاةً فَمَاتَ: صَلَّاهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ؟ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: يَعْتَكِفُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَيُصَلِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ إذَا نَذَرَ صَلَاةً أَوْ اعْتِكَافًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْإِطْعَامُ عَنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ؟ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَمَا لِلْإِطْعَامِ مَدْخَلٌ فِي الِاعْتِكَافِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَقَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَوْلُهُمْ فِي هَذَا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ

مسألة نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة أو أراد ذلك تطوعا

صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَمْ يَعِشْ إثْرَ نَذْرِهِ إلَّا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ؟ فَإِنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ ثَلَاثُونَ مِسْكِينًا، وَقَدْ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ. قَالَ: فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا؟ لَزِمَهُ يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ. فَإِنْ قَالَ عَلِيٌّ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ يَوْمَانِ وَمَعَهُمَا لَيْلَتَانِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ؟ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا يَوْمَانِ وَلَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ وَلَا فَرْقَ. فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ؟ [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا] 636 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ مُسَمَّاةٍ، أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا -: فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي اعْتِكَافِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَيَخْرُجُ إذَا غَابَ جَمِيعُ قُرْصِ الشَّمْسِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ؟ وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيَالٍ مُسَمَّاةٍ أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا -: فَإِنَّهُ يَدْخُلُ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَيَخْرُجُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، لِأَنَّ مَبْدَأَ اللَّيْلِ إثْرَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَتَمَامُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمَبْدَأُ الْيَوْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَتَمَامُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا مَا الْتَزَمَ أَوْ مَا نَوَى؟ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوْ أَرَادَهُ تَطَوُّعًا -: فَمَبْدَأُ الشَّهْرِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَيَدْخُلُ قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ غُرُوبُ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَيَخْرُجُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ كُلُّهَا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، سَوَاءٌ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ. لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الْمُسْتَأْنَفَةَ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي نَذَرَ اعْتِكَافَهُ أَوْ نَوَى اعْتِكَافَهُ.

فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ: دَخَلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ عَشْرَ. لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَا يَصِحُّ لَهُ اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ إلَّا كَمَا قُلْنَا، وَإِلَّا فَإِنَّمَا اعْتَكَفَ تِسْعَ لَيَالٍ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ؟ عَلِمَ أَنَّهُ اعْتَكَفَ لَيْلَةً زَائِدَةً، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ اعْتِكَافَ اللَّيْلَةِ الْآخِرَةِ لِيَفِيَ بِنَذْرِهِ، إلَّا مَنْ عَلِمَ بِانْتِقَالِ الْقَمَرِ، فَيَدْخُلُ بِقَدْرِ مَا يَدْرِي أَنَّهُ يَفِي بِنَذْرِهِ. وَاَلَّذِي قُلْنَا - مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ - هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ هَارُونَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَهُ «اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ» . وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا -: وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ هُوَ الزُّبَيْدِيُّ - حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، والدَّراوَرْدِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَيَسْتَقْبِلُ إحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إلَى مَسْكَنِهِ، وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ» . وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، إلَّا أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَبْقَى يَوْمَهُ إلَى أَنْ يُمْسِيَ وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ -:

إمَّا أَنَّهُ تَنَفُّلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَإِمَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَوَى أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ اللَّيَالِيَ بِعَشْرَةِ أَيَّامِهَا؟ وَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، فَوَقَعَ فِي لَفْظِهِ تَخْلِيطٌ وَإِشْكَالٌ لَمْ يَقَعَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ إلَّا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُمَا فِي الْمَعْنَى؟ وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ - وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ - قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَيُنْذِرُ بِسُجُودِهِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فِيمَا يَسْتَأْنِفُ، وَيَكُونَ ذَلِكَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ الَّتِي مَضَتْ، فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الرَّاوِي، " حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ " أَرَادَ اسْتِقْبَالَ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَبِهَذَا تَتَّفِقُ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مَعَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ،

كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَرِوَايَةُ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَمَالِكٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ التَّيْمِيِّ -: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَطَوُّعٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ أَمْرًا مِنْهُ وَمَنْ زَادَ فِي الْبِرِّ زَادَ خَيْرًا. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ وَالْمُعْتَكِفَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ خِبَاءٌ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ، ائْتِسَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الزكاة

[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [مَسْأَلَةٌ حُكْم الزَّكَاة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الزَّكَاةِ 637 - مَسْأَلَةٌ: الزَّكَاةُ فَرْضٌ كَالصَّلَاةِ، هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ؛ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى سَبِيلَ أَحَدٍ حَتَّى يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَيَتُوبَ عَنْ الْكُفْرِ، وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِيَ الزَّكَاةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِقْدَارَ الزَّكَاةِ، وَمِنْ أَيِّ الْأَمْوَالِ تُؤْخَذُ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ تُؤْخَذُ، وَمَنْ يَأْخُذُهَا، وَأَيْنَ تُوضَعُ؟ [مَسْأَلَةٌ عَلَى مِنْ تجب الزَّكَاة] 638 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ فَرْضٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْأَحْرَارِ مِنْهُمْ وَالْحَرَائِرُ وَالْعَبِيدُ، وَالْإِمَاءُ، وَالْكِبَارُ وَالصِّغَارِ، وَالْعُقَلَاءُ، وَالْمَجَانِينُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ كَافِرٍ.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ تَعَالَى لِكُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ، مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى: لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا. وَقَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ، وَحُرٍّ وَعَبْدٍ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى طُهْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَتَزْكِيَتِهِ إيَّاهُمْ، وَكُلُّهُمْ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ غَنِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فَقَالَا: زَكَاةُ مَالِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَانِ فَقَدْ وَافَقَا أَهْلَ الْحَقِّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي: هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ مَالَهُ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ الْكَلَامِ فِي

هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ وَحَسْبُنَا أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ مَعَنَا فِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْعَبْدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْعَبْدِ، لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا، لِخِلَافِهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْعَبْدُ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ. فَقُلْنَا: أَمَّا تَامُّ الْمِلْكِ فَكَلَامٌ لَا يُعْقَلُ. لَكِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ لَا رَابِعَ لَهَا -: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَإِذَا كَانَ لَهُ فَهُوَ مَالِكُهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فَرْقَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، فَيُزَكِّيهِ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ؛ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُمَا مَعًا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا لِلْعَبْدِ وَلَا لِلسَّيِّدِ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ. فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّدِ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الْإِمَامُ، فَيَضَعُهُ حَيْثُ يَضَعُ كُلَّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ رَبٌّ. وَهَذَا لَا يَقُولُونَ بِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَنَاقُضِهِمْ فِي إبَاحَتِهِمْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَلَوْلَا أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَالِكٌ لِمَالِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ فَرْجٍ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا، وَلَكَانَ زَانِيًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَالِكًا مِلْكَ يَمِينِهِ لَكَانَ عَادِيًا إذَا تَسَرَّى. وَهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ عَلَى: السَّفِيهِ، وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا؛ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَالِ الْعَبْدِ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. فَقُلْنَا: هَذَا الْبَاطِلُ، وَمَا رُوِيَ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ إلَّا عَنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ بَيْنِ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ؛ وَقَدْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَنَّ الْمُكَاتَبَ: عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَصَحَّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ؛ فَالزَّكَاةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ.

وَهَذَا مَكَانٌ تَنَاقَضَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، فَقَالَا: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. وَاحْتَجَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ مِلْكٌ بَعْدُ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا مُجْمِعَانِ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ فَلْسًا بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاجِبٍ؛ وَأَنَّ مَالَهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ، مِنْ نَفَقَةٍ عَلَى نَفْسِهِ، وَكِسْوَةٍ، وَبَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ، تَصَرُّفَ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ؛ فَلَوْلَا أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ مَا حَلَّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِيهِ. وَهُمْ كَثِيرًا يُعَارِضُونَ السُّنَنَ بِأَنَّهَا خِلَافُ الْأُصُولِ، كَقَوْلِهِمْ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثِ الْعِتْقِ فِي السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ بِالْقُرْعَةِ وَحَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَيْتَ شِعْرِي. فِي أَيِّ الْأُصُول وَجَدُوا مَالًا مَحْكُومًا بِهِ لِإِنْسَانٍ مَمْنُوعًا مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ سِوَاهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهِ يَدُهُ فِي بَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى -؛ وَهُوَ لَيْسَ لَهُ. أَمْ فِي أَيِّ سَنَةٍ وَجَدُوا هَذَا. أَمْ فِي أَيِّ الْقُرْآنِ. أَمْ فِي غَيْرِ قِيَاسٍ؟ وَمِمَّنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ: أَبُو ثَوْرٍ، وَغَيْرُهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ؛ وَالشَّافِعِيَّ: مُجْمِعَانِ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ، عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ؛ فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطَا الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ دُونَ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الْعَبِيدِ. وَأَيْضًا - فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِ الْمُكَاتَبِ، وَمَالِ الْعَبْدِ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ -: إمَّا أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ، فَمَالُهُ لَهُ وَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَرِقَّ، فَمَالُهُ - قَبْلُ وَبَعْدُ - كَانَ عِنْدَهُمَا لِسَيِّدِهِ؛ فَزَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِرِوَايَاتٍ رُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ، وَالْمُكَاتَبُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَرَأَوْا الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ - وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا بَعْضُهُ حُجَّةٌ وَبَعْضُهُ خَطَأٌ؛ فَهَذَا هُوَ التَّحَكُّمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ: قَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ الْحَذَّاءُ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ قُلْت: عَلَى الْمَمْلُوكِ زَكَاةٌ. قَالَ: أَلَيْسَ مُسْلِمًا. قُلْت: بَلَى؛ قَالَ: فَإِنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ -: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثنا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. فَالزَّكَاةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمُكَاتَبِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: لِأُقَاتِلَنِّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ. وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ عَلَى مَا أَوْجَبَهُمَا النَّصُّ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: فِي مَالِ الْعَبْدِ، قَالَ: يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي زَكَاةِ مَالِ الْعَبْدِ، قَالَ: يُزَكِّيهِ الْمَمْلُوكُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ حُجَيْرٍ: أَنَّ طَاوُسًا كَانَ يَقُولُ: فِي مَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ ثنا

بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زَمْعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي مَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ؟ وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا غُنْدَرٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ هَلْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ؟ : وَقَدْ رُوِّينَا نَحْوَ هَذَا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِمَا جَمِيعًا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ. وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. وَأَمَّا مَالُ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ؛ فَإِنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ قَالَا بِقَوْلِنَا؟ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا زَكَاةَ فِي أَمْوَالِهِمَا مِنْ النَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ خَاصَّةً، وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي ثِمَارِهِمَا وَزُرُوعِهِمَا؟ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا زَكَاةَ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ خَاصَّةً - وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالْمَوَاشِي فَفِيهَا الزَّكَاةُ؟ وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَشُرَيْحٌ، فَقَالَا: لَا زَكَاةَ فِي مَالِهِ جُمْلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَسَقَطُ كَلَامٍ وَأَغَثُّهُ؟ لَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ فَلَوْ أَنَّ عَاكِسًا عَكَسَ قَوْلَهُمْ، فَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي ذَهَبِهِمَا وَفِضَّتِهِمَا وَمَاشِيَتِهِمَا وَأَسْقَطَهَا عَنْ زَرْعِهِمَا وَثَمَرَتِهِمَا، أَكَانَ يَكُونُ بَيْنَ التَّحَكُّمَيْنِ فَرْقٌ فِي الْفَسَادِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ مَوَّهَ مُمَوِّهٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِمَا؟

قِيلَ لَهُ: قَدْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَمَّنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ؟ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ ذِي الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ؛ فَإِنْ سَقَطَ الْمَالُ: سَقَطَتْ الزَّكَاةُ، وَلَمْ تَسْقُطْ الصَّلَاةُ؛ وَإِنْ سَقَطَ الْعَقْلُ أَوْ الْبُلُوغُ: سَقَطَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يَسْقُطُ فَرْضٌ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ فَرْضٍ آخَرَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ، بِلَا نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَأَيْضًا: فَإِنْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِسُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى طَهَارَةٍ فَلِيُسْقِطَاهَا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا مِنْ زَرْعِهِمَا وَثِمَارِهِمَا وَلَا فَرْقَ؛ وَلِيُسْقِطَا أَيْضًا عَنْهُمَا زَكَاةَ الْفِطْرِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ، فَإِنْ قَالُوا: النَّصُّ جَاءَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ؟ قُلْنَا: وَالنَّصُّ جَاءَ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ، فَأَسْقَطْتُمُوهَا عَنْ رَقِيقِ التِّجَارَةِ بِآرَائِكُمْ، وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ، إذْ لَمْ يَقِيسُوا زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ عَلَى زَكَاةِ الزَّرْعِ، وَالْفِطْرِ أَوْ فَلْيُوجِبُوهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ -: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: زَكَاةُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْأَرْضِ، يَجِبُ بِأَوَّلِ خُرُوجِهِمَا -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَوَاشِي مِنْ حِينِ اكْتِسَابِهَا إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَيْنَ وُجُوبِهِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ مِنْ حِينِ ظُهُورِهَا إلَى حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ بِخُرُوجِ كُلِّ ذَلِكَ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَقَبْلَ حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا شَرِيعَةَ عَلَى أَرْضٍ أَصْلًا، إنَّمَا هِيَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] فَظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ وَفَسَادُ قَوْلِهِ. وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَوَجَبَ أَخْذُهَا فِي

مَالِ الْكَافِرِ مِنْ زَرْعِهِ وَثِمَارِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى النِّسَاءِ كَهِيَ عَلَى الرِّجَالِ. وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَرَضُونَ كَثِيرَةٌ لَا حَقَّ فِيهَا مِنْ زَكَاةٍ وَلَا مِنْ خَرَاجٍ كَأَرْضِ مُسْلِمٍ جَعَلَهَا قَصَبًا وَهِيَ تُغِلُّ الْمَالَ الْكَثِيرَ، أَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا شَيْئًا، وَكَأَرْضِ ذِمِّيٍّ صَالَحَ عَلَى جِزْيَةٍ رَأْسِهِ فَقَطْ؟ وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَشْهَبُ، وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ الْخَرَاجِيَّ الْكَافِرَ إذَا ابْتَاعَ أَرْضَ عُشْرٍ مِنْ مُسْلِمٍ فَلَا خَرَاجَ فِيهَا وَلَا عُشْرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ بِالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ كَانَتْ لَهُمَا أَرَضُونَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهَا عُشْرًا وَلَا خَرَاجًا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ» ؟ قُلْنَا: فَأَسْقَطُوا عَنْهُمَا بِهَذِهِ الْحُجَّةِ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ، الَّتِي هِيَ سَاقِطَةٌ بِهَا بِلَا شَكٍّ، وَلَيْسَ فِي سُقُوطِ الْقَلَمِ سُقُوطُ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا فِيهِ سُقُوطُ الْمَلَامَةِ، وَسُقُوطُ فَرَائِضِ الْأَبْدَانِ فَقَطْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا لَا نِيَّةَ لِمَجْنُونٍ، وَلَا لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَالْفَرَائِضُ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِأَخْذِهَا الْإِمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] فَإِذَا أَخَذَهَا مَنْ أُمِرَ بِأَخْذِهَا بِنِيَّةِ أَنَّهَا الصَّدَقَةُ أَجْزَأَتْ عَنْ الْغَائِبِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ، وَمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ -:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: ثنا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُزَكِّي أَمْوَالَنَا وَنَحْنُ أَيْتَامٌ فِي حِجْرِهَا؛ زَادَ يَحْيَى: وَإِنَّهُ لِيَتَّجِرَ بِهَا فِي الْبَحْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: ثنا وَكِيعٌ ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ هُوَ الْحُدَّانِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ عِنْدِي مَالَ يَتِيمٍ قَدْ كَادَتْ الصَّدَقَةُ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَلِي مَالَ الْيَتِيمِ، قَالَ: يُعْطِي زَكَاتَهُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: بَاعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَرْضًا لَنَا بِثَمَانِينَ أَلْفًا، وَكُنَّا يَتَامَى فِي حِجْرِهِ؛ فَلَمَّا قَبَضْنَا أَمْوَالَنَا نَقَصَتْ. فَقَالَ: إنِّي كُنْت أُزَكِّيهِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: احْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ زَكَاةٍ، فَإِذَا بَلَغَ، فَإِنْ آنَسْت مِنْهُ رُشْدًا فَأَخْبِرْهُ، فَإِنْ شَاءَ زَكَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؟ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا رِوَايَةً ضَعِيفَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَقَدْ حَدَّثَنَا حُمَامٌ عَنْ ابْنِ مُفَرِّجٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلْهُ الزَّكَاةُ»

مسألة أخذ الزكاة من كافر

وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا الْمُرْسَلَ وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - [مَسْأَلَةٌ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ كَافِرٍ] 639 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ كَافِرٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُعَذَّبٌ عَلَى مَنْعِهَا؛ إلَّا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَلَا فَرْقَ، فَإِذَا أَسْلَمَ فَقَدْ تَفَضَّلَ عَزَّ وَجَلَّ بِإِسْقَاطِ مَا سَلَفَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [المدثر: 39] {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ} [المدثر: 40] {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} [المدثر: 41] {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 45] {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 46] {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 47] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي كُلِّ هَذَا، إلَّا فِي وُجُوبِ الشَّرَائِعِ عَلَى الْكُفَّارِ، فَإِنْ طَائِفَةٌ عَنَدَتْ عَنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ: خَالَفُوا فِي ذَلِكَ [مَسْأَلَةٌ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ الْأَمْوَالِ] 640 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ الْأَمْوَالِ فَقَطْ وَهِيَ: الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ ضَأْنُهَا وَمَاعِزُهَا فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَفِيهَا جَاءَتْ السُّنَّةُ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَاخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ مِمَّا عَدَاهَا. 641 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ، وَلَا مِنْ الزَّرْعِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعَادِنِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا؟ وَلَا فِي الْخَيْلِ، وَلَا فِي الرَّقِيقِ، وَلَا فِي الْعَسَلِ، وَلَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، لَا عَلَى

مُدِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا؛ فَأَوْجَبَ بَعْضُهُمْ الزَّكَاةَ فِيهَا، وَلَمْ يُوجِبْهَا بَعْضُهُمْ وَاتَّفَقُوا فِي أَصْنَافٍ سِوَى هَذِهِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا. فَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كُلُّ مَا اُكْتُسِبَ لِلْقُنْيَةِ لَا لِلتِّجَارَةِ، مِنْ جَوْهَرٍ، وَيَاقُوتٍ، وَوِطَاءٍ، وَغِطَاءٍ، وَثِيَابٍ، وَآنِيَةِ نُحَاسٍ؛ أَوْ حَدِيدٍ، أَوْ رَصَاصٍ، أَوْ قَزْدِيرٍ، وَسِلَاحٍ، وَخَشَبٍ، وَدُرُوعٍ وَضِيَاعٍ، وَبِغَالٍ، وَصُوفٍ، وَحَرِيرٍ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا تَحَاشَ شَيْئًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كُلُّ مَا عُمِلَ مِنْهُ خُبْزٌ أَوْ عَصِيدَةٌ: فَفِيهِ الزَّكَاةُ؛ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا تَفَكُّهًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالسُّلْتِ وَهِيَ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. قَالَ: وَفِي الْعَلْسِ وَهُوَ صِنْفٌ مُنْفَرِدٌ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: إنَّهُ يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالسُّلْتِ. قَالَ: وَفِي الدَّخَنِ؛ وَهُوَ صِنْفٌ مُنْفَرِدٌ، وَفِي السِّمْسِمِ وَالْأُرْزِ، وَالذُّرَةِ، وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مُنْفَرِدٌ لَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَاللُّوبِيَا، وَالْعَدَسِ وَالْجُلُبَّانِ وَالْبَسِيلِ وَالتُّرْمُسِ؛ وَسَائِرِ الْقُطْنِيَّةِ. وَكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ.

قَالَ: وَأَمَّا فِي الْبُيُوعِ فَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِيَالِهِ، إلَّا الْحِمَّصَ، وَاللُّوبِيَا؛ فَإِنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ؟ وَمَرَّةً رَأَى الزَّكَاةَ فِي حَبِّ الْعُصْفُرِ، وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا فِيهِ؟ وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ. وَلَمْ يَرَ الزَّكَاةَ فِي زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ وَلَا فِي زَيْتِهَا وَلَا فِي الْكَتَّانِ، وَلَا فِي الْكِرْسِنَّةِ. وَلَا فِي الْخُضَرِ كُلِّهَا وَلَا فِي اللُّفْتِ. وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ لَا فِي حَبِّهِ. وَلَمْ يَرَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ، لَا فِي تِينٍ وَلَا بَلُّوطٍ، وَلَا قَسْطَلٍ، وَلَا رُمَّانٍ، وَلَا جَوْزِ الْهِنْدِ، وَلَا جَوْزٍ، وَلَا لَوْزٍ. وَلَا غَيْرَ غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ مِنْ حُبُوبٍ أَوْ ثِمَارٍ أَوْ نُوَّارٍ لَا تَحَاشَ شَيْئًا حَتَّى الْوَرْدُ وَالسَّوْسَنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ حَاشَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ فَقَطْ، وَهِيَ: الْحَطَبُ، وَالْقَصَبُ، وَالْحَشِيشُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؟ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي قَصَبِ الذَّرِيرَةِ فَمَرَّةً رَأَى فِيهَا الزَّكَاةَ، وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا فِيهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا زَكَاةَ فِي الْخُضَرِ كُلِّهَا، وَلَا فِي الْفَوَاكِهِ؟ وَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالتِّينِ، وَحَبِّ الزَّيْتُونِ، وَالْجِلَّوْزِ وَالصَّنَوْبَرِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْكَمُّونِ، وَالْكَرَوْيَا وَالْخَرْدَلِ، وَالْعُنَّابِ، وَحَبِّ الْبَسْبَاسِ. وَفِي الْكَتَّانِ، وَفِي زَرِيعَتِهِ أَيْضًا، وَفِي حَبِّ الْعُصْفُرِ، وَفِي نُوَّارِهِ، وَفِي حَبِّ

الْقِنَّبِ لَا فِي كَتَّانِهِ، وَفِي الْفُوَّهِ إذَا بَلَغَ كُلُّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِلَّا فَلَا؟ وَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الزَّعْفَرَانِ، وَفِي الْقُطْنِ، وَالْوَرْسِ؟ ثُمَّ اخْتَلَفَا -: فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا بَلَغَ مَا يُصَابُ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ مِنْ ذُرَةٍ، أَوْ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مِنْ زَبِيبٍ - أَحَدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَقَطْ، لَا مِنْ شَيْءٍ غَيْرَهَا -: فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ قِيمَةِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَحَدِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ بَلَغَ مَا يُرْفَعُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ: خَمْسَةَ أَمْنَانٍ وَهِيَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَلِكَ الْوَرْسُ. وَإِنْ بَلَغَ الْقُطْنُ خَمْسَةَ أَحْمَالٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ آلَافِ رِطْلٍ فُلْفُلِيَّةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا. وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ حَبَّ الْعُصْفُرِ إنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زُكِّيَ هُوَ وَنُوَّارُهُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُزَكَّ لَا حَبُّهُ وَلَا نُوَّارُهُ. وَاخْتَلَفَا فِي الْإِجَّاصِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْحِنَّاءِ، فَمَرَّةً أَوْجَبَا فِيهَا الزَّكَاةَ وَمَرَّةً أَسْقَطَاهَا؟ وَأَسْقَطَا الزَّكَاةَ عَنْ خُيُوطِ الْقِنَّبِ، وَعَنْ حَبِّ الْقُطْنِ، وَعَنْ الْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَالنَّبْقِ وَالتُّفَّاحِ، وَالْكُمَّثْرَى، وَالْمِشْمِشِ، وَالْهَلِيلِجِ وَالْقِثَّاءِ، وَاللُّفْتِ، وَالتُّوتِ،

وَالْخَرُّوبِ، وَالْحُرْفِ وَالْحُلْبَةِ، وَالشُّونِيزِ وَالْكُرَّاثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ، وَفِي كُلِّ ثَمَرَةٍ، وَفِي الْحَشِيشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَا تَحَاشَ شَيْئًا. قَالُوا: فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْكَيْلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، وَمَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الزَّكَاةُ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ السَّلَفِ الْأَوَّلِ أَقْوَالًا؟ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ الْكُرَّاثِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى الزَّكَاةَ فِي السُّلْتِ؟ وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَهُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ. وَرَوَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ، وَأَنَّهُ قَالَ: فِي عَشْرِ دَسْتَجَاتِ بَقْلٍ دَسْتَجَةٌ. وَرَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شُعْبَةُ وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ عُمُومًا، دُونَ تَخْصِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي التَّوَابِلِ وَالزَّعْفَرَانِ: عُشْرُ مَا يُصَابُ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْبُقُولِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السُّلْتِ فَإِنَّهُ قَدَّرَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْقَمْحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْقَمْحُ يَسْتَحِيلُ فِي بَعْضِ الْأَرَضِينَ سُلْتًا؛ فَإِنَّ اسْمَهُمَا عِنْدَ الْعَرَبِ مُخْتَلِفٌ، وَحَدُّهُمَا فِي الْمُشَاهَدَةِ مُخْتَلِفٌ، فَهُمَا

صِنْفَانِ بِلَا شَكٍّ وَقَدْ يَسْتَحِيلُ الْعَصِيرُ خَمْرًا، وَيَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ خَلًّا، وَهِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ بِلَا خِلَافٍ؛ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ بُرْهَانٌ مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ مَعْقُولٍ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَحَالَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ؛ فَهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ؛ وَلَكِنْ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقَعَ حُكْمٌ وَرَدَ فِي اسْمِ صِنْفٍ مَا عَلَى مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُوقَعَ عَلَى غَيْرِ السَّارِقِ حُكْمُ السَّارِقِ، وَعَلَى غَيْرِ الْغُنْمِ حُكْمُ الْغَنَمِ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ أَثَرًا لَا يَصِحُّ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «إنَّ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ قَمْحُهُ وَسُلْتُهُ وَشَعِيرُهُ فِيمَا سُقِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالرِّشَاءِ نِصْفُ الْعُشْرِ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لَا تُسْنَدُ، وَقَدْ خَالَفَ خُصُومُنَا أَكْثَرَ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ حَدَّ حَدًّا فَاسِدًا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ؛ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَاسَ عَلَى الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ كُلَّ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ خُبْزٌ أَوْ عَصِيدَةٌ، وَلَمْ يَقِسْ عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ كُلَّ مَا يَتَقَوَّتُ مِنْ الثِّمَارِ، فَإِنَّ الْبَلُّوطَ وَالتِّينَ وَالْقَسْطَلَ وَجَوْزَ الْهِنْد أَقْوَى وَأَشْهَرَ فِي التَّقَوُّتِ مِنْ الزَّبِيبِ بِلَا شَكٍّ؛ فَمَا عَلِمَنَا بَلَدًا يَكُونُ قُوتُ أَهْلِهِ الزَّبِيبُ صِرْفًا، وَنَعْلَمُ بِلَادًا لَيْسَ قُوتُهَا إلَّا الْقَسْطَلَ، وَجَوْزَ الْهِنْدِ وَالتِّينَ صِرْفًا؛ وَكَذَلِكَ

الْبَلُّوطُ، وَقَدْ يُعْمَلُ مِنْهُ الْخُبْزُ وَالْعَصِيدَةُ؛ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَأَشَدُّ وَأَبْيَنُ فِي الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ التَّقَوُّتَ فَإِنَّ الْقَسْطَلَ، وَالْبَلُّوطَ، وَالتِّينَ، وَجَوْزَ الْهِنْدِ، وَاللُّفْتَ، بِلَا شَكٍّ أَقْوَى فِي التَّقَوُّتِ مِنْ الزَّيْتِ وَمِنْ الزَّيْتُونِ وَمِنْ الْحِمَّصِ وَمِنْ الْعَدَسِ وَمِنْ اللُّوبْيَاءِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ إيجَابُهُ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ. وَهُوَ لَا يُؤْكَلُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْوَقِيدِ خَاصَّةً؛ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِأَرْضِ مِصْرَ فَقَطْ. وَأَخْبَرَنِي ثِقَةٌ فِي نَقْلِهِ وَتَمْيِيزِهِ أَنَّ الْمُسَمَّى بِمِصْرَ فُجْلًا يُعْمَلُ مِنْهُ الزَّيْتُ الَّذِي رَأَى مَالِكٍ فِيهِ الزَّكَاةَ، هُوَ النَّبَاتُ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالْأَنْدَلُسِ " اللبشتر " وَهُوَ نَبَاتٌ صَحْرَاوِيٌّ لَا يُغْتَرَسُ أَصْلًا. وَلَمْ يَرَ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ، وَلَا فِي زَيْتِ السِّمْسِمِ، وَزَيْتِ الْجَوْزِ، وَزَيْتِ الهركان، وَزَيْتِ الزنبوج وَزَيْتِ الضَّرْوِ وَهَذِهِ تُؤْكَلُ وَيُوقِدُ بِهَا، وَهِيَ زُيُوتُ خُرَاسَانَ، وَالْعِرَاقِ، وَأَرْضِ الْمُصَامَدَةِ، وَصِقِلِّيَّةَ؟ وَلَا مُتَعَلَّقَ لِقَوْلِهِ فِي قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا فِي رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ دَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالْمَدِينَةِ؟ وَمَا نَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَالَا نَصًّا عَنْهُمَا: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ عِنْدَهُمَا، ثُمَّ

يُسْقِطَانِ الزَّكَاةَ عَنْ أَكْثَرِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا بِاسْمِهِ مِنْ الرُّمَّانِ، وَسَائِرِ مَا يَكُونُ فِي الْجَنَّاتِ، وَهَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّكَاةَ فِيهَا فِيمَا يُحْصَدُ. فَقِيلَ لِلْمَالِكِيِّينَ: فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ الزَّكَاةَ فِي الزَّيْتُونِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ لَا يُحْصَدُ. وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيِّينَ: مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ الْحَصَادَ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الزَّرْعِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَنَازِلَ الْكُفَّارِ فَقَالَ: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100] . «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ: اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا» . وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: فَأَسْقَطُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَأَشَدُّهَا تَنَاقُضًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا التَّحْدِيدَ بِمَا يُتَقَوَّتُ، وَلَا بِمَا يُكَالُ، وَلَا بِمَا يُؤْكَلُ وَلَا بِمَا يَيْبَسُ، وَلَا بِمَا يُدَّخَرُ، وَأَتَيَا بِأَقْوَالٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. فَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ، وَالْجِلَّوْزِ، وَالصَّنَوْبَرِ. وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَاللُّفْتِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْبَسْبَاسِ، وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الشُّونِيزِ، وَهُمَا أَخَوَانِ. وَأَوْجَبَاهَا - فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ - فِي الثُّومِ وَالْبَصَلِ، وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الْكُرَّاثِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْكَتَّانِ وَحَبِّهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي حَبِّ الْعُصْفُرِ وَنُوَّارِهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْقُطْنِ دُونَ حَبِّهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْقِنَّبِ، وَأَسْقَطَاهَا عَنْ خُيُوطِهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْخَرْدَلِ، وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الْحُرْفِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْعُنَّابِ، وَأَسْقَطَاهَا عَنْ النَّبْقِ وَهُمَا أَخَوَانِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الرُّمَّانِ، وَأَسْقَطَاهَا عَنْ التُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَهِيَ سَوَاءٌ. فَإِنْ قِيلَ: الرُّمَّانُ مَذْكُورٌ فِي الْآيَةِ. قِيلَ: وَالزَّرْعُ مَذْكُورٌ فِي الْآيَةِ. وَقَدْ أَسْقَطَا الزَّكَاةَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُزْرَعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ تُشْبِهُ مَا يَأْتِي بِهِ الْمَمْرُورُ. وَمَا لَهُمَا مُتَعَلِّقٌ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا

قَالَ بِذَلِكَ قَبْلَهُمَا، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ أَيْضًا جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِالْقُرْآنِ، وَلَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْقَصَبَ، وَالْحَشِيشَ وَوَرَقَ الثِّمَارِ كُلِّهَا، وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِمَا احْتَجَّ بِهِ، بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، مَعَ خِلَافِهِ لِلسُّنَّةِ. فَخَرَجَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الْجَوَازِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُنَا، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَحْتَجُّونَ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ. فَوَجَدْنَا الْآيَةَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَا لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالزَّكَاةُ مَدَنِيَّةٌ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ أُنْزِلَتْ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ: نَعَمْ هِيَ مَكِّيَّةٌ؛ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ وَحْدَهَا، فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا، وَتَخْصِيصٍ بِلَا دَلِيلٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ. لِأَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ زَعَمَ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ ثَابِت بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ إذْ جَذَّ ثَمَرَتَهُ فَتَصَدَّقَ مِنْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَا الزَّكَاةُ. وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى فِيهَا: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ إيتَاؤُهَا يَوْمَ الْحَصَادِ؛ لَكِنْ فِي الزَّرْعِ بَعْدَ الْحَصَادِ، وَالدَّرْسِ وَالذَّرْوِ وَالْكَيْلِ، وَفِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْكَيْلِ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الزَّكَاةُ الَّتِي لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّالِثُ: قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا: {وَلا تُسْرِفُوا} [الأنعام: 141] وَلَا سَرَفَ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مَحْدُودَةٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا حَبَّةٌ وَلَا تُزَادُ أُخْرَى.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا هَذَا الْحَقُّ الْمُفْتَرَضُ فِي الْآيَةِ. قُلْنَا: نَعَمْ، هُوَ حَقٌّ غَيْرُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْحَاصِدُ حِينَ الْحَصْدِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَلَا بُدَّ، لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، هَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: كَانُوا يُعْطُونَ مَنْ اعْتَرَّ بِهِمْ شَيْئًا سِوَى الصَّدَقَةِ. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ. ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: يُعْطِي نَحْوًا مِنْ الضِّغْثِ. وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: إذَا حَصَدْت وَحَضَرَك الْمَسَاكِينُ: طَرَحْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا طَيَّبْت: طَرَحْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا نَقَّيْته وَأَخَذْت فِي كَيْلِهِ: حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ: عَزَلْت زَكَاتَهُ. وَإِذَا أَخَذْت فِي جِدَادِ النَّخْلِ طَرَحْت لَهُمْ مِنْ التَّفَارِيقِ وَالتَّمْرِ

وَإِذَا أَخَذْت فِي كَيْلِهِ: حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ: عَزَلْت زَكَاتَهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: هَذَا وَاجِبٌ حِينَ يُصْرِمُ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَقَالَ: كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا غَيْرَ الصَّدَقَةِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: يَمُرُّ بِهِ الضَّعِيفُ وَالْمِسْكِينُ فَيُعْطِيهِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَكُونُ. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . قَالَ: بَعْدَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ، يُعْطِي الضِّغْثَ وَالشَّيْءَ. وَعَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . قَالَ: لُقَاطِ السُّنْبُلِ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] قَالَ: شَيْءٌ يَسِيرٌ سِوَى الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَلَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ؛ وَمِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ نُسِخَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِنَصٍّ مُتَّصِلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَمَا يَعْجَزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِي أَيِّ آيَةٍ شَاءَ، وَفِي أَيِّ حَدِيثٍ شَاءَ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَدَعْوَى النَّسْخِ إسْقَاطٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِنَصٍّ مُسْنَدٍ صَحِيحٍ. وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ» فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ؛ لَوْ لَمْ يَأْتِ مَا يَخُصُّهُ لَمْ يَجُزْ خِلَافُهُ لِأَحَدٍ.

لَكِنْ وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدِ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: ثنا وَكِيعٌ: وَقَالَ الطَّلْمَنْكِيُّ: ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ -: ثُمَّ اتَّفَقَ وَكِيعٌ، وَيَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقِ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» . قَالَ وَكِيعٌ فِي رِوَايَتِهِ " مِنْ تَمْرٍ " وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّدَقَةَ عَنْ كُلِّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ. وَلَفْظَةُ " دُونَ " فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ وُقُوعًا مُسْتَوِيًا، لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهُمَا بِمَعْنَى: أَقَلُّ، وَبِمَعْنَى: غَيْرُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا} [الإسراء: 2] أَيْ مِنْ غَيْرِي. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ} [الأنفال: 60] أَيْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَحَيْثُمَا وَقَعَتْ لَفْظَةُ " دُونَ " فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ بِمَعْنَى: غَيْرُ؛ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَصِرَ بِلَفْظَةِ " دُونَ " فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَعْنَى: أَقَلُّ دُونَ مَعْنَى: غَيْرُ

وَنَحْنُ إذَا حَمَلْنَا " دُونَ " هَاهُنَا عَلَى مَعْنَى: غَيْرُ دَخَلَ فِيهِ: أَقَلُّ؛ وَتَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ نَصٍّ لَا يَحِلُّ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ، وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِنَصِّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَبِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ وَالنَّصِّ أَيْضًا. وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَلَا نَصَّ فِيهِ، بِنَفْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ غَيْرُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ ثُمَّ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " حَبٍّ " فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {حَبًّا} [عبس: 27] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: 29] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَبُّ: الْبُرُّ، وَالْقَضْبُ: الْفِصْفِصَةُ، فَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ - بِالْحَبِّ عَلَى الْبُرِّ. وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد الدِّينَوَرِيُّ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي النَّبَاتِ فِي بَابِ تَرْجَمَتِهِ " بَابُ الزَّرْعِ وَالْحَرْثِ وَأَسْمَاءِ الْحَبِّ وَالْقَطَانِيِّ وَأَوْصَافِهَا " فَقَالَ -: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَهُوَ الشَّيْبَانِيُّ - جَمِيعُ بُزُورِ النَّبَاتِ يُقَالُ لَهَا " الْحِبَّةُ " بِكَسْرِ الْحَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَاحِدُ الْحَبَّةِ: حَبَّةُ،

بِفَتْحِ الْحَاءِ؛ فَأَمَّا الْحَبُّ فَلَيْسَ إلَّا الْحِنْطَةَ، وَالشَّعِيرَ، وَاحِدُهَا حَبَّةٌ، بِفَتْحِ الْحَاءِ؛ وَإِنَّمَا افْتَرَقَتَا فِي الْجَمْعِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ - إثْرَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ لِأَبِي نَصْرٍ صَاحِبِ الْأَصْمَعِيِّ كَلَامًا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ كَالْأُرْزِ، وَالدَّخَنِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ جُمُوعٍ -: الْحَبُّ لِلْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ خَاصَّةً، وَالْحِبَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا - لِكُلِّ مَا عَدَاهُمَا مِنْ الْبُزُورِ خَاصَّةً، وَالْحُبُوبُ لِلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْبُزُورِ. وَالْكِسَائِيُّ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ، وَفِي الدِّينِ، وَالْعَدَالَةِ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْحَبَّ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصًّا بِنَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ -: فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّبَاتِ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ. وَقَدْ رَوَى مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ، عَمَّنْ لَا يُوثَقُ بِهِ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، عَمَّنْ لَا يُوثَقُ بِهِ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الْحُبُوبِ - وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبِ الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ الطَّلْحِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ بِمِثْلِ هَذَا، وَزَادُوا إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: الزَّبِيبَ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ -: قَالَ عَمْرٌو عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: «أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ لَمْ يَأْخُذْ الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ» . وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا إلَّا مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثنا حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي صَدَقَةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ، قَالَ: مَا كَانَ مِنْ نَخْلٍ، أَوْ عِنَبٍ، أَوْ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ.

وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ: ثنا يَزِيدُ عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْعُشْرَ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا: الصَّدَقَةُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ -: الذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَسَنِ هُوَ ابْنُ حَيٍّ - عَنْ مُطَرِّفٍ - قَالَ قَالَ لِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَقَدْ سَأَلْته عَنْ الْأَقْطَانِ، وَالسَّمَاسِمِ: أَفِيهَا صَدَقَةٌ. قَالَ: مَا حَفِظْنَا عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، إلَّا فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَكَمُ أَدْرَكَ كِبَارَ التَّابِعِينَ وَبَعْضَ الصَّحَابَةِ. وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ الْحُمَيْدِ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ مُوسَى: إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي: الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ. وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لَا صَدَقَةَ إلَّا فِي نَخْلٍ، أَوْ عِنَبٍ، أَوْ حَبٍّ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَادَّعَى مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا أَنَّ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الزَّبِيبِ إجْمَاعٌ، وَذَكَرَ آثَارًا لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ.

أَحَدُهَا - مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: عِنْدَنَا «كِتَابُ مُعَاذٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ: التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكُ مُعَاذًا بِعَقْلِهِ. وَآخَرُ - مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ صَحِيفَةٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعُشْرُ فِي: التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ» . وَخُصُومُنَا يُخَالِفُونَ كَثِيرًا مِنْ صَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَلَا يَرَوْنَهُ حُجَّةً. وَآخَرُ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، وَكِلَاهُمَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبِ الْأَنْدَلُسِيِّ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى - وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ وَهُوَ أَبُو جُزْءٍ، وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ؛ كُلُّهُمْ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدَ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَرْصِ الْعِنَبِ. وَسَعِيدٌ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عَتَّابٍ بِسَنَتَيْنِ. وَعَتَّابٌ لَمْ يُوَلِّهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَكَّةَ وَلَا زَرْعَ بِهَا، وَلَا عِنَبَ. فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ لَأَخَذْنَا بِهِ، وَلَمَا حَلَّ لَنَا خِلَافُهُ، كَمَا لَا يَحِلُّ الْأَخْذُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَبَرٍ لَا يَصِحُّ. وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَبَاطِلٌ -: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ: الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ كَانَ لَا يَرَى فِي الْعِنَبِ صَدَقَةً. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ: ثنا هُشَيْمٌ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الصَّدَقَةُ فِي: الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ

ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بُنْدَارٌ ثنا غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَيْلِ زَكَاةٌ؛ وَلَا فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ زَكَاةٌ؛ وَلَيْسَ فِي الزَّبِيبِ: شَيْءٌ. فَهَؤُلَاءِ: شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، لَا يَرَوْنَ فِي الزَّبِيبِ زَكَاةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ؛ عَلَى عُمُومِ الْخَبَرِ الثَّابِتِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» أَوْ قَوْلِنَا، وَهُوَ لَا زَكَاةَ إلَّا فِيمَا أَوْجَبَهَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْمِهِ، عَلَى مَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ» . وَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِيهِ عُمُومُهُ، وَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ -: فَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ، وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِتَعْلِيلٍ مُطَّرِدٍ؛ بَلْ خَالَفُوا كُلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ رَاعَوْا الْقُوتَ، فَقَدْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَقْوَاتِ: كَالتِّينِ، وَالْقَسْطَلِ، وَاللَّبَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبُوهُ فِيمَا لَيْسَ قُوتًا: كَالزَّيْتِ وَالْحِمَّصِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُتَقَوَّتُ إلَّا لِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ. وَإِنْ رَاعَوْا الْأَكْلَ فَقَدْ أَسْقَطُوهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُؤْكَلُ، وَأَوْجَبَهَا بَعْضُهُمْ فِيمَا لَا يُؤْكَلُ: كَزَيْتِ الْفُجْلِ وَالْقُطْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ رَاعَوْا مَا يُوسَقُ، فَقَدْ أَسْقَطُوهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُوسَقُ. ثُمَّ أَيْضًا - لَوْ رَاعَوْا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي وَطَرَدُوا أَصْلَهُمْ لَكَانُوا قَائِلِينَ بِلَا بُرْهَانٍ؛ لَكِنْ بِدَعْوَى فَاسِدَةٍ وَظَنٍّ كَاذِبٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ؛ فَإِنَّ قَوْلَ مَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ حَرَجٌ شَدِيدٌ، وَشِقُّ الْأَنْفُسِ، وَعُسْرٌ لَا يُطَاقُ. وَالْأَخْذُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، وَمُمْتَنِعٌ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَنْبُتَ فِي دَارِ أَحَدٍ، أَوْ فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ لَهُ: عُشْبٌ، وَلَوْ أَنَّهُ وَرَقَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ نَرْجِسَةُ، أَوْ فُولٌ، أَوْ غُصْنُ حُرْفٍ أَوْ بَهَارَةٌ أَوْ تِينَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرُ كُلِّ

ذَلِكَ، أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ. وَكَذَلِكَ وَرَقُ الشَّجَرِ وَالتِّبْنُ، حَتَّى تِبْنُ الْفُولِ، وَقَصَبُ الْكَتَّانِ؛ نَعَمْ. وَأُصُولُ الشَّجَرِ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْقِيهِ الْمَاءُ؛ وَهَذَا مَا لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَامْتَنَّ تَعَالَى عَلَيْنَا إذْ أَجَابَنَا فِي دُعَائِنَا الَّذِي أَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَدْعُوَ بِهِ فَنَقُولَ {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» . فَإِنْ قِيلَ: يُفْعَلُ فِي ذَلِكَ مَا يَفْعَلُ الشَّرِيكَانِ فِيهِ. قُلْنَا: هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ مُبَاحٌ، وَتَحْلِيلُهُ لَهُ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَلَا التَّحْلِيلُ مِنْهَا أَصْلًا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا نَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِبَيَانِ نَصٍّ آخَرَ. فَصَحَّ أَنْ لَا زَكَاةَ إلَّا فِيمَا أَوْجَبَهُ بَيَانُ نَصٍّ غَيْرِ ذَلِكَ النَّصِّ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ إلَّا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ فَقَطْ. وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَإِنَّمَا يُشَرِّعُ بِرَأْيِهِ، وَيُخَصِّصُ الْأَثَرَ بِظَنِّهِ الْكَاذِبِ - وَهَذَا حَرَامٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمَعَادِنُ: فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَ، وَالْحَدِيدَ، وَالرَّصَاصَ، وَالْقَزْدِيرَ: لَا زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا إذَا مُزِجَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي: الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَالْحُلِيِّ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُزَكَّى تِلْكَ الدَّنَانِيرُ، وَالدَّرَاهِمُ: بِوَزْنِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْقَطَ الزَّكَاةَ نَصًّا فِيمَا دُونِ

خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ، وَفِيمَا دُونِ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّهَبِ، وَلَمْ يُوجِبْ - بِلَا خِلَافٍ - زَكَاةً فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ، فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ الْمَمْزُوجَةِ بِالنُّحَاسِ، أَوْ الْحَدِيدِ، أَوْ الرَّصَاصِ، أَوْ الْقَزْدِيرِ؛ فَقَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ -: إحْدَاهُمَا - فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الرَّقَّةِ. وَالثَّانِيَةُ - فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا إذْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي: الصُّفْرِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْقَزْدِيرِ، وَالْحَدِيدِ، إذَا مُزِجَ شَيْءٌ مِنْهَا بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْهَا إذَا كَانَتْ صِرْفًا وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يَحِلُّ. وَأَيْضًا: فَنَسْأَلُهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ مُزِجَ بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، فَكَانَ الْمَمْزُوجُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ، وَمِنْ الْفِضَّةِ. ثُمَّ لَا نَزَالُ نَزِيدُهُمْ إلَى أَنْ نَسْأَلَهُمْ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ فَلْسُ فِضَّةٍ فَقَطْ وَسَائِرُهَا نُحَاسٌ. فَإِنْ جَعَلُوا فِيهَا الزَّكَاةَ أَفْحَشُوا جِدًّا، وَإِنْ أَسْقَطُوهَا سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي يُوجِبُونَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَاَلَّذِي يُسْقِطُونَهَا فِيهِ. فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا حَدًّا كَانُوا قَدْ خَلَطُوا مَا يُحَرِّمُونَ بِمَا يُحِلُّونَ؛ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا لِمَنْ اتَّبَعَهُمْ الْحَرَامَ فَيَجْتَنِبُوهُ، مِنْ الْحَلَالِ فَيَأْتُوهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا، هُوَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ فِي اللُّغَةِ وَالدِّيَانَةِ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتٍ مَحْمُولَةٍ فِيهَا؛ فَلِلْفِضَّةِ صِفَاتُهَا الَّتِي إذَا وُجِدَتْ فِي شَيْءٍ سُمِّيَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِضَّةً؛ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي اسْمِ الذَّهَبِ وَاسْمِ النُّحَاسِ وَاسْمِ كُلِّ مُسَمًّى فِي الْعَالَمِ. وَأَحْكَامُ الدِّيَانَةِ إنَّمَا جَاءَتْ عَلَى الْأَسْمَاءِ؛ فَلِلْفِضَّةِ حُكْمُهَا، وَلِلذَّهَبِ حُكْمُهُ،

مسألة صدقة الخيل والرقيق

وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ فِي الْعَالَمِ. فَإِذَا سَقَطَ الِاسْمُ الَّذِي عَلَيْهِ جَاءَ النَّصُّ بِالْحُكْمِ سَقَطَ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَانْتَقَلَ الْمُسَمَّى إلَى الْحُكْمِ الَّذِي جَاءَ فِي النَّصِّ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ؛ كَالْعَصِيرِ وَالْخَمْرِ، وَالْخَلِّ، وَالْمَاءِ، وَالدَّمِ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، وَالْآنِيَةِ، وَالدَّنَانِيرِ، وَكُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ. فَإِنْ كَانَ الْمَزْجُ فِي الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ لَا يُغَيِّرُ صِفَاتِهِمَا الَّتِي مَا دَامَتْ فِيهَا سُمِّيَا فِضَّةً؛ وَذَهَبًا فَهِيَ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ؛ فَالزَّكَاةُ فِيهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَزْجُ فِي الْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ قَدْ غَيَّرَ صِفَاتِهِمَا - وَسَقَطَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ اسْمُ فِضَّةٍ وَاسْمُ ذَهَبٍ لِظُهُورِ الْمَزْجِ فِيهِمَا - فَهُوَ حِينَئِذٍ: فِضَّةٌ مَعَ ذَهَبٍ؛ أَوْ فِضَّةٌ مَعَ نُحَاسٍ، فَالْوَاجِبُ أَنَّ فِي مِقْدَارِ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي تِلْكَ الدَّرَاهِمِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا خَاصَّةً، وَلَا زَكَاةَ فِي النُّحَاسِ الظَّاهِرِ فِيهَا أَثَرُهُ - وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الذَّهَبِ مَعَ مَا مُزِجَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي الدَّنَانِيرِ ذَهَبٌ تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ، وَفِضَّةٌ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ فَالزَّكَاةُ فِيمَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ. وَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ فَالزَّكَاةُ فِيمَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ وَمِنْ الذَّهَبِ مَا تَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ، زُكِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَحُكْمِهِ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا. وَإِنْ كَانَ مَا فِيهِمَا مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ الْفِضَّةِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَوْ انْفَرَدَ، فَلَا زَكَاةَ هُنَاكَ أَصْلًا. فَإِنْ زَادَ الْمَزْجُ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْفِضَّةِ وَلَا لِلذَّهَبِ هُنَاكَ صِفَةٌ فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ فِضَّةٌ أَصْلًا وَلَا ذَهَبٌ؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا، اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ صَدَقَةُ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ] وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالرَّقِيقُ - فَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الرَّأْسِ عَشَرَةً وَمِنْ الْفَرَسِ

عَشَرَةً، وَمِنْ الْبَرَاذِينِ خَمْسَةً - يَعْنِي رَأْسَ الرَّقِيقِ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ - قَالَ: إنَّ حَيَّ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ قَلُوصٍ؛ فَنَدِمَ الْبَائِعُ، فَلَحِقَ بِعُمَرَ، فَقَالَ: غَصَبَنِي يَعْلَى وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي. فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى يَعْلَى: أَنْ الْحَقْ بِي فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ؛ فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ عِنْدَكُمْ هَذَا؟ فَقَالَ يَعْلَى: مَا عَلِمْت فَرَسًا بَلَغَ هَذَا قَبْلَ هَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: فَنَأْخُذُ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً وَلَا نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا قَالَ: قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا دِينَارًا. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ نَمِرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَاتِ الْخَيْلِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُصْدِقُ الْخَيْلَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِك. فَقَالَ لِلرَّسُولِ: إنَّ مَرْوَانَ لَا يَعْلَمُ إنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُطْعِمَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ؛ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: وَفِي الْخَيْلِ الزَّكَاةُ. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ إلَى أَنَّ فِي الْخَيْلِ الزَّكَاةَ - وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ، وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] . وَقَالُوا: وَالْخَيْلُ أَمْوَالٌ؛ فَالصَّدَقَةُ فِيهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، وَلَا ظُهُورِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مَا مَوَّهَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلِ الصَّحَابَة؛ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ -: أَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهَا {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] فَلَوْ لَمْ يَرِدْ إلَّا هَذَا النَّصُّ وَحْدَهُ لَأَجْزَأَ فَلْسٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ أُخِذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ أَنَّ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ صَدَقَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، وَلَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَلَا مَتَى تُؤْخَذُ تِلْكَ الصَّدَقَةُ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ، قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا، غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَا مُبَيَّنَ الْمِقْدَارِ؛ وَلَا مَدْخَلَ لِلزَّكَاةِ فِي ظُهُورِ الْخَيْلِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ حُمِلَ عَلَى مَا طَابَتْ نَفْسُهُ مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَارِيَّةُ ظُهُورِهَا لِلْمُضْطَرِّ. وَأَمَّا فِعْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَدْ خَالَفُوهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ الذُّكُورِ وَلَوْ كَثُرَتْ وَبَلَغَتْ أَلْفَ فَرَسٍ فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا، أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا، سَائِمَةً غَيْرَ مَعْلُوفَةٍ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَصِفَةُ تِلْكَ الزَّكَاةِ أَنَّ صَاحِبَ الْخَيْل مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ مِنْهَا دِينَارًا أَوْ عَشَرَة دَرَاهِمَ؛ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا فَأَعْطَى مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافُ فِعْلِ عُمَرَ. وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَ عُمَرَ فِي أَخْذِهِ الزَّكَاةَ مِنْ الرَّقِيقِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِذِي عَقْلٍ وَدِينٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ فِعْلِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَخَالَفُوا عَلِيًّا فِي إسْقَاطِ زَكَاةِ الْخَيْلِ جُمْلَةً، وَأَتَوْا بِقَوْلٍ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ النَّاسِ إلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ أَصْلًا. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ إنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ مِنْهُمْ لَا وَاجِبَةٌ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ بِالصَّدَقَةِ؛ فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، خَيْلٌ لَنَا وَرَقِيقٌ افْرِضْ عَلَيْنَا عَشَرَةً عَشَرَةً. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَفْرِضُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَرَأْت عَلَى أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ زُهَيْرٍ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - ثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ - عَنْ حَارِثَةَ هُوَ ابْنُ مُضَرِّبٍ - قَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَاهُ أَشْرَافُ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّا أَصَبْنَا رَقِيقًا وَدَوَابَّا فَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا صَدَقَةً تُطَهِّرُنَا وَتَكُونُ لَنَا زَكَاةً. فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَفْعَلْهُ اللَّذَانِ كَانَا قَبْلِي» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَالْإِسْنَادُ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْخَيْلِ صَدَقَةً؛ وَلَا أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ؛ وَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْرِضْ ذَلِكَ. وَأَنَّ عَلِيًّا بَعْدَهُ لَمْ يَأْخُذْهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ثنا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ - ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ الْخَيْلِ، فَأَدُّوا صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ» .

وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» . وَالْفَرَسُ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ لَمَا أَغْفَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَ مِقْدَارِهَا وَمِقْدَارِ مَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَهُوَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الْحَمِيرُ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِيهَا الزَّكَاةَ، إلَّا شَيْئًا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْته عَنْ الْحَمِيرِ أَفِيهَا زَكَاةٌ. فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَمَّا أَنَا فَأُشَبِّهُهَا بِالْبَقَرِ؛ وَلَا نَعْلَمُ فِيهَا شَيْئًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِزَكَاةٍ مَحْدُودَةٍ مَوْصُوفَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْحَمِيرِ، لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ، وَكَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ الصَّدَاقَ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ أَنْ يَقِيسَهَا عَلَى الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، لِأَنَّهَا ذَاتُ أَرْبَعٍ مِثْلُهَا، وَإِنْ افْتَرَقَتْ

مسألة الزكاة في العسل

فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ يُخَالِفُ السَّرِقَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاةَ فِي الْعَسَلِ] وَأَمَّا الْعَسَلُ: فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابَهُمْ: لَمْ يَرَوْا فِيهِ زَكَاةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ النَّحْلُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ عُشْرُ مَا أُصِيبَ مِنْهُ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَرَأَى فِي الْمَوَاشِي الزَّكَاةَ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذْ بَلَغَ الْعَسَلُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَفِيهِ رَطْلٌ وَاحِدٌ؛ وَهَكَذَا مَا زَادَ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَالرَّطْلُ هُوَ الْفُلْفُلِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا بَلَغَ الْعَسَلُ خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَإِلَّا فَلَا - وَالْفَرْقُ: سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَطْلًا فُلْفُلِيَّةً، وَالْخَمْسَةُ الْأَفْرَاقِ: مِائَةُ رَطْلٍ وَثَمَانُونَ رَطْلًا فُلْفُلِيَّةً؛ قَالَ: وَالسُّكَّرُ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مُنَاقَضَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِيجَابُهُ الزَّكَاةَ فِي الْعَسَلِ وَلَوْ أَنَّهُ قَطْرَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَظَاهِرَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا. وَأَمَّا تَحْدِيدُ صَاحِبِيهِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْخَبْطِ وَالتَّخْلِيطِ. وَهُوَ إلَى الْهَزْلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْجِدِّ. لَكِنَّ فِي الْعَسَلِ خِلَافٌ قَدِيمٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فِي الْعَسَلِ: إنَّ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَفْرَاقٍ فَرْقًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّهُ أَخَذَ عُشْرَ الْعَسَلِ مِنْ قَوْمِهِ وَأَتَى بِهِ عُمَرُ؛ فَجَعَلَهُ عُمَرُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ؛ قَالَ: «وَقَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمْتُ وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَى قَوْمِي، وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ فَقُلْت لِقَوْمِي: فِي الْعَسَلِ

زَكَاةٌ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُزَكَّى فَقَالُوا: كَمْ تَرَى. فَقُلْت: الْعُشْرُ، فَأَخَذْتُهُ وَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ مُرَّةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي عُشُورِ الْعَسَلِ: مَا كَانَ مِنْهُ فِي السَّهْلِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَبَلِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَصَحَّ عَنْ مَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَزْقَاقٍ مِنْ الْعَسَلِ زِقًّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى: فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ مِنْ عَسَلٍ زِقٌّ، قَالَ: وَالزِّقُّ يَسَعُ رَطْلَيْنِ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «جَاءَ هِلَالٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ، فَحَمَاهُ لَهُ» وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرِّرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشُورُ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى «أَنَّ أَبَا سَيَّارَةَ الْمُتَعِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِي نَحْلًا. قَالَ: فَأَدِّ مِنْهُ الْعُشْرَ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ كَتَبْت إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ زَكَاةِ الْعَسَلِ. فَذَكَرَ جَوَابَهُ، وَفِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ لِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِي: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيَّ

قَالَ لَهُ: إنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ صَدَقَةِ الْعَسَلِ. فَرَدَّ إلَيْهِ عُمَرُ: قَدْ وَجَدْنَا بَيَانَ صَدَقَةِ الْعَسَلِ بِأَرْضِ الطَّائِفِ؛ فَخُذْ مِنْهُ الْعُشُورَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: فَصَحِيفَةٌ لَا تَصِحُّ، وَقَدْ تَرَكُوهَا حَيْثُ لَا تُوَافِقُ تَقْلِيدَهُمْ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ وَهُوَ أَسْقَطُ مِنْ كُلِّ سَاقِطٍ مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ: فَمُنْقَطِعٌ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى لَا يُعْرَفُ لَهُ لِقَاءُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ. وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْهُ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ عَطَاءٌ، وَعَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ، وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ، وَبَعْضُ رُوَاتِهِ يَقُولُ: مُتَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَعَنْ بَقِيَّةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ عَنْ هِلَالِ بْنِ مُرَّةَ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ، أَوْ عَنْ عُمَرَ، أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ خَبَرٌ مُرْسَلٌ أَيْضًا كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا أَتَى الْيَمَنَ أُتِيَ بِالْعَسَلِ وَأَوْقَاصِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: لَمْ أُؤْمَرْ فِيهَا بِشَيْءٍ.»

مسألة زكاة عروض التجارة

وَلَكِنَّا لَا نَسْتَحِلُّ الْحِجَاجَ بِمُرْسَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى الْيَمَنِ، فَأَرَدْت، أَنْ آخُذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَالَ: صَدَقَ، هُوَ عَدْلٌ رَضِيٌّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِأَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ فَرْضِ زَكَاةٍ فِي مَالٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إيجَابُهَا. فَإِنْ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] . قِيلَ لَهُمْ: فَأَوْجِبُوهَا فِيمَا خَرَجَ مِنْ مَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَفِي الْقَصَبِ، وَفِي ذُكُورِ الْخَيْلِ، فَكُلُّ ذَلِكَ أَمْوَالٌ لِلْمُسْلَمِينَ، بَلْ أَوْجَبُوهَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَسْقَطُوهَا مِمَّا خَرَجَ مِنْ النَّخْلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَفِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. وَلَكَنَّهُمْ قَوْمٌ يَجْهَلُونَ [مَسْأَلَةٌ زَكَاة عُرُوضِ التِّجَارَةِ] وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ الْمُتَّخَذَةِ لِلتِّجَارَةِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَمُرَةَ «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نَعُدُّ لِلْبَيْعِ» .

وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ قَالَ: كُنْت عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ ثُمَّ حَسَبَهَا، غَائِبَهَا وَشَاهِدَهَا، ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَنْ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ: إنَّ عُمَّالَ عُمَرَ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ التُّجَّارَ شَكَوْا شِدَّةَ التَّقْوِيمِ، فَقَالَ عُمَرُ: هَاهْ هَاهْ خَفِّفُوا. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا حَمَاسُ، أَدِّ زَكَاةَ مَالِك. فَقُلْت: مَا لِي مَالٌ إلَّا جِعَابٌ وَأَدَمٌ. فَقَالَ: قَوِّمْهَا قِيمَةً ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالتَّرَبُّصِ حَتَّى يَبِيعَ، وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الزَّكَاةُ مَوْضُوعٌ فِيمَا يَنْمِي مِنْ الْأَمْوَالِ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ مَا بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَسَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُمْ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ بَلْ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَبَيَّنَ وَقْتَهَا وَمِقْدَارَهَا وَكَيْفَ تُخْرَجُ، أَمِنْ أَعْيَانِهَا، أَمْ بِتَقْوِيمٍ، وَبِمَاذَا تُقَوَّمُ؟ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُوجِبُ عَلَيْنَا زَكَاةً لَا يُبَيَّنُ كَمْ هِيَ. وَلَا كَيْفَ تُؤْخَذُ. وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مَوْكُولَةً إلَى أَصْحَابِ تِلْكَ السِّلَعِ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا مُعَاوِيَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ «قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ قَالَ: مَرَّ بِنَا

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» . فَهَذِهِ صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ؛ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهُمَا مَجْهُولَانِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْأَسْوَدِ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ - يَقُولُ: ذَكَرْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدِيثَ ابْنِ حَمَاسٍ فِي الْمَتَاعِ يُزَكَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. فَقَالَ مَالِكٌ: يَحْيَى قَمَّاشٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْقُمَاشَ، وَهُوَ الْكُنَاسَةُ: أَيْ يَرْوِي عَمَّنْ لَا قَدْرَ لَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قِلَابَةَ فَمُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرُ بِعَقْلِهِ وَلَا بِسِنِّهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ كَانَتْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَتْ لِلتُّجَّارِ أَمْوَالٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي فَائِدَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْمَاشِيَةِ حِينَ تُسْتَفَادُ، فَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الثَّمَنِ إذَا بَاعُوهُ.

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثنا أَبِي عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ التَّنُّورِيِّ ثنا حَمَّادٌ ثنا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ: يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا عَطَاءٌ: وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِهِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَصَحِيحٌ؛ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَابْنَهُ. مِنْهَا لِلْمَالِكِيِّينَ الرِّوَايَةُ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ؛ وَلِلْحَنَفِيِّينَ حُكْمُهُ فِي زَكَاةِ الرَّقِيقِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا - وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَابْنُهُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: خَالَفُوا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا؛ فَمَالِكٌ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَغَيْرِ الْمُدِيرِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّنْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ، مَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ. وَالشَّافِعِيُّ: يَرَى أَنْ لَا يُزَكِّيَ الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الصَّيَارِفَةُ خَاصَّةً، وَلَيْسَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَلَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَكُلُّهُمْ يَرَى فِيمَنْ وَرِثَ عُرُوضًا أَوْ ابْتَاعَهَا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ: أَنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ؛ وَلَا فِي ثَمَنِهَا إذَا بَاعَهَا؛ لَكِنْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا؛ وَهَذَا خِلَافُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ؛ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَدْ جَاءَ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ الْخُوزِيُّ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ إذْ جَاءَهُ زِيَادٌ الْبَوَّابُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ - يَقُولُ: أَرْسِلْ زَكَاةَ مَالِك. فَقَامَ فَأَخْرَجَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّمَا الزَّكَاةُ فِي النَّاضِّ. قَالَ نَافِعٌ: فَلَقِيت زِيَادًا فَقُلْت لَهُ: أَبْلَغْته. قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَمَاذَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ: قَالَ: صَدَقَ.

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا أَرَى الزَّكَاةَ إلَّا فِي الْعَيْنِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَطَنٍ قَالَ: مَرَرْت بِوَاسِطَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالُوا: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ لَا تَأْخُذُوا مِنْ أَرْبَاحِ التُّجَّارِ شَيْئًا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثنا مُعَاذٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَتَيْت الْمَسْجِدَ وَقَدْ قُرِئَ الْكِتَابُ، فَقَالَ صَاحِبٌ لِي: لَوْ شَهِدْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْبَاحِ التُّجَّارِ أَنْ لَا يُعْرَضَ لَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. فَهَذَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَافِعٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ. وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ لَمَا وَجَبَتْ شَرِيعَةٌ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ لَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ قَالَ بِهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَدْ أَسْقَطَ الْحَنَفِيُّونَ الزَّكَاةَ عَنْ الْإِبِلِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْبَقَرِ الْمَعْلُوفَةِ، وَأَمْوَالِ الصِّغَارِ كُلِّهَا إلَّا مَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُمْ. وَأَسْقَطَ الْمَالِكِيُّونَ الزَّكَاةَ عَنْ أَمْوَالِ الْعَبِيدِ، وَالْحُلِيِّ. وَأَسْقَطَهَا الشَّافِعِيُّونَ عَنْ الْحُلِيِّ، وَعَنْ الْمَوَاشِي الْمُسْتَعْمَلَةِ. وَكُلُّ هَذَا خِلَافٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا فَقَالَ: مَنَعَ الْعَبَّاسُ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَابْنُ جَمِيلٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، إنَّ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .

قَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ طُلِبَتْ مِنْهُ فِي دُرُوعِهِ، وَأَعْبُدِهِ؛ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا إشَارَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَوْهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا خَالِدًا إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ مَنْعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَطْ، صَدَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ذُو دِينٍ يُنْفِقُ النَّفَقَةَ الْعَظِيمَةَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ هَذَا حُكْمُ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إعْمَالُ الظَّنِّ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاطِلٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» . وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ، وَعَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَبِّ؛ فَمَنْ أَوْجَبَ زَكَاةً فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي كُلِّ مَا نُفِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الزَّكَاةُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي: عَبْدِهِ، وَلَا فَرَسِهِ، صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» . وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي: الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْكَنْزِ «فَسُئِلَ عَنْ الْخَيْلِ، فَقَالَ: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ» . «فَسُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] » فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْعَبِيدِ،

وَقَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ؛ فَلَوْ كَانَتْ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَكَاةٌ إذَا كَانَ لِتِجَارَةٍ -: لَبَيَّنَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ؛ فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرْضٍ كَحُكْمِ الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالرَّقِيقِ، وَمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَالْعَيْنِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَمِنْ مُوجِبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَمِنْ مَسْقَطٍ لِلزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ. وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ، وَلَا فِي الرَّقِيقِ، وَلَا فِي الْحَمِيرِ، وَلَا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ؛ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ كَحُكْمِ هَذِهِ. فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ. ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةٌ؛ وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَجْمَعَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا - وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي إيجَابِهِمْ الزَّكَاةَ فِي أَثْمَانِهَا إذَا بِيعَتْ ثُمَّ اُتُّجِرَ بِهَا بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا يَنْمَى، فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ الْقُنْيَةِ تَنْمَى قِيمَتُهَا كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: الْعُرُوض لِلتِّجَارَةِ فِيهَا النَّمَاءُ. قُلْنَا: وَفِيهَا أَيْضًا الْخَسَارَةُ، وَكَذَلِكَ الْحَمِيرُ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَالْخَيْلُ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالْإِبِلُ الْعَوَامِلُ تَنْمَى وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ يَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ، وَأَمْوَالُ الْعَبِيدِ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَقْوَالُهُمْ وَاضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهَا

لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَالَتْ: تُزَكَّى عُرُوضُ التِّجَارَةِ مِنْ أَعْيَانِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ. وَطَائِفَةً قَالَتْ: بَلْ نُقَوِّمُهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نُقَوِّمُهَا بِالْأَحْوَطِ لِلْمَسَاكِينِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ رُبَّمَا اشْتَرَاهَا بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ قَوَّمَهُ بِمَا هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ أَبَدًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا حَتَّى يَبِيعَ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ، فَإِذَا نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمٌ قَوَّمَ حِينَئِذٍ عُرُوضَهُ وَزَكَّاهَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ الدِّرْهَمِ هَاهُنَا، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. فَكَيْفَ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ إلَّا نِصْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ حَبَّةُ فِضَّةٍ، أَوْ فَلْسٌ؛ كَيْفَ يَصْنَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقَوِّمُ وَيُزَكِّي وَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُدِيرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يُقَوِّمُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّي، وَأَمَّا الْمُحْتَكِرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ - وَلَوْ حَبَسَ عُرُوضَهُ سِنِينَ - إلَّا حَتَّى يَبِيعَ، فَإِذَا بَاعَ زَكَّى حِينَئِذٍ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: كِلَاهُمَا سَوَاءٌ، يُقَوِّمَانِ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّيَانِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: لَا صَدَقَةَ فِي لُؤْلُؤٍ، وَلَا فِي زَبَرْجَدٍ، وَلَا يَاقُوتٍ، وَلَا فُصُوصٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا شَيْءٍ لَا يُدَارُ. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَارُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي ثَمَنِهِ حِين يُبَاعُ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيَّ: لَا يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الصَّيَارِفَةُ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَمَالِكٌ؛ بَلْ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرْبَحْهُ إلَّا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا عَجَبًا. وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيفَةٌ جِدًّا لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ

مسألة زكاة التمر والبر والشعير

صَحِيحَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] . فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ رَدَّ هَؤُلَاءِ هَذَا الِاخْتِلَافَ إلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَلْ وَجَدُوا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ نَصًّا أَوْ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ. وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْقُنْيَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، فَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى بِهَا الْقُنْيَةَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهَا؛ فَاحْتَاطُوا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ الَّتِي أَوْجَبُوهَا بِجَهْلِهِمْ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: مَنْ اشْتَرَى مَاشِيَةً لِلتِّجَارَةِ، أَوْ زَرَعَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَسْقُطُ وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ وَكَانَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَسْقَطَتْهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ وَلَكِنَّ الْحَقَّ يَغْلِبُ الْبَاطِلَ. فَإِنْ قَالُوا: لَا تَجْتَمِعُ زَكَاتَانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ. قُلْنَا: فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ لَيْتَ شِعْرِي إذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [مَسْأَلَةٌ زَكَاةُ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ] 642 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا زَكَاةَ فِي تَمْرٍ، وَلَا بُرٍّ، وَلَا شَعِيرٍ: حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُصِيبُهُ الْمَرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؛ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا؛ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمُدُّ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفٍ إلَى رَطْلٍ وَرُبْعٍ عَلَى قَدْرِ رَزَانَةِ الْمُدِّ وَخِفَّتِهِ، وَسَوَاءٌ زَرَعَهُ فِي أَرْضٍ لَهُ أَوْ فِي أَرْضٍ لِغَيْرِهِ بِغَصْبِ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ جَائِزَةٍ، أَوْ غَيْرِ جَائِزَةٍ، إذَا كَانَ النَّذْرُ غَيْرَ مَغْصُوبٍ، سَوَاءٌ أَرْضَ خَرَاجٍ كَانَتْ أَوْ أَرْضَ عُشْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ، وَبِهِ يَقُولُ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُزَكَّى مَا قَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَثُرَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا أُصِيبَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةً فَالزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَا عَلَى الزَّارِعِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، فَإِنْ قُضِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَا نَقَصَهَا الزَّرْعَ فَالزَّكَاةُ عَلَى

صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِشَيْءٍ فَالزَّكَاةُ عَلَى الزَّارِعِ - قَالَ: وَالْمُدُّ رَطْلَانِ. فَهَذِهِ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ خَالَفَ فِيهَا الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ ثَمَرٍ صَدَقَةٌ» . وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» . وَأَخْطَأَ فِي هَذَا، لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْخَبَرَ وَعَصَى الْآخَرَ وَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَنَحْنُ أَطَعْنَا مَا فِي الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ قَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا، إذْ خَصَّ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ كَثِيرًا بِرَأْيِهِ، كَالْقَصَبِ، وَالْحَطَبِ، وَالْحَشِيشِ، وَوَرَقِ الشَّجَرِ وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ، وَلَمْ يَرَ أَنْ يَخُصَّهُ بِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَلِفَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطَاقُ كَمَا قَدَّمْنَا وَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ مَا أُصِيبَ فِي عَرَصَاتِ الدُّورِ، وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لَا نَظِيرَ لَهَا. وَأَمَّا أَبُو سُلَيْمَانَ فَقَالَ: مَا كَانَ يَحْتَمِلُ التَّوْسِيقَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَمَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْسِيقَ فَالزَّكَاةُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ صَاحِبُ قِيَاسٍ، وَهُوَ لَمْ يَرَ فِيمَا يُزَكَّى شَيْئًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَهَلَّا قَاسَ الزَّرْعَ عَلَى الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ. فَلَا النَّصَّ اتَّبَعَ، وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدَ. وَأَمَّا الْمُدُّ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلَانِ» ، مَعَ الْأَثَرِ الصَّحِيحِ فِي «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» . وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ شَرِيكًا مُطَّرِحٌ، مَشْهُورٌ بِتَدْلِيسِ الْمُنْكَرَاتِ إلَى الثِّقَاتِ، وَقَدْ أَسْقَطَ حَدِيثَهُ الْإِمَامَانِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ؛ وَتَاللَّهِ لَا أَفْلَحَ مَنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْجُرْحَةِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُدَّ رَطْلَانِ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِثُلُثَيْ الْمُدِّ» ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُعَيِّرُ لَهُ الْمَاءَ

لِلْوُضُوءِ بِكَيْلٍ كَكَيْلِ الزَّيْتِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. أَيْضًا - فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلَانِ» مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُجْزِئَ أَقَلُّ، وَهُمْ أَوَّلُ مُوَافِقٍ لَنَا فِي هَذَا، فَمَنْ تَوَضَّأَ عِنْدَهُمْ بِنِصْفِ رِطْلٍ أَجْزَأَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْأَثَرِ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى الْجُهَنِيِّ: كُنْت عِنْدَ مُجَاهِدٍ فَأَتَى بِإِنَاءٍ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ تِسْعَةَ أَرْطَالٍ، عَشَرَةَ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا» مَعَ الْأَثَرِ الثَّابِتِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ.» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ مُوسَى قَدْ شَكَّ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ إلَى عَشَرَةٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاعَ يَزِيدُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَلَا فَلْسًا. وَأَيْضًا - فَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اغْتَسَلَ هُوَ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ» ؛ وَأَيْضًا مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرْقُ، وَالْفَرْقُ: اثْنَا عَشَرَ مُدًّا، وَأَيْضًا - بِخَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَأَيْضًا - بِخَمْسَةِ مَكَاكِيَّ. وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَالْإِسْنَادِ الْوَثِيقِ الثَّابِتِ الْمُتَّصِلِ، وَالْخَمْسَةُ مَكَاكِيَّ: خَمْسُونَ مُدًّا. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعَيِّرْ لَهُ الْمَاءَ لِلْغُسْلِ بِكَيْلٍ كَكَيْلِ الزَّيْتِ، وَلَا تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِإِنَاءَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ بَلْ قَدْ تَوَضَّأَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَر بِلَا مُرَاعَاةٍ لِمِقْدَارِ الْمَاءِ. هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا التَّحْدِيدِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ اغْتَسَلَ نِصْفَ صَاعٍ لَأَجْزَأهُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ الْوَاهِيَةِ. وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَتَيْنِ وَاهِيَتَيْنِ -:

إحْدَاهُمَا - مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: أَنَّ الْقَفِيزَ الْحَجَّاجِيَّ قَفِيزُ عُمَرَ، أَوْ صَاعُ عُمَرَ. وَالْأُخْرَى - مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْقَفِيزُ الْحَجَّاجِيُّ - صَاعُ عُمَرَ. وَبِرِوَايَةٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ: عَيَّرْنَا صَاعَ عُمَرَ فَوَجَدْنَاهُ حَجَّاجِيًّا. وَبِرِوَايَةٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ «كَانَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، وَمُدُّهُ رَطْلَيْنِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ، وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ. أَمَّا حَدِيثُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ فَبَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَبَيْنَهُ مَنْ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؛ وَمُجَالِدٌ ضَعِيفٌ، أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ ذَلِكَ لَمَا انْتَفَعُوا بِهِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِي صَاعِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا فِي قَفِيزِهِ، إنَّمَا نَازَعْنَاهُمْ فِي صَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَسْنَا نَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِعُمَرَ: صَاعٌ، وَقَفِيزٌ، وَمُدٌّ. رَتَّبَهُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ لِنَفَقَاتِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ؛ كَمَا بِمِصْرَ الْوَيْبَةُ وَالْإِرْدَبُّ؛ وَبِالشَّامِ الْمُدُّ وَكَمَا كَانَ لِمَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ مُدٌّ اخْتَرَعَهُ، وَلِهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ مُدٌّ اخْتَرَعَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ فِي صَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدِّهِ: فَقَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ فِي الرَّغْبَةِ عَنْهُمَا إذَا خَالَفَا الصَّوَابَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيّ ثنا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ» وَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ مُدُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَعَنْهُ أَيْضًا فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ صَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ بِمُدِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُدِّ الْأَوَّلِ فَصَحَّ أَنَّ بِالْمَدِينَةِ صَاعًا، وَمُدًّا غَيْرَ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ كَانَ صَاعُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا نُسِبَ إلَى عُمَرَ أَصْلًا دُونَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إلَى أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا دُونَ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ بِلَا شَكٍّ أَنَّ مُدَّ هِشَامٍ إنَّمَا رَتَّبَهُ هِشَامٌ، وَأَنَّ صَاعَ عُمَرَ إنَّمَا رَتَّبَهُ عُمَرُ. هَذَا إنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ صَاعٌ يُقَالُ لَهُ " صَاعُ عُمَرَ " فَإِنَّ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدَّهُ مَنْسُوبَانِ إلَيْهِ لَا إلَى غَيْرِهِ، بَاقِيَانِ بِحَسَبِهِمَا. وَأَمَّا حَقِيقَةُ الصَّاعِ الْحَجَّاجِيِّ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ: صَاعِي هَذَا صَاعُ عُمَرَ أَعْطَتْنِيهِ عَجُوزٌ بِالْمَدِينَةِ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِرِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَرِوَايَتُهُ هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا أَصْلُ صَاعِ الْحَجَّاجِ، فَلَا كَثُرَ وَلَا طِيبَ وَلَا بُورِكَ فِي الْحَجَّاجِ وَلَا فِي صَاعِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحُمَيْدِ - عَنْ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: الصَّاعُ يَزِيدُ عَلَى الْحَجَّاجِيِّ مِكْيَالًا. فَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ إِسْحَاقُ عَنْ الْمُلَائِيِّ وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمِكْيَالُ عَلَى مِكْيَالِ أَهْلِ

الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ عَلَى وَزْنِ أَهْلِ مَكَّةَ» . فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْ مِكْيَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِقْدَارِهِ عِنْدَهُمْ، وَلَا عَنْ مَوَازِينِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ " لَا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ مُدَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بِهِ تُؤَدَّى الصَّدَقَاتُ لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ رَطْلٍ وَنِصْفٍ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ رَطْلٍ وَرُبْعٍ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَطْلٌ وَثُلُثٌ، وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا؛ لَكِنَّهُ عَلَى حَسَبِ رَزَانَةِ الْمَكِيلِ مِنْ الْبُرِّ، وَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ «أَنَّ مُدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ بِهِ الصَّدَقَاتِ: رَطْلٌ وَنِصْفٌ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: صَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهُوَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: ذَكَرَ أَبِي أَنَّهُ عَيَّرَ مُدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحِنْطَةِ فَوَجَدَهَا رَطْلًا وَثُلُثًا فِي الْبُرِّ، قَالَ: وَلَا يَبْلُغُ مِنْ التَّمْرِ هَذَا الْمِقْدَارُ -: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: دَفَعَ إلَيْنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْمُدَّ، وَقَالَ هَذَا مُدُّ مَالِكٍ، وَهُوَ عَلَى مِثَالِ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبْت بِهِ إلَى السُّوقِ، وَخُرِطَ لِي عَلَيْهِ مُدٌّ وَحَمَلْته مَعِي إلَى الْبَصْرَةِ، فَوَجَدْته نِصْفَ كَيْلَجَةٍ بِكَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ، يَزِيدُ عَلَى كَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ شَيْئًا يَسِيرًا

خَفِيفًا، إنَّمَا هُوَ شَبِيهٌ بِالرُّجْحَانِ الَّذِي لَا يَقَعُ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَنِصْفُ كَيْلَجَةِ الْبَصْرَةِ هُوَ رُبْعُ كَيْلَجَةِ بَغْدَادَ - فَالْمُدُّ: رُبْعُ الصَّاعِ، وَالصَّاعُ مِقْدَارُ كَيْلَجَةٍ بَغْدَادِيَّةٍ يَزِيدُ الصَّاعُ عَلَيْهَا شَيْئًا يَسِيرًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَخُرِطَ لِي مُدٌّ عَلَى تَحْقِيقِ الْمُدِّ الْمُتَوَارَثِ عِنْدَ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، وَهُوَ عِنْدَ أَكْبَرِهِمْ لَا يُفَارِقُ دَارِهِ، أُخْرِجُهُ إلَى ثِقَتِي الَّذِي كَلَّفْته ذَلِكَ: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُدُّ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَبِي جَدِّهِ أَخَذَهُ وَخَرَطَهُ عَلَى مُدِّ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخْبَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّهُ خَرَطَهُ عَلَى مُدِّ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَخَرَطَهُ يَحْيَى عَلَى مُدِّ مَالِكٍ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ صَحَّحَهُ أَيْضًا عَلَى مُدِّ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ كِلْته بِالْقَمْحِ الطَّيِّبِ، ثُمَّ وَزَنْته فَوَجَدَتْهُ رَطْلًا وَاحِدًا وَنِصْفَ رَطْلٍ بِالْفُلْفُلِيِّ، لَا يَزِيدُ حَبَّةً، وَكِلْته بِالشَّعِيرِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالطَّيِّبِ؛ فَوَجَدْتُهُ رَطْلًا وَاحِدًا وَنِصْفَ أُوقِيَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ بِالْمَدِينَةِ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، وَصَالِحِهِمْ وَطَالِحِهِمْ، وَعَالِمِهِمْ وَجَاهِلِهِمْ، وَحَرَائِرِهِمْ وَإِمَائِهِمْ، كَمَا نَقَلَ أَهْلُ مَكَّةَ مَوْضِعَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ كَالْمُعْتَرِضِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فِي مَوْضِعِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا فَرْقَ، وَكَمَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَالْبَقِيعِ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الدِّيَانَةِ وَالْمَعْقُولِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَحَثْت أَنَا غَايَةَ الْبَحْثِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ وَثِقْت بِتَمْيِيزِهِ، فَكُلٌّ اتَّفَقَ لِي عَلَى أَنَّ دِينَارَ الذَّهَبِ بِمَكَّةَ وَزْنُهُ: اثْنَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ بِالْحَبِّ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُطْلَقِ، وَالدِّرْهَمَ سَبْعَةُ أَعْشَارِ الْمِثْقَالِ؛ فَوَزْنُ الدِّرْهَمِ الْمَكِّيِّ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ حَبَّةً وَسِتَّةُ أَعْشَارِ حَبَّةٍ وَعُشْرُ حَبَّةٍ، فَالرَّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاحِدَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِالدِّرْهَمِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَوَقَفَ عَلَى أَمْدَادِ أَهْلِهَا.

وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ الْوَسْقُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَسْقِ الْبَعِيرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا طَرِيفٌ فِي الْهُوجِ جِدًّا وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ لَهُ بِذَلِكَ وَهَلَّا قَالَ: لِأَنَّهُ وَسْقُ الْحِمَارِ، ثُمَّ أَيْضًا - فَإِنَّ الْوِسْقَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ عِنْدَهُمْ: سِتَّةَ عَشَرَ رُبْعًا بِالْقُرْطُبِيِّ، وَحِمْلُ الْبَعِيرِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْمِقْدَارِ بِنَحْوِ نِصْفِهِ. وَأَمَّا إسْقَاطُهُمْ الزَّكَاةَ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنْ بُرٍّ، وَتَمْرٍ، وَشَعِيرٍ؛ فَفَاحِشٌ جِدًّا، وَعَظِيمٌ مِنْ الْقَوْلِ. وَإِسْقَاطٌ لِلزَّكَاةِ الْمُفْتَرَضَةِ. وَمَوَّهُوا فِي هَذَا بِطَوَامَّ، مِنْهَا: أَنْ قَالَ قَائِلُهُمْ: - إنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا ضَرَبَ الْخَرَاجَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ، وَلَا زَكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ. فَإِنْ ادَّعَى: أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَقَدْ كَذَبَ جِدًّا، وَلَا يَجِدُ هَذَا أَبَدًا؛ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ - عُمَرَ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْهُمْ كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَسْقَطَ الصَّلَاةَ عَنْهُمْ وَلَا فَرْقَ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذِكْرَ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّيْهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ» شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ، قَالُوا: فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَرَضِينَ، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ فِيهَا زَكَاةً؛ وَلَوْ كَانَ فِيهَا زَكَاةٌ لَأَخْبَرَ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِثْلُ هَذَا لَيْسَ لِإِيرَادِهِ وَجْهٌ؛ إلَّا لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى مَنْ سَمِعَهُ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْ عَظِيمِ مَا اُبْتُلُوا بِهِ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ، وَمُعَارَضَةِ الْحَقِّ بِأَغَثِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَلَامِ.

وَلَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ مَعْقُولٍ وَجَدُوا أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهِيَ سَاقِطَةٌ. وَهَلْ يَقُولُ هَذَا مَنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ التَّمْيِيزِ. وَهَلْ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ - لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ - فَرْقٌ، وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُذْكَرَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَدَ بِهَذَا الْخَبَرِ ذِكْرَ مَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَرَضِينَ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ هَذَا فَهُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إسْقَاطُ سَائِرِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِهَا. وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ انْتَظَمَ ذِكْرَ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا، نَعَمْ، وَلَا سُورَةٌ أَيْضًا. وَإِنَّمَا قَصَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِنْذَارَ بِخَلَاءِ أَيْدِي الْمُفْتَتِحِينَ لِهَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ أَخْذِ طَعَامِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَدَنَانِيرِهَا فَقَطْ؛ وَقَدْ ظَهَرَ مَا أَنْذَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا زَعَمُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَرْبَابُ أَرَاضِي الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ مُسْلِمِينَ؛ فَمَنْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا وَمِنْ الْمَانِعِ مَا ذَكَرَ مَنْعَهُ. هَذَا تَخْصِيصٌ مِنْهُمْ بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ، وَلَوْ قِيلَ لَهُمْ: بَلْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْخَرَاجِ وَبُطْلَانِهِ، إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا خَرَاجٌ لَذَكَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَالْعَجَبُ أَيْضًا إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ فَأَسْقَطُوا فَرْضَيْنِ مِنْ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ بِرَأْيِ صَاحِبٍ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَخَالَفُوا ذَلِكَ الصَّاحِبَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الْجِزْيَةِ مَعَ الْخَرَاجِ؛ فَمَرَّةً يَكُونُ فِعْلُهُ حُجَّةً يُخَالِفُ بِهَا الْقُرْآنَ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ، فَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَطُّ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ وَمَرَّةً لَا يَرَوْنَهُ حُجَّةً أَصْلًا وَمَعَهُ الْحَقُّ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْخَرَاجِ قِيلَ لَهُمْ: وَالصَّحَابَةُ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَرَاجِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ بِلَا شَكٍّ؛ وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ إيجَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْخَرَاجَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ إذَا مَلَكَهَا، وَإِسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَإِيجَابُهُ الزَّكَاةَ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا مَلَكَا أَرْضَ الْعُشْرِ، وَإِسْقَاطُ الْخَرَاجِ عَنْهُمَا وَفَاعِلُ هَذَا مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.

وَقَالُوا: لَا يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَذَبُوا وَأَفِكُوا بَلْ تَجْتَمِعُ حُقُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَالٍ وَاحِدٍ؛ وَلَوْ أَنَّهَا أَلْفُ حَقٍّ، وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ حَقَّانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ؛ وَهُمْ يُوجِبُونَ الْخُمْسَ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالزَّكَاةِ أَيْضًا؛ إمَّا عِنْدَ الْحَوْلِ، وَإِمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ بَلَغَ حَوْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَيُوجِبُونَ أَيْضًا الْخَرَاجَ فِي أَرْضِ الْمَعْدِنِ إنْ كَانَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَغْلِيبُهُمْ الْخَرَاجَ عَلَى الزَّكَاةِ فَأَسْقَطُوهَا بِهِ، ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمَاشِيَةِ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ، فَأَسْقَطُوهَا بِهَا؛ ثُمَّ غَلَّبُوا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَأَسْقَطُوهَا بِهَا؛ فَمَرَّةً رَأَوْا زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَوْكَدَ مِنْ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَمَرَّةً رَأَوْا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَوْلَى مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ. وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَرَى أَنْ يُزَكَّى مَا زُرِعَ لِلتِّجَارَةِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةِ. وَذَكَرْنَا هَذَا لِئَلَّا يَدَّعُوا فِي ذَلِكَ إجْمَاعًا، فَهَذَا أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ. وَإِنَّ تَنَاقُضَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ لَظَاهِرٍ فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ عَنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ لِلزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِبْقَائِهِمْ إيَّاهَا مَعَ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا - تَنَاقَضَ الْحَنِيفِيُّونَ إذْ أَثْبَتُوا الْإِجَارَةَ وَالزَّكَاةَ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَشُرَيْكٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. وَقَالَ سُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ: إنْ فَضَلَ بَعْدَ الْخَرَاجِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَمْوِيهِهِمْ بِالثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ إذْ أَسْلَمَتْ دِهْقَانَةُ نَهَرَ الْمَلِكِ إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا أَوْ أَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا، وَإِلَّا فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ - وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُ هَذَا.

مسألة زكاة ما أصيب في الأرض المغصوبة

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ إنْكَارُ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِلْمُسْلِمِ. وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ عَقَلَ ذُو عَقْلٍ قَطُّ أَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَمَّا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ. وَهَذَا مَكَانٌ لَا يُقَابَلُ إلَّا بِالتَّعَجُّبِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الرَّافِعِ لَا عَلَى الْأَرْضِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ الْعُشْرَ مِنْ غَيْرِ الَّذِي أَصَابَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ؛ وَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مِنْ عَيْنِ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَصَحَّ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ الرَّافِعِ؛ لَا فِي الْأَرْضِ [مَسْأَلَةٌ زَكَاة مَا أُصِيبَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ] 643 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ مَا أُصِيبَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا كَانَ الْبَذْرُ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ غَصْبَهُ الْأَرْضِ لَا يُبْطِلُ مِلْكَهُ عَنْ بَذْرِهِ؛ فَالْبَذْرُ إذَا كَانَ لَهُ فَمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ فَلَهُ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأَرْضِ فَقَطْ؛ فَفِي حِصَّتِهِ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وَهِيَ لَهُ حَلَالٌ وَمِلْكٌ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، أَوْ الْمَأْخُوذَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ الْمَمْنُوحَةُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» . وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَذْرُ مَغْصُوبًا فَلَا حَقَّ لَهُ؛ وَلَا حُكْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ؛ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِهِ نَفْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ غَاصِبَ الْبَذْرِ إنَّمَا أَخَذَهُ بِالْبَاطِلِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ بَذْرٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَمُحَرَّمٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَكْلُهُ، وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَيْسَ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِمُبِيحٍ لَهُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ «الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» . فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ.

مسألة زكاة البر إذا بلغ خمسة أوسق

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ وَرَدَ فِي عَبْدٍ بِيعَ بَيْعًا صَحِيحًا ثُمَّ وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ؛ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلَالِ، لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؛ فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا أَوْلَادَ الْمَغْصُوبَةِ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْحَيَوَانِ لِلْغَاصِبِ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ زَكَاة الْبُرّ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ] 644 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا بَلَغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ - مِنْ الْبُرِّ، أَوْ التَّمْرِ، أَوْ الشَّعِيرِ - خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى بِسَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ، أَوْ عَيْنٍ، أَوْ كَانَ بَعْلًا فَفِيهِ الْعُشْرُ. وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِسَاقِيَةٍ، أَوْ نَاعُورَةٍ، أَوْ دَلْوٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ - مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ، أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، مِنْ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ» . فَصَحَّ أَنَّ مَا نَقَصَ عَنْ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ نُقْصَانًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَغْلِيبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْخَبَرَ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» عَلَى حَدِيثِ

مسألة لا يضم قمح إلى شعير ولا تمر في الزكاة

الْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ، وَغَلَّبَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» عَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» وَعَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلِ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا» وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُضَمُّ قَمْحٌ إلَى شَعِيرٍ وَلَا تَمْرٌ فِي الزَّكَاة] 645 - مَسْأَلَةٌ: لَا يُضَمُّ قَمْحٌ إلَى شَعِيرٍ، وَلَا تَمْرٌ إلَيْهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو يُوسُفَ: يُضَمُّ كُلُّ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ: مِنْ الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزُ، وَالذُّرَةِ، وَالدَّخَنِ، وَجَمِيعِ الْقَطَانِيِّ، بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِلَّا فَلَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ: صِنْفٌ وَاحِدٌ، يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا؛ وَيُجْمَعُ الْحِمَّصُ، وَالْفُولُ، وَاللُّوبِيَا، وَالْعَدَسُ، وَالْجُلُبَّانُ وَالْبَسِيلَةُ، بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. وَلَا يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ، وَلَا إلَى الشَّعِيرِ وَلَا إلَى السُّلْتِ. قَالَ: وَأَمَّا الْأُرْزُ، وَالذُّرَةُ، وَالسِّمْسِمُ، فَهِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، لَا يُضَمُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَيَّ شَيْءٍ أَصْلًا؟ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْعَلَسِ، فَمَرَّةٌ قَالَ: يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ؛ وَمَرَّةٌ قَالَ: لَا يُضَمُّ إلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَرَأَى الْقَطَانِيَّ فِي الْبُيُوعِ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً، حَاشَا اللُّوبِيَا، وَالْحِمَّصَ؛ فَإِنَّهُ رَآهُمَا فِي الْبُيُوعِ صِنْفًا وَاحِدًا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ؛ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ جُمْلَةً، لَا يَحْتَاجُ مِنْ إبْطَالِهِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهِ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ، وَلَا جَمَعَ هَذَا الْجَمْعَ، وَلَا فَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقَ قَبْلَهُ وَلَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ، إلَّا مَنْ قَلَّدَهُ، وَمَا لَهُ مُتَعَلَّقٌ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ يُعْرَفُ لَهُ وَجْهُ، وَلَا مِنْ احْتِيَاطٍ أَصْلًا وَأَمَّا مَنْ رَأَى جَمْعَ الْبُرِّ وَغَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ لَمْ يَأْتِ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. لَكِنْ قَدْ خَصَّهُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ - ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَا يَحِلُّ فِي الْوَرِقِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقِيَ وَلَا يَحِلُّ فِي الْإِبِلِ زَكَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ ذَوْدٍ» . فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ عَمَّا لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ الْبُرِّ، فَبَطَل بِهَذَا إيجَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ مَجْمُوعًا إلَى شَعِيرٍ أَوْ غَيْرَ مَجْمُوعٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى أَنْ لَا يُجْمَعَ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ، وَمَا نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ إلَّا كَنِسْبَةِ الْبُرِّ مِنْ الشَّعِيرِ؛ فَلَا النَّصَّ اتَّبَعُوا، وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ كُلِّ مَنْ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ فَصَاعِدًا - لَا فِي أَقَلَّ - فِي أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ التَّمْرُ إلَى الْبُرِّ، وَلَا إلَى الشَّعِيرِ؟ . 646 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا أَصْنَافُ الْقَمْحِ فَيُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ؛ وَكَذَلِكَ تُضَمُّ أَصْنَافُ الشَّعِيرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ؛ وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ التَّمْرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ الْعَجْوَةُ، وَالْبَرْنِيُّ، وَالصَّيْحَانِيُّ وَسَائِرُ أَصْنَافِهِ.

مسألة الزكاة لمن لقط السنبل فاجتمع له من البر خمسة أوسق

وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ بُرٍّ يَجْمَعُ أَصْنَافَ الْبُرِّ؛ وَاسْمَ تَمْرٍ يَجْمَعُ أَصْنَافَ التَّمْرِ؛ وَاسْمَ شَعِيرٍ يَجْمَعُ أَصْنَافَ الشَّعِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 647 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضُونَ شَتَّى فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ أَوْ فِي قُرًى شَتَّى فِي عَمَلِ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي أَعْمَالٍ شَتَّى - وَلَوْ أَنَّ إحْدَى أَرْضَيْهِ فِي أَقْصَى الصِّينِ، وَالْأُخْرَى إلَى أَقْصَى الْأَنْدَلُسِ -: فَإِنَّهُ يَضُمُّ كُلَّ قَمْحٍ أَصَابَ فِي جَمِيعِهَا بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ؛ وَكُلَّ شَعِيرٍ أَصَابَهُ فِي جَمِيعِهَا بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ، فَيُزَكِّيهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالزَّكَاةِ فِي ذَاتِهِ، مُرَتَّبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ، دُونَ أَنْ يَخُصَّ اللَّهَ تَعَالَى؛ أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ مَا كَانَ فِي طُسُوجٍ وَاحِدًا، أَوْ رُسْتَاقٍ وَاحِدٍ -: مِمَّا فِي طُسُّوجَيْنِ، أَوْ رُسْتَاقَيْنِ؛ وَتَخْصِيصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ: بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة لِمِنْ لَقَطَ السُّنْبُلَ فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الْبُرِّ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ] 648 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَقَطَ السُّنْبُلَ فَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ الْبُرِّ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَلِكَ -: فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا، الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِالسَّمَاءِ، أَوْ بِالنَّهْرِ أَوْ بِالْعَيْنِ، أَوْ بِالسَّاقِيَّةِ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ؛ وَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ الْتَقَطَ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ - وَبِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَهَا عَلَى مَالِكِهَا الَّذِي يَخْرُجُ فِي مِلْكِهِ الْحَبُّ مِنْ سُنْبُلِهِ إلَى إمْكَانِ كَيْلِهِ؛ وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أَصَابَهُ مِنْ حَرْثِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ حَرْثِهِ؛ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ الَّذِي الْتَقَطَ هَذَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ إمْكَانِ الْكَيْلِ فِيهِ الَّذِي بِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا الْتَقَطَ مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ؛ بِخِلَافِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ] 649 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ أَزْهَى التَّمْرُ فِي مِلْكِهِ - وَالْإِزْهَاءُ: هُوَ احْمِرَارُهُ فِي ثِمَارِهِ - وَعَلَى مَنْ مَلَكَ الْبُرَّ، وَالشَّعِيرَ قَبْلَ دِرَاسِهِمَا، وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا مِنْ

التِّبْنِ وَكَيْلِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ ذَلِكَ، مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إصْدَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْ التَّمْرِ قَبْلَ الْإِزْهَاءِ، وَلَا عَلَى مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَ الْإِزْهَاءِ، وَلَا عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهُ عَنْ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، قَبْلَ دِرَاسِهِمَا وَإِمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا؛ وَلَا عَلَى مَنْ مَلَكَهُمَا بَعْدَ إمْكَانِ تَصْفِيَتِهِمَا وَكَيْلِهِمَا؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ» فَلَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَبِّ صَدَقَةٌ إلَّا بَعْدَ إمْكَانِ تَوْسِيقِهِ؛ فَإِنَّ صَاحِبَهُ حِينَئِذٍ مَأْمُورٌ بِكَيْلِهِ وَإِخْرَاجِ صَدَقَتِهِ؛ فَلَيْسَ تَأْخِيرُهُ الْكَيْلَ - وَهُوَ لَهُ مُمْكِنٌ - بِمُسْقِطٍ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّوْسِيقِ الَّذِي بِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الدِّرَاسِ أَصْلًا؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ الدِّرَاسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْهَا وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَمَنْ سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ قَبْلَ الدِّرَاسِ - بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ إصْدَاقٍ: أَوْ مَوْتٍ، أَوْ جَائِحَةٍ، أَوْ نَارٍ، أَوْ غَرَقٍ، أَوْ غَصْبٍ - فَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَلَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ. وَمَنْ أَمْكَنَهُ الْكَيْلُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ الَّذِي خُوطِبَ بِزَكَاتِهِ؛ فَمَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَلَكَهُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَلَيْسَ التَّمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ إذَا بَدَا طِيبُهُ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ إذَا يَبِسَا وَاسْتَغْنَيَا عَنْ الْمَاءِ. سَأَلْنَاهُ عَنْ الدَّلِيلِ عَلَى دَعْوَاهُ هَذِهِ؟ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ وَعَارَضْنَاهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى عَلَى مَنْ بَاعَ زَرْعًا أَخْضَرَ قَصِيلًا فَفَصَلَهُ الْمُشْتَرِي وَأَطْعَمَهُ دَابَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَبِّ -: أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ، عُشْرُ

مسألة زكاة النخل

الثَّمَنِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ، وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدِهِمَا إلَى تَرْجِيحِ قَوْلٍ عَلَى الْآخَرِ؟ وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ قَبْلَ دِرَاسِهِ -: لَكَانَ وَاجِبًا إذَا أَدَّى الْعُشْرَ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي سُنْبُلِهِ أَنْ يُجْزِئَهُ؛ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ [مَسْأَلَةٌ زَكَاة النَّخْل] 650 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا النَّخْلُ فَإِنَّهُ إذَا أَزْهَى خُرِصَ وَأُلْزِمَ الزَّكَاةَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ؛ وَالزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدِ الْقَطَّانِ - وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت خُبَيْبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ قَالَ: أَتَانَا سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا أَوْ دَعُوا الثُّلُثَ؛ فَإِنْ لَمْ تَأْخُذُوا فَدَعُوا الرُّبُعَ» شَكَّ شُعْبَةُ فِي لَفْظَةِ تَأْخُذُوا وَ " تَدَعُوا "؟ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ. وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى الْيَهُودِ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ أَوَّلُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ، ثُمَّ يُخَيِّرُونَ الْيَهُودَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَوْ يَدْفَعُوهَا إلَيْهِمْ بِذَلِكَ» وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتَفْتَرِقُ. 651 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا خُرِصَ كَمَا ذَكَرْنَا فَسَوَاءٌ بَاعَ الثَّمَرَةَ صَاحِبُهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَطْعَمَهَا أَوْ أَجِيحَ فِيهَا -: كُلُّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ، وَأَطْلَقَ عَلَى الثَّمَرَةِ وَأَمْكَنَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَهَا، وَلَا فَرْقَ؟

مسألة خرص الزرع

مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا غَلِطَ الْخَارِصُ أَوْ ظَلَمَ - فَزَادَ أَوْ نَقَصَ -: رَدَّ الْوَاجِبَ إلَى الْحَقِّ، فَأُعْطِيَ مَا زِيدَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا نَقَصَ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْخَارِصِ ظُلْمٌ لِصَاحِبِ الثَّمَرَةِ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ إلَّا الْعُشْرَ، لَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ، أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ، لَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ، وَنُقْصَانُ الْخَارِصِ ظُلْمٌ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَإِسْقَاطٌ لِحَقِّهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ. 653 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْخَارِصَ ظَلَمَهُ أَوْ أَخْطَأَ؟ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إنْ كَانَ الْخَارِصُ عَدْلًا عَالِمًا، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ جَائِرًا فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ؟ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَائِرًا فَهُوَ فَاسِقٌ فَخَبَرُهُ مَرْدُودٌ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] . وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَتَعَرُّضُ الْجَاهِلِ لِلْحُكْمِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِمَا لَا يَدْرِي جُرْحَةٌ؛ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَوْلِيَتُهُ؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَوْلِيَتُهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . [مَسْأَلَةٌ خَرْصُ الزَّرْعِ] 654 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ خَرْصُ الزَّرْعِ أَصْلًا؛ لَكِنْ إذَا حُصِدَ، وَدُرِسَ، فَإِنْ جَاءَ الَّذِي يَقْبِضُ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ فَقَعَدَ عَلَى الدُّرُوسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْكَيْلِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ؟ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَرَصَ الزَّرْعَ، فَلَا يَجُوزُ خَرْصُهُ؛ لِأَنَّهُ إحْدَاثُ حُكْمٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . [مَسْأَلَةٌ عِنْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ يُعْطِيَ مِنْهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمَسَاكِينِ] 655 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ زَرْعٌ عِنْدَ حَصَادِهِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مَنْ حَضَرَ

مسألة ساقى زارع أرضه بجزء مما يخرج منها فعلى من تكون الزكاة

مِنْ الْمَسَاكِينِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ قَبْلُ فِي بَابِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ ذِكْرِنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ سَاقَى زَارِعَ أَرْضِهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَعَلَى مِنْ تَكُون الزَّكَاة] 656 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَاقَى حَائِطَ نَخْلٍ أَوْ زَارِعَ أَرْضِهِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَيُّهُمَا وَقَعَ فِي سَهْمِهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَذَلِكَ مِنْ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ: فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا؟ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فَصَاعِدًا فِي زَرْعٍ أَوْ فِي ثَمَرَةِ نَخْلٍ بِحَبْسٍ، أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ الْعُمْيَانِ، أَوْ الْمَجْذُومِينَ، أَوْ فِي السَّبِيلِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ بِأَهْلِهِ - أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا ذَكَرْنَا؛ وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَى شَرِيكٍ مِنْ أَجْلِ ضَمِّ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ شَرِيكِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَأَمَّا مَنْ لَا يَتَعَيَّنُ فَلَيْسَ يَصِحُّ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَحَدِهِمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ؛ وَلَا زَكَاةَ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ يَقَعُ لَهُ مِمَّا يُصِيبُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الزَّكَاةُ؟ وَهَذَا خَطَأٌ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا شَرِيعَةَ عَلَى أَرْضٍ، وَإِنَّمَا الشَّرِيعَةُ عَلَى النَّاسِ، وَالْجِنِّ؛ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي أَرَاضِي الْكُفَّارِ فَإِنْ قَالُوا: الْخَرَاجُ نَابَ عَنْهَا؟ قُلْنَا: كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خَرَاجَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِكُمْ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ فِيمَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُمْ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ، وَبِإِجْمَاعِهِمْ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ.

مسألة عد الزارع ما أنفق في حرث أو حصاد فأسقطه من الزكاة

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا اجْتَمَعَ لِلشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ - وَسَنَذْكُرُ بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي زَكَاةِ الْخُلَطَاءِ فِي الْمَاشِيَةِ، وَجُمْلَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إيجَابُ شَرْعٍ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عَدَّ الزَّارِعُ مَا أَنْفَقَ فِي حَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ فَأَسْقَطَهُ مِنْ الزَّكَاةِ] 657 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُدَّ الَّذِي لَهُ الزَّرْعُ أَوْ التَّمْرُ مَا أَنْفَقَ فِي حَرْثٍ أَوْ حَصَادٍ، أَوْ جَمْعٍ، أَوْ دَرْسٍ، أَوْ تَزْبِيلٍ أَوْ جِدَادٍ أَوْ حَفْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ -: فَيُسْقِطُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَسَوَاءٌ تَدَايَنَ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَدَايَنْ، أَتَتْ النَّفَقَةُ عَلَى جَمِيعِ قِيمَةِ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ أَوْ لَمْ تَأْتِ، وَهَذَا مَكَانٌ قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ؟ -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فِي الرَّجُلِ يُنْفِقُ عَلَى ثَمَرَتِهِ، قَالَ أَحَدُهُمَا: يُزَكِّيهَا، وَقَالَ الْآخَرُ: يَرْفَعُ النَّفَقَةَ وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ. وَعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ يَسْقُطُ مِمَّا أَصَابَ النَّفَقَةَ، فَإِنْ بَقِيَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى، وَإِلَّا فَلَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ: الزَّكَاةُ جُمْلَةً إذَا بَلَغَ الصِّنْفُ مِنْهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا؛ وَلَمْ يُسْقِطْ الزَّكَاةَ عَنْ ذَلِكَ بِنَفَقَةِ الزَّارِعِ وَصَاحِبِ النَّخْلِ؛ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقٍّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ؟ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِنَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا، وَأَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ تَنَاقَضُوا وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا إذَا كَانَ عَلَى صَاحِبِهَا دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهَا أَوْ يَسْتَغْرِقُ بَعْضَهَا؛ فَأَسْقَطُوهَا عَنْ مِقْدَارِ مَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مِنْهَا. [مَسْأَلَةٌ لَا يَعُدّ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ مَا أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ] 658 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُدَّ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ مَا أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ فَرِيكًا أَوْ سَوِيقًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَلَا السُّنْبُلَ الَّذِي يَسْقُطُ فَيَأْكُلُهُ الطَّيْرُ أَوْ الْمَاشِيَةُ أَوْ يَأْخُذُهُ الضُّعَفَاءُ، وَلَا مَا تَصَدَّقَ بِهِ حِينَ الْحَصَادِ؛ لَكِنْ مَا صُفِّيَ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا حِينَ إمْكَانِ الْكَيْلِ، فَمَا خَرَجَ عَنْ يَدِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِ.

مسألة ما أكل هو وأهله رطبا لا يكلف عنه زكاة

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاللَّيْثُ، كَذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُعَدُّ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَقَدْ يَسْقُطُ مِنْ السُّنْبُلِ مَا لَوْ بَقِيَ لَأَتَمَّ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَلَا الْمَنْعُ مِنْهُ أَصْلًا. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . [مَسْأَلَةٌ مَا أَكُلّ هُوَ وَأَهْلُهُ رُطَبًا لَا يُكَلَّفُ عَنْهُ زَكَاةٌ] 659 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا التَّمْرُ: فَفَرْضٌ عَلَى الْخَارِصِ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ رُطَبًا عَلَى السَّعَةِ، لَا يُكَلَّفُ عَنْهُ زَكَاةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَتْرُكُ لَهُ شَيْئًا؟ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا أَوْ دَعُوا الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ» وَلَا يَخْتَلِفُ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ الَّذِينَ إجْمَاعُهُمْ الْإِجْمَاعُ الْمُتَّبَعُ - فِي أَنَّ هَذَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ إلَى الْأَكْلِ رُطَبًا -: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ ثنا هُشَيْمٌ، وَزَيْدٌ كِلَاهُمَا: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا حَثْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَلَى خَرْصِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: إذَا وَجَدْت الْقَوْمَ فِي نَخْلِهِمْ قَدْ خَرَفُوا فَدَعْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، لَا تَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَهُ خَارِصًا لِلنَّخْلِ، فَخَرَصَ مَال سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ سَبْعمِائَةِ وَسْقٍ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي وَجَدْت فِيهِ أَرْبَعِينَ عَرِيشًا لَخَرَصْته تِسْعِمِائَةِ وَسْقٍ؛ وَلَكِنِّي تَرَكْت لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ.

مسألة الزكاة في زرع يسقى بعض العام بساقية وبعض العام بنضح

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي حَثْمَةَ، وَسَهْلٍ، ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا مُخَالِفُ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ ذَلِكَ إذَا وَافَقَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يُزَكِّي مَا بَقِيَ بَعْدَمَا يَأْكُلُ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلنُّصُوصِ كُلِّهَا. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة فِي زَرْع يُسْقَى بَعْضَ الْعَامِ بِسَاقِيَةٍ وَبَعْضَ الْعَامِ بِنَضْحٍ] 660 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ زَرْعٌ، أَوْ نَخْلٌ يُسْقَى بَعْضَ الْعَامِ بِعَيْنٍ، أَوْ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَبَعْضَ الْعَامِ بِنَضْحٍ، أَوْ سَانِيَةٍ، أَوْ خَطَّارَةٍ، أَوْ دَلْوٍ، فَإِنْ كَانَ النَّضْحُ زَادَ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً ظَاهِرَةً وَأَصْلَحَهُ: فَزَكَاتُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ؛ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَصْلَحَ فَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: يُزَكِّي عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيٌّ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ: فِي الْمَالِ يَكُونُ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ بَعْلًا عَامَّةَ الزَّمَانِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى الْبِئْرِ يُسْقَى بِهَا؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ يُسْقَى بِالْعَيْنِ أَوْ الْبَعْلِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْقَى بِالدَّلْوِ: فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِالدَّلْوِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْقَى بِالْبَعْلِ: فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولَانِ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: إنَّ زَكَاتَهُ بِاَلَّذِي غَذَّاهُ بِهِ وَتَمَّ بِهِ، لَا أُبَالِي بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ سَقْيِهِ فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ - وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: يُعْطِي نِصْفَ زَكَاتِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُهَا نِصْفُ الْعُشْرِ، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ بِنِصْفِ الْعُشْرِ، وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ السَّمَاءَ تَسْقِيه وَيُصْلِحُهُ مَاءُ السَّمَاءِ؛ بَلْ قَدْ شَاهَدْنَا جُمْهُورَ السِّقَاءِ بِالْعَيْنِ وَالنَّضْحِ إنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ مَاءٌ السَّمَاءِ تَغَيَّرَ وَلَا بُدَّ، فَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِذَلِكَ حُكْمًا؛ فَصَحَّ أَنَّ النَّضْحَ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِلزَّرْعِ أَوْ النَّخْلِ فَزَكَاتُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ: وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ.

مسألة الزكاة على من زرع قمحا مرتين في العام

[مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة عَلَى مِنْ زَرَعَ قَمْحًا مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ زَرَعَ قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ حَمَلَتْ نَخْلَةٌ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ الْبُرَّ الثَّانِي وَلَا الشَّعِيرَ الثَّانِي وَلَا التَّمْرَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ؛ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ يُزَكِّهِ؛ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بِانْفِرَادِهِ لَمْ يُزَكِّهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَا لَوَجَبَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الزَّرْعَيْنِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَامَانِ أَوْ أَكْثَرُ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذْ صَحَّ نَفْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ رَاعَى الْمُجْتَمَعَ، لَا زَرْعًا مُسْتَأْنَفًا لَا يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 662 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ قَمْحُ بِكِيرٍ أَوْ شَعِيرُ بِكِيرٍ أَوْ تَمْرُ بِكِيرٍ وَآخَرُ مِنْ جِنْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُؤَخَّرٌ، فَإِنْ يَبِسَ الْمُؤَخَّرُ أَوْ أَزْهَى قَبْلَ تَمَامِ وَقْتِ حَصَادِ الْبَكِيرِ وَجِدَادِهِ فَهُوَ كُلُّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَتَمْرٌ وَاحِدٌ، يَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ، وَتُزَكَّى مَعًا؛ إنْ لَمْ يَيْبَسْ الْمُؤَخَّرُ وَلَا أَزْهَى إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ حَصَادِ الْبَكِيرِ فَهُمَا زَرْعَانِ وَتَمْرَانِ، يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ كُلَّ زَرْعٍ وَكُلَّ تَمْرٍ فَإِنَّ بَعْضَهُ يَتَقَدَّمُ بَعْضًا فِي الْيُبْسِ وَالْإِزْهَاءِ؛ وَإِنَّ مَا زُرِعَ فِي تَشْرِينَ الْأَوَّلِ يَبْدَأُ يُبْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ مَا زُرِعَ فِي شُبَاطَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقَضِي وَقْتُ حَصَادِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا صِيفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ - وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَجْتَمِعُ وَقْتُ حَصَادِهِمَا وَلَا يَتَّصِلُ وَقْتُ إزْهَائِهِمَا فَهُمَا زَمَنَانِ اثْنَانِ كَمَا قَدَّمْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَبْكَرُ مَا صَحَّ عِنْدَنَا يَقِينًا: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَنْ يُزْرَعَ فِي بِلَادٍ مِنْ شِنْتَ بَرِيَّةَ، وَهِيَ مِنْ عَمَلِ مَدِينَةِ سَالِمٍ بِالْأَنْدَلُسِ، فَإِنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الشَّعِيرَ فِي آخِرِ أَيْلُولَ وَهُوَ " شتنبر " لِغَلَبَةِ الثَّلْجِ عَلَى بِلَادِهِمْ، حَتَّى يَمْنَعُهُمْ مِنْ زَرْعِهَا إنْ لَمْ يُبَكِّرُوا بِهِ كَمَا

مسألة الزكاة واجبة في ذمة صاحب المال لا في عين المال

ذَكَرْنَا؛ وَيَتَّصِلُ الزَّرْعُ بَعْدَ ذَلِكَ مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَزِيَادَةٌ أَيَّامٍ، فَقَدْ شَاهَدْنَا فِي الْأَعْوَامِ زَرِيعَةَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فِي صَدْرِ " آذَارٍ " وَهُوَ " مُرْسٍ ". وَأَبْكَرُ مَا صَحَّ عِنْدَنَا حَصَادُهُ فألش فألش " مِنْ عَمَلِ " تَدْمِيرَ " فَإِنَّهُمْ يَبْدَءُونَ بِالْحَصَادِ فِي أَيَّامٍ بَاقِيَةٍ مِنْ " نَيْسَانَ " وَهُوَ " أَبْرِيلُ " وَيَتَّصِلُ الْحَصَادُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إلَى صَدْرِ زَمَنِ " أَيْلُولَ " وَهُوَ " أُغِشَّتْ " وَهِيَ كُلُّهَا صِيفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاسْتِحْصَادٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ. 663 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ حُصِدَ قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ ثُمَّ أُخْلِفَ فِي أُصُولِهِ زَرْعٌ فَهُوَ زَرْعٌ آخَرُ، لَا يُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْمَالِ لَا فِي عَيْنِ الْمَالِ] 664 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْمَالِ لَا فِي عَيْنِ الْمَالِ؛ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُ الْمُخَالِفِينَ فِي هَذَا. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: هُوَ أَنْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - مِنْ زَمَنِنَا إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَأَعْطَى زَكَاتَهُ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الزَّرْعِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ التَّمْرِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الذَّهَبِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْفِضَّةِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْإِبِلِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْبَقَرِ وَمِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْغَنَمِ -: فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ، بَلْ سَوَاءٌ أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ، أَوْ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ مِمَّا يَشْتَرِي، أَوْ مِمَّا يُوهَبُ، أَوْ مِمَّا يُسْتَقْرَضُ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ إذْ لَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْبَتَّةُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَوَجَبَ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا يُمْنَعُ مَنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ شَرِيكَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ الَّتِي هُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، وَعَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ؟ وَأَيْضًا - فَلَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ الْمَالِ لَكَانَتْ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ، أَوْ تَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ.

مسألة ما أتلف بعد وجوب الزكاة فيه

فَلَوْ كَانَتْ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لَحَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ رَأْسًا أَوْ حَبَّةً فَمَا فَوْقهَا؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ شَرِيكًا، وَلَحَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ. وَلَلَزِمَهُ أَيْضًا: أَنْ لَا يُخْرِجَ الشَّاةَ إلَّا بِقِيمَةٍ مُصَحَّحَةٍ مِمَّا بَقِيَ، كَمَا يُفْعَلَ فِي الشَّرِكَاتِ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ فَهَذَا بَاطِلٌ. وَكَانَ يَلْزَمُ أَيْضًا: مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَبِيعُ أَوْ يَأْكُلُ الَّذِي هُوَ حَقُّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَا يَقِينًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا أَتْلَفَ بَعْد وُجُوب الزَّكَاة فِيهِ] 665 - مَسْأَلَةٌ: فَكُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ زَكَاةٌ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَسَوَاءٌ تَلَفَ ذَلِكَ أَوْ بَعْضُهُ - أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ - إثْرِ إمْكَانِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ، إثْرِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا قَلَّ مِنْ الزَّمَنِ أَوْ كَثُرَ، بِتَفْرِيطٍ تَلَفَ أَوْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ -: فَالزَّكَاةُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ كَمَا كَانَتْ لَوْ لَمْ يَتْلَفْ، وَلَا فَرْقَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي عَيْنِ الْمَالِ؟ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إثْرَ إمْكَانِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْإِبِلُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُزَكَّى بِالْغَنَمِ وَلَهُ غَنَمٌ حَاضِرَةٌ فَهَذَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ مِنْ الْغَنَمِ الْحَاضِرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْطُلَ بِالزَّكَاةِ حَتَّى يَبِيعَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] . [مَسْأَلَةٌ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَعَزَلَهَا لِيَدْفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ فَضَاعَتْ] 666 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَعَزَلَهَا لِيَدْفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ أَوْ إلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَضَاعَتْ الزَّكَاةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا كُلِّهَا وَلَا بُدَّ، لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوَصِّلَهَا إلَى مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ - وَلَمْ يَحُدَّ لِذَلِكَ مُدَّةً - فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ هَلَكَ؛ فَلَوْ هَلَكَ بَعْضُهُ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ فَقَطْ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلَفَ، فَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ؟ .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ فَإِنْ لَجَأَ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي عَيْنِ الْمَالِ، قُلْنَا لَهُ: هَذَا بَاطِلٌ بِمَا قَدَّمْنَا آنِفًا، ثُمَّ هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ إذَا كَانَ الْبَاقِي لَيْسَ مِمَّا يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ عِنْدَكُمْ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِتَلَفِهِ، وَالْبَاقِي لَيْسَ نِصَابًا، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي فِيهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ؟ فَالتَّالِفُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا؛ أَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَتْ مُشَاعَةٌ فِي الْمَالِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَالشَّرِكَةِ؛ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ إخْرَاجُهَا إلَّا بِقِيمَةٍ مُحَقَّقَةٍ مَنْسُوبَةٍ مِمَّا بَقِيَ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَقَالَ بِهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الطَّعَامِ يَخْرُجُ عَنْ الطَّعَامِ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ؛ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَلَفَ النَّاضُّ بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ فَرَجَعَ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَ زَكَاةَ الطَّعَامِ فَتَلِفَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، لَا عَنْ الْكُلِّ وَلَا عَمَّا بَقِيَ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَتَلَفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ زَكَاتِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَيْسَتْ عَيْنًا مُعِينَةً؛ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ وَلَا جُزْءًا مُشَاعًا فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ هُمَا اللَّذَانِ يَكُونُ مَنْ كَانَا عِنْدَهُ بِحَقٍّ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ؛ فَإِذْ الزَّكَاةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا هِيَ حَقٌّ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى الْمُصَدِّقِ، أَوْ إلَى مَنْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -: فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ لَا أَمَانَةً عِنْدَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَدًّى عَلَى كُلِّ حَالٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَجَرِيرٍ، وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ حَفْصٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ؛ وقَالَ جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةَ عَنْ أَصْحَابِهِ؛ وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادٍ، وَقَالَ زَيْدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ؛ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ: فِيمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالِهِ فَضَاعَتْ: أَنَّهَا لَا تُجْزِي عَنْهُ وَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا ثَانِيَةً؟ وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ؟

مسألة زكاة البر ما يجزئ منه

[مَسْأَلَةٌ زَكَاة الْبَرّ مَا يُجْزِئ مِنْهُ] مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّ بُرٍّ أَعْطَى، أَوْ أَيُّ شَعِيرٍ: فِي زَكَاتِهِ كَانَ أَدْنَى مِمَّا أَصَابَ أَوْ أَعْلَى -: أَجْزَأَهُ، مَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا بِعَفَنٍ، أَوْ تَآكُلٍ، فَلَا يُجْزِئُ عَنْ صَحِيحٍ، أَوْ مَا كَانَ رَدِيئًا بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ بِالنَّصِّ عُشْرُ مَكِيلَةِ مَا أَصَابَ أَوْ نِصْفُ عُشْرِهَا إذَا كَانَتْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، وَلَوْ كَانَ لَا يُجْزِئُهُ أَدْنَى مِنْ صِفَةِ مَا أَصَابَ لَكَانَ لَا يُجْزِئُهُ أَعْلَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ؛ وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّصِّ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي أَصَابَ؛ فَمَنْ ادَّعَى أَنْ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مِثْلَ صِفَةِ الَّتِي أَصَابَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا -: إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَعْطَى فَاسِدًا عَنْ صَحِيحٍ فَلِأَنَّ الْمَكِيلَةَ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ وَبِالْإِجْمَاعِ، وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ الْعَفَنَ وَالْمُتَآكِلَ قَدْ نَقَصَا مِنْ الْمَكِيلَةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ أَصْلًا، وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَكِيلَةُ تَامَّةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ زَكَاة التَّمْرِ] 668 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي زَكَاةِ التَّمْرِ، أَيِّ تَمْرٍ أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، سَوَاءٌ مِنْ جِنْسِ تَمْرِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، أَدْنَى مِنْ تَمْرِهِ أَوْ أَعْلَى، مَا لَمْ يَكُنْ رَدِيًّا كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ مَعْفُونًا أَوْ مُتَآكِلًا، أَوْ الْجُعْرُورُ، أَوْ لَوْنُ الْحُبَيْقِ فَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَسَوَاءٌ كَانَ تَمْرُهُ كُلُّهُ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِتَمْرٍ سَالِمٍ غَيْرِ رَدِيءٍ، وَلَا مِنْ هَذَيْنِ اللَّوْنَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لَوْنَيْنِ مِنْ التَّمْرِ: الْجُعْرُورُ، وَلَوْنُ الْحُبَيْقِ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَيَمَّمُونَ شِرَارَ ثِمَارِهِمْ فَيُخْرِجُونَهَا فِي الصَّدَقَةِ؛ فَنُهُوا عَنْ

ذَلِكَ» ، وَنَزَلَتْ {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيِّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ السُّدِّيَّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانُوا يَجِيئُونَ فِي الصَّدَقَةِ بِأَدْنَى طَعَامِهِمْ، وَأَدْنَى تَمْرِهِمْ، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْخَبِيثُ لَا يَكُونُ إلَّا حَرَامًا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا الْمَنْهِيُّ عَنْ إخْرَاجِهِ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ حَرَامٌ فِيهَا، فَهُوَ خَبِيثٌ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا؛ وَلَا يُنْكَرُ كَوْنُ الشَّيْءِ طَاعَةً فِي وَجْهٍ مَعْصِيَةً فِي وَجْهٍ آخَرَ؛ كَالْأَكْلِ لِلصَّائِمِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى طَيِّبٌ حَلَالٌ، وَلَوْ أَكَلَهُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَأَكَلَ حَرَامًا عَلَيْهِ خَبِيثًا فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، هُمَا حَرَامَانِ خَبِيثَانِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ، وَهُمَا لِلْمُضْطَرِّ غَيْرِ الْمُتَجَانِفِ لِإِثْمٍ حَلَالَانِ طَيِّبَانِ غَيْرُ خَبِيثَيْنِ؛ وَهَكَذَا أَكْثَرُ الْأَشْيَاءِ فِي الشَّرَائِعِ.

زكاة الغنم

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثنا عَبَّادٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجُعْرُورِ، وَلَوْنِ ابْنِ حُبَيْقٍ أَنْ يُؤْخَذَا فِي الصَّدَقَةِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْنَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ؟ [زَكَاةُ الْغَنَمِ] 669 - مَسْأَلَةٌ: الْغَنَمُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ، فَهِيَ مَجْمُوعٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ. وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الْمَاعِزِ وَالضَّأْنِ، كَضَأْنِ بِلَادِ السُّودَانِ وَمَاعِزِ الْبَصْرَةِ وَالنَّفَدِ وَبَنَاتِ حَذَفٍ وَغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ الْمَقْرُونُ الَّذِي نِصْفُهُ خِلْقَةُ مَاعِزٍ، وَنِصْفُهُ ضَأْنٍ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَنَمِ، وَالذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ سَوَاءٌ. وَاسْمُ الشَّاءِ أَيْضًا -: وَاقِعٌ عَلَى الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللُّغَةِ. وَلَا وَاحِدَ لِلْغَنَمِ مِنْ لَفْظِهِ، إنَّمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ: شَاةٌ، أَوْ مَاعِزَةٌ، أَوْ ضَانِيَةٌ، أَوْ كَبْشٌ، أَوْ تَيْسٌ: هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 670 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا زَكَاةَ فِي الْغَنَمِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُسْلِمُ الْوَاحِدُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ رَأْسًا حَوْلًا كَامِلًا مُتَّصِلًا عَرَبِيًّا قَمَرِيًّا. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا، وَسَنَذْكُرُهُ فِي زَكَاةِ الْفَوَائِدِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْمَاشِيَةِ، وَلَمْ يَحُدَّ وَقْتًا» وَلَا نَدْرِي مِنْ هَذَا الْعُمُومِ مَتَى تَجِبُ الزَّكَاةُ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَا

فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ فَصَاعِدًا، هَذَا مَنْقُولٌ بِإِجْمَاعٍ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا مَرَّةٌ فِي الْحَوْلِ، فَلَا يَجِبُ فَرْضٌ إلَّا بِنَقْلٍ صَحِيحٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ، أَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بِنَقْلِ آحَادٍ وَلَا بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ وَلَا بِنَقْلِ إجْمَاعٍ، وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْجَبَهَا بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ قَدْ صَحَّ وُجُوبُهَا بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ بِلَا شَكٍّ؛ فَالْآنُ وَجَبَتْ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] . قُلْنَا: إنَّمَا تَجِبُ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْفَرْضِ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَا قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَكَلَامُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي أَخَوَاتِهَا إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ، فَإِذَا صَحَّ وُجُوبُ الْفَرْضِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْمُسَارَعَةُ إلَى أَدَائِهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ، بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ عَرَبِيًّا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الْحَوْلَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] . وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] . وَقَالَ تَعَالَى: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] . وَلَا يُعَدُّ بِالْأَهِلَّةِ إلَّا الْعَامُ الْعَرَبِيُّ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ شَرِيعَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِالشُّهُورِ أَوْ بِالْحَوْلِ إلَّا بِشُهُورِ الْعَرَبِ، وَالْحَوْلِ الْعَرَبِيِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ . 671 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا تَمَّتْ فِي مِلْكِهِ عَامًا كَمَا ذَكَرْنَا، سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَاعِزًا، أَوْ بَعْضُهَا - أَكْثَرُهَا أَوْ أَقَلُّهَا - ضَأْنًا، وَسَائِرُهَا كَذَلِكَ مِعْزَى -: فَفِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لَا نُبَالِي ضَانِيَةً كَانَتْ أَوْ مَاعِزَةً، كَبْشًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ كِلَيْهِمَا، كُلُّ رَأْسٍ تُجْزِئُ مِنْهُمَا عَنْ الضَّأْنِ، وَعَنْ الْمَاعِزِ؛ وَهَكَذَا مَا زَادَتْ حَتَّى تَتِمَّ مِائَةً وَعِشْرِينَ كَمَا ذَكَرْنَا؟ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَزَادَتْ لَوْ بَعْضَ شَاةٍ كَذَلِكَ عَامًا كَامِلًا كَمَا ذَكَرْنَا -: فَفِيهَا شَاتَانِ كَمَا قُلْنَا، إلَى أَنْ تَتِمَّ مِائَتَيْ شَاةٍ؟

فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَزَادَتْ وَلَوْ بَعْضَ شَاةٍ كَذَلِكَ عَامًا كَامِلًا وَصَفْنَا فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ كَمَا حَدَّدْنَا؛ وَهَكَذَا إلَى أَنْ تُتِمَّ أَرْبَعمِائَةِ شَاةٍ كَمَا وَصَفْنَا فَإِذَا أَتَمَّتْهَا كَذَلِكَ عَامًا كَامِلًا كَمَا ذَكَرْنَا فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ. وَأَيَّ شَاةٍ أَعْطَى صَاحِبُ الْغَنَمِ فَلَيْسَ لِلْمُصَدِّقِ وَلَا لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ رَدُّهَا، مِنْ غَنَمِهِ كَانَتْ أَوْ مِنْ غَيْرِ غَنَمِهِ، مَا لَمْ تَكُنْ هَرِمَةً أَوْ مَعِيبَةً؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ هَرِمَةً؛ أَوْ مَعِيبَةً فَالْمُصَدِّقُ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَكَلَّفَهُ فَتِيَّةً سَلِيمَةً، وَلَا نُبَالِي كَانَتْ تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ أَوْ لَا تُجْزِئُ؟ وَالْمُصَدِّقُ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ - الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ - أَوْ أَمِيرُهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَاتِ؟ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَ تَيْسًا ذَكَرًا إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ الْغَنَمِ؛ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ؛ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَ أَفْضَلَ الْغَنَمِ، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي تَرْبَى أَوْ السَّمِينَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَفْضَلِ الْغَنَمِ جَازَ أَخْذُهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَاضِلَةً أَخَذَ مِنْهَا إنْ أَعْطَاهُ صَاحِبُهَا، سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا كَانَ صَاحِبُهَا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مَا ذَكَرْنَا أَجَزَّأَ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ ثنا أَبِي ثنا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ " هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَمَنْ سَأَلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطَ ". ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -: «فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ» فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَشَاتَانِ؛ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ؛ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَلَا يُخْرِجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةً، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ إلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيِّ ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ، فَكَانَ فِيهِ - ذِكْرُ الْفَرَائِضِ -: وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَشَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ - أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيِّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» . فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ نَصُّ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا - وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ خِلَافٌ. فَمِنْ ذَلِكَ -: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَا يُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا ضَانِيَةٌ، وَمِنْ الْمَعْزِ إلَّا مَاعِزَةٌ فَإِنْ كَانَا خَلِيطَيْنِ أُخِذَ مِنْ الْأَكْثَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ؛ بَلْ الَّذِي ذَكَرُوا خِلَافٌ لِلسُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى جَمْعِ الْمَعْزَى مَعَ الضَّأْنِ، وَعَلَى أَنَّ اسْمَ غَنَمٍ يَعُمُّهَا، وَأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَقَعُ عَلَى

الْوَاحِدِ مِنْ الْمَاعِزِ، وَمِنْ الضَّأْنِ؛ وَلَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ فِي حُكْمِهَا فَرْقًا لَبَيَّنَهُ، كَمَا خَصَّ التَّيْسَ، وَإِنْ وُجِدَ فِي اللُّغَةِ اسْمُ التَّيْسِ يَقَعُ عَلَى الْكَبْشِ وَجَبَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ إلَّا بِرِضَا الْمُصَدِّقِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِ الْمَاعِزَةِ عَنْ الضَّأْنِ أَجَازَ أَخْذَ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ عَنْ الذَّهَبِ وَهُمَا عِنْدَهُ صِنْفَانِ، يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِي مَكَان آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: إنْ مَلَكَ مِائَةَ شَاةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً وَبَعْضَ شَاةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى يَتِمَّ فِي مِلْكِهِ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ، وَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ شَاةٍ وَبَعْضَ شَاةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا شَاتَانِ حَتَّى يَتِمَّ فِي مِلْكِهِ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاةٌ. وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ " كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا ذَكَرُوا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أَوْرَدْنَا " فَإِنْ زَادَتْ " وَلَمْ يَقُلْ " وَاحِدَةٌ " فَوَجَدْنَا الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا مُتَّفِقَيْنِ عَلَى أَنَّهَا إنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً أَوْ عَلَى مِائَتَيْ شَاةٍ فَقَدْ انْتَقَلَتْ الْفَرِيضَةُ. وَوَجَدْنَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْفَرِيضَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ وَعَلَى الْمِائَتَيْنِ، فَكَانَ هَذَا عُمُومًا لِكُلِّ زِيَادَةٍ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا، فَصَارَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا قَدْ أَخَذَ بِالْحَدِيثَيْنِ، فَلَمْ يُخَالِفْ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ وَصَارَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، مُخَصِّصًا لَهُ بِلَا بُرْهَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَاهُنَا أَيْضًا خِلَافٌ آخَرُ: وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا زَادَتْ الْغَنَمُ وَاحِدَةٌ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، فَكُلُّ مَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَقَدْ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ - لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَا عَظُمَتْ بِهِ الْبَلْوَى لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ -: أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ؛

لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِائَتَيْ شَاةٍ إذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ تَنْتَقِلُ وَيَجِبُ فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ وَاحِدَةٌ أَيْضًا، فَيَجِبُ أَنْ تَنْتَقِلَ الْفَرِيضَةُ، وَلَا سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ قَدْ قَلَّدُوا إبْرَاهِيمَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ بَقَرَةً، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي الْبَقَرِ وَقْصًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَنْ يُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا وَيَقُولُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الْغَنَمِ وَقْصًا مِنْ مِائَةٍ وَثَمَانٍ وَتِسْعِينَ شَاةً؛ لَا سِيَّمَا وَمَعَهُمْ هَاهُنَا فِي الْغَنَمِ قِيَاسٌ مُطَرَّدٌ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْبَقَرِ قِيَاسٌ أَصْلًا، وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي الْبَقَرِ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُمْ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ مِنْ الْغَنَمِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَنَحْوُ ذَلِكَ - وَهَلَّا قَالُوا: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا جَهِلَهُ إبْرَاهِيمُ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ خِلَافَ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ صَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ؟ قُلْنَا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إلَّا وَقَدْ خَالَفْتُمُوهَا، فَلَمْ تَكُنْ حُجَّةٌ فِيمَا خَالَفْتُمُوهُ فِيهِ، وَكَانَ حُجَّةٌ عِنْدَكُمْ فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّهُ خَبْطٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَإِنَّمَا نُرِيهِمْ تَنَاقُضَهُمْ وَتَحَكُّمَهُمْ فِي الدِّينِ بِتَرْكِ الْقِيَاسِ لِلسُّنَنِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَهُمْ، وَبِتَرْكِ السُّنَنِ لِلْقِيَاسِ كَذَلِكَ، وَبِتَرْكِهِمَا جَمِيعًا كَذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ رَاعَى فِي الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ مَا تُجْزِئُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ - وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ - فَقَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا قَالَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ؛ فَكَيْفَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْجَذَعَةِ فَمَا دُونَهَا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَلَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَإِنَّمَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي بُرْدَةَ وَلَنْ تُجْزِئَ جَذَعَةٌ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ» يَعْنِي فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَنْهَا سَأَلَهُ، وَقَدْ صَحَّ

النَّصُّ بِإِيجَابِ الْجَذَعَةِ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ؛ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْنِ إلَّا الْأُضْحِيَّةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا إنْ كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا كَرَائِمُ أَخَذَ مِنْهَا بِرِضَا صَاحِبِهَا؛ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ كَرَائِمِ الْغَنَمِ» ؛ وَهَذَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِي الْغَنَمِ - وَلَا بُدَّ - مَا لَيْسَ بِكَرَائِمَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا كَرَائِمُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: هَذِهِ كَرَائِمُ هَذِهِ الْغَنَمِ؛ لَكِنْ يُقَالُ هَذِهِ كَرِيمَةٌ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ الْكَرَائِمِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُؤْمَرُ الْمُصَدِّقُ أَنْ يَصْدَعَ الْغَنَمَ صَدْعَيْنِ فَيَخْتَارُ صَاحِبُ الْغَنَمِ خَيْرَ الصَّدْعَيْنِ وَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْآخَرِ؟ وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: يُفَرِّقُ الْغَنَمَ أَثْلَاثًا، ثُلُثُ خِيَارٍ، وَثُلُثُ رُذَالٍ، وَثُلُثُ وَسَطٍ؛ ثُمَّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ فِي الْوَسَطِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا نَصَّ فِيهِ؛ وَلَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ هَرِمَةً وَلَا ذَاتَ عَوَارٍ وَلَا تَيْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ: وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي بِشْرُ بْنُ عَاصِم بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ

مسألة الزكاة في الغنم مما أتم سنة

حَدَّثَهُ (أَنَّ سُفْيَانَ أَبَاهُ حَدَّثَهُ) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ: إنِّي لَا آخُذُ الشَّاةَ الْأَكُولَةَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَلَا الرُّبَى وَلَا الْمَاخِضَ، وَلَكِنِّي آخُذُ الْعَنَاقَ وَالْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ مُصْدِقًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة فِي الْغَنَم مِمَّا أَتَمَّ سَنَةٍ] 672 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا صَغُرَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى: شَاةً، لَكِنْ يُسَمَّى خَرُوفًا، أَوْ جَدْيًا، أَوْ سَخْلَةً: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَلَا أَنْ يُعَدَّ فِيمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، إلَّا أَنْ يُتِمَّ سَنَةً؛ فَإِذَا أَتَمَّهَا عُدَّ، وَأُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُضَمُّ الْفَوَائِدُ كُلُّهَا مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْمَوَاشِي، إلَى مَا عِنْدَ صَاحِبِ الْمَالِ فَتُزَكَّى مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَفِدْهَا إلَّا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ. هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ تَجِبُ فِي مِقْدَارِ مَا مَعَهُ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ، وَلَا يُبَالِي أَنَقَصَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ أَمْ لَا؟ قَالَ: فَإِنْ مَاتَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كُلَّهَا وَبَقِيَ مِنْ عَدَدِ الْخِرْفَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ: فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؟ وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ عِجْلًا فَصَاعِدًا، أَوْ خَمْسًا مِنْ الْفُصْلَانِ فَصَاعِدًا، عَامًا كَامِلًا دُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمَا فَوْقَهَا -: فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا؟

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُضَمُّ فَوَائِدُ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، إلَى مَا عِنْدَ الْمُسْلِمِ مِنْهَا؛ بَلْ يُزَكَّى كُلُّ مَالٍ بِحَوْلِهِ، حَاشَا رِبْحَ الْمَالِ وَفَوَائِدَ الْمَوَاشِي كُلِّهَا؛ فَإِنَّهَا تُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ بِحَوْلِ مَا كَانَ عِنْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يُفِدْهَا إلَّا قَبْلَ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ، إلَّا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ فَائِدَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْمَاشِيَةِ، مِنْ غَيْرِ الْوِلَادَةِ، فَلَمْ يَرَ أَنْ يُضَمَّ إلَى مَا عِنْدَ الْمَرْءِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا إذَا كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا مِقْدَارًا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا. وَرَأَى أَنْ تُضَمَّ وِلَادَةُ الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْهَا، سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُضَمُّ فَائِدَةٌ أَصْلًا إلَى مَا عِنْدَهُ، إلَّا أَوْلَادَ الْمَاشِيَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهَا تُعَدُّ مَعَ أُمَّهَاتِهَا، وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِهَا إلَّا قَبْلَ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ نَقَصَتْ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ: فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَنَاقُضُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَتَقْسِيمِهِمَا فَلَا خَفَاءَ بِهِ، لِأَنَّهُمَا قَسَّمَا تَقْسِيمًا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَهُ هَاهُنَا أَيْضًا تَنَاقُضٌ أَشْنَعُ مِنْ تَنَاقُضِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ رَأَى أَنْ يُرَاعَى أَوَّلُ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ دُونَ وَسَطٍ، وَرَأَى أَنْ تُعَدَّ أَوْلَادُ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا وَلَوْ لَمْ تَضَعْهَا إلَّا قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي بِسَاعَةٍ، ثُمَّ رَأَى فِي أَرْبَعِينَ خَرُوفًا صِغَارًا وَمَعَهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ مُسِنَّةٌ أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ، وَهِيَ تِلْكَ الْمُسِنَّةُ فَقَطْ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مُسِنَّةٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ مِائَةُ خَرُوفٍ وَعِشْرُونَ خَرُوفًا صِغَارًا كُلَّهَا وَمَعَهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: إنْ كَانَ فِيهَا مُسِنَّتَانِ فَصَدَقَتُهَا تَانِكَ الْمُسِنَّتَانِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَعَهُمَا إلَّا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا تِلْكَ الْمُسِنَّةِ وَحْدَهَا فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مُسِنَّةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ أَصْلًا. وَهَكَذَا قَالَ فِي الْعَجَاجِيلِ وَالْفُصْلَانِ أَيْضًا، وَلَوْ مَلَكَهَا سَنَةً فَأَكْثَرَ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ شَرِيعَةُ إبْلِيسَ لَا شَرِيعَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعْنِي قَوْلَهُ: إنْ كَانَ مَعَ الْمِائَةِ خَرُوفٌ وَالْعِشْرُونَ خَرُوفًا: مُسِنَّتَانِ زَائِدَتَانِ أُخِذَتَا عَنْ زَكَاةِ الْخِرْفَانِ كِلْتَاهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا إلَّا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ: أُخِذَتْ وَحْدُهَا عَنْ زَكَاةِ الْخِرْفَانِ وَلَا مَزِيدَ وَمَا جَاءَ بِهَذَا قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا أَحَدُ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً فِي أَرْبَعِينَ خَرُوفًا: يُؤْخَذُ عَنْ زَكَاتِهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ، وَبِهِ يَأْخُذُ زُفَرُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: بَلْ يُؤْخَذُ عَنْ زَكَاتِهَا خَرُوفٌ مِنْهَا؛ وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو يُوسُفَ؛ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ وَبِهِ يَأْخُذُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ. وَقَالَ مَالِكٌ كَقَوْلِ زُفَرَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنْ تُعَدَّ الْخِرْفَانُ مَعَ أُمَّهَاتِهَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا فِي مَخَالِيفِ الطَّائِفِ، فَشَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ تَصْدِيقَ الْغِذَاءِ، وَقَالُوا: إنْ كُنْت مُعْتَدًّا بِالْغِذَاءِ فَخُذْ مِنْهُ صَدَقَتَهُ. قَالَ عُمَرُ: فَقُلْ لَهُمْ: إنَّا نَعْتَدُّ بِالْغِذَاءِ كُلِّهَا حَتَّى السَّخْلَةُ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِهِ؛ وَقُلْ لَهُمْ: إنِّي لَا آخُذُ الشَّاةَ الْأَكُولَةَ؛ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَلَا الرُّبَى، وَلَا الْمَاخِضَ؛ وَلَكِنِّي آخُذُ الْعَنَاقُ، وَالْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ: وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ، وَخِيَارِهِ. وَرُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سُفْيَانَ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَهُ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ لَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَا يُزَكَّى حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ: تَعْنِي الْمَالَ الْمُسْتَفَادَ -: وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. فَهَذَا عُمُومٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَمْ يَخُصُّوا فَائِدَةَ مَاشِيَةٍ بِوِلَادَةٍ مِنْ سَائِرِ مَا يُسْتَفَادُ؛ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَوْلَادَ الْمَاشِيَةِ إلَّا كَانَ كَاذِبًا عَلَيْهِمْ، وَقَائِلًا بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَقُولُوهُ قَطُّ؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يَعُدَّ عَلَيْهِمْ أَوْلَادَ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا -: قَدْ كَانَ فِيهِمْ بِلَا شَكٍّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ سُفْيَانَ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَيَّامَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيَ الْأَمْرَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ، وَبَقِيَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانُوا بِالطَّائِفِ، وَأَهْلُ الطَّائِفِ أَسْلَمُوا قَبْلَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ عَامٍ وَنِصْفٍ وَرَأَوْهُ عَلَيْهِ

فَقَدْ صَحَّ الْخِلَافُ فِي هَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَا شَكٍّ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ؛ وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] . وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ هَذَا عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ مُتَّصِلَةٍ إلَّا مِنْ طَرِيقَيْنِ: إحْدَاهُمَا: مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ لَمْ يُسَمَّ. وَالثَّانِيَةُ - مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالرَّابِعُ - أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: خَالَفُوا قَوْلَ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا، فَقَالُوا: لَا يُعْتَدُّ بِمَا وَلَدَتْ الْمَاشِيَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمَّهَاتُ - دُونَ الْأَوْلَادِ - عَدَدًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا تُعَدُّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَادُ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ. وَالْخَامِسُ - أَنَّهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ مَا قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَصَحِّ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ، أَشْيَاءَ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إذَا خَالَفَ رَأْيَ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ -: كَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ قَوْلَ عُمَرَ: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. وَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: أَخْذَ عُمَرَ الزَّكَاةَ مِنْ الرَّقِيقِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، وَصِفَةِ أَخْذِهِ الزَّكَاةَ مِنْ الْخَيْلِ. وَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ إيجَابَ عُمَرَ الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَلَا يَصِحُّ خِلَافُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَتَرْكِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ: أَمْرَ عُمَرَ الْخَارِصَ بِأَنْ يَتْرُكَ لِأَصْحَابِ النَّخْلِ مَا

يَأْكُلُونَهُ لَا يَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ، وَغَيْرِ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا؟ فَقَدْ وَضَحَ أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِعُمَرَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ وَافَقَ شَهَوَاتِهِمْ لَا حَيْثُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَهَذَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ جِدًّا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ فَصَاعِدًا كَمَا وَصَفْنَا، وَأَوْجَبَ فِيهَا شَاةً أَوْ شَاتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةً، وَأَسْقَطَهَا عَمَّا عَدَا ذَلِكَ. وَوَجَدْنَا الْخِرْفَانَ وَالْجِدْيَانَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ شَاةٍ وَلَا اسْمُ شَاءٍ فِي اللُّغَةِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِهَا دِينَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَخَرَجَتْ الْخِرْفَانُ، وَالْجِدْيَانُ عَنْ أَنْ تَجِبَ فِيهَا زَكَاةٌ. وَأَيْضًا - فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ خَرُوفٌ وَلَا جَدْيٌ فِي الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ عَنْ الشَّاءِ فَأَقَرُّوا بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَاةً وَلَا لَهُ حُكْمُ الشَّاءِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا زَكَاةٌ، فَلَا تَجُوزُ هِيَ فِي الزَّكَاةِ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ زَكَاةَ مَاشِيَةٍ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا حَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ؟ وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ خِرْفَانًا أَوْ عُجُولًا أَوْ فُصْلَانًا سَنَةً كَامِلَةً فَالزَّكَاةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ تَمَامِ الْعَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُسَمَّى غَنَمًا، وَبَقَرًا وَإِبِلًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ مَيْسَرَةَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَسْتُ إلَيْهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إنَّ فِي عَهْدِي أَنْ لَا نَأْخُذَ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ هُوَ فِي الزَّكَاةِ لَقَالَ " أَنْ لَا نَأْخُذَ رَاضِعَ لَبَنٍ " لَكِنْ لَمَّا مُنِعَ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ - وَرَاضِعُ لَبَنٍ اسْمٌ لِلْجِنْسِ - صَحَّ بِذَلِكَ أَنْ لَا تُعَدَّ الرَّوَاضِعُ فِيمَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ. وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَ هِلَالَ بْنَ خَبَّابٍ، إلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: لَقِيته وَقَدْ تَغَيَّرَ، وَهَذَا لَيْسَ جُرْحَةٌ، لِأَنَّ هُشَيْمًا أَسَنُّ مِنْ يَحْيَى بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً، فَكَانَ لِقَاءُ هُشَيْمٍ لِهِلَالٍ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا سُوَيْدٌ فَأَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى إلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَحْوِ خَمْسِ لَيَالٍ، وَأَفْتَى أَيَّامَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ فَطَرَدَا قَوْلَهُمَا، إذْ أَوْجَبَا أَخْذَ خَرُوفٍ صَغِيرٍ فِي الزَّكَاةِ عَنْ أَرْبَعِينَ خَرُوفًا فَصَاعِدًا، وُلِدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَتْ أُمَّهَاتُهَا؟ وَأَخْذُ مِثْلِ هَذَا فِي الزَّكَاةِ عَجَبٌ جِدًّا وَأَمَّا إذَا أَتَمَّتْ سَنَةً فَاسْمُ شَاةٍ يَقَعُ عَلَيْهَا فَهِيَ مَعْدُودَةٌ وَمَأْخُوذَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَحَصَلُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا، فَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ أَنْ تُعَدَّ الْأَوْلَادُ مَعَ الْأُمَّهَاتِ إلَّا إذَا كَانَتْ

زكاة البقر

الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا؛ وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ كَذَلِكَ؟ وَحَصَلَ مَالِكٌ عَلَى قِيَاسٍ فَاسِدٍ مُتَنَاقِضٍ؛ لِأَنَّهُ قَاسَ فَائِدَةَ الْمَاشِيَةِ خَاصَّةً - دُونَ سَائِرِ الْفَوَائِدِ - عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ مِنْ عَدِّ أَوْلَادِهَا مَعَهَا، ثُمَّ نَقَضَ قِيَاسَهُ فَرَأَى أَنْ لَا تُضَمَّ فَائِدَةُ الْمَاشِيَةِ بِهِبَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ شِرَاءِ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْهَا إلَّا إنْ كَانَ مَا عِنْدَهُ نِصَابًا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا - وَرَأَى أَنْ تُضَمَّ أَوْلَادُهَا إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا تَجِبُ فِي الزَّكَاةِ؟ وَهَذِهِ تَقَاسِيمَ لَا يُعْرَفُ أَحَدُ قَالَ بِهَا قَبْلَهُمْ، وَلَا هُمْ اتَّبَعُوا عُمَرَ، وَلَا طَرَدُوا الْقِيَاسَ، وَلَا اتَّبَعُوا نَصَّ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ. [زَكَاةُ الْبَقَرِ] [مَسْأَلَةٌ الْجَوَامِيسُ صِنْفٌ مِنْ الْبَقَرِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ] زَكَاةُ الْبَقَرِ 673 - مَسْأَلَةٌ: الْجَوَامِيسُ صِنْفٌ مِنْ الْبَقَرِ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا زَكَاةَ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا، أَوْ ذُكُورًا، وَإِنَاثًا، فَإِذَا تَمَّتْ خَمْسُونَ رَأْسًا مِنْ الْبَقَرِ وَأَتَمَّتْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا عَامًا قَمَرِيًّا مُتَّصِلًا كَمَا قَدَّمْنَا -: فَفِيهَا بَقَرَةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَةً مِنْ الْبَقَرِ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا بَقَرَتَانِ، وَهَكَذَا أَبَدًا، فِي كُلِّ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وَلَا شَيْءَ زَائِدٌ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ؛ وَلَا يُعَدُّ فِيهَا مَا لَمْ يُتِمَّ حَوْلًا كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ؛ وَفِي خَمْسِ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ: وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ ثنا يَزِيدُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ الْبَقَرَ يُؤْخَذُ

مِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْإِبِلِ، يَعْنِي فِي الزَّكَاةِ، قَالَ: وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا غَيْرُهُمْ؟ فَقَالُوا: فِيهَا مَا فِي الْإِبِلِ. يَزِيدُ هَذَا هُوَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَوْ ابْنُ زُرَيْعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ؛ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَرَائِضُ الْبَقَرِ مِثْلُ فَرَائِضِ الْإِبِلِ، غَيْرَ الْأَسْنَانِ فِيهَا، فَإِذَا كَانَتْ الْبَقَرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ» أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَخْفِيفًا لِأَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ كَانَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُرْوَى -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: اُسْتُعْمِلْت عَلَى صَدَقَاتِ عَكَّ، فَلَقِيت أَشْيَاخًا مِمَّنْ صَدَقَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اجْعَلْهَا مِثْلَ صَدَقَةِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي قِلَابَةَ وَآخَرُ قَالُوا: صَدَقَاتُ الْبَقَرِ كَنَحْوِ صَدَقَاتِ الْإِبِلِ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي

خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ فَبَقَرَتَانِ مُسِنَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذْ زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ -: وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ -: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ الْفَهْمِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ صَدَقَةَ الْبَقَرِ صَدَقَةُ الْإِبِلِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا أَسْنَانَ فِيهَا. فَهَؤُلَاءِ كُتَّابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَاعَةٌ أَدَّوْا الصَّدَقَاتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلْدَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَغَيْرُهُمْ؟ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ ثنا يَزِيدُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: «إنَّ فِي كِتَابِ صَدَقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ الْبَقَرَ يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْإِبِلِ» -: وَبِمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرُ قَالَ: «أَعْطَانِي سِمَاكُ بْنُ الْفَضْلِ كِتَابًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَالِكِ بْنِ كُفْلَانِسَ الْمُصْعَبِيِّينَ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّنَا نِصْفُ الْعُشْرِ،

وَفِي الْبَقَرِ مِثْلُ الْإِبِلِ» . وَبِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ هَذَا هُوَ آخِرُ الْأَمْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّبِيعِ: نُسِخَ بِهَذَا. وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ الْخَبَرِ «مَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إلَّا بُطِحَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالُوا: فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَقَرٍ إلَّا مَا خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ. وَقَالُوا: مَنْ عَمِلَ مِثْلَ قَوْلِنَا كَانَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ؛ وَمَنْ خَالَفَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنَّ مَا وَجَبَ بِيَقِينٍ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِمِثْلِهِ؟ وَقَالُوا: قَدْ وَافَقْنَا أَكْثَرَ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ الْبَقَرَ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ كَالْبَدَنَةِ؛ وَأَنَّهَا تُعَوَّضُ مِنْ الْبَدَنَةِ، وَأَنَّهَا لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ مِنْ هَذِهِ إلَّا مَا يُجْزِئُ مِنْ تِلْكَ، وَأَنَّهَا تُشْعَرُ إذَا كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ كَالْبُدْنِ؛ فَوَجَبَ قِيَاسُ صَدَقَتِهَا عَلَى صَدَقَتِهَا. وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ نِصَابًا مَبْدَؤُهُ ثَلَاثُونَ؛ لَكِنْ إمَّا خَمْسَةٌ كَالْإِبِلِ، وَالْأَوَاقِي، وَالْأَوْسَاقِ، وَإِمَّا أَرْبَعُونَ كَالْغَنَمِ، فَكَانَ حَمْلُ الْبَقَرِ عَلَى الْأَكْثَرِ - وَهُوَ الْخَمْسَةُ - أَوْلَى. وَقَالُوا: إنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ» فَنَعَمْ، نَحْنُ نَقُولُ: بِهَذَا، أَوْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَمَّا دُونَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحُكْمُهُ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلْدَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَيَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ اتِّبَاعَهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ

تَبِيعَةٌ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَتَانِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ؛ لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ؛ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعَتَانِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سَبْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا، لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا زَائِدَةً، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ؟ وَهَذَا قَوْلٌ صَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ طَرِيقِ، أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -: وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَوْمٍ صَدَّقُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ -: وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَطَاوُسٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَرِوَايَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؟ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ، وَأَبِي وَائِلٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ثَنِيَّةٌ

وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ مِثْلُهُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؟ وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْأَوْقَاصِ، مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ، وَمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إلَى الْخَمْسِينَ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ جَذَعٌ قَدْ اسْتَوَى قَرْنَاهُ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فَرَائِضُ الْبَقَرِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا عِجْلٌ رَائِعٌ جَذَعٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سَبْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَإِنَّ فِيهَا بَقَرَةً وَعِجْلًا جَذَعًا، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَانِينَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ» -: وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ، وَبَعَثَهُ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ وَفِيهِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَاقُورَةً تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ» . وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيِّ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ثنا

أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَبَّوَيْهِ الْمَرْوَزِيِّ ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ثنا بَقِيَّةُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً جَذَعًا أَوْ جَذَعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةً مُسِنَّةً، قَالُوا: فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا أَمَرَنِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ؛ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا - نَعْلَمُ - تَقَصَّوْهُ لِأَنْفُسِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِينَ شَيْءٌ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ الْبَقَرُ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ وَرُبْعٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سَبْعِينَ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ -: وَرُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَا؛ وَهِيَ رِوَايَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؟ وَيُمْكِنُ أَنْ يُمَوِّهَ هَؤُلَاءِ بِالْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاذٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْخَمْسِينَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَعْنِي مِنْ الْبَقَرِ» وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ؛ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بَقَرَةٌ وَجُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ بَقَرَةٍ؛ وَهَكَذَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ تَزِيدُ فَفِيهَا جُزْءٌ آخَرُ

زَائِدٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ بَقَرَةٍ؛ هَكَذَا إلَى السِّتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعَانِ؛ ثُمَّ لَا شَيْءَ فِيهَا إلَّا فِي كُلِّ عَشْرَةٍ زَائِدَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادًا هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ - فَقُلْت إنْ كَانَتْ خَمْسِينَ بَقَرَةً؟ فَقَالَ: بِحِسَابِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحَجَّاجِ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يُحَاسَبُ صَاحِبُ الْبَقَرِ بِمَا فَوْقَ الْفَرِيضَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ: مَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عُمُومُ إبْرَاهِيمَ، وَحَمَّادٍ، وَمَكْحُولٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَعَلَى الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ زَائِدَةٌ جُزْءٌ مِنْ بَقَرَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخٍ كَانُوا قَدْ صَدَّقُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ، مُخَالِفِينَ لِمَنْ جَعَلَ فِي أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ شَيْئًا. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسِينَ وَلَا مَا فَوْقَهَا شَيْءٌ؛ وَأَنَّ صَدَقَةَ الْبَقَرِ إنَّمَا هِيَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ فَقَطْ هَكَذَا أَبَدًا كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ عُمَّالُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عَوْفٍ وَعُمَّالِهِ، يَأْخُذُونَ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةً؛ وَمِنْ كُلِّ مِائَةٍ بَقَرَتَيْنِ، فَإِذَا كَثُرَتْ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً بَقَرَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا حَضَرْنَا ذِكْرُهُ مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَكُلُّ أَثَرٍ رُوِّينَاهُ فِيهَا وَوَجَبَ النَّظَرُ لِلْمَرْءِ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَدِينُ بِهِ رَبَّهُ تَعَالَى فِي دِينِهِ -: فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ فَرْضٌ وَاجِبٌ فِي الْبَقَرِ -:

كَمَا حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا وَكِيعٌ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ؛ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ؟» حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قَطُّ، وَأُقْعِدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَسِيرُ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا؛ وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا إلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ، وَأُقْعِدَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِقَوَائِمِهَا» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَبَ فَرْضًا طَلَبُ ذَلِكَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، حَتَّى لَا يَتَعَدَّى قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . فَنَظَرْنَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَوَجَدْنَا الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْقَطِعَةٌ وَالْحُجَّةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِمُتَّصِلٍ، إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ - مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ - أَنْ يَقُولُوا: بِهَا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي أُصُولِهِمْ وَتَحَكَّمُوا بِالْبَاطِلِ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ.

الزُّهْرِيِّ: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِهَا نَسْخُ إيجَابِ التَّبِيعِ، وَالْمُسِنَّةِ: فِي الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ؛ فَلَوْ قُبِلَ مُرْسَلُ أَحَدٍ لَكَانَ الزُّهْرِيُّ أَحَقَّ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلَمْ يَحْكِ الْقَوْلَ فِي الثَّلَاثِينَ بِالتَّبِيعِ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ بِالْمُسِنَّةِ إلَّا عَنْ أَهْلِ الشَّامِ، لَا عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَوَافَقَ الزُّهْرِيَّ عَلَى ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ؛ فَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلَ بِهَذَا أَوْ إفْسَادَ أُصُولِهِمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ - وَأُسْنِدَ - مَا خَالَفْنَاهُ أَصْلًا - وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِعُمُومِ الْخَبَرِ «مَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا وَلَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا» وَقَوْلَهُمْ: إنَّ هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَقَرٍ -: فَإِنَّ هَذَا لَازِمٌ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الْمُحْتَجِّينَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الْآيَةُ وَالْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ وَسَائِرِ مَا احْتَجُّوا فِيهِ بِمِثْلِ هَذَا، لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلًا؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عَلَيْنَا بِهَذَا؛ لِأَنَّنَا - وَإِنْ كُنَّا لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا مُفَارِقَةُ الْعُمُومِ إلَّا لِنَصٍّ آخَرَ - فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ شَرْعُ شَرِيعَةٍ إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، وَنَحْنُ نُقِرُّ وَنَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَقَرِ زَكَاةً مَفْرُوضَةً يُعَذِّبُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا الْعَذَابَ الشَّدِيدَ، مَا لَمْ يَغْفِرْ لَهُ بِرُجُوحِ حَسَنَاتِهِ أَوْ مُسَاوَاتِهَا لِسَيِّئَاتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ مِنْهَا، وَلَا بَيَانَ الْعَدَدِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا، وَلَا مَتَى تُؤَدَّى؛ وَلَيْسَ الْبَيَانُ لِلدِّيَانَةِ مَوْكُولًا إلَى الْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ؛ بَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّهُ وَبَاعِثُهُ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَوْجَبُوهُ فِي الْخَمْسِ فَصَاعِدًا مِنْ الْبَقَرِ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الْبَقَرِ زَكَاةٌ؛ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْ إيجَابِ فَرْضِ ذَلِكَ فِي عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْعُمُومِ هَاهُنَا، وَلَوْ كَانَ عُمُومًا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ لَمَا خَالَفْنَاهُ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَنْ زَكَّى الْبَقَرَ - كَمَا قَالُوا - فَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يُزَكِّهَا - كَمَا قَالُوا - فَلَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ؛ وَأَنَّ مَا صَحَّ

بِيَقِينٍ وُجُوبُهُ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِيَقِينٍ آخَرَ -: فَهَذَا لَازِمٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ تَدَلَّكَ فِي الْغُسْلِ فَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ؛ وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ بِيَقِينٍ؛ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ؛ وَلِمَنْ أَوْجَبَ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ نَفْسِهَا؛ وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا تَجِبُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَمَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ إيجَابَ الْفَرَائِضِ وَشَرْعِ الشَّرَائِعِ بِاخْتِلَافٍ؛ لَا نَصَّ فِيهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ وَلَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ عَلَى وُجُوبِ إيعَابِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا عَلَى التَّدَلُّكِ فِي الْغُسْلِ؛ وَلَا عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي خَمْسِ مِنْ الْبَقَرِ فَصَاعِدًا إلَى الْخَمْسِينَ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ اسْتِدْلَالُهُمْ هَذَا صَحِيحًا لَوْ وَافَقْنَاهُمْ عَلَى وُجُوبِ كُلِّ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْقَطْنَا وُجُوبَهُ بِلَا بُرْهَانٍ؛ وَنَحْنُ لَنْ نُوَافِقَهُمْ قَطُّ عَلَى وُجُوبِ غُسْلٍ فِيهِ تَدَلُّكٌ؛ وَلَا عَلَى إيجَابِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَلَا عَلَى إيجَابِ زَكَاةٍ فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ فَصَاعِدًا؛ وَإِنَّمَا وَافَقْنَاهُمْ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ دُون تَدَلُّكٍ، وَعَلَى إيجَابِ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ لَا كُلِّهِ؛ وَعَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عَدَدٍ مَا مِنْ الْبَقَرِ لَا فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْهَا؛ فَزَادُوا هُمْ - بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ - إيجَابَ التَّدَلُّكِ، وَمَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَالزَّكَاةَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ فَصَاعِدًا؛ وَهَذَا شَرْعٌ بِلَا نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ فَهَذَا يَلْزَمُ ضَبْطُهُ؛ لِئَلَّا يُمَوِّهَ فِيهِ أَهْلُ التَّمْوِيهِ بِالْبَاطِلِ، فَيَدَّعُوا إجْمَاعًا حَيْثُ لَا إجْمَاعَ، وَيُشَرِّعُوا الشَّرَائِعَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ، وَيُخَالِفُوا الْإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقِيَاسِ الْبَقَرِ عَلَى الْإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ فَلَازِمٌ لِأَصْحَابِ الْقِيَاسِ لُزُومًا لَا انْفِكَاكَ لَهُ؛ فَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ صَحِيحًا وَمَا نَعْلَمُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ فَرْقًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقِيسُ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ فِي النِّكَاحِ مِنْ الصَّدَاقِ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ، وَمَنْ يَقِيسُ حَدَّ الشَّارِبِ عَلَى حَدِّ الْقَاذِفِ، وَمَنْ يَقِيسُ السَّقَمُونْيَا عَلَى الْقَمْحِ وَالتَّمْرِ، وَيَقِيسُ الْحَدِيدَ، وَالرَّصَاصَ وَالصُّفْرَ: عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ؛ وَيَقِيسُ الْجِصَّ عَلَى الْبُرِّ وَالتَّمْرِ، فِي الرِّبَا، وَيَقِيسُ الْجَوْزَ عَلَى الْقَمْحِ فِي الرِّبَا؛ وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ السَّخِيفَةِ وَتِلْكَ الْعِلَلِ الْمُفْتَرَاةِ الْغَثَّةِ -: أَنْ يَقِيسَ الْبَقَرَ عَلَى الْإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ؛ وَإِلَّا فَقَدْ

تَحَكَّمُوا بِالْبَاطِلِ؛ وَأَمَّا نَحْنُ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ عِنْدَنَا بَاطِلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ مَا يَكُونُ وَقْصُهُ ثَلَاثِينَ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا تَخْلِيطٌ وَهَوَسٌ لَكِنَّهُ لَازِمٌ أَصَحُّ لُزُومٍ لِمَنْ قَالَ - مُحْتَجًّا لِبَاطِلٍ قَوْلَهُ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالسِّتِّينَ مِنْ الْبَقَرِ -: إنَّنَا لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ مَا يَكُونُ وَقْصُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَحَكِّمُونَ؟ فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَنَّا، وَظَهَرَ لُزُومُهُ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، لَا سِيَّمَا لِمَنْ قَالَ: بِالْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِي الثَّلَاثِينَ تَبِيعًا، وَفِي الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَلَمْ يُوجِبْ بَيْنَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ إلَى السِّتِّينَ شَيْئًا -: فَوَجَدْنَا الْآثَارَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا عَنْ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ مُرْسَلَةً كُلَّهَا، إلَّا حَدِيثَ بَقِيَّةَ؛ لِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا؛ وَبَقِيَّةَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِنَقْلِهِ، أَسْقَطَهُ وَكِيعٌ وَغَيْرُهُ، وَالْحُجَّةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْمُسْنَدِ مِنْ نَقْلِ الثِّقَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَسْرُوقًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا فَقَدْ كَانَ بِالْيَمَنِ رَجُلًا أَيَّامَ كَوْنِ مُعَاذٍ هُنَالِكَ؛ وَشَاهَدَ أَحْكَامَهُ، فَهَذَا عِنْدَهُ عَنْ مُعَاذٍ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ. قُلْنَا: لَوْ أَنَّ مَسْرُوقًا ذَكَرَ أَنَّ الْكَافَّةَ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ لَقَامَتْ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ؛ فَمَسْرُوقٌ هُوَ الثِّقَةُ الْإِمَامُ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَطُّ هَذَا؛ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَوَّلَ مَسْرُوقٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَمْ يَقُلْ فَيُكْذَبُ عَلَيْهِ؛ وَلَكِنْ لَمَّا أَمْكَنَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَسْرُوقٍ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ تَوَاتُرٍ، أَوْ عَنْ ثِقَةٍ؛ أَوْ عَمَّنْ لَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ -: لَمْ يَجُزْ الْقَطْعُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَوْ كَانَ عِنْدَ مَسْرُوقٍ عَنْ ثِقَةٍ لَمَا كَتَمَهُ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا طَمَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَكَفِّلُ بِحِفْظِ الذِّكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُتِمِّ لِدِينِهِ -: لَنَا هَذَا الطَّمْسُ حَتَّى لَا يَأْتِيَ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَيْضًا: فَإِنْ زَمُّوا أَيْدِيَهُمْ وَقَالُوا: هُوَ حُجَّةٌ، وَالْمُرْسَلُ هَاهُنَا وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ.

قُلْنَا لَهُمْ: فَلَا عَلَيْكُمْ؛ خُذُوا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِشْوَرُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ هُوَ أَبُو وَائِلٍ - عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مُعَاذٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ: أَنَّ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ غِيلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي الْحَالِمِ وَالْحَالِمَةِ دِينَارٌ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمُعَافِرِ» . وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: أَنَّهُ مَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَنُ عَنْهَا؛ وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى - عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ - دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ، فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى رُسُلِي فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ؛ وَمَنْ مَنَعَهُ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» . فَهَذِهِ رِوَايَةُ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَهُوَ حَدِيثُ زَكَاةِ الْبَقَرِ بِعَيْنِهِ، وَمُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ، وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ؛ فَإِنْ كَانَتْ مُرْسَلَاتُهُمْ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ صَحِيحَةٌ وَاجِبًا

أَخْذُهَا فَمُرْسَلَاتُهُمْ هَذِهِ صَحِيحَةٌ وَاجِبٌ أَخْذُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُرْسَلَاتُهُمْ هَذِهِ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فَمُرْسَلَاتُهُمْ تِلْكَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ بِمَا فِي هَذِهِ الْمُرْسَلَاتِ وَلَا تَقُولُونَ: بِتِلْكَ، فَكَيْف هَذَا؟ قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: مَا قُلْنَا بِهَذِهِ وَلَا بِتِلْكَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نَقُولَ بِمُرْسَلٍ لَكِنَّا أَوْجَبْنَا الْجِزْيَةَ عَلَى كُلِّ كِتَابِيٍّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ نَخُصَّ مِنْهُ امْرَأَةً وَلَا عَبْدًا، وَأُمًّا بِهَذِهِ الْآثَارِ فَلَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا سِيَّمَا الْحَنَفِيِّينَ فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا مُرْسَلَاتِ مُعَاذٍ تِلْكَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْ الْأَوْقَاصِ وَالْعَسَلِ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ وَالْعَسَلِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ؛ فَقَالَ: كِلَاهُمَا لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ» فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ مُعَاذٍ حُجَّةً إذَا وَافَقَ هَوَى الْحَنَفِيِّينَ وَرَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُوَافِقْهُمَا، مَا نَدْرِي أَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا الْعَمَلِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ وَالضَّلَالِ وَمِنْ أَنْ يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا فَإِنْ احْتَجُّوا بِصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قُلْنَا: هِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْجَزَرِيُّ - الَّذِي رَوَاهَا - مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ وَأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. فَإِنْ أَبَيْتُمْ وَلَجَجْتُمْ وَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ شَدَدْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ فَدُونَكُمُوهَا -: كَمَا حَدَّثْنَهَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ

سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ فَذَكَرَ الْكِتَابَ. وَفِيهِ وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَاقُورَةً تَبِيعٌ، جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ، وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقِيَّ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَابُلِيِّ بِبَغْدَادَ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ أَمَّرَهُ عَلَى الْيَمَنِ وَفِيهِ الزَّكَاةُ لَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ الذَّهَبَ قِيمَةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِي قِيمَةِ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا؛ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا فَفِيهَا دِينَارٌ» . قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ: وَهَذَا عَنْ ابْنَيْ حَزْمٍ أَيْضًا «فَرَائِضُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِينَ صَدَقَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ الثَّلَاثِينَ فَفِيهَا فَحْلٌ جَذَعٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو أُوَيْسٍ ضَعِيفٌ وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ مَعَ ذَلِكَ - وَوَاللَّهِ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مَا تَرَدَّدْنَا فِي الْأَخْذِ بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَرَى الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ إلَّا قَدْ انْحَلَّتْ عَزَائِمُهُمْ فِي الْأَخْذِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمَذْكُورِ وَبِصَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ أَوْ الْأَخْذِ بِأَنْ لَا

صَدَقَةَ فِي ذَهَبٍ لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا إلَّا بِالْقِيمَةِ بِالْفِضَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنْ يَأْخُذَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ بِوُجُوبِ الْأَوْقَاصِ فِي الدَّرَاهِمِ وَبِإِيجَابِ الْجِزْيَةِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ فَيَأْخُذُوا مَا اشْتَهَوْا وَيَتْرُكُوا مَا اشْتَهَوْا؛ وَهَذِهِ وَاَللَّهِ أَخْزَى فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ وَأَلْزَمُ وَأَنْدَمُ،، وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّاوِيَ إذَا تَرَكَ مَا رَوَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سُقُوطِ رِوَايَتِهِ، وَالزُّهْرِيُّ هُوَ رَوَى صَحِيفَةَ ابْنِ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ وَتَرَكَهَا؟ فَهَلَّا تَرَكُوهَا وَقَالُوا: لَمْ يَتْرُكْهَا لَا لِفَضْلِ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَكَانَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ كَزَكَاةِ الْإِبِلِ مِثْلُهَا فِي الْإِسْنَادِ وَوَارِدَةٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَكَانَ الْآخِذُ بِتِلْكَ آخِذًا بِهَذِهِ، وَكَانَ الْآخِذُ بِهَذِهِ، دُونَ تِلْكَ عَاصِيًا لِتِلْكَ؟ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ جُمْلَةً؟ فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِعَلِيٍّ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قُلْنَا لَهُمْ: الْخَبَرُ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُحَمَّدٌ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وأَمَّا عَنْ عَلِيٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سِوَاهُ؟ وَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خِلَافَ ذَلِكَ - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ إذَا خَالَفَهُ صَاحِبٌ آخَرُ ثُمَّ إنْ لَجَجْتُمْ فِي التَّعَلُّقِ بِعَلِيٍّ هَاهُنَا فَاسْمَعُوا قَوْلَ عَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ - وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ؛ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ - أَوْ قَالَ: الْجَمَلُ - حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ابْنَتَا

لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ؛ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ حَوْلِيِّ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَرَى الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ إلَّا قَدْ بَرُدَ نَشَاطُهُمْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الْأَخْذِ بِكُلِّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، مِمَّا خَالَفُوهُ وَأَخَذَ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنْ السَّلَفِ، أَوْ تَرْكِ الِاحْتِجَاجَ بِمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ التَّلَاعُبِ بِالسُّنَنِ وَالْهَزْلِ فِي الدِّينِ أَنْ يَأْخُذُوا مَا أَحَبُّوا وَيَتْرُكُوا مَا أَحَبُّوا؟ لَا سِيَّمَا وَبَعْضُهُمْ هَوَّلَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا بِأَنَّهُ مُسْنَدٌ فَلْيَهِنْهُمْ خِلَافُهُ إنْ كَانَ مُسْنَدًا، وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا مَا اسْتَحْلَلْنَا خِلَافَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَمْ يَبْقَ لِمَنْ قَالَ بِالتَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ فَقَطْ فِي الْبَقَرِ حُجَّةٌ أَصْلًا، وَلَا قِيَاسَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ جُمْلَةً بِلَا شَكٍّ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُمًّا الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ لَا قُرْآنٌ يُعَضِّدُهُ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ تَنْصُرُهُ، وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ تُؤَيِّدُهُ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ يَشُدُّهُ، وَلَا قِيَاسٌ يُمَوِّهُهُ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ يُسَدِّدُهُ. إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَقْصًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ. فَقِيلَ لَهُمْ: وَلَا وَجَدْتُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ زَكَاةِ الْمَوَاشِي جُزْءًا مِنْ رَأْسٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قَالُوا: أَوْجَبَهُ الدَّلِيلُ. قِيلَ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ مَا أَوْجَبَهُ دَلِيلٌ قَطُّ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى رَأْيَ النَّخَعِيِّ وَحْدَهُ دَلِيلًا فِي دِينِهِ: وَقَدْ وَجَدْنَا الْأَوْقَاصَ تَخْتَلِفُ، فَمَرَّةً هُوَ فِي الْإِبِلِ أَرْبَعٌ، وَمَرَّةً عَشْرَةٌ، وَمَرَّةً

تِسْعَةٌ، وَمَرَّةً أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَمَرَّةً أَحَدَ عَشَرَ، وَمَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً هُوَ فِي الْغَنَمِ ثَمَانُونَ، وَمَرَّةً تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ، وَمَرَّةً مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ، وَمَرَّةً تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ إذَا صَحَّ بِذَلِكَ دَلِيلٌ؟ لَوْلَا الْهَوَى وَالْجَهْلُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ عَمَلِ عُمَّالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمَلِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ جِدًّا - بِالْمَدِينَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا مِنْ طَرِيقِ إسْنَادِ الْآحَادِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ شَيْءٌ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعَارِضُهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ تُؤْخَذَ شَرِيعَةٌ إلَّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى إمَّا مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِمَّا مِنْ نَقْلٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ وَالتَّوَاتُرِ بَيَانُ زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَوَجَدْنَا الْإِجْمَاعَ - الْمُتَيَقَّنَ الْمَقْطُوعَ بِهِ، الَّذِي لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ بِهِ، وَحَكَمَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمِنْ دُونِهِمْ - قَدْ صَحَّ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ بَقَرَةً: بَقَرَةٌ؛ فَكَانَ هَذَا حَقًّا مَقْطُوعًا بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ، وَكَانَ مَا دُونَ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا فِيهِ، وَلَا نَصَّ فِي إيجَابِهِ؛ فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَمْ يَحِلَّ، أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ، وَلَا إيجَابُ شَرِيعَةٍ بِزَكَاةٍ مَفْرُوضَةٍ بِغَيْرِ يَقِينٍ، مِنْ نَصٍّ صَحِيحٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يَغْتَرَّنَّ مُغْتَرٌّ بِدَعْوَاهُمْ: أَنَّ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِمْ كَانَ مَشْهُورًا؛ فَهَذَا بَاطِلٌ، وَمَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ إلَّا خَامِلًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا عَنْ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، بِاخْتِلَافٍ مِنْهُمْ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَوَجَدْنَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ إنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ فِعْلَ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ؛ وَهُوَ بِلَا شَكٍّ قَدْ أَدْرَكَ مُعَاذًا وَشَهِدَ حُكْمَهُ وَعَمَلَهُ الْمَشْهُورَ الْمُنْتَشِرَ، فَصَارَ نَقْلُهُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ عَنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقْلًا عَنْ الْكَافَّةِ عَنْ مُعَاذٍ بِلَا شَكٍّ؛ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ.

زكاة الإبل

[زَكَاةُ الْإِبِلِ] [مَسْأَلَةٌ الْبُخْتُ والأعرابية وَالنُّجُبُ وَالْمَهَارِيُّ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ زَكَاةُ الْإِبِلِ 674 - مَسْأَلَةٌ: الْبُخْتُ، وَالْأَعْرَابِيَّةُ، وَالنُّجُبُ، وَالْمَهَارِيُّ وَغَيْرُهَا مِنْ أَصْنَافِ الْإِبِلِ: كُلُّهَا إبِلٌ، يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ؟ وَلَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، ذُكُورٍ أَوْ إنَاثٍ. أَوْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، فَإِذَا أَتَمَّتْ كَذَلِكَ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ حَوْلًا عَرَبِيًّا مُتَّصِلًا - كَمَا قَدَّمْنَا - فَالْوَاجِبُ فِي زَكَاتِهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ ضَانِيَّةٌ أَوْ مَاعِزَةٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ، إلَى أَنْ تُتِمَّ عَشَرَةً كَمَا قَدَّمْنَا، فَإِذَا بَلَغَتْهَا وَأَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ حَوْلًا كَمَا قَدَّمْنَا فَفِيهَا شَاتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ حَوْلًا عَرَبِيًّا فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ كَمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ عِشْرِينَ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ، حَوْلًا كَمَا ذُكِرَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ إلَى أَنْ تُتِمَّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ حَوْلًا قَمَرِيًّا بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ الْإِبِلِ أُنْثَى وَلَا بُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَابْنُ لَبُوَنٍ ذَكَرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ. فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ حَوْلًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ مِنْ الْإِبِلِ أُنْثَى وَلَا بُدَّ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا

أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً فَفِيهَا حِقَّةٌ مِنْ الْإِبِلِ أُنْثَى وَلَا بُدَّ. ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ فَإِذَا أَتَمَّتْ إحْدَى وَسِتِّينَ وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أُنْثَى وَلَا بُدَّ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ سِتَّةً وَسَبْعِينَ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا حِقَّتَانِ. وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تُتِمَّ مِائَةً وَعِشْرِينَ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا وَزَادَتْ عَلَيْهَا - وَلَوْ بَعْضَ نَاقَةٍ أَوْ جَمَلٍ - وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تُتِمَّ مِائَةً وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا أَوْ زَادَتْ وَأَتَمَّتْ كَذَلِكَ عَامًا قَمَرِيًّا فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَفِي سِتِّينَ وَمِائَةٍ فَمَا زَادَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَهَكَذَا الْعَمَلُ فِيمَا زَادَ. فَإِنْ وَجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ جَذَعَةٌ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ، أَوْ لَزِمَتْهُ حِقَّةٌ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ، أَوْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ -: فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَقْبَلُ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ مَعَهَا غَرَامَةُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ؛ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ صَاحِبُ الْمَالِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُصَدِّقِ قَبُولُهُ وَلَا بُدَّ؟ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَلَا كَانَ عِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَكَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ، أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ -: فَإِنَّ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْمُصَدِّقُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، أَيَّ ذَلِكَ أَعْطَاهُ الْمُصَدِّقُ فَوَاجِبٌ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ قَبُولُهُ وَلَا بُدَّ؟

وَهَكَذَا لَوْ وَجَبَتْ اثْنَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْأَسْنَانِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَلَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَ بَعْضَهَا وَلَمْ يَجِدْ تَمَامَهَا، فَإِنَّهُ يُعْطِي مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَسْنَانِ الَّتِي ذَكَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُصَدِّقُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَعْطَى مَعَهَا مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا؟ فَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا وَجَدَ ابْنَ لَبُونٍ وَلَا بِنْتَ لَبُونٍ؛ لَكِنْ وَجَدَ حِقَّةً أَوْ جَذَعَةً؛ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ وَلَا كَانَ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا حِقَّةٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ - لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ، وَكُلِّفَ إحْضَارَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ؛ أَوْ إحْضَارَ السِّنِّ الَّتِي تَلِيهَا وَلَا بُدَّ مَعَ رَدِّ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ؟ وَإِنْ لَزِمَتْهُ جَذَعَةٌ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا وَجَدَ حِقَّةً، وَوَجَدَ بِنْتَ لَبُونٍ أَوْ بِنْتَ مَخَاضٍ -: لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ أَصْلًا إلَّا الْجَذَعَةُ أَوْ حِقَّةٌ مَعَهَا شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا؟ وَإِنْ لَزِمَتْهُ حِقَّةٌ وَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا وَجَدَ جَذَعَةً وَلَا ابْنَةَ لَبُونٍ، وَوَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ -: لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ، وَأُجْبِرَ عَلَى إحْضَارِ الْحِقَّةِ أَوْ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَرُدُّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا؟ وَلَا تُجْزِئُ قِيمَةٌ وَلَا بَدَلٌ أَصْلًا، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ كُلِّهَا أَصْلًا -: بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثنا أَبِي ثنا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ -: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ. فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ابْنُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ

وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ أُنْثَى؛ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ؛ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ؛ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا؛ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ - وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ

جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلَّا ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ مَخَاضٍ لَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ ابْنِهِ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ؟ وَهَذَا حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ أَيْضًا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ حَيْرُونٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ ثنا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخَذْت هَذَا الْكِتَابَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَالَ شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - ثُمَّ اتَّفَقَا - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ «إنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ نَصًّا، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي شَيْءٍ مِنْهُ

وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخَذْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ؟ وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ثنا الْمُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخَذْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُمْ «إنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا رَسُولَهُ» ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ؟ وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبُو قِلَابَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَا جَمِيعًا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ثنا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ - قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ -: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا ذَكَرْنَاهُ؟ فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ نَصُّ مَا قُلْنَا حُكْمًا حُكْمًا وَحَرْفًا حَرْفًا. وَلَا يَصِحُّ فِي الصَّدَقَاتِ فِي الْمَاشِيَةِ غَيْرُهُ، إلَّا خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِتَمَامِ هَذَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي نِهَايَةِ الصِّحَّةِ، وَعَمِلَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلًا، وَبِأَقَلَّ مِنْ هَذَا يَدَّعِي مُخَالِفُونَا الْإِجْمَاعَ، وَيُشَنِّعُونَ خِلَافَهُ، رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ:

أَنَسٌ - وَهُوَ صَاحِبٌ - وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ - وَهُوَ ثِقَةٌ - سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ؛ وَرَوَاهُ عَنْ ثُمَامَةَ حَمَّاد بْن سَلَمَة، وَعَبْد اللَّه بْن الْمُثَنَّى، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ وَإِمَامٌ، وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى ابْنُهُ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ، وَهُوَ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ وَلِي قَضَاءَ الْبَصْرَةِ، وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ جَامِعُ الصَّحِيحِ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، وَالنَّاسُ، وَرَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَشُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَمُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ الْمُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ إمَامٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ؟ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِتَضْعِيفِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لِحَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ هَذَا وَلَيْسَ فِي كُلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ - مِمَّنْ ذَكَرْنَا - أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ أَجَلُّ وَأَوْثَقُ مِنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ كَلَامُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ إذَا ضَعَّفُوا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ؟ وَأَمَّا دَعْوَى ابْنِ مَعِينٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَعْفَ حَدِيثٍ رَوَاهُ الثِّقَاتُ، أَوْ ادَّعَوْا فِيهِ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرُوا فِيهِ تَدْلِيسًا فَكَلَامُهُمْ مَطْرُوحٌ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] .

وَلَا مَغْمَزَ لِأَحَدٍ فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ؛ فَمَنْ عَانَدَهُ فَقَدْ عَانَدَ الْحَقَّ، وَأَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمْرَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا مَنْ يُحْتَجُّ فِي دِينِهِ بِالْمُرْسَلَاتِ، وَبِرِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ. وَرِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ الْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ " لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا "؟ وَرِوَايَةِ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ - الَّذِي لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ - فِي إسْقَاطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ بَعْدَ طُهْرِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَرِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حَدِيثٍ فِي إبَاحَةِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ بِالْخَمْرِ وَبِكُلِّ نَطِيحَةٍ، أَوْ مُتَرَدِّيَةٍ، وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ -: فِي مُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، ثُمَّ يَتَعَلَّلُ فِي السُّنَنِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَمْ يَأْتِ مَا يُعَارِضُهَا؛ بَلْ عَمِلَ بِهَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ؟ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَأْخُذُ: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا؟ وَقَدْ خَالَفَهُ قَوْمٌ فِي مَوَاضِعَ -: فَمِنْهَا: إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ؛ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ وَهَكَذَا أَيْضًا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَسْنَدَهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَارِثُ كَذَّابٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَتْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ ضِعَافٌ لَا تُسَاوِي شَاةً أَعْطَى بَعِيرًا مِنْهَا وَأَجْزَأَهُ؟ قَالُوا: لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا أُبْقِي مِنْ الْمَالِ فَضْلًا، لَا فِيمَا أَجَاحَ الْمَالَ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ الْمَالِ فَكَيْفَ عَنْ اجْتِيَاحِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا شَاةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَمَا ادَّعَوْا مِنْ حِيَاطَةِ الْأَمْوَالِ وَهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا؛ فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الزَّكَاةَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي سَنَةِ مَجَاعَةٍ وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ غَيْرُهَا [فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ الزَّكَاةَ] وَرَأَوْا فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْجَوَاهِرِ، وَالْوِطَاءِ، وَالْغِطَاءِ، وَالدُّورِ، وَالرَّقِيقِ وَالْبَسَاتِينِ بِقِيمَةِ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ، أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؟

وَقَالُوا فِيمَنْ لَهُ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاةٌ: أَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْهَا كَمَا يُؤَدِّي مَنْ لَهُ ثَلَثُمِائَةِ شَاةٍ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ شَاةً؟ فَإِنَّمَا نَقِفُ فِي النَّهْيِ وَالْأَمْرِ عِنْدَمَا صَحَّ بِهِ نَصٌّ فَقَطْ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي عَبْدٍ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ لِيَتِيمٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ سَرَقَ دِينَارًا؛ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ فَتَتْلَفُ قِيمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي قِيمَةٍ يَسِيرَةٍ وَيُجَاحُ الْيَتِيمُ الْفَقِيرُ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْغَنِيِّ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - إلَّا رِوَايَةً خَامِلَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ -: إنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي قِيمَتَهَا، وَلَا يُؤَدِّي ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا؟ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: يُؤَدِّي ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا؟ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُهُمْ: إنَّ «أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِ ابْنِ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ الْمَخَاضِ» إنَّمَا أَرَادَ بِالْقِيمَةِ؛ فَيَا لِسُهُولَةِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَارًا عَلَانِيَةً فَرَيْبُ الْفَضِيحَةِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَمَا فَهِمَ قَطُّ مَنْ يَدْرِي الْعَرَبِيَّةَ أَنْ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ شَيْءٌ " يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا أَمْرٌ مُخْجِلٌ جِدًّا، وَبُعْدٌ عَنْ الْحَيَاءِ وَالدِّينِ وَأَمَّا خِلَافُهُمْ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ -: فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ ثنا قَالَ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَاصِمٍ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ قَالَ: فِي الْإِبِلِ فِي خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ عَلِيٍّ؟

فَخَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَابْنَ عُمَرَ. وَكُلَّ مَنْ بِحَضْرَتِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَخَالَفُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا. وَبِقَوْلِنَا فِي هَذَا يَقُولُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجُمْهُورُ النَّاسِ، إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَ دِينَهُ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذَا سَلَفًا أَصْلًا وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَعْوِيضِ سِنٍّ مِنْ سِنٍّ دُونِهَا أَوْ فَوْقَهَا عِنْدَ عَدَمِ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ وَرَدِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَأَجَازَ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ مِنْ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا بَدَلَ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِأَخْذِهِ فِيهَا مُمْكِنًا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطِي إلَّا مَا عَلَيْهِ. وَلَمْ يَجُزْ إعْطَاءَ سِنٍّ مَكَانَ سِنٍّ بِرَدِّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ نَصًّا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ عُدِمَتْ السِّنُّ الْوَاجِبَةُ، وَاَلَّتِي تَحْتَهَا، وَاَلَّتِي فَوْقَهَا، وَوُجِدَتْ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ؛ فَإِنَّهُ يُعْطِيهَا وَيَرُدُّ إلَيْهِ السَّاعِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، أَوْ أَرْبَعَ شِيَاهٍ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الَّتِي تَحْتَهَا بِدَرَجَةٍ فَإِنَّهُ يُعْطِيهَا وَيُعْطِي مَعَهَا أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَ شِيَاهٍ؛ فَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا جَذَعَةً فَإِنَّهُ يُعْطِيهَا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ السَّاعِي سِتِّينَ دِرْهَمًا أَوْ سِتَّ شِيَاهٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا بِنْتَ مَخَاضٍ أَعْطَاهَا وَأَعْطَى مَعَهَا سِتِّينَ دِرْهَمًا أَوْ سِتَّ شِيَاهٍ؟ وَأَجَازُوا كُلُّهُمْ إعْطَاءَ أَفْضَلَ مِمَّا لَزِمَهُ مِنْ الْأَسْنَانِ، إذَا تَطَوَّعَ بِذَلِكَ وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ؟ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ كَمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ - الْقَائِلِينَ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ -: أَنْ يَقُولُوا بِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَإِنَّهُ قَاسَ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَكَانَ يَلْزَمُهُ عَلَى قِيَاسِهِ هَذَا - إذَا رَأَى فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ، وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةَ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ -: أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي إتْلَافِ النَّفْسِ دِيَاتٌ كُلُّ مَا فِي الْجِسْمِ مِنْ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِبُطْلَانِ النَّفْسِ، وَكَانَ يَلْزَمُهُ إذْ رَأَى فِي السَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ - أَنْ يَرَى فِي سَهْوَيْنِ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَفِي ثَلَاثَةِ أَسْهَاءٍ سِتَّ سَجَدَاتٍ؟ وَأَقْرَبُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ، إذَا عَدِمَ التَّبِيعَ وَجَدَ الْمُسِنَّةَ أَنْ يُقَدِّرَ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرًا؛ وَلَكِنَّهُ لَا يَقُولُ بِهَذَا، فَقَدْ نَاقَضَ قِيَاسَهُ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فَخِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلصَّحَابَةِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا بَيْعٌ مَا لَمْ يُقْبَضْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَخَطَأٌ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا أَصْلًا وَلَكِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَعْوِيضِ سِنٍّ، مَعَهَا شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا مِنْ سِنٍّ أُخْرَى؛ كَمَا عَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا مِنْ رَقَبَةٍ تُعْتَقُ فِي الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةِ الْوَاطِئِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلْيَقُولُوا هَاهُنَا: إنَّ هَذَا بَيْعٌ لِلرَّقَبَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ مَا لَمْ يُقْبَضْ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ تَجْوِيزُ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْذَ الْقِيمَةِ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَصْحَابُهُ الْبَاطِلَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَنْكَرُوا الْحَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ إلَّا فِي الطَّعَامِ، لَا فِيمَا سِوَاهُ؟ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ السُّنَنَ وَالصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟

فَأَمَّا الصَّحَابَةُ؛ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ - كَمَا ذَكَرْنَا - تَعْوِيضٌ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ السِّنُّ الَّتِي دُونَهَا أُخِذَتْ الَّتِي فَوْقَهَا، وَرَدَّ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ شَاتَيْنِ أَوْ عَشْرَ دَرَاهِمَ. وَلَا يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؛ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَيْهِمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَوْ فَوْقَ سِنٍّ كَانَ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَلَيْسَ هَذَا إلَّا فِي الْإِبِلِ -: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إنْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا؛ وَإِنْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا إجَازَتُهُمْ الْقِيمَةَ أَوْ أَخْذَ سِنٍّ أَفْضَلَ مِمَّا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ: أَنَّ مُعَاذًا قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعَرْضٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ؛ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ -:

أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّ طَاوُسًا لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مُعَاذٍ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ؛ فَالْكَذِبُ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ يُمْكِنُ - لَوْ صَحَّ - أَنْ يَكُونَ قَالَهُ لِأَهْلِ الْجِزْيَةِ، وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ: الذُّرَةَ، وَالشَّعِيرَ، وَالْعَرْضَ: مَكَانَ الْجِزْيَةِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْخَبَرِ مَا فِيهِ مِنْ قَوْلِ مُعَاذٍ " خَيْرٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ " وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَقُولَ مُعَاذٌ هَذَا، فَيَجْعَلُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا مِمَّا أَوْجَبَهُ وَذَكَرُوا أَيْضًا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْحٍ: أُخْبِرْت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ فِي إبِلِهِ السِّنَّ الَّتِي عَلَيْهِ إلَّا تِلْكَ السِّنَّ مِنْ شَرْوَى إبِلِهِ، أَوْ قِيمَةِ عِدْلٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْحٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ فِيمَا جَاءَ عَمَّنْ دُونَهُ، وَقَدْ أَتَيْنَاهُمْ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا فِي أَخْذِ الشَّاتَيْنِ أَوْ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَلْيَقُولُوا بِهِ إنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ حُجَّةً؛ وَإِلَّا فَالتَّحَكُّمُ لَا يَجُوزُ؟ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ - لَوْ صَحَّ عَنْهُ - " أَوْ قِيمَةَ عَدْلٍ " هُوَ مَا بَيْنَهُ فِي مَكَان آخَرَ مِنْ تَعْوِيضِ الشَّاتَيْنِ أَوْ الدَّرَاهِمَ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَا عَلَى التَّضَادِّ وَذَكَرُوا حَدِيثًا مُنْقَطِعًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خُذْ النَّابَ، وَالشَّارِفَ وَالْعَوَارِيَّ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ؟ وَالثَّانِي: أَنَّ فِي آخِرِهِ " وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا كَانَتْ الْفَرَائِضُ بَعْدُ " فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا

بِنَقْلِ رِوَايَةٍ فِيهِ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا، فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَجَمَعَ لِي مَالَهُ، فَقُلْت لَهُ: أَدِّ ابْنَةَ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَتُكَ، قَالَ: ذَلِكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ، وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ، فَخُذْهَا، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِآخِذٍ مَا لَمْ أُؤْمَرْ بِهِ، وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرِيبٌ مِنْكَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: عَرَضْتُ عَلَى مُصَدِّقِكَ نَاقَةً فَتِيَّةً عَظِيمَةً يَأْخُذُهَا، فَأَبَى عَلَيَّ، وَهَا هِيَ ذِهِ، قَدْ جِئْتُكَ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْكَ، فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ أَجَرَكَ اللَّهُ وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَبْضِهَا، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، وَعُمَارَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ؛ وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ أَخُو عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ لَمْ يَسْتَجِزْ أَخْذَ نَاقَةٍ فَتِيَّةٍ عَظِيمَةٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ، وَرَأَى ذَلِكَ خِلَافًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَ مَا يَرَاهُ هَؤُلَاءِ مِنْ التَّعَقُّبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِآرَائِهِمْ وَنَظَرِهِمْ، وَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَخْذُ نَاقَةٍ عَظِيمَةٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ

فَقَطْ، وَأَمَّا إجَازَةُ الْقِيمَةِ فَلَا أَصْلًا. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ. وَالْآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، كِلَاهُمَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلْمُصَدِّقِ أَعْلِمْهُ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ؛ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ فَاقْبَلْهُ مِنْهُ» . وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ بِأَخْذِ غَيْرِ الْوَاجِبِ وَلَا يَأْخُذُ قِيمَةً، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنْ يُعْطِيَ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ؟ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ العرزمي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ عَلِيًّا سَاعِيًا قَالُوا: لَا نُخْرِجُ لِلَّهِ إلَّا خَيْرَ أَمْوَالِنَا، فَقَالَ: مَا أَنَا بِعَادِي عَلَيْكُمْ السُّنَّةَ. وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَيْهِمْ فَبَيِّنِ لَهُمْ مَا عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَمَنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَضْلٍ فَخُذْهُ مِنْهُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، ثُمَّ إنَّ رَاوِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ ثُمَّ إنَّ فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ سَاعِيًا وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَاعِيًا، وَقَدْ طَلَبَ ذَلِكَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ فَمَنَعَهُ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا إعْطَاءَ أَفْضَلَ أَمْوَالِهِمْ

مُخْتَارِينَ، وَهَذَا لَا لِمَنْعِهِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمُزَكِّي بِإِعْطَاءِ أَكْرَمَ شَاةٍ عِنْدَهُ وَأَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ تِلْكَ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ؛ وَلَيْسَ فِيهِ إعْطَاءُ سِنٍّ مَكَانَ غَيْرِهَا أَصْلًا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى قِيمَةٍ أَلْبَتَّةَ؟ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي «الَّذِي أَعْطَى فِي صَدَقَةِ مَالِهِ فَصِيلًا مَخْلُولًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَارَكَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا فِي إبِلِهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَجَاءَ بِنَاقَةٍ فَذَكَرٍ مِنْ جَمَالِهَا وَحُسْنِهَا، وَقَالَ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى نَبِيِّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي إبِلِهِ» . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَصِيلَ لَا يُجْزِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّدَقَةِ بِلَا شَكٍّ، وَنَاقَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ قَدْ تَكُونُ جَذَعَةً وَقَدْ تَكُونُ حِقَّةً؛ فَأَعْطَى مَا عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ مَا قُدِّرَ؛ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى إعْطَاءِ غَيْرِ السِّنِّ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ أَصْلًا؟ وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ «اسْتَسْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ؟ فَقُلْتُ: لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِهِ إيَّاهُ، فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الْجَمَلَ أُخِذَ فِي زَكَاةٍ وَاجِبَةٍ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَبْتَاعَهُ الْمُصَدِّقُ بِبَعْضِ مَا أَخَذَ فِي الصَّدَقَةِ، فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ.

وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرٌ يَحْتَجُّونَ بِدُونِهِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا نُورِدُهُ مُحْتَجِّينَ بِهِ، لَكِنْ تَذْكِيرًا لَهُمْ؟ وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الْأَحْمَسِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصَرَ نَاقَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ؛ فَقَالَ: فَنَعَمْ إذَنْ» . وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْإِبِلُ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ، فَلِمَا أَمْكَنَ كُلُّ ذَلِكَ - وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ جَمَلٌ رَبَاعٍ أَصْلًا - لَمْ يَحِلَّ تَرْكَ الْيَقِينِ لِلظُّنُونِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ فِي كِتَابِ " الْإِيصَالِ "؛ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الْبَكْرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَقْضِيه مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، وَالصَّدَقَةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ وَلَا خِلَافَ، صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «الصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَسْلَفَهُ لِغَيْرِهِ، لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَصَارَ الَّذِي أَخَذَ الْبَكْرَ مِنْ الْغَارِمِينَ، لِأَنَّ السَّلَفَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ أَخَذَهُ، فَإِذْ هُوَ مِنْ الْغَارِمِينَ فَقَدْ صَارَ حَظُّهُ فِي الصَّدَقَةِ؛ فَقُضِيَ عَنْهُ مِنْهَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا نَشُكُّ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَسْتَقْرِضُ مِنْهُ الْبَكْرَ كَانَ مِنْ بَعْضِ أَصْنَافِ الصَّدَقَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَقِّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَضْلًا عَلَى حَقِّهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا

لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَمَا اسْتَقْرَضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الصَّدَقَةِ وَانْتَظَرَ حَتَّى يَحِينَ وَقْتُهَا؛ بَلْ كَانَ يَسْتَعْجِلُ صَدَقَةً مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحَّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَدَاءُ صَدَقَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ فَبَطَل كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ إعْطَاءِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَحْدُودَةِ فِيهَا. وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى جَوَازِهَا أَصْلًا، بَلْ الْبُرْهَانُ ثَابِتٌ بِتَحْرِيمِ أَخْذِهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] . فَإِنْ قَالُوا: إنْ كَانَ نَظَرًا لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ فَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ؟ قُلْنَا: النَّظَرُ كُلُّهُ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ أَنْ لَا يُعْطُوا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إلَّا مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، أَوْ أَوْجَبَهُ فِيهِ فَقَطْ، وَمَا أَبَاحَ تَعَالَى قَطُّ أَخْذَ قِيمَةٍ عَنْ زَكَاةٍ افْتَرَضَهَا بِعَيْنِهَا وَصِفَتِهَا وَمَا نَدْرِي فِي أَيِّ نَظَرٍ مَعْهُودٍ بَيْنَنَا وَجَدُوا أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ صَاحِبِ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لَا تَقُومُ بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ إلَّا وَرْدَةً وَاحِدَة أَخْرَجَتْهَا قِطْعَةُ أَرْضٍ لَهُ: وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ جَوَاهِرَ وَرَقِيقٍ وَدُورٍ بِقِيمَةِ مِائَةِ أَلْفٍ وَلَا مِنْ صَاحِبِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةً، وَتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ شَاةً، وَخَمْسِ أَوَاقٍ غَيْرِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ فَهَلْ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا اتِّبَاعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ؟ وَقَدْ جَاءَ قَوْلُنَا عَنْ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا [مِنْ طَرِيقِ] سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ " سِرْت -

أَوْ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَارَ مَعَ مُصَدِّقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَمَدَ رَجُلٌ إلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ. فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا؛ فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ خَيْرَ إبِلِي فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا فَخَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا فَقَبِلَهَا، وَقَالَ: إنِّي لَآخُذُهَا وَأَخَافُ أَنْ يَجِدَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: عَمَدْت إلَى رَجُلٍ فَتَخَيَّرْت عَلَيْهِ إبِلَهُ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ: أُخْبِرْت أَنَّك تَقُولُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يَعْنِي أَبَاهُ - إذَا لَمْ تَجِدُوا السِّنَّ فَقِيمَتُهَا؟ قَالَ: مَا قُلْته قَطُّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَطَاءٌ: لَا يَخْرُجُ فِي الصَّدَقَةِ صَغِيرٌ وَلَا ذَكَرٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا هَرِمَةٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ ذَكَرٌ مَكَانَ أُنْثَى إلَّا ابْنُ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الصَّدَقَةِ ثُمَّ أَعْطَاهُ مُذَكًّى لَمْ يَجُزْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهُ حَيًّا وَلَا يَقَعُ عَلَى الْمُذْكِي اسْمُ شَاةٍ مُطْلَقَةٍ وَلَا اسْمُ بَقَرَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَلَا اسْمُ بِنْتِ مَخَاضٍ مُطْلَقَةٍ، وَقَدْ وَجَبَ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ حَيًّا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ؟ فَإِذَا قَبَضَهُ أَهْلُهُ أَوْ الْمُصَدِّقُ فَقَدْ أَجْزَأَ، وَجَازَ لِلْمُصَدِّقِ حِينَئِذٍ بَيْعُهُ، إنْ رَأَى ذَلِكَ حَظًّا لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لَهُمْ وَلَيْسُوا قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ، فَيَجُوزُ حُكْمُهُمْ فِيهِ، أَوْ إبْرَاؤُهُمْ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِمْ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حِقَّتَانِ إلَى أَنْ تَصِيرَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ثَلَاثٌ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا بُدَّ إلَى أَنْ تَصِيرَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَيَجِبُ فِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ ثُمَّ كُلَّمَا زَادَتْ عَشَرَةً كَانَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ؟

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَيَّ الصِّفَتَيْنِ أَدَّى أَجْزَأَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ، فَيَجِبُ فِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَهَكَذَا كُلَّمَا زَادَتْ عَشْرًا فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَّا حِقَّتَانِ فَقَطْ؛ حَتَّى تُتِمَّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَيَجِبُ فِيهَا حِقَّتَانِ وَشَاةٌ إلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ، إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ؛ إلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ شِيَاهٍ؛ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ؛ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، إلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَهَكَذَا أَبَدًا، إذَا زَادَتْ عَلَى الْخَمْسِينَ وَمِائَةٍ خَمْسًا فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَشَاةٍ، ثُمَّ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ الثَّلَاثِ حِقَاقٍ، إلَى أَنْ تَصِيرَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً، فَيَجِبُ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَثَلَاثُ حِقَاقٍ؛ إلَى سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ؛ فَإِذَا بَلَغَتْهَا كَانَتْ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، إلَى سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ؛ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، وَكَذَلِكَ إلَى أَنْ تَكُونَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا؛ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ وَشَاةٌ؛ وَهَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ خَمْسِينَ زَادَ حِقَّةً، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ تَزْكِيَتَهَا بِالْغَنَمِ، ثُمَّ بِبِنْتِ الْمَخَاضِ ثُمَّ بِبِنْتِ اللَّبُونِ ثُمَّ الْحِقَّةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَمَّا مَنْ رَأَى الْحِقَّتَيْنِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ إلَى أَنْ تَصِيرَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " إنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي

كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ: أَنَّ الْإِبِلَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً ". قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَجْهُولٌ وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ هُوَ أَبُو كُرَيْبٍ - ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ. هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: أَقْرَأَنِي إيَّاهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمُ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «فِي الْإِبِلِ إذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا أَتَوْنَا بِهِ، وَهَذَا هُوَ كِتَابُ عُمَرَ حَقًّا؛ لَا تِلْكَ الْمَكْذُوبَةُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا سَحْنُونٌ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَتَبَ فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا وَهِيَ الَّتِي نَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ سَالِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ أُمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَ عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا؟ وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ " فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ "؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهِيَ أَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» . وَكَذَلِكَ صَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي دَاوُد ثنا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيُّ ثنا عُبَادٍ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ، وَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ، فَكَانَ فِيهِ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» . وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَصِحُّ غَيْرُهُ، وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الْأَخْبَارُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إلَّا «فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» لَكَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ الصَّحِيحَانِ زَائِدَيْنِ عَلَيْهَا حُكْمًا فِي أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ؛ فَتِلْكَ غَيْرُ مُخَالِفَةٍ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى تِلْكَ؛ فَلَا يَحِلُّ خِلَافُهُمَا، وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لِمَا وَجَبَ فِي الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ، ثُمَّ وَجَدْنَا الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لَا حُكْمَ لَهَا فِي نَفْسِهَا، إذْ كُلُّ أَرْبَعِينَ قَبْلهَا فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ عَلَى قَوْلِكُمْ؛ إذْ تَجْعَلُونَ فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ -: فَإِذَا لَا حُكْمَ لَهَا فِي نَفْسِهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا - حُكْمٌ فِي غَيْرِهَا، فَكُلُّ زِيَادَةٍ قَبْلَهَا تَنْقُلُ الْفَرْضَ فَلَهَا حِصَّةٌ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَهَذِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بِكَلَامِ الْمَمْرُورِينَ، أَوْ بِكَلَامِ الْمُسْتَخِفِّينَ بِالدِّينِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِكَلَامِ مَنْ يَعْقِلُ وَيَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلَا أَثَرٌ عَنْ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهُ يُفْهَمُ ثُمَّ يُقَالُ: قَدْ كَذَبْتَ فِي وَسْوَاسِك هَذَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَرْبَعِينَ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لَا تَجِبُ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أَصْلًا، وَلَا تَجِبُ فِيهَا مُجْتَمِعَةً ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا حِقَّتَانِ فَقَطْ، حَتَّى إذَا زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةً فَصَاعِدًا إلَى أَنْ تُتِمَّ ثَلَاثِينَ

وَمِائَةً فَحِينَئِذٍ وَجَبَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ مَعَ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَتْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَتِلْكَ الزِّيَادَةُ غَيَّرَتْ فَرْضَ مَا قَبْلَهَا، وَصَارَ لَهَا أَيْضًا فِي نَفْسِهَا حِصَّةٌ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَوَجَبَ فِي الْمِائَةِ حِينَئِذٍ حِقَّتَانِ وَلَمْ يَجُزْ تَعْطِيلُ النَّيِّفِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ فَلَا تُزَكَّى، وَحُكْمُهَا فِي الزَّكَاةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَمُمْكِنٌ إخْرَاجُهَا فِيهِ، فَوَجَبَتْ الثَّلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ إخْرَاجِ حِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ بَنَاتِ، لَبُونٍ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلنَّيِّفِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَةِ؛ فَلَا تَخْرُجُ زَكَاتُهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ . وَأَيْضًا: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَجَعَلَ فِيهَا حِقَّتَيْنِ. بِنَصِّ كَلَامِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِنَا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ حُكْمَيْنِ فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ مَالِكٍ قَالَ بِهَذَا التَّخْيِيرِ؟ . وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَآلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ؟ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَإِنَّهُ احْتَجَّ أَصْحَابُهُ لَهُ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ كِتَابًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِجَدِّهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ذِكْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الْإِبِلِ: «إذَا كَانَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّةٌ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ؛ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَفِيهَا جَذَعَةٌ،

إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ؛ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعُدَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ؛ فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الْإِبِلِ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ لَيْسَ فِيهَا ذَكَرٌ وَلَا هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ مِنْ الْغَنَمِ» ثُمَّ خَرَجَ إلَى ذِكْرِ زَكَاةِ الْغَنَمِ؟ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ وَفِي الْإِبِلِ إذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فِي الْإِبِلِ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ إلَى أَنْ ذَكَرَ التِّسْعِينَ فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ، فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَاعْدُدْ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» . وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْإِبِلِ قَالَ: فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَبِحِسَابِ الْأَوَّلِ، وَتُسْتَأْنَفُ لَهَا الْفَرَائِضُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِقَوْلِهِمْ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ؟ قَالُوا: وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا مُسْنَدٌ؟ وَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا [الدَّبَرِيُّ] ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى هُوَ مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إلَى أَبِي فَشَكَوْا: سُعَاةَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ فَقَالَ أَبِي: أَيْ بُنَيَّ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إلَى عُثْمَانَ وَقُلْ لَهُ: إنَّ نَاسًا مِنْ

النَّاسِ شَكَوْا سُعَاتَك، وَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفَرَائِضِ: فَأْمُرْهُمْ فَلْيَأْخُذُوا بِهِ؟ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ بِالْكِتَابِ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْت: إنَّ أَبِي أَرْسَلَنِي إلَيْك، وَذَكَرَ أَنَّ نَاسًا مِنْ النَّاسِ شَكَوْا سُعَاتَك، وَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفَرَائِضِ، فَمُرْهُمْ فَلْيَأْخُذُوا بِهِ؟ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي كِتَابِك؛ فَرَجَعْتُ إلَى أَبِي فَأَخْبَرْته؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، لَا عَلَيْك، أُرْدِدْ الْكِتَابَ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ، قَالَ: فَلَوْ كَانَ ذَاكِرًا عُثْمَانَ بِشَيْءٍ لَذَكَرَهُ بِسُوءٍ؛ وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْكِتَابِ مَا كَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ. قَالُوا: فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُظَنَّ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِغَيْرِ مَا فِي كِتَابِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَادَّعَوْا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُمَوِّهَ بِهِ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، أَوْ مَنْ لَا تَقْوَى لَهُ، وَأَمَّا الْهَذَرُ وَالتَّخْلِيطُ فَلَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْقُوَّةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا أَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: فَمُرْسَلَانِ لَا تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا أَمَّا طَرِيقُ مَعْمَرٍ فَإِنَّ الَّذِي فِي آخِرِهِ مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ " فَإِنَّمَا هُوَ حُكْمُ ابْتِدَاءِ فَرَائِضِ الْإِبِلِ. وَلَمْ يَسْتَحْيِ عَمِيدٌ مِنْ عُمُدِهِمْ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَرَّتَيْنِ جِهَارًا -: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ فِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ تَزْكِيَةِ الْإِبِلِ بِالْغَنَمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ كَرَّرَهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَذَبَ فِي هَذَا عَلَانِيَةً وَأَعْمَاهُ الْهَوَى وَأَصَمَّهُ وَلَمْ يَسْتَحِي وَمَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ إلَّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَصَاعِدًا وَذَكَرَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ حُكْمَ تَزْكِيَتِهَا بِالْغَنَمِ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوَّلًا؟ وَالْمَوْضُوعُ الثَّانِي: أَنَّهُ جَاهَرَ بِالْكَذِبِ، فَقَالَ: " مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " وَهَذَا كَذِبٌ، مَا رَوَاهُ ذَلِكَ مَعْمَرٌ إلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُ هَذَا لَمَا أَخْرُجهُ عَنْ الْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو

لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ احْتِجَاجُهُ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِمَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ يُخَالِفُهُمَا فِيمَا فِيهِمَا مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ أَفَلَا يَعُوقُ الْمَرْءَ مُسَكَةٌ مِنْ الْحَيَاءِ عَنْ مِثْلِ هَذَا؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ زَادُوا كَذِبًا وَجُرْأَةً وَفُحْشًا فَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» إنَّمَا أَرَادَ بِقِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ؟ وَهَذَا كَذِبٌ بَارِدٌ سَمْجٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: مَا أَرَادَ إلَّا ابْنَ لَبُونٍ أَصْهَبَ، أَوْ فِي أَرْضِ نَجْدٍ خَاصَّةً وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَصْلًا أَنْ يُرِيدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَوِّضَ مِمَّا عُدِمَ بِالْقِيمَةِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ ابْنِ لَبُونٍ ذَكَرٌ أَيْضًا خَاصَّةً وَالْعَجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي تَقْوِيلِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ وَإِحَالَةِ كَلَامِهِ إلَى الْهَوَسِ وَالْغَثَاثَةِ وَالتَّلْبِيسِ وَلَا يَسْتَجِيزُونَ إحَالَةَ لَفْظَةٍ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُقْتَضَاهَا وَاَللَّهُ لَا فَعَلَ هَذَا مَوْثُوقٌ بِعَقْدِهِ وَلَقَدْ صَدَقَ الْأَئِمَّةُ الْقَائِلُونَ: إنَّهُمْ يَكِيدُونَ الْإِسْلَامَ وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا حَمَلْتُمْ مَا أَخَذْتُمْ بِهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّ جُعْلَ الْآبِقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا -: عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ قِيمَةَ تَعَبِ ذَلِكَ الَّذِي رَدَّ ذَلِكَ الْآبِقَ فَقَطْ؟ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ أَوْلَى وَأَصَحَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إيجَابِ شَرِيعَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا لَمْ يَتَعَدَّوْا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ أَنَّ الْبَيْتَ خَمْسُونَ

دِينَارًا وَالْعَبْدَ أَرْبَعُونَ دِينَارًا؛ فَتَوَقَّوْا مُخَالَفَةَ خَطَأِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّقْوِيمِ، وَلَمْ يُبَالُوا بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَذِبِ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُمْ حَدُّهُ عَلَى التَّقْوِيمِ وَأَيْضًا - فَإِنَّنَا قَدْ أَوْجَدْنَاهُمْ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَابُلِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ثنا أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدُ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ جَدِّهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ أَمَّرَهُ الْيَمَنَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ، فَذَكَرُهُ، «فَإِذَا بَلَغَتْ الذَّهَبَ قِيمَةَ مِائَتِي دِرْهَمٍ فَفِي قِيمَةِ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ حِينَ تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا» . فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ صَحِيفَةُ ابْنِ حَزْمٍ بَعْضُهَا حُجَّةٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهَذِهِ صِفَةُ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء: 150] . وَأَمَّا طَرِيقُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَمُرْسَلَةٌ أَيْضًا، وَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي طَرِيقِ مَعْمَرٍ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّا جَمِيعًا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا مَا قَالُوا بِهِ أَصْلًا، لِأَنَّ نَصَّ رِوَايَةِ حَمَّادٍ " إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعُدَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً، فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الْإِبِلِ " هَذَا عَلَى أَنْ تُعَادَ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْغَنَمِ كَمَا ادَّعَوْا؟ وَيَحْتَمِلُ هَذَا اللَّفْظُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْحُكْمَ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الْإِبِلِ فِي أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، لِأَنَّ فِي أَوَّلِ فَرِيضَةِ الْإِبِلِ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي ثَمَانِينَ بِنْتَيْ لَبُونٍ؛ فَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِهِمْ الْكَاذِبِ الْفَاسِدِ الْمُسْتَحِيلِ. وَأَمَّا حَمْلُهُمْ مَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُسْنَدُ احْتِجَاجِهِمْ فِي ذَلِكَ بِوُجُوبِ حُسْنِ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يُحَدِّثُ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَوْلُ لَعَمْرِي صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلِيٌّ بِأَوْلَى بِحُسْنِ الظَّنِّ مِنَّا مِنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعًا، وَالْفَرْضُ عَلَيْنَا حُسْنُ الظَّنِّ بِهِمَا، وَإِلَّا فَقَدْ سَلَكُوا سَبِيلَ إخْوَانِهِمْ مِنْ الرَّوَافِضِ

وَنَحْنُ نَقُولُ: كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ يُحَدِّثُ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَتَعَمَّدُ خِلَافَ رِوَايَتِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ فَيُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ؛ لَوْلَا أَنَّ عُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّ مَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ مَنْسُوخٌ مَا رَدَّهُ، وَلَا أَعْرَضَ عَنْهُ، لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِنَسْخِهِ، وَكَانَ عِنْدَ عُثْمَانَ نَسْخُهُ فَنُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا يَلْزَمُنَا، وَلَيْسَ إحْسَانُ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ وَإِسَاءَتُهُ بِعُثْمَانَ بِأَبْعَدَ مِنْ الضَّلَالِ مِنْ إحْسَانِ الظَّنِّ بِعُثْمَانَ وَإِسَاءَتِهِ بِعَلِيٍّ. فَنَقُولُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَدَّهُ عُثْمَانُ، وَلَا إحْدَى السَّيِّئَتَيْنِ بِأَسْهَلَ مِنْ الْأُخْرَى وَأَمَّا نَحْنُ فَنُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَا نَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ نَنْسُبَ إلَيْهِ الْقَوْلَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ فَنَتَبَوَّأَ مَقَاعِدَنَا مِنْ النَّارِ كَمَا تَبَوَّأَهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ بَلْ [نُقِرُّ] قَوْلَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مَقَرَّهُمَا؛ فَلَيْسَا حُجَّةً دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُمَا إمَامَانِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَغْفُورٌ لَهُمَا، غَيْرُ مُبْعَدِينَ مِنْ الْوَهْمِ، وَنَرْجِعُ إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَأْخُذُ بِالثَّابِتِ عَنْهُ وَنَطْرَحُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ؟ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّ كِتَابَ عَلِيٍّ مُسْنَدٌ، وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ - فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا تَقُولُونَ؛ بَلْ تُمَوِّهُونَ -: وَإِنَّمَا فِيهِ «فِي الْإِبِلِ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَبِحِسَابِ الْأَوَّلِ وَتُسْتَأْنَفُ لَهَا الْفَرَائِضُ» وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ زَكَاةَ الْغَنَمِ تَعُودُ فِيهَا، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ هَذَا أَنْ تَعُودَ إلَى حِسَابِهَا الْأَوَّلِ وَتُسْتَأْنَفَ لَهَا الْفَرَائِضُ؛ فَتَرْجِعَ إلَى أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، كَمَا فِي أَوَّلِهَا: فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ. وَفِي ثَمَانِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، فَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِكُمْ الْكَاذِبِ؟ ثُمَّ نَقُولُ: هَبْكُمْ أَنَّهُ مُسْنَدٌ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَأَنَّ فِيهِ نَصَّ مَا قُلْتُمْ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - فَاسْمَعُوهُ بِكَمَالِهِ؟ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا مُفَرِّجٌ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي خَمْسٍ مِنْ

الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ - أَوْ قَالَ: الْجَمَلِ - حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ، وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي الْوَرِقِ - إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ - فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ شَيْءٌ، فَإِنْ زَادَتْ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ؛ وَقَدْ عَفَوْت عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: وَإِذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ بِنْتَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ لَبُونٍ رَدَّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَفِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ، فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ؛ فِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، فَمَا نَقَصَ فَبِالْحِسَابِ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسٌ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ؛ إنْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ، أَوْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ،

وَشُعْبَةُ: مُتَّفِقُونَ كُلُّهُمْ، رَوَاهُ عَنْ سُفْيَان: وَكِيعٌ، وَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَرَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ؟ وَاَلَّذِي مَوَّهُوا بِطَرْفٍ، مِمَّا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ خَاصَّةً: لَيْسَ أَيْضًا مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَادَّعَوْا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ مَا لَيْسَ فِيهِ عَنْهُ أَثَرٌ، وَلَا جَاءَ قَطُّ عَنْهُ وَخَالَفُوا ذَلِكَ الْخَبَرَ نَفْسَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا مِمَّا فِيهِ نَصًّا، وَهِيَ -: قَوْلُهُ: «فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ» . وَقَوْلُهُ: بِتَعْوِيضِ ابْنِ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ فَقَطْ؟ وَقَوْلُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونِ» . وَإِسْقَاطُهُ ذِكْرَ عَوْدَةِ فَرَائِضِ الْغَنَمِ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ؟ «وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيمَنْ أَخَذَ بِنْتَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ إنْ لَمْ يُوجَدْ ابْنُ لَبُونٍ؟ «وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَخَذَ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ» . وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَلَمْ يَخُصَّ؛ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ؟ وَقَوْلُهُ: «فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ» وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ وَقْصًا، كَمَا يَزْعُمُونَ بِرَأْيِهِمْ وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ زَكَاةٌ» وَهُمْ يُزَكُّونَ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ إذَا كَانَ مَعَ مَالِكِهَا ذَهَبٌ إذَا جَمَعَ إلَى الْوَرِقِ سَاوَيَا جَمِيعًا مِائَتِي دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا. وَمِنْهَا عَفُوُّهُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَمِنْهَا عَفُوُّهُ عَنْ صَدَقَةِ الرَّقِيقِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؟ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: «فِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، فَمَا نَقَصَ فَبِالْحِسَابِ» وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ وَقْصًا؟ أَفَيَكُونُ أَعْجَبَ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِرِوَايَةٍ عَنْ عَلِيٍّ لَا بَيَانَ فِيهَا لِقَوْلِهِمْ، لَكِنْ بِظَنٍّ

كَاذِبٍ، وَيَتَحَيَّلُونَ فِي أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ بِالْقَطْعِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ الْمُفْتَرَى -: وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا تِلْكَ الرِّوَايَةَ نَفْسَهَا بِتِلْكَ الطَّرِيقِ، وَمَعَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فِي اثْنَيْ عَشْرَ مَوْضِعًا مِنْهَا، كُلُّهَا نُصُوصٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ؟ هَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي فِي أَيِّ دِينٍ أَمْ فِي أَيِّ عَقْلٍ وَجَدُوا مَا يُسَهِّلُهُ عَلَيْهِمْ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِصَحِيفَةِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَبِصَحِيفَةِ حَمَّادٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَهُمَا مُرْسَلَتَانِ، وَحَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَلَى عَلِيٍّ وَلَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ نَصٌّ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ، وَلَا دَلِيلَ ظَاهِرٌ -: ثُمَّ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَعِيبُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِالْإِرْسَالِ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ الْمُسْنَدَيْنِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى كِلَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، سَمِعَاهُ مِنْهُ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، سَمِعَهُ مِنْهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سَمِعَهُ مِنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى هَكَذَا نَصًّا وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا ابْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيِّ ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَ الصَّدَقَةِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ، فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ، فَكَانَ فِيهِ: فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ، إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ: إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ، إلَى سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ، إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، إلَى تِسْعِينَ: فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ؟» فَقَالُوا: إنَّ أَصْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْإِرْسَالُ، وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَا يُبَالُونَ بِأَنْ

يَحْتَجُّوا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَيُصَحِّحُونَهُمَا، إذَا وَجَدُوا فِيهِمَا مَا يُوَافِقُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَيُحِلُّونَهُ طَوْرًا وَيُحَرِّمُونَهُ طَوْرًا وَاعْتَرَضُوا فِيهِمَا بِأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُمَا وَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِي صَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ، وَحَدِيثِ عَلِيٍّ؟ مَا نَرَاهُ اسْتَجَازَ الْكَلَامَ بِذِكْرِهِمَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَشْتَغِلَ بِتَضْعِيفِهِمَا؟ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ بَعْضَ مُقَدِّمِيهِمْ - الْمُتَأَخِّرِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى - قَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ حَقًّا لَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُمَّالِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلُ الرَّوَافِضِ فِي الطَّعْنِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ فِي الْعَمَلِ بِهِ: نَعَمْ، وَعَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ نُسِبَتْ إلَيْهِ كُتُبُ الْبَاطِلِ وَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ ثُمَّ كَتَمَهُ، وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ بَعْدَهُ؛ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ وَقَدْ خَالَفُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ النُّصُوصَ وَالْقِيَاسَ؟ فَهَلْ وَجَدُوا فَرِيضَةً تَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهَا؟ وَهَلْ وَجَدُوا فِي أَوْقَاصِ الْإِبِلِ وَقْصًا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ؟ إذْ لَمْ يَجْعَلُوا بَعْدَ الْإِحْدَى وَالتِّسْعِينَ حُكْمًا زَائِدًا إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَهَلْ وَجَدُوا فِي شَيْءٍ مِنْ الْإِبِلِ حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي إبِلٍ وَاحِدَةٍ، بَعْضُهَا يُزَكَّى بِالْإِبِلِ وَبَعْضُهَا يُزَكَّى بِالْغَنَمِ؟ وَهُمْ يُنْكِرُونَ أَخْذَ زَكَاةٍ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا حِقَّيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَالٍ وَاحِدٍ وَهُمْ قَدْ جَعَلُوا هَاهُنَا -: بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ - فِي مَالٍ وَاحِدٍ حِقَّيْنِ: أَحَدُهُمَا إبِلٌ؛ وَالثَّانِي غَنَمٌ؟ وَهَلَّا إذْ رَدُّوا الْغَنَمَ وَبِنْتَ الْمَخَاضِ بَعْدَ إسْقَاطِهِمَا رَدُّوا أَيْضًا فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَائِدَةً عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ بِنْتَ اللَّبُونِ؟ فَإِنْ قَالُوا: مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» . قِيلَ لَهُمْ: فَهَلَّا مَنَعَكُمْ مِنْ رَدِّ الْغَنَمِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» ؟

فَظَهَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ وَقَالُوا فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ شَيْءٌ إلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ» إنَّهُ يُعَارِضُ سَائِرَ الْأَخْبَارِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ هَذَا فَأَوَّلُ مَا يُعَارَضُ فَصَحِيفَةُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ فِيمَا يَظُنُّهُ فِيهِمَا؛ فَسَقَطَ تَمْوِيهُهُمْ كُلُّهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ؛ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ فَقَدْ كَذَبُوا جِهَارًا؟ فَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ وَلَا نَصٌّ بِمَا ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ بِالتَّمْوِيهِ الْكَاذِبِ وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَلَا يَجِدُونَهُ عَنْهُ أَصْلًا، إمَّا ثَابِتٌ فَنَقْطَعُ بِذَلِكَ قَطْعًا؛ وَإِمَّا رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ فَبَعِيدٌ عَلَيْهِمْ وُجُودُهَا أَيْضًا، وَإِمَّا مَوْضُوعَةٌ مِنْ عَمَلِ الْوَقْتِ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهَا لَا تُنْفَقُ فِي سُوقِ الْعِلْمِ؟ وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالثَّابِتُ عَنْهُ كَالشَّمْسِ خِلَافُ قَوْلِهِمْ، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ خِلَافِ ذَلِكَ عَنْهُ، إلَّا إنْ صَاغُوهُ لِلْوَقْتِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْإِبِلِ فِي خَمْسٍ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ، إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ، إلَى سِتِّينَ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ فَإِنْ زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ؟

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ هُوَ أَبُو كُرَيْبٍ - ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمُ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «إذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ؛ أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ» فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، هُوَ قَوْلُنَا نَفْسُهُ، مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ تَعَلُّلُهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْك عَارُهَا ثُمَّ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ تَصْحِيحِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ مُوهِمِينَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِهِمْ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ إلَّا فِي السَّائِمَةِ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَخِلَافِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دُونَ أَنْ

مسألة يعطي المصدق الشاتين مما أخذ من صدقة الغنم

يَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ، إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَةٌ يُعْطِي الْمُصَدِّقُ الشَّاتَيْنِ مِمَّا أَخَذَ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ] 675 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُعْطِي الْمُصَدِّقُ، الشَّاتَيْنِ أَوْ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِمَّا أَخَذَ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ، أَوْ يَبِيعَ مِنْ الْإِبِلِ، لِأَنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ يَأْخُذُ ذَلِكَ؛ فَمِنْ مَالِهِمْ يُؤَدِّيه؟ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّقَاصُّ، وَهُوَ: أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِنْتَا لَبُونٍ فَلَا يَجِدُهُمَا عِنْدَهُ، وَيَجِدُ عِنْدَهُ حِقَّةً وَبِنْتَ مَخَاضٍ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُمَا وَيُعْطِيه شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذ مِنْهُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَا بُدَّ، وَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ، أَوْ يُعْطِيَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى وَاسْتَوْفَى وَأَمَّا التَّقَاصُّ - بِأَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ - فَهُوَ تَرْكٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ وَجَبَ لَمْ يُقْبَضْ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ إبْرَاءُ الْمُصَدِّقِ مِنْ حَقِّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاةُ تَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي الْإِبِلِ] 676 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ تَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، بِخِلَافِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ إذَا زُكِّيَتْ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنَّمَا تُزَكَّى عِنْدَ تَصْفِيَتِهَا، وَكَيْلِهَا، وَيُبْسِ التَّمْرِ، وَكَيْلِهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، إلَّا فِي الْحُلِيِّ وَالْعَوَامِلِ، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْرِجُ الْمُصَدِّقِينَ كُلَّ سَنَةٍ؟ [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الْإِبِلِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ] 677 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ، فِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ، وَلَا حُكْمَ فِي ذَلِكَ لِمَجِيءِ السَّاعِي - وَهُوَ الْمُصَدِّقُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا بِمَجِيءِ الْمُصَدِّقِ؟ ثُمَّ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا: إنْ أَبْطَأَ الْمُصَدِّقُ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ بِذَلِكَ؛ وَوَجَبَ أَخْذُهَا لِكُلِّ عَامٍ خَلَا وَهَذَا إبْطَالُ قَوْلِهِمْ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِمَجِيءِ السَّاعِي، وَإِنَّمَا السَّاعِي وَكِيلٌ مَأْمُورٌ بِقَبْضِ مَا وَجَبَ؛ لَا يَقْبِضُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَلَا بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ؟

زكاة السائمة وغير السائمة من الماشية

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - وَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ - فِي أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَوْ - جَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمَا جَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِمَجِيءِ السَّاعِي؟ وَلَا يَخْلُو السَّاعِي مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعَثَهُ الْإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ، أَوْ أَمِيرُهُ، أَوْ بَعَثَهُ مَنْ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ، فَإِنْ بَعَثَهُ مَنْ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فَلَيْسَ هُوَ الْمَأْمُورُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَبْضِ الزَّكَاةِ، فَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ مَا قَبَضَ، وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَدَاؤُهَا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ مَظْلِمَةٌ لَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ. وَإِنْ كَانَ بَعَثَهُ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاعِثُهُ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، أَوْ لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، فَإِنْ كَانَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَّا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ فَقَدْ تَعَدَّى، وَالتَّعَدِّي مَرْدُودٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . [زَكَاةُ السَّائِمَةِ وَغَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْ الْمَاشِيَةِ] 678 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: تُزَكَّى السَّوَائِمُ، وَالْمَعْلُوفَةُ، وَالْمُتَّخَذَةُ لِلرُّكُوبِ، وَلِلْحَرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ؟ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَمَّا الْإِبِلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ فَلَا زَكَاةَ إلَّا فِي سَائِمَتِهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا الْإِبِلُ، وَالْغَنَمُ فَتُزَكَّى سَائِمَتُهَا وَغَيْرُ سَائِمَتِهَا، وَأَمَّا الْبَقَرُ فَلَا تُزَكَّى إلَّا سَائِمَتُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ سَائِمَةَ الْإِبِلِ وَغَيْرَ السَّائِمَةِ مِنْهَا تُزَكَّى سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا زَكَاةَ إلَّا فِي السَّائِمَةِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ:

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُزَكَّى غَيْرُ السَّائِمَةِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ، ثُمَّ لَا تَعُودُ الزَّكَاةُ فِيهَا. فَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، بِأَنْ قَالُوا: قَوْلُنَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرِهِمْ؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سُفْيَان، وَمَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ: لَيْسَ عَلَى عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةُ شَاةٍ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَعَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: لَيْسَ عَلَى عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ؟ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: لَا صَدَقَةَ فِي الْمُثِيرَةِ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ فِي ذَلِكَ؟ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: لَا صَدَقَةَ فِي الْحُمُولَةِ، وَالْمُثِيرَةِ؟ وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ وَالْحُمُولَةُ: هِيَ الْإِبِلُ الْحَمَّالَةُ، وَالْمُثِيرَةُ بَقَرُ الْحَرْثِ، قَالَ تَعَالَى: {لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ} [البقرة: 71] . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَيْسَ عَلَى ثَوْرٍ عَامِلٍ وَلَا عَلَى جَمَلِ ظَعِينَةٍ صَدَقَةٌ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: لَيْسَ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ؟ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فِي مِصْرٍ يَحْلِبُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَلَا صَدَقَةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ؟ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: لَيْسَ فِي السَّوَانِي مِنْ الْبَقَرِ، وَبَقَرِ الْحَرْثِ صَدَقَةٌ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا مِنْ الْبَقَرِ الصَّدَقَةُ كَصَدَقَةِ الْإِبِلِ، وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عَوَامِلِ الْإِبِلِ؟ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَيْسَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ؟ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ وَالْإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ.

وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ؟ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْحَرْثِ صَدَقَةٌ؟ وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ. لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ؟ وَعَنْ طَاوُسٍ: لَيْسَ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ صَدَقَةٌ، إلَّا فِي السَّوَائِمِ خَاصَّةً؟ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ؟ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَالضَّحَّاكِ؟ وَعَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ: لَيْسَ فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا زَكَاةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ، وَأَوْجَبَهَا فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا زَكَاةَ فِي الْغَنَمِ الْمُتَّخَذَةِ لِلذَّبْحِ - وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ، فَعَجِبَ، وَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَغَيْرِهِ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ؟ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْأَنْصَارِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ غَنَمٍ، وَبَقَرٍ، وَإِبِلٍ، سَائِمَةٍ؛ أَوْ غَيْرِ سَائِمَةٍ؟ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَلَامًا لَا فَائِدَة فِيهِ؛ فَدَلَّ أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ بِخِلَافِ السَّائِمَةِ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: " فِي سَائِمَةِ الْإِبِلِ " قَالُوا: فَقِسْنَا سَائِمَةَ الْبَقَرِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَقَالُوا: إنَّمَا جُعِلَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا فِيهِ النَّمَاءُ؛ وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ الْكُلْفَةُ فَلَا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا؟ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي تَخْصِيصِ عَوَامِلِ الْبَقَرِ خَاصَّةً بِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي الْبَقَرِ لَمْ تَصِحَّ؛

فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا إلَّا حَيْثُ اُجْتُمِعَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ؟ وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّتْ الزَّكَاةُ فِيهَا بِالنَّصِّ الْمُجْمَلِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنْ تُكَرَّرَ الزَّكَاةُ فِيهَا فِي كُلِّ عَامٍ، فَوَجَبَ تَكَرُّرُ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ؛ وَلَمْ يَجِبْ التَّكْرَارُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حُجَّةُ مَنْ احْتَجَّ بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ؛ وَبِأَنَّهُ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ -: فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ نَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، إذْ قَالُوا بِزَكَاةِ خَمْسِينَ بَقَرَةً بِبَقَرَةٍ وَرُبُعٍ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَتَقْسِيمِهِمْ فِي الْمَيْتَاتِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ فِيهِ، فَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَسَّمَهُ قَبْلَهُمْ، وَتَقْدِيرِهِمْ الْمَسْحَ فِي الرَّأْسِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَرَّةً وَبِرُبُعِ الرَّأْسِ مَرَّةَ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْهَوَسُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلَوَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ بِأَيِّ الْأَصَابِعِ هِيَ؟ أَمْ بِأَيِّ خَيْطٍ يُقَدَّرُ رُبُعُ الرَّأْسِ؟ وَإِجَازَتِهِمْ الِاسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثِ؛ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا أَجَازَهُ قَبْلَهُمْ، وَتَقْسِيمِهِمْ فِيمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْفِ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ صَدَقَةِ الْخَيْلِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا؛ وَخِلَافِهِمْ لِكُلِّ رِوَايَةٍ جَاءَتْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَخِلَافِهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو حَثْمَةَ، وَابْنَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ فِي تَرْكِ مَا يَأْكُلُهُ الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ مِنْ التَّمْرِ، وَمَعَهُمْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ بِيَقِينٍ، لَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ - وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا وَكَذَلِكَ نَسِيَ الشَّافِعِيُّونَ أَنْفُسَهُمْ فِي تَقْسِيمِهِمْ مَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ، وَتَحْدِيدِهِمْ مَا يَنْجَسُ مِنْ الْمَاءِ مِمَّا لَا يَنْجَسُ بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ وَمَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَخِلَافُهُمْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ

فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ وَبِالْعَيْنِ أَنَّهُ يُزَكَّى عَلَى الْأَغْلَبِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا لَهُمْ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ السَّائِمَةِ، فَنَعَمْ، صَحَّ هَذَا اللَّفْظُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً؟ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُزَكَّى غَيْرُ السَّائِمَةِ؛ لَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلَ - إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ جُمْلَةً، فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ، وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي سَائِمَةِ الْإِبِلِ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي خَبَرِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ فَقَطْ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ زِيَادَةَ حُكْمٍ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا؟ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] مَعَ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي تِلْكَ الْآيَةِ. قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] مَعَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 140] فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي تِلْكَ الْآيَةِ؟

وَهَلَّا اسْتَعْمَلَ الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ هَذَا الْعَمَلَ حَيْثُ كَانَ يَلْزَمُهُمْ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَقَالُوا: وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَهُ مُخْطِئًا؟ وَلَعَمْرِي إنَّ قِيَاسَ غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى السَّائِمَةِ لَأَشْبَهَ مِنْ قِيَاسِ قَاتِلِ الْخَطَأِ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ وَحَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقَالُوا: نَعَمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِنَا وَمِثْل هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، لَا يَتَثَقَّفُونَ فِيهِ إلَى أَصْلٍ فَمَرَّةٌ يَمْنَعُونَ مَنْ تَعَدَّى مَا فِي النَّصِّ حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، وَمَرَّةٌ يَتَعَدَّوْنَ النَّصَّ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ فَهُمْ أَبَدًا يَعْكِسُونَ الْحَقَائِقَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِجَمِيعِ النُّصُوصِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا بَعْضَهَا لِبَعْضِ، وَلَمْ يَتَعَدَّوْهَا إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ -: لَكَانَ أَسْلَمَ لَهُمْ مِنْ النَّارِ وَالْعَارِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا فِيهِ النَّمَاءُ؛ فَبَاطِلٌ، وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَا تَنْمِي أَصْلًا، وَلَيْسَتْ فِي الْحَمِيرِ، وَهِيَ تَنْمِي، وَلَا فِي الْخَضَرِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَهِيَ تَنْمِي؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَوَامِلَ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ تَنْمِي أَعْمَالُهَا وَكِرَاؤُهَا، وَتَنْمِي بِالْوِلَادَةِ أَيْضًا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَهَا مُؤْنَةٌ فِي الْعَلَفِ؟ قُلْنَا: وَلِلسَّائِمَةِ مُؤْنَةُ الرَّاعِي وَأَنْتُمْ لَا تَلْتَفِتُونَ إلَى عَظِيمِ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْحَرْثِ، وَإِنْ اسْتَوْعَبَتْهُ كُلَّهُ؛ بَلْ تَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِيهِ، وَلَا تُرَاعُونَ الْخَسَارَةَ فِي التِّجَارَةِ، بَلْ تَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِيهَا فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟

وَأَمَّا مَنْ خَصَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَقَرَ بِأَنْ لَا تُزَكَّى إلَّا سَائِمَتُهَا فَقَطْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ عُمُومًا، وَحَدُّ زَكَاتِهَا، وَمِنْ كَمْ تُؤْخَذْ الزَّكَاةُ مِنْهَا: فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيٍ وَلَا بِقِيَاسٍ. وَأَمَّا الْبَقَرُ فَلَمْ يَصِحَّ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ إلَّا فِي بَقَرٍ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا فِي السَّائِمَةِ؛ فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا، دُونَ غَيْرِهَا الَّتِي لَا إجْمَاعَ فِيهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ -: «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلَا بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا فُعِلَ بِهِ كَذَا» . فَصَحَّ بِالنَّصِّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ جُمْلَةً؛ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصُّ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا، وَلَا كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهَا، فَفِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يُرَاعَى الْإِجْمَاعُ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ بَقَرٍ دُونَ بَقَرٍ فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلثَّابِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي الْبَقَرِ بِغَيْرِ نَصٍّ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِ السَّائِمَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْ الذُّكُورِ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ، فَقَدْ صَحَّ الْخِلَافُ فِي زَكَاتِهَا؟ -: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ الْمُغِيرَةِ هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ السَّوَائِمِ صَدَقَةٌ إلَّا إنَاثَ الْإِبِلِ، وَإِنَاثَ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَلَا الْحَنَفِيُّونَ، وَلَا الْمَالِكِيُّونَ، وَلَا الشَّافِعِيُّونَ، وَلَا الْحَنْبَلِيُّونَ؛ وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ بِلَا بُرْهَانٍ فَوَجَبَتْ بِالنَّصِّ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ بَقَرٍ، أَيْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْبَقَرِ كَانَتْ، سَائِمَةً أَوْ غَيْرَ

مسألة على كل ذي إبل وبقر وغنم حلبها يوم وردها والتصدق من لبنها

سَائِمَةٍ، إلَّا بَقَرًا خَصَّهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ؟ وَأَمَّا الْعَدَدُ، وَالْوَقْتُ، وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ إلَّا بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ أَوْ بِنَصٍّ صَحِيحٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ فِي السَّائِمَةِ بِعَوْدَةِ الزَّكَاةِ فِيهَا كُلَّ عَامٍ، وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ -: فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْبَقَرِ بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا؛ وَلَمْ يَأْتِ بِتَكْرَارِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ عَامٍ نَصٌّ؛ فَلَا تَجُوزُ عَوْدَةُ الزَّكَاةِ فِي مَالٍ قَدْ زُكِّيَ، إلَّا بِالْإِجْمَاعِ؛ وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ بِعَوْدَةِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ كُلَّ عَامٍ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي عَوْدَتِهَا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْهَا كُلِّهَا؛ فَلَا يَجِبُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ هَذَا قَوْلًا صَحِيحًا لَوْلَا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ فِي كُلِّ عَامٍ لِزَكَاةِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ» هَذَا أَمْرٌ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ؛ وَقَدْ صَحَّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُرْضُوَا مُصَدِّقِيكُمْ» فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ؛ فَخُرُوجُ الْمُصَدِّقِينَ فِي كُلِّ عَامٍ مُوجِبٌ أَخْذَ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ عَامٍ بِيَقِينٍ؛ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، فَتَخْصِيصُ بَعْضِ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ عَامًا بِأَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ الزَّكَاةَ عَامًا ثَانِيًا تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ. وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ؛ وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِثْلُ هَذَا فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عَلَى كُلِّ ذِي إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا وَالتَّصَدُّقُ مِنْ لَبَنِهَا] 679 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ ذِي إبِلٍ، وَبَقَرٍ، وَغَنَمٍ أَنْ يَحْلِبَهَا يَوْمَ وِرْدِهَا عَلَى الْمَاءِ، وَيَتَصَدَّقُ مِنْ لَبَنِهَا بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ هُوَ أَبُو الْيَمَانِ ثنا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ ثنا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ

مسألة الأسنان المذكورات في زكاة الإبل

بِقُرُونِهَا، قَالَ: وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا حَقَّ فِي الْمَالِ غَيْرُ الزَّكَاةِ فَقَدْ قَالَ: الْبَاطِلَ، وَلَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْوَالِ فَهُوَ وَاجِبٌ؟ وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ هَذَا: هَلْ تَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْأَيْمَانِ وَدُيُونِ النَّاسِ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. وَأَمَّا إعَارَةُ الدَّلْوِ وَإِطْرَاقُ الْفَحْلِ فَدَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] . [مَسْأَلَةٌ الْأَسْنَانُ الْمَذْكُورَاتُ فِي زَكَاة الْإِبِلِ] 680 - مَسْأَلَةٌ: الْأَسْنَانُ الْمَذْكُورَاتُ فِي الْإِبِلِ -: بِنْتُ الْمَخَاضِ: هِيَ الَّتِي أَتَمَّتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي سَنَتَيْنِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا مَاخِضٌ؛ أَيْ قَدْ حَمَلَتْ فَإِذَا أَتَمَّتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَهِيَ بِنْتُ لَبُونٍ وَابْنُ لَبُونٍ، لِأَنَّ أُمَّهَا قَدْ وَضَعَتْ فَلَهَا لَبَنٌ، فَإِذَا أَتَمَّتْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ فَهِيَ حِقَّةٌ، لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا الْفَحْلُ، وَالْحَمْلُ؛ فَإِذَا أَتَمَّتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ فَهِيَ جَذَعَةٌ؛ فَإِذَا أَتَمَّتْ خَمْسَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ فَهِيَ ثَنِيَّةٌ. وَلَا يَجُوزُ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ مَا لَمْ يُتِمَّ سَنَةً وَهُوَ فَصِيلٌ لَا يَجُوزُ فِي الصَّدَقَةِ. حَدَّثَنَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَتَفْسِيرِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد بِذَلِكَ كُلِّهِ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ، وَالْعَبَّاسِ بْنِ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيِّ، وَعَنْ أَبِي دَاوُد الْمُصَاحِفِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى

مسألة الخلطة في الماشية أو غيرها لا تحيل حكم الزكاة

[مَسْأَلَةٌ الْخُلْطَةُ فِي الْمَاشِيَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ] مَسْأَلَةٌ: وَالْخُلْطَةُ فِي الْمَاشِيَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ حُكْمُهُ فِي مَالِهِ، خَالَطَ أَوْ لَمْ يُخَالِطْ لَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ فَضَالَةَ أَنَا سُرَيْجٌ بْنُ النُّعْمَانِ ثني حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ " أَنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ «وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا تَخَالَطَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ فِي إبِلٍ، أَوْ فِي بَقَرٍ، أَوْ فِي غَنَمٍ، فَإِنَّهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ مَاشِيَتِهِمْ، الزَّكَاةُ كَمَا كَانَتْ تُؤْخَذُ لَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ، وَالْخُلْطَةُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَجْتَمِعَ الْمَاشِيَةُ فِي: الرَّاعِي، وَالْمَرَاحِ، وَالْمَسْرَحِ، وَالْمَسْقَى، وَمَوَاضِعِ الْحَلْبِ: عَامًا كَامِلًا مُتَّصِلًا وَإِلَّا فَلَيْسَتْ خُلْطَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمْ مُشَاعَةً لَا تَتَمَيَّزُ، أَوْ مُتَمَيِّزَةً، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: الدَّلْوُ، وَالْفَحْلُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ مَمْلُوءٌ مِنْ الْخَطَأِ؟ أَوَّلَ ذَلِكَ: أَنَّ ذِكْرَهُمْ الرَّاعِي كَانَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْمَسْرَحِ، وَالْمَسْقَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَاحِدًا وَتَخْتَلِفُ مَسَارِحُهَا وَمَسَاقِيهَا؛ فَصَارَ ذِكْرُ الْمَسْرَحِ وَالْمَسْقَى فُضُولًا وَأَيْضًا - فَإِنَّ ذِكْرَ الْفَحْلِ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ فَحْلَانِ وَأَكْثَرُ؛ لِكَثْرَةِ مَاشِيَتِهِ، وَرَاعِيَانِ وَأَكْثَرُ لِكَثْرَةِ مَاشِيَتِهِ؛ فَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِمْ - إذَا أَوْجَبَ اخْتِلَاطُهُمَا فِي الرَّاعِي، وَالْعَمَلِ -: أَنْ يُزَكِّيَهَا، زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، وَأَنْ لَا تُجْمَعُ مَاشِيَةُ إنْسَانٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ

لَهُ فِيهَا رَاعِيَانِ فَحْلَانِ، وَهَذَا لَا تَخَلُّصَ مِنْهُ؟ وَنَسْأَلُهُمْ إذَا اخْتَلَطَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ: أَلَهُمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ أَمْ لَا؟ فَأَيُّ ذَلِكَ قَالُوا فَلَا سَبِيلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ إلَّا تَحَكُّمًا فَاسِدًا بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ فَرَأَوْا فِي جَمَاعَةٍ لَهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ، أَوْ ثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ - بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ -: أَنَّ الزَّكَاةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْهَا، وَأَنَّ ثَلَاثَةً لَوْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعِينَ شَاةً - وَهُمْ خُلَطَاءُ فِيهَا -: فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ، وَقَالُوا: إنَّ خَمْسَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ الْإِبِلِ - تَخَالَطُوا بِهَا عَامًا - فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا بِنْتُ مَخَاضٍ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي. وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد فِيمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا. حَتَّى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى حُكْمَ الْخُلْطَةِ جَارِيًا كَذَلِكَ فِي الثِّمَارِ، وَالزَّرْعِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ - فَرَأَى فِي جَمَاعَةٍ بَيْنَهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَقَطْ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا، وَأَنَّ جَمَاعَةً يَمْلِكُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَطْ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَقَطْ - وَهُمْ خُلَطَاءُ فِيهَا - أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلَطَاءِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّوْا حِينَئِذٍ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَقَعُ لَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لَا يَقَعُ لَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. فَرَأْيُ هَؤُلَاءِ فِي اثْنَيْنِ - فَصَاعِدًا - يَمْلِكَانِ أَرْبَعِينَ شَاةً، أَوْ سِتِّينَ أَوْ مَا دُونَ الثَّمَانِينَ، أَوْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مَا دُونَ السِّتِّينَ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِبِلِ -: فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةٌ يَمْلِكُونَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَوَاشِي

وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ حُكْمَ الْخُلْطَةِ إلَّا فِي الْمَوَاشِي فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ مِنْ أَصْحَابِنَا؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُحِيلُ الْخُلْطَةُ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَصْلًا، لَا فِي الْمَاشِيَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ وَكُلُّ خَلِيطٍ لِيُزَكِّيَ مَا مَعَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا، وَلَا فَرْقَ، فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةُ خُلَطَاءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فَعَلَيْهِمْ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهُمْ خُلَطَاءُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ نَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَةً لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَوَجَدْنَا أَقْوَالًا عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ، وَابْنِ هُرْمُزٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، فَقَطْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا كَانَ الْخَلِيطَانِ يَعْلَمَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلَا تُجْمَعُ أَمْوَالُهُمَا فِي الصَّدَقَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا لِعَطَاءٍ مِنْ قَوْلِ طَاوُوسٍ فَقَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا حَقًّا، وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ رَاعِيهِمَا وَاحِدًا، وَكَانَتْ تَرِدُ جَمِيعًا - وَتَرُوحُ جَمِيعًا - صُدِّقَتْ جَمِيعًا؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْإِبِلَ إذَا جَمَعَهَا الرَّاعِي وَالْفَحْلُ وَالْحَوْضُ تُصَدَّقُ جَمِيعًا ثُمَّ يَتَحَاصُّ أَصْحَابُهَا عَلَى عِدَّةِ الْإِبِلِ فِي قِيمَةِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ كَانَ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا لَا يُرِيدُ مُخَالَطَتَهُ وَلَا وَضْعَهَا عِنْدَهُ يُرِيدُ نِتَاجَهَا - فَإِنَّ تِلْكَ تُصَدَّقُ وَحْدَهَا؟ وَعَنْ ابْنِ هُرْمُزَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ -: فَقَالَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْخُلْطَةَ تُحِيلُ الصَّدَقَةَ وَتَجْعَلُ مَالَ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا بِمَنْزِلَةِ

كَمَا] لَوْ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ -: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِثَلَاثَةٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا: وَهُمْ خُلَطَاءُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَنَهَى الْمُصَدِّقَ أَنْ يُفَرِّقَهَا لِيَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً فَيَأْخُذُ ثَلَاثَ شِيَاهٍ، وَالرَّجُلَانِ يَكُونُ لَهُمَا مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَيُفَرِّقَانِهَا خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ؛ فَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً، فَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ إلَّا شَاتَيْنِ؟ وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ خَلِيطَيْنِ يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» هُوَ أَنْ يَعْرِفَا أَخْذَ السَّاعِي فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتُهُ عَلَى حَسْبِ عَدَدِ مَاشِيَتِهِ كَاثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِلْآخِرِ ثَمَانُونَ وَهُمَا خَلِيطَانِ، فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ ثُلُثَاهَا وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا وَقَالَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُحِيلُ حُكْمَ الصَّدَقَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» هُوَ أَنْ يَكُونَ لِثَلَاثَةٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً، لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، فَنُهُوا عَنْ جَمْعِهَا وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ فِي مِلْكِهِمْ تَلْبِيسًا عَلَى السَّاعِي أَنَّهَا لِوَاحِدٍ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا وَاحِدَةً، وَالْمُسْلِمُ يَكُونُ لَهُ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَيُفَرِّقُهَا قِسْمَيْنِ وَيُلْبِسُ عَلَى السَّاعِي أَنَّهَا لِاثْنَيْنِ، لِئَلَّا يُعْطِيَ مِنْهَا إلَّا شَاتَيْنِ، وَكَذَلِكَ نَهَى الْمُصَدِّقَ أَيْضًا عَنْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَى الِاثْنَيْنِ - فَصَاعِدًا - مَا لَهُمْ لِيُكْثِرَ مَا يَأْخُذُ، وَعَنْ أَنْ يُفَرِّقَ مَالَ الْوَاحِدِ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ لِيُكْثِرَ مَا يَأْخُذُ وَقَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ خَلِيطَيْنِ يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» هُوَ أَنَّ

الْخَلِيطَيْنِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُمَا مَا اخْتَلَطَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَلِيطَانِ مِنْ النَّبِيذِ بِهَذَا الِاسْمِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَخْتَلِطْ غَيْرُهُ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، قَالُوا: فَلَيْسَ الْخَلِيطَانِ فِي الْمَالِ إلَّا الشِّرْكَيْنِ فِيهِ اللَّذَيْنِ لَا يَتَمَيَّزُ مَالُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ تَمَيَّزَ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ، قَالُوا: فَإِذَا كَانَ خَلِيطَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَاءَ الْمُصَدِّقُ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ قِسْمَتَهَا لِمَالِهِمَا، وَلَعَلَّهُمَا لَا يُرِيدَانِ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ، فَإِذَا أَخَذَ زَكَاتَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ؛ كَائِنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثَمَانُونَ شَاةً وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ، وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي جَمِيعِهَا، فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ؛ وَقَدْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَا كُلِّ شَاةٍ مِنْهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا، فَيَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ فَيَبْقَى لِصَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ، وَلِصَاحِبِ الثَّمَانِينَ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاسْتَوَتْ دَعْوَى الطَّائِفَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلَمْ تَكُنْ لِإِحْدَاهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا تَأْوِيلَ الطَّائِفَةِ الَّتِي رَأَتْ أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَصَحَّ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْمَذْكُورِ مُتَّفَقٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ تَفْسِيرِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ؛ وَصَحَّ تَأْوِيلُ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلٌ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ؛ فَهَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ؟ وَوَجَدْنَا أَيْضًا الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً شَيْءٌ» وَسَائِرُ مَا نَصَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، وَالْإِبِلِ، مِنْ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ [مِنْ الْإِبِلِ] بِنْتُ مَخَاضٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَوَجَدْنَا مَنْ لَمْ يُحِلْ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ قَدْ أَخَذَ بِجَمِيعِ هَذِهِ النُّصُوصِ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا، وَوَجَدْنَا

مَنْ أَحَالَ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ يَرَى هَذِهِ النُّصُوصَ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا وَوَجَدْنَا مَنْ أَحَالَ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ يَرَى فِي خَمْسَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَأَنَّ ثَلَاثَةً لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً عَلَى السَّوَاءِ بَيْنَهُمْ أَنَّ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ شَاةٍ، وَأَنَّ عَشْرَةَ رِجَالٍ لَهُمْ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرَ شَاةٍ وَهَذِهِ زَكَاةٌ مَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ؛ وَخِلَافٌ لِحُكْمِهِ تَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَأَلْنَاهُمْ عَنْ إنْسَانٍ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي بَلَدٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلَهُ ثَلَاثٌ مِنْ الْإِبِلِ، خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فِي بَلَدٍ ثَالِثٍ؟ فَمَا عَلِمْنَاهُمْ أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِحُكْمٍ يُعْقَلُ أَوْ يُفْهَمُ وَسُؤَالُنَا إيَّاهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَّسِعُ جِدًّا؛ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى جَوَابٍ يَفْهَمُهُ أَحَدٌ أَلْبَتَّةَ، فَنَبَّهْنَا بِهَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَمَنْ رَأَى حُكْمَ الْخُلْطَةِ يُحِيلُ الزَّكَاةَ فَقَدْ جَعَلَ زَيْدًا كَاسِبًا عَلَى عَمْرٍو، وَجَعَلَ لِمَالِ أَحَدِهِمَا حُكْمًا فِي مَالِ الْآخَرِ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ وَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ. وَمَا عَجَزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ - وَهُوَ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ لَنَا - عَنْ أَنْ يَقُولَ: الْمُخْتَلِطَانِ فِي وَجْهِ كَذَا وَوَجْهِ كَذَا [يُزَكِّيَانِ] زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، فَإِذْ لَمْ يَقُلْهُ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ قَوْلَهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا اخْتَلَطَ فِي الدَّلْوِ، وَالرَّاعِي، وَالْمَرَاحِ، وَالْمُحْتَلَبِ -: تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا، لَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ وَجْهٍ يُعْقَلُ، وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْتَ

شِعْرِي: أَمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَقْصُورًا عَلَى الْخُلْطَةِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ دُونَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخُلْطَةَ فِي الْمَنْزِلِ، أَوْ فِي الصِّنَاعَةِ، أَوْ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْغَنَمِ كَمَا قَالَ طَاوُسٍ وَعَطَاءٌ؟ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ هُوَ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ مِصْرِيٌّ - ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ: أَنَّهُ سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْفَحْلِ، وَالْمَرْعَى، وَالْحَوْضِ» . قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَمَا خَالَفْنَاكُمْ فِي أَنَّ مَا اجْتَمَعَ عَلَى فَحْلٍ، وَمَرْعًى، وَحَوْضٍ: أَنَّهُمَا خَلِيطَانِ فِي ذَلِكَ؛ وَهَذَا حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ؛ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ إحَالَةُ حُكْمِ الزَّكَاةِ

الْمُفْتَرَضَةِ بِذَلِكَ وَلَوْ وَجَبَ بِالِاخْتِلَاطِ فِي الْمَرْعَى إحَالَةُ حُكْمِ الزَّكَاةِ لَوَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَاشِيَةٍ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ الْمَرَاعِيَ مُتَّصِلَةٌ فِي أَكْثَرِ الدُّنْيَا، إلَّا أَنْ يَقْطَعَ بَيْنَهُمَا بَحْرٌ، أَوْ نَهْرٌ، أَوْ عِمَارَةٌ وَأَيْضًا - فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِتَخَالُطِهِمَا بِالرَّاعِي، وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ؛ وَإِلَّا فَقَدْ يَخْتَلِطُ فِي الْمَسْقَى، وَالْمَرْعَى، وَالْفَحْلِ: أَهْلُ الْحِلَّةِ كُلُّهُمْ، وَهُمَا لَا يَرَيَانِ ذَلِكَ خُلْطَةً تُحِيلُ حُكْمَ الصَّدَقَةِ؟ وَزَادَ ابْنُ حَنْبَلٍ: وَالْمُحْتَلَبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ اخْتَلَطَا أَكْثَرَ الْحَوْلِ كَانَ لَهُمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ بَارِدٌ وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ خَالَطَ آخَرَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَجَابُوا فَقَدْ زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَمْ يَكُونُوا بِأَحَقَّ بِالدَّعْوَى مِنْ غَيْرِهِمْ؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْحَوَالَةِ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ خَصَّ بِالْخُلْطَةِ الْمَوَاشِيَ، فَقَطْ، دُونَ الْخُلْطَةِ فِي الثِّمَارِ، وَالزَّرْعِ وَالنَّاضِّ، وَلَيْسَ هَذَا التَّخْصِيصُ مَوْجُودًا فِي الْخَبَرِ فَإِنْ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِعَقِبِ ذِكْرِهِ حُكْمَ الْمَاشِيَةِ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ فَإِنْ كَانَ هَذَا حُجَّةً لَكُمْ فَاقْتَصِرُوا بِحُكْمِ الْخُلْطَةِ عَلَى الْغَنَمِ فَقَطْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إلَّا بِعَقِبِ ذِكْرِ زَكَاةِ الْغَنَمِ؛ وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الْإِبِلَ، وَالْبَقَرَ، عَلَى الْغَنَمِ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَهَلَّا قِسْتُمْ الْخُلْطَةَ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى الْخُلْطَةِ فِي الْغَنَمِ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَالِكًا اسْتَعْمَلَ إحَالَةَ الزَّكَاةِ بِالْخُلْطَةِ فِي النِّصَابِ [فَزَائِدًا] وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي عُمُومِ الْخُلْطَةِ كَمَا فَعَلَ الشَّافِعِيُّ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ؛ وَإِنْ كَانَ فَرَّ عَنْ إحَالَةِ النَّصِّ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ -: فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ فِيمَا فَوْقَ النِّصَابِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِحَالَتَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؛ وَهُمْ هُنَا قَدْ خَالَفُوا خَمْسَةً مِنْ التَّابِعِينَ، لَا يُعْلَمُ لَهُمْ - مِنْ طَبَقَتِهِمْ وَلَا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ - مُخَالِفٌ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُنْكَرٍ؛ لَكِنْ أَوْرَدْنَاهُ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَهُمْ، وَاحْتِجَاجَهُمْ بِشَيْءٍ لَا يَرَوْنَهُ حُجَّةً إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ حَكِيمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا؛ لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ» قَالُوا: فَمَنْ أَخَذَ الْغَنَمَ مِنْ أَرْبَعِينَ نَاقَةً لِثَمَانِيَةِ شُرَكَاءَ؛ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ، فَقَدْ فَرَّقَهَا عَنْ حِسَابِهَا، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِلْكَ وَاحِدٍ مِنْ مِلْكِ جَمَاعَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ: إنَّ كُلَّ هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ حُجَّةٌ فَخُذُوا بِمَا فِيهِ، مِنْ أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَشَطْرُ إبِلِهِ زِيَادَةٌ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا مَنْسُوخٌ؟ قُلْنَا لَكُمْ: هَذِهِ دَعْوَى بِلَا حُجَّةٍ، لَا يَعْجِزُ عَنْ مِثْلِهَا خُصُومُكُمْ، فَيَقُولُوا لَكُمْ وَاَلَّذِي تَعَلَّقْتُمْ بِهِ مِنْهُ مَنْسُوخٌ وَإِنْ كَانَ الْمِشْغَبُ بِهِ مَالِكِيًّا؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ مُكَاتِبًا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَإِنْ قَالُوا: هَذَا قَدْ خَصَّتْهُ أَخْبَارٌ أُخَرُ؟ قُلْنَا: وَهَذَا نَصٌّ قَدْ خَصَّتْهُ أَخْبَارٌ أُخَرُ، وَهِيَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي أَرْبَعٍ مِنْ الْإِبِلِ فَأَقَلَّ،

وَأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. ثُمَّ نَقُولُ؛ هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ. لِأَنَّ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ غَيْرُ مَشْهُورِ الْعَدَالَةِ، وَوَالِدُهُ حَكِيمٌ كَذَلِكَ. فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْمُخْتَلِطَيْنِ حُكْمُ الْوَاحِدِ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ مَالُ إنْسَانٍ إلَى مَالِ غَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا أَنْ يُزَكَّى مَالُ زَيْدٍ بِحُكْمِ مَالِ عَمْرٍو؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ بِلَا شَكٍّ فِيمَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ الْإِبِلِ؛ لِمُخَالَفَةِ جَمِيعِ الْأَخْبَارِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا؛ لِمَا خَالَفَ هَذَا الْعَمَلَ لِإِجْمَاعِهِمْ وَإِجْمَاعِ الْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الْإِبِلِ حِقَّةً لَا بِنْتَ لَبُونٍ؛ وَلِسَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَأَيْضًا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا الْإِبِلُ فَقَطْ؛ نَقَلَهُمْ حُكْمُ الْخُلْطَةِ إلَى الْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ: قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَقْلُ هَذَا الْحُكْمِ عَنْ الْإِبِلِ إلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِأَوْلَى مِنْ نَقْلِهِ إلَى الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْعَيْنِ. وَكُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا تَنَاقُضٌ طَرِيفٌ؛ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرِيكَيْنِ فِي ثَمَانِينَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا: إنَّ عَلَيْهِمَا شَاتَيْنِ بَيْنَهُمَا؛ وَأَصَابَ فِي هَذَا. ثُمَّ قَالَ فِي ثَمَانِينَ شَاةً لِرَجُلٍ وَاحِدٍ نِصْفُهَا وَنِصْفُهَا الثَّانِي لِأَرْبَعَيْنِ رَجُلًا: إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا، لَا عَلَى الَّذِي يَمْلِكُ نِصْفَهَا، وَلَا عَلَى الْآخَرِينَ؛ وَاحْتَجَّ فِي إسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ عَنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّ تِلْكَ الَّتِي بَيْنَ اثْنَيْنِ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا وَهَذِهِ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا؟ فَجَمَعَ كَلَامُهُ هَذَا: أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ مِنْ فَاحِشِ الْخَطَأِ؟ أَحَدُهَا - إسْقَاطُهُ الزَّكَاةَ عَنْ مَالِكِ أَرْبَعِينَ شَاةً هَاهُنَا؟ وَالثَّانِي - إيجَابُهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَالِكِ أَرْبَعِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى؛ فَفَرَّقَ بِلَا دَلِيلٍ

زكاة الفضة

وَالثَّالِثُ - احْتِجَاجُهُ فِي إسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ هُنَا بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُمْكِنُ هُنَالِكَ: وَلَا تُمْكِنُ هَاهُنَا؛ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا؟ وَمَا نَدْرِي لِلْقِسْمَةِ وَإِمْكَانِهَا. أَوْ تَعَذُّرِ إمْكَانِهَا مَدْخَلًا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ؟ وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ قَدْ قَالَ الْبَاطِلَ؛ بَلْ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ هُنَالِكَ مُمْكِنَةً فَهِيَ هَاهُنَا مُمْكِنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ هَاهُنَا مُتَعَذِّرَةً فَهِيَ هُنَالِكَ مُتَعَذِّرَةٌ؛ فَاعْجَبُوا لِقَوْمٍ هَذَا مِقْدَارُ فَهْمِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ الزَّكَاةَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي الْمَاشِيَةِ إذَا مَلَكَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ، وَتُوجِبُونَهَا عَلَى الشَّرِيكَيْنِ فِي الرَّقِيقِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَتَقُولُونَ فِيمَنْ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ مَعَ آخَرَ وَنِصْفُ عَبْدٍ آخَرَ مَعَ آخَرَ، فَأَعْتَقَ النِّصْفَيْنِ -: إنَّهُ لَا يُجْزِئَانِهِ عَنْ رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ؛ وَمَنْ لَهُ نِصْفُ شَاةٍ مَعَ إنْسَانٍ، وَنِصْفُ شَاةٍ أُخْرَى مَعَ آخَرَ فَذَبَحَهُمَا -: إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ فَكَيْفَ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» فَقُلْنَا بِعُمُومِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» فَقُلْنَا بِذَلِكَ، وَأَوْجَبَ رَقَبَةً وَهَدْيَ شَاةٍ وَلَا يُسَمَّى نِصْفَا عَبْدَيْنِ: رَقَبَةً؛ وَلَا نِصْفَا شَاةٍ: شَاةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [زَكَاةُ الْفِضَّةِ] [مَسْأَلَةٌ لَا زَكَاةَ فِي الْفِضَّةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقِيَ] [زَكَاةُ الْفِضَّةِ] 682 - مَسْأَلَةٌ: لَا زَكَاةَ فِي الْفِضَّةِ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ مَصُوغَةً أَوْ نِقَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقِيَ فِضَّةٍ مَحْضَةٍ؛ لَا يُعَدُّ فِي هَذَا الْوَزْنِ شَيْءٌ يُخَالِطُهَا مِنْ غَيْرِهَا فَإِذَا أَتَمَّتْ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً مُتَّصِلَةً فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ مَكَّةَ، وَالْخَمْسُ أَوَاقِي هِيَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِوَزْنِ مَكَّةَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ زَكَاةِ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى

مَا ذَكَرْنَا وَأَتَمَّتْ بِزِيَادَتِهَا سَنَةً قَمَرِيَّةً فَفِيمَا زَادَ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - رُبْعُ عُشْرِهَا، وَهَكَذَا كُلُّ سَنَةٍ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ وَزْنِ الْأَوَاقِي الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ فَلْسٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا؟ وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَلْطٌ؛ فَإِنْ غَيَّرَ الْخَلْطُ شَيْئًا مِنْ لَوْنِ الْفِضَّةِ أَوْ مَحَكِّهَا أَوْ رَزَانَتِهَا أُسْقِطَ ذَلِكَ الْخَلْطُ فَلَمْ يُعَدَّ؛ فَإِنْ بَقِيَ فِي الْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ خَمْسُ أَوَاقِيَ زُكِّيَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ الْخَلْطُ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْفِضَّةِ زُكِّيَتْ بِوَزْنِهَا؟ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ؛ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَ مَالِكٌ: إنْ نَقَصَتْ الْمِائَتَا دِرْهَمٍ نُقْصَانًا تَجُوزُ بِهِ جَوَازَ الْوَزْنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ؟ وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: إنْ نَقَصَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ؟ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيِّ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي نُقْصَانِ الْوَزْنِ كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا، وَاضْطَرَبَ فِي الْخَلْطِ يَكُونُ فِيهَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ فِي الدَّرَاهِمِ خَلْطٌ زُكِّيَتْ بِوَزْنِهَا كُلِّهَا؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، كَمَا قُلْنَا؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُسَدَّدُ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا مَالِكٌ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ

مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيٌّ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَنْ يَجِبَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا نَقَصَتْ - مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا خَلْطٌ يَبْلُغُ أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَسَقَطَ كُلُّ قَوْلٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ؟ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْخَلْطُ شَيْئًا مِنْ حُدُودِ الْفِضَّةِ وَصِفَاتِهَا فَهُوَ فِضَّةٌ، كَالْخَلْطِ يَكُونُ فِي الْمَاءِ لَا يُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يُغَيِّرْ مَا صَارَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُوسٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ؟ وَحَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ؛ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ.

وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِالْحِسَابِ؟ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَوَكِيعٍ. وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ الْمِنْهَالِ بْنِ الْجَرَّاحِ - وَهُوَ كَذَّابٌ - عَنْ حَبِيبِ بْنِ نَجِيحٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ - حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ - أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا، إذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَا يَأْخُذُ مِمَّا زَادَ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ - وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ بِإِجْمَاعٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ - وَهُوَ سَاقِطٌ مَطْرُوحٌ بِإِجْمَاعٍ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ، فَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْإِبِلُ وَالشَّاءُ فَلَا، وَلَكِنْ هَاتُوا رُبْعَ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا

نِصْفُ دِينَارٍ؛ وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامُ قَالَ: ثنا عَبَّاسٌ ثنا ابْنُ أَيْمَنَ أَنَا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ الْمِصْرِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ «عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي الصَّدَقَةِ نُسْخَةَ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا فَذَكَرَ صَدَقَةَ الْإِبِلِ، فَقَالَ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً» ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ فِي الْوَرِقِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ فِي أَرْبَعِينَ زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ» . وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ ثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعْت «الزُّهْرِيَّ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَةِ، وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي نَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ أُمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا، فَذَكَرَ فِيهَا صَدَقَةَ الْإِبِلِ، وَفِيهَا فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ

وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَابْنَةُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً؛ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ -: أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ فِيهَا أُخِذَتْ» وَذَكَرَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَيْسَ فِي الرِّقَةِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ". ثُمَّ قَالَ: " فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ؛ وَلَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ فَإِذَا بَلَغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَبْلُغُ صَرْفُهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا فَفِيهَا دِينَارٌ، ثُمَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ فَفِي كُلِّ صَرْفِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» . هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ، قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَقَصَّوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ؟ وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّتْ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ بِإِجْمَاعٍ؛ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَ الْمِائَتَيْنِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ، فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ بِاخْتِلَافٍ؟ وَقَالُوا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: لَمَّا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَهَا نِصَابٌ لَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَكَانَتْ الزَّكَاةُ تَتَكَرَّرُ فِيهَا كُلَّ عَامٍ -: أَشْبَهَتْ الْمَوَاشِيَ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَوْقَاصٌ كَمَا

فِي الْمَوَاشِي وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَاسَ عَلَى الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ هُنَالِكَ مَرَّةٌ فِي الدَّهْرِ لَا تَتَكَرَّرُ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ؟ هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ نَظَرٍ وَقِيَاسٍ؟ وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَسَاقِطٌ مُطْرَحٌ؛ لِأَنَّهُ عَنْ كَذَّابٍ وَاضِعٍ لِلْأَحَادِيثِ، عَنْ مَجْهُولٍ -: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ فَصَحِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ؛ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ، وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» زَائِدًا عَلَى هَذَا الْخَبَرِ، وَالزِّيَادَةُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا فَقَطْ؛ وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيمَا بَيْنَ الْمِائَتَيْنِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ -: وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَسَاقِطٌ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ؛ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ، وَفِي الْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ الْمُتَّخَذِينَ لِلتِّجَارَةِ، وَفِي هَذَا الْخَبَرِ سُقُوطُ الزَّكَاةِ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ جُمْلَةً، فَمَنْ أَقْبَحُ سِيرَةً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا يَدَّعِي؛ وَهُوَ يُخَالِفُهُ فِي نَصِّ مَا فِيهِ؟ وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» زَائِدًا، وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا؟ -: وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ فَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ؛ وَاَلَّذِي فِيهِ مِنْ حُكْمِ زَكَاةِ الْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ فَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ الزُّهْرِيِّ، كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ؟ وَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ تَرْكُهُمْ مَا فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ نَصًّا مِنْ صِفَةِ

زَكَاةِ الْإِبِلِ. وَاحْتِجَاجُهُمْ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا وَخَالَفُوا الزُّهْرِيَّ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ زَكَاةِ الذَّهَبِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّيَانَةِ وَبِالْحَقَائِقِ وَبِالْعُقُولِ -: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ - الَّذِي خَتَمْنَا بِهِ - فَصَحِيحٌ مُسْنَدٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ» وَهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ، وَاَلَّتِي لِلتِّجَارَةِ، وَفِي الرَّقِيقِ الَّذِي لِلتِّجَارَةِ. وَمِنْ الشَّنَاعَةِ احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثٍ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فِي نَصِّ مَا فِيهِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَا يَقُولُونَ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا أَنَّ نَصَّهُ «هَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» . وَنَعَمْ، هَكَذَا هُوَ؛ لِأَنَّ فِي الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعِينَ مُكَرَّرَةً خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا [زَائِدًا] دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ زَائِدَةً عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: وَأَيْضًا فَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا ثُمَّ خَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْخَبَرِ. كَمَا ادَّعَوْا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ - كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَالزَّكَاةُ فِيهِ بِحِسَابِ الْمِائَتَيْنِ، فَلَوْ كَانَ فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَمَّا بَيْنَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ لَكَانَ قَوْلُ عَلِيٍّ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمَا مُسْقِطًا لِمَا رَوَى مِنْ ذَلِكَ وَالْقَوْمُ مُتَلَاعِبُونَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ، وَعَادَتْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ صَحَّتْ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ بِإِجْمَاعٍ،

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ، فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِاخْتِلَافٍ -: فَإِنَّ هَذَا كَانَ يَكُونُ احْتِجَاجًا صَحِيحًا لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ فِي زَكَاةِ الْخَيْلِ وَزَكَاةِ الْبَقَرِ وَمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ وَالْحُلِيُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيَهْدِمُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مَذَاهِبِهِمْ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ زَكَاةَ الْعَيْنِ عَلَى زَكَاةِ الْمَوَاشِي بِعِلَّةِ تَكَرُّرِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ بِخِلَافِ زَكَاةِ الزَّرْعِ -: فَقِيَاسٌ فَاسِدٌ؛ بَلْ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الْعَيْنِ عَلَى الزَّرْعِ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ حَيَوَانٌ، وَالْعَيْنُ، وَالزَّرْعُ، وَالتَّمْرُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيَوَانًا، فَقِيَاسُ زَكَاةِ مَا لَيْسَ حَيًّا عَلَى زَكَاةِ مَا لَيْسَ حَيًّا أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ مَا لَيْسَ حَيًّا عَلَى حُكْمِ الْحَيِّ؟ . وَأَيْضًا - فَإِنَّ الزَّرْعَ، وَالتَّمْرَ، وَالْعَيْنَ كُلَّهَا خَارِجٌ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ الْمَاشِيَةُ كَذَلِكَ، فَقِيَاسُ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْأَرْضِ؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا وَقْصَ الْوَرِقِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَقْصٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ؟ ثُمَّ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ لَمْ يُولَدْ إلَّا لِسَنَتَيْنِ بَاقِيَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ؛ فَبَقِيَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِمِثْلِ قَوْلِنَا، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ لِذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلِّقٌ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي -: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى - ثنا ثُمَامَةُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا

زكاة الذهب

الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ عُشْرِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا» . فَأَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّدَقَةَ فِي الرَّقَبَةِ، وَهِيَ الْوَرِقُ، رُبْعُ الْعُشْرِ عُمُومًا لَمْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ؛ فَبَقِيَ مَا زَادَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ؛ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [زَكَاةُ الذَّهَبِ] [مَسْأَلَةٌ لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ] [زَكَاةُ الذَّهَبِ] 683 - مَسْأَلَةٌ: قَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ الصِّرْفِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ بِوَزْنِ مَكَّةَ، سَوَاءٌ: مَسْكُوكُهُ، وَحُلِيُّهُ، وَنِقَارُهُ وَمَصُوغُهُ، فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَأَتَمَّ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ عَامًا قَمَرِيًّا مُتَّصِلًا فَفِيهِ رُبْعُ عُشْرِهِ، وَهُوَ مِثْقَالٌ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَتَمَّ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا أُخْرَى وَبَقِيَتْ عَامًا كَامِلًا دِينَارٌ آخَرُ، وَهَكَذَا أَبَدًا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا زَائِدَةً دِينَارٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ زَائِدٌ حَتَّى تَتِمَّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا؟ فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ خُلِطَ لَمْ يُغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ رَزَانَتُهُ أَوْ حَدُّهُ سَقَطَ حُكْمُ الْخَلْطِ؛ فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ زُكِّيَ. وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ - مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا اخْتِلَافٌ نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَ جُمْهُورُ النَّاسِ: بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا لَا أَقَلَّ -: وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِمَّا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنْ

مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: اُنْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَرَى فِي الذَّهَبِ أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ وَإِنْ نَقَصَتْ؛ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلَا صَدَقَةَ فِيهَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ نَقَصَتْ نُقْصَانًا تَجُوزُ بِهِ جَوَازَ الْمُوَازَنَةِ زُكِّيَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ: إنْ كَانَ فِي الدَّنَانِيرِ الذَّهَبِ وَحُلِيِّ الذَّهَبِ خَلْطٌ زَكَّى الدَّنَانِيرَ بِوَزْنِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُزَكَّى إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الْخَلْطِ مِنْ الذَّهَبِ الْمَحْضِ، وَلَا يُزَكَّى مَا نَقَصَ عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ وَلَا بِمَا كَثُرَ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَغَيْرُهُ: الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ، فَإِنْ زَادَتْ فَلَا صَدَقَةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، فَإِذَا زَادَتْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَفِيهَا رُبْعُ عُشْرِهَا، وَهَكَذَا أَبَدًا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: مَا زَادَ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَفِيهِ رُبْعُ عُشْرِهِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا وَهَكَذَا أَبَدًا وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ: أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الذَّهَبِ بِالْقِيمَةِ، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ ثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ قَالَ:

سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَبْلُغُ صَرْفُهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَفِيهَا دِينَارٌ، ثُمَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ فَفِي صَرْفِ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ. حَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لَا يَكُونُ فِي مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ يَزِيدُهَا الْمَالُ دِرْهَمٌ، حَتَّى يَبْلُغَ الْمَالُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَالصَّرْفُ اثْنَا عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِدِينَارٍ، فِيهَا صَدَقَةٌ.؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَتْ لَوْ صُرِفَتْ بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ إنَّمَا كَانَتْ إذْ ذَلِكَ الْوَرِقَ وَلَمْ يَكُنْ ذَهَبٌ وَمِمَّنْ قَالَ -: بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ إلَّا بِقِيمَةِ مَا يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْوَرِقِ -: سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ ذَهَبٌ -: فَخَطَأٌ، كَيْفَ هَذَا؟ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] . وَالْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَوْنِ الذَّهَبِ عِنْدَهُمْ كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهَا» وَاتِّخَاذُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ رَمَى بِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ

وَإِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ بِقِيمَةِ الْفِضَّةِ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا نَظَرٍ؛ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ صَحَّ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ أَمْ لَا. فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامُ قَالَ: ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ؛ وَفِيهِ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ لَمْ يُؤَدِّ مَا فِيهَا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَوُضِعَتْ عَلَى جَنْبِهِ وَظَهْرِهِ وَجَبْهَتِهِ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ» . فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، فَوَجَبَ طَلَبُ الْوَاجِبِ فِي الذَّهَبِ الَّذِي مَنْ لَمْ يُؤَدِّهِ عُذِّبَ هَذَا الْعَذَابَ الْفَظِيعَ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، بَعْدَ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَقْطُوعِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ كُلَّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا كُلَّ وَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي عَدَدٍ مَعْدُودٍ، وَفِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ، فَوَجَبَ فَرْضًا طَلَبُ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَذَلِكَ الْوَقْتِ؟ فَوَجَدْنَا مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ عِشْرِينَ دِينَارًا احْتَجَّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَآخَرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ - «وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ - يَعْنِي فِي الذَّهَبِ - لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ» . قَالَ: لَا أَدْرِي، أَعَلِيٌّ يَقُولُ " بِحِسَابِ ذَلِكَ، " أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هُرْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّ الذَّهَبَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهِ نِصْفُ دِينَارٍ» . وَذُكِرَ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا الزَّكَاةَ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا عَمَّنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَلَّانِي عُمَرُ الصَّدَقَاتِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَفِيهِ دِرْهَمٌ؟

وَمِنْ طَرِيقِ - وَكِيعٍ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ، وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ، وَفِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ لِامْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ طَوْقٌ فِيهِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا فَأَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجَ عَنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا نِصْفُ مِثْقَالٍ؛ وَفِي أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا مِثْقَالٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ: ثنا هُشَيْمٌ، وَالْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا مَنْصُورٌ، وَمُغِيرَةُ، قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ؛ قَالُوا كُلُّهُمْ: فِي عِشْرِينَ دِينَارًا، وَفِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي عِشْرِينَ دِينَارًا زَكَاةً حَتَّى تَكُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، فَيَكُونُ فِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَذَكَرْنَا رُجُوعَ عَطَاءٍ عَنْ ذَلِكَ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا كُلُّ مَا ذَكَرُوا فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ صَحَّ لَمَا اسْتَحْلَلْنَا خِلَافَهُ؛ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؟ أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ - الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ - فَإِنَّ ابْنَ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَرَنَ فِيهِ بَيْنَ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَبَيْنَ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ، وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْحَارِثَ أَسْنَدَهُ وَعَاصِمٌ لَمْ يُسْنِدْهُ، فَجَمَعَهُمَا جَرِيرٌ، وَأَدْخَلَ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَمَعْمَرُ، فَأَوْقَفُوهُ عَلَى عَلِيٍّ، وَهَكَذَا كُلُّ ثِقَةٍ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ. وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ الْحَارِثِ، وَعَاصِمٍ: زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَشَكَّ فِيهِ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَعَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ صَدَقَةَ الْوَرِقِ، «إذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ» . وَقَالَ فِي الْبَقَرِ: «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ» . وَقَالَ فِي الْإِبِلِ، «فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسٌ مِنْ الْغَنَمِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً

فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» . قَالَ زُهَيْرٌ: وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ: «إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا ابْنُ لَبُونٍ فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَانِ» . قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَدِيثُ مَالِكٍ؛ وَلَوْ أَنَّ جَرِيرًا أَسْنَدَهُ عَنْ عَاصِمٍ وَحْدَهُ لَأَخَذْنَا بِهِ؛ لَكِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَّا عَنْ الْحَارِثِ مَعَهُ، وَلَمْ يَصِحَّ لَنَا إسْنَادُهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، ثُمَّ لَمَّا شَكَّ زُهَيْرٌ فِيهِ بَطَلَ إسْنَادُهُ. ثُمَّ يَلْزَمُ مَنْ صَحَّحَهُ أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَنَا طَائِفَةٌ إلَّا وَهِيَ تُخَالِفُ مَا فِيهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَا فِي الْخَبَرِ حُجَّةً وَبَعْضُهُ غَيْرَ حُجَّةٍ؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ أَمَّا خَبَرُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَالْحَسَنُ مُطْرَحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَصَحِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ. فَإِنْ لَجُّوا عَلَى عَادَاتِهِمْ وَصَحَّحُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا وَافَقَهُمْ فَلْيَسْتَمِعُوا؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنَّهُ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ» .

وَعَنْ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى اُسْتُحْلِفَ عُمَرُ، فَقَامَ خَطِيبًا فَفَرَضَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ الدِّيَةِ» . وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، ثَلَاثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ - يَعْنِي فِي الدِّيَةِ - وَمَنْ كَانَتْ دِيَتُهُ فِي الشَّاءِ فَأَلْفَا شَاةٍ» ؟ وَكُلُّ هَذَا فَجَمِيعُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ: مُخَالِفُونَ لِأَكْثَرِهِ، وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَزِيدَ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَأَمْكَنَ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ؟ وَلَا أَرَقُّ دِينًا مِمَّنْ يُوَثِّقُ رِوَايَةً إذَا وَافَقَتْ هَوَاهُ، وَيُوهِنُهَا إذَا خَالَفَتْ هَوَاهُ فَمَا يَتَمَسَّكُ فَاعِلُ هَذَا مِنْ الدِّينِ إلَّا بِالتَّلَاعُبِ وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلٌ وَعَنْ مَجْهُولٍ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ مَجْهُولٌ. فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا؛ وَكُلُّهُمْ يُخَالِفُونَهُ؟ -: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ سُفْيَانُ،

وَمَعْمَرُ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: بَعَثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْأَبِلَةِ فَأَخْرَجَ إلَيَّ كِتَابًا مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمًا ". فَهَذَا أَنَسٌ، وَعُمَرُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يُمْكِنُ؛ فَإِنْ تَأَوَّلُوا فِيهِ تَأْوِيلًا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ فَمَا هُمْ بِأَقْوَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَحْتَجُّونَ بِهِ، وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ فِي الْعِشْرِينَ دِينَارًا بِنِصْفِ دِينَارٍ كَمَا أَمَرَ فِي الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ -: إذَا طَابَتْ نَفْسُ مَالِكِ كُلِّ ذَلِكَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ؛ وَلَا يَأْخُذُ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ، وَلَا الشَّافِعِيُّونَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةً فِي بَعْضِ حُكْمِهِ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي بَعْضِهِ، وَالْمُسَامَحَةُ فِي الدِّينِ هَلَاكٌ وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً قَدْ ذَكَرْنَاهَا -: مِنْهَا: فِي كُلِّ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسًا مِنْ الْغَنَمِ، وَكُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِهَذَا. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عَلِيٍّ حُجَّةً فِي مَكَان غَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَرَ؟ فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ آثَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ثُمَّ حَتَّى لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: إنْ كَانَتْ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ فَفِيهَا الصَّدَقَةُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ تُبْطِلُ الزَّكَاةَ عَنْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ وَهُمْ يُوجِبُونَهَا فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ فَصَارَتْ كُلُّهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَعَادَ مَا صَحَّحُوا مِنْ ذَلِكَ قَاطِعًا بِهِمْ أَقْبَحَ قَطْعٍ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ وَالْمَالِكِيُّونَ: يُوجِبُونَهَا فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نَاقِصَةً إذَا جَازَتْ جَوَازَ الْمُوَازَنَةِ، وَهَذَا

خِلَافُ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا؟ وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا، وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ: أَنَّهُ لَا يُزَكَّى مِنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا أَرْبَعِينَ دِينَارًا، لَا أَقَلَّ؛ ثُمَّ كَذَلِكَ إذَا زَادَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَرَأَوْا الزَّكَاةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَهَا الْقِيمَةُ؛ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ قَوْلًا لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا دَلِيلٌ أَصْلًا؛ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَقَدْ حَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا شَيْءٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّتْ الزَّكَاةُ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ زَائِدَةً -: بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا فِيمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ -: قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ الشَّرَائِعُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَلَيْسَ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ، أَوْ قَوْلُ مَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ أَنَّ فِي الذَّهَبِ زَكَاةً بِالنَّصِّ الثَّابِتِ؛ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُزَكَّى كُلُّ ذَهَبٍ، إلَّا ذَهَبًا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى إسْقَاطِ زَكَاتِهَا فَمَنْ قَالَ هَذَا: فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ كُلَّ مَا دُونَ الْعِشْرِينَ بِالْقِيمَةِ، وَأَنْ يُزَكِّيَ حُلِيَّ الذَّهَبِ، وَأَنْ يُزَكِّيَ كُلَّ ذَهَبٍ حِينَ يَمْلِكُهُ مَالِكُهُ - فَكُلُّ هَذَا قَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَجَلُّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ نَقُلْ بِهَذَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا إلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلٌ إلَّا بِيَقِينِ نَقْلٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ أَوْ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ أَوْ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ مَوْجُودًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ؟ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الدَّهْرِ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ؛ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا تَعَلَّقَ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ

دِينَارًا فَإِنَّهُ يُزَكَّى بِالدَّرَاهِمِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: تَزْكِيَةُ الذَّهَبِ بِالدَّرَاهِمِ، وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ الْوَقْصَ فِي الذَّهَبِ يُزَكَّى بِالذَّهَبِ فَخَرَجَ قَوْلُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَلَفٌ؟ وَنَسْأَلُهُمْ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ جَعَلْتُمْ الْوَقْصَ فِي الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ؟ وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي احْتَجَجْتُمْ بِهَا؛ بَلْ الْأَثَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُزَكَّى بِالْحِسَابِ؛ وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ لَا يَصِحُّ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمْ تَزْكِيَتَهُ بِالذَّهَبِ وَرَآهُ هُوَ بِالْوَرِقِ بِالْقِيمَةِ، وَقَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ بِرِوَايَةٍ أَصَحَّ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ؟ فَلَا مَلْجَأَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْفِضَّةِ؟ قَوْلُ عَلِيٍّ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ قِيَاسًا لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ وَعَلَى أَصْلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ - وَلَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ مِنْ أَنَّ كُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِإِزَاءِ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قَالُوهُ فِي الزَّكَاةِ، وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَالدِّيَةِ، وَالصَّدَاقِ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَطَأٌ مِنْهُمْ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ صَحِيحًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَنُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ إذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ لَا يُزَكَّى الذَّهَبُ إلَّا حَتَّى يُتِمَّ عِنْدَ مَالِكِهِ حَوْلًا كَمَا قَدَّمْنَا؟ ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا أَنَّ حَدِيثَ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ وَأَنَّ

مسألة الزكاة في حلي الذهب والفضة

الِاعْتِلَالَ فِيهِ بِأَنَّ عَاصِمَ بْنَ ضَمْرَةَ، أَوْ أَبَا إِسْحَاقَ، أَوْ جَرِيرًا خَلَطَ إسْنَادَ الْحَارِثِ بِإِرْسَالِ عَاصِمٍ -: هُوَ الظَّنُّ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ، وَمَا عَلَيْنَا مِنْ مُشَارَكَةِ الْحَارِثِ لِعَاصِمٍ، وَلَا لِإِرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَهُ؛ وَلَا لِشَكِّ زُهَيْرٍ فِيهِ شَيْءٌ وَجَرِيرٌ ثِقَةٌ؛ فَالْأَخْذُ بِمَا أَسْنَدَهُ لَازِمٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] 684 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي حُلِيِّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ إذَا بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِقْدَارَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَأَتَمَّ عِنْدَ مَالِكِهِ عَامًا قَمَرِيًّا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَلَا قِيمَتُهُمَا فِي عَرْضٍ أَصْلًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حُلِيَّ امْرَأَةٍ أَوْ حُلِيَّ رَجُلٍ، وَكَذَلِكَ حِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَالْخَاتَمِ وَكُلِّ مَصُوغِ مِنْهُمَا حَلَّ اتِّخَاذُهُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْحُلِيُّ لِامْرَأَةٍ تَلْبَسُهُ أَوْ تُكْرِيهِ أَوْ كَانَ لِرَجُلٍ يَعُدُّهُ لِنِسَائِهِ فَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ يَعُدُّهُ لِنَفْسِهِ عِدَّةً فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ، وَالْمِنْطَقَةِ، الْمُصْحَفِ، وَالْخَاتَمِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا زَكَاةَ فِي حُلِيِّ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ؟ وَجَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي حُلِيِّ امْرَأَتِهِ. وَهُوَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: لِي حُلِيٌّ؟ فَقَالَ لَهَا: إذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ؟ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: مُرْ نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ -:

وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَأْمُرُ بِالزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ كُلَّ عَامٍ؟ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إذَا أُعْطِيت زَكَاتُهُ؟ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَذَرٍّ الْهَمْدَانِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ، وَاسْتَحَبَّهُ الْحَسَنُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: مَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ يُلْبَسُ وَيُعَارُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ اُتُّخِذَ لِيُحْرَزَ مِنْ الزَّكَاةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ؟ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؛ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَنْهُمَا صَحِيحٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ؛ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَمَرَّةً رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ، وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُنَا قَوْلُ أَنَسٍ: إنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ لَا تَعُودُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: أَنَّ حِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْكُنُوزِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ: لَا زَكَاةَ فِي قَدَحٍ مُفَضَّضٍ وَلَا فِي مِنْطَقَةٍ مُحَلَّاةٍ وَلَا

فِي سَيْفٍ مُحَلًّى. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَمَا عِلْمنَا ذَلِكَ التَّقْسِيمَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا تَقُومُ عَلَى صِحَّتِهِ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا سَقَطَتْ عَنْ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُنَّ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْمِنْطَقَةِ، وَالسَّيْفِ، وَحِلْيَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْخَاتَمِ لِلرِّجَالِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ عَجَبًا وَلَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ وَنِقَارَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ -: مُبَاحٌ اتِّخَاذُ كُلِّ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تَسْقُطَ الزَّكَاةُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ، إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ صَحِيحَةً وَيَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ مَنْ اتَّخَذَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ - مِمَّا لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهُ - أَنْ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ عُقُوبَةً لَهُ، كَمَا أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا اُتُّخِذَ مِنْهُ حُلِيٌّ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ يُشْبِهُ مَتَاعَ الْبَيْتِ الَّذِي لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَأَسْقِطُوا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا - إنْ صَحَّحْتُمُوهَا - الزَّكَاةَ عَنْ الْإِبِلِ الْمُتَّخَذَةِ لِلرُّكُوبِ وَالسَّنِيِّ وَالْحَمْلِ وَالطَّحْنِ، وَعَنْ الْبَقَرِ الْمُتَّخَذَةِ لِلْحَرْثِ؟ وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدُ، فَمَعَ فَسَادِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَتَنَاقُضِهَا، مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِهَا؟ وَمِنْ أَيْنَ صَحَّ لَكُمْ أَنَّ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْ الْحُلِيِّ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ؟ وَمَا هُوَ إلَّا قَوْلُكُمْ جَعَلْتُمُوهُ حُجَّةً لِقَوْلِكُمْ وَلَا مَزِيدَ ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ إبَاحَةَ اتِّخَاذِ الْمِنْطَقَةِ الْمُحَلَّاةِ بِالْفِضَّةِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ دُونَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ، وَالْمَهَامِيزِ الْمُحَلَّاةِ بِالْفِضَّةِ؟ فَإِنْ ادَّعَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ السَّلَفِ ادَّعَوْا مَا لَا يَجِدُونَهُ وَأَوْجَدْنَاهُمْ عَنْ السَّلَفِ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ فِي تَارِيخِهِ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَصُهَيْبٍ خَوَاتِيمَ ذَهَبٍ؟ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. فَأَسْقِطُوا لِهَذَا الزَّكَاةَ عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ؛ أَوْ قِيسُوا حِلْيَةَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ عَلَى الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ؛ وَإِلَّا فَلَا النُّصُوصَ اتَّبَعْتُمْ، وَلَا الْقِيَاسَ اسْتَعْمَلْتُمْ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ؟ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ فَفَاسِدٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو حُلِيُّ النِّسَاءِ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَفِي كُلِّ حَالٍّ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَمَا عَلِمْنَا عَلَى مَنْ اتَّخَذَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لِيُحْرِزَهُ مِنْ الزَّكَاةِ زَكَاةً وَلَوْ كَانَ هَذَا لَوَجَبَ عَلَى مَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ دَارًا أَوْ ضَيْعَةً لِيُحْرِزَهَا مِنْ الزَّكَاةِ أَنْ يُزَكِّيَهَا، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهَذَا؟ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالنَّمَاءِ. فَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْ الْحُلِيِّ وَعَنْ الْإِبِلِ؛ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ غَيْرِ السَّوَائِمِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا نَظَرٌ صَحِيحٌ؛ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الثِّمَارَ وَالْخُضَرَ تَنْمِي، وَهُوَ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا وَكِرَاءُ الْإِبِلِ، وَعَمَلُ الْبَقَرِ يَنْمِي، وَهُوَ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا وَالدَّرَاهِمُ لَا تَنْمِي إذَا بَقِيَتْ عِنْدَ مَالِكِهَا، وَهُوَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا، وَالْحُلِيُّ يَنْمِي كِرَاؤُهُ وَقِيمَتُهُ، وَهُوَ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِيهِ؟ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - فَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْ الْمُسْتَعْمَلَةِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ قَبْلَ أَنْ يُتَّخَذَ حُلِيًّا كَانَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ: قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا حَقُّ الزَّكَاةِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَسْقُطْ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِاخْتِلَافٍ؟ فَقُلْنَا: هَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ؛ إلَّا أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَكُمْ فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ؛ لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تُعْلَفَ، فَلَمَّا عُلِفَتْ اخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ أَوْ تَمَادِيهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِاخْتِلَافٍ؟ وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: وَجَدْنَا الْمَعْلُوفَةَ نُنْفِقُ عَلَيْهَا وَنَأْخُذُ مِنْهَا، وَوَجَدْنَا السَّوَائِمَ نَأْخُذُ مِنْهَا وَلَا نُنْفِقُ عَلَيْهَا؛ وَالْحُلِيُّ يُؤْخَذُ كِرَاؤُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ، فَكَانَ أَشْبَهَ بِالسَّوَائِمِ مِنْهُ بِالْمَعْلُوفَةِ؟ فَقِيلَ لَهُ: وَالسَّائِمَةُ أَيْضًا يُنْفَقُ عَلَيْهَا أَجْرُ الرَّاعِي. وَهَذِهِ كُلُّهَا أَهْوَاسٌ وَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالضَّلَالِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ، لَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهَا، إلَّا أَنَّنَا نُنَبِّهُ عَلَيْهَا تَبْكِيتًا لِلْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِمِثْلِهَا وَبِمَا هُوَ دُونَهَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَهِيَ -: خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي يَدِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا: أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ فَأَلْقَتْهُمَا، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» .

وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَلَمْ يَرْوِهِ هَاهُنَا حُجَّةً؟ -: وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَتَّابٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا لِي مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ قَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» .

وَعَتَّابٌ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ، وَسَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَهَذَا خَيْرٌ مِنْهُ؟ -: وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ - أَخْبَرَهُ [عَنْ] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى فِي يَدِي سِخَابًا مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ: أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُ؟ قُلْت: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَ: هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ضَعِيفٌ، وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَتِهِ، إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ. وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: أَنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقٍ لَا خَيْرَ فِيهَا أَنَّهُ خَالَفَ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ الْخَبَرِ الثَّابِتِ إلَّا بِهَذَا، ثُمَّ أَخَذْتُمْ بِرَاوِيَةِ عَائِشَةَ هَذِهِ الَّتِي لَا تَصِحُّ؛ وَهِيَ قَدْ خَالَفَتْهُ مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ، فَمَا هَذَا التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْهَا الْأَخْذُ بِمَا رَوَتْ مِنْ هَذَا؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَخْذُ بِمَا رَوَى فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَى زَكَاةَ الْحُلِيِّ كَمَا أَوْرَدْتُمْ غَيْرُ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. قُلْنَا لَهُمْ: وَقَدْ رَوَى غَسْلَ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ؛ وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ لَهُمْ مِنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذِهِ الْآثَارُ لَمَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ؛

وَلَكِنْ لِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» وَكَانَ الْحُلِيُّ وَرِقًا وَجَبَ فِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ، لِعُمُومِ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ؟ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ لَا يُؤَدِّي مَا فِيهَا إلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا» فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَهَبٍ بِهَذَا النَّصِّ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ عَمَّنْ لَا بَيَانَ فِي هَذَا النَّصِّ بِإِيجَابِهَا فِيهِ؛ وَهُوَ الْعَدَدُ وَالْوَقْتُ، لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا - بِلَا خِلَافٍ مِنْهَا أَصْلًا - عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ وَجَبَ أَنْ لَا يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا صَحَّ عَنْهُ بِنَقْلِ آحَادٍ أَوْ بِنَقْلِ إجْمَاعٍ؛ وَلَمْ يَأْتِ إجْمَاعٌ قَطُّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ إلَّا بَعْضَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ وَصِفَاتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَخَذْتُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحُلِيِّ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ، فَلَمْ تُوجِبُوا فِيهِ الزَّكَاةَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ عُمُومًا، وَلَمْ يَخُصَّ الْحُلِيَّ مِنْهُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ فِيهِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ، فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِالنَّصِّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَخَصَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بَعْضَ الْأَعْدَادِ مِنْهُمَا وَبَعْضَ الْأَزْمَانِ، فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا إلَّا فِي عَدَدٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وَفِي زَمَانٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ إذْ قَدْ عَمَّهُمَا النَّصُّ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَصَحَّ يَقِينًا - بِلَا خِلَافٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ عَامٍ، وَالْحُلِيِّ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ " إلَّا الْحُلِيَّ " بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَالِكًا، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، قَالُوا: مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَا إذَا حَسِبَهُمَا عَلَى أَنَّ كُلَّ دِينَارٍ بِإِزَاءِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ - زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةً وَاحِدَةً، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دِينَارٌ وَمِائَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ أَبَدًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى غَلَاءِ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ رُخْصِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ؟ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا بَلَغَ قِيمَةُ مَا عِنْدَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، فَيَرَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَاحِدٌ يُسَاوِي - لِغَلَاءِ الذَّهَبِ - مِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ وَعِنْدَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ -: أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ - لَا تُسَاوِي دِينَارًا - زَكَاةً وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى؛ وَشَرِيكٌ؛ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يُضَمُّ ذَهَبٌ إلَى وَرِقٍ أَصْلًا؛ لَا بِقِيمَةٍ وَلَا عَلَى الْأَجْزَاءِ، فَمَنْ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ غَيْرُ حَبَّةٍ وَعِشْرُونَ دِينَارًا غَيْرُ حَبَّةٍ -: فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا، فَإِنْ كَمُلَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا زَكَّاهُ وَلَمْ يُزَكِّ الْآخَرَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ: وَالْفُلُوسُ قَدْ تَكُونُ أَثْمَانًا أَيْضًا، فَزَكِّهَا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ الْفَاسِدِ. وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا قَدْ يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَتَكُونُ أَثْمَانًا، فَزَكِّ الْعُرُوضَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَأَيْضًا: فَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا أَثْمَانًا لِلْأَشْيَاءِ وَجَبَ ضَمُّهُمَا فِي الزَّكَاةِ؟ فَهَذِهِ عِلَّةٌ لَمْ يُصَحِّحْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا

قِيَاسٌ يُعْقَلُ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؟ وَأَيْضًا: فَإِذْ صَحَّحْتُمُوهَا فَاجْمَعُوا بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُمَا يُؤْكَلَانِ وَتُشْرَبُ أَلْبَانُهُمَا، وَيُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْهَدْيِ نَعَمْ، وَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيّ وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَإِنْ قِيلَ: النَّصُّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا: وَالنَّصُّ فَرَّقَ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ، لَا يَخْلُو الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ جِنْسَيْنِ، فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَحَرَّمُوا بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا، وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لَا يَجُوزُ، إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ فِي الزَّكَاةِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا، لِأَنَّهُمَا قُوتَانِ حُلْوَانِ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ؟ وَأَيْضًا: فَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ أَنْ يُزَكِّيَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فَقَدْ شَاهَدْنَا الدِّينَارَ يَبْلُغُ بِالْأَنْدَلُسِ أَزْيَدَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ شَنِيعٌ جِدًّا وَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِتَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الذَّهَبُ رَخِيصًا أَوْ غَالِيًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الذَّهَبَ عَنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةَ بِالْقِيمَةِ. أَوْ تُخْرَجُ الْفِضَّةُ عَنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا ضِدُّ مَا جَمَعَ بِهِ بَيْنَهُمَا، فَمَرَّةً رَاعَى الْقِيمَةَ لَا الْأَجْزَاءَ، وَمَرَّةً رَاعَى الْأَجْزَاءَ لَا الْقِيمَةَ، فِي زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا خَطَأٌ بِيَقِينٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ أَجْمَعُ الذَّهَبَ مَعَ الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَأُخْرِجُ عَنْهُمَا أَحَدَهُمَا بِمُرَاعَاةِ الْأَجْزَاءِ؛ وَكِلَاهُمَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ؟ وَأَيْضًا: فَيَلْزَمُهُ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ تَجِبُ فِيهِمَا عِنْدَهُ الزَّكَاةُ - وَكَانَ الدِّينَارُ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ - فَإِنَّهُ إنْ أَخْرَجَ ذَهَبًا عَنْ كِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ رُبْعَ دِينَارٍ وَأَقَلَّ عَنْ زَكَاةِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ أَخْرَجَ دَرَاهِمَ عَنْ كِلَيْهِمَا - وَكَانَ

الدِّينَارُ لَا يُسَاوِي إلَّا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ - وَجَبَ أَنْ يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تَجْمَعُونَ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فِي الزَّكَاةِ، وَهُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ؟ قُلْنَا نَعَمْ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ جَاءَتْ فِيهِمَا بِاسْمٍ يَجْمَعُهُمَا، وَهُوَ لَفْظُ " الْغَنَمِ " " وَالشَّاءِ " وَلَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ يَجْمَعُهُمَا وَلَوْ لَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الضَّأْنِ إلَّا بِاسْمِ " الضَّأْنِ " وَلَا فِي الْمَاعِزِ إلَّا بِاسْمِ " الْمَاعِزِ " لَمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا، كَمَا لَمْ نَجْمَعْ بَيْنَ الْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ وَلَوْ جَاءَتْ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ وَاسْمٍ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ الْفِضَّةِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِمِائَةٍ مِنْ الْآخَرِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا حَلَالٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَالْآخَرَ حَلَالٌ لِلنِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي عَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحُجَّتُنَا فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» فَكَانَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ قَدْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ؛ وَهُمْ يُصَحِّحُونَ الْخَبَرَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي أَقَلَّ. وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ: إسْقَاطُ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إخْرَاجُ الذَّهَبِ عَنْ الْوَرِقِ، وَالْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ، فَإِنَّ مَالِكًا، وَأَبَا حَنِيفَةَ

زكاة المال المستفاد

أَجَازَاهُ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» فَمَنْ أَخْرَجَ غَيْرَ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهِ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ. {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] . {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ فَلَمْ يُزَكِّ؟ (وَأَمَّا الذَّهَبُ فَالْأُمَّةُ كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ فِي زَكَاتِهَا الذَّهَبَ) فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَوَافَقَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخْرَجَ فِضَّةً عَنْ ذَهَبٍ، أَوْ عَرْضًا عَنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيمَا عَدَاهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمًا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [زَكَاة الْمَال الْمُسْتَفَاد] [مَسْأَلَةٌ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ يُزَكَّى حِينَ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ] الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ 685 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ يُزَكَّى حِينَ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ؟ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلًا؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلَّا حَتَّى يُتِمَّ حَوْلًا إلَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يَجِبُ فِي عَدَدِ مَا عِنْدَهُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ -: فَإِنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ بَعْدَ ذَلِكَ - لَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ شَيْئًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ: فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْمُكْتَسَبَ مَعَ الْأَصْلِ، سَوَاءٌ عِنْدَهُ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْمَاشِيَةُ، وَالْأَوْلَادُ، وَغَيْرُهَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلَّا حَتَّى يُتِمَّ حَوْلًا، وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ مَا فِيهِ

الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، إلَّا الْمَاشِيَةَ؛ فَإِنَّ مَنْ اسْتَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ وِلَادَةٍ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا نِصَابًا -: زَكَّى الْجَمِيعَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وِلَادَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَكُنْ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُزَكَّى مَالٌ مُسْتَفَادٌ مَعَ نِصَابٍ كَانَ عِنْدَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَلْبَتَّةَ، إلَّا أَوْلَادَ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا فَقَطْ إذَا كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا وَإِلَّا فَلَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ فَسَادِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا؛ وَيَكْفِي مِنْ فَسَادِهَا أَنَّهَا كُلَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَكُلُّهَا دَعَاوٍ مُجَرَّدَةٌ، وَتَقَاسِيمُ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا. لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ تَلِفَتْ كُلُّهَا أَوْ أَنْفَقَهَا إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ؛ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ اكْتَسَبَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا -: فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ لِحَوْلِ الَّتِي تَلِفَتْ، فَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا وَلَا دِرْهَمٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اكْتَسَبَ وَلَوْ أَنَّهَا مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ - حَتَّى يَتِمَّ لَهَا حَوْلٌ؟ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ هَذَا الدِّرْهَمِ؟ وَمَا قَوْلُهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا فَلْسٌ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ مِنْ بَقَرٍ، أَوْ مِنْ إبِلٍ، أَوْ مِنْ غَنَمٍ؛ ثُمَّ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدَةً؛ ثُمَّ اكْتَسَبَ مِنْ جِنْسِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ مَا يُتِمُّ بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُ النِّصَابَ؟ وَهَذَا قَوْلٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ؟ وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ بَاقِيَةً فِي الدِّرْهَمِ الْبَاقِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ غَيْرَهُ؛ نَعَمْ، وَفِيمَا اكْتَسَبَ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ آخَرُ وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ بَاقِيَةٍ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَوْلِ بِمَا اكْتَسَبَ مَعَهُ؟ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ مِنْ الْفَائِدَةِ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاوِيَةُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ

وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ حَوْلٌ -: عَلِيٌّ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابٍ ذِكْرِنَا أَوْلَادَ الْمَاشِيَةِ؟ . وَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَعَمْ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ فَائِدَةٍ فَإِنَّمَا تُزَكَّى لِحَوْلِهَا، لَا لِحَوْلِ مَا عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ؟ تَفْسِيرُ ذَلِكَ: لَوْ أَنَّ امْرَأً مَلَكَ نِصَابًا - وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ - ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ - قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، إلَّا أَنَّهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ - مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا، أَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ تَمَامَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ -: فَإِنْ كَانَ مَا اكْتَسَبَ لَا يُغَيِّرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ الَّتِي مَلَكَ إلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ حُكْمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَيُزَكَّى ذَلِكَ لِحَوْلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْجَمِيعَ حَوْلًا، فَإِنْ اسْتَفَادَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ مَا يُغَيِّرُ الْفَرِيضَةَ فِيمَا عِنْدَهُ، إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْفَائِدَةَ لَوْ انْفَرَدَتْ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ - وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْوَرِقِ خَاصَّةً - عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفِي سَائِرِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ -: فَإِنَّهُ يُزَكِّي الَّذِي عِنْدَهُ وَحْدَهُ لِتَمَامِ حَوْلِهِ، وَضَمَّ حِينَئِذٍ الَّذِي اسْتَفَادَ إلَيْهِ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ - وَاسْتَأْنَفَ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا؟ مِثْلُ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً ثُمَّ اسْتَفَادَ شَاةً فَأَكْثَرَ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بَقَرَةً فَأَفَادَ بَقَرَةً فَأَكْثَرَ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَأَفَادَ وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ أَوْ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا فَأَفَادَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ، لِأَنَّ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الَّذِي زَكَّى لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ

أَنْ يُزَكَّى مَالٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا - كَمَا ذَكَرْنَا - ثُمَّ مَلَكَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ نِصَابًا أَيْضًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ مَالٍ لِحَوْلِهِ؛ فَإِنْ رَجَعَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا إلَّا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُ الْفَائِدَةِ زَكَّاهَا ثُمَّ ضَمَّ الْأَوَّلَ حِينَئِذٍ إلَى الْآخَرِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ صَارَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَعَ مَا قَدْ زَكَّاهُ مِنْ الْمَالِ الثَّانِي، فَيَكُونُ يُزَكِّي الثَّانِي مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ؛ وَيَسْتَأْنِفُ بِالْجَمِيعِ حَوْلًا؟ فَإِنْ رَجَعَ الْمَالُ الثَّانِي إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبَقِيَ الْأَوَّلُ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ إذَا حَالَ حَوْلُهُ، ثُمَّ يَضُمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فَيَسْتَأْنِفُ بِهِمَا حَوْلًا؟ فَلَوْ خَلَطَهُمَا فَلَمْ يَتَمَيَّزَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ عَدَدٍ مِنْهُمَا لِحَوْلِهِ، وَيَجْعَلُ مَا أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ نُقْصَانًا مِنْ الْمَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقِنُ بِالنَّقْصِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ الثَّانِي، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَقِينَ عِنْدَهُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَقَصَ؛ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ كِلَاهُمَا إلَى مَا يُوقِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ نَقَصَ - وَلَا بُدَّ - عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ وَذَلِكَ مِثْلُ: أَنْ يُرْجِعَ الْغَنَمَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ بِشَاتَيْنِ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ الْبَقَرَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ، وَالذَّهَبَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ دِينَارًا، وَالْإِبِلَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ، وَالْفِضَّتَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ فَإِذَا رَجَعَ الْمَالَانِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّ النَّقْصَ دَخَلَ فِي كِلَيْهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي أَحَدِهِمَا، إلَّا أَنَّهُ بِلَا شَكٍّ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالشَّكِّ فَإِذَا كَانَ هَذَا: ضَمَّ الْمَالَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلِ الْأَوَّلِ أَبَدًا، حَتَّى يَرْجِعَ الْكُلُّ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَلَوْ اقْتَنَى خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ - إلَّا أَنَّهُ عَدَدٌ يُزَكَّى بِالْغَنَمِ - ثُمَّ اقْتَنَى فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ عَدَدًا يُزَكَّى وَحْدَهُ لَوْ انْفَرَدَ - إمَّا بِالْغَنَمِ، وَإِمَّا بِالْإِبِلِ - فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا كَانَ عِنْدَهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِالْغَنَمِ؛ ثُمَّ ضَمَّهُ إثْرَ ذَلِكَ إلَى مَا اسْتَفَادَ؛ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ

مسألة اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا

عِنْدَهُ إبِلٌ لَهُ قَدْ تَمَّ لِجَمِيعِهَا حَوْلٌ فَيُزَكِّي بَعْضَهَا بِالْغَنَمِ وَبَعْضَهَا بِالْإِبِلِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ إحْدَى عَشْرَةَ زَكَّى الْأَوَّلَ لِحَوْلِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ؛ ثُمَّ ضَمَّهَا إلَى الْفَائِدَةِ مِنْ حِينَئِذٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلٍ - مِنْ حِينَئِذٍ مُسْتَأْنَفٍ - بِبِنْتِ لَبُونٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ زَكَاةُ إبِلٍ وَاحِدَةٍ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُؤَخِّرُونَ زَكَاةَ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ عَنْ حَوْلِهِ شُهُورًا؟ قُلْنَا: نَعَمْ: لِأَنَّنَا لَا نَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، إلَّا بِإِحْدَاثِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ؛ وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعْجِيلُ مُبَاحٌ لَا حَرَجَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اجْتَمَعَ فِي مَالِهِ زَكَاتَانِ فَصَاعِدًا] 686 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ اجْتَمَعَ فِي مَالِهِ زَكَاتَانِ فَصَاعِدًا هُوَ حَيٌّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تُؤَدَّى كُلُّهَا لِكُلِّ سَنَةٍ عَلَى عَدَدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ؛ وَسَوَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ لِهُرُوبِهِ بِمَالِهِ؛ أَوْ لِتَأْخِيرِ السَّاعِي؛ أَوْ لِجَهْلِهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ، وَالْحَرْثُ، وَالْمَاشِيَةُ، وَسَوَاءٌ أَتَتْ الزَّكَاةُ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ لَمْ تَأْتِ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ مَالُهُ بَعْدَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ، وَلَا يَأْخُذُ الْغُرَمَاءُ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الزَّكَاةُ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْنًا - ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً - فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ كُلِّ سَنَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْوَزْنُ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَالذَّهَبُ إلَى عِشْرِينَ دِينَارًا، فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ السِّنِينَ؟ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ زَرْعٍ فَرَّطَ فِيهَا سِنِينَ أُخِذَتْ كُلُّهَا وَإِنْ اصْطَلَمَتْ جَمِيعَ مَالِهِ؟

وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً. فَإِنْ كَانَ هُوَ هَرَبَ أَمَامَ السَّاعِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ عَامٍ؛ فَإِذَا رَجَعَ مَالُهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ إلَّا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ لِسَائِرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي هُوَ الَّذِي تَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ مَا وُجِدَ بِيَدِهِ لِكُلِّ عَامٍ خَلَا - سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ فِيمَا خَلَا أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ عَامَيْنِ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا: إنَّهُ يُزَكِّي لِلْعَامِ الْأَوَّلِ شَاتَيْنِ. وَلِلْعَامِ الثَّانِي شَاةً وَاحِدَةً وَقَالَ هُوَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ - لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا - فَلَمْ يُزَكِّهَا سَنَتَيْنِ فَصَاعِدًا: إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا فِيهَا هَذَا نَصُّ كَلَامِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ فَقَطْ؟ وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِكُلِّ عَامٍ أَبَدًا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَمَا الْعَجَبُ إلَّا مِنْ رِفْقِهِمْ بِالْهَارِبِ أَمَامَ الْمُصَدِّقِ وَتَحَرِّيهِمْ الْعَدْلَ فِيهِ وَشِدَّةِ حَمْلِهِمْ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ السَّاعِي، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ زَكَاةً أَلْفَ نَاقَةٍ لِعَشْرِ سِنِينَ؛ وَلَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا مَلَكَ فِي سَائِرِ الْأَعْوَامِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَقَطْ. وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِأَنَّ هَكَذَا زَكَّى النَّاسُ إذْ أَجْمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا مُعَاوِيَةَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَعْطِيَةِ وَمَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ وَقَلَّدُوا هَاهُنَا سُعَاةَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، كَمَرْوَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَمَا هُنَالِكَ

مسألة مات بعد وجوب الزكاة في ذهبه وفضته

وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ إبِلٍ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُسْلِمُ وَتُعَطَّلَ زَكَاةً قَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى؟ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ - فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ - فِي الْمَالِ نَفْسِهِ، وَلَا فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ قَبْلُ؛ وَأَوْضَحْنَا أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ نَفْسِهِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَى خِلَافِهِ؛ وَعَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ؛ فَإِذَا صَحَّ أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسْقِطُهَا عَنْهُ ذَهَابُ مَالِهِ، وَلَا رُجُوعُهُ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ امْرَأً لَوْ بَاعَ مَاشِيَتَهُ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ الْمَبِيعَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ وَمَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَالًا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ وَلَا يَحِلُّ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةٌ مِنْ عُمَرَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى زَيْدٍ؛ وَلَكِنْ يَتْبَعُ الْبَائِعُ بِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ] 687 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ مَاتَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَرِثَهُ وَلَدُهُ أَوْ كَلَالَةً، لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا لِلْوَصِيَّةِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ كُلُّهَا؛ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، لَا تُؤْخَذُ أَصْلًا، سَوَاءٌ مَاتَ إثْرَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ، أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لِسِنِينَ. وَأَمَّا زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَنَّهُ يَأْخُذُهَا الْمُصَدَّقُ مِنْهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ.

وَرَوَى عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ: أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ: فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ بَعْدِ مَوْتِهِ، وَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ فِي الْمَاشِيَةِ، وَالزَّرْعِ إنَّمَا هُوَ فِي زَكَاةِ تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ؛ فَأَمَّا زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: بِأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ كَانَ حَاشَا الْمَوَاشِيَ -: فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا، فَتَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ مُبْدَاةً عَلَى سَائِرِ وَصَايَاهُ كُلِّهَا، حَاشَا التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ، وَهِيَ مُبْدَاةٌ عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ قَالَ: وَأَمَّا الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ إنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي ثُمَّ جَاءَ السَّاعِي فَلَا سَبِيلَ لِلسَّاعِي عَلَيْهَا، وَقَدْ بَطَلَتْ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا، فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ مُبْدَاةٍ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي ذَلِكَ: فَمَرَّةٌ رَآهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَمَرَّةً رَآهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ؛ فَفِي غَايَةِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا بِمَوْتِ الْمَرْءِ دَيْنًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، بِلَا بُرْهَانٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا شَاءَ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُوَرِّثَ وَرَثَتَهُ شَيْئًا إلَّا أَمْكَنَهُ فَقُلْنَا: فَمَا تَقُولُونَ فِي إنْسَانٍ أَكْثَرَ مِنْ إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَرَثَتُهُ شَيْئًا، وَلَوْ أَنَّهَا دُيُونُ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ لَا فِي خُمُورٍ أَهْرَقَهَا لَهُمْ. فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهَا كُلَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، سَوَاءٌ وَرِثَ وَرَثَتُهُ أَوْ لَمْ يَرِثُوا، فَنَقَضُوا عِلَّتَهُمْ بِأَوْحَشِ نَقْضٍ وَأَسْقَطُوا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى - الَّذِي جَعَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْغَارِمِينَ مِنْهُمْ، وَفِي الرِّقَابِ مِنْهُمْ، وَفِي سَبِيلِهِ تَعَالَى، وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى -: وَأَوْجَبُوا دُيُونَ الْآدَمِيِّينَ وَأَطْعَمُوا الْوَرَثَةَ الْحَرَامَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ مِنْ إيجَابِهِمْ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا عَلَى الْعَامِدِ لِتَرْكِهَا، وَإِسْقَاطِهِمْ

الزَّكَاةَ وَوَقْتُهَا قَائِمٌ عَنْ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا. ثُمَّ تَقْسِيمُ مَالِكٍ بَيْنَ الْمَوَاشِي وَغَيْرِ الْمَوَاشِي، وَبَيْنَ زَكَاةِ عَامِهِ ذَلِكَ وَسَائِرِ الْأَعْوَامِ، فَرَأَى زَكَاةَ عَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ يَعِيشُونَ مِنْهُ، وَلَمْ يَرَ زَكَاةَ سَائِرِ الْأَعْوَامِ إلَّا سَاقِطَةً. ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ زَكَاةِ النَّاضِّ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا إلَّا عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَتُبَدَّى عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ -: وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَلَا تُبَدَّى الْوَصَايَا، وَهَذِهِ أَشْيَاءُ غَلِطَ فِيهَا مَنْ غَلِطَ وَقَصَدَ الْخَيْرَ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ انْشَرَحَ صَدْرُهُ لِتَقْلِيدِ قَائِلِهَا. ثُمَّ اسْتَعْمَلَ نَفْسَهُ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ نَصْرًا لَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَيْنَ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فِي الْمَوَارِيثِ) {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَعَمَّ - عَزَّ وَجَلَّ - الدُّيُونَ كُلَّهَا، وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ قَائِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَسَاكِينِ، وَالْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ وَسَائِرِ مَنْ فَرَضَهَا تَعَالَى لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ. قَالَ الْوَكِيعِيُّ: ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ؛ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثُمَّ اتَّفَقَ زَائِدَةُ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ مُسْلِمُ الْبُطَيْنُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ، وَسَلَمَةُ: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا ثُمَّ اتَّفَقَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ

أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ الْأَعْمَشَ سَمِعَهُ مِنْ الْحَكَمِ، وَسَلَمَةَ وَمُسْلِمٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» فَهَؤُلَاءِ: عَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ، وَمُجَاهِدٌ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ بِآرَائِهِمْ، بَلْ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى سَاقِطٌ وَدَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَالنَّاسُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَسْأَلُونَ عَنْ الزَّكَاةِ أَفِي الذِّمَّةِ هِيَ أَمْ فِي عَيْنِ الْمَالِ.؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ. فَإِنْ قَالُوا: فِي عَيْنِ الْمَالِ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُمْ وَتَبْقَى دَيْنُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ وَإِنْ قَالُوا: فِي الذِّمَّةِ فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطُوهَا بِمَوْتِهِ؟ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ إقْرَارَ الصَّحِيحِ لَازِمٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ إبْطَالُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، كَذَبُوا وَتَنَاقَضُوا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ وَصِيَّةً فَهُوَ مِنْ الصَّحِيحِ أَيْضًا فِي الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَهَاتُوا فَرْقًا بَيْنَ الْمَرِيضِ، وَالصَّحِيحِ. وَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّنَا نَتَّهِمُهُ. قُلْنَا: فَهَلَّا اتَّهَمْتُمْ الصَّحِيحَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتُّهْمَةِ؟ لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ قَوْلَ الْمَرِيضِ فِي دَعْوَاهُ: إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَيُبْطِلُونَ إقْرَارَهُ فِي مَالِهِ، وَهَذِهِ أُمُورٌ كَمَا تَرَى وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

مسألة لا يجزئ أداء الزكاة إلا بنية أنها الزكاة

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا تُؤْخَذُ وَعَلَيْهِ مَا تَحَمَّلَ -: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ: أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالزَّكَاةِ: هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ قَالَ عَلِيٌّ: وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَتَحَاصُّ مَعَ دُيُونِ النَّاسِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى.» قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ - الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا - وَالْقِيَاسَ، وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ نَعْلَمُهُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُجْزِئُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهَا الزَّكَاةُ] 688 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إذَا أَخْرَجَهَا الْمُسْلِمُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ، أَوْ سَاعِيهِ، أَوْ أَمِيرُهُ، أَوْ سَاعِيهِ فَبِنِيَّةِ كَذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.» فَلَوْ أَنَّ امْرَأً أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالٍ لَهُ غَائِبٍ فَقَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ سَالِمًا، وَإِلَّا فَهِيَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ -: لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ إنْ كَانَ سَالِمًا، وَلَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلزَّكَاةِ مَحْضَةٍ كَمَا أُمِرَ، وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ إنْ أَخْرَجَهَا عَلَى أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ فَقَطْ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ مُخْلِصًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ تَلِفَ، فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعْطَى، وَإِنْ فَاتَتْ أَدَّى الْإِمَامُ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهَا، فَهُمْ غَارِمُونَ بِذَلِكَ، وَهَذَا كَمَنْ شَكَّ: عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ عَلَيْهِ صَلَاةُ فَرْضٍ أَمْ لَا؟ فَصَلَّى عَدَدَ رَكَعَاتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ

مسألة اشترى بدراهمه أو بدنانيره فرارا من الزكاة

وَقَالَ: إنْ كُنْتَ أُنْسِيتُهَا فَهِيَ هَذِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ تَطَوُّعٌ؛ وَصَامَ يَوْمًا فَقَالَ: إنْ كَانَ عَلَيَّ يَوْمٌ فَهُوَ هَذَا؛ وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إنْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ أَوْ بِدَنَانِيرِهِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ] 689 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ خَرَجَ الْمَالُ عَنْ مِلْكِهِ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ - بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ - ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ - بِأَيِّ وَجْهٍ رَجَعَ إلَيْهِ، وَلَوْ إثْرَ خُرُوجِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَوْ أَكْثَرَ -: فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِهِ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ رُجُوعِهِ، لَا مِنْ حِينِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَوْلَ قَدْ بَطَلَ بِبُطْلَانِ الْمِلْكِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُعَدَّ عَلَيْهِ وَقْتٌ كَانَ فِيهِ الْمَالُ لِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ إبِلًا بِإِبِلٍ، أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ، أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ، أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ -: فَإِنَّ حَوْلَ الَّذِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، مِنْ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ، وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ الَّذِي صَارَ فِي مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا. وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغَيْرِ فِرَارٍ، فَهُوَ عَاصٍ بِنِيَّتِهِ السُّوءَ فِي فِرَارِهِ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ نَاقَضَ مَنْ قَرَّبَ فَقَالَ: مَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ أَوْ بِدَنَانِيرِهِ عَقَارًا أَوْ مَتَاعًا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اشْتَرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الْمُحَالِ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْإِنْسَانُ مَالًا هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ [مَا] لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ عِنْدَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَقَوْلُنَا فِي هَذَا كُلِّهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ بَادَلَ إبِلًا بِبَقَرٍ أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغَيْرِ فِرَارٍ، وَإِنْ بَادَلَ إبِلًا بِإِبِلٍ، أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ، أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ، أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ، أَوْ

فِضَّةً بِفِضَّةٍ -: فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي خَرَجَ عَنْ يَدِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ (صَحِيحَةٍ) وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ يَصِحُّ وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِهَذَا: أَهَذِهِ الَّتِي صَارَتْ إلَيْهِ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْهُ؟ أَمْ هِيَ غَيْرُهَا؟ فَإِنْ قَالَ: هِيَ غَيْرُهَا؟ قِيلَ: فَكَيْفَ يُزَكِّي عَنْ مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ؟ وَلَعَلَّهَا أَمْوَاتٌ، أَوْ عِنْدَ كَافِرٍ. وَإِنْ: قَالَ بَلْ هِيَ تِلْكَ، كَابِرُ الْعِيَانِ، وَصَارَ فِي مِسْلَاخِ مَنْ يَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ جِهَارًا، فَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ هِيَ، وَلَكِنَّهَا مِنْ نَوْعِهَا؟ قُلْنَا نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ زَكَاةُ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْحَوْلُ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعِهِ؟ ثُمَّ يُسْأَلُونَ إنْ كَانَتْ الْأَعْدَادُ مُخْتَلِفَةً: أَيُّ الْعَدَدَيْنِ يُزَكِّي الْعَدَدَ الَّذِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ؟ أَمْ الْعَدَدُ الَّذِي اكْتَسَبَ؟ وَلَعَلَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ نِصَابًا؟ وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيُّ شَيْءٍ قَالُوا فِي ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا وَبَاطِلًا بِلَا بُرْهَانٍ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَالِكًا لِمِائَةِ شَاةٍ أَوْ لِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَوْلًا كَامِلًا مُتَّصِلًا؟

زكاة المغصوب

قُلْنَا: إنَّمَا الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ عَنْ مَالِ مِلْكِهِ بِعَيْنِهِ حَوْلًا كَامِلًا مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِلَا خِلَافٍ؛ فَعَلَيْكُمْ الْبُرْهَانُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَنْ عَدَدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَكِنْ فِي أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، إلَّا بِالدَّعْوَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [زَكَاة الْمَغْصُوبِ] [مَسْأَلَةٌ مَنْ تَلِفَ مَالُهُ أَوْ غُصِبَهُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ] زَكَاة الْمَغْصُوبِ 690 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَلِفَ مَالُهُ أَوْ غُصِبَهُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ أَيُّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ يَوْمًا مَا اسْتَأْنَفَ (بِهِ) حَوْلًا مِنْ حِينَئِذٍ، وَلَا زَكَاةَ (عَلَيْهِ) لِمَا خَلَا؛ فَلَوْ زَكَّاهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ كُلَّهُ، وَضَمِنَ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ - لَا مِنْ غَيْرِهِ - كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَمْ يُكَلَّفْ الزَّكَاةَ (مَنْ سِوَاهُ) مَا لَمْ يَبِعْهُ هُوَ أَوْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُكَلَّفُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، فَسَقَطَ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ تَكْلِيفُهُ أَدَاءَ زَكَاةٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ؛ ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ الْمُتْلَفِ، أَوْ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ: سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إحْضَارِهِ وَاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ، وَمَا سَقَطَ بِبُرْهَانٍ لَمْ يَعُدْ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَقَدْ كَانَتْ الْكُفَّارُ يُغِيرُونَ عَلَى سَرْحِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَمَا كَلَّفَ قَطُّ أَحَدًا زَكَاةَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ مَالِهِ. وَقَدْ يُسْرَقُ الْمَالُ وَيُغْصَبُ فَيُفَرَّقُ وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ مَكَانَهُ، فَكَانَ تَكْلِيفُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي قَدْ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى، إذْ يَقُولُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]

وَكَذَلِكَ تَغَلُّبُ الْكُفَّارِ عَلَى بَلَدِ نَخْلٍ فَمِنْ الْمُحَالِ تَكْلِيفُ رَبِّهَا أَدَاءَ زَكَاةِ مَا أَخْرَجَتْ، وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ، يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَإِعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ لَمَا تَعَدَّى فِيهِ - قَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِمِثْلِ هَذَا كُلِّهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ بِتَلَفِ مَكَانِهِ فِي مَنْزِلِهِ أَدَّى زَكَاتَهُ؛ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ مَنْزِلِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ سِنِينَ. وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَلَّدُوا فِي ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلٍ لَهُ رَجَعَ إلَيْهِ، وَكَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ هَاهُنَا، وَلَمْ يُقَلِّدُوهُ فِي رُجُوعِهِ إلَى الْقَوْلِ بِالزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ؛ وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَلَّدُوهُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حِينَ يُفَادُ فَخَالَفُوهُ هَاهُنَا وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَأَبُو سُلَيْمَانَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ؟ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ: إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، فَدَلَّ (ذَلِكَ) عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟

مسألة الزكاة في المرهون

وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَاللَّيْثِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ سُفْيَانَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى ثنا أَبُو عُثْمَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَالٍ رَدَّهُ عَلَى رَجُلٍ كَانَ ظُلِمَهُ: أَنْ خُذْ مِنْهُ الزَّكَاةَ لِمَا أَتَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَبَّحَنِي بَرِيدُ عُمَرَ: لَا تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً، فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا أَوْ غَوْرًا. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة فِي الْمَرْهُون] 691 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَهَنَ مَاشِيَةً، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، أَوْ نَخْلًا فَأَثْمَرَتْ، وَحَال الْحَوْلُ عَلَى الْمَاشِيَةِ، وَالْعَيْنِ -: فَالزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَلَا يُكَلَّفُ الرَّاهِنُ عِوَضًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فِي زَكَاتِهِ، أَمَّا وُجُوبُ الزَّكَاةِ؛ فَلِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِتَكْلِيفِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ تَكْلِيفِهِ الْعِوَضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ وَعِدْوَانٍ، فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِرَدِّهِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِحَقٍّ مُفْتَرَضٍ إخْرَاجُهُ؛ فَتَكْلِيفُهُ حُكْمًا فِي مَالِهِ بَاطِلٌ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى السُّلْطَانِ] 692 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى السُّلْطَانِ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ مَالَهُ لِلْمُصَدَّقِ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْحَقَّ، ثُمَّ مُؤْنَةُ نَقْلِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الزَّكَاةِ وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ - وَهُمْ السُّعَاةُ فَيَقْبِضُونَ الْوَاجِبَ وَيَبْرَأُ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ مِنْ ذَلِكَ»

مسألة تعجيل الزكاة قبل تمام الحول

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَلَا مَزِيدَ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ النَّقْلِ مُؤْنَةٌ وَغَرَامَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ مَيْلًا أَوْ (مَنْ) كَلَّفَهُ إلَى خُرَاسَانَ أَوْ أَبْعَدَ. [مَسْأَلَةٌ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ] 693 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَلَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَيَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَصَحَّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْحَكَمِ، وَالزُّهْرِيِّ وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ لِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَصْحَابُهُ بِجَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؟ ثُمَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ تَخْلِيطٌ كَثِيرٌ -: مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالٍ عِنْدَهُ، وَلَا فِي زَرْعٍ قَدْ زَرَعَهُ، وَلَا فِي نَخْلٍ قَدْ أَطْلَعَتْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ (كُلُّهُ) قَبْلَ اطِّلَاعِ النَّخْلِ وَقَبْلَ زَرْعِ الْأَرْضِ، وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ ثَلَاثِ سِنِينَ أَجْزَأَهُ. وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا سَنَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذِكْرِ تَخَالِيطِ أَقْوَالِهِمْ فِي كِتَابِ الْأَعْرَابِ " واللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ عَنْ مَالٍ عِنْدَهُ، لَا عَنْ مَالٍ لَمْ يَكْتَسِبْهُ بَعْدُ

وَقَالَ: إنْ اسْتَغْنَى الْمِسْكِينُ مِمَّا أَخَذَ مِمَّا عَجَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَ صَاحِبَ الْمَالِ؛ فَإِنْ اسْتَغْنَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لَا أَكْثَرَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ - وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فَكَمَا قُلْنَا نَحْنُ، وَهَذِهِ (كُلُّهَا) تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ يَصِحُّ، وَلَا قِيَاسٍ. وَقَوْلُ اللَّيْثِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ: كَقَوْلِنَا. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا بِحُجَجٍ -: مِنْهَا: الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي، فِي هَلْ تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَمْ لَا؟ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بَكْرًا فَقَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ جَمَلًا رَبَاعِيًا» ؟ وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّهُ اسْتِسْلَافٌ كَمَا تَرَى، لَا اسْتِعْجَالَ صَدَقَةٍ؛ بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَهَا لَا يَجُوزُ، إذْ لَوْ جَازَ لَمَا احْتَاجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الِاسْتِقْرَاضِ؛ بَلْ كَانَ يَسْتَعْجِلُ زَكَاةً لِحَاجَتِهِ إلَى الْبِكْرِ، وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَأَذِنَ لَهُ» . قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَكَمِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عُمَرَ مُصَدِّقًا وَقَالَ لَهُ عَنْ الْعَبَّاسِ: إنَّا قَدْ اسْتَسْلَفْنَا زَكَاتَهُ لِعَامِ عَامِ الْأَوَّلِ» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ قَالَ " قَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَدْ أَدَّيْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَدَقَ ". هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ. وَقَالُوا: حُقُوقُ الْأَمْوَالِ كُلُّهَا جَائِزٌ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا، قِيَاسًا عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ وَحُقُوقِهِمْ، كَالنَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَالُوا: إنَّمَا أُخِّرَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْحَوْلِ فُسْحَةً عَلَى النَّاسِ فَقَطْ. وَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ.

وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ حُجِّيَّةَ: فَحُجِّيَّةُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالْعَدَالَةِ، وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ إلَّا بِرِوَايَةِ الْعُدُولِ الْمَعْرُوفِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ هُشَيْمٍ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هُشَيْمٍ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَبَنَّدَ بِهِ، فَصَارَ مُنْقَطِعًا، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا لَفْظَ أَنَسٍ وَلَا كَيْفَ رَوَاهُ، فَلَمْ يُجِزْ الْقَطْعَ بِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ، وَأَمَّا سَائِرُ الْأَخْبَارِ فَمُرْسَلَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ الْمُرْسَلَ، وَهُمْ يَقُولُونَ - إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ -: إنَّهُ كَالْمُسْنَدِ، وَرَدُّوا فِيهِ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ، وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِهَا إذَا وَافَقَتْهُمْ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ.؟ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الزَّكَاةَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ: فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ قَدْ وَجَبَ بَعْدُ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى تَأْجِيلِهَا وَالزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، فَقِيَاسُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى مَا قَدْ وَجَبَ فِي الْأَدَاءِ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا: فَتَعْجِيلُ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضًا مِنْ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ،

وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَيَجُوزُ الرِّضَا مِنْهُمْ بِالتَّعْجِيلِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ صِفَاتٍ تَحْدُثُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا، وَتَبْطُلُ عَمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَابِضِينَ لَهَا الْآنَ - عِنْدَ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا - لَوْ أَبْرَءُوا مِنْهَا دُونَ قَبْضٍ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ، وَلَا بَرِئَ مِنْهَا مِنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ بِإِبْرَائِهِمْ بِخِلَافِ إبْرَاءِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهَا إلَى السَّاعِي، فَقَدْ يَأْتِي وَقْتُ الزَّكَاةِ وَالسَّاعِي مَيِّتٌ أَوْ مَعْزُولٌ، وَاَلَّذِي بَعَثَهُ كَذَلِكَ، فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ قِيَاسُهُمْ عَلَى النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً عَجَّلَ نَفَقَةً لِامْرَأَتِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ الْوَاجِبَةُ فِيهِ النَّفَقَةَ، وَاَلَّذِي تَجِبُ لَهُ مُضْطَرٌّ -: لَمْ يُجْزِئْهُ تَعْجِيلُ مَا عَجَّلَ، وَأُلْزِمَ الْآنَ النَّفَقَةَ، وَأُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ بِمَا عَجَّلَ لَهُ دَيْنًا، لِاسْتِهْلَاكِهِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ، بَلْ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَالصَّوْمُ قَبْلَ وَقْتِهِ أَصَحُّ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا عِبَادَاتٌ مَحْدُودَةٌ بِأَوْقَاتٍ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهَا وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ. فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ أَكْذَبَهُمْ الْأَثَرُ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ، وَهْبَكَ لَوْ صَحَّ لَهُمْ الْإِجْمَاعُ لَكَانَ هَذَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ قِيَاسَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ قَبْلُ، ثُمَّ فُسِحَ لِلنَّاسِ فِي تَأْخِيرِهَا -: فَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَطُّ إلَّا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، لِصِحَّةِ النَّصِّ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُصَدِّقِينَ عِنْدَ الْحَوْلِ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيُضَيِّعَ قَبْضَ حَقٍّ قَدْ وَجَبَ وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى وُجُوبِهَا قَبْلَهُ، وَلَا تَجِبُ الْفَرَائِضُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ.

مسألة الزكاة على من عليه دين دراهم أو دنانير أو ماشية

ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ: أَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَمْ لَمْ تَجِبْ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ تَجِبْ؟ قُلْنَا: فَكَيْفَ تُجِيزُونَ أَدَاءَ مَا لَمْ يَجِبْ؟ وَمَا لَمْ يَجِبْ فِعْلُهُ تَطَوُّعٌ، وَمَنْ تَطَوَّعَ فَلَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَجَبَتْ؟ قُلْنَا: فَالْوَاجِبُ إجْبَارُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَى أَدَائِهِ، وَهَذَا بُرْهَانٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ أَصْلًا، وَنَسْأَلُهُمْ: كَيْفَ الْحَالُ إنْ مَاتَ الَّذِي عَجَّلَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ؟ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ؟ أَوْ مَاتَ الَّذِينَ أَعْطُوهَا قَبْلَ الْحَوْلِ؟ أَوْ خَرَجُوا عَنْ الصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تُسْتَحَقُّ الزَّكَوَاتُ؟ فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَهَا بَاطِلٌ، وَإِعْطَاءٌ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَمَنْعٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَإِبْطَالُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ؛ وَكُلُّ هَذَا لَا يَجُوزُ. وَالْعَجَبُ مِنْ إجَازَةِ الْحَنَفِيِّينَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ وَمَنْعُهُمْ مِنْ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَكِلَاهُمَا مَالٌ مُعَجَّلٌ، إلَّا أَنَّ النَّصَّ قَدْ يَصِحُّ بِتَعْجِيلِ مَا مَنَعُوا تَعْجِيلَهُ، وَلَمْ يَأْتِ بِتَعْجِيلِ مَا أَبَاحُوا تَعْجِيلَهُ، فَتَنَاقَضُوا فِي الْقِيَاسِ، وَصَحَّحُوا الْآثَارَ الْفَاسِدَةَ، وَأَبْطَلُوا الْأَثَرَ الصَّحِيحَ، وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ - مَعَ مَا تَنَاقَضُوا - خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُمَا يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ، وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ الْقِيَاسَ، وَقَبِلُوا الْمُرْسَلَ الَّذِي يَرُدُّونَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاةُ عَلَى مِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ مَاشِيَةٌ] 694 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ مَاشِيَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ لَمْ يَتْلَفْ وَأَتَمَّ عِنْدَهُ حَوْلًا مِنْهُ مَا فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ -: زَكَّاهُ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ أَصْلًا، وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ سِنِينَ

وَقَالَ قَوْمٌ: يُزَكِّيهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إذَا حَلَّتْ - يَعْنِي الزَّكَاةَ - فَاحْسِبْ دَيْنَكَ وَمَا عِنْدَكَ وَاجْمَعْ ذَلِكَ جَمِيعًا ثُمَّ زَكِّهِ. (وَبِهِ إلَى) عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ هُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ: يَجِيءُ إبَّانَ صَدَقَتِي فَأُبَادِرُ الصَّدَقَةَ فَأُنْفِقُ عَلَى أَهْلِي وَأَقْضِي، دَيْنِي؟ قَالَ عُمَرُ: لَا تُبَادِرْ بِهَا، وَاحْسِبْ دَيْنَك وَمَا عَلَيْكَ، وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيِّ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَمْطُلُهُ؟ قَالَ: زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي يَأْكُلُ مَهْنَأَةً وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ نَحْوَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا - فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْهُ -: ابْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ وُلِّيَ مَالَ يَتِيمٍ فَكَانَ يَسْتَسْلِفُ مِنْهُ، يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أُحْرِزَ لَهُ: وَيُؤَدِّي زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يُزَكِّيهِ عَنْ نَفْسِهِ،

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ، وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ إنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ، وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْفُضَيْلِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ مِنْ مَالِكَ، وَمَا لَكَ عَلَى الْمَلِيءِ وَلَا تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ: وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَوَكِيعٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا وَافَقْنَا (قَوْلَ) هَؤُلَاءِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: خَالَفَنِي إبْرَاهِيمُ فِي الدَّيْنِ، كُنْتُ أَقُولُ: لَا يُزَكِّي، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِي -: وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ لَهُ وَلَا عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ.

مسألة عليه دين وعنده مال تجب في مثله الزكاة

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: السَّلَفُ يُسْلِفُهُ الرَّجُلُ. قَالَ: لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْمَالِ وَلَا عَلَى الَّذِي اسْتَسْلَفَهُ زَكَاةٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: لَا يُزَكِّي الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الدِّينَ، وَلَا يُزَكِّيهِ الَّذِي هُوَ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا خَرَجَ الدَّيْنُ عَنْ مِلْكِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ فَهُوَ مَعْدُومٌ عِنْدَهُ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ لَا شَيْءَ، وَعَمَّا لَا يَمْلِكُ، وَعَنْ شَيْءٍ لَوْ سَرَقَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. [مَسْأَلَةٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ] 695 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ - كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، مِنْ جِنْسِهِ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ -: فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا عِنْدَهُ، وَلَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ -: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي عِنْدَهُ الَّتِي لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَيُزَكِّي مَا عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عُرُوضٌ جَعَلَ دَيْنَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأَسْقَطَ بِذَلِكَ الزَّكَاةَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمَوَاشِي وَالزَّرْعُ وَالثِّمَارُ فَلَا؛ وَلَكِنْ يُزَكِّي كُلَّ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلَ مَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالْمَوَاشِي، وَلَا يُسْقِطُ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: يُجْعَلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْحَرْثُ، وَالثِّمَارُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ،

وَيَسْقُطُ بِهِ زَكَاةُ كُلِّ ذَلِكَ. وَلَا يُجْعَلُ دَيْنُهُ فِي عُرُوضِ الْقِنْيَةِ مَا دَامَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، أَوْ مَا دَامَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ؛ وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْعَلُ دَيْنُ الزَّرْعِ إلَّا فِي الزَّرْعِ، وَلَا يُجْعَلُ دَيْنُ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِي الْمَاشِيَةِ، وَلَا يُجْعَلُ دَيْنُ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْعَيْنِ، فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا عَلَيْهِ دَيْنُ مِثْلِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: حَرْثٌ لِرَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ، أَيُؤَدِّي حَقَّهُ؟ قَالَ: مَا نَرَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً، لَا فِي مَاشِيَةٍ وَلَا فِي أَصْلٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ، سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إسْقَاطُ الدَّيْنِ زَكَاةُ مَا بِيَدِ الْمَدِينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ؛ بَلْ قَدْ جَاءَتْ السُّنَنُ الصِّحَاحُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْمَوَاشِي، وَالْحَبِّ، وَالتَّمْرِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، بِغَيْرِ تَخْصِيصِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَبْتَاعَ مِنْهُ جَارِيَةً يَطَؤُهَا وَيَأْكُلَ مِنْهُ وَيُنْفِقَ مِنْهُ؛ وَلَوْ لَمْ يَكْفِي لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا؛ فَإِذَا هُوَ لَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَدِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَزَكَاةُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَفِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَالْمَالِكِيُّونَ: يُنْكِرُونَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي إيجَابِهِ لِلزَّكَاةِ فِي زَرْعِ الْيَتِيمِ وَثِمَارِهِ دُونَ مَاشِيَتِهِ وَذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ، فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَبْضَ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ إلَى الْمُصَدِّقِ.

مسألة من كان له على غيره دين فلا زكاة عليه فيه

قِيلَ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَبْضُ زَكَاةِ الْعَيْنِ إلَى السُّلْطَانِ إذَا طَلَبَهَا وَلَا فَرْقَ. [مَسْأَلَةٌ مِنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ] 696 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا عِنْدَ مَلِيءٍ مُقِرٍّ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ أَوْ مُنْكِرٍ، أَوْ عِنْدَ عَدِيمٍ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَقَامَ عَنْهُ سِنِينَ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلًا كَسَائِرِ الْفَوَائِدِ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لَا حِينَئِذٍ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ - الْمَاشِيَةُ، وَالذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَأَمَّا النَّخْلُ، وَالزَّرْعُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ زَرْعِهِ وَلَا مِنْ ثِمَارِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُزَكِّيهِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى آخَرَ؟ فَقَالَ: يُزَكِّيهِ صَاحِبُ الْمَالِ، فَإِنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ، فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا هِشَامُ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ الدَّيْنِ الظَّنُونِ: أَيُزَكِّيهِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ لِمَا مَضَى وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَالظَّنُونُ: هُوَ الَّذِي لَا يُرْجَى. وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ: إذَا كَانَتْ لَك دَيْنٌ فَزَكِّهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ عَنْ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: يُزَكِّيهِ - يَعْنِي: مَالَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - احْسَبْ دَيْنَكَ وَمَا عَلَيْكَ وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ فَعَلَى صَاحِبِهِ أَدَاءُ زَكَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعْدِمٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ؛ فَيَكُونُ عَلَيْهِ زَكَاةُ السِّنِينَ الَّتِي مَضَتْ، وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا كَانَ لَكَ الدَّيْنُ فَعَلَيْكَ زَكَاتُهُ؛ وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْكَ فِيهِ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ أَوْ قَبَضَ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ بَقِيَ سِنِينَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ زَكَّاهُ؛ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: زَكُّوا أَمْوَالَكُمْ مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ، فَمَا كَانَ فِي دَيْنٍ فِي ثِقَةٍ فَاجْعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيكُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ ظَنُونٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ صَاحِبُهُ. وَعَنْ طَاوُسٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ: إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فَزَكِّهِ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ: زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ وَمَالَكَ عَلَى الْمَلِيءِ، وَلَا تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ. ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا. وَعَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ: مَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ فِي مَلِيءٍ تَرْجُوهُ فَاحْسُبْهُ، ثُمَّ أَخْرِجْ مَا عَلَيْك وَزَكِّ مَا بَقِيَ؟ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ فَزَكِّهِ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَأَمَّا قَوْلُنَا فَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَهُ، وَعَنْ عَطَاءٍ، وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الدَّيْنِ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ، وَعَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ. فَأَوْجَبَ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَحَصَلَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ. وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَمِثْلُ قَوْلِنَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَسَّمَ ذَلِكَ تَقَاسِيمَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهِيَ: أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ لَيْسَ عَنْ بَدَلٍ، أَوْ كَانَ عَنْ بَدَلِ مَا لَا يَمْلِكُ، كَالْمِيرَاثِ، وَالْمَهْرِ، وَالْجُعْلِ، وَدِيَةِ الْخَطَأِ، وَالْعَمْدِ إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا، وَالْخُلْعِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ أَصْلًا حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلًا، وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ لَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَقَرْضِ الدَّرَاهِمِ وَفِيمَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي، وَثَمَنِ عَبْدِ التِّجَارَةِ -: فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ - كَانَ عَلَى ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ثِقَةٍ - حَتَّى يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ، ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ أَرْبَعِينَ يَقْبِضُ، وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعُرُوضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ يَبِيعُهَا -: قِسْمًا آخَرَ، فَاضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُهُ، فَمَرَّةً جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْمَهْرِ، وَمَرَّةً قَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ، وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ مَا كَانَ عِنْدَ عَدِيمٍ أَوْ مَلِيءٍ إذَا كَانَا مُقِرَّيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَخْلِيطٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ غَرِيمِهِ عَدَدٌ فِي الذِّمَّةِ وَصِفَةٌ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالٍ أَصْلًا، وَلَعَلَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ اللَّذَيْنِ لَهُ عِنْدَهُ فِي الْمَعْدِنِ بَعْدُ، وَالْفِضَّةُ تُرَابٌ بَعْدُ، وَلَعَلَّ الْمَوَاشِيَ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ، فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ؟ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ

مسألة الزكاة في المهور والخلع والديات

عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّمَا هِيَ فِي الْغَصْبِ لَا فِي الدَّيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة فِي الْمُهُور وَالْخُلْع وَالدِّيَات] 697 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمُهُورُ وَالْخُلْعُ، وَالدِّيَاتُ، فَبِمَنْزِلَةِ مَا قُلْنَا؛ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَيْنٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ فِضَّةً مُعَيَّنَةً - دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - أَوْ ذَهَبًا بِعَيْنِهِ - دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - أَوْ مَاشِيَةً بِعَيْنِهَا، أَوْ نَخْلًا بِعَيْنِهَا، أَوْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِيرَاثًا -: فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ مَوْجُودَةٌ، فَالزَّكَاةُ فِيهَا، وَلَا مَعْنَى لِلْقَبْضِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ صَاحِبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ مَنَعَ صَارَ مَغْصُوبًا وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا قَدَّمْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ وَنَوَى الزَّكَاة زَكَاتِهِ] 698 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ - وَكَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ بُرًّا، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ مَاشِيَةً - فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ قِبَلَهُ، وَنَوَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ وَنَوَى بِذَلِكَ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَبِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ إبْرَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ يُسَمَّى صَدَقَةً فَقَدْ أَجْزَأَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ بُكَيْرٍ - هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أُصِيبَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ. [مَسْأَلَةٌ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا فَبَاعَهَا] 699 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ الْمَأْمُورِ بِقَبْضِهَا فَبَاعَهَا مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ فِيهَا أَوْ مَنْ لَهُ قَبْضُهَا نَظَرًا لِأَنَّهَا لِأَهْلِهَا -: فَجَائِزٌ لِلَّذِي أَعْطَاهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِهِبَةٍ، أَوْ هَدِيَّةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ صَدَاقٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ سَائِرِ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ

يَدْفَعَهَا؛ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي ابْتَاعَ، وَلَمْ يُعْطِ الزَّكَاةَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا، وَبِهَذَا نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا لَزِمَهُ الْقِيمَةُ، وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَهُوَ قَدْ أَدَّى صَدَقَةَ مَالِهِ كَمَا أُمِرَ، وَبَاعَهَا الْآخِذُ كَمَا أُبِيحَ لَهُ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ؛ وَأَجَازَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ «عُمَرَ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ " أَنَّ الزُّبَيْرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَدَ فَرَسًا مِنْ ضِئْضِئِهَا يَعْنِي مِنْ نَسْلِهَا - فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، فَنُهِيَ " وَنَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَلَا يَصِحُّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ فَرَسَ عُمَرَ - كَانَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ - حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَصَارَ حَبْسًا فِي هَذَا الْوَجْهِ، فَبَيْعُهُ إخْرَاجٌ لَهُ عَمَّا سُبِّلَ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ هَذَا أَصْلًا؛ فَابْتِيَاعُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرَيْنِ الْآخَرَيْنِ، لَوْ صَحَّا، لَا سِيَّمَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ نَهَى نِتَاجَهَا، وَهَذِهِ صِفَةُ الْحَبْسِ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُهُ وَكَانَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَيَبِيعُهَا إنْ شَاءَ - فَلَيْسَ ابْتِيَاعُ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا عَوْدًا فِي صَدَقَتِهِ، لَا فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الدِّيَانَةِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ انْتِزَاعُهَا وَرَدُّهَا إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِبْطَالُ صَدَقَتِهِ بِهَا فَقَطْ،

وَالْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ يُجِيزُونَ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا بِالْمِيرَاثِ، وَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ كَمَا عَادَتْ بِالشِّرَاءِ وَلَا فَرْقَ؛ فَصَحَّ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا فَقَطْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم ثنا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَحْمٍ، فَقُلْتُ: هَذَا مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» حَدَّثَنَا حُمَامُ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ثنا الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ السَّبَّاقَ أَنَّهُ سَمِعَ «جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: لَا، إلَّا عَظْمًا أُعْطِيَتْهُ مَوْلَاةٌ لَنَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا» . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ اسْتَبَاحَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا مَحِلَّهَا، إذْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ.»

مسألة الزكاة في المعدن

فَهَذَا نَصٌّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَوَازِ ابْتِيَاعِ الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يَخُصَّ الْمُتَصَدِّقَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَا تَشْتَرِ الصَّدَقَةَ حَتَّى تَعْقِلَ -: يَعْنِي حَتَّى تُؤَدِّيَهَا -: وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْك، أَوْ وَرِثْتهَا حَلَّتْ لَك، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلَا يَبْتَاعَهَا حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا عُمَرُ يُجِيزُ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ ابْتِيَاعَهَا إذَا انْتَقَلَتْ عَنْ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ؛ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَمَكْحُولٍ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ، وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ، وَأَجَازَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ تَصَدَّقَ بِهِ، وَيُفْتِي بِذَلِكَ، فَخَرَجَ قَوْلُ مَالِكٍ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مُوَافِقٌ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة فِي الْمَعْدِن] 700 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا شَيْءَ فِي الْمَعَادِنِ، وَهِيَ فَائِدَةٌ، لَا خُمْسَ فِيهَا وَلَا زَكَاةً مُعَجَّلَةً، فَإِنْ بَقِيَ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ عِنْدَ مُسْتَخْرِجِهَا حَوْلًا قَمَرِيًّا، وَكَانَ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ -: زَكَّاهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ،

وَالْقَزْدِيرِ، وَالْحَدِيدِ -: الْخُمْسُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ، سَوَاءٌ أَصَابَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ، عَبْدٌ، أَوْ حُرٌّ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِي دَارِهِ فَلَا خُمْسَ فِيهِ، وَلَا زَكَاةَ، وَلَا شَيْءَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَادِنِ - وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الزِّئْبَقِ، فَمَرَّةً رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ، وَمَرَّةً لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَقَالَ مَالِكٌ: فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ: الزَّكَاةُ مُعَجَّلَةٌ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا شَيْءَ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ دَيْنٌ يَكُونُ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ فِي مَعْدِنِ الذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ نُدْرَةً بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ فَفِي ذَلِكَ الْخُمْسُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الرِّكَازِ. فَقَالَ: هُوَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ مُتَّفَقٌ عَلَى إطْرَاحِ رِوَايَتِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي الذَّهَبِ خَاصَّةً. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا سَائِرَ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الذَّهَبِ. قُلْنَا لَهُمْ: فَقِيسُوا عَلَيْهِ أَيْضًا مَعَادِنَ الْكِبْرِيتِ، وَالْكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ حِجَارَةٌ. قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَعْدِنُ الْفِضَّةِ، وَالنُّحَاسِ أَيْضًا حِجَارَةٌ وَلَا فَرْقَ

وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَطْ؛ لَا الْمَعَادِنُ، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللُّقَطَةِ مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْخَرَابِ وَالْأَرْضِ الْمِيْتَاءِ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، وَهَذَا كَمَا تَرَى، وَلَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا لَكَانَ الْخُمْسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْمَعَادِنِ، كَمَا أَنَّ الْخُمْسَ فِي كُلِّ دَفْنٍ لِلْجَاهِلِيَّةِ، أَيُّ شَيْءٍ كَانَ؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَنَاقُضُهُمْ؟ لَا سِيَّمَا فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِالْخَرَاجِ، وَلَمْ يُسْقِطُوا الْخُمْسَ فِي الْمَعَادِنِ بِالْخَرَاجِ وَأَوْجَبُوا فِيهَا خُمْسًا فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، وَعَلَى الْكَافِرِ، وَالْعَبْدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَعْدِنِ فِي الدَّارِ وَبَيْنَهُ خَارِجَ الدَّارِ، وَلَا يُعْرَفُ كُلُّ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: بِرَدِّ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ إذَا خَالَفَتْ الْأُصُولَ وَحُكْمُهُمْ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ فِيهِ الْخُمْسَ. قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ إنْ كَانَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي رَجُلٍ اسْتَخْرَجَ مَعْدِنًا فَبَاعَهُ بِمِائَةِ شَاةٍ، وَأَخْرَجَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ثَمَنَ أَلْفِ شَاةٍ فَرَأَى عَلِيٌّ الْخُمْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لَا عَلَى الْمُسْتَخْرِجِ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ فَاحْتَجُّوا - بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ -

وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْفُرْعِ» . قَالَ: فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةَ إلَى الْيَوْمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعَ إرْسَالِهِ إلَّا إقْطَاعُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تِلْكَ الْمَعَادِنَ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي النُّدْرَةِ تُصَابُ فِيهِ بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ: الْخُمْسَ؛ وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَيُسْأَلُونَ أَيْضًا عَنْ مِقْدَارِ ذَلِكَ الْعَمَلِ الْكَبِيرِ وَحَدِّ النُّدْرَةِ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِدَعْوَى لَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهَا - فَظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَتَنَاقُضُهُ. وَقَالُوا أَيْضًا: الْمَعْدِنُ كَالزَّرْعِ يَخْرُجُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ. قَالَ عَلِيٌّ: قِيَاسُ الْمَعْدِنِ عَلَى الزَّرْعِ كَقِيَاسِهِ عَلَى الزَّكَاةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَتَعَارَضَ هَذَانِ الْقِيَاسَانِ؛ وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ، أَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الرِّكَازِ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَعْدِنٍ؛ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا، وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الزَّرْعِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُرَاعُوا فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا، وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَقِيسُوا كُلَّ مَعْدِنٍ - مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ - عَلَى الزَّرْعِ، وَاحْتَجَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ قُتَيْبَةَ؛ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُبَيٍّ نَعَمْ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: «بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا، فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ، وَذَكَرَ رَابِعًا، وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ» . فَقَالَ مَنْ رَأَى فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةَ: هَؤُلَاءِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَحَقُّهُمْ فِي الزَّكَاةِ لَا فِي الْخُمْسِ؛

مسألة لا تؤخذ زكاة من كافر

وَقَالَ الْآخَرُونَ: عَلِيٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ فِي الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي الْأَخْمَاسِ. قَالَ عَلِيٌّ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ دَعْوًى فَاسِدَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ مِنْ خُمْسٍ وَاجِبٍ، أَوْ مِنْ زَكَاةٍ لَمَا جَازَ أَلْبَتَّةَ أَخْذُهَا إلَّا بِوَزْنٍ وَتَحْقِيقٍ، لَا يُظْلَمُ مَعَهُ الْمُعْطِي وَلَا أَهْلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ؛ فَلَمَّا كَانَتْ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَدِيَّةً مِنْ الَّذِي أَصَابَهَا، أَوْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَأَعْطَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ شَاءَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ غَيْرِ الزَّرْعِ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ، وَالْمَعْدِنِ مِنْ جُمْلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ فَلَا شَيْءَ فِيهَا إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ، وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَيَصِيرُ لِلسُّلْطَانِ، وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ؛ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَعَلَى هَذَا إنْ ظَهَرَ فِي مَسْجِدٍ أَنْ يَصِيرَ مِلْكُهُ لِلسُّلْطَانِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَوْ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ.» ، فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَهُوَ لَهُ، يُورَثُ عَنْهُ وَيَعْمَلُ فِيهِ مَا شَاءَ. [مَسْأَلَةٌ لَا تُؤْخَذُ زَكَاةٌ مِنْ كَافِرٍ] 701 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُؤْخَذُ زَكَاةٌ مِنْ كَافِرٍ لَا مُضَاعَفَةً وَلَا غَيْرَ مُضَاعَفَةٍ، لَا مِنْ بَنِي تَغْلِبٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، كَذَلِكَ إلَّا فِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الزَّكَاةُ مُضَاعَفَةً، وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ وَاهٍ مُضْطَرِبٍ فِي غَايَةِ الِاضْطِرَابِ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ التَّغْلِبِيِّ قَالَ: صَالَحْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

عَنْ بَنِي تَغْلِبَ - بَعْد أَنْ قَطَعُوا الْفُرَاتَ وَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ - عَلَى أَنْ لَا يَصْبُغُوا صَبِيًّا وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ قَالَ دَاوُد بْنُ كُرْدُوسٍ: لَيْسَ لِبَنِي تَغْلِبَ ذِمَّةٌ، قَدْ صَبَغُوا فِي دِينِهِمْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ: أَنَّهُ كَلَّمَ عُمَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ وَقَالَ لَهُ: إنَّهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّكَ بِهِمْ؛ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ أُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ، فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ: أَنْ لَا يَنْصُرُوا أَوْلَادَهُمْ. قَالَ مُغِيرَةُ فَحُدِّثْتُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَئِنْ تَفَرَّغْتُ لِبَنِي تَغْلِبَ لَأُقَتِّلَنَّ مُقَاتِلَتَهُمْ وَلَأَسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ؛ فَقَدْ نَقَضُوا، وَبَرِئَتْ مِنْهُمْ الذِّمَّةُ حِينَ نَصَرُوا أَوْلَادَهُمْ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ: فِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَا ذِمَّةَ لَهُمْ الْيَوْمَ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لَا نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الْكِتَابِ صَدَقَةً إلَّا الْجِزْيَةَ غَيْرَ أَنَّ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ - الَّذِينَ جُلُّ أَمْوَالِهِمْ الْمَوَاشِي - تُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَيْ الصَّدَقَةِ. هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا حَلَّ الْأَخْذُ بِهِ لِانْقِطَاعِهِ وَضَعْفِ رُوَاتِهِ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ هُوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ وَهَدَمُوا بِهِ أَكْثَرَ أُصُولِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا

يُقْبَلُ خَبَرُ الْآحَادِ الثِّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا كَثُرَتْ بِهِ الْبَلْوَى، وَهَذَا أَمْرٌ تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ، فَقَبِلُوا فِيهِ خَبَرًا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَهُمْ قَدْ رَدُّوا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا خَبَرَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَيَقُولُونَ: لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، وَرَدُّوا بِهَذَا حَدِيثَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَكَذَّبُوا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَا خِلَافَ لِلْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَقَالُوا هُمْ: إلَّا بَنِي تَغْلِبَ فَلَا يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ (وَلَا صَغَارَ عَلَيْهِمْ؛ بَلْ يُؤَدُّونَ الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً؛ فَخَالَفُوا الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ الْمَنْقُولَةَ نَقْلَ الْكَافَّةِ) بِخَبَرٍ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَقَالُوا: لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا خَالَفَ الْأُصُولَ، وَرَدُّوا بِذَلِكَ خَبَرَ الْقُرْعَةِ فِي الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ، وَخَبَرَ الْمُصَرَّاةِ، وَكَذَّبُوا مَا هُمَا مُخَالِفَيْنِ لِلْأُصُولِ بَلْ هُمَا أَصْلَانِ مِنْ كِبَارِ الْأُصُولِ، وَخَالَفُوا هَاهُنَا جَمِيعَ الْأُصُولِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَفِي الْجِزْيَةِ بِخَبَرٍ لَا يُسَاوِي بَعْرَةً، وَتَعَلَّلُوا بِالِاضْطِرَابِ فِي أَخْبَارِ الثِّقَاتِ، وَرَدُّوا خَبَرَ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» وَخَبَرَ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَسْقَطِ خَبَرٍ وَأَشَدِّهِ اضْطِرَابًا، لِأَنَّهُ يَقُولُ رِوَايَةً مَرَّةً: عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ، وَمَرَّةً: عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمَرَّةً عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ عَنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَرَّةً: عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَوْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ؟ وَمَعَ شِدَّةِ هَذَا الِاضْطِرَابِ الْمُفْرِطِ فَإِنَّ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَكَمْ مِنْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، كَكَلَامِهِ مَعَ عُثْمَانَ فِي الْخُطْبَةِ، وَنَفْيِهِ فِي الزِّنَى وَإِغْرَامِهِ فِي السَّرِقَةِ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - بِأَصَحِّ طَرِيقٍ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ

مسألة الزكاة مما يتجر به

عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ آخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَمَا لَمْ يُسْقِطْ أَخْذُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَيْضًا الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ، وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ صَحِيحًا، فَقَدْ خَالَفُوا الْقِيَاسَ أَيْضًا، ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَثَبَتَ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ رَوَوْهُ عَنْهُ - أَوَّلُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ - يَقُولُونَ كُلُّهُمْ: إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَدْ نَقَضُوا تِلْكَ الذِّمَّةَ؛ فَبَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَرَوَوْا ذَلِكَ أَيْضًا - عَنْ عَلِيٍّ، فَخَالَفُوا: عُمَرَ وَعَلِيًّا، وَالْخَبَرَ الَّذِي بِهِ احْتَجُّوا وَالْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ - فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كِتَابِيٍّ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا، كَهَجَرَ، وَالْيَمَنِ، وَغَيْرِهِمَا - وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْقِيَاسَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاةُ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ] 702 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَكَاةٍ وَلَا تَعْشِيرَ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ تُجَّارُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مِنْ كَافِرٍ أَصْلًا - تَجَرَ فِي بِلَادِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بِلَادِهِ - إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْجِزْيَةِ فِي أَصْلِ عَقْدِهِمْ، فَتُؤْخَذُ حِينَئِذٍ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا، أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي الْعُرُوضِ - لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ - وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَقَطْ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا مَعَ الْجِزْيَةِ فَهُوَ حَقٌّ وَعَهْدٌ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ صِحَّةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ وَالصِّغَارِ، مَا لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا سَافَرُوا نِصْفُ الْعُشْرِ فِي الْحَوْلِ مَرَّةً فَقَطْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَإِلَّا فَلَا؛ إلَّا إنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا شَيْئًا فَلَا نَأْخُذُ مِنْ تُجَّارِهِمْ شَيْئًا؟

قَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعُشْرُ إذَا تَجَرُوا إلَى غَيْرِ بِلَادِهِمْ - مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - إذَا بَاعُوا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سُفْرَةٍ كَذَلِكَ، وَلَوْ مِرَرًا فِي السَّنَةِ، فَإِنْ تَجَرُوا فِي بِلَادِهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ كَذَلِكَ إلَّا فِيمَا حَمَلُوا إلَى الْمَدِينَةِ خَاصَّةً مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالزَّبِيبِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلَّا نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: كُنْتُ أَعْشُرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْصَافَ عُشْرِ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا تَجَرُوا بِهِ؟ وَبِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمِ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: أَمَرَنِي عُمَرُ بِأَنْ آخُذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا - فَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا آنِفًا، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ حُكْمِ عُمَرُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَيْضًا - فَإِنَّ هَذِهِ الْآثَارَ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ عُمَرَ، فِي بَعْضِهَا الْعُشْرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَفِي بَعْضِهَا نِصْفُ الْعُشْرِ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ خَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ هَذِهِ الْآثَارَ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ تِجَارَتِهِمْ فِي أَقْطَارِ بِلَادِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا، وَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ فِي وَضْعِهِمْ ذَلِكَ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَطْ، وَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَاسِدًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَيُّوبَ بْنِ شُرَحْبِيلَ: خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَمِنْ

أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، إذَا كَانُوا يُدِيرُونَهَا، ثُمَّ لَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى رَأْسَ الْحَوْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ ذَلِكَ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَنْ مَجْهُولِينَ، وَلَيْسَ أَيْضًا فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيَانَ هَذَا كُلِّهِ، كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا أَبُو عُبَيْدٍ ثنا الْأَنْصَارِيُّ هُوَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ: عَمَّارًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ -: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ مَسَحَ الْأَرْضَ فَوَضَعَ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا، وَجَعَلَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ بِهَا مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَجَعَلَ عَلَى رُءُوسِهِمْ - وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ -: أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَأَجَازَهُ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ وَذِمَّتِهِمْ، وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: سَأَلْت زِيَادَ بْنَ حُدَيْرٍ: مَنْ كُنْتُمْ تُعْشِرُونَ؟ قَالَ مَا كُنَّا نُعْشِرُ مُسْلِمًا وَلَا مُعَاهِدًا، كُنَّا نُعْشِرُ تُجَّارَ أَهْلِ الْحَرْبِ كَمَا يُعَشِّرُونَنَا إذَا أَتَيْنَاهُمْ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يُعَاقَدْ عَلَى ذَلِكَ. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ: ثنا مُعَاوِيَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَخْوَفُ عِنْدِي أَنْ يُدْخِلُنِي النَّارَ مِنْ عَمَلِكُمْ هَذَا، وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ ظَلَمْتُ فِيهِ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا هَذَا الْحَبَلُ الَّذِي لَمْ

مسألة الزكاة فيما أصيب من العنبر والجواهر والياقوت والزمرد

يَسُنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ؟ قَالُوا: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ دَخَلْتَ فِيهِ؟ قَالَ: لَمْ يَدَعْنِي زِيَادٌ، وَلَا شُرَيْحٌ، وَلَا الشَّيْطَانُ، حَتَّى دَخَلْتُ فِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مُحْدَثٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تَعَدَّى مَا كَانَ فِي عَقْدِهِمْ؛ كَمَا لَا يُظَنُّ بِهِ فِي أَمْرِهِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ أَنَّهُ فِيمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الزَّكَاة فِيمَا أُصِيبَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ] 703 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أُصِيبَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ - بِحَرِيِّهِ وَبَرِّيِّهِ -: شَيْءٌ أَصْلًا، وَهُوَ كُلُّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ فِي الْعَنْبَرِ، وَفِي كُلِّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ حِلْيَةِ الْبَحْرِ: الْخُمْسُ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مُطْرَحٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَنْبَرِ: إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمْسُ، مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا شَيْءَ فِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إغْرَامُ مُسْلِمٍ شَيْئًا بِغَيْرِ نَصٍّ صَحِيحٍ، وَكَانَ - بِلَا خِلَافٍ - كُلُّ مَا لَا رَبَّ لَهُ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

زكاة الفطر

[زَكَاةُ الْفِطْرِ] [مَسْأَلَةٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ] ِ 704 - مَسْأَلَةٌ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، وَإِنْ كَانَ مَنْ ذَكَرْنَا جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلُ، وَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، لَا قَمْحَ، وَلَا دَقِيقَ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ، وَلَا خُبْزَ وَلَا قِيمَةَ؛ وَلَا شَيْءَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ -: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَتْ فَرْضًا، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنْ قَالَ: مَعْنَى " فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَيُّ قَدَّرَ مِقْدَارَهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ دَعْوًى بِلَا بُرْهَانٍ وَإِحَالَةُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِلَا دَلِيلٍ. وَقَدْ أَوْرَدَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا وَأَمْرُهُ فَرْضٌ، قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» وَعَنْهُ أَيْضًا «كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ وَنُعْطِي الْفِطْرَ مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَالزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَا لَمْ نُؤْمَرْ وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَصَارَ أَمْرًا مُفْتَرَضًا ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَبَقِيَ فَرْضًا كَمَا كَانَ، وَأَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَلَوْلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحَّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» لَكَانَ فَرْضُهُ بَاقِيًا، وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ: زَكَاةً، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، وَالدَّلَائِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا؟ وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي قِلَابَةَ قَالَا جَمِيعًا: زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَوْمٌ: يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ: وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ.

وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا -: أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَقُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ، ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لَا الْحَبَّ: فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لِأَنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ، وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ، وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالذَّكَرِ - التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاحِشٌ جِدًّا؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْشُوفٌ، لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ؛ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ، وَالزَّبِيبَ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؛ أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا لَا يَعْلَمْنَهُ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ، وَالْعِرَاقَ، وَمِصْرَ، وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ دِينَهُمْ؟ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ، وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ لَا تَصِحُّ -: مِنْهَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا الْأَقِطُ لَا سَائِرَ مَا يُجِيزُونَ؟

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.» وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَاقِطٌ، لَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْأَقِطُ، وَالزَّبِيبُ. وَمِنْ طَرِيقِ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ مِنْ قَمْحٍ، وَيَقُولُ أَغْنُوهُمْ عَنْ تَطْوَافِ هَذَا الْيَوْمِ» . وَأَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ هَذَا نَجِيحٌ مُطَّرَحٌ يُحَدِّثُ بِالْمَوْضُوعَاتِ عَنْ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَعْلَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَشَادٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ كُلِّ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ» وَالنُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ ضَعِيفٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ قَدْ خَالَفَهُ؛ لِأَنَّهُ

لَا يُوجِبُ إلَّا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى: ثنا بَكْرُ بْنُ وَائِلِ بْنِ دَاوُد ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَوْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، أَوْ صَاعَ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ» . وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ: وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْعَتَكِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، أَوْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعٌ مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ» . فَحَصَل هَذَا الْحَدِيثُ رَاجِعًا إلَى رَجُلٍ مَجْهُولِ الْحَالِ، مُضْطَرِبٍ عَنْهُ، مُخْتَلَفٍ فِي اسْمِهِ، مَرَّةً: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَمَرَّةً: ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَلْقَ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ صُحْبَةٌ. وَأَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ هَمَّامُ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ

أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ خَطِيبًا فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ، صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ: " الْبُرَّ " وَلَا شَيْئًا غَيْرَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ: وَلَكِنَّا لَا نَحْتَجُّ بِهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ «أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُظَاهِرٍ شَعِيرًا وَقَالَ: أَطْعِمْ هَذَا، فَإِنَّ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ يَقْضِيَانِ مُدًّا مِنْ قَمْحٍ» وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَجَّ بَعَثَ صَارِخًا فِي بَطْنِ مَكَّةَ: أَلَا إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ «كَانُوا يُخْرِجُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ.» وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، وَعُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُقَيْلٌ: عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ عَمْرٌو: عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ثُمَّ اتَّفَقَ يَزِيدُ، وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ: مُدَّيْنِ حِنْطَةً» وَهَذَا مُرْسَلٌ.

وَمِثْلُهُ أَيْضًا - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كُلِّهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مَرَاسِيلُ. وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَهَا - يَعْنِي زَكَاةَ الْفِطْرِ - صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَلَا يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَوْسِ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَلَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا جَاهِلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا نَقَضَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِيهِ أَصْلَهَا -: فَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: بِأَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ، وَقَدْ تَرَكُوا هَاهُنَا مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ لَا تُجْزِئُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلَّا مِنْ حَبٍّ تَخْرُجُ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وَتُوقَفُ فِي الْأَقِطِ، وَأَجَازَهُ مَرَّةً أُخْرَى -: وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، فَأَجَازُوا الْمُرْسَلَ وَجَعَلُوهُ كَالْمُسْنَدِ، وَخَالَفُوا هَاهُنَا مِنْ الْمَرَاسِيلِ مَا لَوْ جَازَ قَبُولُ شَيْءٍ مِنْهَا لَجَازَ هَاهُنَا، لِكَثْرَتِهَا وَشُهْرَتِهَا وَمَجِيئِهَا مِنْ طَرِيقِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ - فِي أَشْهَرِ رِوَايَاتِهِمْ عَنْهُ - جَعَلَ الزَّبِيبَ كَالْبُرِّ فِي أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَمْ يُجِزْ الْأَقِطَ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَلَا أَجَازَ غَيْرَ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ وَدَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ فَقَطْ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَهَذَا خِلَافٌ لِبَعْضِ هَذِهِ الْآثَارِ وَخِلَافٌ لِجَمِيعِهَا فِي إجَازَةِ الْقِيمَةِ، وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ رَاوِيَ الْخَبَرِ إذَا تَرَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْخَبَرِ، كَمَا فَعَلُوا فِي خَبَرِ «غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا» . وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرُّقِيُّ عَنْ مَخْلَدٍ هُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ - عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَكَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ " صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ سُلْتٍ ". فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ خَالَفَ مَا رُوِيَ بِأَصَحَّ إسْنَادٍ يَكُونُ عَنْهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ رَدُّ تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا صَحِيحًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: " كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ؛ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ، وَهُوَ أَيْضًا مُضْطَرِبٌ فِيهِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ. فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ [حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ] عَنْ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا: الشَّعِيرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا عَنْ

كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ -: مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: ثنا ابْنُ عَجْلَانَ سَمِعْتُ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «لَمْ نُخْرِجْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ ثُمَّ شَكَّ سُفْيَانُ فَقَالَ: دَقِيقٌ أَوْ سُلْتٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عِيَاضَ بْنَ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، لَا نُخْرِجُ غَيْرَهُ» يَعْنِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إبْطَالُ إخْرَاجِ " الْبُرِّ " جُمْلَةً، وَفِي بَعْضِهَا إثْبَاتُ الزَّبِيبِ، وَفِي بَعْضِهَا نَفْيُهُ، وَإِثْبَاتُ الْأَقِطِ جُمْلَةً، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُمْ يَعِيبُونَ الْأَخْبَارَ الْمُسْنَدَةَ - الَّتِي لَا مَغْمَزَ فِيهَا - بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الِاضْطِرَابِ، كَحَدِيثِ إبْطَالِ تَحْرِيم الرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلَا عَجَبَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَقُولُ فِي خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ «ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» أَنَّ هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، ثُمَّ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مُسْنَدًا عَلَى اضْطِرَابِهِ وَتَعَارُضِ رُوَاتِهِ فِيهِ

فَلْيَقُلْ كُلُّ ذِي عَقْلٍ: أَيُّمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَا يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ ذَبْحُ فَرَسٍ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ بَيْتِ الزُّبَيْرِ، وَبَيْتَاهُمَا مُطْنِبَانِ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنَتُهُ عِنْدَهُ، عَلَى عِزَّةِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا، أَمْ صَدَقَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بَنِي خُدْرَةَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ بِصَاعِ أَقِطٍ، أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ، وَلَوْ ذُبِحَ فَرَسٌ لِلْأَكْلِ فِي جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ بَغْدَادَ مَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَلَوْ تَصَدَّقَتْ امْرَأَةُ أَحَدِنَا أَوْ جَارُهُ الْمُلَاصِقُ بِصَاعِ أَقِطٍ؛ أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ وَصَاعِ قَمْحٍ، مَا كَادَ هُوَ يَعْلَمُهُ فِي الْأَغْلَبِ؛ فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْحَقَائِقَ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلَاثَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَشْهَرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ نِصْفَ صَاعِ زَبِيبٍ يُجْزِئُ وَأَنَّ الْأَقِطَ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَأَشْهَرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الْأَقِطَ لَا يُجْزِئُ، وَأَجَازَ إخْرَاجَ مَا مَنَعَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ إخْرَاجِهِ، مِمَّا لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مِنْ الذُّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فَخَالَفُوهَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا لِمَنْ كَانَتْ قُوتَهُ، وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ إخْرَاجَ مَا مَنَعَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ إخْرَاجِهِ، فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ مَا هَذَا مِنْ التَّقْوَى، وَلَا مِنْ الْبِرِّ، وَلَا مِنْ النُّصْحِ لِمَنْ أَغْتَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَوَاَللَّهِ لَوْ انْسَنَدَ صَحِيحًا شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ لَبَادَرَنَا إلَى الْأَخْذِ بِهِ، وَمَا تَوَقَّفْنَا عِنْدَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا مُسْنَدٌ صَحِيحٌ وَلَا وَاحِدٌ، فَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْقَمْحِ لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَجَمَحَ فَرَسُ بَعْضِهِمْ فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ جُرْأَةً وَجَهْلًا، فَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ

عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ، وَالْعَبْدِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَعَدَلَهُ النَّاسُ بَعْدُ: مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَعَدَلَ النَّاسُ بَعْدُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ التَّمْرَ عَامًا فَأَعْطَى الشَّعِيرَ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ فِعْلُ النَّاسِ حُجَّةً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ مَا اسْتَجَازَ خِلَافَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] . وَلَا حُجَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ، لَكِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْجِنِّ مَعَهُمْ، وَنَحْنُ نَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ النَّاسِ الَّذِينَ تَقَرَّبَ ابْنُ عُمَرَ إلَيْهِ بِخِلَافِهِمْ، وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ عَنْ زَائِدَةَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ سُلْتٍ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا يَنْسَنِدُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ، ثُمَّ خِلَافُهُمْ لَهُ - لَوْ أُسْنِدَ وَصَحَّ - كَخِلَافِهِمْ لِسَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَإِبْطَالُ تَهْوِيلِهِمْ بِمَا فِيهِ مِنْ " كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ " بِخِلَافِ ابْنِ عُمَرَ الْمُخْبِرِ عَنْهُمْ كَمَا فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَأَيْضًا - فَإِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْخَبَرِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَادٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالْبُرُّ أَفْضَلُ مِنْ التَّمْرِ - يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ - فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لَا يُخْرِجُ إلَّا التَّمْرَ، أَوْ الشَّعِيرَ، وَلَا يُخْرِجُ الْبُرَّ، وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ أَصْحَابِهِ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمْ النَّاسُ الَّذِينَ يُسْتَوْحَشُ مِنْ خِلَافِهِمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، بِأَصَحِّ طَرِيقٍ، وَإِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ الْإِجْمَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَجَدُوهُ. وَعَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَرْسَلَ صَدَقَةَ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ قَالَ: كَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا يُخْرِجُ إلَّا تَمْرًا " يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. فَهَؤُلَاءِ: ابْنُ عُمَرَ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَعُرْوَةُ: لَا يُخْرِجُونَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَّا التَّمْرَ، وَهُمْ يَقْتَاتُونَ الْبُرَّ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ لَتَسَعُ إلَى إخْرَاجِ صَاعِ دَرَاهِمَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنْ قِيلَ: هُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قُلْنَا: مَا خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُكْمِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الصِّينِ، وَلَا بَعَثَ إلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إجَازَةِ مَالِكٍ إخْرَاجَ الذُّرَةِ، وَالدَّخَنِ، وَالْأُرْزِ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَصْلًا، وَمَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَخْبَارِ؛ وَمَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الْقَطَانِيِّ وَإِنْ كَانَتْ قُوتَ الْمُخْرِجِ، وَمَنَعَ مِنْ التِّينِ، وَالزَّيْتُونِ، وَإِنْ كَانَا قُوتَ الْمُخْرِجِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ، وَخِلَافٌ لِلْأَخْبَارِ، وَتَخَاذُلٌ فِي الْقِيَاسِ، وَإِبْطَالُهُمْ لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْبُرَّ أَفْضَلُ مِنْ الشَّعِيرِ، وَلَا شَكَّ

فِي أَنَّ الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ مِنْ الْبُرِّ وَالسُّكَّرُ أَفْضَلُ مِنْ الْبُرِّ وَأَقَلُّ مُؤْنَةٍ وَأَعْجَلُ نَفْعًا، فَمَرَّةً يُجِيزُونَ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ، وَمَرَّةً يَمْنَعُونَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الشَّافِعِيِّينَ وَلَا فَرْقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَشَغِبَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَخْبَارٍ نَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: مِنْهَا خَبَرٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ سَمِعَ أَبَا قِلَابَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَدَّى إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نِصْفَ صَاعٍ بُرٍّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُوَادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ سُلْتٍ، أَوْ زَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثَ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " كَانَ النَّاسُ يُعْطُونَ زَكَاةَ رَمَضَانَ نِصْفَ صَاعٍ، فَأَمَّا إذْ أَوْسَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ". وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ: كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ

تُعْطِي زَكَاةَ الْفِطْرِ - عَمَّنْ تَمَوَّنَ - صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: زَكَاةُ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ. قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: وَبَلَغَنِي هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ - يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبَ ثنا دَاوُد يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ - إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا؛ فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءَ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ» .

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ: أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إنَّ مَرْوَانَ لَا يَعْلَمُ، إنَّمَا عَلَيْنَا أَنَّ نُطْعِمَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ تَمْرٍ، أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " ذَكَرْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ؟ فَقَالَ لَا أُخْرِجُ إلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعَ زَبِيبٍ أَوْ صَاعَ أَقِطٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ؟ فَقَالَ: لَا، تِلْكَ قِيمَةُ مُعَاوِيَةَ، لَا أَقْبَلُهَا، وَلَا أَعْمَلُ بِهَا ". فَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ يَمْنَعُ مِنْ " الْبُرِّ " جُمْلَةً؛ وَمِمَّا عَدَا مَا ذُكِرَ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إيجَابُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَيْنَا بِذَلِكَ، وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَنَاقَضَ هَاهُنَا الْمَالِكِيُّونَ الْمُهَوِّلُونَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَخَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، (وَعُثْمَانَ) وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ، وَهُوَ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ صَحِيحٌ إلَّا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحْتَجُّونَ بِأَضْعَفَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ إذَا وَافَقَتْهُمْ. ثُمَّ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ: ابْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرَهُمْ أَفَلَا يَتَّقِي اللَّهَ مَنْ يَزِيدُ فِي الشَّرَائِعِ مَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ، مِنْ جَلْدِ الشَّارِبِ لِلْخَمْرِ ثَمَانِينَ، بِرِوَايَةٍ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ قَدْ صَحَّ خِلَافُهَا عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَهُ، وَعَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ بَعْدَهُ، وَالْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُخَالِفُهُمْ

مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَمَعَهُمْ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ -: ثُمَّ لَا يَلْتَفِتُ هَاهُنَا إلَى هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - الْمُتَزَيِّنُونَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِاتِّبَاعِهِمْ - فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؛ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَأُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَخَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا مَسْعُودٍ، وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَبِلَالًا وَأَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَابْنَ عُمَرَ، وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ يُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ لَيْسَ عَلَى الْأَعْرَابِ، أَهْلِ الْبَادِيَةِ زَكَاةُ الْفِطْرِ - وَعَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهَا عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُخْرِجُونَ فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَابِيًّا وَلَا بَدَوِيًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَمْ يُجِزْ تَخْصِيصَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُجْزِئُ لَبَنٌ وَلَا غَيْرُهُ، إلَّا الشَّعِيرَ، أَوْ التَّمْرَ فَقَطْ. وَأَمَّا الْحَمْلُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَهَا عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، وَالْجَنِينُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ: صَغِيرٍ، فَإِذَا أَكْمَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ انْصِدَاعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ حَفْصُ: ثنا شُعْبَةُ، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ: ثنا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ ثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ ثنا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، رِزْقُهُ، وَعَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، ثُمَّ يُكْتَبُ: شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هُوَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا مَوَاتَ، فَلَا حُكْمَ عَلَى مَيِّتٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ حَيًّا كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّ حُكْمٍ وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: ثنا أَبِي ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَقَتَادَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُعْطِي

مسألة زكاة الفطر عن الرقيق

صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْحَمْلِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَأَبُو قِلَابَةَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَصَحِبَهُمْ وَرَوَى عَنْهُمْ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْحَمْلِ أَيُزَكَّى عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَلَا يُعْرَفُ لِعُثْمَانَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ. [مَسْأَلَةٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ] 705 - مَسْأَلَةٌ: وَيُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُ عَنْ رَقِيقِهِ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْكُفَّارِ؟ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا تُؤَدَّى إلَّا عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِ التِّجَارَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: تُؤَدَّى عَنْهُمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ - حَاشَا أَبَا سُلَيْمَانَ -: يُخْرِجُهَا السَّيِّدُ عَنْهُمْ، وَبِهِ نَقُولُ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ: يُخْرِجُهَا الرَّقِيقُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ إخْرَاجَهَا عَنْ الرَّقِيقِ الْكُفَّارِ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَأْخُذُ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُهَا عَنْ الْمُسْلِمِ فِي الْكُفَّارِ مِنْ رَقِيقِهِ وَلَا إيجَابُهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْنَا زَكَاةُ الْفِطْرِ إلَّا عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رَقِيقِنَا فَقَطْ. وَلَكِنْ وَجَدْنَا حَدَّثَنَاهُ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ الْقَاضِي ثنا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الشَّرِيفِ ثنا

مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الْخَوْلَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْغَافِقِيُّ قَالَا جَمِيعًا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ، إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي رَقِيقِهِ عُمُومًا، فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَكَانَ بَاقِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بَعْضَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لَا مُعَارِضًا لَهُ أَصْلًا، فَلَمْ يَجُزْ خِلَافُ هَذَا الْخَبَرِ. وَبِهَذَا الْخَبَرِ تَأْدِيَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ عَنْ رَقِيقِهِ، لَا عَلَى الرَّقِيقِ؟ وَبِهِ أَيْضًا يَسْقُطُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبْطَلَ كُلَّ زَكَاةٍ فِي الرَّقِيقِ إلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ أَتَوْا إلَى زَكَاتَيْنِ مَفْرُوضَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا فِي الْمَوَاشِي، وَالْأُخْرَى زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ -: فَأَسْقَطُوا بِإِحْدَاهُمَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الْمَوَاشِي الْمُتَّخَذَةِ لِلتِّجَارَةِ، وَأَسْقَطُوا الْأُخْرَى بِزَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ وَحَسْبُكَ بِهَذَا تَلَاعُبًا؟

مسألة عبد بين اثنين فعلى من زكاة فطره

وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ غَلَّبُوا مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» وَلَمْ يُغَلِّبُوا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ فِي أَنَّ «صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» عَلَى مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ «إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَتَنَاقُضٌ وَلَا بُدَّ مِنْ تَغْلِيبِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بَيَانُ نَصٍّ فِي الْأَخَصِّ بِنَفْيِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْأَعَمِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَلَى مِنْ زَكَاة فِطْره] 706 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَلَى سَيِّدَيْهِمَا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، يُخْرِجُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِكَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّقِيقُ كَثِيرًا بَيْنَ سَيِّدَيْنِ فَصَاعِدًا؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَ عَلَى سَيِّدَيْهِ وَلَا عَلَيْهِ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَ الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ؟ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُخْرِجُ عَنْهُ سَيِّدَاهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَ الرَّقِيقُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ أُسْقِطَ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَعَنْ سَيِّدِهِ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ سَيِّدَيْهِ يَمْلِكُ عَبْدًا، وَلَا أَمَةً - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ مَلَكَ بَعْضَ الصَّاعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، فَكَذَلِكَ مَنْ مَلَكَ بَعْضَ عَبْدٍ، أَوْ بَعْضَ كُلِّ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ مِنْ رَقِيقٍ كَثِيرٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَمْلِكُ عَبْدًا، وَلَا أَمَةً فَصَدَقُوا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: يُخْرِجُهَا كُلُّ أَحَدٍ عَنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» فَهَؤُلَاءِ رَقِيقٌ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ رَقِيقٌ، فَالصَّدَقَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَهَذَا اسْمٌ يَعُمُّ النَّوْعَ كُلَّهُ وَبَعْضَهُ، وَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ، وَبِهَذَا النَّصِّ لَمْ يَجُزْ فِي الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ " رَقَبَةٌ " وَالنَّصُّ جَاءَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ؟ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: مَنْ أَعْطَى نِصْفَيْ شَاتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ أَجْزَأَتْهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُجْزِهِ؟

مسألة زكاة الفطر عن المكاتب الذي لم يؤد شيئا من كتابته

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَنْ كَانَ مِنْ مَمْلُوكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَلَى سَادَاتِهِ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ فَإِنْ كَانَ عَبْدَانِ فَصَاعِدًا عَنْ اثْنَيْنِ فَلَا صَدَقَةَ فِطْرٍ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُمْ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الصَّاعِ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، بَلْ مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ صَاعٍ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَيْسَ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلَّا عَنْ مَمْلُوكٍ تَمْلِكُهُ، قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إيجَابِهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، وَعَبْدٍ، صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَخَالَفُوا فِيهِ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي الْغَنَمِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَسْقَطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ. [مَسْأَلَةٌ زَكَاة الْفِطْر عَنْ الْمُكَاتَب الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ] 707 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَهُوَ عَبْدٌ، يُؤَدِّي سَيِّدُهُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ. فَإِنْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، أَوْ كَانَ عَبْدٌ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ، أَوْ أَمَةٌ كَذَلِكَ -: فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ مَمْلُوكٌ: عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ إخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ؛ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ بِمِقْدَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَلَمْ يَرِدْ عَلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ مُكَاتَبِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤَدِّي السَّيِّدُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ مُكَاتَبِهِ وَعَنْ مِقْدَارِ مَا يَمْلِكُ عَنْ الَّذِي بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي بَعْضُهُ رَقِيقٌ وَبَعْضُهُ حُرٌّ أَنْ يُخْرِجَ بَاقِيَ الصَّاعِ عَنْ بَعْضِهِ الْحُرِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَا عَلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى السَّيِّدِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنْ مُكَاتَبِهِ بِرِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ

عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِهِ وَرَقِيقِ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ فَكَانَ لَا يُؤَدِّي عَنْهُ، وَكَانَ لَا يَرَى عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةً. قَالُوا: وَهَذَا صَاحِبٌ لَا مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْأَثَرِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى الْمَرْءِ إخْرَاجَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ بَعْضُهُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنْ قَالُوا: لَعَلَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ رَقِيقِ الْمَرْأَةِ؟ قِيلَ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ كَلَّفَهُ إخْرَاجَهَا مِنْ كَسْبِهِ، كَمَا لِلْمَرْءِ أَنْ يُكَلِّفَ ذَلِكَ عَبْدَهُ، كَمَا يُكَلِّفُهُ الضَّرِيبَةَ؛ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يُخْرِجَهَا الْمُكَاتَبُ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَلَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، فَكُلُّ هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ " لَعَلَّ ". وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الْفِطْرِ نِصْفَ صَاعٍ؛ أَوْ عُشْرَ صَاعٍ، أَوْ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ صَاعٍ فَقَطْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَأَوْجَبَهَا عَلَى بَعْضِ إنْسَانٍ دُونَ سَائِرِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْفِطْرِ فِيمَنْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رَقِيقٍ مِمَّنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ، وَهَذَا مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَهَا عَلَى الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَلَيْسَ حُرًّا، وَلَا هُوَ أَيْضًا عَبْدٌ، وَلَا هُوَ رَقِيقٌ، فَسَقَطَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَجِبَ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا بُدَّ بِهَذَا النَّصِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي بَعْضَ كِتَابَتِهِ إنَّهُ يُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهِ -: فَهُوَ لِأَنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ مَمْلُوكٌ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ

مسألة إخراج بعض الصاع شعيرا وبعضه تمرا في زكاة الفطر

ثنا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ - أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمِقْدَارِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؟ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ. وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَعَطَاءٍ: يُؤَدِّيهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ. [مَسْأَلَةٌ إخْرَاجُ بَعْضِ الصَّاعِ شَعِيرًا وَبَعْضِهِ تَمْرًا فِي زَكَاة الْفِطْر] 708 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الصَّاعِ شَعِيرًا وَبَعْضِهِ تَمْرًا، وَلَا تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيمَةُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ لِلزَّكَاةِ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ رِضَاهُ، أَوْ إبْرَاؤُهُ. [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِج زَكَاة الْفِطْر إلَّا عَنْ نَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ] 709 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ أَبِيهِ، وَلَا عَنْ أُمِّهِ، وَلَا عَنْ زَوْجَتِهِ، وَلَا عَنْ وَلَدِهِ، وَلَا أَحَدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ، وَرَقِيقِهِ فَقَطْ. وَيَدْخُلُ فِي: الرَّقِيقِ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ، وَالْمُدَبَّرُونَ، غَائِبُهُمْ وَحَاضِرُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُخْرِجُهَا عَنْ زَوْجَتِهِ، وَعَنْ خَادِمِهَا الَّتِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهَا وَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ أَجِيرِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُخْرِجُهَا عَنْ زَوْجَتِهِ، وَعَنْ أَجِيرِهِ الَّذِي لَيْسَتْ أُجْرَتُهُ مَعْلُومَةً، فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ مَعْلُومَةً فَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ، وَلَا عَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ وَخَادِمِهَا إلَّا خَبَرًا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ صَدَقَةَ

مسألة من كان من العبيد له رقيق فمن يخرج زكاة الفطر عنهم

الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى، مِمَّنْ تَمُونُونَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِي هَذَا الْمَكَانِ عَجَبٌ عَجِيبٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِالْمُرْسَلِ، ثُمَّ أَخَذَ هَاهُنَا بِأَنْتَنِ مُرْسَلٍ فِي الْعَالِمِ، مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، وَيَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ كُلِّ كَذَّابٍ، وَسَاقِطٍ؛ ثُمَّ تَرَكُوا هَذَا الْخَبَرَ وَعَابُوهُ بِالْإِرْسَالِ وَبِضَعْفِ رَاوِيهِ وَتَنَاقَضُوا فَقَالُوا: لَا يُزَكِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَعَلَيْهِ - فُرِضَ - أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهَا فَحَسْبُكُمْ بِهَذَا تَخْلِيطًا. وَأَمَّا تَقْسِيمُ اللَّيْثِ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ ثُمَّ خَالَفُوهُ؛ فَلَمْ يَرَوْا أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الْأَجِيرِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُمَوَّنُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إيجَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى: هُوَ إيجَابٌ لَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ فِيهِ إلَّا مَنْ أَوْجَبَهُ النَّصُّ، وَهُوَ الرَّقِيقُ فَقَطْ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَوَاجِبٌ عَلَى ذَاتِ الزَّوْجِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ رَقِيقِهَا، بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَةٌ مِنْ كَانَ مِنْ الْعَبِيدِ لَهُ رَقِيقٌ فَمنْ يَخْرَج زَكَاة الْفِطْر عَنْهُمْ] 710 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ مِنْ الْعَبِيدِ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عَنْهُمْ لَا عَلَى سَيِّدِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ، وَلَا عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» . فَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ وَهُوَ رَقِيقٌ لِغَيْرِهِ، وَلَهُ رَقِيقٌ، فَعَلَى مَنْ هُوَ لَهُ رَقِيقٌ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ؛ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ رَقِيقِهِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَا يَلْزَمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَتَلْزَمُهُ عَنْ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: كَمَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهَذَا حَيْثُ تُخْطِئُونَ، فَتَقُولُونَ:

مسألة له عبدان فأكثر فهل يخرج صدقة الفطر عنهما

إنَّ الزَّوْجَةَ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَعَلَيْهَا أَنْ تُخْرِجَهَا عَنْ رَقِيقِهَا حَاشَا مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ لِخِدْمَتِهَا؟ وَلَوَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدُهُ فَحُبِسَ لِيُبَاعَ فَجَاءَ الْفِطْرُ، عَلَى مَنْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمَا؟ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ لَا تَقَعَانِ فِي قَوْلِنَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ سَاعَةَ تَسَلُّمِ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ: عَتَقَا فِي الْوَقْتِ. [مَسْأَلَةٌ لَهُ عَبْدَانِ فَأَكْثَرُ فَهَلْ يَخْرَج صَدَقَة الْفِطْر عَنْهُمَا] 711 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَهُ عَبْدَانِ فَأَكْثَرُ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَحَدِهِمَا تَمْرًا وَعَنْ الْآخَرِ شَعِيرًا، صَاعًا صَاعًا. وَإِنْ شَاءَ التَّمْرَ عَنْ الْجَمِيعِ، وَإِنْ شَاءَ الشَّعِيرَ عَنْ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؟ [مَسْأَلَةٌ الصِّغَارُ مِنْ يدفع زَكَاة الْفِطْر عَنْهُمْ] 712 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الصِّغَارُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجَهَا الْأَبُ، وَالْوَلِيُّ عَنْهُمْ مِنْ مَالٍ إنْ كَانَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ فَلَا زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ، وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤَدِّيهَا الْأَبُ عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، فَإِنْ أَدَّاهَا مِنْ مَالِهِمْ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ؟ قَالَ: وَيُؤَدِّيهَا عَنْ الْيَتِيمِ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَعَنْ رَقِيقِ الْيَتِيمِ أَيْضًا؟ وَقَالَ زُفَرُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَيْسَ عَلَى الْيَتِيمِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، كَانَ لَهُ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ فَإِنْ أَدَّاهَا وَصِيُّهُ ضَمِنَهَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْأَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ فَهِيَ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ وَهِيَ عَلَى الْيَتِيمِ فِي مَالِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يُؤَدِّيهَا عَنْ وَلَدِهِ الْكِبَارِ، كَانَ لَهُمْ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا الدَّعْوَى: فِي أَنَّ الْقَصْدَ بِذِكْرِ الصِّغَارِ إنَّمَا هُوَ إلَى آبَائِهِمْ لَا إلَيْهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْخِطَابِ إلَيْهِمْ فِي إيجَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى غَيْرِهِمْ -: فَمَنْ جَعَلَ الْآبَاءَ مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ دُونَ

مسألة لا يجد من أين يؤدي زكاة الفطر

سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَالْأَقَارِبِ، وَالْجِيرَانِ، وَالسُّلْطَانِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ الْأَبَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ رَجَعَ الْحَنِيفِيُّونَ إلَى مَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ؟ وَيَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ فِي هَذَا أَنْ يُؤَدِّيَهَا الْأَبُ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - عَنْهُمْ، كَانَ لَهُمْ مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ دُونَهُمْ. فَوَضَحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ. وَالْحَقُّ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى: الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ، وَادَّعَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ؟ ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَوَجَدْنَا مَنْ لَا مَالَ لَهُ - مِنْ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ - لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ؛ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْهَا قَطُّ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُهَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهَا، بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْيَتِيمِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَحْدُودَةٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ، فَلَمَّا خَرَجَ وَقْتُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَجِبَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا وَفِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجِدُ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ] 713 - مَسْأَلَةٌ: وَاَلَّذِي لَا يَجِدُ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَلَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِمَا ذُكِرَ أَيْضًا؟ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشَّعِيرِ لِغَلَائِهِ، أَوْ قَدَرَ عَلَى الشَّعِيرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّمْرِ لِغَلَائِهِ -: أَخْرَجَ صَاعًا وَلَا بُدَّ مِنْ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى بَعْضِ صَاعٍ أَدَّاهُ وَلَا بُدَّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَهُوَ وَاسِعٌ لِبَعْضِ الصَّاعِ، فَهُوَ مُكَلَّفٌ إيَّاهُ، وَلَيْسَ وَاسِعًا لِبَعْضِهِ، فَلَمْ يُكَلَّفْهُ.

مسألة زكاة الفطر عن عبده المرهون والآبق والغائب والمغصوب

وَهَذَا مِثْلُ الصَّلَاةِ، يَعْجِزُ عَنْ بَعْضِهَا وَيَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهَا، وَمِثْلُ الدِّينِ، يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى سَائِرِهِ؟ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلُ الصَّوْمِ، يَعْجِزُ فِيهِ عَنْ تَمَامِ الْيَوْمِ، أَوْ تَمَامِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ؛ وَلَا مِثْلُ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ، وَالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ، يَقْدِرُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى سَائِرِهِ؛ فَلَا يُجْزِئُهُ شَيْءٌ مِنْهُ. لِأَنَّ مَنْ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَعْضَهُ ثُمَّ بَعْضَهُ ثُمَّ بَعْضَهُ. وَلَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْيَوْمِ، وَلَا يُسَمَّى مَنْ لَمْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ صَائِمَ يَوْمٍ، إلَّا حَيْثُ جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَيُجْزِئُهُ حِينَئِذٍ؟ وَأَمَّا بَعْضُ الرَّقَبَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ بِتَعْوِيضِ الصِّيَامِ مِنْ الرَّقَبَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ فَلَمْ يَجُزْ تَعَدِّي النَّصِّ، وَكَانَ مُعْتِقُ بَعْضِ رَقَبَةٍ مُخَالِفًا لِمَا أُمِرَ بِهِ وَافْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّقَبَةِ التَّامَّةِ، أَوْ مِنْ الْإِطْعَامِ الْمُعَوِّضِ مِنْهَا، أَوْ الصِّيَامِ الْمُعَوِّضِ مِنْهَا. وَأَمَّا بَعْضُ الشَّهْرَيْنِ فَمِنْ بَعْضِهَا، أَوْ فَرَّقَهُمَا فَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ مُتَتَابِعًا، فَهُوَ عَلَيْهِ أَوْ عَوَّضَهُ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالتَّعْوِيضِ مِنْهُ. وَأَمَّا الْهَدْيُ فَإِنَّ بَعْضَ الْهَدْيِ مَعَ بَعْضِ هَدْيٍ آخَرَ لَا يُسَمَّى هَدْيًا، فَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ؛ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهِ؟ وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَيُجْزِئُهُ مَا وَجَدَ مِنْهُ حَتَّى يَجِدَ بَاقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الْآخِرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ وَالْآبِقِ وَالْغَائِبِ وَالْمَغْصُوبِ] 714 - مَسْأَلَةٌ: وَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ، وَالْآبِقِ، وَالْغَائِبِ، وَالْمَغْصُوبِ، لِأَنَّهُمْ رَقِيقُهُ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ. وَلِلسَّيِّدِ إنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ أَنْ يُكَلِّفَهُ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مَالِهِ، لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَ مَالٍ مَتَى شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْخَرَاجَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا كُلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا شَاءَ. [مَسْأَلَةٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمَجْنُونِ] 715 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ لِلْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَجْنُونِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ

مسألة كان فقيرا فأخذ من زكاة الفطر ففضل له ما يعطي في زكاة الفطر

أُنْثَى، حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ فَقِيرًا فَأَخَذَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَفَضَلَ لَهُ مَا يُعْطِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ] 716 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَخَذَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَوْ غَيْرِهَا مِقْدَارَ مَا يَقُومُ بِقُوتِ يَوْمِهِ وَفَضَلَ لَهُ مِنْهُ مَا يُعْطِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ -: لَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ لَهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَلَهُ أَخْذُهَا، وَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ: مَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ فَقِيرٌ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ فَهُوَ فَقِيرٌ؟ وَقَالَ آخَرُونَ: مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَنَتَكَلَّمُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْفَقِيرِ بِإِسْقَاطِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْهُ - إذَا كَانَ وَاجِدًا لِمِقْدَارِهَا أَوْ لِبَعْضِهِ - قَوْلٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، نَعْنِي بِإِسْقَاطِهَا عَنْ الْفَقِيرِ، وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ بِإِسْقَاطِ تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَقَطْ؛ فَإِذَا كَانَتْ فِي وُسْعِ الْفَقِيرِ فَهُوَ مُكَلَّفٌ إيَّاهَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ» . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي الْفَقِيرِ: أَنَّهُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَيُعْطِيهَا؟ [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ] 717 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَرَادَ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ أَوْ الْكِبَارِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِمْ -: لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَهَبَهَا لَهُمْ، ثُمَّ يُخْرِجَهَا عَنْ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يُخْرِجَهَا عَمَّنْ يَعْقِلُ مِنْ الْبَالِغِينَ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهُمْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا فَرَضَهَا عَلَيْهِ فِيمَا يَجِدُ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْهُ، أَوْ يَكُونُ وَلِيُّهُ قَادِرًا عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ مَالُ غَيْرِهِ مَكَانًا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ عَنْهُ؛ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ؛ فَإِذَا وَهَبَهَا لَهُ فَقَدْ صَارَ مَالِكًا لِمِقْدَارِهَا، فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ؛ وَلَا يَعْقِلُ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] .

مسألة وقت زكاة الفطر

وَأَمَّا الْبَالِغُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ وَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] 718 - مَسْأَلَةٌ: وَوَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ - الَّذِي لَا تَجِبُ قَبْلَهُ، إنَّمَا تَجِبُ بِدُخُولِهِ، ثُمَّ لَا تَجِبُ بِخُرُوجِهِ -: فَهُوَ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، مُمْتَدًّا إلَى أَنْ تَبْيَضَّ الشَّمْسُ وَتَحِلَّ الصَّلَاةُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ؛ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَمَنْ وُلِدَ حِينَ ابْيِضَاضِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ أَسْلَمَ كَذَلِكَ -: فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَمَنْ مَاتَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ تَمَادَتْ حَيَاتُهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ -: فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا وَلَهُ مِنْ ابْنٍ يُؤَدِّيهَا فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا مَتَى أَدَّاهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقْتُهَا مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَنْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ أَوْ أَسْلَمَ فَلَا زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ فِيهَا فَهِيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقْتُهَا انْشِقَاقُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ، وَمَرَّةً قَالَ: إنَّ مَنْ وُلِدَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَمَّا مَنْ رَأَى وَقْتَهَا غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفِطْرُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْخُرُوجُ عَنْهُ جُمْلَةً. وَقَالَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ رَأَوْا وَقْتَهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ: إنَّ هَذَا هُوَ وَقْتُ الْفِطْرِ، لَا مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ كَانَ يُفْطِرُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُصْبِحُ صَائِمًا فَإِنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ صَوْمِهِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ، لَا قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ دَخَلَ وَقْتُهَا بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] .

فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْمُصَلَّى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا وَقْتُ أَدَائِهَا بِالنَّصِّ، وَخُرُوجُهُمْ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ لِإِدْرَاكِهَا، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْفِطْرِ هُوَ جَوَازُ الصَّلَاةِ بِابْيِضَاضِ الشَّمْسِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَمَّ الْخُرُوجُ إلَى صَلَاةِ الْفِطْرِ بِدُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا؟ وَبَقِيَ الْقَوْلُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا: فَوَجَدْنَا الْفِطْرَ الْمُتَيَقَّنَ إنَّمَا هُوَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ؛ وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَهَا غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَدَائِهَا فِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَقَدْ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ لِمَنْ هِيَ لَهُ، فَهِيَ دَيْنٌ لَهُمْ، وَحَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَقَدْ وَجَبَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالٍ وَحَرُمَ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا فِي مَالِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا أَبَدًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَيَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّهُمْ، وَيَبْقَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَضْيِيعِهِ الْوَقْتَ، لَا يَقْدِرُ عَلَى جَبْرِهِ إلَّا بِالِاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَصْلًا. فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرَ «أَبِي هُرَيْرَةَ إذْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَبِيتِ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ لَيْلَةً، وَثَانِيَةً، وَثَالِثَةً» -: فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا تَخْلُو تِلْكَ اللَّيَالِي أَنْ تَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَوَّالٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ، وَلَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَبَسَ صَدَقَةً وَجَبَ أَدَاؤُهَا عَنْ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ لَمْ يُكْمِلْ وَحَبَسَ وُجُودَ أَهْلِهَا؛ وَفِي تَأْخِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إعْطَاءَهَا بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ إخْرَاجِهَا لَمْ يَحِنْ بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ فَلَمْ يُخْرِجْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَلَا يُجْزِئُ؛ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَيَالِي شَوَّالٍ فَبِلَا

قسم الصدقة

شَكٍّ أَنَّ أَهْلَهَا لَمْ يُوجَدُوا، فَتَرَبَّصَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وُجُودَهُمْ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ [قَسْمُ الصَّدَقَةِ] [مَسْأَلَةٌ مَنْ تَوَلَّى تَفْرِيقَ زَكَاةِ مَالِهِ أَوْ زَكَاةِ فِطْرِهِ أَوْ تَوَلَّاهَا الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُهُ] قَسْمُ الصَّدَقَةِ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَوَلَّى تَفْرِيقَ زَكَاةِ مَالِهِ أَوْ زَكَاةِ فِطْرِهِ أَوْ تَوَلَّاهَا الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُهُ -: فَإِنَّ الْإِمَامَ، أَوْ أَمِيرَهُ: يُفَرِّقَانِهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ مُسْتَوِيَةٍ: لِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِلْفُقَرَاءِ سَهْمٌ، وَفِي الْمُكَاتَبِينَ وَفِي عِتْقِ الرِّقَابِ سَهْمٌ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى سَهْمٌ، وَلِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ سَهْمٌ، وَلِلْعُمَّالِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَهَا سَهْمٌ، وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَهْمٌ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ زَكَاةَ مَالِهِ فَفِي سِتَّةِ أَسْهُمٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَيَسْقُطُ: سَهْمُ الْعُمَّالِ، وَسَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ أَهْلِ سَهْمٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ، فَيُعْطِي مَنْ وَجَدَ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ أَهْلِ السِّهَامِ دُونَ بَعْضٍ، إلَّا أَنْ يَجِدَ، فَيُعْطِيَ مَنْ وَجَدَ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهَا كَافِرًا، وَلَا أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَالْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَا أَحَدًا مِنْ مَوَالِيهِمْ؟ فَإِنْ أَعْطَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا - عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا - لَمْ يُجْزِهِ، وَلَا جَازَ لِلْآخِذِ، وَعَلَى الْآخِذِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ، وَعَلَى الْمُعْطِي أَنْ يُوفِيَ ذَلِكَ الَّذِي أَعْطَى فِي أَهْلِهِ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْءُ صَدَقَتَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا؟ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عُمُومِ جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَجَمِيعِ الْمَسَاكِينِ. فَصَحَّ أَنَّهَا فِي الْبَعْضِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . فَصَحَّ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرْءُ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيفَائِهِ؛ فَسَقَطَ عُمُومُ كُلِّ فَقِيرٍ وَكُلِّ مِسْكِينٍ، وَبَقِيَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا سَقَطَ عَنْهُ أَيْضًا؛ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُسْقِطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ وَذَكَرُوا حَدِيثَ الذُّهَيْبَةِ الَّتِي قَسَمَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ، وَأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الذُّهَيْبَةُ مِنْ الصَّدَقَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلًا؛ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْطَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ، بَلْ قَدْ أَعْطَاهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ. وَذَكَرُوا حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ صَدَقَةَ بَنِي زُرَيْقٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ سَائِرَ الْأَصْنَافِ مِنْ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ؟ وَادَّعَى قَوْمٌ: أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قَدْ سَقَطَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ هُمْ الْيَوْمَ أَكْثَرُ مَا كَانُوا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُونَ هُمْ وَالْعَامِلُونَ إذَا تَوَلَّى الْمَرْءُ قِسْمَةَ صَدَقَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ عَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَأَمْرُ الْمُؤَلَّفَةِ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَمَرَ لِقَوْمٍ بِمَالٍ - وَسَمَّاهُمْ - أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَخُصَّ بِهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَمِنْ الْمُصِيبَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ أَمْرَ النَّاسِ أَوْكَدُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى -: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا رِفَاعَةُ

عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ اسْتَعْمَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَلَى صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ، فَأَتَاهُ لَا شَيْءَ مَعَهُ فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ رَافِعٌ إنَّ عَهْدِي بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ وَإِنِّي جَزَيْتُهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَقَسَّمْتُهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ» . وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّكَاةِ: ضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي نَصِيبِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ رَدُّهُ عَلَى الْآخَرِينَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ضَعْهَا حَيْثُ أَمَرَك اللَّهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَرَافِعٍ، كَمَا أَوْرَدْنَا، وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِي عَنْ حُذَيْفَةَ؛ وَعَطَاءٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ -: فَلِأَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ: لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا، وَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدٍ، وَلِلتَّثْنِيَةِ بِنِيَّةٍ فِي اللُّغَةِ، تَقُولُ: مِسْكِينٌ لِلْوَاحِدِ، وَمِسْكِينَانِ لِلِاثْنَيْنِ، وَمَسَاكِينُ لِلثَّلَاثَةِ، فَصَاعِدًا، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفُقَرَاءِ وَسَائِرُ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ؟ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا أَنْ لَا يُعْطِيَ كَافِرًا فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ فِي حَدِيثِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . فَإِنَّمَا جَعَلَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ. وَأَمَّا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " أَنَّ رَسُولَ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ الْقَوْمِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي: مَنْ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَطْ، لِأَنَّهُ لَا عَقِبَ لِهَاشِمٍ مِنْ غَيْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ لَا عَقِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَبْقَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلٌ إلَّا وَلَدُ الْعَبَّاسِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَالْحَارِثِ؛ وَأَبِي لَهَبٍ: بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَطْ؛ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَطْ وَمَوَالِيهِمْ. وَقَالَ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ: آلُ مُحَمَّدٍ: جَمِيعُ قُرَيْشٍ، وَلَيْسَ الْمَوَالِي مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثنا يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - ثنا شُعْبَةُ ثنا الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَرَادَ أَبُو رَافِعٍ أَنْ يَتْبَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ أَخْرَجَ الْمَوَالِيَ مِنْ حُكْمِهِمْ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ. وَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي «جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ جَاءَ هُوَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُكَلِّمَانِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَسَمَ مِنْ الْخُمْسِ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَسَمْتَ لِإِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا، وَقَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ مِنْكَ وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِمْ فِي شَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ فَصَحَّ أَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ، وَإِذْ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ؛ فَيَخْرُجُ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنُو نَوْفَلٍ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ، وَسَائِرُ قُرَيْشٍ عَنْ هَذَيْنِ: الْبَطْنَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يَحِلُّ لِهَذَيْنِ الْبَطْنَيْنِ صَدَقَةُ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ أَصْلًا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» فَسَوَّى بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَهُمْ، وَأَمَّا مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَدَقَةٍ مُطْلَقَةٍ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُمْ، كَالْهِبَةِ، وَالْعَطِيَّةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَالنُّحْلِ، وَالْحَبْسِ، وَالصِّلَةِ، وَالْبِرِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا تُجْزِئُ إنْ وُضِعَتْ فِي يَدِ مَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ - فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا لِقَوْمٍ خَصَّهُمْ بِهَا؛ فَصَارَ حَقُّهُمْ فِيهَا؛ فَمَنْ أَعْطَى مِنْهَا غَيْرَهُمْ فَقَدْ خَالَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَوَجَبَ عَلَى الْمُعْطِي إيصَالُ مَا عَلَيْهِ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ، وَوَجَبَ عَلَى الْآخِذِ رَدُّ مَا أَخَذَ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] .

مسألة إعتاق الإمام من الزكاة

[مَسْأَلَةٌ إعْتَاق الْإِمَام مِنْ الزَّكَاةِ] مَسْأَلَةٌ: الْفُقَرَاءُ هُمْ الَّذِينَ لَا شَيْءَ لَهُمْ أَصْلًا. وَالْمَسَاكِينُ: هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ شَيْءٌ لَا يَقُومُ بِهِمْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مُوسِرٌ، أَوْ غَنِيٌّ، أَوْ فَقِيرٌ، أَوْ مِسْكِينٌ، فِي الْأَسْمَاءِ. وَمَنْ لَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ. وَمَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ. وَمَنْ لَهُ مَا لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ مِنْهُ. وَمَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَهَذِهِ مَرَاتِبُ أَرْبَعٌ مَعْلُومَةٌ بِالْحِسِّ. فَالْمُوسِرُ بِلَا خِلَافٍ: هُوَ الَّذِي يَفْضُلُ مَالُهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ عَلَى السَّعَةِ. وَالْغَنِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فِي غِنًى عَنْ غَيْرِهِ. وَكُلُّ مُوسِرٍ غَنِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ غَنِيٍّ مُوسِرًا -: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْمِسْكِينِ، وَالْفَقِيرِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْئَيْنِ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا: إنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ ضَرُورَةِ حِسٍّ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَسَاكِينَ وَلَهُمْ سَفِينَةٌ؛ وَلَوْ كَانَتْ تَقُومُ بِهِمْ لَكَانُوا أَغْنِيَاءَ بِلَا خِلَافٍ. فَصَحَّ اسْمُ الْمِسْكِينِ بِالنَّصِّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ. وَبَقِيَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ أَصْلًا؛ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ إلَّا الْفَقِيرُ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّهُ ذَاكَ. وَرُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأَكْلَةُ وَالْأَكْلَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، قَالُوا: فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى، وَلَا يَفْطِنُ لِحَاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى إلَّا أَنَّ لَهُ شَيْئًا لَا يَقُومُ لَهُ،

فَهُوَ يَصْبِرُ وَيَنْطَوِي، وَهُوَ مُحْتَاجٌ وَلَا يَسْأَلُ. وَقَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] فَصَحَّ أَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ أَمْوَالِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] . قُلْنَا: صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ يَلْبَسُ الْمَرْءُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ إزَارًا وَرِدَاءً خَلِقَيْنِ غَسِيلَيْنِ لَا يُسَاوِيَانِ دِرْهَمًا، فَمَنْ رَآهُ كَذَلِكَ ظَنَّهُ غَنِيًّا، وَلَا يُعَدُّ مَالًا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ - وَذَكَرُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدُ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ عِيَالِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَإِنَّمَا صَارَ فَقِيرًا إذَا لَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا؟ وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا: هُمْ الْعُمَّالُ الْخَارِجُونَ مِنْ عِنْدِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ، وَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ، السُّعَاةُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ: أَنَا عَامِلٌ عَامِلًا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ فَلَيْسَ مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا؛ وَلَا يُجْزِئُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ، وَهِيَ مَظْلِمَةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، فَتُجْزِئُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَصَلَتْ إلَى أَهْلِهَا. وَأَمَّا عَامِلُ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ؛ وَلَيْسَ عَلَيْنَا مَا يَفْعَلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ، كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَلَا فَرْقَ، وَكَوَكِيلِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ لَهُمْ قُوَّةٌ لَا يُوثَقُ بِنَصِيحَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَلَّفُونَ بِأَنْ

يُعْطَوْا مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَمِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَالرِّقَابُ: هُمْ الْمُكَاتَبُونَ، وَالْعُتَقَاءُ؛ فَجَائِزٌ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطَى مِنْهَا الْمُكَاتَبُ. وَقَوْلُ غَيْرِهِ: يُعْطَى مِنْهَا مَا يُتِمُّ بِهِ كِتَابَتَهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ قَوْلَانِ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِمَا؟ وَبِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ؟ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا مُكَاتَبُ الْهَاشِمِيِّ، وَالْمُطَّلِبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمَا، وَلَا مَوْلًى لَهُمَا مَا لَمْ يُعْتَقْ كُلُّهُ؟ وَإِنْ أَعْتَقَ الْإِمَامُ مِنْ الزَّكَاةِ رِقَابًا فَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ مَالٍ بَاقٍ فِي مِلْكِ الْمُعْطِي الزَّكَاةَ. فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَرْءُ مِنْ زَكَاةِ نَفْسِهِ فَوَلَاؤُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِنْ مَالِهِ، وَعَبْدِ نَفْسِهِ؛ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْتِقْ مِنْ زَكَاتِك. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ إنْ مَاتَ رَجَعَ مِيرَاثُهُ إلَى سَيِّدِهِ. قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا حَسَنٌ، إذَا بَلَغَتْ الزَّكَاةُ مَحَلَّهَا فَرُجُوعُهَا بِالْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ حَسَنٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ مِنْ زَكَاتِهِ عَلَى قَرِيبٍ لَهُ ثُمَّ مَاتَ فَوَجَبَ مِيرَاثُهُ لِلْمُعْطِي: إنَّهُ لَهُ حَلَالٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنُ زَكَاتِهِ. وَالْغَارِمُونَ: هُمْ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ لَا تَفِي أَمْوَالُهُمْ بِهَا، أَوْ مَنْ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ بِهَا؛ فَأَمَّا مَنْ لَهُ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ فَلَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ غَارِمًا؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوَرٍ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هَارُونِ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ قَالَ: «تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْأَلُهُ فِيهَا؟ فَقَالَ: أَقِمْ يَا

قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرُ لَكَ بِهَا يَا قَبِيصَةُ إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَمَّا سَبِيلُ اللَّهِ فَهُوَ الْجِهَادُ بِحَقٍّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ غَيْرِ مَعْمَرٍ فَأَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَنَقَصَ بَعْضُهُمْ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ مَعْمَرٌ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا؟ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا فِي الْحَجِّ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ فِعْلِ خَيْرٍ فَهُوَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ كُلَّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُوضَعَ إلَّا حَيْثُ بَيَّنَ النَّصُّ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَابْنُ السَّبِيلِ: هُوَ مَنْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةٍ فَاحْتَاجَ؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَسَّانَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ فِي الْحَجِّ وَأَنْ يُعْتِقَ مِنْهَا النَّسَمَةَ؟

مسألة إعطاء المرء من الزكاة مكاتبه ومكاتب غيره

وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ: صَاحِبًا، لَا يُعْرَفُ مِنْهُمْ لَهُ مُخَالِفٌ. [مَسْأَلَةٌ إعْطَاء الْمَرْء مِنْ الزَّكَاة مُكَاتَبَهُ وَمُكَاتَبَ غَيْرِهِ] 721 - مَسْأَلَةٌ: وَجَازَ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْءُ مِنْهَا مُكَاتَبَهُ وَمُكَاتَبَ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبِرِّ، وَالْعَبْدُ الْمُحْتَاجُ الَّذِي يَظْلِمُهُ سَيِّدُهُ وَلَا يُعْطِيهِ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ: أَجَازَ ذَلِكَ؟ وَمَنْ كَانَ أَبُوهُ؛ أَوْ أُمُّهُ؛ أَوْ ابْنُهُ، أَوْ إخْوَتُهُ، أَوْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْغَارِمِينَ، أَوْ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ أَوْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ -: جَازَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ صَدَقَتِهِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَدَاءُ دُيُونِهِمْ وَلَا عَوْنُهُمْ فِي الْكِتَابَةِ وَالْغَزْوِ وَكَمَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ أَوْصَى عُمَرَ فَقَالَ: مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهَا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ زَكَاةٌ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالدُّنْيَا جَمِيعِهَا، وَعَنْ الْحَسَنِ: لَا تُجْزِئُ حَتَّى يَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إعْطَاء الْمَرْأَة زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا] 722 - مَسْأَلَةٌ: وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا؛ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ، صَحَّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَفْتَى زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ إذْ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَسَأَلَتْهُ: أَيَسَعُهَا أَنْ تَضَعَ صَدَقَتَهَا فِي زَوْجِهَا، وَفِي بَنِي أَخٍ لَهَا يَتَامَى؟ فَأَخْبَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ لَهَا أَجْرَيْنِ: أَجْرَ الصَّدَقَةِ وَأَجْرَ الْقَرَابَةِ» ؟ . [مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ] 723 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، كَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا أَوْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ خَمْسِينَ بَقَرَةً، أَوْ أَصَابَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ وَهُوَ لَا يَقُومُ مَا مَعَهُ بِعَوْلَتِهِ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ أَوْ لِغَلَاءِ السِّعْرِ -: فَهُوَ مِسْكِينٌ، يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ مِنْ مَالِهِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِقُوتِ الْيَوْمِ، أَوْ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، أَوْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، أَوْ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ؟

وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْغِنَى بِقُوتِ الْيَوْمِ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ، فَقِيلَ: وَمَا حَدُّ الْغِنَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» . وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «إنْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِكَ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ مَا يُعَشِّيهِمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي كُلَيْبٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً يَتَكَثَّرُ بِهَا عَنْ غِنًى فَقَدْ اسْتَكْثَرَ مِنْ النَّارِ، فَقِيلَ: مَا الْغِنَى؟ قَالَ: غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ، لِأَنَّ أَبَا كَبْشَةَ السَّلُولِيَّ مَجْهُولٌ وَابْنَ لَهِيعَةَ سَاقِطٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافًا» . وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ» . قَالَ: " وَكَانَتْ الْأُوقِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ".

وَمِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ لَهَا: إنْ كَانَتْ لَكِ أُوقِيَّةٌ فَلَا تَحِلُّ لَكِ الصَّدَقَةُ، قَالَ مَيْمُونُ: وَالْأُوقِيَّةُ حِينَئِذٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَوَّلُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، وَلَا يُدْرَى صِحَّةُ صُحْبَتِهِ، وَالثَّانِي عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ - الْمُقَلَّدِينَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى ذَلِكَ النَّاكِحِ فِي الْأَبَدِ، وَقَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي سَائِرِ مَا يَدَّعُونَ أَنَّ خِلَافَهُ فِيهِ لَا يَحِلُّ كَحَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَتَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً -: أَنْ يُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا، وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ، وَلَكِنْ لَا يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ خُمُوشًا أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ. قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ حِسَابُهَا مِنْ الذَّهَبِ» قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ مَنْ حَدَّثَهُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ: عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ الْحَكِيمُ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ؛ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَوْ عِدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ؟ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ - وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ سَاقِطٌ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ زُبَيْدٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ - الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ وَالْمُعَظِّمِينَ خِلَافَ الصَّاحِبِ، وَالْمُحْتَجِّينَ بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ فِي رَدِّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ

لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا -: أَنْ لَا يَخْرُجُوا عَنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ خِلَافٌ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَعْدٍ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُرْسَلِ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ الْغِنَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَسْقَطُ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ إلَّا أَنْ قَالُوا: إنَّ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذَا غَنِيٌّ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالزَّكَاةِ عَلَى مَنْ أَصَابَ سُنْبُلَةً فَمَا فَوْقَهَا، أَوْ مَنْ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ؛ أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا حَدَّ الْغِنَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، دُونَ السُّنْبُلَةِ؛ أَوْ دُونَ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً، وَكُلُّ ذَلِكَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَهَذَا هَوَسٌ مُفْرِطٌ. وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ تَبْلُغُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ أَنَّ مَنْ لَهُ الدُّورُ الْعَظِيمَةُ، وَالْجَوْهَرُ وَلَا يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» دَلِيلٌ وَلَا نَصٌّ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِنْ غَنِيٍّ وَلَا تُرَدُّ إلَّا عَلَى فَقِيرٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَقَطْ، وَهَذَا حَقٌّ، وَتُؤْخَذُ أَيْضًا - بِنُصُوصٍ أُخَرَ - مِنْ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَيْسُوا أَغْنِيَاءَ، وَتُرَدُّ بِتِلْكَ النُّصُوصِ عَلَى أَغْنِيَاءَ كَثِيرٍ، كَالْعَامِلِينَ؛ وَالْغَارِمِينَ؛ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَابْنِ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ. فَهَذِهِ خَمْسُ طَبَقَاتٍ أَغْنِيَاءَ، لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ؟ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَهُمْ إذْ يَقُولُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِمْ مَنْ لَيْسَ فَقِيرًا، وَلَا مِسْكِينًا؟

مسألة إظهار الصدقة

وَتُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ، وَمِمَّنْ لَمْ يُصِبْ إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ - لَعَلَّهَا لَا تُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا - وَلَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِيَالِ فِي عَامٍ سُنَّةً. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَهُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصٍ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَغْنُوا - يَعْنِي مِنْ الصَّدَقَةِ، وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ خِلَافًا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ مَنْ لَهُ الدَّارُ، وَالْخَادِمُ، إذَا كَانَ مُحْتَاجًا؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ ذَلِكَ؟ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يُعْطَى مِنْهَا مَنْ لَهُ الْفَرَسُ، وَالدَّارُ؛ وَالْخَادِمُ؟ وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ: يُعْطَى مَنْ لَهُ الْعَطَاءُ مِنْ الدِّيوَانِ وَلَهُ فَرَسٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْكَثِيرُ جِدًّا وَالْقَلِيلُ، لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، إذْ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ؟ [مَسْأَلَةٌ إظْهَارُ الصَّدَقَةِ] 724 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إظْهَارُ الصَّدَقَةِ - الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ رِيَاءً: حَسَنٌ، وَإِخْفَاءُ كُلِّ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إعْلَانُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَرْقٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] .

مسألة على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم

فَإِنْ قَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى صَلَاةِ الْفَرْضِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ حَقٌّ، فَأَذِّنُوا لِلزَّكَاةِ كَمَا يُؤَذَّنُ لِلصَّلَاةِ وَمِنْ الصَّلَاةِ غَيْرِ الْفَرْضِ مَا يُعْلَنُ بِهَا كَالْعِيدَيْنِ، وَالْكُسُوفِ، وَرَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، فَقِيسُوا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ عَلَى ذَلِكَ؟ [مَسْأَلَةٌ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يَقُومُوا بِفُقَرَائِهِمْ] 725 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفُرِضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يَقُومُوا بِفُقَرَائِهِمْ، وَيُجْبِرُهُمْ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ، إنْ لَمْ تَقُمْ الزَّكَوَاتُ بِهِمْ، وَلَا فِي سَائِرِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَيُقَامُ لَهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ مِنْ الْقُوتِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمِنْ اللِّبَاسِ لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَبِمَسْكَنٍ يَكُنُّهُمْ مِنْ الْمَطَرِ، وَالصَّيْفِ وَالشَّمْسِ، وَعُيُونِ الْمَارَّةِ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] . فَأَوْجَبَ تَعَالَى حَقَّ الْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ مَعَ حَقِّ ذِي الْقُرْبَى وَافْتَرَضَ الْإِحْسَانَ إلَى الْأَبَوَيْنِ، وَذِي الْقُرْبَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْجَارِ، وَمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ، وَالْإِحْسَانُ يَقْتَضِي كُلَّ مَا ذَكَرْنَا، وَمَنْعُهُ إسَاءَةٌ بِلَا شَكٍّ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] . فَقَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى إطْعَامَ الْمِسْكِينِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ. وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمْ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ كَانَ عَلَى فَضْلَةٍ وَرَأَى الْمُسْلِمَ أَخَاهُ جَائِعًا عُرْيَانَ ضَائِعًا فَلَمْ يُغِثْهُ -: فَمَا رَحِمَهُ بِلَا شَكٍّ. وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي ظَبْيَانَ وَزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، وَكُلُّهُمْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى أَيْضًا مَعْنَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ هُوَ التَّبُوذَكِيُّ - ثنا الْمُعْتَمِرُ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ أَبِيهِ ثنا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حَدَّثَهُ «أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةَ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ» أَوْ كَمَا قَالَ فَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ تَرَكَهُ يَجُوعُ وَيَعْرَى - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إطْعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ - فَقَدْ أَسْلَمَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ، وَبِكُلِّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ نَقُولُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ» .

وَالنُّصُوصُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَأَخَذْت فُضُولَ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ فَقَسَّمْتُهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْجَلَالَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي شِهَابٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِي فُقَرَاءَهُمْ، فَإِنْ جَاعُوا أَوْ عَرُوا وَجَهَدُوا فَمَنَعَ الْأَغْنِيَاءُ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحَاسِبَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ؟ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي مَالِكَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّهُمْ لِمَنْ سَأَلَهُمْ: إنْ كُنْت تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُوجِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ زَادَهُمْ فَنِيَ فَأَمَرَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجَمَعُوا أَزْوَادَهُمْ فِي مِزْوَدَيْنِ، وَجَعَلَ يَقُوتُهُمْ إيَّاهَا عَلَى السَّوَاءِ؟ فَهَذَا إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَغَيْرِهِمْ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافَ هَذَا، إلَّا عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ حَقٍّ فِي الْمَالِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ رَأْيُهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِهَذَا أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَيَرَى فِي الْمَالِ حُقُوقًا سِوَى الزَّكَاةِ، مِنْهَا النَّفَقَاتُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ الْمُحْتَاجَيْنِ، وَعَلَى الزَّوْجَةِ، وَعَلَى الرَّقِيقِ، وَعَلَى الْحَيَوَانِ، وَالدُّيُونِ، وَالْأُرُوشِ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

قَالَ: مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] نَسَخَتْهَا: الْعُشْرُ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ. فَإِنَّ رِوَايَةَ مِقْسَمٍ سَاقِطَةٌ لِضَعْفِهِ ؛ وَلَيْسَ فِيهَا وَلَوْ صَحَّتْ خِلَافٌ لِقَوْلِنَا؟ وَأَمَّا رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ فَإِنَّمَا هِيَ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ تَطَوُّعًا؛ وَهَذَا صَحِيحٌ؟ وَأَمَّا الْقِيَامُ بِالْمَجْهُودِ فَفَرْضٌ وَدَيْنٌ، وَلَيْسَ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ. وَيَقُولُونَ: مَنْ عَطِشَ فَخَافَ الْمَوْتَ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ حَيْثُ وَجَدَهُ وَأَنْ يُقَاتِلَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَبَاحُوا لَهُ مِنْ الْقِتَالِ عَلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الْعَطَشِ، وَبَيْنَ مَا مَنَعُوهُ مِنْ الْقِتَالِ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْهَا الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ. وَهَذَا خِلَافٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَلِلْقُرْآنِ، وَلِلسُّنَنِ، وَلِلْقِيَاسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ اُضْطُرَّ أَنْ يَأْكُلَ مَيْتَةً، أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ وَهُوَ يَجِدُ طَعَامًا فِيهِ فَضْلٌ عَنْ صَاحِبِهِ، لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ إطْعَامُ الْجَائِعِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ وَلَا إلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَتَلَ الْمَانِعَ فَإِلَى لَعْنَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ حَقًّا، وَهُوَ طَائِفَةٌ بَاغِيَةٌ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَمَانِعُ الْحَقِّ بَاغٍ عَلَى أَخِيهِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ؛ وَبِهَذَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَانِعَ الزَّكَاةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ كِتَابُ الزَّكَاةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ عَوْنِهِ.

كتاب الصيام

[كِتَابُ الصِّيَامِ] [مَسْأَلَةٌ الصِّيَامُ قِسْمَانِ فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ الصِّيَامِ 726 - مَسْأَلَةٌ: الصِّيَامُ قِسْمَانِ فَرْضٌ، وَتَطَوُّعٌ، وَهَذَا إجْمَاعُ حَقٍّ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا سَبِيلَ فِي بِنْيَةِ الْعَقْلِ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ [مَسْأَلَةٌ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ] 727 - مَسْأَلَةٌ: فَمِنْ الْفَرْضِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ، وَشَوَّالٍ، فَهُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ صَحِيحٍ مُقِيمٍ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ، فَلَا يَصُومَانِ أَيَّامَ حَيْضِهِمَا أَلْبَتَّةَ، وَلَا أَيَّامَ نَفَسِهِمَا، وَيَقْضِيَانِ صِيَامَ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَهَذَا كُلُّهُ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. [مَسْأَلَةٌ لَا صِيَام إلَّا بِنِيَّةٍ] 728 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ صِيَامٌ أَصْلًا - رَمَضَانَ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - إلَّا بِنِيَّةٍ مُجَدَّدَةٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِصَوْمِ الْيَوْمِ الْمُقْبِلِ، فَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ النِّيَّةِ بَطَلَ صَوْمُهُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَصَحَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِشَيْءٍ فِي الدِّينِ إلَّا بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِيهَا بِأَنَّهَا دِينُهُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» .

فَصَحَّ أَنَّهُ لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ لَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ إلَّا مَا نَوَى. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فَلَهُ صَوْمٌ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ صَوْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ: أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ، وَعَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ الْمَعَاصِي، فَكُلُّ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ - لَوْ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ بِلَا نِيَّةٍ لِلصَّوْمِ - لَكَانَ فِي كُلِّ وَقْتٍ صَائِمًا، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُ أَحَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ وَنَوَاهُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُجْزِئُ مَنْ لَمْ يَنْوِهِ مِنْ اللَّيْلِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَهُوَ لَا يَنْوِي صَوْمًا أَصْلًا، بَلْ نَوَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَا جَامَعَ -: فَإِنَّهُ صَائِمٌ وَيُجْزِئُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ نِيَّةٍ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: النِّيَّةُ فَرْضٌ لِلصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ التَّطَوُّعِ، أَوْ النَّذْرِ إلَّا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي النَّهَارِ، مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا شَرِبَ، وَلَا جَامَعَ، فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْهَا - لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ - لَمْ يَنْتَفِعْ بِإِحْدَاثِ النِّيَّةِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَلَا صَوْمَ لَهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَإِلَّا فَلَا صَوْمَ لَهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ فِي الصَّوْمِ وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَتُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ لِصَوْمِهِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ كُلِّ لَيْلَةٍ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ فَيُفْطِرَ، أَوْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ - حِينَئِذٍ - مُجَدَّدَةٍ قَالَ: وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ لَيْلَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد: مِثْلَ قَوْلِنَا، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً إحْدَاثَ النِّيَّةِ لَهُ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ -: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ

قَبْلَ الْفَجْرِ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَا يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ () -: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَجْمَعْ قَبْلَ الْفَجْرِ؟ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلًا، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَقَدْ خَالَفُوهُمْ هَاهُنَا، مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ قَالَ بِقَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ هُمْ يُشَنِّعُونَ أَيْضًا بِمِثْلِ هَذَا عَلَى مَنْ قَالَهُ مُتَّبِعًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَهُمْ هَاهُنَا خَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» .

وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَا يَضُرُّ إسْنَادُ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ أَنْ أَوْقَفَهُ مَعْمَرٌ، وَمَالِكٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَيُونُسُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، فَابْنُ جُرَيْجٍ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ، وَالزُّهْرِيُّ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، فَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمَرَّةً عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ، وَابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ، مَرَّةً رَوَاهُ مُسْنَدًا، وَمَرَّةً رَوَى أَنَّ حَفْصَةَ أَفْتَتْ بِهِ، وَمَرَّةً أَفْتَى هُوَ بِهِ، وَكُلُّ هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُعْتَرِضِينَ بِهَذَا مِنْ مَذْهَبِهِمْ: أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ، وَلَا تَبْدِيلُهُ، وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ، وَلَا النَّقْصُ مِنْهُ، إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ النِّيَّةَ مُتَّصِلَةً بِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ، كَمَا تَقُولُونَ: فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ.؟ قُلْنَا: لِوَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ وَلَسْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِمَّنْ يَضْرِبُ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِهِ، وَيَكْفُرُ بِبَعْضِهِ، وَلَا مِمَّنْ يُعَارِضُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَظَرِهِ الْفَاسِدِ؛ بَلْ نَأْخُذُ جَمِيعَ السُّنَنِ كَمَا وَرَدَتْ؛ وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِجَمِيعِهَا كَمَا أَتَتْ؟ وَالثَّانِي: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلَمْ يُكَلِّفْنَا - عَزَّ وَجَلَّ - السَّهَرَ مُرَاعَاةً لِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ؛ ثُمَّ نَحْنُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ وَإِنْ نِمْنَا وَإِنْ غَفَلْنَا، مَا لَمْ نَتَعَمَّدْ إبْطَالَهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ إحْدَاثَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؟ .

قُلْنَا: نَعَمْ، بِنَصٍّ صَحِيحٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا فَعَلْنَاهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لِزُفَرَ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُ قَالَ: رَمَضَانُ مَوْضِعٌ لِلصِّيَامِ وَلَيْسَ. مَوْضِعًا لِلْفِطْرِ أَصْلًا، فَلَا مَعْنَى لِنِيَّةِ الصَّوْمِ فِيهِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، مُبْطِلَةٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضِعًا لِلصَّوْمِ لَا لِلْفِطْرِ أَصْلًا وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِذَلِكَ الصَّوْمِ، وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا، وَلَا يُخْرِجُهَا مَخْرَجَ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ. وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ أُمِرْنَا بِأَنْ نَجْعَلَهُ لِلصَّوْمِ، وَنُهِينَا فِيهِ عَنْ الْفِطْرِ، إلَّا حَيْثُ جَاءَنَا النَّصُّ بِالْفِطْرِ فِيهِ، فَهُوَ وَقْتٌ لِلطَّاعَةِ مِمَّنْ أَطَاعَ بِأَدَاءِ مَا أُمِرَ بِهِ وَوَقْتٌ - وَاَللَّهِ - لِلْمَعْصِيَةِ الْعَظِيمَةِ فَمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ - يَقِينًا بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ - فَلَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ قَصْدٍ إلَى الطَّاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِنِيَّةٍ لِذَلِكَ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا أَوْ عَابِثًا -: أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتٌ لَهَا، لَا لِغَيْرِهَا أَصْلًا، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ: إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا. وَمَا عَلِمْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ حُجَّةً أَصْلًا فِي تِلْكَ التَّقَاسِيمِ الْفَاسِدَةِ السَّخِيفَةِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنْ ابْتَلَاهُ بِتَقْلِيدِهِ مَوَّهَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ نَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلِّقٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا، بَلْ قَدْ نَقَضَ أَصْلَهُ، فَأَوْجَبَ فِيهِ نِيَّةً؛ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، ثُمَّ أَوْجَبَهَا فِي النَّهَارِ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا؛ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا، وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً وَيَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ، فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ؛ وَقَدْ يَمْرَضُ فِيهِ أَوْ يُسَافِرُ، أَوْ تَحِيضُ، فَيَبْطُلُ الصَّوْمُ، وَكَانَ بِالْأَمْسِ صَائِمًا، وَيَكُونُ غَدًا صَائِمًا.

مسألة نسي أن ينوي من الليل في رمضان

وَإِنَّمَا شَهْرُ رَمَضَانَ كَصَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَا لَيْسَ صَلَاةً، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ نِيَّةٍ، فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي صَوْمِهِ مِنْ نِيَّةٍ. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ. وَإِنَّمَا يَخْرُجُ هَذَا عَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الَّذِي يَرَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا أَوْ أَفْطَرَهُ كُلَّهُ - سَوَاءٌ، وَأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ قَضَاءُ شَهْرٍ، كَمَا عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَا فَرْقَ. وَهَذَا مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ الْقِيَاسَ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا - فَلَا النَّصَّ اتَّبَعُوا، وَلَا الصَّحَابَةَ قَلَّدُوا، وَلَا قِيَاسَ صَحِبُوا، وَلَا الِاحْتِيَاطَ الْتَزَمُوا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نَسِيَ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ] 729 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَسِيَ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ فَأَيُّ وَقْتٍ ذَكَرَ مِنْ النَّهَارِ التَّالِي لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ - سَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ وَقْتِهِ إذَا ذَكَرَ، وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ، وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ ذَلِكَ تَامًّا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ، إلَّا مِقْدَارُ النِّيَّةِ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلَا صَوْمَ لَهُ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَعَمِّدٌ لِإِبْطَالِ صَوْمِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ - فَسَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - فِي أَيِّ وَقْتٍ جَاءَ الْخَبَرُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ فِي آخِرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا -: فَإِنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ سَاعَةً صَحَّ الْخَبَرُ عِنْدَهُ، وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ، وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَوْمُهُ بَاطِلٌ، كَمَا قُلْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا: مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَنَسِيَ النِّيَّةَ وَذَكَرَ بِالنَّهَارِ فَكَمَا قُلْنَا وَلَا فَرْقَ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ بِالنَّهَارِ وَلَا فَرْقَ

وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي رَمَضَانَ، أَوْ فِي الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَنْتَبِهْ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَوْ فِي آخِرِهِ - كَمَا قُلْنَا - فَكَمَا قُلْنَا أَيْضًا آنِفًا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَلَا اسْتَيْقَظَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ -: فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا نَاسٍ، أَوْ مُخْطِئٌ غَيْرُ عَامِدٍ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ثنا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ: مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إلَى» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا الْمَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: إنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ» .

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ مُسْنَدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ هُوَ كَانَ الْفَرْضُ حِينَئِذٍ صِيَامَهُ. كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا أَبُو مَعْمَرٍ ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - ثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَحُثُّنَا عَلَيْهِ وَيَتَعَاهَدُنَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْنَا عِنْدَهُ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ، حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ» . قَالَ عِرَاكٌ: فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا حُكْمَ صَوْمِ الْفَرْضِ، وَمَا نُبَالِي بِنَسْخِ فَرْضِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَدْ أُحِيلَ صِيَامُ رَمَضَانَ أَحْوَالًا، فَقَدْ كَانَ مَرَّةً: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، إلَّا أَنَّ حُكْمَ مَا كَانَ فَرْضًا حُكْمٌ وَاحِدٌ؛ وَإِنَّمَا نَزَلَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ؛ وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا - مِنْ نَاسٍ، أَوْ جَاهِلٍ، أَوْ نَائِمٍ - فَلَمْ يَعْلَمُوا وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ، فَحُكْمُهُمْ كُلِّهِمْ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اسْتِدْرَاكِ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ مَتَى مَا عَلِمُوا بِوُجُوبِ صَوْمِهِ عَلَيْهِمْ، وَسُمِّيَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَائِمًا، وَجَعَلَ فِعْلَهُ صَوْمًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ: أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى الْهِلَالِ بَعْدَمَا أَصْبَحُوا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ الطَّعَامِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ؟ وَعَنْ عَطَاءٍ: إذَا أَصْبَحَ رَجُلٌ مُفْطِرًا وَلَمْ يَذُقْ شَيْئًا ثُمَّ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ فَلْيَصُمْ مَا بَقِيَ وَلَا يُبَدِّلْهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: مَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ عَلَى أَقْوَالٍ -: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْوِي صَوْمَ يَوْمِهِ وَيُجْزِئُهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا -: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَصُومُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَرَوْا فِيهِ قَضَاءً، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَأْكُلُ بَقِيَّتَهُ وَيَقْضِيهِ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءٍ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:

يُمْسِكُ فِيهِ عَمَّا يُمْسِكُ الصَّائِمُ، وَلَا يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَكَلَ خَاصَّةً، دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ؛ وَفِيمَنْ عَلِمَ الْخَبَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَطْ، أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ، وَهَذَا أَسْقَطُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا قِيَاسَ، وَلَا نَعْلَمُهُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا يَخْلُو هَذَا الْإِمْسَاكُ - الَّذِي أَمَرُوهُ بِهِ - مِنْ أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يُجْزِئُهُ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، أَوْ لَا يَكُونُ صَوْمًا وَلَا يُجْزِئُهُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يَأْمُرُوهُ بِعَمَلٍ يَتْعَبُ فِيهِ وَيَتَكَلَّفُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا أَوْ صَائِمًا؛ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلِمَ يَقْضِيهِ إذَنْ؟ فَيَصُومُ يَوْمَيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا وَاحِدٌ. وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلِمَ أَمَرُوهُ بِعَمَلِ الصَّوْمِ؟ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَصْحِيحِ تَخْلِيطِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ - فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ - بِخَبَرِ الرُّبَيِّعِ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ خَالَفُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ، فَقَالُوا: مَنْ أَكَلَ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ بَاقِي يَوْمِهِ، وَفِي تَخْصِيصِهِمْ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ، ثُمَّ احْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِنْ عَادَتِهِمْ هَذَا الْخُلُقُ الذَّمِيمُ، وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا، وَتَمْوِيهٌ لَا يَسْتَجِيزُهُ مُحَقِّقٌ نَاصِحٌ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي فِي عَاشُورَاءَ - فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَتِمُّوا يَوْمَكُمْ هَذَا وَاقْضُوا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَفْظَةُ " وَاقْضُوا " مَوْضُوعَةٌ بِلَا شَكٍّ، وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ مَوْلَى بَنِي أَبِي الشَّوَارِبِ يُكَنَّى أَبَا الْحُسَيْنِ، مَاتَ سَنَةَ 51 هـ - إحْدَى وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَقَدْ اخْتَلَطَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَتَرَكَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ جُمْلَةً وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُسْلِمٍ مَجْهُولٌ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَيْسَتْ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ ثنا قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِنْهَالِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَسْلَمَ: «صُومُوا الْيَوْمَ قَالُوا: إنَّا قَدْ أَكَلْنَا، قَالَ: صُومُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ - يَعْنِي عَاشُورَاءَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ هُوَ الْبُرْسَانِيُّ - ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ

مسألة لا يجزئ صوم التطوع إلا بنية من الليل

عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: «غَدَوْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ عَاشُورَاءَ؛ فَقَالَ لَنَا: أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا؟ قُلْنَا: قَدْ تَغَدَّيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: فَصُومُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الْغَرَائِبِ تَمْوِيهُ الْحَنَفِيِّينَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ قَانِعٍ مِنْ قَوْلِهِ: «وَاقْضُوا» ثُمَّ خَالَفُوهَا فَلَمْ يَرَوْا الْقَضَاءَ إلَّا عَلَى مَنْ أَكَلَ دُونَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ، وَعَلَى مَنْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ الْكِذْبَةِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَحَيْثُمَا تَوَجَّهُوا عَثَرُوا، وَبِكُلِّ مَا احْتَجُّوا فَقَدْ خَالَفُوهُ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ الْخِذْلَانُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ صَوْمًا، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَ النِّيَّةِ، فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَجِبُ فِي الدِّينِ حُكْمٌ إلَّا بِأَحَدِهِمَا؛ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِصِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَا بِصَوْمِ غَيْرِهِ مَكَانَهُ، فَلَا يُجْزِئُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ مَكَانَ مَا أُمِرَ بِهِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ] 730 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا صَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَذَلِكَ، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِأَنْ لَا صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى النَّصِّ الْعَامِّ. وَقَوْلُنَا بِهَذَا فِي التَّطَوُّعِ، وَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالْكَفَّارَاتِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلَافَ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مِنْ غَدَاءٍ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» . وَقَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، قَالَ:

أَمَا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ» . وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ، قَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: إنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ مِنْ الضُّحَى، فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَأَنَا صَائِمٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُتْبَةَ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ بِمِثْلِ فِعْلِ أَبِي طَلْحَةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَبِيبٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنِّي لَأُصْبِحُ يَوْمَ طُهْرِي حَائِضًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ، فَأَسْتَبِينُ طُهْرِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ فَأَغْتَسِلُ ثُمَّ أَصُومُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ؛ وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَأَبُو إدْرِيسَ، وَأَبُو قِلَابَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ إذَا أَصْبَحَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْغَدَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؛ قَالَ: إنَّا صَائِمُونَ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ حِينَ يَنْتَصِفُ النَّهَارُ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ غِذَاءٍ؟ فَيَجِدُهُ، أَوْ لَا يَجِدُهُ، فَيَقُولُ: لَأُتِمَّنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَطَاءٌ: وَأَنَا أَفْعَلُهُ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يَسْأَلُ الْغَدَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَامَ يَوْمَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ

كَانَ يُصْبِحُ مُفْطِرًا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ فَيَجِدُهُ، أَوْ لَا يَجِدُهُ؛ فَيُتِمُّ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَصْبَحْتَ وَأَنْتَ تُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ: إنْ شِئْتَ صُمْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ؛ إلَّا أَنْ تَفْرِضَ عَلَى نَفْسِكَ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَصْبَحْتُ وَلَا أُرِيدُ الصَّوْمَ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ، فَإِنْ انْتَصَفَ النَّهَارُ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُفْطِرَ. وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَا جَمِيعًا: الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا لَمْ يُطْعِمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطْعِمَ طَعِمَ، وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ صَوْمًا كَانَ صَوْمًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالصِّيَامِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، حَتَّى يَمْتَدَّ النَّهَارُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ أَحَدَكُمْ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ مَا لَمْ يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ السُّلَمِيُّ - عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ بَدَا لَهُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ أَنْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَامَ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَدَا لَهُ فِي الصِّيَامِ بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ فَلْيَصُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: كُنْتُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ يَوْمَ فِطْرٍ؛ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ قُلْتُ: لَأَصُومَنَّ هَذَا الْيَوْمَ؛ فَصُمْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: أَصَبْتَ، قَالَ عَطَاءٌ: وَكُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ الْعَصْرِ

فَقَالَ: إنِّي لَمْ آكُلْ الْيَوْمَ شَيْئًا أَفَأَصُومُ.؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ عَلَيَّ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، أَفَأَجْعَلُهُ مَكَانَهُ؟ قَالَ نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا عَزَمَ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ الضُّحَى فَلَهُ النَّهَارُ أَجْمَعُ؛ فَإِنْ عَزَمَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ؛ وَإِنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يَعْزِمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَصْبَحَ وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا أَصْبَحَ أَنْ يَصُومَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ. فَقَالَ عَطَاءٌ: لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ: الصَّائِمُ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ، فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: مَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا تَسَحَّرَ الرَّجُلُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ هَمَّ بِالصَّوْمِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ؛ فَإِنْ سَأَلَهُ إنْسَانٌ فَقَالَ: أَصَائِمٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: إنْ شَاءَ، فَإِنْ قَالَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَنْ أَصْبَحَ وَهُوَ يَنْوِي الْفِطْرَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا شَرِبَ وَلَا وَطِئَ -: فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ، وَيَصِحُّ صَوْمُهُ بِذَلِكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نُخَالِفَ شَيْئًا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَنْ نَصْرِفَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ، وَهَذَا الْخَبَرُ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ نَوَى الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ لَقُلْنَا بِهِ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ، وَهَذَا مُبَاحٌ عِنْدَنَا لَا نَكْرَهُهُ، كَمَا فِي الْخَبَرِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ» لَمْ يَجُزْ أَنْ نَتْرُكَ هَذَا الْيَقِينَ لِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ نَهَارًا لَبَيَّنَهُ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ إذْ كَانَ فَرْضًا، وَالتَّسَمُّحُ فِي الدِّينِ لَا يَحِلُّ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِيءُ فَيَدْعُو بِالطَّعَامِ فَلَا يَجِدُهُ فَيَفْرِضُ الصَّوْمَ» . وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ قَانِعٍ - رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ - عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ الْبَلْخِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ وَلَمْ يَجْمَعْ الصَّوْمَ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيَصُومُ» قُلْنَا: لَيْثٌ ضَعِيفٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ عَطَاءٍ: هَالِكٌ، وَمِنْ دُونِهِ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَاَللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفُوا هَاهُنَا الْجُمْهُورَ بِلَا رِقْبَةٍ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ أَجَازَ أَنْ يُصْبِحَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا لِإِرَادَةِ الْفِطْرِ، ثُمَّ يَبْقَى كَذَلِكَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَنْوِي الصِّيَامَ حِينَئِذٍ وَيُجْزِئُهُ، وَادَّعَوْا

مسألة مزج نية صوم فرض بفرض آخر

الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فِي ذَلِكَ قَدْ كَذَبُوا، وَلَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْكَذِبِ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْ حُذَيْفَةَ نَصًّا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِطْلَاقٍ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَصًّا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَصًّا، وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ كَذَلِكَ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَزَجَ نِيَّةَ صَوْم فرض بِفَرْضٍ آخَرَ] 731 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَزَجَ نِيَّةَ صَوْمٍ فُرِضَ بِفَرْضٍ آخَرَ أَوْ بِتَطَوُّعٍ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ أَوْ زَكَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ عِتْقٍ -: لَمْ يُجْزِهِ لِشَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَبَطَلَ ذَلِكَ الْعَمَلُ كُلُّهُ، صَوْمًا كَانَ أَوْ صَلَاةً، أَوْ زَكَاةً، أَوْ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً أَوْ عِتْقًا، إلَّا مَزْجُ الْعُمْرَةِ بِالْحَجِّ لِمَنْ أَحْرَمَ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَطْ، فَهُوَ حُكْمُهُ اللَّازِمُ لَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ هُوَ أَنْ يَخْلُصَ الْعَمَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ لِلْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ فَقَطْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَمَنْ مَزَجَ عَمَلًا بِآخَرَ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَمْرُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ صَلَّى، وَهُوَ مُسَافِرٌ رَكْعَتَيْنِ نَوَى بِهِمَا الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا أَوْ صَامَ يَوْمًا مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا وَأَعْطَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ مَالِهِ وَنَوَى بِهِ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا، أَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَنَوَى بِهَا الْفَرِيضَةَ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا -: فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَصَوْمِ الْفَرْضِ، وَزَكَاةِ الْفَرْضِ، وَحَجَّةِ الْفَرْضِ، وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَمَّا الصَّلَاةُ فَتَبْطُلُ وَلَا تُجْزِئُهُ، لَا عَنْ فَرْضٍ وَلَا عَنْ تَطَوُّعٍ - وَأَمَّا الزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ فَيَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا فِيهِمَا جَمِيعًا، وَيَبْطُلُ الْفَرْضُ - وَأَمَّا الْحَجُّ فَيُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ. فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْقَطَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ؟ وَمَا نَدْرِي مِمَّنْ الْعَجَبُ أَمِمَّنْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ

مسألة نوى وهو صائم إبطال صومه

بِمِثْلِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى؟ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ بِالْإِهْذَارِ وَيَخُصُّ مَا يَشَاءُ، وَيُبْطِلُ بِالتَّخَالِيطِ، أَوْ مِمَّنْ قَلَّدَ قَائِلَهَا، وَأَفْنَى عُمُرَهُ فِي دَرْسِهَا وَنَصْرِهَا مُتَدَيِّنًا بِهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ؛ وَنَسْأَلُهُ إدَامَةَ السَّلَامَةِ وَالْعِصْمَةِ، وَنَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ بِذَلِكَ عَلَيْنَا كَثِيرًا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَيْهِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ: إنْ شَاءَ صَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَأَجْزَأَ عَنْهُ - يَعْنِي مَنْ فَرَضَهُ وَنَذَرَهُ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَصَامَ تَطَوُّعًا فَهُوَ قَضَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ.؟ [مَسْأَلَةٌ نَوَى وَهُوَ صَائِمٌ إبْطَالَ صَوْمِهِ] 732 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَوَى وَهُوَ صَائِمٌ إبْطَالَ صَوْمِهِ بَطَلَ، إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا لِأَنَّهُ فِي صَوْمٍ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا شَرِبَ وَلَا وَطِئَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ نَوَى إبْطَالَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَهُ مَا نَوَى بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الَّذِي لَا تَحِلُّ مُعَارَضَتُهُ، وَهُوَ قَدْ نَوَى بُطْلَانَ الصَّوْمِ، فَلَهُ بُطْلَانُهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِأَنَّهُ فِي صَوْمٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ نَوَى إبْطَالَ صَلَاةٍ هُوَ فِيهَا، أَوْ حَجٍّ هُوَ فِيهِ، وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا كَذَلِكَ، فَلَوْ نَوَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ صَوْمِهِ أَوْ أَعْمَالِهِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ آثِمًا، وَلَمْ يُبْطِلْ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا قَدْ صَحَّتْ وَتَمَّتْ كَمَا أُمِرَ، وَمَا صَحَّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْطِلَ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي بُطْلَانِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَمْ يُتِمَّ عَمَلَهُ فِيهَا كَمَا أُمِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ الْأَكْل أَوْ الشُّرْب أَوْ الْوَطْء أَوْ الْقَيْء وَهُوَ صَائِم] 733 - مَسْأَلَةٌ: وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ: تَعَمُّدُ الْأَكْلِ، أَوْ تَعَمُّدُ الشُّرْبِ، أَوْ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ؛ أَوْ تَعَمُّدُ الْقَيْءِ؛ وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ، وَسَوَاءٌ قَلَّ مَا أَكَلَ أَوْ كَثُرَ، أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ خَارِجِ فَمِهِ فَأَكَلَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا، إلَّا فِيمَا نَذْكُرُهُ، مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . وَمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا حَبِيبُ بْنُ خَلَفٍ الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ ثنا مُعَلَّى ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ

الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» . وَرُوِّينَا هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: عِيسَى بْنُ يُونُسَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ مَنْ تَعَمَّدَ أَنْ يَتَقَيَّأَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ صَوْمُهُ، فَإِنْ كَانَ مِلْءَ فِيهِ فَأَكْثَرَ، بَطَلَ صَوْمُهُ، وَهَذَا خِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَخَافَةِ التَّحْدِيدِ؟ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: مَنْ خَرَجَ - وَهُوَ صَائِمٌ - مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ سَحُورِهِ كَالْجَذِيذَةِ وَشَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَبَلَعَهُ عَامِدًا لِبَلْعِهِ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ لِأَحَدٍ قَبْلَهُمَا؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ أُكِلَ بَعْدُ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مَا لَمْ يُؤْكَلْ؟ فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ أَسْقَطَ وَأَوْحَشَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُحْتَجِّ لَهُ وَمَا عَلِمْنَا شَيْئًا أُكِلَ فَيُمْكِنُ وُجُودُهُ بَعْدَ الْأَكْلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَيْئًا أَوْ عَذِرَةً وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟ وَحَدَّ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ الْمِقْدَارَ الَّذِي لَا يَضُرُّ تَعَمُّدُ أَكْلِهِ فِي الصَّوْمِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ دُونَ مِقْدَارِ الْحِمَّصَةِ. فَكَانَ هَذَا التَّحْدِيدُ طَرِيفًا جِدًّا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَيُّ الْحِمَّصِ هُوَ؟ الْإِمْلِيسِيُّ الْفَاخِرُ، أَمْ الصَّغِيرُ؟ فَإِنْ قَالُوا قِسْنَاهُ عَلَى الرِّيقِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ بِخِلَافِ الرِّيقِ؟ وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ لَهُ مِطْحَنَةٌ كَبِيرَةٌ مَثْقُوبَةٌ فَدَخَلَتْ فِيهَا مِنْ سَحُورِهِ زَبِيبَةٌ، أَوْ بَاقِلَاءُ

مسألة تعمد المعصية أثناء الصوم

فَأَخْرَجَهَا يَوْمًا آخَرَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ صَائِمٌ: أَلَهُ تَعَمُّدُ بَلْعِهَا أَمْ لَا؟ فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ تَنَاقَضُوا، وَإِنْ أَبَاحُوا سَأَلْنَاهُمْ عَنْ جَمِيعِ طَوَاحِينِهِ وَهِيَ ثِنْتَا عَشْرَةَ مِطْحَنَةً - مَثْقُوبَةٌ كُلُّهَا فَامْتَلَأَتْ سِمْسِمًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ قُنَّبًا أَوْ حِمَّصًا أَوْ بَاقِلًا أَوْ خُبْزًا أَوْ زَرِيعَةَ كَتَّانٍ؟ فَإِنْ أَبَاحُوا تَعَمُّدَ أَكْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ حَصَّلُوا أُعْجُوبَةً وَإِنْ مَنَعُوا مِنْهُ تَنَاقَضُوا وَتَحَكَّمُوا فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ الْوَاضِحُ فَإِنَّ كُلَّ مَا سُمِّيَ أَكْلًا - أَيُّ شَيْءٍ كَانَ - فَتَعَمُّدُهُ يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَأَمَّا الرِّيقُ - فَقَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَلَا خِلَافَ فِي أَنْ تَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهُ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا فِي هَذَا، وَلَمْ يُقَلِّدْ مِنْ سَاعَةٍ مَنْ سَاعَاتِهِ خَيْرٌ مِنْ دَهْرِهِمَا كُلِّهِ وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ، الَّذِي رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَعِمْرَانَ الْقَطَّانِ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَأْكُلُ الْبَرْدَ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ عِمْرَانُ فِي حَدِيثِهِ: وَيَقُولُ: لَيْسَ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَقَدْ سَمِعَهُ شُعْبَةُ مِنْ قَتَادَةَ، وَسَمِعَهُ قَتَادَةُ مِنْ أَنَسٍ؛ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يُحَصِّلُونَ؟ [مَسْأَلَةٌ تَعَمُّدُ الْمَعْصِيَة أَثْنَاء الصَّوْم] 734 - مَسْأَلَةٌ: وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ أَيْضًا تَعَمُّدُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ - أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ، لَا نُحَاشِ شَيْئًا - إذَا فَعَلَهَا عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، كَمُبَاشَرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ، أَوْ تَقْبِيلِ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمُبَاحَتَيْنِ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ، أَوْ إتْيَانٍ فِي دُبُرِ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ كَذِبٍ، أَوْ غِيبَةٍ، أَوْ نَمِيمَةٍ، أَوْ تَعَمُّدِ تَرْكِ صَلَاةٍ، أَوْ ظُلْمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمَرْءِ فِعْلُهُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ هُوَ السَّمَّانُ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ» .

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى امْرَأَتَيْنِ صَائِمَتَيْنِ تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَقَالَ لَهُمَا: قِيئَا، فَقَاءَتَا قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هَا إنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَنْ الْحَلَالِ وَأَفْطَرَتَا عَلَى الْحَرَامِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ فِي الصَّوْمِ، فَكَانَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ - لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَصُمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصِّيَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهُوَ السَّالِمُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ، وَهُمَا اسْمَانِ يَعُمَّانِ كُلَّ مَعْصِيَةٍ؛ وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ مَنْ لَمْ يَدَعْ الْقَوْلَ بِالْبَاطِلِ - وَهُوَ الزُّورُ - وَلَمْ يَدَعْ الْعَمَلَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ. فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى صَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَبَّلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ وَلَا قَبِلَهُ فَهُوَ

بَاطِلٌ سَاقِطٌ؛ وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْمُغْتَابَةَ مُفْطِرَةٌ وَهَذَا مَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ؟ وَقَدْ كَابَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّمَا يَبْطُلُ أَجْرُهُ لَا صَوْمُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أَحْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرَ عَامِلِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْتَسِبْ لَهُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ وَلَا قَبِلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْبُطْلَانُ بِعَيْنِهِ بِلَا مِرْيَةٍ؟ وَبِهَذَا يَقُولُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَهُشَيْمٌ كِلَاهُمَا عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ هُشَيْمٌ: عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَحْدَهُ؛ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ، وَالْبَاطِلِ وَاللَّغْوِ؟ وَعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُهُ نَصًّا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ قَالَ جَابِرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ -: إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ، وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَخِيهِ طَلِيقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْت، فَكَانَ طَلِيقٌ إذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِهِ دَخَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا إلَى صَلَاةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَمَّادٍ الْبَكَّاءِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمِ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي قَالَ:

كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا؟ فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: عُمَرُ، وَأَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ، وَجَابِرٌ، وَعَلِيٌّ: يَرَوْنَ بُطْلَانَ الصَّوْمِ بِالْمَعَاصِي، لِأَنَّهُمْ خَصُّوا الصَّوْمَ بِاجْتِنَابِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْمُفْطِرِ، فَلَوْ كَانَ الصِّيَامُ تَامًّا بِهَا مَا كَانَ لِتَخْصِيصِهِمْ الصَّوْمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا مَعْنًى، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ التَّابِعِينَ: مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا أَصَابَ الصَّائِمُ شَوًى إلَّا الْغِيبَةَ، وَالْكَذِبَ. وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ؛ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا صَاحِبُهَا، وَخَرْقُهَا: الْغِيبَةُ؟ وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: إنَّ أَهْوَنَ الصَّوْمِ تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا عَنْ الْأَكْلِ لِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ عَمْدًا: أَيُفْطِرُ الصَّائِمَ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا فِيهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّوْمِ أَيْضًا بِالنَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَا. فَإِنْ قَالُوا: وَغَيْرُ الصَّائِمِ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْ الْمَعَاصِي؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَغَيْرُ الصَّائِمِ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَا نُبَالِي أَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ؟ قُلْنَا: وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْمَعَاصِي فِي صَوْمِهِ وَلَا نُبَالِي بِمَا عَصَى، أَبِأَكْلٍ وَشُرْبٍ، أَمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ بِهِمَا؟ قُلْنَا: فَلَا تُبْطِلُوا الصَّوْمَ إلَّا بِمَا أُجْمِعَ عَلَى بُطْلَانِهِ بِهِ وَهَذَا يُوجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُبْطِلُوهُ بِأَكْلِ الْبَرَدِ وَلَا بِكَثِيرٍ مِمَّا أَبْطَلْتُمُوهُ بِهِ كَالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؟

قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا فَاسِدًا مِنْ الْقِيَاسِ وَكَانَ أَصَحُّ أُصُولِكُمْ أَنْ تَقِيسُوا بُطْلَانَ الصَّوْمِ بِجَمِيعِ الْمَعَاصِي عَلَى بُطْلَانِهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ اجْتِنَابُ الْمَعَاصِي مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ صَحَّ بِأَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ كَمَا أَوْرَدْنَا. فَإِنْ قَالُوا: تِلْكَ الْأَخْبَارُ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْنَا: وَإِبْطَالُكُمْ الصَّوْمَ بِالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ، وَالْإِمْنَاءِ مَعَ التَّقْبِيلِ زِيَادَةٌ فَاسِدَةٌ بَاطِلَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَتَرَكْتُمْ زِيَادَةَ الْحَقِّ، وَأَثْبَتُّمْ زِيَادَةَ الْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 735 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ تَعَمَّدَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ، إلَّا فِي تَعَمُّدِ الْقَيْءِ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فِي تَعَمُّدِ الْقَيْءِ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَسْأَلَتَيْنِ؛ وَلَمْ يَأْتِ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِالتَّعَمُّدِ لِلْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْوَطْءِ: نَصٌّ بِإِيجَابِ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا افْتَرَضَ تَعَالَى رَمَضَانَ - لَا غَيْرَهُ - عَلَى الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، فَإِيجَابُ صِيَامِ غَيْرِهِ بَدَلًا مِنْهُ إيجَابُ شَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ شَهْرٍ مُسَمًّى فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّ صَوْمَ غَيْرِهِ يَنُوبُ عَنْهُ، بِغَيْرِ نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ -: وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ يَنُوبُ عَنْ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ، وَالصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ تَنُوبُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا كُلَّ مُفْطِرٍ بِعَمْدٍ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَّقِي عَمْدًا قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْقِيَاسَ؟ فَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَقِسْ الْمُفْطِرَ عَمْدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُمْ كَسُقُوطِهَا عَنْ الْمُتَّقِي عَمْدًا، وَهُمْ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: قَاسُوهُمْ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا، وَلَمْ يَقِيسُوهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى الْمُجَامِعِ عَمْدًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ؛ فَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ الَّذِي يَدَّعُونَ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْكُلِّ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كُلِّمَ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَقَطْ.

فَإِنْ ذَكَرُوا أَخْبَارًا وَرَدَتْ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؟ قِيلَ: تِلْكَ آثَارٌ لَا يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ -: لِأَنَّ أَحَدَهَا: مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِالْكَفَّارَةِ وَأَنْ يَصُومَ يَوْمًا» وَأَبُو أُوَيْسٍ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمًا» وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَلَمْ يَسْتَجِزْ الرِّوَايَةَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَالثَّالِثُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ اقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» ؟ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ: ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَالرَّابِعُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ الْوَاطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَهَذَا أَسْقَطَهَا كُلَّهَا لِأَنَّ الْحَجَّاجَ لَا شَيْءَ، ثُمَّ هِيَ صَحِيفَةٌ وَرُوِّينَاهُ مُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ؛ كُلِّهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَمَرَهُ بِقَضَاءِ يَوْمٍ» . وَهَذَا كُلُّهُ مُرْسَلٌ ، وَلَا تَقُومُ بِالْمُرْسَلِ حُجَّةٌ؟ وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ مِنْهَا خَبَرٌ وَاحِدٌ - مُسْنَدٌ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ - لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ، وَلَا نُضَعِّفُ الْمُحَدِّثِينَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَلَا عَلَيْكُمْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثنا مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ: هَلَكَ الْأَبْعَدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاجْلِسْ فَأُتِيَ بِعَرَقِ تَمْرٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ -: فَلْيَأْخُذُوا بِالْبَدَنَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ؛ وَإِلَّا فَالْقَوْمُ مُتَلَاعِبُونَ؟ وَقُلْنَا لَهُمْ: لَوْ أَرَدْنَا التَّعَلُّقَ بِمَا لَا يَصِحُّ لَوَجَدْنَا خَيْرًا مِنْ كُلِّ خَبَرٍ تَعَلَّقْتُمْ بِهِ هَاهُنَا، كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا جَمِيعًا: ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ حَدَّثَنِي أَبُو الْمُطَوِّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ - مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ - لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» .

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: وَأَنْبَأَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ ثنا إسْمَاعِيلُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الْمُطَوِّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ - مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَهَا اللَّهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَنْبَأَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلَانَ ثنا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَارَةَ بْنَ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْمُطَوِّسِ، قَالَ حَبِيبٌ: وَقَدْ رَأَيْت أَبَا الْمُطَوِّسِ، فَصَحَّ لِقَاؤُهُ إيَّاهُ فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَبَا الْمُطَوِّسِ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، وَيُعِيذُنَا اللَّهُ مِنْ أَنَّ نَحْتَجَّ بِضَعِيفٍ إذَا وَافَقْنَا، وَنَرُدُّهُ إذَا خَالَفَنَا؟ وَقَالَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا أَفَاضِلُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيمَا أَوْصَاهُ بِهِ: مَنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَوْ صَامَ الدَّهْرَ أَجْمَعَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَيْخٍ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ لِلْمَنْخَرَيْنِ لِلْمَنْخَرَيْنِ وِلْدَانُنَا صِيَامٌ ثُمَّ ضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَصَيَّرَهُ إلَى الشَّامِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً وَلَا كَفَّارَةً؟ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ، فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ، ثُمَّ ضَرَبَهُ مِنْ الْغَدِ عِشْرِينَ، وَقَالَ: ضَرَبْنَاكَ الْعِشْرِينَ لِجُرْأَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِكَ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً، وَلَا كَفَّارَةً وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ. عَنْ عَرْفَجَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يَقْضِهِ أَبَدًا طُولُ الدَّهْرِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ. وَبِأَصَحّ طَرِيقٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَوْمُ سَنَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ لَمْ يَقْضِهِ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ أَصْلِ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يُجَاحِشُونَ عَنْهُ - وَيَتْرُكُونَ لَهُ السُّنَنَ -: أَنَّ الْخَبَرَ إذَا خَالَفَهُ رَاوِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَوْ نَسْخِهِ، قَالُوا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مُغَفَّلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، فَتَرَكُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ خَالَفَهُ؛ وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ؛ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهِ، وَهَذَا مَكَانٌ قَدْ خَالَفَ فِيهِ - أَبُو هُرَيْرَةَ مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا الْقَضَاءِ. وَخَالَفَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَرَأَى عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ شَهْرٍ؛ فَيَنْبَغِي لَهُمْ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ

مسألة المريض والمسافر إذا أفطرا

بِهَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُ سَعِيدٍ؟ قُلْنَا: وَغَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قَالُوا مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْخَبَرُ وَيُفْتِي بِخِلَافِهِ؟ قُلْنَا: فَقُولُوا هَذَا فِي خَبَرِ غَسْلِ الْإِنَاءِ: مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ وَيُخَالِفُهُ وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ؟ [مَسْأَلَةٌ الْمَرِيض وَالْمُسَافِر إذَا أَفْطَرَا] 736 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا قَضَاءَ إلَّا عَلَى خَمْسَةٍ فَقَطْ: وَهُمْ الْحَائِضُ، وَالنُّفَسَاءُ فَإِنَّهُمَا يَقْضِيَانِ أَيَّامَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ، وَالْمَرِيضُ، وَالْمُسَافِرُ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] . وَالْمُتَقَيِّئُ عَمْدًا، بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَهَذَا كُلُّهُ أَيْضًا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ إذَا أَفْطَرَا، وَكُلُّهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا إثْمَ عَلَيْهِمْ، إلَّا الْمُتَقَيِّئَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ؛ فَإِنَّهُ آثِمٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ فِطْرًا فِي رَمَضَانَ بِمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ] ؟ 737 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرًا فِي رَمَضَانَ بِمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ، إلَّا مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْمُبَاحِ لَهُ وَطْؤُهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَقَطْ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، عَلَى مَا نَصِفُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُقَدَّرُ الْقَضَاءُ، لِمَا ذَكَرْنَا؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ إلَّا عَلَى وَاطِئِ امْرَأَتِهِ عَامِدًا، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ يَقَعُ عَلَى الْأَمَةِ الْمُبَاحِ وَطْؤُهَا، كَمَا يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا جَمْعَ لِلْمَرْأَةِ مِنْ لَفْظِهَا؛ لَكِنْ جَمْعُ الْمَرْأَةِ عَلَى نِسَاءٍ، وَلَا وَاحِدَ لِلنِّسَاءِ مِنْ لَفْظِهِ، قَالَ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ - بِلَا خِلَافٍ -: الْأَمَةُ الْمُبَاحَةُ، وَالزَّوْجَةُ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا؟ فَقَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَخَالَفَ أَشْهَبُ فِي هَذَا اللَّفْظِ سَائِرَ أَصْحَابِ اللَّيْثِ؟ فَلَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ مَالُ أَحَدِ بِغَيْرِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ. وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا الْقُرْآنُ وَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَعَدَّى بِذَلِكَ حُدُودَ اللَّهِ، وَيُبِيحُ الْمَالَ الْمُحَرَّمَ، وَيُشَرِّعُ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى؟

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِطْرًا لَمْ يُبَحْ لَهُ، بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ؟ بِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ أَشْهَبَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقُوا: عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ فَقَالَ: لَا أَجِدُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقِ تَمْرٍ، فَقَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَجِدُ

أَحْوَجَ إلَيْهِ مِنِّي فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، وَقَالَ: كُلْهُ» . قُلْنَا: لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، بِلَا شَكٍّ، فَرَوَاهُ مَنْ ذَكَرْنَا

عَنْ الزُّهْرِيِّ مُجْمَلًا مُخْتَصَرًا، وَرَوَاهُ الْآخَرُونَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَأَتَوْا بِلَفْظِ الْخَبَرِ كَمَا وَقَعَ، كَمَا سُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَمَا أَفْتَى، وَبَيَّنُوا فِيهِ أَنَّ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ إنَّمَا كَانَتْ وَطْئًا لِامْرَأَتِهِ، وَرَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ كَمَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى: صِفَةَ التَّرْتِيبِ، وَأَجْمَلُوا الْأَمْرَ، وَأَتَوْا بِغَيْرِ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِمَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ لَفْظٌ مِنْ دُونِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِمَّنْ اخْتَصَرَ الْخَبَرَ وَأَجْمَلَهُ، وَكَانَ الْفَرْضُ أَخْذُ فُتْيَا النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا أَفْتَى بِهَا، بِنَصِّ كَلَامِهِ فِيمَا أَفْتَى بِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّا نَقِيسُ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ فِطْرٌ مُحَرَّمٌ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَاهُنَا هَذَا الْقِيَاسُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرُ الْمُتَقَيِّئِ عَمْدًا، وَفِيهِ الْقَضَاءُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً. فَمَا الَّذِي جَعَلَ قِيَاسَ سَائِرِ الْمُفْطِرِينَ عَلَى حُكْمِ الْوَاطِئِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حُكْمِ الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ؟ وَالْآكِلُ، وَالشَّارِبُ أَشَبَهُ بِالْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ مِنْهُمَا بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ حُلُوقِهِمْ لَا مِنْ فُرُوجِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَاطِئِ؛ وَلِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، بِخِلَافِ فِطْرِ الْوَاطِئِ؛ فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ، لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِقَطْعِ صَلَاتِهِ؛ وَالصَّلَاةُ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَآكَدُ مِنْ الصِّيَامِ، فَصَارَتْ الْكَفَّارَةُ خَارِجَةً عَنْ الْأَصْلِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى خَبَرِهَا؟ فَإِنْ قَالَ: إنِّي أُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ؛ لِأَنِّي أُدْخِلُهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَفْطَرَ فَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ، وَأَجْعَلُ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى عَنْ الزُّهْرِيِّ -: زَائِدًا عَلَى مَا فِي خَبَرِ الْمُتَعَمِّدِ الْقَيْءَ؟ قُلْنَا: هَذَا لَازِمٌ لِكُلِّ مَنْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ خَبَرِ مَالِكٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَازِمٌ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، إلَّا أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا لَمْ يُكَلِّمْ إلَّا فِي تَغْلِيبِ رِوَايَةِ سَائِرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي قَدَّمْنَا عَلَى مَا اخْتَصَرَهُ هَؤُلَاءِ فَقَطْ.

وَلَيْسَ إلَّا قَوْلُنَا أَوْ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَالْقَضَاءَ عَلَى كُلِّ مُفْطِرٍ، بِأَيِّ وَجْهٍ أَفْطَرَ، بِعُمُومِ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَيَحْيَى، وَبِالْقِيَاسِ جُمْلَةً عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ وَبِالْقَيْءِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَصْلًا، وَلَا بِالْقِيَاسِ، وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ فَتَعَدَّوْا مَا رَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، مِمَّا قَدْ أَوْجَبَهَا فِيهِ غَيْرُهُمْ، فَخَالَفُوا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَيَحْيَى، وَابْنُ جُرَيْجٍ؛ فَخَالَفُوا كُلَّ لَفْظِ خَبَرٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَخَالَفُوا الْقِيَاسَ؛ إذْ لَمْ يُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَبِالْوَطْءِ، وَلَمْ يَتَّبِعُوا ظَاهِرَ الْآثَارِ؛ إذْ أَوْجَبُوهَا عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بَعْدَ هَذَا؛ فَلَا يَجُوزُ إيهَامُهُمْ بِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْقِيَاسِ -: عَلَى مَنْ نَبَّهْنَاهُ عَلَى تَخَاذُلِ أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا، فَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذِكْرِهِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، ثُمَّ نُعْقِبُ بِأَقْوَالِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، الَّتِي لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا بِالْقُرْآنِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَالسُّنَنِ، لَا صَحِيحِهَا وَلَا سَقِيمِهَا، وَلَا بِإِجْمَاعٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِرَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا بِاحْتِيَاطٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى مُفْطِرٍ فِي رَمَضَانَ بِوَطْءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ -: رُوِّينَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ؟ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، قَالَ حَمَّادُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَقَالَ أَيُّوبُ، وَحَبِيبٌ وَهِشَامٌ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. ثُمَّ اتَّفَقَ إبْرَاهِيمُ، وَابْنُ سِيرِينَ، فِيمَنْ وَطِئَ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ: أَنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ

تَعَالَى، وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ، وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَكَلَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا، قَالَ: يَقْضِي يَوْمًا وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ: مَا يُكَفِّرُهُ؟ فَقَالَ: مَا نَدْرِي مَا يُكَفِّرُهُ ذَنْبٌ أَوْ خَطِيئَةٌ، يَصْنَعُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَصُمْت يَوْمًا مَكَانَهُ؟ فَهَؤُلَاءِ: ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَا يَرَوْنَ عَلَى الْوَاطِئِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا كَفَّارَةً وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكِلَابِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ: صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ يَعْدِلُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهِدْنَاهُمْ يُقَلِّدُونَ عُمَرَ فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ، وَفِي حَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ. وَلَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ عُمَرَ، فَلْيُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا؛ فَهُوَ أَثْبَتُ عَنْهُ مِمَّا قَلَّدُوهُ وَلَكِنَّهُمْ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ: قَرَأْت عَلَى فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَيْفَعُ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَمَّنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، وَسَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَجْمَعْ، وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ -: كَذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ؟

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَصَّ فِيهِ، وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا - إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ -: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوهُ هَاهُنَا، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَلَاعِبُونَ بِالدِّينِ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ: يَصُومُ ثَلَاثَةَ آلَافِ يَوْمٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنْ رَجُلٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَنْكِحُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْتِقُ أَرْبَعَةَ رِقَابٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَأَرْبَعٌ مِنْ الْبُدْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِكُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ لِكُلِّ يَوْمٍ يَوْمَيْنِ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ هَذَا مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّذِي وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ: رَقَبَةٌ، ثُمَّ بَدَنَةٌ» ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَاقَعَ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَعْتِقْ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: أَهْدِ بَدَنَةً؟ قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا أَجِدُ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِكْتَلٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بَيْنَهُمَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، قَالَ: كُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُكَ» ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا عُمَارَةُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الَّذِي وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا أَجِدُ، قَالَ: أَهْدِ هَدْيًا؟ قَالَ: لَا أَجِدُهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ» ؟ فَإِنْ تَعَلَّلُوا فِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ بِأَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ مَا رَوَاهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: كَذَبَ، إنَّمَا قُلْت لَهُ: تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ -: فَإِنَّ الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءً رَوَوْهُ أَيْضًا مُرْسَلًا وَفِيهِ الْهَدْيُ بِالْبَدَنَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَهِدْنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ طُرُقٍ، فَيَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى سَائِرِ الْأَحَادِيثِ ذِكْرَ الْهَدْيِ. وَأَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: فَإِنَّ الْبَدَنَةَ، وَالْهَدْيَ يُجْبَرُ بِهِمَا نَقْصُ الْحَجِّ؛ وَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ يُجْبَرُ نَقْصُهُ بِكَفَّارَةٍ إلَّا الْحَجَّ، وَالصَّوْمَ؛ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْهَدْيِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ كَمَا لَهُ فِي الْحَجِّ؛ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لَا يَثْبُتُونَ عَلَى شَيْءٍ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ عِنْدَنَا أَصْلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ، قُلْت: يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: صِيَامُ شَهْرٍ، قَالَ: فَعَدَدْت أَيَّامًا فَقَالَ: صِيَامُ شَهْرٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الَّذِي يُفْطِرُ مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا: عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: يَحْتَمِلُ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّهُ أَرَادَ شَهْرًا شَهْرًا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَيَحْتَمِلُ مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرًا وَاحِدًا، وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَوْلَى، لِتَيَقُّنِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ؟ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارِ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ الْكُوفِيُّ ثنا أَبُو غَسَّانَ ثنا مِنْدَلٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ

أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: مِنْدَلٌ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ مَجْهُولٌ. وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهِ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِالضُّعَفَاءِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى سَائِرِ الْأَخْبَارِ، وَيَلْزَمُ أَيْضًا الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ نِيَّةً وَاحِدَةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُجْزِئُ لِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَيَوْمٍ وَاحِدٍ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَخَيَّرَهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنْ يَقْضِيَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ صَلَاةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] . وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَقْوَالٌ لَا تُؤَثِّرُ كَمَا هِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ -: فَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ: فَهُمْ أَقَلُّ الثَّلَاثِ الطِّبَاقِ تَنَاقُضًا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مُفْطِرٍ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ إلَّا عَلَى مَنْ جَامَعَ إنْسَانًا، أَوْ بَهِيمَةً فِي فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْإِيلَاجِ، أَمْنَى أَمْ لَمْ يُمْنِ؛ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَفَّارَةً فِي أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ عَنْهُ، وَلَا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا الْقَضَاءَ فَقَطْ فَقَاسَ الْوَاطِئَ لِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى وَاطِئِ امْرَأَتِهِ، وَقَاسَ مَنْ أَتَى ذَكَرًا عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ، وَقَاسَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً عَلَى مَنْ أَتَى أَهْلَهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ. وَلَمْ يَقِسْ الْآكِلَ، وَالشَّارِبَ، وَالْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِ فَيُمْنِي وَالْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ -: عَلَى الْوَاطِئِ امْرَأَتَهُ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ؟ فَإِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ: قِسْنَا الْجِمَاعَ عَلَى الْجِمَاعِ، وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ؟ قُلْنَا: فَهَلَّا قِسْتُمْ مُجَامِعَ الْبَهِيمَةِ عَلَى مُجَامِعِ الْمَرْأَةِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ؟ كَمَا قِسْتُمُوهُ

عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ؟ وَهَلَّا قِسْتُمْ الْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى الرَّجُلِ الْوَاطِئِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ؟ فَهُوَ وَطْءٌ وَاحِدٌ، هُمَا فِيهِ مَعًا؟ وَهَلَّا قِسْتُمْ الْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِ عَامِدًا فَيُمْنِي عَلَى الْمُجَامِعِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ؟ فَهَذَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ إلَى الْآكِلِ؟ وَهَذَا تَنَاقُضٌ قَبِيحٌ فِي الْقِيَاسِ جِدًّا؟ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَتَنَاقُضُهُمْ أَشَدُّ، وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ، وَالْقَضَاءَ: عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ، وَعَلَى مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى؛ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى؛ أَوْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْنَى؛ وَعَلَى مَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ؛ وَعَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا شَرِبَ، وَلَا جَامَعَ، إذَا نَوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ؛ وَعَلَى الْمَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا عَامِدَةً فَتُنْزِلُ؟ وَرَأَى عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ الْقَضَاءَ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْوَاطِئِ لَهَا الْكَفَّارَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَكَفَّارَةً أُخْرَى عَنْهَا. وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهَا إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةً؛ وَلَا عَلَى الَّتِي جُومِعَتْ نَائِمَةً، وَلَا عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ عَنْهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ نَاهِيكَ بِهِ وَلَئِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فَمَا يُجْزِئُ أَنْ تُوجَبَ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِهَا؟ وَلَئِنْ لَمْ تَكُنْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَجِبَ عَلَى غَيْرِهَا عَنْهَا؟ وَأَبْطَلُوا صِيَامَ مَنْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ، أَوْ أَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ. وَمَنْ - نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ - غَيْرِ عَامِدٍ لِذَلِكَ - وَتَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ، أَوْ نَظَرَ نَظْرَةً وَلَمْ يُتَابِعْ النَّظَرَ فَأَمْنَى، وَمَنْ تَمَضْمَضَ فِي صِيَامِ نَهَارِ رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، وَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ وَطِئَ نَاسِيًا، أَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُوقِنُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِذَا بِالْفَجْرِ قَدْ طَلَعَ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ، وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّهُ طَلَعَ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ، وَمَنْ أَقَامَ مَجْنُونًا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَيَّامًا، أَوْ رَمَضَانَ كُلَّهُ، أَوْ عِدَّةَ شُهُورِ رَمَضَانَ مِنْ عِدَّةِ سِنِينَ، وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ النَّهَارِ، وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، وَالْمُرْضِعُ تَخَافُ عَلَى رَضِيعِهَا؛ وَالْمَرْأَةُ تُجَامَعُ نَائِمَةً، وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَمَنْ صُبَّ فِي - حَلْقِهِ مَاءُ وَهُوَ نَائِمٌ، وَمَنْ احْتَقَنَ، وَمَنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ عَقَاقِيرُ، وَمَنْ بَلَعَ حَصَاةً. وَأَوْجَبُوا عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا الْقَضَاءَ، وَلَمْ يَرَوْا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةً.

وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ. وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، أَوْ تَابِعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ؛ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ؟ وَقَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ مُقَلِّدِيهِ يُوجِبُونَ عَلَى طَحَّانِي الدَّقِيقِ، وَالْحِنَّاءِ وَمُغَرْبِلِي الْكَتَّانِ وَالْحُبُوبِ -: الْقَضَاءَ، وَيُبْطِلُونَ صَوْمَهُمْ، وَلَا يُوجِبُونَ عَلَيْهِمْ فِي تَعَمُّدِ ذَلِكَ كَفَّارَةً وَيَدَّعُونَ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ وَيَلْزَمُهُمْ إبْطَالُ صَوْمِ كُلِّ مَنْ سَافَرَ فَمَشَى فِي غَبَرَةٍ عَلَى هَذَا؟ وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَلَمْ يُنْعِظْ وَلَا أَمْذَى وَلَا أَمْنَى، وَلَا صَوْمَ مَنْ أَمْنَى مِنْ نَظَرٍ وَلَا لَمَسَ، وَلَا صَوْمَ تَطَوُّعٍ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِي حَلْقِ فَاعِلِهِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ، وَلَا صَوْمَ مُتَطَوِّعٍ صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ نَائِمٌ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ وَاحِدٌ يُبْطِلُ صَوْمَ الْفَرْضِ وَلَا يُبْطِلُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ؟ وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ النَّهَارِ، وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ؟ وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ نَامَ النَّهَارَ كُلَّهُ، وَهَذَا عَجَبٌ زَائِدٌ؟ وَلَا نَدْرِي قَوْلَهُ فِيمَنْ نَوَى الْفِطْرَ أَقَلَّ النَّهَارِ: أَيَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ؟ أَمْ يَرَى صَوْمَهُ تَامًّا؟ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرَى فِيهِ كَفَّارَةً بِلَا شَكٍّ؟ وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّوْمَ بِالْفَتَائِلِ تَتَدَخَّلُ لِدَوَاءٍ، وَلَا نَقِفُ الْآنَ عَلَى قَوْلِهِ فِي السَّعُوطِ وَالتَّقْطِيرِ فِي الْأُذُنِ؟ وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّوْمَ بِكُحْلٍ فِي الْعَيْنِ لَا عَقَاقِيرَ فِيهِ، وَلَا بِمَنْ تَعَمَّدَ بَلْعَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَضْرَاسِهِ مِنْ الْجَذِيذَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا بِمَضْغِ الْعِلْكِ، وَإِنْ اسْتَدْعَى الرِّيقَ، وَكَرِهَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ فَلِمَ كَرِهَهُ؟ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا نَحْتَاجُ مِنْ إبْطَالِهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهَا؟ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَأَفْسَدُ الطِّبَاقِ أَقْوَالًا، وَأَسْمَجُهَا تَنَاقُضًا وَأَبْعَدُهَا عَنْ الْمَعْقُولِ؟

وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَالْقَضَاءَ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ - خَاصَّةً - امْرَأَةً، حَلَالًا لَهُ أَوْ حَرَامًا وَعَلَى الْمَرْأَةِ عَنْ نَفْسِهَا، وَعَلَى مَنْ أَكَلَ مَا يَغْتَذِي بِهِ، أَوْ شَرِبَ مَا يَتَغَذَّى بِهِ، أَوْ بَلَعَ لَوْزَةً خَضْرَاءَ، أَوْ أَكَلَ طِينًا إرْمِينِيًّا خَاصَّةً. وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ لَاطَ بِإِنْسَانٍ فِي دُبُرِهِ فَأَمْنَى، أَوْ بِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَأَمْنَى، وَمَنْ بَقِيَ إلَى بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَنْوِي صَوْمًا، وَمَنْ قَبَّلَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَأَمْنَى، وَمَنْ لَمَسَ كَذَلِكَ فَأَمْنَى، أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى، وَمَنْ تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ، وَمَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، [أَوْ جَامَعَ] بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِطُلُوعِهِ ثُمَّ عَلِمَ، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ، وَمَنْ جُنَّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ أَيَّامًا، أَوْ الشَّهْرَ كُلَّهُ إلَّا سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْهُ، وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا دَخَلَ رَمَضَانُ، حَاشَا يَوْمِ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَالْمُرْضِعُ تَخَافُ عَلَى رَضِيعِهَا، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ ثُمَّ جَامَعَ، أَوْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ عَامِدًا ذَاكِرًا، وَمَنْ جَامَعَ، أَوْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ عَمْدًا ثُمَّ مَرِضَ مِنْ نَهَارِهِ ذَلِكَ، أَوْ حَاضَتْ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً، وَمَنْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ لَا يَنْوِي صَوْمًا ثُمَّ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، أَوْ فِي آخِرِهِ، وَالْمَرْأَةُ تُجَامَعُ وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ مُكْرَهَةٌ وَمَنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ قُطُورًا؟ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ قُطُورًا، فَمَرَّةً أَبْطَلَ صَوْمَهُ، وَمَرَّةً لَمْ يُبْطِلْهُ؟ وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ دَاوَى جَائِفَةً بِهِ أَوْ مَأْمُومَةً بِدَوَاءٍ رَطْبٍ، وَإِلَّا فَلَا؟ وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ بَلَعَ حَصَاةً عَامِدًا، أَوْ بَلَعَ جَوْزَةً رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً، أَوْ لَوْزَةً يَابِسَةً، وَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَوَقَعَ نُقَطٌ مِنْ الْمَطَرِ فِي حَلْقِهِ؟ وَأَوْجَبُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَرَوْا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةً. وَلَمْ يُبْطِلُوا صَوْمَ مَنْ لَاطَ بِذَكَرٍ فَأَوْلَجَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَلَا صَوْمَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَلَا صَوْمَ مَنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَرَأَوْا صَوْمَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامًّا صَحِيحًا لَا قَضَاءَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ

وَلَمْ يُبْطِلُوا صَوْمَ مَنْ اكْتَحَلَ بِعَقَاقِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَصَلَ إلَى الْحَلْقِ أَوْ لَمْ يَصِلْ، وَلَا صَوْمَ مَنْ تَابَعَ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ فَأَمْنَى؛ وَلَا صَوْمَ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ، وَلَا صَوْمَ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا، أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، وَلَا صَوْمَ مَنْ جَامَعَ أَوْ شَرِبَ، أَوْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ، أَوْ جَامَعَ بَعْدَهُ، أَوْ شَرِبَ بَعْدَهُ. وَمَنَعَ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا أَنْ يُجَامِعَهَا " فَلَيْتَ شِعْرِي: إنْ كَانَا صَائِمَيْنِ، فَهَلَّا أَوْجَبَ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ؟ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ صَائِمَيْنِ، فَلِمَ مَنَعَهُمَا؟ وَلَا أَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ طَعَامًا - أَقَلَّ مِنْ حِمَّصَةٍ - فَبَلَعَهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا، أَوْ أَقْبَحُ قَوْلًا مِمَّنْ يَرَى اللِّيَاطَةَ. وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَا يُنْقِضُ الصَّوْمَ؟ وَيَرَى أَنَّ مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تَقْبِيلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمْنَى فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ أَوْ مِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَكْلِ مَا يُغَذِّي وَمَا لَا يُغَذِّي؟ وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا؟ وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ مَنْ قَبَّلَ زَانِيَةً أَوْ ذَكَرًا أَوْ بَاشَرَهُمَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلَمْ يُنْعِظْ، وَلَا أَمْذَى: أَنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ تَامٌّ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ؟ وَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تَقْبِيلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ فَأَنْعَظَ: أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ بَطَلَ؛ وَمَنْ يَرَى عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَيُبْطِلُ صَوْمَهُ؟ وَيَرَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا مَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَضْرَاسِهِ مِنْ طَعَامِهِ أَنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ؟ فَهَلْ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي إيجَابِهِمْ الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُجَامِعِ قِيَاسًا عَلَى الْمُجَامِعِ، ثُمَّ إسْقَاطُهُمْ الْكَفَّارَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُجَامِعِ وَكِلَاهُمَا مُفْطِرٌ،

وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا النَّصَّ وَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَهِيَ غَيْرُ عَاصِيَةٍ بِذَلِكَ، وَأَسْقَطُوهَا عَنْ الْمُتَعَمِّدِ لِلْقُبُلِ فَيُمْذِي وَهُوَ عَاصٍ؟ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ عَاصِيًا؟ قُلْنَا: فَاَلَّذِي قَبَّلَ فَأَمْنَى إذَنْ لَيْسَ عَاصِيًا، فَلِمَ أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَيْهِ؟ وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لَا نَظِيرَ لَهَا وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ أَصْلًا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُفَرِّطِينَ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يَأْخُذُوا بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْكَفَّارَةِ» وَلَا بِرِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْكَفَّارَةِ» ، فَيَقْتَصِرُوا عَلَيْهِ، وَلَا قَاسُوا عَلَيْهِ كُلَّ مُفْطِرٍ؟ وَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَفِي صَوْمِ نَذْرٍ، وَفِي شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ قَتَادَةَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ عَامِدًا، وَتَرَكُوا هَاهُنَا الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ، وَصَوْمُ فَرْضٍ، وَتَعَمُّدُ فِطْرٍ، وَتَعَمُّدُ فِطْرٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطْتُمْ الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ وَطِئَ امْرَأَةً مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فِي الْفَرْجِ؟ وَعَنْ الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِمُطَاوَعَةٍ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ وَطِئَهَا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ اسْمُ وَاطِئٍ، وَلَا اسْمُ مُوَاقِعٍ، وَلَا اسْمُ مُجَامِعٍ، وَلَا أَنَّهُ وَطِئَهَا؛ وَلَا أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا، وَلَا أَنَّهُ جَامَعَهَا، إلَّا حَتَّى يُضَافَ إلَى ذَلِكَ صِلَةُ الْبَيَانِ، فَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَتَعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، وَإِيجَابُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ؟ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَمَوْطُوءَةٌ، وَالْمَوْطُوءَةُ غَيْرُ الْوَاطِئِ، فَالْأَمْرُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَوْضَحُ مِنْ كُلِّ وَاضِحٍ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ وَاطِئَ الْحَرَامِ لَا يَصِلُ إلَى الْوَطْءِ إلَّا بَعْدَ قَصْدٍ إلَى ذَلِكَ بِكَلَامٍ أَوْ بَطْشٍ وَلَا بُدَّ؛ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مَعْصِيَةٌ تُبْطِلُ الصَّوْمَ فَلَمْ يُجَامِعْ إلَّا وَصَوْمُهُ قَدْ بَطَلَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُوجِبُونَهَا عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَهُمَا حَائِضَانِ؟

مسألة وطئ عمدا في نهار رمضان ثم سافر في يومه ذلك أو جن أو مرض

قُلْنَا: لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ جُمْلَةً، وَلَمْ يَسْأَلْهُ: أَحَائِضًا هِيَ أَمْ غَيْرَ حَائِضٍ؟ [مَسْأَلَةٌ وَطِئَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ] 738 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ [عَمْدًا] فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ جُنَّ، أَوْ مَرِضَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي سُقُوطِهَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: تَسْقُطُ بِالْمَرَضِ وَلَا تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ كَفَّارَة الْفِطْر فِي رَمَضَان] 739 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ هِيَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ: مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لَزِمَهُ - حِينَئِذٍ - إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قُلْتُمْ بِمَا رَوَاهُ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ تَخْيِيرِهِ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ اخْتَصَرُوا الْحَدِيثَ، وَأَتَوْا بِأَلْفَاظِهِمْ، أَوْ بِلَفْظٍ مِنْ دُونِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا سَائِرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَأَتَوْا بِلَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي لَا يَحِلُّ تَعَدِّيهِ أَصْلًا، وَبِزِيَادَةِ حُكْمِ التَّرْتِيبِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الزِّيَادَةِ وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدُ، وَجُمْهُورُ النَّاسِ؟ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ بِمَا رُوِيَ؛ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الْإِطْعَامَ، وَلَيْسَ لِهَذَا الِاسْتِحْبَابِ وَجْهٌ أَصْلًا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَجَازَ فِي الْإِطْعَامِ الْمَذْكُورِ: أَنْ تُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا، وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرِّدٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقَعُ اسْمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَصْلًا [مَسْأَلَةٌ مَا يُجْزِئ فِي كَفَّارَة الْفِطْر] 740 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ، صَغِيرَةٌ، أَوْ كَبِيرَةٌ، ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، مَعِيبٌ أَوْ سَلِيمٌ؛ لِعُمُومِ «قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْ رَقَبَةً» فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الرِّقَابِ الَّتِي تُعْتَقُ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمَا أَهْمَلَهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ غَيْرُهُ.

وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ: أُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمُعْتَقُ بِصِفَةٍ، وَإِلَى أَجَلٍ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ نِصْفَانِ مِنْ رَقَبَتَيْنِ، وَلَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِنَا فِي الْكَافِرِ وَالصَّغِيرِ: وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ، قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى - الرَّقَبَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ مَالِكًا لَا يَقِيسُ حُكْمَ قَاتِلِ الْعَمْدِ عَلَى حُكْمِ قَاتِلِ الْخَطَأِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقِسْ قَاتِلًا عَلَى قَاتِلٍ فَقِيَاسُ الْوَاطِئِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقِيسُ الْمُفْطِرَ بِالْأَكْلِ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقِسْ مُفْطِرًا عَلَى مُفْطِرٍ فَقِيَاسُ الْمُفْطِرِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ يُعَوَّضُ فِيهَا الْإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ، وَلَا يُعَوَّضُ الْإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ فَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كَفَّارَةِ الْوَاطِئِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ كَفَّارَةِ الْقَاتِلِ؛ فَبَطَلَ بِهَذَا قِيَاسُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ بِالتَّعْوِيضِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَوَرَدَ بِهِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ؟ قُلْنَا: وَالنَّصُّ لَمْ يَرِدْ بِاشْتِرَاطِ مُؤْمِنَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ وَوَرَدَ بِهِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. فَإِنْ قَالُوا: الْمُؤْمِنَةُ أَفْضَلُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَالْعَالِمُ الْفَاضِلُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَاهِلِ الْفَاسِقِ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] . وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ فِيهَا الْجَاهِلَ الْفَاسِقَ. وَأَمَّا الْمَعِيبُ فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَيْبِ الْخَفِيفِ فِيهَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعُيُوبِ فِي ذَلِكَ؟

وَأَيْضًا: فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ الْخَفِيفِ - الَّذِي أَجَازُوهُ مِنْ الْكَثِيرِ - الَّذِي لَا يُجِيزُونَهُ - فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ فَاسِدٌ مِنْ آرَائِهِمْ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ الْأَعْوَرُ، وَالْمَقْطُوعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ كِلَيْهِمَا مِنْ خِلَافٍ، وَالْمَقْطُوعُ إصْبَعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ. وَلَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى، وَلَا الْمُقْعَدُ، وَلَا الْمَقْطُوعُ يَدًا وَرِجْلًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَلَا مَقْطُوعُ الْإِبْهَامَيْنِ فَقَطْ مِنْ كِلْتَا يَدَيْهِ وَلَا مَقْطُوعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ تَخَالِيطُ قَوِيَّةٌ بِمَرَّةٍ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَا يُجْزِئُ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ فِيهِمَا وَحُكْمُهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِمَا إذَا عَتَقَا، فَمُعْتِقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى مُعْتِقَ رَقَبَةٍ، وَعِتْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِتْقَ رَقَبَةٍ بِلَا خِلَافٍ؛ فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُجْزِئَانِ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُجْزِئُ أُمُّ الْوَلَدِ، لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَهَلْ اشْتَرَطَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ أَمَرَ فِي الْكَفَّارَةِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ - أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ بَيْعُهَا؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، فَإِذْ لَمْ يَشْتَرِطْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذِهِ الصِّفَةَ فَاشْتِرَاطُهَا بَاطِلٌ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَأَجَازَ فِي ذَلِكَ عِتْقَ الْمُدَبَّرِ؟ وَمِمَّنْ أَجَازَ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي ذَلِكَ: عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ؟ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَبْدٌ، وَمِمَّنْ أَجَازَهُ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ مَنْ أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ -: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ شُرُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، فَمَنْ أَعْتَقَ بَاقِيَهُمَا فَإِنَّمَا أَعْتَقَ بَعْضَ رَقَبَةٍ؛ لَا رَقَبَةً؛ فَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُمِرَ بِهِ.

مسألة صام في كفارة الفطر فقطع صومه عليه رمضان أو ما لا يحل صيامه

وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي أَنَّهُمَا لَا يُجْزِئَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَأَمَّا مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ فَلَا يُسَمَّى مُعْتِقَ رَقَبَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ سَائِرُهُمَا بِحُكْمٍ آخَرَ وَلَا بُدَّ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتِقَ - رَقَبَةٍ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُمِرَ بِهِ؟ وَأَمَّا الْمُعْتِقُ إلَى أَجَلٍ - وَإِنْ قَرُبَ - أَوْ بِصِفَةٍ فَعِتْقُهُمَا وَبَيْعُهُمَا جَائِزٌ؛ أَمَّا الْمُعْتَقُ فَلَا خِلَافُ مِنْهُمْ نَعْلَمُهُ فِيهِ. وَمِمَّنْ أَجَازَهُمَا فِي الْكَفَّارَةِ: الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمُعْتَقُهُمَا يُسَمَّى: مُعْتِقَ رَقَبَةٍ. 741 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا قُلْنَا: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ؛ فَإِنَّهُ عِتْقٌ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ لَا يَنْفُذُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ إلَّا بِصِفَةٍ لَمْ تَصِحَّ، فَلَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ صام فِي كَفَّارَة الْفِطْر فَقَطَعَ صَوْمَهُ عَلَيْهِ رَمَضَانُ أَوْ مَا لَا يَحِلُّ صِيَامُهُ] 742 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فَرْضَهُ الصَّوْمُ، فَقَطَعَ صَوْمَهُ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، أَوْ أَيَّامُ الْأَضْحَى، أَوْ مَا لَا يَحِلُّ صِيَامُهُ فَلَيْسَا مُتَتَابِعِينَ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِهِمَا مُتَتَابِعِينَ؟ وَقَالَ قَائِلٌ: يُجْزِئُهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ كَوْنُهُ مَعْذُورًا فِي إفْطَارِهِ غَيْرَ آثِمٍ وَلَا مَلُومٍ بِمُجِيزٍ لَهُ مَا لَمْ يُجَوِّزْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَدَمِ التَّتَابُعِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ: مَنْ لَزِمَهُ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ فَمَرِضَ فَأَفْطَرَ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ صَوْمَهُمَا؟ 743 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ اعْتَرَضَهُ فِيهِمَا يَوْمُ نَذْرٍ نَذَرَهُ: بَطَلَ النَّذْرُ وَسَقَطَ عَنْهُ، وَتَمَادَى فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ غَيْرَ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ نَذَرَ مَا يَبْطُلُ بِهِ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى: فَنَذْرُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ 744 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بَدَأَ بِصَوْمِهِمَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ صَامَ إلَى أَنْ يَرَى الْهِلَالَ الثَّالِثَ وَلَا بُدَّ، كَامِلَيْنِ كَانَا أَوْ نَاقِصَيْنِ، أَوْ كَامِلًا وَنَاقِصًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36] فَمَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ

يَأْتِيَ بِهِمَا مِنْ جُمْلَةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا الْمَذْكُورَةِ؟ 745 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بَدَأَ بِهِمَا فِي بَعْضِ الشَّهْرِ - وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مِنْهُ إلَّا يَوْمٌ، أَوْ لَمْ يَبْقَ إلَّا يَوْمٌ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ -: لَزِمَهُ صَوْمُ ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا لَا أَكْثَرَ. لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «آلَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلَيْتُ شَهْرًا، فَقَالَ: إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ جِدًّا كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَبَلَةِ بْنِ سُحَيْمٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؛ فَإِذَا الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ، فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَقِينُ، وَهُوَ الْأَقَلُّ؟ وَقَالَ قَائِلُونَ: عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَ سِتِّينَ يَوْمًا لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إتْمَامِ الشَّهْرَيْنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَلْزَمَهُ شَهْرَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ كَامِلَيْنِ، كُلُّ شَهْرٍ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَهْرَيْنِ، وَاسْمُ شَهْرَيْنِ يَقَعُ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَالْفَرَائِضُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ؟ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ أَنْ يَقُولَ: لَا تُجْزِئُ - الرَّقَبَةُ إلَّا مُؤْمِنَةً؛ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ فِي الرَّقَبَةِ؟

مسألة من كان فرضه الإطعام في كفارة الفطر في رمضان

وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَنْ يَقُولَ: لَا تُجْزِئُ إلَّا غَدَاءً وَعَشَاءً، أَوْ غَدَاءً وَغَدَاءً، أَوْ عَشَاءً وَعَشَاءً، كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ، وَلَا يُجْزِئُ إلَّا صَاعٌ مِنْ شَعِيرِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، أَوْ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ -: لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَاءِ فَرْضِ الْإِطْعَامِ؟ [مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ الْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَة الْفِطْر فِي رَمَضَان] 746 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فَرْضُهُ الْإِطْعَامَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُطْعِمَهُمْ شِبَعَهُمْ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ، مِثْلُ: أَنْ يُطْعِمَ بَعْضَهُمْ خُبْزًا، وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا، وَبَعْضَهُمْ ثَرِيدًا، وَبَعْضَهُمْ زَبِيبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَعْطَاهُمْ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُكَالُ؛ فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ طَعَامًا مَعْمُولًا فَيُجْزِئُهُ مَا أَشْبَعَهُمْ أَكْلَةً وَاحِدَةً، أَقَلَّ كَانَ أَوْ أَكْثَرَ؟ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ثنا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ثنا مُؤَمَّلٌ هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ ثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ خَبَرَ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ، قَالَ قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِكْتَلٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ - يَعْنِي صَاعًا - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ عَنْكَ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَأَجْزَأَ هَذَا فِي الْإِطْعَامِ. وَكَانَ إشْبَاعُهُمْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَشْبَعَهُمْ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ -: يُسَمَّى إطْعَامًا، وَالْبُرُّ: يُؤْكَلُ مَقْلُوًّا؛ فَكُلُّ ذَلِكَ إطْعَامٌ. وَلَا يَجُوزُ تَحْدِيدُ إطْعَامٍ دُونَ إطْعَامٍ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيمَا دُونَ الشِّبَعِ فِي الْأَكْلِ، وَفِيمَا دُونَ الْمُدِّ فِي الْإِعْطَاءِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجْزِئُ إلَّا نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ، أَوْ مِثْلُهُ مِنْ سَوِيقِهِ أَوْ دَقِيقِهِ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ تَمْرٍ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ.

مسألة كان قادرا حين وطئه في نهار رمضان على الرقبة

وَلَا بُدَّ مِنْ غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ أَوْ غَدَاءٍ وَغَدَاءٍ، أَوْ عَشَاءٍ وَعَشَاءٍ، أَوْ سُحُورٍ وَغَدَاءٍ، أَوْ سُحُورٍ وَعَشَاءٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَشَرْعٌ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ؟ 747 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ إطْعَامُ رَضِيعٍ لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَا إعْطَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى إطْعَامًا، فَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ كَمَا تَأْكُلُ الصِّبْيَانُ أَجْزَأَ إطْعَامُهُ وَإِشْبَاعُهُ، وَإِنْ أَكَلَ قَلِيلًا، لِأَنَّهُ أَطْعَمَ كَمَا أُمِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ 748 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزِئُ إطْعَامُ أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ، وَلَا صِيَامُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أُمِرَ بِهِ؟ [مَسْأَلَةٌ كَانَ قَادِرًا حِينَ وَطْئِهِ فِي نَهَار رَمَضَان عَلَى الرَّقَبَةِ] 749 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ قَادِرًا حِينَ وَطْئِهِ عَلَى الرَّقَبَةِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا، افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا حِينَئِذٍ قَادِرًا عَلَى صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الصِّيَامِ، أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَوَجَدَ رَقَبَةً أَوْ لَمْ يُوسِرْ؟ وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ ذَلِكَ عَنْ - الرَّقَبَةِ وَعَنْ الصِّيَامِ قَادِرًا عَلَى الْإِطْعَامِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ الْإِطْعَامِ، قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا هُوَ فَرْضُهُ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ؛ فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ وَإِيجَابُ فَرْضٍ آخَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَقَالَ قَائِلُونَ: إنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ فَأَيْسَرَ انْتَقَلَ حُكْمُهُ إلَى الرَّقَبَةِ؟ وَهَذَا خَطَأٌ، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ؟ [مَسْأَلَةٌ لَمْ يَجِدْ المكفر عَنْ الْفِطْر فِي رَمَضَان إلَّا رَقَبَةً لَا غِنَى بِهِ عَنْهَا] 750 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا رَقَبَةً لَا غِنَى بِهِ عَنْهَا، لِأَنَّهُ يَضِيعُ بَعْدَهَا أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حُبِّهَا -: لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهَا؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وقَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا حَرَجٌ وَعُسْرٌ لَمْ يَجْعَلْهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَلَا أَرَادَهُ مِنَّا، وَفَرْضُهُ حِينَئِذٍ

مسألة لا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام ولا استمناء

الصِّيَامُ، فَإِنْ كَانَ فِي غِنًى عَنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِدُ رَقَبَةٍ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا؟ 751 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَفَرْضُهُ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا وَهُوَ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ أَكَلَهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَبَقِيَ الْإِطْعَامُ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ بِالتَّمْرِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُطْعِمَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؟ فَصَحَّ أَنَّ الْإِطْعَامَ بَاقٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَكْلِهِ إذْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَكْلِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَا قَدْ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ مِنْ الْإِطْعَامِ، وَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ مَا افْتَرَضَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا بِإِخْبَارٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 752 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَيُطْعِمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ، لِأَنَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ عُمُومًا، لَمْ يُخَصَّ مِنْهُ حُرٌّ مِنْ عَبْدٍ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مِسْكِينًا فَهُوَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِطْعَامِهِ وَلَا تَجُوزُ مُعَارَضَةُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ؟ [مَسْأَلَةٌ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ حِجَامَةٌ وَلَا احْتِلَامٌ وَلَا اسْتِمْنَاءٌ] 753 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ حِجَامَةٌ وَلَا احْتِلَامٌ، وَلَا اسْتِمْنَاءٌ، وَلَا مُبَاشَرَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، تَعَمَّدَ الْإِمْنَاءَ أَمْ لَمْ يُمْنِ، أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ وَلَا قُبْلَةٌ كَذَلِكَ فِيهِمَا، وَلَا قَيْءٌ غَالِبٌ، وَلَا قَلْسٌ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَدَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي فَمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى رَمْيِهِ، وَلَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَسْنَانِ أَوْ الْجَوْفِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَهُ، وَلَا حُقْنَةٌ وَلَا سَعُوطٌ وَلَا تَقْطِيرٌ فِي أُذُنٍ، أَوْ فِي إحْلِيلٍ، أَوْ فِي أَنْفٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٌ وَإِنْ بَلَغَ الْحَلْقَ، وَلَا مَضْمَضَةٌ دَخَلَتْ الْحَلْقَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، وَلَا كُحْلٌ - أَوْ إنْ بَلَغَ إلَى الْحَلْقِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا - بِعَقَاقِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَلَا غُبَارُ طَحْنٍ، أَوْ غَرْبَلَةُ دَقِيقٍ، أَوْ حِنَّاءٍ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، أَوْ عِطْرٌ، أَوْ حَنْظَلٌ، أَوْ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ، وَلَا ذُبَابٌ دَخَلَ الْحَلْقَ بِغَلَبَةٍ، وَلَا مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ نُقْطَةُ مَاءٍ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ لِذَلِكَ مِنْهُ؛ وَلَا مَضْغُ زِفْتٍ أَوْ مُصْطَكَى أَوْ عِلْكٍ؛ وَلَا مَنْ تَعَمَّدَ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا، مَا لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ، وَلَا مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ وَطِئَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِالْفَجْرِ كَانَ قَدْ طَلَعَ وَلَا مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ وَطْءٍ، وَيَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ، وَلَا مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ وَطِئَ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ صَائِمٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَصَى نَاسِيًا

لِصَوْمِهِ، وَلَا سِوَاكٌ بِرَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ، وَلَا مَضْغُ طَعَامٍ أَوْ ذَوْقُهُ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَهُ، وَلَا مُدَاوَاةُ جَائِفَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا طَعَامٌ وُجِدَ بَيْنَ الْأَسْنَانِ -: أَيَّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ وُجِدَ، إذَا رُمِيَ، وَلَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى مَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ، وَلَا دُخُولُ حَمَّامٍ، وَلَا تَغْطِيسٌ فِي مَاءٍ، وَلَا دَهْنُ شَارِبٍ؟ أَمَّا الْحِجَامَةُ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ قَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ، إلَّا أَنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ. وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَظَنُّهُمْ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَجِمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ مُسَافِرٌ فَيُفْطِرُ، وَذَلِكَ مُبَاحٌ، أَوْ فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَيُفْطِرُ، وَذَلِكَ مُبَاحٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ " -: لَعَلَّهُ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ لَا يَقُولُ هَاهُنَا: لَعَلَّهُ كَانَ مَرِيضًا؟ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ إخْبَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَلَا يُتْرَكُ حُكْمٌ مُتَيَقَّنٌ لِظَنٍّ كَاذِبٍ؟ وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ أَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ خَبَرِ مَنْ ذَكَرْنَا لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا نَسْخُ إفْطَارِ الْمَحْجُومِ لَا الْحَاجِمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْجُمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غُلَامٌ لَمْ يَحْتَلِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَكِنْ وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ

قَالَ التَّمِيمِيُّ: ثنا مُعَاوِيَةُ الْقُرَشِيُّ الْمَرْوَانِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَقَالَ الْعُذْرِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ الْأَسَدِيُّ الْقُرَشِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَحُمَيْدٌ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» زَادَ حُمَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالْقُبْلَةِ ". قَالَ عَلِيٌّ: إنَّ أَبَا نَضْرَةَ، وَقَتَادَةَ أَوْقَفَاهُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، وَإِنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ أَوْقَفَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ؛ وَلَكِنْ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ إذْ أَسْنَدَهُ الثِّقَةُ، وَالْمُسْنَدَانِ لَهُ عَنْ خَالِدٍ وَحُمَيْدٍ: ثِقَتَانِ؛ فَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَفْظَةُ " أَرْخَصَ " لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ نَهْيٍ؛ فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ نَسْخُ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ؟ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَمْ يَرَهَا تُفْطِرُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ فِيمَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، وَهَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، وَقَدْ قَبِلُوا فِيهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُضْطَرِبًا؟ وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ: فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ؛ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَأَمَّا الِاسْتِمْنَاءُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ وَقَتْلِ الْأَنْفُسِ، وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَتَقْبِيلِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَمْدًا إذَا لَمْ يُمْنِ وَلَا أَمْذَى -: ثُمَّ يَنْقُضُهُ بِمَسِّ الذَّكَرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إمْنَاءٌ وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ لَا

يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَأَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ دُونَ عَمَلٍ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ، ثُمَّ يُنْقَضُ الصَّوْمُ بِاجْتِمَاعِهِمَا، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُنْقِضُ الصَّوْمَ بِالْإِنْزَالِ لِلْمَنِيِّ إذَا تَعَمَّدَ اللَّذَّةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ -: ثُمَّ لَا يُوجِبُ بِهِ الْغُسْلَ إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَالنَّصُّ جَاءَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْهُ جُمْلَةً؟ . وَأَمَّا الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ لِلرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ فَهُمَا سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، نَسْتَحِبُّهَا لِلصَّائِمِ، شَابًّا كَانَ أَوْ كَهْلًا أَوْ شَيْخًا، وَلَا نُبَالِي أَكَانَ مَعَهَا إنْزَالٌ مَقْصُودٌ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ «عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ

عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ» . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21] لَا سِيَّمَا مَنْ كَابَرَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ. وَقَدْ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْأَسْوَدِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ بِأَسَانِيدَ كَالذَّهَبِ؟ وَرُوِّينَاهُ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: أُمِّ سَلَمَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَحَفْصَةَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ: عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ الْقُبْلَةَ تُبْطِلُ الصَّوْمَ؟ وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَكْرُوهَةٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ، مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا خُصُوصٌ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ، وَمَا يَعْجَزُ عَنْ الدَّعْوَى مَنْ لَا تَقْوَى لَهُ؟ فَإِنْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» . قُلْنَا: لَا حُجَّةَ لَكَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ هَذَا؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا قَالَ: ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاشِرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا، قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْلِكُ إرْبَهُ» ؟ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا ذَلِكَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ يُوجِبُ أَنَّهُ لَهُ خُصُوصٌ فَقَوْلُهَا هَذَا فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ يُوجِبُ أَنَّهَا لَهُ أَيْضًا خُصُوصٌ، أَوْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، أَوْ أَنَّهَا لِلشَّيْخِ دُونَ

الشَّابِّ وَلَا يُمْكِنُهُمْ هَاهُنَا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ كَرِهُوا مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ؛ جُمْلَةً وَلَعَمْرِي إنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ لَأَشَدُّ غَرَرًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَنْ جِمَاعِهَا أَيَّامًا وَلَيَالِيَ فَتَشْتَدُّ حَاجَتُهُ، وَأَمَّا الصَّائِمُ فَالْبَارِحَةُ وَطِئَهَا، وَاللَّيْلَةَ يَطَؤُهَا، فَهُوَ بِشَمٍّ مِنْ الْوَطْءِ؟ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ لَهَا: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُخِّصَ لَهُ فِي أَشْيَاءَ، فَارْجِعِي إلَيْهِ، فَرَجَعَتْ إلَيْهِ، فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمٌ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيِّ «عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلْ هَذِهِ، يَعْنِي أُمَّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ» . فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ الْخُصُوصَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ اسْتَفْتَاهُ، وَيُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ؟ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ شَابًّا جِدًّا فِي قُوَّةِ شَبَابِهِ إذْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَ حَمْزَةَ عَمِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ

ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ أَهْوَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُقَبِّلَنِي، فَقُلْتُ: إنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ: وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَبَّلَنِي» . وَكَانَتْ عَائِشَةُ إذْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنْتَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً فَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ، وَبُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ؛ وَصَحَّ أَنَّهَا حَسَنَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، سُنَّةٌ مِنْ السُّنَنِ، وَقُرْبَةٌ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُقُوفًا عِنْدَ فُتْيَاهُ بِذَلِكَ؟ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ كَرِهَهَا لِلشَّابِّ فَإِنَّمَا هُمَا حَدِيثَا سَوْءٍ، رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لَا شَيْءَ، وَفِيهَا قَيْسٌ مَوْلَى تَجِيبٍ؛ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَالْآخَرَ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ عَنْ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي كِلَيْهِمَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ» ، فَسَقَطَا جَمِيعًا؟ وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَنْعُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ؟ قُلْنَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبَاحَةُ الْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادُهُ مِنَّا، فَصَحَّ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هِيَ الْجِمَاعُ فَقَطْ؛

وَلَا حُجَّةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِحَنَفِيٍّ وَلَا لِمَالِكِيٍّ، فَإِنَّهُمْ يُبِيحُونَ الْمُبَاشَرَةَ، وَلَا يُبْطِلُونَ الصَّوْمَ بِهَا أَصْلًا وَإِنَّمَا يُبْطِلُونَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ مَعَهَا، مِنْ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ الْمُبَاشَرَةَ وَأَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا. وَهَؤُلَاءِ أَيْضًا قَدْ احْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ: رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ لَا يَنْظُرنِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنِي؟ فَقَالَ: أَلَسْتَ الَّذِي تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْت: فَوَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أُقَبِّلُ بَعْدَهَا وَأَنَا صَائِمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الشَّرَائِعُ لَا تُؤْخَذُ بِالْمَنَامَاتِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ فِي الْيَقِظَةِ حَيًّا بِإِبَاحَةِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُنْسَخَ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ مَيِّتًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ حَمْزَةَ لَا شَيْءَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ هُوَ زُغْبَةٌ - عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْت: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: فَمَهْ» ؟ ". وَالْخَبَرُ الثَّانِي الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ «عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ؟ فَقَالَ: قَدْ أَفْطَرَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - الَّذِي ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرْخَصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ -: نَاسِخًا لَهُ؟ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إبْطَالُ الصِّيَامِ بِالْقُبْلَةِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَقِيلَ لَهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» ؟ فَقَالَ: وَمَنْ ذَا لَهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْعِصْمَةِ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَمِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الَّذِي يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ: أَلَا يُقَبِّلُ جَمْرَةً؟ وَعَنْ مُوَرِّقٍ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مَا تُرِيدُ إلَى خُلُوفٍ فِيهَا؟ دَعْهَا حَتَّى تُفْطِرَ؟ وَعَنْ الْهَزْهَازِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ: أَفْطَرَ، وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ؟ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ: رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَوْنَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ؟ فَقَالَ: يَتَّقِي اللَّهَ وَلَا يَعُدْ. وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا؟ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ، وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ؟ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: لَا يُقَبِّلُ الصَّائِمُ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا؟ فَقَالَ: اللَّيْلُ قَرِيبٌ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: إنْ قَبَّلَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ وَقَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ؟ وَمَنْ كَرِهَهَا -: رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْقُبْلَةُ تُنْقِضُ الصَّوْمَ وَلَا تُفْطِرُ

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ: أَنَّهُ كَرِهَهَا؟ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا؟ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا، وَإِنَّهَا لَبَرِيدُ سُوءٍ؟ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ - يَعْنِي لِلصَّائِمِ؟ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: هِيَ دَلِيلٌ إلَى غَيْرِهَا وَالِاعْتِزَالُ أَكْيَسُ؟ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ؟ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ مَكْحُولٍ، وَمِنْ طَرِيقِ حُرَيْثٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَخَّصُوا فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَكَرِهُوهَا لِلشَّابِّ؟ وَمَنْ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ لِلصَّائِمِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا، وَسُئِلَ أَيَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا؟ قَالَ لَا يَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا، أَعِفُّوا الصِّيَامَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ لَمْسِ الصَّائِمِ وَتَجْرِيدِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ قَالَ: يَتُوبُ عَشْرَ مِرَارٍ، إنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ صَوْمِهِ الَّذِي يُجَرِّدُ أَوْ يَلْمِسُ، لَكَ أَنْ تَأْخُذَ بِيَدِهَا وَبِأَدْنَى جَسَدِهَا وَتَدَعَ أَقْصَاهُ؟ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ بِالنَّهَارِ؟ قَالَ: لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ؛ وَلَكِنْ يُبَدِّلُ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ: لَا يُبَاشِرُ الصَّائِمُ. وَكَرِهَهَا مَالِكٌ. وَمَنْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا لِلشَّابِّ -: رُوِّينَا هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ. وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ كُلَّ ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ

فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُقَبِّلَهَا وَتُلَاعِبَهَا؟ فَقَالَ: أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ صَائِمًا؟ فَقَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ كَانَتْ أَجْمَلَ نِسَاءِ أَهْلِ زَمَانِهَا، وَكَانَتْ أَيَّامَ عَائِشَةَ وَهِيَ وَزَوْجُهَا فَتِيَّيْنِ فِي عُنْفُوَانِ الْحَدَاثَةِ؟ وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا «وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» النَّهْيَ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ: ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَتْ تُقَبِّلُهُ امْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ صَائِمٌ؛ فَلَا يَنْهَاهَا وَمِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي تَزَوَّجْت ابْنَةَ عَمٍّ لِي جَمِيلَةً، فَبَنَيْتُ بِهَا فِي رَمَضَانَ: فَهَلْ لِي - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إلَى قُبْلَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَبِّلْ، قَالَ: فَبِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي: هَلْ إلَى مُبَاشَرَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ؟ قَالَ: هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبَاشِرْهَا، قَالَ: فَهَلْ لِي إلَى أَنْ أَضْرِبَ بِيَدِي عَلَى فَرْجِهَا مِنْ سَبِيلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اضْرِبْ - وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ دُنُوِّ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَقَالَ: إنِّي لَأَرُفُّ شَفَتَيْهَا وَأَنَا صَائِمٌ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ: نَعَمْ وَأَكْفَحُهَا -

مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَفْتَحُ فَاهُ إلَى فِيهَا وَسُئِلَ عَنْ تَقْبِيلِ غَيْرِ امْرَأَتِهِ؟ فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ. وَمِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ سُئِلَ: أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَقْبِضُ عَلَى مَتَاعِهَا. وَعَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُبَاشِرُ امْرَأَتَهُ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ - وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بْنِ سَبْرَةَ (عَنْ) الْمُسَيِّبِ بْنِ نُجْبَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَمَّتِهِ - وَكَانَتْ تَحْتَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - قَالَتْ: كَانَ حُذَيْفَةُ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي رَمَضَانَ جَاءَ فَدَخَلَ مَعِي فِي لِحَافِي ثُمَّ يُبَاشِرُنِي. وَعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْدَانَ بِهِ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَهُ وَقَدْ تَزَوَّجَ فِي رَمَضَانَ: لَوْ دَنَوْت، لَوْ قَبَّلْت؟ وَمِنْ التَّابِعِينَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، إنَّمَا هِيَ كَالْكِسْرَةِ يَشْتَمُّهَا. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: يُقَبِّلُ الصَّائِمُ، وَيُبَاشِرُ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ نَهَارًا وَيُفْتِي بِذَلِكَ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إبَاحَةُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ، وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَقْبِيلِ الصَّائِمِ امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: مَا أُبَالِي أَقَبَّلْتهَا، أَوْ قَبَّلْت يَدِي؟ فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَعَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَحُذَيْفَةُ، وَمَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا إلَّا وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ إبَاحَتُهَا بِأَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ؛ إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ، وَرُوِيَتْ الْإِبَاحَةُ جُمْلَةً عَنْ سَعْدٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَاتِكَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ لِمَنْ غَلَّبَ الْقِيَاسَ عَلَى الْأَثَرِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الصِّيَامِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَجِّ؛ وَيَجْعَلَ فِيهَا صَدَقَةً كَمَا جَعَلَ فِيهَا هُنَالِكَ؛ وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ: مُسْتَحَبَّتَانِ فِي الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ الصَّائِمُ فِي امْرَأَتِهِ عَنْ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ -: فَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ الْإِمْنَاءَ فِي الْمُبَاشَرَةِ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ لَمْ يَأْتِ بِكَرَاهِيَتِهِ نَصٌّ وَلَا وَإِجْمَاعٌ، فَكَيْف إبْطَالُ الصَّوْمِ بِهِ، فَكَيْف أَنْ تُشْرَعَ فِيهِ كَفَّارَةٌ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَ ذَلِكَ - مِنْ أَنَّهُ خِلَافٌ لِلسُّنَّةِ - فَسَادَ قَوْلِ مَنْ رَأَى الصَّوْمَ يُنْتَقَضُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ، يَقُولُونَ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ؛ وَأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَذْيٌ، وَلَا مَنِيٌّ، لَا تَنْقُضُ الصَّوْمَ؛ وَأَنَّ الْإِنْعَاظَ دُونَ مُبَاشَرَةٍ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ أَصْلًا؛ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إذَا اجْتَمَعَتْ أَنْ تَنْقُضَ الصَّوْمَ؟ هَذَا بَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا، لَا مِنْ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَأَمَّا تَوْلِيدُ الْكَذِبِ وَالدَّعَاوَى بِالْمُكَابَرَةِ، فَمَا يَعْجِزُ عَنْهَا مَنْ لَا دِينَ لَهُ. وَمَا رُئِيَ قَطُّ حَلَالٌ وَحَلَالٌ يَجْتَمِعَانِ فَيَحْرُمَانِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَبِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ نَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُجْمَعَانِ، ثُمَّ حَكَمُوا بِهِ هَاهُنَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجِمَاعَ دُونَ الْفَرْجِ حَتَّى يُمْنِيَ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِمَاعِ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ، مَعَ أَنَّ نَقْضَ الصَّوْمِ بِتَعَمُّدِ الْإِمْنَاءِ خَاصَّةً لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ؟ وَأَمَّا الْقَيْءُ الَّذِي لَا يُتَعَمَّدُ فَقَدْ جَاءَ الْأَثَرُ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَلَا نَعْلَمُ فِي الْقَلْسِ، وَالدَّمِ: الْخَارِجَيْنِ مِنْ الْأَسْنَانِ لَا يَرْجِعَانِ إلَى - الْحَلْقِ، خِلَافًا فِي أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَبْطُلُ بِهِمَا، وَحَتَّى لَوْ جَاءَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ لَمَا اُلْتُفِتَ إلَيْهِ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْ بُطْلَانَ الصَّوْمِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَأَمَّا الْحُقْنَةُ، وَالتَّقْطِيرُ فِي الْإِحْلِيلِ، وَالتَّقْطِيرُ فِي الْأُذُنِ، وَالسَّعُوطُ، وَالْكُحْلُ، وَمُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ، وَالْمَأْمُومَةُ -: فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ وَإِلَى بَاطِنِ الرَّأْسِ - لِأَنَّهُ جَوْفٌ - فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ، قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ؟ ثُمَّ تَنَاقَضُوا، فَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فِي الْكُحْلِ قَضَاءً، وَإِنْ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِالْفَتَائِلِ تُسْتَدْخَلُ لِدَوَاءٍ بَأْسًا لِلصَّائِمِ، وَلَمْ يَرَ الْكُحْلَ يُفْطِرُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَقَاقِيرُ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا تُفْطِرُ الْحُقْنَةُ إنْ كَانَتْ لِدَوَاءٍ؟ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. أَنَّ أَبَاهُ، وَمَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ كَانُوا يَقُولُونَ: إنْ اكْتَحَلَ الصَّائِمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ، وَالْمَعَاصِي، وَمَا عَلِمْنَا أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، يَكُونُ عَلَى دُبُرٍ، أَوْ إحْلِيلٍ، أَوْ أُذُنٍ، أَوْ عَيْنٍ، أَوْ أَنْفٍ، أَوْ مِنْ جُرْحٍ فِي الْبَطْنِ، أَوْ الرَّأْسِ وَمَا نُهِينَا قَطُّ عَنْ أَنَّ نُوَصِّلُ إلَى الْجَوْفِ - بِغَيْرِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ - مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا إيصَالُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ مَنْ رَأَى مِنْهُمْ الْفِطْرَ بِكُلِّ ذَلِكَ لَا يَرَى عَلَى مَنْ احْتَقَنَ بِالْخَمْرِ، أَوْ صَبَّهَا فِي أُذُنِهِ حَدًّا فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ شُرْبًا، وَلَا أَكْلًا؟ ثُمَّ تَنَاقُضُهُمْ فِي الْكُحْلِ عَجَبٌ جِدًّا وَهُوَ أَشَدُّ وُصُولًا إلَى الْحَلْقِ، وَمَجْرَى

الطَّعَامِ مِنْ الْقُطُورِ فِي الْأُذُنِ؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ، وَالطَّحِينِ؟ فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ غُبَارَ الطَّرِيقِ، وَالطَّحِينِ: لَمْ يَتَعَمَّدْ إيصَالَهُ إلَى الْحَلْقِ، وَالْكُحْلُ تَعَمَّدَ إيصَالَهُ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ قِيَاسَ السَّعُوطِ عَلَى غُبَارِ الطَّرِيقِ، وَالطَّحِينِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَسْلَكُهُ الْأَنْفُ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ قِيَاسًا وَلَا يَلْتَزِمُونَ نَصًّا، وَلَا يَطْرُدُونَ أَصْلًا وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ فَيَغْلِبُهُ الْمَاءُ فَيَدْخُلُ حَلْقَهُ عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، ذَاكِرًا كَانَ أَوَغَيْرَ ذَاكِرٍ. وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ - وَهُوَ الشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادٌ - وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وُضُوءٍ لِصَلَاةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ وُضُوءٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَرُوِّينَا قَوْلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَفْطَرَ بِذَلِكَ بِالْأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِذَا اسْتَنْشَقْتَ فَبَالِغْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، وَسُقُوطُ وُجُوبِ ذَلِكَ عَنْ الصَّائِمِ فَقَطْ؛ لَا نَهْيُهُ عَنْ الْمُبَالَغَةِ؛ فَالصَّائِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُبَالِغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِيهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّائِمِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بِالْمُبَالَغَةِ؛ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً يَقُولُ: إنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ تُفْطِرُ الصَّائِمَ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي التَّمْوِيهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى

الْحَلْقِ أَثَرٌ وَلَا عِثْيَرٌ وَلَا إشَارَةٌ وَلَا دَلِيلٌ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يَتَكَهَّنُونَ فِي السُّنَنِ مَا يُوَافِقُ آرَاءَهُمْ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَأَمَّا الذُّبَابُ يَدْخُلُ فِي الْحَلْقِ غَلَبَةً، وَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَتَثَاءَبَ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ نُقْطَةٌ مِنْ الْمَطَرِ -: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يُفْطِرُ؛ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفْطِرُ بِالذُّبَابِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الذُّبَابِ يَدْخُلُ حَلْقَ الصَّائِمِ قَالَ: لَا يُفْطِرُ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ فِي الذُّبَابِ يَدْخُلُ حَلْقَ الصَّائِمِ قَالَ: لَا يُفْطِرُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ: وَمَا نَعْلَمُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا تِلْكَ الرِّوَايَةَ الضَّعِيفَةَ عَنْهُ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ؛ وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ؟ وَكُلُّهُمْ قَدْ خَالَفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْفِطْرَ بِتَعَمُّدِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَهُوَ خَارِجٌ لَا دَاخِلٌ، وَيُبْطِلُونَ الْوُضُوءَ بِالْإِيلَاجِ، وَهُوَ دَاخِلٌ لَا خَارِجٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ قُلْنَا: إنَّ مَا لَيْسَ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، وَلَا جِمَاعًا، وَلَا مَعْصِيَةً، فَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا السِّوَاكُ بِالرَّطْبِ، وَالْيَابِسِ، وَمَضْغُ الطَّعَامِ أَوْ ذَوْقُهُ مَا لَمْ يَصِلْ مِنْهُ إلَى الْحَلْقِ أَيُّ شَيْءٍ بِتَعَمُّدٍ -: فَكُلُّهُمْ لَا يَرَوْنَ الصِّيَامَ بِذَلِكَ مُنْتَقَضًا، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ كَرِهَ السِّوَاكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَمْ يُبْطِلْ بِذَلِكَ الصَّوْمَ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ مَضْغَ الطَّعَامِ وَذَوْقَهُ، وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ مَا لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا

سُنَّةٌ بِكَرَاهَتِهِ خَطَأٌ، وَهُمْ لَا يَكْرَهُونَ الْمَضْمَضَةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَضْغِ الطَّعَامِ؛ بَلْ الْمَاءُ أَخْفَى وُلُوجًا وَأَشَدُّ امْتِزَاجًا بِالرِّيقِ مِنْ الطَّعَامِ؛ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقِيَاسَ؟ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ: «إنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْخُلُوفُ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ، وَلَيْسَ فِي الْأَسْنَانِ، وَالْمَضْمَضَةُ تَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عَمَلَ السِّوَاكِ، وَهُوَ لَا يَكْرَهُهَا، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَوَكِيعٍ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ حَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ فَالسِّوَاكُ سُنَّةٌ - لِلْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ، وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ؟ وَقَدْ كَرِهَ أَبُو مَيْسَرَةَ الرَّطْبَ مِنْ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، وَحَمَّادٍ، وَإِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْرَهُونَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَمْضُغَ الطَّعَامَ لِلصَّبِيِّ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَفْعَلُهُ وَأَمَّا مَضْغُ الْعِلْكِ، وَالزِّفْتِ، وَالْمَصْطَكَى: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ لَا يَصِحُّ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَرِهَتْ الْعِلْكَ لِلصَّائِمِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا؟ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، وَلَا جِمَاعًا، وَلَا مَعْصِيَةً: فَهُوَ مُبَاحٌ فِي الصَّوْمِ؛ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ بِنَهْيِ الصَّائِمِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ بِطُولِ الْمَضْغِ لَوْ وُزِنَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَأَمَّا غُبَارُ مَا يُغَرْبَلُ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونَ وَهُوَ لَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، فَلَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ وَأَمَّا طَعَامٌ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْأَسْنَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ خَرَجَ فَرَمَى بِهِ -: فَهَذَا لَمْ يَأْكُلْ، وَلَا شَرِبَ؛ فَلَا حَرَج، وَلَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ -: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ وَهُوَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ. وَأَمَّا مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا - مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ التَّمَادِي ضُحًى كَذَلِكَ حَتَّى يَتْرُكَ

الصَّلَاةَ عَامِدًا ذَاكِرًا لَهَا: - فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا؟ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِتَرْكِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ؟ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ؛ وَالشَّافِعِيُّونَ: صَوْمُهُ تَامٌّ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ تَعَمُّدَ الْمَعْصِيَةِ يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَلَا مَعْصِيَةَ أَعْظَمُ مِنْ تَعَمُّدِ تَرْكِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا؟ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ؟ فَقَالَ: أَفْطِرْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ إذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا قَالَ: فَجِئْت إلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَفْتَانِي بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَئِنْ أَفْطَرْتَ لَأُوجِعَنَّ مَتْنَكَ، صُمْ، فَإِنْ بَدَا لَكَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ فَافْعَلْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْقَارِئَ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، مَا أَنَا قُلْتُ: مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ، مُحَمَّدٌ - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ - قَالَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ عَابَ مَنْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: إنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ بِهِ، وَإِنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ قُوَّةٌ زَائِدَةٌ لِلْخَبَرِ، أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ وَالْفَضْلُ رَوَيَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا نَدْرِي إلَى مَا أَشَارَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ؟ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إلَّا نِسْبَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْكَذِبِ، وَالْمُعْتَرِضُ بِذَلِكَ أَحَقُّ بِالْكَذِبِ مِنْهُ؟ وَكَذَلِكَ عَارَضَ قَوْمٌ - لَا يُحَصِّلُونَ مَا يَقُولُونَ - هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ رَوَتَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ النَّهَارَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ يُعَارِضُ هَذَا الْخَبَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ هِيَ الزَّائِدَةُ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرُدُّ رِوَايَتَهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ بِرَأْيِهِ -: ثُمَّ يَجْعَلُ رِوَايَتَهُمَا هَاهُنَا حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ لَا سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا قَالَتْ: مَا أَدْرَكَ الْفَجْرُ قَطُّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا

وَهُوَ نَائِمٌ» فَهَلَّا حَمَلُوا هَذَا عَلَى غَلَبَةِ النَّوْمِ، لَا عَلَى تَعَمُّدِ تَرْكِ الْغُسْلِ؟ وَاحْتَجَّ أَيْضًا قَوْمٌ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ فُتْيَاهُ فِي الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ فِي رُجُوعِهِ، لِأَنَّهُ رَأْي مِنْهُ؛ إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُ رِوَايَتِهِمْ، وَلَمْ نُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِ الرَّأْيِ مِمَّنْ رَآهُ مِنْهُمْ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَهُمْ قَدْ ثَبَتُوا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ تَحْرِيمِ الْمُتَزَوِّجَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الَّذِي دَخَلَ بِهَا فِي الْأَبَدِ. وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ ابْتِدَاءُ زَوَاجِهَا؟ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ فِي هَذَا قَالَ عَطَاءٌ: يُبَدِّلُ يَوْمًا وَيُتِمُّ يَوْمَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ جُنُبًا وَهُوَ مُتَعَمِّدٌ أَبْدَلَ الصِّيَامَ؛ وَمَنْ أَتَاهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَلَا يُبَدِّلُهُ؟ فَهَذَا عُرْوَةُ ابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَدْ تَرَكَ قَوْلَهَا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا؟ فَقَالَ: أَمَّا رَمَضَانُ فَيُتِمُّ صَوْمَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ؛ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْت سَالِمًا عَنْ رَجُلٍ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ: يُتِمُّ يَوْمَهُ وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ ذَلِكَ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ فَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ: يَقْضِيهِ فِي الْفَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِذِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ قَالَ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ الْوَاجِبُ الْقَوْلَ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ نَسْخِهِ؟ وَبُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] كَانَ أَحَدُهُمْ إذَا نَامَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا إلَى الْقَابِلَةَ، وَرَخَّصَ اللَّهُ لَكُمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ هِلَالٍ الرَّقِّيُّ ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ - ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ بَاجَدَّا -: ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ إذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا وَلَا يَشْرَبَ لَيْلَتَهُ وَيَوْمَهُ مِنْ الْغَدِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، حَتَّى نَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِكُلِّ حَالٍ تَقَدَّمَتْ الصَّوْمَ، وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ الْمَنْسُوخَةِ، وَإِذْ صَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَحُكْمُهَا

بَاقٍ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَفِيهَا إبَاحَةُ الْوَطْءِ إلَى تَبَيُّنِ الْفَجْرِ؛ فَإِذْ هُوَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْفَجْرَ يُدْرِكُهُ وَهُوَ جُنُبٌ، فَبِهَذَا وَجَبَ تَرْكُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا بِمَا سِوَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ، أَوْ فِي صَوْمِ فَرْضٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ: فَأَكَلَ، وَشَرِبَ، وَوَطِئَ، وَعَصَى؛ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهِ قَدْ أَصْبَحَ؛ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَابَتْ الشَّمْسُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ -: فَإِنَّ صَوْمَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا تَامٌّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيُّ أَخَبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ الرَّيَّانِ الْمَخْزُومِيِّ وَرَّاقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثنا الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ الْمَرَادِيِّ ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عَبْدَانُ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثنا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - ثنا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ، أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا

رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ؟ فَقَالَ: اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَخِلَاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَائِمًا، وَأَمَرَهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ صَحِيحُ الصَّوْمِ - وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: اسْتَسْقَى ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقُلْت: أَلَسْتَ صَائِمًا؟ فَقَالَ: أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْقِيَنِي فَمَنَعْتَنِي؟ . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ شَرِبَ نَاسِيًا أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ، إنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ؟ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُ هَذَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ، وَسَوَّيَا فِي ذَلِكَ بَيْن الْمُجَامِعِ، وَالْآكِلِ، وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ مِثْلُهُ، وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَعَلْقَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ؛ إلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنْ ذَكَرْنَا رَأَى الْجِمَاعَ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَرَأَى فِيهِ الْقَضَاءَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَسُفْيَانَ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِي؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: الْأَكْلُ، وَالْجِمَاعُ، وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّوْمَ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: وَعَلَى هَذَا فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ بِنِسْيَانٍ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فَكَيْفَ وَقَوْلُهُمْ هَذَا خَطَأٌ؟ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ تَعَمُّدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالْقَيْءِ يُنَافِي الصَّوْمَ لَا الْأَكْلُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الشُّرْبُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الْجِمَاعُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الْقَيْءُ كَيْفَ كَانَ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ.

وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ فَبَاطِلٌ، عَارِيَّةٌ مِنْ الدَّلِيلِ جُمْلَةً، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، بَلْ هَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ وَتَنَاقَضُوا فِيهِ، لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ. وَخَالَفُوا هَاهُنَا طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَقَالُوا: الْكَلَامُ، أَوْ الْأَكْلُ، أَوْ الشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ بِنِسْيَانٍ لَا يُبْطِلُهَا، وَأَبْطَلُوا الصَّوْمَ بِكُلِّ ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَتَنَاقَضَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْكَلَامَ، أَوْ الْأَكْلَ نَاسِيًا، أَوْ الشُّرْبَ نَاسِيًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَيَبْتَدِئُهَا، وَخَالَفَ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَرَأَى الْجِمَاعَ يُبْطِلُ الْحَجَّ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا وَرَأَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَاتَّبَعَ الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ، وَرَأَى الْجِمَاعَ نَاسِيًا لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ، وَلَمْ يَقِسْ الْآكِلَ نَائِمًا عَلَى الْآكِلِ نَاسِيًا؛ بَلْ رَأَى الْأَكْلَ نَائِمًا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَهُوَ نَاسٍ بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؟ وَادَّعَى مُقَلِّدُوهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ وَالْأَكْلَ نَاسِيًا سَوَاءٌ؛ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ أَصَابَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَنْسَى هَذَا كُلَّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ عُذْرًا، وَإِنْ طَعِمَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَا يَقْضِيهِ، اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَرَأَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَعَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ وَتَفَارِيقُ لَا تَصِحُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ إمَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِمَّا بِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ -: كِلَاهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إبْطَالَ صَوْمِهِ، وَكِلَاهُمَا ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ، وَالنَّاسِي ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ وَلَا فَرْقَ، فَهُمَا وَالنَّاسِي سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ.

وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَإِنَّمَا يَكُونُ قِيَاسًا لَوْ جَعَلْنَا النَّاسِيَ أَصْلًا ثُمَّ شَبَّهْنَا بِهِ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي لَيْلٍ فَإِذَا بِهِ فِي نَهَارٍ، وَلَمْ نَفْعَلْ هَذَا بَلْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ثنا مَعْمَرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَفْطَرَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَأَيْت عِسَاسًا أُخْرِجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَشَرِبُوا، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ سَحَابٍ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: نَقْضِي هَذَا الْيَوْمَ فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ؟ وَاَللَّهِ مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا الْقَضَاءُ، وَهَذَا تَخَالُفٌ مِنْ قَوْلِهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَوَجَدْنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ أَوْلَى لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ لَهُ صُحْبَةٌ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ الْقَضَاءُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ تَسَحَّرَ نَهَارًا وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا؟ فَقَالَ: يُتِمُّ صَوْمَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ، قَالَ: يُتِمُّ صَوْمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا أَبُو دَاوُد - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِيمَنْ أَكَلَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ، قَالَ: يُتِمُّ صَوْمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ عُرْوَةُ وَعَطَاءٌ فِيمَنْ أَكَلَ فِي الصُّبْحِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ: لَمْ يَقْضِهِ؛ فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَمُجَاهِدٌ؛ وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَعَطَاءٍ، وَزِيَادِ بْنِ النَّضْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ هَؤُلَاءِ: بِالْقَضَاءِ فِي الَّذِي يُفْطِرُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَأَمَّا فِي الْفَجْرِ فَلَا، مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: «أَفْطَرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ» . قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: قُلْت لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ فَقَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ بُدٌّ؟

فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ إلَّا مِنْ كَلَامِ هِشَامٍ، وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْت هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ يَقُولُ: لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا؟ فَصَحَّ مَا قُلْنَا. وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ، أَوْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ نَائِمَةً، أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا، أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ وَهُوَ نَائِمٌ -: فَصَوْمُ النَّائِمِ، وَالنَّائِمَةِ، وَالْمُكْرَهِ، وَالْمُكْرَهَةِ: تَامٌّ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَجْنُونَةِ. وَالْمُغْمَى عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِهِ عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَالنَّائِمُ وَالنَّائِمَةُ مُكْرَهَانِ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ مُخْتَارَيْنِ لِمَا فُعِلَ بِهِمَا؟ وَقَالَ زُفَرُ: لَا شَيْءَ عَلَى النَّائِمِ، وَالنَّائِمَةِ وَلَا قَضَاءَ كَمَا قُلْنَا، سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَصَوْمُهُمَا تَامٌّ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّائِمِ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ: إذَا جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَصَوْمُهَا تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَالْمَجْنُونُ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» . وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّائِمَةِ، وَالْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهَةِ، وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِمَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا - فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُنْتَقَضُ مِنْ الْأَحْدَاثِ بِقِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهَا كَيْفَ مَا كَانَ، بِنِسْيَانٍ أَوْ عَمْدٍ أَوْ إكْرَاهٍ: وَالْآخَرُ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا بِالْعَمْدِ عَلَى حَسَبِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي

مسألة المجنون والمغمى عليه في شهر رمضان

ذَلِكَ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ - الرِّيحَ، وَالْبَوْلَ، وَالْغَائِطَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ -: أَنْ يَقِيسُوا النَّاسِيَ فِي الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِي فِي الطَّهَارَةِ، وَالْمَغْلُوبَ بِالْقَيْءِ عَلَى الْمَغْلُوبِ بِالْحَدَثِ، وَكُلُّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا أَصْلًا، فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ الْفَاسِدُ وَكَانَ أَدْخَلَ فِي الْقِيَاسِ لَوْ قَاسُوا الْمُكْرَهَ، وَالْمَغْلُوبَ فِي الصَّوْمِ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَالْمَغْلُوبِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ، أَوْ تَرْكِ السُّجُودِ، أَوْ الرُّكُوعِ، فَهَؤُلَاءِ صَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ؛ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْمُكْرَهِ وَالْمَغْلُوبِ وَلَا فَرْقَ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ الْقِيَاسَ وَلَا يَتَّبِعُونَ النُّصُوصَ وَلَا يَطْرُدُونَ أُصُولَهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَأَمَّا دُخُولُ الْحَمَّامِ، وَالتَّغْطِيسُ فِي الْمَاءِ، وَدَهْنُ الشَّارِبِ، فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَدْخُلُ الصَّائِمُ الْحَمَّامَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ الْإِفْطَارُ بِدَهْنِ الشَّارِبِ، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّغْطِيسِ فِي الْمَاءِ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ لِلصَّائِمِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَا يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمَجْنُون وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي شَهْر رَمَضَانَ] 754 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَجْنُونِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ جُنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ - قَضَى الشَّهْرَ كُلَّهُ. قَالَ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كُلِّهِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ - قَضَى الشَّهْرَ كُلَّهُ إلَّا يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى صِيَامَهُ مِنْ اللَّيْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَلَغَ وَهُوَ مَجْنُونٌ مُطْبَقٌ فَأَقَامَ وَهُوَ كَذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ -: فَإِنَّهُ يَقْضِي كُلَّ رَمَضَانَ كَانَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ، وَلَا يَقْضِي شَيْئًا مِنْ الصَّلَوَاتِ. قَالَ: فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ النَّهَارِ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ النَّهَارِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ جُمْلَةً دُونَ تَقْسِيمٍ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: لَا قَضَاءَ عَلَى الْمَجْنُونِ إلَّا عَلَى الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ، وَلَا

قَضَاءَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقْضِي الْمَجْنُونُ، وَيَقْضِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُنَّا نَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَبْطُلُ صَوْمُهُمَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ. وَنَقُولُ: إنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَكُنَّا نَقُولُ: إذَا رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِصَوْمٍ وَلَا بِصَلَاةٍ. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْخَبَرَ - بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى يَعْقِلَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ صَوْمِهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ، وَلَا عَوْدَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى، فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يَكُونُ مُفْطِرًا بِجُنُونِهِ؛ لَكِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَقَدْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ؛ فَإِنْ أَفَاقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِي يَوْمٍ بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ حِينِهِ وَيَكُونُ صَائِمًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، أَوْ مَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ يَوْمُ نَذْرِهِ أَوْ فَرْضِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ مَنْ نَامَ، أَوْ سَكِرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ وَلَا صَحَا إلَّا مِنْ الْغَدِ وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ، أَوْ أَقَلُّهُ. وَوَجَدْنَا الْمَجْنُونَ لَا يُبْطِلُ جُنُونُهُ إيمَانَهُ، وَلَا أَيْمَانَهُ وَلَا نِكَاحَهُ وَلَا طَلَاقَهُ، وَلَا ظِهَارَهُ وَلَا إيلَاءَهُ، وَلَا حَجَّهُ، وَلَا إحْرَامَهُ وَلَا بَيْعَهُ، وَلَا هِبَتَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ، وَلَا خِلَافَتَهُ إنْ كَانَ خَلِيفَةً، وَلَا إمَارَتَهُ إنْ كَانَ أَمِيرًا وَلَا وِلَايَتَهُ وَلَا وَكَالَتَهُ، وَلَا تَوْكِيلَهُ، وَلَا كُفْرَهُ، وَلَا فِسْقَهُ، وَلَا عَدَالَتَهُ، وَلَا وَصَايَاهُ، وَلَا اعْتِكَافَهُ، وَلَا سَفَرَهُ، وَلَا إقَامَتَهُ، وَلَا مِلْكَهُ، وَلَا نَذْرَهُ، وَلَا حِنْثَهُ، وَلَا حُكْمَ الْعَامِّ فِي الزَّكَاةِ عَلَيْهِ.

وَوَجَدْنَا ذُهُولَهُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يَذْهَلُ الْإِنْسَانُ عَنْ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا وَلَا صَائِمًا؛ فَيَأْكُلَ، وَيَشْرَبَ، وَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ وَلَا صَلَاتُهُ، بِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَا يُبْطِلُ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ إلَّا مَا يُبْطِلُ النَّوْمُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُكْرَهَ عَلَى الْفِطْرِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمَجْنُونُ، وَالْمُكْرَهُ مَغْلُوبَانِ مُكْرَهَانِ مُضْطَرَّانِ بِقَدَرٍ غَالِبٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَصَابَهُمَا، فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ صَوْمَهُمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ جُنَّ؛ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ صَوْمُهُ بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ؛ فَلَا يَجُوزُ بُطْلَانُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ؛ وَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَهَذَا لَمْ يَكُنْ - قَطُّ - مُخَاطَبًا، وَلَا لَزِمَتْهُ الشَّرَائِعُ، وَلَا الْأَحْكَامُ وَلَمْ يَزَلْ مَرْفُوعًا عَنْهُ الْقَلَمُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمٍ - أَصْلًا؛ بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ: فَإِذَا عَقَلَ فَحِينَئِذٍ ابْتَدَأَ الْخِطَابُ بِلُزُومِهِ إيَّاهُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ فِي لَيْلَةِ رَمَضَانَ وَكَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَصَحَا بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ النَّهَارِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ - أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ -: فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَلَيْسَ السُّكْرُ مَعْصِيَةً، إنَّمَا الْمَعْصِيَةُ شُرْبُ مَا يُسْكِرُ سَوَاءٌ سَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ فُتِحَ فَمُهُ أَوْ أُمْسِكَتْ يَدُهُ وَجَسَدُهُ وَصُبَّ الْخَمْرُ فِي حَلْقِهِ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِسُكْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مَا يُسْكِرُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَالسُّكْرُ لَيْسَ هُوَ فِعْلُهُ، إنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْهَى الْمَرْءُ عَنْ فِعْلِهِ، لَا عَنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا فِي النَّهَارِ وَلَا فَرْقَ؛ أَوْ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ لَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَصَوْمُهُ تَامٌّ. وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَكِرَ، أَوْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُفِقْ وَلَا صَحَا وَلَا انْتَبَهَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا وَالْغَدَ كُلَّهُ إلَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ -: أَيَقْضِيهِ أَمْ لَا؟ . فَوَجَدْنَا الْقَضَاءَ إيجَابَ شَرْعٍ؛ وَالشَّرْعُ لَا يَجِبُ إلَّا بِنَصٍّ، فَلَا نَجِدُ إيجَابَ الْقَضَاءِ

مسألة الصائم الذي جهده الجوع أو العطش حتى غلبه الأمر

فِي النَّصِّ إلَّا عَلَى أَرْبَعَةٍ: الْمُسَافِرُ، وَالْمَرِيضُ - بِالْقُرْآنِ - وَالْحَائِضُ، وَالنُّفَسَاءُ، وَالْمُتَعَمِّدُ لِلْقَيْءِ - بِالسُّنَّةِ - وَلَا مَزِيدَ. وَوَجَدْنَا النَّائِمَ، وَالسَّكْرَانَ، وَالْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ عَلَيْهِ لَيْسُوا مُسَافِرِينَ وَلَا مُتَعَمِّدِينَ لِلْقَيْءِ، وَلَا حُيَّضًا، وَلَا مِنْ ذَوَاتِ النِّفَاسِ، وَلَا مَرْضَى؛ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ أَصْلًا، وَلَا خُوطِبُوا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ؛ بَلْ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ - بِالسُّنَّةِ. وَوَجَدْنَا الْمَصْرُوعَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَرِيضَيْنِ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ الْمَرَضَ هِيَ حَالٌ مُخْرِجَةٌ لِلْمَرْءِ عَنْ حَالِ الِاعْتِدَالِ وَصِحَّةِ الْجَوَارِحِ وَالْقُوَّةِ إلَى الِاضْطِرَابِ وَضَعْفِ الْجَوَارِحِ وَاعْتِلَالِهَا، وَهَذِهِ صِفَةُ الْمَصْرُوعِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ، وَيَبْقَى وَهْنُ ذَلِكَ وَضَعْفُهُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مُدَّةً؛ فَإِذْ هُمَا مَرِيضَانِ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْسَ قَوْلُنَا بِسُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ مِنْهَا وَبِقَضَاءِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ -: مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا هَاهُنَا؛ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ، لِأَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَلَا كَانَ أَيْضًا مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى - عَلَى الْمَرِيضِ: قَضَاءَ صَلَاةٍ، وَأَوْجَبَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ: عَلَى النَّائِمِ، وَالنَّاسِي، وَلَمْ يُوجِبْ قَضَاءَ صِيَامٍ عَلَى النَّائِمِ، وَالنَّاسِي بَلْ أَسْقَطَهُ تَعَالَى عَنْ النَّاسِي، وَالنَّائِمِ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ. فَصَحَّ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَمْ يَتَّبِعْ نَصًّا، وَلَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَلَى مَنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ جُنُونِهِ: قَضَاءَ الشَّهْرِ كُلِّهِ، وَهُوَ لَا يَرَاهُ عَلَى مَنْ بَلَغَ، أَوْ - أَسْلَمَ حِينَئِذٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ: الْمَجْنُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ إبْطَالِهِ، وَمَا نَدْرِي فِيمَا يُشْبِهُ الْمَجْنُونُ الْحَائِضَ [مَسْأَلَةٌ الصَّائِم الَّذِي جَهَدَهُ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ حَتَّى غَلَبَهُ الْأَمْرُ] ؟ 755 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ، أَوْ الْعَطَشُ حَتَّى غَلَبَهُ الْأَمْرُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .

مسألة لا يلزم صوم إلا بتبين طلوع الفجر الثاني

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَإِنْ كَانَ خَرَجَ بِذَلِكَ إلَى حَدِّ الْمَرَضِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْمَرَضِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ مُكْرَهٌ مُضْطَرٌّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وَلَمْ يَأْتِ الْقُرْآنُ وَلَا السُّنَّةُ بِإِيجَابِ قَضَاءٍ عَلَى مُكْرَهٍ، أَوْ مَغْلُوبٍ؛ بَلْ قَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءَ عَمَّنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَهُ [مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ صَوْمٌ إلَّا بِتَبَيُّنِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي] 756 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ صَوْمٌ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا بِتَبَيُّنِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، وَأَمَّا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ، كَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ. فَمَنْ رَأَى الْفَجْرَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَلْيَقْذِفْ مَا فِي فَمِهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، وَلْيَصُمْ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ وَمَنْ رَأَى الْفَجْرَ وَهُوَ يُجَامِعُ فَلْيَتْرُكْ مِنْ وَقْتِهِ، وَلْيَصُمْ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ طُلُوعُ الْفَجْرِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ، فَلَوْ تَوَقَّفَ بَاهِتًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَصَوْمُهُ تَامٌّ؛ وَلَوْ أَقَامَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ شَرِبَ فَهُوَ عَاصٍ لَهُ تَعَالَى، مُفْسِدٌ لِصَوْمِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى - الْقَضَاءِ؛ فَإِنْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ -: بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْوَطْءَ وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَنَا الْفَجْرُ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَلَا قَالَ: حَتَّى تَشُكُّوا فِي الْفَجْرِ؛ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ، وَلَا أَنْ يُوجِبَ صَوْمًا بِطُلُوعِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْمَرْءِ، ثُمَّ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْتِزَامَ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ الْقَاسِمُ: عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ نَافِعٌ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ،

قَالَتْ عَائِشَةُ، وَابْنُ عُمَرَ: «كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ - عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ [ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْقُشَيْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَقُولُ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -] : «لَا يَغُرَّنَّ أَحَدَكُمْ نِدَاءُ بِلَالٍ مِنْ السُّحُورِ، وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ» .

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي الْخَيْطَيْنِ الْأَسْوَدِ، وَالْأَبْيَضِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَأَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى أَذَانِهِ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْأَكْلَ مُبَاحٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِمُرِيدِ الصَّوْمِ طُلُوعُهُ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَحَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُقَارِبَةِ، مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] إنَّمَا مَعْنَاهُ فَإِذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَائِلُ هَذَا مُسْتَسْهِلٌ لِلْكَذِبِ عَلَى الْقُرْآنِ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلٌ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ؛ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَكَانَ بِلَالُ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعًا لَا يُؤَذِّنَانِ إلَّا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] فَإِقْحَامُهُمْ فِيهِ: أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ فَإِذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ -: بَاطِلٌ وَكَذِبٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ يَجُوزُ لَهُ الرَّجْعَةُ إلَّا عِنْدَ مُقَارَبَةِ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ؛ وَلَا يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ؛ بَلْ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَبُلُوغُ أَجَلِهِنَّ هُوَ بُلُوغُهُنَّ أَجَلَ الْعِدَّةِ، لَيْسَ هُوَ انْقِضَاءَهَا، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ فِي أَجَلِ الْعِدَّةِ كُلِّهِ فَلِلزَّوْجِ الرَّجْعَةُ، وَلَهُ الطَّلَاقُ؛ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ: اكْلَأْ لَنَا الْفَجْرَ» مُوجِبٌ لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ إلَّا لِلصَّلَاةِ، لَا لِلصَّوْمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِلصَّوْمِ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ، وَالْجِمَاعَ: مُبَاحَانِ إلَى أَنْ يُنْذِرَهُمْ بِلَالٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنْذَارُهُ إيَّاهُمْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَا شَكٍّ؛ فَالْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْجِمَاعُ: مُبَاحٌ كُلُّ ذَلِكَ، وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ كُلُّ ذَلِكَ بِإِنْذَارِ بِلَالٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ هَذَا مَا لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِيهِ، وَقَوْلُهُمْ هُنَا خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ وَلِجَمِيعِ السُّنَنِ -: حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ثنا حَبِيبُ بْنُ خَلَفٍ الْبُخَارِيُّ ثنا أَبُو ثَوْرِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ «زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ تَسَحَّرْتُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَدَخَلْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ، فَأَمَرَ بِلِقْحَةٍ فَحُلِبَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِقِدْرٍ فَسُخِّنَتْ، ثُمَّ قَالَ: كُلْ. قُلْتُ: إنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ، قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ، فَأَكَلْنَا ثُمَّ شَرِبْنَا ثُمَّ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: هَكَذَا فَعَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: بَعْدَ الصُّبْحِ؟ قَالَ: بَعْدَ الصُّبْحِ؛ إلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ «عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَيُّ وَقْتٍ تَسَحَّرْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ، إلَّا أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ» قَالَ عَمَّارٌ: وَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ إذَا بَزَغَ الْفَجْرُ.

قَالَ حَمَّادٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: كَانَ أَبِي يُفْتِي بِهَذَا؟ وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنِ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ «عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَسَحَّرَ هُوَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُرِيدُ الصَّوْمَ، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَبَيَّنُ لَهُمْ الْفَجْرُ بَعْدُ؛ فَبِهَذَا تَتَّفِقُ السُّنَنُ مَعَ الْقُرْآنِ؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا نَظَرَ الرَّجُلَانِ إلَى الْفَجْرِ فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فَلْيَأْكُلَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ لِي: قُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ الْفَجْرِ حَتَّى تَسَحَّرَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: قُمْ فَاسْتُرْنِي مِنْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَكَلَ. سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ هَذَا أَشْجَعِيٌّ كُوفِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ وَكِيعٌ: عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ

عَنْ أَبِي السَّفَرِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَا جَمِيعًا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ: أَجِيفُوا الْبَابَ حَتَّى نَتَسَحَّرَ الْإِيجَافُ: الْغَلْقُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: إذَا شَكَّ الرَّجُلَانِ فِي الْفَجْرِ فَلْيَأْكُلَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: ثنا حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ النِّدَاءَ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: أَحْرَزْتُهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ الشَّرَابَ مَا شَكَكْتَ؛ يَعْنِي فِي الْفَجْرِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْقِنِي يَا غُلَامُ، قَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ، فَقُلْت: كَلًّا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَكٌّ لَعَمْرُ اللَّهِ، اسْقِنِي؟ فَشَرِبَ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ مَكْحُولٍ الْأَزْدِيِّ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ دَلْوًا مِنْ زَمْزَمَ وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ: أَطَلَعَ الْفَجْرُ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَدْ طَلَعَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا؛ فَشَرِبَ ابْنُ عُمَرَ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ تَسَحَّرَ فِي رَمَضَانَ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَسَحَّرَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُمَا يُرِيدَانِ الصِّيَامَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: أَقِمْ الصَّلَاةَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ قَالَ: تَسَحَّرْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ

جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَطَرٍ قَالَ: أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ، فَأَخْرَجَ لَنَا فَضْلَ سُحُورٍ، فَتَسَحَّرْنَا مَعَهُ، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ؛ فَخَرَجْنَا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ نَحْوُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا شُعْبَةُ «عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي - وَكَانَتْ قَدْ حَجَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بِلَالٌ، وَإِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَتْ: وَكَانَ يَصْعَدُ هَذَا وَيَنْزِلُ هَذَا قَالَتْ: فَكُنَّا نَتَعَلَّقُ بِهِ فَنَقُولُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى نَتَسَحَّرَ» . فَحَصَلَ لَنَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمَا كَانَا مُؤَذِّنَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِيَسِيرٍ، أَيَّهُمَا كَانَا -: حِينًا هَذَا وَحِينًا هَذَا - وَالْآخَرُ وَلَا بُدَّ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: كُلْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْفَجْرُ. وَعَنْ الْحَسَنِ: كُلْ مَا امْتَرَيْت. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: السَّاطِعُ: ذَلِكَ الصُّبْحُ الْكَاذِبُ، وَلَكِنْ إذَا انْفَضَحَ الصُّبْحُ فِي الْأُفُقِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: الْمُعْتَرِضُ الْأَحْمَرُ يُحِلُّ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ الطَّعَامَ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَتَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ وَأَنَا فِي الْبَيْتِ لَا أَدْرِي لِعَلَيَّ قَدْ أَصْبَحْت؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، هُوَ شَكٌّ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا

مسألة من صح عنده أن الهلال قد رئي البارحة في آخر شعبان

يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ، إنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ: أَنَّهُ تَسَحَّرَ وَخَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّحُورَ جِدًّا، حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ: لَا صَوْمَ لَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ " مَنْ تَسَحَّرَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ " مَنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ قَضَاءً. فَهَؤُلَاءِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةُ، وَعَمُّهُ خُبَيْبٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ، لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. إلَّا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْهُ؛ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْجَزَّارِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَمُجَاهِدٌ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرُ بْنِ زَيْدٍ. وَمِنْ الْفُقَهَاءِ: مَعْمَرٌ، وَالْأَعْمَشُ. فَإِنْ ذَكَرُوا رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ قَطَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِيمَنْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، وَبِالرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ -: فَإِنَّمَا هَذَا فِي الْإِفْطَارِ عِنْدَ اللَّيْلِ، لَا فِي الْأَكْلِ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ، وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ، وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ إلَّا بَعْدَ يَقِينِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي مَجِيءِ اللَّيْلِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَصِيَامُهُ بَاطِلٌ، فَإِنْ جَامَعَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ فِي فَرْضِ الصِّيَامِ، مَا لَمْ يُوقِنْ اللَّيْلَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} [البقرة: 187] لِأَنَّ هَذَا فِي فَرْضِ الْإِفْطَارِ حَتَّى يُوقِنَ بِالنَّهَارِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ رُئِيَ الْبَارِحَةَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ] 757 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَحَّ عِنْدَهُ بِخَبَرِ مَنْ يُصَدِّقُهُ - مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، أَوْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ: عَبْدٍ، أَوْ حُرٍّ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ حُرَّةٍ، فَصَاعِدًا - أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ رُئِيَ الْبَارِحَةَ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فَفُرِضَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، صَامَ النَّاسُ أَوْ لَمْ يَصُومُوا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَآهُ هُوَ وَحْدَهُ، وَلَوْ صَحَّ عِنْدَهُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ أَيْضًا - كَمَا ذَكَرْنَا - فَصَاعِدًا: أَنَّ هِلَالَ شَوَّالٍ قَدْ رُئِيَ فَلْيُفْطِرْ،

أَفْطَرَ النَّاسُ أَوْ صَامُوا؛ وَكَذَلِكَ لَوْ رَآهُ هُوَ وَحْدَهُ؛ فَإِنْ خَشِيَ فِي ذَلِكَ أَذًى فَلْيَسْتَتِرْ بِذَلِكَ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: ثنا ابْنُ الْمُثَنَّى ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْت أَبَا الْبَخْتَرِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» . وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ -: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ بِمِثْلِ قَوْلِنَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُجِيزُوا فِي هِلَالِ شَوَّالٍ إلَّا رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَقْبَلُ فِي كِلَيْهِمَا إلَّا رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَخْتَلِفُ -: فَمِنْهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ مَا يُقْبَلُ فِيهَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَمِنْهَا مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَمِنْهَا مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ فَقَطْ. وَمِنْهَا مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا أَرْبَعَةٌ.

وَمِنْهَا مَا يُسْمَحُ فِيهِ حَتَّى يُجِيزُوا فِيهِ النَّصْرَانِيَّ وَالْفَاسِقَ، كَالْعُيُوبِ فِي الطِّبِّ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا بَعْضَ هَذِهِ الْحُقُوقِ دُونَ بَعْضٍ بِقِيَاسِ الشَّهَادَةِ فِي الْهِلَالِ عَلَيْهِ. وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا فُسَّاقٌ، أَوْ نَصَارَى، أَوْ نِسَاءٌ وَفِيهِمْ عَدْلٌ يَضْعُفُ بَصَرُهُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَمَّا نَحْنُ فَخَبَرُ الْكَافَّةِ مَقْبُولٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ ضَرُورَةً. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى قَبُولِ عَدْلَيْنِ فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا: لَا، بَلْ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي يَقُولُ: إنْ كَانَ الْجَوُّ صَافِيًا لَمْ أَقْبَلْ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ. فَإِنْ قَالُوا: كَلَامُهُ سَاقِطٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَقِيَاسُكُمْ أَسْقَطُ. فَإِنْ قَالُوا: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ فِيهِمَا خَبَرَ الْوَاحِدِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ مِنْ الدِّينِ؛ وَقَدْ صَحَّ فِي الدِّينِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ فَهُوَ مَقْبُولٌ فِي كُلِّ مَكَان، إلَّا حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا عَدَدٌ سَمَّاهُ لَنَا. وَأَيْضًا: فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي أَذَانِ بِلَالٍ «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْتِزَامِ الصِّيَامِ بِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بِالصُّبْحِ، وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْفَجْرَ قَدْ تَبَيَّنَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِيُّ ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» . وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ

زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ؛ إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ - يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ؛ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُمْ يَا بِلَالُ فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رِوَايَةُ سِمَاكٍ لَا نَحْتَجُّ بِهَا وَلَا نَقْبَلُهَا مِنْهُمْ، وَهُمْ قَدْ احْتَجُّوا بِهَا فِي أَخْذِ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا هَاهُنَا، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَلَاعِبُونَ فِي الدِّينِ؟ فَإِنْ تَعَلَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هِلَالِ رَمَضَانَ وَهِلَالِ شَوَّالٍ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَقَالَ: لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ؟ قُلْنَا: وَلَا جَاءَ نَصٌّ قَطُّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ، فَهَلَّا قِسْتُمْ هِلَالَ شَوَّالٍ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الشَّاهِدَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ، وَالشَّاهِدُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ؟ قُلْنَا: فَرَدُّوا بِهَذَا الظَّنِّ بِعَيْنِهِ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ فِي شَوَّالٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا، كَمَا تَفْعَلُونَ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ يَكْذِبُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُبَالِي قُبِلَ أَوْ رُدَّ؟ وَنَقُولُ لَهُمْ: إذَا صُمْتُمْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ؛ فَغُمَّ الْهِلَالُ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ، أَتَصُومُونَ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ؟ فَهَذِهِ طَامَّةٌ، وَشَرِيعَةٌ لَيْسَتْ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ تُفْطِرُونَ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ لَمْ تَرَوْا الْهِلَالَ؟ فَقَدْ أَفْطَرْتُمْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَتَنَاقَضْتُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ شَغَبُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ: ثنا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ ثنا حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ الْجَدَلِيُّ - جَدِيلَةُ قَيْسٍ: «أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ خَطَبَ فَقَالَ: عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَنْسُكَ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا» .

وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: «قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَابِيَّانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمُسْلِمَانِ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَعَمْ فَأَمَرَ النَّاسُ فَأَفْطَرُوا أَوْ صَامُوا» . وَعَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ: إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَفْطَرُوا. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَبِي عُثْمَانُ أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيْنَا عُمَرُ - وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ: إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلَانِ: لَرَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ.؟ قُلْنَا: أَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ فَإِنَّ رَاوِيَهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ مَجْهُولٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُهُ اثْنَيْنِ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَاحِدٌ؟ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي عُثْمَانَ، عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي فِعْلِ عَلِيٍّ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا رَدَّ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ؛ لَا لِأَنَّهُ وَاحِدٌ؛ وَلَقَدْ كَانَ هَاشِمٌ أَحَدَ الْمُجَلِّبِينَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا خِلَافُ ذَلِكَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْهِلَالِ، فَرَآهُ رَجُلٌ، فَقَالَ عُمَرُ: يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ؛ فَأَمَرَهُمْ فَأَفْطَرُوا أَوْ صَامُوا - فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ؟

مسألة هلال رمضان إذا رئي قبل الزوال

وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا: - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَ هَذَا؛ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى رُؤْيَتِهِ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ خِلَافَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ أَنَّ مَنْ رَآهُ وَحْدَهُ فِي اسْتِهْلَالِ رَمَضَانَ فَلَا يَصُمْ، وَمَنْ رَآهُ وَحْدَهُ فِي اسْتِهْلَالِ شَوَّالٍ فَلَا يُفْطِرُ - وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ رَأَيَا الْهِلَالَ فِي سَفَرٍ؛ فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ ضُحَى الْغَدِ، فَأَخْبَرَا عُمَرَ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: أَصَائِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَرِهْت أَنْ يَكُونَ النَّاسُ صِيَامًا وَأَنَا مُفْطِرٌ، كَرِهْت الْخِلَافَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ لِلْآخِرِ: فَأَنْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْت مُفْطِرًا؛ لِأَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْلَا هَذَا - يَعْنِي الَّذِي صَامَ - لَأَوْجَعْنَا رَأْسَكَ، وَرَدَدْنَا شَهَادَتَكَ؛ ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَأَفْطَرُوا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ: إنِّي رَأَيْت هِلَالَ رَمَضَانَ، قَالَ: أَرَآهُ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَكَيْف صَنَعْت؟ قَالَ: صُمْت بِصِيَامِ النَّاسِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا لَكَ فِيهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَنْبَغِي لِمَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِيمَا يَدْعُونَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَتَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ -: أَنْ يُقَلِّدَهُ هَاهُنَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَصُومُ إنْ رَآهُ وَحْدَهُ، وَلَا يُفْطِرُ إنْ رَآهُ وَحْدَهُ وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَمَا قُلْنَا؟ وَخُصُومُنَا لَا يَقُولُونَ بِهَذَا وَلَا نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} [النساء: 84] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَمَنْ رَآهُ فَقَدْ شَهِدَهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» . [مَسْأَلَةٌ هِلَالُ رَمَضَان إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ] 758 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ مِنْ الْبَارِحَةِ وَيَصُومُ النَّاسُ مِنْ

حِينَئِذٍ بَاقِيَ يَوْمِهِمْ - إنْ كَانَ أَوَّلَ رَمَضَانَ - وَيُفْطِرُونَ إنْ كَانَ آخِرَهُ، فَإِنْ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَخَرَجَ مِنْ هَذَا الظَّاهِرُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ، وَلَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ إلَّا مِنْ الْغَدِ؛ وَبَقِيَ حُكْمُ لَفْظِ الْحَدِيثِ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ؛ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى النَّصِّ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْهِلَالَ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّمَا يَرَاهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ وَالشَّمْسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ مَعَ حَوَالَةِ الشَّمْسِ دُونَهُ إلَّا وَقَدْ أَهَلَّ مِنْ الْبَارِحَةِ وَبَعُدَ عَنْهَا بُعْدًا كَثِيرًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى النَّاسِ إذَا رَأَيْتُمُوهُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَأَفْطِرُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ بَعْدَ زَوَالِهَا فَلَا تُفْطِرُوا؟ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِمِثْلِهِ - وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَفْطِرُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ فَلَا تُفْطِرُوا فَإِنَّ الشَّمْسَ تَزِيغُ عَنْهُ أَوْ تَمِيلُ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ بِبَلَنْجَرَ فَرَأَيْت الْهِلَالَ ضُحًى فَأَتَيْت سَلْمَانَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَامَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَمَّا رَآهُ أَمَرَ النَّاسَ فَأَفْطَرُوا. وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد، وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ وَإِذَا صَحَّ التَّنَازُعُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآنَ وَجْهَ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة تعجيل الفطر وتأخير السحور

[مَسْأَلَةٌ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ] مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَإِنَّمَا هُوَ مَغِيبُ الشَّمْسِ عَنْ أُفُقِ الصَّائِمِ وَلَا مَزِيدَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» . وَمِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَضُرُّ الصَّوْمَ تَعَمُّدُ تَرْكِ السَّحُورِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامُ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ، وَلَا يَبْطُلُ عَمَلٌ بِتَرْكِ عَمَلٍ غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ «ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّحُورَ وَيُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» .

مسألة أسلم أو بلغ بعدما تبين الفجر له في رمضان

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى «سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرُبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتُ؟ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا؟ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا؟ فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلِ الْمَشْرِقِ» . وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى: تَأْخِيرَ الْفِطْرِ حَتَّى تَبْدُوَ الْكَوَاكِبُ وَلَا نَقُولُ بِهَذَا - لِمَا ذَكَرْنَا - وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ أَفْضَلُ، كَذَلِكَ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. [مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ الْفَجْرُ لَهُ فِي رَمَضَان] 760 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ الْفَجْرُ لَهُ، أَوْ بَلَغَ كَذَلِكَ، أَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ [مِنْ الْحَيْضِ] كَذَلِكَ، أَوْ مِنْ النِّفَاسِ كَذَلِكَ، أَوْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ كَذَلِكَ، أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ كَذَلِكَ - فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ بَاقِيَ نَهَارِهِمْ وَيَطَئُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ، أَوْ مَنْ طَهُرَتْ فِي يَوْمِهَا ذَلِكَ، وَيَسْتَأْنِفُونَ الصَّوْمَ مِنْ غَدٍ - وَلَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، أَوْ بَلَغَ؛ وَتَقْضِي الْحَائِضُ، وَالْمُفِيقُ، وَالْقَادِمُ، وَالنُّفَسَاءُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي بَعْضِ هَذَا -:

فَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: لَا تَأْكُلُ إلَى اللَّيْلِ، كَرَاهَةَ التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَعَنْ عَطَاءٍ - إنْ طَهُرَتْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْتُتِمَّ يَوْمَهَا، وَإِنْ طَهُرَتْ فِي آخِرِهِ أَكَلَتْ وَشَرِبَتْ؛ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا الْكَافِرُ يُسْلِمُ -: فَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ إنْ - أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ صَامَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ وَإِنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ النَّهَارِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَافِرِ يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِينَ. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الصَّبِيِّ يَبْلُغُ بَعْدَ الْفَجْرِ: أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُسَافِرِ يَقْدُمُ بَعْدَ الْفَجْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ صَوْمَ بَاقِي الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ كَانَ الصَّبِيُّ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَأْمُورًا بِالصِّيَامِ فَكَيْف بَعْدَ بُلُوغِهِ. وَقَالُوا: هَلَّا جَعَلْتُمْ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا لِأَنَّ الَّذِي جَاءَهُ خَبَرُ الْهِلَالِ كَانَ مَأْمُورًا بِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّهُ فَرْضُهُ. وَكُلُّ مَنْ ذَكَّرَنَا فَهُمْ عَالِمُونَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَبِدُخُولِ رَمَضَانَ، إلَّا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّوْمِ جُمْلَةً؛ وَلَوْ صَامَ كَانَ عَاصِيًا: كَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالْمَرِيضِ الَّذِي يُؤْذِيهِ الصَّوْمُ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّوْمِ، وَلَوْ صَامَهُ لَمْ يُجِزْهُ - وَهُوَ الصَّبِيُّ - وَإِنَّمَا يَصُومُ إنْ صَامَ تَطَوُّعًا لَا فَرْضًا.

مسألة تعمد الفطر في يوم من رمضان عاصيا لله تعالى

وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِسْلَامَ قَبْلَهُ، وَهُوَ الْكَافِرُ. وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مَفْسُوحٌ لَهُ فِي الصَّوْمِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَفِي الْفِطْرِ إنْ شَاءَ - وَهُوَ الْمَرِيضُ الَّذِي [لَا] يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ فَكُلُّهُمْ غَيْرُ مُلْزَمٍ ابْتِدَاءً صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِحَالٍ بِخِلَافِ مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَاَلَّذِي جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يُجْزِئْهُ صِيَامُ بَاقِي يَوْمِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيَعْصِي إنْ أَكَلَ، وَإِنَّمَا اتَّبَعْنَا فِيمَنْ بَلَغَهُ أَنَّ الْيَوْمَ [مِنْ] رَمَضَانَ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ ذَكَرْنَا لَا يَخْتَلِفُ الْحَاضِرُونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي أَنَّ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْقَادِمَ مِنْ السَّفَرِ، وَالْمُفِيقَ مِنْ الْمَرَضِ: لَا يُجْزِئُهُمْ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الَّذِي بَلَغَ، وَاَلَّذِي أَسْلَمَ إنْ أَكَلَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ، فَصَحَّ أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ غَيْرُ صَائِمِينَ أَصْلًا، وَإِذَا كَانُوا غَيْرَ صَائِمِينَ فَلَا مَعْنَى لِصِيَامِهِمْ، وَلَا أَنْ يُؤْمَرُوا بِصَوْمٍ لَيْسَ صَوْمًا، وَلَا هُمْ مُؤَدُّونَ بِهِ فَرْضًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا هُمْ عَاصُونَ لَهُ بِتَرْكِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ فِي ذَلِكَ [الْيَوْمِ] عَلَى مَنْ أَسْلَمَ؟ فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُ لِلشَّهْرِ كُلِّهِ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى] 761 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ

مسألة المسافر في رمضان

يَأْكُلَ فِي بَاقِيهِ وَلَا أَنْ يَشْرَبَ، وَلَا أَنْ يُجَامِعَ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلَ - وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ صَائِمٍ - بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا إمَّا مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّوْمِ، وَإِمَّا مُبَاحٌ لَهُ تَرْكُ الصَّوْمِ فَهُمْ فِي إفْطَارِهِمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرُ عَاصِينَ لَهُ بِذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ» وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَّا مَنْ جَهِلَ أَنَّهُ يَوْمُ فَرْضِهِ فَقَطْ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصُومُوا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْوُوهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَكُونُوا عُصَاةً بِالْفِطْرِ فَهُمْ مُفْطِرُونَ لَا صَائِمُونَ. وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ عَاصِيًا فَهُوَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فِيهِ كُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهُ إذَا عَصَى بِتَعَمُّدِ الْفِطْرِ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَزَيِّدٌ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَتَى مَا تَزَيَّدَ فِطْرًا، وَلَا صَوْمَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ نَحْوَ هَذَا، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ: أَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. [مَسْأَلَةٌ الْمُسَافِر فِي رَمَضَانَ] 762 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ - سَفَرَ طَاعَةٍ أَوْ [سَفَرَ] مَعْصِيَةٍ، أَوْ لَا طَاعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ - فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا تَجَاوَزَ مِيلًا، أَوْ بَلَغَهُ، أَوْ إزَاءَهُ، وَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ، وَلَهُ أَنْ يَصُومَهُ تَطَوُّعًا، أَوْ عَنْ وَاجِبٍ لَزِمَهُ، أَوْ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ خَالٍ لَزِمَهُ، وَإِنْ وَافَقَ فِيهِ يَوْمَ نَذْرِهِ صَامَهُ لِنَذْرِهِ. وَقَدْ فَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ، وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَلَمْ يَرَوْا لَهُ الْفِطْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ [هُوَ] قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فَعَمّ تَعَالَى الْأَسْفَارَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .

وَأَيْضًا فَقَدْ أَتَيْنَا بِالْبَرَاهِينِ عَلَى بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِالْمَعْصِيَةِ بِتَعَمُّدٍ، وَالسَّفَرُ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَفُسُوقٌ، فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِهِمَا. وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، أَوْ ضَارَبَ قَوْمًا ظَالِمًا لَهُمْ مُرِيدًا قَتْلَهُمْ، وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ فَدَفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَثْخَنُوهُ ضَرْبًا فِي تِلْكَ الْمُدَافَعَةِ حَتَّى أَوْهَنُوهُ؛ فَمَرِضَ مِنْ ذَلِكَ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الصَّوْمِ، وَلَا عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا؛ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَيَقْصُرُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَرَضِ الْمَعْصِيَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. وَأَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مُتَقَصَّى - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ طَرَفًا -: وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَدَّ السَّفَرَ [الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ] مِنْ الزَّمَانِ بِمَسِيرِ ثَلَاثَةٍ أَيَّامٍ، وَمِنْ الْمَسَافَاتِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْمَدَائِنِ؛ ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؟ وَحَدَّ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا. وَحَّدَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ، مَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَمَرَّةً ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً أَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً سِتَّةً وَثَلَاثِينَ مِيلًا؛ ذَكَرَ ذَلِكَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَبْسُوطِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ حُدُودٌ فَاسِدَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ [قَدْ] جَاءَتْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ خَيْبَرٍ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلًا؛ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ الْمَدِينَةَ إلَى السُّوَيْدَاءِ وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا، وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يَكُونُ الْفِطْرُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يَكُونُ الْقَصْرُ

إلَّا فِي الْيَوْمِ التَّامِّ وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي ثَلَاثِينَ مِيلًا؛ وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا؛ وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ عَنْهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ سَاعَةٍ، وَفِي مِيلٍ وَفِي سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْهُ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ عَنْهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ يَوْمٌ تَامٌّ، وَرُوِيَ عَنْهُ لَا قَصْرَ فِي يَوْمٍ إلَى الْعَتَمَةِ فَإِنْ زِدْت فَأَقْصِرْ، وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُمْ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمَا حَدَّا ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا مِسْعَرٌ وَهُوَ ابْنُ كِدَامٍ - عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إنِّي لَأُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنْ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلْدَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: سَمِعْت جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنِ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْ خَرَجْت مِيلًا لَقَصَرْت الصَّلَاةَ. وَعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَصَرَ فِي أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ. وَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ إلَى مَكَان عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا فَقَصَرَ ابْنُ عُمَرَ الصَّلَاةَ - وَهَذِهِ أَسَانِيدُ عَنْهُ كَالشَّمْسِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْقَصْرُ فِي ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ. وَعَنْ أَنَسٍ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ

قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَأَقْصُرُ وَأُفْطِرُ فِي بَرِيدَيْنِ مِنْ الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ ذُهْلٍ الْحَضْرَمِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ «عُبَيْدَ بْنَ جَبْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَرَفَعَ ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ قَالَ: اقْتَرِبْ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ؟ فَقَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَ.» وَالرِّوَايَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. فَأَمَّا تَحْدِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَلَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا هِيَ دَعَاوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا مَنَعَ مِنْ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَذَلِكَ خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ أَثَرٌ وَلَا دَلِيلٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي بَعْضِهَا «لَا تُسَافِرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ» وَفِي بَعْضِهَا «لَا تُسَافِرُ ثَلَاثًا» وَفِي بَعْضِهَا «لَا تُسَافِرُ لَيْلَتَيْنِ» وَفِي بَعْضِهَا «لَا تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً» وَفِي بَعْضِهَا «لَا تُسَافِرُ يَوْمًا» وَفِي بَعْضِهَا «لَا تُسَافِرُ بَرِيدًا» . وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْخَبَرُ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ» دُونَ تَحْدِيدٍ أَصْلًا وَلَمْ يُخْتَلَفْ [عَنْهُ] فِي ذَلِكَ أَصْلًا ؛ فَإِنْ عَزَمُوا عَلَى تَرْكِ مَنْ اخْتَلَفَ عَنْهُ وَالْأَخْذِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ؛ فَهُوَ أَوْلَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَإِنْ أَخَذُوا بِالزِّيَادَةِ، فَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ الزَّائِدَةُ عَلَى سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّهَا تَعُمُّ كُلَّ سَفَرٍ؛ وَإِنْ

أَخَذُوا بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَأَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثٍ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَا الثَّلَاثُ، كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلًا إلَّا كَتَعَلُّقِ الزُّهْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بِذِكْرِ اللَّيْلَتَيْنِ فِيهِ وَلَا فَرْقَ. وَمَا لَهُمْ بَعْدَ هَذَا حِيلَةٌ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ، فَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ الرُّعَاةِ وَغَيْرِهِمْ فَأَفْطَرَ فِي مَخْرَجِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ، وَرَأَى الْقَصْرَ فِي مِنًى مِنْ مَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَكَذَلِكَ رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمُتَأَوِّلِ وَلَا فَرْقَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَأَوْا لِمَنْ سَافَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَنْ يُفْطِرَ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ؛ فَإِنْ رَجَعَ لِشَيْءٍ أُوجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ السَّفَرِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ، فَقَدْ أَوْجَبُوا الْفِطْرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ، وَيُغْنِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ. وَوَجَدْنَا مَا دُونَ الْمِيلِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعُدُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ، وَلَمْ نَجِدْ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ قَوْلًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالدِّينِ وَاللُّغَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَلَّقَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ بِحَدِيثِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ» أَنْ لَا يَرَى الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِي سَفَرٍ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبِحْ لَهَا بِلَا خِلَافٍ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ

أَصْلًا؛ وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهَا بِلَا شَكٍّ أَسْفَارَ الطَّاعَاتِ؛ وَهَذَا مِمَّا أَوْهَمُوا فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَأَمَّا مَا دُونَ الْمِيلِ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ؛ فَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ وَلَا الْقَصْرُ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنْ أَرَادَ مِيلًا فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ هِيَ غَيْرُ السَّفَرِ؛ وَقَدْ يَنْوِي السَّفَرَ مَنْ لَا يُسَافِرُ، وَقَدْ يُسَافِرُ مَنْ لَا يَنْوِي السَّفَرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي مَنْزِلِهِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: إذْ يُفَارِقُ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: تَرْكُ الْقَصْرِ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَانَ هَذَا هُوَ النَّظَرُ لَوْلَا حَدِيثُ أَنَسٍ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ» فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ نَصٍّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: يَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ فَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي سَفَرٍ، وَفِي حَضَرٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِأَيَّامٍ أُخَرَ حَضَرًا مِنْ سَفَرٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ كُلَّهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِطْرِ وَلَا يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ.

ثُمَّ افْتَرَقَ الْقَائِلُونَ بِتَخْيِيرِهِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُمَا سَوَاءٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْفِطْرِ -: فَرُوِّينَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ: عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ بَعْدُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَعَنْ عَبِيدَةُ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ؛ وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا نَهَتْ عَنْ السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ؛ وَعَنْ خَيْثَمَةَ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا حَضَرَ رَمَضَانُ: فَلَا تُسَافِرْ حَتَّى تَصُومَ. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ مِثْلُهُ قَالَ: فَإِنْ أَبَى أَنْ لَا يُسَافِرَ فَلْيَصُمْ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي مِجْلَزٍ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُسَافِرِ أَيَصُومُ أَمْ يُفْطِرُ؟ فَقَالَ: يَصُومُ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْمُجَوِّزَةُ لِلصَّوْمِ وَالْفِطْرِ؛ أَوْ الْمُخْتَارَةُ لِلصَّوْمِ -: فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ فَشَغَبُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ -: مِنْهَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ حَمُولَةٌ يَأْوِي إلَى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي السَّفَرِ بِالْفِطْرِ وَهُوَ صَائِمٌ فَتَرَدَّدُوا وَفَطَرَ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . وَذَكَرُوا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ فِي السَّفَرِ وَتُتِمُّ الصَّلَاةَ؛ وَعَنْ أَبِي مُوسَى

أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إنْ أَفْطَرَتْ فَرُخْصَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ صُمْت فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ. وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثِ مِثْلُهُ؛ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَامَ فِي سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا، وَأَفْطَرَ سَعْدٌ مَوْلَاهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مَاشِيًا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: صُمْهُ فِي الْيُسْرِ وَأَفْطِرْهُ فِي الْعُسْرِ. وَعَنْ طَاوُسٍ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ مِثْلُهُ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْأَمْرَيْنِ سَوَاءً بِحَدِيثِ «حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ» . وَبِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ عَنْ الْغِطْرِيفِ أَبِي هَارُونَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ سَافَرَا، فَصَامَ أَحَدُهُمَا وَأَفْطَرَ الْآخَرُ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كِلَاكُمَا أَصَابَ» . وَبِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ: مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ، «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» .

وَعَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُمْ سَافَرُوا فِي رَمَضَانَ فَصَامَ بَعْضُهُمْ، وَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْت فَأَفْطُرْ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْفِطْرَ أَفْضَلَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ «حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو إذْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» . وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ اخْتِيَارُ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ -: سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رُوِّينَا أَنَّهُ سَافَرَ هُوَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَصَامَا وَأَفْطَرَ سَعْدٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَنَا أَفْقَهُ مِنْهُمَا. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ مَعَهُ رَقِيقٌ فَكَانَ يَقُولُ: يَا نَافِعُ ضَعْ لَهُ سُحُورَهُ؟ قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سَافَرَ أَحَبَّ إلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ يَقُولُ: رُخْصَةُ رَبِّي أَحَبُّ إلَيَّ وَأَنْ آجَرَ لَكَ أَنْ تُفْطِرَ فِي السَّفَرِ. وَيَحْتَجُّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي رُوِّينَا آنِفًا «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» ، فَحَسَّنَ الْفِطْرَ وَلَمْ يَزِدْ فِي الصَّوْمِ عَلَى إسْقَاطِ الْجُنَاحِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ مِمَّنْ رَأَتْ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَمْ نَدْعُ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَسْنَا نَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَنَحْتَاجُ إلَى تَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، إلَّا أَنَّهَا

كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِنَا فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا دَفْعُهَا كُلُّهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ وَنَسْتَعِينُ -: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَبَ كَذِبًا فَاحِشًا مَنْ احْتَجَّ بِهَا فِي إبَاحَةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ حَرْفُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوْضِعِهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَهَذَا عَارٌ لَا يَرْضَى بِهِ مُحَقِّقٌ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْآيَةِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَالِ الصَّوْمِ الْمَنْسُوخَةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ الْحُكْمُ فِي أَوَّلِ نُزُولِ صَوْمِ رَمَضَانَ: أَنَّ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَأَطْعَمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَكَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ، هَذَا نَصُّ الْآيَةِ، وَلَيْسَ لِلسَّفَرِ فِيهَا مَدْخَلٌ أَصْلًا وَلَا لِلْإِطْعَامِ مَدْخَلٌ فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ أَصْلًا؛ فَكَيْف اسْتَجَازُوا هَذِهِ الطَّامَّةَ؟ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ؟ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَد بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ أَنَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ أَنَّا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] .» وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ -: نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا بَكْرِ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَحِينَئِذٍ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ؛ فَظَهَرَتْ فَضِيحَةُ مَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْمُحَبَّقِ «مَنْ كَانَ يَأْوِي إلَى حَمُولَةٍ أَوْ شِبَعٍ فَلْيَصُمْ» فَحَدِيثٌ سَاقِطٌ لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ - وَهُوَ بَصْرِيٌّ - لَيِّنُ الْحَدِيثِ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحَدٍ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا لِلْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ " صُمْهُ فِي الْيُسْرِ، وَأَفْطِرْهُ فِي الْعُسْرِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إيجَابُ الصَّوْمِ، وَلَا بُدَّ عَلَى ذِي الْحَمُولَةِ وَالشِّبَعِ، وَهَذَا خِلَافُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْغِطْرِيفِ، وَأَبِي عِيَاضٍ فَمُرْسَلَانِ؛ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ؛ وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي ذَكَرْنَا هَاهُنَا الَّذِي فِيهِ إبَاحَةُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَمْزَةَ - ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَبُوهُ كَذَلِكَ؛ وَأَمَّا الثَّابِتُ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ هُوَ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَابِرٍ؛ فَلَا حَجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ صَائِمًا لِرَمَضَانَ، وَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ، وَلَا الِاحْتِجَاجُ بِاخْتِرَاعِ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا تَطَوُّعًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهَا نَصًّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؛ فَلَوْ كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَكَانَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَنْ أَوْجَبَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ أَهَلَّ عَلَيْهِ الشَّهْرُ فِي الْحَضَرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: فَمَنْ شَهِدَ بَعْضَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ؛ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَعَالَى صِيَامَهُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ لَا عَلَى مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ أَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فَجَعَلَ السَّفَرَ وَالْمَرَضَ. نَاقِلَيْنِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهِ إلَى الْفِطْرِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَفْطَرَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَبِّهِ تَعَالَى، وَالْبَلَاغُ مِنْهُ نَأْخُذُهُ، وَعَنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ. فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَجَبَ أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: نَذْكُرُ الْآنَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَابِرٍ؛ وَحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو مِنْ الْوُجُوهِ الصِّحَاحِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَرَى أَنَّهَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا؛ ثُمَّ نُعَقِّبُ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ نا الْوَلِيدِ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَتْنِي أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ مَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَتَى عَلَى غَدِيرٍ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: اشْرَبُوا؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَشْرَبُ وَلَا تَشْرَبُ؟ فَقَالَ: إنِّي أَيْسَرُكُمْ إنِّي رَاكِبٌ وَأَنْتُمْ مُشَاةٌ فَشَرِبَ وَشَرِبُوا» .

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَمَرَّ بِمَاءٍ فَقَالَ: انْزِلُوا فَاشْرَبُوا؛ فَتَلَكَّأَ الْقَوْمُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَرِبَ وَشَرِبْنَا مَعَهُ» . وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقٍ لَا يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي «قَزَعَةُ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ: إنَّكُمْ تُصَبِّحُونَ عَدُوَّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا فَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ.» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ -: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَعَطِشَ النَّاسُ فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ ثُمَّ شَرِبَ فَشَرِبَ النَّاسُ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَقَالَ: إنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ -: نا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ نا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - وَقَالَ يَحْيَى نا أَبُو مُعَاوِيَةَ ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَمَّادٌ كِلَاهُمَا عَنْ

هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: صُمْ إنْ شِئْتَ» . قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ -: فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَصْلًا، وَإِقْحَامُ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ كَذِبٌ؛ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَلَا نُنْكِرُهُ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ وَلَا لَنَا فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَطَرِيقُ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ لَا يُحْتَجُّ بِهَا؛ ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ: أَنَّ آخِرَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْفِطْرُ، هَذَا إنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ. وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ؛ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيَانٌ أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ، وَفِيهِمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: أَمْرٌ عَظِيمٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ صَامَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي ابْتَدَأَ صِيَامَهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْطِئٌ وَمَا يَبْعُدُ عَنْهُمْ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهِ، وَمَالِكٌ يَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ فَلْيَنْظُرْ نَاصِرُ أَقْوَالِهِمْ فَبِمَاذَا يَدْخُلُ فِي احْتِجَاجِهِ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْخَطَأِ وَالْمَعْصِيَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فِي إفْطَارِهِ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ صَائِمًا يَنْوِيه مِنْ رَمَضَانَ لَكَانَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ أَمْرِهِ، وَآخِرِ فِعْلِهِ، وَإِذْ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَامَ تَطَوُّعًا، وَالْفِطْرُ لِلصَّائِمِ تَطَوُّعًا مُبَاحٌ مُطْلَقٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا» : لَعَلَّهُ إنَّمَا قَطَعَ يَدَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ» : لَعَلَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالصَّلَاةُ تُقَامُ فَقَالَ لَهُ: بِأَيِّ صَلَاتَيْكَ تَعْتَدُّ» : لَعَلَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بَيْنَ النَّاسِ مُكَابَرَةً لِلْبَاطِلِ: وَفِي الْخَبَرِ مَنْصُوصٌ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا نَاحِيَةً. ثُمَّ لَا يَقُولُ هَاهُنَا: لَعَلَّهُ كَانَ يَصُومُ تَطَوُّعًا؛ وَهَاهُنَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَخْبَارِ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ وَأَمَّا تِلْكَ الْأَخْبَارُ فَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحْتَمِلُ مَا تَأَوَّلُوهُ لِأَنَّ نَصَّهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ «بِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فِي إجَازَةِ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ أَثَرٌ وَلَا عَثْرٌ مِنْ إجَازَةِ الصَّوْمِ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؛ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ. وَهُمْ لَا يَرَوْنَ «قَوْلَ أَسْمَاءَ: ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» حُجَّةً، وَلَا يَرَوْنَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ كَانَتْ تُجْعَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً» حُجَّةً. وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ وَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إبَاحَةُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُهُ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا غَيْرَ رَمَضَانَ؛ وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَافَرَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ عَامِ الْفَتْحِ. وَأَمَّا خَبَرُ حَمْزَةَ فَبَيَانٌ جَلِيٌّ فِي أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ التَّطَوُّعِ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ «إنِّي امْرُؤٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ» ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَأَوَّلُوهُ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ حُجَّةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ فَلِنَذْكُرَ الْآنَ الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ -:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَهَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا مَنْسُوخَةٌ وَلَا مَخْصُوصَةٌ. فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ صَوْمَ الشَّهْرِ إلَّا عَلَى مَنْ شَهِدَهُ، وَلَا فَرْضَ عَلَى الْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ إلَّا أَيَّامًا أُخَرَ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لَا حِيلَةَ فِيهِ؛ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ قَالَ: إنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَفْطَرَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى مَوْضُوعَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]-: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَد بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ؟ فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ صِيَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِرَمَضَانَ فَقَدْ نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» وَصَارَ الْفِطْرُ فَرْضًا وَالصَّوْمُ مَعْصِيَةً، وَلَا سَبِيلَ إلَى خَبَرٍ نَاسِخٍ لِهَذَا أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ صِيَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَطَوُّعًا فَهَذَا أَحْرَى لِلْمَنْعِ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ. قَالَ الْبُخَارِيِّ نا آدَم، وَقَالَ مُسْلِمٌ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ اتَّفَقَ آدَم وَمُحَمَّدٌ وَكِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ: صَائِمٌ،

فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» هَذَا لَفْظُ آدَمَ، وَلَفْظُ غُنْدَرٍ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مَكْشُوفٌ وَاضِحٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا مَنَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مِثْلِ حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ مُحَرَّمُ الْبُلُوغِ إلَيْهَا بِاخْتِيَارِ الْمَرْءِ لِلصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ كَمَا هُوَ فِي السَّفَرِ فَتَخْصِيصُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَنْعِ مِنْ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ إبْطَالٌ لِهَذِهِ الدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاجِبٌ أَخْذُ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى عُمُومِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» . صَفْوَانُ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ مَكِّيٌّ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِالدَّرْدَاءِ بِنْتِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَكَعْبُ بْنُ عَاصِمٍ مَشْهُورُ الصُّحْبَةِ هَاجَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى وَهُوَ مِنْ الْأَشَاقِرِ حَيٌّ مِنْ الْأَزْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ «أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَقَدْ دَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ: أُخْبِرُكَ عَنْ الْمُسَافِرِ؟ إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلَاةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ نا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ «عَنْ هَانِئِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَدَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ: أَتَدْرِي مَا وَضَعَ اللَّهُ عَنْ الْمُسَافِرِ؟ قُلْتُ: مَا وَضَعَ اللَّهُ عَنْ الْمُسَافِرِ؟ قَالَ: الصَّوْمُ، وَشَطْرُ الصَّلَاةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَنِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلٍّ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ صَائِمٌ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا»

فَهَذَا أَمْرٌ بِقَبُولِهَا وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرْضٌ فَهِيَ رُخْصَةٌ مُفْتَرَضَةٌ؛ وَصَحَّ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَنِصْفَ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ لَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يُعَارِضُهَا فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ مَانِعَةٌ كُلُّهَا بِعُمُومِهَا مِنْ كُلِّ صَوْمٍ فِي السَّفَرِ وَأَنْتُمْ تُبِيحُونَ فِيهِ كُلَّ صَوْمٍ إلَّا رَمَضَانَ وَحْدَهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّ النُّصُوصَ جَاءَتْ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فَافْتَرَضَ تَعَالَى صَوْمَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي السَّفَرِ وَلَا بُدَّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضِّ عَلَى صَوْمِ عَرَفَةَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ كَانَ حَاجًّا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» فَعَمَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ» فَحَضَّ عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ. فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِجَمِيعِ النُّصُوصِ فَخَرَجَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ بِالْمَنْعِ وَحْدَهُ وَبَقِيَ سَائِرُ الصَّوْمِ وَاجِبُهُ وَتَطَوُّعُهُ عَلَى جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ نَصٍّ لِآخَرَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَكَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْوِيلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَفَاعِلُ هَذَا يَتَبَوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ بِنَصِّ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ نَصٌّ قَدْ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ جَمِيعُ النُّصُوصِ وَتَخْرُجَ عَنْ ظَوَاهِرِهَا فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْقَرَامِطَةِ فِي إحَالَةِ الْقُرْآنِ عَنْ مَفْهُومِهِ وَظَاهِرِهِ، وَمَنْ بَلَغَ إلَى هَاهُنَا فَقَدْ كَفَى خَصْمَهُ مُؤْنَتَهُ.

وَيُقَالُ لَهُ: إذَا قُلْت هَذَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَقُلْهُ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177] وَلَا فَرْقَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ سَلَكَ هَذَا السَّبِيلَ فَقَدْ أَبْطَلَ الدِّينَ وَالْعَقْلَ وَالتَّفَاهُمَ جُمْلَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْف تَقُولُونَ فِي صَوْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] . قُلْنَا: هَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا تَخْلُو هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا تَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ فَتْحِ مَكَّةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَقَدَّمَ فَرْضُ رَمَضَانَ بِوَحْيٍ آخَرَ كَمَا كَانَ نُزُولُ آيَةِ الْوُضُوءِ فِي الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ نُزُولِ فَرْضِهِ؛ فَإِنْ كَانَ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ نُزُولُهَا فَلَا يَخْلُو - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَامَهُ لِرَمَضَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنْ كَانَ صَامَهُ تَطَوُّعًا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَإِنْ كَانَ صَامَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَمَضَانَ فَلَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَسَخَ بِفِعْلِهِ حُكْمَ الْآيَةِ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَعَادَ حُكْمُ الْآيَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ فَكَيْف وَلَا دَلِيلَ أَصْلًا عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِ الْآيَةِ قَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ؟ وَمَا نَزَلَ بَعْضُهَا إلَّا بَعْدَ إسْلَامِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بِمُدَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَذْكُرَ مَنْ قَالَ: بِمِثْلِ قَوْلِنَا لِئَلَّا يَدَّعُوا عَلَيْنَا خِلَافَ الْإِجْمَاعِ؛ فَالدَّعْوَى لِذَلِكَ مِنْهُمْ سَهْلَةٌ، وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ خِلَافًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَفِي غَيْرِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قَيْسٍ أَنَّهُ صَامَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعِيدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُعِيدَ صِيَامَهُ فِي السَّفَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مَنْ احْتَجَّ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ

بَيِّعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا» بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْبَيْعُ عَلَى صَفْقَةٍ أَوْ تَخَايُرٍ؛ ثُمَّ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ: لَأُعْجُوبَةٌ وَأُخْلُوقَةٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِيِّ - قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: يُسْرٌ وَعُسْرٌ خُذْ بِيُسْرِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إخْبَارُهُ بِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ عُسْرٌ: إيجَابٌ مِنْهُ لِفِطْرِهِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: الْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ: عَزْمَةٌ. رُوِّينَا هَذَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُجْزِئْهُ - يَعْنِي لَا يُجْزِئْهُ صِيَامُهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكَ أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقْتَ بِصَدَقَةٍ فَرُدَّتْ عَلَيْكَ؟ أَلَمْ تَغْضَبْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ مُغْضِبًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقَالُ هَذَا فِي شَيْءٍ مُبَاحٍ أَصْلًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ أَنَّ امْرَأَةً صَحِبَتْ ابْنَ عُمَرَ فِي سَفَرٍ فَوَضَعَ الطَّعَامَ فَقَالَ لَهَا: كُلِّي؟ قَالَتْ: إنِّي صَائِمَةٌ قَالَ: لَا تَصْحَبِينَا؟

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى الْقَزَّازِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يُقَالُ: الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ كَالْإِفْطَارِ فِي الْحَضَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِيهِ، وَلَا يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الدِّينِ: يُقَالُ كَذَا إلَّا عَنْ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَمَّا خُصُومُنَا فَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا لَكَانَ أَسْهَلَ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ، وَهَذَا سَنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صُمْت رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ أُعِيدَهُ فِي أَهْلِي، وَأَنْ أَقْضِيَهُ فَقَضَيْته. وَمِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَأُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ وَأَصُومُ؟ قَالَ: لَا فَقَالَ: إنِّي أَقْوَى عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ سَعِيدٌ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَقْوَى مِنْك قَدْ كَانَ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: أَمَّا الْمَفْرُوضُ فَلَا؛ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ مَوْلَى قُرَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ صَامَ فِي السَّفَرِ: إنَّهُ يَقْضِيه فِي الْحَضَرِ، قَالَ شُعْبَةُ: لَوْ صُمْت رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا تَصُومُوا فِي السَّفَرِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ

مسألة أقام الصائم من قبل الفجر ولم يسافر إلى بعد غروب الشمس

رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؛ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَا يَصُومُ الْمُسَافِرُ أَفْطِرْ أَفْطِرْ؟ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا صِيَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ لَوْ وَجَدُوا مِثْلَهُ لَعَظُمَ الْخَطْبُ مَعَهُمْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ نا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى التَّيْمِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ وَلَا نَرَاهُ حُجَّةً لَنَا وَلَا عَلَيْنَا وَفِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَنِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجْزِئُ عِنْدَهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، وَمَالِكٌ يَرَى فِي ذَلِكَ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يَخْتَارُونَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ عَلَى الْفِطْرِ، تَنَاقُضًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَخِلَافًا لِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلِلْقِيَاسِ الَّذِي يَدَّعُونَ لَهُ السُّنَنَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَمَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا، وَلَهُ أَنْ يَصُومَ فِيهِ قَضَاءَ رَمَضَانَ أَفْطَرَهُ قَبْلُ أَوْ سَائِرَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّوْمِ نَذْرًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] : وَلَمْ يَخُصَّ رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَمْنَعْ النَّصُّ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا لِعَيْنِهِ فَقَطْ؛ وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَإِنْ كَانَ يُؤْذِيه الصَّوْمُ فَتَكَلَّفَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ - يَقْضِيَهُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْحَرَجِ وَالتَّكَلُّفِ، وَعَنْ أَذَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ مَرِيضًا لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَالْحَرَجُ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدِّينِ. [مَسْأَلَةٌ أَقَامَ الصَّائِم مِنْ قَبْلِ الْفَجْرِ وَلَمْ يُسَافِرْ إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ] 763 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَقَامَ مِنْ قَبْلِ الْفَجْرِ وَلَمْ يُسَافِرْ إلَى بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي سَفَرِهِ فَعَلَيْهِ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ الْمَذْكُورَةَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ وَلَا بُدَّ، سَوَاءٌ كَانَ فِي جِهَادٍ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُلْزِمَ الْفِطْرَ إذَا كَانَ عَلَى سَفَرٍ وَهَذَا مُقِيمٌ؛ فَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَقَدْ أَخْطَأَ إنْ كَانَ جَاهِلًا مُتَأَوِّلًا، وَعَصَى إنْ كَانَ عَالِمًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ صَحِيحٌ

مسألة الحيض الذي يبطل الصوم

ظَنَّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ؛ فَإِنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي سَفَرِهِ أَنْ يَرْحَلَ غَدًا فَلَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ حَدَثَتْ لَهُ إقَامَةٌ فَهُوَ مُفْطِرٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمَا فَعَلَ، وَهُوَ عَلَى سَفَرٍ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ بِقَصْرِ عِشْرِينَ يَوْمًا يُقِيمُهَا فِي الْجِهَادِ، وَبِقَصْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يُقِيمُهَا فِي الْحَجِّ. وَبِقَصْرِ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ مُقِيمًا مَا بَيْنَ نُزُولِهِ إلَى رَحِيلِهِ مِنْ غَدٍ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنْ يُفْطِرَ فِي غَيْرِ يَوْمٍ لَا يَكُونُ فِيهِ مُسَافِرًا. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَهَذَا عَلَى سَفَرٍ؟ قُلْنَا: لَوْ كَانَتْ " عَلَى " فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَاهَا مَا ظَنَنْتُمْ مِنْ إرَادَةِ السَّفَرِ لَا الدُّخُولِ فِي السَّفَرِ لَوَجَبَ عَلَى مَنْ أَرَادَ السَّفَرَ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ بَعْدَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى سَفَرٍ وَهَذَا مَا لَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ؛ وَيُبْطِلُهُ أَيْضًا أَوَّلُ الْآيَةِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَوَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ صِيَامُهُ وَعَلَى الْمُسَافِرِ إفْطَارُهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصِّيَامَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مُسَافِرٌ أَوْ شَاهِدٌ؛ فَالشَّاهِدُ يَصُومُ وَالْمُسَافِرُ يُفْطِرُ وَلَيْسَ الْمُسَافِرُ إلَّا الْمُنْتَقِلُ لَا الْمُقِيمُ؛ فَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَنْ انْتَقَلَ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَنْتَقِلْ، وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا صَائِمًا فَحَدَثَ لَهُ سَفَرٌ فَإِنَّهُ إذَا بَرَزَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَقَدْ سَافَرَ فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ نَقِيسَ الصَّوْمَ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ قَصْرَ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ قَصْرُ سَائِرِهَا، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ قِيَاسُ قَصْرِ صَلَاةٍ عَلَى قَصْرِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَأَبْطَلُ وَأَبْعَدُ أَنْ يُقَاسَ فِطْرٌ عَلَى فِطْرٍ؛ وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْوِي فِي الصَّلَاةِ الْمُسَافِرُ إقَامَةً فَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْمُقِيمِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ، فَبَطَلَ عَلَى كُلِّ حَالٍ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَيْضُ الَّذِي يُبْطِلُ الصَّوْمَ] 764 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحَيْضُ الَّذِي يُبْطِلُ الصَّوْمَ هُوَ الْأَسْوَدُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» .

مسألة رأت الطهر قبل الفجر فأخرت الغسل عمدا إلى طلوع الفجر

وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِذَا جَاءَ الْآخَرُ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَغَيْرِهَا كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا. [مَسْأَلَةٌ رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ عَمْدًا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ] 765 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا رَأَتْ الْحَائِضُ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ رَأَتْهُ النُّفَسَاءُ وَأَتَمَّتَا عِدَّةَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَخَّرَتَا الْغُسْلَ عَمْدًا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ اغْتَسَلَتَا وَأَدْرَكَتَا الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَضُرَّهُمَا شَيْئًا وَصَوْمُهُمَا تَامٌّ؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَتَا مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُمَا؛ فَإِنْ تَعَمَّدَتَا تَرْكَ الْغُسْلِ حَتَّى تَفُوتَهُمَا الصَّلَاةُ بَطَلَ صَوْمُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَاصِيَتَانِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا، فَلَوْ نَسِيَتَا ذَلِكَ أَوْ جَهِلَتَا فَصَوْمُهُمَا تَامٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا مَعْصِيَةً؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومُ] 766 - مَسْأَلَةٌ: وَتَصُومُ الْمُسْتَحَاضَةُ كَمَا تُصَلِّي عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى جَاءَ آخَرُ] 767 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ فَأَخَّرَ قَضَاءَهَا عَمْدًا، أَوْ لِعُذْرٍ، أَوْ لِنِسْيَانٍ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا أَفْطَرَ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ قَضَى الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَلَا مَزِيدَ، وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهَا عِدَّةَ سِنِينَ وَلَا فَرْقَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَسَاءَ فِي تَأْخِيرِهَا عَمْدًا سَوَاءٌ أَخَّرَهَا إلَى رَمَضَانَ أَوْ مِقْدَارَ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهَا مِنْ الْأَيَّامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فَالْمُسَارَعَةُ إلَى اللَّهِ الْمُفْتَرَضَةُ وَاجِبَةٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَعَمِّدَ لِلْقَيْءِ، وَالْحَائِضَ، وَالنُّفَسَاءَ: بِالْقَضَاءِ؛ وَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَقْتًا بِعَيْنِهِ، فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدَّى أَبَدًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ بِإِيجَابِ إطْعَامٍ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ ذَلِكَ أَحَدًا لِأَنَّهُ شَرْعٌ وَالشَّرْعُ لَا يُوجِبُهُ فِي الدِّينِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

مسألة المتابعة في قضاء رمضان

وَقَالَ مَالِكٌ: يُطْعِمُ مَعَ الْقَضَاءِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الرَّمَضَانِ الْآتِي مُدًّا مُدًّا عَدَدَهَا مَسَاكِينَ إنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ - الْقَضَاءِ؛ فَإِنْ كَانَ تَمَادَى مَرَضُهُ قَضَى وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَقْوَالًا -: فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ، وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ يَصُومُ رَمَضَانَ الْآخَرَ وَلَا يَقْضِي الْأَوَّلَ بِصِيَامٍ، لَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مُدًّا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةُ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا: يُهْدِي مَكَانَ كُلِّ رَمَضَانَ فَرَّطَ فِي قَضَائِهِ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَصُومُ هَذَا وَيَقْضِي الْأَوَّلَ وَلَمْ يَذْكُرْ طَعَامًا - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: عَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَهُمْ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ؛ فَهَلَّا قَالُوهُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَدَنَتَيْنِ؟ [مَسْأَلَةٌ الْمُتَابَعَةُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ] 768 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُتَابَعَةُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَقْضِيهَا مُتَفَرِّقَةً وَتُجْزِئُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَلَمْ يَحُدَّ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَقْتًا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِخُرُوجِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - نَعْنِي أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ قَضَائِهَا مُتَفَرِّقَةً. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ إلَّا مُتَتَابِعَةً بِأَنَّ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ ". قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ

مسألة الأسير في دار الحرب إن عرف رمضان

عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: نَزَلَتْ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] مُتَتَابِعَاتٍ " فَسَقَطَتْ " مُتَتَابِعَاتٌ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سُقُوطُهَا مُسْقِطٌ لِحُكْمِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقُرْآنُ بَعْدَ نُزُولِهِ إلَّا بِإِسْقَاطِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَقَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] وَقَالَ تَعَالَى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 7] فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَسْقُطُ لَفْظُ الْآيَةِ وَيَبْقَى حُكْمُهَا كَمَا كَانَ فِي آيَةِ الرَّجْمِ. قُلْنَا: لَوْلَا إخْبَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقَاءِ حُكْمِ الرَّجْمِ لَمَا جَازَ الْعَمَلُ بِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْآيَةِ النَّازِلَةِ بِهِ لِأَنَّ مَا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ لَنَا إبْقَاءُ لَفْظِهِ وَلَا حُكْمِهِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ. [مَسْأَلَةٌ الْأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ عَرَفَ رَمَضَانَ] 769 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ عَرَفَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صِيَامُهُ إنْ كَانَ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِصَوْمِهِ فِي الْقُرْآنِ؛ فَإِنْ سُوفِرَ بِهِ أَفْطَرَ وَلَا بُدَّ لِأَنَّهُ عَلَى سَفَرٍ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ لِمَا ذُكِرَ قَبْلُ؛ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشَّهْرَ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ صِيَامُهُ وَلَزِمَتْهُ أَيَّامٌ أُخَرُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ قَوْمٌ: يَتَحَرَّى شَهْرًا وَيُجْزِئُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ وَافَقَ شَهْرًا قَبْلَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ وَافَقَ شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا تَحَرِّي شَهْرٍ فَيُجَزِّئُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ قَضَاءً فَحُكْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ. قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ التَّحَرِّيَ عَلَى مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ؛ بَلْ مَنْ جَهِلَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا، فَيُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ. قُلْنَا: وَهَذَا بَاطِلٌ، أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ صَلَاةٌ إلَّا حَتَّى يُوقِنَ بِدُخُولِ وَقْتِهَا.

مسألة خافت الحامل على الجنين أو عجز الشيخ عن الصوم

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى صِيَامَهُ إلَّا عَلَى مَنْ شَهِدَهُ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ مَنْ جَهِلَ وَقْتَهُ فَلَمْ يَشْهَدْهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ مَعْرِفَةُ دُخُولِ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى صِيَامَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ الشَّهْرِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمُ غَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا فَعَلَيْهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ فِيهِ وَالْمُسَافِرِ فِيهِ وَهُوَ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، فَيَقْضِي الْأَيَّامَ الَّتِي سَافَرَ، وَاَلَّتِي مَرِضَ فَقَطْ وَلَا بُدَّ؛ وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّهُ مَرِضَ فِيهِ أَوْ سَافَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ أَوْ عَجَزَ الشَّيْخُ عَنْ الصَّوْمِ] 770 - مَسْأَلَةٌ: - وَالْحَامِلُ، وَالْمُرْضِعُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ كُلُّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْمُرْضَعِ قِلَّةَ اللَّبَنِ وَضَيْعَتَهُ لِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا، أَوْ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ، أَوْ عَجَزَ الشَّيْخُ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرِهِ: أَفْطَرُوا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ وَلَا إطْعَامَ، فَإِنْ أَفْطَرُوا لِمَرَضٍ بِهِمْ عَارِضٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ. أَمَّا قَضَاؤُهُمْ لِمَرَضٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وَأَمَّا وُجُوبُ الْفِطْرِ عَلَيْهِمَا فِي الْخَوْفِ عَلَى الْجَنِينِ، وَالرَّضِيعِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 140] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ» فَإِذْ رَحْمَةُ الْجَنِينِ، وَالرَّضِيعِ: فَرْضٌ، وَلَا وُصُولَ إلَيْهَا إلَّا بِالْفِطْرِ: فَالْفِطْرُ فَرْضٌ؛ وَإِذْ هُوَ فَرْضٌ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا الصَّوْمُ، وَإِذَا سَقَطَ الصَّوْمُ فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءَ إلَّا عَلَى الْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَمُتَعَمِّدِ الْقَيْءِ فَقَطْ، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] .

وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ لِكِبَرِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ فِي وُسْعِهِ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ. وَأَمَّا تَكْلِيفُهُمْ إطْعَامًا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلْقَمَةَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ لَهُ: إنِّي حُبْلَى وَأَنَا أُطِيقُ الصَّوْمَ وَزَوْجِي يَأْمُرُنِي أَنْ أُفْطِرَ؟ فَقَالَ لَهَا عَلْقَمَةُ: أَطِيعِي رَبَّكِ وَأَعْصِي زَوْجَكِ. وَمِمَّنْ أَسْقَطَ عَنْهَا الْقَضَاءَ -: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ وَهِيَ حُبْلَى؟ فَقَالَ لَهَا: أَفْطِرِي وَأَطْعِمِي كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلَا تَقْضِي. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَقَتَادَةَ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَأَمَةٍ لَهُ مُرْضِعٍ: أَنْتِ بِمَنْزِلَةِ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] أَفْطِرِي وَأَطْعِمِي كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلَا تَقْضِي. رُوِّينَا كِلَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: تُفْطِرُ الْحَامِلُ الَّتِي فِي شَهْرِهَا وَالْمُرْضِعُ الَّتِي تَخَافُ عَلَى وَلَدِهَا وَتُطْعِمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِمَّنْ أَسْقَطَ الْإِطْعَامَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُفْطِرُ الْحَامِلُ، وَالْمُرْضِعُ فِي رَمَضَانَ وَيَقْضِيَانِهِ صِيَامًا وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِمَا. وَمِثْلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ. وَمِمَّنْ رَأَى عَلَيْهِمَا الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ عَلَى وَلَدِهَا فَلْتُفْطِرْ وَلْتُطْعِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ وَلِتَقْضِ بَعْدَ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى إيجَابِ الْقَضَاءِ وَلَا عَلَى إيجَابِ الْإِطْعَامِ فَلَا يَجِبُ

شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ لَا نَصَّ فِي وُجُوبِهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ. مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِنَا كَمَا رُوِّينَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيِّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُرْضِعٍ فِي رَمَضَانَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَرَخَّصَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْفِطْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً وَلَا طَعَامًا، وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْمُرْضِعُ فَتُفْطِرُ وَتُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَتَقْضِي مَعَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَتَقْضِي وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهَا، وَلَا يُحْفَظْ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى الْإِطْعَامَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] . وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ، وَالشَّيْخِ، وَالْعَجُوزِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْقَضَاءَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَخِّصُ لِلْحُبْلَى، وَالْمُرْضِعِ أَنْ يُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ فَإِذَا أَفْطَمَتْ الْمُرْضِعُ، وَوَضَعَتْ الْحُبْلَى جَدَّدَتَا صَوْمَهُمَا» . قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ؛ وَحَدِيثُ الضَّحَّاكِ فِيهِ ثَلَاثُ بَلَايَا، جُوَيْبِرٌ وَهُوَ سَاقِطٌ وَالضَّحَّاكُ مِثْلُهُ وَالْإِرْسَالُ مَعَ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ قَبْلُ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] فَقَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ، فَهَذَا هُوَ الْمُسْنَدُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ.

وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُمْ يُصَرِّفُونَ هَذِهِ الْآيَةَ تَصْرِيفَ الْأَفْعَالِ فِي غَيْرِ مَا أُنْزِلَتْ فِيهِ، فَمَرَّةً يَحْتَجُّونَ بِهَا فِي أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ، وَمَرَّةً يُصَرِّفُونَهَا فِي الْحَامِلِ، وَالْمُرْضِعِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَكُلُّ هَذَا إحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْتَجِيزُ - مَنْ يَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ - مِثْلَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَفِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ؟ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ الْإِطْعَامَ عَلَيْهِ وَاجِبًا ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَرَّةً كَقَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ، وَجَرِيرٍ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا (وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٌ) يُكَلَّفُونَهُ وَلَا يُطِيقُونَهُ. قَالَ: هَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ الْهَرِمَةُ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِثْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ: إنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ - إذْ كَبِرَ - فَكَانَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، قَالَ قَتَادَةُ: الْوَاحِدُ كَفَّارَةٌ، وَالثَّلَاثَةُ تَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] هُوَ الْكَبِيرُ الَّذِي عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ، وَالْحُبْلَى يَشُقُّ عَلَيْهَا الصَّوْمُ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالْعَجُوزِ: أَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ.

وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّائِبِ وَهُوَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ. وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَطَاوُسٍ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِيمَنْ مَنَعَهُ الْعُطَاشُ مِنْ الصَّوْمِ: أَنَّهُ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ لِهَرَمِهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ، وَلَمْ يَرَهُ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ. وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ عَلَى الْمُرْضِعِ خَاصَّةً، وَلَمْ يُوجِبْهُ عَلَى الْحَامِلِ وَلَا الشَّيْخِ الْكَبِيرِ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أُبِيحَ لَهُمْ الْفِطْرُ دُونَ إطْعَامٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّيْخُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ، لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ كَمَا أُبِيحَ لَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنْفُسِهِمَا؛ وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ؛ فَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَيُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا: عَلِيًّا، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَيْسَ بْنَ السَّائِبِ؛ وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَخَالَفُوا: عِكْرِمَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءً، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا (وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ) فَقِرَاءَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا عَنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلْيَقْرَأْ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَحَاشَ اللَّهَ أَنْ يُطَوِّقَ الشَّيْخَ مَا لَا يُطِيقُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَسْخُ هَذِهِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي بَابِ صَوْمِ الْمُسَافِرِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ قَطُّ فِي الشَّيْخِ، وَلَا فِي الْحَامِلِ، وَلَا فِي

مسألة وطئ الصائم مرارا في اليوم عامدا

الْمُرْضِعِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي حَالٍ وَقَدْ نُسِخَتْ وَبَطَلَتْ. وَالشَّيْخُ، وَالْعَجُوزُ اللَّذَانِ لَا يُطِيقَانِ الصَّوْمَ فَالصَّوْمُ لَا يَلْزَمُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الصَّوْمُ فَالْكَفَّارَةُ لَا تَلْزَمُهُمَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُلْزِمْهُمَا إيَّاهَا وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ يُسْقِطُونَ الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا وَقَصَدَ إبْطَالَ صَوْمِهِ عَاصِيًا، لِلَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَبِالْأَكْلِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ عَمْدًا وَبِتَعَمُّدِ الْقَيْءِ. نَعَمْ، وَبَعْضُهُمْ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ عَنْهُ فِيمَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ شَيْئًا مِنْ طَعَامِهِ فَتَعَمَّدَ أَكْلَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، ثُمَّ يُوجِبُونَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مِمَّنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِفْطَارِ وَأَبَاحَهُ لَهُ مِنْ مُرْضِعٍ خَائِفَةٍ عَلَى رَضِيعِهَا التَّلَفَ، وَشَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ ضَعْفًا، وَحَامِلٍ تَخَافُ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا؛ وَحَسْبُكَ بِهَذَا تَخْلِيطًا؛ وَلَا يَحِلُّ قَبُولُ مِثْلِ هَذَا إلَّا مِنْ الَّذِي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ وَطِئَ الصَّائِم مِرَارًا فِي الْيَوْمِ عَامِدًا] 771 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ مِرَارًا فِي الْيَوْمِ عَامِدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، وَمَنْ وَطِئَ فِي يَوْمَيْنِ عَامِدًا فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ، سَوَاءٌ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ لِكُلِّ ذَلِكَ - وَلَوْ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا - كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ كَفَّرَ ثُمَّ أَفْطَرَ نَهَارًا آخَرَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَفَّرَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَتْ الْأَيَّامُ مِنْ شَهْرٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنْ كَانَ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ أَفْطَرَ فِيهِمَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ اثْنَيْنِ، فَلِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ غَيْرُ كَفَّارَةِ الْيَوْمِ الْآخَرِ. فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيمَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ أَيَّامَ رَمَضَانَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ يَوْمًا وَاحِدًا مِنْهَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، إذَا لَمْ يُكَفِّرْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ كَفَّرَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَكَفَّرَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ؛ فَمَرَّةٌ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَمَرَّةٌ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ الَّتِي كَفَّرَ بَعْدُ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ: مِثْلَ قَوْلِنَا وَهُوَ عَطَاءٍ، وَأَحَدُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ بِالْكَفَّارَةِ، فَصَحَّ أَنَّ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْكَفَّارَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا، وَكُلُّ يَوْمٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْكَفَّارَةِ وَاقِعٌ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا قِسْتُمْ هَذَا عَلَى الْحُدُودِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي يُقِيمُهَا الْإِمَامُ وَالْحَاكِمُ عَلَى الْمَرْءِ كُرْهًا، وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ الَّتِي إنَّمَا يُقِيمُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُخَاطَبًا بِالْحُدُودِ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَفُرُوقٌ أُخَرُ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُدُودِ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَأَى إنْ كَانَ الْيَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَيْنِ فَكَفَّارَتَانِ وَلَا بُدَّ؛ وَلَا خِلَافَ مِنْهُ فِي أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِامْرَأَتَيْنِ مِنْ بَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَوْ شَرِبَ خَمْرًا مِنْ عَصِيرِ عَامٍ وَاحِدٍ، وَخَمْرًا مِنْ عَصِيرِ عَامٍ آخَرَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَوْ سَرَقَ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَقَطْعٌ وَاحِدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَا ذَكَرْنَا، وَرَأَى فِيمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتَيْهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ كَفَّارَةً أُخْرَى. وَقَالَ فِيمَنْ قَالَ فِي مَجْلِسٍ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا، ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا -: أَنَّهُمَا يَمِينَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا -: فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا إذَا كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَعَادَ أَمْ لَا؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ فَقَدْ أَفْطَرَ، فَالْوَطْءُ الثَّانِي وَقَعَ فِي غَيْرِ صِيَامٍ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْوَاطِئَ بِأَوَّلِ إيلَاجِهِ مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَاوَدَ أَوْ لَمْ يُعَاوِدْ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي إيلَاجِهِ ثَانِيَةً بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ؟

مسألة أفطر رمضان كله بسفر أو مرض

[مَسْأَلَةٌ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ وَلَا يُجْزِئُهُ شَهْرٌ نَاقِصٌ مَكَانَ تَامٍّ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَهْرٌ تَامٌّ مَكَانَ نَاقِصٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُجْزِئُ شَهْرٌ مَكَانَ شَهْرٍ إذَا صَامَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَلَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ. [مَسْأَلَةٌ الْإِفْطَار فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ] 773 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْمَرْءِ أَنْ يُفْطِرَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ، لَا نَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ عَامِدًا قَضَاءَ يَوْمٍ مَكَانَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الشَّرِيعَةَ كُلَّهَا فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَضَرُورَةِ الْعَقْلِ، إذْ لَا يُمْكِنُ قِسْمٌ ثَالِثٌ أَصْلًا؛ فَالْفَرْضُ هُوَ الَّذِي يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ؛ وَالتَّطَوُّعُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ وَلَوْ عَصَى لَكَانَ فَرْضًا، وَالْمُفَرِّطُ فِي التَّطَوُّعِ تَارِكٌ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَرْضًا، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ «أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الصَّوْمِ فَأَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرَمَضَانَ؟ فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ شَيْئًا؟ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ؛ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ» فَلَمْ يَجْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ كَرَاهَةً أَصْلًا. وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ قَطَعَ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ، أَوْ بَدَا لَهُ فِي صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، أَوْ فَسَخَ عَمْدًا حَجَّ تَطَوُّعٍ، أَوْ اعْتِكَافَ تَطَوُّعٍ، وَلَا فَرْقَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، وَإِيجَابُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا فِي فِطْرِ التَّطَوُّعِ فَقَطْ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّكُمْ تُوجِبُونَ فَرْضًا فِي الصَّوْمِ غَيْرَ رَمَضَانَ كَالنَّذْرِ وَصِيَامِ الْكَفَّارَاتِ؟ قُلْنَا: نُوجِبُ مَا أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُضِيفُهُ إلَى فَرْضِ رَمَضَانَ، وَلَا نُوجِبُ مَا لَمْ يُوجِبْ وَلَا نَتَعَدَّى حُدُودَهُ وَلَا نُعَارِضُهُ بِآرَائِنَا، وَقَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ -: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ نا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ نا سُفْيَانُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ

مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَانَا يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ» . وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ نا أَبُو الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ؛ قَالَ سَلْمَانُ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ؟ فَأَكَلَ» ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَفِيهِ: «أَنَّ سَلْمَانَ قَالَ لَهُ: إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: صَدَقَ سَلْمَانُ» فَهَذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَوَّبَ قَوْلَ سَلْمَانَ فِي إفْطَارِ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْحَفْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَعَامٍ وَهُوَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اُدْنُوَا فَكُلَا؟ قَالَا: إنَّا صَائِمَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْحَلُوا لِصَاحِبِكُمْ، اعْمَلُوا لِصَاحِبِكُمْ، اُدْنُوَا فَكُلَا» . وَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ، وَبِهَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَكِّيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: إنِّي أَصْبَحْت صَائِمًا فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا فَمَا تَرَوْنَ؟ قَالَ: فَلَمْ يَأْلُوا مَا شَكُّوا عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَصَبْت حَلَالًا وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ؛ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الَّذِي يَأْكُلُ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الصِّيَامُ تَطَوُّعًا وَالطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ إنْ شَاءَ مَضَى وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ. وَرُوِّينَا أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا ثُمَّ يُفْطِرُ وَلَا يُبَالِي وَيَأْمُرُ بِقَضَاءِ يَوْمٍ مَكَانَهُ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِإِفْطَارِ التَّطَوُّعِ بَأْسًا. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى؛ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا فِي ذَلِكَ قَضَاءً. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يُتِمُّ صَوْمَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ عَمْدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَيَقْضِي. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ خِلَافِهِ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا إيجَابُنَا الْقَضَاءَ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَصْبَحْتُ صَائِمَةً أَنَا وَحَفْصَةُ أُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ فَأَعْجَبَنَا فَأَفْطَرْنَا فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ فَسَأَلَتْهُ؟ فَقَالَ: صُومَا يَوْمًا مَكَانَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ جَرِيرًا ثِقَةٌ؛ وَدَعْوَى الْخَطَأِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي لَهُ بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ؛ وَلَيْسَ انْفِرَادُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عِلَّةً، لِأَنَّهُ ثِقَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ مَا أَفْطَرَ بِهِ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمٌ وَاحِدٌ، فَمِنْ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَمُسْقِطٍ لَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ؛ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ

مسألة أفطر عامدا في قضاء رمضان

بِالْقَضَاءِ فِي الْإِفْطَارِ فَمَا نُبَالِي بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الْإِفْطَارِ نَاسِيًا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرْضٍ فَخَطَأٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَلَيْسَ إلَّا صَائِمٌ أَوْ مُفْطِرٌ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْقَضَاءِ أَوْ تَرْكِهِ؛ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلَا قَضَاءَ عَلَى صَائِمٍ. [مَسْأَلَةٌ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ] 774 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْقَضَاءِ إيجَابُ شَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ كَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَصَحُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ -: عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ رَمَضَانَ، وَيَوْمِ الْقَضَاءِ -. [مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ] 775 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ فَرْضٍ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ فَفَرْضٌ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَنْ يَصُومُوهُ عَنْهُ هُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ، وَلَا إطْعَامَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا - أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَصُومُهُ عَنْهُ وَلَا بُدَّ - أَوْصَى بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ - وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: إنْ أَوْصَى أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَالْإِطْعَامُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مُدٌّ مُدٌّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صَاعٌ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ دَقِيقِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ كَمَا قُلْنَا. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي النَّذْرِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نا

أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى نا ابْنُ وَهْبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ نا أَبِي. ثُمَّ اتَّفَقَ مُوسَى، وَابْنُ وَهْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ -: نا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ نا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ نا الْأَعْمَشُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَمِعَهُ الْأَعْمَشُ مِنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، وَمِنْ الْحَكَمِ، وَمِنْ سَلَمَةَ، وَسَمِعَهُ الْحَكَمُ، وَسَلَمَةُ مِنْ مُجَاهِدٍ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ -: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ السَّعْدِيِّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَقَالَ عَبْدٌ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ: نا عَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ نُمَيْرٍ، وَسُفْيَانُ، وَعَلِيُّ بْنُ مِسْهَرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي، قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا» . قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: شَهْرَيْنِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى كُلٍّ مَا عَدَا ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا الْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمُتَظَاهِرَةُ الَّتِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: يُحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا عَمَلُ بَدَنٍ، وَلِلْمَالِ فِي إصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنْهُمَا مَدْخَلٌ بِالْهَدْيِ،

وَبِالْإِطْعَامِ، وَبِالْعِتْقِ، فَلَا الْقُرْآنَ اتَّبَعُوا، وَلَا بِالسُّنَنِ أَخَذُوا وَلَا الْقِيَاسَ عَرَفُوا، وَشُغِلُوا فِي ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ -: مِنْهَا: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] . وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: عِلْمٌ عَلَّمَهُ، أَوْ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَبِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ، وَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُمَا رَوَيَا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ - أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا الصِّيَامَ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ اسْمُهَا عَمْرَةُ: أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَقْضِيه عَنْهَا؟ قَالَتْ: لَا، بَلْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ. وَإِذَا تَرَكَ الصَّاحِبُ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إذْ لَوْ تَعَمَّدَ مَا رَوَاهُ لَكَانَتْ جُرْحَةً فِيهِ، وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. وَقَالُوا: لَا يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لَا يُصَلَّى عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَهُوَ كُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَحَقٌّ إلَّا أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] . فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى، وَمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لَهُ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَالصَّوْمُ عَنْهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: إنْ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ، أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ، فَأَجْرُ كُلِّ ذَلِكَ لَهُ وَلَا حَقَّ بِهِ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ؟

فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: إنَّمَا يُحَجُّ عَنْهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى؟ قُلْنَا لَهُ: فَقُولُوا: بِأَنْ يُصَامَ عَنْهُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سَعَى. فَإِنْ قَالُوا: لِلْمَالِ فِي الْحَجِّ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ؟ قُلْنَا: وَلِلْمَالِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ فِي جَبْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ بِالْعِتْقِ وَالِاطِّعَامِ؛ وَكُلُّ هَذَا مِنْهُمْ تَخْلِيطٌ، وَتَنَاقُضٌ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ يُجِيزُونَ الْعِتْقَ عَنْهُ، وَالصَّدَقَةَ عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ . وَأَمَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، فَصَحِيحٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا الْفَضِيحَةَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ قَالَ لَهُمْ: إنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ هُوَ عَمَلُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَأْتُوا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا انْقِطَاعُ عَمَلِ الْمَيِّتِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعُ عَمَلِ غَيْرِهِ أَصْلًا، وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَظَهَرَ قُبْحُ تَمْوِيهِهِمْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً؟ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ بَيَانِ فَسَادِهَا لِعِلَلٍ ثَلَاثٍ فِيهِ: إحْدَاهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ فِيهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ، وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ كَذَّابٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ الْإِطْعَامِ عَنْهُ إنْ صَحَّ بَعْدَ أَنْ مَرِضَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ إنْ أَوْصَى بِهِ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَزِدْتُمْ فِي الْخَبَرِ خِلَافَ مَا فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ «إنْ مَاتَ وَلَمْ يَصِحَّ لَمْ يُطْعَمْ عَنْهُ» فَلَوْ أَرَادَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ لَمَا كَانَ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَ تَمَادِي مَرَضِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَلَا يُطْعَمُ عَنْهُ، وَبَيْنَ صِحَّتِهِ بَيْنَ مَرَضِهِ وَمَوْتِهِ فَيُطْعَمُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِالْإِطْعَامِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ عِنْدَهُمْ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْهَالِكِ وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ رَوَيَا الْخَبَرَ وَتَرَكَاهُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا قَالُوا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ رِوَايَةِ الصَّاحِبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَفْتَرِضْ عَلَيْنَا قَطُّ اتِّبَاعَ رَأْيِ أَحَدِهِمْ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الصَّاحِبُ اتِّبَاعَ مَا رَوَى لِوُجُوهٍ غَيْرِ تَعَمُّدِ الْمَعْصِيَةِ، وَهِيَ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِيمَا رَوَى تَأْوِيلًا مَا اجْتَهَدَ فِيهِ فَأَخْطَأَ فَأُجِرَ مَرَّةً، أَوْ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مَا رَوَى فَأَفْتَى بِخِلَافِهِ؛ أَوْ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ بِخِلَافِهِ وَهُمَا مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ الصَّاحِبِ؛ فَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنُ فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا لَمْ يَأْمُرْنَا بِاتِّبَاعِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَلُ فَكَيْفَ وَكُلُّهَا مُمْكِنٌ فِيهِ؟ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ، لِأَنَّهُ يُعَارَضُ بِأَنْ يُقَالَ: كَوْنُ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَ ذَلِكَ الصَّاحِبِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِخِلَافِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا إذَا خَالَفَ قَوْلُ الصَّاحِبِ رَأْيَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَأَهْوَنُ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ إطْرَاحُ رَأْيِ الصَّاحِبِ وَالتَّعَلُّقُ بِرِوَايَتِهِ وَهَذَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ الدِّينِ وَقِلَّةِ الْوَرَعِ؟ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - رَوَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى» . ثُمَّ رُوِيَ عَنْهَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقِ الْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ؛ فَتَعَلَّقَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا، إذْ خَالَفَتْ فِيهِ مَا رَوَتْ، وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٍ» ثُمَّ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبُوهَا غَائِبٌ بِالشَّامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، فَخَالَفُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ ثُمَّ كَانَتْ لَا - تُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا، - وَتُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ بَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، فَتَرَكُوا رَأْيَهَا وَاتَّبَعُوا رِوَايَتَهَا. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْهُ: إيجَابَ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَأَنَّهُ لَا يَقْضِيهِ، فَتَرَكُوا الثَّابِتَ مِنْ رَأْيِهِ لِلْهَالِكِ مِنْ رِوَايَتِهِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ثُمَّ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ

رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَاءَانِ لَا يُجْزِئَانِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ: مَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْحَمَّامِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ " مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ " مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ، وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ رَأْيِهِ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَتَرَكَ الْحَنَفِيُّونَ رَأْيَهُ لِرِوَايَتِهِ، وَهَذَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ جِدًّا وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ تُحَقِّقُ تَلَاعُبَ الْقَوْمِ بِدِينِهِمْ. وَالرَّابِعُ - أَنْ نَقُولَ: لَعَلَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِيهِ الْإِطْعَامُ كَأَنْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَتْ فَلَا صَوْمَ عَلَيْهَا؟ وَالْخَامِسُ - أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفُتْيَا بِمَا رُوِيَ مِنْ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ لَمْ نُكَلَّفْهُ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ السَّلَفِ فِي هَذَا أَقْوَالٌ -: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَخِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: إنَّ عَلَيَّ رَمَضَانَيْنِ لَمْ أَصُمْهُمَا فَسَأَلَ أَخُوهُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: بَدَنَتَانِ مُقَلَّدَتَانِ، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شَأْنُ الْبُدْنِ وَشَأْنُ الصَّوْمِ، أَطْعِمْ عَنْ أَخِيكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْبَدَنَتَيْنِ حُجَّةً فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِطْعَامِ حُجَّةً وَلَا فَرْقَ؛ وَلَعَلَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُطِيقًا لِلصَّوْمِ، أَوْ لَعَلَّ ذَيْنَكَ الرَّمَضَانَيْنِ كَانَا عَنْ تَعَمُّدٍ فَلَا قَضَاءَ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ صَوْمٌ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْلَ مَوْتِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنْ صَحَّ أُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةً. وَعَنْ الْحَسَنِ إنْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَحَّ فَلَمْ يَقْضِ صَوْمَهُ حَتَّى مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مَكُّوكٌ مِنْ بُرٍّ، وَمَكُّوكٌ مِنْ تَمْرٍ.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ طَائِفَةٍ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ: لَا إطْعَامَ فِي ذَلِكَ وَلَا صِيَامَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ احْتِجَاجَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ بِتَرْكِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهَا أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ لِمِسْكِينٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ: بِهَذَا، فَإِنْ كَانَ تَرْكُ عَائِشَةَ لِلْخَبَرِ حُجَّةً، فَقَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةً فَلَيْسَ تَرْكُهَا لِلْخَبَرِ حُجَّةً، فَظَهَرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ بِمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَقَطْ؛ فَإِذَا خَالَفَ مَنْ قَلَّدُوهُ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ الصَّاحِبِ، وَهَذَا دَلِيلُ سَوْءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَنَذْرُ شَهْرٍ: يُطْعَمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَيَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ نَذْرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَصَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ: يُطْعَمُ عَنْهُ لِرَمَضَانَ وَيُصَامُ عَنْهُ النَّذْرُ، وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ؛ فَإِنْ كَانَ تَرْكُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْخَبَرِ حُجَّةً فَأَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ بِهِ حُجَّةً فَتَرْكُهُ مَا تَرَكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَمَا عَدَا هَذَا فَتَلَاعُبٌ بِالدِّينِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثُونِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ: إنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يُطْعَمُ عَنْهُ صَامَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ قَضَى عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صِيَامٍ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ أَوْجَبَ مَا أَوْجَبَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ.

مسألة صام بعض أوليائه عنه

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْإِطْعَامِ فَيُطْعَمَ عَنْهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ قَالَ بِهَذَا؛ إلَّا رِوَايَةً عَنْ الْحَسَنِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يُصَامُ عَنْهُ كَمَا لَا يُصَلَّى عَنْهُ؛ فَبَاطِلٌ وَقِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُصَلَّى عَنْهُ النَّذْرُ، وَصَلَاةُ فَرْضٍ إنْ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى مَاتَ؛ فَهَذَا دَخَلَ تَحْتَ، قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ". وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ تُصَلَّى الرَّكْعَتَانِ إثْرَ الطَّوَافِ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي يُحَجُّ عَنْهُ؛ وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمَيِّتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قُلْنَا بِهِ وَإِلَّا فَيُطْعَمُ عَنْهُ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: بَلْ دَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ سَمِعَ هَذَا الْقَوْلَ. [مَسْأَلَةٌ صَامَ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ عَنْهُ] 776 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَامَهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ أَجْزَأَ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَاقْتَسَمُوهُ جَازَ كَذَلِكَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يَصُومُوا كُلُّهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . فَلَا بُدَّ مِنْ أَيَّامٍ مُتَغَايِرَةٍ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَلَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، وَهَذَا مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ الصَّوْمُ فَلَمْ يُكَلَّفْ، وَإِذَا لَمْ يُكَلَّفْهُ فَقَدْ مَاتَ وَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ. وَالْأَوْلِيَاءُ هُمْ ذَوُو الْمَحَارِمِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ صَامَهُ الْأَبْعَدُ مِنْ بَنِي عَمِّهِ أَجْزَأَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ أَبَوْا مِنْ الصَّوْمِ فَهُمْ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَيْهِمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَبِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْوَلِيَّ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ.

مسألة تعمد النذور ليوقعها على وليه بعد موته

[مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُوقِعَهَا عَلَى وَلِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُوقِعَهَا عَلَى وَلِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ نَذْرًا وَلَا يَلْزَمُهُ هُوَ وَلَا وَلِيُّهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا النَّذْرُ إنَّمَا يَكُونُ نَذْرًا إذَا قُصِدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ فَإِذَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ وَلَا غَيْرَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] 778 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ، شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ تَقَرُّبًا إلَيْهِ تَعَالَى، أَوْ إنْ فَاقَ، أَوْ إنْ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَلًا يَأْمُلُهُ لَا مَعْصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَأْمُولِ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]-: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ نَذْرِ مَعْصِيَةٍ كَمَنْ نَذَرَتْ صَوْمَ يَوْمِ حَيْضَتِهَا أَوْ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً] 779 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ نَذَرَ مَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً كَالْقُعُودِ فِي دَارِ فُلَانٍ أَوْ أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا مَأْدُومًا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَا حُكْمَ لِهَذَا إلَّا اسْتِغْفَارُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، لِأَنَّ إيجَابَ النَّذْرِ شَرِيعَةٌ، وَالشَّرَائِعُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِنَصٍّ وَلَا نَصَّ إلَّا فِي نَذْرِ الطَّاعَةِ فَقَطْ. [مَسْأَلَةٌ يُنْهَى عَنْ النَّذْرِ جُمْلَةً] 780 - مَسْأَلَةٌ: وَيُنْهَى عَنْ النَّذْرِ جُمْلَةً فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَ كَمَا قَدَّمْنَا، رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي دَاوُد نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ النَّذْرِ وَيَقُولُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» فَفِي قَوْلِهِ

مسألة قال علي لله تعالى صوم يوم أفيق

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» إيجَابٌ لِلْوَفَاءِ بِهِ إذَا وَقَعَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ قَالَ عَلَيَّ لِلَّهِ تَعَالَى صَوْمُ يَوْمَ أُفِيقُ] 781 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ لِلَّهِ تَعَالَى صَوْمُ يَوْمَ أُفِيقُ، أَوْ قَالَ: يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، أَوْ قَالَ يَوْمَ أَنْطَلِقُ مِنْ سِجْنِي، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَكَانَ مَا رَغِبَ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا: لَمْ يَلْزَمْهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا قَضَاؤُهُ وَلَا صَوْمُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَا رَغِبَ فِيهِ لَيْلًا فَلَمْ يَكُنْ فِي يَوْمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلَا يُمْكِنُهُ إحْدَاثُ صَوْمٍ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا تَقَدَّمَ إلْزَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إيَّاهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ صِيَامُ يَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ - وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ قَدِمَ نَهَارًا صَامَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَدِمَ لَيْلًا صَامَ النَّاذِرُ غَدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ [مَسْأَلَةٌ قَالَ عَلَيَّ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَبَدًا] 782 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: عَلَيَّ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَبَدًا فَإِنْ كَانَ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَدَّمْنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا يَلْزَمُ صِيَامُ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، فَإِنْ كَانَ نَهَارًا لَزِمَهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا تَكَرَّرَ كَمَا نَذَرَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا نَذَرَ. [مَسْأَلَةٌ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ نَذْرٍ] 783 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمِ نَذْرٍ عَامِدًا أَوْ لِعُذْرٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَذَرَ أَنْ يَقْضِيَهُ فَيَلْزَمُهُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْذِرْ الْقَضَاءَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا] 784 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا نَذَرَ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَةٍ أَوْ قَالَ شَهْرٍ] 785 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَةٍ أَوْ قَالَ: شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ إلَّا مُتَتَابِعًا وَلَا بُدَّ؛ فَإِنْ تَعَمَّدَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فِطْرًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ: ابْتَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْجُمُعَةِ وَالشَّهْرِ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ لَا مُتَفَرِّقَةٍ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ لَا مَا لَمْ يَنْذِرْ؛ فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ ذَلِكَ فَلَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَتَيْنِ أَوْ قَالَ شَهْرَيْنِ وَلَمْ يَنْذِرْ التَّتَابُعَ] 786 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ جُمُعَتَيْنِ أَوْ قَالَ: شَهْرَيْنِ، وَلَمْ يَنْذِرْ التَّتَابُعَ فِي ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ كُلَّ جُمُعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ وَلَا بُدَّ، وَكُلُّ شَهْرٍ مُتَتَابِعًا وَلَا بُدَّ، وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةِ، وَبَيْنَ الشَّهْرِ وَالشَّهْرِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا إلَّا أَنْ يَنْذِرَهُمَا مُتَتَابِعِينَ فَيَلْزَمُهُ

مسألة نذر صيام شهر فصام ما بين الهلالين

ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ زَائِدَةٌ. [مَسْأَلَةٌ نَذْر صِيَام شَهْر فَصَامَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ] 787 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَامَ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ، فَإِنْ ابْتَدَأَ صِيَامَهُ بَعْدَ دُخُولِ الشَّهْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مُتَّصِلَةٌ وَلَا بُدَّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ» وَأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ يَوْمٍ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَا نَذَرَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَطْ؛ فَإِنْ نَذَرَ نِصْفَ شَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لِأَنَّ كَسْرَ يَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ صِيَامُهُ لِمَنْ نَذَرَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ يَوْمًا زَائِدًا لَمْ يُنْذَرْهُ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ] 788 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يَصُومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا لَا يَعُدُّ فِيهَا رَمَضَانَ، وَلَا يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى، وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَفِي هَذَا عِنْدَنَا نَظَرٌ وَالْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُتْيَا إلْزَامٌ لَهُ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ؛ لِأَنَّ اسْمَ سَنَةٍ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مُتَّصِلَةٍ لَا مُبَدَّدَةٍ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ كَمَا نَذَرَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَا نَذَرَهُ، وَلَا أَنْ يَلْتَزِمَ مَا لَمْ يُمْكِنْ، وَمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَمَنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ عَنْ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا عَنْ تَابِعٍ. وَقَدْ قَالَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ يُفْطِرُ فِيهَا يَوْمَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يَقْضِيهَا. وَقَالَ زُفَرُ: يُفْطِرُ الْأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَا يَقْضِيهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَصُومُ، وَيُفْطِرُ الْأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَا يَقْضِي رَمَضَانَ، وَلَا الْأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ قَضَاءَهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَصُومُ وَيَقْضِي رَمَضَانَ وَيَوْمَيْنِ مَكَانَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَيَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. [قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ إمَّا مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ وَلَا الْتَزَمَهُ، وَإِمَّا مُسْقِطَةٌ عَنْهُ مَا نَذَرَ] .

مسألة كان عليه صوم يوم بعينه نذرا فجاء رمضان

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَصَوْمَ رَمَضَانَ عَنْ نَذْرِهِ؛ فَقَدْ نَذَرَ الضَّلَالَ وَالْبَاطِلَ، وَأَمْرًا مُخَالِفًا لِدِينِ الْإِسْلَامِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ نَذْرُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ صَوْمُ سَائِرِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا نَذَرَ، وَكُلُّ طَاعَةٍ مَازَجَتْهَا مَعْصِيَةٌ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْصِيَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالطَّاعَةِ كَمَا أُمِرَ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] . فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ سَنَةً حَاشَا رَمَضَانَ وَالْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْ صِيَامِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ، أَوْ صَوْمَ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ صَوْمَ شَعْبَانَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ اسْتِثْنَاءَ مَا لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ مِنْ الْأَيَّامِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ نَذْرًا فَجَاءَ رَمَضَانُ] 789 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ نَذْرًا فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ لَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِرَمَضَانَ لَا لِلنَّذْرِ أَصْلًا؛ فَإِنْ صَامَهُ لِنَذْرِهِ أَوْ لِرَمَضَانَ وَلِنَذْرِهِ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ وَلَا يُجْزِئُهُ لَا لِنَذْرِهِ وَلَا لِرَمَضَانَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَدِّمٌ لِنَذْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ رَمَضَانَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِصِيَامِهِ مُخْلِصًا لَهُ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. [مَسْأَلَةٌ أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ الصِّيَامِ الْمَفْرُوضِ] 790 - مَسْأَلَةٌ: وَأَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ الصِّيَامِ الْمَفْرُوضِ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ. وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَصُومَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ مِمَّنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ، وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ الدَّهْرِ أَصْلًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نَا الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِذَا ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجِدُ قُوَّةً؟ قَالَ فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُد

وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُد؟ قَالَ: نِصْفُ الدَّهْرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا؟ قُلْتُ: إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى صِيَامِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مُوَاقَعَةِ نَهْيِهِ، وَإِذْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ صَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ انْحَطَّ فَضْلُهُ فَإِذَا انْحَطَّ فَضْلُهُ فَقَدْ حَبِطَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِلَا شَكٍّ وَصَارَ عَمَلًا لَا أَجْرَ لَهُ فِيهِ بَلْ هُوَ نَاقِصٌ مِنْ أَجْرِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَصْلًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ طَرَائِفِ الْمَصَائِبِ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ لَا لَهُ: قَالَ: قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إذَا لَاقَى» فَقَالَ: إنَّمَا هَذَا الْحُكْمُ لِمَنْ لَا يَفِرُّ إذَا لَاقَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَجَمَعَ هَذَا الْكَلَامُ الْمَلْعُونُ وَجْهَيْنِ مِنْ الضَّلَالِ -: أَحَدُهُمَا: الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ بَلْ قَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَقَطَعَ بِأَنَّهُ لَا صَوْمَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ دَاوُد. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَأْوِيلٌ سَخِيفٌ لَا يُعْقَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَا يَفِرُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا لَاقَى أَفْضَلُ مِمَّنْ يَفِرُّ؛ فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يَتَزَيَّدَ مِنْ الْفَضْلِ فِي الصِّيَامِ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَهَذِهِ شَرِيعَةُ إبْلِيسٍ لَا شَرِيعَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ سَمِعَ أَبَا الْعَبَّاسِ هُوَ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّيُّ - سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» .

وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا آدَم نَا شُعْبَةُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ -: وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ مَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ مَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» . وَكَذَلِكَ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ، وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كِلَاهُمَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ» فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ حَبِطَ صَوْمُهُ وَلَمْ يُفْطِرْ. وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا صَامَ الدَّهْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا؟ فَقُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ وَنَهَى عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الدَّهْرِ وَأَبْطَلَ أَجْرَ مَنْ زَادَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَشَغَبَ مَنْ خَالَفَنَا بِأَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ «حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» . وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ: أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ عَنْ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَيُقَالُ: لَا يُفْطِرُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، لِأَنَّ السَّرْدَ إنَّمَا هُوَ الْمُتَابَعَةُ لَا صَوْمُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» .

فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيَّنَتْ السَّرْدَ الَّذِي ذَكَرَهُ أُسَامَةُ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ؛ قُلْت: الدَّهْرُ؟ قَالَ: كَانَتْ تَسْرُدُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَسْرُدُ الصَّوْمَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سَرَدَ الصَّوْمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ هُوَ الضُّبَعِيُّ - عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ قَلَّ مَا يَصُومُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا إلَّا يَوْمَ أَضْحَى، أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُمَيْمَةَ عَنْ جَدَّتِهِ قَالَتْ: كَانَ عُثْمَانُ يَصُومُ الدَّهْرَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ إلَّا هَجْعَةً مِنْ أَوَّلِهِ. وَعَنْ الْأَسْوَدِ، وَعُرْوَةَ، وَعُبَيْدٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ الدَّهْرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَدْ فَرَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ صِيَامِ الدَّهْرِ وَبَيْنَ سَرْدِ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا إلَّا السَّرْدُ وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لَا صَوْمُ الدَّهْرِ؛ وَلَوْ صَحَّ عَنْهَا ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ؟ -: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَخْتَارُ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ؛ فَإِنْ كَانَ مَا لَا يَصِحُّ عَنْهَا مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ حُجَّةً فَاَلَّذِي صَحَّ عَنْهَا مِنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَوْمِ الشَّكِّ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَجَّةً فَلَيْسَ ذَلِكَ حُجَّةً.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قِيلَ لَهُمْ: وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ صَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ، وَصَحَّ نَهْيُهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا السَّرْدُ فَقَطْ وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ لَا صِيَامُ الدَّهْرِ؛ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ تَحْرِيمُ صِيَامِ الدَّهْرِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَجُلًا يَصُومُ الدَّهْرَ فَأَتَاهُ فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ وَجَعَلَ يَقُولُ: كُلْ يَا دَهْرُ كُلْ يَا دَهْرُ؛ وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْهُ؛ فَصَحَّ أَنَّ تَحْرِيمَ صَوْمِ الدَّهْرِ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مُبَاحًا لَمَا ضَرَبَ فِيهِ وَلَا أَمَرَ بِالْفِطْرِ. وَأَمَّا عُثْمَانُ، فَإِنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أُمَيْمَةَ وَجَدَّتَهُ مَجْهُولَانِ، فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَأَمَّا أَبُو طَلْحَةَ فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَأْكُلُ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي شَغَبُوا بِهِ: أَنَّ أَنَسًا قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا إلَّا يَوْمَ فِطْرٍ، أَوْ يَوْمَ أَضْحَى، فَفِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ أَبِي طَلْحَةَ فِي أَكْلِهِ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ حُجَّةً فَصَوْمُهُ الدَّهْرَ لَيْسَ حُجَّةً؛ وَلَئِنْ كَانَ صَوْمُهُ الدَّهْرَ حُجَّةً فَإِنَّ أَكْلَهُ الْبَرَدَ فِي صِيَامٍ حُجَّةٌ؛ فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَأَمَّا الْأَسْوَدُ: فَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّ الْأَسْوَدَ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ صَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثِينَ سَنَةً - قَالَ هِشَامٌ: لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إلَّا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ يَوْمَ نَحْرٍ؛ فَلْيَقْتَدُوا بِهِمَا فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِلَّا فَالْقَوْمُ مُتَلَاعِبُونَ. قَالَ عَلِيٌّ: صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَأَمْرِهِ بِالْفِطْرِ فِيهِ، وَضَرْبِهِ عَلَى صِيَامِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَكَذَا -: وَقَبَضَ كَفَّهُ.

مسألة صيام ثلاثة أيام من كل شهر

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ، وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مُسْنَدًا. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ نَوَادِرِهِمْ قَوْلُهُمْ: مَعْنَاهُ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ لُكْنَةٌ وَكَذِبٌ -: أَمَّا اللُّكْنَةُ: فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ هَذَا لَقَالَ: ضُيِّقَتْ عَنْهُ، وَلَمْ يَقُلْ: عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْكَذِبُ: فَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ عَلَى التَّشْدِيدِ وَالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا هِيَ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَطْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ ابْنَ أَبِي أَنْعُمٍ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: لَوْ رَأَى هَذَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَجَمُوهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هُمْ يَدَّعُونَ الْإِجْمَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا؛ وَقَدْ يَكُونُ الرَّجْمُ حَصْبًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ بِمَنْ رَآهُ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ وَالْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ - فَكَرِهَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ، وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُمَا كَرِهَا صَوْمَ رَجَبٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي وَلَا بُدَّ أَنَّهُمَا لَا يُجِيزَانِ صِيَامَ الدَّهْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا كَرِهَهُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْخَيْرِ لَا يُكْرَهُ، وَلَا يُكْرَهُ إلَّا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا أَجْرَ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ صَوْمَ الدَّهْرِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَوْمَ شَهْرٍ تَامٍّ غَيْرِ رَمَضَانَ [مَسْأَلَةٌ صِيَام ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ] 791 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ -: وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ الِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسِ، وَكُلُّ هَذَا فَبِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ، فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَمَّا الِاثْنَيْنِ

مسألة اقتصر في الصيام على الفرض

وَالْخَمِيسُ فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا نَا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ هُوَ ابْنُ رَافِعٍ - عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ الِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسَ» . وَيَكْرَهُ صَوْمَ شَهْرٍ تَامٍّ غَيْرِ رَمَضَانَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ قَوْلِنَا آنِفًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. [مَسْأَلَةٌ اقْتَصَرَ فِي الصِّيَام عَلَى الْفَرْضِ] 792 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرْضِ فَقَطْ فَحَسَنٌ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ «قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الدِّينِ فَأَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوُجُوبِ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ - وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ؛ فَقَالَ السَّائِلُ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ» . [مَسْأَلَةٌ صَوْم يَوْمِ عَاشُورَاءَ] 793 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ: وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ صَامَ الْعَاشِرَ بَعْدَهُ فَحَسَنٌ. وَنَسْتَحِبُّ أَيْضًا صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» . «وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ -: نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ حَاجِبِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: إذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا؟ فَقُلْتُ: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» .

نَا حَمَّادُ بْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا الدَّبَرِيُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: خَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ، فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ أَحْبَبْتُمْ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ؟ وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: «إنَّ النَّاس شَكُّوا فِي صَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ بِحِلَابٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ رُمَّانًا فَقَالَ: اُدْنُ فَكُلْ لَعَلَّكَ صَائِمٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَصُمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، وَلَا عُثْمَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نَا حَوْشَبُ بْنُ عُقَيْلٍ عَنْ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ الْعَبْدِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءً عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ. قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: أَمَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْهُ فَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ حَضَّ عَلَى صِيَامِهِ أَعْظَمَ حَضٍّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ، وَمَا عَلَيْنَا أَنْ نَنْتَظِرَ بَعْدَ هَذَا أَيَصُومُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْ لَا؟ وَقَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ: نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ

عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّ رِوَايَةَ حَوْشَبٍ بْنِ عُقَيْلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ مَهْدِيٍّ الْهَجَرِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَهَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَمَّا تَرْكُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ صِيَامَهُ فَقَدْ صَامَهُ غَيْرُهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: صَامَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُظَلَّلُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْحَجِّ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهِيَ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَقَالَ لَهَا: أَفْطِرِي؟ فَقَالَتْ: أُفْطِرُ؟ وَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ الْعَامَ الَّذِي قَبْلَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَدْعُو عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إذَا أَفَاضَ النَّاسُ بِمَاءٍ ثُمَّ يُفِيضُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا اخْتَلَفُوا فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ قَالَ: «قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا؛ قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ -: فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا إخَالُهُ.»

مسألة صيام أيام العشر من ذي الحجة

فَمَنْ كَرِهَ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْهُ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، فَلْيَكْرَهْ صَلَاةَ الضُّحَى فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ، وَالطَّرِيقَانِ صَحِيحَانِ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَلَاعِبٌ بِالدِّينِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ لَمْ يَكُونَا يُضَحِّيَانِ فَلْيَكْرَهُوا الْأُضْحِيَّةَ أَيْضًا لِذَلِكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَاءَ بِأَغْلَظِ الْوَعِيدِ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ وَلَمْ يَصُمْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَسْتَحِبُّونَهُ وَيُبِيحُونَهُ ثُمَّ يَأْتِي حَضُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَشَدِّ الْحَضِّ عَلَى صَوْمِ عَرَفَةَ فَيَكْرَهُونَهُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَصُمْهُ وَلَمْ يَحُضَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَرْكِهِ الْحَاجَّ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا بِالْحَضِّ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ حَاجًّا مِنْ حَاجٍّ؟ وَأَمَّا سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فَعَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ - وَالثِّقَاتُ مَقْبُولُونَ - لَا يَحِلُّ رَدُّ رِوَايَاتِهِمْ بِالظُّنُونِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ صِيَام أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ] 794 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ صِيَامَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ النَّحْرِ لِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا الدَّبَرِيُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ فِيهِمْ الْعَمَلُ - أَوْ أَفْضَلُ فِيهِنَّ الْعَمَلُ - مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هُوَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَالصَّوْمُ عَمَلُ بِرٍّ؛ فَصَوْمُ عَرَفَةَ يَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا. [مَسْأَلَةٌ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ] 795 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا لِمَنْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ فَلَوْ نَذَرَهُ إنْسَانٌ كَانَ نَذْرُهُ بَاطِلًا، فَلَوْ كَانَ إنْسَانٌ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَجَاءَهُ صَوْمُهُ فِي الْجُمُعَةِ فَلْيَصُمْهُ؛ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا أَبُو كُرَيْبٍ نَا حُسَيْنٌ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا

أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» -:. نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ - نَا بِشْرٌ هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ - نَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ لَهَا: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لَا قَالَ: فَأَفْطِرِي» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ؛ وَمِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ جُنَادَةَ الْأَزْدِيُّ: - وَلَهُ صُحْبَةٌ كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ هُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ - أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِزَيْدِ بْنِ صَوْحَانَ: اُنْظُرْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا تُصَلِّهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ قَالَ: مَرَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَبِي ذَرٍّ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُمْ صِيَامٌ فَقَالَ: عَزَمْت عَلَيْكُمْ لِمَا أَفْطَرْتُمْ فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ - قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ وَجَالَسَهُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَعَمُّدِ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَا تَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ تَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ؛ وَمُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ لَقِيَ، وَإِنَّمَا لَقِيَ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زَرٍّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرً وَقَلَّ مَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» .

مسألة نذر صوم يوم يفيق فوافق يوم جمعة

وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَلَّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ مُفْطِرًا يَوْمَ جُمُعَةٍ قَطُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصَحِيحٌ، وَالْقَوْلُ فِيهَا كُلُّهَا سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا - لَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -: إبَاحَةُ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ دُونَ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ صِيَامَهُ إذَا صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ نَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْهُ صَاحِبُهُ، وَلَا أَنْ نَحْمِلَ فِعْلَهُ عَلَى مُخَالِفَةِ أَمْرِهِ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِبَيَانِ نَصٍّ صَحِيحٍ فَيَكُونَ حِينَئِذٍ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا، قَالَ تَعَالَى آمِرًا لَهُ أَنْ يَقُولَ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٍ بَيَانُ قَوْلِنَا بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ -: نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى عَنْ افْتِرَادِ الْيَوْمِ كُلَّمَا مَرَّ بِالْإِنْسَانِ - يَعْنِي عَنْ صِيَامِهِ -: فَصَحَّ نَهْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ افْتِرَادِ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فِي الصَّوْمِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى يَوْمًا يَصُومُهُ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفًا أَصْلًا فِي النَّهْيِ عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يُفِيقُ فَوَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ] 796 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ نَذَرَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمَ يُفِيقُ، أَوْ ذَلِكَ فَوَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمًا قَبْلَهُ، وَلَا يَوْمًا بَعْدَهُ، وَلَا وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، وَلَا يَجُوزُ صِيَامُهُ إلَّا

مسألة صوم الليل

بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ صَوْمُ اللَّيْلِ] 797 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ اللَّيْلِ أَصْلًا، وَلَا أَنْ يَصِلَ الْمَرْءُ صَوْمَ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ لَا يُفْطِرُ بَيْنَهُمَا، وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا بُدَّ. نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نَا الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ نَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ الْهَادِي - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، كُلِّهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ الْآثَارُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قُلْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ الْوِصَالِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إبَاحَةَ الْوِصَالِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ؛ كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا» . وَعَنْ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ تُوَاصِلُ، وَكَانَ أَخُوهَا يَنْهَاهَا؛ قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ صَاحِبَةٌ بِلَا شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلَةَ السَّابِعَةَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ سَمْنٍ فَشَرِبَهُ ثُمَّ يُؤْتَى بِثَرِيدَةٍ فِيهَا

مسألة صوم يوم الشك

عَرْقَانِ وَيُؤْتِي النَّاسَ بِالْجِفَانِ فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ خَالِصِ مَالِي، وَهَذَا مِنْ بَيْتِ مَالِكُمْ. وَكَانَ ابْنُ وَضَّاحٍ يُوَاصِلُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يُوَضِّحُ أَنْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صَاحِبٍ، وَلَا غَيْرِهِ؛ فَقَدْ وَاصَلَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةَ فَكَيْفَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَكَيْفَ مَنْ دُونَهُمْ؟ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ حَضَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَنَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَخْصِيصِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَتَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ «، وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَلَّ مَا رَأَيْتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُفْطِرًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَ نَهْيَهُ عَنْ الْوِصَالِ وَتَأَوَّلَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُوَاصِلُ. [مَسْأَلَةٌ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ] 798 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ، وَلَا صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ إلَّا مَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَيَصُومُهُمَا حِينَئِذٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُمَا لَهُ لَا لِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ وَلَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ لَا يُصَامُ حَتَّى يُرَى الْهِلَالُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَمْرٍو -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ: لَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْخَبَرُ يُوَضِّحُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَيِّ صَاحِبٍ وَلَا غَيْرِهِ أَصْلًا - وَبِهَذَا يَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَقْضِيَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَزِيدَ فِيهِ يَوْمًا لَيْسَ فِيهِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي آخِرِ شَعْبَانَ يَقُولُ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ؛ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَوْ صُمْت السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْت الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِيَ خِلَافُ هَذَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ -: وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا خَلَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً مِنْ شَعْبَانَ بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ الْهِلَالَ فَإِنْ حَالَ مِنْ دُونِ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا، وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ أَصْبَحَ مُفْطِرًا. وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَكْرَهُ صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ إلَّا إنْ أُغْمِيَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ،

وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ يَوْمَ الشَّكِّ صَائِمًا فَإِنْ قَدِمَ خَبَرٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ أَتَمَّ صَوْمَهُ وَإِلَّا أَفْطَرَ. وَبِالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ جُمْلَةً يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا ابْنُ عُمَرَ هُوَ رَوَى أَنْ لَا يُصَامُ حَتَّى يَرَى الْهِلَالَ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ مَا ذَكَرْنَا؛ وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى صِيَامَ يَوْمِ الشَّكِّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا؟ يَعْنِي شَعْبَانَ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ قَالَ: قَامَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي النَّاسِ فِي دَيْرِ مِسْحَلٍ الَّذِي عَلَى بَابِ حِمْصٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَأَنَّا مُتَقَدِّمٌ بِالصِّيَامِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ، فَقَامَ إلَيْهِ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيُّ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَمْ شَيْءٌ مِنْ رَأْيِكَ؟ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا، لِأَنَّ نَصَّهُ «صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ» وَهُوَ بِلَا شَكٍّ شَهْرُ رَمَضَانَ لَا مَا سِوَاهُ " وَسِرَّهُ " مُضَافٌ إلَيْهِ، وَلَا يَخْلُو " سِرُّهُ " مِنْ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ أَوْ وَسَطَهُ وَأَيَّ ذَلِكَ كَانَ؟ فَهُوَ مِنْ رَمَضَانَ لَا مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْسَ فِيهِ: صُومُوا سِرَّ شَعْبَانَ؛ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ.

مسألة التلوم في يوم الشك

وَأَمَّا خَبَرُ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ فَلْيَصُمْهُ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ صَوْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَفِي وَصْلِهِ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ إلَّا عَلَى أَنَّهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ كَانَ لَهُ؟ وَأَمَّا خَبَرُ عِمْرَانَ فَصَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَدْرِي مَاذَا كَانَ يَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ لَوْ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّهُ صَامَ سِرَرَ شَعْبَانَ أَيَنْهَاهُ أَمْ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ؟ وَالشَّرَائِعُ الثَّابِتَةُ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا بِالظُّنُونِ وَلَا بِمَا لَا بَيَانَ فِيهِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ بَيَانٌ جَلِيٌّ بِإِبَاحَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ شَعْبَانَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ كَانَ مُبَاحًا بِلَا شَكٍّ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ جُمْلَةً عَمَلُ بِرٍّ وَخَيْرٍ؛ فَلَمَّا صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ قَبْلَ رَمَضَانَ إلَّا لِمَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ يَصُومُهُ صَحَّ يَقِينًا لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَدْ نُسِخَتْ وَبَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ قَدْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لِهَذَا النَّهْيِ بِنَصِّهِ كَمَا هُوَ لِاسْتِثْنَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ كَانَ لَهُ صَوْمٌ فَلْيَصُمْهُ، وَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِشَيْءٍ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا يَحِلُّ خِلَافُ النَّاسِخِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَالَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ وَأَنَّ النَّاسِخَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ مَا لَا دَلِيلَ لَهُ بِهِ أَبَدًا، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. [مَسْأَلَةٌ التَّلَوُّم فِي يَوْمِ الشَّكِّ] 799 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا مَعْنَى لِلتَّلَوُّمِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَلَوُّمُهُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَرْكِ صَوْمِهِ وَوَاقَعَ النَّهْيَ، وَإِنْ كَانَ تَلَوَّمُهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الصَّوْمِ فَهُوَ عَنَاءٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَتَرْكُ الْمُفْطِرِ الْأَكْلَ عَمَلٌ فَارِغٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ فِي أَوَّلِهِ. [مَسْأَلَةٌ صَوْمُ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ تَطَوُّعًا] 800 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ تَطَوُّعًا أَصْلًا وَلَا لِمَنْ صَادَفَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نَا أَبُو دَاوُد نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: قَدِمَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَدِينَةَ فَمَالَ إلَى مَجْلِسِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» فَقَالَ الْعَلَاءُ: اللَّهُمَّ إنَّ أَبِي حَدَّثَنِي

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ الْعَلَاءِ، وَالْعَلَاءُ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، وَأَبُو الْعُمَيْسِ، وَكُلُّهُمْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَلَا يَضُرُّهُ غَمْزُ ابْنِ مَعِينٍ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالَفَةُ مَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ؛ فَمَنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ الصَّوْمَ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ جُمْلَةً، إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُتَيَقَّنَ مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِ هَذَا الْخَبَرِ النَّهْيُ عَنْ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَا يَكُونُ الصِّيَامُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ بَاقِي الشَّهْرِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بَيِّنًا، وَلَا يَخْلُو شَعْبَانُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَانْتِصَافُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَانْتِصَافُهُ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ كُلِّ مَا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ بَعْضِ مَا بَعْدَ النِّصْفِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَوْلَى بِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ الْآخَرِ؛ وَقَدْ رُوِّينَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» وَقَوْلِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ إلَّا قَلِيلًا» وَقَوْلُهُمَا هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُدَاوِمُ ذَلِكَ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا وَأَلَّا يُرَدَّ مِنْهَا شَيْءٌ لِشَيْءٍ أَصْلًا؛ فَصَحَّ صِيَامُ أَكْثَرِ شَعْبَانَ مَرْغُوبًا فِيهِ، وَصَحَّ جَوَازُ صَوْمِ آخِرِهِ؛ فَلَمْ يَبْقَ يَقِينُ النَّهْيِ إلَّا عَلَى مَا لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ الْيَوْمُ

السَّادِسَ عَشَرَ كَمَا قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ ادَّعَى نَسْخًا فِي خَبَرِ الْعَلَاءِ فَقَدْ كَذَبَ وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا خَلَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ مِمَّا لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَكْثَرُ ذَلِكَ مِمَّا قَالُوهُ بِرَأْيٍ لَا بِنَصٍّ؟ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُ مَنْ مَسَحَ الرَّأْسَ فِي الْوُضُوءِ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهُ، وَمَرَّةً قَالَ: رُبْعُ الرَّأْسِ وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ، وَيُجْزِي مَسْحُهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَلَا يُجْزِئُ بِأُصْبُعَيْنِ وَلَا بِأُصْبُعٍ. وَأَجَازُوا الِاسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثِ. وَقَوْلُهُ: الْمِرَّةُ وَالْمَاءُ الْخَارِجَانِ، مِنْ الْجَوْفِ يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْءَ الْفَمِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ؛ وَكَذَلِكَ تَعَمُّدُ الْقَيْءِ وَالدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إنْ غَلَبَ عَلَى الْبُصَاقِ وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَالْبَلْغَمُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ مَلَأَ الْفَمَ. وَقَوْلُهُ فِي صَدَقَةِ الْخَيْلِ: إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ رَأْسٍ مِنْ الْإِنَاثِ أَوْ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ مَخْلُوطِينَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا قِيمَةً وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةً، وَلَا يُعْطِي مِنْ الذُّكُورِ الْمُفْرَدَةِ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا الْحَطَبَ، وَالْقَصَبَ، وَالْحَشِيشَ، وَقَصَبَ الزَّرِيرَةِ، فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ فِي الدَّارِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَكُلُّ هَذَا لَا يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَكَقَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، أَوْ ثَلَاثَ تَسْمِيعَاتٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ تَرَكَ تَكْبِيرَتَيْنِ فَأَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ وَلَا تَسْمِيعَتَيْنِ فَأَقَلَّ. وَقَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ فِيمَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَمِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ. وَقَوْلُهُ: إنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَرْءِ إلَّا زَكَاةَ عَامِهِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فِيمَا تَخْرُجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْحُبُوبِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الزَّكَاةُ مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا لَا يُجْزِئُ فِيهَا مِنْهَا.

مسألة صوم يوم الفطر

وَقَوْلُهُ فِي أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ لَهُ لَمْ يَقْبَلْ نَجَاسَةً إلَّا أَنْ تُغَيِّرَهُ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ - وَلَوْ بِوَزْنِ دِرْهَمٍ - فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَكُلُّ هَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ ذَكَرْنَا. وَلَوْ تَتْبَعْنَا مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا لَبَلَغَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: أُلُوفًا مِنْ الْمَسَائِلِ، وَلَبَلَغَ لِلشَّافِعِيِّ مِائَتَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ صَوْمُ يَوْمِ الْفِطْرِ] 801 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَلَا يَوْمِ الْأَضْحَى - لَا فِي فَرْضٍ وَلَا فِي تَطَوُّعٍ - وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحَى، أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ» . وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَوَّالٍ: أَنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ ثُمَّ يَصُومُ يَوْمًا مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ مَكَانَهُ وَيُطْعِمُ مَعَ ذَلِكَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إذَا كَانَ طَاعَةً لَا إذَا كَانَ مَعْصِيَةً، وَإِذْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، أَوْ أَيِّ يَوْمٍ نَهَى عَنْهُ فَصَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعْصِيَةٌ؛ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى - قَطُّ - بِالْوَفَاءِ بِنَذْرٍ مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ آثَارٌ -: مِنْهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: «شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الْآخَرُ يَوْمَ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ» . وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهُ: " مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الدَّهْرَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَهُ وَيُفْطِرَ: يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ؛

مسألة صيام أيام التشريق

وَلَا يُطْعِمُ شَيْئًا، لَكِنْ يُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ ". وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ] 802 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى، لَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا فِي نَذْرٍ، وَلَا فِي كَفَّارَةٍ، وَلَا لِمُتَمَتِّعٍ بِالْحَجِّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَصُومُهَا الْمُتَمَتِّعُ الْمَذْكُورُ كُلَّهَا، وَلَا يَصُومُ النَّاذِرُ مِنْهَا إلَّا الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ شَيْءٌ مِنْهَا تَطَوُّعًا، وَلَا فِي كَفَّارَةٍ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا أَبُو دَاوُد نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ نَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ «أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إلَيْهِمَا طَعَامًا فَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ لَهُ: كُلْ فَهَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا» قَالَ مَالِكٌ: هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. نَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا بَكْرٌ هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ - نَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَبَيْنَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا؛ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ عُرْوَةُ: عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ سَالِمٌ: عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا، قَالَا: لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَنْ شُعْبَةَ: يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْنَدَ هَذَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُفْطِرُ إلَّا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى. وَعَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَنْ يَصُومَهُ النَّاذِرُ، وَهُوَ خِلَافُ هَذَا الْخَبَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ: هَذَا لَا يُقَالَ بِالرَّأْيِ، قَالُوا ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِ جَابِرٍ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ. وَفِي قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إذْ بَاعَتْ مِنْهُ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِ مِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ: أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أُبْطِلَ جِهَادُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ إنْ لَمْ يَتُبْ - وَهُوَ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ. وَفِي التَّيَمُّمِ إلَى الْكُوعَيْنِ، فَهَلَّا قَالُوا هُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ؟ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ السُّنَنِ مَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى: لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَرَدُّوا بِذَلِكَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى؟ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، إذْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَحِيحًا مَا خَفِيَ عَلَى عَائِشَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْأَسْوَدِ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْخَبَرَ الْمُضْطَرَبَ فِيهِ مَرْدُودٌ، وَادَّعُوا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» فَهَذَا الْخَبَرُ أَشَدُّ اضْطِرَابًا، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بِشْرٍ بْنِ سُحَيْمٍ، وَمَرَّةً عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ.

مسألة صوم أخرج مخرج اليمين

وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا وَافَقَهُمْ: هَذَا نَدْبٌ؟ فَهَلَّا قَالُوهُ هَاهُنَا؟ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا وَتَرَكَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ، وَعَائِشَةُ قَدْ رَوَتْ كَمَا ذَكَرْنَا النَّهْيَ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَرَكَتْ ذَلِكَ فَكَانَتْ تَصُومُهَا تَطَوُّعًا؛ فَهَلَّا تَرَكُوا هَاهُنَا رِوَايَتَهَا لِرَأْيِهَا؟ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَقُولَ إنَّهُمَا وَابْنَ عَبَّاسٍ صَامَاهَا فِي تَمَتُّعِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ يَسَارَهُمَا وَيَسَارَ الْأَسْوَدِ وَسَعَةَ أَمْوَالِهِمْ لِأَلْفِ هَدْيٍ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ إلَّا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ أَصْلًا. [مَسْأَلَةٌ صَوْمٌ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ] 803 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ صَوْمٌ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ كَأَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: أَنَا لَا أَدْخُلُ دَارَكَ فَإِنْ دَخَلْتُهَا فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى -: نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: نَا أَبِي نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَارَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةً، وَخِلَافًا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» وَالنَّذْرُ اللَّازِمُ: هُوَ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجَةِ أَوْ الْأَمَة أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْن] 804 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِذَاتِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ وَأَمَّا الْفُرُوضُ كُلُّهَا فَتَصُومُهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ؛ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا تَقْدِرُ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ أَوْ تَقْدِرُ فَلْتَصُمْ التَّطَوُّعَ إنْ شَاءَتْ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا أَبُو دَاوُد نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ - نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: الْبَعْلُ اسْمٌ لِلسَّيِّدِ، فِي اللُّغَةِ، وَصِيَامُ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَالْكَفَّارَاتُ، وَكُلُّ نَذْرٍ تَقَدَّمَ لَهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا إيَّاهُ مَضْمُومٌ إلَى رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا افْتَرَضَ رَمَضَانَ.

مسألة تدريب الصبيان على الصوم في رمضان

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فَأَسْقَطَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الِاخْتِيَارَ فِيمَا قَضَى بِهِ؛ وَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِذْنَ وَالِاسْتِئْذَانَ فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ، وَأَمَّا مَا لَا خِيَارَ فِيهِ وَلَا إذْنَ لِأَحَدٍ فِيهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ وَلَا فِي تَغْيِيرِهِ فَلَا مَدْخَلَ لِلِاسْتِئْذَانِ فِيهِ: هَذَا مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي تَخْصِيصُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْنَ الْبَعْلِ فِيهِ؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَدْرِيب الصِّبْيَانِ عَلَى الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ] 805 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ تَدْرِيبَ الصِّبْيَانِ عَلَى الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ إذَا أَطَاقُوهُ وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وُجُوبَ الْأَحْكَامِ بِالْإِنْبَاتِ، وَالْحَيْضِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] وَتَدْرِيبُهُمْ عَلَى الصَّوْمِ خَيْرٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا (قَبْلُ) قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلشَّيْخِ الَّذِي وَجَدَهُ سَكْرَانَ فِي رَمَضَانَ: وِلْدَانُنَا صِيَامٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَامَ الْغُلَامُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ لَا شَيْءَ إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، أَخَذُوا بِرِوَايَتِهِ فِي (إبَاحَةِ) كِرَاءِ الْأَرْضِ وَأَبْطَلُوا بِهَا الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَهُوَ حُجَّةٌ إذَا اشْتَهَوْا وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً إذَا اشْتَهَوْا -: وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: يُؤْمَرُ الْغُلَامُ بِالصَّلَاةِ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ، وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: يُؤْمَرُونَ بِالصَّلَاةِ إذَا عَقَلُوهَا، وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقُوهُ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ.

مسألة أفطر على خمر أو لحم خنزير أو زنى

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الصَّلَاةُ عَلَى الْجَارِيَةِ إذَا حَاضَتْ، وَعَلَى الْغُلَامِ إذَا احْتَلَمَ. [مَسْأَلَةٌ أَفْطَرَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ زَنَى] 806 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَ التَّمْرَ أَنْ يُفْطِرَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَنَدَ وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ قَدْ تَمَّ وَصَارَ فِي غَيْرِ صِيَامٍ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ عَلَى خَمْرٍ، أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ، أَوْ زَنَى؛ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى. نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» : نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا أَبُو دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» . وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ هَذَا فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَفْطَرَ فِي طَرِيقِ خَيْبَرٍ عَلَى السَّوِيقِ؟ فَقُلْنَا وَمَا دَلِيلُكُمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَفْطَرَ بَعْدُ عَلَى تَمْرٍ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ تَمْرٌ؟ وَالسَّوِيقُ الْمَجْدُوحُ بِالْمَاءِ، فَالْمَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ، فَهُوَ فِطْرٌ عَلَى الْمَاءِ. وَأَيْضًا فَالْفِطْرُ عَلَى كُلِّ مُبَاحٍ مُوَافِقٌ لِلْحَالَةِ الْمَعْهُودَةِ، وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ عَلَى التَّمْرِ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمَاءِ - أَمْرٌ وَارِدٌ يَجِبُ فَرْضًا؛ وَهُوَ رَافِعٌ لِلْحَالَةِ الْأُولَى بِلَا شَكٍّ، وَادَّعَى قَوْمٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى غَيْرِ هَذَا - وَقَدْ كَذَبَ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْصِيَ فِي هَذَا أَقْوَالَ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ وَذَكَرُوا إفْطَارَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ عَلَى اللَّبَنِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا أَوْ حُجَّةً فَقَدْ خَالَفُوهُ وَأَوْجَبُوا الْقَضَاءَ بِخِلَافِ قَوْلِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ اعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ هَذَا

مسألة فعل الخير في رمضان

عِنْدَنَا إجْمَاعًا، وَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا إلَّا مَا لَا شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَقُولُ بِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ كَافِرٌ: كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالْحَجِّ إلَى مَكَّةَ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي رَمَضَانَ] 807 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي رَمَضَانَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هُوَ الْمَهْرِيُّ - عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسَ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] [مَسْأَلَةٌ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ] 808 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ - وَهُوَ صَائِمٌ - فَلْيُجِبْ؛ فَإِذَا أَتَاهُمْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا أَبُو دَاوُد نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو خَالِدٍ هُوَ الْأَحْمَرُ - عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» . قَالَ هِشَامٌ: وَالصَّلَاةُ الدُّعَاءُ. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا. وَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ أَتَاهُمْ فَدَعَا لَهُمْ ثُمَّ انْصَرَفَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: دَعَانِي أَنَسٌ إلَى طَعَامٍ فَقُلْت: إنِّي لَا أَطْعَمُ؟ فَقَالَ: قُلْ: إنِّي صَائِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَاهُ أَوْلَمَ بِالْمَدِينَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَدْعُو النَّاسَ فَدَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَجَابَهُ وَدَعَا لَهُمْ وَرَجَعَ.

ليلة القدر

[لَيْلَةُ الْقَدْرِ] مَسْأَلَةٌ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَاحِدَةٌ فِي الْعَامِ فِي كُلِّ عَامٍ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً، فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ خَاصَّةً، فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَنْتَقِلُ أَبَدًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ مِنْ الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ؟ إلَّا أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنْهُ وَلَا بُدَّ. فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بِلَا شَكٍّ: لَيْلَةُ عِشْرِينَ مِنْهُ؛ فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ عِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ الْأَوْتَارُ مِنْ الْعَشْرِ (الْأَوَاخِرِ) . إنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بِلَا شَكٍّ: لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ أَوْتَارُ الْعَشْرِ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ يَقُمْ الْعَامَ يُدْرِكْهَا. وَبُرْهَانُ قَوْلِنَا: أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْعَامِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] فَصَحَّ أَنَّهُ أُنْزِلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِهِ؛ وَإِذْ لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِ لَكَانَ كَلَامُهُ تَعَالَى يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا بِالْمُحَالِ، وَهَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ وَلَا بُدَّ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابُ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الْأَعْلَى نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ قَالَ فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ

فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَإِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِهَا فَجَاءَ رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالْخَامِسَةِ» . ثُمَّ فَسَّرَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: إذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ فَهِيَ التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَى ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ كَوْنِ رَمَضَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رِجَالًا رَأَوْا أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَى رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْأَخْبَارُ تُصَحِّحُ مَا قُلْنَا: إذْ لَوْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ لَمَا كَانَ لِإِعْلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقِيقَةٌ، لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَثْبُتُ؛ وَلَوَجَبَ إذْ خَرَجَ لِيُخْبِرَهُمْ بِهَا أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِهَا عَامًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ وَإِذَا نُسِّيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْلَمَهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ؛ وَإِذْ لَمْ يَقْطَعْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرُؤْيَا مَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِهِ فَرُؤْيَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَبْعَدُ مِنْ الْقَطْعِ بِهَا؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ عَلَامَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ حِينَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ إلَيْنَا فَنَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَوَّلَ طُلُوعِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِيهَا أَحَدٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّهُ أُرِيَ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ» فَكَانَ ذَلِكَ صَبَاحَ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ؟

مسألة الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان

قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ وَكَفَ الْمَسْجِدُ أَيْضًا فِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَسَجَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَاءٍ وَطِينٍ -: رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيِّ أَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، قَالَ: 8 فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ» . (قَالَ) وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُفَّ السَّمَاءُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ كُلِّهَا فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِحَبْسِهِ. وَمِنْ طَرَائِفِ الْوَسْوَاسِ: احْتِجَاجُ ابْنِ بُكَيْرٍ الْمَالِكِيِّ فِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {سَلامٌ هِيَ} [القدر: 5] قَالَ: فَلَفْظَةُ " هِيَ " هِيَ السَّابِعَةُ وَعِشْرُونَ مِنْ السُّورَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَقُّ مَنْ قَامَ هَذَا فِي دِمَاغِهِ أَنْ يُعَانِيَ بِمَا يُعَانِي بِهِ سُكَّانُ الْمَارَسْتَانِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مَا غَابَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْسَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ مَا أَنْسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَنْ بَلَغَ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَجَزَاؤُهُ أَنْ يَخْذُلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ هَذَا الْخِذْلَانِ الْعَاجِلِ ثُمَّ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ تَنْكِيلًا. [مَسْأَلَةٌ الِاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ] 810 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الِاجْتِهَادُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» وَإِنَّمَا تُلْتَمَسُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا بِأَنَّ لَهَا صُورَةً وَهَيْئَةً يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ اللَّيَالِي كَمَا يَظُنُّ أَهْلُ الْجَهْلِ، إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3] {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]

وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4] {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] فَبِهَذَا بَانَتْ عَنْ سَائِرِ اللَّيَالِي فَقَطْ وَالْمَلَائِكَةُ لَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْهُدَى وَالْعِصْمَةَ آمِينَ

كتاب الحج

[كِتَابُ الْحَجِّ] ِّ 811 - مَسْأَلَةٌ: [قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ] : الْحَجُّ إلَى مَكَّةَ، وَالْعُمْرَةُ [إلَيْهَا] فَرْضَانِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، عَاقِلٍ، بَالِغٍ، ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى، بِكْرٍ، أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ. الْحُرُّ وَالْعَبْدُ، وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، مَرَّةً فِي الْعُمْرِ إذَا وَجَدَ مَنْ ذَكَرْنَا إلَيْهَا سَبِيلًا، وَهُمَا أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا بَعْدَ - الْإِسْلَامِ، وَلَا يُتْرَكُونَ وَدُخُولَ الْحَرَمِ حَتَّى يُؤْمِنُوا. أَمَّا قَوْلُنَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ - عَلَى الْمُؤْمِنِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ يَحُجُّ مَعَهَا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ - فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ، لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا ذَا مَحْرَمٍ، وَفِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ، وَفِي الْعُمْرَةِ -: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . وَقَالَ قَوْمٌ: الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ فَرْضًا وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَفَرِيضَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» .

وَبِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْن غَيْلَانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَشَى إلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَهِيَ كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ فَهِيَ كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ» .

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَشَى إلَى مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ، وَمَنْ مَشَى إلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُحَاضِرِ بْن الْمُوَرِّعِ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَابِرٍ الْأَلْهَانِيِّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً ثُمَّ ثَبَتَ فِيهِ سُبْحَةَ الضُّحَى كَانَ كَأَجْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ حَدِيثًا فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ قَانِعٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْن بَحِيرٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ نا جَرِيرٌ وَأَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» .

وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: نا زَيْدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَا زَادَ فَتَطَوُّعٌ» قَالُوا: فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ لِدُخُولِهَا فِي الْحَجِّ، وَقَالُوا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196] لَا يُوجِبُ كَوْنَهَا فَرْضًا، وَإِنَّمَا يُوجِبُ إتْمَامَهَا عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهَا لَا ابْتِدَاءَهَا؛ لَكِنْ كَمَا تَقُولُ: أَتِمَّ الصَّلَاةَ التَّطَوُّعَ، وَالصَّوْمَ التَّطَوُّعَ. وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الْعُمْرَةُ غَيْرَ مُرْتَبِطَةٍ بِوَقْتٍ وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ فَرْضًا -: وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّهَا تَطَوُّعٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرُوا فَمَكْذُوبَةٌ كُلُّهَا؛ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ سَاقِطٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى أَسْقَطُ وَأَوْهَنُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ فَهُوَ مُرْسَلٌ - وَمَاهَانُ هَذَا ضَعِيفٌ كُوفِيٌّ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَحَدُ طُرُقِهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ شَيْئًا. وَالْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثَةُ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُوَرِّعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ سَاقِطٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَابِرٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ؛ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ظَاهِرُ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَجْرُ الْعُمْرَةِ كَأَجْرِ مَنْ مَشَى إلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ لَمَا كَانَ - لِمَا تَكَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقَصْدِ إلَى الْعُمْرَةِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْمَدِينَةِ - مَعْنًى، وَلَكَانَ فَارِغًا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ، وَقَدْ أَصْفَقَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى تَرْكِهِ، وَهُوَ رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ وَكَذِبَةٍ؛ ثُمَّ فِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ سندل وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ وَيَكْفِي؛ ثُمَّ هُوَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مَجْهُولِينَ فِي نَسَقٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَذِبٌ بَحْتٌ مِنْ بَلَايَا عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَالنَّاسُ رَوَوْهُ مُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ مَاهَانَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ فَزَادَ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَوْهَمَ أَنَّهُ صَالِحٌ السَّمَّانُ - فَسَقَطَتْ كُلُّهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَوْ شِئْنَا لَعَارَضْنَاهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ: فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ» وَلَكِنْ يُعِيذُنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً؛ وَلَكِنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ إذَا رَوَى مَا يُوَافِقُهُمْ صَارَ ثِقَةً وَإِذَا رَوَى مَا يُخَالِفُهُمْ صَارَ ضَعِيفًا؛ وَاَللَّهِ مَا هَذَا فِعْلُ مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ مُحَاسَبٌ بِكَلَامِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَتَرَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْخَبَرِ.

وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَتَانِ» . وَبِهِ نَصًّا إلَى سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّه وَهَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ الْحَجِّ. ونا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو قِلَابَةَ نا الْأَنْصَارِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي - أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَيْسَ مُسْلِمٌ إلَّا عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ صَحَّ مَا رَوَوْا مِنْ الْكَذِبِ الْمُلَفَّقِ لَوَجَبَ عَلَى أُصُولِهِمْ الْخَبِيثَةِ الْمُفْتَرَاةِ إسْقَاطُ كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَوَيَا تِلْكَ الْأَخْبَارَ بِزَعْمِهِمْ قَدْ صَحَّ عَنْهُمَا خِلَافُهَا، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَلَاعِبُونَ كَمَا تَرَوْنَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ كُلُّهَا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَصِحَّ الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ - لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ -. لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ نا خَالِدُ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - نا شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ «أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ: فَحِجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» . فَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَمَّنْ لَا يُطِيقُهُمَا؛ فَهَذَا حُكْمٌ

زَائِدٌ وَشَرْعٌ وَارِدٌ؛ وَكَانَتْ تَكُونُ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مُوَافِقَةً لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ قَدْ كَانَا بِلَا شَكٍّ تَطَوُّعًا لَا فَرْضًا فَإِذَا أَمَرَ بِهِمَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ بَطَلَ كَوْنُهُمَا تَطَوُّعًا بِلَا شَكٍّ وَصَارَا فَرْضَيْنِ، فَمَنْ ادَّعَى بُطْلَانَ هَذَا الْحُكْمِ وَعَوْدَةَ الْمَنْسُوخِ فَقَدْ كَذَبَ وَأَفِكَ وَافْتَرَى؛ وَقَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ؛ فَبَطَلَ كُلُّ خَبَرٍ مَكْذُوبٍ مَوَّهُوا بِهِ لَوْ صَحَّ فَكَيْف وَكُلُّهَا بَاطِلٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ إخْبَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُخُولِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ، وَبِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَهَذَيَانٌ لَا يُعْقَلُ؛ بَلْ هَذَا بُرْهَانٌ وَاضِحٌ فِي كَوْنِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ بِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ؛ وَلَا يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ فِي أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ حَجَّةً؛ فَوَجَبَ أَنَّ دُخُولَهَا فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ فَقَطْ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُجْزَى لَهُمَا عَمَلٌ وَاحِدٌ فِي الْقِرَانِ. وَالثَّانِي: دُخُولُهَا فِي أَنَّهَا فَرْضٌ كَالْحَجِّ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ أَنَّهَا الْحَجُّ الْأَصْغَرُ؟ قُلْنَا لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ [قَدْ] جَاءَ بِإِيجَابِ الْحَجِّ فَكَانَتْ حِينَئِذٍ تَكُونُ فَرْضًا بِنَصِّ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] لَكِنَّا لَا نَسْتَحِلُّ التَّمْوِيهَ بِمَا لَا يَصِحُّ، مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرُوا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَقَدْ قَالَ فِيهِ عُقَيْلٌ: سِنَانٌ هُوَ مَجْهُولٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ كَذَبُوا فِيهِ وَحَرَّفُوهُ وَأَوْهَمُوا أَنَّ فِيهِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ» لَيْسَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ: إمَّا مَعَ الْحَجِّ مَقْرُونَةٌ، وَإِمَّا مَعَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ؛ فَصَارَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِإِتْمَامِهَا مَنْ دَخَلَ فِيهَا لَا بِابْتِدَائِهَا، وَأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَرَأَ: {وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بِالرَّفْعِ فَقَوْلٌ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وقَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] لَا يَقْتَضِي مَا قَالُوا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَجِيءِ بِهِمَا تَامَّيْنِ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّاخِلُ فِيهَا مَأْمُورًا بِإِتْمَامِهَا فَقَدْ صَارَتْ فَرْضًا مَأْمُورًا بِهِ؛ وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ الْفَاسِدُ الْمُتَخَاذِلُ - وَابْنُ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى هَذَا النَّصَّ مُوجِبًا لِكَوْنِهَا فَرْضًا كَالْحَجِّ بِخِلَافِ كَيْسِ هَؤُلَاءِ الْحُذَّاقِ بِاللُّغَةِ بِالضِّدِّ، وَبِهَذَا احْتَجَّ مَسْرُوقٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَنَافِعٌ فِي إيجَابِهَا؛ وَمَسْرُوقٌ؛ وَسَعِيدٌ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. فَإِنْ قَالُوا: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: بِهَذَا فِي الْحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعِ؟ قُلْنَا: لَا بَلْ هُمَا تَطَوُّعٌ غَيْرُ لَازِمٍ جُمْلَةً إنْ تَمَادَى فِيهِمَا أُجِرَ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَكَانَ الْحَجُّ يَتَكَرَّرُ فَرْضُهُ مَرَّاتٍ، وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: بِإِتْمَامِ النَّذْرِ، وَإِتْمَامِ قَضَاءِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِيهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَارَ فَرْضًا زَائِدًا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا الْحَجُّ فَرْضٌ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ لَمْ يَنْذِرْهُ لَا عَلَى مَنْ نَذَرَهُ؛ بَلْ هُوَ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ فَرْضٌ آخَرُ لَا نَضْرِبُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بَلْ نَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَنَأْخُذُ بِجَمِيعِهَا. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ {وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بِالرَّفْعِ فَقِرَاءَةٌ مُنْكَرَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا، وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يَلْجَئُونَ إلَى تَبْدِيلِ الْقُرْآنِ فَيَحْتَجُّونَ بِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَكَانَتْ مُرْتَبِطَةً بِوَقْتٍ؟ فَكَلَامٌ سَخِيفٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ يُعْقَلُ، وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ وَلَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً

بِوَقْتٍ، وَأَنَّ النَّذْرَ فَرْضٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ، وَأَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فَرْضٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ، وَالْإِحْرَامُ لِلْحَجِّ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ، فَظَهَرَ هَوَسُ مَا يَأْتُونَ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ فِيمَنْ يَعْتَمِرُ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ: نُسُكَانِ لِلَّهِ عَلَيْك لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَمَنْ زَادَ بَعْدَهُمَا شَيْئًا فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أُمِرْتُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَالْعُمْرَةِ إلَى الْبَيْتِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَتْ عَلَيْكُمْ الْعُمْرَةَ. وَعَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرِيضَةٌ، وَابْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرَ التَّابِعِينَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: الْعُمْرَةُ عَلَيْنَا فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ جَمِيعًا الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ - وَعَنْ طَاوُسٍ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ؛ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ: لَيْسَتْ وَاجِبَةً، فَقَالَ: كَذَبَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ

مَسْرُوقًا يَقُولُ أُمِرْتُمْ فِي الْقُرْآنِ بِإِقَامَةِ أَرْبَعٍ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ - قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ يَقُولُ: الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا كُتِبَتْ عَلَيَّ عُمْرَةٌ، وَحَجَّةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ؛ وَعَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ الْعُمْرَةُ الْحَجَّةُ الصُّغْرَى، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ فَقَالَ: مَا نَعْلَمُهَا إلَّا وَاجِبَةً {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّرَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ - فَقَرَأَ جَمِيعًا: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُغِيرَةُ هُوَ ابْنُ مَقْسَمٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعُمْرَةِ: هِيَ وَاجِبَةٌ - وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَيْسَتْ فَرْضًا، وَالْقَوْمُ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لَهُمْ فِي هَذَا إلَّا رِوَايَةً سَاقِطَةً مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ، وَالصَّحِيحُ عَنْهُ خِلَافُ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ خَالَفُوا [هَاهُنَا] عَطَاءً، وَطَاوُسًا، وَمُجَاهِدًا، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنَ، وَابْنَ سِيرِينَ، وَمَسْرُوقًا، وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، وَنَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَهُشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، وَالْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيَّ، وَقَتَادَةَ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ: لَيْسَتْ وَاجِبَةً سَلَفًا، مِنْ التَّابِعِينَ إلَّا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ

مسألة حج العبد والأمة

وَحْدَهُ؛ وَرِوَايَةٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا كَمَا ذَكَرْنَا - وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثَيْنِ هُمَا مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ -: أَحَدُهُمَا: الْخَبَرُ الثَّابِتُ فِي الَّذِي سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْإِسْلَامِ؟ فَأَخْبَرَهُ بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ؛ فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ. وَالثَّانِي: خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فَذَكَرَ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ، وَالصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمَا - أَقْوَى، حُجَجِنَا عَلَيْهِمْ لِصِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَصَحَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِوُجُوبِ الْحَجِّ، وَأَنَّ فَرْضَهَا دَخَلَ فِي فَرْضِ الْحَجِّ. وَأَيْضًا: فَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُرُودُ الْقُرْآنِ بِهَا شَرْعًا زَائِدًا وَفَرْضًا وَارِدًا مُضَافًا إلَى سَائِرِ الشَّرَائِعِ الْمَذْكُورَةِ؛ وَكُلُّهُمْ يَرَى النَّذْرَ فَرْضًا، وَالْجِهَادَ إذَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ فَرْضًا؛ وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ فَرْضًا، وَالْوُضُوءَ فَرْضًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَمْ يَرَوْا الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ حُجَّةً فِي سُقُوطِ فَرْضِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، فَوَضَحَ تَنَاقُضُهُمْ وَفَسَادُ مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ حَجُّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ] 812 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا حَجُّ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ قَالُوا: لَا حَجَّ عَلَيْهِ فَإِنْ حَجَّ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ: إذَا عَتَقَ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُ تِلْكَ الْحَجَّةُ؛ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَلَيْهِ الْحَجُّ كَالْحُرِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ قَالَ أَحَدُهُمَا: مَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا عَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ؛ فَقَطَعَا وَعَمَّا وَلَمْ يَخُصَّا إنْسِيًّا مِنْ جِنِّيٍّ، وَلَا حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِمَا تَخْصِيصَ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةِ؛ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمَا؛ وَلَا أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ يَجْعَلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ فَرْضِ الْعُمْرَةِ - وَهُوَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ فَرْضِهَا كَمَا ذَكَرْنَا - وَلَا يَجْعَلُ قَوْلَهُ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا عَلَيْهِ: حَجَّةٌ، وَعُمْرَةٌ -: حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْعَبْدِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلَّا الْعَبْدَ؟ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ أَنْ يُرِيدَا إلَّا الْعَبْدَ ثُمَّ لَا يُبَيِّنَانِهِ؛ وَأَيْضًا: فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلَّا الْمُقْعَدَ، وَإِلَّا الْأَعْمَى، وَإِلَّا الْأَعْوَرَ، وَإِلَّا بَنِي تَمِيمٍ، وَإِلَّا أَهْلَ إفْرِيقِيَةَ، وَهَذَا حَقٌّ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ وَلَا يَصِحُّ مَعَ هَذِهِ الدَّعْوَى قَوْلَةٌ لِأَحَدٍ أَبَدًا. وَلَعَلَّ كُلَّ مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا تَخْصِيصًا لَمْ يُبَيِّنُوهُ وَهَذِهِ طَرِيقُ السُّوفُسْطَائِيَّة نَفْسِهَا؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مَا لَمْ يَقُلْ إلَّا بِبَيَانٍ وَارِدٍ مُتَيَقَّنٍ يُنْبِئُ بِأَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ. وَقَدْ ذَكَرُوا هَاهُنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] . {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] . وَ {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 42] . وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا دَمَّرَتْ بِنَصِّ الْآيَةِ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَدَمَّرَتْ مَا أَمَرَهَا رَبُّهَا بِتَدْمِيرِهِ لَا مَا لَمْ يَأْمُرْهَا. وَمَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّمَا جَعَلَتْ كَالرَّمِيمِ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ لَا مَا لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْآيَةِ. وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: لَا يَقْتَضِي إلَّا بَعْضَ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ آتَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ الْعَالَمُ كُلُّهُ؛ فَمَنْ أُوتِيَ شَيْئًا فَقَدْ أُوتِيَ مِنْ الْعَالَمِ كُلِّهِ - وَهَذَا بَيِّنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْمَرْجِيِّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِرٍّ الْمَصْرِيُّ قَالَ: نا أَبُو الْحَسَنِ الرَّحَبِيُّ -: نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ نا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ المغلس نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ نا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ الْعَبْدِ إذَا حَجَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: تُجْزِئُ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا حَجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ تُجْزِهِ؛ وَبِهِ إلَى زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا حَجَّ الْعَبْدُ وَهُوَ مُخَلًّى فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ لِلْعَبْدِ حَجًّا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا

وَكِيعٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُحَدِّثُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ مَاتَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ عَتَقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَعَنْ شَيْخٍ لَا يُدْرَى اسْمُهُ وَلَا مَنْ هُوَ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ خِرْزَادٍ الْأَنْطَاكِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرِ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ لَمْ يَبْلُغْ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ خَرَّزَاذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَمَنْ هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ عَنْ شُعْبَةَ فَأَوْقَفَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَسْنَدَهُ الْآخَرُ بِزِيَادَةٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ ابْنُ الْمِنْهَالِ: نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا شُعْبَةُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: نا شُعْبَةُ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أُمِّ ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا حَجَّ الصَّبِيُّ لَهُ فَهِيَ حَجَّةُ صَبِيٍّ حَتَّى يَعْقِلَ، فَإِذَا عَقَلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَإِذَا حَجَّ الْأَعْرَابِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةُ أَعْرَابِيٍّ، فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» . وَأَوْقَفَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ - وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا: أَبُو السَّفَرِ، وَعُبَيْدٌ صَاحِبُ الْحُلَى، وَقَتَادَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً فِي أَنْ لَا يُجْزِئَ الْعَبْدَ حَجُّهُ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنْ لَا يُجْزِئَ الْأَعْرَابِيَّ حَجُّهُ وَلَا فَرْقَ؛ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتُ عَنْهُ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ

أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي إعَادَةِ الْحَجِّ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا احْتَلَمَ، وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ، وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ إذَا هَاجَرَ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الصَّبِيُّ إنْ حَجَّ، وَالْمَمْلُوكُ إنْ حَجَّ، وَالْأَعْرَابِيُّ إنْ حَجَّ، ثُمَّ هَاجَرَ الْأَعْرَابِيُّ، وَاحْتَلَمَ الصَّبِيُّ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِمْ الْحَجُّ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الْأَعْرَابِيُّ فَيُجْزِئُهُ حَجُّهُ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَمْلُوكُ فَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَا يُجْزِئُ الْعَبْدَ حَجُّهُ إذَا أُعْتِقَ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَمَّا الْأَعْرَابِيُّ فَيُجْزِئْهُ حَجُّهُ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ غَيْرَ مَا أَوْرَدْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا وَلَيْسَ مَعَهُ فِيهِ إلَّا خَمْسَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ، أَحَدُهُمْ مُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَعَنْ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلَّ قَوْلٍ جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَلَمْ يَجْعَلُوا مَا رُوِيَ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ؛ وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ بِاخْتِلَافٍ فَلَمْ يَجْعَلُوهُ إجْمَاعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا تَخْلُو رِوَايَةُ عُثْمَانَ بْنِ خَرَّزَاذٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَقَدْ كُفِينَا الْمُؤْنَةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِيهَا -؛ لِأَنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ - فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ بِلَا. شَكٍّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِلَا شَكٍّ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَادَةُ الْحَجِّ عَلَى مَنْ حَجَّ مِنْ الْأَعْرَابِ قَبْلَ هِجْرَتِهِ، وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أُبَيٌّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ فَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ نا يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - قَالَا جَمِيعًا أَنَا جَرِيرُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ إذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ عَنْ مُجَاشِعٍ، وَمُجَالِدٍ: ابْنَيْ مَسْعُودٍ السِّلْمِيَّيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذْ قَدْ صَحَّ بِلَا شَكٍّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ -: نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ هَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَصَارَ عُمُومًا لِكُلِّ حُرٍّ، وَعَبْدٍ، وَأَعْرَابِيٍّ، وَعَجَمِيٍّ [وَبِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ] أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِالْحَجِّ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَلَا الْحُرُّ أَيْضًا؛ فَكَانَ خَبَرُ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فِي أَنَّ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ، وَهَاجَرَ الْأَعْرَابِيُّ، مُوَافِقًا لِلْحَالَةِ الْأُولَى وَبَقِيَا عَلَى أَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ كَمَا

كَانَا، وَجَاءَ هَذَا الْخَبَرُ فَدَخَلَ فِي نَصِّهِ فِي الْخِطَابِ بِالْحَجِّ: الْعَبْدُ، وَالْأَعْرَابِيُّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ النَّاسِ فَكَانَ بِلَا شَكٍّ نَاسِخًا لِلْحَالَةِ الْأُولَى وَمُدْخِلًا لَهُمَا فِي الْخِطَابِ بِالْحَجِّ ضَرُورَةً وَلَا بُدَّ. وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ قَدْ احْتَجَّ فَقَالَ: حَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَزْوَاجِهِ، وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ كِذْبَةٌ شَنِيعَةٌ لَا نَجِدُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَبَدًا وَإِنَّ التَّسَهُّلَ فِي مِثْلِ هَذَا لَعَظِيمٌ جِدًّا -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِي النَّفْيِ فِي الزِّنَا، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ السُّنَنِ مِثْلَ: لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ، وَفِي خَبَرِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَكَذَبُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَقُولُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ: هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ، وَهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا خِلَافٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِدَعْوَى الِاضْطِرَابِ: كَخَبَرِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ؛ ثُمَّ احْتَجُّوا (فِي ذَلِكَ) بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي لَا نَعْلَمُ خَبَرًا أَشَدَّ اضْطِرَابًا مِنْهُ. وَهُمْ يَتْرُكُونَ السُّنَنَ لِلْقِيَاسِ: كَخَبَرِ الْمُصَرَّاةِ، وَخَبَرِ الْقُرْعَةِ فِي السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ، وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَبِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، فَمَا الَّذِي مَنَعَ (مِنْ) أَنْ يُخَاطَبَ بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ؛ ثُمَّ يَقُولُونَ: الْعَبْدُ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ فَإِذَا حَضَرَهَا صَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَأَجْزَأَتْهُ، فَهُمْ قَالُوا هَاهُنَا: إنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ إذَا حَضَرَهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ وَأَجْزَأَهُ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: مَنْ نَوَى تَطَوُّعًا بِحَجِّهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْفَرْضِ، وَأَقَلُّ حَالِ حَجِّ الْعَبْدِ: أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا فَهَلَّا أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ؟ قُلْنَا: قَدْ جَمَعْتُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْكَذِبَ وَخِلَافَ الْقُرْآنِ إذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا مِنْ حُرٍّ، وَالتَّنَاقُضَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ وَلَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ وَلَا

مسألة المرأة التي لا زوج لها ولا ذا محرم يحج معها تحج

شَيْءٌ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ وَلَا فِدْيَةِ أَذًى وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْحَائِضُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، إذْ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِهِ، وَكَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَهُمَا أَوْ فَعَلَ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ وَكَانَ لَهُ حَجٌّ لِلْأَثَرِ فِي ذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ. فَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ وَقَوْلَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَالْقِيَاسُ: نَعَمْ، وَالْخَبَرُ الَّذِي بِهِ احْتَجُّوا؛ لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْحَجِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا ذَا مَحْرَمٍ يَحُجُّ مَعَهَا تَحُجُّ] 813 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا ذَا مَحْرَمٍ يَحُجُّ مَعَهَا فَإِنَّهَا تَحُجُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَحُجُّ هِيَ دُونَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ: لَا تَحُجَّ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ: إنْ كَانَتْ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ لَيَالٍ ثَلَاثٍ فَلَهَا أَنْ تَحُجَّ مَعَ غَيْرِ زَوْجٍ، وَغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ إلَّا مَعَ زَوْجٍ، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ رِجَالِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: أَنَّ عِكْرِمَةَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَحُجُّ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ؟ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَحُجُّ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا كَانَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْمَرْأَةُ لَا تُسَافِرُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ كُلُّ النِّسَاءِ تَجِدُ مَحْرَمًا.

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ يُسَافِرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْلَيَاتٌ (لَهُ) لَيْسَ مَعَهُنَّ مَحْرَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّحْدِيدِ الَّذِي ذُكِرَ فَلَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ بَلْ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَيَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَا؛ وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَنِ مُرْسَلٍ يُمْكِنُ وُجُودُ مِثْلِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَدْ خَالَفَهُمَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا فَوَجَدْنَا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْتَجُّونَ لِقَوْلِهِمْ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ» .

وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ أَيْضًا " لَيْلَتَيْنِ " وَرُوِيَ " يَوْمًا وَلَيْلَةً " وَرُوِيَ " يَوْمًا " وَرُوِيَ " بَرِيدًا " قَالُوا: وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَحْرِيمِ سَفَرِهَا ثَلَاثًا وَعَلَى شَكٍّ مِنْ تَحْرِيمِ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذِكْرُ الثَّلَاثِ مُتَقَدِّمًا وَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا فَالثَّلَاثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا سَفَرُهَا إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ فَنَأْخُذُ مَا لَا شَكَّ فِيهِ وَنَدْعُ مَا فِيهِ الشَّكُّ لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِوَجْهَيْنِ -:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ صَوَابُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرُوا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَبَرُ الثَّلَاثِ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا فَلَيْسَ فِيهِ إنْ تَقَدَّمَ إبْطَالٌ لِحُكْمِ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَكِنَّهُ بَعْضُ مَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ زَائِدَةٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ أَصْلًا؛ بَلْ كُلُّ (تِلْكَ) الْأَخْبَارِ حَقٌّ وَكُلُّهَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا وَلَيْسَ بَعْضُهَا مُخَالِفًا لِبَعْضٍ أَصْلًا. وَيُقَالُ لَهُمْ: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» جَامِعٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَحْرِيمِ كُلِّ سَفَرٍ عَلَيْهَا إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ، ثُمَّ لَا نَدْرِي أَبَطَلَ هَذَا الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ فَنَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَنُلْغِي الشَّكَّ؛ فَهَذَا مُعَارِضٌ لِاحْتِجَاجِهِمْ مَعَ مَا قَدَّمْنَا. وَيُقَالُ لَهُمْ: عَهْدُنَا بِكُمْ تَذُمُّونَ الْأَخْبَارَ بِالِاضْطِرَابِ، وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَلَمْ يَضْطَرِبْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلًا وَاضْطَرَبَ عَنْ سَائِرِهِمْ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تُسَافِرْ ثَلَاثًا» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ؛ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «لَا تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ «لَا تُسَافِرْ يَوْمَيْنِ» ؛ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا تُسَافِرْ ثَلَاثًا» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ يَوْمًا وَلَيْلَةً» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ يَوْمًا» ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا تُسَافِرْ بَرِيدًا» ؛ فَعَلَى أَصْلِكُمْ دَعُوا رِوَايَةَ مَنْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ وَاضْطَرَبَ عَنْهُ إذْ لَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ مَا رُوِيَ عَنْهُ؛ وَخُذُوا بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ وَلَا اضْطَرَبَ عَنْهُ؛ وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ فَهَذَا أَشْبَهُ مِنْ اسْتِدْلَالِكُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا ذَكَرْنَا لَا تُسَافِرْ (الْمَرْأَةُ) فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ فَإِنْ صَحَّحْتُمْ اسْتِدْلَالَكُمْ (الْفَاسِدَ) بِأَخْذِ أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ فَامْنَعُوهَا مِمَّا زَادَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَأَبِيحُوا لَهَا سَفَرَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَمَا سَفَرُ الْيَوْمَيْنِ، وَالْيَوْمِ، وَالْبَرِيدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ عِنْدَكُمْ؛ وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ؛ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا هَاهُنَا - فَمَا هَذَا يُنْكَرُ مِنْ إقْدَامِهِمْ، وَأَكْذَبَهُمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ - عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ؛ وَلَا سِيَّمَا وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ.

وَأَكْذَبَهُمْ أَيْضًا مَا رُوِّينَا عَنْ عِكْرِمَةَ آنِفًا مِنْ مَنْعِهِ إيَّاهَا مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا مَا دُونَ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي امْرَأَةٍ لَا تَجِدُ مَعَاشًا أَصْلًا إلَّا عَلَى ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا؛ أَنَّهَا تَخْرُجُ بِلَا زَوْجٍ وَلَا ذِي مَحْرَمٍ. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ حَفَّزَتْهَا فِتْنَةٌ - وَخَشِيَتْ عَلَى، نَفْسِهَا غَلَبَةَ الْكُفَّارِ، وَالْمُحَارِبِينَ، أَوْ الْفُسَّاقِ وَلَمْ تَجِدْ أَمْنًا إلَّا عَلَى ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا - أَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ غَيْرِ زَوْجٍ وَمَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا كَوُجُوبِ خَلَاصِ رُوحِهَا. فَإِنْ قَالُوا: الزَّوْجُ وَالْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ؟ قُلْنَا: عَلَيْكُمْ الدَّلِيلُ وَإِلَّا فَهِيَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ مِثْلِهَا أَحَدٌ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ عِكْرِمَةَ وَاحْتِجَاجِهِ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ سَائِرَ الْأَخْبَارِ وَرَدَتْ بِالْمَنْعِ، مِمَّا دُونَ الثَّلَاثِ؛ فَلَيْسَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ نَهْيُهَا عَنْ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ بِأَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا مَنْعُهَا مِنْ سَفَرِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، أَوْ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ فِي مَنْعِهَا جُمْلَةً أَوْ إطْلَاقِهَا جُمْلَةً؛ فَوَجَدْنَا الْمَانِعِينَ يَحْتَجُّونَ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَهِيَ أَخْبَارٌ صِحَاحٌ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا إلَّا لِنَصٍّ آخَرَ يُبَيِّنُ حُكْمَهَا إنْ وُجِدَ. فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا ابْنُ نُمَيْرٍ نا أُبَيٌّ، وَابْنُ إدْرِيسَ قَالَا: نا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» . وَبِهِ إلَى ابْنِ نُمَيْرٍ نا أُبَيٌّ نا حَنْظَلَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ - قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

الْأَزْوَاجَ وَغَيْرَهُمْ أَنْ لَا يَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْمَسَاجِدِ؛ وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَجَلُّ الْمَسَاجِدِ قَدْرًا. وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] ثُمَّ وَجَدْنَا الْأَسْفَارَ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ سَفَرًا وَاجِبًا، وَسَفَرًا غَيْرَ وَاجِبٍ؛ فَكَانَ السَّفَرُ الْوَاجِبُ بَعْضَ الْأَسْفَارِ بِلَا شَكٍّ، وَكَانَ الْحَجُّ مِنْ السَّفَرِ الْوَاجِبِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ بَعْضِ الْآثَارِ دُونَ بَعْضٍ وَوَجَبَتْ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِهَا وَلَزِمَ اسْتِعْمَالُهَا كُلُّهَا وَلَا بُدَّ: فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ، وَكَانَ مَنْ رَفَضَ بَعْضَهَا وَأَخَذَ بَعْضَهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا سَبِيلَ إلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهَا إلَّا بِأَنْ يُسْتَثْنَى الْأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ الْأَعَمِّ، وَلَا بُدَّ؛ فَكَانَ نَهْيُ الْمَرْأَةِ عَنْ السَّفَرِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ عَامًّا لِكُلِّ سَفَرٍ؛ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِنْ إيجَابِ بَعْضِ الْأَسْفَارِ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ، وَالْحَجُّ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ إيجَابُ الْحَجِّ عَلَى النِّسَاءِ عُمُومٌ فَيُخَصُّ ذَلِكَ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ السَّفَرِ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ إنَّمَا جَاءَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ سَفَرٍ جُمْلَةً لَا عَنْ الْحَجِّ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارِضُوا بِهَذَا (أَنْ) لَوْ جَاءَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ زَوْجٍ، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ؛ فَكَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ اعْتِرَاضًا صَحِيحًا وَتَخْصِيصًا لِأَقَلِّ الْحُكْمَيْنِ مِنْ أَعَمِّهِمَا وَهَذَا بَيِّنٌ جِدًّا؟ وَبُرْهَانٌ آخَرُ -: وَهُوَ أَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا إنَّمَا خُوطِبَ بِهَا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَاَللَّاتِي لَهُنَّ الْمَحَارِمُ؛ لِأَنَّ فِيهَا إبَاحَةَ الْحَجِّ أَوْ إيجَابَهُ مَعَ الزَّوْجِ، أَوْ ذِي الْمَحْرَمِ بِلَا شَكٍّ؛ وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَصْلًا أَنْ يُخَاطِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا ذَا مَحْرَمٍ، فَبَقِيَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا مَحْرَمَ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا وَعَلَى خُرُوجِهَا عَنْ ذَلِكَ النَّهْيِ. وَبُرْهَانٌ آخَرُ -: وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرْ

امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: انْطَلِقْ فَاحْجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ» فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ رَافِعًا لِلْإِشْكَالِ وَمُبَيِّنًا لِمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَقَعَ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ الَّتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً لَا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا مَعَ زَوْجٍ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يَنْطَلِقَ فَيَحُجَّ مَعَهَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّهَا وَلَا عَابَ سَفَرَهَا إلَى الْحَجِّ دُونَهُ وَدُونَ ذِي مَحْرَمٍ، وَفِي أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يَنْطَلِقَ فَيَحُجَّ مَعَهَا بَيَانٌ صَحِيحٌ وَنَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُمْكِنًا إدْرَاكُهَا بِلَا شَكٍّ فَأَقَرَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَفَرَهَا كَمَا خَرَجْتُ فِيهِ، وَأَثْبَتَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ؛ فَصَارَ الْفَرْضُ عَلَى الزَّوْجِ؛ فَإِنْ حَجَّ مَعَهَا فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ صُحْبَتِهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهَا التَّمَادِي فِي حَجِّهَا وَالْخُرُوجُ إلَيْهِ دُونَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ دُونَ ذِي مَحْرَمٍ أَوْ مَعَهُ كَمَا أَقَرَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهَا، فَارْتَفَعَ الشَّغَبُ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَمَّا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ، أَوْ أَبُو مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ نَزَلْتَ؟ قَالَ: عَلَى فُلَانَةَ، قَالَ: أَغْلَقْتَ عَلَيْهَا بَابَكَ - مَرَّتَيْنِ - لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَمَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ فَأَخْبَرَنَاهُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ؟ قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ جُرَيْحٍ لِأَنَّهُ شَكَّ فِيهِ أَحَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا؟ أَمْ حَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مُسْنَدًا؟ فَلَمْ يُثْبِتْهُ أَصْلًا؛ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كَمَا حَدَّثَنَا (بِهِ) أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ - يَقُولُ لَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ؛ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ نَذَرْتُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ؟ قَالَ: فَاخْرُجْ مَعَهَا» فَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا

مسألة أحرمت بغير إذن زوجها

تَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ إلَّا مَعَكَ؛ وَلَا نَهَاهَا عَنْ الْحَجِّ أَصْلًا، بَلْ أَلْزَمَ الزَّوْجَ تَرْكَ نَذْرِهِ فِي الْجِهَادِ وَأَلْزَمَهُ الْحَجَّ مَعَهَا؛ فَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ فَمُرْسَلٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ نا عِيسَى بْنُ خَبِيبٍ قَاضِي أُشُونَةَ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَزَلْتَ عَلَى فُلَانَةَ فَأَغْلَقْتَ عَلَيْهَا بَابَكَ - مَرَّتَيْنِ» . فَهَذَا هُوَ - حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ اخْتَلَطَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ فَلَمْ يَدْرِ أَحَدَّثَهُ بِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَمْ حَدَّثَهُ بِهِ عَمْرٌو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَدْخَلَ فِيهِ ذِكْرَ الْحَجِّ بِالشَّكِّ؛ وَلَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ بِخَبَرٍ مَشْكُوكٍ فِي إسْنَادِهِ أَوْ فِي إرْسَالِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ فَلِأَنَّ طَاعَتَهُ فَرْضٌ عَلَيْهَا فِيمَا لَا مَعْصِيَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَلَيْسَ فِي تَرْكِ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ مَعْصِيَةٌ؟ [مَسْأَلَةٌ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا] 814 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَحْرَمَتْ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مَكَان يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَأَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَإِنْ كَانَ حَجَّ تَطَوُّعٍ - كُلُّ ذَلِكَ - فَلَهُ مَنْعُهُمَا وَإِحْلَالُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ حَجَّ الْفَرْضِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ لَا غِنَى بِهِ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ - لِمَرَضٍ أَوْ لِضَيْعَتِهِ دُونَهُ أَوْ دُونَهَا أَوْ ضَيْعَةِ مَالِهِ - فَلَهُ إحْلَالُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» وَإِنْ كَانَ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُمَا أَصْلًا فَإِنْ مَنَعَهُمَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُحْصَرِ؛ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الِابْنِ وَالِابْنَةِ مَعَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَا فَرْقَ؛ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ مُتَقَدِّمَةٌ لِطَاعَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا أُمِرْتَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» وَتَرْكُ الْحَجِّ مَعْصِيَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَاعَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجِ فِي تَرْكِ الْحَجِّ وَبَيْنَ طَاعَتِهِمْ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي تَرْكِ الزَّكَاةِ أَوْ فِي تَرْكِ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَجُّ فِي تَأْخِيرِهِ فُسْحَةٌ؟

مسألة استطاعة السبيل الذي يجب به الحج

قُلْنَا: إلَى مَتَى؟ أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يُبِيحُوا الْحَجَّ لِلْأَوْلَادِ أَوْ الزَّوْجَةِ أَبَدًا؟ فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانُوا مُتَحَكِّمِينَ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ وَشَارِعِينَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ بِطَاعَتِهِمْ فِي تَرْكِ الْحَجِّ أَبَدًا جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي امْرَأَةٍ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، أَنَّهَا مُحْرِمَةٌ؟ قَالَ الْحَكَمُ: حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ. [مَسْأَلَةٌ اسْتِطَاعَةُ السَّبِيلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَجُّ] 815 - مَسْأَلَةٌ: وَاسْتِطَاعَةُ السَّبِيلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْحَجُّ إمَّا صِحَّةُ الْجِسْمِ وَالطَّاقَةُ عَلَى الْمَشْيِ وَالتَّكَسُّبُ مِنْ عَمَلٍ أَوْ تِجَارَةٍ مَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْحَجِّ وَيَرْجِعُ إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ، وَإِمَّا مَالٌ يُمَكِّنُهُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ - وَالْعَيْشِ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَّةَ وَيَرُدَّهُ - إلَى مَوْضِعِ عَيْشِهِ أَوْ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ الْجِسْمِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجَّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرَ بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ إنْ كَانَ هُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ لَا رَاكِبًا وَلَا رَاجِلًا؛ فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَمْكَنَتْ الْإِنْسَانَ الْمُسْلِمَ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ؟ فَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِهَا فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلَا عُمْرَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: الِاسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِطَاعَةُ قُوَّةُ الْجِسْمِ أَوْ الْقُوَّةُ بِالْمَالِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَرَ وُجُودَ مَنْ يُطِيعُهُ اسْتِطَاعَةً وَلَا أَوْجَبَ بِذَلِكَ حَجًّا. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُقْعَدَ مِنْ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسِعٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى - وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَعَلَى الْأَعْمَى. وَرَأَى الشَّافِعِيُّ: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إنَّمَا هِيَ بِمَالٍ يَحُجُّ بِهِ أَوْ مَنْ يُطِيعُهُ فَيَحُجُّ عَنْهُ فَقَطْ، وَلَمْ يَرَ قُوَّةَ الْجِسْمِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ اسْتِطَاعَةً؛ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: الِاسْتِطَاعَةُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ بِآثَارٍ رُوِّينَاهَا -:

مِنْهَا: عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الْحَجُّ؟ قَالَ: الْأَشْعَثُ التَّفِلُ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا قَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ عَنْ الْحَسَنِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ إلَيْهِ؟ قَالَ: زَادٌ وَرَاحِلَةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ نا هِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ نا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] » . وَقَالُوا: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] عَلِمْنَا أَنَّهَا اسْتِطَاعَةٌ غَيْرُ الْقُوَّةِ

بِالْجِسْمِ؛ إذْ لَوْ كَانَ تَعَالَى أَرَادَ قُوَّةَ الْجِسْمِ لَمَا احْتَاجَ إلَى ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّنَا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ} [النحل: 7] فَصَحَّ أَنَّ الرِّحْلَةَ شِقُّ الْأَنْفُسِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا يُكَلِّفُنَا اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي اسْتِطَاعَةِ السَّبِيلِ إلَى الْحَجِّ: زَادٌ وَرَاحِلَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا: زَادٌ، وَبَعِيرٌ: وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَالَ: زَادٌ، وَرَاحِلَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَالَ: مِلْءُ بَطْنِهِ، وَرَاحِلَةٌ يَرْكَبُهَا - وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَادَّعَوْا فِي هَذَا أَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا أَصْلًا؛ لِأَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ

النَّزَّالِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مَنْ مَلَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْإِمَاءِ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، فِي الْحَجِّ: سَبِيلُهُ مَنْ وَجَدَ لَهُ سِعَةً، وَلَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ - وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَالَ: عَلَى قَدْرِ الْقُوَّةِ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَى الْعُمُومِ لَمَا كَانَ لِذِكْرِهَا مَعْنًى فَكَلَامٌ فَاسِدٌ، وَاعْتِرَاضٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِخْرَاجٌ لِلْقُرْآنِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِلَا بُرْهَانٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَطِيعُهُ بِجِسْمِهِ، وَلَا بِمَالِهِ - إذَا وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ - كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي الِاسْتِطَاعَةِ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الرِّحْلَةَ مِنْ شِقِّ الْأَنْفُسِ وَالْحَرَجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ ذَلِكَ عِبَادَهُ، فَصَحِيحٌ وَلَمْ نَقُلْ نَحْنُ: إنَّ مَنْ كَانَتْ الرِّحْلَةُ تَشُقُّ عَلَيْهِ - وَعَلَيْهِ فِيهَا حَرَجٌ - أَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُهُ: بَلْ الْحَجُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ سَاقِطٌ كَمَا قَالُوا؛ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ وَهُوَ لَوْ كَانَتْ لَهُ فِي دُنْيَاهُ حَاجَةٌ لَاسْتَسْهَلَ الْمَشْيَ إلَيْهَا - فَالْحَجُّ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ؟ وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرُوا -: فَإِنَّ فِي أَحَدِهَا -: إبْرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ؛ وَفِي الثَّانِي: الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ، وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ لَا سِيَّمَا مُرْسَلُ الْحَسَنِ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّهُ كَانَ لَا يُرْسِلُ الْحَدِيثَ إلَّا إذَا حَدَّثَهُ بِهِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَصَاعِدًا؛ ثُمَّ خَالَفُوا هَاهُنَا أَحْسَنَ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ؛ وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَقُولُونَ: إلَّا بِالْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِالسَّاقِطِ، وَالْمُرْسَلِ.

وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَوَاهِيَةٌ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا إمَّا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مُرْسَلَةٌ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَأَحْسَنُهَا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُوَافِقَةُ لِقَوْلِنَا، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ فِي الثَّلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، إلَّا أَنَّ هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ. وَالْحَنَفِيُّونَ يُبْطِلُونَ السُّنَنَ الصِّحَاحَ -: كَنَفْيِ الزَّانِي، وَحَدِيثِ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ، وَحَدِيثِ رَضَاعِ سَالِمٍ، وَغَيْرِهَا؛ لِزَعْمِهِمْ: أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ مُخَالِفَةٌ لَهُ، وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ لَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفَةٌ لَهُ، ثُمَّ خَالَفُوهَا مَعَ ذَلِكَ فِي تَخْصِيصِهِمْ الْمُقْعَدِ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي تَخْصِيصِ الْمُقْعَدِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْأَعْرَجَ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إذَا وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى؛ فَخَالَفُوا مَا فِي الْآيَةِ وَحَكَمُوا بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَجَبَ طَلَبُ الْبُرْهَانِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَكَانَ هَذَا عُمُومًا لِكُلِّ اسْتِطَاعَةٍ بِمَالٍ أَوْ جِسْمٍ هَذَا الَّذِي يُوجِبُهُ لَفْظُ الْآيَةِ ضَرُورَةً، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ مُقْعَدٌ وَلَا أَعْمَى وَلَا أَعْرَجُ إذَا كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ الرُّكُوبَ وَمَعَهُمْ سِعَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ، وَهُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الشَّدِّ وَالتَّحَفُّظِ وَالْجَرْيِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَجٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَى؛ وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا. وَبَقِيَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ جِسْمٍ إلَّا أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِلَا أُجْرَةٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا؛ فَوَجَدْنَا اللُّغَةَ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَبِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا فِي أَنَّهُ يُقَالُ: الْخَلِيفَةُ مُسْتَطِيعٌ لِفَتْحِ بَلَدِ كَذَا، وَلِنَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِ - وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مُثْبَتًا - لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لِذَلِكَ بِأَمْرِهِ وَطَاعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا فِي نَصِّ الْآيَةِ.

وَوَجَدْنَا مِنْ السُّنَنِ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حُجِّي عَنْهُ» . وَرُوِّينَاهُ (أَيْضًا) مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ (*) أَنَّ الْخَثْعَمِيَّةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ «إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . ونا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: «كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ إنْ حَزَمَهَا خَشِيَ أَنْ يَقْتُلَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْزِمْهَا لَمْ تَسْتَمْسِكْ؟ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَحُجَّ عَنْهَا» : نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ نا شُعْبَةُ عَنْ النُّعْمَانِ هُوَ ابْنُ سَالِمٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ

أَوْسٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالظَّعْنَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» . رُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الْفَضْلُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ. وَيَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ التُّسْتَرِيُّ بَصْرِيٌّ - كَانَ يَنْزِلُ بِأَهْلِهِ عِنْدَ مَقْبَرَةِ بَنِي سَهْمٍ مَاتَ سَنَةَ (161 هـ) إحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: بَلْ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ 162 هـ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، وَثَّقَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ،

وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ هُوَ يَزِيدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ قَتَادَةَ، ذَلِكَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَطُّ صَحِيحًا فَإِنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ لَازِمَةٌ لَهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمِعَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ عَنْ أَبِيهَا: «إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَدْرَكَتْهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الثَّبَاتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ» ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى أَبِي رَزِينٍ مِثْلَ ذَلِكَ فِي أَبِيهِ؛ فَصَحَّ أَنَّ الْفَرْضَ بَاقٍ عَلَى هَذَيْنِ إذَا وَجَدَا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ - وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ رَاحِلَةٌ، وَلَا فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَيْضًا؛ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ فَاسِدَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي شَيْخٍ كَبِيرٍ، وَعَجُوزٍ كَبِيرَةٍ، فَمِنْ أَيْنَ تَعَدَّيْتُمْ مَا فِيهَا إلَى كُلِّ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَرَكَةَ بِزَمَانَةٍ، أَوْ مَرَضٍ وَلَمْ يَكُنْ شَيْخًا كَبِيرًا؟ قُلْنَا: لَيْسَ كُلُّ شَيْخٍ كَبِيرٍ تَكُونُ هَذِهِ صِفَتَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَنْ غَلَبَهُ الضَّعْفُ، فَإِنَّمَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ ثَبَاتًا عَلَى الدَّابَّةِ وَلَيْسَ لِلشَّيْخِ هُنَالِكَ مَعْنًى أَصْلًا. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْخِ حَدٌّ مَحْدُودٌ إذَا بَلَغَهُ الْمَرْءُ سُمِّيَ: شَيْخًا، وَلَمْ يُسَمَّ: شَيْخًا، حَتَّى يَبْلُغَهُ؛ وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُتَسَامَحُ فِيهِ وَلَا يُؤْخَذُ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ الْمُفْتَرَاةِ الْمَشْرُوعِ بِهَا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ لِلشَّيْخِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ لَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّهُ الَّذِي بِهِ يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ كَمَا أَثْبَتَ ذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الثَّبَاتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَلَا الْمَشْيَ إلَى الْحَجِّ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْخِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْعَجْزِ عَنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَكَانَ هَذَا اسْتِطَاعَةً لِلسَّبِيلِ مُضَافَةً إلَى الْقُوَّةِ بِالْجِسْمِ وَبِالْمَالِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَتَعَلَّلَ قَوْمٌ فِي هَذِهِ الْآثَارِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ

سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَحُجُّ عَنْ أَبِي؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا» . قَالُوا: فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ لَا فَرْضٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَيِّتًا، وَلَا أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ وَلَا أَنَّهُ كَانَ حَجَّ الْفَرِيضَةِ؛ بَلْ إنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ مُطْلَقٌ عَنْ الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ؛ فَأَجَابَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا مَزِيدَ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَأَمَّا تِلْكَ الْأَحَادِيثُ فَفِيهَا بَيَانٌ أَنَّهَا فِي الْحَجِّ الْفَرْضِ؛ وَأَيْضًا: فَلَيْسَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا» بِمُخْرِجٍ لِذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ إلَى التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَمَلٍ مُفْتَرَضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ إنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْمَرْءِ فَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُكْتَبُ لَهُ بِهِ سَيِّئَةٌ؛ فَبَطَلَ اعْتِرَاضُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] . قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَا سَعَى فِيهِ غَيْرُهُمْ عَنْهُمْ بِهَذِهِ النُّصُوصِ الثَّابِتَةِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . قَالَ عَلِيٌّ: إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لَزِمَ ذَلِكَ، وَكَانَ مَخْصُوصًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ؛ وَقَدْ أَجْمَعُوا مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَمْ تَقْتُلْ وَأَنَّهَا تَغْرَمُ عَنْ الْقَاتِلِ، وَلَمْ يَعْتَرِضُوا عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ هُوَ إجْمَاعًا؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ لَا يَرَى حُكْمَ الْعَاقِلَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الَّذِي أَتَانَا بِهَذَا هُوَ الَّذِي افْتَرَضَ أَنْ يُحَجَّ عَنْ الْعَاجِزِ، وَالْمَيِّتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَهُمْ يُجِيزُونَ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، وَالصَّدَقَةَ عَنْ الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ، وَالْعِتْقَ عَنْهُمَا أَوْصَيَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِيَا، وَلَا يَعْتَرِضُونَ فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا أَوْصَى بِالْحَجِّ كَانَ مِمَّا سَعَى؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَأَوْجِبُوا بِذَلِكَ أَنْ يُصَامَ عَنْهُ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا سَعَى. فَإِنْ قَالُوا: عَمَلُ الْأَبَدَانِ لَا يَعْمَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا؟ بَلْ كُلُّ عَمَلٍ إذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ عَنْ غَيْرِهِ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْمُعَانِدِ فَإِنْ قَالُوا: قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ؟

قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ لَا تَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ الَّذِي يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَقَدْ جَوَّزْتُمْ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ؟ وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ الْحَجُّ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْمَالِ فِي جَبْرِهِ بِالْهَدْيِ، وَالْإِطْعَامِ -: جَازَ أَنْ يَعْمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى وَشَرْعٌ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ؟ ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْمَالِ فِي جَبْرِهِ بِالْعِتْقِ، وَالْإِطْعَامِ وَلَا فَرْقَ، وَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ صَوْمِهِ، فَأَجِيزُوا لِذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُجِيزُونَ أَنْ يُجَاهِدَ الرَّجُلُ عَنْ غَيْرِهِ بِجُعْلٍ، وَيُجِيزُونَ الْكَفَّارَةَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِهَا عَنْهَا، وَهُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا، فَأَجَازُوا كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُجِزْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَنَعُوا مِنْ جَوَازِهِ حَيْثُ افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيمٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَدَوِيِّ النَّجَّارِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِتَحُجِّي عَنْهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْكَرِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ الْأَنْصَارِيِّ: «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَقْوَى عَلَى الْحَجِّ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَلْتَحُجِّي عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الطَّلْحِيُّ عَنْ عَبْدِ

الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَدٌ عَنْ وَالِدٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ تَكَاذِيبُ، أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ: وَالْأَوَّلُ: فِيهِ مَجْهُولَانِ لَا يُدْرَى مَنْ هُمَا؟ وَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيمٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيُّ؟ وَالْآخَرَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ وَكَفَى؛ فَكَيْف وَفِيهِ: الطَّلْحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْكَرِيرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُمْ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَهَذَا خَبَرٌ حَرَّفَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك مِثْلُ أَجْرِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَدَعَوْتَ غُرَمَاءَهُ لِتَقْضِيَهُمْ؟ أَكَانُوا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَحُجَّ عَنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ قَابِلٌ مِنْ أَبِيكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهَا؛ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِهِ، وَأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُ وَلَدِهِ؛ وَهُوَ خِلَافٌ لِمَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ [لَا لَهُمْ] وَتَخْصِيصُهُمْ جَوَازَ الْحَجِّ إذَا أَوْصَى بِهِ لَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُوجِبُهَا قِيَاسٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِيمَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَحُجَّنَّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَفْلَحَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ عَنْهُمَا، وَأَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّكُمْ تُجِيزُونَ

الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمِ وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ وَصَحَّ قَوْلُنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ أُمِّي حَجَّتْ وَلَمْ تَعْتَمِرْ، أَفَأَعْتَمِرُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ؛. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَهَذَا لَا تَخْصِيصَ فِيهِ لِمَيِّتٍ دُونَ حَيٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ، قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لِأَيِّهِمَا الْأَجْرُ أَلِلْحَاجِّ أَمْ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاسِعٌ لَهُمَا جَمِيعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَدَقَ سَعِيدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّ مُحِبَّةَ أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ فَمَشَتْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ عَقَبَةَ الْبَطْنِ عَجَزَتْ فَرَكِبَتْ ثُمَّ أَتَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: أَتَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحُجِّي قَابِلًا؟ فَإِذَا انْتَهَيْت إلَى الْمَكَانِ الَّذِي رَكِبَتْ فِيهِ فَتَمْشِي مَا رَكِبْت؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ لَهَا: فَهَلْ لَك ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْك؟ قَالَتْ: لِي ابْنَتَانِ وَلَكِنَّهُمَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ ذَلِكَ قَالَ: فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ.

مسألة حج عمن لم يطق الركوب والمشي ثم أفاق

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ هِيَ الَّتِي عَوَّلُوا عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي أَمْرِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ، وَتَرَكُوا فِيهِ فِعْلَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَكَانَتْ حُجَّةً هُنَالِكَ إذْ لَمْ تُوَافِقْ النُّصُوصَ، وَلَمْ تَكُنْ حُجَّةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إذْ وَافَقَتْ النُّصُوصَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ: أَنَّهُ يُجَهِّزُ رَجُلًا بِنَفَقَتِهِ فَيَحُجُّ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ الْجِمَارَ، وَطَافَ عَنْهُ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَكَانَ أَبُوهُ مَرِيضًا. وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ عَنْ أَبِيهِ بِأَمْرِ أَبِيهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَنْ حَجَّ عَنْ رَجُلٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ فَعَجَزَ؟ قَالَ: يَمْشِي عَنْهُ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ رَأَى الرَّمْيَ عَنْ الْمَرِيضِ لِلْجِمَارِ. فَهَؤُلَاءِ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٌّ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ: وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا - فَلَمْ يُوجِبْ الْحَجَّ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ، وَلَا عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ -: سَلَفًا أَصْلًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. [مَسْأَلَةٌ حَجَّ عَمَّنْ لَمْ يُطِقْ الرُّكُوبَ وَالْمَشْيَ ثُمَّ أَفَاقَ] 816 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ حَجَّ عَمَّنْ لَمْ يُطِقْ الرُّكُوبَ وَالْمَشْيَ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَفَاقَ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ قَالَا: عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَلَا بُدَّ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بَعْدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ رَاكِبًا وَلَا مَاشِيًا، وَأَخْبَرَ: أَنَّهُ دَيْنُ اللَّهِ يُقْضَى عَنْهُ؛ فَقَدْ تَأَدَّى الدَّيْنُ بِلَا شَكٍّ وَأَجْزَأَ عَنْهُ، وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ مَا

مسألة مات وهو مستطيع للحج

سَقَطَ وَتَأَدَّى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ فَرْضُهُ بِذَلِكَ؛ إلَّا بِنَصٍّ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا أَصْلًا بِعَوْدَتِهِ - وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَائِدًا لَبَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ؛ إذْ قَدْ يَقْوَى الشَّيْخُ فَيُطِيقُ الرُّكُوبَ؛ فَإِذْ لَمْ يُخْبِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ عَوْدَةُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ تَأَدِّيهِ عَنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 817 - مَسْأَلَةٌ: وَسَوَاءٌ مَنْ بَلَغَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ، أَوْ مَنْ بَلَغَ مُطِيقًا ثُمَّ عَجَزَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا عَمَّنْ قَدَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْحَجِّ - وَلَوْ عَامًا وَاحِدًا - ثُمَّ عَجَزَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي قَدَّمْنَا فِيهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى الدَّابَّةِ، فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ بَعْدَ لُزُومِهِ لَهُ قَادِرًا عَلَيْهِ بِجِسْمِهِ؛ فَصَحَّ قَوْلُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلْحَجِّ] 818 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الَّتِي قَدَّمْنَا حُجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَاعْتُمِرَ وَلَا بُدَّ مُقَدَّمًا عَلَى دُيُونِ النَّاسِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ تَطَوُّعًا سَوَاءً أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمَصْرِيُّ نا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - نا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حَمِيدٍ الْبَصْرِيُّ نا مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ الْهُذَلِيُّ: " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَرْتُ «امْرَأَةَ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ الْجُهَنِيِّ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ أَفَيُجْزِئُ عَنْ أُمِّهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ، لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهَا دَيْنٌ فَقَضَتْهُ عَنْهَا أَلَمْ يَكُنْ يُجْزِئُ عَنْهَا؟ فَلْتَحُجَّ عَنْ أُمِّهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَبِيهَا مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ نُبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ فَأَتَى أَخُوهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[بِنَصِّهِ] فِي امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ نَذَرَتْ أُمُّهَا أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ؛ وَفِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَحُجِّي عَنْ أُمِّكِ، اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ عَلَيْكُمْ، فَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . فَهَذِهِ آثَارٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لَا يَسَعُ أَحَدٌ الْخُرُوجَ عَنْهَا -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ فِي تَحْرِيمِ التِّينِ بِالتِّينِ مُتَفَاضِلًا ثُمَّ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ أَقْبَحُ خِلَافٍ فَيَقُولُونَ: لَا يُحَجُّ

عَنْ مَيِّتٍ، وَدَيْنُ اللَّهِ لَا يُقْضَى، وَدُيُونُ النَّاسِ أَحَقُّ مِنْهُ، فَأَيُّ قَوْلٍ أَقْبَحُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَنْ أَهْرَقَ خَمْرَ الْيَهُودِيِّ، أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَمَاتَ قُضِيَ دَيْنُ الْخَمْرِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَلَا يُقْضَى دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ إلَّا أَنْ يُوصَى بِهِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ؟ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ -: رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ أَوْ حَجٌّ فَلْيَقْضِ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَمَا صَنَعْتِ؟ قَالَتْ قَضَيْته عَنْهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاَللَّهُ خَيْرُ غُرَمَائِك، حُجِّي عَنْ أُمِّك ". وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ أُمِّي حَجَّتْ وَمَاتَتْ وَلَمْ تَعْتَمِرْ أَفَأَعْتَمِرُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أَبِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ رَخَّصَ لِرَجُلٍ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَهَلْ هُوَ إلَّا دَيْنٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ - عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّؤَاسِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَخِي فَقُلْتُ: مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ مِنْ وَلَدٍ؟ قُلْت: تَرَكَ صَبِيًّا صَغِيرًا، فَقَالَ: حُجَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَدَ رَسُولًا لَأَرْسَلَ إلَيْك أَنْ عَجِّلْ بِهَا؟ فَقُلْت: أَحُجُّ عَنْهُ مِنْ مَالِي أَوْ مِنْ مَالِهِ: قَالَ: بَلْ مِنْ مَالِهِ. قَالَ: وَسَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ؟ فَقَالَ: حُجَّ عَنْهُ. قَالَ: وَسَأَلْتُ الضَّحَّاكَ فَقَالَ: حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ: نَذَرَتْ امْرَأَةٌ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُقْتَرِنَةً مَعَ ابْنَتِهَا فَمَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ فَسَأَلَ ابْنُهَا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: طُفْ أَنْتَ وَأُخْتُك عَنْ أُمِّك وَلَا تَقْتَرِنَا.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَسْلَمَ الْمُنْقِرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي نَهِيكٍ قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ نُسُكِهَا؟ فَقَالَ: يَقْضِي عَنْهَا وَلِيُّهَا - أَبُو نَهِيكٍ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسَدِيُّ - رُوِيَ عَنْهُ سُفْيَانُ، وَمَنْصُورٌ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ: قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ لَمْ يَحُجَّ الْفَرِيضَةَ: أَنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ، أَوْصَى أَوْ لَمْ يُوصِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَخِلَافَهُمْ لَهُمَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَيُّوبُ عَنْ الْوَصَايَا فِي الْحَجِّ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ الْوَصَايَا فِي الْحَجِّ إنَّمَا الْوَصِيَّةُ فِي الْأَقْرَبِينَ. قُلْنَا: إذَا فَرَّطَ فِي الْحَجِّ أَيُوصِي بِهِ؟ قَالَ: لَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ: لَا يُقْضَى حَجٌّ عَنْ مَيِّتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ: فِيمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، قَالَ: كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يُوصِي أَنْ يُنْحَرَ عَنْهُ بَدَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ: لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ: إنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ، حُجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: إذَا

مسألة الحج لا يجوز شيء من عمله إلا في أوقاته

أَوْصَى بِالْحَجِّ فَمِنْ الثُّلُثِ؛ وَبِهَذَا يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحُمَيْدُ الطَّوِيلُ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ؟ بِهَذَا حُجَّةً إلَّا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ، وَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْضَى دَيْنُ آدَمِيٍّ حَتَّى تَتِمَّ دُيُونُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَلِلْمَالِكِيَّيْنِ، وَالْحَنِيفِيِّينَ فِيمَا يَبْدَأُ بِهِ فِي الْوَصَايَا أَقْوَالٌ لَا يُعْرَفُ لَهَا وَجْهٌ أَصْلًا. [مَسْأَلَةٌ الْحَجُّ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا فِي أَوْقَاتِهِ] 819 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحَجُّ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا فِي أَوْقَاتِهِ الْمَنْصُوصَةِ وَلَا يَحِلُّ الْإِحْرَامُ بِهِ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ السَّنَةِ، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيِهَا لَا تُحَاشِ شَيْئًا -: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: - قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] . الْآيَةَ، فَنَصَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهُ {أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ} [الطلاق: 1] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَيْهِمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ أَيُهِلُّ أَحَدٌ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ قَالَ: لَا. وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ:

رَأَى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَدْرَكُوهُ رَجَمُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ لِأَبِي الْحَكَمِ: أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ؛ لِأَنَّك خَالَفْتَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرَكْتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] . وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ، وَجَعَلَ الْقَرْيَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَهَلَّ وَإِنَّك تُهِلُّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ؟ وَعَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَا: فَإِنَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحِلُّ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ يُحِلُّ وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَأَنَّهُ لَيْسَ حَجًّا، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَقْضِيَ حِجَّهُ. . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: تَصِيرُ عُمْرَةً وَلَا بُدَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ إنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَا نَعْلَمُ فِي هَذَا الْقَوْلِ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ

خِلَافُ الْقُرْآنِ وَخِلَافُ الْقِيَاسِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةِ فَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهَا أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَشْبِيهُ الْخَطَأِ بِالْخَطَأِ بَلْ هُوَ لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَصَحَّ أَنْ عَمَلَ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا أَمْرُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ أَنَّهُ رَدٌّ، وَلَا يَصِيرُ عُمْرَةً وَلَا هُوَ حَجٌّ. وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَحْتَجُّ مِنْ الْحَنِيفِيِّينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مَا، فَإِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرَةً فَهُوَ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُنَاظِرُ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ فَهُوَ لَعَمْرِي لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَصَدَ الْإِيهَامَ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ [تَامٌّ] فَقَدْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ: أَنَّهُ يَحِلُّ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ [جُمْلَةً] . وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ: أَنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَتُجِيزُونَهُ فَأَخْبِرُونَا عَنْكُمْ أَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ وَفِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ؟ فَلِمَ تَكْرَهُونَ الْبِرَّ وَعَمَلًا فِيهِ - أَجْرٌ؟ هَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَمَا فِي الدِّينِ كَرَاهِيَةُ الْبِرِّ وَعَمَلُ الْخَيْرِ، أَمْ هُوَ عَمَلٌ لَيْسَ فِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ وَلَا هُوَ مِنْ الْبِرِّ؟ فَكَيْف أَجَزْتُمُوهُ فِي الدِّينِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذْ هُوَ عَمَلٌ زَائِدٌ لَا أَجْرَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: 8] وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيِّ: كَيْف تُبْطِلُ عَمَلَهُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْحَقَّ، ثُمَّ تُلْزِمُهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عُمْرَةً لَمْ يُرِدْهَا قَطُّ وَلَا قَصَدَهَا وَلَا نَوَاهَا؟ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهَذَا بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ فَبَطَلَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْكُورُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَمَنْ نَوَى صِيَامًا قَبْلَ وَقْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَمَنْ قَدَّمَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ وَقْتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ فَهَلَّا قَاسُوا الْحَجَّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهَلَّا قَاسُوا بَعْضَ عَمَلِ الْحَجِّ عَلَى بَعْضٍ؟ فَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ، وَعَمَلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَالْقِيَاسُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنِيفِيِّينَ قَالُوا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» : حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلَامٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَهَلَّا قَالُوا: هَاهُنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] حَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ هَذَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ جُمْلَةً دُونَ ذِكْرِ سَائِمَةٍ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ جَوَازُ فَرْضِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ الْمَعْلُومَاتِ؟ . فَإِنْ قَالُوا: أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَلِمَ جَعَلْتُمْ قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] حُجَّةً فِي أَنْ لَا يَتَعَدَّى بِأَعْمَالِ الْحَجِّ إلَى غَيْرِهَا؟ قُلْنَا: إنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ دَعْوَاكُمْ فِي دَلِيلِ الْخِطَابِ إذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تُبْطِلُوا بِهِ سُنَّةً أُخْرَى عَامَّةً، وَأَمَّا إذَا وَرَدَ نَصٌّ بِحُكْمٍ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى بِذَلِكَ الْحُكْمِ النَّصَّ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّ الْخِلَافَ قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ فَقَالَ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ عُمْرَةٌ؟ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: اجْعَلُوا الْعُمْرَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَتَمَّ لِحَجِّكُمْ وَلِعُمْرَتِكُمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ

اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: حَلَّتْ الْعُمْرَةُ الدَّهْرَ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: يَوْمَ النَّحْرِ؛ وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْهَا. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهَا: تَمَّتْ الْعُمْرَةُ السَّنَةَ كُلَّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهَا إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعُمْرَةُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْعُمْرَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ إلَّا لِلْحَاجِّ خَاصَّةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ خَاصَّةً. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قُلْنَا. قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ فَأَذِنَ لَهُ فَاعْتَمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَتْ أُخْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَعْدَ مَا قَضَتْ حَجَّهَا أَتَعْتَمِرُ فِي ذِي الْحِجَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: تَعَجَّلْتُ فِي يَوْمَيْنِ أَفَأَعْتَمِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضِ، وَلَا بَعْضُ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - نا سُمَيٌّ هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ تَكْفِيرٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» .

مسألة الحج لا يجوز إلا مرة في السنة

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَحَضَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَحُدَّ لَهَا وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ وَأَمَّا اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ دُونَ سَائِرِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَجُّ لَا يَجُوزُ إلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ] 820 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحَجُّ لَا يَجُوزُ إلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ؛ وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَنُحِبُّ الْإِكْثَارَ مِنْهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَضْلِهَا؛ فَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ عُمْرَتَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: كَرَاهَةُ الْعُمْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ: إذَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَاعْتَمِرْ مَتَى شِئْت. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: اعْتَمِرْ مَتَى أَمْكَنَك الْمُوسَى. وَعَنْ عَطَاءٍ إجَازَةُ الْعُمْرَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الشَّهْرِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَرَّةً فِي رَجَبٍ، وَمَرَّةً فِي شَوَّالٍ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ أَقَامَ مُدَّةً بِمَكَّةَ فَكُلَّمَا جَمَّ رَأْسُهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَبِهِ نَأْخُذُ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْمَرَ عَائِشَةَ

مسألة أشهر الحج

مَرَّتَيْنِ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ» وَلَمْ يَكْرَهْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ بَلْ حَضَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَالْإِكْثَارُ مِنْهَا أَفْضَلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ: بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي عَامٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ مَا حَضَّ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحُجَّ مُذْ هَاجَرَ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَلَا اعْتَمَرَ مُذْ هَاجَرَ إلَّا ثَلَاثَ عُمَرَ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَكْرَهُوا الْحَجَّ إلَّا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَأَنْ تَكْرَهُوا الْعُمْرَةَ إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الدَّهْرِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ؛ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتْرُكُ الْعَمَلَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ أَوْ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَصُومَ الْمَرْءُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ، وَأَنْ يَقُومَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ؛ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْ قَطُّ - شَهْرًا كَامِلًا، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ، وَلَا قَامَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَلَمْ يَرَوْا فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَاهُنَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى صِحَّةِ نَهْيِهِ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الصَّوْمِ وَمِقْدَارِ مَا يُقَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ. وَجَعَلُوا فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةَ مَعَ حَضِّهِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى عُمْرَةٍ مِنْ الْعَامِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. [مَسْأَلَةٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ] 821 - مَسْأَلَةٌ: وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشَرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. رُوِّينَا قَوْلَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الْآخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَصَدْرُ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَلَا يُطْلَقُ عَلَى شَهْرَيْنِ، وَبَعْضٍ آخَرَ: أَشْهُرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ - وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ - يُعْمَلُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَهُوَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ - يُعْمَلُ فِي ذِي الْحِجَّةِ كُلِّهِ بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ؛ فَصَحَّ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

مسألة للحج والعمرة مواقيت

[مَسْأَلَةٌ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَوَاقِيت] مَسْأَلَةٌ: وَلِلْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ مَوَاضِعُ تُسَمَّى: الْمَوَاقِيتَ، وَاحِدُهَا: مِيقَاتٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَلَا بِالْعُمْرَةِ قَبْلَهَا. وَهِيَ لِمَنْ جَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذُو الْحُلَيْفَةِ - وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ - وَهُوَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مِائَتَيْ مِيلٍ - غَيْرَ مِيلَيْنِ. وَلِمَنْ جَاءَ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ، أَوْ مِنْ الشَّامِ، أَوْ مِنْ مِصْرَ عَلَى طَرِيقِ مِصْرَ، أَوْ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ: الْجُحْفَةُ - وَهِيَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشِّمَالِ - مِنْ مَكَّةَ وَمِنْهَا إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ مِيلًا. وَلِمَنْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ مِنْهَا، وَمِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ: ذَاتُ عِرْقٍ - وَهُوَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالشِّمَالِ - مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْهَا إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا. وَلِمَنْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ نَجْدٍ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ كُلِّهَا: قَرْنٌ - وَهُوَ شَرْقِيٌّ مِنْ مَكَّةَ - وَمِنْهُ إلَى مَكَّةَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا. وَلِمَنْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْيَمَنِ مِنْهَا، أَوْ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ: يَلَمْلَمُ - وَهُوَ جَنُوبٌ مِنْ مَكَّةَ - وَمِنْهُ إلَى مَكَّةَ ثَلَاثُونَ مِيلًا. فَكُلُّ مَنْ خَطَرَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ، أَوْ الْعُمْرَةَ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ: فَلَا إحْرَامَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَهُ، وَلَا عُمْرَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ فَيَنْوِيَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ، فَيَصِحَّ حِينَئِذٍ إحْرَامُهُ، وَحَجُّهُ، وَعُمْرَتُهُ. فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ يَمُرُّ عَلَيْهَا: فَلَا إحْرَامَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَهُ، وَلَا عُمْرَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إذَا صَارَ فِي الْمِيقَاتِ تَجْدِيدَ إحْرَامٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِحْرَامُهُ حِينَئِذٍ تَامٌّ، وَحَجُّهُ تَامٌّ، وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، أَوْ مِصْرَ فَمَا خَلْفَهُمَا فَأَخَذَ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ - وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً - فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لِيُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا حَجَّ لَهُ، وَلَا إحْرَامَ لَهُ، وَلَا عُمْرَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَيُجَدِّدَ مِنْهَا إحْرَامًا: فَيَصِحَّ حِينَئِذٍ إحْرَامُهُ، وَحَجُّهُ، وَعُمْرَتُهُ. فَمَنْ مَرَّ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ

يُحْرِمَ، فَإِنْ تَجَاوَزَهُ بِقَلِيلٍ؛ أَوْ بِكَثِيرٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ؛ أَوْ فِي الْعُمْرَةِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَمِيقَاتُهُ حِينَئِذٍ الْمَوْضِعُ الَّذِي بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ: فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ إلَّا مُحْرِمًا - فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ: فَلَا إحْرَامَ لَهُ، وَلَا حَجَّ لَهُ، وَلَا عُمْرَةَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيُجَدِّدَ مِنْهُ إحْرَامًا. فَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً سَوَاءً، أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَا لَهُ أَنْ يَحُجَّ مِنْهُ أَوْ يَعْتَمِرَ كَمَا قَدَّمْنَا. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَرَادَ الْحَجَّ فَمِيقَاتُهُ مَنَازِلُ مَكَّةَ، وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَلْيَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْهُ وَأَدْنَى ذَلِكَ: التَّنْعِيمُ. وَمَنْ كَانَ طَرِيقُهُ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا؛ فَإِنْ أَخْرَجَهُ قَدَرٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ مِنْهَا نِيَّةَ إحْرَامٍ وَلَا بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُمَرُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامُ نَا الْمَعَافِرِيُّ هُوَ ابْنُ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيُّ - نَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ، وَمِصْرَ: الْجُحْفَةَ؛ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ: ذَاتَ عِرْقٍ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هِشَامُ بْنُ بَهْرَامُ ثِقَةٌ، وَالْمُعَافِيُّ ثِقَةٌ، كَانَ سُفْيَانُ يُسَمِّيهِ: الْيَاقُوتَةَ الْحَمْرَاءَ؛ وَبَاقِيهِمْ أَشْهَرُ مِنْ ذَلِكَ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ؛ وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ. وَقَالَ: هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ

كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» . نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ نَا الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ؛ وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ؛ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ؛ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ، فَهُنَّ لِأَهْلِهِنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهِلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ أَتَمُّ مِنْ كُلِّ خَبَرٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَأَصَحُّ وَهِيَ مُنْتَظِمَةٌ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَصْلًا فَصْلًا -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: فَمِنْهُ أَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا أَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ: الْعَقِيقُ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ رَاوِيَهُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ قَالُوا: مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ خَاصَّةً فَلَهُمْ أَنْ يَدَعُوا الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتُهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ؛ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْحَقُّ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» . فَقَدْ صَارَ ذُو الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتًا لِلشَّامِيِّ، وَالْمِصْرِيِّ إذَا أَتَى عَلَيْهِ وَكَانَ إنْ تَجَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ عَاصِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا الْمِيقَاتُ لِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ فَقَطْ. وَلَوْ أَنَّ مَدَنِيًّا يَمُرُّ عَلَى الْجُحْفَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ وَعُرِضَتْ لَهُ مَعَ ذَلِكَ حَاجَةٌ إلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْرَامَ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ -:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ - أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَا جَمِيعًا: مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ بِالْمَدِينَةِ أَهَلَّ مِنْ مُهِلِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ؛ وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَهْلُ مِصْرَ، وَمَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي الْمِيقَاتِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ تَأْخِيرَ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ؛ وَمِنْهُ مَنْ كَانَتْ طَرِيقُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ لَزِمَهُ أَنْ يُحْرِمَ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ - وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ شَكَوْا إلَى عُمَرَ فِي حَجِّهِمْ أَنَّ " قَرْنَ الْمَنَازِلِ " جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِهِمْ؛ فَقَالَ لَهُمْ: اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ؟ فَحَدَّ لَهُمْ " ذَاتَ عِرْقٍ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُسْنَدَ فِي تَوْقِيتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فَإِنَّمَا حَدَّ لَهُمْ عُمَرُ مَا حَدَّ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا " وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ". وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَوْقِيتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلَمْلَمُ؛ فَرِوَايَةُ مَنْ سَمِعَ، وَعَلِمَ: أَتَمُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا؟ وَبُرْهَانٌ آخَرُ -: وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ مُجْمِعُونَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مُحَاذَاةِ مَوْضِعِ الْمِيقَاتِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا إذَا حَاذَى مَوْضِعَ الْمِيقَاتِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَلْزَمُهُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ فَرْضٌ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَمِنْهُ مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَلَمْ يُحْرِمْ وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَة قَالَ: هُوَ مُسِيءٌ وَيَرْجِعُ إلَى مِيقَاتِهِ فَيُلَبِّي مِنْهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ؛ فَإِنْ رَجَعَ إلَى

الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُلَبِّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمِيقَاتِ، وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ تَامَّانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ [الطَّرِيفَ] مِنْ إسْقَاطِهِ الدَّمَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَلْبِيَتِهِ مِنْهُ وَإِثْبَاتِهِ الدَّمَ إنْ لَمْ يَرْجِعْ، أَوْ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُلَبِّ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ يُعْقَلُ؟ وَقَالَ مَالِكٌ؛ وَسُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو يُوسُفَ: إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ مِنْهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا دَمَ وَلَا غَيْرَهُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ؛ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَحَجُّهُ، وَعُمْرَتُهُ: صَحِيحَانِ. وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نَا وَكِيعٌ وَابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ وَكِيعٌ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ؛ وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ حَبِيبٌ، وَجَابِرٌ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَرِدُ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، قَالَ جَابِرٌ: رَأَيْته يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا زَلَّ الرَّجُلُ عَنْ الْوَقْتِ - وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ - فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمِيقَاتِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفُوتَهُ الْحَجُّ تَقَدَّمَ وَأَهْرَاقَ دَمًا. وَعَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا لَمْ يُهِلَّ مِنْ مِيقَاتِهِ أَجْزَأَهُ وَأَرَاقَ دَمًا - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ وَبَرَةَ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ مَكَّةَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ وَقَدْ حَضَرَ الْحَجَّ وَخَافَ إنْ رَجَعَ فَوْتَهُ - فَأَمَرَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ يُهِلَّ مِنْ مَكَانِهِ فَإِذَا قَضَى الْحَجَّ خَرَجَ إلَى الْوَقْتِ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَآهُمْ بِذَاتِ الشُّقُوقِ فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ أَتُجَّارٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَمَا يَحْبِسُهُمْ عَمَّا خَرَجُوا لَهُ؟ فَمَالُوا إلَى أَدْنَى مَاءٍ فَاغْتَسَلُوا وَأَحْرَمُوا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا إلَّا مَا أَوْرَدْنَا. وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِتَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ هَذَا لِمَنْ تَوَقَّعَ شَيْئًا - وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ لَا حَاجًّا وَلَا مُعْتَمِرًا وَخَشِيَ فَوَاتَ الْحَجِّ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ، قَالَ: يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ حَبِيبٌ: وَلَمْ يَذْكُرْ دَمًا. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمِيقَاتِ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَرَّةً: عَلَيْهِ دَمٌ، وَمَرَّةً قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ شَيْءٌ. قَالَ سُفْيَانُ: لَا يُعْجِبُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَا خُصَيْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ جَاوَزَ الْوَقْتَ الَّذِي وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلَنْ يُغْنِي عَنْهُ إنْ أَحْرَمَ شَيْئًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُحْرِمُ مِنْهُ إلَّا إنْسَانٌ أَهْلُهُ مِنْ وَرَاءِ الْوَقْتِ فَيُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا؛ وَأَضْعَفُ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ الْحَاضِرِينَ مِنْ مُخَالِفِينَا وَلَيْسَ بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، الْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] فَفَعَلْنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَقَّتَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوَاقِيتَ وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا يَحِلُّ تَعَدِّيهَا {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَحِّحَ عَمَلًا عُمِلَ عَلَى خِلَافِ أَمْرِ

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَنْ يُشَرِّعَ وُجُوبَ دَمٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَيُبِيحُ مِنْ مَالِهِ الْمُحْرِمُ مَا لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ بِإِبَاحَتِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ وَأَجَازَ الْإِحْرَامَ حُجَّةً أَصْلًا. فَإِنَّ قَالُوا: إنَّ أَشْيَاءَ جَاءَ النَّصُّ فِيهَا بِوُجُوبِ دَمٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ أَوْجَبَ الدَّمَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ صَاحِبُهُ؛ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْهُ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِنَّ قَوْمًا اسْتَحَبُّوهُ، وَقَوْمًا كَرِهُوهُ وَأَلْزَمُوهُ إذَا وَقَعَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ بْنِ مَسْلَمَةَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنِّي رَكِبْت السُّفُنَ، وَالْخَيْلَ، وَالْإِبِلَ فَمِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ، فَقَالَ: ائْتِ عَلِيًّا فَاسْأَلْهُ؟ فَسَأَلَ عَلِيًّا؟ فَقَالَ لَهُ: مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْت أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بِلَادِك، فَرَجَعَ إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هُوَ كَمَا قَالَ لَك عَلِيٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَقَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك. وَبِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: الْعُمْرَةُ تَامَّةٌ مِنْ أَهْلِك. وَمِنْ طَرِيقِ الْحِمَّانِيُّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَحْرَمَ مِنْ المنجشانية بِقُرْبِ الْبَصْرَةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ.

وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ أَحْرَمَ مِنْ السَّيْلَحِينِ. وَعَنْ رَجُلٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ - وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ أَنَسٍ إلَى مَكَّةَ، فَأَحْرَمَ مِنْ الْعَقِيقِ. وَعَنْ مُعَاذٍ: أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الشَّامِ - وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَكَعْبِ الْخَيْرِ: فَأَحْرَمَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ وَأَحْرَمَ مَعَهُمَا - وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَوَّلَ مَا يَحُجُّ الرَّجُلُ أَوْ يَعْتَمِرُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَرْضِهِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ الْكُوفَةِ. وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ ضَرِيَّةَ. وَعَنْ الْأَسْوَدِ، وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنْ الْكُوفَةِ - وَعَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ نَحْوُ هَذَا. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْأَخْنَسِيِّ عَنْ جَدَّته حَكِيمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَقُولُ: «مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيُّهُمَا قَالَ؟

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا هَذَانِ الْأَثَرَانِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِمَا مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي سُفْيَانَ الْأَخْنَسِيَّ، وَجَدَّتَهُ حَكِيمَةَ، وَأُمَّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ مِنْ النَّاسِ؟ وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ مَا صَحَّ بِيَقِينٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَجْهُولَاتِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ قَطُّ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ عَلِيًّا، وَأَبَا مُوسَى: أَحْرَمَا مِنْ الْيَمَنِ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَلَيْهِمَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدَ هَذَا عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ؟ وَأَمَّا عَلِيٌّ، وَأَبُو مُوسَى، فَإِنَّهُمَا قَدِمَا مِنْ الْيَمَنِ مُهِلَّيْنِ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَّمَهُمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَيْفَ يَعْمَلَانِ؟ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ ذِكْرٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَا مِنْهُ، وَلَا فِيهِ دَلِيلٌ وَلَا نَصٌّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ تَوْقِيتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَوَاقِيتَ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ بِهِ أَصْلًا، وَلَا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ قَبْلَ تَوْقِيتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَوَاقِيتَ كَانَ الْإِحْرَامُ جَائِزًا مِنْ كُلِّ مَكَان. وَأَمَّا مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - () فَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ أُذَيْنَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ: نَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ: أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِمَكَّةَ فَقُلْت لَهُ: إنِّي رَكِبْت الْإِبِلَ، وَالْخَيْلَ حَتَّى أَتَيْتُك فَمِنْ أَيْنَ أَعْتَمِرُ؟ قَالَ: ائْتِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَسَلْهُ، فَأَتَيْته فَسَأَلْته، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ: مِنْ حَيْثُ أَبْدَأْت - يَعْنِي مِنْ مِيقَاتِ أَرْضِهِ - قَالَ: فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا أَجِدُ لَك إلَّا مَا قَالَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ يَعْنِي مِنْ مِيقَاتِ أَرْضِهِ، فَعَادَ حُجَّةً لَنَا

عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ مِنْ أَصْلِهِ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: أَحْرَمَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ مِنْ الْبَصْرَةِ فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ: أَرَدْت أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: أَحْرَمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَعُمَرُ لَا يَعِيبُ مُسْتَحَبًّا فِيهِ أَجْرٌ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ نَعَمْ، وَلَا مُبَاحًا؛ وَإِنَّمَا يَعِيبُ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ الْبَصْرَةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَغَضِبَ وَقَالَ: يَتَسَامَعُ النَّاسُ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عُمَرُ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَغْضَبَ مِنْ عَمَلٍ مُبَاحٍ عِنْدَهُ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَحْرَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ حَيْرَبٍ فَقَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَامَهُ فَقَالَ لَهُ: غَرَرْت وَهَانَ عَلَيْك نُسُكُك. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعُثْمَانُ لَا يَعِيبُ عَمَلًا صَالِحًا عِنْدَهُ وَلَا مُبَاحًا وَإِنَّمَا يَعِيبُ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ هَوَانٌ بِالنُّسُكِ وَالْهَوَانُ بِالنُّسُكِ لَا يَحِلُّ، وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْحَجِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ: نَا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: الرَّجُلُ يُحْرِمُ مِنْ سَمَرْقَنْدَ، أَوْ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي وُقِّتَ لَهُ، أَوْ مِنْ الْبَصْرَةِ، أَوْ مِنْ الْكُوفَةِ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ شَقِينَا إذًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إلَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِحْرَامُ مِنْ غَيْرِ الْوَقْتِ مُبَاحًا لَشَقِيَ الْمُحْرِمُونَ مِنْ الْوَقْتِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ مِنْ أَيْنَ أَعْتَمِرُ؟ قَالَ: مِنْ وَجْهِك الَّذِي جِئْت مِنْهُ، يَعْنِي مِيقَاتَ أَرْضِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَصًّا - يَعْنِي مِيقَاتَ أَرْضِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ؛ وَأَمَّا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: أَنَّهُمْ مَرُّوا عَلَى الْمِيقَاتِ؛ وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمِيقَاتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ عَنْهُمْ مَعَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِظُنُونٍ كَاذِبَةٍ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِمْ فِيهَا، وَهِيَ خَارِجَةٌ أَحْسَنَ خُرُوجٍ عَلَى مُوَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي لَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ غَيْرُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ أَتَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْقُبْلَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ مَعَهَا مَنِيٌّ. وَإِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا، فَقَالَ: لَا نَدْرِي لِمَاذَا وَلَعَلَّهُ لِأَمْرٍ مَا، وَلَيْسَ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى ذَلِكَ الرَّضَاعَ مُحَرِّمًا -: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْنَا حَمْلَ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ؛ بَلْ الْمَلَامَةُ كُلُّهَا عَلَى مَنْ أَقْحَمَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْ أَنَّهُمْ جَازُوا عَلَى الْمَوَاقِيتِ؛ بَلْ قَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَاسْتَحَبُّوا تَعْجِيلَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ؛ وَأَمَّا مَالِكٌ فَكَرِهَهُ وَأَلْزَمَهُ إذَا وَقَعَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَكَرِهَهُ؛ وَأَمَّا أَبُو سُلَيْمَانَ فَلَمْ يُجِزْهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ؛ إذْ أَجَازَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُجِزْ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ وَلَا فَرَّقَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنْ حَمَلُوا هَذِهِ الْآثَارَ عَلَى مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ أَعْظَمُوا الْقَوْلَ عَلَى أُصُولِهِمْ إذْ كَرِهُوا مَا اسْتَحَبَّهُ الصَّحَابَةُ؛ وَإِنْ حَمَلُوهَا عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا نَحْنُ

مسألة ما يلبس المحرم من الثياب

عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُجِيزُونَ خِلَافَ مَا حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ] 823 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَلْيَتَجَرَّدْ مِنْ ثِيَابِهِ إنْ كَانَ رَجُلًا، فَلَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا سَرَاوِيلَ، وَلَا عِمَامَةً، وَلَا قَلَنْسُوَةً، وَلَا جُبَّةً، وَلَا بُرْنُسًا، وَلَا خُفَّيْنِ، وَلَا قُفَّازَيْنِ أَلْبَتَّةَ، لَكِنْ يَلْتَحِفُ فِيمَا شَاءَ مِنْ كِسَاءٍ، أَوْ مِلْحَفَةٍ " أَوْ رِدَاءٍ؛ وَيَتَّزِرُ وَيَكْشِفُ رَأْسَهُ وَيَلْبَسُ نَعْلَيْهِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَّزِرَ، وَلَا أَنْ يَلْتَحِفَ فِي ثَوْبٍ صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ، أَوْ عُصْفُرٍ. فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَلْتَلْبَسْ مَا شَاءَتْ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ وَتُغَطِّي رَأْسَهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تَنْتَقِبُ أَصْلًا؛ لَكِنْ إمَّا أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا، وَإِمَّا أَنْ تَسْدُلَ عَلَيْهِ ثَوْبًا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا فَذَلِكَ لَهَا إنْ شَاءَتْ. وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ شَيْئًا صُبِغَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ، وَلَا أَنْ تَلْبَسَ قُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْهَا، وَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْخِفَافَ وَالْمُعَصْفَرَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ كَمَا هِيَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْ خُفَّيْهِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ وَلَا بُدَّ وَيَلْبَسُهُمَا كَذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْت عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ [قَالَ] «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ - لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ - فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ» .

وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ نَا أَبِيٌّ [قَالَ] سَمِعْت قَيْسًا هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا جُبَّ فِيهِ مَوْضِعٌ لِإِخْرَاجِ الرَّأْسِ مِنْهُ: فَهُوَ جُبَّةٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ؛ وَكُلُّ مَا خِيطَ أَوْ نُسِجَ فِي طَرَفَيْهِ لِيَتَمَسَّكَ عَلَى الرَّأْسِ فَهُوَ بُرْنُسٌ كَالْغِفَارَةِ وَنَحْوِهَا -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا أَبُو دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ نَا يَعْقُوبُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - نَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: إنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ، مِنْ الثِّيَابِ وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ - مِنْ مُعَصْفَرٍ، أَوْ خَزٍّ، أَوْ حُلِيٍّ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصٍ، أَوْ خُفٍّ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ الْقُومِسِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ - نَا ابْنُ جُرَيْجٍ نَا عَطَاءٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ مُتَضَمِّخٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا الْجُبَّةُ فَاخْلَعْهَا، وَأَمَّا الطِّيبُ فَاغْسِلْهُ، ثُمَّ أَحْدِثْ إحْرَامًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نُوحٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ؛ فَالْأَخْذُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاجِبٌ، وَيَجِبُ إحْدَاثُ

الْإِحْرَامِ لِمَنْ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ مُتَضَمِّخًا بِصُفْرَةٍ مَعًا - وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ إلَّا مَنْ جَمَعَهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرِّجَالَ عَنْ الْمُعَصْفَرِ جُمْلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ، وَهُوَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْوَرْسِ، أَوْ الزَّعْفَرَانِ، إذَا غُسِلَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ فَقَالَ قَوْمٌ: لِبَاسُهُ جَائِزٌ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ رَوَى بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا أَثَرًا فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ وَلَا نَعْلَمُهُ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِبَاسُهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَسَّهُ الْوَرْسُ، أَوْ الزَّعْفَرَانُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُرْوَةَ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ إذَا غُسِلَ حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهُ - يَعْنِي بِالزَّعْفَرَانِ لِلْمُحْرِمِ - فَنَهَاهُ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ وَمَعِي ثَوْبٌ مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ فَغَسَلْته حَتَّى ذَهَبَ لَوْنُهُ؟ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: أَمَعَك ثَوْبٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَحْرِمْ فِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إبَاحَةَ الْإِحْرَامِ فِيهِ إذَا غُسِلَ - وَلَا يَصِحُّ سَمَاعُ إبْرَاهِيمَ مِنْ عَائِشَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ: إبَاحَةَ الْإِحْرَامِ فِيهِ إذَا غُسِلَ - وَفِي أَسَانِيدِهِمْ مَغْمَزٌ -: وَمِنْهُ: مَنْ وَجَدَ خُفَّيْنِ وَلَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ؟ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يَلْبَسُهُمَا كَمَا هُمَا وَلَا يَقْطَعُهُمَا - وَقَالَ قَوْمٌ يَشُقُّ السَّرَاوِيلَ فَيَتَّزِرُ بِهَا - وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ لَهُ لِبَاسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَطْعُ الْخُفَّيْنِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ كَمَا هِيَ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ؛ وَأَمَّا الْخُفَّانِ فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةُ الْقَطْعِ حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، وَلَا تَرْكُ الزِّيَادَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ " وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ النَّعْلَيْنِ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ: قَالَ: يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَيَقْطَعُهُمَا حَتَّى يَكُونَا مِثْلَ النَّعْلَيْنِ؛ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسُفْيَانَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَبِهِ نَأْخُذُ. وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ إبَاحَةَ لِبَاسِ الْخُفَّيْنِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الرِّجَالِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ، فَإِنْ لَبِسَهَا يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا بُدَّ. وَإِنْ لَبِسَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ لَبِسَهُمَا أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ؛ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ وَافْتَدَى، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ قَطَعَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَبِسَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَشُقُّ السَّرَاوِيلَ وَيَتَّزِرُ بِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ لِبَاسِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، وَبَيْنَ لِبَاسِهِمَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُونَ إنْ لَبِسَهُمَا يَوْمًا غَيْرَ طَرْفَةِ عَيْنٍ، أَوْ غَيْرَ نِصْفِ سَاعَةٍ؟ وَهَكَذَا نَزِيدُهُمْ دَقِيقَةً دَقِيقَةً حَتَّى يَلُوحَ هَذَيَانُهُمْ، وَقَوْلُهُمْ بِالْأَضَالِيلِ فِي الدِّينِ، وَكَذَلِكَ إيجَابُهُ الدَّمَ فِي ذَلِكَ، أَوْ الصَّدَقَةَ، لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى جَاءَتْ بِتَخْيِيرٍ بَيْنَ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ هَاهُنَا الدَّمَ وَلَا بُدَّ؛ أَوْ صَدَقَةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ وَلَا بُدَّ؛ وَلَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا بِالْقِيَاسِ، فَكَمْ هَذَا التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمُهُ بَيْنَ حُكْمِ السَّرَاوِيلِ وَبَيْنَ حُكْمِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ، خَطَأٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا الْمَلَامَةُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ وَخَالَفَهُ لِتَقْلِيدِ رَأْيِ مَالِكٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ بِعَقْلِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَوْجَبَ فِدْيَةً حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمِسْوَرِ، وَلَا نَعْلَمُ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَوْلًا غَيْرَ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ كُلُّهَا آرَاءٌ فَاسِدَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إبَاحَةَ الْقُفَّازَيْنِ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَغَيْرِهِمْ؛ وَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى مَا سِوَاهُ.

مسألة الغسل عند الإحرام

وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً وَلِلْمُحْرِمِ خَاصَّةً أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: إبَاحَتَهُ لِلْمُحْرِمِ، وَلَمْ يُبِحْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لِلْمُحْرِمِ، وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٍّ، وَعَقِيلِ ابْنَيْ أَبِي طَالِبٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمْ، إبَاحَةَ الْمُوَرَّدِ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ، وَهُوَ مُبَاحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ، أَوْ عُصْفُرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ. [مَسْأَلَةٌ الْغُسْل عِنْدَ الْإِحْرَامِ] 824 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَيْسَ فَرْضًا إلَّا عَلَى النُّفَسَاءِ وَحْدَهَا: لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: أَنَّهَا وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْبَيْدَاءِ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ تُهِلُّ» . [مَسْأَلَةٌ التَّطَيُّبُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ] 825 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ أَنْ يَتَطَيَّبَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِأَطْيَبَ مَا يَجِدَانِهِ مِنْ الْغَالِيَةِ وَالْبَخُورِ بِالْعَنْبَرِ، وَغَيْرِهِ؛ ثُمَّ لَا يُزِيلَانِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا - وَكُرِهَ الطِّيبُ لِلْمُحْرِمِ قَوْمٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِيحَ طِيبٍ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ: مِمَّنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مِنِّي طَيَّبَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ: مِنْك لَعَمْرِي أَقْسَمْت عَلَيْك لَتَرْجِعَن إلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، فَلْتَغْسِلْهُ عَنْك كَمَا طَيَّبَتْكَ؛ وَأَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الْحَاجُّ الْأَشْعَثُ، الْأَدْفَرُ، الْأَشْعَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلًا قَدْ تَطَيَّبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِطِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَأَنْ أُصْبِحَ مَطْلِيًّا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَحُ طِيبًا وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَمَالِكٍ،

وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَقَبْلَ إفَاضَتِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَأَبَاحَهُ جُمْهُورُ النَّاسِ كَمَا رُوِّينَا آنِفًا عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُعَاوِيَةَ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ فَقَالَ: مِمَّنْ هَذِهِ الرِّيحُ؟ فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ امْرَأَتَك عَطِرَةٌ إنَّمَا الْحَاجُّ، الْأَدْفَرُ، الْأَغْبَرُ - وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَتَطَيَّبُ بِالْمِسْكِ عِنْدَ إحْرَامِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَصَابَ ثَوْبَهُ مِنْ خَلُوقِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَمْ يَغْسِلْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ: طَيَّبْت أَبِي بِالسُّكِّ، وَالذَّرِيرَةِ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ، أَوْ يَطُوفَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْهَا وَغَيْرِهِ، أَنَّهَا سَأَلَتْ؟ مَا كَانَ ذَلِكَ الطِّيبُ؟ قَالَتْ: الْبَانُ الْجَيِّدُ، وَالذَّرِيرَةُ الْمُمَسَّكَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كُنَّا نُضَمِّخُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ قَبْلَ أَنْ نُحْرِمَ، ثُمَّ نُحْرِمَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَعْرَقُ فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِنَا فَلَا يَنْهَانَا عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي ذَرَّةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُغَلِّفُ رَأْسَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمِسْكِ، وَالْعَنْبَرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أُمِّهِ وَهِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَأَيْت عَائِشَةَ تَنْكُثُ فِي مَفَارِقِهَا الطِّيبَ ثُمَّ تُحْرِمُ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُدَهَّنُ بِالْبَانِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ مُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْنَا أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ يُدَهَّنُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: بِالدُّهْنِ. وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ لَاِتَّخَذَ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَيَّبُ بِالْغَالِيَةِ الْجَدِيدَةِ عِنْدَ إحْرَامِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ؟ فَقَالَ: إنِّي لَأُسَغْسِغُهُ فِي رَأْسِي قَبْلَ أَنْ أُحْرِمَ ثُمَّ أُحِبُّ بَقَاءَهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ. فَهَؤُلَاءِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: عَائِشَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ؛ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأَنَسٌ، وَمُعَاوِيَةُ، وَكَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَعَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ كَانَ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ بِالْغَالِيَةِ الْجَيِّدَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يُدَهَّنُ بِالسَّلِيخَةِ - عِنْدَ الْإِحْرَامِ - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُحَمِّرُ ثِيَابَهُ، وَيُحْرِمُ فِيهَا قَالَ: وَكَانَ يَرَى لِحَانَا تَقْطُرُ مِنْ الْغَالِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْنَا. وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يُحْرِمُ وَوَبِيصُ الطِّيبِ يُرَى فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ لَنَا: تَطَيَّبُوا قَبْلَ أَنْ تُحْرِمُوا وَقَبْلَ أَنْ تُفِيضُوا يَوْمَ النَّحْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدِ الْوَزَّانُ أَنَا عَمْرُو بْنُ أَيُّوبَ نَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ - أَنَّ

سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَامَ حَجَّ جَمَعَ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَسَالِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَسَأَلَهُمْ عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ بِالطِّيبِ - فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَهُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ جَادًّا مُجِدًّا وَكَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ثُمَّ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيُفِيضُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: صَدَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ، هَكَذَا نَصُّ كَلَامِ سَالِمٍ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ تَتَّبِعْ مَا جَاءَ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَاسْتَحَبَّهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَيُّ طِيبٍ كَانَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَبَعْدَهُ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَؤُلَاءِ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ، وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَزُفَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا عُمَرُ فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا إذْ شَمَّ الطِّيبَ مِنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ تُوقَفُ - كَرَاهِيَتُهُ وَإِنْكَارُهُ - وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؟ فَقَالَ: لَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: دَعَوْت رَجُلًا وَأَنَا جَالِسٌ بِجَنْبِ أَبِي فَأَرْسَلْته إلَى عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؟ وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَهَا وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ يَسْمَعَهُ أَبِي فَجَاءَنِي رَسُولِي فَقَالَ: إنَّ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَأَصِبْ مَا بَدَا لَك؟ فَصَمَتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا - بِأَصَحِّ إسْنَادٍ - بَيَانٌ فِي أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ كَرَاهَتِهِ جُمْلَةً وَلَمْ يُنْكِرْ اسْتِحْسَانَهُ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ، وَبِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إلَّا عُثْمَانُ وَحْدَهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ إجَازَةِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ فَخَالَفُوهُ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ قَوْلَهُ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْهُ السُّنَّةُ حُجَّةً، وَلَمْ يَجْعَلْ فِعْلَهُ حَيْثُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِلسُّنَنِ حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ نَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُدَهَّنُ بِالزَّيْتِ، فَذَكَرْته لِإِبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ - فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ نَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نَا أَبُو قَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا أَبُو إسْمَاعِيلَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ - نَا الْحُمَيْدِيُّ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْت الطِّيبَ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالَا جَمِيعًا: نَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ -:

نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ نَا عُثْمَانَ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْت لِعَائِشَةَ: بِأَيِّ شَيْءٍ طَيَّبْتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَتْ: بِأَطْيَبِ الطِّيبِ عِنْدَ حِلِّهِ وَحَرَمِهِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهَا. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهَا؛ رَوَاهُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: عُرْوَةُ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَمْرَةُ، وَمَسْرُوقٌ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ: النَّاسُ الْأَعْلَامُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاعْتَرَضَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْلَالِهِ وَلِإِحْرَامِهِ طِيبًا لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا - تَعْنِي لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ لَفْظَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِهَا بِلَا شَكٍّ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِمَّنْ دُونَهَا، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ؛ وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ - وَهُمْ النُّجُومُ الثَّوَاقِبُ - أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّهَا رَأَتْ الطِّيبَ فِي مَفْرِقِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا ضَعْفَ أَضْعَفُ مِمَّنْ يُكَذِّبُ رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْ بِعَيْنِهَا بِرِوَايَةِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ النَّحَّاسِ بِظَنٍّ ظَنَّهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّهُ؛ اللَّهُمَّ فَلَا أَكْثَرَ فَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خُصُوصٌ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَذَبَ قَائِلُ هَذَا لِأَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَى عَنْهَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَتْ: بِيَدَيَّ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِّينَاهُ قَبْلُ أَنَّهُنَّ كُنَّ يُضَمِّخْنَ جِبَاهَهُنَّ بِالْمِسْكِ ثُمَّ يُحْرِمْنَ ثُمَّ يَعْرَقْنَ فَيَسِيلُ عَلَى وُجُوهِهِنَّ فَيَرَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُهُ» .

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كُلُّ هَذِهِ الظُّنُونِ لَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَطَيَّبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِطِيبٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لِيَكُنْ أَيَّ طِيبٍ شَاءَ، هُوَ طِيبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الطِّيبَ بِكُلِّ حَالٍ، فَكَمْ هَذَا التَّمْوِيهُ بِمَا هُوَ عَلَيْكُمْ؟ وَتُوهِمُونَ أَنَّهُ لَكُمْ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَهُمْ يُعَارِضُونَ الْحَقَّ الْبَيِّنَ بِالظُّنُونِ وَالتَّكَاذِيبِ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهَا " لَا يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا " إنْ صَحَّ عَنْهَا: عَلَى أَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْ طِيبِنَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا لِقَوْلِهَا الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنْهَا آنِفًا " أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَطْيَبِ الطِّيبِ ". وَاعْتَرَضَ فِي ذَلِكَ مَنْ دَقَّقَ مِنْهُمْ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. قَالَ: فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ اغْتَسَلَ فَزَالَ ذَلِكَ الطِّيبُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْهَوَى وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُكَابَرَةِ لِلْحَقِّ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَيُكَذِّبُ ظَنَّ هَذَا الظَّانِّ مَا رَوَاهُ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عَائِشَةَ مِمَّنْ لَا يُعْدَلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ، فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعُوا؟ مِنْ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ إحْرَامِهِ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ - وَمَا رَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنْهُمْ مِنْ أَنَّهَا رَأَتْ الطِّيبَ فِي مَفَارِقِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ ثَالِثَةٍ مِنْ إحْرَامِهِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَحْرَمَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ إثْرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ فَصَحَّ أَنَّ الطِّيبَ الَّذِي رَوَى ابْنُ الْمُنْتَشِرِ هُوَ طِيبٌ آخَرُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلَيْلَةٍ طَافَ فِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ؛ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُتَعَلِّقٌ، وَابْنُ الْمُنْتَشِرِ كُوفِيٌّ، فَيَا عَجَبًا لِلْمَالِكِيِّينَ لَا يَزَالُونَ يُضَعِّفُونَ رِوَايَةَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِذَا وَافَقَتْهُمْ تَرَكُوا لَهَا الْمَشْهُورَ مِنْ رِوَايَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ فَكَيْفَ وَلَيْسَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ؟ وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قِيلَ: مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْأَشْعَثُ التَّفِلُ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، وَهُوَ سَاقِطٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَشْعَثَ تَفِلًا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وَلَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ؛ وَإِنَّمَا أَبَحْنَا لَهُ الطِّيبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَعِنْدَ الْإِحْلَالِ كَغَسْلِ الرَّأْسِ بِالْخِطْمِيِّ حِينَئِذٍ؟ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ أَنَا عِيسَى هُوَ ابْنُ يُونُسَ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَوْبٌ قَدْ أَظَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عُمَرُ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْف تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ نَصًّا. قَالَ عَلِيٌّ: فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عِبْرَةٌ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، أَمَّا الْعَجَبُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْجِعْرَانَةِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ إثْرَ فَتْحِ مَكَّةَ مُتَّصِلَةٌ بِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ؟ لِأَنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَتْ حُنَيْنٌ مُتَّصِلَةً بِهِ، ثُمَّ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ مُنْصَرِفُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ حُنَيْنٍ؛ ثُمَّ حَجَّ تِلْكَ السَّنَةِ عَتَّابُ بْنُ أُسَيْدَ؛ ثُمَّ كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحَجَّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ كَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ؛ وَكَانَ تَطَيُّبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجُهُ، مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ حَدِيثِ هَذَا الرَّجُلِ بِأَزْيَدَ مِنْ عَامَيْنِ؛ فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُعَارِضُ آخِرَ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَوَّلِ فِعْلِهِ هَذَا؟ لَوْ صَحَّ أَنَّ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لَهُمْ - لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَجَلُّ مِنْهُ فَبَيَّنَهُ كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَاجِيَّ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ نَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ سُفْيَانُ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ

بِالْجِعْرَانَةِ أَتَاهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي؟ وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَانِي عُمَرُ فَنَظَرْت إلَيْهِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَا كُنْتَ تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ؟ قَالَ: أَنْزِعُ ثِيَابِي هَذِهِ وَأَغْسِلُ هَذَا عَنِّي؟ قَالَ: فَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مِثْلَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ» . قَالَ عَلِيٌّ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ التَّابِعِينَ صَحِبَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ إنَّمَا كَانَ خَلُوقًا. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ نَا أَبِي قَالَ: سَمِعْت قَيْسًا هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَهُوَ مُصَفِّرٌ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ وَأَنَا كَمَا تَرَى؟ فَقَالَ: انْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ، وَمَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ نَا هَمَّامُ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - نَا عَطَاءٌ هُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ - عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ - عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ خَلُوقٌ أَوْ قَالَ: أَثَرُ الصُّفْرَةِ فَذَكَرَ الْخَبَرَ - وَفِيهِ -: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ، أَوْ قَالَ: أَثَرَ الْخَلُوقِ، وَاخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ» . فَاتَّفَقَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَفْسِهَا عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَضَمِّخًا بِخَلُوقٍ. وَهُوَ الصُّفْرَةُ نَفْسُهَا، وَهُوَ الزَّعْفَرَانُ - بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى الرِّجَالِ عَامَّةً فِي كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ أَيْضًا بِخِلَافِ سَائِرِ الطِّيبِ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نَا الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ

مسألة النية في العمرة

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» . نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا شُعْبَةُ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُول: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ قَالَ: فَقُلْتُ: لِلْمُحْرِمِ؟ قَالَ: نَعَمْ» . فَبَطَلَ تَشْغِيبُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الصُّفْرَةِ لَا عَنْ سَائِرِ الطِّيبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ الطِّيبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَدْنَا الْمُحْرِمَ مَنْهِيًّا عَنْ ابْتِدَاءِ التَّطَيُّبِ، وَعَنْ ابْتِدَاءِ الصَّيْدِ، ثُمَّ وَجَدْنَاهُ لَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَكَذَلِكَ الطِّيبُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ فَاسِدٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مِنْ الْقِيَاسِ بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ قَدْ تَصَيَّدَهُ فِي إحْلَالِهِ أَنْ يُطْلِقَهُ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلْخَطَإِ بِالْخَطَإِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ: إنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ وَفِي قَفَصِهِ فِي مَنْزِلِهِ صَيْدٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إطْلَاقُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إطْلَاقُ الَّذِي فِي الْقَفَصِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَقَاسَهُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، وَسَرَاوِيلُ، وَعِمَامَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُعَارِضُ قِيَاسَهُمْ هَذَا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ؛ فَإِنْ تَزَوَّجَ ثُمَّ أَحْرَمَ يَبْطُلُ نِكَاحُهُ. فَإِنْ قَالُوا: لَا نُوَافِقُ عَلَى هَذَا. قُلْنَا: إنَّمَا خَاطَبَنَا بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: [إنَّ] الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ ذَبْحِ الصَّيْدِ وَأَكْلِهِ، وَلَا تَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ ذَبَحَ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّ مِلْكَهُ وَأَكْلَهُ لَهُ حَلَالٌ. [مَسْأَلَةٌ النِّيَّة فِي الْعُمْرَة] 826 - مَسْأَلَةٌ: ثُمَّ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ، أَوْ يَنْوِيَانِ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إثْرَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ.

مسألة مس الطيب للمحرم

[مَسْأَلَةٌ مس الطَّيِّب لِلْمُحْرِمِ] مَسْأَلَةٌ: ثُمَّ يَجْتَنِبَانِ تَجْدِيدَ قَصْدٍ إلَى الطِّيبِ فَإِنْ مَسَّهُمَا مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّ؛ أَمَّا اجْتِنَابُ الْقَصْدِ إلَى الطِّيبِ فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَأَمَّا إنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَهْيٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَصَابَهُ فَلَمْ يَغْسِلْهُ؛ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ. [مَسْأَلَةٌ تَغْطِيَة الرأس لِلْمُحْرِمِ] 828 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ بِمَا هُوَ مُلْتَحِفٌ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ؛ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْدُلَ الْمَرْأَةُ الثَّوْبَ مِنْ عَلَى رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا. أَمَّا أَمْرُ الْمَرْأَةِ، فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَهَاهَا عَنْ النِّقَابِ؛ وَلَا يُسَمَّى السَّدْلُ نِقَابًا فَإِنْ كَانَ " الْبُرْقُعُ " يُسَمَّى نِقَابًا، لَمْ يَحِلَّ لَهَا لِبَاسُهُ؛ وَأَمَّا اللِّثَامُ فَإِنَّهُ نِقَابٌ بِلَا شَكٍّ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَمُبَاحٌ، وَمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَحَلَالٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً قَدْ سَدَلَتْ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا - وَهِيَ مُحْرِمَةٌ - فَقَالَ لَهَا: اكْشِفِي وَجْهَك فَإِنَّمَا حُرْمَةُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا. وَصَحَّ خِلَافُ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ؟ فَقَالَتْ: لَا تَنْتَقِبُ، وَلَا تَلْثِمُ، وَتَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا - وَعَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا ذَلِكَ، فَكَانَ الْمَرْجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا مَنَعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ. وَأَمَّا الرَّجُلُ: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُرَافِصَةِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ -: نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مِنْ الْغُبَارِ وَيُغَطِّي وَجْهَهُ إذَا نَامَ وَيَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يُخَمِّرَانِ وُجُوهَهُمَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مَا دُونَ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ تَسْدُلُ ثَوْبَهَا مِنْ قِبَلِ قَفَاهَا عَلَى هَامَتِهَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَيْضًا: إبَاحَةُ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كُلِّهِمْ أَفْتَى الْمُحْرِمَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهِ وَبَيَّنَ بَعْضُهُمْ مِنْ الشَّمْسِ، وَالْغُبَارِ، وَالذُّبَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ - وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَلَمْ يَرَ عَلَى الْمُحْرِمِ إنْ غَطَّى وَجْهَهُ شَيْئًا لَا فِدْيَةَ، وَلَا صَدَقَةَ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقَطْ، بَلْ قَدْ رَوَى عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الذَّقَنُ مِنْ الرَّأْسِ فَلَا تُغَطِّهِ، وَقَالَ: إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا، وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الْجُمْهُورِ؛ وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَجُمْهُورَ التَّابِعِينَ؛ فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِابْنِ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا وَقَدْ خَالَفُوهُ، وَرُوِّينَا عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا؛ فَمَرَّةً هُوَ حُجَّةٌ، وَمَرَّةً لَيْسَ هُوَ حُجَّةً، أُفٍّ لِهَذَا عَمَلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا كَانَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ أَحَقُّ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ حَالًا مِنْهَا فِي الْإِحْرَامِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالسُّنَّةُ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْإِحْرَامِ كَشْفُ رَأْسِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَاتَّفَقَا فِي أَنْ لَا يَلْبَسَا قُفَّازَيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا فِي تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ؟ إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ سَخِيفٌ جِدًّا، وَأَيْضًا: فَقَدْ كَذَبُوا وَمَا نُهِيَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا؛ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لَهَا فِي الْإِحْرَامِ - وَإِنْ نُهِيَتْ عَنْ النِّقَابِ فَقَطْ - فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِهِ فِي الَّذِي مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ لَا يُخَمَّرَ رَأْسُهُ، وَلَا وَجْهُهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ -: مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو كُرَيْبٍ نَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ الْحَيَاءَ لَفَضِيلَةٌ، وَكَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مِنْ الْإِيمَانِ، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَوَّلُ عَاصٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ فَلَا يَرَوْنَ فِيمَنْ مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ يُكْشَفَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ؛ بَلْ يُغَطُّونَ كُلَّ ذَلِكَ ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي أَنْ لَا يُغَطِّيَ الْحَيُّ الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ

مسألة التلبية

عِنْدَهُمْ هُوَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمُحْرِمِ الْحَيِّ أَنْ يُخَمِّرَ وَجْهَهُ؛ فَأَيْنَ لَك ذَلِكَ الْأَصْلُ الْخَبِيثُ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ [الثَّابِتَةِ] . قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْحَيَّ الْمُحْرِمَ لَا يَلْزَمُهُ كَشْفُ وَجْهِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَشْفُ رَأْسِهِ فَقَطْ؛ فَإِذَا مَاتَ أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حُكْمًا زَائِدًا وَهُوَ أَنْ لَا يُخَمَّرَ وَجْهُهُ وَلَا رَأْسُهُ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] تَعَالَى، وَالْقِيَاسُ ضَلَالٌ، وَزِيَادَةٌ فِي الدِّينِ شَرْعًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ تَغْطِيَةُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ مَكْرُوهًا أَوْ مُحَرَّمًا، لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ التَّلْبِيَة] 829 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ فَمَا بَعْدَهُ دَائِمًا فِي حَالِ الرُّكُوبِ، وَالْمَشْيِ، وَالنُّزُولِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَرْفَعُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ صَوْتَهُمَا بِهَا وَلَا بُدَّ، وَهُوَ فَرْضٌ - وَلَوْ مَرَّةً - وَهِيَ: لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَك. نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ نَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي دَاوُد - وَهُوَ بَدْرِيٌّ - قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ قَائِمَةٌ فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ أَهَلَّ ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا عَلَا الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ حَيْثُ أَهَلَّ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا أَمْرٌ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ مُلَبِّيًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ، اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ

لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رَوَى غَيْرُهُ الزِّيَادَةَ، وَمَنْ زَادَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَحَسَنٌ، وَمَنْ اخْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ فَحَسَنٌ، كُلُّ ذَلِكَ ذِكْرٌ حَسَنٌ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ ثِقَةٌ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَمْرٌ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافٌ لِلسُّنَّةِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَطَأٌ وَتَخْصِيصٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَسْمَعُونَ كَلَامَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَفُوَيْقَ ذَلِكَ؛ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَاسْتِحْبَابِهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا حُمَيْدٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى أَنِّي لَأَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ بَيْنَ الْجِبَالِ -: وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ أَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَطِيَّةَ نَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَبْلُغُوا الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ أَصْوَاتُهُمْ.

مسألة القصد إلى الحجر الأسود وتقبيله

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَدِمَتْ امْرَأَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مَعَ النَّاسِ وَلَمْ تُهِلَّ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، فَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يُجْزِئُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لَيْلَةَ النَّفَرِ فَسَمِعَ صَوْتَ تَلْبِيَةٍ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيمِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ سَأَلَنِي لَأَخْبَرْته؛ فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَرْفَعُ صَوْتَهَا حَتَّى يَسْمَعَهَا مُعَاوِيَةُ فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَرْفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِالتَّلْبِيَةِ؟ قُلْنَا: رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ هِيَ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّا لَكَانَتْ رِوَايَةُ عَائِشَةَ مُوَافِقَةً لِلنَّصِّ. [مَسْأَلَةٌ الْقَصْد إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيله] 830 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا قَدِمَ الْمُعْتَمِرُ، أَوْ الْمُعْتَمِرَةُ مَكَّةَ فَلْيَدْخُلَا الْمَسْجِدَ وَلَا يَبْدَآ بِشَيْءٍ لَا رَكْعَتَيْنِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَصْدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيُقَبِّلَانِهِ، ثُمَّ يَلْقَيَانِ الْبَيْتَ عَلَى الْيَسَارِ وَلَا بُدَّ، ثُمَّ يَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى أَنْ يَرْجِعَا إلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، مِنْهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ خَبَبًا وَهُوَ مَشْيٌ فِيهِ سُرْعَةٌ، وَالْأَرْبَعُ طَوَّافَاتِ الْبَوَاقِي مَشْيًا، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَخُبَّ فِي الثَّلَاثِ الطَّوَّافَاتِ، وَهِيَ الْأَشْوَاطُ مِنْ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مَارًّا عَلَى الْحَجَرِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، ثُمَّ يَمْشِي رِفْقًا مِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الْأَسْوَدِ فِي كُلِّ شَوْطٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَكُلَّمَا مَرَّا عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبَّلَاهُ، وَكَذَلِكَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ أَيْضًا فَقَطْ، فَإِذَا تَمَّ الطَّوَافُ الْمَذْكُورُ أَتَيَا إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصَلَّيَا هُنَالِكَ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَتَا فَرْضًا. ثُمَّ خَرَجَا وَلَا بُدَّ إلَى الصَّفَا فَصَعِدَا عَلَيْهِ، ثُمَّ هَبَطَا فَإِذَا صَارَا فِي بَطْنِ الْوَادِي أَسْرَعَ الرَّجُلُ الْمَشْيَ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْحَدِرَ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الصَّفَا ثُمَّ يَرْجِعَ كَذَلِكَ إلَى الْمَرْوَةِ هَكَذَا حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ: مِنْهَا ثَلَاثٌ خَبَبًا وَأَرْبَعٌ مَشْيًا، وَلَيْسَ الْخَبَبُ بَيْنَهُمَا فَرْضًا. ثُمَّ يَحْلِقُ الرَّجُلُ رَأْسَهُ، أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهِ - وَلَا تَحْلِقُ الْمَرْأَةُ لَكِنْ تُقَصِّرُ مِنْ

شَعْرِهَا، وَقَدْ تَمَّتْ الْعُمْرَةُ وَحَلَّ لَهُمَا كُلُّ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِمَا بِالْإِحْرَامِ مِنْ لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا خِلَافَ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَشْيَاءَ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ: وُجُوبُ الْخَبَبِ فِي الطَّوَافِ، وَجَوَازُ تَنْكِيسِ الطَّوَافِ بِأَنْ يَلْقَى الْبَيْتَ عَلَى الْيَمِينِ، وَوُجُوبُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ -: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا فَأَطْلَعَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ» فَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ -: وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قُدَامَةَ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ الثَّلَاثَ وَيَمْشِي الْأَرْبَعَ وَيَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ - فَهَذَا بَيَانُ الرَّمَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَشْوَاطِ الْأُوَلِ، وَأَنَّ الرَّمَلَ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْأَشْوَاطِ جَائِزٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الرَّمَلِ: لَيْسَ سُنَّةً، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ؟ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَسْأَلُكُمْ مَا قَوْلُكُمْ، وَقَوْلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ لَوْ أَنَّهُمْ إذْ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَرْمُلُوا؟ يَقُولُونَ لَهُ: لَا نَفْعَلُ - وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ - أَعُصَاةً كَانُوا يَكُونُونَ أَمْ مُطِيعِينَ؟ وَأَمَّا وُجُوبُهُ -: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمَكْحُولٍ، لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَمَلٌ مِنْ طُرُقٍ لَوْ شِئْنَا لَتَكَلَّمَنَا فِي أَكْثَرِهَا لِضَعْفِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، لَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ شَيْءٌ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ حَبِيبٍ هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ - عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْمُجَاوِرِ إذَا أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ هَلْ يَسْعَى الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ؟ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْعَوْنَ قَالَ: فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عُمَرَ فَاعْتَمَرَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكُنْت جَالِسًا عِنْدَ زَمْزَمَ فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ نَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ أَرْمِلْ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ؟ فَرَمَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السَّبْعَ كُلَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ قَالَا: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ، وَلَا عَلَى مَنْ أَهَلَّ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَجِيءَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ خَارِجٍ. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الرَّمَلِ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِيجَابِهِ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ سَاكِنٌ بِمَكَّةَ، وَأَقَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا تَرَكُوا فِيهِ الْجُمْهُورَ وَمَا انْفَرَدُوا بِهِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ لَكِنْ بِرَأْيٍ؛ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُهُ إذَا اُتُّبِعَتْ السُّنَّةُ فِي خِلَافِهِ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ فَسُنَّةٌ وَلَيْسَ فَرْضًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمْرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَقَدْ طَافَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَاكِبًا يُشِيرُ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ إلَى الرُّكْنِ. وَأَمَّا تَنْكِيسُ الطَّوَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ، وَتَنْكِيسَ الْأَذَانِ، وَتَنْكِيسَ الْإِقَامَةِ، وَتَنْكِيسَ الطَّوَافِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَبَبِ فِي الْأَشْوَاطِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ عَلَّمَهُمْ مِنْ أَيْنَ يَبْتَدِئُونَ؟ وَكَيْفَ يَمْشُونَ فَصَارَ ذَلِكَ أَمْرًا، وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرْضٌ، وَلَا أَعْجَبُ مِمَّنْ لَا يَرَى الْعُمْرَةَ، أَوْ الْحَجَّ يَبْطُلَانِ بِمُخَالَفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرَاهُمَا يَبْطُلَانِ بِمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ أَمْرٌ بِذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَعَمُّدِ الْإِمْنَاءِ فِي مُبَاشَرَةِ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّ أَنَسًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ فَرْضًا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: " فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا إدْخَالٌ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقْرَأُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: هُمَا تَطَوُّعٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] . وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إيجَابَ فَرْضِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إنَّمَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ كَانُوا لَا يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا؛ فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي فَرْضِ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ «قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي: أَحَجَجْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ قُلْتُ: لَبَّيْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَقَدْ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ» . قَالَ عَلِيٌّ: بِهَذَا صَارَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَرْضًا. وَأَمَّا الرَّمَلُ بَيْنَهُمَا -: فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ

مسألة الصيد والوطء للمحرم

أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلَانَ الْمَرْوَزِيِّ نَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ نَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ: إنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي، وَإِنْ أَسْعَ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ " اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ " فَإِنَّمَا رَوَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ تُسَمَّ؛ وَقَدْ قِيلَ: هِيَ بِنْتُ أَبِي تَجْرَاةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخَبَبِ الْمَذْكُورِ مَشَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] [مَسْأَلَةٌ الصَّيْد والوطء لِلْمُحْرِمِ] 831 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِالْحَجِّ تَصَيُّدُ شَيْءٍ مِمَّا يُصَادُ لِيُؤْكَلَ، وَلَا وَطْءٌ كَانَ لَهُ حَلَالًا قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَلَا لِبَاسُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لِبَاسِ الْمُحْرِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَهَذَا أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ. [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ] 832 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ - وَهُوَ بِمَكَّةَ - إمَّا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْإِحْرَامِ بِهَا إلَى الْحِلِّ وَلَا بُدَّ فَيَخْرُجَ إلَى أَيِّ الْحِلِّ شَاءَ، وَيُهِلُّ بِهَا «فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ» «وَاعْتَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْجِعْرَانَةِ» فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نَا الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ نَا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ نَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَانْتَظَرَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ» . 833 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ، أَوْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَالْهَدْيُ إمَّا مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الْغَنَمِ، فَإِنْ كَانَ لَا هَدْيَ مَعَهُ - وَهَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ - فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَا بُدَّ لَا

يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ؛ أَوْ بِقِرَانِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ إهْلَالَهُ ذَلِكَ بِعُمْرَةٍ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّهَا، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ ثُمَّ إذَا أَحَلَّ مِنْهَا ابْتَدَأَ الْإِهْلَالَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا مِنْ مَكَّةَ وَهَذَا يُسَمَّى: مُتَمَتِّعًا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ فَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يُشْعِرَ هَدْيَهُ إنْ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِحَدِيدَةٍ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يُدْمِيَهُ ثُمَّ يُقَلِّدَهُ، وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ نَعْلًا فِي حَبْلٍ وَيُعَلِّقُهَا فِي عُنُقِ الْهَدْيِ وَإِنْ جَلَّلَهُ بِجَلٍّ فَحَسَنٌ، فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ مِنْ الْغَنَمِ فَلَا إشْعَارَ فِيهِ لَكِنْ يُقَلِّدُهُ رُقْعَةَ جِلْدٍ فِي عُنُقِهِ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَقَرِ فَلَا إشْعَارَ فِيهِ وَلَا تَقْلِيدَ كَانَتْ لَهُ أَسْنِمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ. ثُمَّ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ مَعًا، لَا يُجْزِئُهُ إلَّا ذَلِكَ وَلَا بُدَّ؛ وَإِنْ قَالَ: لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ؛ أَوْ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، أَوْ حَجَّةً وَعُمْرَةً؛ أَوْ نَوَى كُلَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ وَهَذَا يُسَمَّى: الْقِرَانَ. وَمَنْ سَاقَ مِنْ الْمُعْتَمِرِينَ الْهَدْيَ فَعَلَ فِيهِ مِنْ الْإِشْعَارِ، وَالتَّقْلِيدِ مَا ذَكَرْنَا؛ وَنُحِبُّ لَهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَشْتَرِطَ فَيَقُولَ عِنْدَ إهْلَالِهِ: اللَّهُمَّ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ أَمْرٌ مَا يَعُوقُهُ عَنْ تَمَامِ مَا خَرَجَ لَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَحَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لَا هَدْيَ وَلَا قَضَاءَ إلَّا إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَا اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ. بُرْهَانُ مَا ذَكَرْنَا -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا أَوَّلُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ الْإِهْلَالَ بِلَا شَكٍّ، إذْ هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا ابْنُ نُمَيْرٍ نَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - نَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ قَالَ: (قَدِمْت مَكَّة مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ النَّاسُ: تَصِيرُ حَجَّتُك الْآنَ مَكِّيَّةً) فَدَخَلْت عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلَالًا حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ نَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «حَتَّى إذَا كَانَ آخِرَ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ» . نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نَا الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ - الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى الصُّبْحِ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ» . نَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ نَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ عَنْ

الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ وَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ بُرْهَانُ كُلِّ مَا قُلْنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ -: فَفِي الْأَوَّلِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ وَلَا هَدْيَ مَعَهُ بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَا بُدَّ، ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ قَارِنًا وَلَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَلَا بُدَّ؛ ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ أَيْضًا مُتَمَتِّعًا. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ عُمُومًا بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ آخِرُ أَمْرِهِ عَلَى الصَّفَا بِمَكَّةَ؛ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ بِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ مَعَهُ، وَتَأَسَّفَ إذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ، وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ (هُوَ) بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَقَدْ أَمِنَّا أَنْ يُنْسَخَ أَبَدًا؛ وَمَنْ أَجَازَ نَسْخَ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَدْ أَجَازَ الْكَذِبَ عَلَى خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا تَعَمُّدُهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ؛ وَفِيهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ - وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُمْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لَهُ يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ مَقْرُونَةٍ مَعَهُ وَلَا مَزِيدَ. وَفِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَقْرُنَ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ -: وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَغَيْرُهُ -: نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنِي يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّهُ

حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا طَافَ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ إنْ كَانَ حَاجًّا إلَّا حَلَّ بِعُمْرَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَلَا طَافَ وَمَعَهُ هَدْيٌ إلَّا اجْتَمَعَتْ لَهُ: حَجَّةٌ، وَعُمْرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ وَلَا غَيْرُ حَاجٍّ إلَّا حَلَّ. فَقُلْت لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] . قُلْت: فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ - وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَاَللَّهِ مَا تَمَّتْ حَجَّةُ رَجُلٍ قَطُّ إلَّا بِمُتْعَةٍ إلَّا رَجُلٌ اعْتَمَرَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ، فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي» فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِمَارَةِ عُمَرَ؛ فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَأَتَمُّوا بِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا (هَذَا) الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ قَالَ: إنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَبُو مُوسَى قَدْ أَفْتَى بِمَا قُلْنَا مُدَّةَ إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ

عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَيْسَ تَوَقُّفُهُ لِمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَوَقَّفَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَسْبُنَا قَوْلُهُ لِعُمَرَ مَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عُمَرُ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَلَا إتْمَامَ لَهُمَا إلَّا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ وَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَأُمِرَ بِبَيَانِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ابْنَتَهُ حَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَ فِعْلِهِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ «حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَلِيٌّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الْأَشْعَرِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نَا حَجَّاجٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ - نَا يُونُسُ يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْبَرَاءِ هُوَ ابْنُ عَازِبٍ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ، لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، وَلَكِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ» . فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ رَأْيٍ رَآهُ عُمَرُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ رُجُوعُهُ عَنْهُ؛ وَقَدْ خَالَفُوهُ فِيهِ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَسُقْ هَدْيَهُ مَعَهُ -: نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - قَالَ: حَجَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَحَجَجْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَإِنِّي قَدِمْت مُهِلًّا بِالْحَجِّ؟ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً وَأَحِلَّ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَى الْحَسَنِ وَشَاعَ قَوْلُهُ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: صَدَقَ الشَّيْخُ، وَلَكِنَّا نَفْرُقُ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ إنْكَارُ أَهْلِ الْجَهْلِ حُجَّةً عَلَى سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ طَرِيقِ

عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ أَهَلَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ لَهُ مُتْعَةٌ بِالْحَجِّ خَالِصًا أَوْ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَهِيَ مُتْعَةُ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ؟» فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُفْرِدُ الْحَجَّ وَيَذْبَحُ فَقَدْ دَخَلَتْ لَهُ عُمْرَةٌ فِي الْحَجِّ فَوَجَبَتَا لَهُ جَمِيعًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: مَنْ جَاءَ حَاجًّا فَأَهْدَى هَدْيًا فَلَهُ عُمْرَةٌ مَعَ حَجَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ نَا خُصَيْفٌ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ خُصَيْفٌ: وَكُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ فَأَتَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُلَيْمٍ وَقَدْ خَرَجَ حَاجًّا فَسَأَلَ مُجَاهِدًا؟ فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ مَا حَجَجْت فَلَا تُشَايِعُنِي نَفْسِي فَأَيُّ ذَلِكَ تَرَى أَتَمَّ؟ أَنْ أَمْكُثَ كَمَا أَنَا أَوْ أَجْعَلَهَا عُمْرَةً؟ قَالَ خُصَيْفٌ: فَقُلْت لَهُ: أَظُنُّ هَذَا أَتَمَّ لِحَجِّك أَنْ تَمْكُثَ كَمَا أَنْتَ؟ فَرَفَعَ مُجَاهِدٌ تَبِنَةً مِنْ الْأَرْضِ وَقَالَ: مَا هُوَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِبَاحَةِ فَسْخِ الْحَجِّ لَا بِإِيجَابِهِ - وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ عَلِيٌّ: رَوَى أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا هَدْيَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلَّ بِأَوْكَدِ أَمْرٍ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ (كَذَلِكَ) ، وَفَاطِمَةُ بِنْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَلِيٌّ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَسَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ؛ وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْ هَذَا. وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ كُلَّ هَذَا بِاعْتِرَاضَاتٍ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ؛ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ

فَحَلَّ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ» . وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ، وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَحَلَّ» فَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ: قَالَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْته أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ (بِالْبَيْتِ) ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ حَجَجْت مَعَ الزُّبَيْرِ أَبِي فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى (مَا) كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَا يَحِلُّونَ، وَقَدْ رَأَيْت أُمِّي، وَخَالَتِي تَقْدُمَانِ لَا تَبْدَآنِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لَا تَحِلَّانِ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقْبَلَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ قَطُّ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا، وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ ". وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرْت أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، أَوْ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَلَمْ يَحْلِلْ حَتَّى قَضَى مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ حَجًّا ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدِيثُ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْهَا مُنْكَرَانِ، وَخَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ السَّقَطِيُّ نَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُتَّلِيُّ نَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ السُّدَّانِيُّ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَثْرَمُ نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَقَالَ أَحْمَدُ: إيشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَبِ؟ هَذَا خَطَأٌ، قَالَ الْأَثْرَمُ: فَقُلْت لَهُ: الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِخِلَافِهِ؟ قَالَ أَحْمَدُ: نَعَمْ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلِأَبِي الْأَسْوَدِ الْمَذْكُورِ حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذَا الْبَابِ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِ، وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا، وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْت أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ؛ فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَعْتَمِرْ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ الْحَجِّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ - وَهِيَ حَائِضٌ - حَاضَتْ بِسَرَفٍ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ إلَّا بَعْدَ أَنْ طَهُرَتْ يَوْمَ النَّحْرِ هَذَا أَمْرٌ فِي شُهْرَةِ الشَّمْسِ؛ وَلِذَلِكَ رَغِبَتْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْمُرَهَا بَعْدَ الْحَجِّ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ: عُرْوَةُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَبَلِيَّةٌ أُخْرَى فِي هَذَا الْخَبَرِ وَهِيَ قَوْلُهُ فِيهِ: ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، كُلَّهُمْ رَوَوْا: أَنَّ الْإِحْلَالَ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ إهْلَالَهُمْ بِالْحَجِّ كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ - وَهُوَ يَوْمُ مِنًى - وَبَيْنَ يَوْمِ إحْلَالِهِمْ يَوْمَ إهْلَالِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كُتُبِنَا وَذَكَرَهَا النَّاسُ وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ فِي الْمُسْنَدِ؛ فَظَهَرَ عَوَارُ رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا هَدْيَ لَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ» وَأَنَّهُمْ فَسَخُوهُ، وَلَا يُعْدَلُ أَبُو الْأَسْوَدِ بِالزُّهْرِيِّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صِفَةِ حَجَّةِ

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - وَيُقَصِّرُ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» ؛ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: إنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ (عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مَنْ لَا يُذْكَرُ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُمْ: الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ؛ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَذَكْوَانُ مَوْلَاهَا وَكَانَ يَؤُمُّهَا، وَعَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَخَصُّ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ وَأَضْبَطُ وَأَوْثَقُ مِنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْلَانِيُّ نَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ الْعَقَدِيُّ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَفِيهِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: اجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَأَحَلَّ النَّاسُ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا» . وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ الثَّلَاثَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّمَا هِيَ مَوْقُوفَةٌ لَا مُسْنَدَةٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مَوْقُوفٍ فَكَيْفَ إذَا رَوَى بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافَ ذَلِكَ؟ وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِحَدِيثَيْ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: إنَّ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِحَجٍّ، أَوْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ إنَّمَا كَانُوا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ أَضَافَ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ كَمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ

الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَخْرُجُ حِينَئِذٍ هَذِهِ الْأَخْبَارُ سَالِمَةً لِأَنَّ مَا رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا فِيهِ زِيَادَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو الْأَسْوَدِ، وَلَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ كَانَ مَا رَوَيَا مُسْنَدًا فَكَيْفَ وَلَيْسَ مُسْنَدًا؟ وَنَحْمِلُ حَدِيثَ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فِي حَجِّ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُوقُونَ الْهَدْيَ فَتَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِنَهْيِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَهْيُهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حُجَّةً فَقَدْ صَحَّ عَنْهُمَا النَّهْيُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا فِي ذَلِكَ -: نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ - وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ، وَخَالِدٌ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أُنْهِي عَنْهُمَا وَأَضْرِبُ عَلَيْهِمَا؛ هَذَا لَفْظُ أَيُّوبَ؛ وَفِي رِوَايَةِ خَالِدٍ: أَنَا أُنْهِي عَنْهُمَا، وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا: مُتْعَةُ النِّسَاء، وَمُتْعَةُ الْحَجِّ. وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عُثْمَانَ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَبِيهٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَمِعَ رَجُلًا يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْمُهِلِّ؛ فَضَرَبَهُ وَحَلَقَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا وَيُجِيزُونَ الْمُتْعَةَ حَتَّى أَنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ نَهْيَ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ حُجَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ نَهْيَهُمَا عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَضَرْبَهُمَا عَلَيْهَا حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَبَاحَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُ؟ قُلْنَا: وَقَدْ أَوْجَبَ فَسْخَ الْحَجِّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَلَا فَرْقَ -: وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ نَا

الْفِرْيَابِيُّ نَا أَبَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَلَّ لَنَا الْمُتْعَةَ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُثْمَانَ: كَانَتْ مُتْعَةُ الْحَجِّ لَنَا لَيْسَتْ لَكُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إبَاحَةِ مُتْعَةِ الْحَجِّ - وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْحَجِّ؛ وَهَؤُلَاءِ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَ مَحْمُولًا عِنْدَهُمْ عَلَى مُتْعَةِ الْحَجِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ اعْتَمَرْت فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ حَجَجْت لَجَعَلْت مَعَ حَجَّتِي عُمْرَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِهِ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُرَقَّعِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فَسْخُ الْحَجِّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا خَاصَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ سُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً إنَّمَا كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ إنَّ مُتْعَةَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ فَلَيْسَ قَوْلُهُ: إنَّ فَسْخَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ؛ لَا سِيَّمَا وَذَلِكَ الْإِسْنَادُ عَنْهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ؛ وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ عَنْهُ وَاهِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ الْمُرَقَّعِ، وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ، وَهُمَا مَجْهُولَانِ. وَعَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو مُوسَى؟ فَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ خَاصَّةً.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لُزُومِ الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ، الطَّاعَةُ لَهَا وَالْعَمَلُ بِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ؟ قُلْنَا: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا مَتَى وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقُولُ فِي آيَةٍ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَنْ يُقَالَ بِقَوْلِهِ؛ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ قَوْلَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ: إنَّهَا خَاصَّةٌ، وَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ «عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟ قَالَ: لَكُمْ خَاصَّةً» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ مَجْهُولٌ وَلَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ هَذَا الْخَبَرَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ؛ وَقَدْ صَحَّ خِلَافُهُ بِيَقِينٍ؛ كَمَا أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَا جَمِيعًا: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ لَا يَخْلِطُهُ شَيْءٌ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً، وَأَنْ نَحِلَّ إلَى نِسَائِنَا فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهِ لَأَنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ؟ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَكَذَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَابِرٍ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ وَأُمِنَ [مِنْ] ذَلِكَ أَبَدًا، وَوَاللَّهِ إنَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ ثُمَّ عَارَضَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَلَامِ أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّهُ كَلَامُ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبَوَيْهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَهَالِكٌ؛ فَكَيْفَ بِأُكْذُوبَاتٍ كَنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ الَّذِي هُوَ أَوْهَنُ الْبُيُوتِ؟ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ، وَالْمُرَقَّعِ، وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ الَّذِينَ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ فِي الْخَلْقِ، وَمُوسَى الرَّبَذِيِّ، وَكَفَاك وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ

أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَوَازَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ دُونَ مَا بَيَّنَهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ إنْكَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لَهُمْ خَاصَّةً أَوْ لِعَامِهِمْ دُونَ ذَلِكَ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَارًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَبَرَ الثَّابِتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ فَقَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ " فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إنَّمَا أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَوْلًا وَعَمَلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ لِيُعَلِّمَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَبِحَقِّ أَمْرٍ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: بِبَاطِلٍ كَفَرُوا، وَإِنْ قَالُوا: بِحَقٍّ؟ قُلْنَا: فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ لِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ قَدْ صَارَ حَقًّا وَاجِبًا، ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا الْهَوَسُ الَّذِي قَالُوهُ فَلِأَيِّ مَعْنًى كَانَ يَخُصُّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ دُونَ مَنْ سَاقَ؟ وَأَطَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ بِهِمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ قَبْلَ الْفَتْحِ، ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ؛ فَفَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ، فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَبَلَغَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ الْبَلَادَةِ، وَالْبَلَهِ، وَالْجَهْلِ أَنْ لَا يَعْرِفُوا مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ وَقَدْ عَمِلُوهَا مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامًا بَعْدَ عَامٍ بَعْدَ عَامٍ [فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ] حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُمْ فِي عُمْرَةٍ لِيَعْلَمُوا جَوَازَ ذَلِكَ، تَاللَّهِ إنَّ الْحَمِيرَ لِتُمَيِّزَ الطَّرِيقَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا؛ فَكَمْ هَذَا الْإِقْدَامُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى مُدَافَعَةِ السُّنَنِ

الثَّابِتَةِ فِي نَصْرِ التَّقْلِيدِ؟ مَرَّةً بِالْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ، وَمَرَّةً بِالْحَمَاقَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَمَرَّةً بِالْغَثَاثَةِ وَالْبَرْدِ - حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّلَامَةِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ الْإِفْرَادِ بِالْحَجِّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مُسْلِمٍ فَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ هَذَا إلَّا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا؛ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ وَحْيَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُتْرَكُ بِشَكٍّ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَشُكُّ، فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الشَّكَّ مِنْ قِبَلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ لَا مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَكَانَ ذَلِكَ إذْ كَانَ الْإِفْرَادُ مُبَاحًا، ثُمَّ نُسِخَ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْمُتْعَةِ وَلَا بُدَّ، وَمَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْقِرَانِ وَلَا بُدَّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَظَهَرَ الْحَقُّ وَاضِحًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ، وَوَافَقَنَا هُوَ وَالشَّافِعِيُّ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ، وَمَرَّةً قَالَ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ، وَمَرَّةً قَالَ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ جَائِزٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْإِشْعَارُ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ نَا قَالَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا مِنْ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ.

وَبِهِ إلَى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ نَا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْعَرَ بُدْنَهُ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نَا الْفَرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ نَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - نَا الْأَعْمَشُ نَا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمَنْصُورٍ، كُلِّهِمْ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَأْتِ فِي الْبَقَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَرُوِّينَا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَقْسِمَ لُحُومَ الْبُدْنِ وَجَلَّالِهَا؛ فَصَحَّ التَّجْلِيلُ فِيهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مِسْهَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا هَدْيَ إلَّا مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ شِئْت فَأَشْعِرْ، وَإِنْ شِئْت فَلَا تُشْعِرْ، وَإِنْ شِئْت فَقَلِّدْ، وَإِنْ شِئْت فَلَا تُقَلِّدْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي إشْعَارِ الْبَدَنَةِ؟ فَقَالَتْ: إنْ شِئْت، إنَّمَا تُشْعِرُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُشْعِرُهَا مِنْ الْأَيْمَنِ -

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا أَفْلَحُ هُوَ ابْنُ حُمَيْدٍ - قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ وَأَبِي سُلَيْمَانَ؛ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلْغَنَمِ تُسَاقُ مَعَهَا هَدْيًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت الْغَنَمَ يُؤْتَى بِهَا مُقَلَّدَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ بُرْدٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: رَأَيْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسُوقُونَ الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ؛ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ بَسَّامٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت الْغَنَمَ تُقَلَّدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْت الْغَنَمَ تَقْدُمُ مَكَّةَ مُقَلَّدَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ الْإِشْعَارَ، وَهُوَ مُثْلَةٌ - قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ طَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُفٍّ لِكُلِّ عَقْلٍ يَتَعَقَّبُ - حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ الْحِجَامَةُ، وَفَتْحُ الْعِرْقِ: مِثْلَهُ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ مِنْ قَطْعِ الْأَنْفِ، وَقَلْعِ الْأَسْنَانِ، وَجَدْعِ الْأُذُنَيْنِ: مُثْلَةٌ؛ وَأَنْ يَكُونَ قَطْعُ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ: مُثْلَةً؛ وَالرَّجْمُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ: مُثْلَةً، وَالصَّلْبُ لِلْمُحَارِبِ: مُثْلَةً، إنَّمَا الْمُثْلَةُ فِعْلُ مَنْ بَلَّغَ نَفْسَهُ مَبْلَغَ انْتِقَادِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَثَّلَ بِنَفْسِهِ؛ وَالْإِشْعَارُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ قَبْلَ قِيَامِ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُثْلَةً وَهَذِهِ قَوْلَةٌ: لَا يُعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا مُتَقَدِّمٌ مِنْ السَّلَفِ، وَلَا مُوَافِقٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ عَصْرِهِ إلَّا مَنْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِتَقْلِيدِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٌ: يُشْعِرُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَتْ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَتَيْنِ قَلَّدَ إحْدَاهُمَا فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَالْأُخْرَى فِي الْأَيْسَرِ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ؟ قُلْنَا: هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلُكُمْ، وَسَالِمٌ ابْنُهُ أَوْثَقُ وَأَجَلُّ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْ نَافِعٍ رَوَى عَنْهُ الْإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ عُمَرَ فِي فِعْلٍ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ فَمَرَّةً عَلَيْهِمْ وَمَرَّةً لَيْسَ لَهُمْ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا هَدْيَ إلَّا مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تَقُولُوا أَنْتُمْ: بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ هَدْيًا إلَّا مَا أَشْعَرَ؟ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُمْ آنِفًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأُشْعِرَ فِي سَنَامِهَا» ؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَمْرٌ بِالْإِشْعَارِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَقُلْنَا بِإِيجَابِهِ مُسَارِعِينَ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا فَأُدْنِيَتْ إلَيْهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَلَّى بِيَدِهِ إشْعَارَهَا، بِذَلِكَ صَحَّ الْأَثَرُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عُمَرَ إشْعَارَ الْبَقَرِ فِي أَسْنِمَتِهَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: الشَّاةُ لَا تُقَلَّدُ. وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ فِي الْهَدْيِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْإِبِلُ تُقَلَّدُ، وَتُشْعَرُ، وَالْغَنَمُ لَا تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ، وَالْبَقَرُ تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا - تُقَلَّدُ الْغَنَمُ - وَرَأَى مَالِكٌ إشْعَارَ الْبَقَرِ إنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ وَمَقْلُوبٌ؛ بَلْ الْإِبِلُ: تُقَلَّدُ، وَتُشْعَرُ؛ وَالْبَقَرُ: لَا تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ، وَالْغَنَمُ: تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقَلَّدُ إلَّا هَدْيُ الْمُتْعَةِ، وَالْقِرَانِ، وَالتَّطَوُّعِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ فَقَطْ: وَلَا يُقَلَّدُ: هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَلَا الْجِمَاعِ، وَلَا جَزَاءِ الصَّيْدِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيٍ وَيُشْعَرُ؛ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِعُمُومِ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَعْمَاهُ الْهَوَى وَأَصَمَّهُ: إنَّمَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ هَدْيِ الْغَنَمِ مُقَلَّدَةً؛ إنَّمَا هُوَ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ الْهَدْيِ مِنْ الْغَنَمِ - أَيْ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا اسْتِسْهَالٌ لِلْكَذِبِ الْبَحْتِ وَخِلَافٌ لِمَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهَا مِنْ إهْدَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَأَمَّا الِاشْتِرَاطُ: فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - فَقَالَ لَهَا: أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً؟ فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كُلِّهِمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ أَهِّلِي بِالْحَجِّ وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ ضُبَاعَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ حَجَجْت وَلَسْت صَرُورَةً فَاشْتَرَطَ إنْ أَصَابَنِي مَرَضٌ أَوْ كَسْرٌ أَوْ حَبْسٌ فَأَنَا حِلٌّ.

وَرُوِّينَا أَيْضًا الْأَمْرَ بِالِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ: وَكِيعٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، كُلِّهِمْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ - وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى: أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَفْرِدْ الْحَجَّ وَاشْتَرِطْ، فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت، وَلِلَّهِ عَلَيْك مَا شَرَطْت. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِثْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلًا وَاقِفًا بِعَرَفَةَ قَالَ لَهُ: أَشَارَطْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ جَمَّةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَجَّةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ، أَوْ عُمْرَةٌ إنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ: حُجَّ وَاشْتَرِطْ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ الْحَجُّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ لِلْحَجِّ خَرَجْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ قَضَيْت فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَالَ دُونَهُ شَيْءٌ فَهِيَ عُمْرَةٌ؛ وَإِنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ عُرْوَةَ بِأَنْ يَشْتَرِطَ كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ عَمَّارٍ هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَرَدْت الْحَجَّ فَاشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ. فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - وَمِنْ التَّابِعِينَ عُمَيْرَةُ بْنُ زِيَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إنْ تَيَسَّرَ، وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ، اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الرَّبِيعُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَا جَمِيعًا فِي الْمُحْرِمِ يَشْتَرِطُ: قَالَا جَمِيعًا: لَهُ شَرْطُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ يَشْتَرِطَانِ فِي الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَرَدْت الْحَجَّ فَأَرْسِلْ إلَيَّ عَبِيدَةُ هُوَ السَّلْمَانِيُّ - أَنْ اشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَشْتَرِطُ فِي الْحَجِّ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك قَدْ عَرَفْت نِيَّتِي وَمَا أُرِيدُ؛ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا تُتِمُّهُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ فِي الْعُمْرَةِ؛ وَجَاءَ أَيْضًا [نَصًّا] عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَعِكْرِمَةَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قُلْت بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ صَحَّ الْخَبَرُ وَبَالَغَ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَأَلَ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ؟ قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ اضْطِرَابًا فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا لَوْ أَنَّ الرَّجُلَ اُبْتُلِيَ - وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَجِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ، مَرَّةً كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الشَّرْطَ، وَمَرَّةً كَانُوا يَكْرَهُونَهُ، فَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا تَرْكُ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ جُمْلَةً لِاضْطِرَابِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: الْمُشْتَرِطُ وَغَيْرُ الْمُشْتَرِطِ سَوَاءٌ إذَا أَحْصَرَ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ سَاقِطٌ - عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هَذَا، وَالصَّحِيحُ عَنْ عَطَاءٍ خِلَافُ هَذَا.

وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنْ طَاوُسٍ الِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ لَيْسَ شَيْئًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادٍ مِثْلُ هَذَا؛ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْحَنَفِيِّينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَشَغَبُوا فِي مُخَالَفَةِ السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنْ قَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا لِأَنَّهُمْ يُفْتُونَ مَنْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ؛ فَقَدْ خَالَفُوا الْآيَةَ فِي إتْمَامِ الْحَجِّ؛ وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَأُمِرَ بِبَيَانِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَنَا قَدْ أَمَرَ بِالِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ وَأَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْقَدَرِ النَّافِذِ؛ فَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْ الْآيَةَ إذَا أَخَذْنَا بِبَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهَا بِآرَائِكُمْ الْفَاسِدَةِ إلَى مُخَالَفَتِكُمْ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ. وَقَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ خِلَافٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ؟ قُلْنَا: كَذَبَ مَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ خِلَافٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ بَلْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهَا إذْ قُلْتُمْ: مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِعُمْرَةٍ بِرَأْيٍ لَا نَصَّ فِيهِ؛ وَأَمَّا نَحْنُ فَقُلْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا أَمَرَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمَرَ بِبَيَانِهَا لَنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ السُّنَّةَ مُعَارِضَةً لِلْقُرْآنِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الرِّوَايَةَ فِي الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . لِأَنَّ حَدِيثَ الِاشْتِرَاطِ لَمْ يُضْطَرَبْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؛ وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي حَدِيثِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ عَلَيْهَا - وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ خَبَرٌ فِي تَحْدِيدِ الْقَطْعِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بَلْ قَوْلُهُمْ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْقُرْآنِ حَقًّا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .

وَلَا حَرَجَ، وَلَا عُسْرَ، وَلَا تَكْلِيفَ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ أَكْثَرُ مِنْ إيجَابِ الْبَقَاءِ عَلَى حَالِ الْإِحْرَامِ، وَمَنْعِ الثِّيَابِ، وَالطِّيبِ، وَالنِّسَاءِ، لِمَنْ قَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذِهِ الْآيَاتُ لَكَفَتْ فِي وُجُوبِ إحْلَالِ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَكَيْفَ وَالسُّنَّةُ قَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ نَصًّا؟ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مِنْ أَعْجَبْ شَيْءٍ لِأَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَالِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْصُوصٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] . وَإِنَّمَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَبَاحُوا: مِنْ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَى فُلَانَةَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، وَكُلَّ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا عَلَيْهَا فَهِيَ حُرَّةٌ. وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الصَّدَاقِ لَا يَلْزَمُ إلَّا إلَى كَذَا وَكَذَا عَامًا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] . وَكَبَيْعِ السُّنْبُلِ وَعَلَى الْبَائِعِ دَرْسُهُ. وَكَنُزُولِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِأَيْدِيهِمْ الْأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ الْوَطْءِ لَهُنَّ وَلَا مِنْ رَدِّهِمْ إلَى بِلَادِ الْكُفْرِ - وَسَائِرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي أَبَاحُوا؛ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ - وَرُوِيَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: سَمِعْنَاكُمْ تَقْبَلُونَ هَذَا فِي الصَّاحِبِ إذَا رَوَى الْخَبَرَ وَخَالَفَهُ فَأَنْكَرْنَاهُ حَتَّى أَتَيْتُمْ بِالْآبِدَةِ إذْ جَعَلْتُمْ تَرْكَ التَّابِعِ لِمَا رَوَى حُجَّةً فِي تَرْكِ السُّنَنِ؛ وَهَذَا إنْ أَدْرَجْتُمُوهُ بَلَغَ إلَيْنَا وَإِلَى مَنْ بَعْدَنَا فَصَارَ كُلُّ مَنْ بَلَغَهُ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَرَكَهُ كَائِنًا مَنْ

كَانَ مِنْ النَّاسِ حُجَّةً فِي رَدِّ السُّنَنِ؛ وَهَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ اللَّعِينِ، وَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ رَأْيِ مَنْ ذَكَرْتُمْ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ رِوَايَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ ثِقَاتٌ عُدُولٌ وَلَيْسُوا مَعْصُومِينَ مِنْ الْخَطَإِ فِي الرَّأْيِ. وَلَا عَجَبَ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ طَاوُسًا، وَعَطَاءً، وَعُرْوَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: خَالَفُوا مَا رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ - ثُمَّ لَوْ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى صَبْغِ قَمِيصِهِ أَخْضَرَ فَقَالُوا لَهُ: بَلْ اُصْبُغْهُ أَحْمَرَ؟ لَمْ يَرَ رَأْيَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً وَلَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْأَخْذَ بِهِ؟ ثُمَّ رَأْيُهُمْ حُجَّةٌ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَئِنْ كَانَ خَالَفَ هَؤُلَاءِ مَا رَوَوْا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ: كَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ؛ وَلَا يَصِحُّ عَنْ عَطَاءٍ إلَّا الْقَوْلُ بِهِ - وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخَذَا بِهِ. وَقَالُوا: لَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ عُمَرَ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ فَقَدْ عَرَفَهُ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَخَذُوا بِهِ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ بَلْ لَيْسَ لِابْنِ عُمَرَ هَاهُنَا خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِإِبْطَالِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَعْرِفْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْإِهْلَالُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمَعَهُ السُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - وَقَالَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، بِالِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ فَخَالَفُوهُمَا وَمَعَهُمَا السُّنَّةُ وَتَعَلَّقُوا بِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ إذْ جَاءَ عَنْهُمَا خِلَافُ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُمْ مُغْرَمُونَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَنِ، وَمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنْ مُوَافَقَةِ السُّنَنِ: وَالْقَوْمُ غَرْقَى فِي بِحَارِ هَوَاهُمْ وَبِكُلِّ مَا يُرْدِي الْغَرِيقَ تَعَلَّقُوا وَذَكَرُوا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ وَلَا يَرَوْنَهُ شَيْئًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ يَصِفُهُمْ بِفَسَادِ الرَّأْيِ وَالتَّلَاعُبِ؛ إذْ يَشْتَرِطُونَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ، وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا صَحَّتْ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ خِلَافُهَا، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً فِي مُعَارَضَتِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ، وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ، وَالْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُمْ

مسألة تقديم لفظة العمرة على الحج أو لفظة الحج على العمرة

يَقُولُونَ: مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ فَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهَا قَائِمًا، وَعَنْ الرُّكُوعِ، وَعَنْ السُّجُودِ: سَقَطَ عَنْهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ فَرْضٍ فَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهِ: سَقَطَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلَّفْهُ؛ وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ، وَقَالُوا هَاهُنَا: مَنْ دَخَلَ فِي حَجِّ فَرْضٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ، أَوْ عُمْرَةٍ، كَذَلِكَ فَعَجَزَ عَنْهُمَا: لَمْ يَسْقُطَا عَنْهُ؛ بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ. [مَسْأَلَةٌ تَقْدِيم لَفْظَةِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ أَوْ لَفْظَةِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ] 834 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا جَوَازُ تَقْدِيمِ لَفْظَةِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، أَوْ لَفْظَةِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ؛ فَلِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَبَدَأَ بِلَفْظَةِ الْحَجِّ؛ وَصَحَّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجَّةً» وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَلَا نُبَالِي أَيُّ ذَلِكَ قُدِّمَ فِي اللَّفْظِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْقَارِنُ إذَا جَاءَ إلَى مَكَّةَ] 835 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا جَاءَ الْقَارِنُ إلَى مَكَّةَ عَمِلَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي الثَّلَاثِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا فِي الْحَجِّ ثُمَّ إذَا أَتَمَّ ذَلِكَ أَقَامَ مُحْرِمًا [كَمَا هُوَ] إلَى يَوْمِ مِنًى - وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ - فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْمَذْكُورُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا ثُمَّ نَهَضَ الْقَارِنُ، وَالْمُتَمَتِّعُ إلَى مِنًى فَيَبْقَيَانِ بِهَا نَهَارَهُمَا وَلَيْلَتَهُمَا فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ - وَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ - نَهَضُوا كُلُّهُمْ إلَى عَرَفَةَ فَيُصَلِّي هُنَالِكَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ الظُّهْرَ بَعْدَ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ ثُمَّ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ، وَيُقِيمَ وَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِالنَّاسِ، فَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ إقَامَةً بِلَا أَذَانٍ وَصَلَّى بِهِمْ الْعَصْرَ إثْرَ سَلَامِهِ مِنْ الظُّهْرِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ لَا يَنْتَظِرُ وَقْتَ الْعَصْرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ يَقِفُ النَّاسُ لِلدُّعَاءِ فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ نَهَضُوا كُلُّهُمْ إلَى مُزْدَلِفَةَ. وَلَوْ نَهَضَ إنْسَانٌ إلَى مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - لَا دَمَ وَلَا غَيْرَهُ وَحَجُّهُ تَامٌّ. فَإِذَا أَتَوْا مُزْدَلِفَةَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ أَقَامَ وَصَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ مُزْدَلِفَةَ وَلَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، فَإِذَا - سَلَّمَ أُقِيمَ لِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ إقَامَةً بِلَا أَذَانٍ فَيُصَلِّيهَا بِالنَّاسِ، وَهِيَ لَيْلَةُ عِيدِ الْأَضْحَى وَيَبِيتُ النَّاسُ هُنَالِكَ، فَإِذَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِهِمْ الصُّبْحَ.

وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى مِقْدَارِ مَا يُدْفَعُ مِنْهَا وَيُدْرِكُ بِمُزْدَلِفَةَ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ الْإِمَامِ - فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ بِمُزْدَلِفَةَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنْ وَقَفْنَ بِعَرَفَةَ إلَى قَبْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ دَفَعْنَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - فِيهَا أَجْزَأَهُنَّ الْحَجُّ؛ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مِنْهُنَّ بِعَرَفَةَ لَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَلَا لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا، وَمَنْ لَمْ تَقِفْ مِنْهُنَّ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ وُقُوفِهَا بِعَرَفَةَ وَتَذْكُرْ اللَّهَ - تَعَالَى - فِيهَا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا. فَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ كَمَا ذَكَرْنَا بِمُزْدَلِفَةَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالنَّاسِ وَقَفُوا لِلدُّعَاءِ، فَإِذَا أَسْفَرَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ دَفَعُوا كُلُّهُمْ إلَى مِنًى، فَإِذَا أَتَوْا مِنًى أَحْبَبْنَا لَهُمْ التَّطَيُّبَ بَعْدَ أَنْ يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُونَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَلَا يَقْطَعُونَ التَّلْبِيَةَ مُذْ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ، أَوْ بِالْقِرَانِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَّا مَعَ تَمَامِ رَمْيِ السَّبْعِ حَصَيَاتٍ، فَإِذَا رَمَوْهَا كَمَا ذَكَرْنَا فَقَدْ تَمَّ إحْرَامُهُمْ وَيَحْلِقُونَ أَوْ يُقَصِّرُونَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلرِّجَالِ. وَيَنْحَرُونَ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُمْ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ اللِّبَاسِ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ، وَحَلَّ لَهُمْ التَّصَيُّدُ فِي الْحِلِّ، وَالتَّطَيُّبُ حَاشَا الْوَطْءَ فَقَطْ. فَإِنْ نَهَضُوا مِنْ يَوْمِهِمْ إلَى مَكَّةَ فَطَافُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا لَا خَبَبَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا - إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَوْ إنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ بَيْنَهُمَا أَوَّلَ دُخُولِهِ إنْ كَانَ قَارِنًا - فَقَدْ تَمَّ الْحَجُّ كُلُّهُ، أَوْ الْقِرَانُ كُلُّهُ وَحَلَّ لَهُمْ الْوَطْءُ. وَيَرْجِعُونَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ يَرْمُونَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، سَبْعِ حَصَيَاتٍ، سَبْعِ حَصَيَاتٍ: يَبْدَأُ بِالْقُصْوَى، ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِيهَا، ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ يَقِفُ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لِلدُّعَاءِ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ فَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّ جَمِيعُ [عَمَلِ] الْحَاجِّ. وَيَأْكُلُ الْقَارِنُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ وَلَا بُدَّ. فَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مَعَهُ قَاطِنِينَ هُنَالِكَ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا، وَلَا بُدَّ -: إمَّا رَأْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ مِنْ الْبَقَرِ، وَإِمَّا شَاةٌ، وَإِمَّا نَصِيبٌ مُشْتَرَكٌ فِي رَأْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ فِي رَأْسٍ مِنْ الْبَقَرِ بَيْنَ عَشَرَة أَنْفُسٍ فَأَقَلَّ - لَا نُبَالِي

نسك التمتع

مُتَمَتِّعِينَ كَانُوا أَوْ غَيْرَ مُتَمَتِّعِينَ، وَسَوَاءٌ أَرَادَ بَعْضُهُمْ حِصَّتَهُ لِلْأَكْلِ، أَوْ لِلْبَيْعِ، أَوْ لِلَّهِ دْيِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى وَلَا بُدَّ، أَوْ مَتَى شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلَى أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ النَّحْرِ، فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَلْيُؤَخِّرْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ - وَهُوَ الطَّوَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا يَوْمَ النَّحْرِ - إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ؛ ثُمَّ يَطُوفَ بَعْدَ تَمَامِ صِيَامِهِنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ ثُمَّ يَصُومَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ كُلِّهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِمَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهُ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا هَدْيٌ، وَلَا صِيَامٌ، وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. [نسك التَّمَتُّع] وَالْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ اعْتَمَرَ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلُهُ مِنْ سُكَّانِ الْحَرَمِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، أَوْ إلَى الْمِيقَاتِ، أَوْ لَمْ يَرْجِعْ، وَلَا يَضُرُّ الْهَدْيَ أَنْ لَا يُوقَفَ بِعَرَفَةَ، وَلَا هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ - مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ - حَاشَا الْهَدْيَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ. فَمَنْ أَرَادَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَكَّةَ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ يَخْرُجَ إثْرَ تَمَامِهِ مَوْصُولًا بِهِ وَلَا بُدَّ؛ فَإِنْ تَرَدَّدَ لِأَمْرٍ مَا أَعَادَ الطَّوَافَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ عَنْ مَكَّةَ، فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ وَلَا بُدَّ - وَلَوْ مِنْ أَقْصَى الدُّنْيَا - حَتَّى يَجْعَلَ آخِرَ عَمَلِهِ بِمَكَّةَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ [تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَعْضَ شَوْطٍ حَتَّى خَرَجَ] وَمَنْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ - وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ حَتَّى خَرَجَ -: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ حَتَّى يُتِمَّهُ؛ فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ. [لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَاقِيَ ذِي الْحِجَّةِ] وَمَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَاقِيَ ذِي الْحِجَّةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ؛ وَيُجْزِئُ الْقَارِنَ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِعُمْرَتِهِ وَلِحَجِّهِ، كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - جَمِيعًا عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ (. . .) قَالَ: قُلْت لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَخْبِرْنِي

عَنْ حَجَّة الْوَدَاعِ؟ فَقَالَ جَابِرٌ - فَذَكَرَ حَدِيثًا - وَفِيهِ «فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ - فَذَكَرَ كَلَامًا - ثُمَّ قَالَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ - فَذَكَرَ كَلَامًا - ثُمَّ قَالَ: حَتَّى إذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. . . ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا؛ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ؛ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ. ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً؛ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ - فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ - لَا، بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إنِّي أُمِرْتُ بِهَذَا. . . فَأَخْبَرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ. . . فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ. . . فَنَزَلَ فِي الْقُبَّةِ بِنَمِرَةَ حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا - ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا - ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ

دفع من عرفة قبل غروب الشمس

وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا؛ ثُمَّ رَكِبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا. . . وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنْ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ؛ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ؛ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا؛ ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي؛ ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ فَتَنَاوَلَ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ دُعَاءٍ، وَصِفَةِ مَشْيٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا تَحَاشَ شَيْئًا، فَهُوَ كُلُّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ [دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ] وَأَمَّا قَوْلُنَا: مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ فَرْضِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا -: فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ قَالَ «شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ - وَسُئِلَ عَنْ الْحَجِّ -؟ فَقَالَ: الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ أَدْرَكَ» .

وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ نَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي «عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَمْعٍ فَقُلْت لَهُ: هَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا وَوَقَفَ هَذَا الْمَوْقِفَ حَتَّى يُفِيضَ، وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ أَفَاضَ مِنْهَا نَهَارًا فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا لَيْلًا فَلَا حَجَّ لَهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ؟ فَقُلْنَا: وَوَقَفَ نَهَارًا، فَأَبْطَلُوا حَجَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا نَهَارًا. فَقَالُوا: قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ» ؟ فَقُلْنَا: وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ» فَبَلَّحُوا. فَأَتَوْا بِنَادِرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ " لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " إنَّمَا هُوَ لَيْلًا وَنَهَارًا كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] ؟ فَقُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُرَاحًا؛ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ لَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْهِيًّا عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ آثِمًا إلَّا حَتَّى يَكُونَ كَفُورًا؛ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، بَلْ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْهِيٌّ عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ الْآثِمَ، وَالْكَفُورَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْآثِمُ كَفُورًا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكُمْ فِي الْخَبَرِ تَأْوِيلُكُمْ الْفَاسِدُ لَكَانَ لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ حَجٌّ حَتَّى يَقِفَ بِهَا نَهَارًا وَلَيْلًا مَعًا، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقِفْ بِهَا إلَّا نَهَارًا وَدَفَعَ مِنْهَا إثْرَ تَمَامِ غُرُوبِ الْقُرْصِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالدَّفْعُ لَا يُسَمَّى وُقُوفًا، بَلْ هُوَ زَوَالٌ عَنْهَا.

وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ عَنْ دَاوُد بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ رَحْمَةَ بْنِ مُصْعَبٍ الْفَرَّاءِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَوْرَةٌ لِأَنَّ أَبَا عَوْنِ بْنَ عَمْرٍو، وَرَحْمَةَ بْنَ مُصْعَبٍ، وَدَاوُد بْنَ جُبَيْرٍ مَجْهُولُونَ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ؛ وَعَلَى هَذَا الْخَبَرِ يَبْطُلُ حَجُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ بِلَيْلٍ إنَّمَا دَفَعَ مِنْهَا فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى نَا عَطَاءٌ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ قَالَ «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ» وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ الْمُرْسَلَ. وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ، نَا ابْنُ أَبِي نَافِعٍ عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ حَتَّى يَدْفَعَ الْإِمَامُ» . وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ وَالثَّانِي: أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً ضُعَفَاءَ فِي نَسَقٍ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَصْلًا؛ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُبْطِلُونَ حَجَّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَةَ، وَلَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ. وَمِنْهَا: خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمَدَنِيِّ عَنْ

يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ هُوَ ابْنُ جُعْدُبَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَجَازَ بَطْنَ عُرَنَةَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلَا حَجَّ لَهُ» ؟ وَهَذِهِ بَلِيَّةٌ، لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ سَاقِطٌ وَأَبَا مُعَاوِيَةَ مَجْهُولٌ؛ وَيَزِيدَ كَذَّابٌ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ؛ ثُمَّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ مِنْ الْحَرَمِ - وَهُوَ غَيْرُ عَرَفَةَ - فَلَيْسَ فِيهِ وُجُوبُ الْوُقُوفِ لَيْلًا بِعَرَفَةَ أَصْلًا. وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّا لَا نَدْفَعُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ - يَعْنِي مِنْ عَرَفَاتٍ - وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَإِنَّا نَدْفَعُ قَبْلَ ذَلِكَ، هَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، ثُمَّ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُبْطِلُونَ حَجَّ مَنْ دَفَعَ مِنْ جَمْعٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ إيجَابُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَيْلًا، وَإِبْطَالُ الْحَجِّ بِتَرْكِهِ؟ وَهُمْ لَا يُبْطِلُونَ الْحَجَّ بِمُخَالَفَةِ عَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلِّهِ فِي عَرَفَةَ، وَفِي الدَّفْعِ مِنْهَا، وَفِي مُزْدَلِفَةَ -: فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ؟ قُلْنَا: قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ هَدْيًا إلَّا مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ فَخَالَفْتُمُوهُ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ: مَنْ قَدِمَ ثِقَلُهُ مِنْ مِنًى بَطَلَ حَجُّهُ فَخَالَفْتُمُوهُ؛ فَمِنْ أَيْنَ صَارَ ابْنُ عُمَرَ هَاهُنَا حُجَّةً، وَلَمْ يَصِرْ حُجَّةً هُوَ وَلَا أَبُوهُ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا مِمَّا اسْتَسْهَلْتُمْ خِلَافَهُمَا فِيهِ؛ وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا؟ وَأَمَّا إيجَابُ الدَّمِ فِي ذَلِكَ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ

للمتمتع أن يهل بالحج يوم التروية

غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ أَوْ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ؛ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ فَحَجُّهُ بَاطِلٌ وَلَا مَزِيدَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مِلَاكُ الْحَجِّ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ. [لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ] وَأَمَّا اسْتِحْبَابُنَا لِلْمُتَمَتِّعِ أَنَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فِي أَخْذِهِ فِي النُّهُوضِ إلَى مِنًى فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَتِهِ؛ وَاخْتَارَ مَالِكٌ أَنَّ يُهِلَّ الْمُتَمَتِّعُ، وَأَهْلُ مَكَّةَ إذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ يَقْدَمُ النَّاسُ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدَّهِنُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَأَهِلُّوا؛ فَإِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ لَا نَعْلَمُهَا تَتَّصِلُ إلَى عُمَرَ؛ إنَّمَا نَذْكُرُهَا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُمَرَ؛ وَكِلَاهُمَا لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِأَعْوَامٍ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ لَكَانَ الثَّابِتُ الْمُتَّصِلُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى مِنْ رَأْيٍ رَآهُ عُمَرُ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إذْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ عَامًا ثُمَّ عَامًا آخَرَ؛ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الثَّالِثِ قِيلَ لَهُ: قَدْ رُئِيَ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا إلَّا كَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي، وَمَا أَرَانِي أَفْعَلُ إلَّا كَمَا فَعَلُوا، فَأَمْسَكَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْبَطْحَاءِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ بِالْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَحْرَمَ عَامًا مِنْ الْمَسْجِدِ حِينَ أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ عَامًا آخَرَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّالِثُ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ: فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنِّي كُنْت امْرَأً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَأَحْبَبْت أَنْ أُهِلَّ بِإِهْلَالِهِمْ ثُمَّ ذَهَبْت أَنْظُرُ فَإِذَا أَنَا أَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي وَأَنَا مُحْرِمٌ وَأَخْرُجُ وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَإِذَا ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَحْرَمَ خَرَجَ لِوَجْهِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فَقُلْت لِابْنِ عُمَرَ: فَأَيَّ ذَلِكَ تَرَى؟ قَالَ: يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ أَنْ يُهِلَّ الْمُتَمَتِّعُ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَرَغِبَ عَنْ رَأْيِ أَبِيهِ لَوْ ثَبَتَ أَيْضًا عَنْهُ.

الإمام إذا أتم الخطبة بعرفة

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا اخْتَرْنَا لَهُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَشْعَثَ؟ قُلْنَا: مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتِيَارَ الشُّعْثِ لِلْمُحْرِمِ؟ فَإِنْ اخْتَرْتُمُوهُ فَأْمُرُوهُمْ بِالْإِهْلَالِ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ فَهُوَ أَتَمُّ لِلشُّعْثِ؟ [الْإِمَامُ إذَا أَتَمَّ الْخُطْبَةَ بِعَرَفَة] وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ يُقِيمَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ يُقِيمَ لِلْعَصْرِ وَلَا يُؤَذِّنَ لَهَا؛ فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آنِفًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ؛ وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً أُخْرَى: إنْ شَاءَ أَذَّنَ، وَالْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ، وَإِنْ شَاءَ إذَا أَتَمَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: يُؤَذِّنُ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُطْبَةِ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُؤَذِّنُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ؛ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يُؤَذِّنُ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ مُؤَذِّنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَأْخُذُ فِي الْأَذَانِ إذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا حُجَّةَ لِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجُمُعَةِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قِيَاسُ الْأَذَانِ بِعَرَفَةَ عَلَى الْأَذَانِ بِالْجُمُعَةِ بِأَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ لِلْجُمُعَةِ عَلَى مَا رُوِيَ فِي عَرَفَةَ لَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَا جُمُعَةَ بِعَرَفَةَ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ كَمَا هِيَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُبِيحٍ مُخَالَفَةَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ الْأَذَانِ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ كَمَا كَانَ بِعَرَفَةَ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ خِلَافٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُلِّهِمْ فِي الْقَوْلِ بِذَلِكَ لَصَدَقْنَا. [الْجَمْع بَيْنَ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ] وَأَمَّا قَوْلُنَا: بِالْجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَبِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَلِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ؛ فِي الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ كَمَا قُلْنَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ، وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا لَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ عَمَلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَقَوْلُكُمْ هَذَا فِي مُزْدَلِفَةَ خَطَأٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ [هَذَا] مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، بِعَرَفَةَ لَيْسَتَا فَائِتَتَيْنِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ قِيَاسُ صَلَاةٍ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا عَلَى صَلَاةٍ فَائِتَةٍ لَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا الْعَمَلِ فِي الْفَائِتَاتِ، وَقَالَ سُفْيَانُ، وَإِسْحَاقُ: يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، بِعَرَفَةَ بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ بِلَا أَذَانٍ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِمَكَّةَ وَبِمِنًى كُلَّ صَلَاةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَصَلَّى - بِعَرَفَةَ، وَبِجَمْعٍ - كُلَّ صَلَاةٍ بِإِقَامَةٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ خَبَرَ جَابِرٍ وَرَدَ بِزِيَادَةِ ذِكْرِ الْأَذَانِ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا، وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا. وَفِي هَذَا خِلَافٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمْ أَحْفَظْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَذَانًا وَلَا إقَامَةً بِجَمْعٍ - يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ. وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِجَمْعٍ الْمَغْرِبَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ الْعِشَاءَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ -: وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةِ بِلَا أَذَانٍ - وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ - وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ.

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا - وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَقَالَ الْقَطَّانُ: عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ؛ ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ: عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِمُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ -: وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ - لِكُلِّ صَلَاةٍ إقَامَةٌ دُونَ أَذَانٍ -: رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ - يَعْنِي بِمُزْدَلِفَةَ - وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ - يَعْنِي بِمُزْدَلِفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِإِقَامَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ - فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَاصِمٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قَالَ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

بِجَمْعٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَلَى إثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا» وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ -: وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ نَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِمُزْدَلِفَةَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ: الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَشْعَثُ: وَأَخْبَرَنِي عِلَاجُ بْنُ عَمْرٍو «عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِهَذَا قَالَ: فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا» . وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَقَامَ لِلْعِشَاءِ إقَامَةً أُخْرَى. وَقَوْلٌ خَامِسٌ -: وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ كُنْت مَعَ عُمَرَ فَأَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، كُلُّ صَلَاةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ -: نَا حَمَامٌ نَا الْبَاجِيَّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نَا بَقِيٌّ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: صَلَّيْت مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِعِشَائِنَا فَتَعَشَّيْنَا، ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ. وَبِهِ نَصًّا إلَى أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ كُلُّ صَلَاةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ. وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ خَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ

مِنْ الصَّحَابَةِ، وَاخْتَلَفَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا كَمَا أَوْرَدْنَا، فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَلَا حُجَّةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ إعَادَةَ الْأَذَانِ لِلْعِشَاءِ هُوَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ عُمَرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ تَعَشَّيَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ، وَلَا أَخْبَرَا: أَنَّ إعَادَتَهُمَا الْأَذَانَ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ الْعِشَاءِ، فَهِيَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إذَا صُلِّيَتْ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَالِمٍ ابْنِهِ، وَعَطَاءٍ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ سَالِمٍ: الْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، فَلَقِيت نَافِعًا فَقُلْت لَهُ: هَكَذَا كَانَ يَصْنَعُ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَقِيت عَطَاءً فَقُلْت لَهُ؟ فَقَالَ: قَدْ كُنْت أَقُولُ لَهُمْ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِإِقَامَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْهُ، فَهِيَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ -: أَحَدُهُمَا: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِي: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ - وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ -: وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي بَكْرٍ بْنِ دَاوُد - وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّالِثُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ؛ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَصَحَّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالرَّابِعُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ - رُوِيَ عَنْ عُمَرَ؛ وَصَحَّ عَنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - وَصَحَّ بِهِ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْخَامِسُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَالِمٍ ابْنِهِ، وَعَطَاءٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ نَأْخُذُ - وَصَحَّ بِذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالسَّادِسُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ

عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. فَأَمَّا الْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَعْضُهَا بِإِقَامَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَبَعْضُهَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ، وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ - وَبَعْضُهَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ؛ فَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: زَادَتْ عَلَى الْأُخْرَى؛ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ إقَامَةٌ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَعَنْ جَابِرٍ تَزِيدُ عَلَى الْأُخْرَى، وَعَلَى رِوَايَةِ أُسَامَةَ أَذَانًا، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، فَإِذَا جَمَعْت رِوَايَةَ سَالِمٍ، وَعِلَاجٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحَّ مِنْهُمَا أَذَانٌ، وَإِقَامَتَانِ كَمَا جَاءَ بَيِّنًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ؛ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ وَلَا بُدَّ، وَبَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ وَلَا بُدَّ، فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا ابْنُ سَلَّامٍ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «لَمَّا أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَاتٍ عَدَلَ إلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي؟ قَالَ: الْمُصَلَّى أَمَامَكَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ حُجْرٌ قَالُوا: نَا إسْمَاعِيلُ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَاتٍ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشِّعْبَ الْأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنَاخَ فَبَالَ؛ ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، ثُمَّ قُلْتُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ قَصَدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرْكَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَأَخْبَرَ بِأَنَّ الْمُصَلَّى

حج من لم يدرك مع الإمام صلاة الصبح بمزدلفة

مِنْ أَمَامٍ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَمَامٍ، فَالْمُصَلَّى هُوَ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَوَقْتَ الصَّلَاةِ مِنْ أَمَامٍ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ مُصَلًّى، وَلَا الصَّلَاةُ فِيهِ صَلَاةٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ - نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُنَا فَيَقُولُ: أَلَّا لَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ؟ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثًا. وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ، وَلَوْ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ دُونَ جَمْعٍ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [حَجّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ] وَأَمَّا بُطْلَانُ حَجِّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ، فَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمِصِّيصِيِّ نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضُوا مِنْهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ فَلَمْ يُدْرِكْ» . وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ أَخْبَرَنِي عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ أَخْبَرَنِي «عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ الطَّائِيُّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُكَ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاَللَّهِ مَا بَقِيَ مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ هَاهُنَا، ثُمَّ أَقَامَ مَعَنَا، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» . وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] فَوَجَبَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ - وَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ - وَذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - عِنْدَهَا فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ خَالَفَهُ وَلَا حَجَّ لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أَمَرَ؛ إلَّا أَنَّ إدْرَاكَ صَلَاةِ الْفَجْرِ

فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ هُوَ الذِّكْرُ الْمُفْتَرَضُ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَذْكُورِ، وَمَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ: إنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَائِمَةِ الْإِبِلِ «فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ بِخِلَافِ السَّائِمَةِ. وَمِمَّنْ يَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» دَلِيلٌ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ لَا يَرَى قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ هَاهُنَا مَعَنَا، وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ هُنَالِكَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَتِمَّ حَجُّهُ؛ فَكَيْفَ وَقَدْ غُنِينَا [عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ] بِنَصِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ فَلَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُمْ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لِهَذَا الِاحْتِجَاجِ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ فَرَائِضَ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِتَرْكِهَا سِوَى عَرَفَةَ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ وَتَرْكِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. وَتَرْكِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ؟ وَلَيْسَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَالْحَجُّ عَرَفَةَ» بِمَانِعٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ عَرَفَةَ الْحَجَّ أَيْضًا إذَا جَاءَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَالْبَيْتُ غَيْرُ عَرَفَةَ بِلَا شَكٍّ. وَسَوَّى - تَعَالَى - بَيْنَ الْأَمْرِ بِعَرَفَةَ، وَالْأَمْرِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: 3] . وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ - هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ - وَلَا يَكُونُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ إلَّا وَغَيْرُهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ، وَمُحَالٌ مُمْتَنِعٌ أَنْ يَكُونَ - هُوَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ - وَلَا يَكُونَ فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ وَيَكُونَ فَرْضُ الْحَجِّ فِي غَيْرِهِ.

فَصَحَّ أَنَّ جُمْلَةَ فَرَائِضِ الْحَجِّ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَهِيَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ الَّذِي لَا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ، وَرَمْيُ الْجَمْرَةِ، وَالْإِفَاضَةُ؛ وَقَدْ يَكُونَانِ فِيمَا بَعْدَهُ كَمَا عَرَفَةُ فِيمَا قَبْلَهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ فَلَا حَجَّ لَهُ ". وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا لَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ؛ فَإِذَا أَبْطَلَ الصَّلَاةَ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ فَقَدْ جَعَلَهَا مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي الضُّحَى قَالَ: سَأَلْت عَلْقَمَةَ عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَاتٍ، أَوْ جَمْعًا، أَوْ وَقَعَ بِأَهْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ الْحَجُّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: مَنْ فَاتَهُ جَمْعٌ أَوْ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ، أَوْ جَمْعٌ، أَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ فَقَدْ فَسَدَ حَجُّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ فَاتَهُ جَمْعٌ جَعَلَهَا عُمْرَةً. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِجَمْعٍ فَلَا حَجَّ لَهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: مَنْ فَاتَهُ الْإِفَاضَةُ مِنْ جَمْعٍ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ - وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ - هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ - أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ عَرَفَةُ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ وَإِذَا فَاتَهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَاتَهُ الْحَجُّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَدَقَ سَعِيدٌ؛ لِأَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ يَوْمَ عَرَفَةَ لَمْ يَفُتْهُ الْحَجُّ لِأَنَّهُ يَقِفُ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ؛ وَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَإِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى -: {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: 3] لِأَنَّ فِيهِ فَرَائِضَ ثَلَاثًا مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ لَا يَكُونُ جَازِئًا إلَّا غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ؛ فَصَحَّ أَنَّ

مُزْدَلِفَةَ أَشَدُّ فُرُوضِ الْحَجِّ تَأْكِيدًا وَأَضْيَقُهَا وَقْتًا؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ النِّسَاءَ، وَالصِّبْيَانَ، وَالضُّعَفَاءَ بِخِلَافِ هَذَا؛ فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي «عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ لَهُ بِمُزْدَلِفَةَ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: ارْحَلْ بِي فَارْتَحَلْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ ثُمَّ صَلَّتْ فِي مَنْزِلِهَا فَقُلْتُ لَهَا أَيْ هَنْتَاهُ لَقَدْ غَلَّسْنَا، قَالَتْ: كَلًّا أَيْ بُنَيَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِلظُّعُنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِاللَّيْلِ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ - تَعَالَى - ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ ابْنَ شَوَّالٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرَتْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْت «ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّقَلِ وَفِي الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ قَدْ نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ، هَكَذَا ذَكَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ: أَنَّهُ أَتَى مِنًى عَلَى أَتَانٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ: وَأَنَا غُلَامٌ قَدْ نَاهَزْت الِاحْتِلَامَ فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ وُجُوبِ حُضُورِ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - هُنَالِكَ لَيْلَةَ

رمي جمرة العقبة

النَّحْرِ وَلَا بُدَّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] . [رَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ] وَأَمَّا وُجُوبُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أَمْسَيْتُ، وَلَمْ أَرْمِ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ نَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرَمْيِهَا فَوَجَبَ فَرْضًا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» فَأَوْجَبُوا الذَّبْحَ فَرْضًا؟ قُلْنَا: إنْ كَانَ ذَلِكَ الذَّبْحُ مَنْذُورًا أَوْ هَدْيًا وَاجِبًا؟ فَنَعَمْ هُوَ فَرْضٌ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَيَكْفِي مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ ذَبْحُهُ فَرْضًا تَيَقُّنُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَةَ: إنْ ذَكَرَ وَهُوَ بِمِنًى رَمَى، وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى نَفَرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ - وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد، وَأَصْحَابُنَا، وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ إلَّا بِحَصًى كَحَصَى الْخَذْفِ لَا أَصْغَرَ، وَلَا أَكْبَرَ؛ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ -: نَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ عَنْ اللَّيْثِ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ

عدد الحصى

الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ الدَّوْرَقِيُّ - نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نَا عَوْفُ هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - نَا زِيَادُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ هَاتِ اُلْقُطْ لِي؟ فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ، هِيَ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» . وَقَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ أَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ؛ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ وَمُخَالَفَةِ الْأَثَرِ الثَّابِتِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا جَمِيعًا: مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا لَا مِنْ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ تَابِعٍ؛ وَهَذَانِ الْأَثَرَانِ يُبْطِلَانِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الْحَصَى [عَدَد الْحَصَى] وَأَمَّا الْعَدَدُ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: جَلَسْنَا فَقَالَ بَعْضُنَا: رَمَيْت بِسِتٍّ، وَقَالَ بَعْضُنَا: رَمَيْت بِسَبْعٍ؛ فَلَمْ يَعِبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمَا رَمَى بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: صَدَقَ أَبُو حَبَّةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو حَبَّةَ بَدْرِيٌّ - وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ مَنْ تَرَكَ حَصَاةً فَإِنَّهُ يُطْعِمُ تَمْرَةً أَوْ لُقَيْمَةً - وَعَنْ عَطَاءٍ: مَنْ فَاتَتْهُ الْجِمَارُ يَوْمًا تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ، وَمَنْ فَاتَتْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: نَسِيت أَنْ أَرْمِيَ بِحَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْجَمْرَةِ فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ إلَى

ذَلِكَ الشَّيْخِ فَسَلْهُ ثُمَّ ارْجِعْ فَأَخْبِرْنِي بِمَا يَقُولُ، قَالَ: فَسَأَلْته؟ فَقَالَ لِي: لَوْ نَسِيت شَيْئًا مِنْ صَلَاتِي لَأَعَدْت، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَصَابَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الشَّيْخُ - هُوَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ - هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ - وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ نَسِيَ الْجَمْرَةَ رَمَاهَا بِاللَّيْلِ حِينَ يَذْكُرُ. وَعَنْ طَاوُسٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ قَالُوا كُلُّهُمْ: يَرْمِي بِاللَّيْلِ - هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ؛ وَلَمْ يُوجِبُوا فِي ذَلِكَ شَيْئًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَمْيِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَبَاحَ رَمْيَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَمْسَى؛ وَهَذَا يَقَعُ عَلَى اللَّيْلِ وَالْعَشِيِّ مَعًا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَصَاةٍ نَسِيَهَا طَعَامُ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا. وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فَأَكْثَرَ إنْ نَسِيَهَا دَمٌ؛ فَإِنْ تَرَكَ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَمَرَّةً قَالَ: عَلَيْهِ فِي حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ مُدُّ طَعَامٍ، وَفِي حَصَاتَيْنِ مُدَّانِ، وَفِي ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا دَمٌ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي حَصَاةٍ ثُلُثُ دَمٍ، وَفِي الْحَصَاتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ، وَفِي الثَّلَاثِ فَصَاعِدًا دَمٌ - وَرُوِيَ عَنْهُ لِلْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ فَصَاعِدًا دَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا جَاءَ بِهِ نَصٌّ، وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَالَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَ الْقَائِلِ بِكُلِّ قَوْلٍ ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ؟ وَأَمَّا الرَّمْيُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا: لَا امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ الْمَرْوَزِيِّ نَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبٍ هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ - عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ أَهْلَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» . وَرُوِّينَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: إبَاحَةَ - الرَّمْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.

لا يقطع التلبية إلا مع آخر حصاة من جمرة العقبة

وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سُفْيَانُ: مَنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَعَادَ الرَّمْيَ بَعْدَ طُلُوعِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. [لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلَّا مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ] وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلَّا مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا نَهَضَ إلَى عَرَفَةَ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ؛ وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: التَّلْبِيَةُ اسْتِجَابَةٌ فَإِذَا وَصَلَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّلْبِيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ إلَيْهِ؛ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَمَّا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ فَقَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فَالْمَرْجُوعُ فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ التَّلْبِيَةَ اسْتِجَابَةٌ فَدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا؛ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا: لَوَجَبَتْ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ، وَوُجُوبِ النُّهُوضِ إلَى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَمَا التَّلْبِيَةُ إلَّا شَرِيعَةٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا لَا عِلَّةَ لَهَا إلَّا مَا قَالَ تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: 7] . ثُمَّ لَوْ كَانَتْ اسْتِجَابَةً كَمَا قَالُوا: لَكَانَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ فُرُوضٌ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ وَاصِلًا إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ إلَّا بِتَمَامِهَا كَعَرَفَةَ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ نَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ فَقِيلَ لَهُ: عَنْ أَيِّ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا؟ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هَذَا الْمَكَانِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ لَبَّتْ حِينَ رَمَتْ الْجَمْرَةَ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يُمْسِكُ الْحَاجُّ عَنْ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُلَبِّي بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يُلَبِّي غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ سَمِعْت عِكْرِمَةَ يَقُولُ: «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» . وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ كَانَتْ تُلَبِّي بَعْدَ عَرَفَةَ - وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ أَبَاهُ صَعِدَ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمِنْبَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ: مَا يَمْنَعُك أَنْ تُهِلَّ؟ فَقَدْ رَأَيْت عُمَرَ فِي مَكَانِك هَذَا يُهِلُّ؟ فَأَهَلَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ. وَعَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ: تُلَبِّي حَتَّى يَنْقَضِيَ حَرَمُك إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ - وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كُنْت مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَلَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: غَدَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ فَسَمِعَ التَّكْبِيرَ عَامًا فَبَعَثَ الْحَرَسَ يَصِيحُونَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا التَّلْبِيَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا جَرِيرُ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ مَا دَامَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا، بَلْ يُلَبِّي قَبْلَ الطَّوَافِ، وَفِي الطَّوَافِ، وَبَعْدَ الطَّوَافِ، وَلَا يَقْطَعُهَا حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ قَالَا: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا فِي الْجَمْرَةِ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ الْجَمْرَةِ لِأَنَّهُ نَصُّ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا «حَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأُسَامَةُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، لَقَالَا: حَتَّى بَدَأَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُهِلُّ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقُلْت لَهُ: فِيمَا الْإِهْلَالُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ قَضَيْنَا نُسُكَنَا بَعْدُ؟ وَهُوَ الْمَفْهُومُ الظَّاهِرُ مِنْ فِعْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ: إنَّ الْحَاجَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَإِذَا أَتَمَّ ذَلِكَ عَاوَدَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَقْطَعُهَا - وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: نَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ فَذَكَرَ «حَدِيثَ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلْبِيَتَهُ» فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْطَعْهَا -: وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إنَّ نَاسًا يَنْهَوْنَ عَنْ الْإِهْلَالِ فِي هَذَا الْمَكَانِ؟ فَقَالَ: لَكِنِّي آمُرُك بِهِ؛ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ

الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ بِتَهْلِيلٍ -: وَمِنْ طَرِيقِ» ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يُلَبِّي حَتَّى انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ وَقَالَ لِي: سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُهِلُّ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهَا» . قُلْنَا: الْحَارِثُ ضَعِيفٌ، وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَ خَبَرُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: زَائِدَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ زِيَادَةً لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا رَغْبَةً عَنْهَا وَاخْتِيَارًا لِغَيْرِهَا عَلَيْهَا؛ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ نَهْيٌ عَمَّا فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُسَامَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَقْطَعُهَا إلَّا حَتَّى يَرَى بُيُوتَ مَكَّةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَ مَكَّةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقْطَعُهَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَإِذَا اسْتَلَمَهُ قَطَعَهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: إذَا بَلَغَ الْكَعْبَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقْطَعُهَا حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ - وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ أَوَّلَ الْحَرَمِ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ، أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ قَطَعَهَا إذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ، أَوْ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ -: رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَقْطَعْ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْطَعُهَا إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ - قَالَ وَكِيعٌ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّهُ لَا يَقْطَعْهَا حَتَّى يُتِمَّ جَمِيعَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ؛ فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّى فِي عُمْرَتِهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» :

الطيب بمنى قبل رمي الجمرة

وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ عُمَرَ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ» ؟ فَهَذَانِ أَثَرَانِ ضَعِيفَانِ - فِي أَحَدِهِمَا: ابْنُ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ - وَفِي الْآخَرِ: الْحَجَّاجُ، وَنَاهِيكَ بِهِ؛ وَهُوَ أَيْضًا صَحِيفَةٌ. فَإِنْ قَالُوا: فَهَلْ عِنْدَكُمْ اعْتِرَاضٌ؟ فِيمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» ؟ قُلْنَا: لَا مُعْتَرَضَ فِيهِ وَهُوَ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ؛ أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا تَذْكُرُونَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْعُمْرَةِ؛ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ، وَلِمَا اخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا. ثُمَّ نَقُولُ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا: إنَّ هَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» إلَى الْمَبِيتِ بِذِي طُوًى وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بِهَا فَقَطْ؛ وَهَكَذَا نَقُولُ. أَوْ يَكُونُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَطْعِ التَّلْبِيَةِ كَمَا تَقُولُونَ؛ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَخَبَرُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأُسَامَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَ التَّلْبِيَةَ وَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» زَائِدٌ عَلَى مَا فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عِلْمًا كَانَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الطِّيب بِمِنًى قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ] وَأَمَّا اخْتِيَارُنَا الطِّيبَ بِمِنًى قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ؛ فَلِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي اخْتِيَارِ التَّطَيُّبِ لِلْإِحْرَامِ مِنْ النَّصِّ - وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ، وَبِدُخُولِ وَقْتِهَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ الْقِرَانِ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا مِنْ اللِّبَاسِ، وَالطِّيبِ، وَالتَّصَيُّدِ فِي الْحِلِّ، وَعَقْدِ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ،

وَلِغَيْرِهِ حَاشَا الْجِمَاعَ فَقَطْ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بَعْدُ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ -: فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ: إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ، وَالتَّصَيُّدَ، وَالطِّيبَ - قَالَ: فَإِنْ تَطَيَّبَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ تَصَيَّدَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ - وَعَنْ سَالِمٍ، وَعُرْوَةَ مِثْلُ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ: عَائِشَةَ وَغَيْرَهَا؛ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَذَبَحْتُمْ، وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ، إلَّا الطِّيبَ، وَالنِّسَاءَ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي لَوْ اتَّبَعُوهُ لَوُفِّقُوا -: وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَالطِّيبُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ أَطِيبٌ ذَلِكَ أَمْ لَا» ؟ -: وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَك كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: إذَا رَمَيْت الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَك كُلُّ شَيْءٍ مَا وَرَاءَ النِّسَاءِ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] . وَجَاءَ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ مَعْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ حَرَامٌ عَلَيْهِ لِبَاسُ الْقُمُصِ، وَالْعَمَائِمِ، وَالْبَرَانِسِ، وَالْخُفَّيْنِ، وَالسَّرَاوِيلِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ؛ وَوَافَقُونَا مَعَ مَجِيءِ النَّصِّ عَلَى جَوَازِ لِبَاسِ كُلِّ ذَلِكَ إذَا رَمَى وَنَحَرَ.

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّوَافِ، وَالذَّبْحِ، وَالرَّمْيِ، وَالْحَلْقِ، بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. فَصَحَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ قَدْ بَطَلَ بِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَالْحَلْقِ، وَالنَّحْرِ، رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ، حَلَقَ أَوْ لَمْ يَحْلِقْ، نَحَرَ أَوْ لَمْ يَنْحَرْ، طَافَ أَوْ لَمْ يَطُفْ؛ وَإِذَا حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا فِي الْإِحْرَامِ؛ فَبِلَا شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ الْإِحْرَامُ، وَبَطَلَ حُكْمُهُ؛ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ، فَحَلَّ لَهُ الصَّيْدُ الَّذِي لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ إلَّا بِالْإِحْرَامِ، وَحَلَّ لَهُ بِالْإِحْلَالِ، وَكَذَلِكَ الزَّوَاجُ وَالتَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِأَنْ لَا يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحَ، وَلَا يَخْطُبَ، فَصَحَّ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَمَنْ حَلَّ لَهُ لِبَاسُ الْقُمُصِ، وَالْبَرَانِسِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهُوَ حَلَالٌ لَا مُحَرَّمٌ فَالنِّكَاحُ، وَالْإِنْكَاحُ، وَالْخُطْبَةُ حَلَالٌ لَهُ؛ إذْ لَيْسَ مُحَرَّمًا، وَأَمَّا الْجِمَاعُ فَبِخِلَافِ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَحُرِّمَ الرَّفَثُ، وَهُوَ الْجِمَاعُ فِي الْحَجِّ جُمْلَةً لَا عَلَى الْمُحْرِمِ خَاصَّةً، وَمَا دَامَ يَبْقَى مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ فَهُوَ بَعْدُ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَالْوَطْءُ حَرَامٌ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْحَجِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَالِكٌ يَرَى فِي الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْفِدْيَةُ، كَمَا يَرَى الْجَزَاءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الصَّيْدِ - ثُمَّ رَأَى هَاهُنَا الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَرَ الْفِدْيَةَ فِي التَّطَيُّبِ، وَهَذَا عَجَبٌ فَإِنْ احْتَجُّوا لَهُ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي طِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَا يَخْلُو هَذَا الْأَثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَفَرْضٌ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُخَالِفُوهُ، وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ، أَوْ يَكُونَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَا تُرَاعُوهُ، وَأَوْجَبُوا الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّبَ كَمَا أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ، وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ إيجَابِكُمْ الْجَزَاءَ عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ فِي الْحِلِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَحَرَمٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ حَرَمٍ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ. فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ حَرَمٌ؟ قُلْنَا لَكُمْ: فَحَرِّمُوا عَلَيْهِ اللِّبَاسَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ وَحَرِّمُوا عَلَيْهِ حَلْقَ رَأْسِهِ.

يقف للدعاء عند الجمرتين الأوليين ولا يقف عند الثالثة

وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ حَرَامًا؟ قُلْنَا: فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي التَّصَيُّدِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِأَمْرِهِ بِحَلْقِ رَأْسِهِ، وَبِلِبَاسِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ؟ قُلْنَا: فَهَذَا بُرْهَانٌ كَافٍ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ [لَهُمْ] مِنْهُ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ؛ وَإِنَّمَا عَنْهُمَا الْمَنْعُ مِنْ التَّطَيُّبِ لَا مِنْ الصَّيْدِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ، وَهُمْ قَدْ أَبَاحُوا لِبَاسَ الْقُمُصَ، وَالسَّرَاوِيلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَمَنَعُوا مِنْ الصَّيْدِ، وَالطِّيبِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْجِمَاعِ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ اللِّبَاسَ، وَالْحَلْقَ، وَالطِّيبَ، وَالصَّيْدَ عِنْدَكُمْ خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَحُكْمٌ وَاحِدٌ فِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ فِي الْإِحْرَامِ، وَكَانَ لِلْجِمَاعِ خَبَرٌ آخَرُ، لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ فِي الْإِحْرَامِ؛ فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الطِّيبِ، وَالصَّيْدِ، عَلَى اللِّبَاسِ، وَالْحَلْقُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْجِمَاعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا -: إنْ نَهَضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا - لَا رَمَلَ فِيهَا - وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَوْ لَمْ يَسْعَ إنْ كَانَ قَارِنًا، وَكَانَ قَدْ سَعَى بَيْنَهُمَا فِي أَوَّلِ دُخُولِهِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقِرَانُهُ، وَحَلَّ لَهُ النِّسَاءُ - فَإِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مَعَ النَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] . وَأَمَّا قَوْلُنَا -: إنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَى مِنًى فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا - يَرْمُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ سَبْعِ حَصَيَاتٍ كُلُّ جَمْرَةٍ يَبْدَأُ بِالْقُصْوَى، ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا؛ ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَعَمَلُهُ كُلُّهُ - فَإِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. [يَقِفُ لِلدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ] وَأَمَّا قَوْلُنَا: يَقِفُ لِلدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ الثَّالِثَةِ؛ فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ نَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ «عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ

يأكل القارن من هديه ويتصدق

طَوِيلًا، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى؛ ثُمَّ يَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا ثُمَّ يَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَقُومُ طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، وَيَقُولَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَعْنَى قَالَا [جَمِيعًا] نَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ» . [يَأْكُلُ الْقَارِنُ مِنْ هَدْيِهِ وَيَتَصَدَّقُ] وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَيَأْكُلُ الْقَارِنُ مِنْ هَدْيِهِ وَلَا بُدَّ وَيَتَصَدَّقُ، وَكَذَلِكَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ؟ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَارِنِينَ، وَأَكَلَا مِنْ هَدْيِهِمَا وَتَصَدَّقَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِيَ أَثَرٌ: «أَنَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَعُودُ مُحْرِمًا كَمَا كَانَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا عَنْ أَمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورَ الشَّرَفِ وَالْجَلَالَةِ فِي الرِّيَاسَةِ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِنَقْلِ الْحَدِيثِ، وَلَا مَعْرُوفًا بِالْحِفْظِ؛ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ إلَى ذَلِكَ؛ وَقَدْ قَالَ بِهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. [الْمُتَمَتِّعُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مَعَهُ] وَأَمَّا قَوْلُنَا -: فَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مَعَهُ قَاطِنِينَ هُنَالِكَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ هَدْيًا وَلَا بُدَّ؛ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ.

فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَا مَا يَبْتَاعُهُ بِهِ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إلَى انْقِضَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلْيُؤَخِّرْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، ثُمَّ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ، فَإِذَا أَتَمَّهَا كُلَّهَا طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ بِصِيَامِ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى خَرَجَ عَنْ عَمَلِ الْحَجِّ صَامَ السَّبْعَةَ الْأَيَّامِ فَقَطْ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ تَرْكَ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ. وَلَوْ وَجَدَ هَدْيًا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَمْ يُجْزِهِ وَفَرْضُهُ الصَّوْمُ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَفَرْضُهُ الْهَدْيُ - فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. وَقَدْ أَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِأَنْ يَصُومَهَا فِي الْحَجِّ، وَمَا لَمْ يُحْرِمْ الْمَرْءُ فَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَجِّ فَلَيْسَ هُوَ فِي وَقْتِ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ وَلَا الصِّيَامُ الْمَذْكُورُ إلَّا بِتَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَلَا يُجْزِئُ [أَدَاءُ] فَرْضٍ إلَّا فِي وَقْتِهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِ. وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا خَطَأٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى بُطْلَانِ [هَذَا الْقَوْلِ] فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ، وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جُمْلَةً. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ إلَّا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَا يَقْضِي عَنْهُ إلَّا ذَلِكَ.

وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا جَوَازَ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَمَتِّعِ، وَلَا حُجَّةَ مَعَ التَّنَازُعِ إلَّا فِيمَا صَحَّ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى، أَوْ عَنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمُتَمَتِّعِ: يَفُوتُهُ الصَّوْمُ فِي الْعَشْرِ: أَنَّهُ يَتَسَحَّرُ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَيَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ هِيَ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ التَّالِيَةُ لِآخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ - وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا بَعْدُ. قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ الْحَاكِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ - وَلَمْ يُوجِبْ - تَعَالَى - صِيَامَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ إلَّا فِي الْحَجِّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَهَا لَا قَبْلَ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُوجِبْ - عَزَّ وَجَلَّ - صِيَامَهَا فِي الْإِحْرَامِ لَكِنْ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ مَا لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَهُوَ فِي الْحَجِّ بَعْدُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَامَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَقَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا، وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ الْأَيَّامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؛ فَكَانَ هَذَا تَنَاقُضًا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَخِلَافًا لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا بِلَا دَلِيلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ فَقُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ عَلَى الْقُرْآنِ، فَإِنْ كَانَ كَمَا تَزْعُمُونَ فَأَجِيزُوا لَهُ صِيَامَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَعْتَمِرَ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ، وَصَحَّ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَصُومُ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصُومُهُنَّ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَلَوْ بِيَوْمٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ وَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَبَيْنَ تَأْخِيرِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يُجْزِئُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُجْزِئُ مُذْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ، وَبِهِ نَأْخُذُ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] . فَقَالَ قَوْمٌ: إذَا رَجَعْتُمْ إلَى بِلَادِكُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: إذَا رَجَعْتُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِلَا نَصٍّ وَلَا ضَرُورَةَ مُوجِبَةٌ لِتَخْصِيصِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ - تَعَالَى - صِيَامَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِي الْحَجِّ؛ ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ الْمُوجِبِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الصِّيَامَ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَيُقَصِّرْ، وَيَحِلَّ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» . قُلْنَا: نَعَمْ وَالرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْمَشْيُ إلَى بَلَدِهِ، وَالْآخَرُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ؛ وَإِنْ حَلَّ لَهُ فِيهَا مَا كَانَ لَهُ حَرَامًا بِالْعَمَلِ لِلْحَجِّ. وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَحَمْلُهُ عَلَى كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُجُوعٍ هُوَ الْوَاجِبُ، فَإِنْ صَامَ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ صَامَهَا إذَا رَجَعَ بِالْمَشْيِ فَذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ حَتَّى أَتَمَّ الْحَجَّ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَكَمِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيَيْنِ: هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَهَدْيًا لِتَأْخِيرِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَصُومُهُنَّ بَعْدَ الْحَجِّ - وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُطْعِمُ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَيَصُومُ السَّبْعَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ نَصَّ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ.

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، وَلَا ثَمَنَهُ أَنَّ فَرْضَهُ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ، وَأَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ بِيَقِينٍ، وَبِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَإِيجَابٌ هَدْيٍ قَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ صِيَامَهَا فِيهِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يُصَحِّحُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَعُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولَانِ: لَا يَصُومُ بَعْدُ - وَعَلِيٌّ يَقُولُ: لَا يُهْدِي بَعْدُ - وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ: لَا يُهْدِي وَلَا يَصُومُهُنَّ، لَكِنْ يُطْعِمُ - وَغَيْرُهُ لَا يَرَى الْإِطْعَامَ، فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ صَوْمٍ، أَوْ هَدْيٍ، أَوْ إطْعَامٍ بِغَيْرِ إجْمَاعٍ وَلَا نَصٍّ؛ بَلْ النَّصُّ مَانِعٌ مِنْهُمَا، وَغَيْرُ مُوجِبٍ لِلْإِطْعَامِ. وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَهُوَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ قَدْ فَاتَ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بَعْدُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَسَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهَا كَمَا أَمَرَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ صِيَامُ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ، لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا أَبَدًا وَتُجْزِئُ عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ، وَلَمْ يَصُمْهَا صَامَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَلَا تُصَامُ عَنْهُ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ بَعْدُ، إلَّا أَنَّهُ عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى - إنْ كَانَ تَعَمَّدَ تَرْكَ صِيَامِهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُهَا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلْيَتُبْ وَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وَجَدَ هَدْيًا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صِيَامَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّهُنَّ، وَقَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ، وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ - وَقَدْ حَلَّ أَوْ لَمْ يَحِلَّ - فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ [وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ] وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الصَّوْمِ عَادَ حُكْمُهُ إلَى الْهَدْيِ -: قَالَ عَلِيٌّ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنَّمَا أَوْجَبَ - تَعَالَى - مَا أَوْجَبَ مِنْ الْهَدْيِ، أَوْ مِنْ الصَّوْمِ إنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا

بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ، فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ - حَتَّى الْآنَ - هَدْيٌ، وَلَا صَوْمٌ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ اعْتَمَرَ، وَهُوَ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صَوْمَ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَّا بِدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَإِذًا لَا شَكَّ فِي هَذَا فَإِنَّمَا حُكْمُهُ حِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالتَّمَتُّعِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ فِي أَثَرٍ حِينَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَادِرًا عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ الْهَدْيُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ مُعْسِرًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ مِنْ الْهَدْيِ بِدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ مَتَى وَجَدَ. فَإِنْ كَانَ فِي أَثَرٍ حِينَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَدْيٍ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَادِرًا عَلَى هَدْيٍ أَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ بِدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَقَاسَهُ الْحَنَفِيُّونَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَتَحِيضُ قَبْلَ إتْمَامِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ، أَوْ بِالْمُطَلَّقَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا فَتَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْحَجِّ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ الَّتِي لَمْ تَحِضْ إلَى الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِذَلِكَ نَصًّا، وَبِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ الْأَقْرَاءُ إلَّا أَنَّ الَّتِي لَمْ تَحِضْ أَوْ يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ عِدَّتُهَا الشُّهُورُ، فَإِذَا حَاضَتْ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ، وَلَا مِنْ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ بِمَا أَمَرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ تَعْتَدَّ بِهِ مِنْ الْأَقْرَاءِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ، وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ بَاقٍ عَلَيْهَا، وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، فَإِذَا مَاتَ زَوْجُهَا لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَمَا أَمَرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى، فَظَهَرَ تَخْلِيطُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، وَجَهْلُهُمْ بِالْقِيَاسِ، وَخِلَافُهُمْ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ قَاطِنِينَ فِي الْحَرَمِ بِمَكَّةَ فَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى

قَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَوَجَدْنَا النَّاسَ اخْتَلَفُوا - فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُوَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، وَصَحَّ عَنْ مَكْحُولٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمْ مَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ بُرْدٍ بِحَيْثُ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَى مَكَّةَ؛ وَصَحَّ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَذِي طُوًى. وَقَالَ سُفْيَانُ، وَدَاوُد: هُمْ أَهْلُ دُورِ مَكَّةَ فَقَطْ؛ وَصَحَّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ الْأَعْرَجِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ: أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ إلَّا أَنَّ طَاوُسًا قَالَ: إذَا اعْتَمَرَ الْمَكِّيُّ مِنْ أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ - رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ: مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ: الْحَرَمُ كُلُّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] قَالُوا كُلُّهُمْ: هِيَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ فِي الْحَرَمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: وَجَدْنَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إذَا أَرَادُوا الْحَجَّ أَوْ

الْعُمْرَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا الْمَوَاقِيتَ إلَّا مُحْرِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا قَبْلَهَا، فَصَحَّ أَنَّ لِلْمَوَاقِيتِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِي غَايَةِ الْغَثَاثَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: [نَعَمْ] فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ فَمَا وَرَاءَهَا إلَى مَكَّةَ هُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ وَهَلْ هَذَا التَّخْلِيطُ إلَّا كَمَنْ قَالَ: وَجَدْنَا كُلَّ مَنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ - فِيمَنْ لَقِيَ - وَغَارَتَهُ؟ وَوَجَدْنَا مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَهُ أَنْ يُطْلِقَ سَيْفَهُ وَغَارَتَهُ، فَصَحَّ أَنَّ لِأَهْلِ [دَارِ] الْإِسْلَامِ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ غَيْرِهَا فَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: إنَّ الْحَاضِرَ عِنْدَكُمْ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَالْمُسَافِرُ يَقْصُرُهَا فَإِذَا كَانَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالْجُحْفَةِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - وَهُمْ عِنْدَكُمْ يَقْصُرُونَ إلَى مَكَّةَ وَيُفْطِرُونَ - فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَاضِرُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنْ جَعَلَ مَنْ كَانَ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ سَاكِنًا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مِائَتَيْ مِيلٍ، وَجَعَلَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا خَلْفَ يَلَمْلَمُ لَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا، فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ؛ إذْ صَارَتْ الشَّرَائِعُ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - تُشَرَّعُ بِمِثْلِ هَذَا الرَّأْيِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَتَخْصِيصُهُ ذَا طُوًى قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَإِنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَقَوْلُهُ هُنَالِكَ خَطَأٌ فَبَنَى الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ - وَيُقَالُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْحَاضِرِ الْمُقِيمِ أَصْلًا وَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِيلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ؛ فَهَلَّا جَعَلْتُمْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؟ وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: صَاحِبًا، لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِهَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ، وَدَاوُد: فَوَهْمٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَقُلْ: حَاضِرِي مَكَّةَ، وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَسَقَطَتْ مُرَاعَاةُ مَكَّةَ هَاهُنَا،

وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَاعَى هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَقَطْ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ أَنْ نَطْلُبَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] لِنَعْرِفَ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ - إنْ تَمَتَّعَ - مِمَّنْ لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ؟ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا لَفْظَةَ " الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَرَادَ الْكَعْبَةَ فَقَطْ، أَوْ مَا أَحَاطَتْ بِهِ جُدْرَانُ الْمَسْجِدِ فَقَطْ، أَمْ أَرَادَ الْحَرَمَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ اسْمُ " مَسْجِدٍ حَرَامٍ " إلَّا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَطْ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْكَعْبَةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ لَا يَسْقُطُ الْهَدْيُ إلَّا عَمَّنْ أَهْلُهُ فِي الْكَعْبَةِ وَهَذَا مَعْدُومٌ وَغَيْرُ مَوْجُودٍ. وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَرَادَ مَا أَحَاطَتْ بِهِ جُدْرَانُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَدْ زِيدَ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةً فَكَانَ لَا يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ يَنْتَقِلُ وَلَا يَثْبُتُ. وَأَيْضًا فَكَانَ لَا يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا لِمَنْ أَهْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَقَدْ صَحَّ الثَّالِثُ إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَقَعُ عَلَى الْحَرَمِ كُلِّهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَصَّ بِهَذَا الْحُكْمِ بَعْضُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ بَيَّنَ عَلَيْنَا فَقَالَ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ بَعْضٍ لَمَا أَهْمَلَ ذَلِكَ وَلَبَيَّنَهُ، أَوْ لَكَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - مُعَنِّتًا لَنَا غَيْرَ مُبَيِّنٍ عَلَيْنَا مَا أَلْزَمَنَا، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَظُنَّ هَذَا مُسْلِمٌ. فَصَحَّ إذْ لَمْ يُبَيِّنْ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّهُ أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ بَعْضٍ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - تَعَالَى - أَرَادَ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ - تَعَالَى - أَرَادَ الْحَرَمَ كُلَّهُ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى. وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْفَةَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» .

مسألة المتمتع كان له أهل حاضرو المسجد الحرام وأهل غير حاضرين

فَصَحَّ أَنَّ الْحَرَمَ مَسْجِدٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ كُلُّهُ مَسْجِدٌ حَرَامٌ فَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِلَا شَكٍّ، وَالْحَاضِرُونَ هُمْ الْقَاطِنُونَ غَيْرُ الْخَارِجِينَ؛ فَصَحَّ أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ قَاطِنِينَ الْحَرَمَ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ مَنْ سَكَنَ خَارِجًا مِنْهُ بِقُرْبِهِ هُمْ حَاضِرُوهُ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ: وَبُرْهَانُ فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّنَا نَسْأَلُكُمْ عَنْ تَحْدِيدِ ذَلِكَ الْقُرْبِ الَّذِي يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ حَاضِرًا مِمَّا يَكُونُ مَنْ هُوَ فِيهِ غَيْرَ حَاضِرٍ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَى تَفْصِيلِهِ إلَّا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا خَطٌّ بَعْدَ خَطٍّ إلَى مُنْقَطَعِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ: «سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّهُ الْحَرَمُ كُلُّهُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمْ تُبْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا بَنَاهَا إبْرَاهِيمُ، وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: 127] وَلَمْ يُبْنَ الْمَسْجِدُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ أَبَدًا حَتَّى يَعُمَّ بِهِ جَمِيعَ الْحَرَمِ يُسَمَّى مَسْجِدًا حَرَامًا، وَأَنَّهُ لَوْ زِيدَ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ لَمْ يُسَمَّ مَا زِيدَ فِيهِ مَسْجِدًا حَرَامًا، فَارْتَفَعَ كُلُّ إشْكَالٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. [مَسْأَلَةٌ المتمتع كَانَ لَهُ أَهْلٌ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَهْلٌ غَيْرُ حَاضِرِينَ] مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ 836 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَهْلٌ غَيْرُ حَاضِرِينَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صَوْمَ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَنْ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَتَمَتَّعَ، فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ فَأَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ. وَقَدْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَهْلِهِمْ فَوَجَبَ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ، فَصَحَّ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَيْسَ أَهْلُهُ

حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنَّمَا أَقَامَ [رَسُولُ اللَّهِ]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَكَّةَ أَرْبَعًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ رَجَعْنَا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنَّهُ إنْ أَقَامَ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَلَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا مُذْ يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَى أَنْ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَهُوَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يُقْصِرُ الصَّلَاةَ. وَإِنْ كَانَ مَكِّيٌّ لَا أَهْلَ لَهُ أَصْلًا، أَوْ لَهُ أَهْلٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَتَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَالْأَهْلُ: هُمْ الْعِيَالُ خَاصَّةً هَاهُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قُرَيْشٍ فَإِنَّ أَهْلَهُمْ كَانُوا بِمَكَّةَ - يَعْنِي أَقَارِبَهُمْ - فَلَمْ يُسْقِطْ هَذَا عَنْهُمْ حُكْمَ الْهَدْيِ أَوْ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى الْمُتَمَتِّعِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ رَأْسٌ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ، أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ بَيْنَ عَشْرَةٍ فَأَقَلَّ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَمَتِّعِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ، أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لَحْمًا لِلْأَكْلِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ لِنَذْرٍ أَوْ لِتَطَوُّعٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَاسْمُ الْهَدْيِ يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ، وَالْبَقَرَةِ، وَالْبَدَنَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ فِي ذَلِكَ الشَّاةَ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَرُوِيَ عَنْهَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا فِي ذَلِكَ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ - عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْت إلَى أَهْلِك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ - وَهُمْ يَذْكُرُونَ الشَّاةَ - فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: شَاةٌ شَاةٌ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ؛ لَا؛ بَلْ بَقَرَةٌ، أَوْ نَاقَةٌ - وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.

وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ التَّرْتِيبَ - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسٍ يَزْعُمُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِقَدْرِ يَسَارِ الرَّجُلِ إنْ اسْتَيْسَرَ جَزُورٌ فَجَزُورٌ، وَإِنْ اسْتَيْسَرَ بَقَرَةٌ فَبَقَرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْسِرْ إلَّا شَاةً فَشَاةً. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا اسْتَيْسَرَ وَتَيَسَّرَ. قَالَ: فَإِنْ اسْتَيْسَرَ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِ، وَتَيَسَّرَ مَا شَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَا شُعْبَةُ نَا أَبُو جَمْرَةَ هُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ - قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الْمُتْعَةِ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْته عَنْ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ؛ وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي تَفْسِيرِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهَذَا نَأْخُذُ. فَأَمَّا إجَازَةُ الشَّاةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: وَأَمَّا الشِّرْكُ فِي الدَّمِ فَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ؛ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَا يَجُوزُ الشِّرْكُ فِي الدَّمِ إلَّا بِأَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَهُ لِلْهَدْيِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُمْ. وَقَالَ صَاحِبُهُ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَنْ تَكُونَ أَسْبَابُهُمْ وَاحِدَةً، مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَمَتِّعِينَ، أَوْ كُلُّهُمْ مُفْتَدِينَ، وَنَحْوُ هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: كَمَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّهُمْ [كُلَّهُمْ] قَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ. فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: يَقُولُونَ: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، مَا أَعْلَمُ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلَّا عَنْ النَّفْسِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنْت أَشْعُرُ أَنَّ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلَّا عَنْ النَّفْسِ

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ وَمَا يُرَاقُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سِيرِينَ؛ وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا - وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا إلَى إجَازَةِ الِاشْتِرَاكِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ هَاهُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَلَا شَعَرَ بِهِ، وَلَيْسَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ الْقَاضِي نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُوسَى الْعُقَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَاشِمِيُّ نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ نَا عَرِيفُ بْنُ دِرْهَمٍ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْجَزُورُ، وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إجَازَتُهُ عَنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا، وَقَدْ جَاءَ هَذَا نَصًّا عَنْهُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ نُمَيْرٍ نَا مُجَالِدٌ عَنْ «الشَّعْبِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: الْبَقَرَةُ، وَالْبَعِيرُ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ؟ أَلَهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ؟ فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ أَفْتَوْنِي؛ فَقَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا شَعَرْتُ» ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ حَمَّادٌ، وَالْحَكَمُ، لَكِنْ كَرِهَاهُ فَقَطْ، فَصَحَّ أَنَّهُمَا مُجِيزَانِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ سِيرِينَ رَأْيٌ لَا عَنْ أَثَرٍ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ آنِفًا أَنَّهُ رَأَى الصَّوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يُجِزْ الشَّاةَ فِي ذَلِكَ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ سَأَلَ عَمَّنْ يُهْدِي جَمَلًا؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْبَاطِلِ الْفَاحِشِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ، أَوْ غَيْرُهُ حُجَّةً فِي مَكَان غَيْرَ حُجَّةٍ فِي [مَكَان] آخَرَ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشْرِكُونَ السَّبْعَةَ فِي الْبَدَنَةِ مِنْ الْإِبِلِ.

وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زَافِرٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: أَنَا وَأُمِّي أَخَذْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مِنْ بَقَرَةٍ عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْأَضْحَى. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: تُنْحَرُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: الْبَقَرَةُ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْبَقَرَةُ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: الْجَزُورُ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَصَحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أُبَيٌّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - نَا «جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَجَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهَا فَنَحَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، فَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا - وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى نَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَلْيَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَضَرَ النَّحْرُ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ عَشَرَةٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ نَا قَتَادَةُ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ -: فَهَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، عَلَى أَنَّنَا إذَا تَأَمَّلْنَا فِعْلَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. وَكَذَلِكَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا إنَّمَا فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: نَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ، وَهَذَا حَقٌّ وَدَيْنٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ مَنْ نَحَرَهُمَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، أَوْ عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ". وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ» . فَنَعَمْ، قَالَ: الْحَقُّ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ إنْ جَاءَ بُرْهَانٌ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ بِالدَّعْوَى. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيّ قَالَا [جَمِيعًا] : ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَمَّنْ اعْتَمَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ» .

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ - نَا جَرِيرُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُنَّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ تِسْعًا خَرَجَتْ مِنْهُنَّ عَائِشَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَكِنَّهَا أَرْدَفَتْ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا كَمَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ فَبَقِيَ ثَمَانٍ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ كَمَا تَسْمَعُ وَنَحَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُنَّ كُلِّهِنَّ بَقَرَةً وَاحِدَةً فَهَذَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهْدَى عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ؟ قُلْنَا: هَذَا لَفْظٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ حَدِيثًا، وَفِيهِ: «فَأَتَيْنَا بِلَحْمٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ» . وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ عَمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ مِنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَبَيَّنَ مَا أَجْمَلَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ " وَفِيهِ «قَالَتْ: فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ» . فَبَيَّنَ سُفْيَانُ فِي هَذَا الْخَبَرِ - وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ نَفْسُهُ - أَنَّ تِلْكَ الْبَقَرَ كَانَتْ أَضَاحِيَ، وَالْأَضَاحِيُّ غَيْرُ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِلَا شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ وَنَجْمَعَ النَّفَرَ مِنَّا فِي الْفِدْيَةِ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي هَدْيِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا سَنَدٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَبَيَانٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَالْبَقَرُ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ

وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ؛ فَنَظَرْنَا فِي الْآيَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ - تَعَالَى - أَيْضًا يَقُولُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ فَجَازَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْهَدْيِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَقَطْ؟ قُلْنَا: لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي هَدْيِ فَرْضٍ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ؟ وَالثَّانِي: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ حُنَيْنٍ " وَفِيهِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ بِأَنَّ شَاةً تُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ، وَالْإِحْصَارِ، وَالتَّطَوُّعِ، وَقَدْ عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ شِيَاهٍ بِبَعِيرٍ. فَصَحَّ أَنَّ الشَّاةَ بِإِزَاءِ عُشْرِ الْبَعِيرِ جُمْلَةً؛ وَأَنَّ الْبَقَرَةَ كَالْبَعِيرِ فِي جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا. فَصَحَّ أَنَّ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ يُجْزِئَانِ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْهُ عَشْرُ شِيَاهٍ، وَعَشْرُ شِيَاهٍ تُجْزِئُ عَنْ عَشْرَةٍ، فَالْبَعِيرُ، وَالْبَقَرَةُ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ عَشَرَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَبِهِ نَقُولُ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ اخْتِلَافِ أَغْرَاضِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْهَدْيِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لِلْبَيْعِ، أَوْ لِلْأَكْلِ لَا لِلْهَدْيِ فَلَمْ تَحْصُلْ الْبَدَنَةُ، وَلَا الْبَقَرَةُ مُذَكَّاةً لِلْهَدْيِ الْمَقْصُودِ بِهِ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. وَحُجَّةُ زُفَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ إذَا اشْتَرَكَ فِيهِ الْمُحْصِرُ، وَالْمُتَمَتِّعُ، وَالْمُتَطَوِّعُ، وَالْقَارِنُ، فَلَمْ يَحْصُلْ مُذَكًّى لِمَا قَصَدَهُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَالذَّكَاةُ لَا تَتَبَعَّضُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا

أَوْرَدْنَا أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّفَرُ مِنْهُمْ فِي الْهَدْيِ وَأَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ اتَّفَقَتْ أَغْرَاضُهُمْ مِمَّنْ اخْتَلَفَتْ؛ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا فِي الْهَدْيِ بِالتَّذْكِيَةِ وَبِالنِّيَّةِ عَمَّا يَقْصِدُهُ الْمَرْءُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَحَصَلَتْ الْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ مُذَكَّاةٌ إذْ ذُكِّيَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِأَمْرِ مَالِكِهَا وَسَمَّى اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَيْهَا؛ ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا نِيَّةٌ، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَأَحْكَامُ جُمْلَتِهَا أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ؛ وَحُكْمُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا مَا نَوَاهُ فِيهِ مَالِكُهُ، وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ سَبْعَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ، أَوْ الْبَعِيرِ وَبَيْنَ سَبْعِ شِيَاهٍ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ أَغْرَاضُهُمْ مُتَّفِقَةً وَكَانَ سَبَبُهُمْ كُلُّهُمْ وَاحِدًا، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ بَعْضِهِمْ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ بَعْضِهِمْ؛ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْمُتَقَبَّلِ مِنْهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ أَوْ يَنْحَرَهُ مَتَى شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ، وَيَنْحَرَهُ إلَّا بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ - تَعَالَى - عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، لَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ [بِلَا شَكٍّ] فَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَتَمَتَّعْ بَعْدُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَإِذْ لَمْ يَتَمَتَّعْ بَعْدُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَالْهَدْيُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَنْ وَاجِبٍ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ؛ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فَلَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ [عَلَيْهِ] هَدْيٌ بَعْدُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ عَمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَمَّا ذَبْحُهُ وَنَحْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِأَنَّ هَذَا الْهَدْيَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَنَا أَوَّلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ، وَلَمْ يَحُدَّ آخِرَ وَقْتَ وُجُوبِهِ بِحَدٍّ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَيْنٌ بَاقٍ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدَّى؛ وَالْأَمْرُ بِهِ ثَابِتٌ حَتَّى يُؤَدَّى؛ وَمَنْ خَصَّهُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مَا لَمْ يَقُلْهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ هَدْيُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ بَلْ هُوَ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ؛ وَالْعَجَبُ مِنْ تَجْوِيزِ أَبِي حَنِيفَةَ

تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ وَإِجَازَةِ أَصْحَابِهِ لِمَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَصَامَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ ثُمَّ لَا يُجِيزُونَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يُجْزِئُ فِي كُلِّ بَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَحُدَّ مَوْضِعَ أَدَائِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَصْرَهُ عَلَى مَكَان دُونَ مَكَان لَبَيَّنَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَلَمْ يَقُلْ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَلَا فِي هَدْيِ الْمُحْصِرِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَإِنْ قِيلَ: نَقِيسُ الْهَدْيَ عَلَى الْهَدْيِ فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّحْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَقِيسُوهُ عَلَيْهِ فِي تَعْوِيضِ الْإِطْعَامِ مِنْ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ هَذَا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِكُمْ وَتَنَاقُضُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] . فَجَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ شَعَائِرَ اللَّهِ - تَعَالَى - {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَأَنَّ الْبُدْنَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ {مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْهَدْيِ كُلِّهِ كَحُكْمِ الْبُدْنِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَدْ نَحَرْتُ هُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» . نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُسَدَّدٌ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ: هَذَا الْمَنْحَرُ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ»

«وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مِنًى: هَذَا الْمَنْحَرُ، وَفِجَاجُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» فَصَحَّ أَنَّهُ حَيْثُمَا نُحِرَتْ الْبُدْنُ، وَالْإِهْدَاءُ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ وَمِنًى - وَهُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ - فَقَدْ أَصَابَ النَّاحِرُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَحْرُ الْبُدْنِ وَالْهَدْيِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ إلَّا مَا خَصَّهُ النَّصُّ مِنْ هَدْيِ الْمُحْصِرِ، وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَكَّةَ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ قَالَا: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ فَهُوَ بِمَكَّةَ، وَالصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ حَيْثُ شِئْتَ - وَعَنْ مُجَاهِدٍ: انْحَرْ حَيْثُ شِئْت. وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ سَاكِنِينَ فِي الْحَرَمِ؟ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي تَمَتُّعِهِ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ، وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي تَمَتُّعِهِ - وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُسِيءٌ فِي تَمَتُّعِهِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] . قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَرَادَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ فَصَحَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا هِيَ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي التَّمَتُّعِ إنَّمَا هُوَ نُسُكٌ زَائِدٌ وَفَضِيلَةٌ وَلَيْسَ جَبْرًا لِنَقْصٍ كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا يُحَقِّقُ؛ فَهُوَ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ. بُرْهَانُ صِحَّةِ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، وَلَأَحْلَلْتُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِفَضْلِ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهَا أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَأَسْقَطَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْهَدْيَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالصَّوْمَ فِيهَا لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ الرِّفْقُ بِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَوْ كَلَّفَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ حَرَجًا عَلَيْهِمْ لِسُهُولَةِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِمْ وَلِإِمْكَانِهَا لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلَافِ أَهْلِ الْآفَاقِ. وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَيُبْطِلُ قَوْلَ الْمُخَالِفِ: أَنَّ الْآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ لَحُرِّمَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ؛ وَهَذَا خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الْحَضِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ. رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ نَا الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ، وَوَكِيعٌ، قَالَ هُشَيْمٌ: نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ؛ ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: لَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ؛ ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ قَالَا جَمِيعًا فِي الْمَكِّيِّ يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ فَيَعْتَمِرُ مِنْهُ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ - وَبِهَذَا نَقُولُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَتَمَتَّعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - وَزَعَمَ الْمَالِكِيُّونَ: أَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا جُعِلَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لِإِسْقَاطِهِ سَفَرَ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ بَحْتٌ، وَالْعَجَبُ مِنْ تَسْهِيلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَفْتَضِحُونَ بِهِ مِنْ قُرْبٍ، وَيُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ الْعِلَّةُ نَفْسُهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ فَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ، وَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ عَلَيْهِ هَدْيًا وَلَا صَوْمًا، ثُمَّ تَقُولُونَ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَا وَرَاءَ أَبْعَدِ الْمَوَاقِيتِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، أَوْ الشَّامِ، أَوْ الْعِرَاقِ: أَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صَوْمَ، وَلَمْ يَسْقُطْ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ، وَيَقُولُونَ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ لَا يُرِيدُ حَجًّا، وَكَانَتْ حَاجَتُهُ بِعُسْفَانَ، أَوَبِبَطْنٍ؛ فَلَمَّا صَارَ بِهَا بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَحَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ: فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ

المتمتع الذي يجب عليه الصوم أو الهدي

إلَى الْحَجِّ، وَإِلَى الْعُمْرَةِ أَيْضًا؛ وَلَعَمْرِي مَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ، أَوْ عَقْلٌ أَنْ يُطْلِقَ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - نَتَأَيَّدُ. [الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ الْهَدْيُ] وَأَمَّا قَوْلُنَا -: وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ الْهَدْيُ هُوَ مَنْ ابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ لَهَا فِي أَحَدِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا، وَيُتِمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ إلَى أُفُقٍ أَبْعَدَ مِنْ مَنْزِلِهِ، أَوْ مِثْلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ، أَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ، اعْتَمَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ عُمَرًا كَثِيرَةً أَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ؛ فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ هِلَالِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلَا صَوْمَ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ عَمِلَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَّا أَنْ يَعْتَمِرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا -: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَيْسَ بِاَلَّذِي تَصْنَعُونَ يَتَمَتَّعُ أَحَدُكُمْ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ، وَلَكِنَّ الْحَاجَّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ أَوْ كُسِرَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: الْمُتْعَةُ لِمَنْ أُحْصِرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَيِّ - أَشْهُرِ السَّنَةِ كَانَتْ عُمْرَتُهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَهَذَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يَحُجَّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَاعْتَمَرَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ الْمُتَمَتِّعُ إلَّا مِنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ حَفْصٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَا جَمِيعًا: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، ذَاكَ مَنْ أَقَامَ وَلَمْ يَرْجِعْ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَا جَمِيعًا: مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا قَبْلَهَا، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَإِنْ خَرَجَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ حَتَّى يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ فِيهِ فَإِذَا سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ طَافَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ

مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: أَحْرَمْنَا بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ فَسَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ - وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ - فَكُلُّهُمْ قَالَ: هِيَ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ مَطَرٍ بِصَلَاتِهِ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَهَلَّ فِي رَمَضَانَ وَطَافَ فِي شَوَّالٍ قَالَا جَمِيعًا: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي طَافَ فِيهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَبَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا؛ فَإِنْ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ هِلَالِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ هِلَالِ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا دَخَلَ الْمُحْرِمُ الْحَرَمَ قَبْلَ أَنْ يَرَى هِلَالَ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ أَنْ يَرَى هِلَالَ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا مَكَثَ إلَى الْحَجِّ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِثْلَ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَدْ اسْتَمْتَعَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، أَوْ الصِّيَامُ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَيْفٍ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَنَّ قَوْمًا اعْتَمَرُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَيْهِمْ الْهَدْيُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُعْتَمِرًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ مِيقَاتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، قُلْت لَهُ: أَرَأْيٌ أَمْ عِلْمٌ؟ قَالَ: بَلْ عِلْمٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا وَافَقْنَا عَطَاءً فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ إلَّا مَنْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُحْرِمًا ثُمَّ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَلَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا، بَلْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ، قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ قَالَا: فِي الْمُتَمَتِّعِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ [أُخْرَى] : إنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ كَذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ، فَمَا دُونِهَا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ، فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَجَعَ إلَى مَا وَرَاءَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَقَالُوا: مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلَا هَدْيَ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّ عُمْرَتَهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهَدْيِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ حَلَّ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ لِإِحْلَالِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ فَأَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إلَى أُفُقٍ دُونَ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا - وَكَذَلِكَ الَّذِي يَعْتَمِرُ فِي شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أُفُقِهِ أَوْ أُفُقٍ مِثْلِ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ اعْتَمَرَ أَكْثَرَ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ أَوْ خَرَجَ إلَى مَا دُونَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ فَإِنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَوْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْسِيمِهِ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْوَاطِ وَالْأَقَلِّ فِيمَا يَكُونُ بِهِ مُتَمَتِّعًا، فَقَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ

صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ؛ وَلَا قِيَاسٍ. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّهُ عَوَّلَ عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ طَافَتْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُتْعَةِ، وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَيْضًا فِيهَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ «أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْحَائِضَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَلِأَنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُعْتَمِرَ - الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ - الْمُرِيدَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى الْآثَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرِهِ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْإِحْلَالِ؛ وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الْآثَارِ لِقَوْلٍ أَبِي حَنِيفَةَ جَهْلٌ مُظْلِمٌ وَقَوْلٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ تَعَمُّدٌ - مِمَّنْ يَعْلَمُ الْكَذِبَ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكِلَاهُمَا بَلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْآثَارِ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ مِنْ الْمُفْرِدِينَ لِلْحَجِّ وَالْقَارِنِينَ بِالْإِحْلَالِ، وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ؛ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ مُعْتَمِرًا لَمْ يُقْرِنْ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي ذِكْرِنَا عَمَلَ الْحَجِّ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ السَّعْيِ لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَهُلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا لَهُ أَيْضًا مُتَعَلَّقٌ فِي ذَلِكَ لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ وَلَا قِيَاسٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ مَحْضَةٌ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي سَائِرِ الْأَقْوَالِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ -: أَحَدُهَا: مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالثَّانِي: مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ وَالثَّالِثُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ وَالرَّابِعُ: هَلْ الْمُتَمَتِّعُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْ لَيْسَ هَذَا مُتَمَتِّعًا؟ -: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ هَذَا فَوَجَدْنَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -] قَدْ خَالَفُوهُ؛ وَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ؛ بَلْ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى خَطَئِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَمَّى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إدْرَاكِ الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ: مُحْصَرًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ: مُتَمَتِّعًا - وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِ

وَبَيْنَ حُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ، قَالَ - تَعَالَى -: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَفَرَّقَ - تَعَالَى - بَيْنَ اسْمَيْهِمَا وَبَيْنَ حُكْمَيْهِمَا؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ طَاوُسٍ: إنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا إلَّا مَنْ حَجَّ بَعْدَ عُمْرَتِهِ لِوُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ اعْتَمَرَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا، وَبَعْضَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا، وَفِيمَنْ أَقَامَ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يُقِمْ لَكِنْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ أَوْ لَا تُقْصَرُ، أَوْ إلَى مِيقَاتٍ أَوْ وَرَاءَ مِيقَاتٍ إلَى بَلَدِهِ أَوْ مِثْلِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَكَانَ كُلُّ هَؤُلَاءِ مُمْكِنًا فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ: مُتَمَتِّعٌ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَمُمْكِنًا أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا اسْمُ: مُتَمَتِّعٌ - فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقِعَ عَلَى أَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةِ هَدْيٍ أَوْ إيجَابُ صَوْمٍ بِالظَّنِّ إلَّا بِبَيَانٍ جَلِيٍّ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَلْزَمَهُ ذَلِكَ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى، فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ

حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ؛ فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ مَنْ هُوَ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ؟ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِهَذَا أَصْحَابَهُ الْمُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَهُمْ قَوْمٌ ابْتَدَءُوا الْإِحْرَامَ لِعُمْرَتِهِمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجُّوا فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ - فَخَرَجَ بِهَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ كُلُّ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ أَقَلِّهَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُخَاطِبْ بِهَذَا الْحُكْمِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِلَا شَكٍّ وَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي أَمْرِ هَؤُلَاءِ بِيَقِينٍ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ عَمِلَ الْأَكْثَرَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ دُونَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ؟ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ هُوَ الْأَكْثَرُ؟ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَك وَعِنْدَنَا إحْرَامُ مُدَّةٍ ثُمَّ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ سَبْعَةِ أَطَوَافً بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ فَالْبَاقِي بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْوَاطِ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا مَضَى لَهُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ عَمِلَ مِنْ عُمْرَتِهِ شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ دُونَ أَنْ تَقُولَ: إنْ عَمِلَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ وَلَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلًا؛ وَكِلْتَا الدَّعْوَتَيْنِ تُعَارِضُ الْأُخْرَى، وَكِلْتَاهُمَا لَا شَيْءَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَبَقِيَ أَمْرُ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ اعْتِمَارِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى بَلَدِهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ، أَوْ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ -: فَوَجَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - مُرَادَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَلَى مَنْ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ إقَامَةً بِمَكَّةَ وَتَرْكَ خُرُوجٍ مِنْهَا أَصْلًا {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَوْ كَانَ هَذَا

مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَهُ حَتَّى نَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى بَيَانٍ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ، وَظَنٍّ كَاذِبٍ، وَتَدَافُعٍ مِنْ الْأَقْوَالِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ: «وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ» بَيَانٌ بِإِبَاحَةِ الْمُهْلَةِ بَيْنَ الْإِحْلَالِ وَالْإِهْلَالِ؛ وَلَا مَانِعَ لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَاجَةٌ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَكَّةَ لَهَا - فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؟ وَهَكَذَا يُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ وَهَلَّا خَصَّصَتْ بِسُقُوطِ التَّمَتُّعِ مَنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ فَقَطْ؛ وَيُقَالُ لَهُمَا جَمِيعًا: هَلَّا قُلْتُمَا مَنْ خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؟ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ؟ فَنَقُولُ لِمَنْ قَالَ هَذَا: قُلْت الْبَاطِلَ، وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَطُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ وَلَا مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ وَلَا مِنْ مِيقَاتٍ وَلَا بُدَّ؛ بَلْ أَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْحَجِّ لَوْ خَرَجَ تَاجِرًا أَوْ مُسَافِرًا لِبَعْضِ الْأَمْرِ قَبْلَ مِقْدَارٍ مَا إنْ أَرَادَ الْحَجَّ كَانَتْ لَهُ مُهْلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْتِ الَّذِي إذَا أَهَلَّ [فِيهِ] أَدْرَكَ الْحَجَّ عَلَى سَعَةٍ وَمَهْلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى مَكَّةَ حِينَئِذٍ أَصْلًا، وَأَنَّهُ إنْ قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِحَاجَتِهِ فَقَرُبَ وَقْتُ الْحَجِّ وَهُوَ بِمُسْتَطِيعٍ لَهُ فَحَجَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَتَمِّ مَا يَلْزَمُهُ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَأْتِ لِلْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيمَنْ جَازَ عَلَى مِيقَاتٍ لَا يُرِيدُ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً، وَلَا دُخُولَ مَكَّةَ لَكِنْ لِحَاجَةٍ لَهُ فِي رِهَاطٍ أَوْ فِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِهْلَالُ مِنْ هُنَالِكَ، وَأَنَّهُ إنْ

بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَدْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَإِنَّهُ يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ، وَحَجُّهُ تَامٌّ وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ بَلَدِ الْإِنْسَانِ، أَوْ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ، أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ، وَلَا الْعُمْرَةِ - فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الْفَاسِدَةُ جِدًّا، وَكَانَ تَعَارُضُهَا وَتَوَافُقُهَا بُرْهَانًا فِي فَسَادِ جَمِيعِهَا، فَإِنْ قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَتُّعُ؟ قُلْنَا لَهُ: قَدْ قُلْتَ الْبَاطِلَ، وَاحْتَجَجْت لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، وَلِدَعْوَى كَاذِبَةٍ، وَكَفَى بِهَذَا مَقْتًا. فَإِنْ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لَا هَدْيَ عَلَيْهِمْ وَلَا صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ؟ قُلْنَا: قُلْت الْبَاطِلَ وَادَّعَيْت مَا لَا يَصِحُّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَك لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْك؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا هَدْيَ عَلَيْهِمْ، وَلَا صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقِيمُ بِهَا حَتَّى يَحُجَّ كَذَلِكَ، بَلْ الْهَدْيُ عَلَيْهِ، أَوْ الصَّوْمُ؛ فَهَلَّا إذْ كَانَ عِنْدَك مَنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ فَمَا دُونَهُ إلَى مَكَّةَ يَصِيرُ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَلَيْهِ، جَعَلْت أَيْضًا الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَنْهُمَا - فَظَهَرَ تَنَاقُضُ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ أَيْضًا. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى مَكَان تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ: مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَصْلًا. فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ سَافَرَ إلَى الْحَجِّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا الَّذِي جَعَلَ سَفَرَهُ مُسْقِطًا لِلْهَدْيِ، وَالصَّوْمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ؟ هَاتُوا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا غَلِطَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ فِي إيجَابِهِمْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ: أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ

الوقوف بالهدي بعرفة

كَانَ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ بَيَّنَ إثْرَ هَذَا الْكَلَامِ صِفَةَ «عَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» فَذَكَرَ صِفَةَ الْقِرَانِ. وَهَكَذَا صَحَّ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ، وَعَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ أَهْدَوْا بِأَنْ لَا يَحِلُّوا إنَّمَا كَانُوا قَارِنِينَ - وَهَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَ عُمْرَتِهِ» فَعَادَ احْتِجَاجُهُمْ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، أَوْ الصَّوْمُ - وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ عُمْرَتِهِ، وَحَجِّهِ مِنْ مَكَّةَ أَمُتَمَتِّعٌ [هُوَ] أَمْ لَا؟ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ، وَمَا أَجْمَعَ النَّاسُ قَطُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ؛ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الْمُحْصَرُ لَا مَنْ حَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ، وَلَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الْإِجْمَاعِ مَعَ وُرُودِ بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا إيجَابَ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يُجْمِعْ النَّاسُ عَلَيْهَا؛ وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ بَلْ إذَا تَنَازَعَ النَّاسُ رَدَدْنَا ذَلِكَ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ لَا نُرَاعِي مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ بَيَانِ السُّنَّةِ فِي أَحَدِ أَقْوَالِ الْمُتَنَازِعِينَ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [الْوُقُوفُ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ] وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَجِبُ الْوُقُوفُ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ وَقَفَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَحَسَنٌ؛ فَإِنَّ مَالِكًا وَمَنْ قَلَّدَهُ قَالَ: لَا يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي يُبْتَاعُ فِي الْحَرَمِ إلَّا أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ وَلَا بُدَّ؛ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ إنْ كَانَ وَاجِبًا؛ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُنْحَرُ بِمَكَّةَ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْحَرَ بِمِنًى، فَإِنْ اُبْتِيعَ الْهَدْيُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ أَجْزَأَ، وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ - وَالْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَكُونُ هَدْيًا إلَّا مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ -:

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا مَعْنَى لِلتَّعْرِيفِ بِالْهَدْيِ سَوَاءٌ اُبْتِيعَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ، إنْ عَرَّفَ فَجَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ فَجَائِزٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا قَبْلَهُ وَلَا مَعَهُ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا أَصْلًا لَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ سَلَفٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ مَعْنَى. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَإِسْرَائِيلَ، وَيُونُسَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ حَجَّاجٌ: عَنْ عَطَاءٍ؛ وَقَالَ إسْرَائِيلُ: عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ طَاوُسٍ " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّفَ بِالْبُدْنِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، ثُمَّ إنَّ الْحَجَّاجَ، وَإِسْرَائِيلَ، وَثُوَيْرًا كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ لَا أَمْرٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَالِكٍ لِأَنَّهُ شَرَطَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهَدْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سِيقَ مِنْ الْمَدِينَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ وَمَالِكٌ لَا يُوجِبُ التَّوْقِيفَ بِعَرَفَةَ فِيمَا أُدْخِلَ مِنْ الْحِلِّ. وَيُحْتَجُّ لِقَوْلِ اللَّيْثِ أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا هَدْيَ إلَّا مَا قُلِّدَ، وَسِيقَ، وَوُقِفَ بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ هَدْيٍ لَمْ يُشْعَرْ وَيُقَلَّدْ وَيُفَضْ بِهِ مِنْ عَرَفَةَ فَلَيْسَ بِهَدْيٍ إنَّمَا هِيَ ضَحَايَا. قَالَ عَلِيٌّ: مَالِكٌ لَا يُحْتَجُّ [لَهُ] بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى التَّرْكَ لِلتَّقْلِيدِ وَلِلْإِشْعَارِ مَانِعًا مِنْ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا. قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ فِي هَذَا غَيْرَهُ - مِنْ الصَّحَابَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنْ شِئْت فَعَرِّفْ الْهَدْيَ، وَإِنْ شِئْت فَلَا تُعَرِّفْ بِهِ إنَّمَا أَحْدَثَ النَّاسُ السِّيَاقَ مَخَافَةَ السُّرَّاقِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: دَعَا الْأَسْوَدُ

مَوْلًى لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَنِي بِمَا قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ: نَعَمْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْت: أُعَرِّفُ بِالْهَدْيِ؟ فَقَالَتْ: لَا عَلَيْك أَنْ لَا تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَعْرِيفِ بَدَنَةٍ أُدْخِلَتْ مِنْ الْحِلِّ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ هَدْيًا إلَّا مَا عُرِّفَ بِهِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَأْتِ أَمْرٌ بِتَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا يَجِبُ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي أَحَدِهِمَا، وَلَا قِيَاسَ يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ إنَّمَا تَلْزَمُ النَّاسَ لَا الْإِبِلَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَلَا هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ غَيْرُ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَهُوَ هَدْيُ تَطَوُّعٍ سَوَاءٌ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ فَإِنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ قَالَا: عَلَى الْقَارِنِ هَدْيٌ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي تَعْوِيضِ الصَّوْمِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، وَلَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ عِنْدَهُمَا هَدْيٌ، وَلَا صَوْمٌ إنْ قَرَنَ، كَمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّمَتُّعِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ أَنَّ مَكِّيًّا قَرَنَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ تَمَتَّعَ الْمَكِّيُّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - لَا هَدْيَ، وَلَا صَوْمَ - وَإِنْ قَرَنَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا بُدَّ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوَّضَ مِنْهُ صَوْمٌ - وَجَدَ هَدْيًا أَوْ لَمْ يَجِدْ - وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ: وَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ - قَالَ: فَإِنْ تَمَتَّعَ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِيمَا وَرَاءَ الْمَوَاقِيتِ أَوْ قَرَنَ؛ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ - وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ وُجُوهٌ جَمَّةٌ مِنْ الْخَطَأِ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ تَقْسِيمٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي - تَفْرِيقُهُ بَيْنَ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ، وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَ قِرَانِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ بِلَا بُرْهَانٍ. الثَّالِثُ - تَعْوِيضُهُ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ، وَمَنْعُهُ مِنْ تَعْوِيضِهِ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ الْمَكِّيِّ؛ كُلُّ ذَلِكَ رَأْيٌ فَاسِدٌ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهِ، وَلَا دَلِيلَ أَصْلًا.

فَقَالُوا: إنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَرَنَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي إسَاءَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْ هَدْيهِ دَمٌ؟ وَهَذَا قَاتِلُ الصَّيْدِ مُحْرِمًا دَاخِلٌ فِي أَعْظَمِ الْإِسَاءَةِ وَأَشَدِّ الْإِثْمِ، وَقَدْ عَوَّضَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا وَإِطْعَامًا وَخَيَّرَهُ فِي أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ؟ وَهَذَا الْمُحْصَرُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ بَلْ مَأْجُورٌ مَعْذُورٌ وَلَمْ يُعَوِّضْ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا وَلَا إطْعَامًا؛ فَكَمْ هَذَا التَّخْلِيطُ وَالْخَبْطُ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِشَرْعِ الشَّرَائِعِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ؟ وَأَيْضًا: فَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُمْ إذَا تَمَتَّعَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ أَوْ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي إسَاءَةٍ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ هَدْيًا كَاَلَّذِي جَعَلُوا فِي الْقِرَانِ عَلَيْهِ؟ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي إسَاءَةٍ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ إذَا قَرَنَ فِي إسَاءَةٍ؟ فَهَلْ فِيمَا يَأْتِي بِهِ الْمَمْرُورُونَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ الْمَكِّيُّ وَلَا غَيْرُهُ مُسِيئًا فِي قِرَانِهِ وَلَا فِي تَمَتُّعِهِ بَلْ هُمَا مُحْسِنَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ وَلَا فَرْقَ؛ فَسَقَطَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَظِيمِ تَنَاقُضِهِ وَفَسَادِهِ، وَأَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُمَا قَاسَا الْقِرَانَ عَلَى الْمُتْعَةِ فِي الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ خَطَأٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَبَهَ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَجْعَلُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلَالًا وَلَا يَجْعَلُ الْقَارِنُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلَالًا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَارِنَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَنَا لَا يَطُوفُ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا وَلَا يَسْعَى إلَّا سَعْيًا وَاحِدًا وَالْمُتَمَتِّعُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَارِنَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ وَالْمُتَمَتِّعُ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَلَا عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ. فَإِنْ قَالُوا: الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ هِيَ إسْقَاطُ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ؟ قُلْنَا: هَذِهِ عِلَّةٌ مَوْضُوعَةٌ لَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى صِحَّتِهَا وَقَدْ أَرَيْنَاكُمْ بُطْلَانَهَا مِرَارًا، وَأَقْرَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَعَمِلَ عُمْرَتَهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ إثْرَ

إحْلَالِهِ مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَلَا صَوْمَ؛ وَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَصَدَ إلَى مَا دُونَ التَّنْعِيمِ دَاخِلَ الْعَامِ لِحَاجَةٍ فَلَمَّا صَارَ هُنَالِكَ - وَهُوَ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً - بَدَا لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا صَوْمَ عِنْدَهُمَا؛ وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ جَمِيعًا سَفَرَ الْحَجِّ وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ. ثُمَّ يَقُولَانِ فِيمَنْ حَجَّ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ إثْرَ ظُهُورِ هِلَالِ شَوَّالٍ فَاعْتَمَرَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْبَيْدَاءِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، أَوْ إلَى مَدِينَةِ الْفُسْطَاطِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة عِنْدَ مَالِكٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ: فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ، وَهُوَ لَمْ يُسْقِطْ سَفَرًا أَصْلًا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي لَا عِلَّةَ أَفْسَدَ مِنْهَا، وَلَا أَبْطَلَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِمَّنْ يَرَى الْهَدْيَ فِي الْقِرَانِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا الْقِرَانَ: تَمَتُّعًا، وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ؛ فَإِذْ الْقِرَانُ تَمَتُّعٌ فَالْهَدْيُ فِيهِ، أَوْ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْتَلِفُ هَؤُلَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا غَيْرُهُمْ فِي أَنَّ عَمَلَ الْمُهِلِّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا هُوَ عَمَلٌ غَيْرُ عَمَلِ الْمُهِلِّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ، ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ بِإِهْلَالٍ آخَرَ مُبْتَدَأً؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ هُوَ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبْكَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إلَّا أَنَّهُمَا عَمَلَانِ مُتَغَايِرَانِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاس مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى

يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ؛ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَجْعَلَ مَعَ عُمْرَتِهِ حَجًّا، فَصَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِالْهَدْيِ، أَوْ الصَّوْمِ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَارِنَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ» . وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ قَالَتْ: فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّنَا أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي، وَخَرَجَ بِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، وَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صَوْمٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» فَصَحَّ أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً، وَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ هَدْيًا وَلَا صَوْمًا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: رَفَضَتْ عُمْرَتَهَا. قُلْنَا: إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا حَلَّتْ مِنْهَا فَقَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهَا أَنَّ طَوَافَهَا وَسَعْيَهَا يَكْفِيهَا لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكْفِيَهَا عَنْ عُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا؛ وَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا رَفَضَتْهَا وَتَرَكَتْهَا بِمَعْنَى أَخَّرَتْ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَتْ وَسَعَتْ لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا مَعًا فَنَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ وَكِيعًا رَوَى هَذَا الْخَبَرَ فَجَعَلَ قَوْلَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ مِنْ قَوْلِ هِشَامٍ؟ قُلْنَا: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نُمَيْرٍ، وَعَبْدَةَ جَعَلَاهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ، وَمَا ابْنُ نُمَيْرٍ دُونَ وَكِيعٍ فِي الْحِفْظِ، وَالثِّقَةِ، وَكَذَلِكَ عَبْدَةٌ؛ وَكِلَا الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ قَالَتْهُ هِيَ، وَقَالَهُ هِشَامٌ، وَنَحْنُ أَيْضًا نَقُولُهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهْدَى عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ بَيَّنَ مَعْنَى ذَلِكَ الْإِهْدَاءِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ أَضَاحِيَ، لَا هَدْيَ مُتْعَةٍ، وَلَا هَدْيًا عَنْ قِرَانٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَجَابِرٍ وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى الْقَارِنِ؟ قُلْنَا: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، فَعَبْدُ السَّلَامِ ضَعِيفٌ، وَأَبُو مَعْشَرٍ مِثْلُهُ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ جَابِرٍ فَرُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِغَيْرِ هَدْيٍ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَّا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمُوسَى ضَعِيفٌ، وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ عَجِبَ أَلْبَتَّةَ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمَنْعُ مِنْ الْقِرَانِ دُونَ أَنْ يَسُوقَ مَعَ نَفْسِهِ هَدْيًا، وَهَكَذَا نَقُولُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا لَكَانَ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكَانَ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ مَعَ قَوْمٍ عَنْ رَجُلٍ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مَا كَفَّارَتُهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَفَّارَتُهُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَجْرَيْنِ، وَيَرْجِعُونَ بِأَجْرٍ - فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لَأَفْتَاهُمْ بِهِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَرَنَ بَيْنَ حَجٍّ، وَعُمْرَةٍ، وَلَمْ يُهْدِ قَالَ الْحَكَمُ: وَقَرَنَ أَيْضًا شُرَيْحٌ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَمْ يُهْدِ.

المحرم إذا أراد أن يخرج من مكة

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ - عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا قَرَنَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَاةٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الصِّيَامُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ابْنَ عُمَرَ فِي هَذَا؛ وَمِنْ التَّلَاعُبِ فِي الدِّينِ أَنْ تُوجِبُوا قَوْلَ الصَّاحِبِ حُجَّةً [لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا] إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ مَالِكٍ، أَوْ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرَ حُجَّةٍ إذَا خَالَفَهُمْ - نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ هَذَا الْعَمَلِ. [الْمُحْرِم إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ] وَأَمَّا قَوْلُنَا -: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ، مِنْ مُعْتَمِرٍ، أَوْ قَارِنٍ، أَوْ مُتَمَتِّعٍ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ؛ فَفَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ عَمَلِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَإِنْ تَرَدَّدَ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ، وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِأَقْصَى الدُّنْيَا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ مَنَازِلِ مَكَّةَ فَتَرَدَّدَ خَارِجًا مَاشِيًا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ إلَّا الَّتِي تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَنْتَظِرَ طُهْرَهَا لِتَطُوفَ لَكِنْ تَخْرُجُ كَمَا هِيَ؛ فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَا بُدَّ لَهَا أَنْ تَنْتَظِرَ حَتَّى تَطْهُرَ، وَتَطُوفَ، وَتُحْبَسُ عَلَيْهَا الْكِرَى وَالرُّفْقَةُ -: فَلَمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ فَذَكَرَتْ حَيْضَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلْتَنْفِرْ» .

ترك شيء من طواف الإفاضة أو السعي

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنْ خَرَجَ وَلَمْ يُوَدِّعْ مِنْ غَيْرِ الْحَائِضِ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضًا لَازِمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَوْمًا نَفَرُوا وَلَمْ يُوَدِّعُوا فَرَدَّهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى وَدَّعُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَخُصَّ عُمَرُ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: بِتَحْدِيدِ مَكَان إذَا بَلَغَهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ - وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِسَاءً مِنْ ثَنِيَّةَ هَرْشَى كُنَّ أَفَضْنَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ حِضْنَ فَنَفَرْنَ فَرَدَّهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَطُفْنَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ بَلَغَ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَا صَنَعَ فَتَرَكَ صُنْعَهُ الْأَوَّلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَرْشَى هِيَ نِصْفُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ بَيْنَ الْأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ الْأَبْوَاءِ وَبِهَا عَلَمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَامَةً؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ الطَّرِيقِ. وَقَدْ رُوِيَ أَثَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْتَيَاهُ فِي الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ» ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا يَنْفِرَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ - وَعُمُومُهُ، وَكَأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَائِضَ الَّتِي أَفَاضَتْ بِأَنْ تَنْفِرَ حُكْمًا زَائِدًا مَبْنِيًّا عَلَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ لِيُسْتَعْمَلَ الْخَبَرَانِ مَعًا وَلَا يُخَالَفَ شَيْءٌ مِنْهُمَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [تَرْكُ شَيْء مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ السَّعْيِ] وَأَمَّا قَوْلُنَا: مَنْ تَرَكَ عَمْدًا أَوْ بِنِسْيَانٍ شَيْئًا مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ مِنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلْيَرْجِعْ أَيْضًا - كَمَا ذَكَرْنَا - مُمْتَنِعًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ [بِالْبَيْتِ]

لم يرم جمرة العقبة حتى خرج ذو الحجة أو وطئ عمدا

مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ فَلِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَرْضٌ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -. وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ مِنْ النِّسَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَهُوَ مَا لَمْ يُتِمَّ فَرَائِضَ الْحَجِّ فَهُوَ فِي الْحَجِّ بَعْدُ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَلَيْسَ هُوَ فِي حَجٍّ، وَلَا فِي عُمْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ، وَلَا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا إحْرَامَ إلَّا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ - أَوْ لِطَوَافٍ مُجَرَّدٍ فَلَا. [لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ أَوْ وَطِئَ عَمْدًا] وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ مَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ، أَوْ حَتَّى وَطِئَ عَمْدًا فَحَجُّهُ بَاطِلٌ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ - نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَرْمِ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالرَّمْيِ الْمَذْكُورِ، وَأَمْرُهُ فَرْضٌ، وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي تَأْخِيرِهِ فَهُوَ بَاقٍ مَا دَامَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَيْءٌ، وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إنْ ذَكَرَ، وَهُوَ بِمِنًى رَمَى، وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْفِرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُبْطِلُ حَجَّ الْمُسْلِمِ بِأَنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ حَتَّى أَمْنَى مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ، وَلَا نَهْيَ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَلَا جَاءَ بِإِبْطَالِ حَجَّةٍ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، ثُمَّ لَا يُبْطِلُ حَجَّهُ بِتَرْكِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ، وَقَدْ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. [يُجْزِئُ الْقَارِنَ بَيْنَ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ] وَأَمَّا قَوْلُنَا -: إنَّهُ يُجْزِئُ الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافٌ وَاحِدٌ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا، كَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ

سَوَاءٌ -: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ نَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُمْ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ [وَلَمْ يَنْحَرْ] وَلَمْ يَحْلِقْ، وَلَا قَصَّرَ، وَلَا أَحَلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ نَا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ، وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّفَرِ: يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ فَأَبَتْ، فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُجْزِي عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ نَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ؛ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا، وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَا أَشْهَبُ

أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَاهُ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ؛ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ نَا أَبُو الْمُصْعَبِ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَكَانِيُّ قَالَا جَمِيعًا: نَا الدَّرَاوَرْدِيُّ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَطُفْ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا» . فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لِلْقَارِنِ سَعْيٌ وَاحِدٌ، وَلِلْمُتَمَتِّعِ سَعْيَانِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَكْفِيك لَهُمَا طَوَافُك الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - يَعْنِي الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: حَلَفَ لِي طَاوُسٍ مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِلْقَارِنِ طَوَافًا وَاحِدًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ خِلَافَ مَا يَحْفَظُ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ نَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَوْ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا تُخِصُّ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَلَكُنْتُ مُهْدِيًا - يَعْنِي سُوقَ الْهَدْيِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ -. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصُّبَيّ بْنَ مَعْبَدٍ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ، وَلَمْ يَحِلَّ بَيْنَهُمَا وَأَهْدَى، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ، وَيس الزَّيَّاتِ قَالَ يَس: عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ وَقَالَ عَبَّادٌ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ قَعَدَ فِي الْحِجْرِ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لِحَجِّهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى «أَنَّ النَّبِيَّ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ» . وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ هُوَ ابْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ - وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ؛ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ؛ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَزِيَادِ بْنِ مَالِكٍ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو نَصْرِ بْنُ عَمْرٍو، وَالرَّجُلُ السُّلَمِيُّ، وَالرَّجُلُ الْعُذْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُذَيْنَةَ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يَطُوفُ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ - وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ - وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ زِيَادُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ، وَسَعْيَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا قَرَنْتَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ وَاسْعَ سَعْيَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ،

وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ؛ وَأَشَارَ نَحْوَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَهَا هُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: نَا جَهْمُ بْنُ وَاقِدٍ الْأَنْصَارِيُّ سَأَلَتْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْتُ: قَرَنْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَالَ: تَطُوفُ طَوَافَيْنِ بِالْبَيْتِ وَيُجْزِئُك سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَرَى السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ؛ فَلِذَلِكَ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُ سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لِلْحَجِّ وَحْدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَا شَغَبَ بِهِ، مَنْ يَرَى أَنْ يَطُوفَ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَاقِطٌ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا رَوَوْا فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَلَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكِنَّهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ صَحِيحٌ إلَّا عَنْ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. أَمَّا حَدِيثُ الضَّبِّيِّ بْنِ مَعْبَدٍ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ الضَّبِّيَّ، وَلَا سَمِعَ مِنْهُ، وَلَا أَدْرَكَ عُمَرَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ: مُجَاهِدٌ، وَمَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الضَّبِّيِّ - فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ طَوَافًا، وَلَا طَوَافَيْنِ، وَلَا سَعْيًا، وَلَا سَعْيَيْنِ أَصْلًا؛ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَطْ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ؛ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ؛ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِرِوَايَتِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَعَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ، وَيس، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ جِدًّا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ، وَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَوَاللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - عُذْرًا لِمَنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعُرْوَةَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِوَايَةُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُفُونَاتِ الذَّفِرَةِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَأَبُو نَصْرِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُذَيْنَةَ، وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَنْ هُمْ؟ وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ فَلَمْ يُدْرِكْهُ عَلِيًّا وَلَا وَلَدًا إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ الْحُسَيْنِ ابْنِهِ، فَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَلَمْ يُولَدْ إلَّا سَنَةَ مَوْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ بَعْدَهَا. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً، وَرِوَايَةَ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَرِوَايَةَ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كُلِّ مَنْ قَرَنَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ النَّطَائِحِ الْمُتَرَدِّيَاتِ، وَهَذَا - لِمَنْ تَأَمَّلَهُ - إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكْدَحُ فِيهِ مَا جَاءَ بَعْدَهُ - لَوْ جَاءَ - فَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ مُطْرَحٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رَوَاهُ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ عَطَاءٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ طَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَحْتَاجَ الْعُمْرَةُ إلَى عَمَلٍ غَيْرِ عَمَلِ الْحَجِّ، وَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ؛ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ السُّقَّاطِ الَّذِينَ يُؤْنَسُ بِالْخَيْرِ فَقْدُهُمْ مِنْهُ، وَيُوحَشُ مِنْهُ وُجُودُهُمْ فِيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِهِ مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنْ يَطُوفَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، نَعَمْ، إنَّهُ لَمِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ الثِّقَةِ الْمَأْمُونِ، لَا مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ، وَيس الزَّيَّاتِ، الْمُطْرَحَيْنِ الْمَتْرُوكَيْنِ. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ: أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْمَذْكُورِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ لَا

يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ أَنْ يُرْدِفَ عَلَيْهِ عُمْرَةً فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَوَى ابْنُ أُذَيْنَةَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ حُجَّةً خَالَفَ لَهَا السُّنَنَ الثَّابِتَةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مَا رَوَاهُ ابْنُ أُذَيْنَةَ عَنْ عَلِيٍّ -: مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عُمْرَةً -: حُجَّةً، فَمَا هَذَا التَّلَاعُبُ؟ وَلَئِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حُجَّةً: إنَّهَا لَحُجَّةٌ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَلَئِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَمَا هِيَ حُجَّةٌ فِي الْآخَرِ. ثُمَّ اعْتَرَضُوا فِي الْآثَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَلَوْ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا يَسْتَحْيِي مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ النَّاسِ [مِنْ] قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ إلَى الْحَيَاءِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ مِنْ الَّذِي إلَيْهِ مَعَادُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: لَرَدَعَهُ عَنْ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ. وَهَذَا الْخَبَرُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَفِيهِ [مِنْ] «تَمَتُّعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» فَوَصَفَ عَمَلَ الْقِرَانِ وَسَمَّاهُ: تَمَتُّعًا. وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْمُجَاهِرَ بِهَذِهِ الْعَظِيمَةِ يُنَاظِرُ الدَّهْرَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ الْآنَ وَجَعَلَ يُوهِمُ: أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا مِنْ الْغَايَةِ فِي السَّمَاجَةِ وَالصِّفَةِ الْمَذْمُومَةِ، وَاعْتَرَضَ فِي الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ مِنْ «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ، وَامْتَشِطِي، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ» وَأَوْهَمَ هَذَا الْمُكَابِرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ: أَنَّهَا أَحَلَّتْ مِنْ الْعُمْرَةِ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ - مَعْنَى «اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ» أَنْ تَدَعَ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَتَتْرُكَهُ، وَتَرْفُضَ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ أَجْلِ حَيْضِهَا، وَتُدْخِلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا، فَتَكُونَ قَارِنَةً، فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ حِينَئِذٍ لِلْعُمْرَةِ وَلِلْحَجِّ. وَأَمَّا نَقْضُ الرَّأْسِ وَالِامْتِشَاطُ فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ -: بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا حِينَئِذٍ «طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيُكِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» .

مسألة المعيب من الهدي

فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكْفِيَهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِعُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا؟ لَوْلَا الْهَوَى الْمُعْمِي الْمُصِمُّ الْمُقْحِمُ فِي بِحَارِ الضَّلَالَةِ بِالْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا كَفَاهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِحَجِّهَا وَعُمْرَتِهَا اللَّذَيْنِ كَانَتْ قَارِنَةً بَيْنَهُمَا؛ هَذَا مَا لَا يَحِيلُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُمَوِّهُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الصَّحَابَةِ طَافُوا لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. فَرَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: إنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجِّهِ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، فَلَمْ يَقُلْ مَا قَالَ إلَّا عَنْ عِلْمٍ؟ فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: إنَّك تَنْسِبُ إلَى عَلِيٍّ الْبَاطِلَ، وَقَوْلًا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ قَطُّ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ أَبْطَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَمَ بِهِ مِنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِ عَلِيٍّ؛ وَإِذْ صَارَ عَلِيٌّ هَاهُنَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَإِطْرَاحُ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ؛ وَأَقْوَالِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ لِقَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، فَهَلَّا وَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: إنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسَ شِيَاهٍ؛ وَسَائِرِ مَا خَالَفُوهُ فِيهِ لِمَا هُوَ أَقَلُّ مِمَّا تَرَكُوا هَاهُنَا؟ وَلَكِنَّ الْهَوَى إلَهٌ مَعْبُودٌ؟ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ قَالَتْ لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي بَيْعِهَا غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ، ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا: أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ - فَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنْ حَسْبُهُمْ وَنَصْرُ الْمَسْأَلَةِ الْحَاصِلَةِ الْحَاضِرَةِ بِمَا يُمْكِنُ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ الْمَعِيبُ مِنْ الْهَدْيِ] 837 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ: الْمَعِيبُ، وَالسَّالِمُ أَحَبُّ إلَيْنَا - وَلَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَا مِنْ الْبَقَرِ، وَلَا مِنْ الْغَنَمِ، إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ «نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَرْجَاءِ الْبَيِّنِ عَرَجُهَا، وَالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءِ الَّتِي لَا تُنَقَّى، وَأَنْ لَا يُضَحَّى بِشَرْقَاءَ، وَلَا

مسألة طاف بالبيت عريانا

خَرْقَاءَ، وَلَا مُقَابِلَةٍ، وَلَا مُدَابِرَةٍ» ، إنَّمَا جَاءَ فِي الْأَضَاحِيّ نَصًّا، وَالْأُضْحِيَّةُ غَيْرُ الْهَدْيِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَقَدْ وَافَقْنَا الْمُخَالِفَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ فِي الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ، وَحُكْمُهُ إذَا عَطِبَ قِبَلَ مَحِلِّهِ. فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ الْهَدْيِ عَلَى الْأَضَاحِيّ فِي مَكَان، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ فِي مَكَان آخَرَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مُفَرِّقٍ بَيْنَ ذَلِكَ، وَالْهَدْيُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةَ عِنْدَهُمْ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ فَبَطَلَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْجَذَعَةُ -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا الْيَوْمَ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَإِنِّي عَجَّلْتُ نَسِيكَتِي لِأُطْعِمَ أَهْلِي، وَجِيرَانِي، وَأَهْلَ دَارِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعِدْ نُسُكًا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي عِنَاقَ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ، وَلَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» . وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَابْتِدَاءُ قَضِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى الْأُضْحِيَّةَ لَوْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك، فَكَانَ يَكُونُ الضَّمِيرُ مَرْدُودًا إلَى الْأُضْحِيَّةَ؛ لَكِنْ ابْتَدَأَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَخْبَرَ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَهَا؛ فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَإِنَّمَا خَصَّصْنَا جَزَاءَ الصَّيْدِ بِنَصِّ قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَعَمَّ - تَعَالَى - أَيْضًا، وَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْجَذَعُ بِمِثْلِهِ، وَالصَّغِيرُ بِمِثْلِهِ، وَالْمَعِيبُ بِمِثْلِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا] 838 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ، فَإِنْ غَطَّى قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ، فَلَا يُسَمَّى: عُرْيَانَ، فَإِنْ انْكَشَفَ سَاهِيًا لَمْ يَضُرَّهُ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ الْمُحَرِّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ

مسألة الطواف بالبيت على غير طهارة

قَالَ: كُنْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَكَّةَ بِبَرَاءَةَ كُنَّا نُنَادِي: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ» . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] . [مَسْأَلَةٌ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ] 839 - مَسْأَلَةٌ: وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَائِزٌ، وَلِلنُّفَسَاءِ، وَلَا يَحْرُمُ إلَّا عَلَى الْحَائِضِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - إذْ حَاضَتْ - مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ، وَلَمْ يَنْهَهَا عَنْ الطَّوَافِ؛ فَلَوْ كَانَتْ الطَّهَارَةُ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ لَبَيَّنَهُ [رَسُولُ اللَّهِ]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ أَمْرَ الْحَائِضِ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إجَازَتِهِمْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيِ الْجَمْرَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَبَيْنَ جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ إلَّا حَيْثُ مَنَعَ مِنْهُ النَّصُّ فَقَطْ. رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ بَقِيَّةَ طَوَافِهَا - فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَرَ الطَّهَارَةَ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ - وَلَا نَقُولُ بِهَذَا فِي الْحَيْضِ خَاصَّةً لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الطَّوَافِ إلَّا شَوْطٌ أَوْ بَعْضُهُ] 840 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الطَّوَافِ إلَّا شَوْطٌ أَوْ بَعْضُهُ، أَوْ أَشْوَاطٌ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَتَقْطَعُ وَلَا بُدَّ، فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى مَا كَانَتْ طَافَتْهُ، وَلَهَا أَنْ تَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْهَ إلَّا عَنْ الطَّوَافِ [بِالْبَيْتِ] فَقَطْ. وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى إجَازَةِ كُلِّ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَنْهَ الْجُنُبَ، وَلَا النُّفَسَاءَ، عَنْ الطَّوَافِ، وَلَا فَرْقَ [وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ] . [مَسْأَلَةٌ قَطَعَ طَوَافَهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِكَلَلٍ] 841 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَطَعَ طَوَافَهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِكَلَلٍ بَنَى عَلَى مَا طَافَ، وَكَذَلِكَ السَّعْيُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ مَا طَافَ كَمَا أُمِرَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، فَلَوْ قَطَعَهُ عَابِثًا فَقَدْ بَطَلَ طَوَافُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ كَمَا أُمِرَ. [مَسْأَلَةٌ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ رَاكِبًا] 842 - مَسْأَلَةٌ: وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ رَاكِبًا جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ -: لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ثَنِيّ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي

مسألة التباعد عن البيت عند الطواف

يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَاسْمُهُ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ «أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَبِلَالًا أَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ، وَعُرْوَةَ: الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ التَّبَاعُدُ عَنْ الْبَيْتِ عِنْدَ الطَّوَافِ] 843 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ التَّبَاعُدُ عَنْ الْبَيْتِ عِنْدَ الطَّوَافِ إلَّا فِي الزِّحَامِ؛ لِأَنَّ التَّبَاعُدَ عَنْهُ عَمَلٌ بِخِلَافِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبَثٌ لَا مَعْنَى لَهُ فَلَا يَجُوزُ. [مَسْأَلَةٌ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ جَائِزٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ] 844 - مَسْأَلَةٌ: وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ جَائِزٌ، وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَيَرْكَعُ عِنْدَ ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - نَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ بِإِسْنَادِهِ -: وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: الطَّوَافُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصَّلَاةُ حِينَئِذٍ إثْرَ الطَّوَافِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ -: وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ حِينَئِذٍ

مسألة حكم الحلق قبل الرمي

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ جُمْلَةً فَمَنْ أَجَازَ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَقَدْ تَحَكَّمَ بِلَا دَلِيلٍ. [مَسْأَلَةٌ حُكْم الْحَلْق قَبْل الرَّمْي] 845 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ فِي - رَمْيِ الْجَمْرَةِ، وَالْحَلْقِ، وَالنَّحْرِ، وَالذَّبْحِ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَنْ تُقَدِّمَ أَيَّهَا شِئْت عَلَى أَيُّهَا شِئْت لَا حَرَجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَادَ نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ، وَلَا حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ وَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إلَّا قَالَ: افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ - قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ: اصْنَعْ وَلَا حَرَجَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو الْمُصْعَبِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، فَقَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ، وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ نَا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ، وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ؟ فَقَالَ: لَا حَرَجَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ «أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَمِنْ قَائِلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعَيْتُ قَبْلَ أَنْ أَطُوفَ أَوْ أَخَّرْتُ شَيْئًا أَوْ قَدَّمْتُ شَيْئًا فَكَانَ يَقُولُ: لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ» ، ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَخَذَ بِهَذَا جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ. وَرُوِّينَا عَنْهُ غَيْرَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ أَيْضًا -: نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَقِيَ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ قَدْ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقَصِّرَ، ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَفِيضَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ نَا رَوْحٌ نَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ؟ قَالَ: خَالَفَ السُّنَّةَ، قُلْت: مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: إنَّك لَضَخْمُ اللِّحْيَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نَا الصَّاغَانِيُّ نَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مُقَاتِلٍ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَوْمٍ حَلَقُوا قَبْلَ أَنْ يَذْبَحُوا؟ قَالَ: أَخْطَأْتُمْ السُّنَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا أَخْطَئُوا السُّنَّةَ وَلَا خَالَفُوهَا؛ لِأَنَّ مَا أَبَاحَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرَ فِيهِ حَرَجًا فَهُوَ سُنَّةٌ لَكِنْ تَرَكُوا الْأَفْضَلَ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى قَبْلَ الْأُولَى قَالَ: يَرْمِي الَّتِي تَرَكَ (وَأَجْزَأَهُ) . وَبِهِ نَصًّا إلَى سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَدَأَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الْبَيْتِ؟ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ - وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ أَتَى الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ بِمَكَّةَ ثَانِيَ يَوْمِ النَّحْرِ

قَدْ بَدَأَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الْأُخْرَى قَالَ: فَسَأَلْت فُقَهَاءَ مَكَّةَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ صَدَقَةَ قَالَ: سَأَلْت طَاوُسًا، وَمُجَاهِدًا عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ؟ قَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ غَيْرُ هَذَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا سَلَّامُ بْنُ مُطِيعٍ وَهُوَ أَبُو الْأَحْوَصِ - عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَهْرَقَ دَمًا، وَقَرَأَ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ صَدَقَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَاهِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَنَّ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ: فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ الْفِدْيَةُ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَغَفْلَةٌ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهَذَا؛ لِأَنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ بِمِنًى ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ، أَوْ لَمْ يَذْبَحْ وَلَا نَحْرَ إذَا دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْهَدْيُ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ فَحَلَّ الْحَلْقُ، وَلَمْ يَقُلْ - تَعَالَى -: حَتَّى تَنْحَرُوا أَوْ تَذْبَحُوا، وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا -: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ أَوْ يَذْبَحَ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ.

مسألة المبيت بغير منى أيام منى

وَقَالَ زُفَرُ صَاحِبُهُ: إنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دِمَاءَ؛ فَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هُوَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَنْحَرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِي فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَّرَ أَوْ قَدَّمَ إلَّا مَنْ طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا دَعَاوَى بِلَا دَلِيلٍ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ فَأَمَّا تَفْرِيقُ - أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ، وَإِيجَابُ زُفَرَ ثَلَاثَةَ دِمَاءَ عَلَى الْقَارِنِ، وَدَمًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ، وَتَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى النَّحْرِ، وَالذَّبْحِ، وَتَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ عَلَى الطَّوَافِ، وَبَيْنَ سَائِرِ مَا قُدِّمَ وَأُخِّرَ -: فَأَقْوَالٌ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْقَائِلِ بِهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمَبِيت بِغَيْرِ مِنًى أَيَّامَ مِنًى] 846 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَبِتْ لَيَالِيَ مِنًى بِمِنًى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الرِّعَاءَ وَأَهْلَ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَلَا نَكْرَهُ لَهُمْ الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ مِنًى؛ بَلْ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدْعُوا يَوْمًا» . فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الرَّمْيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى لَيْسَ فَرْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - نَا أَبِي نَا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ

حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فَأَذِنَ لَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَهْلُ السِّقَايَةِ مَأْذُونٌ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ، وَبَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِنًى وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمَبِيتِ بِهَا، فَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ، وَلَيْسَ فَرْضًا، لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ إذْنَهُ لِلرِّعَاءِ وَتَرْخِيصَهُ لَهُمْ وَإِذْنَهُ لِلْعَبَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ بِخِلَافِهِمْ؟ قُلْنَا: لَا وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْرٌ بِالْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ، فَكَانَ يَكُون هَؤُلَاءِ مُسْتَثْنَيْنَ مِنْ سَائِرِ مَنْ أُمِرُوا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ أَمْرٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَنَحْنُ نَدْرِي أَنَّ هَؤُلَاءِ مَأْذُونٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ مَأْمُورًا بِذَلِكَ وَلَا مَنْهِيًّا فَهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ -: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ أَيَّامَ مِنًى " وَصَحَّ هَذَا عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَبِيتَ بِغَيْرِ مِنًى أَيَّامَ مِنًى، وَلَمْ يَجْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً أَصْلًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ لِمَنْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ أَنْ يَبِيتَ بِهَا لَيَالِي مِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا رَمَيْت الْجِمَارَ فَبِتْ حَيْثُ شِئْت. وَبِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ نَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فِي ضَيْعَتِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمَكَّةَ وَآخِرَهُ بِمِنًى أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمِنًى وَآخِرَهُ بِمَكَّةَ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى بِمَكَّةَ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا يَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ إذَا لَمْ يَبِتْ بِمِنًى.

مسألة رمى يومين ثم نفر ولم يرم الثالث

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا بَاتَ دُونَ الْعَقَبَةِ أَهْرَقَ دَمًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِمِثْلِ قَوْلِنَا، وَقَالَ سُفْيَانُ: يُطْعِمُ شَيْئًا، وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى بِغَيْرِ مِنًى أَوْ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ بَاتَ الْأَقَلَّ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي التَّشْرِيقِ فِي غَيْرِ مِنًى فَلْيَتَصَدَّقْ بِمُدٍّ فَإِنْ بَاتَ لَيْلَتَيْنِ، فَمُدَّانِ فَإِنْ بَاتَ ثَلَاثًا فَدَمٌ - وَرُوِيَ عَنْهُ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثُ دَمٍ، وَفِي لَيْلَتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ وَفِي ثَلَاثِ لَيَالٍ دَمٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا يَعْنِي الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِإِطْعَامِ شَيْءٍ أَوْ بِإِيجَابِ دَمٍ، أَوْ بِمُدٍّ، أَوْ مُدَّيْنِ، أَوْ ثُلُثِ دَمٍ، أَوْ ثُلُثَيْ دَمٍ، أَوْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَبِيتِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، أَوْ أَقَلَّهُ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَالْقَوْلُ بِهِ لَا يَجُوزُ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ، وَلَا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ سَلَفًا أَصْلًا، لَا مِنْ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ تَابِعٍ. [مَسْأَلَةٌ رَمَى يَوْمَيْنِ ثُمَّ نَفَرَ وَلَمْ يَرْمِ الثَّالِثَ] 847 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى يَوْمَيْنِ، ثُمَّ نَفَرَ، وَلَمْ يَرْمِ الثَّالِثَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ رَمَى الثَّالِثَ فَهُوَ أَحْسَنُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ نَفَرَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ إلَى اللَّيْلِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْمِي الثَّالِثَ -: قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، وَحُكْمٌ بِلَا دَلِيلٍ وَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ. [مَسْأَلَةٌ الْمُتَمَتِّعَةُ بِعُمْرَةٍ إنْ حَاضَتْ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ] 848 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَرْأَةُ الْمُتَمَتِّعَةُ بِعُمْرَةٍ إنْ حَاضَتْ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَفَرْضُهَا أَنْ تُضِيفَ حَجًّا إلَى عُمْرَتِهَا إنْ كَانَتْ تُرِيدُ الْحَجَّ مِنْ عَامِهَا وَتَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ، وَهَذَا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. [مَسْأَلَةٌ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَهِيَ تُرِيدُ التَّمَتُّعَ فَتَحِيضُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ] 849 - مَسْأَلَةٌ - وَلَا يَلْزَمُ الْغُسْلُ فِي الْحَجِّ فَرْضًا إلَّا الْمَرْأَةَ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ تُرِيدُ التَّمَتُّعَ فَتَحِيضُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَهَذِهِ تَغْتَسِلُ وَلَا بُدَّ وَتُقْرِنُ حَجًّا إلَى عُمْرَتِهَا؛ وَالْمَرْأَةُ تَلِدُ قَبْلَ أَنْ تُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ، أَوْ بِالْقِرَانِ: فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَلْتُهِلَّ بِالْحَجِّ -:

مسألة تعمد معصية وهو ذاكر لحجه

لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ نَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ» . «وَلِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ إذْ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» ؛ وَنَحْنُ قَاطِعُونَ بِائْتِمَارِهَا لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَغْتَسِلَا لَكَانَتَا عَاصِيَتَيْنِ، وَقَدْ أَعَاذَهُمَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ مَعْصِيَة وَهُوَ ذَاكِرٌ لِحَجِّهِ] 850 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ تَعَمَّدَ مَعْصِيَةً أَيَّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ - وَهُوَ ذَاكِرٌ لِحَجِّهِ مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ لِلْإِفَاضَةِ وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ - فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ؛ فَإِنْ أَتَاهَا نَاسِيًا لَهَا، أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ وَدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نِسْيَانِهَا، وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ تَامَّانِ فِي نِسْيَانِهِ كَوْنَهُ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَكَانَ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْحَجِّ بَرَاءَتُهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ، فَمَنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْهُمَا فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ فَلَا حَجَّ لَهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إبْطَالُهُمْ الْحَجَّ بِتَقْبِيلِهِ امْرَأَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فَيُمْنِي وَلَمْ يَنْهَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - قَطُّ عَنْ هَذَا؛ ثُمَّ لَا يُبْطِلُونَهُ بِالْفُسُوقِ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ، وَتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَسَائِرِ الْفُسُوقِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إبْطَالُ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَجَّ بِوَطْءِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا يُؤَاخِذُ بِالنِّسْيَانِ، قَالَ - تَعَالَى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] ثُمَّ لَا يُبْطِلُ الْحَجَّ بِتَعَمُّدِ الْقَصْدِ إلَى أَنْ يَلُوطَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ يُلَاطَ بِهِ، فَهَلْ فِي الْفَضَائِحِ وَالْقَبَائِحِ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ؟ وَأَعْجَبُ شَيْءٍ دَعْوَاهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَأْتُوا بِرِوَايَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أَنَّ تَعَمُّدَ الْفُسُوقِ لَا يُبْطِلُ بَلْ الرِّوَايَاتُ عَنْ السَّلَفِ تَشْهَدُ لِقَوْلِنَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا لَنُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَخْشَى أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى

مسألة وقف بعرفة على بعير مغصوب أو جلال

أُخْرِجَ إحْرَامِي، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ - وَإِنَّ شُرَيْحًا كَانَ إذَا أَحْرَمَ فَكَأَنَّهُ حَيَّةٌ صَمَّاءُ 851 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ تَجْدِيدُ الْإِحْرَامِ فَلْيَفْعَلْ وَيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ وَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ لِأَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ وَأَفْسَدَهُ، وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فِي سِبَابِ الْمُحْرِمِ دَمٌ؛ وَهُمْ يَجْعَلُونَ الدَّمَ فِيمَا لَا يُكْرَهُ فِيهِ مِنْ الْمَبِيتِ فِي غَيْرِ مِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَجْعَلُونَهُ فِي السِّبَابِ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحَجِّ. [مَسْأَلَةٌ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ مَغْصُوبٍ أَوْ جَلَّال] 852 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ جَلَّالٍ بَطَلَ حَجُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَأَنْفَقَهُ فِي الْحَجِّ - وَلَمْ يَتَوَلَّ هُوَ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ - فَحَجُّهُ تَامٌّ. أَمَّا الْمَغْصُوبُ، فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ وَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ - وَأَمَّا وُقُوفُهُ عَلَى بَعِيرٍ جَلَّالٍ فَلِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نَا أَبُو دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ نَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ أَبِي قَيْسٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَلَّالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا» . وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ التَّنُّورِيُّ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي عَلَفُهَا الْجُلَّةُ وَهِيَ الْعَذِرَةُ؛ فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ جَلَّالٍ فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ فِي وُقُوفِهِ [عَلَيْهِ] وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ طَاعَةٌ وَفَرْضٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَمَنْ وَقَفَ بِهَا حَامِلًا لِمَالٍ حَرَامٍ، فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ بَلْ وَقَفَ عَاصِيًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَمَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لِلْحَرَامِ عَالِمًا بِهِ فَلَيْسَ عَاصِيًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا فَهُوَ مُحْسِنٌ قَالَ - تَعَالَى -: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَقَدْ وَقَفَ كَمَا أُمِرَ، وَعَفَا اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ.

مسألة عرفة كلها موقف

وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَالِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَطَرِيقُهُ -: فَهُوَ إنْ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ فَلَمْ يُبَاشِرْ الْمَعْصِيَةَ فِي حَالِ إحْرَامِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ حَجِّهِ فَلَمْ يَخْلِطْ فِي عَمَلِهِ الْوَاجِبِ عَمَلًا مُحَرَّمًا وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَكِبَ الْجَلَّالَ فِي شَيْءٍ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ عَمَلِ حَجِّهِ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَالْمَعْصِيَةُ: فُسُوقٌ؛ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى الْفَرْضَ رَاكِبًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عَمَلٌ مُحَرَّمٌ. [مَسْأَلَةٌ عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ] 853 - مَسْأَلَةٌ: وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ، وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ؛ لِأَنَّ عَرَفَةَ مِنْ الْحِلِّ، وَبَطْنَ عُرَنَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ غَيْرُ عَرَفَةَ؛ وَأَمَّا مُزْدَلِفَةُ فَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ؛ وَبَطْنُ مُحَسِّرٍ مِنْ الْحِلِّ فَهُوَ غَيْرُ مُزْدَلِفَةَ. نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا جَعْفَرُ الصَّائِغُ نَا أَبُو نَصْرٍ النِّمَارُ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» . [مَسْأَلَةٌ رَمْيُ الْجِمَارِ بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ] 854 - مَسْأَلَةٌ: وَرَمْيُ الْجِمَارِ بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ رَمْيُهَا رَاكِبًا حَسَنٌ؛ أَمَّا رَمْيُهَا بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ -: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَصَى الْجِمَارِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ، وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ تُرِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا تَسُدُّ الطَّرِيقَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ - رَمْيُ هَذِهِ الْحَصَى مِنْ عَمْرٍو فَيُسْتَقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ، وَقَدْ يَتَصَدَّقُ الْمَرْءُ بِصَدَقَةٍ فَلَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهُ؛ ثُمَّ يَمْلِكُ تِلْكَ الْعَيْنَ آخَرُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا فَتُقْبَلُ مِنْهُ. وَأَمَّا رَمْيُهَا رَاكِبًا -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نَا وَكِيعٌ نَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

مسألة تعمد الوطء في الحلال ذاكرا لحجه أو عمرته

قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ، لَا ضَرْبَ، وَلَا طَرْدَ، وَلَا إلَيْكَ إلَيْكَ» . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ: رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ رَاكِبًا أَفْضَلُ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاجِلًا أَفْضَلُ؛ وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ بَلْ رَمْيُهَا رَاكِبًا أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْحَلَالِ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ] 855 - مَسْأَلَةٌ: وَيُبْطِلُ الْحَجَّ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْحَلَالِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ فِي عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ أَيْضًا حَجُّ الْمَوْطُوءَةِ وَعُمْرَتُهَا قَالَ - تَعَالَى -: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ؛ فَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَحُجَّ، وَلَا اعْتَمَرَ كَمَا أُمِرَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَأَمَّا النَّاسِي، وَالْمُكْرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَلِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. [مَسْأَلَةٌ وَطِئَ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ] 856 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ وَطِئَ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ كَمَا قُلْنَا، قَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] . فَصَحَّ أَنَّ مَنْ رَفَثَ وَلَمْ يُكْمِلْ حَجَّهُ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ عَرَفَةَ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ بَطَلَ حَجُّهُ، وَإِنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ، وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ. فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لِأَنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى

مسألة وطئ عامدا فبطل حجه

بِأَنَّهُ قَالَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَبِأَنَّهُ قَالَ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] . وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِبَعْضِ قَوْلِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَكَانَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ هُوَ الْحَجُّ كَعَرَفَةَ وَلَا فَرْقَ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ غَيْرَ عَرَفَةَ أَيْضًا؛ وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ قَصَدَ عَرَفَةَ فَوَقَفَ بِهَا فَلَمْ يُحْرِمْ وَلَا لَبَّى، وَلَا طَافَ، وَلَا سَعَى فَلَا حَجَّ لَهُ؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . [مَسْأَلَةٌ وَطِئَ عَامِدًا فَبَطَلَ حَجُّهُ] 857 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ وَطِئَ عَامِدًا كَمَا قُلْنَا فَبَطَلَ حَجُّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى عَمَلٍ فَاسِدٍ بَاطِلٍ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ لَكِنْ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَ تَمَامَ الْحَجِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يُدْرِكُ تَمَامَ الْحَجِّ فَقَدْ عَصَى، وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا هَدْيَ فِي ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَتَمَادَيَا فِي حَجِّهِمَا، ثُمَّ يَحُجَّانِ مِنْ قَابِلٍ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَعَلَيْهَا، وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْ مُجَاهِدُ عُمَرَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ عَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ وَيَتَفَرَّقَانِ إذَا حَجَّا مِنْ قَابِلٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْ عَلِيٍّ، لِأَنَّهُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَكَمُ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْوَالًا مِنْهَا: أَنْ يَتَمَادَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ وَعَلَيْهِمَا هَدْيٌ وَحَجٌّ قَابِلٌ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا صَامَ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ، وَقَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ هَذَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ مِنْ الدَّمِ صِيَامًا. وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيقًا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ قَابِلٍ قَبْلَ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيٌ.

وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْمُجَامِعِ: أُفٍّ لَا أُفْتِيكَ بِشَيْءٍ؟ وَأَمَّا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ عَرَفَةَ -: فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَالْهَدْيُ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ وَبَدَنَةٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزُورٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ. وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَا هَدْيَ إلَّا عَلَى الْمُحْصَرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وَطِئَ قَبْلَ عَرَفَةَ تَمَادَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ وَعَلَيْهِمَا حَجٌّ؛ قَابِلٌ وَهَدْيٌ وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةٌ وَلَا يَتَفَرَّقَانِ، فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ عَرَفَةَ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ حَجُّهُ أَجْزَأَهُ هَدْيُ شَاةٍ وَإِذَا تَمَّ حَجُّهُ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا بَدَنَةٌ، وَهَذَا تَقْسِيمٌ مَا رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ؛ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ هَدْيًا أَصْلًا وَلَا أَمَرَ بِالتَّمَادِي عَلَى الْحَجِّ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] فَمِنْ الْخَطَأِ تَمَادِيهِ عَلَى عَمَلٍ لَا يُصْلِحُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، فَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُصْلِحُ عَمَلَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَجِبُ مَرَّةً؛ وَمَنْ أَلْزَمهُ التَّمَادِي عَلَى ذَلِكَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ، ثُمَّ أَلْزَمَهُ حَجًّا آخَرَ فَقَدْ أَلْزَمَهُ حَجَّتَيْنِ، وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَادَى عَلَيْهَا فَلِمَ أَلْزَمُوهُ التَّمَادِي عَلَى الْحَجِّ؟ وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيًّا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنْ التَّفَرُّقِ فَلَا نَكِرَةَ فِيمَنْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي قَوْلٍ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا هُمْ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخْتَلِفُونَ كَمَا ذَكَرْنَا، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ

مسألة أخطأ في رؤية الهلال لذي الحجة

وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَبُ هَدْيٌ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، وَلَا عَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ: أَنَّ حَجَّهُ يَصِيرُ عُمْرَةً وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَبَدَنَةٌ - فَلَمْ يَرَيَا عَلَيْهِ التَّمَادِي فِي عَمَلِ الْحَجِّ. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى حَدِّهِمَا - يَعْنِي الْمِيقَاتَ - وَيُهِلَّانِ بِعُمْرَةٍ، وَيَتَفَرَّقَانِ، وَيُهْدِيَانِ هَدْيًا هَدْيًا. وَعَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ وَطِئَ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؟ قَالَ: عَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هَدْيًا أَصْلًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ وَطِئَ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجٌّ قَابِلٌ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْ حَيْثُ جَامَعَهَا؛ فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَهَدْيُ بَدَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ، فَكَانَ إيجَابُ الْعُمْرَةِ، هَاهُنَا عَجَبًا لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ؟ وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُهُ الْهَدْيَ وَتَقْسِيمُهُ وَقْتَ الْوَطْءِ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ وَطِئَ مَا بَيْنَ أَنْ يُحْرِمَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَتْ الْبَدَنَةُ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ - فَكَانَ هَذَا أَيْضًا قَوْلًا لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِذِي الْحِجَّةِ] 858 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَهُوَ يَظُنُّهُ التَّاسِعَ، وَوَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ اللَّيْلَةَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْعَاشِرَةَ -: فَحَجُّهُ تَامٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا؛ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْوُقُوفَ بِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا.

مسألة صح عنده أن هذا هو اليوم التاسع من ذي الحجة

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَقِفْ فِي وَقْتٍ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ فِيهِ. وَقَدْ تَيَقَّنَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْخَالِفِ، وَالسَّالِفِ: أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا حَجَّ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا الْعَاشِرَةُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. [مَسْأَلَةٌ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحَجَّة] 859 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ بِعِلْمٍ أَوْ بِخَبَرٍ صَادِقٍ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ إلَّا أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَرَوْهُ رُؤْيَةً تُوجِبُ أَنَّهَا الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الْوُقُوفَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، وَإِلَّا فَحَجُّهُ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: شَهِدَ نَفَرٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ فَذَهَبَ بِهِمْ سَالِمٌ إلَى ابْنِ هِشَامٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَلَمْ يَقْبَلْهُمْ فَوَقَفَ سَالِمٌ بِعَرَفَةَ لِوَقْتِ شَهَادَتِهِمْ، ثُمَّ دَفَعَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَفَ مَعَ النَّاسِ. [مَسْأَلَةٌ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ] 860 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ، أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ فِي عَقْلِهِ فَإِحْرَامُهُ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَحَجُّهُ تَامٌّ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ لَا يُبْطِلَانِ عَمَلًا تَقَدَّمَ أَصْلًا، وَلَا جَاءَ بِذَلِكَ نَصٌّ أَصْلًا وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَيْسَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: فَذَكَرَ النَّائِمَ حَتَّى يَنْتَبِهَ وَالْمُبْتَلَى حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ» بِمُوجِبِ بُطْلَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فَقَطْ، فَإِذَا أَفَاقُوا صَارُوا عَلَى حُكْمِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ نَامَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ] 861 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ جُنَّ، أَوْ نَامَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَلَمْ يُفِقْ، وَلَا اسْتَيْقَظَ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ، سَوَاءٌ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ أَوْ لَمْ يَقِفْ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ، أَوْ نَامَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَلَمْ يُفِقْ وَلَا اسْتَيْقَظَ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ. فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَنَامَتْ، أَوْ جُنَّتْ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَقِفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ تُفِقْ،

وَلَا انْتَبَهَتْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا، وَسَوَاءٌ وَقَفَ بِهَا بِمُزْدَلِفَةَ، أَوْ لَمْ يَقِفْ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجْزِي عَمَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ إلَّا بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَيْهِ مُؤَدًّى بِإِخْلَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ كَمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ فِي الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ بِهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا، وَلَا حَجَّ لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا، وَلَا يُجْزِي أَنْ يَقِفَ بِهِ غَيْرُهُ هُنَالِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً مَرَّ بِعَرَفَةَ مُجْتَازًا لَيْلَةَ النَّحْرِ - نَزَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْزِلْ - وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهَا عَرَفَةُ - فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا حَجَّ لَهُ حَتَّى يَقِفَ بِهَا قَاصِدًا إلَى الْوُقُوفِ بِهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ أَنْ يُحْرِمَ أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ أَجْزَأَ كُلُّ عَمَلٍ فِي الْحَجِّ بِلَا نِيَّةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: أَعْمَالُ الْحَجِّ كُلُّهَا تَجْزِي بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ حَجَّ وَلَا يَنْوِي إلَّا التَّطَوُّعُ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا لَوْ أَنَّ امْرَأً عَلَيْهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا، أَوْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَصَلَّى أَرْبَعًا تَطَوُّعًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرْضِ، وَأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ تَطَوُّعًا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرْضِ. وَأَجْمَعُوا إلَّا زُفَرَ: أَنَّ مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ فَقَطْ، أَوْ لَا يَنْوِي بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ صَوْمِ الْفَرْضِ - فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ لَوْ نَصَحُوا أَنْفُسَهُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا، وَسَمِعَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ حَجَّ يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ [لَهُ] «اجْعَلْ حَجَّكَ هَذَا عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» .

مسألة أدرك صلاة الصبح بمزدلفة فلما سلم ذكر أنه غير طاهر

قُلْنَا: أَمَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا فَخَبَرٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَلَا مُتَعَلِّقَ لَكُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ الْحَجَّ جَازِيًا مِنْ حَجِّ الْفَرِيضَةِ، فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْكُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ تَطَوُّعٌ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ لِلصَّبِيِّ صَلَاةً وَصَوْمًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَطَوُّعٌ مِنْهُ وَلَهُ، وَقَدْ كَانَ الصِّبْيَانُ يَشْهَدُونَ الصَّلَوَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَجَّ بِهِمْ مَعَهُ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا خَبَرُ شُبْرُمَةَ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَجَّهُ عَنْ شُبْرُمَةَ يُجْزِي عَنْ الَّذِي حَجَّ عَنْهُ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي هَذَا إيجَابٌ لِلنِّيَّةِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ عَلَيْهِ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ مِنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ، أَوْ نَذْرٍ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ نَذَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ فَصَامَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَحَجَّ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَعَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَتِلْكَ الْحَجَّةُ تُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ وَفَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ مَالِكِيٌّ: الْحَجُّ كَصَوْمِ الْيَوْمِ إذَا دَخَلَ فِيهِ بِنِيَّةٍ، ثُمَّ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ أَجْزَأَهُ؟ قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَعْمَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَغَايِرَةٌ يَحُولُ بَيْنَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا كَالتَّلْبِيَةِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ نِيَّةٍ لَهُ. وَأَمَّا الْإِحْرَامُ فَهُوَ عَمَلٌ مُتَّصِلٌ لَا يَنْفَصِلُ فَيُجْزِئُهُ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إحَالَةَ نِيَّتِهِ أَوْ إبْطَالَ إحْرَامِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ أَدْرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمَّا سَلَّمَ ذَكَرَ أَنَّهُ غَيْر طَاهِر] 862 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ ذَكَرَ هَذَا الْإِنْسَانُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ صَيْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ] 863 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَصَيِّدًا لَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ أَوْ عُمْرَتُهُ لِبُطْلَانِ إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] الْآيَةَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا فِي إحْرَامِهِ فَإِذَا فَعَلَ فَلَمْ

يُحْرِمْ كَمَا أُمِرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِحْرَامٍ لَيْسَ فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ صَيْدٍ، وَهَذَا الْإِحْرَامُ هُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ الْإِحْرَامِ الَّذِي فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَمْ يَأْتِ بِالْإِحْرَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَعَمُّدَ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ فُسُوقٌ، وَمَنْ فَسَقَ فِي حَجِّهِ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يَحُجَّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا عَبْدُ الْوَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ - وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فَسَمَّاهُمْ: حُرُمًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُمْ عَظِيمٌ عَلَى تَقْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: حُرُمًا، قَبْلَ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَنَهَاهُمْ إذَا كَانُوا حُرُمًا عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَمَا سَمَّاهُمْ تَعَالَى قَطُّ بَعْدَ قَتْلِ الصَّيْدِ: حُرُمًا فَأُفٍّ لِكُلِّ عَصَبِيَّةٍ لِمَذْهَبٍ تَحْدُو إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَأَثْبَتَ الْحَجَّ وَنَهَى فِيهِ عَنْ الرَّفَثِ فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُبْطِلُوا الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ الرَّفَثُ، وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَلَا فَرْقَ: وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ تَعَالَى فِي الْحَجِّ مَا لَمْ يَرْفُثُوا وَلَا فَسَقُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ أَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الضَّبُعِ كَبْشًا وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّ إحْرَامَهُ بَطَلَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: قُلْتُمْ الْبَاطِلَ، بَلْ قَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ إحْرَامَهُ قَدْ بَطَلَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَأَيْضًا: فَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ: إنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَبْطُلْ؛ وَلَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة فسوق تعمده المحرم ذاكرا لإحرامه

[مَسْأَلَةٌ فُسُوق تَعَمَّدَهُ الْمُحْرِمُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ] مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ فُسُوقٍ تَعَمَّدَهُ الْمُحْرِمُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَقَدْ بَطَلَ إحْرَامُهُ، وَحَجُّهُ، وَعُمْرَتُهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَصَحَّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْفُسُوقَ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ، أَوْ عُمْرَتِهِ، فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنَّ الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ كَمَا تَلَوْنَا فَأَبْطَلُوا الْحَجَّ بِالرَّفَثِ وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِالْفُسُوقِ؛ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ وَطِئَ فِي إحْرَامِهِ - نَاسِيًا غَيْرَ عَامِدٍ وَلَا ذَاكِرٍ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ - امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَطْأَهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَ اللِّيَاطَةَ بِذَكَرٍ، أَوْ أَنْ يُلَاطَ بِهِ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَإِحْرَامُهُ مَبْرُورٌ - فَأُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ عَدَدَ الرَّمْلِ، وَالْحَصَى، وَالتُّرَابِ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ مَا حُرِّمَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ، لَا بِمَا هُوَ حَرَامٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَفِي الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ الْإِحْرَامِ؟ قُلْنَا: وَعَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ سَأَلْنَاكُمْ؟ وَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ، وَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ الصَّلَاةَ بِكُلِّ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، قَبْلَهَا، وَفِيهَا، وَبَعْدَهَا، كَمَا تُبْطِلُونَهَا بِمَا حُرِّمَ فِيهَا فَقَطْ. وَقَدْ نَقَضْتُمْ هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ فَلَمْ تُبْطِلُوا الْإِحْرَامَ بِتَعَمُّدِ لِبَاسِ مَا حُرِّمَ فِيهِ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا التَّقْسِيمَ الْفَاسِدَ فَأَيْنَ الْقِيَاسَ الَّذِي تَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ بِزَعْمِكُمْ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَكَّدَ الْحَجَّ وَخَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الْفُسُوقِ فِيهِ، كَمَا خَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الرَّفَثِ فِيهِ وَلَا فَرْقَ؟ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ الرَّازِيّ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ بِمِصْرَ نَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ نَا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامِ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الْأَحْمَسِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَابِرٍ الْأَحْمَسِيَّةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا فِي امْرَأَةٍ حَجَّتْ مَعَهَا مُصْمِتَةً: قُولِي لَهَا: تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ لَا حَجَّ لِمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الْقُومِسِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَرَ الَّذِي أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا» .

مسألة الجدل بالباطل وفي الباطل عمدا ذاكرا لإحرامه

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَنْ يُوجِدُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْفُسُوقَ لَا يُبْطِلُ الْإِحْرَامَ؛ وَأَمَّا مَنْ فَسَقَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِإِحْرَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهُ وَلَا أَتَى بِإِحْرَامِهِ بِخِلَافِ مَا أُمِرَ بِهِ عَامِدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْجَدَلُ بِالْبَاطِلِ وَفِي الْبَاطِلِ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ] 865 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجِدَالُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ فِي وَاجِبٍ وَحَقٍّ، وَقِسْمٌ فِي بَاطِلٍ؛ فَاَلَّذِي فِي الْحَقِّ وَاجِبٌ فِي الْإِحْرَامِ وَغَيْرِ الْإِحْرَامِ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . وَمَنْ جَادَلَ فِي طَلَبِ حَقٍّ لَهُ فَقَدْ دَعَا إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ تَعَالَى، وَسَعَى فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْمَنْعِ مِنْ الْبَاطِلِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ جَادَلَ فِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْجَدَلُ بِالْبَاطِلِ وَفِي الْبَاطِلِ عَمْدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ مُبْطِلٌ لِلْإِحْرَامِ وَلِلْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ لَمْ يُلَبِّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ] 866 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يُلَبِّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ لَبَّى وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ، وَالِاسْتِكْثَارُ أَفْضَلُ؛ فَلَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ فَلَا حَجَّ لَهُ وَلَا عُمْرَةَ لِأَمْرِ جِبْرِيلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ، فَمَنْ لَمْ يُلَبِّ أَصْلًا أَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَحُجَّ وَلَا اعْتَمَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَلَوْ أَنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذْ أَمَرَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَبَوْا لَكَانُوا عُصَاةً بِلَا شَكٍّ، وَالْمَعْصِيَةُ فُسُوقٌ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفُسُوقَ يُبْطِلُ الْحَجَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ لَبَّى مَرَّةً وَاحِدَةً رَافِعًا صَوْتَهُ فَقَدْ لَبَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ: مُلَبٍّ وَعَلَى فِعْلِهِ اسْمُ: التَّلْبِيَةِ، فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَرْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، وَالْفَرَائِضُ لَا تَكُونُ إلَّا مَحْدُودَةً لِيَعْلَمَ النَّاسُ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْهَا، وَمَا لَا حَدَّ لَهُ فَلَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ - وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

مسألة للمحرمين من الرجال والنساء أن يتظللوا في المحامل

[مَسْأَلَةٌ لِلْمُحْرِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَتَظَلَّلُوا فِي الْمَحَامِلِ] مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَتَظَلَّلُوا فِي الْمَحَامِلِ وَإِذَا نَزَلُوا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَظَلَّلُونَ إذَا نَزَلُوا وَلَا يَتَظَلَّلُونَ فِي الْمَحَامِلِ وَلَا رِكَابًا، وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ خَطَأٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَنْ قَدَّمَ ثِقْلَهُ مِنْ مِنًى فَلَا حَجَّ لَهُ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّظَلُّلِ حُجَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ أَبِيهِ فِي النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ الثِّقَلِ مِنْ مِنًى وَتَشَدُّدِهِ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ؟ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا أَنَّ صِيَامَهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْهُ إبَاحَةُ تَقْرِيدِ الْبَعِيرِ لِلْمُحْرِمِ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ بَطَلَ حَجُّهُ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ رَأَى حَجَّ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ تَامًّا فَخَالَفُوهُ؛ فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُجَّةً، وَفِي بَعْضِهَا لَيْسَ حُجَّةً؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ نَا مَعْقِلٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْت جَدَّتِي أُمِّ الْحُصَيْنِ تَقُولُ «حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْته حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ انْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَأُسَامَةُ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ رَاحِلَتَهُ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الشَّمْسِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ جَدَّتِهِ قَالَتْ «حَجَجْتُ مَعَ

مسألة الكلام في الطواف

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ، وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . فَهَذَا هُوَ الْحُجَّةُ لَا مَا سِوَاهُ، وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِلَالًا وَأُسَامَةَ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْأَسْوَدِ، وَغَيْرِهِمَا. [مَسْأَلَةٌ الْكَلَامُ فِي الطَّوَافِ] 868 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلَامُ مَعَ النَّاسِ فِي الطَّوَافِ جَائِزٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِمَنْعٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَمَا لَمْ يُفَصِّلْ تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نِكَاحُ الْمُحْرِم] 869 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ، وَلَا لِامْرَأَةٍ، أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ تَتَزَوَّجَ، وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ مِنْ وَلِيَّتِهِ، وَلَا أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةَ نِكَاحٍ مُذْ يُحْرِمَانِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَدْخُلَ وَقْتُ - رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، كَانَ فِيهِ دُخُولٌ وَطُولُ مُدَّةٍ وَوِلَادَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ فَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ حَلَّ لَهُمَا النِّكَاحُ وَالْإِنْكَاحُ؛ وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ، وَلَهَا أَنْ يُرَاجِعَهَا زَوْجُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ وَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ الْجَوَارِيَ لِلْوَطْءِ وَلَا يَطَأُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ: أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي كُلَّ مَا قُلْنَاهُ. وَالْمُحْرِمُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْجِنْسِ وَيَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَمُرَاجَعَةُ الْمَرْأَةِ [الْمُطَلَّقَةِ] فِي عِدَّتِهَا لَا يُسَمَّى نِكَاحًا؛ لِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ، كَمَا كَانَتْ تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا

وَإِسْكَانُهَا، وَلَا صَدَاقَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُرَاعَى إذْنُهَا، وَلَا حُكْمَ لِلْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ

انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُوَ نِكَاحٌ لَا مُرَاجَعَةٌ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَبِصَدَاقٍ وَوَلِيٍّ. وَابْتِيَاعُ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ لَا يُسَمَّى نِكَاحًا، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ النِّكَاحِ وَالْإِنْكَاحِ وَالْخِطْبَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَالْمُحْرِمُ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِبَاسُ الْقُمُصِ، وَالْعَمَائِمِ، وَالْبَرَانِسِ، وَحَلْقُ رَأْسِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ فَإِذَا صَارَ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ فَلَيْسَ مُحْرِمًا بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ تَمَّ إحْرَامُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا حَلَّ لَهُ النِّكَاحُ وَالْإِنْكَاحُ وَالْخُطْبَةُ. وَبِدُخُولِ وَقْتِ رَمْيِ الْجَمْرَةِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا، رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى - الرَّمْيِ. فَإِنْ نَكَحَ الْمُحْرِمُ أَوْ الْمُحْرِمَةُ فُسِخَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَكَذَلِكَ إنْ أَنْكَحَ مَنْ لَا نِكَاحَ لَهَا إلَّا بِإِنْكَاحِهِ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِفَسَادِ الْإِنْكَاحِ الَّذِي لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهِ، وَلَا صِحَّةَ لِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يَصِحُّ. وَأَمَّا الْخِطْبَةُ فَإِنْ خَطَبَ فَهُوَ عَاصٍ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا بِالنِّكَاحِ، وَقَدْ يَخْطُبُ وَلَا يُتِمُّ النِّكَاحَ إذَا رُدَّ الْخَاطِبُ، وَقَدْ يَتِمُّ نِكَاحٌ بِلَا خِطْبَةٍ أَصْلًا، لَكِنْ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: انْكِحِينِي نَفْسَك؟ فَتَقُولُ: نَعَمْ قَدْ فَعَلْت، وَيَقُولُ هُوَ: قَدْ رَضِيت وَيَأْذَنُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا فَأَجَازَ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ طَائِفَةٌ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذٍ - وَقَالَ بِهِ عَطَاءٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسْخُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ إذَا نَكَحَ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ قَالَ: الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ لَا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ إنْ نَكَحَ نَزَعْنَا مِنْهُ امْرَأَتَهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ.

وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى نِكَاحَهُ جَائِزًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ» وَكَذَلِكَ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَعَارَضَهُمْ الْآخَرُونَ بِأَنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْأَصَمِّ ابْنِ أُخْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «عَنْ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَالَ مَنْ أَجَازَ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ: لَا يَعْدِلُ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - وَقَالُوا: قَدْ يَخْفَى عَلَى مَيْمُونَةَ كَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا، فَالْمُخْبِرُ عَنْ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحْرِمًا زَائِدٌ عِلْمًا؛ وَقَالُوا: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَارِدٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ فَهُوَ أَوْلَى؛ وَقَالُوا فِي خَبَرِ عُثْمَانَ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» : إنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يُوطِئُ غَيْرَهُ وَلَا يَطَأُ؛ ثُمَّ اعْتَرَضُوا بِوَسَاوِسَ مِنْ الْقِيَاسِ عُورِضُوا بِمِثْلِهَا لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهَا حَمَاقَاتٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَكُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ أَمَّا تَأْوِيلُهُمْ فِي خَبَرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَطَأُ وَلَا يُوطِئُ: فَبَاطِلٌ وَتَخْصِيصٌ لِلْخَبَرِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ صَرَفُوا كَلَامَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، قَالَ تَعَالَى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] . وَيُبَيِّنُ ضَلَالَ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَا يَخْطُبُ» فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ النِّكَاحَ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ هَذَا اللَّفْظَ بِلَا نَصٍّ بَيِّنٍ. وَأَمَّا تَرْجِيحُهُمْ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى خَبَرِ مَيْمُونَةَ بِقَوْلِهِمْ: لَا يُقْرَنُ يَزِيدُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَعَمْ وَاَللَّهِ لَا نَقْرِنُهُ إلَيْهِ وَلَا كَرَامَةَ، وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ إنَّمَا رَوَى يَزِيدُ عَنْ مَيْمُونَةَ، وَرَوَى أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلْيَسْمَعُوا الْآنَ إلَى الْحَقِّ -: نَحْنُ نَقُولُ: لَا نَقْرِنُ ابْنَ عَبَّاسٍ صَبِيًّا مِنْ صِبْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى

مَيْمُونَةَ الْمُتَّكِئَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، الْقَدِيمَةِ الْإِسْلَامِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَكِنْ نَقْرِنُ يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمِّ إلَى أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُقْطَعُ بِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ يَخْفَى عَلَى مَيْمُونَةَ إحْرَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ تَزَوَّجَهَا فَكَلَامٌ سَخِيفٌ، وَيُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: قَدْ يَخْفَى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إحْلَالُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إحْرَامِهِ، فَالْمُخْبِرَةُ عَنْ كَوْنِهِ قَدْ أَحَلَّ زَائِدَةٌ عِلْمًا؛ فَحَصَلْنَا عَلَى: قَدْ يَخْفَى وَقَدْ لَا يَخْفَى؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَارِدٌ بِحُكْمٍ زَائِدٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ خَبَرُ عُثْمَانَ هُوَ الْوَارِدُ بِالْحُكْمِ الزَّائِدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، فَبَقِيَ أَنْ نُرَجِّحَ خَبَرَ عُثْمَانَ، وَخَبَرَ مَيْمُونَةَ عَلَى خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: خَبَرُ يَزِيدَ عَنْ مَيْمُونَةَ هُوَ الْحَقُّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهْمٌ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ لِوُجُوهٍ بَيِّنَةٍ -: أَوَّلِهَا: أَنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَعْلَمُ بِنَفْسِهَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِاخْتِصَاصِهَا بِتِلْكَ الْقِصَّةِ دُونَهُ؛ هَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ. وَثَانِيهَا: أَنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ حِينَئِذٍ امْرَأَةٌ كَامِلَةٌ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمئِذٍ ابْنَ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ وَأَشْهُرٍ فَبَيْنَ الضَّبْطَيْنِ فَرْقٌ لَا يَخْفَى. وَالثَّالِثِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا تَزَوَّجَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، هَذَا مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ وَمَكَّةُ يَوْمئِذٍ دَارُ حَرْبٍ، وَإِنَّمَا هَادَنَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مُعْتَمِرًا وَيَبْقَى بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يَخْرُجَ، فَأَتَى مِنْ الْمَدِينَةِ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُقَدِّمْ شَيْئًا، إذْ دَخَلَ عَلَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَمَّ إحْرَامَهُ فِي الْوَقْتِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ حَاضِرًا بِهَا لَا بِالْمَدِينَةِ. فَصَحَّ أَنَّهُ بِلَا شَكٍّ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَمَامِ إحْرَامِهِ لَا فِي حَالِ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً، وَبَقِيَ خَبَرُ مَيْمُونَةَ، وَخَبَرُ عُثْمَانَ، لَا مُعَارِضَ لَهُمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِيَقِينٍ وَلَمْ يَصِحَّ خَبَرُ مَيْمُونَةَ لَكَانَ خَبَرُ عُثْمَانَ هُوَ الزَّائِدُ الْوَارِدُ بِحُكْمٍ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ مُذْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَلَالٌ فِي كُلِّ حَالٍ لِلصَّائِمِ، وَالْمُحْرِمِ، وَالْمُجَاهِدِ، وَالْمُعْتَكِفِ، وَغَيْرِهِمْ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. ثُمَّ لَمَّا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ لَا يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحَ، وَلَا يَخْطُبَ كَانَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ نَاسِخًا لِلْحَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْإِبَاحَةِ، لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا، وَكَانَ يَكُونُ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْحَالَةِ الْمَنْسُوخَةِ بِيَقِينٍ. وَمَنْ ادَّعَى فِي حُكْمٍ قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ وَبُطْلَانُهُ أَنَّهُ قَدْ عَادَ حُكْمُهُ وَبَطَلَ نَسْخُهُ فَقَدْ كَذَبَ أَوْ قَطَعَ بِالظَّنِّ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ ذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ لِلظُّنُونِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالُوا: لَمَّا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ وَلَا يَطَأُ: حَلَّ لَهُ نِكَاحُ زَوْجَةٍ لِلْوَطْءِ وَلَا يَطَأُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: لَوْ اسْتَعْمَلْتُمْ هَذَا فِي قَوْلِكُمْ: لَا يَكُونُ صَدَاقٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْفَرْجُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَهَلَّا قُلْتُمْ: كَمَا حَلَّ لَهُ اسْتِبَاحَةُ فَرْجِ جَارِيَةٍ مُحْرِمَةٍ بِأَنْ يَبْتَاعَهَا بِدِرْهَمٍ حَلَّ لَهُ فَرْجُ زَوْجَةٍ مُحْرِمَةٍ بِأَنْ يَصْدُقَهَا دِرْهَمًا؟ وَالْقِيَاسَاتُ لَا يُعَارَضُ بِهَا الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَقَالُوا: كَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَ الْمُطَلَّقَةَ فِي عِدَّتِهَا جَازَ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قِيَاسُ النِّكَاحِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ حَقًّا لَوَجَبَ أَنْ يَقُولُوا: كَمَا جَازَتْ الْمُرَاجَعَةُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا إذْنِ وَلِيِّهَا، وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ: وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا إذْنِ وَلِيِّهَا وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَهُ، وَهَذِهِ صِفَةُ قِيَاسَاتِهِمْ السَّخِيفَةِ؟ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا نِكَاحَ الْمَوْهُوبَةِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ صَدَاقٌ، وَمَنَعُوا مِنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَهُمْ لَا يَزَالُونَ يَقُولُونَ فِي الْأَوَامِرِ: هَذَا نَدْبٌ. كَقَوْلِهِمْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ» إنَّمَا هُوَ نَدْبٌ. فَهَلَّا قَالُوا: هَاهُنَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» : هَذَا نَدْبٌ؟ وَلَكِنَّهُمْ إنَّمَا يَجْرُونَ عَلَى مَا سَنَحَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة شرب ماء زمزم

[مَسْأَلَةٌ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ] مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَنْ يَسْتَقِيَ بِيَدِهِ مِنْهَا، وَأَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ بِالْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ أَمْرَ شُرْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَمِنْ شَرَابِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ النَّبِيذِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ طَاوُسٍ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . [مَسْأَلَةٌ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ] 871 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ صَلَّاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ. فَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْعَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ وَيَنْوِيَ بِهَا الظُّهْرَ وَلَا بُدَّ، لَا يُجْزِيه غَيْرُ ذَلِكَ.

مسألة كان في طواف فأقيمت الصلاة

فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إنْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ إنْ أَمْكَنَهُ فِي جَمَاعَةٍ وَإِلَّا فَوَحْدَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ الْإِمَامَ بِمُزْدَلِفَةَ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ وَلْيَنْوِ بِهَا الْمَغْرِبَ وَلَا بُدَّ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. أَمَّا الْجَمْعُ فَإِنَّهُ حُكْمُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ هُنَالِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَتِلْكَ اللَّيْلَةِ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَلِأَنَّهُمَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعَتَمَةِ وَلَا يَحِلُّ تَقْدِيمُ مُؤَخَّرَةٍ مِنْهُمَا وَلَا تَأْخِيرُ مُقَدَّمَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ جَوَازَ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. فَإِنْ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا فَلْيَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا يَقُمْ حَتَّى يَقَعَ الْإِمَامُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمَ مَعَهُ، وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَلْيَقُمْ فِي الثَّانِيَةِ بِقِيَامِ الْإِمَامِ وَلَا بُدَّ، وَلْيَقْعُدْ فِي الْأُولَى بِقُعُودِهِ وَلْيُسَلِّمْ بِسَلَامِهِ. أَمَّا قُعُودُهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ قَامَ لَصَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا عَامِدًا، وَهَذَا حَرَامٌ وَفَسَادٌ لِلصَّلَاةِ وَكُفْرٌ مِمَّنْ دَانَ بِهِ. وَأَمَّا إنْ أَدْرَكَ ثَلَاثًا فَقَطْ فَقُعُودُهُ فِي الْأُولَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَلَا خِلَافَ فِي نَصٍّ وَلَا بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ وَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا جَلَسَ مَعَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ أَيِّ الصَّلَوَاتِ كَانَتْ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا لَقَامَ. وَأَمَّا قِيَامُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَلِلنَّصِّ الْوَارِدِ وَالْإِجْمَاعِ فِي أَنَّ الْإِمَامَ إنْ قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا فَفَرْضٌ عَلَى الْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ. هَذَا كُلُّهُ إنْ أَتَمَّ الْإِمَامُ أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مِمَّنْ يُتِمَّ وَإِلَّا فَلَا. فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ صَلَّى الْعَتَمَةَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ إنْ لَمْ يَجِدْ جَمَاعَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي طَوَافِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ] 872 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي طَوَافِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ صَلَاةُ جِنَازَةٍ، أَوْ عَرَضَ لَهُ بَوْلٌ، أَوْ حَاجَةٌ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَخْرُجْ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى طَوَافِهِ وَيُتِمَّهُ.

مسألة من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه أو عمرته

وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا فَرْقَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فَيَبْتَدِئُ وَلَا بُدَّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَبْنِي؛ وَأَمَّا فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ فَيَبْنِي فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَقْسِيمٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ قَطَعَ لِحَاجَةٍ، وَلَا بِإِبْطَالِ مَا طَافَ مِنْ أَشْوَاطِهِ وَسَعَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَإِنَّمَا افْتَرَضَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ سَبْعًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِوُجُوبِ اتِّصَالِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَبَثًا فَلَا عَمَلَ لِعَابِثٍ وَلَا يُجْزِئُهُ -: نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ نَا جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ طَافَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ أَصَابَهُ حَرٌّ فَدَخَلَ الْحِجْرَ فَجَلَسَ، ثُمَّ خَرَجَ فَبَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَ. وَعَنْ عَطَاءٍ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ فِي الطَّوَافِ لِيَسْتَرِيحَ وَفِيمَنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي طَوَافِهِ لِيَذْهَبَ وَلِيَقْضِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا كَانَ طَافَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ] 873 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْإِحْصَارُ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، قَارِنًا كَانَ، أَوْ مُتَمَتِّعًا، مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ كَسْرٍ، أَوْ خَطَأِ طَرِيقٍ، أَوْ خَطَأٍ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، أَوْ سِجْنٍ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ: فَهُوَ مُحْصِرٌ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ شَرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ، أَوْ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ، قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا، مَضَى لَهُ أَكْثَرُ فَرْضِهِمَا أَوْ أَقَلُّهُ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا هَدْيَ فِي ذَلِكَ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَا اعْتَمَرَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ وَلَا بُدَّ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُحِلُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، وَعَلَيْهِ

هَدْيٌ وَلَا بُدَّ، كَمَا قُلْنَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعَوَّضُ مِنْ هَذَا الْهَدْيِ صَوْمٌ وَلَا غَيْرُهُ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يَجِدَهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَا اعْتَمَرَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ. وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْإِحْصَارِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ: نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا إحْصَارَ إلَّا مِنْ عَدُوٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيَبْقَى بِهَا ثَلَاثًا وَلَا يَدْخُلَهَا إلَّا بِجُلْبَانِ السِّلَاحِ السَّيْفِ وَقِرَابِهِ، وَلَا يَخْرُجُ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ» فَسَمَّى الْبَرَاءُ مَنْعَ الْعَدُوِّ: إحْصَارًا. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: الْإِحْصَارُ مِنْ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ، وَالْكَسْرِ؛ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ. وَأَمَّا الْحَصْرُ -: فَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَصْرُ، وَالْمَرَضُ، وَالْكَسْرُ، وَشِبْهُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا حَصْرَ إلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ. وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ: لَا حَصْرَ الْآنَ، قَدْ ذَهَبَ الْحَصْرُ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ: الْحَصْرُ الْخَوْفُ وَالْمَرَضُ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الْحَصْرُ مَا حَبَسَهُ مِنْ حَابِسٍ مِنْ وَجَعٍ، أَوْ خَوْفٍ، أَوْ ابْتِغَاءِ ضَالَّةٍ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: الْحَصْرُ مَا مَنَعَهُ مِنْ وَجَعٍ، أَوْ عَدُوٍّ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ.

وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ الْإِحْصَارِ، وَالْحَصْرِ -: فَرُوِّينَا عَنْ الْكِسَائِيِّ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: أَحُصِرَ، فَهُوَ مُحْصِرٌ، وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ: حَصْرٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، قِيلَ فِيهِ: أُحْصِرَ، فَهُوَ مُحْصِرٌ؛ وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ: حَصْرٌ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمْرِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ مَنَعَ الْكُفَّارُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إتْمَامِ عُمْرَتِهِ، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْعَ الْعَدُوِّ إحْصَارًا. وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - وَهُمْ فِي اللُّغَةِ فَوْقَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالْكَسَائِيّ. وَقَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] . فَهَذَا هُوَ مَنْعُ الْعَدُوِّ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ إنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ الْكُفَّارُ بِلَا شَكٍّ؛ وَبَيَّنَ ذَلِكَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] . فَصَحَّ أَنَّ الْإِحْصَارَ، وَالْحَصْرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّهُمَا اسْمَانِ يَقَعَانِ عَلَى كُلِّ مَانِعٍ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْمُحْصِرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ، أَوْ عُمْرَتِهِ. فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِحَجٍّ مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ: أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ حَلَّ؛ فَإِنْ اعْتَمَرَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ إذَا بَرَأَ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، فَإِنْ لَمْ يَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى يَحُجَّ وَيَجْعَلَهُمَا سَفَرًا وَاحِدًا فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ: سَفَرَانِ وَهَدْيٌ أَوْ هَدَيَانِ وَسَفَرٌ - وَهَذَا عَنْهُ مُنْقَطِعٌ لَا يَصِحُّ. وَصَحَّ عَنْهُ: أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِعُمْرَةٍ لُدِغَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّفُوذِ: أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدُ أَصْحَابَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيَ أَحَلَّ.

وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ أَفْتَى فِي مَرِيضٍ مُحْرِمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّفُوذِ: بِأَنْ يَنْحَرَ عَنْهُ بَدَنَةً؛ ثُمَّ لِيُهِلَّ عَامًا قَابِلًا بِمِثْلِ إهْلَالِهِ الَّذِي أَهَلَّ بِهِ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ فِي مُحْرِمٍ بِعُمْرَةٍ مَرِضَ بِوَقْعَةٍ مِنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ، يَكُونُ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يُصَلِّ إلَى الْبَيْتِ - وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ أُحْصِرَ: يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ فَإِذَا نَحَرَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْت كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا مَعَهُ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عُمْرَةً؛ ثُمَّ قَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَجِّ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ حَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ - وَكَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَحَرَ وَحَلَّ وَانْصَرَفَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، " أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَرِيضُ بِالسُّقْيَا فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إذَا خَافَ الْفَوَاتَ خَرَجَ وَبَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ فَقَدِمَا عَلَيْهِ، وَأَنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِرَأْسِهِ فَحُلِقَ، ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: إنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ خَرَجَ

مُعْتَمِرًا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا كَانَ بِالْعَرَجِ مَرِضَ، فَلَمَّا أَتَى السُّقْيَا بِرَسْمٍ فَكَانَ أَوَّلُ إفَاقَتِهِ أَنْ أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَحُلِقَ عَلَى رَأْسِهِ وَنَحَرَ عَنْهُ بِهَا جَزُورًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَتَيْنَا بِهَذَا الْخَبَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَمِرًا فَهَذَا عَلِيٌّ، وَالْحُسَيْنُ، وَأَسْمَاءُ رَأَوْا أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَيُهْدِيَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَعَنْ عَلْقَمَةَ فِي الْمُحْصِرِ قَالَ: يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ فَإِذَا ذُبِحَ حَلَّ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلْقَمَةَ أَيْضًا: لَا يُحِلُّهُ إلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا إنْ حَلَّ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: لَا يُحِلُّهُ إلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَرُوِّينَا عَنْهُمْ أَيْضًا: حَاشَا الشَّعْبِيَّ: إنْ حَلَّ دُونَ الْبَيْتِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ سِوَى الَّذِي لَزِمَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَهُمْ لِبُلُوغِهِ مَكَّةَ وَنَحْرِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالَ: عَلَيْهِ هَدْيَانِ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ قَالَا جَمِيعًا: عَلَيْهِ عُمْرَتَانِ وَحَجَّةٌ - وَعَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ لَيْسَ عَلَى الْقَارِنِ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا: إنْ أَحَلَّ الْمُحْصِرُ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ الْأَذَى - إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ شَاةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ؟ قَالَ: يَبْعَثُ بِهَدْيٍ يَحِلُّ بِهِ، ثُمَّ يُهِلُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَا كَانَ أَهَلَّ بِهِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي الْقَارِنِ يُحْصِرُ: أَنَّهُ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ حَلَّ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ - قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَثَلَاثُ عُمَرَ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْمُحْصِرِ إذَا رَجَعَ لَا يَحِلُّ مِنْهُ إلَّا رَأْسُهُ - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ أُحْصِرَ بِالْحَرْبِ نَحَرَ حَيْثُ حُبِسَ وَحَلَّ مِنْ النِّسَاءِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٍ، وَابْنُ سِيرِينَ: يَبْعَثُ هَدْيَهُ فَإِذَا نَحَرَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ

كُلِّ شَيْءٍ - وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا إذَا حَلَّ الْمُحْصِرُ قَبْلَ نَحْرِ هَدْيِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ: عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِثَمَنِ هَدْيٍ فَيُشْتَرَى لَهُ بِمَكَّةَ فَيُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَحِلُّ، وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا أَقَامَ مُحْرِمًا حَتَّى يَجِدَ هَدْيًا وَلَهُ أَنْ يُوَاعِدَهُمْ بِنَحْرِهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ قَالَ: وَالْمُعْتَمِرُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ مَتَى شَاءَ، وَالْإِحْصَارُ عِنْدَهُ بِالْعَدُوِّ، وَالْمَرَضِ، وَبِكُلِّ مَانِعٍ سِوَاهُمَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، فَإِنْ تَمَادَى مَرَضُهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَكَمَا قُلْنَا - وَإِنْ هُوَ أَفَاقَ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ كَمَا كَانَ؛ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَأَفَاقَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ الَّذِي بَعَثَ مَضَى وَقَضَى عُمْرَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ حَلَّ إذَا نَحَرَ عَنْهُ الْهَدْيَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ فَإِنَّهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ حُبِسَ وَيُحِلُّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، فَإِنْ لَمْ يُهْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَهُ قَدْ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ، فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ لَكِنْ بِحَبْسٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ إلَّا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ إلَى عَامٍ آخَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ، أَوْ بِسِجْنٍ فَإِنَّهُ يُهْدِي وَيُحِلُّ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِلٍّ، أَوْ حَرَمٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ وَلَا اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَدْيٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ - أَحَدُهُمَا: لَا يَحِلُّ إلَّا حَتَّى يُهْدِيَ؛ وَالْآخَرُ يُحِلُّ، وَالْهَدْيُ دَيْنٌ عَلَيْهِ - وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ إطْعَامٌ، أَوْ صِيَامٌ - إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ - فَإِنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ أَوْ حَبْسٍ لَمْ يُحِلَّهُ إلَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ طَافَ، وَسَعَى، وَحَلَّ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ، وَبِغَيْرِ عَدُوٍّ فَفَاسِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ وَأَمَّا إسْقَاطُ الْهَدْيِ عَنْ الْمُحْصِرِ بِعَدُوٍّ، أَوْ غَيْرِهِ فَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَأَمَّا إيجَابُ الْقَضَاءِ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اعْتَمَرَ بَعْدَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ الْقَضَاءِ عَامًا آخَرَ لِمَنْ أَحَبَّ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ إيجَابِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَعُمْرَةً فِي الدَّهْرِ، فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ أُخْرَى، إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ تُوجِبُ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْمُحْصِرِ بِمَرَضٍ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَقَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَا أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا - وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْحَجِّ أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] ؟ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: إنَّ الْمُحْصِرَ لَا يُحِلُّ إلَّا بِالطَّوَافِ. وَاَلَّذِي قَالَ {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] هُوَ الَّذِي قَالَ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحِلَّ وَيَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَتِهِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنْ الْبَيْتِ، وَلَا يَحِلُّ ضَرْبُ أَوَامِرِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؟ وَأَمَّا الْقَوْلُ: بِبَعْثِهِ هَدْيًا يَحِلُّ بِهِ، فَقَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَالصَّحَابَةُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] . قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْمُحْصَرِ وَحْدَهُ، بَلْ هُوَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ سَاقَ هَدْيًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمُومِ الْآيَةِ -: فَالْحَاجُّ، وَالْقَارِنُ إذَا كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى، فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ. وَالْمُعْتَمِرُ إذَا أَتَمَّ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ فَقَدْ بَلَغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِمَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ.

وَالْمُحْصَرُ إذَا صُدَّ فَقَدْ بَلَغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ فَلَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ إنْ كَانَ مَعَ هَؤُلَاءِ هَدْيٌ، وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ: إنَّ الْمُحْصَرَ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ هَدْيُهُ مَكَّةَ، بَلْ هُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ نَسَبَهُ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَظَهَرَ خَطَأُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فِي الْإِحْصَارِ، فَلَا يُحْفَظُ قَوْلٌ مِنْهَا - بِتَمَامِهِ وَتَقْسِيمِهِ - عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَبَ الرُّجُوعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] . فَوَجَدْنَا حُكْمَ الْإِحْصَارِ يَرْجِعُ -: إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عُمُومُ إيجَابِ الْهَدْيِ عَلَى كُلِّ مَنْ أُحْصِرَ بِأَيِّ وَجْهٍ أُحْصِرَ. وَإِلَى «فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَحَلُّوا بِالْحُدَيْبِيَةِ» . وَإِلَى «أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ حَجَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَإِلَى مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَا: صَدَقَ ".

مسألة احتاج إلى حلق رأسه وهو محرم

فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قُلْنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أُخْرَى، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ هَدْيٍ؟ قُلْنَا: إنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِإِيجَابِ الْهَدْيِ، فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِإِسْقَاطِ الْهَدْيِ وَلَا لِإِيجَابِهِ، فَوَجَبَ إضَافَةُ مَا زَادَهُ الْقُرْآنُ إلَيْهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِأَنَّ اللَّازِمَ لِلنَّاسِ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَبِهَذَا تَتَأَلَّفُ الْأَخْبَارُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا؟ قُلْنَا: الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا رَوَى لَا فِي رَأْيِهِ وَقَدْ يَنْسَى، أَوْ يَتَأَوَّلُ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّوْهِينَ بِمَا رَوَى لِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ مَا رَوَى - أَوْلَى مِنْ تَوْهِينِ مَا رَوَى بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ خِلَافِهِ لِمَا رَوَى، لِأَنَّ الطَّاعَةَ عَلَيْنَا إنَّمَا هِيَ لِمَا رَوَى لَا لِمَا رَأَى بِرَأْيِهِ. وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ مَا رُوِيَ لَكَانَ الْحَجَّاجُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، قَدْ رَوَيَاهُ وَلَمْ يُخَالِفَاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْحَرُ هَدْيَ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ نَاجِيَةَ بْنَ كَعْبٍ نَهَضَ بِالْهَدْيِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شِعَابٍ وَأَوْدِيَةٍ حَتَّى نَحَرَهُ فِي الْحَرَمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ عَمَلًا عَمِلَهُ، وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَرُوِّينَا خَبَرًا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْبُدْنِ لِلْهَدْيِ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ أَبُو حَاضِرٍ الْأَزْدِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ] 874 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ احْتَاجَ إلَى حَلْقِ رَأْسِهِ - وَهُوَ مُحْرِمٌ لِمَرَضٍ، أَوْ صُدَاعٍ، أَوْ لِقَمْلٍ، أَوْ لِجُرْحٍ بِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِيهِ - فَلْيَحْلِقْهُ، وَعَلَيْهِ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَيُّهَا شَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهَا. إمَّا أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِمَّا أَنْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُتَغَايِرِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنْهُمْ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ وَلَا بُدَّ، وَإِمَّا أَنْ يُهْدِيَ شَاةً يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ يَصُومَ، أَوْ يُطْعِمَ، أَوْ يَنْسَكَ الشَّاةَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي حَلَقَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ. فَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، أَوْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ دُونَ بَعْضٍ عَامِدًا عَالِمًا أَنَّ ذَلِكَ

لَا يَجُوزُ بَطَلَ حَجُّهُ، فَلَوْ قَطَعَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ مَا لَا يُسَمَّى بِهِ حَالِقًا بَعْضَ رَأْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ بِأَيِّ وَجْهٍ قَطَعَهُ، أَوْ نَزَعَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّخْيِيرُ فِي أَيِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ، وَلَيْسَ فِيهَا بَيَانُ كَمْ يَصُومُ؟ وَلَا بِكَمْ يَتَصَدَّقُ؟ وَلَا بِمَاذَا يَنْسَك؟ وَفِي الْآيَةِ أَيْضًا حَذْفٌ بَيَّنَهُ الْإِجْمَاعُ، وَالسُّنَّةُ وَهُوَ: فَحَلَقَ رَأْسَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إنْ شِئْتَ فَانْسُكْ نَسِيكَةً، وَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ لَهُ: آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْلِقْ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ اطْعَمْ ثَلَاثَةَ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ: عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَكْمَلُ الْأَحَادِيثِ وَأَبْيَنُهَا، وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طُرُقٍ -: فِي بَعْضِهَا «أَوْ نُسُكِ مَا تَيَسَّرَ» . وَبَعْضُهَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَخْبَرَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ حِينَئِذٍ: أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» . وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، فَذَكَرَ فِيهِ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد -: نَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [قَالَ] حَدَّثَنِي أَبَانُ هُوَ ابْنُ صَالِحٍ - عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ فِيهِ «أَوْ إطْعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ فَرْقًا مِنْ زَبِيبٍ» . وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ أَخْبَرَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ؛ وَفِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ: هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ؟ قَالَ: مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: هَلْ تَجِدُ مِنْ نَسِيكَةٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَهِيَ شَاةٌ؟ قَالَ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعَ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - أَنَا دَاوُد بْنَ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَمَعَكَ دَمٌ؟ قَالَ: لَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعَ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» لَمْ يَسْمَعْهُ الشَّعْبِيُّ مِنْ كَعْبٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَنَذْكُرُ الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نَا جَعْفَرُ الصَّائِغُ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَمَعَكَ هَدْيٌ؟ قُلْتُ: مَا أَجِدُهُ، قَالَ: إنَّهُ مَا اسْتَيْسَرَ؟ قُلْتُ: مَا أَجِدُهُ؟ قَالَ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُضْطَرِبَةُ كُلُّهَا إنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَةِ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ -: أَمَّا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعُ تَمْرٍ فَهُوَ عَنْ أَشْعَثَ الْكُوفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَلْبَتَّةَ؛ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ كَعْبٍ: إيجَابُ التَّرْتِيبِ، وَأَنْ لَا يَجْزِيَ الصِّيَامُ، وَلَا الصَّدَقَةُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النُّسُكِ، وَذَلِكَ الْخَبَرُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ كَعْبٍ، فَحَصَلَ مُنْقَطِعًا: فَسَقَطَا مَعًا. وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ فَفِيهَا أَيْضًا: إيجَابُ التَّرْتِيبِ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا شُعْبَةُ عَنْ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ فَذَكَرَهُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ النُّسُكِ أَوْ الصَّوْمِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ وَجَدْنَا شُعْبَةَ قَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْخَبَرِ -: فَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَرَوَى عَنْهُ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ: نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَرَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ: ثَلَاثَةَ آصُعَ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِمَاذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، وَبِنُصُوصِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا أَيْضًا، فَصَحَّ أَنَّ جَمِيعَهَا وَهْمٌ إلَّا وَاحِدًا فَقَطْ -: فَوَجَدْنَا أَصْحَابَ شُعْبَةَ قَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَوَجَبَ تَرْكُ مَا اضْطَرَبُوا فِيهِ، إذْ لَيْسَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الَّذِي لَمْ يَضْطَرِبْ الثِّقَاتُ مِنْ رُوَاتِهِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنْ قَضَايَا شَتَّى لَوَجَبَ الْأَخْذُ بِجَمِيعِهَا وَضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَأَمَّا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ أَصْلًا. ثُمَّ وَجَدْنَا أَبَانَ بْنَ صَالِحٍ قَدْ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ «فَرْقًا مِنْ زَبِيبٍ» وَأَبَانُ لَا يُعْدَلُ فِي الْحِفْظِ بِدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَلَا بِأَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ إحْدَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ، إذْ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا؛ لِأَنَّهَا كُلُّهَا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ أَخْذُ مَا رَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، لِثِقَتِهِمَا وَلِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عَالِمًا عَامِدًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، أَوْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ وَخَلَّى الْبَعْضَ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ: فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فُسُوقٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفُسُوقَ يُبْطِلُ الْإِحْرَامَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ إلَّا عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِمَرَضٍ، أَوْ أَذًى بِهِ فَقَطْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَبَ فِدْيَةٌ، أَوْ غَرَامَةٌ، أَوْ صِيَامٌ، لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْعَاصِي عَلَى الْمُطِيعِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَكَيْفَ وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ وَأَمَّا مَنْ قَطَعَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ مَا لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ حَالِقًا بَعْضَ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْصِ وَلَا أَتَى مُنْكَرًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْهَ الْمُحْرِمَ إلَّا عَنْ حَلْقِ رَأْسِهِ وَنَهَى جُمْلَةً عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَلْقِ بَعْضِ الرَّأْسِ دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْقَزَعُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيًّا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ شَعْرِهِ وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: احْلِقُوا كُلَّهُ، أَوْ اُتْرُكُوا كُلَّهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ لَا تَصِحُّ، مِنْهَا -: مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ أَنْصَارِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَنْ يَحْلِقَ وَيُهْدِيَ بَقَرَةً» وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْ مَجْهُولٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ بْنِ عُجْرَةَ: أَنَّ كَعْبًا ذَبَحَ بَقَرَةً بِالْحُدَيْبِيَةِ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنًا لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَمَّا كَانَ أَبُوهُ ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي فِدْيَةِ رَأْسِهِ؟ فَقَالَ: بَقَرَةً - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ ابْنًا لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِمَاذَا افْتَدَى أَبُوهُ؟ فَقَالَ بِبَقَرَةٍ - سُلَيْمَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: افْتَدَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ مِنْ أَذًى كَانَ بِرَأْسِهِ فَحَلَقَهُ بِبَقَرَةٍ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا - أَبُو مَعْشَرٍ ضَعِيفٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، كُلُّهُمْ قَالَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ نُسُكُ شَاةٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعِكْرِمَةَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: نُسُكُ شَاةٍ، أَوْ صِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ. رُوِّينَا ذَلِكَ -: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ: أَنَا مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَسَنِ فَذَكَرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ فَذَكَرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، وَعِكْرِمَةَ فَذَكَرَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنْ حَلَقَ مِنْ رَأْسِهِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ لِضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ مَا تَيَسَّرَ، فَإِنْ حَلَقَ رُبُعَ رَأْسِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ نُسُكِ مَا شَاءَ، وَيُجْزِئُهُ شَاةٌ، أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ حِنْطَةٍ، أَوْ دَقِيقُ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ مِنْ زَبِيبٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنُ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُمْ إيَّاهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ: إنْ حَلَقَ نِصْفَ رَأْسِهِ فَأَقَلَّ صَدَقَةٌ، وَإِنْ حَلَقَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فَالْفِدْيَةُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ إنْ حَلَقَ عُشْرَ رَأْسِهِ فَصَدَقَةٌ - فَإِنْ حَلَقَ أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ فَالْفِدْيَةُ الْمَذْكُورَةُ. قَالُوا كُلُّهُمْ: فَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ لَا يُجْزِئُهُ بَدَلُهُ صِيَامٌ، وَلَا إطْعَامٌ - وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ: لَيْسَ فِي حَلْقِ بَعْضِ الرَّأْسِ شَيْءٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ وَاسْتِهْزَاءٌ وَشَبِيهٌ بِالْهَزْلِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ، وَلَا يُحْفَظُ هَذَا السُّخَامُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ حَلَقَ، أَوْ نَتَفَ شَعَرَاتٍ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا فَيُطْعِمُ شَيْئًا مِنْ طَعَامٍ - فَإِنْ حَلَقَ، أَوْ نَتَفَ مَا يَكُونُ فِيهِ إمَاطَةَ أَذًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي نَتْفِ شَعْرَةٍ أَوْ حَلْقِهَا عَامِدًا وَنَاسِيًا: مُدٌّ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ كَذَلِكَ مُدَّانِ، وَفِي الثَّلَاثِ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا كَذَلِكَ دَمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَحَبَّ فَشَاةٌ، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ مُدَّانِ مِمَّا يَأْكُلُ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: لَيْسَ فِي الشَّعْرَتَيْنِ وَلَا فِي الشَّعْرَةِ شَيْءٌ، وَفِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ دَمٌ - وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ نَحَا إلَى هَذَا - وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ قَالَا جَمِيعًا فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ لِلْمُحْرِمِ: دَمٌ، النَّاسِي وَالْعَامِدُ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ: قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ مُحْرِمٍ حَلَقَ شَعْرَتَيْنِ لِدَوَاءٍ؟ قَالَ: عَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نَا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ - عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بَأْسًا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَحْلِقَ عَنْ الشَّجَّةِ -: قَالَ عَلِيٌّ: فَأَبَاحَ ذَلِكَ لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا وَلَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَوْضِعُ النُّسُكِ وَالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمُحْصِرِ نُسُكَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي حَلْقِ رَأْسِهِ لِمَرَضٍ

مسألة حلق المحرم رأسه بنورة

كَانَ بِهِ بِالسُّقْيَا وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مُخَالِفًا وَنُسُكُ حَلْقِ الرَّأْسِ لَا يُسَمَّى هَدْيًا؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، إذْ لَمْ يُوجِبْ كَوْنَ النُّسُكِ بِمَكَّةَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ دَمٍ أَوْ طَعَامٍ فَبِمَكَّةَ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَحَيْثُ شَاءَ - وَقَالَ عَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مَا كَانَ مِنْ دَمٍ فَبِمَكَّةَ وَمَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ دَمٍ وَاجِبٍ فَلَيْسَ لَك أَنْ تَذْبَحَهُ إلَّا بِمَكَّةَ. رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: اجْعَلْ الْفِدْيَةَ حَيْثُ شِئْت -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِالنُّسُكِ مَكَانًا دُونَ مَكَان إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ. [مَسْأَلَةٌ حَلَقَ الْمُحْرِم رَأْسَهُ بِنُورَةٍ] 875 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِنُورَةٍ فَهُوَ حَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَفِيهِ مَا فِي الْحَالِقِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ - حَلَقَهُ؟ فَإِنْ نَتَفَهُ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْهُ؛ وَالنَّتْفُ غَيْرُ الْحَلْقِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ وَالْفِدْيَةُ فِي الْحَلْقِ لَا فِي النَّتْفِ. [مَسْأَلَةٌ تَصَيَّدَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ] 876 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَصَيَّدَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ أَوْ بِقِرَانٍ أَوْ بِحَجَّةِ تَمَتُّعٍ مَا بَيْنَ أَوَّلِ إحْرَامِهِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَوْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ، أَوْ مُحِلٌّ فِي الْحَرَمِ -: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا لِقَتْلِهِ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِإِحْرَامِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ لِقَتْلِهِ - سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ -: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَا كَفَّارَةَ وَلَا إثْمَ؛ وَذَلِكَ الصَّيْدُ جِيفَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ عَامِدًا لِقَتْلِهِ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَجُّهُ بَاطِلٌ وَعُمْرَتُهُ كَذَلِكَ - وَعَلَيْهِ مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] .

فَصَحَّ يَقِينًا لَا إشْكَالَ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَامِدِ لِقَتْلِهِ، الذَّاكِرِ لِإِحْرَامِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ، لِأَنَّ إذَاقَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَالَ الْأَمْرِ وَعَظِيمَ وَعِيدِهِ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُخْطِئِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا عَلَى غَيْرِ الْعَامِدِ لِلْمَعْصِيَةِ الْقَاصِدِ إلَيْهَا؛ فَبَطَلَ يَقِينًا أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ إيجَابُ حُكْمٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ عَلَى غَيْرِ الْعَامِدِ الذَّاكِرِ الْقَاصِدِ إلَى الْمَعْصِيَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الْأَسَدِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعُمَرُ: يَسْأَلُ رَجُلًا قَتَلَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: عَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَقَدْ تَعَمَّدْت رَمْيَهُ وَمَا أَرَدْت قَتْلَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاك إلَّا أَشْرَكْت بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ؛ أَعْمِدْ إلَى شَاةٍ فَاذْبَحْهَا فَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا وَأَسِقْ إهَابَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ كَانَ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً عِنْدَ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمَا سَأَلَهُ عُمَرُ أَعَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً؟ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فُضُولًا مِنْ السُّؤَالِ لَا مَعْنَى لَهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مَدِينَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ - أَبُو مَدِينَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حِصْنٍ السَّدُوسِيُّ تَابِعِيٌّ -، سَمِعَ أَبَا مُوسَى، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرِيق شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ خَطَأً؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: فَقُلْت لَهُ: عَمَّنْ؟ قَالَ: السُّنَّةُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ يَجْعَلُونَ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إذْ سَأَلَهُ رَبِيعَةُ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمَرْأَةِ يُقْطَعُ لَهَا ثَلَاثُ أَصَابِعَ لَهَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ قُطِعَتْ لَهَا أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي؛ فَجَعَلُوهُ حُجَّةً لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا. وَقَدْ خَالَفَ سَعِيدٌ فِي ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرَهُمَا؛ ثُمَّ لَمْ يَجْعَلُوا هَاهُنَا حُجَّةَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إنَّ السُّنَّةَ هِيَ أَنَّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ خَطَأً، وَمَعَهُ الْقُرْآنُ، وَالصَّحَابَةُ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: لَا يُحْكَمُ إلَّا عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ فِيمَنْ أَصَابَ الْجَنَادِبَ خَطَأً؟ قَالُوا: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَصَابَهَا مُتَعَمِّدًا حُكِمَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْكَمُ عَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ خَطَأً، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ سَوَاءٌ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَشَغَبَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً فَقِسْنَا عَلَيْهِ قَاتِلَ الصَّيْدِ خَطَأً؟

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ وَلَكَانُوا أَيْضًا قَدْ فَارَقُوا حُكْمَ الْقِيَاسِ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا؛ أَمَّا كَوْنُهُ خَطَأً؛ فَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ أَصْلِهِ مَخْصُوصًا أَنَّهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ فَخَرَجَ عِنْدَهُمْ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً عَنْ أَصْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ لَا يَقِيسُوا حُكْمَ الْوَاطِئِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ نَاسِيًا عَلَى الْوَاطِئِ فِيهِ عَمْدًا فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمَا، وَقَتْلُ الصَّيْدِ أَشْبَهُ بِالْوَطْءِ مِنْهُ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُؤْمِنِ لَمْ يَحِلَّ قَطُّ ثُمَّ حُرِّمَ، بَلْ لَمْ يَزَلْ حَرَامًا مُذْ آمَنَ، أَوْ مُذْ وُلِدَ إنْ كَانَ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا الْوَطْءُ وَقَتْلُ الصَّيْدِ فَكَانَا حَلَالَيْنِ، ثُمَّ حُرِّمَا بِالصَّوْمِ وَبِالْإِحْرَامِ فَجَمَعَتْهُمَا هَذِهِ الْعِلَّةُ فَأَخْطَئُوا فِي قِيَاسِ قَاتِلِ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى مَا لَا يُشْبِهُهُ. وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِلْقِيَاسِ هُنَا فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُوجَبَ بِالْقِيَاسِ ثُمَّ أَوْجَبُوهَا هَاهُنَا بِالْقِيَاسِ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ قَاسُوا الْخَطَأَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْخَطَأِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ فَأَوْجَبُوا الْجَزَاءَ فِي كِلَيْهِمَا وَلَمْ يَقِيسُوا قَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا فَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَلَمْ يُوجِبُوهَا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَبَاطِلٌ. وَأَيْضًا فَلَمْ يَقِيسُوا نَاسِي التَّسْمِيَةِ فِي التَّذْكِيَةِ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا فِيهَا مَعَ مَجِيءِ الْقُرْآنِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ هُنَالِكَ؛ وَتَفْرِيقِ الْحُكْمِ هَاهُنَا. وَالشَّافِعِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ النَّاسِي فِيمَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَبَيْنَ الْعَامِدِ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَسَاوَوْا هَاهُنَا بَيْنَ النَّاسِي وَالْعَامِدِ، وَهَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ. وَقَالُوا: لَيْسَ تَخْصِيصُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَمِّدَ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ بِمُوجَبِ أَنَّ الْمُخْطِئَ بِخِلَافِهِ وَذَكَرُوا مَا نَحْتَجُّ بِهِ نَحْنُ وَمَنْ وَافَقَنَا مِنْهُمْ مِنْ النُّصُوصِ فِي إبْطَالِ الْقَوْلِ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ، لِأَنَّنَا إذَا أَبْطَلْنَا الْقَوْلَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ لَمْ نُوجِبْ الْقَوْلَ بِالْقِيَاسِ بَلْ أَبْطَلْنَاهُمَا جَمِيعًا، وَالْقِيَاسُ: هُوَ أَنْ يُحْكَمَ

لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَدَلِيلُ الْخِطَابِ: هُوَ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا هُمْ فَتَلَوَّنُوا هَاهُنَا مَا شَاءُوا، فَمَرَّةً يَحْكُمُونَ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَمَرَّةً يَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ أَخْذًا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ - وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مُضَادٌّ لِلْآخَرِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَتَعَدَّى الْقُرْآنَ وَلَا السُّنَّةَ وَنُوقِفُ أَمْرَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَلَا نَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَنْصُوصِ وَلَا بِحُكْمٍ آخَرَ، بِخِلَافِ حُكْمِ الْمَنْصُوصِ؛ لَكِنْ نَطْلُبُ حُكْمَهُ فِي نَصٍّ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ هَاهُنَا: إنَّهُ لَمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ عَمْدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْطِئُ بِخِلَافِهِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَقُولَ هَذَا، لَكِنْ قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا الْمُتَعَمِّدُ وَحْدُهُ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِلْمُخْطِئِ لَا بِإِيجَابِ جَزَاءٍ عَلَيْهِ وَلَا بِإِسْقَاطِهِ عَنْهُ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِهِ فِي نَصٍّ آخَرَ، إذْ لَيْسَ حُكْمُ كُلِّ شَيْءٍ مَوْجُودًا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ أَحَدٌ سِوَاهُ؛ فَإِذَا وَجَدْنَا حُكْمَهُ حَكَمْنَا بِهِ، إمَّا مُوَافِقًا لِهَذَا الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَإِمَّا مُخَالِفًا لَهُ، فَفَعَلْنَا -: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَسْقَطَ الْجُنَاحَ عَنْ الْمُخْطِئِ. وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَأَنَّهُ قَدْ عَفَا عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَذَمَّ تَعَالَى مَنْ شَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ. فَوَجَبَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنْ لَا يَلْزَمَ قَاتِلُ الصَّيْدِ خَطَأً أَوْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ شَرْعُ صَوْمٍ، وَلَا غَرَامَةُ هَدْيٍ، أَوْ إطْعَامٌ أَصْلًا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا: بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ مُتْلِفُ أَمْوَالِ النَّاسِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا بِالْخَطَأِ وَالْعَمْدِ وَكَانَ الصَّيْدُ مِلْكًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، وَلَكَانُوا أَيْضًا قَدْ أَخْطَئُوا فِيهِ. أَمَّا كَوْنَهُ خَطَأً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ مَا أُصِيبَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا أُصِيبَ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الْمِثْلَ، أَوْ الْقِيمَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ،

وَجَعَلَ فِي الصَّيْدِ جَزَاءً مِنْ النَّعَمِ لَا مِنْ مِثْلِهِ مِنْ الصَّيْدِ الْمُبَاحِ فِي الْإِحْلَالِ، أَوْ إطْعَامًا، أَوْ صِيَامًا، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ؛ فَسَوَّوْا بَيْنَ حُكْمَيْنِ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا - وَهَذِهِ جُرْأَةٌ شَدِيدَةٌ وَخَطَأٌ لَائِحٌ؛ وَأَمَّا خَطَؤُهُمْ فِيهِ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ قِيَاسًا، وَأَوْجَبُوا هَاهُنَا قِيَاسًا، وَالْقَوْمُ لَيْسُوا فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُمْ فِي شَبَهِ اللَّعِبِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ قَاسُوا مُتْلِفَ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى مُتْلِفِ أَمْوَالِ النَّاسِ عَمْدًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَهُمْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الْقِيمَةُ فَقَطْ، وَيَجِبُ عِنْدَهُمْ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ، أَوْ الْإِطْعَامُ، أَوْ الصِّيَامُ، فَقَدْ تَرَكُوا قِيَاسَهُمْ الْفَاسِدَ. فَإِنْ قَالُوا: اتَّبَعْنَا الْقُرْآنَ؟ قُلْنَا: فَالْتَزَمُوا اتِّبَاعَهُ فِي الْعَامِدِ خَاصَّةً وَإِسْقَاطُ الْجُنَاحِ عَنْ الْمُخْطِئِ، وَأَوْجَبُوا فِي الصَّيْدِ: الْقِيمَةَ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَرَدَ قِيَاسَهُ الْفَاسِدَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ لَا يَرَوْنَ ضَمَانَ مَا وَلَدَتْ الْمَاشِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ إلَّا أَنْ تُسْتَهْلَكَ الْأَوْلَادِ، وَيَرَى عَلَى مَنْ أَخَذَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَلَدَ عِنْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ: أَنْ يَضْمَنَ الْأُمَّ وَالْأَوْلَادَ، فَأَيْنَ قِيَاسُهُ الصَّيْدَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ؟ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ، وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ كَمَا حَرَّمَ الصَّيْدَ فِي الْإِحْرَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ لَا يُوجِبُونَ عَلَى مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَزَاءً، فَنَقَضُوا قِيَاسَهُمْ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُحَرِّمْ قَتْلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ؟ قُلْنَا: وَلَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَزَاءَ إلَّا عَلَى الْمُتَعَمِّدِ فَإِمَّا الْتَزَمُوا النُّصُوصَ كَمَا وَرَدَتْ وَلَا تَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ، وَإِمَّا اُطْرُدُوا قِيَاسَكُمْ فَأَوْجِبُوا الْجَزَاءَ فِي الْخِنْزِيرِ؛ وَفِي السِّبَاعِ، وَفِي ذَوَاتِ الْمَخَالِبِ، كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ - فَظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ أَقْوَالِهِمْ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِيَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ الْمُخْطِئِ مِثْلُهُ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مِنْ أَسْخَفِ كَلَامٍ فِي الْأَرْضِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّ جَزَاءَ قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ عَامِدًا فِي جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ

وَلَعَنَهُ، لِيَعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ قَاتِلِهِ مُخْطِئٌ مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى خَالِقِهِ لِإِخْبَارِهِ عَنْهُ بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ. فَإِنْ قَالَ: قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ قَاتِلِ الْعَمْدِ وَقَاتِلِ الْخَطَأِ. قُلْنَا: وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ كُلِّ مُخْطِئٍ وَكُلِّ عَامِدٍ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ تَمْوِيهًا غَيْرَ هَذَا وَهُوَ كُلُّهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ ذَلِكَ الصَّيْدَ حَرَامٌ أَكْلُهُ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ قَتْلًا وَنَهَى عَنْهُ وَلَمْ يُبِحْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا بِالذَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ ذِي حَسَنٍ سَلِيمٍ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الذَّكَاةِ هُوَ غَيْرُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْقَتْلِ؛ فَإِذْ هُوَ غَيْرُهُ فَالْقَتْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَيْسَ ذَكَاةً؛ وَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَكَاةٌ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ الْحَيَوَانِ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا خَصَّصْتُمْ الْعَامِدَ بِذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَصُّ الْآيَةِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، وَسَمَّى إتْلَافَ الصَّيْدِ فِي حَالِ الْحَرَمِ قَتْلًا وَحَرَّمَهُ. ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَأَوْجَبَ حُكْمَ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَامِدِ خَاصَّةً بِخِلَافِ النَّهْيِ الْعَامِّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ. وَأَمَّا بُطْلَانُ إحْرَامِهِ بِذَلِكَ -: فَلِأَنَّهُ بِلَا خِلَافٍ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعَاصِي كُلُّهَا فُسُوقٌ؛ وَالْإِحْرَامُ يَبْطُلُ بِالْفُسُوقِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَمِنْ شَنَعِ الْأَقْوَالِ وَفَاسِدِهَا إبْطَالُ الْمَالِكِيِّينَ الْحَجَّ بِالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَمْنَعْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ لَمْ يُبْطِلُوهُ بِالْفُسُوقِ الْكَبِيرِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى أَشَدَّ الْوَعِيدِ فِيهِ وَهُوَ قَتْلُ الصَّيْدِ عَمْدًا. وَأَبْطَلُوا هُمْ، وَالْحَنَفِيُّونَ الْإِحْرَامَ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا وَلَمْ يُبْطِلْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ الْمُحْرِمِ.

مسألة كتابي قتل صيدا في الحرم

وَأَبْطَلُوا هُمْ، وَالشَّافِعِيُّونَ الْحَجَّ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْوَطْءِ وَلَمْ يُبْطِلْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كِتَابِيّ قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ] 877 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أَنَّ كِتَابِيًّا قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُتَعَمِّدُ لِقَتْلِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ] 878 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُ لِقَتْلِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَيُّهَا شَاءَ فَعَلَهُ؟ وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَ الصَّيْدِ الَّذِي قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ وَهِيَ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ - ضَأْنُهَا، وَمَاعِزُهَا - وَعَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُشْبِهُ الصَّيْدَ الَّذِي قَتَلَ مِمَّا قَدْ حَكَمَ بِهِ عَدْلَانِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَوْ مِنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَحْكِيمَ حُكْمَيْنِ الْآنَ وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ مَسَاكِينَ؛ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ شَاءَ نَظَرَ إلَى مَا يُشْبِعُ ذَلِكَ الصَّيْدَ مِنْ النَّاسِ، فَصَامَ بَدَلَ كُلِّ إنْسَانٍ يَوْمًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] . فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى التَّخْيِيرَ فِي ذَلِكَ بِلَفْظَةِ " أَوْ " وَأَوْجَبَ مِنْ الْمِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنَّا. فَصَحَّ أَنَّ الصَّاحِبَيْنِ إذَا حَكَمَا بِمِثْلٍ فِي ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ فَرْضًا لَازِمًا لَا يَحِلُّ تَعَدِّيهِ؛ وَكَذَلِكَ الصَّاحِبُ وَالتَّابِعُ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ حُكْمُ صَاحِبَيْنِ؛ وَكَذَلِكَ حُكْمُ التَّابِعِينَ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي حُكْمِ صَاحِبٍ، وَأَوْجَبَ تَعَالَى طَعَامَ مَسَاكِينَ، وَهَذَا بِنَاءً لَا يَقَعُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَيَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا إلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَكَانَ إيجَابُ عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَوْلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَوَجَبَ إطْعَامُ الثَّلَاثَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لَا أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعُ خَيْرٍ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ فِي هَذَا عَدَدًا مَحْدُودًا مِنْ الْمَسَاكِينِ لَا يُوجِبُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَوْ صِفَةٌ مِنْ الْإِطْعَامِ لَا يَقْتَضِيه وَظَاهِرُ الْآيَةِ لَمَا أَغْفَلَهُ عَمْدًا وَلَا نَسِيَهُ، وَلَبَيَّنَهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَكَفَّارَةِ الْعَوْدِ لِلظِّهَارِ، وَكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ، وَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ، وَكَفَّارَةِ

حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ، فَإِذَا لَمْ يَنُصَّ تَعَالَى هُنَا عَلَى عَدَدٍ بِعَيْنِهِ وَلَا عَلَى صِفَةٍ بِعَيْنِهَا فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ الصَّادِقَةِ أَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ بِيَقِينٍ لَا مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُ سِوَاهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كَقَوْلِنَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَا أُطْعِمُهُمْ وَأَيُّ مِقْدَارٍ أُطْعِمُهُمْ أَجْزَأَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَلَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَأَجْزَأَ إطْعَامُ حَبَّةِ بَرَّةٍ لِمِسْكِينٍ، أَوْ حَبَّةَ خَرْدَلَةٍ، أَوْ وَزْنَ حَبَّةِ صَبْرٍ، أَوْ شَحْمَ حَنْظَلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 4] . وَذَكَرَ تَعَالَى عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَمْدِهِ إيَّاهُ هُوَ {يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79] فَإِنَّمَا أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ بِلَا شَكٍّ مَا أَمْسَكَ الْحَيَاةَ وَطَرَدَ الْجُوعَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَا مِمَّا يَحْرُمُ وَلَا مِمَّا هُوَ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ يُشْبِعُ ثَلَاثَ مَسَاكِينَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ - وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَأَمَّا سَائِرُ مَا فِيهِ الْإِطْعَامُ فَقَدْ جَاءَ مِقْدَارُ مَا يُطْعِمُ فِيهِ مَنْصُوصًا وَهِيَ: أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ فَقَطْ، الْإِطْعَامُ فِي وَطْءِ الْأَهْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا، وَالْإِطْعَامُ فِي الظِّهَارِ، وَالْإِطْعَامُ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ، وَالْإِطْعَامُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمَرِيضِ الْمُحْرِمِ قَبْلَ مَحِلِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الصِّيَامِ: فَإِنَّ الْإِشَارَةَ بِلَفْظَةِ ذَلِكَ إنَّمَا تَقَعُ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ، وَكَانَ الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَبْعَدَ مَذْكُورٍ فَلَزِمَ بِذَلِكَ عَدْلَهُ صِيَامًا، وَلَا يَكُونُ عَدْلُهُ أَصْلًا إلَّا كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَنْ قَوَّمَهُ قِيمَةً، ثُمَّ قَوَّمَ الْقِيمَةَ طَعَامًا، ثُمَّ رَأَى عَدْلَ ذَلِكَ صِيَامًا فَلَمْ يُوجِبْ عَدْلَ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَدْلَ قِيمَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْآيَةِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِهِ [جُمْلَةً] . ثُمَّ نَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِتَقْوِيمِ الْهَدْيِ دَرَاهِمَ، أَوْ طَعَامًا؛ أَيُّ الْهَدْيِ تُقَوِّمَ؟ وَقَدْ يَخْتَلِفُ قِيَمُ النُّوقِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، فَأَيُّ نَاقَةٍ تُقَوَّمُ؟ أَمْ أَيُّ بَقَرَةٍ تُقَوَّمُ؟ أَمْ أَيُّ شَاةٍ؟ وَهَذَا إلْزَامٌ مُضْمَحِلٌّ بِلَا بُرْهَانٍ. ثُمَّ نَقُولُ لِمَنْ قَالَ بِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ: مَتَى تُقَوِّمُهُ؟ أَحَيًّا أَمْ مَقْتُولًا؟

فَإِنْ قَالُوا: مَقْتُولًا؟ قُلْنَا: هُوَ عِنْدَكُمْ جِيفَةٌ مَيِّتَةٌ، وَلَا قِيمَةَ لِلْمَيْتَةِ؛ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْكُمْ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ يُقَوَّمُ حَيًّا؟ قُلْنَا: وَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقِيمَتُهُ حَيًّا تَخْتَلِفُ فَيَكُونُ حِمَارُ وَحْشٍ يَرْغَبُ فِيهِ الْمُلُوكُ حَيًّا فَيُغَالُونَ بِهِ فَإِذَا ذُكِّيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَبِيرُ قِيمَةٍ، ثُمَّ فِي أَيِّ الْمَوَاضِعِ يُقَوَّمُ؟ فَإِنْ قَالُوا: حَيْثُ أُصِيبَ؟ قُلْنَا: فَإِنْ أُصِيب بِفَلَاةٍ لَا قِيمَةَ لَهُ فِيهَا أَصْلًا؟ وَكُلُّ مَا قَالُوهُ فَبِلَا دَلِيلٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ هَاهُنَا فِي مَوَاضِعَ، أَحَدُهَا التَّخْيِيرُ -: فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالْإِطْعَامُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالصِّيَامُ -: رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ جَزَاءُ ذَبْحِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَزَاءٌ قُوِّمَ جَزَاؤُهُ دَرَاهِمَ؛ ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَصَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَإِنَّمَا جُعِلَ الطَّعَامَ لِلصَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الطَّعَامُ وُجِدَ جَزَاؤُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " أَوْ " فَهُوَ مُخَيَّرٌ وَكُلُّ شَيْءٍ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] فَهُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ. وَرُوِّينَا التَّخْيِيرَ أَيْضًا: عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَإِذَا تَنَازَعَ النَّاسُ فَالْمَرْجِعُ إلَى الْقُرْآنِ، وَحُكْمُ الْقُرْآنِ التَّخْيِيرُ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ قَاتِلَ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى الْعَامِدِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ، أَوْ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ أَنْ يَقِيسَ حُكْمَ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَيَجْعَلُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا؟ وَمِنْهَا اسْتِئْنَافُ التَّحْكِيمِ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ

وَيَحْكُمَانِ بِحُكْمِ يَوْمِهِمَا وَلَا يَنْظُرَانِ إلَى حُكْمِ مَنْ مَضَى، فَإِنَّ مَالِكًا، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، وَالثَّوْرِيَّ قَالُوا: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِئْنَافِ تَحْكِيمِ حَكَمَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ مَالِكٌ: الْخِيَارُ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا إلَى الْحَكَمَيْنِ؛ وَيَقُولُ لَهُمَا: لَا تَحْكُمَا عَلَيَّ إلَّا بِالْإِطْعَامِ إنْ شَاءَ أَوْ بِالصِّيَامِ إنْ شَاءَ، أَوْ بِالْجَزَاءِ إنْ شَاءَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ حَيٍّ: الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْحَكَمَيْنِ لَا إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَحْكُمَا بِغَيْرِ حُكْمِ مَنْ مَضَى. قَالَ ابْنُ حَيٍّ: إنْ كَانَ حُكْمُ الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِ مَنْ مَضَى؛ حُكِمَ بِحُكْمِ الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْيَوْمِ أَقَلَّ مِنْ حُكْمِ مَنْ مَضَى: حُكِمَ بِحُكْمِ مَنْ مَضَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ الْيَوْمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: إنَّمَا هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ السَّلَفُ لَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ مَا حَكَمَ بِهِ فِي ذَلِكَ ذَوَا عَدْلٍ مِنَّا فَإِذَا حَكَمَ اثْنَانِ مِنْ السَّلَفِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّاعَةَ لِمَا حَكَمَا بِهِ فَاسْتِئْنَافُ تَحْكِيمِ آخَرَيْنِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ -: فَهُوَ عَمَلٌ فَارِغٌ فَاسِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا. ثُمَّ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ خَطَأً مُكَرَّرٌ، إذْ لَوْ وَجَبَ تَحْكِيمُ حَكَمَيْنِ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِيمَا حَكَمَا بِهِ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمَا الْحُكْمَ بِهِ لَكَانَ ذَلِكَ عَمَلًا فَاسِدًا. فَإِنْ مَوَّهُوا بِالْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إلَيْهِمَا فُرْقَةً وَلَا إيجَابَ غَرَامَةٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَ تَعَالَى إلَيْهِمَا الْإِصْلَاحَ لِيُوَفِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فَقَطْ. وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ مَنْ ذَكَرْنَا رَأَى التَّحْكِيمَ فِي الْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ التَّحْكِيمَ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي الْجَزَاءِ بِالْهَدْيِ فَقَطْ هَذَا هُوَ نَصُّ الْآيَةِ، ثُمَّ الْقَائِلُ بِهَذَا قَدْ خَالَفَ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ فِي الْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ فَتَنَاقَضَ. وَمِنْهَا مِقْدَارُ الْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ -: فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنْ يُقَوَّمَ الْجَزَاءُ

مِنْ النَّعَمِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَيَصُومُ بَدَلَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ عَنْهُمَا، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْإِطْعَامَ يَكُونُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ إنْ قَتَلَ نَعَامَةً، أَوْ حِمَارَ وَحْشٍ فَبَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْإِطْعَامُ مُدُّ مُدٍّ فَقَطْ، فَإِنْ قَتَلَ أُيَّلًا أَوْ نَحْوَهُ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا فَشَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَوْلَةً غَيْرَ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنْ يَحْكُمَ فِي ذَلِكَ بِهَدْيٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَ الْهَدْيُ طَعَامًا، ثُمَّ قُوِّمَ الطَّعَام صِيَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ، وَمَكَانُ كُلِّ مِسْكِينٍ صَوْمُ يَوْمٍ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ نَحْوَ هَذَا. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ أَيْضًا. وَعَنْ عَطَاءٍ يُقَوَّمُ الْجَزَاءُ طَعَامًا، ثُمَّ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، فَإِنْ وَجَدَ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ أَطْعَمَ. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا بَدَلَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ صِيَامَ يَوْمٍ. عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانٍ: أَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ بَدَلَ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا. وَعَنْ أَبِي عِيَاضٍ - وَهُوَ تَابِعِيٌّ - رَوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَكْثَرُ الصَّوْمِ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: الصَّوْمُ فِي فِدْيَةِ الصَّيْدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَا نَعْلَمُ عَنْ تَابِعٍ فِي هَذَا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَتَجَاوَزُ فِي ذَلِكَ بِالصَّوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَوِّمُ الصَّيْدَ دَرَاهِمَ فَيَبْتَاعُ بِهَا طَعَامًا فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ.

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُطْعِمُ [لِكُلِّ مِسْكِينٍ] مُدًّا مُدًّا أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَقَوْلُهُمْ بِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ لَا نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ عَنْ أَحَدٍ وَإِنَّمَا قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِتَقْوِيمِ الْهَدْيِ وَهُوَ الْجَزَاءُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَوَّمُ الْجَزَاءُ لَا الصَّيْدُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ تُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا فَيُطْعِمُ مُدًّا مُدًّا أَوْ يَصُومُ بَدَلَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْإِطْعَامُ ثَلَاثَةُ آصُعَ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَالصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّهَا قَدْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، لِأَنَّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ التَّرْتِيبَ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ. وَفِيهِ: أَنْ يُقَوِّمَ الْجَزَاءَ، وَلَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا مَالِكٌ بِهِ. وَفِيهِ: عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَكَانُ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَلَا يَقُولُ مَالِكٌ، وَلَا الشَّافِعِيُّ بِهِ - وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي فَكُلُّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً، وَلَا يُعْرَفُ فِيمَا ذَكَرْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بُرْهَانًا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا حُجَّةٍ إلَّا فِيهِمَا، وَلَا أَفْحَشُ قَوْلًا مِمَّنْ اسْتَسْهَلَ خِلَافَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ بِرَأْيِ تَابِعٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ، ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ الْتِزَامًا لِلْقُرْآنِ، وَنَحْنُ رَاضُونَ مَسْرُورُونَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا وَلَهُمْ لَا أَعْدَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِمَنِّهِ [وَفَضْلِهِ] آمِينَ. وَالتَّابِعُونَ مُخْتَلِفُونَ كَمَا ذَكَرْنَا فَمَنْ تَعَلَّقَ بِبَعْضِ قَوْلَةٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِلَا نَصٍّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَهُ نَفْسَهُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلَةٍ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا هُمْ سَبْعَةٌ فَقَطْ مُخْتَلِفُونَ مُتَنَازِعُونَ: مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو عِيَاضٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَمَعَ اخْتِلَافِهِمْ وَتَنَازُعِهِمْ فَلَا بُرْهَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ تَابِعٍ مُوَافِقٍ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ كُلِّهِ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا اللَّيْثُ فَإِنَّهُ قَاسَ الصِّيَامَ فِي ذَلِكَ عَلَى الصِّيَامِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ، وَلَقَدْ كَانَ يُلْزِمُ مَنْ قَاسَ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ خَطَأً عَلَى وُجُوبِهَا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً أَنْ يَقِيسَ الصِّيَامَ فِي هَذِهِ عَلَى الصِّيَامِ فِي ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ اللَّيْثُ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَمْ يُبْلِغْ دِيَةَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ، وَمَنْ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمًا، وَقَالَ: لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ فَضَّلَ الْبَهَائِمَ هَاهُنَا عَلَى النَّاسِ فِي الصِّيَامِ عَنْ نُفُوسِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَاهُنَا بَاطِلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِثْلًا مِنْ النَّعَمِ أَوْ إطْعَامًا وَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً بَلْ أَوْجَبَ هُنَالِكَ دِيَةً. وَعِتْقَ رَقَبَةٍ وَلَمْ يُوجِبْهَا هَاهُنَا؛ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ أَحَدٌ قِيَاسَ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا. وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَإِنَّهُ قَاسَ الْإِطْعَامَ، وَالصِّيَامَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فِي فِدْيَةِ حَلْقِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ لِلْأَذَى يَكُونُ بِهِ وَالْمَرَضِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ قَاتِلَ الصَّيْدِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ آثِمٌ، ثُمَّ مُتَوَعِّدٌ أَشَدَّ الْوَعِيدِ، وَحَالِقُ رَأْسِهِ لِمَرَضِ بِهِ: مُطِيعٌ مُحْسِنٌ مَأْجُورٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ مِثْلُهُ؟ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ تَحْكِيمَ حَكَمَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي حَالِقِ رَأْسِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: أَحْسَنُ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يُوَافِقُنِي عَلَيْهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو يَعْقُوبَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلَ بِمَا لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلٌ إذَا وَافَقَ الْقُرْآنَ، أَوْ السُّنَّةَ لَا كَمَنْ يُنْكِرُ هَذَا - ثُمَّ يَأْتِي بِأَقْوَالٍ مِنْ رَأْيِهِ مُخَالِفَةٍ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ لَا يَعْرِفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُ، وَفِي قَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، مَا لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ التَّقْسِيمِ الَّذِي قَسَّمُوهُ، فَمُتَّبِعُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ أَوْلَى بِالْحَقِّ. وَمِنْهَا: مَا هُوَ الْمِثْلُ الَّذِي يُجْزِئُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ النَّعَمِ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ قَالُوا جَمِيعًا: إذَا

أَصَابَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ فَاشْتَرَى بِهِ هَدْيًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ لِكُلِّ صَاعٍ يَوْمَيْنِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْجَزَاءُ بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ لَا بِالْقِيمَةِ - وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَطَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَغَيْرِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ حَيٍّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. فَأَتَى أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلٍ لَمْ يُسْمَعْ بِأَوْحَشَ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَبْتَاعُ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ مَا بَلَغَتْ مِنْ الْهَدْيِ وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ إلَّا الْجِذْعُ مِنْ الضَّأْنِ فَصَاعِدًا وَالثَّنْيُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرُ، وَالْمَاعِزُ، فَصَاعِدًا. فَإِنْ وَجَدَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ هَدْيَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً: لَزِمَهُ أَنْ يُهْدِيَ كُلَّ ذَلِكَ - هَكَذَا يَفْعَلُ فِي الظَّبْيِ وَالنَّعَامَةِ، وَحِمَارِ الْوَحْشِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ، وَالضَّبِّ، وَالْيَرْبُوعِ وَالْحَمَامَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قِيمَةُ ذَلِكَ هَدْيًا ابْتَاعَ بِهِ طَعَامًا فَأَطْعَمَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ قَبْلُ. فَإِنْ قَتَلَ فِيلًا لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالْهَدْيِ فِي جَزَائِهِ شَاةً وَاحِدَةً - وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَ قِرْدًا. وَيُجْزِئُ الْخِنْزِيرُ الْبَرِّيُّ إنْ قَتَلَهُ؛ فَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُقَوَّمُ الْخِنْزِيرُ؟ وَقَالَ صَاحِبُهُ زُفَرُ: يُقَوَّمُ الصَّيْدُ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ النَّعَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ بَدَنَةٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهَا بَدَنَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ حِمَارِ الْوَحْشِ، وَثَوْرِ الْوَحْشِ، وَالْأَيْلِ، وَالْأَرْوِيِّ أَكْثَرَ مِنْ بَقَرَةٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهَا بَقَرَةً وَاحِدَةً؛ فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الثَّيْتَلِ وَالْغَزَالِ، وَالظَّبْيِ، وَالْأَرْنَبِ، وَالْوَبَرِ، وَالْيَرْبُوعِ، وَالضَّبِّ، وَالْحَمَامَةِ، وَالْحَجْلَةِ، وَالْقَطَاةِ، وَالدُّبْسِيِّ، وَالْحِبَارَيْ، وَالْكَرَوَانِ، وَالْكَرَاكِيِّ، وَالدَّجَاجَةِ الْحَبَشِيَّةِ، أَكْثَرَ مِنْ شَاةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهَا شَاةً

وَاحِدَةً؛ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ هَدْيٍ ابْتَاعَ بِهِ طَعَامًا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَخَالَفَهُمَا أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فَرَأَيَا الْجَزَاءَ بِالْمِثْلِ كَمَا قَالَ سَائِرُ النَّاسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَمُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] يَقُولُ تَعَالَى: فَجَزَاءُ قِيمَةِ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ، وَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا وَلَا تَحْتَمِلُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الضَّبُعِ: كَبْشٌ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا قِيمَةً، وَقَدْ وَجَدْنَا قِيمَةَ الْحَمَامَةِ الْهَادِيَةِ، وَالْمُقِلِّينَ الْمُغَرِّدِ يَبْلُغُ عَشْرَاتِ الدَّنَانِيرِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ جَزَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْهَدْيِ أَكْثَرَ مِنْ جَزَاءِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ - وَالنَّعَامَةِ مِنْ الْهَدْيِ، فَهَذَا مَعَ خِلَافِ الْقُرْآنِ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ. ثُمَّ سَائِرُ تَقْسِيمِهِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ، وَقَدْ وَقَفَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَابَ قَدْ رُوِيَتْ فِيهِ آثَارٌ مُؤَقَّتَةٌ؛ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّمَا نَتْبَعُ لِلْقُرْآنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَاَللَّهِ مَا وُفِّقَ فِي هَذَا لِاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ، وَلَا لِاتِّبَاعِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَقَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إطْلَاقٌ فَاسِدٌ إنَّمَا جَاءَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ: أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ فَقَطْ وَجَاءَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَقَطْ مِمَّا قَدْ خَالَفُوهُ كُلَّهُ - وَلَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْقِيمَةُ أَعْدَلُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبَ الْآفِكُ الْآثِمُ - وَلَا كَرَامَةَ - أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَعْدَلَ مِنْ الْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، بَلْ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ؛ وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلٌ بَنُوهُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَهُمْ فَاسِدٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا أَتْلَفَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ مِمَّا لَا يُكَالُ، وَلَا يُوزَنُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِثْلِ - وَهَذَا رَدٌّ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَمَا الْوَاجِبُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا الْمِثْلُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ.

مسألة في النعامة بدنة من الإبل

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ التَّخَالِيطُ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَمَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا حَكَمَ بِهِ الْعُدُولُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا أَمَرَ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِمْ هَاهُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ] 879 - مَسْأَلَةٌ: وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ، وَثَوْرِ الْوَحْشِ، وَالْأُرْوِيَّةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْأُيَّلِ: بَقَرَةٌ، وَفِي الْغَزَالِ، وَالْوَعِلِ وَالظَّبْيِ: عَنْزٌ، وَفِي الضَّبِّ، وَالْيَرْبُوعِ، وَالْأَرْنَبِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ جَدْيٌ، وَفِي الْوَبْرِ: شَاةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْوَرَلِ وَالضَّبُعِ، وَفِي الْحَمَامَةِ، وَكُلِّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ مِنْ الطَّيْرِ: شَاةٌ، وَكَذَلِكَ الْحُبَارَى وَالْكُرْكِيُّ، والبلدج، وَالْإِوَزُّ الْبَرِّيُّ، وَالْبُرَكُ الْبَحْرِيُّ، وَالدَّجَاجُ الْحَبَشِيُّ، وَالْكَرَوَانُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَلَا يَخْلُو الْمِثْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَغْلَبِ الْوُجُوهِ؛ فَوَجَدْنَا الْمُمَاثَلَةَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ مَعْدُومَةً مِنْ الْعَالَمِ جُمْلَةً لِأَنَّ كُلَّ غَيْرَيْنِ فَلَيْسَا مِثْلَيْنِ فِي تَغَايُرِهِمَا فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْمُمَاثَلَةِ مِنْ أَقَلِّ الْوُجُوهِ، وَهُوَ وَجْهٌ وَاحِدٌ فَوَجَدْنَا كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ لَا تَحَاشَ شَيْئًا، فَهُوَ يُمَاثِلُ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ مِنْ وَجْهٍ وَلَا بُدَّ وَهُوَ الْخَلْقُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ - وَهُوَ مَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى - فَهُوَ مَخْلُوقٌ فَبَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ أَيْضًا. وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لَأَجْزَأَتْ الْعَنْزُ بَدَلَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، وَالنَّعَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَيَّانِ مَخْلُوقَانِ مَعًا؛ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ أَغْلَبِ الْوُجُوهِ، وَأَظْهَرِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَقْوَالٌ مَحْصُورَةٌ فَبَطَلَتْ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدًا فَهُوَ الْحَقُّ بِلَا شَكٍّ؛ فَهَذَا مُوجَبُ الْقُرْآنِ. وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا بَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَدِّ وَهَيْئَةِ الْجِسْمِ، لِأَنَّ الْكَبْشَ أَشْبَهُ النَّعَمِ بِالضَّبُعِ - وَبِهَذَا جَاءَ حُكْمُ السَّلَفِ الطَّيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ وَجَعَلَ فِيهِ كَبْشًا إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ نَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: حَكَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ رَبَاحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَكَمَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا جَمِيعًا: فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ فَهُمْ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَوْلُ عُمَرَ هَذَا فَلَمْ يُخَالِفْهُ - وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالُوا فِي النَّعَامَةِ: بَدَنَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، قَالَا: فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ يَعْنِي مِنْ الْإِبِلِ - وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَا شَيْءَ أَشْبَهُ بِالنَّعَامَةِ مِنْ النَّاقَةِ فِي طُولِ الْعُنُقِ، وَالْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ بَدَنَةٌ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِيهِ بَدَنَةٌ - وَعَنْ عَطَاءٍ فِيهِ بَدَنَةٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا فِيهِ بَقَرَةٌ - وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَصِحُّ، وَلَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ - وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَا جَمِيعًا: فِي حِمَارِ الْوَحْشِ: بَقَرَةٌ، وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ: بَقَرَةٌ، قَالَ عَطَاءٌ: وَفِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي الْقَادِرِ الْعَظِيمِ مِنْ الْأَرْوَى بَقَرَةٌ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْهُمَا وَهُمَا ذَوَا عَدْلٍ مِنَّا -

فَوَجَدْنَا حِمَارَ الْوَحْشِ أَشْبَهَ بِالْبَقَرَةِ مِنْهُ بِالنَّاقَةِ، لِأَنَّ الْبَقَرَ، وَحِمَارَ الْوَحْشِ، ذَوَا شَعْرٍ وَذَنَبٍ سَابِغٍ وَلَيْسَ لَهُمَا سَنَامٌ، وَالنَّاقَةُ ذَاتُ وَبَرٍ وَذَنَبٍ قَصِيرٍ وَسَنَامٍ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْبَقَرَةِ لِقُوَّةِ الْمُمَاثَلَةِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْأُيَّلِ: بَقَرَةٌ - وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ. وَفِي الثَّيْتَلِ: بَقَرَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَفِي الْوَبْرِ: شَاةٌ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٍ فِي الْغَزَالِ: شَاةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الْمَاعِزَةِ كَمَا تَقَعُ عَلَى الضَّأْنِيَّةِ. وَعَنْ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الظَّبْيِ: تَيْسٌ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدٍ عَنْ جَابِرٍ فِي الضَّبِّ: جَدْيٌ رَاعٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَطَارِقِ بْنِ شِهَابٍ مِثْلُهُ أَيْضًا؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ هَذَا. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ فِي الضَّبِّ: شَاةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي الضَّبِّ: حُفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَهَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ لِأَنَّ خِلَافَ حُكْمِ عُمَرَ، وَطَارِقٍ، وَمَنْ مَعَهُمَا لَا يُجَوِّزُ خِلَافَهُ، لِأَنَّهُمْ ذَوُو عَدْلٍ مِنَّا مَعَ مُوَافَقَتِهِمْ الْقُرْآنَ فِي الْمُمَاثَلَةِ؛ وَقَوْلُ عَطَاءٍ حَادِثٌ بَعْدَهُمْ، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ كَذَلِكَ مَعَ خِلَافِ قَوْلِهِمَا، وَقَوْلِ مَالِكٍ لِلْقُرْآنِ. وَبِقَوْلِ عُمَرَ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْ عُمَرَ فِي الْأَرْنَبِ: عَنَاقٌ، وَهِيَ الْجَدْيُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَمْرِو بْنِ حَبَشِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يَجُوزُ - فَخَالَفُوا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا، وَالْمُمَاثَلَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا فِي الْقُرْآن. وَعَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُجَاهِدٍ فِي الْيَرْبُوع: سَخْلَةٌ، أَوْ جَفْرَةٌ، وَهُمَا

سَوَاءٌ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: فِيهِ حُكُومَةٌ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: فِيهِ قِيمَتُهُ - وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْأَرْنَبِ، وَالضَّبِّ، وَالْيَرْبُوعِ قِيمَتُهُ يُبْتَاعُ بِهِ طَعَامٌ - وَهَذَا خَطَأٌ لَمْ يُوجِبْهُ الْقُرْآنُ، وَلَا السُّنَّةُ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الْأَضَاحِيِّ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْجَذَعُ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ وَلَا مَا دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكُنْتُمْ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْقِيَاسِ لِأَنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْكَبْشَ، وَالتَّيْسَ، أَفْضَلُ فِي الْأَضَاحِيِّ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَإِنَّ الذَّكَرَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى، وَتَقُولُونَ فِي الْهَدْيِ كُلِّهِ: إنَّ الْإِبِلَ، وَالْبَقَرَ: أَفْضَلُ مِنْ الضَّأْنِ، وَالْمَاعِزِ، وَإِنَّ الْإِنَاثَ أَفْضَلُ فِيهَا مِنْ الذُّكُورِ؛ فَمَرَّةً تَقِيسُونَ حُكْمَ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ، وَمَرَّةً تُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَحْكَامِهَا بِلَا نَصٍّ وَلَا دَلِيلٍ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ أَبِي بُرْدَةَ» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَاَلَّذِي أَخْبَرَ بِهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِإِيجَابِ مِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُول مِنْ النَّعَمِ، وَلَيْسَ بَعْضُ كَلَامِهِ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، بَلْ كُلُّهُ فُرِضَ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهُ لِشَيْءٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَمْ يَنْهَ قَطُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ مَا دُونَ الْجَذَعِ بِاسْمِهِ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَعْضُ مَا دُونَ الْجَذَعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ لَمْ يُجْزِ فِيمَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ بِإِيجَابِ شَاةٍ فَقَطْ. وَأَمَّا الْجَذَعَةُ فَلَا تُجْزِئُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا عُمُومٌ، إلَّا حَيْثُ أُوجِبَتْ بِاسْمِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، فَقَطْ، مَعَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ، وَالْمَاعِزِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ: لَا مَعْنَى لِمُرَاعَاتِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إنَّمَا يُرَاعَى الْمِثْلُ فِي الْقَدِّ وَالصُّورَةِ لَا مَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ فَرِّ الْأَسْنَانِ - فَصَحَّ أَنَّ الْجَذَعَةَ لَا تُجْزِئُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي الْوَرَلِ: شَاةٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ عَظِيمًا فِي مِقْدَارِ الشَّاةِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَفِيهِ، وَفِي الْقُنْفُذِ: جَدْيٌ صَغِيرٌ. وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ فِي الْحَمَامَةِ: شَاةٌ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: كُلُّ مَا يَعُبُّ كَمَا تَعُبُّ الشَّاةُ فَفِيهِ شَاةٌ بِهَذِهِ الْمُمَاثَلَةِ - وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الدُّبْسِيِّ، وَالْقُمْرِيِّ، وَالْحُبَارَى، وَالْقَطَاةِ، وَالْحَجَلَةِ شَاةٌ شَاةٌ. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا. وَكَذَلِكَ فِي الْكَرَوَانِ، وَابْنِ الْمَاءِ. وَرُوِّينَا عَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ: ثُلُثُ مُدٍّ: خَيْرٌ مِنْ حَجَلَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ هَاهُنَا خِلَافُ مَا حَكَمَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْهُدْهُدِ: دِرْهَمٌ، وَفِي الْوَطْوَاطِ: ثُلُثَا دِرْهَمٍ، وَفِي الْعُصْفُورِ: نِصْفُ دِرْهَمٍ. وَعَنْ عُمَرَ فِي الْجَرَادَةِ: تَمْرَةٌ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا شَيْءَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا إنْ غُمِسَتْ فِي الْبَحْرِ مَاتَتْ. وَعَنْ كَعْبٍ فِي الْجَرَادَةِ دِرْهَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَحْكِيمٍ فِي الْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ لَا فِي الْإِطْعَامِ وَلَا فِي الصِّيَامِ، فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، فَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ صِغَارِ النَّعَمِ جُزِيَ بِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ مِنْ كِبَارِ النَّعَمِ وَلَا صِغَارِهِ فَإِنَّمَا فِيهِ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ تَعَالَى جَزَاءَ صَيْدٍ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ وَهُوَ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْهَا، لِأَنَّ هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَلَا شَكَّ أَيْضًا فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ الَّذِي خُلِقَ صَغِيرًا جِدًّا كَصِغَارِ الْعَصَافِيرِ وَالْجَرَادِ فَلَمْ يَجْعَلْ فِي كَبِيرِ الصَّيْدِ وَصَغِيرِهِ إلَّا فِدْيَةً طَعَامَ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلَهُ صِيَامًا -: فَوَجَبَ فِي الْجَرَادَةِ فَمَا فَوْقَهَا إلَى

النَّعَامَةِ، وَفِي وَلَدِ أَصْغَرِ الطَّيْرِ إلَى حِمَارِ الْوَحْشِ: إطْعَامُ ثَلَاثَةِ مَسَاكِينَ فَقَطْ. وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا صِيَامَ فِي الْإِسْلَامِ أَقَلُّ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ، فَفِي كُلِّ صَغِيرٍ مِنْهَا صَوْمُ يَوْمٍ فَقَطْ؛ فَإِنْ كَانَ يُشْبِعُ بِكِبَرِ جِسْمِهِ إنْسَانَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ: فَلِكُلِّ آكِلٍ صَوْمُ يَوْمٍ كَمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا قَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَلَفَ؟ قُلْنَا: نَحْنُ لَا نَدَّعِي الْإِحَاطَةَ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ جَمِيعِهِمْ وَالتَّابِعِينَ كُلِّهِمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ؟ بَلْ نَقُولُ وَنَقْطَعُ: أَنَّ مَنْ ادَّعَى الْإِحَاطَةَ بِأَقْوَالِهِمْ فَقَدْ كَذَبَ كَذِبًا مُتَيَقَّنًا لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَا نُنْكِرُ الْقَوْلَ بِمَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ رِوَايَةٌ عَنْ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ لَنَا قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقُولُوا بِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّ إنْسَانًا قَالَ بِمَا فِيهِمَا؛ بَلْ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ وَكَبِيرَةٌ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3] . وَالنَّاسُ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْجَرَادِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ جَابَانَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا مِثْلُهُ. وَعَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْجَرَادَ نَثْرُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ، وَأَبَاحَ أَكْلَهُ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدَهُ؛ فَهَذَا قَوْلٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ نَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ كَعْبٌ: ذُكِرَ لِعُمَرَ أَنِّي أَصَبْت جَرَادَتَيْنِ وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ لِي عُمَرُ: مَا نَوَيْت فِي نَفْسِك؟ قُلْت: دِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَمْرَتَانِ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَتَيْنِ، امْضِ لِمَا نَوَيْت فِي نَفْسِك. فَهَذَا عُمَرُ، وَكَعْبٌ: جَعَلَا فِي الْجَرَادَةِ دِرْهَمًا - فَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ جَرَادَةً: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ حَكَمَ فِي الْجَرَادَةِ تَمْرَةٌ - فَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جَرَادَةٍ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ بِأَنْ يَقْصِدَ بِقَبْضَةٍ مِنْ طَعَامٍ - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فِي الْجَرَادَةِ إذَا صَادَهَا الْمُحْرِمُ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ فِي الْجَرَادَةِ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ - فَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ فِي الْجَرَادَةِ: قَبْضَةٌ أَوْ لُقْمَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: فِي الْجَرَادَةِ لَيْسَ فِيهَا فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ فَإِنْ قَتَلَهَا عَمْدًا أَطْعَمَ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْجَرَادَةِ قَالَ: يُطْعِمُ كِسْرَةً - فَهَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي مُحْرِمٍ أَصَابَ صَيْدًا لَيْسَ لَهُ نِدٌّ مِنْ النَّعَمِ: إنَّهُ يُهْدِي ثَمَنَهُ إلَى مَكَّةَ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ فِيهِ ثَمَنُهُ - فَهَذَا قَوْلٌ سَادِسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ - فَهَذَا قَوْلٌ سَابِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ نَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ عُمَرَ كَرِهَ أَكْلَ الْجَرَادِ لِلْمُحْرِمِ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ جَزَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ هُشَيْمٍ أَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: نَهَى ابْنُ عَبَّاسٍ

عَنْ أَخْذِ الْجَرَادِ فِي الْحَرَمِ قَالَ: لَوْ عَلِمُوا مَا فِيهِ مَا أَخَذُوهُ، فَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ؟ وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَوْضُوعٌ بِلَا شَكٌّ لِأَنَّ فِي أَحَدِ طَرِيقَيْهِ أَبَا الْمُهَزِّمِ وَهُوَ هَالِكٌ - وَفِي الْأُخْرَى مَيْمُونُ بْنُ جَابَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَبِالْعِيَانِ يَرَى النَّاسُ الْجَرَادَ يَبِيضُ فِي الْبَرِّ وَفِي الْبَرِّ يَفْقِسُ عَنْهُ الْبَيْضُ وَفِي الْبَرِّ يَبْقَى حَتَّى يَمُوتَ، وَأَنَّهُ لَوْ غُمِسَ فِي مَاءٍ عَذْبٍ أَوْ مَلْحٍ لَمَاتَ فِي مِقْدَارِ مَا يَمُوتُ فِيهِ سَائِرُ حَيَوَانِ الْبَرِّ إذَا غُمِسَ فِي الْمَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ الْكَذِبَ؛ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ بِلَا شَكٍّ. وَالْأَقْوَالُ الْبَاقِيَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَعْبٍ فِي الْجَرَادَةِ: دِرْهَمٌ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الْجَرَادَة: تَمْرَةٌ. وَقَالَ عُمَرُ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْجَرَادَةِ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ: قَبْضَةٌ أَوْ لُقْمَةٌ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: كِسْرَةٌ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ: يُطْعِمُ شَيْئًا إنْ أَصَابَهَا عَمْدًا وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا لَا نِدَّ لَهُ مِنْ النَّعَمِ: ثَمَنُهُ يُهْدِيهِ إلَى مَكَّةَ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: ثَمَنُهُ - وَالْجَرَادَةُ مِمَّا لَا نِدَّ لَهَا مِنْ النَّعَمِ. وَعَنْ الْحَسَنِ: هِيَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَعَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: الْمَنْعُ مِنْ صَيْدِهَا - وَلَمْ يَجْعَلَا فِيهَا شَيْئًا. فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرُّجُوعَ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] .

وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ مَا قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ فِي بَيْضِ الصَّيْدِ كُلَّ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فَأَنَّى لَهُمْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ؟ وَفِي صِغَارِ الصَّيْدِ: مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، أَوْ الطَّيْرِ صِغَارُهَا فِي صِغَارِهِ، وَكِبَارُهَا فِي كِبَارِهِ، فَفِي رَأْلِ النَّعَمِ: فَصِيلٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَفِي وَلَدِ كُلِّ مَا فِيهِ بَقَرَةٌ عُجَيْلٌ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّغِيرِ، وَفِيمَا فِيهِ شَاةٌ، حَمَلٌ، أَوْ جَدْيٌ: عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِي صِغَارِهَا مَا فِي كِبَارِهَا - وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْكَبِيرَ لَيْسَ مِثْلًا لِلصَّغِيرِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَكَمَ فِي فَرْخَيْ حَمَامَةٍ وَأُمِّهِمَا بِثَلَاثَةٍ مِنْ الْغَنَمِ - وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَيُفْدَى الْمَعِيبُ بِمَعِيبٍ مِثْلِهِ، وَالسَّالِمُ بِسَالِمٍ، وَالذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: فِي الظَّبْيَةِ الْوَالِدِ: شَاةٌ وَالِدٌ. وَفِي الْحِمَارَةِ الْوَحْشِ النَّتُوجِ بَقَرَةٌ نَتُوجٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَرَأَيْت لَوْ أَصَبْت صَيْدًا فِيهِ نَقْصٌ أَوْ عَوَرٌ أَغْرَمُ مِثْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: الْوَفِيُّ أَحَبُّ إلَيْك؟ قَالَ: نَعَمْ وَفِي وَلَدِ الضَّبُعِ وَلَدُ الْكَبْشِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مِنْ الضِّبَاعِ لَا يُسَمَّى ضَبُعًا إنَّمَا يُسَمَّى الْفَرْغَلَ. وَالسُّلَحْفَاةُ هِيَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، لِأَنَّ عَيْشَهَا الدَّائِمَ فِي الْبَرِّ فَفِيهَا الْجَزَاءُ بِصَغِيرٍ مِنْ الْغَنَمِ. وَمَا كَانَ سَاكِنًا فِي الْمَاءِ أَبَدًا لَا يُفَارِقُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِيمَا عَاشَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ؟ فِيهِ: نِصْفُ الْجَزَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ صَيْدَ الْبَحْرِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ

مسألة بيض النعام وسائر الصيد حلال للمحرم وفي الحرم

صَيْدَ الْبَرِّ فَلَيْسَ إلَّا حَرَامٌ أَوْ حَلَالٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَلَالٌ حَرَامٌ مَعًا، وَلَا لَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْضُ النَّعَامِ وَسَائِر الصَّيْدِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ] 880 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْضُ النَّعَامِ وَسَائِرِ الصَّيْدِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا: لِأَنَّ الْبَيْضَ لَيْسَ صَيْدًا، وَلَا يُسَمَّى صَيْدًا، وَلَا يُقْتَلُ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُحْرِمِ قَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ فَقَطْ؛ فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا فَرْخَ مَيِّتٍ فَلَا جَزَاءَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ صَيْدًا وَلَمْ يَقْتُلْهُ؛ فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا فَرْخَ حَيٍّ فَمَاتَ فَجَزَاؤُهُ بِجَنِينٍ مِنْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ قَتَلَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ: عُشْرُ الْبَدَنَةِ، وَفِي بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، عُشْرُ الشَّاةِ، قَالَ: لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِلْمُحْرِمِ، وَلَا لِلْحَلَالِ إذَا شَوَاهُ الْمُحْرِمُ أَوْ كَسَرَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ قِيمَتُهُ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ صَيْدًا؛ وَأَخْطَأَ خَطَأً آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُ جَزَاؤُهُ بِثَمَنِهِ وَالْجَزَاءُ بِالثَّمَنِ لَا يُوجَدُ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَجَمَعَ فِيهِ مِنْ الْخَطَأِ وُجُوهًا -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ - وَهُمْ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا أَشَدَّ الْإِنْكَارِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي قَوْلِنَا فِي الْجَرَادِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ الِاشْتِرَاكَ فِي الْهَدْيِ حَيْثُ صَحَّ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالسُّنَّةِ عَلَى جَوَازِهِ، ثُمَّ أَجَازُوهُ هَاهُنَا حَيْثُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ يُعْرَفُ قَبْلَهُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا تُقَوَّمُ الْبَدَنَةُ، أَوْ الشَّاةُ، ثُمَّ نَأْخُذُ عُشْرَ تِلْكَ الْقِيمَةِ فَنُطْعِمُ بِهِ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ رَابِعٌ فَاحِشٌ لِأَنَّكُمْ تُلْزِمُونَهُ وَتَأْمُرُونَهُ بِمَا تَنْهَوْنَهُ عَنْهُ مِنْ وَقْتِكُمْ فَتُوجِبُونَ عَلَيْهِ عُشْرَ بَدَنَةٍ، وَعُشْرَ شَاةٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إهْدَاؤُهُ، إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَعَامٌ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْعُشْرِ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيكَ بِهِ، وَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَخَامِسُهَا: احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى جَنِينِ الْحُرَّةِ الَّذِي فِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ؟

فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ وَتَشْبِيهٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ الْمُشَبَّهِ بِالْبَاطِلِ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَلَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ: عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ، وَلَا عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى «فِي الْجَنِينِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: غُرَّةً عَبْدًا، أَوْ أَمَةً فَقَطْ» ، وَلَا جَعَلَ فِي الدِّيَةِ قِيمَةً؛ بَلْ جَعَلَهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي هَذَا فَإِنَّنَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْضًا وَتَتْمِيرَ وَحْشٍ؟ فَقَالَ لَهُ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ فَإِنَّا حُرُمٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ حَرْفًا حَرْفًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَوَّلُ مُرْسَلٌ، وَفِي الثَّانِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ فِيهِمَا نَهْيٌ عَنْ أَكْلِهَا وَإِنَّمَا هُوَ تَرْكٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ يَتْرُكُ مَا لَيْسَ حَرَامًا كَمَا تَرَكَ الضَّبَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ. وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ هُوَ أَبُو الزِّنَادِ - عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ بَيْضِ نَعَامٍ أَصَابَهَا مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فِي كُلِّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: أَبُو الزِّنَادِ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَقَالَ بِهَذَا بَعْضُ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ: صَوْمُ يَوْمٍ، أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِيهِ: صَوْمُ يَوْمٍ، أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ صِيَامُ يَوْمٍ، أَوْ إطْعَامُ مِسْكِينٍ - وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ أَفْتَى بِذَلِكَ عَلَى مُحْرِمٍ أَشَارَ لِحَلَالٍ إلَى بَيْضِ نَعَامٍ فَهَذَا قَوْلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ تُرْسِلُ الْفَحْلَ عَلَى إبِلِك فَإِذْ تَبَيَّنَ لِقَاحُهَا سَمَّيْت عَدَدَ مَا أَصَبْت مِنْ الْبَيْضِ فَقُلْت: هَذَا هَدْيٌ ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْك ضَمَانُ مَا فَسَدَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَعَجِبَ مُعَاوِيَةُ مِنْ قَضَاءِ عَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَعْجَبْ مُعَاوِيَةُ مِنْ عَجَبٍ مَا هُوَ إلَّا مَا يُبَاعُ بِهِ الْبَيْضُ فِي السُّوقِ يُتَصَدَّقُ بِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنْ كَانَتْ لَهُ إبِلٌ فَإِنَّ فِيهِ مَا قَالَ عَلِيٌّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ دِرْهَمَانِ - فَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ؛ وَثَالِثٌ وَرَابِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ: قِيمَتُهُ. أَوْ ثَمَنُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ: قِيمَتُهُ، أَوْ ثَمَنُهُ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا بَيْضُ الْحَمَامِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَطَاءٍ كِلَاهُمَا قَالَ: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي كُلِّ بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ دِرْهَمٌ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ؛ وَقَالَ: فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْخٌ فَدِرْهَمٌ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَعَامٌ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ.

مسألة لا يجزى الهدي إلا موقفا عند المسجد الحرام

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ: دِرْهَمٌ وَفِي بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ حَمَامِ الْحِلِّ: مُدٌّ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فِيهِ ثَمَنُهُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْبَيْضَةِ: دِرْهَمٌ فَهِيَ أَقْوَالٌ كَمَا تَرَى -: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ صَوْمَ يَوْمٍ، أَوْ إطْعَامَ مِسْكِينٍ فِيهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنَيْهِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ. وَثَانِيهَا: أَنَّ فِي كُلِّ بَيْضَةٍ مِنْهَا لِقَاحَ نَاقَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَطَاءٍ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ فِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ ثَمَنَهَا - هُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ مَنْ لَهُ إبِلٌ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ لِقَاحُ نَاقَةٍ وَمَنْ لَا إبِلَ لَهُ فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ دِرْهَمَانِ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَفِي بَيْضِ الْحَمَامِ أَقْوَالٌ -: أَحَدُهَا: فِي الْبَيْضَةِ دِرْهَمٌ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَثَانِيهَا: فِي الْبَيْضَةِ نِصْفُ دِرْهَمٍ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَثَالِثُهَا: فِيهَا نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَرْخٌ فَدِرْهَمٌ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَرَابِعُهَا: فِي بَيْضَةٍ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ دِرْهَمٌ، وَفِي بَيْضَةٍ مِنْ حَمَامِ الْحِلِّ مُدٌّ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. وَخَامِسُهَا: فِيهَا ثَمَنُهَا - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ. فَخَرَجَ قَوْلَا: مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَنْ يُعْرَفَ لَهُمَا قَائِلٌ مِنْ السَّلَفِ. وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُجْزَى الْهَدْيُ إلَّا مُوقَفًا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] 881 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُجْزَى الْهَدْيُ فِي ذَلِكَ إلَّا مُوقَفًا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ يُنْحَرُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] .

مسألة صيد البحر للمحرم

مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ فَحَيْثُ شَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ لَهُمَا مَوْضِعًا. [مَسْأَلَةٌ صَيْدُ الْبَحْر لِلْمُحْرِمِ] 883 - مَسْأَلَةٌ: وَصَيْدُ كُلِّ مَا سَكَنَ الْمَاءَ مِنْ الْبِرَكِ، أَوْ الْأَنْهَارِ، أَوْ الْبَحْرِ، أَوْ الْعُيُونِ أَوْ الْآبَارِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُهُ وَأَكْلُهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] فَسَمَّى تَعَالَى كُلَّ مَاءٍ عَذْبٍ أَوْ مِلْحٍ بَحْرًا، وَحَتَّى لَوْ لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ صَيْدُ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَكُلِّ مَا ذَكَرْنَا حَلَالًا بِلَا خِلَافٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. ثُمَّ حُرِّمَ بِالْإِحْرَامِ وَفِي الْحَرَمِ صَيْدُ الْبَرِّ وَلَمْ يُحَرَّمْ صَيْدُ الْبَحْرِ فَكَانَ مَا عَدَا صَيْدَ الْبَرِّ حَلَالًا كَمَا كَانَ إذْ لَمْ يَأْتِ مَا يُحَرِّمُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا أُصِيبَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ] 884 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَزَاءُ وَاجِبٌ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِيمَا أُصِيبَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، أَوْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ أَصَابَهُ حَلَالٌ، أَوْ مُحْرِمٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] الْآيَةَ. فَمَنْ كَانَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، أَوْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَاسْمُ " حَرَمٍ " يَقَعُ عَلَيْهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَمَّنْ أَصَابَ صَيْدًا بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيِّ، وَبَعْضِ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ وَهُمَا حَرَّتَانِ بِهَا مَعْرُوفَتَانِ، وَحَرَمُ الْمَدِينَةِ مَعْرُوفٌ كَحَرَمِ مَكَّةَ» .

مسألة تعمد قتل صيد في الحل وهو في الحرم

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا جَزَاءَ فِيهِ - وَهُوَ خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ اُمْتُحِنَ بِتَقْلِيدِهِمَا بِخَبَرَيْنِ -: فِي أَحَدِهِمَا: أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ كَانَ يَتَصَيَّدُ بِالْعَقِيقِ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا [أَنْ يَكُونَ] قَبْلَ تَحْرِيمِ الْحَرَمِ بِالْمَدِينَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ صَيْدِهَا. وَالثَّانِي: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ وَحْشٌ فَكَانَ يَلْعَبُ فَإِذَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَعَ» وَهُوَ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الصَّيْدَ إذَا صِيدَ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ أُدْخِلَ فِي الْحَرَمِ حَلَّ مِلْكُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ قَتْلَ صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ] 885 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَ وَهُوَ حَرَمٌ، فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَالْقَاتِلُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ؛ أَمَّا سُقُوطُ الْجَزَاءِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ حَرَمًا وَأَمَّا عِصْيَانُهُ وَالْمَنْعُ مِنْ أَكْلِ الصَّيْدِ فَلِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهِ جَزَاءٌ إنَّمَا جَاءَ تَحْرِيمُهُ فَقَطْ؛ وَإِنَّمَا جَاءَ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ إذَا كَانَ حَرَمًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرُ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ فَذَكَرَ كَلَامًا فِيهِ: هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نَا أَبِي نَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ نَا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنَّهُ قَالَ: «إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ -

مسألة القارن والمعتمر والمتمتع سواء في جزاء قتل الصيد

عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ تَحْرِيمُ قَتْلِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَحُكْمِ حَرَمِ مَكَّةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ صَيْدٍ قُتِلَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ فَهُوَ غَيْرُ ذَكِيٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ: مَنْ رَمَى صَيْدًا فِي الْحِلِّ، وَالرَّامِي فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْقَارِنُ وَالْمُعْتَمِرُ وَالْمُتَمَتِّعُ سَوَاءٌ فِي جَزَاءِ قَتْلَ الصَّيْد] 886 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقَارِنُ، وَالْمُعْتَمِرُ، وَالْمُتَمَتِّعُ: سَوَاءٌ فِي الْجَزَاءِ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ فِي حِلٍّ أَصَابُوهُ، أَوْ فِي حَرَمٍ - إنَّمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ فَإِنْ قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَجَزَاءٌ وَاحِدٌ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ شَدِيدٌ؛ ثُمَّ قَالَ: إنْ قَتَلَ الْمُحِلُّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَإِنَّمَا فِيهِ الْهَدْيُ، أَوْ الصَّدَقَةُ فَقَطْ، وَلَا يُجْزِئُهُ صِيَامٌ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ آخَرُ، وَقَوْلٌ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَ بِهِ قَبْلَهُ؛ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ وَهُوَ حَرَمٌ جَزَاءَ مِثْلِ مَا قَتَلَ، لَا جَزَاءَ مِثْلَيْ مَا قَتَلَ؛ فَخَالَفَ الْقُرْآنَ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ سُئِلُوا عَنْ الصَّيْدِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَمَا سَأَلُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَقَارِنٌ هُوَ، أَمْ مُفْرِدٌ، أَمْ مُعْتَمِرٌ؟ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ عَامِدِينَ] 887 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ عَامِدِينَ لِذَلِكَ كُلُّهُمْ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَلَيْسَ فِي الصَّيْدِ إلَّا مِثْلُهُ لَا أَمْثَالُهُ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ مَوَالِيَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ قَتَلُوا ضَبُعًا وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَسَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ؟ فَقَالَ: اذْبَحُوا كَبْشًا فَقَالُوا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنَّا؟ فَقَالَ: بَلْ كَبْشٌ وَاحِدٌ جَمِيعَكُمْ - وَهَذَا فِي أَوَّلِ دَوْلَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ؛ وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ. وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا الْمُحْرِمُونَ فَسَوَاءٌ أَصَابُوهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ الْحِلِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَأَمَّا الْحَلَالَانِ فَصَاعِدًا يُصِيبُونَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ فَكَانَ هَذَا الْفَرْقُ طَرِيفًا جِدًّا لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ -: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إحْرَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْرِمِينَ غَيْرُ إحْرَامِ صَاحِبِهِ، وَالْحَرَمُ شَيْءٌ وَاحِدٌ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: بَلْ مَوْضِعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْحَرَمِ غَيْرُ مَوْضِعِ الْآخَرِ، وَكُلُّ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ حَرَمٌ آخَرُ، غَيْرُ الْمَكَانِ الثَّانِي، وَالْإِحْرَامُ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْمُحْرِمِينَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ رَأَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ بِأَنْ قَالَ: هِيَ كَفَّارَةٌ، فَكَمَا عَلَى كُلِّ قَاتِلِ خَطَأٍ إذَا اشْتَرَكُوا فِي دَمِ الْمُؤْمِنِ كَفَّارَةٌ، وَعَلَى كُلِّ حَانِثٍ إذَا اشْتَرَكُوا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ فَهَذَا مِثْلُهُ - فَعَارَضَهُمْ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِطْعَامٌ وَاحِدٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ مَحْظُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُمْ غَرَامَةً بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، فَالْجَزَاءُ بَيْنَهُمْ وَالْإِطْعَامُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنْ اخْتَارُوهُ: فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الصِّيَامُ كُلُّهُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْتَرَكُ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ. فَإِنْ اخْتَلَفُوا: فَمَنْ اخْتَارَ مِنْهُمْ الْجَزَاءَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا بِمِثْلٍ كَامِلٍ لَا بِبَعْضِ مِثْلٍ - وَمَنْ

مسألة المحرم إذا قتل الصيد مرة بعد مرة

اخْتَارَ الْإِطْعَامَ لَمْ يُجْزِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ مَسَاكِينَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ خِلَافَ النَّصِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُحْرِم إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ] 888 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ جَزَاءٌ وَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] بِمُسْقِطٍ لِلْجَزَاءِ عَنْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ أَوْجَبَ الْجَزَاءَ عَلَى الْقَاتِلِ لِلصَّيْدِ عَمْدًا، فَهُوَ عَلَى كُلِّ قَاتِلٍ مَعَ النِّقْمَةِ عَلَى الْعَائِدِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ مَا عَدَا الصَّيْدَ] 889 - مَسْأَلَةٌ: وَحَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ مَا عَدَا الصَّيْدَ مِمَّا يَأْكُلُهُ النَّاسُ مِنْ الدَّجَاجِ، وَالْإِوَزِّ الْمُتَمَلَّكِ، وَالْبُرَكِ الْمُتَمَلَّكِ، وَالْحَمَامِ الْمُتَمَلَّكِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخَيْلِ، وَكُلِّ مَا لَيْسَ صَيْدًا - الْحِلُّ وَالْحَرَمُ سَوَاءٌ - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يُحَرِّمْهُ؛ وَكَذَلِكَ يَذْبَحُ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ؟ [مَسْأَلَةٌ الْمُحْرِم إذَا قَتَلَ مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ] 890 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلِلْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ وَالْحِلِّ قَتْلُ كُلِّ مَا لَيْسَ بِصَيْدٍ مِنْ الْخَنَازِيرِ، وَالْأُسْدِ وَالسِّبَاعِ، وَالْقَمْلِ، وَالْبَرَاغِيثِ، وَقِرْدَانِ بَعِيرِهِ أَوْ غَيْرِ بَعِيرِهِ، وَالْحَلَمِ كَذَلِكَ. وَنَسْتَحِبُّ لَهُمْ قَتْلَ الْحَيَّاتِ، وَالْفِئْرَانِ، وَالْحِدَأِ وَالْغِرْبَانِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالْكِلَابِ الْعَقُورَةِ، صِغَارُ كُلِّ ذَلِكَ وَكِبَارُهُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الْوَزَغُ وَسَائِرُ الْهَوَامِّ - وَلَا جَزَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَا فِي الْقَمْلِ. فَإِنْ قَتَلَ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ مِنْ هُدْهُدٍ، أَوْ صُرَدٍ، أَوْ ضُفْدَعٍ، أَوْ نَمْلٍ: فَقَدْ عَصَى وَلَا جَزَاءَ فِي ذَلِكَ. بُرْهَانُ مَا ذَكَرْنَا -: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ قَتْلَ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ لَمْ يَنْهَ الْمُحْرِمَ إلَّا عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ فَقَطْ، وَلَا نَهَى إلَّا عَنْ صَيْدِ الْحَرَمِ فَقَطْ، وَلَا جَعَلَ الْجَزَاءَ إلَّا فِي الصَّيْدِ فَقَطْ. فَمَنْ حَرَّمَ مَا لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ، أَوْ جَعَلَ جَزَاءً فِيمَا لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِالْجَزَاءِ فِيهِ: فَقَدْ شَرَّعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَالْحَيَّةَ، وَالْعَقْرَبَ، وَالْحِدَأَةَ، وَالْغُرَابَ، وَالذِّئْبَ فَقَطْ، وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا.

فَأَمَّا الْأَسَدُ، وَالنَّمِرُ، وَالسَّبُعُ، وَالدُّبُّ، وَالْخِنْزِيرُ، وَسَائِرُ سِبَاعِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَجَمِيعُ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَفِيهَا الْجَزَاءُ إلَّا أَنْ تَكُونَ ابْتَدَأَتْهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَجَزَاؤُهَا عِنْدَهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ شَاةٌ، وَلَا يَتَجَاوَزُ بِجَزَاءِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَاةً وَاحِدَةً، وَيَقْتُلُ الْقِرْدَانَ عَنْ بَعِيرِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَقْتُلُ الْقُمَّلَ، فَإِنْ قَتَلَهَا أَطْعَمَ شَيْئًا، وَلَهُ قَتْلُ الْبُرْغُوثِ، وَالذَّرِّ، وَالْبَعُوضِ، وَلَا جَزَاءَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ زُفَرُ: سَوَاءٌ ابْتَدَأَتْ الْمُحْرِمَ السِّبَاعُ أَوْ لَمْ تَبْتَدِئْهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِيمَا قَتَلَ مِنْهَا؛ وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْحَيَّةَ، وَلَا الْوَزَغَ، وَلَا شَيْئًا غَيْرَ الْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ، وَالْعَقْرَبَ، وَالْحِدَأَةَ، وَالْغُرَابَ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَالْحَيَّةَ، وَجَمِيعَ سِبَاعِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ قَتْلَ الْغُرَابِ، وَالْحِدَأَةِ، إلَّا أَنْ يُؤْذِيَاهُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ الثَّعْلَبِ، وَلَا الْهِرِّ الْوَحْشِيِّ، وَفِيهِمَا الْجَزَاءُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُمَا، إلَّا إنْ ابْتَدَآهُ بِالْأَذَى. وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ صِغَارِ السِّبَاعِ أَصْلًا وَلَا قَتْلُ الْوَزَغِ، وَلَا قَتْلُ الْبَعُوضِ، وَلَا قِرْدَانِ بَعِيرِهِ خَاصَّةً، فَإِنْ قَتَلَهُ أَطْعَمَ شَيْئًا، وَلَا يَقْتُلُ شَيْئًا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، فَإِنْ فَعَلَ فَفِيهَا الْجَزَاءُ، وَلَهُ قَتْلُ الْقُرَادِ إذَا وَجَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ صِغَارِ الْغِرْبَانِ، وَلَا صِغَارِ الْحِدَأَةِ؛ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي صِغَارِ الْفِئْرَانِ أَيَقْتُلُهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: وَلَا يَقْتُلُ الْقُمَّلَ، فَإِنْ قَتَلَهَا أَطْعَمَ شَيْئًا. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا إلَّا فِي الثَّعْلَبِ فَإِنَّهُ رَأَى فِيهِ الْجَزَاءَ. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ: قَتِّلْ الْحِدَأَةَ، وَارْمِ الْغُرَابَ، وَلَا تَقْتُلْهُ. وَمِنْ طَرِيق وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْفَأْرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا ذَكَرْنَا آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، وَلَئِنْ كَانَتْ السِّبَاعُ مُحَرَّمَةً عَلَى

الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ فَإِنَّ تَفْرِيقَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ فَرَأَى فِيهِ قِيمَتَهُ يَبْتَاعُ مَا بَلَغَتْ مِنْ الْإِهْدَاءِ وَلَوْ ثَلَاثَةً، أَوْ أَرْبَعَةً وَبَيْنَ جَزَاءِ السِّبَاعِ فَلَمْ يَرَ فِيهَا إلَّا الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ شَاةً فَقَطْ لَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ: عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؟ ، وَدِينٌ جَدِيدٌ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ. وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ. وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ يُعْرَفُ قَبْلَهُ. وَلَا قِيَاسٍ. وَلَا رَأْيٍ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ السَّدَادِ. وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ صِغَارِ الْغِرْبَانِ، وَالْحُدَيَّا، وَبَيْنَ صِغَارِ الْعَقَارِبِ، وَالْحَيَّاتِ، وَبَيْنَ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَبَيْنَ سِبَاعِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا سِبَاعَ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ؟ قُلْنَا: فَهَلَّا قِسْتُمْ سِبَاعَ الطَّيْرِ عَلَى الْحِدَأَةِ؟ أَوْ هَلَّا قِسْتُمْ سِبَاعَ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى الضَّبُعِ وَعَلَى الثَّعْلَبِ عِنْدَكُمْ؟ وَاحْتَجُّوا فِي الْقِرْدَانِ بِأَنَّهَا مِنْ الْبَعِيرِ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَلَامٌ فَاحِشُ الْفَسَادِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ وَمَا كَانَتْ الْقِرْدَانُ قَطُّ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا عُلِمَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إحْرَامٌ عَلَى بَعِيرٍ وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا أَنْزَى بَعِيرَهُ عَلَى نَاقَةٍ أَوْ أَنْزَى بَعِيرًا عَلَى نَاقَتِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فَكَيْفَ أَنْ يُعَذَّبَ بِأَكْلِ الْقِرْدَانِ لَهُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَاحْتَجُّوا فِي الْقَمْلَةِ بِأَنَّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الصُّفَارَ مِنْ الْإِنْسَانِ وَلَوْ قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، وَقَالُوا: هُوَ إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي إمَاطَةِ الْأَذَى بِغَيْرِ حَلْقِ الرَّأْسِ بِشَيْءٍ وَأَنْتُمْ لَا تَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ تَعْصِيرَ الدُّمَّلِ وَحَكَّ الْجِلْدِ وَغَسْلَ الْقَذَى عَنْ الْعَيْنِ وَقَتْلَ الْبَرَاغِيثِ إمَاطَةُ أَذًى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عِنْدَكُمْ؛ وَإِذْ قِسْتُمْ إمَاطَةَ الْأَذَى حَيْثُ اشْتَهَيْتُمْ عَلَى إمَاطَةِ الْأَذَى بِحَلْقِ الرَّأْسِ فَاجْعَلُوا فِيهَا مَا فِي إمَاطَةِ الْأَذَى بِحَلْقِ الرَّأْسِ وَإِلَّا فَقَدْ خَلَطْتُمْ وَتَنَاقَضْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الْبَابُ كُلُّهُ مَرْجِعُهُ إلَى شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] الْآيَةَ - وَإِلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقْتُلُ مِنْ الدَّوَابِّ إذَا أَحْرَمْنَا؟ قَالَ: خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»

وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ: الْفَأْرَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ قَائِلُونَ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَيَانِ وَسُئِلَ: مَاذَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ؟ فَأَجَابَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذِهِ الْخَمْسِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ فِي قَتْلِهِنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، فَلَوْ كَانَ هُنَالِكَ سَادِسٌ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحَاشَا لَهُ مِنْ أَنْ يُغْفِلَ شَيْئًا مِنْ الدِّينِ سُئِلَ عَنْهُ، فَصَحَّ أَنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ لَا يُمَكِّنُ الْمُقَلِّدِينَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَدْ زَادُوا إلَى هَذِهِ الْخَمْسِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِنَّ، فَأَضَافَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَيْهِنَّ: الذِّئْبَ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْجِعْلَانَ وَالْوَزَغَ، وَالنَّمْلَ، وَالْقُرَادَ وَالْبَعُوضَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا زِدْنَا الذِّئْبَ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الذِّئْبَ» وَالْمُرْسَلُ وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ؟ قُلْنَا: فَقُولُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ: أَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفُوَيْسِقَةُ، وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالسَّبُعُ الْعَادِي» فَاقْتُلُوا كُلَّ سَبُعٍ عَادٍ. وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: السَّبُعُ الْعَادِي عَلَيْهِ بَلْ أَطْلَقَهُ إطْلَاقًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَأْخُذْ بِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْغُرَابِ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ - وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ: ارْمِ بِهِ، عَلَى جُمُودِ لِسَانِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَشِدَّةِ

تَوَقِّيهِ - وَتَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ، وَأَحْمَدُ - وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ - وَكَذَّبَهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَقَالَ: لَوْ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا صَدَّقْته. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الضَّبُعِ الْجَزَاءَ - وَهِيَ سَبُعٌ ذُو نَابٍ -؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهِيَ حَلَالٌ مِنْ بَيْنِ السِّبَاعِ فَهِيَ صَيْدٌ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تَقِيسُوا سَائِرَ السِّبَاعِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الضَّبُعِ الْحَلَالِ أَكْلُهَا؟ وَلَمْ تَقِيسُوهَا عَلَى الذِّئْبِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عِنْدَكُمْ؟ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْأَسَدَ: هُوَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذِهِ الْأَقْوَالُ فَظَاهِرَةُ الْفَسَادِ، وَلَمْ يَبْقَ الْكَلَامُ إلَّا فِي تَخْصِيصِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ مِنْ [هَذِهِ] الْآيَةِ وَإِلْحَاقِ مَا عَدَا مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ تَخْصِيصِ الْآيَةِ وَإِلْحَاقِ مَا عَدَا مَا ذَكَرَ فِيهَا بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، أَوْ أَنْ نَحْكُمَ بِمَا فِي الْآيَةِ وَبِمَا فِي الْخَبَرِ وَنَطْلُبَ حُكْمَ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ مُتَعَارِضَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ وَأَيْضًا: فَإِنَّ إلْحَاقَ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ بِمَا ذَكَرَ فِيهَا، أَوْ إلْحَاقَ مَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْخَبَرِ بِمَا ذَكَرَ فِيهِ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَشَرَّعَ فِي الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ، فَكَانَ هُوَ الْحَقَّ لِأَنَّهُ هُوَ الِائْتِمَارُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَرْكُ تَعَدٍّ لِحُدُودِهِمَا. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ قَتْلَ الصَّيْدِ، وَجَعَلَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ حَرَمٌ بِالْعَمْدِ الْجَزَاءَ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ. وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَقْتُلُ الْخَمْسَ الْمَذْكُورَاتِ، وَأَنَّهُ لَا جُنَاحَ فِي قَتْلِهِنَّ فِي حَرَمٍ، أَوْ إحْرَامٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا عَدَا الْخَمْسَ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا لَيْسَ صَيْدًا -: فَوَجَدْنَا الْكَلَامَ فِيهِمَا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَتْلُهَا، وَالثَّانِي: هَلْ فِي قَتْلِهَا جَزَاءٌ أَمْ لَا؟ فَنَظَرْنَا فِي إيجَابِ

الْجَزَاءِ فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَاهُ بَاطِلًا لَا إشْكَالَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ جَزَاءٍ فِي ذَلِكَ أَصْلًا وَلَا شَيْءٌ مِنْ النُّصُوصِ كُلِّهَا؛ فَكَانَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ شَرْعًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَبَطَلَ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَتْلِهَا -: فَوَجَدْنَا مَنْ مَنَعَ مِنْهُ يَقُولُ: اقْتِصَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهَا بِخِلَافِهَا؟ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ كَلَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِجَوَابِ السَّائِلِ وَلَا مُبَيِّنٍ لَهُ حُكْمَ مَا سَأَلَ عَنْهُ، وَحَاشَا لَهُ مِنْ هَذَا، وَوَجَدْنَا مَنْ أَبَاحَ قَتْلَهَا يَقُولُ: اقْتِصَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الصَّيْدَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ كَلَامُهُ تَعَالَى غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِمَا يُحَرَّمُ عَلَيْنَا وَلَا مُبَيِّنٍ لَنَا حُكْمَ مَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ، وَحَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ هَذَانِ الِاسْتِدْلَالَانِ مُتَقَابِلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِيهِمَا؟ فَأَوَّلُ مَا نَقُولُ: أَنَّ الْيَقِينَ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ قَدْ صَحَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ لَنَا مَا أَلْزَمَنَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَ لَنَا مَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَجُزْ لَنَا تَعَدِّي مَا نَصَّهُ عَلَيْنَا رَبُّنَا تَعَالَى وَنَبِيُّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَوَجَدْنَا الْآيَةَ فِيهَا حُكْمُ الصَّيْدِ وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمُ غَيْرِهِ لَا بِتَحْرِيمٍ، وَلَا بِإِبَاحَةٍ، وَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْخَمْسِ الْمَحْضُوضِ عَلَى قَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ غَيْرِهَا لَا بِتَحْرِيمٍ، وَلَا بِإِبَاحَةٍ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافَ إلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا إلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِمَا، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِمَا وَطَلَبُ حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ فَوَجَدْنَا الْحَيَوَانَ قِسْمَيْنِ سِوَى مَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ وَالْخَبَرِ -: فَقِسْمٌ مُبَاحٌ قَتْلُهُ: كَجَمِيعِ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالْخَنَازِيرِ، وَالْهَوَامِّ، وَالْقَمْلِ، وَالْقِرْدَانِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْوَزَغِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قَتْلِهِ. وَقِسْمٌ مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ بِنُصُوصٍ وَارِدَةٍ فِيهِ: كَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ، وَالضَّفَادِعِ، وَالنَّحْلِ، وَالنَّمْلِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا كَانَ، وَأَنْ لَا يُنْقَلَ بِظَنٍّ قَدْ عَارَضَهُ ظَنٌّ آخَرُ، وَبِغَيْرِ نَصٍّ جَلِيٍّ؛ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَدْ يَصِيدُهُ الْمَرْءُ لِيُطْعِمَهُ جَوَارِحَهُ؟

قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَيْنَا حُكْمَ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] فَصَحَّ أَنَّ الْمُحَلَّلَ لَنَا إذَا حَلَلْنَا هُوَ الْمُحَرَّمُ عَلَيْنَا إذَا أَحْرَمْنَا، وَأَنَّهُ تَصَيُّدُ مَا عَلَّمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمَهُ الَّذِي بِالْتِزَامِهِ يَتَبَيَّنُ مَنْ يَخَافُ رَبَّهُ تَعَالَى فَيَلْتَزِمُ مَا أَمَرَ بِهِ فِي صَيْدِهِ وَيَجْتَنِبُ مَا نَهَى عَنْهُ فِيهِ مِمَّنْ لَا يَخَافُ رَبَّهُ فَيَعْتَدِي مَا أَمَرَهُ تَعَالَى؛ وَلَيْسَ هَذَا بِيَقِينٍ إلَّا فِيمَا تُصُيِّدَ لِلْأَكْلِ، وَمَا عَلِمْنَا قَطُّ فِي لُغَةٍ وَلَا شَرِيعَةٍ أَنَّ الْجَرْيَ خَلْفَ الْخَنَازِيرِ، وَالْأُسْدِ، وَقَتْلَهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ: صَيْدٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ اقْتِصَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ؟ قُلْنَا: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَحْضُوضٌ عَلَى قَتْلِهِنَّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَيَكُونُ غَيْرُهُنَّ مُبَاحًا قَتْلُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْخَمْسِ مَأْمُورًا بِقَتْلِهِ أَيْضًا: كَالْوَزَغِ، وَالْأَفَاعِي، وَالْحَيَّاتِ، وَالرُّتَيْلَا وَالثَّعَابِينِ. وَقَدْ يَكُونُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ فَاكْتَفَى عَنْ إعَادَتِهَا عِنْدَ ذِكْرِهِ الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَهُنَّ، فَلَوْلَا هَذَا الْخَبَرُ مَا عَلِمْنَا الْحَضَّ عَلَى قَتْلِ الْغُرَابِ وَلَا تَحْرِيمَ أَكْلِهِ، وَأَكْلِ الْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، فَلَهُ أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ هَذَا الْحِجَاجَ كُلَّهُ لَا مَدْخَلَ فِي شَيْءٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا لِمَالِكٍ لِأَنَّهُمْ زَادُوا عَلَى الْخَمْسِ دَوَابَّ كَثِيرَةً، وَمَنَعُوا مِنْ قَتْلِ دَوَابَّ كَثِيرَةٍ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ الْمُجَرَّدِ، فَلَا بِالْآيَةِ تَعَلَّقُوا وَلَا بِالْحَدِيثِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَإِنَّهُ تَنَاقَضَ فِي الثَّعْلَبِ، لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَهُوَ حَرَامٌ لَمْ يَأْتِ تَحْلِيلُهُ فِي نَصٍّ قَطُّ وَلَيْسَ صَيْدًا.

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ احْتَجَّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لَهُ؛ وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ لَمْ يُبَالُوا بِأَنْ يَزِيدُوا عَلَى حَدِيثِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ فِي الرِّبَا أَلْفَ صِنْفٍ لَا يُذْكَرُ، لَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: اُقْتُلْ مِنْ السِّبَاعِ مَا عَدَا عَلَيْك وَمَا لَمْ يَعْدُ عَلَيْك وَأَنْتَ مُحْرِمٌ - قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ: الذِّئْبَ، وَالسِّنَّوْرَ الْبَرِّيَّ، وَالنَّسْرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا النَّسْرُ فَفِيهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَالٌ أَكْلُهُ؛ إذْ لَمْ يُنَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: مَا سَمِعْنَا أَنَّ الثَّعْلَبَ يُفْدَى - وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: أَنَّ الثَّعْلَبَ سَبُعٌ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَزَاءٌ، أَوْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: أَمَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرِ، وَالزُّنْبُورِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الزُّنْبُورِ جَزَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فَلَهُ بِهِ صَدَقَةٌ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: اُقْتُلُوا الْوَزَغَ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْتُلُ الْوَزَغَ فِي بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ: سَأَلْت عَطَاءً أَيُقْتَلُ الْوَزَغُ فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُقَرِّدُ بَعِيرَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَخَّصَ فِي الْمُحْرِمِ أَنْ يُقَرِّدَ بَعِيرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ نَا الْعَلَاءُ هُوَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ - قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ أَيُقَرِّدُ الْمُحْرِمُ بَعِيرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُقَرِّدُ بَعِيرَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ نَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُقَرِّدَ الْمُحْرِمُ بَعِيرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يُقَرِّدَ بَعِيرًا وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَكَرِهَ عِكْرِمَةُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْ فَانْحَرْهُ فَنَحَرَهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُمَّ لَك كَمْ قَتَلْت مِنْ قُرَادٍ وَحَلَمَةٍ وَحَمْنَانَةٍ؟ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ إلَّا رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ أَوْرَدْنَا عَنْهُ خِلَافَهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: يُقَرِّدُ الْمُحْرِمُ بَعِيرَهُ، وَيَطْلِيهِ بِالْقَطْرَانِ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ - وَقَدْ رُوِّينَا خِلَافَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ. وَأَمَّا النَّمْلُ: فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، وَلَا قَتْلُ الْهُدْهُدِ، وَلَا الصُّرَدِ، وَلَا النَّحْلَةِ، وَلَا الضُّفْدَعِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ: «أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضُفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ؟ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ قَتْلِهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَا يَحِلُّ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ لَا لِمُحِلٍّ، وَلَا لِمُحْرِمٍ، فَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْهَا عَامِدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ عَالِمًا بِالنَّهْيِ: فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَيْدًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ: سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَسَأَلَهُ مُحْرِمٌ عَنْ قَتْلِهِ نَمْلًا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ. وَأَمَّا الْبَعُوضُ، وَالذُّبَابُ: فَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ قَتَلْت عِشْرِينَ ذُبَابَةً وَأَنَا مُحْرِمٌ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْبَقِّ لِلْمُحْرِمِ - يَعْنِي الْبَعُوضَ. وَعَنْ عَطَاءٍ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الذُّبَابِ لِلْمُحْرِمِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ لَا شَيْءَ فِي الرَّخَمِ وَالْعُقَابِ، وَالصَّقْرِ، وَالْحِدَأِ، يُصِيبُهَا الْمُحْرِمُ. وَأَمَّا الْقَمْلُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ - هُوَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: شَهِدْت امْرَأَةً سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ عَنْ قَمْلَةٍ قَتَلَتْهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ؟ فَقَالَ: مَا نَعْلَمُ الْقَمْلَةَ مِنْ الصَّيْدِ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا عِيسَى بْنُ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَنْقُرُ رَأْسِي وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ: هَكَذَا حَكًّا شَدِيدًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا عُيَيْنَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ

رَجُلٌ أَحُكُّ رَأْسِي وَأَنَا مُحْرِمٌ؟ فَحَكَّ ابْنُ عَبَّاسٍ رَأْسَهُ حَكًّا شَدِيدًا؛ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَفَرَأَيْت إنْ قَتَلْت قَمْلَةً، قَالَ: بَعُدْت مَا الْقَمْلَةُ مَانِعَتِي أَنْ أَحُكَّ رَأْسِي وَإِيَّاهَا أَرَدْت؛ وَمَا نُهِيتُمْ إلَّا عَنْ الصَّيْدِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ كُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنْ قَتَلْته وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَلَا غُرْمَ عَلَيْك فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ قَتْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا أَوْ يُؤْذِيك. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الْقَمْلَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ سَمِعْت أَبَا بِشْرٍ وَقَدْ سَأَلْته عَنْ الْقَمْلَةِ يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ، فَقَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] لَيْسَ لِلْقَمْلَةِ جَزَاءٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْهَوَامَّ كُلَّهَا إلَّا الْقَمْلَةَ فَإِنَّهَا مِنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَتَلَ قَمْلَةً أَطْعَمَ شَيْئًا؛ وَأَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ غَسْلَ ثِيَابِهِ، وَغَسْلَ رَأْسِهِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْبَعُوضِ، وَالْبَرَاغِيثِ، يَقْتُلُهَا الْمُحْرِمُ أَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ: إنِّي لَا أُحِبُّ ذَلِكَ - هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ لَدَغَتْهُ دَبْرَةٌ فَقَتَلَهَا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؟ فَقَالَ: يُطْعِمُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ قَمْلَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِهِ فَقَتَلَهَا فَلْيُطْعِمْ لُقْمَةً. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا «أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ إذْ رَآهُ يَتَنَاثَرُ الْقَمْلُ عَلَى وَجْهِهِ فَأَمَرَهُ بِحَلْقِ رَأْسِهِ، وَأَنْ يَفْتَدِيَ؟» قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا حَقٌّ وَلَسْنَا مَعَكُمْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ إنَّمَا نَحْنُ فِي قَتْلِ الْقَمْلِ، وَلَمْ

مسألة دخول الحمام للمحرم

يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ هَذِهِ الْفِدْيَةَ إنَّمَا هِيَ لِقَتْلِ الْقَمْلِ؛ وَمَنْ قَوَّلَهُ هَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَتْ الْقَمْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ الصَّيْدِ فَمَا لَهَا جَزَاءٌ، وَلَئِنْ كَانَتْ مِنْ الصَّيْدِ فَمَا مِثْلُهَا لُقْمَةً، وَلَا قَبْضَةَ طَعَامٍ؛ وَإِنَّمَا مِثْلُهَا حَبَّةَ سِمْسِمَة. فَمَا نَدْرِي بِمَاذَا تَعَلَّقُوا؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ] 891 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ دُخُولُ الْحَمَّامِ، وَالتَّدَلُّكُ، وَغَسْلُ رَأْسِهِ بِالطِّينِ، وَالْخِطْمِيِّ، وَالِاكْتِحَالُ، وَالتَّسْوِيكُ، وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ، وَشَمُّ الرَّيْحَانِ، وَغَسْلُ ثِيَابِهِ، وَقَصُّ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ، وَنَتْفُ إبْطِهِ، وَالتَّنَوُّرُ، وَلَا حَرَجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي مَنْعِهِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَمُدَّعِي الْإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: كَاذِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، قَائِلٌ مَا لَا عِلْمَ بِهِ - وَمَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً فَقَدْ أَوْجَبَ شَرْعًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْنَعُ بِوَسَخِ الْمُحْرِمِ شَيْئًا. وَأَنَّهُ قَالَ: الْمُحْرِمُ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَيَنْزِعُ ضِرْسَهُ، إنْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ طَرَحَهُ، أَمِيطُوا عَنْكُمْ الْأَذَى إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِأَذَاكُمْ شَيْئًا. وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِشَمِّ الرَّيْحَانِ لِلْمُحْرِمِ بَأْسًا، وَأَنْ يَقْطَعَ ظُفْرَهُ إذَا انْكَسَرَ، وَيَقْلَعَ ضِرْسَهُ إذَا آذَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْضَ بَنِيهِ - أَحْسَبُهُ قَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى ضِفَّةِ الْبَحْرِ، وَهُمَا يَتَمَاقَلَانِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ: يُغَيِّبُ هَذَا رَأْسَ هَذَا وَيُغَيِّبُ هَذَا رَأْسَ هَذَا: فَلَمْ يَعِبْ عَلَيْهِمَا. وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْت أُطَاوِلُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ النَّفَسَ وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فِي الْحِيَاضِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتنِي أُمَاقِلُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِالْجُحْفَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ -

الْمُمَاقَلَةُ: التَّغْطِيسُ فِي الْمَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ هُوَ وَابْنُ عُمَرَ بِإِخَاذِ بِالْجُحْفَةِ يَتَرَامَسَانِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْإِخَاذُ الْغَدِيرُ - وَالتَّرَامُسُ التَّغَاطُسُ. وَرَأَى مَالِكٌ عَلَى مَنْ غَيَّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ: الْفِدْيَةَ، وَخَالَفَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا؛ وَاخْتَلَفَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي غَسْلِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ فَاحْتَكَمَا إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَوَجَّهَا إلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُنَيْنٍ فَوَجَدَهُ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَقَدْ ذَكَرْنَا «أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ تَنْقُضَ رَأْسَهَا وَتَمْتَشِطَ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الْعُمْرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ؟ - يَعْنِي عَنْ غَسْلِ الْمُحْرِمِ ثِيَابَهُ - فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِدَرَنِك شَيْئًا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تُمَشِّطَ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ الْمَرْأَةَ الْحَرَامَ وَتَقْتُلَ قَمْلَ غَيْرِهَا. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَا: لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْمُحْرِمِ الْحَمَّامَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] ؟ قُلْنَا: رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: التَّفَثُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَجِّ، وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَقَصُّ الشَّارِبِ» ، وَالْفِطْرَةُ سُنَّةٌ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهَا، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِهِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَجْعَلُ فِيمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أُبِيحَ لَهُ وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ: كَفَّارَةً أَوْ غَرَامَةً، ثُمَّ لَا يَجْعَلُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي فُسُوقِهِ وَمَعَاصِيهِ، وَارْتِكَابِهِ الْكَبَائِرَ شَيْئًا، لَا فِدْيَةً، وَلَا غَرَامَةً، بَلْ يَرَى حَجَّهُ ذَلِكَ تَامًّا مَبْرُورًا؟ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُحْرِمُ فِي الْمِرْآةِ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ ذَلِكَ - وَقَدْ رُوِيَتْ كَرَاهَةُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَالْإِبَاحَةُ عَنْهُ أَصَحُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَلَّمَ الْمُحْرِمُ أَظْفَارَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، أَرْبَعَ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ مِنْ يَدَيْهِ، وَمِنْ كُلِّ رِجْلٍ مِنْ رِجْلَيْهِ: فَعَلَيْهِ إطْعَامٌ مَا شَاءَ، فَإِنْ قَلَّمَ أَظْفَارَ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ: فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ قَلَّمَ خَمْسَةَ أَظْفَارٍ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِنْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِنْ يَدَيْنِ، أَوْ مِنْ رِجْلَيْنِ، أَوْ مِنْ يَدَيْهِ، وَرِجْلَيْهِ مَعًا: فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ قَلَّمَ أَرْبَعَةَ أَظْفَارٍ كَذَلِكَ: فَعَلَيْهِ إطْعَامٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ ظُفْرٍ نِصْفَ صَاعٍ. وَقَالَ زُفَرُ، وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إنْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِنْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ؛ أَوْ مِنْ يَدَيْنِ وَرِجْلٍ، أَوْ مِنْ رِجْلَيْنِ وَيَدٍ: فَعَلَيْهِ دَمٌ - فَإِنْ قَلَّمَ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ أُصْبُعٍ نِصْفَ صَاعٍ. وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَلِّمَ جَمِيعَ أَظْفَارِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ: فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَلَّمَ مِنْ أَظْفَارِهِ مَا يُمِيطُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَذًى فَالْفِدْيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ قَلَّمَ ظُفْرًا وَاحِدًا فَلْيُطْعِمْ مُدًّا، فَإِنْ قَلَّمَ ظُفْرَيْنِ فَمُدَّيْنِ، فَإِنْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ؟ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الشَّنِيعَةِ الَّتِي لَا حَظَّ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الصَّوَابِ وَلَا نَعْلَمُ

مسألة ما صاده المحل في الحل فأدخله الحرم

أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُمْ - وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ آنِفًا: لَا بَأْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا انْكَسَرَ ظُفْرُهُ أَنْ يَطْرَحَهُ عَنْهُ وَأَنْ يُمِيطَ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى. وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ جَعَلَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَعَنْ عَطَاءٍ: إنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ لِأَذًى بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَصَّهَا لِغَيْرِ أَذًى فَعَلَيْهِ دَمٌ - وَعَنْهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ: إنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ الْمُنْكَسِرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْكَسِرَ: فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: إنْ نَزَعَ الْمُحْرِمُ ضِرْسَهُ: فَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا مُخَالِفَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى فِي إمَاطَةِ الْأَذَى الدَّمَ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ فِي إيجَابِ إمَاطَةِ الْأَذَى بِقَلْعِ الضِّرْسِ، وَنَعِمَ، وَفِي الْبَوْلِ، وَفِي الْغَائِطِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إمَاطَةُ أَذًى. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طُرُقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي غَسْلِ الْمُحْرِمِ ثِيَابَهُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِدَرَنِك شَيْئًا. - وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْمُحْرِمِ ثِيَابَهُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. [مَسْأَلَةٌ مَا صَادَهُ الْمُحِلُّ فِي الْحِلِّ فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ] 892 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا صَادَهُ الْمُحِلُّ فِي الْحِلِّ فَأَدْخَلَهُ الْحَرَمَ، أَوْ وَهَبَهُ لِمُحْرِمٍ، أَوْ اشْتَرَاهُ مُحْرِمٌ: فَحَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ، وَلِمَنْ فِي الْحَرَمِ مِلْكُهُ، وَذَبْحُهُ، وَأَكْلُهُ - وَكَذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ فِي مَنْزِلِهِ قَرِيبًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ - كَمَا كَانَ - أَكْلُهُ، وَذَبْحُهُ وَمِلْكُهُ، وَبَيْعُهُ، وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً التَّصَيُّدُ لِلصَّيْدِ وَتَمَلُّكُهُ وَذَبْحُهُ حِينَئِذٍ فَقَطْ، فَلَوْ ذَبَحَهُ لَكَانَ مَيْتَةً، وَلَوْ انْتَزَعَهُ حَلَالٌ مِنْ يَدِهِ لَكَانَ لِلَّذِي انْتَزَعَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ أَحَلَّ، إلَّا بِأَنْ يَحْدُثَ لَهُ تَمَلُّكًا بَعْدَ إحْلَالِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] .

وَقَالَ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] . فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَاتَانِ الْآيَتَانِ عَلَى عُمُومِهِمَا، وَالشَّيْءُ الْمُتَصَيَّدُ هُوَ الْمُحَرَّمُ مِلْكُهُ وَذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ كَيْفَ كَانَ؟ فَحَرَّمُوا عَلَى الْمُحْرِمِ أَكْلَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ جُمْلَةً وَإِنْ صَادَهُ لِنَفْسِهِ حَلَالٌ وَإِنْ ذَبَحَهُ الْحَلَالُ. وَحَرَّمُوا عَلَيْهِ ذَبْحَ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَأَوْجَبُوا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ وَفِي دَارِهِ صَيْدٌ أَوْ فِي يَدِهِ، أَوْ مَعَهُ فِي قَفَصٍ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَأَسْقَطُوا عَنْهُ مِلْكَهُ أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ يُبِيحُوا لِأَحَدٍ مِنْ سُكَّانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ، أَوْ تَمَلُّكَهُ، أَوْ ذَبْحَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] إنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ التَّصَيُّدُ لَا الشَّيْءَ الْمُتَصَيَّدَ - وَهُوَ مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا - فَإِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ صَيْدُهُ لِمَا يَتَصَيَّدُ فَقَطْ. وَقَالُوا: قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] هُوَ التَّصَيُّدُ أَيْضًا نَفْسُهُ الْمُحَرَّمُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى. وَاسْتَدَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ عَلَى مَا قَالَتْهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] قَالُوا: فَاَلَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا بِالْإِحْلَالِ هُوَ بِلَا شَكٍّ الْمُحَرَّمُ عَلَيْنَا بِالْإِحْرَامِ لَا غَيْرُهُ. وَقَالُوا: لَا يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ الصَّيْدِ إلَّا عَلَى مَا كَانَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَحْشِيًّا غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ فَإِذَا تُمُلِّكَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ صَيْدٍ بَعْدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ هُمَا اللَّذَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ الْآيَةِ غَيْرُهُمَا وَكُلُّ مَا عَدَاهُمَا فَقَوْلٌ فَاسِدٌ مُتَنَاقِضٌ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ أَصْلًا فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي أَيِّ الْقَوْلَيْنِ يَقُومُ عَلَى صِحَّتِهِ الْبُرْهَانُ -: فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَقَالَةِ الْأُولَى يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنَّا حُرُمٌ لَا نَأْكُلُ الصَّيْدَ» .

وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيث أَيْضًا بِلَفْظِ: «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ» . رُوِّينَا اللَّفْظَ الْأَوَّلَ: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ. وَاللَّفْظَ الثَّانِيَ: مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ وَقَالَ: إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ» . وَهَذَانِ خَبَرَانِ رُوِّينَاهُمَا مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا صِحَاحٌ - وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاذٍ، وَابْنِ عُمَرَ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاوُد -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أُهْدِيَ إلَى ابْنِ عُمَرَ ظَبْيٌ مَذْبُوحَةٌ بِمَكَّةَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى -: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - نَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ إذْ بَصُرْت بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ فَأَسْرَجْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي ثُمَّ رَكِبْتُ فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: نَاوِلُونِي سَوْطِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ فَقَالُوا: لَا وَاَللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ

بِشَيْءٍ فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ؛ ثُمَّ رَكِبْتُ فَأَدْرَكْتُ الْحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْكُلُوهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَامَنَا فَحَرَّكْتُ فَرَسِي فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ: هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ» . أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ ثِقَةٌ اسْمُهُ نَافِعٌ رَوَى عَنْهُ أَبُو النَّضْرِ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ نَا فُضَيْلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ نَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأَبُو قَتَادَةَ مُحِلٌّ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالُوا: مَعَنَا رِجْلُهُ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَكَلَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ، فَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ، وَمِنَّا مَنْ أَكَلَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ: أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمِ التَّيْمِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّوْحَاءِ وَهُمْ حُرُمٌ إذَا حِمَارٌ مَعْقُورٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهُ فَيُوشِكُ صَاحِبُهُ أَنْ يَأْتِيَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ هُوَ الَّذِي عَقَرَ الْحِمَارَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَأْنَكُمْ بِهَذَا الْحِمَارِ، فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَا بَكْرٍ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ» . وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَبِي هُرَيْرَةَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَنِي قَوْمٌ مُحْرِمُونَ عَنْ مُحَلِّينَ أَهْدَوْا لَهُمْ صَيْدًا؟ قَالَ: فَأَمَرْتهمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ لَقِيت عُمَرَ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ هَذَا لَأَوْجَعْتُك.

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مُحْرِمِينَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمِيرُنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَأَتَى رَجُلٌ بِحِمَارِ وَحْشٍ قَدْ عَقَرَهُ فَابْتَاعَهُ كَعْبُ بْنُ مُسْلِمٍ فَجَاءَ مُعَاذٌ وَالْقُدُورُ تَغْلِي بِهِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا يُطِيعُنِي أَحَدٌ إلَّا أَكْفَأَ قِدْرَهُ فَأَكْفَأَ الْقَوْمُ قُدُورَهُمْ فَلَمَّا وَافَوْا عُمَرَ قَصَّ عَلَيْهِ كَعْبٌ قِصَّةَ الْحِمَارِ، قَالَ عُمَرُ: مَا بَأْسُ ذَلِكَ؟ وَمَنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؟ لَعَلَّك أَفْتَيْت بِذَلِكَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: نَعَمْ - فَلَامَهُ عُمَرُ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمُجَاهِدٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا صِحَاحًا كُلُّهَا، فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الْأَخْذُ بِجَمِيعِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا كَمَا هِيَ دُونَ أَنْ يُزَادَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَقَعُ فَاعِلُ ذَلِكَ فِي الْكَذِبِ، فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ فَوَجَدْنَا فِيهَا إبَاحَةَ أَكْلِ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِلْمُحْرِمِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَوَجَدْنَاهَا لَيْسَ فِيهَا نَهْيُ الْمُحْرِمِ عَنْ أَكْلِ مَا صَادَهُ الْمُحِلُّ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ، وَلَوْلَا أَنَّنَا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ» فَإِنَّمَا فِيهِ رَدُّ الصَّيْدِ عَلَى مُهْدِيهِ، لِأَنَّهُمْ حُرُمٌ وَتَرْكُ أَكْلِهِ لِأَنَّهُمْ حُرُمٌ؛ وَهَذَا فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَيْسَ أَمْرًا، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَمْرُهُ وَإِنَّمَا فِي فِعْلِهِ الِائْتِسَاءُ بِهِ فَقَطْ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا» . وَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ - فَلَمْ يُحَرِّمْ بِذَلِكَ الْأَكْلَ مُتَّكِئًا لَكِنْ هُوَ الْأَفْضَلُ. وَلَمْ يُحَرَّمْ أَيْضًا أَكْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ يَصِيدُهُ الْمُحِلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّا لَا نَأْكُلُهُ إنَّا حُرُمٌ» لَكِنْ كَانَ تَرْكُ أَكْلِهِ أَفْضَلَ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَا حَرَجَ فِي أَكْلِهِ أَصْلًا وَلَا كَرَاهَةَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَبَاحَهُ وَأَكَلَهُ أَيْضًا، فَمَرَّةً أَكَلَهُ، وَمَرَّةً لَمْ يَأْكُلْهُ، وَمَرَّةً قَبِلَهُ، وَمَرَّةً لَمْ يَقْبَلْهُ - فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُبَاحٌ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ «أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْضُ نَعَامٍ وَتَتْمِيرُ وَحْشٍ فَقَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ فَإِنَّا حُرُمٌ» لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَلَا يَصِحُّ؟ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ

صَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] إنَّمَا أَرَادَ بِهِ التَّصَيُّدَ فِي الْبَرِّ فَقَطْ. وَصَحَّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] نَهْيٌ عَنْ قَتْلِهِ فِي حَالِ كَوْنِ الْمَرْءِ حَرَمًا، وَالذَّكَاةُ لَيْسَتْ قَتْلًا بِلَا خِلَافٍ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْقَتْلُ لَيْسَ ذَكَاةً، فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِنَهْيٍ عَنْ تَمَلُّكِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ التَّصَيُّدِ فَهُوَ حَلَالٌ. وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ -: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَكَنَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ مَاتَ، وَهِيَ حَرَمٌ كَمَكَّةَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُهْدَى لَهُ الصَّيْدُ وَلِأَصْحَابِهِ وَيَدْخُلُ بِهِ الْمَدِينَةَ حَيًّا فَيُبْتَاعُ وَيُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ وَيُتَمَلَّكُ، وَمُذَكًّى فَيُبَاعُ وَيُؤْكَلُ، هَذَا أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إنْكَارِهِ أَحَدٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَكَذَلِكَ بِمَكَّةَ وَهِيَ حَرَمٌ -: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ هُوَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ - نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُد بْنَ أَبِي هِنْدٍ يُحَدِّث هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَنَّ عَطَاءً يَكْرَهُ مَا أُدْخِلَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ الْحِلِّ أَنْ يُذْبَحَ فِي الْحَرَامِ، فَقَالَ هِشَامٌ: وَمَا عِلْمُ عَطَاءٍ، وَمَنْ يَأْخُذُ عَنْ ابْنِ رَبَاحٍ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ - يَعْنِي عَمَّهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ - تِسْعَ سِنِينَ يَرَاهَا فِي الْأَقْفَاصِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُقَدِّمُونَ بِهَا الْقَمَارِيَّ وَالْيَعَاقِيبَ لَا يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْحَرَمُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْإِحْرَامُ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذَلِكَ النَّصُّ أَصْلًا فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ أَحْرَمَ وَفِي مَنْزِلِهِ صَيْدٌ أَوْ مَعَهُ فِي قَفَصٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ إحْلَالِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ قَدْ أَخَذَهُ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهُ وَانْتِزَاعُهُ مِنْ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيكَ بِهِ، وَلَئِنْ كَانَ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ مَلَكَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى عَوْدَةِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِإِحْرَامِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ صَادَ مُحِلٌّ صَيْدًا فَأَدْخَلَهُ حَرَمَ مَكَّةَ حَيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فَإِنْ بَاعَهُ

فُسِخَ بَيْعُهُ، فَإِنْ بَاعَهُ مِمَّنْ يَذْبَحُهُ أَوْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَتَنَاقُضٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُدْخَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ حَيًّا - ثُمَّ يُذْبَحَ. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: رَأَيْت الصَّيْدَ يُبَاعُ بِمَكَّةَ حَيًّا فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ، وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، لِأَنَّ كِلَيْهِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ حَرَمٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَالْوَاجِبُ فِيمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَمَلَّكًا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ أَنْ يُؤَدِّيَ لِصَاحِبِهِ صَيْدًا مِثْلَهُ يَبْتَاعُهُ لَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ الَّذِي قُتِلَ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ، إذْ قَتْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَا هُنَا قَوْلَانِ آخَرَانِ، أَحَدُهُمَا: قَوْمٌ قَالُوا: لَحْمُ الصَّيْدِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ مَا لَمْ يَصِدْهُ هُوَ أَوْ يُصَدْ لَهُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي وَلَمْ أُحْرِمْ فَرَأَيْتُ حِمَارَ وَحْشٍ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَاصْطَدْتُهُ فَذَكَرْتُ شَأْنَهُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلَّا مَا اصْطَدْتُمْ وَصِيدَ لَكُمْ» . فَرُوِّينَا هَذَا عَنْ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ أُتِيَ بِصَيْدٍ وَهُوَ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهِ وَلَمْ يَأْكُلْهُ هُوَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا عَجَبًا لَك تَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ مِمَّا لَسْت آكِلًا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: إنِّي أَظُنُّ إنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي، فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ فَسَاقِطٌ، لِأَنَّهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي قَتَادَةَ فَإِنَّ مَعْمَرًا رَوَاهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ كِلَاهُمَا يَقُولُ

فِيهِ: عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، وَلَا يَذْكُرَانِ مَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَعْمَرٌ سَمَاعَ يَحْيَى لَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا: شُعْبَةُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا: أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فَذَكَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكَلَ مِنْهُ. فَلَا يَخْلُو الْعَمَلُ فِي هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ -: إمَّا أَنْ تُغَلَّبَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ مَعْمَرٍ لَا سِيَّمَا وَفِيهِمْ مَنْ يَذْكُرُ سَمَاعَ يَحْيَى مِنْ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعْمَرًا. وَتَسْقُطَ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ جُمْلَةً لِأَنَّهُ اضْطَرَبَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذَ بِرِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَابْنِ مَوْهَبٍ، الَّذِينَ لَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ أَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمٌ. إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَصِحَّ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكَلَ مِنْهُ، وَتَصِحَّ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، وَهِيَ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فِي مَكَان وَاحِدٍ فِي صَيْدٍ وَاحِدٍ، وَيُؤْخَذُ بِالزَّائِدِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا مَنْ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْهُ» قَدْ أَثْبَتَ خَبَرًا وَزَادَ عِلْمًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالزَّائِدِ وَلَا بُدَّ وَتَرْكُ رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ مَا أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا فِعْلُ عُثْمَانَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُصَادُ لَهُ الْوَحْشُ عَلَى الْمَنَازِلِ ثُمَّ يُذْبَحُ فَيَأْكُلُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ سَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ إنَّ الزُّبَيْرَ كَلَّمَهُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا يُصَادُ لَنَا وَمِنْ أَجْلِنَا؟ لَوْ تَرَكْنَاهُ؟ فَتَرَكَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْ عُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرِ، وَاسْتِحْسَانٌ، لَا مَنْعٌ، وَلَا عَنْ أَثَرٍ عِنْدَهُمَا،

مسألة أمر محرم حلالا بالتصيد

وَمِثْلُ هَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يَصِدْ الْحِمَارَ إلَّا لِنَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَكْلِهِ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَقَوْلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ مَا لَمْ يُشِرْ لَهُ إلَيْهِ أَوْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسِيرٍ لَهُمْ بَعْضُهُمْ مُحْرِمٌ وَبَعْضُهُمْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ فَرَأَيْتُ حِمَارَ وَحْشٍ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَاخْتَلَسْتُ سَوْطًا مِنْ بَعْضِهِمْ وَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَأَصَبْتُهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَأَشْفَقُوا مِنْهُ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَقَالَ: هَلْ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ بِمِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّنَا لَا نَدْرِي مَاذَا كَانَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قَالَ لَهُ: نَعَمْ؟ إلَّا أَنَّ الْيَقِينَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا حَكَمَ بِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَلَا تُؤْخَذُ الدِّيَانَةُ بِالتَّكَهُّنِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَ بِإِشَارَتِهِمْ إلَيْهِ، أَوْ أَمْرِهِمْ إيَّاهُ، أَوْ عَوْنِهِمْ لَهُ حُكْمُ تَحْرِيمٍ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حُكْمَ لِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي مُحْرِمٍ كَانَ بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى حَجَلَةً فَأَمَرَ مُحِلًّا بِذَبْحِهَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَمَرَ مُحْرِمٌ حَلَالًا بِالتَّصَيُّدِ] 893 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أَمَرَ مُحْرِمٌ حَلَالًا بِالتَّصَيُّدِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُطِيعُهُ وَيَأْتَمِرُ لَهُ فَالْمُحْرِمُ هُوَ الْقَاتِلُ لِلصَّيْدِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَأْتَمِرُ لَهُ وَلَا يُطِيعُهُ فَلَيْسَ الْمُحْرِمُ هَاهُنَا قَاتِلًا، بَلْ أَمَرَ بِمُبَاحٍ حَلَالٍ لِلْمَأْمُورِ. وَلَوْ اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ كَانَ مَيْتَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ الذَّكَاةُ خَالِصَةً، وَعَلَى الْمُحْرِمِ جَزَاؤُهُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمُحِلِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُقَبِّلَ امْرَأَتَهُ وَيُبَاشِرَهَا مَا لَمْ يُولِجْ] 894 - مَسْأَلَةٌ: وَمُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُقَبِّلَ امْرَأَتَهُ وَيُبَاشِرَهَا مَا لَمْ يُولِجْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْهَ إلَّا عَنْ الرَّفَثِ، وَالرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، فَقَطْ.

وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْهَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ عَنْ ذَلِكَ، وَيُبْطِلُ الْحَجَّ بِالْإِمْنَاءِ فِي مُبَاشَرَتِهَا الَّتِي لَمْ يَنْهَهُ قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ عَنْهَا، ثُمَّ لَا يُبْطِلُ حَجَّهُ بِالْفُسُوقِ الَّذِي صَحَّ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَنْهُ فِي الْحَجِّ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ الْحَقِّ وَسَائِرِ الْفُسُوقِ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو هَرِمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ مِنْ امْرَأَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا هَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ يَدِهِ - يَعْنِي الْجِمَاعَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ؟ فَقَالَ: مَا نَعْلَمُ فِيهَا شَيْئًا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ إلَّا الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَسَدَ الْحَجُّ وَوَجَبَ الْغُرْمُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَأَلَنِي وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَلِيمُ بْنُ الدُّرَيْمِ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ: وَضَعْت يَدِي مِنْ امْرَأَتِي مَوْضِعًا فَلَمْ أَرْفَعْهَا حَتَّى أَجْنَبْت؟ ؟ فَقُلْنَا كُلُّنَا: مَا لَنَا بِهَذَا عِلْمٌ؟ فَمَضَى إلَى أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَسَأَلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا يُعْرَفُ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ؟ فَسَأَلْنَاهُ مَاذَا أَفْتَاك؟ فَقَالَ: إنَّهُ اسْتَكْتَمَنِي - فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَإِنْ ذَكَرُوا الرِّوَايَةَ عَنْ عَائِشَةَ: يُحَرَّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ مِنْ امْرَأَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْكَلَامَ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا الرَّفَثُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ النِّسَاءِ - فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا لِأَنَّهُمْ يُبِيحُونَ لَهُ النَّظَرَ، ثُمَّ إنَّهَا وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَجْعَلَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَتُجْزِئُهُ شَاةٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَنْ نَظَرَ فَأَمْذَى، أَوْ أَمْنَى: عَلَيْهِ دَمٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ: مَنْ قَبَّلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ. أَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَنْ شَرِيكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ.

مسألة المحرم إذا تطيب ناسيا أو تداوى بطيب

وَأَمَّا رِوَايَةُ عَلِيٍّ فَعَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ - وَكُلُّهُمْ لَا شَيْءُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إيجَابُ الدَّمِ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُحْرِم إذَا تَطَيَّبَ نَاسِيًا أَوْ تَدَاوَى بِطِيبٍ] 895 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَطَيَّبَ نَاسِيًا، أَوْ تَدَاوَى بِطِيبٍ، أَوْ مَسَّهُ طِيبُ الْكَعْبَةِ، أَوْ مَسَّ طِيبًا لِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ لَبِسَ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لِبَاسُهُ نَاسِيًا، أَوْ لِضَرُورَةٍ طَالَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ، أَوْ قَصُرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْدَحُ ذَلِكَ فِي حَجِّهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ ذَلِكَ سَاعَةَ يَذْكُرُهُ أَوْ سَاعَةَ يَسْتَغْنِي عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَحْلِقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَدْهُنَ بِمَا شَاءَ، فَلَوْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ فِعْلَ مَا حُرِّمَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ: بَطَلَ حَجُّهُ وَإِحْرَامُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَالْمُسْتَكْرَهُ عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَالْمَرْأَةُ الْمُكْرَهَةُ عَلَى الْجِمَاعِ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَحَجُّهُمْ تَامٌّ، وَإِحْرَامُهُمْ تَامٌّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ غَطَّى رَأْسَهُ، أَوْ وَجْهَهُ، أَوْ لَبِسَ مَا نُهِيَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا، أَوْ مُكْرَهًا يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَإِنْ حَلَقَ قَفَاهُ لِلْحِجَامَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَاطَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَذًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ الَّتِي عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلَا يَحْتَجِمُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ فِي النِّسْيَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فَقَطْ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ - قَالَ: وَلَا يَحْلِقُ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرَةُ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ وَلَا نَعْلَمُهَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ ذَلِكَ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ: دَعْوَى فَاسِدَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ. قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبَ فِي ذَلِكَ بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]

فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ اللِّبَاسَ لَا يَقِلُّ فِي النَّهَارِ بَلْ قَدْ يُوضَعُ لِلْقَائِلَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللِّبَاسَ يَقِلُّ إلَى بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَقَدْ يَكُونُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّ مَنْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُرِقْ دَمًا؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ لِأَنَّكُمْ تَجْعَلُونَ فِي أَكْثَرِ ذَلِكَ صَدَقَةً لَا دَمًا؛ وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ يَرَاهُ حَقًّا، ثُمَّ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَتْ إمَاطَتُهُ الْأَذَى بِغَيْرِ حَلْقِ الرَّأْسِ تُوجِبُ الْفِدْيَةَ لَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ: الْبَوْلُ، وَالْغَائِطُ، وَالْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْغُسْلُ لِلْحَرِّ وَالتَّرَوُّحِ، وَالتَّدَفُّؤُ لِلْبَرْدِ، وَقَلْعُ الضِّرْسِ لِلْوَجَعِ، فَكُلُّ هَذَا إمَاطَةُ أَذًى. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى إسْقَاطِهِ الْفِدْيَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: حَسْبُنَا وَإِيَّاكُمْ إقْرَارُكُمْ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى إبْطَالِ عِلَّتِكُمْ، وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ إمَاطَةِ أَذًى تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ، وَإِلْزَامُ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدْيِ شَرْعٌ لَا يُجَوِّزُ إلْزَامَهُ أَحَدٌ حَيْثُ لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُورِدُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَشَرَةٍ مِنْ صَاحِبٍ، وَتَابِعٍ فِي ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ احْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُهُ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَقْدِرُ النَّاسُ عَلَى إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا حَلْقَ الشَّعْرِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إنْبَاتِهِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ؟ وَهَلْ زِدْتُمْ إلَّا دَعْوَى لَا بُرْهَانَ لَهَا؟

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْكُلُ الْخَبِيصَ الْأَصْفَرَ وَهُوَ مُحْرِمٌ - يَعْنِي الْمُزَعْفَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ بِأَيِّ كُحْلٍ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ شُمَيْسَةَ الْأَزْدِيَّةِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَهَا: اكْتَحِلِي بِأَيِّ كُحْلٍ شِئْت غَيْرَ الْإِثْمِدِ أَمَا إنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهُ زِينَةٌ، وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ. وَمِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ امْرَأَةً مُحْرِمَةً اكْتَحَلَتْ بِإِثْمِدٍ أَنْ تُهْرِقَ دَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا مَرْوَانُ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ - نَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَصَابَ ثَوْبَهُ خَلُوقُ الْكَعْبَةِ فَلَمْ يَغْسِلْهُ - وَكَانَ مُحْرِمًا - وَعَنْ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: إنْ شَمَّ الْمُحْرِمُ رَيْحَانًا، أَوْ مَسَّ طِيبًا: أَهْرَقَ دَمًا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُخْبِرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً وَلَا فِدْيَةً وَلَوْ وَجَبَتْ لَمَا

أَغْفَلَ ذَلِكَ، «وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَثِيرَ الشَّعْرِ أَفْرَعَ وَإِنَّمَا نُهِينَا عَنْ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ» وَالْقَفَا لَيْسَ رَأْسًا وَلَا هُوَ مِنْ الرَّأْسِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ مُحْرِمًا احْتَجَمَ أَنْ يَفْتَدِيَ بِصِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ؛ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ خَالَفُوهُ فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوْجَبَ الدَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ إنْ حَلَقَ لَهَا شَعْرًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَرُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يَحْتَجِمُ الصَّائِمُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَرْكَ حَلْقِ الْقَفَا. وَعَنْ طَاوُسٍ يَحْتَجِمُ الْمُحْرِمُ إذَا كَانَ وَجِعًا وَمَا نَعْلَمُ مَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ حُكْمًا مِنْ التَّابِعِينَ إلَّا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَرَاقَ دَمًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ: إنْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَأَمَّا الِادِّهَانُ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ - عَنْ مُرَّةِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: رَآنَا أَبُو ذَرٍّ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَقَالَ: اُدْهُنُوا أَيْدِيَكُمْ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُعَالِجَ الْمُحْرِمُ يَدَيْهِ بِالدَّسَمِ، وَأَنْ يَدْهُنَ بِالسَّمْنِ رَأْسَهُ لِصُدَاعٍ أَصَابَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: مَنْ تَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا بَأْسَ بِالْأَدْهَانِ الْفَارِسِيَّةِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: فِي الطِّيبِ الْفِدْيَةُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا تَدَاوَى الْمُحْرِمُ بِالسَّمْنِ، أَوْ الزَّيْتِ، أَوْ الْبَنَفْسَجِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ: كَانَ الْحَكَمُ، وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ فِي الْمُحْرِمِ يُدَاوِي قُرُوحًا بِرَأْسِهِ وَجَسَدِهِ: إنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَتَيْنِ. وَأَمَّا اللِّبَاسُ نَاسِيًا -: فَعَنْ عَطَاءٍ فِي الْمُحْرِمِ يُغَطِّي رَأْسَهُ نَاسِيًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ

مسألة لا يعصب المحرم رأسه بسير ولا بخرقة

لَبِسَ قَمِيصًا نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى؛ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَالْكَفَّارَةُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بِمِثْلِهِ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِي. وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُمَا أَجَازَا لِلْمُحْرِمِ أَكْلَ الطَّعَامِ، وَفِيهِ الزَّعْفَرَانُ - وَكَرِهَهُ عَطَاءٌ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَأْثُرُ قَوْلَهُ عَنْ أَحَدٍ. وَعَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ: إبَاحَةُ الْخَبِيصِ الْمُزَعْفَرِ لِلْمُحْرِمِ. وَمِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، فِي لِبَاسِ الْقَمِيصِ، وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ أَنَّهُ يُهْرِقُ دَمًا -: وَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ مُخَالِفَةٌ لِأَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَقَدْ فَسَقَ، وَالْفُسُوقُ يُبْطِلُ الْحَجَّ كَمَا قَدَّمْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَعْصِبُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِسَيْرٍ وَلَا بِخِرْقَةٍ] 896 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُدَّ الْمِنْطَقَةَ عَلَى إزَارِهِ إنْ شَاءَ أَوْ عَلَى جِلْدِهِ وَيَحْتَزِمَ بِمَا شَاءَ، وَيَحْمِلَ خُرْجَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَعْقِدَ إزَارَهُ عَلَيْهِ وَرِدَاءَهُ إنْ شَاءَ، وَيَحْمِلَ مَا شَاءَ مِنْ الْحُمُولَةِ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَعْصِبَ عَلَى رَأْسِهِ لِصُدَاعٍ، أَوْ لِجَرْحٍ، وَيَجْبُرَ كَسْرَ ذِرَاعِهِ، أَوْ سَاقِهِ، وَيَعْصِبَ عَلَى جِرَاحِهِ، وَخُرَّاجِهِ، وَقَرْحِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُحْرِمُ فِي أَيِّ لَوْنٍ شَاءَ حَاشَا مَا صُبِغَ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] إلَّا أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ أَبِي حَسَّانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مُحْرِمًا مُحْتَزِمًا بِحَبْلٍ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْحَبْلِ أَلْقِهِ» . وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَا تَعْقِدْ عَلَيْكَ شَيْئًا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْهِمْيَانَ لِلْمُحْرِمِ - فَأَمَّا الْأَثَرُ فَمُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْأَسْلَمِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ صَالِحًا مَوْلَى التَّوْأَمَةِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كِلَاهُمَا وَتَمْرَةٌ - وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُ هَذَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ قَالَا جَمِيعًا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ قَدْ شَدَّ حَقْوَيْهِ بِعِمَامَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ: أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَانَتْ تُرَخِّصُ فِي الْهِمْيَانِ يَشُدُّهُ الْمُحْرِمُ عَلَى حَقْوَيْهِ، وَفِي الْمِنْطَقَةِ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ جَاءَ حَاجًّا فَرَمَلَ حَتَّى رَأَيْت مِنْطَقَتَهُ قَدْ انْقَطَعَتْ عَلَى بَطْنِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا شَكَّ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى إحْرَازِ نَفَقَتِهِ، وَابْنُ عُمَرَ لَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا - وَرَأَى مَالِكٌ عَلَى مَنْ عَصَبَ رَأْسَهُ فِدْيَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ: لَا يَعْصِبُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِسَيْرٍ وَلَا بِخِرْقَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ شَدَّ شَعْرَهُ بِسَيْرٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَكِلَاهُمَا لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قُلْت لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءَ: يَنْحَلُّ إزَارِي يَوْمَ عَرَفَةَ؟ قَالَ: اعْقِدْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَتَوَشَّحَ الْمُحْرِمُ بِثَوْبِهِ وَيَعْقِدَهُ عَلَى قَفَاهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَعْقِدَ الْمُحْرِمُ ثَوْبَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَأَبَاحَ لِبَاسَ الْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ: مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ - وَكَرِهَهُ آخَرُونَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ يَنْكَسِرُ ظُفْرُهُ: أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ مُرَارَةً وَلَمْ يَأْمُرْ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ نَا مَنْصُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ قَالَا جَمِيعًا: يَجْبُرُ الْمُحْرِمُ عَظْمَهُ إذَا انْكَسَرَ، قَالَا: وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا انْكَسَرَتْ يَدُ الْمُحْرِمِ، أَوْ شُجَّ عَصَبَ عَلَى الشَّجِّ وَالْكَسْرِ وَعَقَدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ الْمُحْرِمُ -: قَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَى الْقَرْحَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: عَلَى الْجَرْحِ. وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ لِلْمُحْرِمِ: الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ، وَأَنْ يَحْمِلَ الْخُرْجَ عَلَى رَأْسِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَوْا فِيهِ بَأْسًا. وَأَبَاحَ مَالِكٌ لِبَاسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ إذَا كَانَتْ فِيهَا نَفَقَتُهُ، وَمَنَعَهُ لِبَاسَهَا إذَا كَانَتْ فِيهَا نَفَقَةُ غَيْرِهِ. وَجَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبَهُ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةَ. وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ شَدِّ الْمِنْطَقَةِ عَلَى الْعَضُدِ لِلْمُحْرِمِ، وَأَبَاحَ شَدَّهَا عَلَى جِلْدِهِ، وَمَنَعَ مِنْ شَدِّهَا فَوْقَ الْإِزَارِ. وَجَعَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبَهُ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً - فَأَقْوَالٌ مُتَنَاقِضَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُمَا. وَمَنَعَ مَالِكٌ الْمُحْرِمَ مِنْ حَمْلِ خُرْجٍ لِغَيْرِهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَرَأَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً، وَأَبَاحَ لَهُ حَمْلَهُ عَلَى رَأْسِهِ إذَا كَانَ لَهُ - وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ لَا نَعْلَمُهُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.

مسألة قطع شجر الحرم

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ إبَاحَةُ حَمْلِ الْمُحْرِمِ الْمِكْتَلَ عَلَى رَأْسِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: رَأَى عُمَرُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ثَوْبَيْنِ مُضَرَّجَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا أَخَالُ أَحَدًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ؟ فَسَكَتَ عُمَرُ. وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَبِسَ ثَوْبًا مُوَرَّدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى طَلْحَةَ لِبَاسَ ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ لِلْمُحْرِمِ؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ تُنْكِرُوهُ؟ وَلَا رَأَيْتُمْ فِيهِ شَيْئًا - وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ فَأَبَاحُوا الْمُصَبَّغَاتِ وَلَمْ يَقِيسُوهَا عَلَى الْوَرْسِ وَالْمُعَصْفَرِ، كَمَا قَاسُوا كُلَّ مَنْ أَمَاطَ بِهِ أَذًى عَلَى حَالِقٍ رَأْسَهُ، وَكَمَا قَاسُوا جَارِحَ الصَّيْدِ عَلَى قَاتِلِهِ؛ وَكَمَا أَوْجَبُوهَا عَلَى مَنْ لَبِسَ قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً. [مَسْأَلَةٌ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ] 897 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ بِمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ وَلَا شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، وَلَا مِنْ حَشِيشِهِ حَاشَا الْإِذْخِرَ فَإِنَّ جَمْعَهُ مُبَاحٌ فِي الْحَرَمِ - وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَرْعَى إبِلَهُ أَوْ بَعِيرَهُ أَوْ مَوَاشِيَهُ فِي الْحَرَمِ - فَإِنْ وَجَدَ غُصْنًا قَدْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ وَقَعَ فَفَارَقَ جِذْمَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ. فَإِنْ احْتَطَبَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً فَإِنَّ سَلْبَهُ حَلَالٌ لِمَنْ وَجَدَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةٍ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةٍ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا لَيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلَّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ؟ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إرْعَاءِ الْمَوَاشِي: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِكَرَاهِيَةِ الرَّعْيِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ - وَهَذَا تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى - وَأَبَاحَ مَالِكٌ أَخْذَ السَّنَى وَسَائِرِ حَشِيشِ الْحَرَمِ - وَهَذَا أَيْضًا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّنَى وَبَيْنَ سَائِرِ حَشِيشِ الْحَرَمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسُفْيَانُ: بِإِيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى قَاطِعِ شَجَرِ الْحَرَمِ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْغُصْنِ فَمَا فَوْقَهُ إلَى الدَّوْحَةِ: قِيمَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ بَلَغَ هَدْيًا أَهْدَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ هَدْيًا فَقِيمَتُهُ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ صِيَامٌ. وَقَالَ زُفَرُ: يَتَصَدَّقُ بِالْقِيمَةِ وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الدَّوْحَةِ بَدَنَةٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِيهَا بَقَرَةٌ، وَفِي الْوَتَدِ مُدٌّ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ فِي الدَّوْحَة: بَقَرَةٌ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ فِي الدَّوْحَةِ سِتَّةُ دَنَانِيرَ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ سَبْعَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا بِمَكَّةَ - وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فِي قَوْلِهِمَا سَلَفًا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ

مسألة سفك الدماء في الحرم

لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ شَرْعُ هَدْيٍ، وَلَا إيجَابُ صِيَامٍ، وَلَا إلْزَامُ غَرَامَةِ إطْعَامٍ، وَلَا صَدَقَةٍ، إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ؛ وَهَذَا مِمَّا تَرَكَتْ فِيهِ الطَّوَائِفُ الْمَذْكُورَةُ الْقِيَاسَ. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ قَاسَا إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي شَجَرِ الْحَرَمِ عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ فِي صَيْدِهِ وَلَمْ يَقِيسَا إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ عَلَى إيجَابِهِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَكِلَاهُمَا حَرَمٌ مُحَرَّمٌ صَيْدُهُ. وَقَاسَ مَالِكٌ إيجَابَ الْفِدْيَةِ عَلَى اللَّابِسِ وَالْمُتَطَيِّبِ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى حَالِقِ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَقِسْ إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَفِي صَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ عَلَى وُجُوبِهِ فِي صَيْدِ حَرَمِ مَكَّةَ. وَكُلُّ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ لَا وَجْهَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ سفك الدِّمَاء فِي الْحَرَمِ] 898 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُسْفَكَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ دَمٌ بِقِصَاصٍ أَصْلًا، وَلَا أَنْ يُقَامَ فِيهَا حَدٌّ، وَلَا يُسْجَنَ فِيهَا أَحَدٌ، فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أُخْرِجَ عَنْ الْحَرَمِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُسْفَكَ بِهَا دَمٌ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ. وَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَاصِي مِنْهُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] فَتَطْهِيرُهُ مِنْ الْعُصَاةِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَلَا يُسَمَّى ذَبْحُ الْحَيَوَانِ الْمُتَمَلَّكِ وَلَا الْحِجَامَةُ، وَلَا فَتْحُ الْعِرْقِ: سَفْكَ دَمٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ - وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا - قَالَ: سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ أَصَابَ حَدًّا، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يُجَالَسْ وَلَمْ يُبَايَعْ - وَذَكَرَ كَلَامًا - وَفِيهِ: فَإِذَا خَرَجَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

مسألة لا يخرج شيء من تراب الحرم ولا حجارته إلى الحل

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْتُ فِيهِ قَاتِلَ عُمَرَ مَا نَدَهْتُهُ يَعْنِي حَرَمَ مَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ وَجَدْت قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا عَرَضْت لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَخُصُّوا مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْحَرَمِ مِمَّنْ أَصَابَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ - وَفَرَّقَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ بَيْنَهُمَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ خَرَّجَ قَوْمًا مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ فَصَلَبَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ قَتَلَ، ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ؟ قَالَ: يُخْرَجُ مِنْهُ فَيُقْتَلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْحَرَمِ إلَّا الْقَتْلَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ فِيهِ حَدُّ قَتْلٍ وَلَا قَوَدٍ حَتَّى يَخْرُجَ بِاخْتِيَارِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُخْرَجُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَتْلِ. قَالَ عَلِيٌّ: تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فَاسِدٌ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَبَاحَ الْقَتْلَ فِي الْحَرَمِ حَجَّةً أَصْلًا، وَلَا سَلَفًا، إلَّا الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ، وَمَنْ بَعَثَهُ، وَالْحَجَّاجَ، وَمَنْ بَعَثَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ تُعُدِّيَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ فَلْيَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُخْرَجُ شَيْءٌ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَلَا حِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ] 899 - مَسْأَلَةٌ : وَلَا يُخْرَجُ شَيْءٌ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَلَا حِجَارَتِهِ إلَى الْحِلِّ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ، أَوْ يُدْخَلَ تُرَابُ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ. وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ مَاءِ زَمْزَمَ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ إنَّمَا هِيَ لِلْأَرْضِ وَتُرَابِهَا وَحِجَارَتِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ إزَالَةُ حُرْمَتِهَا وَلَمْ يَأْتِ فِي الْمَاءِ تَحْرِيمٌ. [مَسْأَلَة مِلْكُ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا] 900 - مَسْأَلَةٌ: وَمِلْكُ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا جَائِزٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ دُورِهَا وَلَا إجَارَتُهَا.

مسألة احتطب في حرم المدينة

وَمَنَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ كِرَائِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ الْمَنْعَ مِنْ التَّبْوِيبِ عَلَى دُورِهَا؛ وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ خَبَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ لَا يَصِحَّانِ - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ مَلَكَ الصَّحَابَةُ بِهَا دُورَهُمْ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ رَبْعًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِيهَا. [مَسْأَلَة احْتَطَبَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ] 901 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ احْتَطَبَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَحَلَالٌ سَلْبُهُ كُلَّ مَا مَعَهُ فِي حَالِهِ تِلْكَ وَتَجْرِيدُهُ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ؛ فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَمِّهِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إنَّ سَعْدًا أَبَاهُ رَكِبَ إلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطَهُ فَسَلَبَهُ فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِمَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ: إنِّي اسْتَعْمَلْتُك عَلَى مَا هَاهُنَا فَمَنْ رَأَيْتَهُ يَخْبِطُ شَجَرًا أَوْ يَعْضِدُهُ: فَخُذْ حَبْلَهُ وَفَأْسَهُ؟ قُلْت: آخُذُ رِدَاءَهُ؟ قَالَ: لَا - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ يُعْرَفُ وَلَيْسَ هَذَا فِي الْحَشِيشِ لِأَنَّ الْأَثَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الِاحْتِطَابِ - وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ بِكُلِّ حَالٍ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ أَنْ يَمْشِي إلَى مَكَّةَ عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ] 902 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى عَرَفَةَ أَوْ إلَى مِنًى أَوْ إلَى مَكَان ذَكَره مِنْ الْحَرَمِ عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَوْ الشُّكْرِ لَهُ - تَعَالَى - لَا عَلَى سَبِيلِ الْيَمِينِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى حَيْثُ نَذَرَ لِلصَّلَاةِ هُنَالِكَ، أَوْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ - وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ، وَلَا أَنْ يَعْتَمِرَ إلَّا أَنْ يَنْذِرُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا.

فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى حَيْثُ نَذَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَرْكَبْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ رَكِبَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ لِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فِي طَرِيقٍ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا يُعَوِّضُ مِنْهُ صِيَامًا وَلَا إطْعَامًا. فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيَمْشِ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَرْكَبَ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْكَبَ وَلَا بُدَّ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] فَالْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ إلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا طَاعَةٌ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . وَقَالَ - تَعَالَى - {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] وَقَالَ - تَعَالَى - {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَإِنَّمَا أَمَرَ - تَعَالَى - بِالْوَفَاءِ بِعُقُودِ الطَّاعَةِ لَا بِعُقُودِ الْمَعَاصِي. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَمْشِي إلَّا فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامُ مَا لَمْ يَنْذِرْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ، أَوْ إلَى الْحَرَمِ لَزِمَهُ، فَإِنْ نَذَرَ إلَى عَرَفَةَ، أَوْ إلَى مُزْدَلِفَةَ، أَوْ مِنًى، أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ بِلَا بُرْهَانٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ نَا الْفَزَارِيّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَخْبَرَنِي ثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ أَنَسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ رَأَى شَيْخًا يُهَادِي بَيْنَ بَنِيهِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ، وَأَمَرَهُ

أَنْ يَرْكَبَ» فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا لِرُكُوبِهِ. وَقَالَ - تَعَالَى - {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَمَنْ لَيْسَ الْمَشْيُ فِي وُسْعِهِ فَلَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - الْمَشْيَ، وَكَانَ نَذْرُهُ لِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ مَعْصِيَةً لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَفَاءُ بِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: الْفَزَارِيّ هَذَا هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - أَوْ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ إمَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَقَالَ: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ فَأَمَرَهَا بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا» . وَقَدْ عَلِمْنَا ضَرُورَةً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْهَا بِالْمَشْيِ إلَّا وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - نَا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا» . فَهَذَانِ أَمْرَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَرْكَبَ وَتَمْشِيَ دُونَ إلْزَامِ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ، وَالْآخَرُ: أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا دُونَ مَشْيٍ فِي ذَلِكَ - وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زُحَرَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهَا أَنْ تَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ". وَرُوِيَ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا حَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا شَرِيكٌ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - نَبَّهْنَا عَلَيْهَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهَا. وَقَدْ اعْتَرَضَ قَوْمٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدْنَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رَوَاهُ مَطَرُ الْوَرَّاقُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُقْبَةَ، وَعِكْرِمَةُ لَمْ يَلْقَ عُقْبَةَ؛ وَأَوْقَفَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا يَمْقُتُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُفْتَرَضَ بِهَذَا مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ كَالْمُسْنَدِ ثُمَّ يَعِيبُ هُنَا مُسْنَدًا صَحِيحًا بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا أَوْ مَوْقُوفًا إنْ خَالَفَ تَقْلِيدَهُ، وَهَذَا فِعْلُ مَنْ لَا وَرَعَ لَهُ وَلَا صِدْقَ وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى الْمُسْنَدِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ بِمِثْلِ هَذَا إلَّا جَاهِلٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَدَعْوَى فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْنَدَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَالْمُرْسَلُ مُطَّرَحٌ، وَأَيُّ نَقِيصَةٍ عَلَى الْحَقِّ مِنْ رِوَايَةِ آخَرَ مِمَّا لَا حُجَّةَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اخْتَلَفَتْ -: فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: امْشِ مَا اسْتَطَعْت وَارْكَبْ وَاذْبَحْ، أَوْ تَصَدَّقْ - وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا رُوِيَ إلَّا ذِكْرُ الصَّدَقَةِ فَقَطْ. وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ - أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً بِأَنْ تَشْتَرِيَ رَقَبَةً وَلْتَمْشِ فَإِذَا عَجَزَتْ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَمْشِ الرَّقَبَةُ فَإِذَا أَعْيَتْ الرَّقَبَةُ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَمْشِ النَّاذِرَةُ فَإِذَا قَضَتْ حَجَّهَا فَلْتُعْتِقْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ فَمَشَتْ حَتَّى أَعْيَتْ فَرَكِبَتْ، ثُمَّ أَتَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَتْهُ؟ فَقَالَ: أَتَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَحُجِّي قَابِلًا وَتَرْكَبِي حَتَّى تَنْتَهِي إلَى الْمَكَانِ الَّذِي رَكِبْت فِيهِ فَتَمْشِي مَا

رَكِبْتِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَلَكِ ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْك؟ قَالَتْ: لِي ابْنَتَانِ هُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ: فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أُمُّ مَحَبَّةَ الَّتِي عَوَّلُوا عَلَى رِوَايَتِهَا فِي بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إلَى أَجَلٍ بِثَمَانِمِائَةٍ وَابْتِيَاعِهَا إيَّاهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَرَّةً يُقَلِّدُونَ رِوَايَتَهَا حَيْثُ اشْتَهَوْا، وَمَرَّةً يَطْرَحُونَهَا؛ وَالْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا فِي رَأْيِهِ وَقَدْ يَهِمُ وَيَنْسَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا أَخَذُوا بِهِ مِمَّا رَوَاهُ الصَّاحِبُ وَخَالَفَهُ كَرِوَايَةِ عَائِشَةَ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ بِلَبَنِ الْفَحْلِ، ثُمَّ كَانَتْ لَا تُدْخِلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَلْيَرْكَبْ وَلِيُهْدِ هَدْيًا -. وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا يُهْدِي بَدَنَةً. وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عُمَرَ: يَمْشِي فَإِذَا أَعْيَا يَرْكَبُ وَيَعُودُ مِنْ قَابِلٍ فَيَرْكَبُ مَا مَشَى وَيَمْشِي مَا رَكِبَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْشِي فَإِنْ رَكِبَ فَلْيُهْدِ شَاةً فَمَا فَوْقَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ: يَمْشِي، فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى شَاةً فَمَا فَوْقَهَا - وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمُ أَنَّهُ يَمْشِي فَإِذَا أَعْيَا رَكِبَ وَيَعْرِفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي رَكِبَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ رَجَعَ فَمَشَى مَا رَكِبَ وَرَكِبَ مَا مَشَى فَإِنْ كَانَ رُكُوبُهُ يَوْمًا فَأَقَلَّ لَمْ يَرْجِعْ لِذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، فَإِنْ رَكِبَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى إلَى عَرَفَةَ إلَى مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى إلَى مَكَّةَ رَجَعَ مِنْ قَابِلٍ فَمَشَى كُلَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ يَوْمًا فِي الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ هَدْيٌ - فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا مَشَى وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ؛ ثُمَّ رَكِبَ وَيُهْدِي وَلَا يَرْجِعُ ثَانِيَةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَمْشِي فَإِنْ أَعْيَا رَكِبَ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَكِنْ احْتِيَاطًا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ كَقَوْلِنَا: إنْ عَجَزَ رَكِبَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُ، وَخِلَافٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إلَى الْبَيْتِ قَالَ: يَمْشِي مِنْ حَيْثُ نَوَى فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلْيَرْكَبْ فَإِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ مَشَى إلَى الْبَيْتِ

مسألة دخول مكة بلا إحرام

903 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا فَكَمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَّا مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ مَنَاسِكَ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْحَجُّ، فَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ فَكَمَا قَالَ عَطَاءٌ: مِنْ حَيْثُ نَوَى، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلْيَمْشِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَشْيٍ وَلْيَرْكَبْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَى بِمَا نَذَرَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ] 904 - مَسْأَلَةٌ: وَدُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا جَعَلَ الْمَوَاقِيتَ لِمَنْ مَرَّ بِهِنَّ يُرِيدُ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً، وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِمَنْ لَمْ يُرِدْ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً، فَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ - تَعَالَى - قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ فَهُوَ إلْزَامُ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ إلْزَامُهُ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَجَعَ مِنْ بَعْضِ الطَّرِيقِ فَدَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ: لَا بَأْسَ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمِيقَاتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا يَدْخُلُهَا إلَّا بِإِحْرَامٍ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِيقَاتِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ وَلَا إحْرَامَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ إلَّا مَنْ اخْتَلَفَ مِنْ الطَّائِفِ وَعُسْفَانَ، بِالْحَطَبِ، وَالْفَاكِهَةِ: فَلَهُ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ، وَإِلَّا الْعَبِيدَ فَلَهُمْ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ، وَإِلَّا مَنْ خَرَجَ مِنْهَا، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ قُرْبٍ فَلَهُ دُخُولُهَا بِلَا إحْرَامٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إلَّا بِإِحْرَامٍ. فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ تَقْسِيمٌ لَا يُعْقَلُ وَلَا لَهُ وَجْهٌ، وَفِيهِ إيجَابُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الدِّينِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ إلَّا مَنْ نَذَرَ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ بِالنَّصِّ، وَقَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا: كَذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ - وَمَا نَعْرِفُ لَهُمَا فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ سَلَفًا أَصْلًا. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ «بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ إنَّهَا حَرَامٌ

مسألة نذر أن يحج أو يعتمر ولم يكن حج ولا اعتمر قط

بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ» . فَلَيْتَ شِعْرِي بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَلُّوا أَنْ يُوهِمُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا دَلِيلٌ؟ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَالْقِتَالَ حَرَامٌ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلْإِحْرَامِ مَعْنًى. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَهَا وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ أَوْ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ - وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا لَكَانَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَهَا لِغَيْرِ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ كِفَايَةٌ. وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. . [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ وَلَا اعْتَمَرَ قَطُّ] 905 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ، أَوْ يَعْتَمِرَ، وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ وَلَا اعْتَمَرَ قَطُّ فَلْيَبْدَأْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ، وَلَا يُجْزِيهِ إلَّا ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِيه أَنْ يَحُجَّ نَاوِيًا لِلْفَرْضِ وَلِنَذْرِهِ، وَلَا لِحَجَّةِ فَرْضٍ وَعُمْرَةِ نَذْرٍ، وَلَا لِحَجَّةِ نَذْرٍ وَعُمْرَةِ فَرْضٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ اللَّهِ ثَابِتٌ عَلَيْهِ قَبْلَ نَذْرِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ مَا قَدَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَهُوَ عَاصٍ وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَا يُجْزِي عَمَلٌ وَاحِدٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُفْتَرَضَيْنِ إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ النَّصُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرِنَ فَالْعُمْرَةُ الْمُوجَبَةُ عَلَيْهِ لَسَوْقِ الْهَدْيِ هِيَ غَيْرُ الَّتِي نَذَرَ؛ فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ عَمَلٌ عَنْ عَمَلَيْنِ إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ النَّصُّ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ عَنْ صَلَاتَيْنِ، وَوَافَقُونَا - نَعْنِي الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا - عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ صَوْمُ يَوْمٍ عَنْ يَوْمَيْنِ، وَلَا رَقَبَةٌ عَنْ رَقَبَتَيْنِ وَلَا زَكَاةٌ عَنْ زَكَاتَيْنِ، فَتَنَاقَضُوا، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ بَعْدُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَفِي بِنَذْرِك. وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْفَرِيضَةِ فِيمَنْ نَذَرَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ بَعْدُ. وَفِي هَذَا خِلَافٌ.

مسألة أهدى هدي تطوع فعطب في الطريق

رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، قَالَا جَمِيعًا: تُجْزِئُهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ عَنْهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو يُوسُفَ: مَنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَنَوَى بِعَمَلِهِ فَرْضَهُ، وَالتَّطَوُّعَ مَعًا: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَتَبْطُلُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ. فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ فَحَجَّ يَنْوِي نَذْرَهُ وَالتَّطَوُّعَ مَعًا؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِئُهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هِيَ تَطَوُّعٌ وَلَا تُجْزِي عَنْ النَّذْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْعَمَلُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِمَا لَزِمَهُ كَمَا أُمِرَ. [مَسْأَلَةٌ أَهْدَى هَدْيَ تَطَوُّعٍ فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ] 906 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَهْدَى هَدْيَ تَطَوُّعٍ فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَكَّةَ، أَوْ مِنًى فَلْيَنْحَرْهُ، وَلْيُلْقِ قَلَائِدَهُ فِي دَمِهِ وَلِيُخْلِ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ؛ وَإِنْ قَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ ضَمِنَ مِثْلَ مَا قَسَّمَ. فَلَوْ قَالَ: شَأْنُكُمْ بِهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا فَلَا بَأْسَ؛ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَلَا رُفَقَاؤُهُ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَنْ أَكَلَ مِنْهُمْ مِنْهُ أَدَّى إلَى الْمَسَاكِينِ لَحْمًا مِثْلَ مَا أَكَلَ فَقَطْ - الْغَنَمُ، وَالْبَقَرُ، وَالْإِبِلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. فَإِنْ بَلَغَ مَحَلَّهُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا بُدَّ، وَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ وَلَا بُدَّ - وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ، وَمَعْمَرٍ، كُلِيهِمَا عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ يَعْطَبُ: لِيَنْحَرْهُ، ثُمَّ لِيَغْمِسْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ لِيَضْرِبْ بِالنَّعْلِ صَفْحَتَهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهِ غُرِّمَ. فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَطِبَ فَلْيَنْحَرْهُ، ثُمَّ لِيَغْمِسْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ لِيَضْرِبْ بِالنَّعْلِ صَفْحَتَهُ فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَهْدَى؛ وَإِنْ شَاءَ تَقَوَّى بِهِ فِي ثَمَنِ أُخْرَى - وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا كُلِّهِ - وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي التَّطَوُّعِ مِثْلُهُ. وَرُوِّينَا خِلَافَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنِي حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي الْهَدْيِ

يَعْطَبُ فِي الطَّرِيقِ: كُلُوهُ وَلَا تَدَعُوهُ لِلْكِلَابِ، وَالسِّبَاعِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَأَهْدُوا مَكَانَهُ هَدْيًا، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تُهْدُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَأَهْدُوا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَطِبَتْ لَهُ بَدَنَةُ تَطَوُّعٍ فَنَحَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَأَكَلَهَا وَلَمْ يُهْدِ مَكَانَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَهْدَيْت هَدْيًا - وَهُوَ تَطَوُّعٌ - فَعَطِبَ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اغْمِسْ النَّعْلَ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهُ، ثُمَّ كُلْهُ إنْ شِئْت، وَاهْدِهِ إنْ شِئْت وَتَقَوَّ بِهِ فِي هَدْيٍ آخَرَ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ تَطَوُّعًا فَعَطِبَ: كُلْ وَأَطْعِمْ وَلَيْسَ عَلَيْك الْبَدَلُ - وَهُوَ قَوْلُ نَافِعٍ أَيْضًا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إذَا عَطِبَ الْهَدْيُ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَكُلْ مِنْ التَّطَوُّعِ، وَلَا تَأْكُلْ مِنْ الْوَاجِبِ. وَرُوِّينَا قَوْلًا آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: يَدْعُهَا تَمُوتُ فَرَجَعْنَا إلَى السُّنَّةِ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ فُلَانٍ الْأَسْلَمِيِّ ثَمَانِ عَشْرَةَ بَدَنَةً فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ أُزْحِفَ عَلَيَّ مِنْهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: تَنْحَرُهَا ثُمَّ تَصْبِغُ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا عَلَى صَفْحَتِهَا وَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ» وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَ مَعَهُ بِهَدْيٍ فَقَالَ: إنْ عَطِبَ

مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ هَدْيٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا - وَهَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَلَّى تَوْزِيعَهَا -: فَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَ الْهَدْيَ كُلَّهُ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَأْكُلَ لُقْمَةً فَيَغْرَمُ عَنْهَا نَاقَةً مِنْ أَصْلِهَا، وَهَذَا عُدْوَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَغْرَمُ إلَّا مِثْلَ مَا أَكَلَ. وَهَذَا مِمَّا يَتَنَاقَضُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، فَأَخَذَا فِيهِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَرَكَا رَأْيَهُ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ مَا رُوِيَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. 907 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ عَنْ وَاجِبٍ - وَهِيَ سِتَّةُ أَهْدَاءٍ فَقَطْ لَا سَابِعَ لَهَا -: إمَّا جَزَاءُ صَيْدٍ، وَإِمَّا هَدْيُ الْمُتَمَتِّعِ، وَإِمَّا هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَإِمَّا نُسُكُ فِدْيَةِ الْأَذَى، وَإِمَّا هَدْيُ مَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى الْكَعْبَةِ فَرَكِبَ، وَإِمَّا نَذْرُ هَدْيٍ. وَهَذَا الْهَدْيُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ -: قِسْمٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَقِسْمٌ مَنْذُورٌ بِعَيْنِهِ - فَإِنْ عَطِبَ الْوَاجِبُ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَعَلَ بِهِ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ هَدِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَيُهْدِي مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ حَاشَا الْمَنْذُورَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ وَيَتْرُكُهُ وَلَا يُبَدِّلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا هَدْيٌ وَاجِبٌ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ أَبَدًا وَمَا لَمْ يُؤَدِّهِ عَمَّا عَلَيْهِ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ عَطِبَ أَوْ لَمْ يَعْطَبْ. وَأَمَّا الْمَنْذُورُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَالِهِ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِ فَيُهْلِكَهُ فَيَضْمَنَهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي نَذَرَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَدَى عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ.

مسألة يأكل من هدي التطوع إذا بلغ محله

وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ تَحَكُّمِ الْمَرْءِ فِي هَدْيِهِ مَا لَمْ يُبْلِغْهُ مَحِلَّهُ فَمُبْطِلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ التَّطَوُّعُ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا. وَالتَّطَوُّعُ ثَلَاثَةُ أَهْدَاءٍ لَا رَابِعَ لَهَا -: مَنْ سَاقَ هَدْيًا فِي قِرَانٍ أَوْ فِي عُمْرَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، أَوْ أَهْدَى وَهُوَ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً. [مَسْأَلَةٌ يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ] 908 - مَسْأَلَةٌ: وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ وَلَا بُدَّ كَمَا قُلْنَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَهْدَاءِ الْوَاجِبَةِ إذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا فَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ مِثْلَ مَا أَكَلَ فَقَطْ، وَلَا يُعْطَى فِي جِزَارَةِ الْهَدْيِ شَيْءٌ مِنْهُ أَصْلًا وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهِ وَجُلُودِهِ وَلَا بُدَّ. أَمَّا التَّطَوُّعُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] ، وَأَمْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَرْضٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَجَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَابِرٌ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ فِي كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَخْذِ الْبِضْعَةِ وَطَبْخِهَا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْأَكْلِ مِنْ بَعْضِ الْهَدْيِ دُونَ بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ نَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ نَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَخْبَرَهُ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُقَسِّمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا فِي الْمَسَاكِينِ وَلَا يُعْطِي فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ جَعَلَ بَعْضَ أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَرْضًا وَبَعْضَهَا نَدْبًا فَقَدْ تَحَكَّمَ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْقَوْلِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَقَالَ: كُلْ أَنْتَ وَأَصْحَابَك ثُلُثًا وَتَصَدَّقْ بِثُلُثٍ وَابْعَثْ إلَى آلِ عُتْبَةَ ثُلُثًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا: ثُلُثٌ لِأَهْلِك، وَثُلُثٌ لَك، وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بِضْعَةٌ وَيُتَصَدَّقَ بِسَائِرِهَا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ وَنَذْرٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَلَا مِنْ النَّذْرِ وَلَا مِمَّا جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ: يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ كُلِّهِ إلَّا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ - وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ خَمْسَةٌ: النَّذْرُ، وَالْمُتْعَةُ، وَالتَّطَوُّعُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْمُحْصَرُ، إلَّا الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْكَلُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ إلَّا الْمُتْعَةُ، وَالْقِرَانُ، وَالتَّطَوُّعُ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ - وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ إلَّا التَّطَوُّعَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ، وَجَزَاءَ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةَ الْأَذَى، وَنَذْرَ الْمَسَاكِينِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُؤْكَلَ مِنْ كُلِّ هَدْيٍ إلَّا مَا جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ. فَقُلْنَا: وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ لِلْمَسَاكِينِ، وَأَنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالْإِحْصَارِ لَيْسَ لِلْمَسَاكِينِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْنَا هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى هَدْيِ الْقِرَانِ.

مسألة الأضحية للحاج

فَقُلْنَا: أَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ هَدْيًا يَلْزَمُهُ بَعْدَ قِرَانِهِ؟ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَدْيٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَرْضًا فَقَدْ أَلْزَمَ صَاحِبَهُ إخْرَاجَهُ مِنْ مَالِهِ وَقَطْعَهُ مِنْهُ؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا قَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِنَصٍّ؛ لَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ إنْ شَاءُوا؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُهُ إلَّا مَا سُمِّيَ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَأْكُلُوا مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُونُوا مَسَاكِينَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْأُضْحِيَّةُ لِلْحَاجِّ] 909 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأُضْحِيَّةُ لِلْحَاجِّ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا هِيَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُضَحِّي الْحَاجُّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَمْرُو النَّاقِدُ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَقَدْ حَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ قَالَتْ: فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَإِلَّا فَإِنَّمَا هِيَ ضَحَايَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ أَنَّ الْحَسَنَ أَبَاهُ تَمَتَّعَ فَذَبَحَ شَاتَيْنِ شَاةً لِمُتْعَتِهِ وَشَاةً لِأُضْحِيَّتِهِ.

مسألة وافق الإمام يوم عرفة يوم جمعة

وَقَدْ حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْأُضْحِيَّةَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ الْحَاجُّ مِنْ الْفَضْلِ وَالْقُرْبَةِ إلَى اللَّه - تَعَالَى - بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ وَافَقَ الْإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ] 910 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ وَافَقَ الْإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ: جَهَرَ، وَهِيَ صَلَاةُ جُمُعَةٍ، وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَيْضًا بِمِنًى وَبِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ - تَعَالَى - {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ - تَعَالَى - بِذَلِكَ غَيْرَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَمِنًى مِنْ عَرَفَةَ وَمِنًى. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: إذَا وَافَقَ يَوْمُ جُمُعَةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ: جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: «وَافَقَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحَجَّةَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى فَلْيَفْعَلْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَلَمْ يَخْطُبْ» قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزُ: وَفَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَبِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ الظُّهْرَ وَلَمْ يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ -: فَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ فِيهِ كُلُّ بَلِيَّةٍ. إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ مَتْرُوكٌ مِنْ الْكُلِّ، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ ابْنِ أَبِي يَحْيَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ؛ ثُمَّ الْكَذِبُ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْفٍ نَا أَبُو الْعَمِيسِ نَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ".

مسألة تأخير الحج والعمرة عن أول أوقات الاستطاعة

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْآثَارَ كُلَّهَا إنَّمَا فِيهَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِعَرَفَةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ نَفْسُهَا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا، وَالْجَهْرُ أَيْضًا لَيْسَ فَرْضًا وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَنَّ ظُهْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلْجَمَاعَةِ رَكْعَتَانِ. [مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ] 911 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ لَهُمَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَحُجَّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فِي سَعَةٍ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وَقَالَ - تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَا مُتَوَجَّهٌ إلَى كُلِّ مُسْتَطِيعٍ؛ فَلَا يَخْلُو الْمُسْتَطِيعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ لَا يَكُونُ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ فَإِنْ كَانَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي عَامِهِ - وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُوَ إنْ لَمْ يَحُجَّ مُعَطِّلُ فَرْضٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ فَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ مَفْسُوحًا لَهُ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ فَإِنَّمَا تَلْحَقُهُ الْمَلَامَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَلَامَةُ لَا تَلْحَقُ أَحَدًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَصَحَّ أَنَّهُ مَلُومٌ فِي حَيَاتِهِ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ إلَّا فِي آخِرِهَا؟ قُلْنَا: لَا بَيَانَ عِنْدَكُمْ مَتَى افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْحَجَّ، وَمُمْكِنٌ أَنْ لَا يَكُونَ اُفْتُرِضَ إلَّا عَامَ حَجَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَا لَا نَصَّ بَيِّنًا فِيهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إلَّا أَنَّنَا مُوقِنُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ الْأَفْضَلَ إلَّا لِعُذْرٍ مَانِعٍ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي أَنَّ التَّعْجِيلَ أَفْضَلُ. فَإِنْ ذَكَرُوا تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا. قُلْنَا: هَذَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَأَوْجِدُونَا نَصًّا بَيِّنًا فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُكُمْ حِينَئِذٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى هَذَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. 912 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّمَا تُرَاعَى الِاسْتِطَاعَةُ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَدَثَتْ لَهُ فِيهِ الِاسْتِطَاعَةُ فَيُدْرِكُ الْحَجَّ فِي وَقْتِهِ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ قَبْلَ ذَلِكَ الْعَامِ كُلِّهِ وَبَطَلَتْ

مسألة لم يوجد من يحج عنه إلا بأجرة

اسْتِطَاعَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا وَلَا لَزِمَهُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ إلَّا فِي وَقْتِ الْحَجِّ فَيَكُونُ قَارِنًا، أَوْ مُتَمَتِّعًا. [مَسْأَلَةٌ لَمْ يُوجَدْ مِنْ يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا بِأُجْرَةٍ] 913 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ اسْتَطَاعَ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ بَطَلَتْ اسْتِطَاعَتُهُ أَوْ لَمْ تَبْطُلْ فَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ أَدَاؤُهُمَا عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ دُيُونِ النَّاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا بِأُجْرَةٍ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ " مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ لَا يَلْزَمُ غَيْرُ هَذَا، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ مَا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَلْزَمُ. وَلَوْ خَرَجَ الْمَرْءُ مِنْ مَنْزِلِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ لَا يَنْوِي حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً فَأَتَى الْمِيقَاتَ فَحِينَئِذٍ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ وَالدُّخُولُ فِي عَمَلِ الْحَجِّ لَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَجَائِزٌ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، لِأَمْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا، وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أُمِّهِ؛ وَالرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَهَذَا خَيْرٌ، فَجَائِزٌ أَنْ يَفْعَلَهُ كُلُّ أَحَدٍ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحَجِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مَالًا لِيَحُجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ بِهِ فَقَطْ، وَاحْتَجَّ فِي مَنْعِ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ قَائِلُهُمْ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الطَّاعَةِ وَلَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَنَعَمْ، وَأَمَّا عَلَى الطَّاعَةِ فَقَوْلُهُمْ فِيهِ بَاطِلٌ، بَلْ الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَقَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُؤَاجَرَةِ وَأَبَاحَهَا وَحَضَّ عَلَى إعْطَاءِ الْأَجِيرِ أَجْرَهُ، فَكَانَ هَذَا جَائِزًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مَا مَنَعَ مِنْهُ نَصٌّ فَقَطْ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِي بُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ، وَعَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ لِلْإِبِلِ لِلْحَجِّ

مسألة الأيام المعدودات والمعلومات

عَلَيْهَا، وَعَلَى جَلَاءِ سِلَاحِ الْمُجَاهِدِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ طَاعَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى -، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَتُعْقَدُ الْإِجَارَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِأَنْ تُعْطَى دَرَاهِمُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ، أَوْ فِي هَدْيٍ يَسُوقُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِيَكُونَ قَارِنًا، ثُمَّ يُوصَفُ لَهُ عَمَلُ الْحَجِّ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ كُلُّهُ مِنْ تَحْدِيدِ الْمِيقَاتِ وَعَدَدِ التَّلْبِيَةِ، وَوَقْتِ الْمِيقَاتِ بِعَرَفَةَ، وَصِفَةِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ وَالتَّعْجِيلِ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ التَّأْخِيرِ، فَإِنْ حَجَّ الْعَامَ فَحَسَنٌ، فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ وَبَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَحَسَنٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ إمْكَانِ الْحَجِّ لَهُ وَيُجْزِي مَتَى حَجَّ عَنْهُ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَوْصُوفَةِ مِنْ الْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا. وَكُلُّ مَا أَصَابَ الْأَجِيرَ مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى فَهُوَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ إبْطَالَ الْحَجِّ، أَوْ عُمْرَتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِهِ. فَلَوْ عَمِلَ بَعْضَ عَمَلِ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ مَرِضَ أَوْ مَاتَ، أَوْ صُدَّ كَانَ لَهُ بِمِقْدَارِ مَا عَمِلَ، وَلَا يَكُونُ لَهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَ الْبَاقِي، وَيَكُونُ هَدْيُ الْإِحْصَارِ فِي مَالِ الْمُحْصَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُعْمَلُ عَنْ الْمَيِّتِ فَيَسْتَأْجِرُ عَنْهُ مَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ، أَوْ يَطُوفُ عَنْهُ، وَيَسْعَى مِمَّنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ، وَطَافَ عَنْ نَفْسِهِ، وَمِمَّنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَيُوَفِّي عَنْهُ بَاقِيَ عَمَلِ الْحَجِّ إنْ كَانَ لَمْ يَعْمَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ يَضِيعُ فَلَا يَلْزَمُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ ضَمَانُ مَالٍ وَلَا عَمَلُ حَجٍّ، فَهُوَ تَضْيِيعٌ لِمَالِ الْمَيِّتِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. فَلَوْ أَعْطَاهُ حَيٌّ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ كَانَ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ حَتَّى يُتِمَّ الْحَجَّ، فَإِذَا تَمَّ حِينَئِذٍ اسْتَحَقَّ مَا أُعْطِيَ وَأَجْزَأَ عَنْ الْمُعْطِي - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ وَلَا اعْتَمَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ حِينَ اُسْتُؤْجِرَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَاسْتِئْجَارُهُ لِمَا يَسْتَطِيعُ عَلَيْهِ جَائِزٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَالْمَعْلُومَاتُ] 914 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَالْمَعْلُومَاتُ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةٌ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]

وَالتَّعْجِيلُ الْمَذْكُورُ وَالتَّأْخِيرُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بِلَا خَوْفٍ مِنْ أَحَدٍ فِي أَيَّامِ رَمْيِ الْجِمَارِ. وَأَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ بِلَا خِلَافٍ هُوَ يَوْمُ النَّحْرُ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَقَالَ - تَعَالَى - {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] فَهَذِهِ بِلَا شَكٍّ أَيَّامُ النَّحْرِ الَّتِي تُنْحَرُ فِيهَا بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ: أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي وقَوْله تَعَالَى: {فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] قَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ - وَهَذَا قَوْلُنَا. وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ هَذَا، وَقَبْلُ وَبَعْدُ، فَذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَاجِبٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ إلَّا بِنَصٍّ، وَأَمَّا بِالدَّعْوَى وَقَوْلِ قَائِلٍ قَدْ خُولِفَ فَلَا. صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، آخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَأَنَّ الْمَعْدُودَاتِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هُشَيْمٍ نَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ زِرٍّ، وَنَافِعٍ، قَالَ زِرٌّ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ نَافِعٌ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، قَالَا جَمِيعًا: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، اذْبَحْ فِي أَيُّهَا شِئْت، وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا

مسألة حج الصبي

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا حَمَّادٌ بْن عِيسَى الْجُهَنِيُّ نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا ابْنُ عَجْلَانَ نَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَالْمَعْدُودَاتُ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ النَّحْرِ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إلَّا تَعَلَّقَهُ بِابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ هَذَا، وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلِيٌّ، فَلَيْسَ التَّعَلُّقُ بِبَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ - تَعَالَى - بَيْنَ اسْمَيْهِمَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ وَجَمَعَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فِي أَنَّهُ أَمَرَ بِذَكَرِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَقَطْ وَذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ يَوْمٌ دُونَ يَوْمٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالنَّحْرِ لِلَّهِ - تَعَالَى - يَوْمٌ دُونَ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَبِرٍّ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَجّ الصَّبِيِّ] 915 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ الْحَجَّ بِالصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا أَوْ كَبِيرًا وَلَهُ حَجٌّ وَأَجْرٌ، وَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَلِلَّذِي يَحُجُّ بِهِ أَجْرٌ، وَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ وَاقَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَيُطَافُ بِهِ، وَيُرْمَى عَنْهُ الْجِمَارُ إنْ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ. وَيُجْزِي الطَّائِفَ بِهِ طَوَافُهُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُدَرَّبُوا وَيُعَلَّمُوا الشَّرَائِعَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ إذَا أَطَاقُوا ذَلِكَ وَيُجَنَّبُوا الْحَرَامَ كُلَّهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَتَفَضَّلُ بِأَنْ يَأْجُرَهُمْ، وَلَا يَكْتُبُ عَلَيْهِمْ إثْمًا حَتَّى يَبْلُغُوا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَجُّ عَمَلٌ حَسَنٌ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا} [الكهف: 30] . فَإِنْ قِيلَ: لَا نِيَّةَ لِلصَّبِيِّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَا تَلْزَمُهُ إنَّمَا تَلْزَمُ النِّيَّةُ الْمُخَاطَبَ الْمَأْمُورَ

مسألة حج واعتمر ثم ارتد ثم أسلم

الْمُكَلَّفَ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُخَاطَبًا وَلَا مُكَلَّفًا وَلَا مَأْمُورًا وَإِنَّمَا أَجْرُهُ تَفَضُّلٌ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - مُجَرَّدٌ عَلَيْهِ كَمَا يَتَفَضَّلُ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا عَمَلَ بِأَنْ يَأْجُرَهُ بِدُعَاءِ ابْنِهِ لَهُ بَعْدَهُ وَبِمَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ حَجٍّ، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، وَلَا فَرْقَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. وَإِذَا الصَّبِيُّ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي صَيْدٍ إنْ قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي إحْرَامِهِ، وَلَا فِي حَلْقِ رَأْسِهِ لِأَذًى بِهِ، وَلَا عَنْ تَمَتُّعِهِ، وَلَا لِإِحْصَارِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ لَزِمَهُ هَدْيٌ لَلَزِمَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْهُ الصِّيَامَ وَهُوَ فِي الْمُتْعَةِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ بِشَيْءِ مِمَّا ذَكَرْنَا، إنَّمَا هُوَ مَا عَمِلَ، أَوْ عُمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَا لَمْ يَعْمَلْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. وَقَدْ كَانَ الصِّبْيَانُ يَحْضُرُونَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، صَحَّتْ بِذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: كَصَلَاتِهِ بِأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَهُ الصَّلَاةَ، وَسَمَاعِهِ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُجْزِي الطَّائِفَ بِهِ طَوَافُهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ طَائِفٌ وَحَامِلٌ، فَهُمَا عَمَلَانِ مُتَغَايِرَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ، كَمَا هُوَ طَائِفٌ وَرَاكِبٌ، وَلَا فَرْقَ. 916 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي حَالِ إحْرَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا وَيَشْرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ، فَإِنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ، أَوْ مُزْدَلِفَةُ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ. أَمَّا تَجْدِيدُهُ الْإِحْرَامَ فَلِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَأْمُورًا بِالْحَجِّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ كَانَ تَطَوُّعَا وَالْفَرْضُ أَوْلَى مِنْ التَّطَوُّعِ. [مَسْأَلَةٌ حَجَّ وَاعْتَمَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ] 917 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ هَدَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ فَأَسْلَمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ اللَّيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: يُعِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَقُلْ فِيهَا: لَئِنْ أَشْرَكَتْ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك الَّذِي عَمِلْت قَبْلَ أَنْ تُشْرِكَ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ - تَعَالَى - أَنَّهُ يَحْبَطُ عَمَلُهُ بَعْدَ الشِّرْكِ إذَا مَاتَ أَيْضًا عَلَى شِرْكِهِ لَا إذَا أَسْلَمَ وَهَذَا حَقٌّ بِلَا شَكٍّ. وَلَوْ حَجَّ مُشْرِكٌ أَوْ اعْتَمَرَ، أَوْ صَلَّى، أَوْ صَامَ، أَوْ زَكَّى، لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ

الْوَاجِبِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ - قَوْله تَعَالَى - فِيهَا: {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] بَيَانُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْبَطْ مَا عَمِلَ قَبْلُ فِي إسْلَامِهِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَكْتُوبٌ لَهُ وَمُجَازًى عَلَيْهِ بِالْجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - لَا هُمْ وَلَا نَحْنُ - فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا رَاجَعَ الْإِسْلَامَ لَيْسَ مِنْ الْخَاسِرِينَ، بَلْ مِنْ الْمُرْبِحِينَ الْمُفْلِحِينَ الْفَائِزِينَ. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي يَحْبَطُ عَمَلُهُ هُوَ الْمَيِّتُ عَلَى كُفْرِهِ مُرْتَدًّا أَوْ غَيْرَ مُرْتَدٍّ، وَهَذَا هُوَ مِنْ الْخَاسِرِينَ بِلَا شَكٍّ، لَا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ أَوْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ رِدَّتِهِ، وَقَالَ - تَعَالَى - {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] فَصَحَّ نَصُّ قَوْلِنَا: مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْبَطُ عَمَلُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَّا بِأَنْ يَمُوتَ وَهُوَ كَافِرٌ. وَوَجَدْنَا اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: 195] . وَقَالَ - تَعَالَى - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] . وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ. فَصَحَّ أَنَّ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ إذَا رَاجَعَ الْإِسْلَامَ سَيَرَاهُمَا وَلَا يَضِيعَانِ لَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ كَالشَّمْسِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَيُونُسَ، وَمَعْمَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْمَعْنَى، ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ، وَهِشَامٌ كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَةَ وَاللَّفْظُ لِلزُّهْرِيِّ، قَالَ: نَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ، وَالْكَافِرُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ قَطُّ، إذَا أَسْلَمَا فَقَدْ أَسْلَمَا عَلَى مَا أَسَلَفَا مِنْ الْخَيْرِ، وَقَدْ كَانَ الْمُرْتَدُّ إذَا حَجَّ وَهُوَ مُسْلِمٌ قَدْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ، وَمَا كُلِّفَ كَمَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَسْلَمَ الْآنَ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ كَمَا كَانَ. وَأَمَّا الْكَافِرُ يَحُجُّ كَالصَّابِئِينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْحَجَّ إلَى مَكَّةَ فِي دِينِهِمْ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ

مسألة لقطة الحرم

ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا أَنْ لَا تُؤَدَّى إلَّا كَمَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ، الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ - تَعَالَى - دِينًا غَيْرَهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمَرْنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَالصَّابِئُ إنَّمَا حَجَّ كَمَا أَمَرَهُ يوراسف، أَوْ هُرْمُسُ فَلَا يُجْزِئُهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَيَلْزَمُ مَنْ أَسْقَطَ حَجَّهُ بِرِدَّتِهِ أَنْ يُسْقِطَ إحْصَانَهُ، وَطَلَاقَهُ الثَّلَاثَ، وَبَيْعَهُ، وَابْتِيَاعَهُ، وَعَطَايَاهُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ لُقَطَة الْحَرَمِ] 918 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ لُقَطَةٌ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، وَلَا لُقَطَةُ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ عَمَلِ حَجِّهِ. إلَّا لِمَنْ يَنْشُدُهَا أَبَدًا لَا يُحَدُّ تَعْرِيفُهَا بِعَامٍ وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا بِأَقَلَّ، فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا قَطْعًا مُتَيَقِّنًا حَلَّتْ حِينَئِذٍ لِوَاجِدِهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ اللُّقَطَاتِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ الْعَامِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٌ نَا الْأَوْزَاعِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَتْ هَذِهِ إلَّا صِفَةَ الْحَرَمِ لَا الْحِلِّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا وَفِيهِ «فَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَأَحَلَّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُنْشِدِ وَأَوْجَبَ تَعْرِيفَهَا بِغَيْرِ تَحْدِيدٍ.

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ". وَاللُّقَطَةُ هِيَ غَيْرُ مَالِ الْمُلْتَقِطِ فَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ. وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِيُوجَدَ مَنْ يَعْرِفُهَا أَوْ صَاحِبُهَا فَهَذَا الْحُكْمُ لَازِمٌ، فَإِذَا يَئِسَ بِيَقِينٍ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا سَقَطَ التَّعْرِيفُ، إذْ مِنْ الْبَاطِلِ تَعْرِيفُ مَا يُوقَنُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ، وَإِذَا سَقَطَ التَّعْرِيفُ حَلَّتْ حِينَئِذٍ بِالنَّصِّ لِمُنْشِدِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَاجُّ هُوَ مَنْ هُوَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ، وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ فَهُوَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ وَلَيْسَ حَاجًّا بَعْدُ، وَأَمَّا بَعْدَ إتْمَامِهِ عَمَلَ الْحَجِّ فَقَدْ حَجّ وَلَيْسَ حَاجًّا الْآنَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَاجًّا مَجَازًا، كَمَا أَنَّ الصَّائِمَ، أَوْ الْمُصَلِّيَ، أَوْ الْمُجَاهِدَ، إنَّمَا هُوَ صَائِمٌ، وَمُصَلٍّ، وَمُجَاهِدٍ، مَا دَامَ فِي عَمَلِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ. وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ لُقَطَةٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَخْذِهَا، أَوْ نَهَى عَنْ تَمَلُّكِهَا، فَأَمَّا أَخْذُهَا فَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَتَرْكُهَا إضَاعَةٌ لَهَا بِلَا شَكٍّ، وَحِفْظُهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَمَلُّكِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَنْهَ عَنْ حِفْظِهَا وَلَا عَنْ تَعْرِيفِهَا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا بِعَيْنِهَا، هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَلُّكِهَا فَإِذَا يَئِسَ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا بِيَقِينٍ فَكُلُّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لِلَّهِ - تَعَالَى -، ثُمَّ فِي مَصَالِحِ عِبَادِهِ، وَالْمُلْتَقِطُ أَحَدُهُمْ وَهِيَ فِي يَدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَلَا يَتَعَدَّى بِهِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَحُكْمُ الْمُعْتَمِرِ كَحُكْمِ الْحَاجِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

مسألة مكة أفضل بلاد الله

[مَسْأَلَةٌ مَكَّةُ أَفْضَلُ بِلَادِ اللَّهِ] مَسْأَلَةٌ: وَمَكَّةُ أَفْضَلُ بِلَادِ اللَّهِ - تَعَالَى -، نَعْنِي الْحَرَمَ وَحْدَهُ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ عَرَفَاتٍ فَقَطْ. وَبَعْدَهَا مَدِينَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَعْنِي حَرَمَهَا وَحْدَهُ. ثُمَّ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، نَعْنِي الْمَسْجِدَ وَحْدَهُ - هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ، وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُوهُ بِأَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ. مِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمَهَا كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا كَمَا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ فَقَطْ، وَهَذَا حَقٌّ، وَقَدْ دَعَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ كَمَا دَعَا لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَلِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهَلْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِنَا عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى مُسَاوَاتِنَا فِي الْفَضْلِ؟ هَذَا مَا لَا يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ. وَقَدْ حَرَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الدِّمَاءَ، وَالْأَعْرَاضَ، وَالْأَمْوَالَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلٍ؛ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ آخَرَ صَحِيحٍ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي تَمْرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَا لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ» . وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ فِيهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا فِيهِ الدُّعَاءُ لِلْمَدِينَةِ بِالْبَرَكَةِ، وَنَعَمْ، هِيَ وَاَللَّهِ مُبَارَكَةٌ، وَإِنَّمَا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ - تَعَالَى - إذْ يَقُولُ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم: 37] . وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الثِّمَارَ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرُ مِمَّا بِمَكَّةَ.

وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَدْعُ لِلْمَدِينَةِ بِأَنْ تَهْوِي أَفْئِدَةُ النَّاسِ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ هَوِيِّهَا إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إلَى مَكَّةَ لَا إلَى الْمَدِينَةِ. فَصَحَّ أَنَّ دُعَاءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الرِّزْقِ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فِي شَيْءٍ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا، وَإِنَّمَا تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَفِي قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَفِي خَاصٍّ لَا فِي عَامٍّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ، وَمَنْ أَجَازَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكَذِبَ فَهُوَ كَافِرٌ؛ وَقَالَ اللَّه - تَعَالَى -: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] . وَقَالَ - تَعَالَى - {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] . فَصَحَّ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَخْبَثُ الْخَلْقِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ قَدْ خَرَجَ: عَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ الْمَدِينَةِ، وَهُمْ مِنْ أَطْيَبِ الْخَلْقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَا خِلَافٍ مِنْ مُسْلِمٍ حَاشَا الْخَوَارِجَ فِي بُغْضِهِمْ. فَصَحَّ يَقِينًا لَا يَمْتَرِي فِيهِ إلَّا مُسْتَخِفٌّ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْنِ بِالْمَدِينَةِ تَنْفِي الْخُبْثَ إلَّا فِي خَاصٍّ مِنْ النَّاسِ، وَفِي خَاصٍّ مِنْ الزَّمَانِ لَا عَامٍّ. وَقَدْ جَاءَ كَلَامُنَا هَذَا نَصًّا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا عَبْدُ الْعَزِيزُ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ «أَلَا إنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ يُخْرِجُ الْخَبَثَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» . وَمِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «لَيْسَ بَلَدٌ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا الْمَدِينَةَ، وَمَكَّةَ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا فَيَنْزِلُ بِالسَّبْخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ يَخْرُجُ إلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ مُنَافِقٍ وَكَافِرٍ» وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا مِنْ بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ» إنَّمَا هُوَ سَيَطَؤُهُ أَمْرُهُ وَبُعُوثُهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا، وَسَكَّانُ الْمَدِينَةِ الْيَوْمَ أَخْبَثُ الْخُبْثِ، وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مُصِيبَتِنَا فِي ذَلِكَ؛ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» وَذَكَرَ مِثْلُ هَذَا حَرْفًا حَرْفًا فِي فَتْحِ الشَّامَ، وَفَتْحِ الْعِرَاقِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إلَى الرَّخَاءِ، هَلُمَّ إلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَغْبَةً عَنْهَا إلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ الْمَدِينَةَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَبِلَادِ الرَّخَاءِ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ، وَلَا ذِكْرَ لِمَكَّةَ أَصْلًا. وَأَمَّا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا بِأَنَّ الْمَدِينَةَ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ لَهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ أَيْضًا فِي خَاصٍّ لَا عَامٍّ وَهُوَ مَنْ خَرَجَ عَنْهَا طَلَبَ رَخَاءٍ، أَوْ لِعَرَضِ دُنْيَا؛ وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْهَا لِجِهَادٍ، أَوْ لِحُكْمٍ بِالْعَدْلِ، أَوْ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ دِينَهُمْ فَلَا، بَلْ الَّذِي خَرَجُوا لَهُ أَفْضَلُ مِنْ مُقَامِهِمْ بِالْمَدِينَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهَا لِلْجِهَادِ وَأَمْرُهُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ وَالْوَعِيدُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ بَعْثَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

أَصْحَابَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَعُمَانَ لِلدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» فَبِلَا شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ نَصَحَهُمْ فِي إخْرَاجِهِمْ لِذَلِكَ، فَصَحَّ قَوْلُنَا: وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فِي هَذَا فِي دَعْوَاهُمْ فَضْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَغْبَةً عَنْهَا» فَهَذَا الْحَقُّ وَعَلَى مَنْ يَرْغَبُ عَنْ الْمَدِينَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ فَمَا هُوَ بِمُسْلِمٍ، وَكَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ مَنْ رَغِبَ عَنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» وَهَذَا إنَّمَا فِيهِ: أَنَّ مِنْ الْمَدِينَةِ تُفْتَحُ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ وَقَدْ فُتِحَتْ خُرَاسَانُ، وَسِجِسْتَانُ، وَفَارِسُ، وَكَرْمَانُ، مِنْ الْبَصْرَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَضْلِ الْبَصْرَةِ عَلَى مَكَّةَ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ الْإِيمَانَ يَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِلَا شَكٍّ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ وَهُوَ الْيَوْمَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَوَا حُزْنَاهُ وَوَا أَسَفَاهُ وَمَا الْإِسْلَامُ ظَاهِرًا إلَّا فِي غَيْرِهَا وَنَسْأَلُ اللَّهُ إعَادَتَهَا إلَى أَفْضَلِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِزِيَادَةٍ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ نَا عَاصِمُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» فَفِي هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ يَأْرِزُ بَيْنَ مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَع رَاحِلَتَهُ مِنْ حُبِّهَا» وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُحِبُّهَا.

وَنَعَمْ هَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ مَكَّةَ، وَلَا أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَكِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ» . وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ، وَمَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخَافَهُ اللَّهُ، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَثَلُ هَذَا فِيمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ كَادَ أَهْلَهَا وَلَا يَحِلُّ كَيْدُ مُسْلِمٍ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - عَنْ مَكَّةَ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] فَصَحَّ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ ظَلَمَ بِمَكَّةَ كَالْوَعِيدِ عَلَى مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشَدَّتِهَا إلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْحَضِّ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى شِدَّتِهَا وَأَنَّهُ يَكُونُ لَهُمْ شَفِيعًا وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَشْفَعُ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ " وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الشَّفَاعَةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ بِرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ» فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا دَعَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذَا كَمَا تَرَى فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُحَبِّبَهَا إلَيْهِمْ كَحُبِّهِمْ مَكَّةَ، وَإِمَّا أَشَدُّ مِنْ حُبِّهِمْ مَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أُجِيبَ بِهِ دُعَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحُبُّ الْبَلَدِ يَكُونُ لِلْمُوَافَقَةِ وَالْأُلْفَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ عَلَى مَكَّةَ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قَيْدٍ - يَعْنِي سُقُوطَهُ - خَيْرٌ مِنْ الْأَنْبَاطِ وَمَا فِيهَا» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» وَأَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا مِنْ هَذَا أَنَّ مَكَّةَ مِنْ الدُّنْيَا فَمَوْضِعُ قَابِ قَوْسٍ مِنْ تِلْكَ الرَّوْضَةِ

خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنُّوهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مِصْرُ، وَالْكُوفَةُ، وِرَاؤُنَا: خَيْرًا مِنْ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سَيْحَانُ، وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ، وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ: أَنَّ هَذِهِ الْبِلَادَ مِنْ أَجْلِ مَا فِيهَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَيْسَ عَلَى مَا يَظُنُّهُ أَهْلُ الْجَهْلِ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الرَّوْضَةَ قِطْعَةٌ مُنْقَطِعَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ مُهْبَطَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ، هَذَا بَاطِلٌ وَكَذِبٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ فِي الْجَنَّةِ {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى - وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه: 118 - 119] فَهَذِهِ صِفَةُ الْجَنَّةِ بِلَا شَكٍّ وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةَ الْأَنْهَارِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا تِلْكَ الرَّوْضَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ. فَصَحَّ أَنَّ كَوْنَ تِلْكَ الرَّوْضَةِ مِنْ الْجَنَّةِ إنَّمَا هُوَ لَفْظُهَا، وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْجَنَّةِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْأَنْهَارَ لِبَرَكَتِهَا أُضِيفَتْ إلَى الْجَنَّةِ، كَمَا تَقُولُ فِي الْيَوْمِ الطَّيِّبِ: هَذَا مِنْ أَيَّامِ الْجَنَّةِ؛ وَكَمَا قِيلَ فِي الضَّأْنِ: إنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ، وَكَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ» فَهَذَا فِي أَرْضِ الْكُفْرِ بِلَا شَكٍّ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ مَا ادَّعُوهُ وَظَنُّوهُ لَمَا كَانَ الْفَضْلُ إلَّا لِتِلْكَ الرَّوْضَةِ خَاصَّةً لَا لِسَائِرِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: مَا قَرُبَ مِنْهَا أَفْضَلُ مِمَّا بَعُدَ. قُلْنَا: يَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنَّ الْجُحْفَةَ، وَخَيْبَرَ، وَوَادِيَ الْقُرَى أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى تِلْكَ الرَّوْضَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ، وَلَا يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ، فَبَطَلَ تَظَنُّنُهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَتَأَوَّلُونَ الْأَخْبَارَ الصِّحَاحَ بِلَا بُرْهَانٍ مِثْلُ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا» وَمِثْلُ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَغَيْرُ

ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحِسِّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا فَيُرِيدُونَ حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ نَا مُوسَى بْنُ دَاوُد عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ» فَهَذَا بِمَكَّةَ فَاَلَّذِي بِمَكَّةَ مِنْ هَذَا كَاَلَّذِي لِلْمَدِينَةِ، إذْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْجَنَّةِ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَأَوَّلُوا هُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِدُونِ الْأَلْفِ، وَقُلْنَا نَحْنُ: بَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ مُحْتَمَلٌ. نَعَمْ، تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي كِلَيْهِمَا سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى أَحَدِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ دُونَ الْآخَرِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ» وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَكَّةَ لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ أَيْضًا؛ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَصْرِفُهُ عَنْهَا كَمَا يَصْرِفُهُ عَنْ الْمَدِينَةِ وَالْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ عَلَى الْمُصَلِّينَ فِي كُلِّ بَلَدٍ كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " أَنَّهُ يَتَعَاقَبُ فِينَا مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ". وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هِيَ طَيِّبَةٌ» وَنَعَمْ، هِيَ وَاَللَّهِ طَيِّبَةٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ أَصْلًا. فَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مَا لَهُمْ خَبَرٌ صَحِيحٌ سِوَى هَذِهِ، وَكُلُّهَا لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَصْلًا عَلَى مَا بَيَّنَّا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَاحْتَجُّوا عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنْتَ الْقَائِلُ: لَمَكَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ، وَفِيهَا بَيْتُهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ شَيْئًا، أَنْتَ الْقَائِلُ: لَمَكَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ، وَفِيهَا بَيْتُهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ شَيْئًا؛ ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ لَمْ يُنْكِرْ لِعُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا قَرَّرَهُ عَلَيْهِ بَلْ احْتَجَّ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِمَا لَمْ يَعْتَرِضْ فِيهِ عُمَرُ، فَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ - وَهُوَ صَاحِبٌ - كَانَ يَقُولُ: مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ: لَا أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَلَا أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْرِيرُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَطْ، وَنَحْنُ نُوجِدُهُمْ عَنْ عُمَرَ تَصْرِيحًا بِأَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيّ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُول: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُول: " صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " وَهَذَا سَنَدٌ كَالشَّمْسِ فِي الصِّحَّةِ، فَهَذَانِ صَاحِبَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَمِثْلُ هَذَا حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ إِيلِيَا فَاعْتَكَفَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمَدِينَةِ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَمِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَجْزَأَ عَنْهُ. فَهَذَا سَعِيدٌ فَقِيهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُصَرِّحُ بِفَضْلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ مَوْضُوعَةٍ يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَالتَّحْذِيرُ مِنْهَا. مِنْهَا: خَبَرٌ رُوِّينَاهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي مَيِّتٍ رَآهُ: دُفِنَ فِي التُّرْبَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا» ، قَالُوا: وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُفِنَ بِالْمَدِينَةِ فَمِنْ تُرْبَتِهَا خُلِقَ وَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فَهِيَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ. وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِ طَرِيقَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ

بِالْجُمْلَةِ، قَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ - ثُمَّ هُوَ أَيْضًا عَنْ أُنَيْسِ بْنِ يَحْيَى مُرْسَلٌ وَلَا يُدْرَى مَنْ أُنَيْسُ بْنُ يَحْيَى وَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى مِنْ رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَكُونُ الْفَضْلُ لِقَبْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَطْ، وَإِلَّا فَقَدْ دُفِنَ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ، وَقَدْ دُفِنَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مِنْ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ، وَمُوسَى، وَهَارُونَ، وَسُلَيْمَانَ، وَدَاوُد - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَغَيْرِهِمْ بِالشَّامِ، وَلَا يَقُولُ مُسْلِمٌ: إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ. وَمِنْهَا «اُفْتُتِحَتْ الْمَدَائِنُ بِالسَّيْفِ وَفُتِحَتْ الْمَدِينَةُ بِالْقُرْآنِ» وَهَذَا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَذْكُورِ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا مِنْ وَضْعِهِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمِثْلُ هَذَا الشَّارِعِ الْعَجِيبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْلُكَ إلَيْهِ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْمَزْبَلَةِ، وَهَذَا إسْنَادٌ لَا يَنْفَرِدُ بِمِثْلِهِ إلَّا ابْنُ زُبَالَةَ دُونَ سَائِرِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مِنْ الثِّقَاتِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْبَحْرَيْنِ وَأَكْثَرَ مَدَائِنِ الْيَمَنِ كَصَنْعَاءَ وَالْجُنْدِ وَغَيْرِهَا لَمْ تُفْتَحْ بِسَيْفٍ إلَّا بِالْقُرْآنِ فَقَطْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ فَضْلَهَا عَلَى مَكَّةَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهَا «مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي فِيهَا مِنْهَا» وَهَذَا مِنْ رِوَايَة الْكَذَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَرِهَ لِلْمُهَاجِرِينَ وَهُوَ سَيِّدُهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى مَكَّةَ لِيُحْشَرُوا غُرَبَاءَ مَطْرُودِينَ عَنْ وَطَنِهِمْ فِي اللَّهِ - تَعَالَى - حَتَّى إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَثَا لِسَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ تَمَامِ نُسُكِهِ أَنْ يَبْقَى بِمَكَّةَ إلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ فَقَطْ؛ فَإِذَا خَرَجَتْ مَكَّةَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ عَنْ أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ بَعْدَهَا بِلَا شَكٍّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيق الْبَزَّارِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ نَا الْفُضَيْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى قَالَ: «مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ تَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا؟ قَالَ: بَلَى» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ، فَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمِنْهَا: «اللَّهُمَّ إنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ بِلَادِكَ إلَيَّ فَأَسْكِنِي أَحَبَّ الْبِلَادِ إلَيْكَ»

وَهَذَا مَوْضُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَذْكُورِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مُرْسَلٌ. وَمِنْهَا: الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ - هَكَذَا تَصْرِيحٌ رُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ صَاحِبِ هَذِهِ الْفَضَائِحِ كُلِّهَا الْمُنْفَرِدِ بِوَضْعِهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ الرَّدَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ مَالِكٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا مَجْهُولٌ لَا يَدْرِيه أَحَدٌ. وَالثَّالِثُ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ صَاحِبِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الرَّدَّادِ الْمَذْكُورِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ قَالَ رَافِعٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ هَذَا ضَعِيفٌ بِلَا خِلَافٍ، وَابْنُ الرَّدَّادِ مَجْهُولٌ - وَمِثْلُ هَذَا الشَّارِعِ الْعَجِيبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَكَ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى هَذِهِ الزَّوَايِغِ الْوَحْشَةِ. وَهَذَا الْخَبَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، قَالَ مُسْلِمٌ " نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: خَطَبَ مَرْوَانُ فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا [وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا] فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ [فَقَالَ] أَسْمَعُك ذَكَرْت مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا وَلَمْ تَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي أَدِيمٍ خُولَانِيٍّ إنْ شِئْتُمْ أَقْرَأْتُكُمْ فَقَالَ مَرْوَانُ: قَدْ سَمِعْت بَعْضَ ذَلِكَ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَكَذَا كَانَ الْحَدِيثُ فَبَدَّلَهُ أَهْلُ الزَّيْغِ عَصَبِيَّةً عَجَّلَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُمْ بِهَا الْفَضِيحَةَ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَصِفَةِ الْحَمَاقَةِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ؛ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

ثُمَّ نُورِدُ الْآثَارَ الصَّحِيحَةَ وَالْبَرَاهِينَ الْوَاضِحَةَ فِي فَضْلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، أَوَّلُ ذَلِكَ: حَبْسُ اللَّهِ - تَعَالَى - الْفِيلَ عَنْهَا وَإِهْلَاكُهُ جَيْشَ رَاكِبِهِ إذْ أَرَادَ غَزْوَ مَكَّةَ. ثُمَّ «قَوْلُ رَسُولِ اللَّه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ: خَلَأَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَا خَلَأَتْ وَلَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ» ، وَقَالَ - تَعَالَى - {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] ، وَقَالَ - تَعَالَى - {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96] ، وَقَالَ - تَعَالَى - {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ، وَقَالَ - تَعَالَى - {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] ، وَقَالَ - تَعَالَى - {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهَا تَمَامَ الصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، فَهِيَ الْقِبْلَةُ الَّتِي لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ إلَّا بِالْقَصْدِ نَحْوَهَا، وَإِلَيْهَا الْحَجُّ الْمُفْتَرَضُ، وَالْعُمْرَةُ الْمُفْتَرَضَةُ، وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْهِجْرَةُ إلَى الْمَدِينَةِ مَا لَمْ تُفْتَحْ مَكَّةُ فَلَمَّا فُتِحَتْ بَطَلَتْ الْهِجْرَةُ، فَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لِمَكَّةَ ثُمَّ لِلْمَدِينَةِ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا يُسْفَكَ فِيهَا دَمٌ، وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَهَا يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا أَحَدٌ أَوْ يَسْتَدْبِرَهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيق الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ - هُوَ أَخُوهُ - قَالَ: سَمِعْت أَبِي - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ - قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلَا شَهْرُنَا هَذَا. قَالَ: أَلَا أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلَا بَلَدُنَا هَذَا. قَالَ: أَلَا أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً؟ قَالُوا: أَلَا يَوْمُنَا هَذَا. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا مِنْ شَهْرِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ

بَلَّغْتُ؟ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ: أَلَا نَعَمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَجَّتِهِ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ فَقُلْنَا: يَوْمُنَا هَذَا قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ فَقُلْنَا: بَلَدُنَا هَذَا» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَهَذَانِ: جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ يَشْهَدَانِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَّرَ النَّاسَ عَلَى أَيِّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً فَأَجَابُوهُ بِأَنَّهُ مَكَّةُ وَصَدَّقَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فِي إجَابَتِهِمْ إيَّاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ بَلَدَهُمْ ذَلِكَ، وَهُمْ بِمَكَّةَ، فَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ. فَصَحَّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ مَكَّةَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا كَانَتْ أَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ أَعْظَمَ الْحُرْمَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْأَفْضَلِ وَلَا بُدَّ، لَا لِلْأَقَلِّ فَضْلًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بِالْحَجُونِ فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْ لَمْ أُخْرَجْ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ، لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَفَ بِالْحَجُونِ فَقَالَ: إنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْ تُرِكْتُ فِيكِ مَا خَرَجْتُ مِنْكِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ سَلَمَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْت مَعْمَرًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ فِي سُوقِ

الْجَزُورَةِ بِمَكَّةَ: وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» . وَقَالَ قُتَيْبَةُ: نَا اللَّيْثُ وَهُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: نَا يَعْقُوبُ وَهُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ نَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ؛ ثُمَّ اتَّفَقَ عُقَيْلٌ، وَصَالِحٌ، وَكِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْجَزُورَةِ مِنْ مَكَّةَ يَقُولُ لِمَكَّةَ: وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» . لَمْ يَخْتَلِفْ عُقَيْلٌ، وَصَالِحٌ، فِي شَيْءٍ مِنْ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلَّا أَنَّ عَقِيلًا قَالَ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ - وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا مَشْهُورٌ مِنْ الصَّحَابَةِ زُهْرِيُّ النَّسَبِ. نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْرَوَيْهِ نَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى نَا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ - أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْجَزُورَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ: «وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ - وَرَوَاهُ عَنْهُمَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ. وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، والدراوردي - وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَصْحَابُهُ الثِّقَاتُ: مَعْمَرٌ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَعُقَيْلٌ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ - وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْهُ يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ.

وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمْعِ الْغَفِيرِ، وَلَا مَقَالَ لِأَحَدٍ بَعْدَ هَذَا. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ جَبْرُونَ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَأَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مُرَّةَ قَالَا جَمِيعًا: نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ نَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ فَقَالَ: ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ ثِقَةٌ مَا أَصَحَّ حَدِيثَهُ، هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُرَّةَ فِي رِوَايَتِهِ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَة صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِهِ وَإِسْنَادِهِ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ صَحِيحٌ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَرُوِيَ الْقَطْعُ بِفَضْلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ كَمَا أَوْرَدَنَا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: جَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ. خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ مَدَنِيُّونَ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَرَوَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ: أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ مَدَنِيُّونَ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ: عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَبِيبُ الْمُعَلَّمُ، مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ مَدَنِيُّونَ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ: وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ الضَّرِيرُ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ

وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ، وَيُونُسُ بْنُ زَيْدٍ مِنْهُمْ: ثَلَاثَةٌ مَدَنِيُّونَ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْوِيًّا عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَسْلَمَ الْمُنْقِرِيُّ: قُلْت لِعَطَاءٍ: آتِي مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُصَلِّي فِيهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي عَطَاءٌ: طَوَافٌ وَاحِدٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَفَرِك إلَى الْمَدِينَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

كتاب الجهاد

[كِتَابُ الْجِهَادِ] [مَسْأَلَةٌ الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِك اللَّهُمَّ أَسْتَعِينُ كِتَابُ الْجِهَادِ 920 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا قَامَ بِهِ مِنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ وَيَغْزُوهُمْ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ وَيَحْمِي ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ فَرْضُهُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَلَا، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 41] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ خِدَاشٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] فَلَا أَحَدَ مِنْ النَّاسِ إلَّا خَفِيفٌ أَوْ ثَقِيلٌ. وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الْأَنْطَاكِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ [بِهِ] نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ.

مسألة أمره الأمير بالجهاد إلى دار الحرب

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ نَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بَعْثًا إلَى بَنِي لَحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ: لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا» . [مَسْأَلَةٌ أَمَرَهُ الْأَمِيرُ بِالْجِهَادِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ] 921 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَمَرَهُ الْأَمِيرُ بِالْجِهَادِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ لَهُ عُذْرٌ قَاطِعٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ] 922 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ الْعَدُوُّ بِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُمْكِنُهُ إعَانَتُهُمْ أَنْ يَقْصِدَهُمْ مُغِيثًا لَهُمْ أَذِنَ الْأَبَوَانِ أَمْ لَمْ يَأْذَنَا - إلَّا أَنْ يَضِيعَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ مَنْ يَضِيعُ مِنْهُمَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا آدَم نَا شُعْبَةُ نَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي الْحَدِيثِ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»

مسألة لا يحل لمسلم أن يفر عن مشرك

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» . وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» . وَعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -» . [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَفِرَّ عَنْ مُشْرِكٍ] 923 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَفِرَّ عَنْ مُشْرِكٍ، وَلَا عَنْ مُشْرِكَيْنِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَصْلًا؛ لَكِنْ يَنْوِي فِي رُجُوعِهِ التَّحَيُّزَ إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ إنْ رَجَا الْبُلُوغَ إلَيْهِمْ، أَوْ يَنْوِي الْكَرَّ إلَى الْقِتَالِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَّا تَوْلِيَةَ دُبُرِهِ هَارِبًا فَهُوَ فَاسِقٌ مَا لَمْ يَتُبْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} [الأنفال: 16] . قَالَ قَوْمٌ: إنَّ الْفِرَارَ لَهُ مُبَاحٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا - وَهَذَا خَطَأٌ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [الأنفال: 66] . وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ " إنْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَإِنَّ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، مِنْهَا قِرَاءَةُ أُمِّ

الْقُرْآنِ جَهْرًا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِخْبَارُهُ: أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى -، أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ بِإِبَاحَةِ الْفِرَارِ عَنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ؛ وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلِمَ أَنَّ فِينَا ضَعْفًا، وَهَذَا حَقٌّ إنَّ فِينَا لَضَعْفًا وَلَا قَوِيَّ إلَّا وَفِيهِ ضَعْفٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى - وَحْدَهُ فَهُوَ الْقَوِيُّ الَّذِي لَا يَضْعُفُ وَلَا يُغْلَبُ. وَفِيهَا: أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَفَّفَ عَنَّا فَلَهُ الْحَمْدُ وَمَا زَالَ رَبُّنَا - تَعَالَى - رَحِيمًا بِنَا يُخَفِّفُ عَنَّا فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي أَلْزَمْنَا. وَفِيهَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنَّا مِائَةٌ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنَّا أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَهَذَا حَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمِائَةَ لَا تَغْلِبُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْنِ وَلَا أَقَلَّ أَصْلًا؛ بَلْ قَدْ تَغْلِبُ ثَلَاثَمِائَةٍ، نَعَمْ وَأَلْفَيْنِ وَثَلَاثَ آلَافٍ وَلَا أَنَّ الْأَلْفَ لَا يَغْلِبُونَ إلَّا أَلْفَيْنِ فَقَطْ لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ، وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فِي الْآيَةِ فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ أَثَرٌ، وَلَا إشَارَةٌ، وَلَا نَصٌّ، وَلَا دَلِيلٌ، بَلْ قَدْ قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ فَارِسٍ بَطَلٍ شَاكِي السِّلَاحِ قَوِيٍّ لَقِيَ ثَلَاثَةً مِنْ شُيُوخِ الْيَهُودِ الْحَرْبِيِّينَ هَرْمَى مَرْضَى رِجَالَةً عُزَّلًا أَوْ عَلَى حَمِيرٍ، أَلَهُ أَنْ يَفِرَّ عَنْهُمْ؟ لَئِنْ قَالُوا: نَعَمْ - لَيَأْتُنَّ بِطَامَّةٍ يَأْبَاهَا اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ، وَإِنْ قَالُوا: لَا لَيَتْرُكُنَّ قَوْلَهُمْ. وَكَذَلِكَ نَسْأَلُهُمْ عَنْ أَلْفِ فَارِسٍ، نُخْبَةٍ، أَبْطَالٍ، أَمْجَادٍ، مُسَلَّحِينَ، ذَوِي بَصَائِرَ، لَقَوْا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، مِنْ مَحْشُودَةِ بَادِيَةِ النَّصَارَى، رِجَالَةً، مُسَخَّرِينَ أَلْهَمَ أَنْ يَفِرُّوا عَنْهُمْ؟ وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِلَا دَلِيلٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى، قَالَا جَمِيعًا: نَا يَحْيَى

بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ نَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لَهُ: كَانَتْ (الْأَنْفَالُ) مِنْ أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الْأُبُلِّيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيّ - عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى فَقَرَأَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ؟ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى بِلَا شَكٍّ بَعْدَ نُزُولِ " سُورَةِ الْأَنْفَالِ " الَّتِي فِيهَا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ غَيْرَهُ كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيُّ نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا سَأَلَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَمَلَ عَلَى الْكَتِيبَةِ وَهُمْ أَلْفٌ، أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ؟ قَالَ الْبَرَاءُ لَا، وَلَكِنَّ التَّهْلُكَةَ: أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ وَيَقُولُ: لَا تَوْبَةَ لِي. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إذَا لَقِيتُمْ فَلَا تَفِرُّوا. وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ: الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَلَمْ يَخُصُّوا عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَلَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ، عَلَى الْعَسْكَرِ الْجَرَّارِ وَيَثْبُتَ حَتَّى يُقْتَلَ.

مسألة تحريق أشجار المشركين ودورهم وهدمها

وَقَدْ ذَكَرُوا حَدِيثًا مُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ «أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَقُوا الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ، أَوْ أَحْمِلُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتُرَاكَ قَاتِلٌ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ اجْلِسْ، فَإِذَا نَهَضَ أَصْحَابُكَ فَانْهَضْ وَإِذَا شَدُّوا فَشُدَّ» وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلَهُ مَا يُضْحِكُ اللَّهُ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا فَنَزَعَ الرَّجُلُ دِرْعَهُ وَدَخَلَ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى قُتِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . [مَسْأَلَةٌ تَحْرِيقُ أَشْجَارِ الْمُشْرِكِينَ وَدُورِهِمْ وَهَدْمُهَا] 924 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ تَحْرِيقُ أَشْجَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَطْعِمَتِهِمْ، وَزَرْعِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَهَدْمُهَا، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5] وَقَالَ - تَعَالَى - {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] وَقَدْ أَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ - وَهِيَ فِي طَرَفِ دُورِ الْمَدِينَةِ - وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي يَوْمٍ أَوْ غَدِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَنْهَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ اخْتِيَارًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ أَيْضًا مُبَاحٌ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَقْطَعْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا نَخْلَ خَيْبَرَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. 925 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ عَقْرُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِهِمْ أَلْبَتَّةَ لَا إبِلٍ، وَلَا بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، وَلَا خَيْلٍ، وَلَا دَجَاجٍ، وَلَا حَمَامٍ، وَلَا أَوَزًّ، وَلَا بِرَكٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا لِلْأَكْلِ فَقَطْ، حَاشَا الْخَنَازِيرَ جُمْلَةً فَتُعْقَرُ، وَحَاشَا الْخَيْلَ فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ، أَوْ لَمْ يَأْخُذُوهَا أَدْرَكَهَا الْعَدُوُّ وَلَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْعِهَا، أَوْ لَمْ يُدْرِكُوهَا وَيُخَلَّى كُلُّ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى مَنْعِهِ، وَلَا عَلَى سَوْقِهِ، وَلَا يُعْقَرُ شَيْءٌ مِنْ نَحْلِهِمْ، وَلَا يُغَرَّقُ، وَلَا تُحَرَّقُ خَلَايَاهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ وَقَعَتْ دَابَّتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ عَقْرُهَا لَكِنْ يَدَعُهَا كَمَا هِيَ وَهِيَ لَهُ أَبَدًا مَالٌ مِنْ مَالِهِ كَمَا كَانَتْ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهَا حُكْمٌ بِلَا نَصٍّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: يُعْقَرُ كُلُّ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، فَتُعْقَرُ، ثُمَّ تُحْرَقُ، وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ فَتُعْقَرُ فَقَطْ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: أَمَّا الْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، فَتُذْبَحُ، وَأَمَّا الْخَيْلُ فَلَا تُذْبَحُ، وَلَا تُعْقَرُ، لَكِنْ تُعَرْقَبُ، أَوْ تُشَقُّ أَجْوَافُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ التَّخْلِيطِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى ذِي فَهْمٍ، أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَفْرِيقٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ رُبَّمَا أَكَلُوا الْإِبِلَ، وَالْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ، وَالْخَيْلَ إذَا وَجَدُوهَا مَنْحُورَةً فَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ أَدْخَلَ فِي التَّخْلِيطِ مِنْ الْقَوْلَةِ الْمُحْتَجِّ لَهَا. وَلَيْتَ شِعْرِي مَتَى كَانَتْ النَّصَارَى، أَوْ الْمَجُوسُ، أَوْ عُبَّادُ الْأَوْثَانِ يَتَجَنَّبُونَ أَكْلَ حِمَارٍ، أَوْ بَغْلٍ، وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى أَكْلِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَيْلِ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَلَا يُحَرِّمُونَ حَيَوَانًا أَصْلًا - وَأُمًّا الْيَهُودُ، وَالصَّابِئُونَ: فَلَا يَأْكُلُونَ شَيْئًا ذَكَّاهُ غَيْرُهُمْ أَصْلًا - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَاحْتَجُّوا فِي إبَاحَتِهِمْ قَتْلَ كُلِّ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا لَهُمْ: فَاقْتُلُوا أَوْلَادَهُمْ، وَصِغَارَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ، بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ أَغِيظُ لَهُمْ مِنْ قَتْلِ حَيَوَانِهِمْ؟ فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ. فَقُلْنَا لَهُمْ: وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ، إلَّا لِمَأْكَلِهِ، وَلَا فَرْقَ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ نَغِيظَهُمْ فِيمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لَا بِمَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فِعْلُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ - عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ إنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْهَا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهِ» .

مسألة قتل نساء المشركين ومن لم يبلغ منهم

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا» وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ نَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُمَثِّلُوا بِالْبَهَائِمِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِأَمِيرِ جَيْشٍ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ: لَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تُحَرِّقَنَّ نَحْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَأَمَّا الْخَنَازِيرُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ» فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ قَتْلَ الْخِنْزِيرِ مِنْ الْعَدْلِ الثَّابِتِ فِي مِلَّتِهِ الَّتِي يُحْيِيهَا عِيسَى أَخُوهُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وَذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ خَبَرًا لَا يَصِحُّ، فِيهِ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَرْقَبَ فَرَسَهُ يَوْمَ قُتِلَ - وَهَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ لَمْ يُسَمِّهِ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ. وَأَمَّا الْفَرَسُ فِي الْمُدَافَعَةِ فَإِنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ أَوْ أَسْرَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْكَنَهُ. [مَسْأَلَةٌ قَتْلُ نِسَاء الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ] 926 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ نِسَائِهِمْ وَلَا قَتْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ، إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِ مَنْجًى مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَهُ قَتْلُهُ حِينَئِذٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيق الْبُخَارِيِّ نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ أَنَّ

ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ " أَنَّ [امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ". 927 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أُصِيبُوا فِي الْبَيَاتِ أَوْ فِي اخْتِلَاطِ الْمَلْحَمَةِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا سُفْيَانُ نَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ؟ فَقَالَ: هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» . 928 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ قَتْلُ كُلِّ مَنْ عَدَا مِنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُقَاتِلٍ، أَوْ غَيْرِ مُقَاتِلٍ، أَوْ تَاجِرٍ، أَوْ أَجِيرٍ - وَهُوَ الْعَسِيفُ - أَوْ شَيْخٍ كَبِيرٍ كَانَ ذَا رَأْيٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ فَلَّاحٍ، أَوْ أُسْقُفٍ، أَوْ قِسِّيسٍ، أَوْ رَاهِبٍ، أَوْ أَعْمَى، أَوْ مُقْعَدٍ لَا تُحَاشِ أَحَدًا. وَجَائِزٌ اسْتِبْقَاؤُهُمْ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فَعَمَّ - عَزَّ وَجَلَّ - كُلَّ مُشْرِكٍ بِالْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ نَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْمُرَقَّعِ عَنْ جَدِّهِ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِرَجُلٍ: أَدْرِكْ خَالِدًا وَقُلْ لَهُ: لَا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْمُرَقَّعِ بْنِ صَيْفِيِّ عَنْ عَمِّهِ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الذُّرِّيَّةَ وَلَا عَسِيفًا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حُيَيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْفِرْزِ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ: انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ عَدُوَّ اللَّهِ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا امْرَأَةً»

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حُمَيْدٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَوْلًى لِبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: لَا تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: «كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى بَعْضِ أُمَرَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَقْتُلُوا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا» . وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ شَيْخٍ بِمِنًى عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْعُسَفَاءِ وَالْوُصَفَاءِ» . وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُمَرَ مَوْلَى عَنْبَسَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْتَلَ شَيْخٌ كَبِيرٌ أَوْ يُعْقَرَ شَجَرٌ إلَّا شَجَرٌ يَضُرُّ بِهِمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْأَحْوَصِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ الشَّيْخِ الَّذِي لَا حَرَاكَ بِهِ» . وَذَكَرُوا عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِأَمِيرٍ لَهُ: لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، إنَّك سَتَمُرُّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ زَعَمُوا لِلَّهِ فَدَعْهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَسَتَمُرُّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ فَحَصُوا مِنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ وَتَرَكُوا فِيهَا مِنْ شُعُورِهِمْ أَمْثَالَ الْعَصَائِبِ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ تُجَّارَ الْمُشْرِكِينَ وَقَالُوا: إنَّمَا نَقْتُلُ مَنْ قَاتَلَ - وَهَؤُلَاءِ لَا يُقَاتِلُونَ. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ. أَمَّا حَدِيثُ الْمُرَقَّعِ فَالْمُرَقَّعُ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَنْ شَيْخٍ مَدَنِيٍّ لَمْ يُسَمِّ، وَقَدْ سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ بْنَ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَالْخَبَرَانِ الْآخَرَانِ، مُرْسَلَانِ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ رَاشِدٍ مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَعَنْ خَالِدِ بْن الْفَرْزِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَحَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ شَيْخٍ بِمِنًى عَنْ أَبِيهِ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ الْقُرْآنُ وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ فَلَيْسَ قَيْسٌ بِالْقَوِيِّ، وَلَا عُمَرُ مَوْلَى عَنْبَسَةَ مَعْرُوفًا، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَمِنْ عَجَائِبِهِمْ هَذَا الْخَبَرُ نَفْسُهُ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ جَاءَ نَهْيُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ عَقْرِ شَيْءٍ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ. وَفِيهِ جَاءَ: أَنْ لَا يُقْطَعَ الشَّجَرُ وَلَا يُغَرَّقُ النَّحْلُ - فَخَالَفُوهُ كَمَا اشْتَهَوْا حَيْثُ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَعَهُ، وَحَيْثُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. ثُمَّ احْتَجُّوا بِهِ حَيْثُ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا قَوْلُ جَابِرٍ لَمْ يَكُونُوا يَقْتُلُونَ تُجَّارَ الْمُشْرِكِينَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّ تَرْكَهُمْ قَتْلَهُمْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ جُمْلَةِ أَمْرِهِمْ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ مُبَيِّنًا عَنْهُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ قَتْلِهِمْ، وَإِنَّمَا فِيهِ اخْتِيَارُهُمْ لِتَرْكِهِمْ فَقَطْ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَكَذَلِكَ أَيْضًا هَذَا الْخَبَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَطَاءٍ، وَثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَكُلُّهُمْ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَهْرٍ. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَحْتَجَّ بِخَبَرِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخَبَرِ الْحَجَّاجِ مُسْنَدًا «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقُوا

شَرْخَهُمْ» لَكُنَّا أَدْخَلَ مِنْهُمْ فِي الْإِيهَامِ؛ وَلَكِنْ يُعِيذُنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لَا نَرَاهُ صَحِيحًا، وَفِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَنِ كِفَايَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا نُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ، فَبَاطِلٌ؛ بَلْ نَقْتُلُ كُلَّ مَنْ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤْمِنَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ إنْ كَانَ كِتَابِيًّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْقُرْآنِ لَا كَمَا أَمَرَ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ يَقُولُ: إنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُقْتَلْ، فَإِنْ قَتَلَتْ قُتِلَتْ، وَإِنْ سَبَّ الْمُشْرِكُونَ أَهْلُ الذِّمَّةِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُرِكُوا، وَسَبَّهُمْ لَهُ حَتَّى يُشْفُوا صُدُورَهُمْ وَيَخْزَى الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ. تَبًّا لِهَذَا الْقَوْلِ وَقَائِلِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ الْقُرَظِيّ نَا «عَطِيَّةُ الْقُرَظِيّ قَالَ: عُرِضْتُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ» . فَهَذَا عُمُومٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَبْقِ مِنْهُمْ عَسِيفًا، وَلَا تَاجِرًا، وَلَا فَلَّاحًا، وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا، وَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَيَقَّنٌ؛ لِأَنَّهُمْ فِي عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ لَا يَجْلِبُوا إلَيْنَا مِنْ الْعُلُوجِ أَحَدًا، اُقْتُلُوهُمْ، وَلَا تَقْتُلُوا مِنْ جَرَتْ عَلَيْهِمْ الْمُوَاسِي وَلَا تَقْتُلُوا صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ نُمَيْرٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى الْأَجْنَادِ: لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَأَنْ يَقْتُلُوا كُلَّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوَاسِي. فَهَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْخًا، وَلَا رَاهِبًا، وَلَا عَسِيفًا، وَلَا أَحَدًا إلَّا النِّسَاءَ، وَالصِّبْيَانَ فَقَطْ؛ وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ - وَقَدْ قُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَهُوَ شَيْخٌ هَرِمٌ قَدْ اهْتَزَّ عَقْلُهُ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ ذَا رَأْيٍ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: وَمَنْ ذَا الَّذِي قَسَّمَ لَكُمْ ذَا الرَّأْيَ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا سَمْعًا لَهُ وَلَا طَاعَةً - وَمِثْلُ هَذِهِ التَّقَاسِيمِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - نَتَأَيَّدُ.

مسألة يغزى أهل الكفر مع كل فاسق من الأمراء وغير فاسق

[مَسْأَلَةٌ يُغْزَى أَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ كُلِّ فَاسِقٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِ فَاسِقٍ] مَسْأَلَةٌ: وَيُغْزَى أَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ كُلِّ فَاسِقٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ، وَغَيْرِ فَاسِقٍ، وَمَعَ الْمُتَغَلِّبِ وَالْمُحَارِبِ، كَمَا يُغْزَى مَعَ الْإِمَامِ، وَيَغْزُوهُمْ الْمَرْءُ وَحْدَهُ إنْ قَدَرَ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ بَابٍ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ هَاهُنَا: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ وَقَالَ - تَعَالَى - {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّهُ سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فُسَّاقٌ فَلَمْ يَخُصَّهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلُّ مَنْ دَعَا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِي الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَالصَّدَقَةِ الْمَوْضُوعَةِ مَوَاضِعَهَا، وَالْمَأْخُوذَةِ فِي حَقِّهَا، وَالصِّيَامِ كَذَلِكَ، وَالْحَجِّ كَذَلِكَ، وَالْجِهَادِ كَذَلِكَ، وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا؛ فَفَرْضٌ إجَابَتُهُ لِلنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ. وَكُلُّ مَنْ دَعَا مِنْ إمَامٍ - حَقٍّ، أَوْ غَيْرِهِ -، إلَى مَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ، وَلَا طَاعَةَ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ - وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» . 930 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ غَزَا مَعَ فَاسِقٍ فَلْيَقْتُلْ الْكُفَّارَ وَلِيُفْسِدْ زُرُوعَهُمْ وَدُورَهُمْ وَثِمَارَهُمْ، وَلْيَجْلِبْ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَلَا بُدَّ، فَإِنَّ إخْرَاجَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إلَى نُورِ الْإِسْلَامِ فَرْضٌ يَعْصِي اللَّهَ مَنْ تَرَكَهُ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَإِثْمُهُمْ عَلَى مَنْ غَلَّهُمْ، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ أَقَلُّ مِنْ تَرْكِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَعَوْنِهِمْ عَلَى الْبَقَاءِ فِيهِ، وَلَا إثْمَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ نَهَى عَنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَأَمَرَ بِإِسْلَامِ حَرِيمِ الْمُسْلِمِينَ [إلَيْهِمْ] مِنْ أَجْلِ فِسْقِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ لَا يُحَاسَبُ غَيْرُهُ بِفِسْقِهِ؟ [مَسْأَلَةٌ لَا يَمْلِكُ أَهْلُ الْكُفْرِ الْحَرْبِيُّونَ مَالَ مُسْلِمٍ وَلَا مَالَ ذِمِّيٍّ] 931 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَمْلِكُ أَهْلُ الْكُفْرِ الْحَرْبِيُّونَ مَالَ مُسْلِمٍ، وَلَا مَالَ ذِمِّيٍّ أَبَدًا إلَّا بِالِابْتِيَاعِ الصَّحِيحِ، أَوْ الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ بِمِيرَاثٍ مِنْ ذِمِّيٍّ كَافِرٍ، أَوْ بِمُعَامَلَةٍ

صَحِيحَةٍ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، فَكُلُّ مَا غَنِمُوهُ مِنْ مَالِ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ، أَوْ آبِقٍ إلَيْهِمْ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَمَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا، دَخَلُوا بِهِ أَرْضَ الْحَرْبِ، أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا وَلَا يُكَلَّفُ مَالِكُهُ عِوَضًا وَلَا ثَمَنًا، لَكِنْ يُعَوِّضُ الْأَمِيرُ مَنْ كَانَ صَارَ فِي سَهْمِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَنْفُذُ فِيهِ عِتْقُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ، وَلَا صَدَقَتِهِ، وَلَا هِبَتِهِ، وَلَا بَيْعِهِ، وَلَا تَكُونُ لَهُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يَغْصِبُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَلَا فَرْقَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَلِمَنْ سَلَفَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ سِوَى هَذَا. أَحَدُهَا: - أَنَّهُ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ لَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَا بَعْدَهَا، لَا بِثَمَنٍ، وَلَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَهُوَ لِمَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَمْوَالِهِمْ. وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقْضِي بِذَلِكَ. وَعَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ مُكَاتَبًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَ بَكْرُ بْنُ قِرْوَاشَ عَنْهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنْ افْتَكَّهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْتَكَّهُ فَهُوَ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ: مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ فَيْءُ الْمُسْلِمِينَ لَا يُرَدُّ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَا أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ لَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ حُرًّا أَوْ مُعَاهَدًا. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ هَذَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - أَنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ حَتَّى قُسِمَ فَهُوَ لِلَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ لَا يُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ لَا بِثَمَنٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ. هَكَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا أَحْرَزَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ

أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَالَهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ السِّهَامُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قُسِمَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ يَزِيدَ الْمُرَادِيِّ أَنَّ أَمَةً لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَبَقَتْ إلَى الْعَدُوِّ فَغَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَعَرَفَهَا أَهْلُهَا فَكَتَبَ فِيهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنْ كَانَتْ لَمْ تُخَمَّسْ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خُمِّسَتْ وَقُسِمَتْ فَأَمْضِهَا لِسَبِيلِهَا. وَرُوِيَ نَحْوُهُ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ، قَالَ: صَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ، وَيُونُسَ قَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَا جَمِيعًا: مَا غَنِمَهُ الْعَدُوُّ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ قُسِمَ فَقَدْ مَضَى. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَان بْنِ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْ نُظَرَائِهِمْ، وَقَالُوا: مَا غَنِمَ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ السُّهْمَانُ فَإِذَا قُسِمَ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا، وَأَخْبَرَ عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - أَنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِقِيمَتِهِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَاهِدٍ. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - لَا يُرَدُّ مَا أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِنَا إلَى أَرْبَابِهَا، لَا قَبْلَ أَنْ

تُقْسَمَ وَلَا بَعْدَ أَنْ تُقْسَمَ، لَا بِثَمَنٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ عَلِيٍّ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَقَتَادَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يُدْرِكَاهُ، وَرِوَايَةُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا بَيَانَ فِيهَا إنَّمَا هِيَ مَا أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا نَدْرِي مَا مَعْنَى: فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ: أَنَّهُ جَائِزٌ لِأَصْحَابِهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَا يُرَدُّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ؛ وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوْنٍ، أَوْ ابْنِ عَوْنٍ، وَلَمْ يُدْرِكَا أَبَا عُبَيْدَةَ، وَلَا عُمَرَ، وَلَا نَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - وَرُوِيَ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ هُوَ ضَعِيفٌ - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ [وَشُرَيْحٍ] وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - أَنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِقِيمَتِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ، وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَشُرَيْحٍ، وَمُجَاهِدٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ الْآبِقَ وَالْمَغْنُومَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّ الْمُدَبَّرَ، وَالْمُكَاتَبَ، وَأُمَّ الْوَلَدِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ سَيِّدَ أُمِّ الْوَلَدِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَفُكَّهَا. وَهَا هُنَا قَوْلٌ خَامِسٌ - لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - وَلَا يُحْفَظُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَهُوَ أَنَّ مَا أَبَقَ إلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبْدٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَبَعْدَهَا بِلَا ثَمَنٍ، وَكَذَلِكَ مَا غَنِمُوهُ مِنْ مُدَبَّرٍ، وَمُكَاتَبٍ، وَأُمِّ وَلَدٍ، وَلَا فَرْقَ. وَوَافَقَهُ فِي هَذَا سُفْيَانُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَمَّا مَا غَنِمُوهُ مِنْ الْإِمَاءِ، وَالْعَبِيدِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْمَتَاعِ، فَإِنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا

ثَمَنٍ. وَإِنْ دَخَلُوا بِهِ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ؛ وَإِلَّا فَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ التَّخْلِيطِ وَالْفَسَادِ فِي التَّقْسِيمِ، لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ تَقْسِيمِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا مَا يَمْلِكهُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَصَدَقَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَا يَمْلِكُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ مَالًا بِالْبَاطِلِ، وَلَا بِالْغَصْبِ أَصْلًا، وَلَا بَاطِلَ، وَلَا غَصْبَ أَحْرَمُ وَلَا أَبْطَلُ مِنْ أَخْذِ حَرْبِيٍّ مَالَ مُسْلِمٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ جُمْلَةً ثُمَّ نَظَرْنَا فِي سَائِرِ الْأَقْوَالِ. فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُمْ إنْ تَعَلَّقُوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ؛ فَقَدْ عَارَضَتْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ هِيَ عَنْهُ أَمْثَلُ مِنْ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا - وَأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ هِيَ مِثْلُ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا، فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَحَقَّ مِنْ بَعْضٍ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَلَا شَيْءَ لَهُ وَأَمْضِهَا لِسَبِيلِهَا - أَيْ إلَّا بِالثَّمَنِ. فَقُلْنَا: مَا يَعْجِزُ مَنْ لَا دِينَ لَهُ عَنْ الْكَذِبِ؛ وَيُقَالُ لَكُمْ: مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ إنَّهُ أَحَقُّ بِهَا بِالْقِيمَةِ - أَيْ إنْ تَرَاضَيَا جَمِيعًا عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا؛ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ كَذِبٍ وَكَذِبٍ؟ ثُمَّ وَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ: «أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى بَعِيرًا مِنْ الْعَدُوِّ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ فَخَاصَمَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَهُ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَهُوَ لَكَ، وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ» وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَسِمَاكٌ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ - وَأَسْنَدَهُ يَاسِينُ الزَّيَّاتُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. وَيَاسِينُ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَسِمَاكٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيِّ أَوْ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مُسْنَدًا، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْبَارِيُّ أَوْ الْهَمَذَانِيُّ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ؟

وَأَسْنَدَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ كِلَاهُمَا: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي بَعِيرٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ إنْ وَجَدْتَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ شِئْتَ» وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ هَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ؛ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ غَيْرُ مُسْنَدٍ، عَلَى أَنَّ الطَّرِيقَ إلَى عَلِيٍّ وَأَحْمَدَ تَالِفَةٌ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْخَبَرُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ الصَّحِيحِ عَنْهُ أَصْلًا، فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ - وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ حُجَّةٌ. قُلْنَا: لَا عَلَيْكُمْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَيْدَ بْنُ ظُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ وَالِيَ الْيَمَامَةِ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي السَّرِقَةِ: إنْ كَانَ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْ الَّذِي سَرَقَهَا غَيْرَ مُتَّهَمٍ يُخَيَّرُ سَيِّدُهَا إنْ شَاءَ أَخَذَ الَّذِي سُرِقَ مِنْهُ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ سَارِقَهُ» ثُمَّ قَضَى بِذَلِكَ بَعْدَهُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ - وَقَضَى بِهِ أُسَيْدَ بْنُ ظُهَيْرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قَضَى بِهِ أَيْضًا: عُمَيْرَةُ بْنُ يَثْرَى قَاضِي الْبَصْرَةِ لِعُمَرَ - وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. فَهَذَا خَبَرٌ أَحْسَنُ مِنْ خَبَرِكُمْ وَأَقُومُ، وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَأَنْتُمْ مُتَلَاعِبُونَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَتَرَكْنَاهُ، لِأَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهُوَ وَاَللَّهِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ أَشْبَهَ مِنْ يَاسِينَ وَالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَمَا هُوَ بِدُونِ سِمَاكٍ أَصْلًا. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ رَدُّوا حَدِيثَ " مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ " وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا خِلَافُ الْأُصُولِ وَلَا يَخْلُو الْمُفْلِسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ [كَانَ] قَدْ

مَلَكَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَلَكَهَا؛ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهَا فَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهَا فَلَا حَقَّ لِبَائِعِهَا فِيمَا قَدْ مَلَكَهُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ وَتَرَكُوا هَذَا الِاعْتِرَاضَ بِعَيْنِهِ هُنَا وَأَخَذُوا بِخَبَرٍ مَكْذُوبٍ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ وَلِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْحَرْبِيُّونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مَلَكُوا مَا أَخَذُوا مِنَّا أَوْ لَمْ يَمْلِكُوهُ، فَإِنْ كَانُوا لَمْ يَمْلِكُوهُ فَهَذَا قَوْلُنَا وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِمْ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يُرَدَّ إلَى مَالِكِهِ بِكُلِّ حَالٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا ثَمَنٍ يُكَلَّفُهُ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ مَلَكُوهُ فَلَا سَبِيلَ لِلَّذِي أُخِذَ مِنْهُ عَلَيْهِ لَا بِثَمَنٍ وَلَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، لِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْغَنِيمَةِ وَلَا فَرْقَ؛ فَأَيُّ عَجَبٍ أُعْجِبُ مِنْ هَذَا وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَهُوَ قَوْلُنَا وَالْوَاجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ مَلَكَهُ. قُلْنَا: فَمَا يَحِلُّ إخْرَاجُ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ لَا بِثَمَنٍ وَلَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ؛ فَهَلْ سُمِعَ بِأَبْيَنَ فَسَادٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ وَالتَّنَاقُضِ الْفَاحِشِ وَالتَّحَكُّمِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَا خَفَاءَ بِهِ؟ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً؛ إذْ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا صَحَّحَهُ نَظَرٌ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُرَدُّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا يُرَدُّ بَعْدَهَا. فَقَوْلٌ أَيْضًا لَا يَقُومُ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ أَصْلًا، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا مِنْ نَظَرٍ، وَلَا مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يُرَدُّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا بَعْدَهَا فَهُوَ أَقَلُّهَا تَنَاقُضًا؛ وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ قَدْ مَلَكُوا مَا أَخَذُوا مِنَّا؛ وَلَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا الْأَصْلُ لَكَانَ قَوْلُهُمْ هُوَ الْحَقَّ، لَكِنْ نَقُولُ لَهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَأَخْبِرُونَا عَمَّا أَخَذَهُ مِنَّا أَهْلُ الْحَرْبِ أَبِحَقٍّ أَخَذُوهُ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ وَهَلْ أَمْوَالُنَا مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَوْ مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ؟ وَهَلْ هُمْ ظَالِمُونَ فِي ذَلِكَ أَوْ غَيْرُ ظَالِمِينَ؟

وَهَلْ عَمِلُوا مِنْ ذَلِكَ عَمَلًا مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ عَمَلًا مُخَالِفًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ دِينُ الْإِسْلَامِ وَيَخْلُدُونَ فِي النَّارِ لِخِلَافِهِمْ لَهُ أَمْ لَا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهَا. فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِحَقٍّ أَنَّهُ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ ظَالِمِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا بِذَلِكَ عَمَلًا مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ دِينُ الْإِسْلَامِ: كُفْرٌ صُرَاحٌ بَرَاحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، وَإِذْ قَدْ سَقَطَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْآخَرُ، وَهُوَ الْحَقُّ الْيَقِينُ مِنْ أَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوهُ بِالْبَاطِلِ وَأَخَذُوا حَرَامًا عَلَيْهِمْ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ أُظْلَمُ الظَّالِمِينَ، وَأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِذَلِكَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمْرُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْتِزَامَ دِينِ الْإِسْلَامِ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ. فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَأَخْذُهُمْ لِمَا أَخَذُوا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، وَظُلْمٌ مَفْسُوخٌ وَلَا حَقَّ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدٍ يُشْبِهُهُمْ فِيهِ؛ فَهُوَ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ أَبَدًا. وَهَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ أَحْرَارَنَا أَصْلًا، وَأَنَّهُمْ مُسَرَّحُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا تَكْلِيفِ ثَمَنٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَمَلُّكِ الْحُرِّ، وَبَيْنَ تَمَلُّكِ الْمَالِ بِالظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ؟ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْغَصْبِ، فَكَيْف وَقَعَتْ لَهُمْ هَذِهِ الْعِنَايَةُ بِالْكُفَّارِ فِي ذَلِكَ مَعَ عَظِيمِ تَنَاقُضِهِمْ فِي أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا لَا يَمْلِكُونَ عَلَيْنَا؟ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَظِيمَةً دَلَّتْ عَلَى فَسَادِ دِينِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ جَوْرٌ يَنْفُذُ، وَنَظَرُهُ بِمُفَضِّلِ بَعْضِ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ - فَحَصَلَ هَذَا الْجَاهِلُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْكُفْرِ وَهُوَ أَنَّهُ نَسَبَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَنْفَذَ تَفْضِيلَ بَشِيرٍ لِبَعْضِ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ - وَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ؛ بَلْ أَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرَدِّهِ نَصًّا. ثُمَّ نَسَبَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَنْفَذَ الْجَوْرَ وَأَمْضَاهُ، وَهَذَا كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا.

مسألة أهل الحرب لو نزلوا عندك تجارا بأمان

وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا قَوْلٌ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ فَقَطْ، وَالْخَطَأُ لَمْ يُعْصَمْ مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِذْ سَقَطَتْ كُلُّهَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ بِمَا ذَكَرنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِنَا إلَّا بِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا يَشَاءُ مِنْ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ قَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] ثُمَّ هُوَ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا صَالِحُ بْنُ سُهَيْلٍ نَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ غُلَامًا أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُقْسَمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِسْمَتِهِ بُرْهَانٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَانِمَيْنِ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ لَقَسَمَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَهَبَ الْعَدُوُّ بِفَرَسِهِ فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ وَجَدَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَسَهُ فَرَدَّهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَبَقَ لِي غُلَامٌ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدُّوهُ إلَيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا شَرِيكٌ عَنْ الرُّكَيْنِ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ قَالَ: حُبِسَ لِي فَرَسٌ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدْته فِي مَرْبِطِ سَعْدٍ فَقُلْت: فَرَسِي. فَقَالَ: بَيِّنَتُك، فَقُلْت: أَنَا أَدْعُوهُ فَيُحَمْحِمُ. فَقَالَ سَعْدٌ: إنْ أَجَابَك فَإِنَّا لَا نُرِيدُ مِنْك بَيِّنَةً - فَهَذَا لَيْسَ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَهَذَا فِعْلُ الْمُسْلِمِينَ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَابْنِ عُمَرَ: لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ حَالِ الْقِسْمَةِ وَمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ أَهْلُ الْحَرْبِ لَوْ نَزَلُوا عِنْدَك تُجَّارًا بِأَمَانٍ] . 932 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَلَ أَهْلُ الْحَرْبِ عِنْدَك تُجَّارًا بِأَمَانٍ، أَوْ رُسُلًا، أَوْ مُسْتَأْمِنِينَ مُسْتَجِيرِينَ، أَوْ مُلْتَزِمِينَ لَأَنْ يَكُونُوا ذِمَّةً لَنَا فَوَجَدْنَا بِأَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمِينَ، أَوْ

أَهْلَ ذِمَّةٍ، أَوْ عَبِيدًا، أَوْ إمَاءً لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ مَالًا لِمُسْلِمٍ، أَوْ لِذِمِّيٍّ: فَإِنَّهُ يُنْتَزَعُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِلَا عِوَضٍ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا. وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى أَصْحَابِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَنَا الْوَفَاءُ بِكُلِّ عَهْدٍ أُعْطُوهُ عَلَى خِلَافِ هَذَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا مَا يَقُولُ لَوْ عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى أَنْ لَا نُصَلِّيَ، أَوْ لَا نَصُومَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمُوا، أَوْ تَذَمَّمُوا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ كُلُّ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، أَوْ لِمُسْلِمٍ، أَوْ لِذِمِّيٍّ، وَيُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا اسْتَهْلَكُوا فِي حَالِ كَوْنِهِمْ حَرْبِيِّينَ. وَلَوْ أَنَّ تَاجِرًا؛ أَوْ رَسُولًا دَخَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَافْتَدَى أَسِيرًا، أَوْ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ، أَوْ ابْتَاعَ مَتَاعًا لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ وَهَبُوهُ لَهُ، فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ: اُنْتُزِعَ مِنْهُ كُلُّ ذَلِكَ، وَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ مِنْ خَسَارَةِ الْمُشْتَرِي، وَأُطْلِقَ الْأَسِيرُ بِلَا غَرَامَةٍ لِمَا ذَكَرنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّ أَبْطَلَ الْبَاطِلِ، وَأَظْلَمَ الظُّلْمِ: أَخْذُ الْمُشْرِكِ لِلْمُسْلِمِ، أَوْ لِمَالِهِ، أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمَالِهِ، وَالظُّلْمُ لَا يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ بَلْ يُرَدُّ وَيُفْسَخُ. فَلَوْ أَنَّ الْأَسِيرَ قَالَ لِمُسْلِمٍ، أَوْ لِذِمِّيٍّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ: افْدِنِي مِنْهُمْ، وَمَا تُعْطِيهِمْ دَيْنٌ لَك عَلَيَّ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ فَأَقْرَضَهُ، وَهَذَا حَقٌّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ نَزَلَ حَرْبِيُّونَ بِأَمَانٍ وَعِنْدَهُمْ مُسْلِمَاتٌ مَأْسُورَاتٌ: لَمْ يُنْتَزَعْنَ مِنْهُمْ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْوَطْءِ لَهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ تَذَمَّمَ حَرْبِيُّونَ وَبِأَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ: فَهُمْ بَاقُونَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ عَبِيدٌ لَهُمْ كَمَا كَانُوا. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لَا نَعْلَمُ قَوْلًا أَعْظَمَ فَسَادًا مِنْهُمَا، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْقَوْلُ لَوْ كَانَ بِأَيْدِيهِمْ شُيُوخٌ مُسْلِمُونَ وَهُمْ يَسْتَحِلُّونَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَيُتْرَكُونَ وَذَلِكَ؟ أَوْ لَوْ أَنَّ بِأَيْدِيهِمْ مَصَاحِفَ أَيُتْرَكُونَ يَمْسَحُونَ بِهَا الْعَذِرَ عَنْ أَسْتَاهِهِمْ؟ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَتَمَّ الْبَرَاءَةِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. 933 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ.

أَوَّلُهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهُ وَلَمْ يَكُنْ الْعَهْدُ تَمَّ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَالثَّانِي - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى أَجَارَهُ لَهُ مُكَرَّزُ بْنُ حَفْصٍ مِنْ أَنْ يُؤْذَى. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ. وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ نَسَخَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي جَنْدَلٍ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ عَهْدَهُمْ فِي رَدِّ النِّسَاءِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (بَرَاءَةٌ) بَعْدَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَ الْعَهْدَ كُلَّهُ وَنَسَخَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي (بَرَاءَةٌ) أَيْضًا: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7] الْآيَةَ فَأَبْطَلَ تَعَالَى كُلَّ عَهْدٍ لِلْمُشْرِكِينَ حَاشَا الَّذِينَ عَاهَدُوا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ عَهْدٍ وَلَمْ يُقِرَّهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمُشْرِكِينَ إلَّا الْقَتْلَ، أَوْ الْإِسْلَامَ، وَلِأَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَأَمَّنَ الْمُسْتَجِيرَ وَالرَّسُولَ حَتَّى يُؤَدِّيَ رِسَالَتَهُ وَيَسْمَعَ الْمُسْتَجِيرُ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُرَدَّانِ إلَى بِلَادِهِمَا وَلَا مَزِيدَ، فَكُلُّ عَهْدٍ غَيْرِ هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ لَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ شَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخِلَافُ أَمْرِهِ.

مسألة من كان أسيرا عند الكفار فعاهدوه على الفداء وأطلقوه

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَغَيْرِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِيهِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ، قَالَ: فَوَاَللَّهِ إذًا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَأَجِزْهُ لِي قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ. قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مُكَرَّزٌ - هُوَ ابْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَحْنَفِ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ» فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ كُلِّهِمْ وَحَدِيثُ أَبِي جَنْدَلٍ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَفَّانُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ وَمَنْ جَاءَ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا. فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمِنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا» وَهَذَا خَبَرٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَقْطُوعٌ بِصِدْقِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَآخَرَ: يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَا «حَدِيثَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِيهِ: فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَجَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْجِعَهَا إلَيْهِمْ فَلَمْ يُرْجِعْهَا إلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10] » الْآيَةَ [مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْكُفَّارِ فَعَاهَدُوهُ عَلَى الْفِدَاءِ وَأَطْلَقُوهُ] . 934 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْكُفَّارِ فَعَاهَدُوهُ عَلَى الْفِدَاءِ وَأَطْلَقُوهُ فَلَا يَحِلُّ

مسألة فداء الأسير المسلم

لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ، وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا، وَلَا يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْطِلَاقِ إلَّا بِالْفِدَاءِ فَفَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْدُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِفِدَائِهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَإِسَارُ الْمُسْلِمِ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ، وَأَخْذُ الْكَافِرِ أَوْ الظَّالِمِ مَالَهُ فِدَاءً مِنْ أَبْطَلْ الْبَاطِلِ، فَلَا يَحِلُّ إعْطَاءُ الْبَاطِلِ، وَلَا الْعَوْنُ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الْعُهُودُ وَالْأَيْمَانُ الَّتِي أَعْطَاهُمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا، لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهَا، إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْخَلَاصِ إلَّا بِهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْبَقَاءُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَهَكَذَا كُلُّ عَهْدٍ أَعْطَيْنَاهُمْ، حَتَّى نَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِنْقَاذِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ مِنْ أَيْدِيهمْ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْ اسْتِنْقَاذِهِ إلَّا بِالْفِدَاءِ فَفَرْضٌ عَلَيْنَا فِدَاؤُهُ لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ» وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيِّ [مَسْأَلَةٌ فِدَاءُ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ] . 935 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ فِدَاءُ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ إلَّا إمَّا بِمَالٍ، وَإِمَّا بِأَسِيرٍ كَافِرٍ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُرَدَّ صَغِيرٌ سُبِيَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ إلَيْهِمْ لَا بِفِدَاءٍ وَلَا بِغَيْرِ فِدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حُكْم الْإِسْلَامِ بِمِلْكِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ، فَهُوَ وَأَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ - وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ. [مَسْأَلَةٌ مَا وَهَبَ أَهْلُ الْحَرْبِ لِلْمُسْلِمِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ أَوْ التَّاجِرِ عِنْدَهُمْ] 936 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا وَهَبَ أَهْلُ الْحَرْبِ لِلْمُسْلِمِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ، أَوْ التَّاجِرِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ، وَهِبَةٌ صَحِيحَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَالَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، وَكَذَلِكَ مَا ابْتَاعَهُ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ فَهُوَ ابْتِيَاعٌ صَحِيحٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَالًا لِمُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ مَالِكُونَ لِأَمْوَالِهِمْ مَا لَمْ يَنْتَزِعْهَا الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27] فَجَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ إلَى أَنْ أَوْرَثَنَا إيَّاهَا، وَالتَّوْرِيثُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ، وَإِلَّا فَلَمْ يُورَثْ بَعْدَمَا لَمْ تَقْدِرْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْوَالَهُمْ لِلْغَانِمِ لَهَا، لَا لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَغْنَمْهَا. [مَسْأَلَةٌ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ إذَا أَسْلَمَ] 937 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ فَسَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ لَمْ يَخْرُجَ، أَوْ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ.

وَجَمِيعُ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ؛ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ الَّذِي تَرَكَ وَرَاءَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ عَقَارٍ، أَوْ دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ نَاضٍّ؛ أَوْ مَتَاعٍ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ مُودَعًا، أَوْ كَانَ دَيْنًا: هُوَ كُلُّهُ لَهُ، لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُونَ إنْ غَنِمُوهُ أَوْ افْتَتَحُوا تِلْكَ الْأَرْضَ. وَمَنْ غَصَبَهُ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ حَرْبِيٍّ، أَوْ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ: رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ إنْ مَاتَ، وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ - وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ. وَأَمَّا امْرَأَتُهُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَفَيْءٌ إنْ سُبُوا وَهُوَ بَاقٍ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا، وَهِيَ رَقِيقٌ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ سَهْمَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ - أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ، وَبِلَا خِلَافٍ، وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: مُسْلِمٌ؛ وَإِذْ هُوَ مُسْلِمٌ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ - وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، فَصَحَّ أَنَّ دَمَهُ، وَبَشَرَتَهُ، وَعِرْضَهُ، وَمَالَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ، وَنِكَاحُ أَهْلِ الْكُفْرِ صَحِيحٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمْ عَلَى نِكَاحِهِمْ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا أَقَرَّهُ، وَمِنْهُ خُلِقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ يُخْلَقْ إلَّا مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا لَا يَفْسُدُ شَيْءٌ، وَلَا غَيْرُهُ إلَّا مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ بِفَسَادِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَا يُنَازِعُونَنَا فِي أَنَّ دَمَهُ، وَعِرْضَهُ، وَبَشَرَتَهُ، حَرَامٌ - ثُمَّ يَضْطَرِبُونَ فِي أَمْرِ مَالِهِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَقَوْلُنَا هَذَا كُلُّهُ هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامَ هُنَاكَ حَتَّى تَغَلَّبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ حُرٌّ، وَأَمْوَالُهُ كُلُّهَا لَهُ، لَا يُغْنَمُ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا مِمَّا كَانَ لَهُ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، وَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ مُسْلِمُونَ أَحْرَارٌ، حَاشَا أَرْضَهُ - وَحَمْلَ امْرَأَتِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ غَنِيمَةٌ وَفَيْءٌ وَيَكُونُ الْجَنِينُ مَعَ ذَلِكَ مُسْلِمًا. وَأَمَّا امْرَأَتُهُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَفَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَأَرْضُهُ لَهُ أَيْضًا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَوْلَادُهُ الصِّغَارُ

أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ لَا يُغْنَمُونَ، وَكُلُّ مَا أَوْدَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ فَلَهُ، وَلَا يُغْنَمُ - وَأَمَّا سَائِرُ مَا تَرَكَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ عَقَارٍ، أَوْ أَثَاثٍ، أَوْ حَيَوَانٍ فَفَيْءٌ مَغْنُومٌ - وَكَذَلِكَ حَمْلُ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ. فَإِنْ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا فَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ - وَأَمَّا كُلُّ مَا تَرَكَ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ عَقَارٍ، أَوْ مَتَاعٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَفَيْءٌ مَغْنُومٌ، وَلَا يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ قِيلَ لِإِنْسَانٍ أَسْخِفْ وَاجْتَهِدْ مَا قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَلَا تُعْرَفُ هَذِهِ التَّقَاسِيمُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ، وَمَا تَعَلُّقَ فِيهَا لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِرَأْيٍ يُعْقَلُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ؛ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ: فِي إبَاحَتِهِ مَالَ الْمُسْلِمِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ لِلْغَنِيمَةِ بِالْبَاطِلِ، وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ، إذْ صَارَ عِنْدَهُ فِرَارُهُ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ وَإِسْلَامُهُ فِيهَا: ذَنْبًا عَظِيمًا يَسْتَحِقُّ بِهِ مِنْهُ إبَاحَةَ صِغَارِ أَوْلَادِهِ لِلْإِسَارِ وَالْكُفْرِ، وَإِبَاحَةَ جَمِيعِ مَالِهِ لِلْغَنِيمَةِ، هَذَا جَزَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَعَلَ بَقَاءَهُ فِي دَارِ الْكُفْرِ خُصْلَةً حَرَّمَ بِهَا أَمْوَالَهُ كُلَّهَا حَاشَا أَرْضَهُ، وَحَرَّمَ بِهَا صِغَارَ أَوْلَادِهِ حَاشَا الْجَنِينِ، هَذَا مَعَ إبَاحَتِهِ لِلْكُفَّارِ وَالْحَرْبِيِّينَ: تَمَلُّكَ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَتَحْرِيمِهِ ضَرْبَهُمْ وَقَتْلَهُمْ إنْ أَعْلَنُوا بِسَبِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَقْزَعِ السَّبِّ، وَتَكْذِيبِهِ فِي الْأَسْوَاقِ، فَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مِنْهُمْ قَتِيلًا قُتِلَ بِهِ فَكَيْفَ تَرَوْنَ؟ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ مُؤْمِنٌ، وَلَا كَافِرٌ، وَلَا جَاهِلٌ، وَلَا عَالَمٌ فِي أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا أَطْوَارًا. فَطَائِفَةٌ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ، ثُمَّ فَرُّوا عَنْهَا بِأَدْيَانِهِمْ: كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَطَائِفَةٌ خَرَجُوا كُفَّارًا، ثُمَّ أَسْلَمُوا: كَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَسْلَمَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَأَبِي سُفْيَانَ أَسْلَمَ فِي عَسْكَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَطَائِفَةٌ أَسْلَمُوا وَبَقُوا بِمَكَّةَ كَجَمِيعِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ النِّسَاءِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24] إلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 25]

وَكُلُّ هَؤُلَاءِ إذْ فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ رَجَعَ الْخَارِجُ إلَى دَارِهِ، وَعَقَارِهِ وَضِيَاعِهِمْ بِالطَّائِفِ وَغَيْرِهَا، وَبَقِيَ الْمُسْتَضْعَفُ فِي دَارِهِ وَعَقَارِهِ وَأَثَاثِهِ كَذَلِكَ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَوْ نَصَحُوا أَنْفُسَهُمْ؟ وَأَتَى بَعْضُهُمْ هَاهُنَا بِآبِدَةٍ هِيَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] وَذَكَر مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الْمِصْرِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ، أَوْ الْهَزِيمَةِ فَمَالُهُ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْرَزُوهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ، قَالَ: فَسَمَّاهُمْ تَعَالَى فُقَرَاءَ، فَصَحَّ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ قَدْ مَلَكَهَا الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْدَعَهُ الْحَيَاءُ عَنْ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ وَأَيُّ إشَارَةٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَى مَا قَالَ؟ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَبْقَى أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ فِي مِلْكِهِمْ، بِأَنْ نَسَبَهَا إلَيْهِمْ، وَجَعَلَهَا لَهُمْ، وَعَظَّمَ بِالْإِنْكَارِ إخْرَاجَهُمْ ظُلْمًا مِنْهَا - وَنَعَمْ، هُمْ فُقَرَاءُ بِلَا شَكٍّ؛ إذْ لَا يَجِدُونَ غِنًى. وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، أَوْ الْمَشْرِقِ لَوْ حَجَّ فَفَرَغَ مَا فِي يَدِهِ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْمَدِينَةِ، وَلَهُ فِي بِلَادِهِ ضِيَاعٌ بِأَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَثَاثٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ وَهُوَ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَرْضٍ، وَلَا عَلَى ابْتِيَاعٍ، وَلَا بَيْعٍ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَمَالُهُ فِي بِلَادِهِ مُنْطَلِقَةٌ عَلَيْهِ يَدُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ فِتْنَةٌ، أَوْ غَصْبٌ، وَلَا فَرْقَ، وَلَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَةُ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُغْتَرِّينَ بِهِمْ مِنْهُمْ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَانَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ - لَمْ يُولَدْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَهْرٍ طَوِيلٍ - وَفِيهَا: ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ لَا شَيْءَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ؛ بَلْ هِيَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا وَخِلَافٌ لِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ نَصَّهَا، مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ كَمَا كَانَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ؛ ثُمَّ فِيهَا إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ

مسألة من نفخ فيه الروح قبل إسلام أبيه

الْقِتَالِ، أَوْ الْهَزِيمَةِ فَمَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَيْءٌ، لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ إسْلَامِهِ - فَهَذَا قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ؛ فَاعْجَبُوا لِتَمْوِيهِهِمْ وَتَدْلِيسِهِمْ بِمَا هُوَ عَلَيْهِمْ لِيُضِلُّوا بِهِ مِنْ اغْتَرَّ بِهِمْ [مَسْأَلَةٌ مِنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِيهِ] 938 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَامْرَأَتُهُ حُرَّةٌ لَا تُسْتَرَقُّ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ حِينَئِذٍ بَعْضُهَا، وَلَا يُسْتَرَقُّ، لِأَنَّهُ جَنِينٌ مُسْلِمٌ. وَمَنْ كَانَ بَعْضُهَا حُرًّا فَهِيَ كُلُّهَا حُرَّةٌ لِمَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ حُكْمِهَا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُهَا، وَهُوَ رُبَّمَا كَانَ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَتْ وَلَهَا زَوْجٌ كَافِرٌ] 939 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ وَلَهَا زَوْجٌ كَافِرٌ ذِمِّيٌّ، أَوْ حَرْبِيٌّ فَحِينَ إسْلَامِهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ - سَوَاءٌ أَسْلَمَ بَعْدَهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ. لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِرِضَاهَا وَإِلَّا فَلَا. فَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، فَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ قَبْلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا أَسْلَمَتْ هِيَ، أَمْ لَمْ تُسْلِمْ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ فَسَاعَةَ إسْلَامِهِ قَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ، أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَأَكْثَرَ. لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِرِضَاهَا إنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا فَلَا، سَوَاءٌ حَرْبِيَّيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ كَانَا. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْآخَرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمَا؛ فَإِنْ أَسْلَمَ بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ أَبَى فَحِينَئِذٍ تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الْعِدَّةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبَ فَخَرَجَتْ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَسَاعَةَ حُصُولِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَقَعُ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا لَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ هُوَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ وَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ ثَلَاثَ حِيَضٍ أُخَرَ عِدَّةً مِنْهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى نِكَاحِهِ مَعَهَا.

قَالَ: فَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ مِنْ وَقْتِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. قَالَ: فَلَوْ أَسْلَمَ هُوَ، وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا، فَإِنْ - أَسْلَمَتْ بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ أَبَتْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ سَاعَةَ إبَائِهَا، فَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ سَاعَتَئِذٍ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ عَكْسَ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ أَسْلَمَ هُوَ وَهِيَ وَثَنِيَّةٌ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِلَّا فَبِتَمَامِهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ وَقْتَ الْفُرْقَةِ فِي الْحِينِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَتُرَاعَى الْعِدَّةُ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى تَمَّتْ الْعِدَّةُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلِيِّ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أُمًّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُحَدُّوا وَقْتَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِرَأْيٍ فَاسِدٍ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ مِثْلُ تَقْسِيمِهِ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِمَا كَانَ السُّكُوتُ أَوْلَى بِهِ لَوْ نَصَحَ نَفْسَهُ، مِمَّا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [وَرُوِّينَا] مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضْلٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْيَهُودِيِّ، أَوْ النَّصْرَانِيِّ -: كَانَ أَحَقَّ بِبُضْعِهَا، لِأَنَّ لَهُ عَهْدًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ هَانِئَ بْنَ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشَّيْبَانِيُّ - وَكَانَ نَصْرَانِيًّا - عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَقَرَّهُنَّ عُمَرُ عِنْدَهُ - قَالَ شُعْبَةُ: قُلْت لِلْحُكْمِ: عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا شَيْءٌ مَعْرُوفٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ وَقَالَ غُنْدَرُ: نَا

شُعْبَةُ نَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُغِيرَةُ، وَمَنْصُورٌ، وَحَمَّادٌ، كُلُّهُمْ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِي ذِمِّيَّةٍ أَسْلَمَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ، قَالَ: تُقَرُّ عِنْدَهُ - وَبِهِ أَفْتَى حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا - فَهَذَا قَوْلٌ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ آخَرُ: صَحَّ عَنْهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَقَتَادَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ: أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ فَخَيَّرَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِهِ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ ثَالِثٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ بِشْرٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ مِنْ ابْن أَخٍ لَهُ نَصْرَانِيٍّ فَرَكِبَ عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ؛ فَكَتَبَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ: إنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ فَلَمْ يُسْلِمْ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَتَزَوَّجَهَا عَوْفُ بْنُ الْقَعْقَاعِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ أَلْبَتَّةَ ابْتِدَاءَ عَقْدِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ مِنْ كَافِرٍ أَسْلَمَ إثْرَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ رَابِعٌ لَا يَصِحُّ عَنْهُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أَنْبَأَنِي ابْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ، عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَأَبَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيَّ كَانَ نَاكِحًا بِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَأَسْلَمَتْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إمَّا أَنْ تُسْلِمَ وَإِمَّا أَنْ نَنْتَزِعَهَا مِنْك؟ فَأَبَى، فَنَزَعَهَا عُمَرُ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مُضَرَ التَّغْلِبِيَّ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ التَّمِيمِيَّةُ، وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ، فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ - وَالسَّفَّاحُ، وَدَاوُد بْنُ كُرْدُوسٍ مَجْهُولَانِ. وَكَذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ

عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرِينَ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْلَكُ بِبُضْعِهَا مَا دَامَتْ فِي دَارِ هِجْرَتِهَا. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِصْرِهَا. وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: إنْ أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا سُلْطَانٌ. وَأَمَّا مِنْ رَاعَى عَرْضَ الْإِسْلَامِ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبِي أَنْ يُسْلِمَ فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ - وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ إبَايَتِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا وَقَدْ يُرِيدُ أَنْ يُسْلِمَ مَعَهَا. وَأَمَّا مَنْ رَاعَى الْعِدَّةَ - فَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فَمَرْوِيٌّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ عَلْقَمَةَ أَنَّ جَدَّهُ وَجَدَّتَهُ كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ فَأَسْلَمَتْ جَدَّتُهُ؛ فَفَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْيَهُودِيَّةِ، أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ تُسْلِمُ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ، أَوْ النَّصْرَانِيِّ. قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ - وَبِهِ يُفْتِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ لَنَا حِلٌّ، وَنِسَاؤُنَا عَلَيْهِمْ حَرَامٌ. وَصَحَّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَجُوسِيَّيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا، قَالَ: قَدْ انْقَطَعَ مَا بَيْنَهُمَا - وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي نَصْرَانِيَّةٍ أَسْلَمَتْ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ؟ قَالَ: قَدْ فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي كَافِرَةٍ تُسْلِمُ تَحْتَ كَافِرٍ. قَالُوا: قَدْ فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا.

وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَدِيِّ بْنِ عَدِيِّ: هَذَا بِعَيْنِهِ أَيْضًا. وَعَنْ الْحَسَنِ، ثَابِتٌ أَيْضًا: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا جَمِيعُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا فَمَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةً أَصْلًا إلَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا تُقَرُّ عِنْدَهُ وَيُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا؛ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: نِكَاحُ الْكُفْرِ صَحِيحٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِغَيْرِ يَقِينٍ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيّ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْحُلْوَانِيُّ - قَالَ النُّفَيْلِيُّ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَقَالَ الرَّازِيّ: نَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ: نَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ أَوْ ابْنُ هَارُونَ أَحَدُهُمَا بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ سَلَمَةُ، وَابْنُ سَلَمَةَ، وَيَزِيدُ، كُلُّهُمْ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ» . زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ. وَزَادَ سَلَمَةُ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. وَزَادَ يَزِيدُ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ. وَقَالُوا: قَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعَ كُفَّارِ الْعَرَبِ عَلَى نِسَائِهِمْ، وَفِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ، وَفِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ذَكَرنَا، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الْكُفْرِ صَحِيحٌ فَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِغَيْرِ يَقِينٍ - فَصَدَقُوا، وَالْيَقِينُ قَدْ جَاءَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا الْخَبَرُ فَصَحِيحٌ - يَعْنِي حَدِيثَ زَيْنَبَ مَعَ أَبِي الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ أَبِي الْعَاصِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْمُشْرِكِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ - بِإِسْلَامِ الْعَرَبِ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى خَبَرٍ صَحِيحٍ بِأَنَّ إسْلَامَ رَجُلٍ تَقَدَّمَ إسْلَامَ امْرَأَتِهِ، أَوْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهَا فَأَقَرَّهُمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ؛ فَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ إطْلَاقُ الْكَذِبِ، وَالْقَوْلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ هِنْدَ، وَامْرَأَةَ صَفْوَانَ أَسْلَمَتْ قَبْلَ صَفْوَانَ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُمَا بَقِيَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَمْ يُجَدِّدَا عَقْدًا؟ وَهَلْ جَاءَ ذَلِكَ قَطُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُنَا شَغَبَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ -: فَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِهَذَا كُلِّهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي الْعَاصِ وَجَعَلُوا الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْعِدَّةَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرنَا مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي أَمْرِ أَبِي الْعَاصِ، وَأَمْرِ هِنْدَ، وَامْرَأَةِ صَفْوَانَ، وَسَائِرِ مَنْ أَسْلَمَ: إنَّمَا هُوَ الْعِدَّةُ؟ وَمَنْ أَخْبَرَكُمْ بِهَذَا؟ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا ذِكْرُ عِدَّةٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَلَا عِدَّةَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا مِنْ طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ، وَالْمُعْتَقَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا، وَلَيْسَتْ الْمُسْلِمَةُ تَحْتَ كَافِرٍ، وَلَا الْبَاقِيَةُ عَلَى الْكُفْرِ تَحْتَ الْمُسْلِمِ، وَلَا الْمُرْتَدَّةُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، فَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمُونَا بِهَذِهِ الْعِدَّةِ؟ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ أَبَدًا إلَّا بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ؛ فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ زَيْنَبُ فِي أَوَّلِ بَعْثِ أَبِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ هَاجَرَتْ إلَى الْمَدِينَةِ - وَزَوْجُهَا كَافِرٌ - وَكَانَ بَيْنَ إسْلَامِهَا وَإِسْلَامِهِ أَزْيَدُ مِنْ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ وَلَدَتْ فِي خِلَالِ هَذَا ابْنَهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فَأَيْنَ الْعِدَّةُ لَوْ عَقَلْتُمْ؟ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنْ مَوَّهُوا بِامْرَأَةِ صَفْوَانَ. عُورِضُوا بِهَذَا، وَأَبِي سُفْيَانَ، وَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ذُكِّرُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] ، فَظُهْر فَسَادُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: 10] فَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ، فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى رُجُوعَ الْمُؤْمِنَةِ إلَى الْكَافِرِ.

مسألة من قال من أهل الكفر لا إله إلا الله

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» فَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ هَجَرَ الْكُفْرَ الَّذِي قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فَهُوَ مُهَاجِرٌ. وَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ نِكَاحَهَا مُبَاحٌ لَنَا، فَصَحَّ انْقِطَاعُ الْعِصْمَةِ بِإِسْلَامِهَا. وَصَحَّ أَنَّ الَّذِي يُسْلِمُ مَأْمُورٌ بِأَنْ لَا يُمْسِكَ عِصْمَةً كَافِرَةً، فَصَحَّ أَنَّ سَاعَةَ يَقَعُ الْإِسْلَامُ، أَوْ الرِّدَّةُ، فَقَدْ انْقَطَعَتْ عِصْمَةُ الْمُسْلِمَةِ مِنْ الْكَافِرِ، وَعِصْمَةُ الْكَافِرَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ - سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَكَانَا كَافِرَيْنِ، أَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ - وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ تَخْلِيطٌ، وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مِنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] 940 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مِمَّا سِوَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، أَوْ الْمَجُوسِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَوْ قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، كَانَ بِذَلِكَ مُسْلِمًا تَلْزَمُهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ قُتِلَ. وَأَمَّا مِنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ، فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِقَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، إلَّا حَتَّى يَقُولَ: وَأَنَا مُسْلِمٌ، أَوْ قَدْ أَسْلَمْتُ، أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ حَاشَا الْإِسْلَامَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمَا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَمُّ قُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ نَا هُشَيْمٌ نَا حُصَيْنٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ

مسألة لا يقبل من يهودي ولا نصراني ولا مجوسي جزية

إنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا؟ فَقَالَ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ، وَحَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ فِي مُعْظَمِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَعْوَامٍ مِنْهُ، وَقَدْ كَفَّ الْأَنْصَارِيُّ كَمَا تَرَى عَنْ قَتْلِهِ إذْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَلْزَمْ أُسَامَةَ قَوَدٌ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ يَظُنُّهُ كَافِرًا فَلَيْسَ قَاتِلَ عَمْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ الْحُلْوَانِيُّ نَا أَبُو تَوْبَةَ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ - نَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَامٍ - عَنْ زَيْدٍ يَعْنِي أَخَاهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَامٍ قَالَ: نَا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ «أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ؛ فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا، فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قُلْتُ: أَلَا تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي ثُمَّ ذَكَر الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ إنَّ الْيَهُودِيَّ قَالَ لَهُ: لَقَدْ صَدَقْت وَإِنَّك لَنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ» . فَفِي هَذَا الْخَبَرِ ضَرَبَ ثَوْبَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْيَهُودِيَّ إذْ لَمْ يَقُلْ: رَسُولَ اللَّهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ أَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ، إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ - وَفِيهِ أَنَّ الْيَهُودِيَّ قَالَ لَهُ: إنَّك لَنَبِيٌّ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ تَرْكَ دِينِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَبُو رَوْحٍ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ نَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدٍ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ " سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» . وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُقْبَلُ مِنْ يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ وَلَا مَجُوسِيٍّ جِزْيَةٌ] 941 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْ يَهُودِيٍّ، وَلَا نَصْرَانِيٍّ، وَلَا مَجُوسِيٍّ: جِزْيَةٌ، إلَّا بِأَنْ

مسألة من قال إن في شيء من الإسلام باطنا غير الظاهر

يُقِرُّوا بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَيْنَا، وَأَنْ لَا يَطْعَنُوا فِيهِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ: مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: إنَّمَا أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ إلَيْكُمْ لَا إلَيْنَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا قُتِلَ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ قَالَ إنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْإِسْلَامِ بَاطِنًا غَيْرَ الظَّاهِرِ] 942 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْإِسْلَامِ بَاطِنًا غَيْرَ الظَّاهِرِ الَّذِي يَعْرِفهُ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ، فَهُوَ كَافِرٌ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [التغابن: 12] وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ. [مَسْأَلَةٌ كُلُّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ كَانَا لِكَافِرَيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ] 943 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ كَانَا لِكَافِرَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ فِي غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ: فَهُمَا حُرَّانِ، فَلَوْ كَانَا كَذَلِكَ لِذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَا: فَهُمَا حُرَّانِ سَاعَةَ إسْلَامِهِمَا، وَكَذَلِكَ مُدَبَّرُ الذِّمِّيِّ، أَوْ الْحَرْبِيِّ، أَوْ مُكَاتَبُهُمَا، أَوْ أُمُّ وَلَدِهِمَا، أَيُّهُمْ أَسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ إسْلَامِهِ وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَلَا يَرْجِعُ الَّذِي أَسْلَمَ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَعْطَى مِنْهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ، وَيَرْجِعُ بِمَا أَعْطَى مِنْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَيَأْخُذُهُ لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَإِنَّمَا عَنَى تَعَالَى بِهَذَا أَحْكَامَ الدِّينِ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا تَسَلُّطُ الدُّنْيَا بِالظُّلْمِ فَلَا، وَالرِّقُّ أَعْظَمُ السَّبِيلِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ، وَنَسْأَلُ مَنْ بَاعَهُمَا عَلَيْهِ: لِمَ تَبِيعُهُمَا؟ أَهُمَا مَمْلُوكَانِ لَهُ أَمْ غَيْرُ مَمْلُوكَيْنِ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ قَالَ: لَيْسَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ صَدَقَ - وَهُوَ قَوْلُنَا - وَإِذْ لَمْ يَكُونَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ فَهُمَا حُرَّانِ، وَإِنْ قَالَ: هُمَا مَمْلُوكَانِ لَهُ. قُلْنَا: فَلِمَ تُبْطِلُ مِلْكَهُ الَّذِي أَنْتَ تُصَحِّحُهُ بِلَا نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ؟ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إقْرَارِك لَهُمَا فِي مِلْكِهِ سَاعَةً، أَوْ سَاعَتَيْنِ، أَوْ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ جُمُعَةً، أَوْ جُمُعَتَيْنِ، أَوْ شَهْرًا، أَوْ شَهْرَيْنِ، أَوْ عَامًا، أَوْ عَامَيْنِ، أَوْ بَاقِيَ عُمُرِهَا، أَوْ عُمُرِهِ، وَكَيْفَ صَحَّ إقْرَارُك لَهُمَا فِي مِلْكِهِ مُدَّةَ تَعْرِيضِهِمَا لِلْبَيْعِ؟ وَلَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَصِحَّ إبْقَاؤُهُمَا فِي مِلْكِهِ أَكْثَرَ، وَلَعَلَّهُمَا لَا يَسْتَبِيعَانِ فِي شَهْرٍ؛ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَلَّا أَقْرَرْتُمُوهُمَا فِي مِلْكِهِ وَحُلْتُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا

كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبِ إذَا أَسْلَمُوا؟ وَلَئِنْ كَانَ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُمْ فِي مِلْكِهِ إنَّ ذَلِكَ لَجَائِزٌ فِي الْعَبْدِ، وَلَئِنْ حَرُمَ إبْقَاءُ الْعَبْدِ فِي مِلْكِهِ لَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ وَلَا فَرْقَ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَنَسْأَلُهُمْ أَيْضًا عَنْ كَافِرٍ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً، فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ يَفْسَخُونَ ذَلِكَ الشِّرَاءَ. فَنَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَ فَسَخْتُمُوهُ؟ وَهَلَّا بِعْتُمُوهُمَا عَلَيْهِ كَمَا تَفْعَلُونَ إذَا أَسْلَمَ فِي مِلْكِهِ؟ وَمَا الْفَرْقُ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ تَمَلُّكٍ. قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَلَا يَخْلُو ابْتِيَاعُهُ لَهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ تَمَلُّكٍ لِمَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ لِمَا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، فَكَيْفَ أَحْلَلْتُمْ تَمَلُّكَهُ لَهُمَا مُدَّةَ تَعْرِيضِكُمْ إيَّاهُمَا لِلْبَيْعِ إذَا أَسْلَمَا فِي مِلْكِهِ؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ لِمَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ. قُلْنَا: فَلِمَ فَسَخْتُمْ ابْتِيَاعَهُ لِمَا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُهُ؟ بَلْ لِمَ تَبِيعُونَ عَلَيْهِ مَا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُمَا كَانَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَا فَلِمَ يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِإِسْلَامِهِمَا. قُلْنَا: نَعَمْ، فَلِمَ بِعْتُمُوهُمَا عَلَيْهِ؟ وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَقَوْلٌ بَاطِلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ فِي تَزَوُّجِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَجَعْلِ عِتْقِهَا صَدَاقَهَا: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا، أَوْ بَعْدَ عِتْقِهَا، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا فَزَوَاجٌ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا، فَقَدْ مَضَى عِتْقُهَا فَأَيْنَ الصَّدَاقُ؟ وَقَالُوا مِثْلَ هَذَا فِي الْعِتْقِ بِالْقُرْعَةِ، وَفِي وُجُودِ الْمَرْءِ سِلْعَتَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ؛ وَكُلُّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا أَدْخَلُوهُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ لَا يُنْكِرُونَ هَذَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ مَوْضِعُ الْإِنْكَارِ حَقًّا، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ وَيَقْضُونَ بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا يَتَكَلَّمُ وَيَقْضِي عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] .

فَإِنْ قَالُوا: نَبِيعُهُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَا تَبِيعُونَ أَنْتُمْ عَبْدَ الْمُسْلِمِ وَأَمَتَهُ إذْ شَكَوْا الضَّرَرَ، وَفِي التَّفْلِيسِ. قُلْنَا لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: لَا نَبِيعُ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ وَلَا أَمَتَهُ أَصْلًا إلَّا فِي حَقٍّ وَاجِبٍ لَازِمٍ لَا يُمْكِنُنَا التَّوَصُّلُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا بِبَيْعِهِمَا وَإِلَّا فَلَا، أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّنَا لَا نَبِيعُهُمَا عَلَيْهِ إلَّا فِي دَيْنٍ لَزِمَهُ، أَوْ فِي نَفَقَةٍ لَزِمَتْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمَمْلُوكِ وَالْمَمْلُوكَةِ، أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِضَرَرٍ ثَابِتٍ؛ فَأَمَّا الْحَقُّ الْوَاجِبُ فَمَا دُمْنَا نَجِدُ لَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَمْ نَبِعْهُمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ لَهُ غَيْرَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى أَدَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَّا بِبَيْعِهِمَا فَهُمَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ يُبَاعُ عِنْدَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] وَمِنْ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ: إعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَصَوَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ، إذْ قَالَهُ سَلْمَانُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَأَمَّا الضَّرَرُ الثَّابِتُ فَإِنْ أَمْكَنَنَا مَنْعُ الضَّرَرِ بِأَنْ نَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ، وَالْعَبْدِ، بِأَنْ يُؤَاجَرَا، أَوْ يُجْعَلَا عِنْدَ ثِقَةٍ يَمْنَعُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمَا لَمْ نَبِعْهُمَا، فَإِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ بِعْنَاهُمَا، لِأَنَّنَا لَا نَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالْإِثْمِ إلَّا بِذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . فَإِنْ قَالُوا: كَذَلِكَ تَحَكُّمُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ عَبِيدِهِمْ ضَرَرٌ. قُلْنَا: فَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِمَا الْكَافِرِ، أَوْ سَيِّدَتِهِمَا الْكَافِرَةِ؛ بَلْ هُمَا مُعْتَرِفَانِ بِالْإِحْسَانِ وَالرِّفْقِ جُمْلَةً، أَلَيْسَ قَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُكُمْ بِالضَّرَرِ؟ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. فَإِنْ قَالُوا: نَخَافُ أَنْ يُفْسِدَا دِينَهُمَا بِطُولِ الصُّحْبَةِ. قُلْنَا: فَفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ابْنَيْهِمَا إذَا أَسْلَمَ خَوْفَ أَنْ يَفْسُدَ دِينُهُ، وَبِيعُوا عَبْدَ الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ وَأَمَتَهُ بِهَذَا الِاعْتِلَالِ، لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ مِنْهُ تَدْرِيبُهُمَا عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِضَاعَةِ الصَّلَاةِ وَالظُّلْمِ، وَلَا فَرْقَ، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ أَصْلًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وقَوْله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10] بُرْهَانٌ

قَاطِعٌ فِي وُجُوبِ عِتْقِ أَمَةِ الذِّمِّيِّ، أَوْ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ لَا نَرْجِعَهَا إلَى الْكُفَّارِ وَأَنَّهُنَّ لَا يَحْلِلْنَ لَهُمْ وَأَبَاحَ لَنَا نِكَاحَهُنَّ، وَهَذَا عُمُومٌ يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ ضَرُورَةً. فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الزَّوْجَاتِ. قُلْنَا: الْآيَةُ كُلُّهَا عَامَّةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنَةٍ هَاجَرَتْ بِالْإِيمَانِ لِتَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي إيتَاءِ مَا أَنْفَقُوا خَاصٌّ فِي الزَّوْجَاتِ، وَلَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ عُمُومِ الْآيَةِ خُصُوصًا، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لُغَةٌ وَلَا شَرِيعَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ خَرَجَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا فَعَتَقَ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا حُكْمُ مَنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. قُلْنَا: مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ هَذَا حُكْمُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّائِفِ خَاصَّةً؟ وَهَلْ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ فَرْقٌ؟ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: وَمَا دَلِيلُكُمْ عَلَى هَذَا؟ وَإِنَّمَا جَاءَ مُسْلِمًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ فَأَعْتَقَهُ، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنِّي إنَّمَا أَعْتَقْته، لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَمَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ عَلَيْهِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَأَنْتُمْ تَقِيسُونَ الْجِصَّ عَلَى التَّمْرِ، السَّقَمُونْيَا عَلَى الْبُرِّ، وَالْكَمُّونَ عَلَيْهِمَا بِلَا بُرْهَانٍ، وَفَرْجَ الْمُسْلِمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ عَلَى يَدِ السَّارِقِ، ثُمَّ تُفَرِّقُونَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَعَبْدٍ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا أَسْلَمَ فِي مِلْكِ كَافِرٍ، إنَّ هَذَا لَعِوَجٌ مَا شِئْتُمْ. فَإِنْ ذَكَرُوا أَمْرَ بِلَالٍ، وَسَلْمَانَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ كِلَيْهِمَا أَسْلَمَ وَهُمَا مَمْلُوكَانِ لِوَثَنِيٍّ وَيَهُودِيٍّ؛ فَابْتَاعَ بِلَالًا أَبُو بَكْرٍ، وَكَاتَبَ سَلْمَانَ سَيِّدُهُ، فَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ بِنَفْسِ إسْلَامِهِمَا لَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَالِكَ وَلَاءِ بِلَالٍ، وَلَا صَحِيحَ الْعِتْقِ فِيهِ؟ قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا أَمْرُ بِلَالٍ فَكَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، وَقَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، لِأَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ فِي " سُورَةِ النِّسَاءِ " وَلَمْ تَكُنْ الصَّلَاةُ يَوْمَئِذٍ لَازِمَةً، وَلَا الزَّكَاةُ، وَلَا الصِّيَامُ، وَلَا الْحَجُّ، وَلَا الْمَوَارِيثُ، وَلَا كَانَ حَرَامًا نِكَاحُ الْوَثَنِيِّ الْمُسْلِمَةَ، وَلَا نِكَاحُ الْمُسْلِمِ الْوَثَنِيَّةَ، وَلَا مِلْكُ الْوَثَنِيِّ لِلْمُسْلِمِ، فَلَا حُجَّةَ فِي أَمْرِ بِلَالٍ.

وَأَمَّا أَمْرُ سَلْمَانَ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ مَمْلُوكًا لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هُمْ فِي حُصُونِهِمْ مَالِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ إسْلَامُ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَا خِلَافٍ قَبْلَ الْخَنْدَقِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ، وَهَلَاكُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَتْلُهُمْ، وَحِصَارُهُمْ، بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ. وَمِنْ الْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ لَهُ بَطَلَ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ أَنَّهُ كَانَ مُكَاتَبًا لَهُ بِلَا شَكٍّ وَمَا انْتَمَى قَطُّ إلَى وَلَاءِ ذَلِكَ لْقُرَظِيِّ بَلْ انْتَمَى مَوْلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤَالَفِ، وَالْمُخَالِفِ، وَالصَّالِحِ وَالطَّالِحِ؛ فَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ صَحِيحًا وَكِتَابَتُهُ لَهُ صَحِيحَةً بِحَقِّ الْمِلْكِ لَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ لَمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَفِي عَنْ وَلَائِهِ - وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَكِفَايَةٌ، وَكَيْف وَلَوْ لَمْ يَقُمْ هَذَا الْبُرْهَانُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؟ لِأَنَّهُمْ لَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمَرَهُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ - ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْهُمْ أَنَّ عَبْدَ الذِّمِّيِّ سَاعَةَ يُسْلِمْ فَهُوَ حُرٌّ. وَقَالَ أَشْهَبُ: سَاعَةَ يُسْلِمُ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فَهُوَ حُرٌّ، خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ فَهِيَ حُرَّةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ، أَوْ لِمُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ بَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ. قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا حَمَلَهُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَسَاعَةَ دُخُولِهِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ - فَهَلْ سُمِعَ بِأَوْحَشَ أَوْ أَفْحَشَ مِنْ هَذَا التَّخْلِيطِ؟ وَهِيَ أَقْوَالٌ لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ بِإِسْلَامِهَا، وَهِيَ أَمَةٌ لَهُ فَقَدْ نَاقَضَ، إذْ لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ بِإِسْلَامِهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: لَا يَسْتَرِقُّ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ - وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ اسْتِرْقَاقَهُ إيَّاهُ جُمْلَةً.

مسألة من سبي من أهل الحرب من الرجال وله زوجة

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أَسْلَمَتْ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يُفَرِّقُ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا وَتَعْتِقُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَا تَعْتِقُ حَتَّى يُدْعَى هُوَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَى عَتَقَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كِلَاهُمَا قَدْ أَوْجَبَ عِتْقَهَا، وَلَا مَعْنَى لِتَأَنِّي عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَسْتَرِقَّ كَافِرٌ مُسْلِمًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ رَقِيقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُبَاعُوا وَلَا يُتْرَكُونَ يَسْتَرِقُّونَهُمْ، وَيُدْفَعُ أَثْمَانُهُمْ إلَيْهِمْ، فَمَنْ قَدَرْت عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَدُّمِك إلَيْهِ اسْتَرَقَّ شَيْئًا مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ قَدْ أَسْلَمَ وَصَلَّى فَأَعْتِقْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ أَرْضِنَا أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَعْتَقَ مُسْلِمًا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَعْطُوهُ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ رَأَى عِتْقَهُ لَهُ غَيْرَ نَافِذٍ وَرَأَى وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا، وَأَمَّا إعْطَاؤُهُ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا نَقُولُ بِهَذَا: فَإِنَّهُ لَا حَقِّ لِلْكُفَّارِ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. [مَسْأَلَةٌ مِنْ سُبِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الرِّجَالِ وَلَهُ زَوْجَةٌ] 944 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سُبِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الرِّجَالِ وَلَهُ زَوْجَةٌ، أَوْ مِنْ النِّسَاءِ وَلَهَا زَوْجٌ فَسَوَاءٌ سُبِيَ مَعَهَا، أَوْ لَمْ يُسْبَ مَعَهَا، وَلَا سُبِيَتْ مَعَهُ فَهُمَا عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَتْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا حِينَ تُسْلِمْ لِمَا قَدَّمْنَا وَأَمَّا بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ فَلِأَنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكَ صَحِيحٌ قَدْ أَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّ سِبَاءَهُمَا، أَوْ سَبَاءَ أَحَدِهِمَا يَفْسَخُ نِكَاحَهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] قُلْنَا: نَعَمْ، إذَا أَسْلَمَتْ حَلَّتْ لِسَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا لَكَانَ مَنْ لَهُ أَمَةٌ نَاكِحٌ تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُ يَمِينِهِ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا.

مسألة الأبوان الكافران إذا أسلم أحدهما

وَقَدْ قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً ذَاتَ زَوْجٍ فَبَيْعُهَا طَلَاقُهَا - وَلَا نَقُولُ بِهَذَا، لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [مَسْأَلَةٌ الْأَبَوَانِ الْكَافِرَانِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدهمَا] . 945 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَسْلَمَ؟ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَوْلَادِهِمَا مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمَا - الْأُمُّ أَسْلَمَتْ أَوْ الْأَبُ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ كُلِّهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ إلَّا بِإِسْلَامِ الْأَبِ، لَا بِإِسْلَامِ الْأُمِّ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: لَا يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ إلَّا بِإِسْلَامِ الْأُمِّ، وَأَمَّا بِإِسْلَامِ الْأَبِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ لَا لِلْأَبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ جَعَلَهُمْ بِإِسْلَامِ الْأَبِ خَاصَّةً مُسْلِمِينَ حُجَّةً أَصْلًا، وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي ابْنِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ زِنَا اسْتِكْرَاهٍ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِهَا وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمْ لِقَوْلِهِمْ، وَوَافَقُونَا أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ الْأَبَوَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَلَهُمَا بَنُونَ وَبَنَاتٌ قَدْ بَلَغُوا مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ - وَبِهِ نَقُولُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَالْبَالِغُ مُخَاطَبٌ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ أَوْ الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْبَالِغِ مُخَاطَبًا كَمَا قَدَّمْنَا قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَزَوَّرًا قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ وَلَمْ يَبْلُغْ فَهُوَ عَلَى دِينِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَالِغًا، وَمَا لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغُ لَا مَنْ بَلَغَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَاسَ الدِّينَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُ دِينِ الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ وَلَا يُتْرَكُ أَحَدٌ يُبَدِّلُهُ إلَّا مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَرْكِهِ عَلَى تَبْدِيلِهِ فَقَطْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ،

فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ دِينٌ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَّا مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَيُقَرَّ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبِينَ عَنْهُ لِسَانُهُ» فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَدٌ إلَّا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَمَنْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إقْرَارِهِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْإِسْلَامِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ أَقْرَرْنَاهُ، وَمَنْ لَا لَمْ نُقِرَّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ أَحَدٌ عَلَى مُخَالَفَةِ الْإِسْلَامِ إلَّا مَنْ اتَّفَقَ أَبَوَاهُ عَلَى تَهْوِيدِهِ، أَوْ تَنْصِيرِهِ، أَوْ تَمْجِيسِهِ فَقَطْ، فَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَلَمْ يُمَجِّسْهُ أَبَوَاهُ، وَلَا نَصَّرَاهُ، وَلَا هَوَّدَاهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ وَهَلَ قَوْمٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَهِيَ بَيِّنَةٌ وَهِيَ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَنْفُسِ حِينَ خَلَقَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ عَطَاءٍ فِي هَذَا. فَمَرَّةً قَالَ كَقَوْلِنَا: إنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَيِّ أَبَوَيْهِ أَسْلَمَ. وَمَرَّةً قَالَ: هُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِ أُمِّهِمْ لَا بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ.

مسألة ولد الكافرة الذمية أو الحربية من زنا أو إكراه

وَمَرَّةً قَالَ: أَيُّهُمَا أَسْلَمَ وَرِثَا جَمِيعًا مَنْ مَاتَ مِنْ صِغَارِ وَلَدِهِمَا وَوَرِثَهُمَا صِغَارُ وَلَدِهِمَا. رُوِّينَا هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ - رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا جَمِيعًا فِي الصَّغِيرِ يَكُونُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا فَيَمُوتُ: إنَّهُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرٍو وَالْمُغِيرَةِ قَالَ عَمْرٌو: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَا جَمِيعًا فِي نَصْرَانِيَّيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا: إنَّ أَوْلَاهُمَا بِهِمْ الْمُسْلِمُ يَرِثُهُمْ وَيَرِثُونَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ أَسْلَمَ جَدُّ الصَّغِيرِ، أَوْ عَمُّهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَيِّهِمَا أَسْلَمَ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: الْأَمْرُ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّلِينَا الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يُشَكُّ فِيهِ وَنَحْنُ عَلَيْهِ الْآنَ أَنَّ النَّصْرَانِيِّينَ بَيْنَهَا وَلَدٌ صِغَارٌ فَأَسْلَمَتْ الْأُمُّ وَرِثَتْهُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا بَقِيَ فَلِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ نَصْرَانِيَّيْنِ وَهُوَ صَغِيرٌ وَلَهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ مُسْلِمٍ، أَوْ أُخْتٌ مُسْلِمَةٌ وَرِثَهُ أَخُوهُ، أَوْ أُخْتُهُ كِتَابَ اللَّهِ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ. رُوِّينَا هَذَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ هَذَا لِعَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانُ فَقِيهُ أَهْلِ الشَّامِ أَدْرَكَ التَّابِعِينَ الْأَكَابِرَ. وَلَسْنَا نَرَاهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدٍّ، وَلَا عَمٍّ، وَلَا أَخٍ، وَلَا أُخْتٍ، إذَا اجْتَمَعَ أَبَوَاهُ عَلَى تَهْوِيدِهِ، أَوْ تَنْصِيرِهِ، أَوْ تَمْجِيسِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [مَسْأَلَةٌ وَلَدُ الْكَافِرَةِ الذِّمِّيَّةِ أَوْ الْحَرْبِيَّةِ مِنْ زِنًا أَوْ إكْرَاهٍ] . 946 - مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الْكَافِرَةِ الذِّمِّيَّةِ، أَوْ الْحَرْبِيَّةِ مِنْ زِنًا، أَوْ إكْرَاهٍ مُسْلِمٌ، وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرنَا وَلَا أَبَوَيْنِ لَهُ يُخْرِجَانِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقِ. [مَسْأَلَةٌ مِنْ سُبِيَ مِنْ صِغَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ] 947 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سُبِيَ مِنْ صِغَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَسَوَاءٌ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا، أَوْ دُونَهُمَا هُوَ مُسْلِمٌ، وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَبَوَيْهِ قَدْ زَالَ عَنْ النَّظَرِ لَهُ، وَصَارَ سَيِّدُهُ أَمْلَكَ بِهِ، فَبَطَلَ إخْرَاجُهُمَا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا خَلَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ لَا يَدْعُ يَهُودِيًّا، وَلَا نَصْرَانِيًّا يُهَوِّدُ وَلَدَهُ، وَلَا

مسألة وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي

يُنَصِّرُهُ فِي مِلْكِ الْعَرَبِ - وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْمُزَنِيِّ - بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ كَنْزًا مِنْ دَفْنِ كَافِرٍ غَيْرِ ذِمِّيٍّ] 948 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ كَنْزًا مِنْ دَفْنِ كَافِرٍ غَيْرِ ذِمِّيٍّ - جَاهِلِيًّا كَانَ الدَّافِنُ، أَوْ غَيْرَ جَاهِلِيٍّ - فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُ حَلَالٌ، وَيَقْسِمُ الْخُمُسَ حَيْثُ يُقْسَمُ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ، وَلَا يُعْطِي لِلسُّلْطَانِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا إنْ كَانَ إمَامَ عَدْلٍ فَيُعْطِيه الْخُمُسَ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي فَلَاةٍ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ، أَوْ أَرْضِ عَنْوَةٍ، أَوْ أَرْضِ صُلْحٍ؛ أَوْ فِي دَارِهِ، أَوْ فِي دَارِ مُسْلِمٍ، أَوْ فِي دَارِ ذِمِّيٍّ، أَوْ حَيْثُ مَا وَجَدَهُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ كَمَا ذَكَرنَا، وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ حُرٌّ، أَوْ عَبْدٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] ، وَمَالُ الْكَافِرِ غَيْرِ الذِّمِّيِّ غَنِيمَةٌ لِمَنْ وَجَدَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَمِنْ حَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهَا: أَصَبْت كَنْزًا فَرَفَعْته إلَى السُّلْطَانِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِفِيك الْكَثْكَثُ " الْكَثْكَثُ التُّرَابُ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَا يَكُونُ وُجُودُهُ فِي أَرْضٍ مُمْتَلَكَةٍ لِمُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ مُوجِبًا لِمِلْكِ صَاحِبِ الْأَرْضِ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَرْضِ، فَلَا يَكُونُ مِلْكُ الْأَرْضِ مِلْكًا لِمَا فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا مِنْ صَيْدٍ، أَوْ لُقَطَةٍ، أَوْ دَفِينَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَقَوْلِنَا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ ادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ وَجَدَهُ ثُمَّ أَقَرَّهُ فَهُوَ لَهُ - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا دَعْوَى لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهَا فَهُوَ

لِمَنْ وَجَدَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَهُوَ غَانِمُهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ أَثَرُ اسْتِخْرَاجِهِ، ثُمَّ رَدِّهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُ صَاحِبِ الْأَرْضِ حَقًّا، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ كَمَا وُضِعَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَكَذِبُ مُدَّعِيه ظَاهِرٌ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ لِوَاجِدِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ فِي صَحَارَى أَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ لَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ عَنْوَةٍ فَهُوَ كُلُّهُ لِبَقَايَا مُفْتَتِحِي تِلْكَ الْبِلَادِ، وَفِيهِ الْخُمُسُ؛ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ صُلْحٍ فَهُوَ كُلُّهُ لِأَهْلِ الصُّلْحِ، وَلَا خُمُسَ فِيهِ. وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ أَسْقَطَ الْخُمُسَ عَمَّا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَرْضِ صُلْحٍ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ أَرْضَ صُلْحٍ مِنْ غَيْرِهَا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ إنَّمَا صَالَحُوا عَلَى مَا يَمْلِكُونَهُ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ لَا عَلَى مَا لَا يَمْلِكُونَهُ وَلَا هُوَ بِأَيْدِيهِمْ وَلَا يَعْرِفُونَهُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ لَوْ مَلَكُوا كُلَّ رِكَازٍ فِي الْأَرْضِ الَّتِي صَالَحُوا عَلَيْهَا لَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَهُ أَيْضًا الْعَرَبُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى بِلَادِهِمْ فَيَكُونُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ رِكَازٍ لِلَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى تِلْكَ الْأَرْضِ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِيمَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَنَّهُ لِوَرَثَةِ الْمُفْتَتِحِينَ. فَخَطَأٌ لِأَنَّ الْمُفْتَتِحِينَ لِلْأَرْضِ إنَّمَا يَمْلِكُونَ مَا غَنِمُوا، لَا مَا لَمْ يَغْنَمُوا، وَالرِّكَازُ مِمَّا لَمْ يَغْنَمُوا، وَلَا حَصَلُوا عَلَيْهِ، وَلَا أَخَذُوهُ؛ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ لَا يَجْعَلُونَ الْأَرْضَ حَقًّا لِلْمُفْتَتِحَيْنِ أَرْضَ الْعَنْوَةِ وَهُمْ غَنِمُوهَا ثُمَّ يَجْعَلُونَ الرِّكَازَ الَّذِي فِيهَا حَقًّا لَهُمْ وَهُمْ لَمْ يَغْنَمُوهُ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: هُوَ لِوَاجِدِهِ وَعَلَيْهِ فِيهِ الْخُمُسُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخُمُسَ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ فِي دَارٍ اخْتَطَّهَا مُسْلِمٌ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارٍ اخْتَطَّهَا مُسْلِمٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْخُطَّةِ وَفِيهِ الْخُمُسُ؛ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِ حَرْبِيٍّ وَقَدْ دَخَلَهَا بِأَمَانٍ فَهُوَ كُلُّهُ لِلْحَرْبِيِّ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَحْرَاءَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كُلُّهُ لِوَاجِدِهِ وَلَا خُمُسَ عَلَيْهِ فِيهِ.

وَهَذَا تَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَخِلَافٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ - فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ؛ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَفِيهِ عَنْ السَّلَفِ آثَارٌ. مِنْهَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيًّا أَتَاهُ رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَدَهَا فِي خَرِبَةٍ بِالسَّوَادِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ كُنْت وَجَدَتْهَا فِي قَرْيَةٍ خَرِبَةٍ تَحْمِلُ خَرَاجَهَا قَرْيَةٌ عَامِرَةٌ فَهِيَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحْمِلُ خَرَاجَهَا فَلَكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَلَنَا خُمُسُهُ، وَسَأُطَيِّبُهُ لَك جَمِيعًا. وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، لِأَنَّ السَّوَادَ أُخِذَ عَنْوَةً لَا صُلْحًا، وَكَانَ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ دَارَ إسْلَامٍ، وَقَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ، وَشَيْءٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا مُوسَى وَجَدَ دَانْيَالَ بِالسُّوسِ إذْ فَتَحَهَا وَمَعَهُ مَالٌ إلَى جَنْبِهِ، كَانُوا يَسْتَقْرِضُونَ مِنْهُ مَا احْتَاجُوا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْأَجَلُ وَلَمْ يَرُدَّهُ الْمُسْتَقْرِضُ بَرِصَ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بِذَلِكَ. فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: كَفِّنْهُ، وَحَنِّطْهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَادْفِنْهُ كَمَا دُفِنَتْ الْأَنْبِيَاءُ وَاجْعَلْ الْمَالَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رِكَازًا، إنَّمَا كَانَ مَعْلُومًا ظَاهِرًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ فَيُخَمَّسَ وَيُغْنَمَ؛ بَلْ كَانَ مَالَ نَبِيٍّ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَصَالِحِهِمْ. وَمِنْهَا: خَبَرٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ رِيَاحٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُمْ أَصَابُوا قَبْرًا بِالْمَدَائِنِ، وَفِيهِ مَيِّتٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ، وَمَعَهُ مَالٌ؟ فَكَتَبَ فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ إلَى عُمَرَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَعْطِهِمْ إيَّاهُ وَلَا تَنْزِعْهُ مِنْهُمْ - وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ خُمُسٍ؛ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُمُسِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ. وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَلْفَ دِينَارٍ مَدْفُونَةً خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ، فَأَخَذَ خُمُسَهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الْبَاقِيَ؛ ثُمَّ جَعَلَ عُمَرُ يَقْسِمُ الْمِائَتَيْنِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنْ فَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ فَدَفَعَهَا إلَى وَاجِدِهَا - وَهَذَا قَوْلُنَا، إلَّا فِي صِفَةِ قِسْمَتِهِ الْخُمُسَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدًا وَجَدَ رِكْزَةً عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَأَعْتَقَهُ مِنْهَا، وَأَعْطَاهُ مِنْهَا، وَجَعَلَ سَائِرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا وَجَدَ الرِّكَازَ حُرٌّ، أَوْ عَبْدٌ، الْحُكْمُ [عِنْدَنَا] وَاحِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا.

مسألة يقسم خمس الركاز وخمس الغنيمة على خمسة أسهم

وَرُوِّينَا خَبَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا - مِنْ طَرِيقِ الزَّمْعِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ قُرَيْبَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أُمِّهَا كَرِيمَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: «أَنَّ الْمِقْدَادَ خَرَجَ إلَى حَاجَتِهِ بِبَقِيعِ الْخَبْخَبَةِ فَإِذَا جُرَذٌ يُخْرِجُ مِنْ جُحْرٍ دِينَارًا بَعْدَ دِينَارٍ، ثُمَّ أَخْرَجَ خِرْقَةً حَمْرَاءَ فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَأَخَذَهَا وَحَمَلَهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ أَهْوَيْتَ الْجُحْرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا» وَهَذَا خَبَرٌ لَيْسَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرنَا وَإِسْنَادُهُ مُظْلِمٌ، الزَّمْعِيُّ عَنْ عَمَّتِهِ قَرِيبَةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ؛ وَلَعَلَّ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ مِنْ دَفْنِ مُسْلِمٍ مَجْهُولٍ مَيْئُوسٍ عَنْ مَعْرِفَتِهِ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا عِنْدَنَا كُلَّهَا. وَخَبَرٌ آخَرُ: مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُرُوجِهِ إلَى الطَّائِفِ فَمَرُّوا بِقَبْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ إنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ وَجَدْتُمُوهُ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوا الْغُصْنَ» وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ؛ ثُمَّ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرنَا؛ وَإِنَّمَا فِيهِ نَبْشُ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يُقْسَمُ خُمُسُ الرِّكَازِ وَخُمُسُ الْغَنِيمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ] 949 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْسَمُ خُمُسُ الرِّكَازِ وَخُمُسُ الْغَنِيمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: فَسَهْمٌ يَضَعُهُ الْإِمَامُ حَيْثُ يَرَى مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ صَلَاحٌ وَبِرٌّ لِلْمُسْلِمِينَ. وَسَهْمٌ ثَانٍ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَالْمُطَّلِبِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَصَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، وَصَالِحُهُمْ وَطَالِحُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ - وَلَا حَظَّ فِيهِ لِمَوَالِيهِمْ، وَلَا لِحُلَفَائِهِمْ، وَلَا لِبَنِي بَنَاتِهِمْ [مِنْ غَيْرِهِمْ] وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى سِوَاهُمْ، وَلَا لِكَافِرٍ مِنْهُمْ. وَسَهْمٌ ثَالِثٌ لِلْيَتَامَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا.

وَسَهْمٌ رَابِعٌ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَسَهْمٌ خَامِسٌ لِابْنِ السَّبِيلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ فَسَّرْنَا الْمَسَاكِينَ، وَابْنَ السَّبِيلِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَةِ ذَلِكَ وَالْيَتَامَى هُمْ الَّذِينَ قَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ فَقَطْ؛ فَإِذَا بَلَغُوا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمْ اسْمُ الْيُتْمِ وَخَرَجُوا مِنْ السَّهْمِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] ، فَلَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْ قِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا: وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا هُشَيْمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَخْبَرَنِي «جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَتَرَكَ: بَنِي نَوْفَلٍ، وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا، وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَهَذَا بَيِّنٌ جَلِيٌّ وَإِسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَجٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ الْعَبْقَسِيُّ الْمَكِّيُّ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ نَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ نَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرنَا، وَفِيهِ " قَالَ: «فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ الْقَمْحِ وَالتَّمْرِ وَالنَّوَى» . وَهَذَا أَيْضًا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ، وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ سَهْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَهْمَ رَسُولِهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ.

نَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ جَبْرُونَ نَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نَا أَبِي نَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْد بْنِ مَنْجُوفٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَلِيًّا إلَى خَالِدٍ لِيَقْسِمَ الْخُمُسَ فَاصْطَفَى عَلِيٌّ مِنْهَا سَبِيَّةً فَأَصْبَحَ يَقْطُرُ رَأْسَهُ، فَقَالَ خَالِدٌ لِبُرَيْدَةَ: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ بُرَيْدَةَ: وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ، قَالَ: أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبَّهُ، فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» . وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ امْرِئٍ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى مَحْدُودٌ مَعْرُوفُ الْقَدْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ (قَالَ) أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي «جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ جَاءَ هُوَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُكَلِّمَانِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَسَمَ مِنْ الْخُمُسِ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَسَمْتَ لِإِخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا، وَقَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ مِنْكَ وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسِ كَمَا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ» ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيهِمْ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُعْطِيهِمْ مِنْهُ، وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ ". فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِمْ أَبُو بَكْرٍ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيهِمْ، فَهُوَ مَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعُودُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَهْمِهِ، وَكَانَتْ حَاجَةُ

الْمُسْلِمِينَ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ أَشَدَّ، وَأَمَّا أَنْ يَمْنَعَهُمْ الْحَقَّ الْمَفْرُوضَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ فَيُعِيذُ اللَّهُ تَعَالَى أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نَا يَحْيَى أَبِي بُكَيْرٍ نَا أَبُو جَعْفَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ قَاضِي الرَّيِّ عَنْ مُطَرِّفٍ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: " سَمِعْتُ «عَلِيًّا يَقُولُ: وَلَّانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُمُسَ الْخُمُسِ فَوَضَعْتُهُ مَوَاضِعَهُ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَيَاةَ أَبِي بَكْرٍ وَحَيَاةَ عُمَرَ، فَأَتَى بِمَالٍ فَدَعَانِي فَقَالَ: خُذْهُ فَقُلْتُ: لَا أُرِيدُهُ، قَالَ: خُذْهُ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، قُلْتُ: قَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْهُ، فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ» . أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى نَجْدَةَ: وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ؛ وَإِنَّا زَعَمْنَا أَنَّا هُمْ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا. فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الصِّحَاحُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يُعَارِضُهَا مَا لَا يَصِحُّ، أَوْ مَا مَوَّهَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيْضًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ نَا الْحَكَمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خُمُسُ الْخُمُسِ سَهْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَهْمُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الأنفال: 41] ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَخُمُسُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدٌ، وَيُقْسَمُ مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - عَنْ سَعِيدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَخُمُسٌ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلرَّسُولِ، وَخُمُسٌ لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُمُسٌ لِلْيَتَامَى، وَخُمُسٌ لِابْنِ السَّبِيلِ، وَخُمُسٌ لِلْمَسَاكِينِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَآخِرُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ. إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لِلذَّكَرِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَيْ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ - وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ أَصْلًا وَلَيْسَ مِيرَاثًا فَيُقْسَمُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْعَلُ الْخُمُسُ كُلُّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُعْطَى أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يَرَى الْإِمَامُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ مَحْدُودٌ. قَالَ أَصْبَغُ بْنُ فَرَجٍ: أَقْرِبَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُمْ جَمِيعُ قُرَيْشٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْسَمُ الْخُمُسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: الْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ نَصًّا، وَخِلَافُ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَلَا يُعْرَفُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا كُلَّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْإِيصَالِ، وَجِمَاعُ كُلِّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا احْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْرِيِّ، وَنُظَرَائِهِ، أَوْ مُرْسَلَةٍ، أَوْ صِحَاحٍ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ أَصْلًا، أَوْ قَوْلٍ عَنْ صَاحِبٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ وَلَا مَزِيدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 950 - مَسْأَلَةٌ: وَتُقْسَمُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ الْخُمُسِ عَلَى مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ، أَوْ الْغَنِيمَةَ، لِصَاحِبِ الْفَرَسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: لَهُ سَهْمٌ، وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ، وَرَاكِبِ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَالْجَمَلِ: سَهْمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ: لَهُ سَهْمٌ، وَلِفَرَسِهِ سَهْمٌ، وَلِسَائِرِ مَنْ ذَكَرنَا سَهْمٌ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِرَاكِبِ الْبَعِيرِ سَهْمَانِ، وَلِغَيْرِهِمَا سَهْمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا لَهُ بِآثَارٍ ضَعِيفَةٍ. مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ مُجَمِّعِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ بْن جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلِ سَهْمًا» . مُجَمِّعٌ مَجْهُولٌ وَأَبُوهُ كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» . عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ نَافِعٍ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَعَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَهَذِهِ فَضِيحَةٌ مَجْهُولٌ، وَمُرْسَلٌ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ؛ فَيُقَالُ لَهُ: وَتُسَاوِي بَيْنَهُمَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؛ فَإِذَا جَازَتْ الْمُسَاوَاةُ فَمَا مَنَعَ التَّفْضِيلَ؟ ثُمَّ هُوَ يُسْهِمُ لِلْفَرَسِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلْ عَلَيْهِ، وَلَا يُسْهِمُ لِلْمُسْلِمِ التَّاجِرِ، وَلَا الْأَجِيرِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَا؛ فَقَدْ فَضَّلَ بَهِيمَةً عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ هُوَ يَقُولُ فِي إنْسَانٍ قَتَلَ كَلْبًا لِمُسْلِمٍ، وَعَبْدًا مُسْلِمًا فَاضِلًا، وَخِنْزِيرًا لِذِمِّيٍّ: - قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي فِي الْكَلْبِ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَفِي الْخِنْزِيرِ ذَلِكَ، وَلَا يُعْطِي فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إلَّا عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا الرَّأْيِ السَّاقِطِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ، فَقَدْ فَضَّلَ الْبَهِيمَةَ عَلَى الْإِنْسَانِ. قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى السَّهْمَيْنِ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: إنْ كُنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَّمْنَاكُمْ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ وَدَعَوَاكُمْ الْإِجْمَاعَ هَاهُنَا كَذِبٌ؟ وَمَا نَدْرِي لَعَلَّ فِيمَنْ أَخْطَأَ كَخَطَئِكُمْ، ثُمَّ مَنْ يَقُولُ: لَا

يُفَضَّلُ فَارِسٌ عَلَى رَاجِلٍ، كَمَا لَا يُفَضَّلُ رَاكِبُ الْبَغْلِ عَلَى الرَّاجِلِ، وَكَمَا لَا يُفَضَّلُ الشُّجَاعُ الْبَطَلُ الْمُبْلِي، عَلَى الْجَبَانِ الضَّعِيفِ الْمَرِيضِ. ثُمَّ لَوْ طَرَدْتُمْ أَصْلَكُمْ هَذَا لَوَجَبَ أَنْ تُسْقِطُوا الزَّكَاةَ عَنْ كُلِّ مَا أَوْجَبْتُمُوهَا فِيهِ مِنْ الْعَسَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَبَطَلَ قَوْلُكُمْ فِي دِيَةِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا يَهْدِمُ عَلَيْكُمْ أَكْثَرَ مَذَاهِبِكُمْ. وَرَوَوْا: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ الْحَكَمِ - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَهُمْ يَرَوْنَ حُكْمَ عُمَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ سُنَّةً، فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلُوهُ سُنَّةً أَيْضًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ نَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا يَوْمَ خَيْبَرَ» . فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ لِصِحَّتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الْأَخْبَارُ لَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَيْهَا، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا. وَهُوَ قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - وَبِهِ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ [وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ] . 951 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَضَرَ بِخَيْلٍ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ إلَّا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَقَطْ، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ فَقَطْ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُسْهَمُ لِكُلِّ فَرَسٍ مِنْهَا - وَهَذَا لَا يَقُومُ بِهِ بُرْهَانٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِلزُّبَيْرِ لِفَرَسَيْنِ؟

قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ، وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِيهِ هُوَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ لِلزُّبَيْرِ، وَسَهْمِ الْقُرْبَى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَسَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ» . 952 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ، وَلِلتَّاجِرِ، وَلِلْعَبْدِ، وَلِلْحُرِّ، وَالْمَرِيضِ، وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ كُلُّهُمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] وَلِلْأَثَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَسَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا أَجِيرًا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا تَاجِرًا مِنْ سِوَاهُ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِهِ إلَى نَجْدَةَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ، هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَحْذِيَا فَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ كَقَوْلٍ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَالصَّرْفِ، وَسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنِي «عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَاتِي فَكَلَّمُوا فِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِي فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ، فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ» . فَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَجُرُّ السَّيْفَ، وَهَذَا صِفَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ.

وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَا يُسْهَمُ لَهُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى «عَنْ فَضَالَةِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ وَفِينَا مَمْلُوكُونَ فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ» ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ مُحَمَّدٌ - فَلَمْ يُدْرِكْ فَضَالَةَ؛ وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ؛ وَإِنْ كَانَ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - فَالثَّوْرِيُّ لَمْ يُدْرِكْهُ وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ بِسِنِينَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيّ أَخْبَرَنَا عِيسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسِ اللِّهْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ أَبِي يَقْسِمُ لِلْحُرِّ وَلِلْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي قُرَّةَ قَالَ: قَسَمَ لِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا قَسَمَ لِسَيِّدِي. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالُوا: مَنْ شَهِدَ الْبَأْسَ مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ أَجِيرٍ، فَلَهُ سَهْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْغَنَائِمِ يَسْبِيهَا الْجَيْشُ قَالَ: إنْ أَعَانَهُمْ التَّاجِرُ، وَالْعَبْدُ: ضُرِبَ لَهُ بِسِهَامِهِمْ مَعَ الْجَيْشِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا شَهِدَ التَّاجِرُ، وَالْعَبْدُ، قُسِمَ لَهُ، وَقُسِمَ لِلْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا غُنْدَرُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنْ يُسْهَمَ لِلْفَرَسِ، وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا أَسْهَمُوا لِلْعَبْدِ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا فِي الْأَجِيرِ خَبَرَيْنِ - فِيهِمَا «أَنَّ أَجِيرًا اُسْتُؤْجِرَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَهْمًا غَيْرَهَا» فَلَا يَصِحَّانِ.

لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحِمْصِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأَبُو سَلَمٍ مَجْهُولٌ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُنَيَّةَ - وَعَاصِمَ بْنَ حَكِيمٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الدَّيْلَمِيِّ مَجْهُولَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ: لَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يُسْهَمُ لَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَاتِلَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُسْهَمُ لِلتَّاجِرِ - وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيِّ: يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ. 953 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُسْهَمُ لِامْرَأَةٍ، وَلَا لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ - قَاتَلَا، أَوْ لَمْ يُقَاتِلَا - وَيُنْفَلَانِ دُونَ سَهْمِ رَاجِلٍ؛ وَلَا يَحْضُرُ مَغَازِي الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ فَإِنْ حَضَرَ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يُنْفَلُ - قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ قَعْنَبٍ نَا سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ بَلَغَ بِالنَّفْلِ لَهَا سَهْمَ رَاجِلٍ لَكَانَ قَدْ أَسْهَمَ لَهُنَّ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُرْضَخُ لَهُنَّ - وَهَذَا خَطَأٌ، وَخِلَافُ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ نَا رُفَيْعُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ زِيَادٍ [قَالَ] حَدَّثَنِي «حَشْرَجُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّهَا غَزَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سِتِّ نِسْوَةٍ قَالَتْ: فَأَسْهَمَ لَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ» .

وَهَذَا إسْنَادٌ مُظْلِمٌ، رَافِعٌ، وَحَشْرَجٌ: مَجْهُولَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ وَلِلصِّبْيَانِ وَالْخَيْلِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ مَجْهُولٍ قَالَ: «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْخَيْلِ» وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو خَالِدِ الْأَحْمَرُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَ النَّاسِ غَنَائِمَهُمْ فَأَعْطَى كُلَّ إنْسَانٍ دِينَارًا وَجَعَلَ سَهْمَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَيْحَانَ قَالَ: شَهِدَ مَعَ أَبِي مُوسَى أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ مَجْزَأَةَ بْنِ ثَوْرٍ فَأَسْهَمَ لَهُنَّ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ أَهْلَ الْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذَا لِأَنَّهُ إذَا أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ - وَهُوَ بَهِيمَةٌ - فَالْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالسَّهْمِ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِعْلُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْقَاضِي عَلَى مَا سِوَاهُ، وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَغَيْرُ مُخَاطَبِينَ، وَأَمَّا النَّفَلُ لِلصِّبْيَانِ أَيْضًا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْزُو بِالْيَهُودِ فَيُسْهِمُ لَهُمْ كَسِهَامِ الْمُسْلِمِينَ» . وَرُوِّينَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا صِحَاحٍ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ حَيِّ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ هُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - غَزَا بِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ فَرَضَخَ لَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلَتْ الشَّعْبِيَّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ يَغْزُونَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؟ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ الْفَقِيهَ مِنْهُمْ وَغَيْرَ الْفَقِيهِ يَغْزُونَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَقْسِمُونَ لَهُمْ، وَيَضَعُونَ عَنْهُمْ مِنْ جِزْيَتِهِمْ؛ فَذَلِكَ لَهُمْ نَفْلٌ حَسَنٌ - وَالشَّعْبِيُّ وُلِدَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ عَلِيٍّ وَأَدْرَكَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَنَّهُ يَقْسِمُ لِلْمُشْرِكِ إذَا حَضَرَ كَسَهْمِ الْمُسْلِمِ.

مسألة اضطررنا إلى المشرك في الدلالة في الطريق

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الْعَهْدِ يَغْزُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: لَهُمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مَا جُعِلَ لَهُمْ فَهُوَ لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ - قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَلَا يُرْضَخُ لَهُمْ، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذَا، لِأَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَى هَذَا، وَلَا نَعْلَمُ لِسَعْدٍ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَانَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ يَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ: «فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الْغَنَائِمِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. [مَسْأَلَةٌ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْمُشْرِكِ فِي الدَّلَالَةِ فِي الطَّرِيقِ] 954 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْمُشْرِكِ فِي الدَّلَالَةِ فِي الطَّرِيقِ اُسْتُؤْجِرَ لِذَلِكَ بِمَالٍ مُسَمًّى مِنْ غَيْرِ الْغَنِيمَةِ. لَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا هِشَامُ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ - نَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -] قَالَتْ «وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ هَادِيًا» يَعْنِي بِالطَّرِيقِ ". [مَسْأَلَةٌ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ] 955 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ سَلَبُهُ قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ، أَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَيْفَمَا قَتَلَهُ صَبْرًا، أَوْ فِي الْقِتَالِ؟ وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ، وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ

فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، أَوْ خَشِيَ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ، أَوْ أَنْ يُخَمَّسَ فَلَهُ أَنْ يُغَيِّبَهُ، وَيُخْفِيَ أَمْرَهُ. وَالسَّلَبُ: فَرَسُ الْمَقْتُولِ، وَسَرْجُهُ، وَلِجَامُهُ، وَكُلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ لِبَاسٍ، وَحِلْيَةٍ، وَمَهَامِيزَ وَكُلُّ مَا مَعَهُ مِنْ سِلَاحٍ، وَكُلُّ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ فِي نِطَاقِهِ أَوْ فِي يَدِهِ، أَوْ كَيْفَمَا كَانَ مَعَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ هُوَ عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ - عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» فِي حَدِيثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو نُعَيْمٍ نَا أَبُو الْعُمَيْسِ هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ؟ قَالَ سَلَمَةُ: فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ» . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُوجِبُ مَا قُلْنَاهُ وَهِيَ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ كَمَا تَرَى. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ: أَنَّ بِشْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَتَلَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ عَظِيمًا مِنْ الْفُرْسِ مُبَارَزَةً وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَأَتَى بِهِ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَوَّمَهُ اثْنَيْ عَشْر أَلْفًا، فَنَفَلَهُ إيَّاهُ سَعْدٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّهُ رَكِبَ وَحْدَهُ حَتَّى أَتَى بَابَ دِمَشْقَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ خَيْلٌ مِنْهَا فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةً وَأَخَذَ خَيْلَهُمْ فَأَتَى بِهَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعِنْدَهُ عَظِيمُ الرُّومِ فَابْتَاعَ مِنْهُ سَرْجَ أَحَدِهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَنَفَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كُلَّ مَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا وَاثِلَةُ، وَخَالِدٌ وَسَعِيدٌ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ السَّلَبُ لَا يُخَمَّسُ وَكَانَ أَوَّلُ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الْإِسْلَامِ سَلَبَ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، وَكَانَ قَتَلَ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةَ وَقَطَعَ مِنْطَقَتَهُ وَسِوَارَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ صَلَّى عُمَرُ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَتَانَا فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَثَمَّ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ عُمَرُ: إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ مَالٌ وَإِنِّي خَامِسُهُ، فَدَعَا الْمُقَوِّمِينَ فَقَوَّمُوا ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَأَخَذَ مِنْهَا سِتَّةَ آلَافٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت نَافِعًا يَقُولُ: لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مُنْذُ قَطُّ إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُشْرِكًا فَلَهُ سَلَبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَى أَحَدٌ قَتَلَ أَحَدًا - فَهَذَا يُخْبِرُ عَمَّا سَلَفَ. فَصَحَّ أَنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ بَعْدَهُ وَجَمِيعِ أُمَرَائِهِمْ. وَهَذَا نَافِعٌ يُخْبِرُ: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ ذَلِكَ وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ، فَصَحَّ أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ تَعَمُّدُ خِلَافِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ أَنَّهُ اسْتَطَابَ نَفْسَ الْبَرَاءِ. وَهَذَا صَحِيحٌ حَسَنٌ لَا نُنْكِرُهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَأَحْمَدَ قَالَا: إنْ قَتْلَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ - وَهَذَا خَطَأٌ لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ الَّذِي ذَكَرنَا فَإِنَّهُ قَتَلَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَفِي غَيْرِ قِتَالٍ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِعُمُومِ حَدِيثِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ فَأَعْطُوا مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِحَقٍّ فِي قَوَدٍ، أَوْ رَجْمٍ، أَوْ مُحَارَبَةٍ، أَوْ بَغْيٍ، سَلَبَهُ. قُلْنَا: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْقُرْآنِ مَالَ الْمُسْلِمِ لَفَعَلْنَا مَا

قُلْتُمْ؛ فَخَرَجَ سَلَبُ الْمُسْلِمِ بِهَذَا عَنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ، وَبَقِيَ سَلَبُ الْكَافِرِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ هُوَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ - عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ السَّلَبِ؟ فَقَالَ: لَا سَلَبَ إلَّا مِنْ النَّفْلِ وَفِي النَّفْلِ الْخُمُسُ. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ السَّلَبُ إلَّا نَفْلًا، فَقَوْلٌ كَقَوْلِ مَنْ ذَكَرنَا، إلَّا أَنَّهُ رَأَى فِيهِ الْخُمُسَ - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ: إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْأَمِيرُ قَبْلَ الْقِتَالِ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَا يُخَمَّسُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَفْعَلُوا، بَلْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِتَالِ؛ فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ صُرَاحًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا عَجَبًا نَعَمْ، فَهَبْكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ إلَّا يَوْمَئِذٍ، أَوْ قَالَهُ قَبْلُ وَبَعْدُ، أَتَرَى يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَى بِهِ مَرَّةً، أَوْ يَرَوْنَهُ بَاطِلًا حَتَّى يُكَرِّرَ الْقَضَاءَ بِهِ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَالَ مَرَّةً، أَوْ أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ، كُلُّهُ دِينٌ، وَكُلُّهُ حَقٌّ، وَكُلُّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ. وَمَوَّهُوا بِفِعْلِ عُمَرَ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ، لِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ دُونَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِتَالِ، إلَّا أَنَّهُ خَمَّسَهُ وَلَمْ يُمَانِعْهُ الْبَرَاءُ، فَصَحَّ أَنَّهُ طَابَتْ بِهِ نَفْسِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ لَا نُنْكِرُهُ. وَشَغَبُوا أَيْضًا بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَمَوَّهَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فِي نَصْرِ تَقْلِيدِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْحَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: فَأَبْطِلُوا بِهَذَا الدَّلِيلِ قَوْلَكُمْ: إنَّ الْإِمَامَ

إذَا قَالَ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ كَانَ لَهُ. فَقَدْ جَعَلْتُمْ قَوْلَ إمَامٍ لَعَلَّهُ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ حُجَّةً عَلَى الْآيَةِ، وَلَمْ تَجْعَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ الَّذِي لَا إمَامَةَ لِأَحَدٍ إلَّا بِطَاعَتِهِ بَيَانًا لِلْآيَةِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ لَا خُمُسَ فِيهَا، وَهَذَا مَوْضِعُ الِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ حَقًّا وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ فِي «أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ فَارِسًا مِنْ الرُّومِ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَفَرَسَهُ؟ فَبَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَ مِنْ السَّلَبِ قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْتُ خَالِدًا فَقُلْتُ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ، قُلْتُ: لَتَرُدَّنَّهُ أَوْ لَأُعَرِّفَنَّكَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا خَالِدُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْثَرْتُهُ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ: دُونَكَ يَا خَالِدُ، أَلَمْ أَفِ لَكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: أَنَّ فِيهِ نَصًّا جَلِيًّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ - وَهَذَا قَوْلُنَا. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ خَالِدًا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ فِي نَصِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ لَا يَرُدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْقَاتِلَ صَاحِبَ السَّلَبِ أَعْطَاهُ بِطَيِّبِ نَفْسٍ وَلَمْ يَطْلُبْ خَالِدًا بِهِ، وَأَنَّ عَوْفًا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا يُوهِمُونَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» كَانَ بَعْدَ يَوْمِ مُؤْتَةَ، بِلَا خِلَافٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ

كَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ قَتْلُ جَعْفَرٍ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَابْنِ رَوَاحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَيَوْمُ حُنَيْنٍ حُكْمُهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَوْ كَانَ خِلَافَهُ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرِ قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَهُوَ أَحَدُ قَاتِلِيهِ، وَالثَّانِي: مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَتَلَهُ أَيْضًا فَنَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيْفَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَأَيْنَ يَوْمُ بَدْرٍ مِنْ يَوْمِ حُنَيْنٍ وَبَيْنَهُمَا أَعْوَامٌ؟ وَمَا نَزَلَ حُكْمُ الْغَنَائِمِ إلَّا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ فَكَيْفَ يَكُونُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ؟ وَمَوَّهُوا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى السَّهْمُ يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ أَحَقَّ مِنْ أَخِيهِ بِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لَا يُدْرَى أَصَدَقَ فِي ادِّعَائِهِ الصُّحْبَةَ أَمْ لَا؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ الْخُمُسَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْغَنِيمَةَ بِلَا خِلَافٍ، فَالسَّلَبُ مَضْمُومٌ إلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا احْتَجَجْتُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي قَوْلِكُمْ: إنَّ الْقَاتِلَ أَحَقُّ بِالسَّلَبِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ؟ فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَكُمْ مَخْصُوصًا بِقَوْلِ مَنْ لَا وَزْنَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تَخُصُّوهُ بِقَوْلِ مَنْ لَا إيمَانَ لَكُمْ إنْ لَمْ تُسَلِّمُوا لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ، تَبًّا لِهَذِهِ الْعُقُولِ الْمَكِيدَةِ. وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ «أَنَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ قَتَلَ قَتِيلًا فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَ سَلَبَهُ، فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: مَهْلًا يَا حَبِيبُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرُ سُوءٍ مَكْذُوبٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ: عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، وَقَدْ تَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُوسَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَابًا حُفَاةً فَجِئْنَا نَحْنُ أَبْنَاءَ فَارِسٍ فَلَخَّصْنَا هَذَا الدِّينَ - فَانْظُرُوا بِمَنْ يَحْتَجُّونَ عَلَى السُّنَنِ الثَّابِتَةِ. ثُمَّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ - وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ جُنَادَةَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الَّذِي وَجَدَ الرِّكَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِجَمِيعِهِ دُونَ طِيبِ نَفْسِ إمَامِهِ. ثُمَّ نَقُولُ لِلْمُحْتَجِّ بِهَذَا الْخَبَرِ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ الْإِمَامِ لِبَعْضِ الْجَيْشِ بِسَهْمِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَيَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقَّهُمْ؟ إنَّ هَذَا لَعَجِيبٌ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؛ فَصَارُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا حَقَّقُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ، وَهَذَا فِعْلُ مِنْ لَا وَرَعَ لَهُ. وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ غَالِبِ بْنِ حَجْرَةَ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ عَنْ أَبِيهَا [عَنْ أَبِيهِ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى بِمَوْلًى فَلَهُ سَلَبُهُ» قَالُوا: فَقُولُوا بِهَذَا أَيْضًا ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا إنَّمَا يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيِّ لَا صَدَاقَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَمَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فِي إبَاحَةِ الْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ، وَتِلْكَ النَّطَائِحُ وَالْمُتَرَدِّيَاتُ. فَهَذَا الْخَبَرُ مُضَافٌ إلَى تِلْكَ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِمَا رَوَى الثِّقَةُ عَنْ الثِّقَةِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا رَوَاهُ غَالِبُ بْنُ حَجْرَةَ الْمَجْهُولُ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ الَّتِي لَا يُدْرَى مَنْ هِيَ؟ عَنْ أَبِيهَا الَّذِي لَا يُعْرَفُ، وَالْقَوْمُ فِي عَمًى نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا ابْتَلَاهُمْ بِهِ، وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَجِدْ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِنْهُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْأَنْفَالِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَلَبَ الْكَافِرِ إذَا قَتَلَهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] أَيْ لِيَرُدَّنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ.

مسألة تنفيل الإمام من رأس الغنيمة بعد الخمس وقبل القسمة

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِأَنَّهَا صَحِيفَةٌ وَمُرْسَلٌ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي أَمْرِ بَدْرٍ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْقَضَاءَ بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ كَانَ فِي حُنَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ سِتَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا. ثُمَّ مَوَّهُوا بِقِيَاسَاتٍ سَخِيفَةٍ كُلُّهَا لَازِمٌ لَهُمْ وَغَيْرُ لَازِمٍ لَنَا. مِنْهَا: أَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ الْغَانِمُ لَيْسَ أَحَقَّ بِمَا غَنِمَ كَانَ الْقَاتِلُ فِي السَّلَبِ كَذَلِكَ؛ وَلَوْ كَانَ السَّلَبُ حَقًّا لِلْقَاتِلِ لَكَانَتْ الْأَسْلَابُ - إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُو أَهْلِهَا - مُوقَفَةً كَاللُّقَطَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْقِيَاسُ مَنْ صَحَّحَهُ، وَهُمْ يُصَحِّحُونَهُ فَهُوَ لَهُمْ لَازِمٌ فَلْيُبْطِلُوا بِهَاتَيْنِ الْأُحْمُوقَتَيْنِ قَوْلَهُمْ: [إنَّ السَّلَبَ] لِلْقَاتِلِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ [قَبْلَ الْقِتَالِ] : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ - فَهَذَا يَلْزَمُهُمْ إذْ عَدَلُوا هَذَا الْإِلْزَامَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ سَلَبٍ لَا تَقُومُ لَقَاتَلَهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ فِي جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَصِّ قَوْلِهِ لَا نَتَعَدَّاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ إذَا قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاجِبَةً فَالسَّلَبُ حَقٌّ لِلْقَاتِلِ مَتَى قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَا خِيرَةَ لِأَحَدٍ - لَا إمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ - فِي خِلَافِ ذَلِكَ، لِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَهَذَا كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ السَّلَبُ مِنْ حَقِّ الْقَاتِلِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّهُ لَهُ إذَا قَامَتْ لَهُ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ؟ وَأَيْنَ وَجَدُوا مَا يُوجِبُ قَوْلَهُمْ الْفَاسِدَ؟ : فِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. كَانَ السَّلَبُ حِينَئِذٍ لِلْقَاتِلِ، وَلَا نُعْمَى عَيْنٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَحْرِيمًا أَوْ إيجَابًا. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً وَتَعَرِّيه مِنْ الدَّلِيلِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يُحْفَظْ قَطُّ قَبْلَهُمْ لَا عَنْ صَاحِبٍ، وَلَا عَنْ تَابِعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تنفيل الْإِمَام مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ] 956 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ نَفَّلَ الْإِمَامُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ - بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ - مَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُ مِمَّنْ أَغْنَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمِمَّنْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَنْتَفِعُ بِهِنَّ أَهْلُ الْجَيْشِ، وَمَنْ قَاتَلَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ: فَحَسَنٌ.

وَإِنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَ مَنْ أَتَى بِمَغْنَمٍ فِي الدُّخُولِ رُبْعَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَأَقَلَّ، أَوْ ثُلُثَ مَا سَاقَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَأَقَلَّ، لَا أَكْثَرَ أَصْلًا: فَحَسَنٌ، لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمَةِ عَامَّةِ الْجَيْشِ، وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ كُلُّهُ» وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: [سَمِعْت: أَبَا وَهْبٍ يَقُولُ] : سَمِعْت مَكْحُولًا قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ جَارِيَةَ سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقُولُ «شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَ الرُّبْعَ فِي الْبَدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرَّجْعَةِ» وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ مَمْطُورٍ الْحَبَشِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْفُلُ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبْعَ وَفِي الْقُفُولِ الثُّلُثَ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ لِي مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا نَفْلَ إلَّا مِنْ بَعْدِ الْخُمُسِ» وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشُّعَبِيِّ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْمِهِ يُرِيدُ الشَّامَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَك أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ وَأُنْفِلُكَ الثُّلُثَ مِنْ بَعْدِ الْخُمْسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَشَيْءٍ؟

مسألة تقسم الغنائم كما هي بالقيمة ولا تباع

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُنَفِّلُونَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى إذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْخُمُسُ قَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِهِ الَّذِينَ سَمَّى، فَالنَّفَلُ مِنْهُ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَهُوَ خُمْسُ الْخُمْسِ، وَسَائِرُ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى إخْرَاجَهُ، أَوْ أَوْجَبَ إخْرَاجَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ إلَّا السَّلَبُ جُمْلَةً لِلْقَاتِلِ، وَتَنْفِيلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الرُّبْعِ فَأَقَلَّ، أَوْ الثُّلُثِ فِي الْقُفُولِ فَأَقَلَّ. وَكَذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، لَا نَفْلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمْسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ كَمَا هِيَ بِالْقِيمَةِ وَلَا تُبَاعُ] 957 - مَسْأَلَةٌ: وَتُقْسَمُ الْغَنَائِمُ كَمَا هِيَ بِالْقِيمَةِ وَلَا تُبَاعُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِبَيْعِهَا، وَتُعَجَّلُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَتُقْسَمُ الْأَرْضُ وَتُخَمَّسُ، كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ، وَلَا فَرْقَ، فَإِنْ طَابَتْ نُفُوسُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ عَلَى تَرْكِهَا أَوْقَفَهَا الْإِمَامُ حِينَئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ أَسْلَمَ نَصِيبَهُ كَانَ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى حَقِّهِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: تُبَاعُ الْغَنِيمَةُ وَتُقْسَمُ أَثْمَانُهَا وَتُوقَفُ الْأَرْضُ وَلَا تُقْسَمُ وَلَا تَكُونُ مِلْكًا لِأَحَدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا وَإِنْ شَاءَ أَوْقَفَهَا، فَإِنْ أَوْقَفَهَا فَهِيَ مِلْكٌ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ، وَلَا تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ إلَّا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُبَيِّنُ مَا قُلْنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَثْمَانِ مَا غَنِمْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّهُمْ أَصَابُوا غَنَائِمَ فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ» .

فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا قَسَّمَ أَعْيَانَ الْغَنِيمَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا غَنِمُوا، فَبَيْعُ حُقُوقِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضًا مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوَّلِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَإِنْ رَضِيَ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ بِالْبَيْعِ إلَّا وَاحِدًا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُعْطَى حَقَّهُ مِنْ عَيْنِ الْغَنِيمَةِ، وَيُبَاعُ إنْ أَرَادَ الْبَيْعَ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَبِهَذَا جَاءَتْ الْآثَارُ فِي حُنَيْنٍ، وَبَدْرٍ، وَغَيْرِهِمَا، كَقَوْلِ عَلِيٍّ: إنَّهُ وَقَعَ لِي شَارِفٌ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَكَوُقُوعِ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَعَتْ فِي سَهْمِي يَوْمَ جَلُولَاءَ جَارِيَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَكْرَهُ بَيْعَ الْخُمْسِ حَتَّى يُقْسَمَ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ مَطْلَ ذِي الْحَقِّ لِحَقِّهِ ظُلْمٌ، وَتَعْجِيلَ إعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَرْضٌ، وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَيْشِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ فَلَا سَهْمَ لَهُ. قَالَ: فَلَوْ خَرَجُوا عَنْ دَارِ الْحَرْبِ فَلَحِقَ بِهِمْ مَدَدٌ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَحَقُّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ - وَهَذَا ظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ الْغَنِيمَةِ، أَوْ شَهِدَ شَيْئًا مِنْ جَمْعِ الْغَنِيمَةِ فَحَقُّهُ فِيهَا يُورَثُ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا - فَهَلْ سُمِعَ بِظُلْمٍ أَقْبَحَ مِنْ مَنْعِ مَنْ قَاتَلَ وَغَنِمَ وَإِعْطَاءِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَا غَنِمَ؟ وَأَمَّا الْأَرْضُ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا. فَرُوِّينَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَبِلَالًا، وَغَيْرَهُمْ دَعَوْا إلَى قِسْمَةِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَمُعَاذًا، وَأَبَا عُبَيْدَةَ، رَأَوْا إبْقَاءَهَا رَأْيًا مِنْهُمْ، وَإِذْ تَنَازَعُوا فَالْمَرْدُودُ إلَيْهِ هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ إذْ يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] فَوَجَدْنَا مَنْ قَلَّدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ

أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا افْتَتَحْت قَرْيَةَ إلَّا قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ. أَوَّلُهَا: إقْرَارُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ خَيْبَرَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ نَظَرًا لِآخِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ [فَهُوَ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَنْظَرَ لِأَوَّلِ الْمُسْلِمِينَ وَلِآخِرِهِمْ مِنْ عُمَرَ، فَمَا رَأَى هَذَا الرَّأْيَ؛ بَلْ أَبْقَى لِآخِرِ الْمُسْلِمِينَ مَا أَبْقَى لِأَوَّلِهِمْ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِمَّا الْغَنِيمَةُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ، وَأَبْقَى لَهُمْ مَوَارِيثَ مَوْتَاهُمْ، وَالتِّجَارَةَ، وَالْمَاشِيَةَ، وَالْحَرْثَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرَ الزُّبَيْرُ، وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ بَعْضٍ؛ فَحَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا ظَنُّوهُ بِهِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، وَلَكَانَ رَأْيًا مِنْهُ غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهُوَ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَعُمَرُ قَوْلُهُ كَقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ عُمَرَ يُكَذِّبُ كُلَّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةٍ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَسِّمْ خَيْبَرَ كُلَّهَا، فَهُمْ دَأَبًا يَسْعَوْنَ فِي تَكْذِيبِ قَوْلِ عُمَرَ نَصْرًا لِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ وَظَنِّهِمْ الْكَاذِبِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَا تُفْتَحُ قَرْيَةٌ إلَّا قَسَّمْتهَا كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ -، فَهَذَا رُجُوعٌ مِنْ عُمَرَ إلَى الْقِسْمَةِ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّامُ مُدَّهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ» . قَالُوا: فَهَذَا هُوَ الْخَرَاجُ الْمَضْرُوبُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ يُوجِبُ إيقَافَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْخَبَرِ بِالْبَاطِلِ وَادِّعَاءٌ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ بِلَا نَصٍّ وَلَا دَلِيلٍ، وَلَا يَخْلُو هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ فَقَطْ، أَوْ قَدْ يَجْمَعُهُمَا جَمِيعًا بِظَاهِرِ لَفْظِهِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجِزْيَةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ إذَا فُتِحَتْ -

وَهُوَ قَوْلُنَا - لِأَنَّ الْجِزْيَةَ بِلَا شَكٍّ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَا نَصَّ يُوجِبُ الْخَرَاجَ الَّذِي يَدَّعُونَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إنْذَارٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِسُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَمْنَعُونَ حُقُوقَهُمْ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَيَعُودُونَ كَمَا بَدَءُوا، وَهَذَا أَيْضًا حَقٌّ قَدْ ظَهَرَ - وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ - فَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فَلْنَذْكُرْ الْآنَ الْبَرَاهِينَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27] فَسَوَّى تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ يُفَرِّقْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ مَا صَارَ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ مَالٍ، أَوْ أَرْضٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُسْنَدِيُّ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الْفَزَارِيّ - عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ عَنْ سَالِمِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ " أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا، وَلَا فِضَّةً إنَّمَا غَنِمْنَا الْإِبِلَ، وَالْبَقَرَ، وَالْمَتَاعَ، وَالْحَوَائِطَ ". فَصَحَّ أَنَّ الْحَوَائِطَ، وَهِيَ: الضِّيَاعُ، وَالْبَسَاتِينُ: مَغْنُومَةٌ كَسَائِرِ الْمَتَاعِ فَهِيَ مُخَمَّسَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْمُخَمَّسُ مَقْسُومٌ بِلَا خِلَافٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا، وَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لَا مَحِيصَ عَنْهُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَخَيْبَرَ.

ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ: أَنَّ مَالِكًا قَلَّدَ هَاهُنَا عُمَرَ، ثُمَّ فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَقْفٌ، فَلَمْ يُخْبِرْ كَيْفَ يَعْمَلُ فِي خَرَاجِهَا، وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدْرِي فِعْلَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ فِي الْأَرْضِ أَعْجَبُ مِنْ جَهَالَةٍ تُجْعَلُ حُجَّةً؟ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَخَذَ فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ قَوِيَّةٍ جَاءَتْ عَنْ عُمَرَ، وَتَرَكَ سَائِرَ مَا رُوِيَ عَنْهُ، وَتَحَكَّمُوا فِي الْخَطَأِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيصَالِ - وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ [وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ] فَكَيْفَ وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ الصَّحِيحَةُ هِيَ قَوْلُنَا؟ كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا أَبُو عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعَ النَّاسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَجَعَلَ لَهُمْ عُمَرُ رُبْعَ السَّوَادِ فَأَخَذُوا سَنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَوَفَدَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا جَرِيرُ لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَكُنْتُمْ عَلَى مَا جُعِلَ لَكُمْ، وَأَرَى النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَأَرَى أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ. فَفَعَلَ جَرِيرٌ ذَلِكَ، فَقَالَتْ أُمُّ كُرْزٍ الْبَجَلِيَّةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ أَبِي هَلَكَ وَسَهْمُهُ ثَابِتٌ فِي السَّوَادِ وَإِنِّي لَمْ أُسْلِمْ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: يَا أُمَّ كُرْزٍ إنَّ قَوْمَك قَدْ صَنَعُوا مَا قَدْ عَلِمْت، فَقَالَتْ: إنْ كَانُوا صَنَعُوا مَا صَنَعُوا فَإِنِّي لَسْت أُسْلِمُ حَتَّى تَحْمِلَنِي عَلَى نَاقَةٍ ذَلُولٍ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ وَتَمْلَأُ كَفَّيَّ ذَهَبًا. فَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ، فَكَانَتْ الذَّهَبُ نَحْوَ ثَمَانِينَ دِينَارًا، فَهَذَا أَصَحُّ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُنَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُوقِفْ حَتَّى اسْتَطَابَ نُفُوسَ الْغَانِمِينَ وَوَرَثَةَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ؛ وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرُهُ، وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ تَخْمِيسِهِ السَّلَبَ وَإِمْضَائِهِ سَائِرَهُ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ إسْقَاطُهُمْ الْجِزْيَةَ عَنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَأَخَذْنَا مِنْهُ خَرَاجَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ أُلَّيْسٍ أَسْلَمَا فَكَتَبَ

مسألة لا يقبل من كافر إلا الإسلام أو السيف

عُمَرُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنْ يَرْفَعَ الْجِزْيَةَ عَنْ رُءُوسِهِمَا وَأَنْ يَأْخُذَ الطَّسْقَ مِنْ أَرْضَيْهِمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دُهْقَانَةَ مِنْ نَهْرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ. نَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الرَّفَيْلَ دُهْقَانَ النَّهْرَيْنِ أَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ عُمَرُ فِي أَلْفَيْنِ، وَوَضَعَ عَنْ رَأْسِهِ الْجِزْيَةَ، وَأَلْزَمَهُ خَرَاجَ أَرْضِهِ. فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ ابْنِ عَوْنٍ مُرْسَلٌ؟ قُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَإِذْ رُوِيَ الْمُرْسَلُ عَنْ مُعَاذٍ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ كَانَ حُجَّةً وَالْآنَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ] 958 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ إلَّا الْإِسْلَامُ، أَوْ السَّيْفُ - الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ - حَاشَا أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً، وَهُمْ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسُ فَقَطْ، فَإِنَّهُمْ إنْ أَعْطُوا الْجِزْيَةَ أُقِرُّوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ الصَّغَارِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كِتَابِيًّا مِنْ الْعَرَبِ خَاصَّةً فَالْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ. وَأَمَّا الْأَعَاجِمُ فَالْكِتَابِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَيُقَرُّ جَمِيعَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بَاطِلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى عَرَبِيًّا مِنْ عَجَمِيٍّ فِي كِلَا الْحُكْمَيْنِ.

وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجْرٍ؛ فَصَحَّ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا خَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَ رَبِّهِ تَعَالَى. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «إنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ ثُمَّ تُؤَدِّي إلَيْهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ، وَأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَمِ لَا يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا عَنَى بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ بَعْضَ الْعَجَمِ لَا كُلَّهُمْ، وَبَيَّنَ تَعَالَى مَنْ هُمْ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَطْ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ مُبَيِّنًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تُؤَدِّي إلَيْكُمْ الْجِزْيَةَ» وَلَوْ قَلَبُوا لَأَصَابُوا وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ؟ فَقُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَرَبَ الْوَثَنِيِّينَ يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ الْمُرْتَدَّ يُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْرَهَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَصَحَّ أَنَّ [هَذِهِ] الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِيمَنْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُكْرِهَهُ، وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً - وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 959 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّغَارُ هُوَ أَنْ يَجْرِيَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ، وَلَا مِمَّا يُحَرَّمُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وَبَنُو تَغْلِبَ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَيَجْمَعُ الصَّغَارَ شُرُوطُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهِمْ. نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ

مسألة الجزية لازمة للحر والعبد والذكر والأنثى

نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ نَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبِيعُ بْنُ تَغْلِبَ نَا يَحْيَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الْعَيْزَارِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: كَتَبْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ فِيهِ: أَنْ لَا يُحْدِثُوا فِي مَدِينَتِهِمْ وَلَا مَا حَوْلَهَا دَيْرًا، وَلَا كَنِيسَةً، وَلَا قَلِيَّةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ، وَلَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا، وَلَا يَمْنَعُوا كَنَائِسَهُمْ أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُطْعِمُونَهُمْ، وَلَا يُؤْوُوا جَاسُوسًا، وَلَا يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ الْقُرْآنَ، وَلَا يُظْهِرُوا شِرْكًا، وَلَا يَمْنَعُوا ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ أَرَادُوهُ، وَأَنْ يُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ، وَيَقُومُوا لَهُمْ مِنْ مَجَالِسِهِمْ إذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ، وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ: فِي قَلَنْسُوَةٍ، وَلَا عِمَامَةٍ، وَلَا نَعْلَيْنِ، وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ، لَا يَرْكَبُوا سُرُجًا، وَلَا يَتَقَلَّدُوا سَيْفًا، وَلَا يَتَّخِذُوا شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ، وَلَا يَنْقُشُوا خَوَاتِيمَهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَبِيعُوا الْخُمُورَ، وَأَنْ يَجُزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ، وَأَنْ يَلْزَمُوا زِيَّهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا، وَأَنْ يَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، وَلَا يُظْهِرُوا صَلِيبًا وَلَا شَيْئًا مِنْ كُتُبِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُجَاوِرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ، وَلَا يَضْرِبُوا نَاقُوسًا إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا، وَلَا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُخْرِجُوا سَعَانِينَ وَلَا يَرْفَعُوا مَعَ مَوْتَاهُمْ أَصْوَاتَهُمْ، وَلَا يُظْهِرُوا النِّيرَانَ مَعَهُمْ، وَلَا يَشْتَرُوا مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا شَرَطُوهُ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَقَدْ حَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مَا يَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ. وَعَنْ عُمَرَ أَيْضًا: أَنْ لَا يُجَاوِرُونَا بِخِنْزِيرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الصَّغَارِ أَنْ لَا يُؤْذُوا مُسْلِمًا، وَلَا يَسْتَخْدِمُوهُ، وَلَا يَتَوَلَّى أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ السُّلْطَانِ يَجْرِي لَهُمْ فِيهِ أَمْرٌ عَلَى مُسْلِمٍ [مَسْأَلَةٌ الْجِزْيَةُ لَازِمَةٌ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى] . 960 - مَسْأَلَةٌ وَالْجِزْيَةُ لَازِمَةٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالْفَقِيرِ الْبَاتِّ، وَالْغَنِيِّ الرَّاهِبِ سَوَاءٌ مِنْ الْبَالِغِينَ خَاصَّةً، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الدِّينَ لَازِمٌ لِلنِّسَاءِ كَلُزُومِهِ لِلرِّجَالِ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمْ فِي

الْجِزْيَةِ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ، عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ عُتَقَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِ مَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي إلَّا النِّسَاءَ؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ فَأَسْقَطْتُمُوهَا عَنْ الْمُعْتَقِينَ، وَالرُّهْبَانِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ مُرْسَلَةٌ وَهِيَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ عَوَّلُوا فِي أَخْذِ التَّبِيعِ مِنْ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْمُسِنَّةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرٌ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي غَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ «فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ: دِينَارٌ وَافٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عَرَضِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مُعَاذٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ: فِي الْحَالِمِ، أَوْ الْحَالِمَةِ دِينَارٌ، أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ وَيَأْخُذُونَ بِهِ إذَا وَافَقَهُمْ، فَالْفَرْضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا هَاهُنَا بِهَا فَلَا مُرْسَلَ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاسِيلِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّمَا مُعَوَّلُنَا عَلَى عُمُومِ الْآيَةِ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ؟ قُلْنَا: فَلَا تَأْخُذُوهَا مِنْ الْمَرْضَى، وَلَا مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ لَزِمُوا بُيُوتَهُمْ وَأَسْوَاقَهُمْ وَلَمْ يُقَاتِلُوا مُسْلِمًا. فَإِنْ قَالُوا: أَوَّلُ الْآيَةِ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ إنْ قَاتَلُونَا حَتَّى يُعْطِيَ جَمِيعُهُمْ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ كَمَا فِي نَصِّ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يُقِيمُونَ أَضْعَافَ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ مَقَامَ الْجِزْيَةِ، ثُمَّ يَضَعُونَهَا عَلَى النِّسَاءِ، ثُمَّ يَأْبَوْنَ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ نَهَى عُمَرُ عَنْ أَخْذِهَا مِنْ النِّسَاءِ؟ قُلْنَا: قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ الْأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ، وَفِي أَلْفِ قَضِيَّةٍ قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا، فَلَا نَدْرِي مَتَى هُوَ عُمَرُ حُجَّةٌ، وَلَا مَتَى هُوَ لَيْسَ حُجَّةً؟ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كُذِّبُوا، وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَجِدُوا نَهْيًا عَنْ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عُمَرَ - وَمَسْرُوقٌ أَدْرَكَ مُعَاذًا وَشَاهَدَ حُكْمَهُ بِالْيَمَنِ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ النِّسَاءِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخَالِفَ مُعَاذٌ مَا كَتَبَ إلَيْهِ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يُقَاتَلُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَهَذَا عُمُومٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ - وَهُوَ قَوْلُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ إلَّا مِنْ كِتَابِيٍّ.

مسألة السفر بالمصحف إلى أرض الحرب

وَأَمَّا غَيْرُهُمْ: فَالْإِسْلَامُ، أَوْ الْقَتْلُ - الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ - وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ. فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ [كُلِّ] ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَبْقَى مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ لَا يُسْلِمُ، وَلَا يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ، وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي النِّسَاءِ مُكَلَّفَاتٍ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَمُفَارَقَةِ الْكُفْرِ مَا يَلْزَمُ الرِّجَالَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، فَلَا يَحِلُّ إبْقَاؤُهُنَّ عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ قَتْلٍ وَلَا جِزْيَةٍ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا [قَدْ] ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَيُؤْمِنُوا بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ - فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» . وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ هَذِهِ اللَّوَازِمَ كُلَّهَا هِيَ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا هِيَ عَلَى الرِّجَالِ، وَأَنَّ أَمْوَالَهُنَّ فِي الْكُفْرِ مَغْنُومَةٌ كَأَمْوَالِ الرِّجَالِ؛ فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُنَّ لَا يَعْصِمْنَ دِمَاءَهُنَّ وَأَمْوَالَهُنَّ إلَّا بِمَا يَعْصِمُ الرِّجَالُ بِهِ أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ، أَوْ الْجِزْيَةِ إنْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ السَّفَرُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ] 961 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ السَّفَرُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لَا فِي عَسْكَرٍ وَلَا فِي غَيْرِ عَسْكَرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» . وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ عَسْكَرٌ مَأْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، وَقَدْ يُهْزَمُ الْعَسْكَرُ الْمَأْمُونُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُخَصُّ بِلَا نَصٍّ. [مَسْأَلَةٌ التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ] 962 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ أَحْكَامُهُمْ تَجْرِي عَلَى التُّجَّارِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ إلَيْهِمْ سِلَاحٌ، وَلَا خَيْلٌ، وَلَا شَيْءٌ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

مسألة لا يحل لأحد أن يأخذ شيئا مما غنم الجيش

وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَغَيْرِهِمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ دَخَلَ إلَيْهِمْ لِغَيْرِ جِهَادٍ، أَوْ رِسَالَةٍ مِنْ الْأَمِيرِ فَإِقَامَةُ سَاعَةٍ إقَامَةٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] فَفَرَضَ عَلَيْنَا إرْهَابَهُمْ، وَمَنْ أَعَانَهُمْ بِمَا يَحْمِلُ إلَيْهِمْ فَلَمْ يُرْهِبْهُمْ؛ بَلْ أَعَانَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِمَّا غَنِمَ الْجَيْشُ] 963 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا غَنِمَ جَيْشٌ، أَوْ سَرِيَّةٌ شَيْئًا خَيْطًا فَمَا فَوْقَهُ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ فَحَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا اُضْطُرُّوا إلَى أَكْلِهِ وَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا غَيْرَهُ. وَأَمَّا مَا يُقْدَرُ عَلَى حَمْلِهِ فَجَائِزٌ إفْسَادُهُ وَأَكْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُضْطَرُّوا إلَيْهِ. وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا مَلَكُوهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَمْلِكُوهُ مِنْ صَيْدٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ عَوْدِ شَعْرٍ، أَوْ ثِمَارٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ كُلُّهُ مُبَاحٌ كَمَا هُوَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَلَا فَرْقَ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ؛ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْغَنَائِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا؛

فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ، أَوْ شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: شِرَاكٌ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» وَالطَّعَامُ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمْ. فَإِنْ ذَكَر ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ «غَنِمَ جَيْشٌ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا وَعَسَلًا فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْخُمُسُ» فَهَذَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنْ كَثُرَ ذَلِكَ وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ خُمِّسَ وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الْآيَةَ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} [الأنفال: 41] . وَحَدِيثُ الْغُلُولِ زَائِدٌ عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْخُمْسِ لَا يَجُوزُ إلَّا هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالزَّائِدِ فَرْضٌ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ، وَحَدِيثَ الْغُلُولِ غَيْرُ مَنْسُوخَيْنِ مُذْ نَزَلَا. فَإِنْ ذَكَرُوا أَيْضًا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعِنَبَ وَالْعَسَلَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ " فَهَذَا بَيِّنٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ؛ إذْ لَمْ يَرْفَعُوهُ فَأَكْلُهُ خَيْرٌ مِنْ إفْسَادِهِ، أَوْ تَرْكِهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مُغَفَّلٍ فِي جِرَابِ الشَّحْمِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَيَقُولُونَ: لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْجِرَابِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ الشَّحْمُ فَقَطْ. وَهَذَا خَبَرٌ قَدْ رُوِّينَاهُ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَا: نَا شُعْبَةُ عَنْ حَمِيدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ «كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَدُلِّيَ إلَيْنَا جِرَابٌ فِيهِ شَحْمٌ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ وَنَوَيْنَا أَنْ لَا نُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفِي يَبْتَسِمُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ آخُذَهُ» . ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ أَخَذَهُ لَكَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا

مسألة الخروج للسفر يوم الخميس

رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيُّ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إبِلًا وَغَنَمًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجَّلُوا فَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَّمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ» فَلَمْ يُبِحْ لَهُمْ أَكْلَ شَيْءٍ إذْ قَدْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قَدْ حَضَرَتْ فَيَصِلُ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 964 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْخُمْسُ فِيمَا أُصِيبَ، وَالْبَاقِي لِمَنْ غَنِمَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ، وقَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 69] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا خُمُسَ إلَّا فِيمَا أَصَابَتْهُ جَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تِسْعَةٌ فَأَكْثَرُ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَتِهَا الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، وَالْمَعْقُولَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] فَلَمْ يَخُصَّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَوْ أَنَّ إمَامًا نَهَى عَنْ قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَوَجَبَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ لَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} [النساء: 84] وَهَذَا خِطَابٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَكُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِالْجِهَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: 71] . [مَسْأَلَةٌ الْخُرُوج لِلسَّفَرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ] 965 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ لِلسَّفَرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا

مسألة لا تقلد الإبل ولا يستعمل الجرس في الرفاق

مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ» . 966 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا فَلَا يَدْخُلُ إلَّا لَيْلًا، وَمَنْ قَدِمَ لَيْلًا فَلَا يَدْخُلُ إلَّا نَهَارًا إلَّا لِعُذْرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَسَارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ» . وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ يَسَارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا كَيْ تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ» [مَسْأَلَةٌ لَا تُقَلَّد الْإِبِلُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ الْجَرَسُ فِي الرِّفَاقِ] 967 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقَلَّدَ الْإِبِلُ فِي أَعْنَاقِهَا شَيْئًا، وَلَا أَنْ يُسْتَعْمَلُ الْجَرَسُ فِي الرِّفَاقِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ «أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَرْسَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَسُولًا: لَا تُبْقِيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةً مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلَادَةً إلَّا قَطَعْتَ» وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ، أَوْ جَرَسٌ» . وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ الْجَرَسِ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْي عَنْ تَقْلِيدِ أَعْنَاقِ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا أَثَرٌ

مسألة تحلية السيوف والرمح والسرج واللجام بالفضة والجوهر

[مَسْأَلَةٌ تَحْلِيَةُ السُّيُوفِ وَالرُّمْحِ وَالسُّرُجِ وَاللِّجَامِ بِالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ] مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ تَحْلِيَةُ السُّيُوفِ، وَالدَّوَاةِ، وَالرُّمْحِ، وَالْمَهَامِيزِ، وَالسُّرُجِ، وَاللِّجَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ بِالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ وَلَا شَيْءَ مِنْ الذَّهَبِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] فَأَبَاحَ لَنَا لِبَاسَ اللُّؤْلُؤِ، وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] ، فَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا مَا فُصِّلَ لَنَا تَحْرِيمُهُ وَلَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُ الْفِضَّةِ أَصْلًا إلَّا فِي الْآنِيَةِ فَقَطْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ نَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِضَّةً» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَاسَ قَوْمٌ عَلَى السَّيْفِ وَالْخَاتَمِ الْمُصْحَفَ وَالْمِنْطَقَةَ وَمَنَعُوا مِنْ سَائِرِ ذَلِكَ؛ فَلَا الْقِيَاسَ طَرَدُوا وَلَا النُّصُوصَ اتَّبَعُوا. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ تَحْرِيمِهِمْ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي السُّرُجِ وَاللِّجَامِ وَلَا نَهْيَ فِي ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِمْ لِبَاسَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ جُمْلَةً [مَسْأَلَةٌ الرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ] 969 - مَسْأَلَةٌ: وَالرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ حَسَنٌ، وَلَا يَحِلُّ الرِّبَاطُ إلَى مَا لَيْسَ ثَغْرًا - كَانَ فِيمَا مَضَى ثَغْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ - وَهُوَ بِدْعَةٌ عَظِيمَةٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامُ الدَّارِمِيُّ نَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا لَيْثٌ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ سَمِعْتُ: رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنَّ مَنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ مِنْ الْفَتَّانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ سِوَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَ ثَغْرًا وَدَارَ

مسألة تعليم الرمي على القوس والإكثار منه

حَرْبٍ، وَمَغْزَى جِهَادٍ؛ فَتَخْصِيصُ مَكَان مِنْ الْأَرْضِ كُلِّهَا بِالْقَصْدِ لِأَنَّ الْعَدُوَّ ضَرَبَ فِيهِ دُونَ سَائِرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا ضَلَالٌ، وَحُمْقٌ، وَإِثْمٌ، وَفِتْنَةٌ، وَبِدْعَةٌ. فَإِنْ كَانَ لِمَسْجِدٍ فِيهِ فَهَذَا أَشَدُّ فِي الضَّلَالِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ السَّفَرِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ حَاشَا مَسْجِدَ مَكَّةَ، وَمَسْجِدَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَإِنْ كَانَ سَاحِلَ بَحْرٍ فَسَاحِلُ الْبَحْرِ كُلِّهِ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَاحِلِ بَحْرٍ وَسَاحِلِ نَهْرٍ فِي الدِّينِ، وَلَا فَضْلَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَثَرُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَالْقَصْدُ إلَيْهِ حَسَنٌ، قَدْ تَبَرَّكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْضِعِ مُصَلَّاهُ وَاسْتَدْعُوهُ لِيُصَلِّيَ فِي بُيُوتِهِمْ فِي مَوْضِعٍ يَتَّخِذُونَهُ مُصَلًّى فَأَجَابَ إلَى ذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - [مَسْأَلَةٌ تَعْلِيمُ الرَّمْي عَلَى الْقَوْسِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ] . 970 - مَسْأَلَةٌ: وَتَعْلِيمُ الرَّمْي عَلَى الْقَوْسِ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ فَضْلٌ حَسَنٌ سَوَاءٌ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّةُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرَضُونَ وَيَكْفِيكُمْ اللَّهُ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِسَهْمِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى» [مَسْأَلَةٌ الْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَعَلَى الْأَقْدَامِ] . 971 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَعَلَى الْأَقْدَامِ: حَسَنٌ، وَالْمُنَاضَلَةُ بِالرِّمَاحِ، وَالنَّبَلِ، وَالسُّيُوفِ: حَسَنٌ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْأَنْطَاكِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ قَالَتْ سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلِي فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ هُوَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا سَبَقَ إلَّا فِي حَافِرٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْخُفُّ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَالْحَافِرُ فِي اللُّغَةِ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ. وَالنَّصْلُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى السَّيْفِ، وَالرُّمْحِ، وَالنَّبْلِ. وَالسَّبَقُ هُوَ مَا يُعْطَاهُ السَّابِقُ. 972 - مَسْأَلَةٌ: وَالسَّبَقُ هُوَ أَنْ يُخْرِجَ الْأَمِيرُ، أَوْ غَيْرُهُ مَالًا يَجْعَلُهُ لِمَنْ سَبَقَ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَهَذَا حَسَنٌ. وَيُخْرِجُ أَحَدُ الْمُتَسَابِقَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مَالًا فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إنْ سَبَقْتنِي فَهُوَ لَك، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ لَك عَلَيَّ، وَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك، فَهَذَا حَسَنٌ. فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَجُوزَانِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ فِي سَبَقٍ غَيْرِ هَذَا أَصْلًا لِلْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالًا يَكُونُ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا فِي الْخَيْلِ فَقَطْ. ثُمَّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْخَيْلِ أَيْضًا إلَّا بِأَنْ يُدْخِلَا مَعَهَا فَارِسًا عَلَى فَرَسٍ يُمْكِنُ

أَنْ يَسْبِقَهُمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَسْبِقَهُمَا، وَلَا يُخْرِجُ هَذَا الْفَارِسُ مَالًا أَصْلًا فَأَيُّ الْمُخْرِجَيْنِ لِلْمَالِ سَبَقَ أَمْسَكَ مَالَهُ نَفْسَهُ وَأَخَذَ مَا أَخْرَجَ صَاحِبُهُ حَلَالًا، وَإِنْ سَبَقَهُمَا الْفَارِسُ الَّذِي أَدْخَلَا وَهُوَ يُسَمَّى الْمُحَلِّلُ أَخَذَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ سُبِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَمَا عَدَا هَذَا فَحَرَامٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى السَّابِقِ إطْعَامُ مَنْ حَضَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ - يَعْنِي - وَهُوَ لَا يُؤْمِنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يُسْبَقَ فَهُوَ قِمَارٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا عَدَا هَذَا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الأضاحي

[كِتَابُ الْأَضَاحِيِّ] [مَسْأَلَةٌ الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ] 973 - مَسْأَلَةٌ: الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَلَيْسَتْ فَرْضًا، وَمَنْ تَرَكَهَا غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْهَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ ضَحَّى عَنْ امْرَأَتِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ، لَا بِحَلْقٍ، وَلَا بِقَصٍّ وَلَا بِنُورَةٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نَا أَبِي نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو نَا عُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْت أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَأَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمٍ الْبَلْخِيّ ثِقَةٌ أَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ» . فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " فَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بُرْهَانٌ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مَرْدُودَةٌ إلَى إرَادَةِ الْمُسْلِمِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ فَرْضًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأُضْحِيَّةُ فَرْضٌ، وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ زَوْجَتِهِ - فَجَمَعَ وُجُوهًا مِنْ الْخَطَأِ، أَوَّلُهَا: إيجَابُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ إيجَابُهَا عَلَى امْرَأَتِهِ؛ وَإِذْ هِيَ فَرْضٌ فَهِيَ

كَالزَّكَاةِ، وَمَا يَلْزَمُ أَحَدٌ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَلَا أَنْ يُهْدِيَ عَنْهَا هَدْيَ مُتْعَةٍ، وَلَا جَزَاءَ صَيْدٍ، وَلَا فِدْيَةَ حَلْقِ الرَّأْسِ مِنْ الْأَذَى. ثُمَّ خِلَافُ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ ظُفْرِهِ شَيْئًا كَمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَا تَكُونُ فَرْضًا وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ فَرْضًا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ: أَنْ لَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ ظُفْرِهِ إذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْأُضْحِيَّةِ، فَلَمْ نَتَعَدَّ مَا حَدَّ، وَكُلُّ سُنَّةٍ لَيْسَتْ فَرْضًا، فَإِنَّ لَهَا حُدُودًا مَفْرُوضَةً لَا تَكُونُ إلَّا بِهَا كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَلَاةٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَلَّا يُصَلِّيَهَا إلَّا بِوُضُوءٍ، وَإِلَى الْقِبْلَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا، وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا وَيَرْكَعَ، وَيَسْجُدَ، وَيَجْلِسَ وَلَا بُدَّ، وَكَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُهُ الصَّائِمُ وَإِلَّا فَلَيْسَ صَوْمًا. وَهَكَذَا كُلُّ تَطَوُّعٍ فِي الدِّيَانَةِ، وَالْأُضْحِيَّةُ كَذَلِكَ إنْ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ وَإِلَّا فَهِيَ شَاةُ لَحْمٍ وَلَيْسَتْ أُضْحِيَّةً. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَاءَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَلِيلًا عِنْدَكُمْ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ فَرْضًا، بَلْ هِيَ عِنْدَكُمْ فَرْضٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ بِإِيجَابِ الْوَصِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى:

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] الْآيَةَ فَأَخَذْنَا بِهَذَا وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَوْ جَاءَ لَأَخَذْنَا بِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا - خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بِعَرَفَةَ: إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَى وَعَتِيرَةً، أَتَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّاسُ الرَّجَبِيَّةَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بِعَرَفَةَ «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أَنْ يَذْبَحُوا فِي كُلِّ رَجَبٍ شَاةً وَفِي كُلِّ أَضْحَى شَاةً» . وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ نَا ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ كَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَنْ شَاءَ فَرَّعَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ وَمَنْ شَاءَ عَتَرَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، وَفِي الْغَنَمِ أُضْحِيَّتُهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ الطَّبَرِيِّ أَيْضًا -: حَدَّثَنِي أَبُو عَاصِمٍ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ أُمِّ بِلَالٍ الْأَسْلَمِيَّةِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْتُ بِالْأَضْحَى وَلَمْ تُكْتَبْ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ أَنْعُمٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ الضَّبِّيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ أَنْ نُضَحِّيَ وَيَأْمُرُ أَنْ نُطْعِمَ مِنْهَا الْجَارَ وَالسَّائِلَ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا الرَّبِيعُ عَنْ الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْأَضْحَى» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلْيُضَحِّ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي نَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبْ مُصَلَّانَا» وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.

أَمَّا حَدِيثُ مِخْنَفٍ فَعَنْ أَبِي رَمْلَةَ الْغَامِدِيِّ، وَحَبِيبِ بْنِ مِخْنَفٍ - وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ فَهُوَ عَنْ يَحْيَى بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَبِيهِ - وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ بِلَالٍ فَفِيهِ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى - هِيَ مَجْهُولَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَيَّاشٍ فَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ - وَهُوَ كَذَّابٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَابْنُ أَنْعُمٍ - وَكِلَاهُمَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ فَمُرْسَلٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - فَكِلَا طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ فَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالثِّقَةِ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] فَقَالُوا: هُوَ الْأُضْحِيَّةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمَا: «أَنَّهُ وَضَعَ الْيَدَ عِنْدَ النَّحْرِ فِي الصَّلَاةِ» ، وَلَعَلَّهُ نَحْرُ الْبُدْنِ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ - وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمْ قَالَ: إنَّهَا الْأَضَاحِيُّ. وَذَكَرُوا أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الحج: 34] وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ النُّسُكَ لَنَا فَهُوَ فَضْلٌ لَا فَرْضٌ. وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الصَّحِيحَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبْحًا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ» .

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِعَادَةِ الذَّبْحِ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا نَكِرَةَ فِي وُجُودِ أَمْرٍ فِي الدِّينِ لَيْسَ فَرْضًا وَيَكُونُ الْعِوَضُ مِنْهُ فَرْضًا - فَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِيَوْمٍ لَيْسَ فَرْضًا فَأَفْطَرَ عَمْدًا أَنَّ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ فَرْضٌ. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ حَجَّ تَطَوُّعًا فَأَفْسَدَهُ: أَنَّ قَضَاءَهُ فَرْضٌ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا وُجِدَ فِيهِ فَهُوَ فَرْضٌ، وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ فَلَيْسَ فَرْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ» فَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرَ فَرْضٍ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ ضَحَّى بِبَعِيرٍ فَنَحَرَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضًا أَنْ يَذْبَحَ - فَصَحَّ أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ إيجَابَ الْأُضْحِيَّةِ: مُجَاهِدٌ، وَمَكْحُولٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: لَمْ يَكُونُوا يُرَخِّصُونَ فِي تَرْكِ الْأُضْحِيَّةِ إلَّا لِحَاجٍّ، أَوْ مُسَافِرٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يَصِحُّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي سُرَيْحَةَ حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدَ الْغِفَارِيِّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَمَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنِ سَلَمَةَ - عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَدَعَ الْأُضْحِيَّةَ وَإِنِّي لَمِنْ أَيْسَرِكُمْ مَخَافَةَ أَنْ يَحْسِبَ النَّاسُ أَنَّهَا حَتْمٌ وَاجِبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي بِلَالٌ: مَا كُنْت أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ، وَلَأَنْ آخُذَ ثَمَنَ الْأُضْحِيَّةِ فَأَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ مُقْتِرٍ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَقِيلِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ.

مسألة لا تجزي العرجاء في الأضحية

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ تَمِيمِ بْنِ حُوَيْصٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: ضَلَّتْ أُضْحِيَّتِي قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَهَا فَسَأَلْت ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: لَا يَضُرُّك - هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ -: وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَعْطَى مَوْلًى لَهُ دِرْهَمَيْنِ وَقَالَ: اشْتَرِ بِهِمَا لَحْمًا وَمَنْ لَقِيَك فَقُلْ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ. وَصَحَّ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَأَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ طَاوُسٍ، وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. [مَسْأَلَةٌ لَا تَجْزِي الْعَرْجَاءُ فِي الْأُضْحِيَّةِ] 974 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، بَلَغَتْ الْمَنْسَكَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ، مَشَتْ أَوْ لَمْ تَمْشِ. وَلَا الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا - وَالْجَرَبُ مَرَضٌ - فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا لَا يَبِينُ أَجْزَأَ. وَلَا تَجْزِي الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي وَلَا تَجْزِي الَّتِي فِي أُذُنِهَا شَيْءٌ مِنْ النَّقْصِ أَوْ الْقَطْعِ، أَوْ الثَّقْبِ النَّافِذِ، وَلَا الَّتِي فِي عَيْنِهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَيْبِ، أَوْ فِي عَيْنَيْهَا كَذَلِكَ، وَلَا الْبَتْرَاءُ فِي ذَنَبِهَا. ثُمَّ كُلُّ عَيْبٍ سِوَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهَا تَجْزِي بِهِ الْأُضْحِيَّةُ كَالْخَصْيِ، وَكَسْرِ الْقَرْنِ دَمِيَ، أَوْ لَمْ يَدْمَ - وَالْهَتْمَاءُ وَالْمَقْطُوعَةُ الْأَلْيَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا تَحَاشَّ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ كُلِّهِمْ: نَا شُعْبَةُ سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ فَيْرُوزَ أَنَّ

الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِي فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي» . قَالَ الْبَرَاءُ: فَمَا كَرِهْت مِنْهُ فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ عَلِيٌّ: الَّتِي لَا تُنْقِي هِيَ الَّتِي لَا شَيْءَ مِنْ الشَّحْمِ لَهَا، فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ شَيْءٌ - وَإِنْ قَلَّ - أَجْزَأَتْ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَتْ عَجْفَاءَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا بِمُدَابَرَةٍ، وَلَا بَتْرَاءَ، وَلَا خَرْقَاءَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - نَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ - عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ - وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ، وَلَا نُضَحِّيَ بِعَوْرَاءَ، وَلَا مُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا خَرْقَاءَ، وَلَا شَرْقَاءَ» . قَالَ زُهَيْرٌ: قُلْت لِأَبِي إِسْحَاقَ: مَا الْمُقَابَلَةُ؟ قَالَ: تَقْطَعُ طَرَفَ الْأُذُنِ، قُلْت: فَمَا الْمُدَابَرَةُ؟ قَالَ تَقْطَعُ مُؤَخِّرَ الْأُذُنِ، قُلْت فَمَا الشَّرْقَاءُ؟ قَالَ: تَشُقُّ الْأُذُنَ، قُلْت: فَمَا الْخَرْقَاءُ؟ قَالَ: تَخْرِقُ أُذُنَهَا السِّمَةُ. نَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيّ نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ نَا أَبُو كَامِلٍ مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ نَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْأَضَاحِيِّ قَالَ قَيْسٌ: قُلْت لِأَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْته مِنْ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: نَا عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ فَارِسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيل الْبُخَارِيِّ مُؤَلِّفِ الصَّحِيحِ قَالَ شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ الصَّايِدِيُّ: سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ

أَبُو نُعَيْمٍ، وَوَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَشْوَعَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: سَلِيمَةُ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ - وَسَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ. فَصَحَّ هَذَا الْخَبَرُ، وَبِهِ يَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِهَذَا وَقَالَ فِي الْأُضْحِيَّةِ: لَا مُقَابَلَةَ، وَلَا مُدَابَرَةَ، وَلَا شَرْقَاءَ، سَلِيمَةُ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَلِيمُ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ كَرِهَ نَاقِصَ الْخَلْقِ وَالسِّنِّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُضَحَّى بِالْأَبْتَرِ. وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُضَحَّى بِالْأَبْتَرِ. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُضَحَّى بِالْأَبْتَرِ. وَأَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يُضَحَّى بِالْأَبْتَرِ، وَاحْتَجُّوا بِأَثَرَيْنِ رَدِيئَيْنِ - أَحَدُهُمَا: مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَرَظَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «اشْتَرَيْتُ كَبْشًا لِأُضَحِّيَ بِهِ فَعَدَا الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ فَقَطَعَهُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ» ، وَالْآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُضَحَّى بِالْبَتْرَاءِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا» . جَابِرٌ كَذَّابٌ، وَحَجَّاجٌ سَاقِطٌ، وَعَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ رِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ: إجَازَةُ الْبَتْرَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّ الْقَطْعَ فِي الْأُذُنِ بِالنِّصْفِ فَأَكْثَرَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَانِ -: أَحَدُهُمَا: إنْ ذَهَبَ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ، أَوْ الذَّنَبِ، أَوْ الْأَلْيَةِ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ:

مسألة الجذع من الضأن في الأضحية

أَجْزَأَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنْ ذَهَبَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا لَمْ تُجْزِ. وَالْآخَرُ - أَنَّهُ حَدَّ ذَلِكَ بِالنِّصْفِ مَكَانَ الثُّلُثِ. قَالَ: فَإِنْ خُلِقَتْ بِلَا أُذُنٍ أَجْزَأَتْ - وَرُوِيَ عَنْهُ لَا تُجْزِي. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْقَرْنُ ذَاهِبًا لَا يَدْمَى أَجْزَأَتْ، فَإِنْ كَانَ يَدْمَى لَمْ تُجْزِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ فِي الْعَرْجَاءِ: إذَا بَلَغَتْ الْمَنْسَكَ: أَجْزَأَتْ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ أَقْوَالٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا يُعْرَفُ التَّحْدِيدُ الْمَذْكُورُ بِالثُّلُثِ، أَوْ النِّصْفِ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ لَا تَصِحُّ فِي الْعَرْجَاءِ إذَا بَلَغَتْ الْمَنْسَكَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ الْمَنْعُ مِنْ الْعَرْجَاءِ جُمْلَةً. وَيُقَالُ لِمَنْ صَحَّحَ هَذَا: إنَّ الْمَنْسَكَ قَدْ يَكُونُ عَلَى ذِرَاعٍ وَأَقَلَّ وَيَكُونُ عَلَى فَرْسَخٍ فَأَيَّ ذَلِكَ تُرَاعُونَ؟ وَرُوِيَ فِي الْأَعْضَبِ أَثَرٌ: أَنَّهُ لَا يُجْزِي - وَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ جَرِيِّ بْنِ كُلَيْبٍ، وَلَيْسَ مَشْهُورًا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ عَنْ عَلِيٍّ. وَجَاءَ خَبَرٌ فِي أَنَّهُ لَا تُجْزِي الْمُسْتَأْصَلَةُ قَرْنُهَا - وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُمَيْدٍ الرُّعَيْنِيُّ عَنْ أَبِي مُضَرَ - وَهُمَا مَجْهُولَانِ. وَحَدِيثٌ آخَرُ فِي أَنَّهُ لَا تُجْزِي الْجَدْعَاءُ - وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. [مَسْأَلَةٌ الْجَذَع مِنْ الضَّأْنِ فِي الْأُضْحِيَّةِ] 975 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُجْزِي فِي الْأَضَاحِيِّ جَذَعَةٌ وَلَا جَذَعٌ أَصْلًا لَا مِنْ الضَّأْنِ وَلَا مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ - وَيُجْزِي مَا فَوْقَ الْجَذَعِ، وَمَا دُونَ الْجَذَعِ، وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، وَالْمَاعِزِ، وَالظِّبَاءِ، وَالْبَقَرِ: هُوَ مَا أَتَمَّ عَامًا كَامِلًا وَدَخَلَ فِي الثَّانِي مِنْ أَعْوَامِهِ، فَلَا يَزَالُ جَذَعًا حَتَّى يُتِمَّ عَامَيْنِ وَيَدْخُلَ فِي الثَّالِثِ فَيَكُونُ ثَنِيًّا حِينَئِذٍ. هَكَذَا قَالَ فِي الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ الْكِسَائِيُّ، وَالْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَهَؤُلَاءِ عُدُولُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اللُّغَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ فِي دِينِهِ وَعِلْمِهِ. وَقَالَهُ الْعَدَبَّسُ الْكِلَابِيُّ، وَأَبُو فَقْعَسٍ الْأَسَدِيُّ، وَهُمَا ثِقَتَانِ فِي اللُّغَةِ.

وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْبَقَرِ وَالظِّبَاءِ أَبُو فَقْعَسٍ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ. وَالْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ مَا أَكْمَلَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ، فَهُوَ جَذَعٌ إلَى أَنْ يَدْخُلَ السَّادِسَةَ فَيَكُونُ ثَنِيًّا - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا اشْتَرَيْت أُضْحِيَّةً فَاسْتَسْمِنْ فَإِنْ أَكَلْت أَكَلْت طَيِّبًا، وَإِنْ أَطْعَمْت أَطْعَمْت طَيِّبًا، وَاشْتَرِ ثَنِيًّا فَصَاعِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ نَا هُبَيْرَةُ بْنُ يَرِيمَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: ضَحُّوا بِثَنِيٍّ فَصَاعِدًا، وَسَلِيمِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: ضَحُّوا بِثَنِيٍّ فَصَاعِدًا، وَلَا تُضَحُّوا بِأَعْوَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا تُجْزِي إلَّا الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: رَأَيْت هِلَالَ بْنَ يَسَافٍ يُضَحِّي بِجَذَعٍ مِنْ الضَّأْنِ فَقُلْت: أَتَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُضَحِّي بِجَذَعٍ مِنْ الضَّأْنِ. فَهَذَا حُصَيْنٌ قَدْ أَنْكَرَ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: يُجْزِي مَا دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ عَنْ وَاحِدٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ

الْحَسَنِ قَالَ: يُجْزِي الْحُوَارُ عَنْ وَاحِدٍ يَعْنِي الْأُضْحِيَّةَ وَالْحُوَارُ هُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ سَاعَةَ تَلِدُهُ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا هَذَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي عَنَاقَ لَبَنٍ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ قَالَ: هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ وَلَا تُجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْيَامِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ: «أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ قَالَ: اذْبَحْهَا وَلَنْ تُجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» .

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الْبَرَاءَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَقَطَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا تُجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ أَبِي بُرْدَةَ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَخْصِيصُ نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بِذَلِكَ؛ وَلَوْ أَنَّ مَا دُونَ الْجَذَعَةِ لَا يُجْزِي لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ بِالْبَيَانِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ فَقَالَ: إنَّ حَدِيثَ أَبِي بُرْدَةَ هَذَا قَدْ رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ فَقَالَ فِيهِ «إنَّ عِنْدِي عَنَاقًا جَذَعَةً فَهَلْ تُجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَنْ تُجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» ؟ . قُلْنَا: نَعَمْ، وَالْعَنَاقُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الضَّانِيَةِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمَاعِزَةِ وَلَا فَرْقَ. وَقَالَ الْعَدَبَّسُ الْكِلَابِيُّ، وَأَبُو فَقْعَسٍ الْأَسَدِيُّ، وَكِلَاهُمَا مِمَّا نَقَلَ الْأَئِمَّةُ عَنْهُمَا اللُّغَةَ: الْجَفْرُ، وَالْعَنَاقُ، وَالْجَدْيُ، مِنْ أَوْلَادِ الْمَاعِزِ إذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَذَلِكَ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّ مُطَرِّفَ بْنَ طَرِيفٍ رَوَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ فَذَكَرَ فِيهِ «أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ، قَالَ: اذْبَحْهَا وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ، فَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ الْبَرَاءِ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» هِيَ

الزَّائِدَةُ مَا لَمْ يَرْوِهِ مَنْ لَمْ يَرْوِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ خَبَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَحُكْمٌ وَارِدٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا تَرْكُهُ.

وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ مُطَرِّفٍ هَذَا مَنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْجَذَعِ إلَّا مِنْ الْمَاعِزِ فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الْجِذَاعِ كُلِّهَا مِمَّا عَدَا الضَّأْنِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كَمَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ قَدْ رَوَاهُ زَكَرِيَّا عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ: «أَنَّ أَبَا بُرْدَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ عِنْدِي شَاةً خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ؟ قَالَ: ضَحِّ بِهَا فَإِنَّهَا خَيْرُ نَسِيكَةٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا «لَا تُجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» . وَكَذَلِكَ رِوَايَتُنَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي جَذَعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ أَفَأَذْبَحُهَا؟ فَرَخَّصَ لَهُ» . قَالَ أَنَسٌ: فَلَا أَدْرِي أَبْلَغَتْ رُخْصَةٌ مِنْ سِوَاهُ أَمْ لَا؟ فَلَمْ يَجْعَلْ الْمُخَالِفُونَ سُكُوتَ زَكَرِيَّا عَمَّا زَادَهُ غَيْرُهُ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ خُصُوصٌ، وَلَا سُكُوتَ أَنَسٍ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا - وَمَغِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُهُمَا فَمَا الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَاجِبًا أَخْذُهَا، وَزِيَادَةُ مَنْ زَادَ لَفْظَةَ " الْجَذَعَةِ " لَا يَجِبُ أَخْذُهَا؟ إنَّ هَذَا لَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ يُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ بِهِ، وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ قَعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرِهِ وَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ قَالُوا: بَلَى ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ انْكَفَأَ إلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جَذِيعَةٍ مِنْ الْغَنَمِ فَقَسَّمَهَا بَيْنَنَا» . قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ إيَّاهَا لِيُضَحُّوا بِهَا، وَلَا أَنَّهُمْ ضَحَّوْا بِهَا وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ، وَالْكَذِبُ لَا يَحِلُّ. وَأَيْضًا فَاسْمُ الْغَنَمِ يَقَعُ عَلَى الْمَاعِزِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الضَّأْنِ، فَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَهُمْ فِي إبَاحَةِ التَّضْحِيَةِ بِالْجِذَاعِ مِنْ الضَّأْنِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي إبَاحَةِ التَّضْحِيَةِ بِالْجِذَاعِ مِنْ الْمَعْزِ، وَإِنْ

لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ التَّضْحِيَةِ بِالْجِذَاعِ مِنْ الْمَاعِزِ فَلَيْسَ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ التَّضْحِيَةِ بِجِذَاعِ الضَّأْنِ، وَالنَّهْيُ قَدْ صَحَّ عَامًّا فِي أَنْ لَا تُجْزِئَ جَذَعَةٌ بَعْدَ أَبِي بُرْدَةَ. وَخَبَرٌ آخَرُ نَذْكُرُهُ أَيْضًا وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ تَعَسَّرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ مَعَ وُجُودِ الْمُسِنَّاتِ فَقَدْ خَالَفُوهُ وَهُمْ يُصَحِّحُونَهُ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُصَحِّحُهُ، لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ مَا لَمْ يَقُلْ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ خَبَرُ الْبَرَاءِ نَاسِخًا لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» خَبَرٌ قَاطِعٌ ثَابِتٌ مَا دَامَتْ الدُّنْيَا، نَاسِخٌ لِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ كَذِبًا، وَلَا يَنْسُبُ الْكَذِبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَافِرٌ؟ وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ الْجِذَاعَ مِنْ الضَّأْنِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجِذَاعٍ مِنْ الضَّأْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ؟ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ» . وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ بِلَالٍ الْأَسْلَمِيَّةِ شَهِدَ أَبُوهَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ ابْنِ النُّعَيْمَانِ عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ جَذَعَيْنِ» وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ جَذَعَيْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ كِدَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي كِبَاشٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لَهُ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «نِعْمَ، أَوْ نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّد مِنْ الْمَعْزِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنَ رَافِعٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ الْمُسِنِّ مِنْ الْمَعْزِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ مُسْهِرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ جَذَعَيْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَضَحُّوا بِالْجَذَعَةِ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيَّةِ مِنْ الْمَعْزِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآثَارِ إلَّا قَلِيلُ الْعِلْمِ بِوَهْيِهَا فَيُعْذَرُ، أَوْ قَلِيلُ الدِّينِ يَحْتَجُّ بِالْأَبَاطِيلِ الَّتِي لَا يَحِلُّ أَخْذُ الدِّينِ بِهَا:

أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ فَمِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ لَهُ غَيْرُ مُسْنَدَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ قَوْلَ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» مُسْنَدًا، وَلَا قَوْلَ جَابِرٍ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُسْنَدًا، وَلَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ كَانَ يُرَدُّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْوَاحِدَةِ» مُسْنَدًا، وَكُلُّهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَيَقُولُونَ: لَيْسَ فِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ هَذَا الْخَبَرَ السَّاقِطَ الْوَاهِيَ مُسْنَدًا، وَهَذَا قِلَّةُ حَيَاءٍ وَاسْتِخْفَافٌ بِالْكَلَامِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - عَنْ مَجْهُولٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ بِلَالٍ فَهُوَ عَنْ أُمِّ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى - وَلَا يُدْرَى مَنْ هِيَ - عَنْ أُمِّ بِلَالٍ - وَهِيَ مَجْهُولَةٌ - وَلَا نَدْرِي لَهَا صُحْبَةٌ أَمْ لَا؟ وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي جَعْفَرٍ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَطَرِيقُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأُولَى أَسْقَطَهَا كُلَّهَا وَفَضِيحَةُ الدَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ كِدَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَا نَدْرِي مَنْ هُوَ؟ عَنْ أَبِي كِبَاشٍ الَّذِي جَلَبَ الْكِبَاشَ الْجَذَعَةَ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَارَتْ عَلَيْهِ. هَكَذَا نَصُّ حَدِيثِهِ، وَهُنَا جَاءَ مَا جَاءَ أَبُو كِبَاشٍ وَمَا أَدْرَكَ مَا أَبُو كِبَاشٍ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَكَذَلِكَ خَبَرُ الشَّيْخِ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ، وَكَفَاك بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ مُرْسَلٌ. وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ كُلُّهَا بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي لَا مَغْمَزَ فِيهَا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ الْأَنْعَامِ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ كَانَ نَزَلَ حُكْمُهَا بِلَا شَكٍّ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَ قِصَّةِ أَبِي بُرْدَةَ، وَضَحَّى أَبُو بُرْدَةَ وَقَوْمٌ مَعَهُ بِيَقِينٍ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» . فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا لَكَانَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تُجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ

بَعْدَكَ» ، نَاسِخًا لَهَا بِلَا شَكٍّ، وَمَنْ ادَّعَى عَوْدَةَ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ فَقَدْ كَذَبَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ بِبُرْهَانٍ، فَكَيْفَ وَكُلُّهَا بَاطِلٌ لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ". وَذَكَرُوا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ إجَازَةَ الْأُضْحِيَّةِ بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَذَكَرُوا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يُجْزِي مِنْ الضَّأْنِ الْجَذَعُ، وَعَنْ حِبَّةَ الْعُرَنِيِّ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ مَعَ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: يُجْزِي مِنْ الْبُدْنِ، وَمِنْ الْبَقَرِ، وَمِنْ الْمَعْزِ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ لَأَنْ أُضَحِّيَ بِجَذَعَةٍ سَمِينَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ بِجِدَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَكِيمٍ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَأَنْ أُضَحِّيَ بِجَذَعَةٍ سَمِينَةٍ عَظِيمَةٍ تُجْزِي فِي الصَّدَقَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ بِجَذَعِ الْمَعْزِ مَعَ قَوْلِهِ: لَا تُجْزِي إلَّا الثَّنِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَأَنْ أُضَحِّيَ بِجَذَعٍ مِنْ الضَّأْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ بِمُسِنٍّ مِنْ الْمَعْزِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا بَأْسَ بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ إنِّي لَأُضَحِّي بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَإِنَّهَا لَتَرُوجُ عَلَى أَلْفِ شَاةٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ - فَهُمْ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَرُوِّينَا إجَازَةَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ وَعَنْ كَعْبٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي رَزِينٍ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ - فَهُمْ سَبْعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا يُجْزِي مِنْ الْمَاعِزِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَمُنْقَطِعَةٌ، وَالْأُخْرَى وَاهِيَةٌ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا الْمَنْعُ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَاعِزِ وَلَا مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكُنَّا قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ خِلَافَهَا كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَإِذَا وُجِدَ خِلَافٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَالْوَاجِبُ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ إلَّا اخْتِيَارُ الضَّأْنِ عَلَى الْمَاعِزِ فَقَطْ وَالْمَنْعُ مِمَّا دُونَ الثَّنِيِّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَقَطْ لَا مِنْ الْمَاعِزِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ قَبْلُ خِلَافَ هَذَا كَمَا أَوْرَدْنَا فَهُوَ اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا فِيهَا اخْتِيَارُ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَلَيْسَ فِيهَا الْمَنْعُ مِنْ الْجَذَعِ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ، وَكَذَلِكَ عَنْ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَكَيْفَ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَكَمْ قِصَّةً خَالَفُوا فِيهَا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ؟ كَمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الرِّوَايَةَ صَحَّتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: بِأَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ كَالْحَجِّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ لَهُمْ؛ فَجَعَلُوا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فَذَكَرَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُمْرَةَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَجْعَلُونَ تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ مَا دُونَ الْجَذَعِ لَا يُجْزِي خِلَافًا فِي ذَلِكَ. وَقَدْ أَشَارَ قَوْمٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يُضَحَّى بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَاعِزِ، وَبِالْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، كَمَا نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَاءَتْ بِذَلِكَ آثَارٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُورِدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَرَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَصْلًا فِي إجَازَتِهِمْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ وَمَنْعِهِمْ مِنْ الْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْمَاعِزِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَعْمَةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدِ الْجُهَنِيِّ قَالَ

«قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَأَعْطَانِي عَتُودًا مِنْ الْمَعْزِ، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: إنَّهُ جَذَعٌ؟ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمِيعًا قَالَ الْبُخَارِيُّ: نَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَمْرٌو، وَابْنُ رُمْحٍ عَلَى أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُمَا عَنْ يَزِيدَ هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ - عَنْ أَبِي الْخَيْرِ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: ضَحِّ أَنْتَ بِهِ» هَذَا لَفْظُ عَمْرٍو، وَلَفْظُ ابْنِ رُمْحٍ «ضَحِّ بِهِ أَنْتَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْعَتُودُ هُوَ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ بِلَا خِلَافٍ - وَهَذَانِ خَبَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ أَجَازَ التَّضْحِيَةَ بِالْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ فِيهِمَا اثْنَانِ مِنْ الصَّحَابَةِ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ جَوَازَ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ خَيْرًا مِنْهُ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ الْبَرَاءِ؟ قُلْنَا: خَبَرُ الْبَرَاءِ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَخْصِيصِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ بِالْمَنْعِ إلَّا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ. وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي فِيهَا إبَاحَةُ التَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعِ جُمْلَةً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ: مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: الْجَذَعُ تُوفِي مِمَّا تُوفِي مِنْهُ الثَّنِيَّةُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نَا يُوسُفُ هُوَ ابْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي - نَا أَبُو الرَّبِيعِ هُوَ الزَّهْرَانِيُّ

نَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا يُؤَمَّرُ عَلَيْنَا فِي الْمَغَازِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُمِّرَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إنِّي شَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْيَوْمَ يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ فَطَلَبَنَا الْمُسِنَّ فَغَلَتْ عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْجَذَعَ يَفِي مِمَّا يَفِي مِنْهُ الْمُسِنُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَمُجَاشِعٌ السُّلَمِيُّ هُوَ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ - مَشْهُورٌ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَأَنْفَقَ، وَقَاتَلَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهُوَ فَتْحُ كَرْمَانَ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَشَاهِيرُ، وَالْآخَرُ جَيِّدٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ أَمِيرَ الْعَسْكَرِ لَا تَخْفَى صِحَّةُ صُحْبَتِهِ مِنْ بُطْلَانِهَا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: لَأَنْ أُضَحِّيَ بِجَذَعٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَرِمٍ، اللَّهُ أَحَقُّ بِالْغِنَى وَالْكَرَمِ، وَأَحَبُّهُنَّ إلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهِ أَحَبُّهُنَّ إلَيَّ بِأَنْ أَقْتَنِيَهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَأَنْ أُضَحِّيَ بِجَذَعَةٍ عَظِيمَةٍ تَجُوزُ فِي الصَّدَقَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ بِجِدَاءٍ فَهَذَا عُمُومٌ فِي الْجَذَعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، قَالَا جَمِيعًا: نَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي السَّوِيَّةِ التَّمِيمِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ عَلَيَّ بَدَنَةٌ أَتُجْزِي عَنِّي جَذَعَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ جَذَعَةٌ مِنْ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ الْهَمْدَانِيُّ قُلْت لِطَاوُسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّا نَدْخُلُ السُّوقَ فَنَجِدُ الْجَذَعَ مِنْ الْبَقَرِ السَّمِينِ الْعَظِيمِ فَنَخْتَارُ الثَّنِيَّ لِسِنِّهِ فَقَالَ طَاوُسٍ: أَحَبُّهُمَا إلَيَّ أَسْمَنُهُمَا وَأَعْظَمُهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يُجْزِي الثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ، وَالْجَذَعُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ - يَعْنِي فِي الْأَضَاحِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: يُجْزِي الْجَذَعُ عَنْ سَبْعَةٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُجْزِي مِنْ الْإِبِلِ الْجَذَعُ فَصَاعِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: يُضَحَّى بِالْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ عَنْ ثَلَاثَةٍ، وَمَا دُونَ الْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ عَنْ وَاحِدٍ - فَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَعَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ فِي جَوَازِ الْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي الْأَضَاحِيِّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازُ الْجَذَعِ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْبُدْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ، وَلَا يُعَارِضُ بِهِ ابْنَ جُرَيْجٍ إلَّا جَاهِلٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالنَّاسِخُ لِهَذَا كُلِّهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» وَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْقَوْلُ نَاسِخًا لِإِبَاحَةِ بَعْضِ الْجِذَاعِ دُونَ بَعْضٍ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي النَّهْيِ عَنْ الْجِذَاعِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ خَبَرًا أَصْلًا إلَّا هَذَا اللَّفْظَ فَمِنْ أَيْنَ خَصُّوا بِهِ جِذَاعَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ جِذَاعِ الضَّأْنِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا جِذَاعَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ عَلَى جِذَاعِ الْمَاعِزِ؟ قُلْنَا: وَهَلَّا قِسْتُمُوهَا عَلَى جِذَاعِ الضَّأْنِ الْجَائِزَةِ عِنْدَكُمْ، وَمَا الَّذِي جَعَلَ قِيَاسَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ عَلَى الْمَاعِزِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الضَّأْنِ؟ لَا سِيَّمَا وَالْجَذَعُ عِنْدَكُمْ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يَجْزِيَانِ فِي الزَّكَاةِ، فَهَلَّا قِسْتُمْ جَوَازَهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ عَلَى جَوَازِهَا فِي الزَّكَاةِ - فَلَاحَ أَنَّهُمْ لَا النَّصَّ اتَّبَعُوا، وَلَا الْقِيَاسَ عَرَفُوا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ الشَّاةُ، أَوْ الْمَاعِزُ، أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ النَّاقَةُ ضُحِّيَ بِوَلَدِهَا مَعَهَا - فَتَنَاقَضُوا وَأَجَازُوا فِي الْأُضْحِيَّةِ الصَّغِيرَ جِدًّا. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هُوَ تَبَعٌ؟ قُلْنَا: هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَعَرِّفُونَا مَا مَعْنَى تَبَعٌ؟ أَهُوَ بَعْضُهَا - فَهَذَا كَذِبٌ بِالْعِيَانِ، بَلْ هُوَ غَيْرُهَا، وَهُوَ ذَكَرٌ وَهِيَ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا، فَهُوَ قَوْلُنَا، وَلَا فَضْلَ فِي ذَلِكَ.

مسألة اشترى أضحية ودخل العشر

[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَدَخَلَ الْعَشْرُ] مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كَلَامِنَا هَهُنَا فِي الْأَضَاحِيِّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا» ، وَلَمْ نَذْكُرْ اعْتِرَاضَ الْمُخَالِفِينَ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ فَاسْتَدْرَكْنَا هَهُنَا مَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَفْتَتْ بِذَلِكَ. ونا حَمَامٌ نَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ نَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ نَا ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ يَحْيَى - أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ كَانَ يُفْتِي بِخُرَاسَانَ: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى أُضْحِيَّةً، وَدَخَلَ الْعَشْرُ أَنْ يَكُفَّ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ. قَالَ سَعِيدٌ: قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْت: عَمَّنْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ مُسَدَّدٌ: وَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَكْرَهَ أَنْ يَحْلِقَ الصِّبْيَانُ فِي الْعَشْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَخَالَفَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالِاطِّلَاءِ فِي الْعَشْرِ، قَالُوا: وَهُوَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ. وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ: فَهَلَّا اجْتَنَبَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَهَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ -: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالِاطِّلَاءِ فِي الْعَشْرِ؛ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ سَعِيدٍ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ الَّتِي أَلْزَمَنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فَهِيَ رِوَايَتُهُ وَرِوَايَةُ غَيْرِهِ مِنْ الثِّقَاتِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ سَعِيدٍ خِلَافُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ أَوْلَى بِسَعِيدٍ.

مسألة الأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَدْ يَتَأَوَّلُ سَعِيدٌ فِي الِاطِّلَاءِ أَنَّهُ بِخِلَافِ حُكْمِ سَائِرِ الشَّعْرِ، وَأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ شَعْرُ الرَّأْسِ فَقَطْ. وَرَابِعُهَا: أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: كَمَا قُلْتُمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ خِلَافُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَعُ مَا رُوِيَ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ مِنْهُ؛ فَالْأَوْلَى بِكُمْ أَنْ تَقُولُوا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ: دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ سَعِيدٍ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِخِلَافِ مَا رَوَى - فَهَذَا اعْتِرَاضٌ أَوْلَى مِنْ اعْتِرَاضِكُمْ. وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ سَعِيدٍ فِي الِاطِّلَاءِ فِي الْعَشْرِ إنَّمَا أَرَادَ عَشْرَ الْمُحَرَّمِ لَا عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ؛ وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ أَرَادَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ؟ وَاسْمُ الْعَشْرِ يُطْلَقُ عَلَى عَشْرِ الْمُحَرَّمِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ؟ وَسَادِسُهَا: أَنْ نَقُولَ: لَعَلَّ سَعِيدًا رَأَى ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ، فَهَذَا صَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ الدِّينَ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ عِكْرِمَةَ وَرَأْيِهِ، إنَّمَا هَذَا مِنْهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَمَسَّ الشَّعْرَ، وَالظُّفْرَ، بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجْتَنِبَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، كَمَا أَنَّهُ إذَا وَجَبَ اجْتِنَابُ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ، لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ اجْتِنَابُ مَسِّ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ. فَهَذَا الصَّائِمُ فَرْضٌ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ النِّسَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُ اجْتِنَابُ الطِّيبِ، وَلَا مَسُّ الشَّعْرِ، وَالظُّفْرِ - وَكَذَلِكَ الْمُعْتَكِفُ، وَهَذِهِ الْمُعْتَدَّةُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْجِمَاعُ وَالطِّيبُ، وَلَا يَلْزَمُهَا اجْتِنَابُ قَصِّ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ. فَظَهَرَ حَمَاقَةُ قِيَاسِهِمْ وَقَوْلِهِمْ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ، وَهَذِهِ فُتْيَا صَحَّتْ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لَهُمْ، فَخَالَفُوا ذَلِكَ بِرَأْيِهِمْ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، فَخَالَفُوا الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ] 977 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ ذِي أَرْبَعٍ، أَوْ طَائِرٍ، كَالْفَرَسِ، وَالْإِبِلِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَالدِّيكِ، وَسَائِرِ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ الْحَلَالِ أَكْلُهُ،

وَالْأَفْضَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا طَابَ لَحْمُهُ وَكَثُرَ وَغَلَا ثَمَنُهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كَلَامِنَا فِي الْأَضَاحِيِّ قَوْلَ بِلَالٍ: مَا أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ابْتِيَاعِهِ لَحْمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا هُوَ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِالْأَثَرِ الَّذِي لَا يَصِحُّ " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " وَثَّقُوهُ هُنَالِكَ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ. وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُجِيزُ الْأُضْحِيَّةَ بِبَقَرَةٍ وَحْشِيَّةٍ عَنْ سَبْعَةٍ، وَبِالظَّبْيِ أَوْ الْغَزَالِ عَنْ وَاحِدٍ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ التَّضْحِيَةَ بِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْبَقَرَةُ الْإِنْسِيَّةُ مِنْ الثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ، وَبِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْعَنْزُ مِنْ الْوَعْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِي إلَّا مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ. وَرَأَى مَالِكٌ: النَّعْجَةَ، وَالْعَنْزَ، وَالتَّيْسَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ: فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فَرَأَيَا الْإِبِلَ أَفْضَلَ، ثُمَّ الْبَقَرَ، ثُمَّ الضَّأْنَ، ثُمَّ الْمَاعِزَ - وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً فَنُورِدُهَا أَصْلًا، إلَّا أَنْ يَدَّعُوا إجْمَاعًا فِي جَوَازِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَنْعَامِ، وَالْخِلَافَ فِي غَيْرِهَا. فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيُعَارِضُونَ بِمَا صَحَّ فِي ذَلِكَ عَنْ بِلَالٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ إذَا وَافَقَهُمْ. وَأَمَّا مُرَاعَاةُ الْإِجْمَاعِ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَيُتْرَكُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَهَذَا يَهْدِمُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَذَاهِبِهِمْ إلَّا يَسِيرًا جِدًّا مِنْهَا، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ الصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ وَالْبُيُوعِ، إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا هَدْمُ مَذْهَبِهِمْ كُلِّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمَرْدُودُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَهُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ فَوَجَدْنَا النُّصُوصَ تَشْهَدُ لِقَوْلِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - بِكُلِّ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ قُرْآنٌ وَلَا نَصُّ سُنَّةٍ - حَسَنٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]

وَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِهِ فِعْلُ خَيْرٍ. نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى نَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إلَى الْجُمُعَةِ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَيْضَةً» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقَرْنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً» . فَفِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ هَدْيُ دَجَاجَةٍ، وَعُصْفُورٍ، وَتَقْرِيبُهُمَا، وَتَقْرِيبُ بَيْضَةٍ؛ وَالْأُضْحِيَّةُ تَقْرِيبٌ بِلَا شَكٍّ، وَفِيهِمَا أَيْضًا فَضْلُ الْأَكْبَرِ فَالْأَكْبَرِ جِسْمًا فِيهِ وَمَنْفَعَةً لِلْمَسَاكِينِ، وَلَا مُعْتَرِضَ عَلَى هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنَمِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَالْخَبَرُ الَّذِي أَوْرَدْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ

لِهَذِهِ فَفِيهَا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَضَاحِيِّ بِالنَّحْرِ. وَلَا يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِالنَّحْرِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، أَوْ فِي الْغَنَمِ، فَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْغَنَمِ، فَهَذَا مُبْطِلٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ: إنَّ النَّحْرَ فِي الْغَنَمِ لَا يَحِلُّ، وَلَا يَكُونُ ذَكَاةً فِيهَا، وَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لَحَسُنَ الْمُحَالُ الْبَاطِلُ الْمُمْتَنِعُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَحُضُّ أُمَّتَهُ وَأَصْحَابَهُ عَلَى التَّضْحِيَةِ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ مَعَ عَظِيمِ الْكُلْفَةِ فِيهَا وَغُلُوِّ أَثْمَانِهَا وَيَتْرُكُونَ الْأَرْخَصَ وَالْأَقَلَّ ثَمَنًا وَهُوَ أَفْضَلُ، وَهَذِهِ إضَاعَةُ الْمَالِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا التَّضْحِيَةُ بِالْغَنَمِ ضَأْنِهَا وَمَاعِزِهَا رِفْقٌ بِالنَّاسِ لِقِلَّةِ أَثْمَانِهَا وَتَفَاهَةِ أَمْرِهَا وَتَخْفِيفٌ لَهُمْ بِذَلِكَ عَنْ الْأَفْضَلِ الَّذِي هُوَ أَشَقُّ فِي النَّفَقَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنَّ الضَّأْنَ أَفْضَلُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَضْحَى: يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْمَعْزِ، وَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْبَقَرِ، وَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ ذَبْحًا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَفَدَى بِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: «مَرَّ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي فَطِيمَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشٍ أَقَرْنَ أَعْيَنَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مَا أَشْبَهَ هَذَا الْكَبْشَ بِالْكَبْشِ الَّذِي ذَبَحَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَنَسٍ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَخْبَارٌ مَكْذُوبَةٌ -: أَمَّا خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ فَعَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ جِدًّا وَاطَّرَحَهُ أَحْمَدُ، وَأَسَاءَ الْقَوْلَ فِيهِ جِدًّا وَلَمْ

يُجِزْ الرِّوَايَةَ بِهِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - وَزِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَخَبَرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ - وَأَيْضًا فَفِي الْخَبَرِ الْمَنْسُوبِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّهُ فَدَى اللَّهُ بِهِ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَفْدِ إبْرَاهِيمَ بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا فَدَى ابْنَهُ. وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّهُ فَدَى الذَّبِيحَ بِكَبْشٍ فَبَاطِلٌ، مَا صَحَّ ذَلِكَ قَطُّ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ كَانَ أُرْوِيَّةً، وَهَبْكَ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ فَضْلُ سَائِرِ الْكِبَاشِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَلَا كَانَ أَمْرُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُضْحِيَّةً فَلَا مَدْخَلَ لِلْأَضَاحِيِّ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [البقرة: 73] فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ أَفْضَلَ مِنْ الضَّأْنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ لَا بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ فِي كَبْشِ الذَّبِيحِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] فِي نَاقَةِ صَالِحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ أَفْضَلَ مِنْ الضَّأْنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ لَا بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ فِي كَبْشِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِذِكْرِ الْأَثَرِ الَّذِي فِيهِ الصَّلَاةُ فِي مَبَارِكِ الْغَنَمِ وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، لِأَنَّهُ جِنٌّ خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ؟ فَقُلْنَا: فَلْيَكُنْ هَذَا عِنْدَكُمْ دَلِيلًا فِي فَضْلِ الْغَنَمِ عَلَيْهَا فِي الْهَدْيِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا. فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُكْتَبَ عَلَيْهِمْ» . وَأَيْضًا: فَقَدْ أَهْدَى غَنَمًا مُقَلَّدَةً كَمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْغَنَمَ أَفْضَلُ فِي الْهَدْيِ مِنْ الْبَقَرِ؛ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ هَذَا الِاسْتِدْلَال فِي الْأَضَاحِيِّ؟ - وَأَيْضًا: «فَقَدْ ضَحَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْبَقَرِ» : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي حَدِيثٍ «لَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ

كَثِيرٍ فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» وَهَذَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ آخِرُ عَمَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُضَحِّ بَعْدَهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى» . وَالنَّحْرُ عِنْدَ مَالِكٍ - وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ فِي الْغَنَمِ وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُ فِي الْإِبِلِ وَعَلَى تَكَرُّهٍ فِي الْبَقَرِ - وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُضَحِّي بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، أَوْ يَتْرُكُ قَوْلَهُ فَيُجِيزُ النَّحْرَ فِي الْغَنَمِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِفِعْلٍ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُبَاحُ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ غَيْرُهُ بِإِقْرَارِ الْمُحْتَجِّ عَلَى نَصِّ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي تَفْضِيلِ الْإِبِلِ، ثُمَّ الْبَقَرِ، ثُمَّ الضَّأْنِ. رُوِّينَا عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِجَزُورٍ مِنْ الْإِبِلِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي مَرَّةً بِنَاقَةٍ، وَمَرَّةً بِبَقَرَةٍ، وَمَرَّةً بِشَاةٍ، وَمَرَّةً لَا يُضَحِّي. فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي فَضْلِ الْمَاعِزِ عَلَى الْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ، وَفَضْلِ الْبَقَرِ عَلَى الْإِبِلِ: فَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا وَلَا أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة وقت ذبح الأضحية أو نحرها

[مَسْأَلَةٌ وَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ نَحْرِهَا] مَسْأَلَةٌ: وَوَقْتُ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ نَحْرِهَا هُوَ أَنْ يُمْهِلَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، ثُمَّ تَبْيَضَّ وَتَرْتَفِعَ، وَيُمْهِلَ حَتَّى يَمْضِيَ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ ثَمَانِ تَكْبِيرَاتٍ " أُمَّ الْقُرْآنِ " وَسُورَةَ " ق " وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ سِتِّ تَكْبِيرَاتٍ " أُمَّ الْقُرْآنِ " وَسُورَةَ: " اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ " بِتَرْتِيلٍ وَيُتِمُّ فِيهِمَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَيَجْلِسُ، وَيَتَشَهَّدُ، وَيُسَلِّمُ. ثُمَّ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ أَوْ يَنْحَرُهَا - الْبَادِي، وَالْحَاضِرُ، وَأَهْلُ الْقُرَى، وَالصَّحَارِي، وَالْمُدُنِ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ؛ فَمَنْ ذَبَحَ، أَوْ نَحَرَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَلَا بُدَّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، وَلَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلَا لِمُرَاعَاةِ تَضْحِيَتِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ - عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْدِلْهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحًا» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت جُنْدُبًا يَقُولُ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى قَوْمٍ قَدْ نَحَرُوا وَذَبَحُوا فَقَالَ: مَنْ نَحَرَ وَذَبَحَ قَبْلَ صَلَاتِنَا فَلْيُعِدْ، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ أَوْ يَنْحَرْ فَلْيَذْبَحْ وَلْيَنْحَرْ بِاسْمِ اللَّهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

فَالْوَقْتُ الَّذِي حَدَّدْنَا هُوَ وَقْتُ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُجِزْ التَّضْحِيَةَ قَبْلَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ - وَلَا مَعْنَى لِهَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُدَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ بِذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: إنْ ضَحَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا أَهْلُ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ فَمَنْ ضَحَّى مِنْهُمْ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَلَمْ يُضَحِّ، وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي فَإِنْ ضَحَّوْا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى أَجْزَأَهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ضَحَّى قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُضَحِّ؛ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: الْإِمَامُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلْ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَخِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَوْرَدْنَا بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَلَا حُجَّةَ لَهُ أَصْلًا، وَخِلَافٌ لِلْخَبَرِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ بِمُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ غَيْرِهِ. وَنَقُولُ لِلطَّائِفَتَيْنِ مَعًا: أَرَأَيْتُمْ إنْ ضَيَّعَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَلَمْ يُضَحِّ أَتَبْطُلُ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَضَاحِيِّ عَلَى النَّاسِ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هُوَ الْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَحْسَنَ وَهُوَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتِ تَضْحِيَتِهِ، وَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِكَادِحٍ فِي عَدَالَتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَطِّلْ فَرْضًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحِيلٍ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ النَّاسِ فِي أَضَاحِيهِمْ. وَنَقُولُ لِلْمَالِكِيِّينَ أَيْضًا: أَرَأَيْتُمْ إنْ ضَحَّى الْإِمَامُ قَبْلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْأَضْحَى أَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَمًا لِأَضَاحِيِّ النَّاسِ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، أَتَوْا بِعَظِيمَةٍ وَإِنْ قَالُوا: لَا، صَدَقُوا، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي مُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ الْإِمَامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْمُدُنِ عَنْ عَطَاءٍ،

مسألة الأضحية للحاج وللمسافر

وَإِبْرَاهِيمَ، وَمَا نَعْرِفُ قَوْلَ مَالِكٍ فِي مُرَاعَاةِ تَضْحِيَةِ الْإِمَامِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْأُضْحِيَّةُ لِلْحَاجِّ وَلِلْمُسَافِرِ] 979 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأُضْحِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْحَاجِّ بِمَكَّةَ وَلِلْمُسَافِرِ كَمَا هِيَ لِلْمُقِيمِ وَلَا فَرْقَ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَالْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ. وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مُحْتَاجٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّضْحِيَةِ وَالتَّقْرِيبِ وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَادِيًا مِنْ حَاضِرٍ، وَلَا مُسَافِرًا مِنْ مُقِيمٍ، وَلَا ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَلَا حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا حَاجًّا مِنْ غَيْرِهِ، فَتَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِالْبَقَرِ عَنْ نِسَائِهِ بِمَكَّةَ وَهُنَّ حَوَاجُّ مَعَهُ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَحُجُّ فَلَا يُضَحِّي - وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ -. وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ. وَعَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُضَحُّونَ فِي الْحَجِّ - وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَنْعٌ لِلْحَاجِّ وَلَا لِلْمُسَافِرِ مِنْ التَّضْحِيَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْكُهَا فَقَطْ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نَا الْهَرَوِيُّ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ سَافَرَ مَعِي تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَبَحْنَا أُضْحِيَّتَهُ أَخَذَ مِنْهَا بَضْعَةً فَقَالَ: آكُلُهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَحُجُّ وَلَا يُضَحِّي وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَحُجُّونَ مَعَهُمْ الْوَرِقُ وَالذَّهَبُ فَلَا يُضَحُّونَ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِيَتَفَرَّغُوا لِنُسُكِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: حَجَجْت فَهَلَكَتْ نَفَقَتِي فَقَالَ أَصْحَابِي: أَلَا نُقْرِضُك فَتُضَحِّيَ؟ فَقُلْت: لَا - فَهَذَا بَيَانُ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنَصٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ خَيْرًا.

مسألة نوى أن يضحي بحيوان

[مَسْأَلَةٌ نَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بِحَيَوَانٍ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ مَنْ نَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بِحَيَوَانٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ وَلَا بُدَّ، بَلْ لَهُ أَنْ لَا يُضَحِّيَ بِهِ إنْ شَاء إلَّا أَنْ يَنْذُرَ ذَلِكَ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَإِذْ لَيْسَتْ فَرْضًا فَلَا يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ وَلَا نَصَّ إلَّا فِيمَنْ ضَحَّى قَبْلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ فِي أَنْ يُعِيدَ؛ وَفِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَفِيَ بِالنَّذْرِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ أُضْحِيَّتَهُ مِمَّنْ يُضَحِّي بِهَا وَيَشْتَرِي خَيْرًا مِنْهَا - وَعَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لَهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهَا - وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، كَرَاهَةَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ حُجَّةً. [مَسْأَلَةٌ لَا تَكُونُ الْأُضْحِيَّةُ أُضْحِيَّةً إلَّا بِذَبْحِهَا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ] 981 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَكُونُ الْأُضْحِيَّةُ أُضْحِيَّةً إلَّا بِذَبْحِهَا، أَوْ نَحْرِهَا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا وَلَهُ مَا لَمْ يَذْبَحْهَا، أَوْ يَنْحَرْهَا كَذَلِكَ أَنْ لَا يُضَحِّيَ بِهَا وَأَنْ يَبِيعَهَا وَأَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا وَيَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَ وَيَأْكُلَ لَبَنَهَا وَيَبِيعَهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ وَلَدَهَا أَوْ يَمْسِكَهُ أَوْ يَذْبَحَهُ، فَإِنْ ضَلَّتْ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا، ثُمَّ وَجَدَ الَّتِي ضَلَّتْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا وَلَا ذَبْحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ ضَحَّى بِهِمَا، أَوْ بِأَحَدِهِمَا، أَوْ بِغَيْرِهِمَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ لَمْ يُضَحِّ أَصْلًا فَلَا حَرَجَ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَبِهَا عَيْبٌ لَا تُجْزِي بِهِ فِي الْأَضَاحِيِّ كَعَوَرٍ، أَوْ عَجَفٍ: أَوْ عَرَجٍ، أَوْ مَرَضٍ، ثُمَّ ذَهَبَ الْعَيْبُ وَصَحَّتْ جَازَ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا، وَلَوْ أَنَّهُ مَلَكَهَا سَلِيمَةً مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، ثُمَّ أَصَابَهَا عَيْبٌ لَا تُجْزِي بِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ تَمَامِ ذَكَاتِهَا، وَلَوْ فِي حَالِ التَّذْكِيَةِ لَمْ تُجْزِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَلَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً إلَّا حَتَّى يُضَحِّيَ بِهَا وَلَا يُضَحِّيَ بِهَا إلَّا حَتَّى تَتِمَّ ذَكَاتُهَا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ فَهِيَ مَا لَمْ يُضَحِّ بِهَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا أَحَبَّ كَسَائِرِ مَالِهِ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَأَجَازَ أَنْ يُضَحِّيَ بِاَلَّتِي يُصِيبُهَا عِنْدَهُ الْعَيْبُ فَقَدْ خَالَفَ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَارًا وَلَزِمَهُ إنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً مَعِيبَةً فَصَحَّتْ عِنْدَهُ أَنْ لَا تُجْزِئَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا -: رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ قَالَ: قَالَ

مسألة التضحية ليلا ونهارا

عَلِيٌّ: إذَا اشْتَرَيْت الْأُضْحِيَّةَ سَلِيمَةً فَأَصَابَهَا عِنْدَك عَوَارٌ، أَوْ عَرَجٌ فَبَلَغَتْ الْمَنْسَكَ فَضَحِّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً سَلِيمَةً - فَاعْوَرَّتْ عِنْدَهُ؟ قَالَ: يُضَحِّي بِهَا - وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ -: رُوِّينَاهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ -: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً فَضَلَّتْ؟ قَالَ: لَا يَضُرُّك؟ وَعَنْ الْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ ضَلَّتْ أُضْحِيَّتُهُ فَاشْتَرَى أُخْرَى فَوَجَدَ الْأُولَى أَنَّهُ يَذْبَحُهُمَا جَمِيعًا، قَالَ حَمَّادٌ: يَذْبَحُ الْأُولَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ اشْتَرَاهَا صَحِيحَةً، ثُمَّ عَجِفَتْ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تُنْقِي أَجْزَأَتْهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا، فَلَوْ اعْوَرَّتْ عِنْدَهُ لَمْ تُجْزِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ إذْ ذَبَحَهَا أَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا، أَوْ انْكَسَرَ رِجْلُهَا أَجْزَأَتْهُ. - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ وَلَا نَعْلَمُ هَذِهِ التَّقَاسِيمَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُزُّ صُوفَهَا وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً أَنَّ لَهُ أَنْ يَجِزَّ صُوفَهَا وَأَمَرَهُ الْحَسَنُ إنْ فَعَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ وَلَدَتْ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا - وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ مَعَهُ بَقَرَةٌ قَدْ وَلَدَتْ فَقَالَ: كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِأُضَحِّيَ بِهَا؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَا تَحْلِبْهَا إلَّا فَضْلًا عَنْ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَضْحَى فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ. [مَسْأَلَةٌ التَّضْحِيَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا] 982 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّضْحِيَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا أَنْ يُهِلَّ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ، وَالتَّضْحِيَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا جَائِزٌ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: النَّحْرُ يَوْمٌ وَاحِدٌ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ.

وَعَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الذَّبْحَ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: النَّحْرُ فِي الْأَمْصَارِ يَوْمٌ، وَبِمِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّ التَّضْحِيَةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: النَّحْرُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ مَاعِزٍ، أَوْ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ الثَّقَفِيِّ: أَنَّ أَبَاهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: إنَّمَا النَّحْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ حَرْبِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ النَّحْرُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا ذَبَحْت يَوْمَ النَّحْرِ، وَالثَّانِيَ، وَالثَّالِثَ فَهِيَ الضَّحَايَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْيَمَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: الْأَضْحَى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: الْأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ - وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إلَّا عَنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ مَجْهُولٍ عَنْ أَبِيهِ - مَجْهُولٌ أَيْضًا. وَعَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ - عَنْ الْمِنْهَالِ - وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ

فِيهِ؛ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ - وَأَبِي حَمْزَةَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - عَنْ أَبِي مَرْيَمَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّ التَّضْحِيَةَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ -: هَكَذَا فِي كِتَابِي وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ وَهْمٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: النَّحْرُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: النَّحْرُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ وَكِيعٍ نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: النَّحْرُ مَا دَامَتْ الْفَسَاطِيطُ بِمِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: النَّحْرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ نَسِيَ أَنْ يُضَحِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُضَحِّيَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: الْأَضْحَى أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَا جَمِيعًا: الْأَضْحَى إلَى هِلَالِ الْمُحَرَّمِ لِمَنْ اسْتَأْنَى بِذَلِكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ قَالَ النَّحْرُ يَوْمُ الْأَضْحَى وَحْدَهُ فَقَالَ: إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ فَلَا تُوجَدُ شَرِيعَةٌ بِاخْتِلَافٍ لَا نَصَّ فِيهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: صَدَقُوا، وَالنَّصُّ يُجِيزُ قَوْلَنَا عَلَى مَا نَأْتِي بِهِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا قَضَايَا عَظِيمَةً خَالَفُوا فِيهَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَيْفَ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا عَنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ وَإِنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفَ عَطَاءٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ -: الْإِجْمَاعَ، وَأُفٍّ لِكُلِّ إجْمَاعٍ يَخْرُجُ عَنْهُ هَؤُلَاءِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حُجَّةً أَيْضًا، إلَّا أَنَّ أَيَّامَ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ وَلَيْسَ هَذَا حُجَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: وَفِعْلُ الْخَيْرِ حَسَنٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ وَقْتٍ بِغَيْرِ نَصٍّ، فَالتَّقْرِيبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّضْحِيَةِ حَسَنٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعَ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ. وَقَدْ رُوِّينَا خَبَرًا يَلْزَمُهُمْ الْأَخْذُ بِهِ - وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ بِهِ وَيُعِيذُنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ نَحْتَجَّ بِمُرْسَلٍ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ نَا مُسْلِمٌ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَا جَمِيعًا " بَلَغَنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

«الْأَضْحَى إلَى هِلَالِ الْمُحَرَّمِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِيَ بِذَلِكَ» وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ وَأَصَحِّهَا فَيَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: أَنْ يُضَحَّى بِاللَّيْلِ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى لَيْلًا - وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّهُمْ قَالَ قَائِلُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّيْلَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِنْهُمْ إيهَامٌ يُمَقِّتُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذَبْحًا، وَلَا تَضْحِيَةً، وَلَا نَحْرًا لَا فِي نَهَارٍ، وَلَا فِي لَيْلٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ أَفَتَرَى يَحْرُمُ ذِكْرُهُ فِي لَيَالِيِهِنَّ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ هَذَا النَّصُّ بِمَانِعٍ مِنْ ذِكْرِهِ تَعَالَى وَحَمْدِهِ عَلَى مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي الْعَامِ كُلِّهِ. وَهَذَا مِمَّا حَرَّفُوا فِيهِ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زَيْدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ النَّهَارِ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا لَا يَصِحُّ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُبَشَّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الذَّبْحِ بِاللَّيْلِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ فَضِيحَةُ الْأَبَدِ، وَبَقِيَّةُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَمُبَشَّرُ بْنُ عُبَيْدٍ مَذْكُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ عَمْدًا، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الذَّبْحَ بِاللَّيْلِ فَيُخَالِفُونَهُ فِيمَا فِيهِ وَيَحْتَجُّونَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ فِيهَا وَكَانَ يَوْمُهُ تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ فِيهِ كَانَتْ لَيَالِي سَائِرِ أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ كَذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ هُوَ مَبْدَأُ دُخُولِ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ وَمَا قَبْلَهُ لَيْسَ وَقْتًا لِلتَّضْحِيَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي أَنَّ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ ابْيِضَاضِهَا وَارْتِفَاعِهَا وَقْتٌ وَاسِعٌ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَا تَجُوزُ فِيهِ التَّضْحِيَةُ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا بَعْدَهُ مِنْ

مسألة للمضحي أن يذبح أضحيته بيده

أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ فَلَا يُجِيزُوا التَّضْحِيَةَ فِيهَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا وَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ قَبْلَ مَالِكٍ مَنَعَ مِنْ التَّضْحِيَةِ لَيْلًا. [مَسْأَلَةٌ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ] 983 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِلْمُضَحِّي رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ أَوْ يَنْحَرَهَا بِيَدِهِ، فَإِنْ ذَبَحَهَا أَوْ نَحَرَهَا لَهُ بِأَمْرِهِ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ أَوْ كِتَابِيٌّ أَجْزَأَهُ وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا وَسَمَّى اللَّهَ وَكَبَّرَ» قَالَ مُسْلِمٌ نَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نَا شُعْبَةُ أَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْت أَنَسًا فَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَإِنَّمَا عَنَى عَزَّ وَجَلَّ بِيَقِينٍ مَا يُذَكُّونَهُ لَا مَا يَأْكُلُونَهُ، لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، وَالْخِنْزِيرَ، وَمَا عُمِلَ بِالْخَمْرِ وَظَهَرَتْ فِيهِ؛ فَإِذْ ذَبَائِحُهُمْ وَنَحَائِرُهُمْ حَلَالٌ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ: صَبِيٌّ لَهُ ظِئْرٌ يَهُودِيٌّ أَيَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ قَالَا جَمِيعًا: يَذْبَحُ نُسُكَك الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ إنْ شِئْت، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْمَرْأَةُ إنْ شِئْت. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَذْبَحُهَا إلَّا مُسْلِمٌ، فَإِنْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَضْمَنُهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَذْبَحُ أَضَاحِيَّكُمْ الْيَهُودُ، وَلَا النَّصَارَى، لَا يَذْبَحُهَا إلَّا مُسْلِمٌ - وَعَنْ جَرِيرٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَك إلَّا مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ: لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ.

مسألة يشترك في الأضحية الواحدة الجماعة

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَيْضًا: لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَقُولُوا: لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ مُنْقَطِعٌ - وَقَابُوسُ، وَأَبُو سُفْيَانَ ضَعِيفَانِ - إلَّا أَنَّهُ عَنْ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ أَثَرٍ سَقِيمٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ. [مَسْأَلَةٌ يَشْتَرِك فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ الْجَمَاعَةُ] 984 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ الْوَاحِدُ بِعَدَدٍ مِنْ الْأَضَاحِيِّ «ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَالِاسْتِكْثَارُ مِنْ الْخَيْرِ حَسَنٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ، أَوْ النَّاقَةُ عَنْ سَبْعَةٍ فَأَقَلَّ أَجْنَبِيِّينَ وَغَيْرَ أَجْنَبِيِّينَ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ، وَلَا تُجْزِئُ الشَّاةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُ الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الْغَنَمِ عَنْ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ - وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ إذَا أَشْرَكَهُمْ فِيهَا تَطَوُّعًا - وَلَا تُجْزِئُ إذَا اشْتَرَوْهَا بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ وَلَا عَنْ أَجْنَبِيَّيْنِ فَصَاعِدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأُضْحِيَّةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَطَوُّعٌ بِالْبِرِّ فَالِاشْتِرَاكُ فِي التَّطَوُّعِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ قَالَ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] فَالْمُشْتَرِكُونَ فِيهَا فَاعِلُونَ لِلْخَيْرِ؛ فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الْأَجْنَبِيِّينَ بِالْمَنْعِ، وَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ. وَقَدْ أَبَاحَ اللَّيْثُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ فِي السَّفَرِ - وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَا مَعْنَى لَهُ أَيْضًا.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ، سَمِينَيْنِ، أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، مَوْجُوءَيْنِ، فَيَذْبَحُ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَلَهُ بِالْبَلَاغِ، وَيَذْبَحُ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» . فَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَوَّلَ الْمَالِكِيُّونَ فِي خَبَرِ الصَّلَاةِ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْبَدَنَةُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ، لَا أَعْلَمُ شِرْكًا. وَصَحَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: لَا أَعْلَمُ دَمًا وَاحِدًا يُرَاقُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَا تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ عَنْ نَفْسَيْنِ وَكَرِهَهُ الْحَكَمُ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْجَزُورُ، وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ -: كُلُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُجِزْ الرَّأْسَ الْوَاحِدَ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ سِيرِينَ، وَحَمَّادٌ، وَعَلِيٌّ أَجَازَ النَّاقَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا أَكْثَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: الْبَقَرَةُ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ قَالُوا كُلُّهُمْ: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ يَشْتَرِكُونَ فِيهَا وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَدْرَكْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: الْبَقَرَةُ، وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا حَمَّادٌ قَدْ رَوَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ خَالَفَ مَا رُوِيَ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ إجْمَاعًا كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ -: وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَقَرَةُ وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ -: وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، وَعَلِيٍّ، وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ - وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِمَّنْ أَجَازَ الِاشْتِرَاكَ فِي الْأَضَاحِيّ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّينَ الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالنَّاقَةِ عَنْ سَبْعَةٍ: طَاوُسٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ. فَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ؟ فَقَالَ: كَيْفَ، أَوَّلُهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ؟ قُلْت: إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ أَفْتَوْنِي فَقَالُوا: نَعَمْ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا شَعُرْت - فَهَذَا تَوَقُّفٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَرِيفِ بْنِ دِرْهَمٍ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ كُلَّ رِوَايَةٍ رُوِيَتْ فِيهِ عَنْ صَاحِبٍ إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَجَعَ عَنْهَا، وَخَالَفَ جُمْهُورَ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَمْنَعْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي التَّطَوُّعِ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ، وَسَبْعَةٍ، بَلْ قَدْ أَشْرَكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أُضْحِيَّتِهِ جَمِيعَ أُمَّتِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة على كل مضح أن يأكل من أضحيته

[مَسْأَلَةٌ عَلَى كُلِّ مُضَحٍّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ] مَسْأَلَةٌ: فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُضَحٍّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَلَا بُدَّ لَوْ لُقْمَةً فَصَاعِدًا، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ أَيْضًا مِنْهَا بِمَا شَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَا بُدَّ، وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْغَنِيَّ، وَالْكَافِرَ، وَأَنْ يُهْدِيَ مِنْهَا إنْ شَاءَ ذَلِكَ. فَإِنْ نَزَلَ بِأَهْلِ بَلَدِ الْمُضَحِّي جَهْدٌ أَوْ نَزَلَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي جَهْدٍ جَازَ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ مِنْ حِينِ يُضَحِّي بِهَا إلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ لَيَالٍ كَامِلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ يَبْتَدِئُهَا بِالْعَدَدِ مِنْ بَعْدِ تَمَامِ التَّضْحِيَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصْبِحَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ لَيَالٍ شَيْءٌ أَصْلًا - لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ. فَإِنْ ضَحَّى لَيْلًا لَمْ يُعِدْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهَا شَيْءٌ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَلْيَدَّخِرْ مِنْهَا مَا شَاءَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِيَ؟ قَالَ: كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ " أَنَّ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ لَهُ سَمِعْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: إنَّهُمْ قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بَعْدُ كُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا» . فَهَذِهِ أَوَامِرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَدْبٌ فَقَدْ كَذَبَ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَيَكْفِيه أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَحْمِلُوا نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُصْبِحَ فِي بُيُوتِهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا عَلَى الْفَرْضِ وَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَى مُخَالَفَتِهِ إلَّا بَعْدَ إذْنِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاتْرُكُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْإِطْعَامِ فَجَائِزٌ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ كُلَّ آكِلٍ، إذْ لَوْ حُرِّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَادِّخَارُ سَاعَةٍ فَصَاعِدًا يُسَمَّى ادِّخَارًا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَسْتَخْرِجُ بِعَقْلِهِ الْقَاصِرِ وَرَأْيِهِ الْفَاسِدِ عِلَلًا لِأَوَامِر اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهَا إلَّا دَعْوَاهُ الْكَاذِبَةُ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى حُكْمٍ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُوجِبًا لِحُكْمٍ آخَرَ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَهْدَ الْحَالَّ بِالنَّاسِ مُوجِبًا لِئَلَّا يَبْقَى عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ شَيْءٌ بَعْدَ ثَالِثَةٍ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى ذَلِكَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيم الْحَرْبِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا ثُلُثًا وَنَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا وَنُطْعِمَ الْجِيرَانَ ثُلُثَهَا» . فَطَلْحَةُ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ الْفَاضِحِ، وَعَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ إلَيْهِ، لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: أَمَرَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يُرْفَعَ لَهُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بَضْعَةٌ وَيُتَصَدَّقَ بِسَائِرِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نَا الْهَرَوِيُّ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ. عَنْ

إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَافَرَ مَعِي تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمَّا ذَبَحْنَا أُضْحِيَّتَهُ فَأَخَذَ مِنْهَا بَضْعَةً فَقَالَ: آكُلُهَا؟ فَقُلْت لَهُ: وَمَا عَلَيْك أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْهَا؟ فَقَالَ تَمِيمٌ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 28] فَتَقُولُ أَنْتَ: وَمَا عَلَيْك أَنْ لَا تَأْكُلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَمَلَ هَذَا الْأَمْرَ تَمِيمٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذَا الْحَقُّ الَّذِي لَا يَسَعُ أَحَدًا سِوَاهُ، وَتَمِيمٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: إذَا ذَبَحْتُمْ أَضَاحِيكُمْ فَأَطْعِمُوا، وَكُلُوا، وَتَصَدَّقُوا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا نَحْوُ هَذَا - وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ؛ وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ إلَّا رُبُعُهَا. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي أَخِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الضَّحِيَّةِ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنَقْدَمُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ " لَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ " لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ مِنْ ظَنِّ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْخَبَرِ «أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ مَذْكُورٌ عَنْهُ فِي رِوَايَتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ حَمَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْوُجُوبِ، وَابْنُ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا.

مسألة لا يحل للمضحي أن يبيع من أضحيته

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى لَنَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَلَا تَأْكُلُوا» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ. قَالَ عَلِيٌّ: حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ كَانَ عَامَ حَصْرِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي قَدْ أَلْجَأَتْهُمْ الْفِتْنَةُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ فَأَمَرَ لِذَلِكَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَهِدَ النَّاسُ وَدَفَّتْ الدَّافَّةُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَبِيعَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ] 986 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَبِيعَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بَعْدَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا شَيْئًا: لَا جِلْدًا، وَلَا صُوفًا، وَلَا شَعْرًا، وَلَا وَبَرًا، وَلَا رِيشًا، وَلَا شَحْمًا، وَلَا لَحْمًا، وَلَا عَظْمًا، وَلَا غُضْرُوفًا، وَلَا رَأْسًا، وَلَا طَرَفًا، وَلَا حَشْوَةً، وَلَا أَنْ يُصْدِقَهُ، وَلَا أَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ، وَلَا أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ شَيْئًا أَصْلًا، لَا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَلَا غِرْبَالًا، وَلَا مُنْخُلًا، وَلَا تَابِلًا وَلَا شَيْئًا أَصْلًا. وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَيَتَوَطَّأَهُ، وَيَنْسَخَ فِي الْجِلْدِ، وَيَلْبَسَهُ، وَيَهَبَهُ وَيُهْدِيَهُ، فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِهِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، فَلَهُ بَيْعُهُ حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَزَّارَ عَلَى ذَبْحِهَا، أَوْ سَلْخِهَا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَكُلُّ مَا وَقَعَ مِنْ هَذَا فُسِخَ أَبَدًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: أَبِيعُ جِلْدَ بَقَرٍ ضَحَّيْت بِهَا؟ فَرَخَّصَ لِي. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا يَتَصَدَّقُ بِإِهَابِهِ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا بَاعَهُ إنْ شَاءَ.

وَقَالَ أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَيْك دَيْنٌ. وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ جُلُودِ الْأَضَاحِيِّ؟ فَقَالَ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} [الحج: 37] إنْ شِئْت فَبِعْ، وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ جُلُودِ الْأَضَاحِيِّ، نِعْمَ الْغَنِيمَةُ تَأْكُلُ اللَّحْمَ وَتَقْضِي النُّسُكَ، وَيُرْجَعُ إلَيْك بَعْضُ الثَّمَنِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى مِثْلِ هَذَا إلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوا أَنْ يُبَاعَ بِهِ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ -: صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَدِّلَ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْضُ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُشْتَرَى بِهِ الْغِرْبَالُ وَالْمُنْخُلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَكِنْ يَبْتَاعُ بِهِ بَعْضُ مَتَاعِ الْبَيْتِ كَالْغِرْبَالِ، وَالْمُنْخُلِ، وَالتَّابِلِ. قَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ: أَيَبْتَاعُ بِهِ الْخَلُّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَلِّ وَالْغِرْبَالِ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا تَشْتَرِ بِهِ الْخَلَّ - وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَطَرِيفٌ جِدًّا، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَابِلِ، الْكَمُّونِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْكُسْبُرَةِ، وَالْكَرَاوْيَا، وَالْغِرْبَالِ، وَالْمُنْخُلِ. وَبَيْنَ الْخَلِّ، وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ، وَالْفَأْسِ، وَالْمِسْحَاةِ، وَالثَّوْبِ، وَالْبُرِّ، وَالنَّبِيذِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ فِي ابْتِيَاعِ: التَّوَابِلِ، وَالْغِرْبَالِ، وَالْمَنَاخِلِ، مِنْ الرِّبَا وَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ خِلَافُ كُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِإِهَابِ الْبُدْنِ؟ قَالَ: يُتَصَدَّقُ بِهِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ سِقَاءً يُنْبَذُ فِيهِ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مِنْ جِلْدِ أُضْحِيَّتِهِ مُصَلًّى يُصَلِّي فِيهِ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: انْتَفِعُوا بِمُسُوكِ الْأَضَاحِيِّ وَلَا تَبِيعُوهَا. وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ عَمِلَ مِنْ جِلْدِ عُنُقِ بَدَنَتِهِ نَعْلَيْنِ لِغُلَامِهِ.

مسألة وجد بالأضحية عيبا بعد أن ضحى بها

وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ جِلْدَ الْبَدَنَةِ وَلَا يُبَاعُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ مُجَاهِدًا، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كَرِهَا أَنْ يُبَاعَ جِلْدُ الْبَدَنَةِ تَطَوُّعًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ إلَّا قَوْلُ مَنْ مَنَعَ جُمْلَةً أَوْ مَنْ أَبَاحَ جُمْلَةً فَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ جُمْلَةً بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا حَقٌّ إذْ لَمْ يَأْتِ مَا يَخُصُّهُ، وَقَدْ صَحَّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَضَاحِيِّ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَادَّخِرُوا» فَلَا يَحِلُّ تَعَدِّي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَيَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالِادِّخَارُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْحَبْسِ، فَأُبِيحَ لَنَا احْتِبَاسُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا، فَلَيْسَ لَنَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ إذَا قُرِّبَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ أَخْرَجَهَا الْمُضَحِّي مِنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا مَا أَحَلَّهُ لَهُ النَّصُّ، فَلَوْلَا الْأَمْرُ الْوَارِدُ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ مَا حُلَّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ هَذَانِ عَنْ الْحَظْرِ بِالنَّصِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْحَظْرِ. وَهُمْ يَقُولُونَ وَنَحْنُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَنَّ لَهُ اسْتِخْدَامَهَا وَوَطْأَهَا وَعِتْقَهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهَا، وَلَا إصْدَاقُهَا، وَلَا الْإِجَارَةُ بِهَا، وَلَا تَمْلِيكُهَا غَيْرَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا وَقَعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فَيُفْسَخُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَأَمَّا مَنْ تَمَلَّكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدُ فَلَهُ فِيهِ مَا لَهُ فِي سَائِرِ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ. [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ بِالْأُضْحِيَّةِ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ ضَحَّى بِهَا] 987 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ بِالْأُضْحِيَّةِ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ ضَحَّى بِهَا وَلَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً صَحِيحَةً وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مَعِيبَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ الْإِمْسَاكُ، فَلَمَّا بَطَلَ الرَّدُّ بِخُرُوجِهَا بِالتَّضْحِيَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَكْلُ مَالِ أَخِيهِ بِالْخَدِيعَةِ وَالْبَاطِلِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَزَادَ عَلَى حَقِّهَا الَّذِي يُسَاوِيهِ، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، إلَّا أَنْ يُحَلَّ لَهُ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَقُّهُ تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مُتَقَصًّى فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

مسألة أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره

قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9] فَالْخَدِيعَةِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. 988 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطَ السَّلَامَةَ فَهِيَ مَيْتَةٌ وَيَضْمَنُ مِثْلَهَا لِلْبَائِعِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَلَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ السَّالِمَةَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ هِيَ غَيْرُ الْمَعِيبَةِ. فَمَنْ اشْتَرَى سَالِمَةً وَأَعْطَى مَعِيبَةً فَإِنَّمَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى، وَإِذَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى فَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَالتَّرَاضِي لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لَا بِالْجَهْلِ بِهِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَيْبَ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ، وَالرِّضَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي عَقْدِ الصَّفْقَةِ لَا بَعْدَهُ. وَمَنْ ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَقَدْ تَعَدَّى، وَالتَّعَدِّي مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَظُلْمٌ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالذَّكَاةِ فَهِيَ طَاعَةٌ لَهُ تَعَالَى، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْصِيَةٍ، فَالذَّبْحُ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ وَذَكَاةٌ، هُوَ غَيْرُ الذَّبْحِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ وَعُدْوَانٌ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا بِالذَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، لَا مِمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْعُدْوَانِ؛ فَلَيْسَتْ ذَكِيَّةً فَهِيَ مَيْتَةٌ، وَمَنْ تَعَدَّى بِإِتْلَافِ مَالِ أَخِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَالصَّفْقَةُ فَاسِدَةٌ فَالثَّمَنُ مَرْدُودٌ. وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَقَدْ تَنَاقَضَ، إذْ حَرَّمَ أَكْلَ مَا ذُبِحَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ أَوْ مَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ أَبَاحَ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ أَكْلَ الصَّيْدِ الَّذِي يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ بِالْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا أَبَاحَ هَؤُلَاءِ أَكْلَ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ حَقٍّ. [مَسْأَلَةٌ أَخْطَأَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ] 989 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَخْطَأَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَلِلْغَائِبِ أَنْ يَأْمُرَ بِأَنْ يُضَحَّى عَنْهُ وَهُوَ حَسَنٌ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، فَإِنْ ضُحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ ضَحَّى عَنْ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا مِنْ مَالِهِمَا فَهُوَ حَسَنٌ، وَلَيْسَتْ مَيْتَةً، لِأَنَّهُ النَّاظِرُ لَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالِكُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الأطعمة

[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ 989 - مُكَرَّرٌ مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ، لَا لَحْمِهِ، وَلَا شَحْمِهِ، وَلَا جِلْدِهِ، وَلَا عَصَبِهِ، وَلَا غُضْرُوفِهِ، وَلَا حَشْوَتِهِ، وَلَا مُخِّهِ، وَلَا عَظْمِهِ، وَلَا رَأْسِهِ، وَلَا أَطْرَافِهِ، وَلَا لَبَنِهِ، وَلَا شَعْرِهِ - الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ - وَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِشَعْرِهِ لَا فِي خَرَزٍ، وَلَا فِي غَيْرِهِ. وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ وَلَا اسْتِعْمَالُهُ - مَسْفُوحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَسْفُوحٍ - إلَّا الْمِسْكُ وَحْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ وَلَا مَا قُتِلَ مِنْهُ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، إلَّا الْجَرَادُ وَحْدَهُ، فَإِنْ خُنِقَ شَيْءٌ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ ضُرِبَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ فَمَاتَ، أَوْ نَطَحَهُ حَيَوَانٌ آخَرُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا مَا قَتَلَهُ السَّبُعُ أَوْ حَيَوَانٌ آخَرُ حَاشَا الصَّيْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ أُدْرِكَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا حَيًّا فَذُكِّيَ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ. وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ حَيَوَانٍ ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] فَحَرَّمَ تَعَالَى كُلَّ

مَا ذَكَرْنَا وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ كُلُّ مَا ذَكَّيْنَا وَلَا تَقْتَضِي الْآيَةُ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا وَهَهُنَا قَوْلَانِ لِبَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ، أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ بِالْحَيَوَانِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مَبْلَغًا يُوقَنُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَإِنْ ذُكِّيَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِمَّا أَصَابَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ الذَّكَاةِ حَرُمَ أَكْلُهُ وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ الذَّكَاةِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِمَّا أَصَابَهُ حَلَّ أَكْلُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخِلَافٌ لِلْآيَةِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ الْمُزَنِيّ أَيْضًا وَسَنَسْتَقْصِي هَذَا فِي كِتَابِ الذَّكَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الدَّمُ فَإِنَّ قَوْمًا حَرَّمُوا الْمَسْفُوحَ وَحْدَهُ، وَهُوَ الْجَارِي، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] قَالُوا: فَإِنَّمَا حَرَّمَ الْمَسْفُوحَ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْهُمْ مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَالْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَا نَحْنُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ مِنْ آخِرِ مَا أُنْزِلَ فَحَرَّمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ ثُمَّ حَرَّمَ بِالْمَدِينَةِ الدَّمَ كُلَّهُ جُمْلَةً عُمُومًا فَمَنْ لَمْ يُحَرِّمْ إلَّا الْمَسْفُوحَ وَحْدَهُ فَقَدْ أَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَنْ حَرَّمَ الدَّمَ جُمْلَةً فَقَدْ أَخَذَ بِالْآيَتَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ حَرَّمَ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ فِيهَا كَالْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ وَالدَّمُ جُمْلَةً مِمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُهُ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَةِ. نَا أَبُو سَعِيدٍ الْفَتَى نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ حَدَّثَنِي يَمُوتُ بْنُ المزرع نَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ نَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ تَلْخِيصِ آيِ الْقُرْآنِ الْمَدَنِيِّ مِنْ الْمَكِّيِّ؟ فَقَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سُورَةُ الْأَنْعَامِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151] إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ الْآيَاتِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هِيَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ - وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151 - 153] . فَهَذِهِ الثَّلَاثُ الْآيَاتُ هِيَ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْهَا فِي الْمَدِينَةِ وَسَائِرُهَا بِمَكَّةَ، وَسُورَةُ الْمَائِدَةِ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، (فَإِنْ ذَكَرُوا) مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الدَّمِ يَكُونُ فِي أَعْلَى الْقِدْرِ؟ فَلَمْ تَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَرَأَتْ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] حَتَّى بَلَغَتْ (مَسْفُوحًا) فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَارَضَهُ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ جُرَيِّ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قُلْت: نَعَمْ قَالَتْ: أَمَا إنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَرَامًا فَحَرِّمُوهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الدَّمَ الَّذِي فِي أَعْلَى الْقِدْرِ إنْ كَانَ أَحْمَرَ ظَاهِرًا فَهُوَ بِلَا شَكٍّ مَسْفُوحٌ وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ صُفْرَةٌ فَلَيْسَ دَمًا لِأَنَّ الدَّمَ أَحْمَرُ أَوْ أَسْوَدُ لَا أَصْفَرُ فَإِنْ بَطَلَتْ صِفَاتُهُ الَّتِي مِنْهَا يَقُومُ حَدُّهُ فَقَطْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الدَّمِ وَإِذْ لَمْ يَكُنْ دَمًا فَهُوَ حَلَالٌ، وَكَذَلِكَ مَا فِي الْعُرُوقِ وَخِلَالَ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فَلَيْسَ هُنَالِكَ دَمٌ يُحَرَّمُ وَإِنَّمَا نَسْأَلُ خُصُومَنَا عَنْ دَمٍ أَحْمَرَ ظَاهِرٍ إلَّا أَنَّهُ جَامِدٌ لَيْسَ جَارِيًا أَيَحِلُّ أَكْلُهُ أَمْ لَا؟ فَهَذَا مَكَانُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمِسْكُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يَتَطَيَّبُ بِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَهَا وَأَقَرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَلَنَا وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فِي أَصْلِهِ دَمُ قُرْحَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ فِي حَيَوَانٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} [الأنعام: 145] وَالضَّمِيرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ رَاجِعٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَيْهِ فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ بِعَيْنِهِ رِجْسٌ فَهُوَ كُلُّهُ رِجْسٌ وَبَعْضُ الرِّجْسِ رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ

فَالْخِنْزِيرُ كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ شَعْرُهُ وَلَا غَيْرُهُ حَاشَا مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ مِنْ الْجِلْدِ إذَا دُبِغَ فَحَلَّ اسْتِعْمَالُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا لَيْثٌ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدُ اللَّهِ نَا حَجَّاجٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - (عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ) نَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ: أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ: لَا إنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ» ، فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوَّبَ قَتْلَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْخَنَازِيرِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ يَنْزِلُ وَبِهِ يَحْكُمُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَتْ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ لَمَا أَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَتْلَهُ فَيُضَيِّعُ، فَصَحَّ أَنَّهُ كُلَّهُ مَيْتَةٌ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُ مَنْ لَا يُبَالِي مَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ شَحْمَ الْخِنْزِيرِ إنَّمَا حُرِّمَ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ هَذَا التَّخْلِيطَ الظَّاهِرَ فَسَادُهُ: أَوَّلُ بُطْلَانِ قَوْلِك أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَثَانِيه أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا إذْ قُلْت إنَّهَا إنَّمَا أَجْمَعَتْ عَلَى الْبَاطِلِ مِنْ الْقِيَاسِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَا عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّحْمِ وَاللَّحْمِ، فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ الشَّحْمَ بَعْضُ اللَّحْمِ وَمِنْ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّحْمِ تُولَدُ قُلْنَا لَهُمْ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّ الشَّحْمَ بَعْضُ اللَّحْمِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ الشَّحْمُ لَحْمًا وَهَذَا لَمْ تَأْتِ بِهِ لُغَةٌ قَطُّ وَلَا شَرِيعَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُكُمْ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّحْمِ تَوَلَّدَ فَنَحْنُ تَوَلَّدْنَا مِنْ التُّرَابِ وَلَسْنَا تُرَابًا، وَالدَّجَاجَةُ تَوَلَّدَتْ مِنْ الْبَيْضَةِ وَلَيْسَتْ بَيْضَةً، وَالتَّمْرُ تَوَلَّدَ مِنْ النَّخْلِ

وَلَيْسَ نَخْلًا، وَاللَّحْمُ تَوَلَّدَ مِنْ الدَّمِ، وَاللَّبَنُ تَوَلَّدَ مِنْ الدَّمِ وَلَيْسَ اللَّحْمُ دَمًا وَلَا اللَّبَنُ دَمًا بَلْ هُمَا حَلَالَانِ، وَالدَّمُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ لَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الدِّيَانَةِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّحْمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّحْمَ بِتَحْرِيمِ الشَّحْمِ. نَعَمْ وَلَا حَرَّمَ شَحْمَ الظَّهْرِ وَلَا شَحْمَ الصَّدْرِ وَلَا شَحْمَ الْحَوَايَا لِتَحْرِيمِ شَحْمِ الْبَطْنِ، وَلَا يَدْرِي ذُو عَقْلٍ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا حُرِّمَ اللَّحْمُ أَنْ يُحَرِّمَ الشَّحْمَ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا فَرْقَ مَا بَيْنَهُمَا آنِفًا. وَالرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَتَرَوْنَ سَفَّ عَظْمِهِ وَأَكْلَ غُضْرُوفِهِ وَشُرْبَ لَبَنِهِ حُرِّمَ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ جِدًّا وَكُلُّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ أَنْوَاعٌ غَيْرُ اللَّحْمِ بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا أَخْبِرُونَا أَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى شَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَغُضْرُوفَهُ وَعَظْمَهُ وَشَعْرَهُ وَلَبَنَهُ؟ أَمْ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ قَالُوا: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ ذَلِكَ قُلْنَا لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ تَحْرِيمُ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَرَّمَ إلَّا بِتَفْصِيلِهِ تَحْرِيمَهُ وَبِوَحْيِهِ بِذَلِكَ إلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَلْ يَكُونُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ أَمْرَ كَذَا بِغَيْرِ وَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ إلَّا مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا عَلَيْهِ جِهَارًا؟ إذْ أَخْبَرَ عَنْهُ تَعَالَى بِمَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ وَحْيًا وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَإِنْ قَالُوا: حَرُمَ كُلُّ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِهِ اللَّحْمَ قُلْنَا: وَهَذِهِ دَعْوَى مُكَرَّرَةٌ كَاذِبَةٌ مُفْتَرَاةٌ بِلَا دَلِيلٍ عَلَى صِحَّتِهَا، وَعَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْكَاذِبَةِ سَأَلْنَاكُمْ فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَكُمْ زِيَادَةً عَلَى تَكْرِيرِهَا فَقَطْ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُحَرِّمْهَا اللَّهُ تَعَالَى بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا حَرَّمَهَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَصٍّ مِنْهُ لَكِنْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ أَطَمُّ وَأَفْحَشُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يُقِرُّونَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَا شَكٍّ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْكَفَرَةِ الصَّلْعَاءِ، فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حِينَئِذٍ قُلْنَا لَهُمْ: مَتَى حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؟ أَقَبْلَ إجْمَاعِهِمْ أَمْ مَعَ إجْمَاعِهِمْ أَمْ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ. فَإِنْ قَالُوا: بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ جَعَلُوا حُكْمَهُ تَعَالَى تَبَعًا لِحُكْمِ عِبَادِهِ وَهَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ مَعَ إجْمَاعِهِمْ كَانُوا قَدْ أَوْجَبُوا أَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا مُخَالَفَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي

مسألة أكل ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه

تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا فُحْشَ هَذَا آنِفًا. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ قُلْنَا: فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَهُ وَلَا يُعْرَفُ تَحْرِيمُهُ إيَّاهُ إلَّا بِتَفْصِيلٍ مِنْهُ تَعَالَى بِتَحْرِيمِهِ وَالتَّفْصِيلُ لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِنَصٍّ وَهَذَا قَوْلُنَا وَإِلَّا فَهُوَ دَعْوَى كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَكَهُّنٌ. وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِالظَّنِّ فَظَهَرَ يَقِينُ مَا قُلْنَاهُ وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ وَصَحَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَحْرِيمِ لَحْمِهِ إلَّا بَعْدَ وُرُودِ النَّصِّ بِتَحْرِيمِهِ وَلَا فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الْجَرَادِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَة أَكْلُ مَا يَسْكُنُ جَوْفَ الْمَاءِ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ] 990 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَا يَسْكُنُ جَوْفَ الْمَاءِ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ كُلُّهُ كَيْفَمَا وُجِدَ، سَوَاءٌ أُخِذَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَ فِي الْمَاءِ، طَفَا أَوْ لَمْ يَطْفُ، أَوْ قَتَلَهُ حَيَوَانٌ بَحْرِيٌّ أَوْ بَرِّيٌّ هُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ أَكْلُهُ. وَسَوَاءٌ خِنْزِيرُ الْمَاءِ، أَوْ إنْسَانُ الْمَاءِ، أَوْ كَلْبُ الْمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ أَكْلُهُ: قَتَلَ كُلَّ ذَلِكَ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَحَدٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] وَقَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَخَالَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا كُلَّهُ وَقَالُوا: يَحِلُّ أَكْلُ مَا مَاتَ مِنْ السَّمَكِ وَمَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ مَا لَمْ يَطْفُ عَلَى الْمَاءِ مِمَّا مَاتَ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ خَاصَّةً، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا طَفَا مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا فِي الْمَاءِ إلَّا السَّمَكُ وَحْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ خِنْزِيرِ الْمَاءِ وَلَا إنْسَانِ الْمَاءِ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ جُمْلَةً وَالْإِنْسَانِ وَهَذَا خِنْزِيرٌ وَإِنْسَانٌ، قَالُوا: فَإِنْ ضَرَبَهُ حُوتٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَهُ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَتْهُ صَخْرَةٌ فَقَتَلَتْهُ أَوْ صَادَهُ وَثَنِيٌّ فَقَتَلَهُ فَطَفَا بَعْدَ كُلِّ هَذَا فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي سَمَكَةٍ مَيِّتَةٍ بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَبَعْضُهَا فِي الْمَاءِ: إنْ كَانَ الرَّأْسُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمَاءِ أُكِلَتْ وَإِنْ كَانَ الرَّأْسُ فِي الْمَاءِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا النِّصْفَ فَأَقَلَّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ حَلَّ أَكْلُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقْوَالٌ لَا تُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُمْ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ وَلِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلِلْقِيَاسِ وَلِلْمَعْقُولِ لِأَنَّهَا تَكْلِيفٌ مَا لَا يُطَاقُ مِمَّا لَا سَبِيلَ

إلَى عِلْمِهِ هَلْ مَاتَتْ وَهِيَ طَافِيَةٌ فِيهِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْفُوَ أَوْ مَاتَتْ مِنْ ضَرْبَةِ حُوتٍ أَوْ مِنْ صَخْرَةٍ مُنْهَدِمَةٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهَا؟ وَلَا يَعْلَمُ هَذَا إلَّا اللَّهُ أَوْ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِذَلِكَ الْحُوتِ، وَمَا نَدْرِي لَعَلَّ الْجِنَّ لَا سَبِيلَ لَهَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَمْ يُمْكِنُهَا عِلْمُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِمْ غَوَّاصِينَ بِلَا شَكٍّ؟ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} [الأنبياء: 82] ثُمَّ لَا بُدَّ لِلسَّمَكَةِ الَّتِي شَرَّعَ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ السَّخِيفَةَ مِنْ مُذَرِّعٍ يُذَرِّعُ مَا مِنْهَا خَارِجَ الْمَاءِ وَمَا مِنْهَا دَاخِلَ الْمَاءِ ثُمَّ مَا يُدْرِيهِ الْبَائِسُ لَعَلَّهُ كَانَ أَكْثَرُهَا فِي الْمَاءِ، ثُمَّ أَدَارَتْهَا الْأَمْوَاجُ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ لِهَذِهِ الْحَمَاقَاتِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ إلَّا مَا يَتَطَايَبُ بِهِ الْمُجَّانُ لِإِضْحَاكِ سُخَفَاءِ الْمُلُوكِ، وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ فِي أَنَّهُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ: هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَلَا نَأْخُذُ بِهَا إلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ، ثُمَّ لَا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَزِيدُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُقُولِ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ. نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ كَثِيرًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَدْ حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَالْإِنْسَانَ وَهَذَا خِنْزِيرٌ وَإِنْسَانٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِهَذَا أَيْضًا خَاصَّةً: فَلَيْسَ خِنْزِيرًا وَلَا إنْسَانًا لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ تَسْمِيَةُ مَنْ لَيْسَ حُجَّةً فِي اللُّغَةِ وَلَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إلَى النَّاسِ لَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُحِلَّ الْحَرَامَ أَحَلَّهُ بِأَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِ شَيْءٍ حَلَالٍ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُحَرِّمَ الْحَلَالَ حَرَّمَهُ بِأَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِ شَيْءٍ حَرَامٍ، فَسَقَطَ قَوْلُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ سُقُوطًا لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَبَقِيَ قَوْلٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ فِي تَحْرِيمِ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ وَمَا كَانَ عَلَى حَافَتَيْهِ أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَا حَسِرَ الْمَاءُ عَنْ ضِفَّتَيْ الْبَحْرِ فَكُلْ وَمَا مَاتَ فِيهِ طَافِيًا فَلَا تَأْكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ فُضَيْلٍ أَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا طَفَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَا تَأْكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنِّي أَجِدُ الْبَحْرَ وَقَدْ جَعَلَ سَمَكًا قَالَ: لَا تَأْكُلْ مِنْهُ طَافِيًا. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: مَا طَفَا مِنْ السَّمَكِ فَلَا تَأْكُلْهُ.

وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الطَّافِيَ مِنْ السَّمَكِ، وَبِتَحْرِيمِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيمَا فِي الْبَحْرِ مِمَّا عَدَا السَّمَكِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُؤْكَلُ، وَالْآخَرُ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُذْبَحَ، وَهَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ: نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَيْدَ الْمَجُوسِ لِلسَّمَكِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ذَكَاةُ الْحُوتِ فَكُّ لَحْيَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ وَتَقْسِيمُ أَحَدِ قَوْلَيْ الثَّوْرِيِّ فَيُبْطِلُهَا كُلَّهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا أَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ حَدَّثَنِي جَابِرٌ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَقُلْت لِجَابِرٍ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ فَنَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنَيْهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا، ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ فَأَرْسَلْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَأَكَلَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا لَيْسَ مِنْ السَّمَكِ بَلْ هُوَ مِمَّا حَرَّمَهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَلَيْسَ مِمَّا فُكَّتْ لَحْيَاه بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ جَابِرٍ لِسَمَاعِ أَبِي الزُّبَيْرِ إيَّاهُ مِنْهُ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِيهِ لِقَوْلِهِ لِجَابِرٍ فِي التَّمْرَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ وَإِذْ مَيْتَةُ الْبَحْرِ حَلَالٌ فَصَيْدُ الْوَثَنِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ إنَّمَا ذَكَاتُهُ مَوْتُهُ فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ حَرَّمَ الطَّافِيَ جُمْلَةً فَالرِّوَايَةُ فِي

ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَمُدَلَّسٌ عَنْهُ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ ابْنَ فُضَيْلٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ، وَهِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ أَجْلَحَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ» وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ وَنُعَيْمِ بْنِ الْمُجْمِرِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُوا مَا حَسِرَ عَنْهُ الْبَحْرُ وَمَا أَلْقَى وَمَا وَجَدْتُمُوهُ طَافِيًا مِنْ السَّمَكِ فَلَا تَأْكُلُوهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ صَحَّ لَمَا تَرَدَّدْنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ فِي الْقَوْلِ بِهِ إلَّا أَنَّ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ وَلِكُلِّ مَا رُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ لِأَنَّهُمْ يُبِيحُونَ بَعْضَ الطَّافِي إذَا مَاتَ مِنْ عَارِضٍ عَرَضَ لَهُ لَا حَتْفَ أَنْفِهِ وَيُحَرِّمُونَ كَثِيرًا مِمَّا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَخَالَفُوا الْخَبَرَ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا شَيْءٌ، وَأَمَّا ضَعْفُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعًا. نَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ الْقَاضِي نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّخِيلُ نَا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ زَكَرِيَّا: نَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ وَالْحَسَنُ قَالَا جَمِيعًا: نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: جِئْت أَبَا الزُّبَيْرِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ فَقُلْت لَهُ: هَذَا كُلُّهُ سَمِعْته مِنْ جَابِرٍ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْت مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا حَدَّثْت عَنْهُ فَقُلْت: أَعْلِمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْت فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَا قَالَ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ

أَخْبَرَهُ بِهِ جَابِرٌ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ بِإِقْرَارِهِ وَلَا نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهُ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ فَسَقَطَ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى بَيَانِهِ لَنَا. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ حَلَالٌ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا. نَا حُمَامُ نَا الْبَاجِيَّ نَا ابْنُ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا أَبُو ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: السَّمَكُ كُلُّهُ ذَكِيٌّ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: طَعَامُ الْبَحْرِ كُلْ مَا فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْحِيتَانُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142] فَسَمَّى مَا يَلْتَقِمُ الْإِنْسَانَ فِي بَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ حُوتًا. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي أَحَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِإِبَاحَتِهِ وَلَا يُعْلَمُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْحِيتَانِ وَالْجَرَادِ؟ فَقَالَ: الْحِيتَانُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ ذَكَاتُهُمَا صَيْدُهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَكَلَ سَمَكَةً طَافِيَةً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ نَا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ سَأَلَ عَنْ سَمَكَةٍ طَافِيَةٍ؟ فَقَالَ: كُلْ وَأَطْعِمْنِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ الْكَلَاعِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَدْرَكْت سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُونَ صَيْدَ الْمَجُوسِ مِنْ الْحِيتَانِ لَا يَخْتَلِجُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي صُدُورِهِمْ وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ صَيْدَهُ ذَكَاتَهُ، وَبِأَكْلِ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ.

مسألة أكل ما يعيش في الماء وفي البر

قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَطْفُو الْحُوتُ أَصْلًا إلَّا حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقَارِبَ الْمَوْتَ فَإِذَا مَاتَ طَفَا ضَرُورَةً وَلَا بُدَّ، فَتَخْصِيصُهُمْ الطَّافِيَ بِالْمَنْعِ وَإِبَاحَتُهُمْ مَا مَاتَ فِي الْمَاءِ تَنَاقُضٌ. [مَسْأَلَة أَكْلُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْبَرِّ] 991 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْبَرِّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ كَالسُّلَحْفَاةِ والباليمرين وَكَلْبِ الْمَاءِ وَالسَّمُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَدَوَابِّهِ وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ جَزَاهُ، وَأَمَّا الضِّفْدَعُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَبْحِهَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. [مَسْأَلَة أَكْل مَا لَمْ يُذَكَّ] 992 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ حَيَوَانٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا دَامَ حَيًّا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَحَرَّمَ عَلَيْنَا أَكْلَ مَا لَمْ نُذَكِّ، وَالْحَيُّ لَمْ يُذَكَّ بَعْدُ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذُبِحَ حَيَوَانٌ أَوْ نُحِرَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَدَنِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ، فَلَا يَحِلُّ بَلْعُ جَرَادَةٍ حَيَّةٍ، وَلَا بَلْعُ سَمَكَةٍ حَيَّةٍ، مَعَ أَنَّهُ تَعْذِيبٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ الْفُرَافِصَةِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّ الذَّكَاةَ: الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ لِمَنْ قَدَرَ، وَذَرُوا الْأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ بِفَتْلِ عُنُقٍ] 993 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ بِفَتْلِ عُنُقٍ، وَلَا بِشَدْخٍ، وَلَا بِغَمٍّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَلَيْسَ هَذَا ذَكَاةً. [مَسْأَلَة أَكْلُ الْعَذِرَةِ وَالرَّجِيعِ] 994 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ الْعَذِرَةِ، وَلَا الرَّجِيعِ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ أَبْوَالِ الْخُيُولِ، وَلَا الْقَيْءِ، وَلَا لُحُومِ النَّاسِ - وَلَوْ ذُبِحُوا - وَلَا أَكْلُ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ الْإِنْسَانِ إلَّا اللَّبَنَ وَحْدَهُ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ، وَلَا أَكْلُ الْكَلْبِ، وَالْهِرِّ - الْإِنْسِيُّ وَالْبَرِّيُّ سَوَاءٌ - وَلَا الثَّعْلَبِ، حَاشَا الضَّبُعِ وَحْدَهَا، فَهِيَ حَلَالٌ أَكْلُهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتْ ذَكَاةُ الْفِيلِ لَحَلَّ أَكْلُهُ؟ أَمَّا الْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] .

وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلَّ بَوْلٍ. وَبَيَّنَّا هُنَالِكَ أَنَّ سَقْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُرَنِيِّينَ أَبْوَالَ الْإِبِلِ، إنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي لِلْعِلَلِ الَّتِي كَانَتْ أَصَابَتْهُمْ وَأَوْرَدْنَا الْأَسَانِيدَ الثَّابِتَةَ بِكُلِّ هَذَا. وَبَيَّنَّا فَسَادَ الرِّوَايَةِ مِنْ طَرِيقِ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ - وَهُوَ سَاقِطٌ - لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ؛ إذْ قَاسُوا بَوْلَ الْحَيَوَانِ وَرَجِيعَهُ عَلَى لَحْمِهِ؛ فَهَلَّا قَاسُوهُ عَلَى دَمِهِ؟ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقِيَاسِ، أَوْ عَلَى بَوْلِ الْآدَمِيِّينَ وَرَجِيعِهِمْ. وَأَمَّا الْقَيْءُ -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - وَشُعْبَةُ قَالَا جَمِيعًا: نَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَالْقَيْءُ هُوَ مَا تَغَيَّرَ، فَإِنْ خَرَجَ الطَّعَامُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَيْسَ قَيْئًا، فَلَيْسَ حَرَامًا؟ وَأَمَّا لُحُومُ النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] . وَلِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِأَنْ يُوَارَى كُلُّ مَيِّتٍ مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ؛ فَمَنْ أَكَلَهُ فَلَمْ يُوَارِهِ؛ وَمَنْ لَمْ يُوَارِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَحَرَّمَ تَعَالَى أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَأَكْلَ مَا لَمْ يُذَكَّ، وَالْإِنْسَانُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ حَرَامٌ قَتْلُهُ، وَقِسْمٌ مُبَاحٌ قَتْلُهُ.

فَالْحَرَامُ قَتْلُهُ إنْ مَاتَ، أَوْ قُتِلَ فَلَمْ يُذَكَّ فَهُوَ حَرَامٌ. وَأَمَّا الْحَلَالُ قَتْلُهُ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ -: إمَّا لِكُفْرِهِ مَا لَمْ يُسْلِمْ، وَإِمَّا قَوَدًا، وَإِمَّا لِحَدٍّ أَوْجَبَ قَتْلَهُ، وَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ فَلَيْسَ مُذَكًّى؟ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ إلَّا بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَالتَّذْكِيَةُ غَيْرُ تِلْكَ الْوُجُوهِ بِلَا شَكٍّ؛ فَالْقَصْدُ إلَيْهَا مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ لَيْسَتْ ذَكَاةً فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى، فَحَرَامٌ أَكْلُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَإِذْ هُوَ كُلُّهُ حَرَامٌ فَأَكْلُ بَعْضِهِ حَرَامٌ، لِأَنَّ بَعْضَ الْحَرَامِ حَرَامٌ بِالضَّرُورَةِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمُخَاطُ، وَالنُّخَاعَةُ، وَالدَّمْعُ، وَالْعَرَقُ، وَالْمَذْيُ، وَالْمَنِيُّ، وَالظُّفْرُ، وَالْجِلْدُ، وَالشَّعْرُ، وَالْقَيْحُ، وَالسِّنُّ إلَّا اللَّبَنَ الْمُبَاحَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ أَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِسَالِمٍ وَهُوَ رَجُلٌ الرَّضَاعَ مِنْ لَبَنِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ. وَالرِّيقَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَنَّكَ الصِّبْيَانَ بِتَمْرٍ مَضَغَهُ، فَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ الْمَمْضُوغِ، فَالرِّيقُ حَلَالٌ بِالنَّصِّ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا السِّبَاعُ -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ» . وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ تَرَكْنَاهَا اخْتِصَارًا.

وَالْكَلْبُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكَذَلِكَ الْهِرُّ، وَالثَّعْلَبُ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ. وَقَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِ الْكَلْبِ، وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَلَوْ جَازَ أَكْلُهَا مَا حَلَّ قَتْلُهَا، كَمَا لَا يَحِلُّ قَتْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ مِنْ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا مُبَارَكٌ هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: اُقْتُلُوا الْكِلَابَ وَاذْبَحُوا الْحَمَامَ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَمَرَ بِذَبْحِ مَا يُؤْكَلُ، وَقَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ -: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنُ شِهَابٍ يَسْأَلُ عَنْ مَرَارَةِ السَّبُعِ، وَأَلْبَانِ الْأُتُنِ؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» ، وَلَا خَيْرَ فِيمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، فَلَا نَرَى أَلْبَانَهَا الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ لَحْمِهَا وَدَمِهَا إلَّا بِمَنْزِلَةِ لَحْمِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: الثَّعْلَبُ سَبُعٌ لَا يُؤْكَلُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ الْهِرِّ وَثَمَنِهِ» . أَقَلُّ مَا فِي هَذَا الْأَثَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ. وَبِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَبَاحَ الثَّعْلَبَ، وَأَنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ تَحْرِيمَ السِّبَاعِ وَمَوَّهُوا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ السِّبَاعِ؟ فَقَرَأَتْ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ.

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ قَالَ: تَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] قَالَ: مَا خَلَا هَذَا فَهُوَ حَلَالٌ. وَقَالُوا: رَوَى الزُّهْرِيُّ خَبَرَ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ عُلَمَائِنَا بِالْحِجَازِ حَتَّى حَدَّثَنِي أَبُو إدْرِيسَ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا مِنْ أَجْلِ ضَرَرِ لَحْمِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَكُلُّهُ لَا شَيْءَ -: أَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا مَكِّيَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبْطُلَ بِهَا أَحْكَامٌ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ؛ وَهُمْ يُحَرِّمُونَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ وَلَيْسَتْ فِي الْآيَةِ.

وَيُحَرِّمُونَ الْخَمْرَ وَلَيْسَتْ فِي الْآيَةِ، وَالْخَلِيطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرَا وَلَمْ يُذْكَرَا فِي الْآيَةِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ. وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَلَغَهَا نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ لَمَا خَالَفَتْهُ كَمَا فَعَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الْغُرَابِ إذْ بَلَغَهَا وَلَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهَا عَنْ جُوَيْبِرٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ الضَّحَّاكِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُلَمَائِهِ بِالْحِجَازِ فَكَانَ مَاذَا؟ وَهَبْك أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ قَطُّ، أَتُرَى السُّنَنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَعْرِفَهَا الزُّهْرِيُّ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا سُمِعَ بِمِثْلِهِ فَكَيْفَ وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُلَمَائِهِ بِالْحِجَازِ، بَلْ أَفْتَى بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا؟ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عَائِشَةَ، وَالزُّهْرِيَّ إذَا خَالَفَهُمَا مَالِكٌ [إذْ] لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهُ وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَفْسُهَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ فُتْيَا عَائِشَةَ فِي الْغُرَابِ وَفُتْيَا الزُّهْرِيِّ كَمَا أَوْرَدْنَا وَإِنَّمَا هُمْ كَالْغَرِيقِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجِدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِضَرَرِ لَحْمِهَا - فَكَلَامُ جَمْعِ الْغَثَاثَةِ وَالْكَذِبِ، أَمَّا الْكَذِبُ مِمَّا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَمَنْ أَخْبَرَهُمْ بِهَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَوَّلُوهُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَإِذْ أَخْبَرُوا عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ قَطُّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذِهِ قِصَّةٌ مُهْلِكَةٌ مُؤَدِّيَةٌ إلَى النَّارِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. وَأَمَّا الْغَثَاثَةُ فَإِنَّ عِلْمَهُمْ بِالطِّبِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَمَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَقَلُّ بَصَرٍ بِالْأَغْذِيَةِ فِي أَنَّ لَحْمَ الْجَمَلِ الشَّارِفِ وَالتَّيْسِ الْهَرِمِ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ لَحْمِ الْكَلْبِ، وَالْهِرِّ، وَالْفَهْدِ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا فَهَلْ فِي ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ النَّهْيَ عَنْهَا؟ مَا هُوَ إلَّا تَأْكِيدٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا، ثُمَّ قَدْ شَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي ذَلِكَ؛ إذْ تَرَكُوا الْكِلَابَ،

وَالسَّنَانِيرَ تَمُوتُ عَلَى الْمَزَابِلِ، وَفِي الدُّورِ، وَلَا يَذْبَحُونَهَا فَيَأْكُلُونَهَا، إذْ هِيَ حَلَالٌ؟ وَلَوْ أَنَّ امْرَءًا فَعَلَ هَذَا بِغَنَمِهِ وَبَقَرِهِ لَكَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى بِإِضَاعَةِ مَالِهِ. وَأَمَّا الضِّبَاعُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا سُلَيْمَانَ، أَبَاحَا أَكْلَهَا -: وَالْحُجَّةُ لِذَلِكَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: «سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الضَّبُعِ أَآكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ» ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَا نَافِعُ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَأْكُلُ الضِّبَاعَ؟ قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يُنْكِرْ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا يَرَى بِأَكْلِ الضِّبَاعِ بَأْسًا. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ: سَمِعْت عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ؟ فَقَالَ: رَأَيْتهَا عَلَى مَائِدَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَمِّهِ قَالَ: سَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ الضَّبُعِ؟ فَقَالَ: نَعْجَةٌ مِنْ الْغَنَمِ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: ضَبُعٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَبْشٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَاجِبٌ أَنْ تُسْتَثْنَى الضِّبَاعُ مِنْ جُمْلَةِ السِّبَاعِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُخَالَفُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِتَحْرِيمِ الضِّبَاعِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إلَّا تَعَلَّقَهُ بِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ السِّبَاعِ؟ قَالُوا: وَهِيَ سَبُعٌ. وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ نَا أَبُو زُهَيْرٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ

عَنْ حِبَّانَ بْنِ جُزْءٍ عَنْ أَخِيهِ خُزَيْمَةَ بْنِ جُزْءٍ قَالَ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا تَقُولُ فِي الضَّبُعِ؟ فَقَالَ لِي: وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ» ؟ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُؤَمَّلِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الضَّبُعِ؟ فَكَرِهَهُ فَقُلْت لَهُ: إنَّ قَوْمَك يَأْكُلُونَهُ؟ فَقَالَ: إنَّ قَوْمِي لَا يَعْلَمُونَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا -: فَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ السِّبَاعِ فَإِنَّهُ حَقٌّ وَلَكِنَّ الَّذِي نَهَى عَنْ السِّبَاعِ هُوَ الَّذِي أَحَلَّ الضِّبَاعَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إبَاحَةِ مَا حُرِّمَ مِنْ السِّبَاعِ وَبَيْنَ تَحْرِيمِ مَا حُلِّلَ مِنْ الضِّبَاعِ، وَكِلَاهُمَا لَا تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا شَيْءَ، لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ وَابْنَ أَبِي الْمُخَارِقِ سَاقِطٌ، وَحِبَّانَ بْنَ جُزْءٍ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعَجُّبُ مِمَّنْ يَأْكُلُهَا فَقَطْ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عِظَامَ الضَّأْنِ حَلَالٌ، ثُمَّ لَوْ رَأَيْنَا أَحَدًا يَأْكُلُهَا " أَوْ يَأْكُلُ جُلُودَهَا لَعَجِبْنَا مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَجَبِ. وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ جُمْلَةً ثُمَّ حَرَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُيُوعًا كَثِيرَةً فَلَمْ يُغَلِّبُوا عُمُومَ الْإِبَاحَةِ عَلَى تَخْصِيصِ النَّهْيِ وَهَذَا خِلَافُ فِعْلِهِمْ هَهُنَا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْفِيلُ فَلَيْسَ سَبُعًا وَلَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِهِ نَصٌّ، وَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145]

مسألة حكم أكل الحيات

؛ وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَكُلُّ شَيْءٍ حَلَالٌ إلَّا مَا جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ بِهَذَا جَاءَ نَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْفِيلِ نَصُّ تَحْرِيمٍ فَهُوَ حَلَالٌ. [مَسْأَلَة حُكْمُ أَكْلِ الْحَيَّاتِ] 995 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَّاتِ وَلَا أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَخَالِبِ مِنْ الطَّيْرِ وَهِيَ الَّتِي تَصِيدُ الصَّيْدَ بِمَخَالِبِهَا، وَلَا الْعَقَارِبِ، وَلَا الْفِئْرَانِ وَلَا الْحِدَاءِ، وَلَا الْغُرَابِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ " قَالَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابِ، وَالْحَيَّةِ، قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ نَا إسْمَاعِيلُ وَهُوَ عِنْدَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَوْمًا [عِنْدَ هَدْمٍ لَهُ] رَأَى وَبِيصَ جَانٍّ فَقَالَ: اُقْتُلُوا؟ فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيُّ: سَمِعْت «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إلَّا الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَتْبَعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ صَيْفِي هُوَ ابْنُ أَفْلَحَ - أَخْبَرَنِي أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ» . فَكُلُّ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ فَلَا ذَكَاةَ لَهُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ

الْمَالِ، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ شَيْءٍ يُؤْكَلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» فَذَكَرَ الْعَقْرَبَ، وَالْفَأْرَةَ، وَالْحِدَأَةَ، وَالْغُرَابَ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ. فَصَحَّ أَنَّ فِيهَا فِسْقًا، وَالْفِسْقُ مُحَرَّمٌ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] . فَلَوْ ذُبِحَ مَا فِيهِ فِسْقٌ لَكَانَ مِمَّا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَبْحَ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ قَصْدٌ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ -: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهَا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ قَتَلَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا قَتَلَ كَافِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نَا أَبِي نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنِّي لَأَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ، وَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِهِ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا، وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ؟ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا، وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَرِهَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الْحِدَاءِ وَالْغُرَابِ حَيْثُ سَمَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَوَاسِقِ الدَّوَابِّ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ «وَتَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا تَقْتُلْهُ» ؟ قُلْنَا: رَوَاهُ مَنْ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَضْعِيفَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَحَرَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ الْغُرَابَ الْأَبْقَعَ، وَلَمْ يُحَرِّمْ الْأَسْوَدَ؛ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ ذَكَرَ الْغُرَابَ الْأَبْقَعَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَخْبَارُ الَّتِي فِيهَا عُمُومُ ذِكْرِ الْغُرَابِ هُوَ الزَّائِدُ حُكْمًا لَيْسَ فِي الَّذِي فِيهِ تَخْصِيصُ الْأَبْقَعِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ " الْغُرَابُ " الْغُرَابَ الْأَبْقَعَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْغُرَابَ الْأَبْقَعَ فِي خَبَرٍ آخَرَ -: فَقَدْ كَذَبَ، إذْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِ الْأَبْقَعِ فِي خَبَرٍ، وَبِقَتْلِ الْغُرَابِ جُمْلَةً فِي خَبَرٍ آخَرَ، وَكِلَاهُمَا حَقٌّ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ. وَتَرَدَّدَ الْمَالِكِيُّونَ فِي هَذِهِ الدَّوَابِّ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْعَقَارِبُ وَالْحَيَّاتُ فَمَا يَمْتَرِي ذُو فَهْمٍ فِي أَنَّهُنَّ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . وَأَمَّا الْفِئْرَانُ فَمَا زَالَ جَمِيعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَتَّخِذُونَ لَهَا الْقِطَاطَ، وَالْمَصَائِدَ الْقَتَّالَةَ، وَيَرْمُونَهَا مَقْتُولَةً عَلَى الْمَزَابِلِ، فَلَوْ كَانَ أَكْلُهَا حَلَالًا لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي، وَمِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَبَاحُوا أَكْلَ الْحَيَّاتِ الْمُذَكَّاةِ، وَهُمْ يُحَرِّمُونَ أَكْلَ مَا ذُكِّيَ مِنْ قَفَاهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَذْكِيَةِ الْحَيَّاتِ إلَّا مِنْ أَقْفَائِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهِيَ وَالْخَمْرُ تَقَعُ فِي التِّرْيَاقِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي، لِأَنَّ الْمُتَدَاوِيَ مُضْطَرٌّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وَأَمَّا ذَوَاتُ الْمَخَالِبِ مِنْ الطَّيْرِ -: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ أَحْمَدُ: نَا هُشَيْمٌ أَنَّ أَبَا بِشْرٍ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي وَحْشِيَّةَ أَخْبَرَهُ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ، وَأَبُو بِشْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] .

مسألة أكل الحلزون البري والحشرات

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَلَالٍ -: وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ أَكْلَ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَقْلِيدِهِ بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَمْ يَسْمَعْهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَشَارَ إلَى خَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَعَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَرَادَ هَذَا النَّاقِضُ أَنْ يَحْتَجَّ لِنَفْسِهِ فَدَفَنَهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُوهِنَ الْخَبَرَ فَزَادَهُ قُوَّةً، لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ هُوَ النَّجْمُ الطَّالِعُ ثِقَةً وَإِمَامَةً وَأَمَانَةً، فَكَيْفَ وَشُعْبَةُ، وَهُشَيْمٌ، وَالْحَكَمُ، وَأَبُو بِشْرٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَعْدِلُ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ؟ وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ أَنْ لَمْ يُوصَفْ بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا يُسَمَّى ذَا مِخْلَبٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إلَّا الصَّائِدَ بِمِخْلَبِهِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الدِّيكُ، وَالْعَصَافِيرُ، وَالزُّرْزُورُ، وَالْحَمَامُ، وَمَا لَمْ يَصِدْ، فَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا ذَا مِخْلَبٍ فِي اللُّغَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أَكْلُ الْحَلَزُونِ الْبَرِّيِّ وَالْحَشَرَاتِ] 996 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ الْحَلَزُونِ الْبَرِّيِّ، وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا كَالْوَزَغِ وَالْخَنَافِسِ، وَالنَّمْلِ، وَالنَّحْلِ، وَالذُّبَابِ، وَالدُّبْرِ، وَالدُّودِ كُلِّهِ - طَيَّارَةٍ وَغَيْرِ طَيَّارَةٍ - وَالْقَمْلِ، وَالْبَرَاغِيثِ، وَالْبَقِّ، وَالْبَعُوضِ وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] . وقَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْحَلْقِ أَوْ

الصَّدْرِ، فَمَا لَمْ يُقْدَرْ فِيهِ عَلَى ذَكَاةٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى أَكْلِهِ -: فَهُوَ حَرَامٌ، لِامْتِنَاعِ أَكْلِهِ إلَّا مَيْتَةً غَيْرَ مُذَكًّى. وَبُرْهَانٌ آخَرُ -: فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا قِسْمَانِ -: قِسْمٌ مُبَاحٌ قَتْلُهُ: كَالْوَزَغِ، وَالْخَنَافِسِ، وَالْبَرَاغِيثِ، وَالْبَقِّ، وَالدُّبْرِ؛ وَقِسْمٌ مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ: كَالنَّمْلِ، وَالنَّحْلِ، فَالْمُبَاحُ قَتْلُهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِ، لِأَنَّ قَتْلَ مَا تَجُوزُ فِيهِ الذَّكَاةُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَمَا لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الذَّكَاةُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ: «كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَلَا ذَكَاةَ فِيهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا» مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ عِنْدَ كُلِّ ذِي نَفْسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا قُتَيْبَةُ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنِ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَرْحِهِ وَلَوْ كَانَ حَلَالًا أَكْلُهُ مَا أَمَرَ بِطَرْحِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّحْلَةُ، وَالنَّمْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ» .

مسألة أكل الحمر الإنسية

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ «أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ؟ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَقْضِي عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَدِيمًا فَأَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ لِأَنَّ شَرِيعَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخَةٌ لِكُلِّ دِينٍ سَلَفَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَتْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْقِرْدَانِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَتْلُ الْأَوْزَاغِ؛ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخِيفُوا الْهَوَامَّ قَبْلَ أَنْ تُخِيفَكُمْ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثَ غَالِبِ بْنِ حُجْرَةَ عَنْ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ عَنْ أَبِيهِ «صَحِبْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أَسْمَعْ لِلْحَشَرَاتِ تَحْرِيمًا» - فَغَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ، وَالْمِلْقَامُ مَجْهُولَانِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ حُجَّةً عَلَى مَا قَامَ بِهِ بُرْهَانُ النَّصِّ. [مَسْأَلَة أَكْلُ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ] 997 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ تَوَحَّشَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَحَّشْ، وَحَلَالٌ أَكْلُ حُمُرِ الْوَحْشِ تَأَنَّسَتْ أَوْ لَمْ تَتَأَنَّسْ، وَحَلَالٌ أَكْلُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ سِيرِينَ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ، فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ» . فَصَحَّ أَنَّهَا كُلَّهَا رِجْسٌ، وَإِهْرَاقُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْقُدُورَ بِهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ أَنَّ وَدَكَهَا وَشَحْمَهَا وَعَظْمَهَا وَكُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ» . وَرُوِّينَا تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ: وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَابْنِ عُمَرَ بِأَسَانِيدَ كَالشَّمْسِ. وَعَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ كَمَا ذَكَرْنَا، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَيَأْمُرُ بِلُحُومِ الْخَيْلِ. وَقَدْ رُوِّينَا النَّهْيَ عَنْهَا عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ أَحَدِ الْمُبَايِعِينَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي لُحُومِ الْحُمُرِ قَالَ: هِيَ حَرَامٌ أَلْبَتَّةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَنَحَا نَحْوَهُ مَالِكٌ، فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَبَاحَهَا؟ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ فِيهَا؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نَا أُبَيٌّ نَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي

أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ، أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ " فَهَذَا ظَنٌّ مِنْهُ، وَوَهْلَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحَرِّمْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُمْلَةً لَبَيَّنَ وَجْهَ نَهْيِهِ عَنْهَا، وَلَمْ يَدَعْ النَّاسَ إلَى الْحِيرَةِ؛ فَكَيْفَ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهَا رِجْسٌ» وَيَبْطُلُ كُلُّ ظَنٍّ؟ وَلَقَدْ كَانُوا إلَى الْخَيْلِ بِلَا شَكٍّ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَى الْحُمُرِ، فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى نَهْيٍ عَنْهَا؛ بَلْ أَبَاحَ أَكْلَهَا وَذَكَاتَهَا، إذْ كَانَتْ حَلَالًا، وَبِذَلِكَ أَيْضًا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ - فَظَنٌّ كَاذِبٌ أَيْضًا بِلَا بُرْهَانٍ، وَالدَّجَاجُ آكَلُ مِنْهَا لِلْعَذِرَةِ وَهِيَ حَلَالٌ. فَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ احْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ؟ قُلْنَا: لَمْ يَبْلُغْهَا التَّحْرِيمُ وَلَوْ بَلَغَهَا لَقَالَتْ بِهِ، كَمَا فَعَلَتْ فِي الْغُرَابِ، وَلَيْسَ مَذْكُورًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي لُحُومِ الْحُمُرِ «أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ، فَإِنَّمَا كَرِهْتُ لَكُمْ جَوَّالَ الْقَرْيَةِ، أَلَيْسَ تَأْكُلُ الشَّجَرَ وَتَرْعَى الْفَلَاةَ؟ فَأَصِدْ مِنْهَا» . فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْآخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُوَيْمٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - أَوْ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ - وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - عَنْ غَالِبِ بْنِ ديج وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ -

وَمِنْ طَرِيقِ سَلْمَى بِنْتِ النَّضْرِ الْخِضْرِيَّةِ وَلَا يُدْرَى مَنْ هِيَ. وَأَمَّا حُمُرُ الْوَحْشِ: فَكَمَا ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْلِيلَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ دَجَنَ لَمْ يُؤْكَلْ - وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ؛ فَهُوَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَا يَصِيرُ الْوَحْشِيُّ مِنْ جِنْسِ الْأَهْلِيِّ حَرَامًا بِالدُّجُونِ، وَلَا يَصِيرُ الْأَهْلِيُّ مِنْ جِنْسِ الْوَحْشِيِّ حَلَالًا بِالتَّوَحُّشِ. وَأَمَّا الْبِغَالُ، وَالْخَيْلُ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ كَرِبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَحَرَّمَ الْمُجَثَّمَةَ» . وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْ الْخَيْلِ» . وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] . وَقَالَ تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] . قَالُوا: فَذَكَرَ فِي الْأَنْعَامِ الْأَكْلَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ. وَقَالُوا: الْبَغْلُ وَلَدُ الْحِمَارِ فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ - فَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَلَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا -: أَمَّا حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ فَهَالِكٌ لِأَنَّهُمْ مَجْهُولُونَ

كُلُّهُمْ، ثُمَّ فِيهِ دَلِيلُ الْوَضْعِ، لِأَنَّ فِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ خَالِدٌ إلَّا بَعْدَ خَيْبَرَ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، فَعِكْرِمَةَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِهِ خَبَرًا مَوْضُوعًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يُتَّهَمُ غَيْرَهُ -: فَإِمَّا أُدْخِلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَأْبَهُ لَهُ، وَإِمَّا الْبَلِيَّةُ مِنْ قَبَلِهِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مُبَيَّنًا فِي كِتَابِ الْإِيصَالِ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ، وَلَا ذَكَرَ فِيهِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ فَصَحَّ مُنْقَطِعًا. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبِغَالَ - وَقَدْ صَحَّ قَبْلُ عَنْ جَابِرٍ إبَاحَةُ الْخَيْلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْآيَةُ: فَلَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْأَكْلِ لَا بِإِبَاحَةٍ وَلَا بِتَحْرِيمٍ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَلَا ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا الْبَيْعَ - فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّمُوهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ، وَإِبَاحَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا حَاكِمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» . رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَمَعْمَرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي أُسَامَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ لَحْمِ الْفَرَسِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ سَلَفُك يَأْكُلُونَهُ؟ قُلْتُ: أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَدْ أَدْرَكَ عَطَاءٌ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ مِنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ دُونَهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: ذَبَحَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَسًا، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: فَاقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ؛ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقُ: فَأَكَلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أُهْدِيَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ لَحْمُ فَرَسٍ فَأَكَلَ مِنْهُ - وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا أَكَلْتُ لَحْمًا أَطْيَبَ مِنْ مَعْرَفَةِ بِرْذَوْنٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ لَحْمِ الْفَرَسِ، وَالْبَغْلِ، وَالْبِرْذَوْنِ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ حَرَامًا وَلَا يُفْتِي أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُحَرِّمْ الزُّهْرِيُّ الْبَغْلَ، وَأَمَّا فُتْيَا الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِ الْفَرَسِ فَتَكَادُ أَنْ تَكُونَ إجْمَاعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ كَرَاهَةَ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَلْقَمَةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُهُ فَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي الْبَغْلِ نَهْيٌ لَقُلْنَا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْبَغْلَ وَلَدُ الْحِمَارِ، وَمُتَوَلِّدٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْبَغْلَ مُذْ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُ الْحِمَارِ، وَلَا يُسَمَّى حِمَارًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحِمَارِ، لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِتَحْرِيمِ الْحِمَارِ، وَالْبَغْلُ لَيْسَ حِمَارًا وَلَا جُزْءًا مِنْ الْحِمَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ: الْحِمَارُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَالْفَرَسُ، وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ، لِأَنَّهُمَا ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ قِيَاسٍ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَك؟ فَقَالَ: قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُ الْفَرَسِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ، وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ، فَهُمَا حَلَالٌ؛ فَهَلْ أَنْتُمَا فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فَرَسَا رِهَانٍ؟ أَوْ مَنْ قَالَ لَك: حِمَارٌ وَحْشٌ حَلَالٌ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ ذُو حَافِرٍ، فَالْفَرَسُ، وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ - وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ، بَلْ حِمَارُ الْوَحْشِ، وَالْفَرَسِ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْلِيلِهِمَا، وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ النُّصُوصِ.

مسألة ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه

وَأَمَّا الْبَغْلُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: 168] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . فَالْبَغْلُ حَلَالٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ وَلَا يَحِلُّ مِنْ الْحِمَارِ إلَّا مَا أَحَلَّهُ النَّصُّ مِنْ مِلْكِهِ، وَبَيْعِهِ، وَابْتِيَاعِهِ، وَرُكُوبِهِ، فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة مَا حَرُمَ أَكْلُ لَحْمِهِ فَحَرَامٌ بَيْعُهُ وَلَبَنُهُ] 998 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا حَرُمَ أَكْلُ لَحْمِهِ فَحَرَامٌ بَيْعُهُ وَلَبَنُهُ، لِأَنَّهُ بَعْضُهُ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إلَّا أَلْبَانَ النِّسَاءِ فَهِيَ حَلَالٌ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُقَالُ: لَبَنُ الْأَتَانِ، وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ، وَبَيْضُ الْغُرَابِ، وَبَيْضُ الْحَيَّةِ، وَبَيْضُ الْحِدَأَةِ - كَمَا يُقَالُ يَدُ الْخِنْزِيرِ، وَرَأْسُ الْحِمَارِ، وَجَنَاحُ الْغُرَابِ، وَزِمِكَّى الْحِدَأَةِ وَلَا فَرْقَ. [مَسْأَلَة أَكْلُ الْهُدْهُدِ] 999 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ الْهُدْهُدِ، وَلَا الصُّرَدِ، وَلَا الضِّفْدَعِ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهَا، كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. [مَسْأَلَة مَا أَمْكَنَ أَنْ يُذَكَّى مِمَّا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ] 1000 - مَسْأَلَةٌ: وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَرِّيَّةُ وَالْبَحْرِيَّةُ حَلَالٌ أَكْلُهَا، وَأَكْلُ بَيْضِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: 168] مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ السُّلَحْفَاةِ، فَهِيَ حَلَالٌ كُلُّهَا وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ النُّسُورُ، وَالرَّخَمُ، والبلزج، وَالْقَنَافِذُ، وَالْيَرْبُوعُ، وَأُمُّ حَبِينٍ وَالْوَبْرُ، وَالسَّرَطَانُ، وَالْجَرَاذِينُ، وَالْوَرَلُ، وَالطَّيْرُ كُلُّهُ، وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُذَكَّى مِمَّا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ. وَكَذَلِكَ الْخُفَّاشُ، وَالْوَطْوَاطُ، وَالْخَطَّافُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ إبَاحَةَ أَكْلِ السُّلَحْفَاةِ، وَالسَّرَطَانِ. وَعَنْ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: إبَاحَةُ أَكْلِ السُّلَحْفَاةِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ قَتْلِ الرَّخَمَةِ وَجَعَلَ فِيهَا الْجَزَاءَ، فَإِنْ ذُكِرَ

مسألة أكل لحوم الجلالة

الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: «الْقُنْفُذُ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ» فَهُوَ عَنْ شَيْخٍ مَجْهُولٍ لَمْ يُسَمَّ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَمَا خَالَفْنَاهُ. [مَسْأَلَة أَكْلُ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ] 1001 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ، وَلَا شُرْبُ أَلْبَانِهَا، وَلَا مَا تَصَرُّفُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا وَبَعْضُهَا، وَلَا يَحِلُّ رُكُوبُهَا، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَغَيْرِ الْإِبِلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ خَاصَّةً. وَلَا يُسَمَّى الدَّجَاجُ، وَلَا الطَّيْرُ: جَلَّالَةً، وَإِنْ كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِذَا قُطِعَ عَنْهَا أَكَلَهَا فَانْقَطَعَ عَنْهَا الِاسْمُ حَلَّ أَكْلُهَا، وَأَلْبَانُهَا، وَرُكُوبُهَا. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ نَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ وَلُحُومِهَا وَعَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ» وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَا طَعَامُهُ الْجِلَّةُ، وَهِيَ الْعَذِرَةُ - هَكَذَا رُوِّينَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ سُرَيْجٍ الرَّازِيّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَهْمٍ نَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ أَبِي قَيْسٍ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَلَّالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا» فَفِي هَذَا بَعْضُ مَا فِي ذَلِكَ. وَفِيهِ أَيْضًا زِيَادَةُ الرُّكُوبِ وَتَحْرِيمُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ لَهُ إبِلٌ جَلَّالَةٌ: لَا تَحُجَّ عَلَيْهَا وَلَا تَعْتَمِرْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءٌ يَنْهَى عَنْ جَلَّالَةِ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ أَنْ

مسألة أكل ما ذبح أو نحر لغير الله تعالى

تُؤْكَلَ فَإِنْ حَبَسْتهمَا وَعَلَفْتهمَا حَتَّى تَطِيبَ بُطُونُهُمَا فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِأَكْلِهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُصَاحِبُ أَحَدًا رَكِبَ جَلَّالَةً. [مَسْأَلَة أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى] 1002 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مَا سُمِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبًا بِتِلْكَ الذَّكَاةِ إلَيْهِ - سَوَاءٌ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى مَعَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ - وَكَذَلِكَ مَا ذُكِّيَ مِنْ الصَّيْدِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى -: فَلَوْ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى الْمَسِيحِ، أَوْ قَالَ: عَلَى مُحَمَّدٍ، أَوْ ذَكَرَ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ، فَهُوَ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُهِلَّ بِهِ لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فَسَوَاءٌ ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يُذْكَرْ هُوَ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ - وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُونَ -: وَهَذَا لَيْسَ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّ الَّذِي أَبَاحَ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ؛ وَعَلِمَ مَا يَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُحَرِّمُ عَلَيْنَا مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ تَعَالَى لِأَمْرٍ آخَرَ، وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمَا جَمِيعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِاسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَعَمِّ. وَرُوِيَتْ فِي هَذَا رِوَايَاتٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ، كُلُّهَا عَنْ مَجَاهِيلَ، أَوْ عَنْ كَذَّابٍ، أَوْ عَنْ ضَعِيفٍ؛ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَمَّا ذُبِحَ لِعِيدِ النَّصَارَى؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَّا مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ مَا ذُبِحَ لِلْكَنِيسَةِ فَلَا تَأْكُلْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا سَمِعْت النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ: بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَلَا تَأْكُلْ، وَإِذَا لَمْ تَسْمَعْ فَكُلْ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي ذَبِيحَةِ النَّصْرَانِيِّ إذَا تَوَارَى عَنْك فَكُلْ.

مسألة أكل ما يصيده المحرم فقتله

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: كُلُّ مَا لَمْ تَسْمَعْهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ: أَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا ذُبِحَ لِلْآلِهَةِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ وَكَّلَ بِهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا عَلَى ذَبَائِحِهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يُسَمُّوا اللَّهَ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا سَمِعْتَ فِي الذَّبِيحَةِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَأْكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا سَمِعْته يُهِلُّ بِالْمَسِيحِ، فَلَا تَأْكُلْ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَيُقَالُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَبَائِحَهُمْ، وَهُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَذْبَحُونَ الْخِنْزِيرَ، أَفَيَأْكُلُهُ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ سَوَاءً سَوَاءً، وَلَا فَرْقَ. [مَسْأَلَة أَكْلُ مَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ فَقَتَلَهُ] 1003 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ فَقَتَلَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْبِلَادِ، أَوْ يَصِيدُهُ الْمُحِلُّ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، أَوْ الْمَدِينَةِ فَقَطْ، فَقَتَلَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فَكُلُّ قَتْلٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَحَرَامٌ أَكْلُ مَا أُمِيتَ بِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ الذَّكَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: أَكْلُهُ حَلَالٌ، كَذَبِيحَةِ الْغَاصِبِ، وَالسَّارِقِ، وَلَا فَرْقَ. [مَسْأَلَة أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ] 1004 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِعَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: إنْ تَرَكَ عَمْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ تَرَكَ نِسْيَانًا حَلَّ أَكْلُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ حَلَالٌ تَرَكَ عَمْدًا، أَوْ نِسْيَانًا. رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجْتَ قَانِصًا لَا تُرِيدُ

إلَّا ذَلِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تَخْرُجُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيك. وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَنْ ذَبَحَ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَلْيُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَكَلَ. وَعَنْ عَطَاءٍ إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ: بِاسْمِ الشَّيْطَانِ فَكُلْ. وَرُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ إبَاحَةَ أَكْلِ مَا نُسِيَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ تَحْرِيمُهُ فِي تَعَمُّدِ تَرْكِ الذِّكْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ أَهْلُ الْإِبَاحَةِ لِذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَخِي سُفْيَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَتْ الْيَهُودُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: أَنَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا، وَلَا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] إلَى آخِرِ الْآيَةِ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مِنْ التَّمْوِيهِ الْقَبِيحِ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ ذِكْرٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ لِإِبَاحَةِ أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، بَلْ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ. فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا الْأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ ذَبِيحَةَ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ» . فَهَذَا مُرْسَلٌ، وَالْأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ ضَعِيفٌ. وَخَبَرٌ آخَرُ: مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا ثَوْرُ الشَّامِيُّ عَنْ الصَّلْتِ مَوْلَى سُوَيْد قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ - وَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ - لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى» . وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَالصَّلْتُ أَيْضًا مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا ذَبَحْت بِدِينِك. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا نَذْبَحُ إلَّا بِأَدْيَانِنَا وَبِمَا يَنْهَرُ الدَّمَ، وَمِنْ الذَّبْحِ بِالدِّينِ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَذْبَحْ بِدِينِهِ وَلَا كَمَا أُمِرَ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ صَلَاةَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا نَاسِيًا، وَصَوْمَ مَنْ أَكَلَ فِيهِ نَاسِيًا، فَمَا الْفَرْقُ؟ قَالُوا: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] إخْرَاجٌ لِلنَّاسِي مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ فِسْقًا. هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا سُقُوطُ الْجُنَاحِ فِي الْخَطَأِ، وَسُقُوطُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ، وَرَفْعُهُمَا عَنَّا، فَنَعَمْ؟ وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّهُ هَهُنَا مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْإِثْمُ وَالْحَرَجُ إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ، لَكِنَّا قُلْنَا: إنَّهُ لَمْ يُذَكِّ، لَكِنْ ظَنَّ أَنَّهُ ذَكَّى وَلَمْ يُذَكِّ، كَمَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ وَظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا لَمْ يُذَكِّ كَانَ مَيْتَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مَتَى وُجِدَتْ فِي مَذْبُوحٍ أَوْ مَنْحُورٍ أَوْ تَصَيُّدٍ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا جَهِلُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ مِنْ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْ نَسِيَ أَنْ يَعْمَلَهُ، أَوْ تَعَمَّدَ أَنْ لَا يَعْمَلَهُ، فَلَمْ يَعْمَلْهُ إلَّا أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ حَرِجٍ فِي نِسْيَانِهِ وَالْعَامِدَ فِي حَرَجٍ، وَكُلُّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ مِمَّا أُمِرَ بِهِ فَزَادَ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ نَاسِيًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ نَاسِيًا، وَعَمَلُهُ لِمَا عَمِلَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ صَحِيحٌ جَائِزٌ جَازَ - فَهَذَا هُوَ حُكْمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ إلَّا مَا جَاءَ نَصٌّ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَلَمْ نَقُلْ قَطُّ: إنَّ نِسْيَانَ النَّاسِي لِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَبِيحَتِهِ وَنَحِيرَتِهِ وَصَيْدِهِ -: فِسْقٌ؟ وَلَا قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى نِسْيَانَهُ لِذَلِكَ: فِسْقًا، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى ذَلِكَ الْعَقِيرَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ: فِسْقًا - هَذَا نَصُّ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إحَالَتُهَا عَنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ فِسْقٌ، وَالْفِسْقُ مُحَرَّمٌ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْآيَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا سِوَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. نَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا أَبُو ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ

قَالَ: إنَّ رَجُلًا نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى شَاةٍ ذَبَحَهَا فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ غُلَامَهُ فَقَالَ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا لِأَحَدٍ؟ فَقُلْ لَهُ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إنَّ هَذَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا حِينَ ذَبَحَهَا - وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: لَا تَأْكُلْ إلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَمَّنْ ذَبَحَ وَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ؟ فَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ صَحِيحُ الصُّحْبَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِنِسْيَانٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إذَا وَجَدْت سَهْمًا فِي صَيْدٍ وَقَدْ مَاتَ فَلَا تَأْكُلْهُ، إنَّك لَا تَدْرِي مَنْ رَمَاهُ وَلَا تَدْرِي أَسَمَّى أَمْ لَمْ يُسَمِّ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ الْمُنْقِرِيُّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِيمَا نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَرَأَيْت لَوْ قُلْتُ: كُلْ وَقَالَ اللَّهُ: لَا تَأْكُلْ - أَكُنْتَ تَأْكُلُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ مَا نَسِيَ ذَابِحُهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ مَا نَسِيَ ذَابِحُهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نَا زَائِدَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ نَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.

مسألة التسمية بالعجمية عند الذبح

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ نَا الشَّعْبِيُّ سَمِعْت عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ يَقُولُ: «قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي كَلْبًا قَدْ أَخَذَ لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا أَخَذَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلَا تَأْكُلْ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَانِعَ مِنْ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ عَلَى الَّذِي لَا يَدْرِي أَهُوَ قَتَلَهُ أَمْ غَيْرُهُ. [مَسْأَلَة التَّسْمِيَةُ بِالْعَجَمِيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ] 1005 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَمَّى بِالْعَجَمِيَّةِ فَقَدْ سَمَّى كَمَا أُمِرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ لُغَةً مِنْ لُغَةٍ وَلَا تَسْمِيَةً مِنْ تَسْمِيَةٍ، فَكَيْفَمَا سَمَّى فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى] 1006 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ تَعَمَّدَ فَهُوَ ضَامِنٌ مِثْلَ الْحَيَوَانِ الَّذِي أَفْسَدَ، لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ - كَمَا قَدَّمْنَا - فَقَدْ أَفْسَدَ مَالَ أَخِيهِ، وَأَمْوَالُ النَّاسِ تُضْمَنُ بِالْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أَكْلُ مَا نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ إنْسَانٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ] 1007 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ إنْسَانٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ مَالِكِهِ بِغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ تَعَدٍّ بِغَيْرِ حَقٍّ - وَهُوَ مَيْتَةٌ - لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَيَضْمَنُهُ قَاتِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَظَرًا صَحِيحًا كَخَوْفِ أَنْ يَمُوتَ فَبَادَرَ بِذَكَاتِهِ، أَوْ نَظَرًا لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَائِبٍ، أَوْ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا أَبِحَقٍّ ذَبَحَ هَذَا الْحَيَوَانَ أَوْ نَحَرَ، أَمْ بِبَاطِلٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ وَلَا يَقُولُ مُسْلِمٌ: إنَّهُ ذَبَحَ بِحَقٍّ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ نَحَرَ وَذَبَحَ بِبَاطِلٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ أَكْلُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَيَوَانَ حَرَامٌ أَكْلُهُ إلَّا مَا ذَكَّيْنَا، فَالذَّكَاةُ حَقٌّ مَأْمُورٌ بِهِ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى

لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا حُرِّمَ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا بِهِ، وَذَبْحُ الْمُعْتَدِي بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا خِلَافٍ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْفُرُوجَ الْمُحَرَّمَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالْعَقْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِالْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ: فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا الْحَيَوَانَ الْمُحَرَّمَ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَيُّدِ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ ذَبْحِ الْمُتَعَدِّي لِمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ؟ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِع بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَجَّلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ» . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ بِهَرْقِ الْقُدُورِ الَّتِي فِيهَا اللَّحْمُ الْمَذْبُوحُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَلَالًا أَكْلُهُ مَا أَمَرَ بِهَرْقِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ، وَأَنَّ ذَبْحَهُ وَنَحْرَهُ تَعَدٍّ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَا يُبِيحُ الْأَكْلَ. وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةً أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ مَوَّهَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ، فَاسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فَأَكَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا، فَأَرْسَلَتْ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْسَلْتُ إلَى الْبَقِيعِ مَنْ يَشْتَرِي لِي شَاةً فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى جَارٍ لِي قَدْ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى امْرَأَتِهِ، فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ -:

مسألة أكل ما ذبح أو نحر فخرا أو مباهاة

أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ وَلَا يُدْرَى أَصَحَّتْ صُحْبَتُهُ أَمْ لَا؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَحِلَّ أَكْلَهُ وَلَا أَبَاحَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ أَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمَ الْكُفَّارَ الْمُسْتَحِلِّينَ لِلْمَيْتَةِ، وَلَعَلَّ أُولَئِكَ الْأُسَارَى كَانُوا مَرْضَى يَحِلُّ لَهُمْ التَّدَاوِي بِالْمَيْتَةِ، مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ غَصْبًا وَلَا مَسْرُوقَةً، وَإِنَّمَا أَخَذَتْهَا بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ عِنْدَ نَفْسِهَا، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَالِكِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا لِمُسْلِمٍ، فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ تِلْكَ الشَّاةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ " ابْعَثْهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا " وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا بِمَا هُوَ حُجَّةٌ مُبَيَّنَةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ - عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ، فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي، إذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي عَلَى قَوْسِهِ فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ - ثُمَّ قَالَ: إنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ الْمَيْتَةِ، أَوْ إنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ النُّهْبَةِ؛ شَكَّ أَبُو الْأَحْوَصِ فِي أَيَّتِهِمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» . فَهَذَا ذَلِكَ الْإِسْنَادُ نَفْسُهُ بِبَيَانٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ إفْسَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اللَّحْمَ الْمَذْبُوحَ مُنْتَهَبًا غَيْرَ مَقْسُومٍ وَخَلَطَهُ بِالتُّرَابِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ بَحْتٌ لَا يَحِلُّ أَصْلًا، إذْ لَوْ حَلَّ لَمَا أَفْسَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ فَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنْ تَكُونَ طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ حُجَّةً فِيمَا لَا بَيَانَ فِيهَا مِنْهُ، وَلَا تَكُونُ حُجَّةً فِيمَا فِيهَا الْبَيَانُ الْجَلِيُّ مِنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافَ قَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ تَابِعٍ إلَّا عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ فَخْرًا أَوْ مُبَاهَاةً] 1008 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ فَخْرًا أَوْ مُبَاهَاةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

مسألة جواز ما كان من الأطعمة نظرا ومصلحة

{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] وَهَذَا مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ قَالَ: سَمِعْت الْجَارُودَ بْنَ أَبِي سَبْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي رِيَاحٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ وَثِيلٍ هُوَ سُحَيْمٌ - قَالَ: وَكَانَ شَاعِرًا نَافِرًا غَالِبًا أَبَا الْفَرَزْدَقِ الشَّاعِرُ بِمَاءٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ عَلَى أَنْ يَعْقِرَ هَذَا مِائَةً مِنْ إبِلِهِ وَهَذَا مِائَةً مِنْ إبِلِهِ إذَا وَرَدَتْ، فَلَمَّا وَرَدَتْ الْإِبِلُ الْمَاءَ قَامَا إلَيْهَا بِالسُّيُوفِ فَجَعَلَا يَكْسَعَانِ عَرَاقِيبَهَا، فَخَرَجَ النَّاسُ عَلَى الْحُمُرَاتِ يُرِيدُونَ اللَّحْمَ وَعَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ فَخَرَجَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُنَادِي: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِهَا فَإِنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةٌ ذَبَحَهَا الشُّعَرَاءُ فَخْرًا وَرِيَاءً، وَلَا مَا ذَبَحَهُ الْأَعْرَابُ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَلَا يُعْلَمُ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فَهُوَ بُرْهَانٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ تَحْرِيمِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ، وَالْغَاصِبِ، وَالْمُتَعَدِّي لِأَنَّ هَؤُلَاءِ بِلَا شَكٍّ مِمَّنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَبَائِحُهُمْ وَنَحَائِرُهُمْ مِمَّنْ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ بِيَقِينٍ، إذْ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَعْصِيَ أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى: وَهَؤُلَاءِ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا شَكٍّ، مُخَالِفُونَ لِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ الذَّبْحِ نَفْسِهِ، وَفِي ذَلِكَ الْعَقْرِ نَفْسِهِ. [مَسْأَلَة جَوَازُ مَا كَانَ مِنْ الْأَطْعِمَة نَظَرًا وَمَصْلَحَةً] 1009 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا جَوَازُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَمَصْلَحَةً فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؛ فَحِفْظُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَاجِبٌ وَبِرٌّ وَتَقْوَى، وَإِضَاعَتُهُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ وَحَرَامٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - نَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ

مسألة خرجت بيضة من دجاجة ميتة أو طائر ميت

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ بِأَنَّ أَبَاهُ «كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لِأَهْلِهِ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلَهُ أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَكْلِهَا» [مَسْأَلَة خَرَجَتْ بَيْضَةٌ مِنْ دَجَاجَةٍ مَيِّتَةٍ أَوْ طَائِرٍ مَيِّتٍ] 1010 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ خَرَجَتْ بَيْضَةٌ مِنْ دَجَاجَةٍ مَيِّتَةٍ أَوْ طَائِرٍ مَيِّتٍ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَوْ ذُكِّيَ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ قِشْرٍ فَأَكْلُهَا حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ قِشْرٍ بَعْدُ فَهِيَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا صَارَتْ ذَاتَ قِشْرٍ فَقَدْ بَايَنَتْ الْمَيْتَةَ وَصَارَتْ مُنْحَازَةً عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ قِشْرٍ فَهِيَ حِينَئِذٍ بَعْضُ حَشْوَتِهَا وَمُتَّصِلَةٌ بِهَا فَهِيَ حَرَامٌ. [مَسْأَلَة طُبِخَ بَيْضٌ فَوُجِدَ فِي جُمْلَتِهَا بَيْضَةٌ فَاسِدَةٌ] 1011 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ طُبِخَ بَيْضٌ فَوُجِدَ فِي جُمْلَتِهَا بَيْضَةٌ فَاسِدَةٌ قَدْ صَارَتْ دَمًا أَوْ فِيهَا فَرْخٌ رُمِيَتْ الْفَاسِدَةُ وَأُكِلَ سَائِرُ الْبَيْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَالْحَلَالُ حَلَالٌ لَا يُفْسِدُهُ مُجَاوَرَةُ الْحَرَامِ لَهُ، وَالْحَرَامُ حَرَامٌ لَا يُصْلِحُهُ مُجَاوَرَةُ الْحَلَالِ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة طَعَام طُبِخَ أَوْ شُوِيَ بِعَذِرَةٍ أَوْ بِمَيْتَةٍ] 1012 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ خُبْزٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ طُبِخَ أَوْ شُوِيَ بِعَذِرَةٍ أَوْ بِمَيْتَةٍ فَهُوَ حَلَالٌ كُلُّهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَيْتَةً وَلَا عَذِرَةً، وَالْعَذِرَةُ وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ، وَمَا أُحِلَّ فَهُوَ حَلَالٌ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَيْنُ الْعَذِرَةِ أَوْ الْمَيْتَةِ فَهُوَ حَلَالٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ طَعَامٌ فِي خَمْرٍ، أَوْ فِي عَذِرَةٍ فَغُسِلَ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْحَرَامِ فِيهِ عَيْنٌ فَهُوَ حَلَالٌ، إذْ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ. [مَسْأَلَة مَاتَ حَيَوَانٌ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَوْ ذُكِّيَ فَحُلِبَ مِنْهُ لَبَنٌ] 1013 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ مَاتَ حَيَوَانٌ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَوْ ذُكِّيَ فَحُلِبَ مِنْهُ لَبَنٌ فَاللَّبَنُ حَلَالٌ، لِأَنَّ اللَّبَنَ حَلَالٌ بِالنَّصِّ، فَلَا يُحَرِّمُهُ كَوْنُهُ فِي ضَرْعِ مَيْتَةٍ، لِأَنَّهُ قَدْ بَايَنَهَا بَعْدُ، وَهُوَ وَمَا حُلِبَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا ثُمَّ مَاتَتْ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لَبَنٌ حَلَالٌ فِي وِعَاءٍ حَرَامٍ فَقَطْ، فَهُوَ وَاَلَّذِي فِي وِعَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ سَوَاءٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أَكْلُ السُّمِّ الْقَاتِلِ بِبُطْءٍ] 1014 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ السُّمِّ الْقَاتِلِ بِبُطْءٍ أَوْ تَعْجِيلٍ وَلَا مَا يُؤْذِي مِنْ

مسألة ذكاة الجنين

الْأَطْعِمَةِ، وَلَا الْإِكْثَارُ مِنْ طَعَامٍ يُمْرِضُ الْإِكْثَارُ مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْت أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ قَالَ " شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ بِهِ دَوَاءً إلَّا الْهَرَمَ» قَالَ عَلِيٌّ: زِيَادٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَسُفْيَانُ وَمِسْعَرٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ - وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ «هُمْ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» حُمِدَ لِتَرْكِ الدَّوَاءِ أَصْلًا، وَلَا ذِكْرَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ، وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّدَاوِي: نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهِ، وَأَكْلُ الْمُضِرِّ: تَرْكٌ لِلتَّدَاوِي، فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ذَكَاةُ الْجَنِينِ] 1015 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذَكِيٍّ فَوُجِدَ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ مَيِّتٌ، وَقَدْ كَانَ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ مَيِّتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، فَلَوْ أُدْرِكَ حَيًّا فَذُكِّيَ حَلَّ أَكْلُهُ، فَلَوْ كَانَ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا إنْ كَانَ بَعْدُ دَمًا لَا لَحْمَ فِيهِ، وَلَا مَعْنَى لِإِشْعَارِهِ وَلَا لِعَدَمِ إشْعَارِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ لَيْسَتْ ذَكَاةً لِلْجَنِينِ الْحَيِّ، لِأَنَّهُ غَيْرُهَا وَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَحْمًا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ بَعْضُهَا وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ حَيًّا فَيَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ. وَقَدْ احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَخْبَارٍ وَاهِيَةٍ -: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ وَعَطِيَّةُ هَالِكٌ.

وَمِنْ طَرِيق إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ - إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ «كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ» ، مُجَالِدٌ ضَعِيفٌ، وَأَبُو الْوَدَّاكِ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» [حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ] مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّيْثِ عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ؛ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ - وَهَذَا مِنْ هَذَا النَّمَطِ لَا يُدْرَى مِمَّنْ أَخَذَهُ عَنْ جَابِرٍ فَهُوَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ. ثُمَّ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ شُعَيْبٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ بِشْرٍ، وَعَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَدَّاحِ - وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي حُذَيْفَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ: ذُكِرَ لِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْجَنِينِ إذَا أَشْعَرَ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَبُو حُذَيْفَةَ ضَعِيفٌ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَسْقَطُ مِنْهُ - ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إذَا أَشْعَرَ» ابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي جَنِينِ النَّاقَةِ إذَا تَمَّ وَأَشْعَرَ: فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَيُنْحَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ إذَا أَشْعَرَ جَنِينُ النَّاقَةِ فَكُلْهُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ - وَعَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى جَنِينِ نَاقَةٍ وَأَخَذَ بِذَنَبِهِ وَقَالَ: هَذَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْرُ جَنِينِ النَّاقَةِ نَحْرُ أُمِّهِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي ظَبْيَانَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

وَنَافِعٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي جَنِينِ الْمَذْبُوحَةِ؟ قَالَ: لَا تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ عَنْ نَفْسَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ -: نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى غُنْدَرٌ نا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ نا أَبُو الْمَيْمُونِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْبَجَلِيُّ نا أَبُو زُرْعَةَ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عُمَرَ النَّصْرِيُّ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَيَّانَ قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ النَّاقَةُ تُذْبَحُ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ يَرْتَكِضُ فَيُشَقُّ بَطْنُهَا فَيَخْرُجُ جَنِينُهَا أَيُؤْكَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: إنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: لَا يُؤْكَلُ، قَالَ: أَصَابَ الْأَوْزَاعِيُّ - فَهَذَا قَوْلٌ لِمَالِكٍ أَيْضًا. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ -: فَرُوِّينَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. قَالَ: إذَا عَلِمَ أَنَّ مَوْتَ الْجَنِينِ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ، قِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إذَا خَرَجَ لَمْ يَنْتَفِخْ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ مَوْتُهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْعَرَ وَتَمَّ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَنَافِعٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ يَحْيَى: فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى - وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ خَرَجَ حَيًّا كُرِهَ أَكْلُهُ، وَلَيْسَ حَرَامًا. وَقَالَ آخَرُونَ: أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ هُوَ حَلَالٌ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَسُفْيَانَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ الْقُرْآنِ لِقَوْلِ قَائِلٍ أَوْ قَائِلِينَ -: فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ يُشَنِّعُ، بِخِلَافِ الصَّاحِبِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَخِلَافِ جُمْهُورِ

مسألة الأكل والشرب في آنية الذهب أو الفضة

الْعُلَمَاءِ، وَيَرَى ذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِجْمَاعِ، هَذَا مَكَانٌ خَالَفَ فِيهِ الصَّحَابَةَ وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْآثَارُ الَّتِي يَحْتَجُّ هُوَ بِأَسْقَطَ مِنْهَا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ. وَأَمَّا مَالِكٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ حَيًّا، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ. وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَكِيًّا بِذَكَاةِ أُمِّهِ أَنَّهُ إنْ عَاشَ وَكَبُرَ وَأَلْقَحَ وَنَتَجَ أَنَّهُ حَلَالٌ أَكْلُهُ مَتَى مَاتَ، لِأَنَّهُ ذُكِّيَ بَعْدُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ - وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، فَكِلَاهُمَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، أَوْ مَا يَرَاهُ إجْمَاعًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ [وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ] . [مَسْأَلَةٌ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ] 1016 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ وَلَا الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لَا لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ، فَإِنْ كَانَ مُضَبَّبًا بِالْفِضَّةِ جَازَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إنَاءَ فِضَّةٍ، فَإِنْ كَانَ مُضَبَّبًا بِالذَّهَبِ، أَوْ مُزَيَّنًا بِهِ حَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ، لِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالَ ذَهَبٍ - وَحَلَّ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إنَاءُ ذَهَبٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ - هُوَ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ - عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» فَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ الذَّهَبَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» . وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بفالوذج فِي إنَاءِ فِضَّةٍ فَأَخْرَجَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى رَغِيفٍ وَأَكَلَهُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ قَاضِي سَرَقُسْطَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُطَّوِّعِيُّ نا الْحَاكِمُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ بِنَيْسَابُورَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِي نا زَكَرِيَّا بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» .

مسألة القران في الأكل

فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ قُلْنَا بِهِ عَلَى نَصِّهِ، وَلَمْ يَحِلَّ الشُّرْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ لِأَنَّ زَكَرِيَّا بْنَ إبْرَاهِيمَ لَا نَعْرِفُهُ بِعَدْلٍ وَلَا جِرَاحَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ يَعْلَى بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: مَنْ شَرِبَ فِي قَدَحٍ مُفَضَّضٍ سَقَاهُ اللَّهُ جَمْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْرَبُ بِقَدَحٍ فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ وَلَا حَلَقَةُ فِضَّةٍ -: وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِثْلُ هَذَا - وَعَنْ آخَرِينَ إبَاحَتُهُ [مَسْأَلَةٌ الْقِرَانُ فِي الْأَكْلِ] 1017 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْقِرَانُ فِي الْأَكْلِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُؤَاكَلِ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ أَنْتَ شَيْئَيْنِ شَيْئَيْنِ وَيَأْخُذَ هُوَ وَاحِدًا وَاحِدًا كَتَمْرَتَيْنِ وَتَمْرَةٍ، أَوْ تِينَتَيْنِ وَتِينَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ كُلُّهُ لَك فَافْعَلْ فِيهِ مَا شِئْت. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا آدَم نا شُعْبَةُ نا «جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ - وَهُوَ يَمُرُّ بِهِمْ وَهُمْ يَأْكُلُونَ - لَا تُقَارِنُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْقِرَانِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ» قَالَ شُعْبَةُ: الْإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَعَمُّ مِمَّا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، فَإِذَا أَذِنَ الْمُؤَاكِلُ فَهُوَ حَقُّهُ تَرَكَهُ. [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ مَا عُجِنَ بِالْخَمْرِ] 1018 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا عُجِنَ بِالْخَمْرِ، أَوْ بِمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ، وَلَا قِدْرٌ طُبِخَتْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا عُجِنَ بِهِ الدَّقِيقُ وَطُبِخَ بِهِ الطَّعَامُ شَيْئًا حَلَالًا وَكَانَ مَا رَمَى فِيهِ مِنْ الْحَرَامِ قَلِيلًا لَا رِيحَ لَهُ فِيهِ وَلَا طَعْمَ وَلَا لَوْنَ، وَلَا يَظْهَرُ لِلْحَرَامِ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ أَصْلًا فَهُوَ حَلَالٌ حِينَئِذٍ، وَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى مَنْ رَمَى فِيهِ شَيْئًا مِنْهُ، لِأَنَّ الْحَرَام إذَا بَطَلَتْ صِفَاتُهُ الَّتِي بِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ الِاسْمِ الَّذِي بِهِ نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الِاسْمُ عَنْهُ وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ الِاسْمُ سَقَطَ التَّحْرِيمُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ مَا يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ كَالْخَمْرِ، وَالدَّمِ، وَالْمَيْتَةِ، فَإِذَا اسْتَحَالَ الدَّمُ لَحْمًا، أَوْ الْخَمْرُ خَلًّا، أَوْ الْمَيْتَةُ بِالتَّغَذِّي أَجْزَأَ فِي الْحَيَوَانِ الْأَكْلُ لَهَا مِنْ

مسألة أكل جبن عقد بإنفحة ميتة

الدَّجَاجِ، وَغَيْرِهِ فَقَدْ سَقَطَ التَّحْرِيمُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ خَالَفَ هَذَا لَزِمَهُ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّبَنَ، لِأَنَّهُ دَمٌ اسْتَحَالَ لَبَنًا، وَأَنْ يُحَرِّمَ التَّمْرَ وَالزَّرْعَ الْمَسْقِيَّ بِالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُبِيحَ الْعَذِرَةَ وَالْبَوْلَ، لِأَنَّهُمَا طَعَامٌ، وَمَاءٌ حَلَالَانِ اسْتَحَالَا إلَى اسْمٍ مَنْصُوصٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُسَمَّى بِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ مَا عُجِنَ أَوْ طُبِخَ بِهِ، فَلِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي جَمِيعِ الشَّيْءِ الْمَعْجُونِ وَالْمَطْبُوخِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَثَرُ لِشَيْءٍ حَلَالٍ، وَكَانَ الْحَرَامُ لَا أَثَرَ لَهُ، فَقَدْ قُلْنَا الْآنَ مَا يَكْفِي -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَمْرٍو عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فِي الْمُرِّيِّ يُجْعَلُ فِيهِ الْخَمْرُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، ذَبَحَتْهُ النَّارُ وَالْمِلْحُ. [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ جُبْنٍ عُقِدَ بِإِنْفَحَة مَيْتَةٍ] 1019 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ جُبْنٍ عُقِدَ بِإِنْفَحَة مَيْتَةٍ لِأَنَّ أَثَرَهَا ظَاهِرٌ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُهَا لَهُ لِمَا ذَكَرَ آنِفًا وَهَكَذَا كُلُّ مَا مُزِجَ بِحَرَامٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ] 1020 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَرْقِهِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ - وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْأَكْلُ مِنْ وَسَطِ الطَّعَامِ] 1021 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْ وَسَطِ الطَّعَامِ وَلَا أَنْ تَأْكُلَ مِمَّا لَا يَلِيَك سَوَاءٌ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا أَوْ أَصْنَافًا شَتَّى، فَلَوْ أَنَّ الْمَرْءَ أَخَذَ شَيْئًا مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ ثُمَّ جَعَلَهُ أَمَامَ نَفْسِهِ وَتَرَكَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَأَكَلَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: نا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: قَالَ لَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ نَوَاحِيهِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ» سَمَاعُ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ كَانَ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «كُلْ مِمَّا يَلِيَكَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْعَطَّارُ نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: اُدْنُهُ يَا بُنَيَّ فَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيَكَ» فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صِنْفًا مِنْ أَصْنَافٍ. وَذَكَرَ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ الْمُنْقِرِيُّ نا أَبُو الْهُذَيْلِ حَدَّثَنِي «عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَوْا بِحَفْنَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ ثُمَّ أَتَيْنَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ طَعَامٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَجَالَتْ يَدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ» فَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ طَعَامٌ لَا يَكُونُ أَصْنَافًا إلَّا فِي النُّدْرَةِ؛ فَالثَّرِيدُ فِيهِ لَحْمٌ وَخُبْزٌ، وَرُبَّمَا بَصَلٌ وَحِمَّصٌ وَالْمَرَقُ كَذَلِكَ، وَيَكُونُ فِي اللَّحْمِ كَبِدٌ وَشَحْمٌ وَلَحْمٌ وَصُدْرَةٌ وَظَهْرٌ، وَهَكَذَا فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ أَنَسٍ: «دَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَجِيءَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ الدُّبَّاءِ وَتُعْجِبُهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ إلَيْهِ وَلَا أَطْعَمُهُ» . وَفِيهِ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الثِّقَاتِ: «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ» فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إنَّمَا هَذَا فِي الدُّبَّاءِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ خَاصٌّ بِالدُّبَّاءِ، فَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقُولَهُ، لَكِنْ نَقُولُ: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ مُبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلْ مِمَّا يَلِيَكَ» فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْأَكْلِ مِمَّا يَلِي الْآكِلَ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ عَادَ مُبَاحًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبُرْهَانٍ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَمَّا تَدَبَّرْنَاهُ وَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ

مسألة من أكل وحده فلا يأكل إلا مما يليه

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ الدُّبَّاءَ مِمَّا لَا يَلِيهِ وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ وَقَالَ مَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَدْ يَكُونُ الدُّبَّاءُ فِي نَوَاحِي الصَّحْفَةِ مِمَّا يَلِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَيَتَتَبَّعُهُ مِمَّا يَلِيهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا سِوَاهُ. إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَظُنُّ الْمُخَالِفُ أَصْلًا -: فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِذَا أَخَذَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ مِمَّا لَا يَلِيهِ ثُمَّ جَعَلَهُ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا لَا يَلِيهِ، وَهَذَا لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا لَا يَلِيهِ فَإِذَا صَارَ أَمَامَهُ فَلَهُ أَكْلُهُ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَلِيهِ - وَقَدْ اجْتَرَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الضَّبَّ مِنْ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ - وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الضَّبِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ فَلَا يَأْكُلُ إلَّا مِمَّا يَلِيهِ] 1022 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ فَلَا يَأْكُلُ إلَّا مِمَّا يَلِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَإِنْ أَدَارَ الصَّحْفَةَ فَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُدِيرَ الصَّحْفَةَ لِأَنَّ وَاضِعَهَا أَمْلَكُ بِوَضْعِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إدَارَتَهَا إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْأَكْلَ مِمَّا يَلِيهِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَتْ الْقَصْعَةُ وَالطَّعَامُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُدِيرَهَا كَمَا يَشَاءُ، وَأَنْ يَرْفَعَهَا إذَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إلَّا مِمَّا يَلِيهِ، لِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عُمُومٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] . [مَسْأَلَةٌ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ عَلَى كُلِّ آكِلٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ أَكْلِهِ] 1023 - مَسْأَلَةٌ: وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ عَلَى كُلِّ آكِلٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ أَكْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ فَيَأْكُلَ بِشِمَالِهِ لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا بِالتَّسْمِيَةِ وَالْأَكْلِ بِالْيَمِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ» وَهَذَا عُمُومٌ فِي النَّهْيِ عَنْ شِمَالِهِ وَشِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَمَنْ تَحَكَّمَ فَجَعَلَ بَعْضَ الْأَوَامِرِ فَرْضًا وَبَعْضَهَا نَدْبًا فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لَا

مسألة الأكل في آنية أهل الكتاب

عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] . [مَسْأَلَةٌ الْأَكْلُ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ] 1024 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى تُغْسَلَ بِالْمَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا أَيْضًا لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَنَّادُ بْنُ سَرِيٍّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْت رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ يَقُولُ: نا أَبُو إدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت «أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا. وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» . نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ نا النُّعْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُنْقِرِيُّ أَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ «عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَطْبُخُ فِي قُدُورِهِمْ وَنَشْرَبُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: إنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ ثُمَّ اُطْبُخُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا» . نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ «عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُكْتُبْ لِي بِأَرْضٍ؟ قَالَ: كَيْفَ أَكْتُبُ لَكَ وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ؟ قَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَمْلِكَنَّ مَا تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ أَهْلُهَا أَهْلُ كِتَابٍ نَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى قُدُورِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ، فَقَالَ: لَا تَقْرَبُوهَا مَا وَجَدْتُمْ مِنْهَا بُدًّا، فَإِذَا لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا وَاشْرَبُوا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَتَعَلَّقَ قَوْمٌ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ الثَّابِتَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ

مسألة أكل السيكران

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ «عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَمُسْلِمَ بْنَ مِشْكَمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ. [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ السَّيْكَرَانِ] 1025 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ السَّيْكَرَانِ لِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ مُسْكِرٍ، وَالسَّيْكَرَانُ مُسْكِرٌ - فَإِنْ مَوَّهَ قَوْمٌ بِاللَّبَنِ وَالزُّوَانِ فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لِأَنَّ اللَّبَنَ وَالزُّوَانَ مُخَدِّرَانِ مُبْطِلَانِ لِلْحَرَكَةِ لَا يُسْكِرَانِ، وَالسَّيْكَرَانُ وَالْخَمْرُ مُسْكِرَانِ لَا يُخَدِّرَانِ وَلَا يُبْطِلَانِ الْحَرَكَةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا حَرُمَ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ حَلَالٌ عِنْدَ الضَّرُورَةِ] 1026 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ صَيْدٍ حَرَامٍ، أَوْ مَيْتَةٍ، أَوْ دَمٍ؛ أَوْ لَحْمِ سَبُعٍ أَوْ طَائِرٍ، أَوْ ذِي أَرْبَعٍ؛ أَوْ حَشَرَةٍ، أَوْ خَمْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَهُوَ كُلُّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَلَالٌ - حَاشَا لُحُومِ بَنِي آدَمَ - وَمَا يُقْتَلُ مَنْ تَنَاوَلَهُ -: فَلَا يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا لَا بِضَرُورَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا. فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَلَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ -: فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ، وَيَتَزَوَّدَ حَتَّى يَجِدَ حَلَالًا؛ فَإِذَا وَجَدَهُ عَادَ الْحَلَالُ مِنْ ذَلِكَ حَرَامًا كَمَا كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ. وَحَدُّ الضَّرُورَةِ أَنْ يَبْقَى يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا يَجِدُ فِيهَا مَا يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ، فَإِنْ خَشِيَ الضَّعْفَ الْمُؤْذِيَ الَّذِي إنْ تَمَادَى أَدَّى إلَى الْمَوْتِ، أَوْ قَطَعَ بِهِ عَنْ طَرِيقِهِ وَشُغْلِهِ - حَلَّ لَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْمَوْتَ بِالْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إنْ وَجَدَ مِنْهَا نَوْعَيْنِ، أَوْ أَنْوَاعًا فَيَأْكُلُ مَا شَاءَ مِنْهَا لِلتَّذْكِيَةِ فِيهَا. أَمَّا تَحْلِيلُ كُلِّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]

فَأَسْقَطَ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ» فَهُوَ إذَا وَجَدَ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَقَدْ وَجَدَ مَالًا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِطْعَامِهِ مِنْهُ، فَحَقُّهُ فِيهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنْ مُنِعَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَهُوَ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ. وَخَصَّصَ قَوْمٌ الْخَمْرَ بِالْمَنْعِ - وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِلَا بُرْهَانٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنَّهَا لَا تُرْوَى - وَهَذَا خَطَأٌ مُدْرَكٌ بِالْعِيَانِ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُدْمِنِينَ عَلَيْهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْخِلَاعِ لَا يَشْرَبُونَ الْمَاءَ أَصْلًا مَعَ شُرْبِهِمْ الْخَمْرَ. وَقَدْ اضْطَرَبُوا -: فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: الِاسْتِغَاثَةَ بِالْخَمْرِ لِمَنْ اخْتَنَقَ بِلُقْمَةٍ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِغَاثَةِ إلَيْهَا فِي ضَرُورَةِ الِاخْتِنَاقِ أَوْ فِي ضَرُورَةِ الْعَطَشِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ آمِرُونَ لَهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْرَبْ الْخَمْرَ فَمَاتَ فَهُوَ قَاتِلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ لُحُومِ بَنِي آدَمَ فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الْأَمْرِ بِمُوَارَاتِهَا، فَلَا يَحِلُّ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا يُقْتَلُ فَإِنَّمَا أُبِيحَتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ الْمَوْتِ أَوْ الضَّرَرِ فَاسْتِعْجَالُ الْمَوْتِ لَا يَحِلُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَبِهَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا حَلَّتْ الْمُحَرَّمَاتُ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْتَنِعُ مِنْهَا قَاتِلَ نَفْسِهِ فَيَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ وَيَكُونُ قَاتِلَ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ وَهَذَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ. وَأَمَّا تَحْدِيدُنَا ذَلِكَ بِبَقَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِلَا أَكْلٍ فَلِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوِصَالَ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ خَافَ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ الضَّعْفَ فَلِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا فَضْلَ لِبَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] .

مسألة قطع الطريق على المسلمين فلم يجد مأكلا إلا الخنازير

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ وَبَلَّغَهُ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَيْنَا، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَلَّغَ الْقُرْآنَ إلَيْنَا، وَلَوْلَاهُ مَا عَرَفْنَا مَا هُوَ الْقُرْآنُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ حَرَامٍ، أَوْ كُلَّ مُفْتَرَضٍ، أَوْ كُلَّ حَلَالٍ فَهُوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَرْقَ. وَلَيْسَ قَوْلُنَا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ الصَّيْدِ وَلَا لِلْمُحِلِّ فِي الْحَرَمِ مَا دَامَ يَجِدُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ نَاقِضًا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، بَلْ هُوَ طَرْدٌ لَهَا؛ لِأَنَّ وَاجِدَ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ مَعَهَا، بَلْ هُوَ وَاجِدُ حَلَالٍ، فَلَيْسَ مُضْطَرًّا إلَى الصَّيْدِ إلَّا حَتَّى لَا يَجِدَ غَيْرَهُ فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا مَعْنَى لِلتَّذْكِيَةِ فَلِأَنَّ الذَّكَاةَ إخْرَاجٌ لِحُكْمِ الْحَيَوَانِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِكَوْنِهِ مَيْتَةً إلَى التَّحْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُذَكًّى، وَكُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَيَوَانِ فَهُوَ مَيْتَةٌ؛ فَالتَّذْكِيَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْمَيْتَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجِدْ مَأْكَلًا إلَّا الْخَنَازِيرَ] 1027 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لِمَنْ كَانَ فِي طَرِيقِ بَغْيٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُمْتَنِعًا مِنْ حَقٍّ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُ فَلْيَتُبْ مِمَّا هُوَ فِيهِ وَلْيُمْسِكْ عَنْ الْبَغْيِ وَلْيَأْكُلْ حِينَئِذٍ وَلْيَشْرَبْ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ، آكِلُ حَرَامٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فَإِنَّمَا أَبَاحَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَمْ يَتَجَانَفْ لِإِثْمٍ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا وَلَا عَادِيًا -: وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ نَعْلَمُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا الْمَالِكِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَانْتَظَرَ رِفَاقَهُمْ مِنْ الْمُحَارِبِينَ، وَحَاصَرَ قُرَاهُمْ وَمَدَنَهُمْ مِنْ الْبَاغِينَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْتَبِيحُ أَمْوَالَهُمْ وَفُرُوجَ الْمُسْلِمَاتِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَلَمْ يَجِدْ مَأْكَلًا إلَّا الْخَنَازِيرَ وَالْمَيْتَاتِ -: أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَكْلُهُ، فَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْظَمِ الظُّلْمِ، وَأَشَدِّ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا هَهُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِبْهَامِ وَمَا أَمَرْنَاهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ، فَلْيَنْوِهَا بِقَلْبِهِ، وَلْيُمْسِكْ عَنْ الْبَغْيِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَقِّ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ، وَمَا سَمِعْنَا بِقَوْلٍ أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا أَنْ لَا يَأْمُرُوهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْبَغْيِ، وَيُبِيحُوا لَهُ التَّقَوِّي عَلَى الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ -: رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا عَادٍ عَلَيْهِمْ - قَالَ مُجَاهِدٌ: وَمَنْ يَخْرُجُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ، إنَّمَا تَحِلُّ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا فَلْيَأْكُلْ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] قَالَ: إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ أَكَلَ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُ. وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ سَابُورٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى الْبَاغِي، وَالْعَادِي، إنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ فِي تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إسْنَادٌ فَاسِدٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ سَابُورٍ ضَعِيفٌ، وَعَطِيَّةَ مَجْهُولٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ، لِأَنَّ الْبَاغِيَ فِي الْأَكْلِ، وَالْعَادِيَ فِيهِ: هُوَ مِنْ أَكْلِهِ فِيمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ، وَآكِلُهُ فِي الْبَغْيِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَاغٍ فِي الْأَكْلِ وَعَادٍ فِيهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ. وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مُفْسِدًا فِي الْأَرْضِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَهُ أَكْلُهَا مُصِرًّا عَلَى إفْسَادِهِ مُتَقَوِّيًا عَلَى ظُلْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَقَالَ قَائِلُونَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْمُضْطَرَّ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَهُوَ بِلَا شَكٍّ

مسألة السرف حرام

غَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّحْرِيمِ، وَإِذْ هُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ فَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ جُمْلَةً. [مَسْأَلَةٌ السَّرَفُ حَرَامٌ] 1028 - مَسْأَلَةٌ: وَالسَّرَفُ حَرَامٌ، وَهُوَ النَّفَقَةُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَلَوْ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ قَدْرِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ - أَوْ التَّبْذِيرُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ضَرُورَةً مِمَّا لَا يَبْقَى لِلْمُنْفِقِ بَعْدَهُ غِنًى - أَوْ إضَاعَةُ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ بِرَمْيِهِ عَبَثًا؛ فَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلَيْسَ سَرَفًا وَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ كَثُرَتْ النَّفَقَةُ فِيهِ. وَقَوْلُنَا هَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» ". فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نَفَقَةُ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَلَا الْمُبَاحِ، إلَّا مَا أَبْقَى غِنًى، إلَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى قُوتِ نَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ وَلَا تَضْيِيعُ مَنْ مَعَهُ، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاقُ، وَأَمَّا مَا دُونَ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] . وَقَالَ تَعَالَى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [المائدة: 87] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . فَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبَاطِلَ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] فَإِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً بِنَصِّ الْآيَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: 20] .

مسألة ما تغذى من الحيوان المباح أكله بالمحرمات

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: التَّمْوِيهُ بِإِيرَادِ بَعْضِ آيَةٍ وَالسُّكُوتِ عَنْ أَوَّلِهِمَا أَوْ آخِرِهَا عَادَةُ سُوءٍ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى خِزْيُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ مَا تَغَذَّى مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ أَكْلُهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ] 1029 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا تَغَذَّى مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ أَكْلُهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ حَلَالٌ: كَالدَّجَاجِ الْمُطْلَقِ، وَالْبَطِّ، وَالنَّسْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ جَدْيًا أُرْضِعَ لَبَنَ خِنْزِيرَةٍ لَكَانَ أَكْلُهُ حَلَالًا حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَلَّالَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ مَا يَأْكُلُ إلَّا الْجَلَّالَةَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى تَحْلِيلُ الدَّجَاجِ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ الْقَذِرَ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا حَبَسَهَا ثَلَاثًا حَتَّى يَطِيبَ بَطْنُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَبَسَهَا مِنْ أَجْلِ مَا فِي قَانِصَتِهَا مِمَّا أَكَلَتْ فَاَلَّذِي فِي الْقَانِصَةِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ جُمْلَةً، لِأَنَّهُ رَجِيعٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ اسْتِحَالَةِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي أُكِلَتْ فَلَا يَسْتَحِيلُ لَحْمُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَلْ قَدْ صَارَ مَا تَغَذَّتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَحْمًا مِنْ لَحْمِهَا، وَلَوْ حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ لَحَرُمَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ مَا يَنْبُتُ عَلَى الزِّبْلِ - وَهَذَا خَطَأٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَرَامَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُهُ وَاسْمُهُ بَطَلَ حُكْمُهُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ الْقِرْد] 1030 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقِرْدُ حَرَامٌ أَكْلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ نَاسًا عُصَاةً عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْخِنْزِيرِ، وَالْقِرَدَةِ. وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَمْسَخُ عُقُوبَةً فِي صُورَةِ الطَّيِّبَاتِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِذْ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا طَيِّبٌ أَوْ خَبِيثٌ، فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ طَيِّبًا فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ خَبِيثٌ فَإِذًا الْقِرْدُ خَبِيثٌ، وَالْخِنْزِيرُ

مسألة أكل الطين لمن لا يستضر به

خَبِيثٌ، فَهُمَا مُحَرَّمَانِ - وَهَذَا مِنْ الْبَرَاهِينِ أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ جُمْلَةً وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ - وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الْمُسُوخِ فِي غَيْرِ الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ: فَبَاطِلٌ وَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ الطِّينِ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ] 1031 - مَسْأَلَةٌ: وَأَكْلُ الطِّينِ لِمَنْ لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ حَلَالٌ، وَأَمَّا أَكْلُ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ مِنْ طِينٍ أَوْ إكْثَارٍ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْخُبْزِ -: فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَنَا فَهُوَ حَلَالٌ، وَأَمَّا كُلُّ مَا أَضَرَّ فَهُوَ حَرَامٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَهُشَيْمٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، كُلُّهُمْ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، فَمَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يُحْسِنْ، وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ رُوِيَ فِي تَحْرِيمِ الطِّينِ آثَارٌ كَاذِبَةٌ -: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ الْحَدَثَانِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَمُرْسَلَاتٌ - وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] . قَالَ: وَالطِّينُ لَيْسَ مِمَّا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ التَّمْوِيهِ الَّذِي جَرَوْا عَلَى عَادَتِهِمْ فِيهِ فِي إيهَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ، وَإِنَّمَا يَأْتُونَ بِمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ حَقٌّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ أَكْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا فِيهَا إبَاحَةُ مَا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ مَا عَدَا ذَلِكَ لَا بِتَحْلِيلٍ وَلَا بِتَحْرِيمٍ؛ فَحُكْمُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْأَرْضِ مَطْلُوبٌ مِنْ غَيْرِهَا. وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَانِعَةً مِنْ أَكْلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْأَرْضِ لَحَرُمَ أَكْلُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ بَرِّيِّهِ وَبَحْرِيِّهِ، وَلَحَرُمَ أَكْلُ الْعَسَلِ، والطرنجبين، وَالْبَرَدِ، وَالثَّلْجِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مِنْ الْأَرْضِ؛ فَالطِّينُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ فَكَيْفَ وَهُوَ مِمَّا فِي الْأَرْضِ وَمِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَرْضِ؟ لِأَنَّهُ مَعَادِنُ فِي الْأَرْضِ مُسْتَخْرَجَةً مِنْ الْأَرْضِ، وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ أَنْ لَا يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا يَفْتَضِحُ فِيهِ مِنْ قُرْبٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة أكل لحم الضب

وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْفِطَرِ وَالْكَمْأَةِ، وَلَحْمِ التَّيْسِ الْهَرِمِ أَضَرُّ مِنْ قَلِيلِ الطِّينِ، وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَرِيفَةٍ فَقَالَ: خُلِقْنَا مِنْ التُّرَابِ فَمَنْ أَكَلَ التُّرَابَ فَقَدْ أَكَلَ مَا خُلِقَ مِنْهُ. فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَعَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ السَّخِيفِ يَحْرُمُ شُرْبُ الْمَاءِ لِأَنَّنَا مِنْ الْمَاءِ خُلِقْنَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ. [مَسْأَلَةٌ أَكْل لَحْمِ الضَّبِّ] 1032 - مَسْأَلَةٌ: وَالضَّبُّ حَلَالٌ، وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْلَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ الضَّبَّ. وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الضَّبِّ فَقَالَ: لَا تَطْعَمُوهُ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَحَادِيثَ -: مِنْهَا صَحِيحٌ: كَاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَاةٍ فَأَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ فَوَجَدْنَا ضِبَابًا فَبَيْنَمَا الْقُدُورُ تَغْلِي بِالضِّبَابِ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِيَ فَأَكْفِئُوهَا، فَأَلْقَيْنَا بِهَا» . هَذَا لَفْظُ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَلَفْظُ يَحْيَى نَحْوُهُ. وَمِنْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ: مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ» . وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ فِيهَا التَّوَقُّفُ فِيهِ -: كَاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبِّ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ - فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ» وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا بِمَعْنَاهُ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ ثَابِتِ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الضَّبِّ: لَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ.» وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِضَبٍّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: لَا تُطْعِمُوهُمْ مَا لَمْ تَأْكُلُوا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا؛ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَفِيهِ ضُعَفَاءُ وَمَجْهُولُونَ - فَسَقَطَ - وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ فَهُوَ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ بِالضَّبَابِ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَقَايَا مَسْخِ الْأُمَّةِ السَّالِفَةِ، هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ، فَإِنْ وَجَدْنَا عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يُؤَمِّنُ مِنْ هَذَا الظَّنِّ بِيَقِينٍ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْكَرَاهَةُ أَوْ الْمَنْعُ فِي الضَّبِّ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَاللَّفْظُ لَهُ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ، وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ الْقِرَدَةَ ذُكِرَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا وَقَدْ كَانَتْ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ» .

مسألة حكم أكل الأرنب

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ تِلْكَ الْمَخَافَةَ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الضِّبَابِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا مُسِخَ قَدْ ارْتَفَعَتْ، وَصَحَّ أَنَّ الضِّبَابَ لَيْسَتْ مِمَّا مُسِخَ، وَلَا مِمَّا مُسِخَ شَيْءٌ فِي صُوَرِهَا -: فَحَلَّتْ. ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْتَ مَيْمُونَةَ: فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ» . فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى تَحْلِيلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْآخَرُ النَّاسِخُ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بِلَا شَكٍّ لَمْ يَجْتَمِعْ قَطُّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَحُنَيْنٍ، وَالطَّائِفِ، وَلَمْ يَغْزُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَهَا إلَّا تَبُوكَ، وَلَمْ تُصِبْهُمْ فِي تَبُوكَ مَجَاعَةٌ أَصْلًا. وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ كَانَ قَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ بِلَا مِرْيَةٍ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَصَحَّتْ إبَاحَتُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ -: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ الْأَرْنَبُ] 1033 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَرْنَبُ حَلَالٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا؛ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَوْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْأَرْنَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبَاهُ كَرِهَا الْأَرْنَبَ - وَأَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَرِهَ الْأَرْنَبَ. وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَهَا بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا أَبُو مَكِينٍ عَنْ عِكْرِمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِأَرْنَبٍ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا تَحِيضُ فَكَرِهَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: «سَأَلَ جَرِيرُ بْنُ أَنَسٍ الْأَسْلَمِيُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْأَرْنَبِ؟ فَقَالَ: لَا آكُلُهَا أُنْبِئْتُ أَنَّهَا تَحِيضُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ - هَالِكٌ - وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ، وَقَدْ صَحَّ

مسألة الخل المستحيل عن الخمر

مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ صَادَ أَرْنَبًا فَأَتَى بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَرِكِهَا وَفَخْذَيْهَا فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبِلَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِأَرْنَبٍ مَشْوِيَّةٍ فَلَمْ يَأْكُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهَا وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْقَوْمَ فَأَكَلُوا» فَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ فِي تَحْلِيلِهَا وَقَدْ يَكْرَهُهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خِلْقَةً، لَا لِإِثْمٍ فِيهَا، وَنَحْنُ لَعَمْرُ اللَّهِ نَكْرَهُهَا جُمْلَةً وَلَا نَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهَا أَصْلًا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّحْرِيمِ فِي شَيْءٍ؟ [مَسْأَلَةٌ الْخَلُّ الْمُسْتَحِيلُ عَنْ الْخَمْرِ] 1034 - مَسْأَلَةٌ: وَالْخَلُّ الْمُسْتَحِيلُ عَنْ الْخَمْرِ حَلَالٌ تَعَمَّدَ تَخْلِيلَهَا أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ إلَّا أَنَّ الْمُمْسِكَ لِلْخَمْرِ لَا يُرِيقُهَا حَتَّى يُخَلِّلَهَا أَوْ تَتَخَلَّلَ مِنْ ذَاتِهَا -: عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُجَرَّحُ الشَّهَادَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْخَمْرَ مُفَصَّلٌ تَحْرِيمُهَا، وَالْخَلُّ حَلَالٌ لَمْ يُحَرَّمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِمِيُّ أَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ» فَإِذًا الْخَلُّ حَلَالٌ، فَهُوَ بِيَقِينٍ غَيْرُ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ الْعَصِيرِ الْحَلَالِ صِفَاتُ الْعَصِيرِ وَحَلَّتْ فِيهِ صِفَاتُ الْخَمْرِ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ عَصِيرًا حَلَالًا، بَلْ هِيَ خَمْرٌ مُحَرَّمَةٌ، وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ صِفَاتُ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ وَحَلَّتْ فِيهَا صِفَاتُ الْخَلِّ الْحَلَالِ، فَلَيْسَتْ خَمْرًا مُحَرَّمَةً، بَلْ هِيَ خَلٌّ حَلَالٌ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ إنَّمَا الْأَحْكَامُ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ بَطَلَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الْمَنْصُوصَةُ عَلَيْهَا وَحَدَثَتْ لَهَا أَحْكَامُ الْأَسْمَاءِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَيْهَا فَلِلصَّغِيرِ حُكْمُهُ، وَلِلْبَالِغِ حُكْمُهُ، وَلِلْمَيِّتِ حُكْمُهُ، وَلِلدَّمِ حُكْمُهُ، وَلِلْغِذَاءِ الَّذِي اسْتَحَالَ مِنْهُ حُكْمُهُ، وَلِلَّبَنِ، وَاللَّحْمِ الْمُسْتَحِيلَيْنِ عَنْ الدَّمِ حُكْمُهُمَا؛ وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ. وَلَا مَعْنَى لِتَعَمُّدِ تَخْلِيلِهَا، أَوْ لِتَخْلِيلِهَا مِنْ ذَاتِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ إمْسَاكُ الْخَمْرِ فَقَطْ.

مسألة السمن الذائب يقع فيه الفأر

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَخْلِيلِهَا أَوْ تَرْكِ تَخْلِيلِهَا، بَلْ الْمُرِيدُ لِبَقَائِهَا خَمْرًا أَعْظَمُ إثْمًا وَأَكْثَرُ جُرْمًا مِنْ الْمُتَعَمِّدِ لِإِفْسَادِهَا وَالْقَاصِدِ لِتَغْيِيرِهَا - وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: إذَا تَخَلَّلَتْ حَلَّتْ، وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَحِلَّ - وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيِّينَ: أَنَّ كُلَّ خَلٍّ تَوَلَّدَ مِنْ خَمْرٍ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَهُوَ حَرَامٌ - وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا عِصْيَانُ مُمْسِكِ الْخَمْرِ -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ قَالَ: نا زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - نا عُبَيْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عَمْرٍو - عَنْ زَيْدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ - عَنْ يَحْيَى النَّخَعِيِّ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيذِ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ جُعِلَ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ وَاللَّيْلَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ وَمِنْ الْغَدِ حَتَّى أَمْسَى فَشَرِبَ وَسَقَى فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَأُهْرِقَ» . فَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُ الْخَمْرِ أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى خَلٍّ لَا يَأْثَمُ مُعَانِيهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، بِأَنْ يَكُونَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ يُلْقَى فِي الظَّرْفِ صَحِيحًا فَإِذَا كَانَ فِي اسْتِقْبَالِ الصَّيْفِ الَّذِي يَأْتِي عُصِرَ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَصِرُ إلَّا الْخَلُّ الصِّرْفُ. وَلَا يُسَمَّى خَمْرًا مَا لَمْ يَبْرُزْ مِنْ الْعِنَبِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ عَصَرَ الْعِنَبَ، أَوْ نَبَذَ الزَّبِيبَ أَوْ التَّمْرَ ثُمَّ صَبَّ عَلَى الْعَصِيرِ الْحُلْوِ أَوْ النَّبِيذِ الْحُلْوِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمَا الْغَلَيَانُ مِثْلَ كِلَيْهِمَا خَلًّا حَاذِقًا، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُ، وَلَا يَصِيرُ خَمْرًا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ السَّمْنُ الذَّائِبُ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ] 1035 - مَسْأَلَةٌ: وَالسَّمْنُ الذَّائِبُ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ مَاتَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَمُتْ -: فَهُوَ حَرَامٌ، لَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُ أَصْلًا، بَلْ يُهْرَاقُ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُخِذَ مَا حَوْلَ الْفَأْرِ فَرُمِيَ، وَكَانَ الْبَاقِي حَلَالًا كَمَا كَانَ. وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا السَّمْنِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ أَوْ غَيْرُ الْفَأْرِ فَيَمُوتُ أَوْ لَا يَمُوتُ فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ كَمَا كَانَ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ الْحَرَامُ فَهُوَ حَرَامٌ.

مسألة حكم ما سقط من الطعام

وَكَذَلِكَ السَّمْنُ يَقَعُ فِيهِ غَيْرُ الْفَأْرِ فَيَمُوتُ أَوْ لَا يَمُوتُ فَهُوَ حَلَالٌ كُلُّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغْيِيرُ الْحَرَامِ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْقِصَّةَ كُلَّهَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهَا وَعُمْدَتُهُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا جَاءَ فِي السَّمْنِ الذَّائِبِ فِيهِ الْفَأْرُ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى مَا عَدَاهُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْم مَا سَقَطَ مِنْ الطَّعَامِ] 1036 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا سَقَطَ مِنْ الطَّعَامِ فَفَرْضٌ أَكْلُهُ، وَلَعْقُ الْأَصَابِعِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَكْلِ فَرْضٌ. وَلَعْقُ الصَّحْفَةِ إذَا تَمَّ مَا فِيهَا فَرْضٌ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ - هُوَ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى، وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ» . [مَسْأَلَةٌ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا] 1037 - مَسْأَلَةٌ: وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا وَلَا نَكْرَهُهُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرَامًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو نُعَيْمٍ نا مِسْعَرٌ - هُوَ ابْنُ كِدَامٍ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» فَلَيْسَ هَذَا نَهْيًا أَصْلًا لَكِنَّهُ آثَرَ الْأَفْضَلَ فَقَطْ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ» .

مسألة غسل اليد قبل الطعام وبعده

قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَسْمَعْهُ جَعْفَرٌ مِنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَبُو دَاوُد: نا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ نا أَبِي نا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ نَفْسُهُ، فَسَقَطَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ] 1038 - مَسْأَلَةٌ: وَغَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ حَسَنٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نا زُهَيْرٌ - هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - نا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا نَدْبٌ لَا أَمْرٌ، وَالْجُرَذُ رُبَّمَا عَضَّ أَصَابِعَ الْمَرْءِ إذَا شَمَّ فِيهَا رَائِحَةَ الطَّعَامِ وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَإِنَّ أَكْلَ الْخُبْزِ لَمِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَهُ أَوْ كَرَاهِيَتَهُ لَنَا لَبَيَّنَهُ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ قُرِّبَ إلَيْهِ الطَّعَامُ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: لَمْ أُصَلِّ فَأَتَوَضَّأُ» فَلَيْسَ فِي هَذَا ذِكْرٌ لِغَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهِ الْوُضُوءُ وَهُوَ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا وُضُوءَ وَاجِبًا إلَّا لِلصَّلَاةِ» . [مَسْأَلَةٌ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ] 1039 - مَسْأَلَةٌ: وَحَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ حَسَنٌ وَلَوْ بَعْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَبِرٍّ، وَفِي كُلِّ حَالٍ. [مَسْأَلَةٌ قَطْعُ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ لِلْأَكْلِ] 1040 - مَسْأَلَةٌ: وَقَطْعُ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ لِلْأَكْلِ حَسَنٌ، وَلَا نَكْرَهُ قَطْعَ الْخُبْزِ بِالسِّكِّينِ لِلْأَكْلِ أَيْضًا - وَتُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ مِنْ الطَّعَامِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ سَوِيقًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ» . وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

مسألة الأكل في إناء مفضض بالجوهر والياقوت

«إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ لَبَنًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ بِالْمَاءِ وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا» . وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرِبَ لَبَنًا وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ» فَلَمْ يَأْتِ بِهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ فَهِيَ فِعْلٌ حَسَنٌ وَمُبَاحٌ -: وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ [قَالَ] أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: " أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.» وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ بِالسِّكِّينِ فَهُوَ مُبَاحٌ. وَجَاءَ خَبَرٌ فِيهِ: «لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ» ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ لِلْمَدِينِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ الْأَكْلُ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ بِالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ] 1041 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَكْلُ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ بِالْجَوْهَرِ، وَالْيَاقُوتِ، وَفِي الْبَلُّورِ، وَالْجَزِعِ مُبَاحٌ - وَلَيْسَ مِنْ السَّرَفِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَ تَحْرِيمَهُ، وَمَا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلَالٌ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى آنِيَةَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَهِيَ حَرَامٌ - وَأَمْسَكَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ حَلَالٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: أَحَلَّ اللَّهُ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا سَرَفٌ أَوْ ادَّعَى ذَلِكَ فِي الْمَأْكَلِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِحَدِّ مَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَحِلُّ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، فَصَحَّ [يَقِينًا] أَنَّ قَوْلَهُ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ] 1042 - مَسْأَلَةٌ: وَالثُّومُ، وَالْبَصَلُ، وَالْكُرَّاثُ حَلَالٌ إلَّا أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا

مسألة أكل الجراد

فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَذْهَبَ الرَّائِحَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَلَهُ الْجُلُوسُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَالْجَمَاعَاتِ وَالْأَعْرَاسِ وَحَيْثُ شَاءَ إلَّا الْمَسَاجِدَ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ إلَّا فِيهَا. [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ الْجَرَادِ] 1043 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَرَادُ حَلَالٌ إذَا أُخِذَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا سَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ فِي الظُّرُوفِ أَوْ لَمْ يَمُتْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ [قَالَ] سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ» وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ لَا بَأْسَ بِالْجَرَادِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ الْجَرَادُ ذَكَاةٌ كُلُّهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَرَادِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ - وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَسْتَثْنُوا فِيهِ حَالًا مِنْ حَالٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحِلُّ وَإِنْ أُخِذَ حَيًّا إلَّا حَتَّى يُقْتَلَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَمْكُنُ فِيهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إنْ وُجِدَ مَيِّتًا فَإِنْ أُخِذَ حَيًّا حَلَّ كَيْفَ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سَلْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي الْجَرَادِ: مَا أُخِذَ وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَخْذُ الْجَرَادِ ذَكَاتُهُ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] . فَمَا وُجِدَ مَيِّتًا فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] . وَصَحَّ أَكْلُ الْجَرَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّ بِالْحِسِّ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُمْكِنُ فِيهِ فَسَقَطَتْ، فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَهُ ذَكَاتُهُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ نَالَتْهُ أَيْدِينَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إبَاحَةُ مَا نَالَتْهُ أَيْدِينَا حَيًّا دُونَ مَا نَالَتْهُ مَيِّتًا، وَصَحَّ فِي كُلِّ مَقْدُورٍ عَلَى تَذْكِيَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ الشَّقُّ وَهِيَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا فِي الْجَرَادِ فَارْتَفَعَ حُكْمُهَا عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ بِالنَّصِّ فَهُوَ حَلَالٌ كَيْفَمَا وُجِدَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ذم ما قدم إلى المرء من الطعام

[مَسْأَلَةٌ ذَمُّ مَا قُدِّمَ إلَى الْمَرْءِ مِنْ الطَّعَامِ] مَسْأَلَةٌ: وَإِكْثَارُ الْمَرَقِ حَسَنٌ، وَتَعَاهُدُ الْجِيرَانِ مِنْهُ وَلَوْ مَرَّةً فَرْضٌ؛ وَذَمُّ مَا قُدِّمَ إلَى الْمَرْءِ مِنْ الطَّعَامِ مَكْرُوهٌ، لَكِنْ إنْ اشْتَهَاهُ فَلْيَأْكُلْهُ وَإِنْ كَرِهَهُ فَلْيَدَعْهُ وَلْيَسْكُتْ. وَالْأَكْلُ مُعْتَمِدًا عَلَى يُسْرَاهُ مُبَاحٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا طَبَخْتُمْ اللَّحْمَ فَأَكْثِرُوا الْمَرَقَ وَأَطْعِمُوا الْجِيرَانَ» . وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا فَلْيُنَاوِلْهُ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ» يَعْنِي صَانِعَهُ، فَصَحَّ أَنَّ التَّعْلِيلَ مِنْ الْمَرَقِ مُبَاحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ - هُوَ الْأَشْجَعِيُّ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ» . وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَسَارِ شَيْءٌ - وَرُوِيَ فِيهِ أَثَرٌ مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ «زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الْأَكْلِ» وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب التذكية

[كِتَابُ التَّذْكِيَةِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ] ِ 1045 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ - طَائِرُهُ وَدَارِجُهُ - إلَّا بِذَكَاةٍ كَمَا قَدَّمْنَا حَاشَا الْجَرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْرَهُ وَالتَّذْكِيَةُ قِسْمَانِ، قِسْمٌ فِي مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ، وَقِسْمٌ فِي غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ؛ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ؛ فَتَذْكِيَةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْمُتَمَكِّنِ مِنْهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا شَقٌّ فِي الْحَلْقِ وَقَطْعٌ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي أَثَرِهِ. وَإِمَّا نَحْرٌ فِي الصَّدْرِ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي أَثَرِهِ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْدِ الشَّارِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيْدِ، وَهَذَا حُكْمٌ وَرَدَ بِهِ النَّصُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَهُوَ أَيْضًا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جُمْلَتِهِ إلَّا أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي تَقْسِيمِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ إكْمَالُ الذَّبْحِ] 1046 - مَسْأَلَةٌ: وَإِكْمَالُ الذَّبْحِ هُوَ أَنْ يُقْطَعَ الْوَدَجَانِ وَالْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. 1047 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَطَعَ الْبَعْضَ مِنْ هَذِهِ الْآرَابِ الْمَذْكُورَةِ فَأَسْرَعَ الْمَوْتُ كَمَا يُسْرِعُ مِنْ قَطْعِ جَمِيعهَا فَأَكْلُهَا حَلَالٌ فَإِنْ لَمْ يُسْرِعْ الْمَوْتُ فَلْيُعِدْ الْقَطْعَ وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ شَيْئًا، وَأَكْلُهُ حَلَالٌ، وَسَوَاءٌ ذَبَحَ مِنْ الْحَلْقِ فِي أَعْلَاهُ أَوْ أَسْفَلِهِ رُمِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى فَوْقَ أَوْ إلَى أَسْفَلَ أَوْ قُطِعَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْقَفَا - أُبِينَ الرَّأْسُ أَوْ لَمْ يُبَنْ - كُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ أَكْلُهُ. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَا قُطِعَ مِنْ الْقَفَا لَمْ يَحِلُّ أَكْلُهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، وَلَا نُبَالِي بِتَرْكِ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نَعْرِفُ الْمَرِيءَ؛ لَكِنْ إنْ لَمْ يَقْطَعْ الْوَدَجَيْنِ جَمِيعًا وَالْحُلْقُومَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ تَمَامِ قَطْعِهَا كُلِّهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَإِنْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. فَإِنْ ذَبَحَ مِنْ الْحَلْقِ فَأَبَانَ الرَّأْسَ غَيْرَ عَامِدٍ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ: إنْ أَلْقَى الْعُقْدَةَ إلَى أَسْفَلَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - هِيَ أَرْبَعَةُ آرَابٍ، الْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ، وَالْوَدَجَانِ، فَإِنْ قَطَعَ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَتَرَكَ الرَّابِعَ لَا نُبَالِي أَيَّ الْأَرْبَعَةِ تَرَكَ الْحُلْقُومَ، أَوْ الْمَرِيءَ أَوْ أَحَدَ الْوَدَجَيْنِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ، وَإِنْ قَطَعَ اثْنَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ لَا نُبَالِي أَيُّهُمَا قَطَعَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. فَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ حَلَّ أَكْلُهُ، فَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَالنِّصْفَ مِنْ الْوَدَجَيْنِ حَلَّ أَكْلُهُ. فَإِنْ قَطَعَ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ فَقَطْ حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ وَلَا الْمَرِيءَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ: إنْ قَطَعَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ مِنْ جِهَةِ الْحَلْقِ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلَا - وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي تَرْكِ الْوَدَجَيْنِ بِأَنَّهُمَا عِرْقَانِ قَدْ يَعِيشُ مَنْ قُطِعَا لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَسْنَا نَحْتَاجُ إلَى مُنَاظَرَةٍ فَهَلْ يَعِيشُ أَمْ لَا يَعِيشُ؟ لَكِنْ إنَّمَا نُكَلِّمُهُ فِي مَنْعِهِ أَكُلُّ مَا لَمْ يُقْطَعْ مَرِيئُهُ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى نَصٍّ، وَلَا عَلَى قِيَاسٍ أَصْلًا، وَلَا عَلَى قَوْلِ صَاحِبٍ.

وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَمُوتُ مَنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْمَرِيءَ، كَمَا يَمُوتُ مَنْ قَطَعَ الْمَرِيءَ وَالْوَدَجَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ؛ فَتَعَرَّى هَذَا الْقَوْلُ مِنْ الدَّلِيلِ، فَسَقَطَ؛ إذْ كُلُّ قَوْلٍ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؟ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَاعَى الْأَكْثَرَ فِي الْقَطْعِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى نُقْصَانِ أُذُنِ الذَّبِيحَةِ وَذَنَبِهَا؟ قُلْنَا: قِسْتُمْ الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ؛ وَمَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ، وَلَا تَخْلُو هَذِهِ الْآرَابُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعُهَا كُلَّهَا فَرْضًا، وَلَا يَكُونُ قَطْعُهَا كُلُّهَا فَرْضًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعُهَا كُلُّهَا فَرْضًا فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ فِي إيجَابِ قَطْعِ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُهَا كُلُّهَا قَدْ وَجَبَ فَرْضًا فَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ بَعْضُهُ. وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ الظُّهْرِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى الْأَكْثَرَ - وَأَنَّ مَنْ صَامَ أَكْثَرَ النَّهَارِ أَنَّهُ يَجْزِيهِ، وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ، فَلَاحَ فَسَادُ قَوْلِهِ جُمْلَةً، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّ إيجَابَهُ الْحُلْقُومَ وَإِسْقَاطَهُ الْمَرِيءَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ. وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ غَيْرُ مُتَرَدٍّ. وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ كَذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا فِي إيجَابِهِ الْوَدَجَيْنِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ أَيْمَنَ نا مُطَّلِبٌ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ ذَبَحَتْ شَاةً؟ فَقَالَ لَهَا: أَفَرَيْتِ الْأَوْدَاجَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: كُلُّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا لَمْ يَكُنْ قَرْضَ سِنٍّ، أَوْ حَزَّ ظُفْرٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ فِي نِهَايَةِ السُّقُوطِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالْكَذِبِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ الْكَذِبَ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ.

ثُمَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ. ثُمَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ - وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَلْهَانِيُّ - دِمَشْقِيٌّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. ثُمَّ عَنْ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَبَطَل كُلُّهُ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْعٌ مِنْ أَكْلِ مَا عَدَا ذَلِكَ. وَلَا مُتَعَلِّقَ لِلْمَالِكِيِّينَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الحُّلْقُومِ وَقَدْ أَوْجَبُوهُ، وَلَا فِيهِ إيجَابُ الذَّبْحِ مِنْ الْحَلْقِ وَقَدْ أَوْجَبُوهُ - فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: إنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ - فَقَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا - وَحُجَّتُهُمْ لَهُ: أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ فِي حَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهَا فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي مَيِّتَةٍ وَلَا بُدَّ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ تَحْرِيمَ مَا هَذَا صِفَتُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا، وَهَلْ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى قَطْعِ مَا قَطَعَ رَجَاءٌ فِي حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ؟ هَذَا مَا لَا رَجَاءَ فِيهِ، فَتَمَادِيهِ فِي الْقَطْعِ بِغَيْرِ رَفْعِ يَدٍ أَوْ بَعْدَ رَفْعِ يَدٍ، إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا تُرْجَى حَيَاتُهُ - فَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَذْبُوحٍ أَبَدًا، لِأَنَّهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّبْحِ وَلَا بُدَّ قَدْ حَصَلَ فِي حَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهَا - مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى أَيْضًا بِلَا بُرْهَانٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ أَبَانَ الرَّأْسَ غَيْرَ عَامِدٍ حَلَّ أَكْلُهُ، فَإِنْ أَبَانَهُ عَامِدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ - فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا، وَإِذَا تَمَّتْ ذَكَاتُهُ عَلَى إقْرَارِهِ وَعَلَى تَمَامِ شُرُوطِهِ فَمَا الَّذِي يَضُرُّ تَعَمُّدَ قَطْعِ الرَّأْسِ حِينَئِذٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْمَذْبُوحِ؟ قُلْنَا: فَتَعْذِيبُهُ عِنْدَكُمْ بَعْدَ تَمَامِ ذَكَاتِهِ مَانِعٌ مِنْ أَكْلِهِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَحْرِيمُهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّعْذِيبِ خَاصَّةً؟ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَا أُبِينَ رَأْسُهُ عَنْ عَطَاءٍ. وَكَرِهَ نَافِعٌ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ سِيرِينَ مَا أُبِينَ رَأْسُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِيمَا أُبِينَ رَأْسُهُ أَثَرٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَقَدْ صَحَّ خِلَافُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ نَفْسِهِ أَيْضًا خِلَافُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْهُمْ. وَأَمَّا مَنْعُهُمْ أَيْضًا مِمَّا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا فَقَوْلٌ أَيْضًا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ تَعْذِيبٌ؟ قُلْنَا: مَا التَّعْذِيبُ فِيهِ إلَّا كَالتَّعْذِيبِ فِي الذَّبْحِ مِنْ أَمَامٍ وَلَا فَرْقَ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّكُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ فِي مَنْعِكُمْ مِنْ الذَّكَاةِ فِي اللَّبَّةِ فِي بَعْضِ الْحَيَوَانِ وَمَنْعِكُمْ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ فِي بَعْضِهِ وَلَيْسَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَوْنِ الذَّكَاةِ فِي الْحَلْقِ مَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ قَطْعُ الْحَلْقِ ذَكَاةٌ مِنْ وَرَائِهِ دُونَ أَمَامِهِ، أَوْ مِنْ أَمَامِهِ دُونَ وَرَائِهِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْمَنْعُ مِمَّا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا - وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلْقَاءَ الْعُقْدَةِ إلَى أَسْفَلَ فَإِنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذُبِحَ فِي الرَّأْسِ لَا فِي الْحَلْقِ، وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَخْنُوقِ - فَكَانَتْ الْحُجَّةُ أَشَدَّ بُطْلَانًا وَمُكَابَرَةً لِلْعِيَانِ مِنْ الْقَوْلِ الْمُحْتَجِّ لَهُ بِهَا - وَقَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَمَا ذُبِحَ بِالْمُشَاهَدَةِ إلَّا فِي أَوَّلِ الْحَلْقِ، وَأَوَّلُ الْحَلْقِ بَعْضُ الْحَلْقِ كَوَسَطِهِ وَكَآخِرِهِ وَلَا فَرْقَ، وَلَا نَعْلَمُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَحَدًا قَبْلَهُ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ فَسَقَطَ لِتَعَرِّيه عَنْ الدَّلِيلِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنَّهُ لَا تَكُونُ ذَكَاةٌ إلَّا مَا قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ، وَالْحُلْقُومَ، وَالْمَرِيءَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ الْحَيَوَانِ حَيًّا حَتَّى يُذَكَّى، وَقَطْعُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ذَكَاةٌ صَحِيحَةٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى تَحْلِيلِ مَا زُكِّيَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَا دُونَ ذَلِكَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ تَحْرِيمٍ إلَى تَحْلِيلٍ إلَّا بِإِجْمَاعٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ صَحِيحَةُ الْمَبْدَأِ نَاقِصَةُ الْآخِرِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ

يَقُولُوا: مَا صَحَّ تَحْرِيمُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، ثُمَّ لَا نُبَالِي أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَمْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً لَا يَأْخُذُ مِنْ النُّصُوصِ إلَّا بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ لَخَالَفَ جُمْهُورَ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَجُمْهُورَ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ، وَهُوَ خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: فَرَدُّوهُ إلَى مَا أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا الْتَزَمَ هَذَا الْأَصْلَ وَلَا أَحَدًا قَالَ بِهِ وَصَحَّحَهُ. فَالْوَاجِبُ إذْ قَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا أَنْ يُرَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالذَّكَاةُ الشَّقُّ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فِيمَا تُمُكِّنَ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى حَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْإِرَاحَةِ، أَنَّ كُلَّ ذَبْحٍ وَكُلَّ شَقٍّ قَالَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَهُوَ ذَكَاةٌ، وَإِذْ هُوَ ذَكَاةٌ فَإِنَّ الْمُذَكَّى بِهِ خَارِجٌ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ. وَلَوْ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِقَطْعِ بَعْضِ الْآرَابِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا دُونَ بَعْضٍ، أَوْ بِقَطْعِ جَمِيعِهَا، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا لَمَا نَسِيَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهَا وَلَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْلَامَنَا بِهَا حَتَّى نَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيٍ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى رَأْيَهُ حُجَّةً فِي تَبِنَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يُضَيِّعَ إعْلَامَنَا بِمَا افْتَرَضَهُ عَلَيْنَا حَتَّى يَشْرَعَهُ لَنَا مَنْ دَوَّنَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ، تَاللَّهِ إنَّ فِي مَغِيبِ هَذَا عَمَّنْ غَابَ عَنْهُ لَعَجَبًا، وَلَكِنْ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا أَبُو عَوَانَةَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ «رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ حَدِيثًا - وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ «عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى؟ فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَزَائِدَةَ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ، وَعَمْرِ بْنِ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ. فَكُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فِي الْمُتَمَكَّنِ مِنْهُ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ فَهُوَ ذَكَاةٌ يَحِلُّ بِهَا الْأَكْلُ، وَلَوْ كَانَ هَهُنَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَبَيَّنَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا بَيَّنَ وُجُوبَ أَنْ لَا يُؤْكَلَ إلَّا مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ بِسِنٍّ وَلَا ظُفْرٍ. وَمِنْ أَعْجَبْ الْعَجَائِبِ مَنْ أَسْقَطَ فِي الذَّكَاةِ مَا اشْتَرَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهَا فَيُبِيحُ أَكْلَ مَا لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى بِنِسْيَانٍ أَوْ تَعَمُّدٍ، وَيُبِيحُ أَكْلَ مَا ذُبِحَ بِعَظْمٍ أَوْ ظُفْرٍ، ثُمَّ يَزِيدُ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِهِ الزَّائِفِ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ أَمَامَ وَبِأَنْ يَعُمَّ الْوَدَجَيْنِ، وَالْحُلْقُومَ، دُونَ الْمَرِيءِ؛ وَالذَّبْحُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ وَالنَّحْرُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَبِأَنْ لَا يَرْفَعَ يَدًا، وَأَنْ لَا يَتَعَمَّدَ إبَانَةَ الرَّأْسِ، وَأَنْ لَا يُلْقِيَ الْعُقْدَةَ، أَوْ بِأَنْ يَقْطَعَ الثَّلَاثَ الْآرَابَ، أَوْ الْأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ بِأَنْ يُبَيِّنَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ فَقَطْ - إنَّ فِي هَذَا لَعَجَبًا شَنِيعًا لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَأَشْنَعُ مِنْ هَذَا تَهَالُكُ مَنْ تَهَالَكَ عَلَى التَّدَايُنِ بِهَذِهِ الْآرَاءِ وَنَصْرِهَا بِمَا أَمْكَنَهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ حِمَارَ وَحْشٍ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلُوا ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْهُ؟ فَقَالَ: صَيْدٌ فَكُلُوهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حِمَارُ وَحْشٍ مُتَمَكَّنٌ مِنْهُ فِي الدَّارِ وَلَا يُخَالِفُنَا خُصُومُنَا فِي أَنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْدِ ذَكَاتُهُ كَذَكَاةِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَلَا فَرْقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا أَبُو غِفَارٍ - هُوَ الطَّائِيُّ - قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ ذَبِيحَةٍ قُطِعَ رَأْسُهَا؟ فَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ بِأَكْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الدَّجَاجَةِ

إذَا قُطِعَ رَأْسُهَا: ذَكَاةٌ سَرِيعَةٌ، أَيْ كُلْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ضَرَبَ رَجُلٌ بِسَيْفِهِ عُنُقَ بَطَّةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا، فَسَأَلَ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ؟ فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ كِلَاهُمَا عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَقَدْ أَدْرَكَ يُوسُفُ عِمْرَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ عَوْفٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ هِنْدٍ الْجَمَلِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ عُنُقَ بَعِيرٍ بِالسَّيْفِ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ فَقَطَعَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: ذَكَاةٌ وَحَيَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ خَبَّازًا لِأَنَسٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً فَاضْطَرَبَتْ، فَذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا فَأَبَانَ الرَّأْسَ فَأَرَادُوا طَرْحَهَا، فَأَمَرَهُمْ أَنَسٌ بِأَكْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ دَجَاجَةً فَظَنَّ رَأْسَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَكَاةٌ وَحَيَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ الْمَعْرُورِ عَنْ أَبِي الْفُرَافِصَةِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَأَقِرُّوا الْأَنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبْلَاغُ الذَّبْحِ أَنْ تَبْلُغَ الْعَظْمَ. وَصَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أُهْرِيقَ الدَّمُ وَقُطِعَ الْوَدَجُ فَكُلْهُ -: فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَجْمَلَا وَلَمْ يُفَصِّلَا، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُمْ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ: الذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ فَقُلْت لِعَطَاءٍ: ذَبَحَ ذَابِحٌ فَلَمْ يَقْطَعْ الْأَوْدَاجَ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ ذَكَّاهَا فَلْيَأْكُلْهَا - فَهَذَا عَطَاءٌ يَرَى الذَّكَاةَ كَيْفَ كَانَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، وَكِلَاهُمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ دِيكٍ ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ؟ فَقَالَ: إذَا سَمَّيْت فَكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الذَّبِيحَةِ تُذْبَحُ فَتَمُرُّ السِّكِّينُ فَتَقْطَعُ الْعُنُقَ كُلَّهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ ذَكَاةٌ سَرِيعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ عُنُقَ حِمَارٍ وَحْشٍ؟ فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهِ، وَسَأَلْته عَنْ دَجَاجَةٍ ذُبِحَتْ مِنْ قَفَاهَا؟ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: تِلْكَ الْقَفِينَةُ لَا بَأْسَ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ الرَّأْسَ؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بِئْسَمَا فَعَلَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَفَنَأْكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ مَغْلُوبًا لَمْ يَقُلْ الزُّهْرِيُّ، " بِئْسَمَا فَعَلَ ". فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ فِي مُتَعَمَّدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ جَدْيًا فَقَطَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي بَطَّةٌ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهَا بِالسَّيْفِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ قَالَا جَمِيعًا فِيمَنْ ذَبَحَ فَأَبَانَ الرَّأْسَ: فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ - هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِيمَنْ ذَبَحَ فَأَبَانَ الرَّأْسَ، قَالَ: كُلْ - وَرَوَى أَيْضًا عَنْ الضَّحَّاكِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

مسألة كل ما جاز ذبحه جاز نحره

عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّبْحِ لَا يُقْطَعُ الرَّأْسُ فَإِنْ قُطِعَ الرَّأْسُ فَلْيَأْكُلْ -: فَهَؤُلَاءِ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ يُجِيزُونَ أَكْلَ مَا قُطِعَ رَأْسُهُ فِي الذَّكَاةِ - وَبَعْضُهُمْ أَكَلَ مَا لَمْ يُقْطَعْ أَوْدَاجُهُ - وَمَا ذُبِحَ مِنْ قَفَاهُ - وَمَا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. [مَسْأَلَةٌ كُلُّ مَا جَازَ ذَبْحُهُ جَازَ نَحْرُهُ] 1048 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ ذَبْحُهُ جَازَ نَحْرُهُ، وَكُلُّ مَا جَازَ نَحْرُهُ جَازَ ذَبْحُهُ -: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالْخَيْلُ، وَالدَّجَاجُ، وَالْعَصَافِيرُ، وَالْحَمَامُ، وَسَائِرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ فَإِنْ شِئْت فَاذْبَحْ، وَإِنْ شِئْت فَانْحَرْ -: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: الْغَنَمُ، وَالطَّيْرُ، تُذْبَحُ وَلَا تُنْحَرُ، فَإِنْ نُحِرَ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُؤْكَلْ وَأَمَّا الْإِبِلُ فَتُنْحَرُ، فَإِنْ ذُبِحَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يُؤْكَلْ، وَأَمَّا الْبَقَرُ فَتُذْبَحُ وَتُنْحَرُ - وَلَا نَعْلَمُ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ سَلَفًا مِنْ الْعُلَمَاءِ أَصْلًا، إلَّا رِوَايَةً عَنْ عَطَاءٍ فِي الْبَعِيرِ خَاصَّةً قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهَا، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ذَبْحَ الْجَمَلِ تَعْذِيبٌ لَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ، وَغِلَظِ جِلْدِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ لِلْعِيَانِ، وَمَا تَعْذِيبُهُ بِالذَّبْحِ إلَّا كَتَعْذِيبِهِ بِالنَّحْرِ وَلَا فَرْقَ، وَمَا جِلْدُهُ بِأَغْلَظَ مِنْ جِلْدِ الثَّوْرِ، وَمَا عُنُقُهُ بِأَطْوَلَ مِنْ عُنُقِ الْإِبِلِ وَهُوَ يَرَى الذَّبْحَ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَمَا تَعْذِيبُ الْعُصْفُورِ، وَالْحَمَامَةِ، وَالدَّجَاجَةِ بِالنَّحْرِ إلَّا كَتَعْذِيبِهَا بِالذَّبْحِ وَلَا فَرْقَ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ فَيُجِيزُونَ فِيهَا النَّحْرَ - وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا يَلْزَمُنَا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَإِنْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْإِبِلَ بِمِنًى، وَذَبَحَ الْكَبْشَيْنِ إذْ ضَحَّى بِهِمَا» قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا فِعْلٌ لَا أَمْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْفِعْلِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» وَهَذَا هُوَ الْفُتْيَا الْمُبِينَةُ الَّتِي لَا يَحِلُّ تَعَدِّيهَا، لَا الْعَمَلُ الَّذِي لَمْ يُنْهَ عَمَّا سِوَاهُ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَمْ يَخُصَّا بِإِحْدَاهُمَا حَيَوَانًا مِنْ حَيَوَانٍ بَلْ هَتَفَ عُمَرُ بِذَلِكَ مُجْمَلًا وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا. بَلْ قَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ بَعِيرٍ ضُرِبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ وَرَأَى ذَلِكَ ذَكَاةً وَحَيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا وَهْبُ بْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ جَزُورًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَالْجَزُورُ الْبَعِيرُ بِلَا خِلَافٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الذَّبْحَ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنْ ذَبَحْت شَيْئًا يُنْحَرُ أَجْزَى عَنْك. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الذَّبْحُ مِنْ النَّحْرِ، وَالنَّحْرُ مِنْ الذَّبْحِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالَا جَمِيعًا: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ إنْ شِئْت ذَبَحْت وَإِنْ شِئْت نَحَرْت. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ الذَّبْحُ فِيهِمْ، وَالنَّحْرُ فِيكُمْ {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] ، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَبْحًا مِنْ نَحْرٍ، وَلَا نَحْرًا مِنْ ذَبْحٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ - هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ - عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي «جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ شَهِدْتُ الْأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ زُبَيْدٍ اليامي عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ

مسألة ذكاة غير المتمكن منه

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ وَذَكَرَ الْخَبَرَ.» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ وَلَا يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى» فَأَطْلَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَضَاحِيِّ الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ عُمُومًا وَفِيهَا الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِنَحْرٍ دُونَ ذَبْحٍ وَلَا بِذَبْحٍ دُونَ نَحْرٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا» وَرُوِّينَا عَنْهَا أَيْضًا ذَبَحْنَا فَرَسًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ذَكَاة غَيْر الْمُتَمَكَّنِ مِنْهُ] 1049 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَكَّنِ مِنْهُ فَذَكَاتُهُ أَنْ يُمَاتَ بِذَبْحٍ أَوْ بِنَحْرٍ حَيْثُ أَمْكَنَ مِنْهُ مِنْ خَاصِرَةٍ، أَوْ مِنْ عَجُزٍ، أَوْ فَخِذٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ بَطْنٍ، أَوْ رَأْسٍ، كَبَعِيرٍ، أَوْ شَاةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ دَجَاجَةٍ، أَوْ طَائِرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: سَقَطَ فِي غَوْرٍ فَلَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ حَلْقِهِ، وَلَا مِنْ لِبَتِهِ، فَإِنَّهُ يَطْعَنُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِمَا يُعَجِّلُ بِهِ مَوْتَهُ، ثُمَّ هُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اسْتَعْصَى مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ؛ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الصَّيْدِ، ثُمَّ يُؤْكَلُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُذَكَّى أَصْلًا إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ

زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ حِمَارًا وَحْشِيًّا اسْتَعْصَى عَلَى أَهْلِهِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ؟ فَقَالَ: تِلْكَ أَسْرَعُ الذَّكَاةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ، فَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ، فَكَانَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ؟ فَنَزَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْحَرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَجِزْ عَلَيْهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَجَازَ عَلَيْهِ مِنْ شَاكِلَتِهِ فَأُخْرِجَ قِطَعًا قِطَعًا فَأَخَذَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ سَمِعَ أَبَا رَاشِدٍ السَّلْمَانِيَّ قَالَ: كُنْت فِي مَنَائِحَ لِأَهْلِي بِظَهْرِ الْكُوفَةِ أَرْعَاهَا فَتَرَدَّى بَعِيرٌ مِنْهَا فَنَحَرْتُهُ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ، فَأَتَيْت عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ؟ فَقَالَ: اهْدِ لِي عَجُزَهُ -: الشَّاكِلَةَ: الْخَاصِرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَصَارَ أَسْفَلُهُ أَعْلَاهُ، قَالَ: فَسَأَلْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ: قَطِّعُوهُ أَعْضَاءً وَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا أَعْجَزَك مِنْ الْبَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَالِحٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ خَاصِرَتِهِ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ: كُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا حُرَيْثٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا خَشِيت أَنْ يَفُوتَك ذَكَاتُهَا فَاضْرِبْ حَيْثُ أَدْرَكْت مِنْهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْبَعِيرِ يَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: يُطْعَنُ حَيْثُ قَدَرُوا ذِكْرَ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَقْتَلًا فَسُئِلَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ذَكُّوهُ مِنْ أَدْنَى مَقْتَلِهِ؛ فَفَعَلُوا فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ مِنْهُ بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْت الضَّحَّاكِ يَقُولُ فِي بَقَرَةٍ شَرَدَتْ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَلَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا سَلَفًا إلَّا قَوْلًا عَنْ رَبِيعَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ قَائِلُهُمْ: إنْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فَأَبِيحُوا قَتْلَهَا بِالْكِلَابِ وَالْجَوَارِحِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالصَّيْدِ وَلَا فَرْقَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّعَمِ وَالْإِنْسِيَّاتِ فِي الذَّكَاةِ، فَهَلَّا قَالُوا: إنَّ النِّعَمَ وَالْإِنْسِيَّاتِ إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا فَمَنْزِلَتُهَا كَمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ؟ وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا مَا لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ. وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنِّي لِأَرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ كَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ هَهُنَا: إنِّي لِأَرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُضَيَّعَ وَيُفْسَدَ لِأَجْلِ أَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى لَبَّتِهِ، وَلَا عَلَى حَلْقِهِ؛ فَلَوْ عُكِسَ كَلَامُهُ لَأَصَابَ؛ بَلْ الْعَظِيمُ كُلُّ الْعَظِيمِ هُوَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ» فَيَقُولُ قَائِلٌ بِرَأْيِهِ: لَا يُرَاقُ، وَأَنْ يَنْهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَيُضَيَّعُ الْبَعِيرُ، وَالْبَقَرَةُ، وَالشَّاةُ، وَالدَّجَاجَةُ، وَنَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى تَذْكِيَتِهَا مِنْ أَجْلِ عَجْزِنَا عَنْ أَنْ تَكُونَ التَّذْكِيَةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؛ فَهَذَا هُوَ الْعَظِيمُ حَقًّا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَصَحَّ أَنَّ التَّذْكِيَةَ كَيْفَمَا قَدَرْنَا لَا نُكَلَّفُ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِنَا -:

مسألة تذكية ما قطع من البهيمة وهي حية فبان عنها

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا عَوَانَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ «رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ فَنَدَّ بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ «رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَدَّ عَلَيْنَا بَعِيرٌ فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ عَلِيٌّ: الْوَهْصُ الْكَسْرُ وَالْإِسْقَاطُ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْلُغُ الْبَعِيرُ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا وَهُوَ مَنْفَذُ الْمُقَاتِلِ، وَقَدْ أُذِنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي رَمْيِهِ بِالنَّبْلِ، وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا الْمَوْتُ بِإِصَابَتِهَا وَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَكَاتِهَا بِالرَّمْيِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَهُنَا خَبَرٌ لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِهِ لَطَغَوْا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ «أَبِي الْعَشْرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ قَالَ: لَوْ طُعِنَتْ فِي فَخْذِهَا لَأَجْزَأَكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو الْعَشْرَاءِ قِيلَ: اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَهْطَمٍ، وَقِيلَ: عُطَارِدُ بْنُ بَرْزٍ وَفِي الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَا كِفَايَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالصَّحَابَةِ، وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ، وَالْقِيَاسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَذْكِيَة مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَبَانَ عَنْهَا] 1050 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ - وَهِيَ حَيَّةٌ - أَوْ قَبْلَ تَمَامِ تَذْكِيَتِهَا فَبَانَ عَنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، فَإِنْ تَمَّتْ الذَّكَاةُ بَعْدَ قَطْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أُكِلَتْ الْبَهِيمَةُ وَلَمْ تُؤْكَلْ تِلْكَ الْقِطْعَةُ - وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهَا زَايَلَتْ الْبَهِيمَةَ وَهِيَ حَرَامٌ أَكْلُهَا فَلَا تَقَعُ عَلَيْهَا ذَكَاةٌ كَانَتْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا لَمَّا قُطِعَتْ مِنْهُ. 1051 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا قُطِعَ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ التَّذْكِيَةِ وَقَبْلَ مَوْتِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ مَا دَامَتْ الْبَهِيمَةُ حَيَّةً فَإِذَا مَاتَتْ حَلَّتْ هِيَ وَحَلَّتْ الْقِطْعَةُ أَيْضًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى أَكْلَ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ

مسألة التذكية جائزة بكل شيء إذا قطع قطعة السكين

الْجَنْبِ - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَوْتُ - فَإِذَا مَاتَتْ فَالذَّكَاةُ وَاقِعَةٌ عَلَى جَمِيعِهَا إذْ ذُكِّيَتْ، فَاَلَّذِي قُطِعَ مِنْهَا مُذَكًّى فَإِذَا حَلَّتْ هِيَ حَلَّتْ أَجْزَاؤُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَدَنِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ مَا يُذَكَّى، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ: أَقِرُّوا الْأَنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ. [مَسْأَلَةٌ التَّذْكِيَةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ شَيْءٍ إذَا قَطَعَ قِطْعَةَ السِّكِّينِ] 1052 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّذْكِيَةُ مِنْ الذَّبْحِ، وَالنَّحْرِ، وَالطَّعْنِ، وَالضَّرْبِ جَائِزَةٌ بِكُلِّ شَيْءٍ إذَا قَطَعَ قِطْعَةَ السِّكِّينِ أَوْ نَفَذَ نَفَاذَ الرُّمْحِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: الْعُودُ الْمُحَدَّدُ، وَالْحَجَرُ الْحَادُّ، وَالْقَصَبُ الْحَادُّ وَكُلُّ شَيْءٍ حَاشَا آلَةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَحَاشَا السِّنِّ، وَالظُّفْرِ، وَمَا عُمِلَ مِنْ سِنٍّ، أَوْ مِنْ ظُفْرٍ مَنْزُوعَيْنِ وَإِلَّا عَظْمُ خِنْزِيرٍ، أَوْ عَظْمُ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ، أَوْ عَظْمُ سَبُعٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ - أَوْ الطَّيْرِ حَاشَا الضِّبَاعَ - أَوْ عَظْمِ إنْسَانٍ فَلَا يَكُونُ حَلَالًا مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ حَرَامٌ. وَالتَّذْكِيَةُ جَائِزَةٌ بِعَظْمِ الْمَيِّتَةِ وَبِكُلِّ عَظْمٍ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِمُدَى الْحَبَشَةِ وَمَا ذَكَّاهُ الزِّنْجِيُّ، وَالْحَبَشِيُّ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ حَلَالٌ. فَلَوْ عُمِلَ مِنْ ضِرْسِ الْفِيلِ سَهْمٌ، أَوْ رُمْحٌ، أَوْ سِكِّينٌ: لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِهِ، لِأَنَّهُ سِنٌّ. فَلَوْ عُمِلَتْ مِنْ سَائِرِ عِظَامِهِ هَذِهِ الْآلَاتُ حَلَّ الذَّبْحُ، وَالنَّحْرُ، وَالرَّمْيُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: التَّذْكِيَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ حَلَالٌ حَاشَا السِّنَّ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْفَمِ، وَحَاشَا الظُّفْرَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْيَدِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ بِهِمَا لِأَنَّهُ خَنْقٌ لَا ذَبْحٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا ذُكِّيَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَحَلَالٌ أَكْلُهُ حَاشَا مَا ذُكِّيَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَظْفَارِ كُلِّهَا، وَالْعِظَامِ كُلِّهَا، مَنْزُوعِ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ غَيْرِ مَنْزُوعٍ، فَلَا يُؤْكَلُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.

وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً سَوَاءً إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ أَوْ رُمِيَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ - فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِيهِ سَلَفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا حُجَّةَ أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ؛ بَلْ هُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ عَلَى مَا نُورِدُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً، وَبَقِيَ قَوْلُنَا، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ -: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ «رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِنَا فِي التَّذْكِيَةِ بِإِسْنَادِهِ. فَأَمَّا نَحْنُ فَتَعَلَّقْنَا بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ نَتَعَدَّهُ وَلَمْ نُحَرِّمْ إلَّا مَا ذُبِحَ أَوْ رُمِيَ بِسِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ فَقَطْ، وَلَمْ نَجْعَلْ الْعَظِيمَةَ سَبَبًا لِلْمَنْعِ مِنْ الذَّكَاةِ إلَّا حَيْثُ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَبًا لِذَلِكَ، وَهُوَ السِّنُّ، وَالظُّفْرُ فَقَطْ. وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ التَّذْكِيَةِ بِعِظَامِ الْخِنْزِيرِ، وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، أَوْ سِبَاعِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، أَوْ الطَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْخِنْزِيرِ: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] «وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ» فَهِيَ كُلُّهَا رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، وَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهَا إلَّا حَيْثُ أَبَاحَهَا نَصٌّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مِلْكُهَا وَرُكُوبُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَبَيْعُهَا وَابْتِيَاعُهَا يَعْنِي الْحُمُرَ فَقَطْ. وَمَنَعْنَا مِنْ التَّذْكِيَةِ بِعِظَامِ سِبَاعِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالطَّيْرِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا جُمْلَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَلَمْ نُحِلَّ مِنْهَا إلَّا مَا أَحَلَّهُ النَّصُّ مِنْ تَمَلُّكِهَا لِلصَّيْدِ بِهَا وَابْتِيَاعِهَا لِذَلِكَ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ حَرَامٌ وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَأَمَّا عَظْمُ الْإِنْسَانِ فَلِأَنَّ مُوَارَاتَهُ فَرْضٌ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُؤْمِنًا. وَأَبَحْنَا التَّذْكِيَةَ بِعِظَامِ الْمَيِّتَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» وَحُرِّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعُهَا وَالدُّهْنُ بِشَحْمِهَا، فَلَا يَحْرُمُ مِنْ الْمَيِّتَةِ شَيْءٌ إلَّا ذَلِكَ وَلَا مَزِيدَ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا «بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ عَظْمٌ» فَجَعَلَ الْعَظْمِيَّةَ عِلَّةٌ

لِلْمَنْعِ مِنْ التَّذْكِيَةِ حَيْثُ كَانَ الْعَظْمُ أَوْ أَيُّ عَظْمٍ كَانَ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الْعَظْمُ وَالظُّفْرُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُمِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْبَيَانِ. فَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ تَحْرِيمَ الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ لَمَا تَرَكَ أَنْ يَقُولَهُ وَلَا اسْتَعْمَلَ التَّحْلِيقَ وَالْإِكْثَارَ بِلَا مَعْنَى فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ السِّنِّ، فَهَذَا هُوَ التَّلْبِيسُ وَالْإِشْكَالُ لَا الْبَيَانُ، وَنَحْنُ وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّذْكِيَةِ بِالسِّنِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ عَظْمًا، وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ كُلَّ عَظْمٍ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ زَادُوا فِي حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ السَّبَبَ فِي مَنْعِ التَّذْكِيَةِ بِالظُّفْرِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ مُدَى الْحَبَشَةِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَطْرُدُوا أَصْلَهُمْ فَيَمْنَعُوا التَّذْكِيَةَ بِمُدَى الْحَبَشَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا كَانُوا كَاذِبِينَ قَائِلِينَ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَرِهَ ذَبِيحَةَ الزِّنْجِيِّ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَجْعَلُ كَوْنَ مَا يُذَكَّى بِهِ مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ إلَّا فِي الظُّفْرِ وَحْدَهُ، حَيْثُ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَجْعَلُ الْعَظْمِيَّةَ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِ مَا ذُكِّيَ بِمَا هِيَ فِيهِ إلَّا فِي السِّنِّ وَحْدَهُ، حَيْثُ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: يُذْبَحُ بِكُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ أَرْبَعَةٍ السِّنِّ، وَالظُّفْرِ، وَالْعَظْمِ، وَالْقَرْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كُلُّ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ وَأَهْرَاقَ الدَّمَ، إلَّا الظُّفْرَ، وَالنَّابَ، وَالْعَظْمَ. وَرُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَيْضًا -:

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلٌّ إلَّا السِّنَّ، وَالظُّفْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا خَدِيجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: كَانَ يُكْرَهُ النَّابُ وَالظُّفْرُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ هَذِهِ السُّنَّةَ بِآرَائِهِمْ، وَلَيْسَ فِي الْعَجَبِ أَعْجَبُ مِنْ إخْرَاجِهِمْ الْعِلَلَ الْكَاذِبَةَ الْفَاسِدَةَ الْمُفْتَرَاةَ: مِنْ مِثْلِ تَعْلِيلِ الرِّبَا بِالِادِّخَارِ وَالْأَكْلِ، وَتَعْلِيلِ مِقْدَارِ الصَّدَاقِ بِأَنَّهُ عِوَضُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُضْوُ، وَسَائِرُ تِلْكَ الْعِلَلِ السَّخِيفَةِ الْبَارِدَةِ الْمَكْذُوبَةِ، ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى مَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِ مَا ذُكِّيَ بِهِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ عَظْمٌ وَإِنَّهُ مُدَى الْحَبَشَةِ وَلَا يُعَلِّلُونَ بِهِمَا بَلْ يَجْعَلُونَهُ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ وَيُخْرِجُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ عِلَّةً كَاذِبَةً سَخِيفَةً وَهِيَ الْخَنْقُ. وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ أَطَالَ ظُفْرَهُ جِدًّا وَشَحَذَهُ وَرَقَّقَهُ حَتَّى ذَبَحَ بِهِ عُصْفُورًا صَغِيرًا فَبُرِيَ كَمَا تُبْرَى السِّكِّينُ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، تَرَكُوا عِلَّتَهُمْ فِي الْخَنْقِ. وَإِنْ قَالُوا: يُؤْكَلُ، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي الظُّفْرِ الْمَنْزُوعِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» . قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ، لِأَنَّهُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ زَائِدًا عَلَيْهِ تَخْصِيصًا يَلْزَمُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ لِيَسْتَعْمِلَ الْخَبَرَيْنِ مَعًا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ أَرْنَبٍ ذَبَحْتُهَا بِظُفْرِي؟ فَقَالَ: لَا تَأْكُلْهَا فَإِنَّهَا الْمُنْخَنِقَةُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا قَتَلْتهَا خَنْقًا، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَخِلَافُ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَشْتَرِطْهُ مَنْزُوعًا مِنْ غَيْرِ مَنْزُوعٍ.

مسألة ما ثرد وخزق ولم ينفذ نفاذ السكين في التذكية والسهم

وَأَمَّا مَنْعُنَا مِنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ أَوْ رُمِيَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَبِالْبَاطِلِ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ بِيَقِينٍ فَبِالْبَاطِلِ يُؤْكَلُ، وَهَذَا حَرَامٌ بِالنَّصِّ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مُفْتَرَضٌ مَأْمُورٌ بِهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَأْخُوذَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي الذَّبْحِ، وَالنَّحْرِ، وَالرَّمْيِ: فِعْلٌ مُحَرَّمٌ مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى. هَذَانِ قَوْلَانِ مُتَيَقَّنَانِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ، وَالْكَذِبِ الظَّاهِرِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ وَأَنْ يَكُونَ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ بِهِ مُؤَدِّيًا لِمَا أُمِرَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا ثَرَدَ وَخَزَقَ وَلَمْ يَنْفُذْ نَفَاذَ السِّكِّينِ فِي التَّذْكِيَة وَالسَّهْمِ] 1053 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا ثَرَدَ وَخَزَقَ وَلَمْ يَنْفُذْ نَفَاذَ السِّكِّينِ، وَالسَّهْمِ: لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا قُتِلَ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا ذُبِحَ بِمِنْشَارٍ، أَوْ بِمِنْجَلٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» . فَالْمُثْرِدُ وَالذَّابِحُ بِشَيْءٍ مُضْرِسٍ لَمْ يَذْبَحْ كَمَا أُمِرَ وَلَا ذَكَّى كَمَا أُمِرَ، فَهِيَ مَيْتَةٌ وَالْعَجَبُ مِنْ مَنْعِهِمْ الْأَكْلَ هَهُنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يَذْبَحْ بَلْ بِآلَةِ نُهِيَ عَنْهَا، ثُمَّ يُجِيزُونَ أَكْلَ مَا نُحِرَ أَوْ ذُبِحَ بِآلَةٍ مَنْهِيٍّ عَنْهَا مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ التَّذْكِيَةُ بِآلَةٍ ذَهَبٍ أَوْ مُذَهَّبَةٍ] 1054 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ التَّذْكِيَةُ بِآلَةٍ ذَهَبٍ أَوْ مُذَهَّبَةٍ أَصْلًا لِلرِّجَالِ، فَإِنْ فَعَلَ الرَّجُلُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَإِنْ ذَكَّتْ بِهَا امْرَأَةٌ فَهُوَ حَلَالٌ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ، لِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذَّهَبَ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ وَإِبَاحَتِهِ إيَّاهُ لِإِنَاثِهَا. فَمَنْ ذَكَّى مِنْ الرِّجَالِ بِآلَةِ ذَهَبٍ أَوْ مُذَهَّبَةٍ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ آلَةً مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهَا فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ - وَالْمَرْأَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

مسألة التذكية بآلة فضة

[مَسْأَلَةٌ التَّذْكِيَةُ بِآلَةِ فِضَّةٍ] ٍ حَلَالٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ إلَّا عَنْ آنِيَتِهَا فَقَطْ، وَلَيْسَ السِّكِّينُ، وَالرُّمْحُ وَالسَّهْمُ، وَلَا السَّيْفُ -: آنِيَةٌ. [مَسْأَلَةٌ لَمْ يَجِدْ إلَّا سِنًّا أَوْ ظُفْرًا أَوْ عَظْمَ سَبُعٍ وَخَشِيَ مَوْتَ الْحَيَوَانِ] 1056 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سِنًّا، أَوْ ظُفْرًا، أَوْ عَظْمَ سَبُعٍ، أَوْ طَائِرٍ، أَوْ ذِي أَرْبَعٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ حِمَارٍ، أَوْ إنْسَانٍ، أَوْ ذَهَبٍ، وَخَشِيَ مَوْتَ الْحَيَوَانِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا ذُكِّيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَكَاةٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَصْلًا، فَهُوَ عَادِمُ مَا يُذْكِي بِهِ، وَلَيْسَ مُضَيِّعًا لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَا يَجُوزُ أَنْ يُذَكِّيَهُ بِهِ، فَذَلِكَ الْحَيَوَانُ غَيْرُ مُذَكًّى أَصْلًا. [مَسْأَلَةٌ لَمْ يَجِدْ إلَّا آلَةً مَغْصُوبَةً وَخَشِيَ الْمَوْتَ عَلَى حَيَوَانِهِ] 1057 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا آلَةً مَغْصُوبَةً، أَوْ مَأْخُوذَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَخَشِيَ الْمَوْتَ عَلَى حَيَوَانِهِ ذَكَّاهُ بِهَا وَحَلَّ لَهُ أَكْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَحَرَامٌ عَلَى صَاحِبِ الْآلَةِ مَنْعُهُ مِنْهَا إذَا خَشِيَ ضَيَاعَ مَالِهِ بِمَوْتِهِ جِيفَةً، فَإِذْ هُوَ حَرَامٌ عَلَى صَاحِبِهَا مَنْعُهُ مِنْهَا، فَفُرِضَ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ أَخْذُهَا وَالتَّذْكِيَةُ بِهَا فَهُوَ مُطِيعٌ بِذَلِكَ أَحَبَّ صَاحِبُ الْآلَةِ أَوْ كَرِهَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَذْكِيَةُ الْحَائِضِ وَالزِّنْجِيِّ وَالْأَقْلَفِ وَالْأَخْرَسِ] 1058 - مَسْأَلَةٌ: وَتَذْكِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ، وَالزِّنْجِيِّ، وَالْأَقْلَفِ، وَالْأَخْرَسِ، وَالْفَاسِقِ، وَالْجُنُبِ، وَالْآبِقِ، وَمَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ عَمْدًا، أَوْ غَيْرِ عَمْدٍ: جَائِزٌ أَكْلُهَا إذَا ذَكَّوْا وَسَمَّوْا عَلَى حَسْبِ طَاقَتِهِمْ، بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ، وَيُسَمَّى الْأَعْجَمِيُّ بِلُغَتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَخَاطَبَ كُلَّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَلَمْ يُكَلَّفُوا مِنْ التَّسْمِيَةِ إلَّا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْعَ طَاوُسٍ مِنْ أَكْلِ ذَبِيحَةِ الزِّنْجِيِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سَعِيدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حَيَّانَ عَنْ جَابِرٍ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَقْلَفُ لَا تُؤْكَلُ لَهُ ذَبِيحَةٌ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ صَلَاةٌ، وَلَا تَجُوزُ لَهُ شَهَادَةٌ - وَأَجَازَ ذَبِيحَتَهُ الْحَسَنُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ

مسألة ما ذبحه أو نحره يهودي أو نصراني أو مجوسي

ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَهَا - يَعْنِي ذَبِيحَةَ الْآبِقِ - وَأَجَازَهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ ذَبِيحَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُ هَذَا، وَصَحَّتْ إبَاحَةُ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إبَاحَةَ أَكْلِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يُعْرَفُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا لِابْنِ عُمَرَ فِي ذَبِيحَةِ الْآبِقِ - وَمَا ذُبِحَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ خَالَفُوهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ؟ لَا يَقُولُ فِيهِمَا شَيْئًا. وَعَنْ عِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ يَذْبَحُ الْجُنُبُ إذَا تَوَضَّأَ. وَعَنْ الْحَسَنِ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَيَذْبَحُ - وَأَجَازَهَا إبْرَاهِيمُ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَكَمُ بِغَيْرِ شَرْطٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مِنْ شُرُوطِ التَّذْكِيَةِ لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذُكِرَ قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1059 - [مَسْأَلَةٌ مَا ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ] مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ذَبَحَهُ، أَوْ نَحَرَهُ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ - نِسَاؤُهُمْ، أَوْ رِجَالُهُمْ -: فَهُوَ حَلَالٌ لَنَا، وَشُحُومُهَا حَلَالٌ لَنَا إذَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَلَوْ نَحَرَ الْيَهُودِيُّ بَعِيرًا أَوْ أَرْنَبًا حَلَّ أَكْلُهُ، وَلَا نُبَالِي مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَا لَمْ يُحَرَّمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ أَكْلُ شُحُومِ مَا ذَبَحَهُ الْيَهُودِيُّ، وَلَا مَا ذَبَحُوهُ مِمَّا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ - وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]] . وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا ذَكَّوْهُ، لَا مَا أَكَلُوهُ، لِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْخِنْزِيرَ، وَالْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، وَلَا يَحِلُّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ وَمِنَّا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَشْتَرِطْ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَكَلُوهُ مِمَّا لَمْ يَأْكُلُوهُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَأَمَّا الْقُرْآنُ، وَالْإِجْمَاعُ: فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ نَسَخَ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَا جَاءَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ أَوْ الْإِنْجِيلُ، وَلَمْ يَتَّبِعْ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ كَافِرٌ مُشْرِكٌ، غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ شَرِيعَةٍ كَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَسَائِرِ الْمِلَلِ، وَافْتَرَضَ عَلَى الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ: شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، فَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حُرِّمَ فِيهِ، وَلَا حَلَالَ إلَّا مَا حُلِّلَ فِيهِ، وَلَا فَرْضَ إلَّا مَا فُرِضَ فِيهِ - وَمَنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ خِلَافَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ حَدِيثِ جِرَابِ الشَّحْمِ الْمَأْخُوذِ فِي خَيْبَرَ فَلَمْ يَمْنَعْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَكْلِهِ، بَلْ أَبْقَاهُ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ سَمِعْتُ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَأَخَذْتُهُ وَالْتَزَمْتُهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَكَ» . وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةً مَسْمُومَةً فَأَكَلَ مِنْهَا» وَلَمْ يُحَرِّمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهَا لَا شَحْمَ بَطْنِهَا وَلَا غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ شَحْمِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ، وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ هَهُنَا حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] وَمِنْ طَعَامِنَا الشَّحْمُ، وَالْجَمَلُ، وَسَائِرُ مَا يُحَرِّمُونَهُ أَوْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى، ثُمَّ نَسَخَهُ وَأَبْطَلَهُ وَأَحَلَّهُ عَلَى لِسَانِ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ عِيسَى

{وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ثُمَّ يُصِرُّونَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا يُحَرِّمُونَهُ مِمَّا هُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حَلَالٌ لَهُمْ وَيَسْأَلُونَ عَنْ الشَّحْمِ وَالْجَمَلِ أَحَلَالٌ هُمَا الْيَوْمَ لِلْيَهُودِ أَمْ هُمَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ إلَى الْيَوْمِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ إلَى الْيَوْمِ كَفَرُوا، بِلَا مِرْيَةٍ؛ إذْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْسَخْهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُمَا حَلَالٌ صُدِّقُوا وَلَزِمَهُمْ تَرْكُ قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي ذَلِكَ. وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ يَهُودِيٍّ مُسْتَخْفٍ بِدِينِهِ يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَذَبَحَ شَاةً. أَيَحِلُّ لَنَا أَكْلُ شَحْمِهَا لِاسْتِحْلَالِ ذَابِحِهَا لَهُ أَمْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا تَحْقِيقًا فِي اتِّبَاعِ دِينِ الْيَهُودِ دِينِ الْكُفْرِ وَدِينِ الضَّلَالِ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكِلَاهُمَا خُطَّةُ خَسْفٍ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ وَلَا أَكْلَ حِيتَانٍ صَادَهَا يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ، وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَابْنِ عُمَرَ: إبَاحَةَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ دُونَ اشْتِرَاطٍ لِمَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِمَّا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ. وَكَذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَطَاوُسٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، لَمْ نَجِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ إلَّا عَنْ قَتَادَةَ - ثُمَّ عَنْ مَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ.

مسألة أكل ما ذكاه غير اليهودي والنصراني والمجوسي

وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَخَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَأَمَّا الْمَجُوسُ: فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَحُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجَدَلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَجُوسٍ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَا تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحُ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ» فَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَرِيضٍ أَمَرَ مَجُوسِيًّا أَنْ يَذْبَحَ وَيُسَمِّيَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُفْسِحْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ، وَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَجُوسِ وَمَا كَانَ لِيُخَالِفَ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام: 156] . قُلْنَا: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا بِنَصِّ الْآيَةِ نَهْيًا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لَا تَصْحِيحًا لَهُ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164] . [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ مَا ذَكَّاهُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ] 1060 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَكَّاهُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ، وَالْمَجُوسِيِّ، وَلَا مَا ذَكَّاهُ مُرْتَدٌّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ، وَلَا مَا ذَكَّاهُ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دِينٍ كِتَابِيٍّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ، وَلَا مَا ذَكَّاهُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينٍ كِتَابِيٍّ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا إلَّا مَا ذَكَّيْنَاهُ أَوْ ذَكَّاهُ الْكِتَابِيُّ كَمَا قَدَّمْنَا.

مسأ لة ذبح وهو سكران أو في جنونه

وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا لَيْسَ كِتَابِيًّا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ إذْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، أَوْ الْقَتْلُ فَدُخُولُهُ فِي دِينٍ كِتَابِيٍّ غَيْرِ مَقْبُولٍ مِنْهُ وَلَا هُوَ مِنْ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ، وَالْمُرْتَدُّ مِنَّا إلَيْهِمْ كَذَلِكَ، وَالْخَارِجُ مِنْ دِينٍ كِتَابِيٍّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَذَمَّمَ وَحَرُمَ قَتْلُهُ بِالدِّينِ الَّذِي كَانَ آبَاؤُهُ عَلَيْهِ، فَخُرُوجُهُ إلَى غَيْرِهِ نَقْضٌ لِلذِّمَّةِ لَا يَقَرُّ عَلَى ذَلِكَ - وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مسأ لَةٌ ذَبَحَ وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ فِي جُنُونِهِ] 1061 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَبَحَ وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ فِي جُنُونِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ فِي حَالِ ذَهَابِ عُقُولِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَإِنْ ذَكَّيَا بَعْدَ الصَّحْوِ وَالْإِفَاقَةِ حَلَّ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ذَبِيحَة الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ] 1062 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الصَّبِيَّ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ حَتَّى يَبْلُغَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ؟ لَا يَقُولُ فِيهِمَا شَيْئًا. وَبِالْمَنْعِ مِنْهُمَا يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَأَبَاحَهَا: النَّخَعِيُّ: وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ وَافَقُونَا أَنَّ إنْكَاحَهُ لِوَلِيَّتِهِ، وَنِكَاحَهُ، وَبَيْعَهُ، وَابْتِيَاعَهُ، وَتَوْكِيلَهُ: لَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ صَلَاةٌ، وَلَا صَوْمٌ، وَلَا حَجٌّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِذَلِكَ وَلَا يُجْزِي حَجُّهُ عَنْ غَيْرِهِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَازُوا ذَبِيحَتَهُ؟ [مَسْأَلَةٌ حَيَوَانٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ] 1063 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ حَيَوَانٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ، فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ مِثْلَ حِصَّتِهِ مُشَاعًا فِي حَيَوَانٍ مِثْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا فَقِيمَتُهُ، إلَّا أَنْ يَرَى بِهِ مَوْتًا أَوْ تَعْظُمُ مُؤْنَتُهُ فَيَضِيعُ، فَلَهُ تَذْكِيَتُهُ حِينَئِذٍ، وَهُوَ حَلَالٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى أَكْلَ أَمْوَالِنَا بِالْبَاطِلِ. وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَبْحِهِ

مسألة أمر أهله بتذكية ما شاءوا من حيوانه أو ما احتاجوا إليه

مَتَاعَ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَلَاحًا جَازَ كَمَا قُلْنَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. [مَسْأَلَةٌ أَمَرَ أَهْلَهُ بِتَذْكِيَةِ مَا شَاءُوا مِنْ حَيَوَانِهِ أَوْ مَا احْتَاجُوا إلَيْهِ] 1064 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَمَرَ أَهْلَهُ، أَوْ وَكِيلَهُ، أَوْ خَادِمَهُ بِتَذْكِيَةِ مَا شَاءُوا مِنْ حَيَوَانِهِ، أَوْ مَا احْتَاجُوا إلَيْهِ فِي حَضْرَتِهِ، أَوْ مَغِيبِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَهِيَ ذَكَاةٌ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ بِإِذْنِهِ كَانَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُذَكِّي حِينَئِذٍ - وَلَهُ ذَلِكَ فِي مَالِ نَفْسِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَسْرُ قَفَا الذَّبِيحَةِ حَتَّى تَمُوتَ] 1065 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ كَسْرُ قَفَا الذَّبِيحَةِ حَتَّى تَمُوتَ فَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَقَدْ عَصَى وَلَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِحْ ذَبِيحَتَهُ، إذْ كَسَرَ عُنُقَهَا، وَلَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا، لِأَنَّهُ إذَا تَمَّتْ ذَكَاتُهَا فَقَدْ حَلَّ أَكْلُهَا بِذَلِكَ إذَا مَاتَتْ. [مَسْأَلَةٌ مَا غَابَ عَنَّا مِمَّا ذَكَّاهُ مُسْلِمٌ فَاسِقٌ أَوْ جَاهِلٌ أَوْ كِتَابِيٌّ] 1066 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا غَابَ عَنَّا مِمَّا ذَكَّاهُ مُسْلِمٌ فَاسِقٌ، أَوْ جَاهِلٌ، أَوْ كِتَابِيٌّ فَحَلَالٌ أَكْلُهُ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ - نا أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: سَمُّوا اللَّهَ أَنْتُمْ وَكُلُوا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ» . فَإِنْ قَالُوا: وَقَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «اجْتَهِدُوا إيمَانَهُمْ وَكُلُوا» . قُلْنَا: نَعَمْ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا مُرْسَلٌ، وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا تَرَدَّى إذَا أُدْرِكَ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَاةِ فَذُبِحَ] 1067 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا تَرَدَّى أَوْ أَصَابَهُ سَبُعٌ أَوْ نَطَحَهُ نَاطِحٌ، أَوْ انْخَنَقَ فَانْتَثَرَ دِمَاغُهُ، أَوْ انْقَرَضَ مُصْرَانُهُ، أَوْ انْقَطَعَ نُخَاعُهُ، أَوْ انْتَشَرَتْ حَشْوَتُهُ فَأُدْرِكَ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَاةِ فَذُبِحَ أَوْ نُحِرَ -: حَلَّ أَكْلُهُ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ تَعَالَى مَا مَاتَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. بُرْهَانُهُ -: قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ، وَلَا نُبَالِي مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ قَبْلُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بَلْ أَبَاحَ مَا ذَكَّيْنَا قَبْلَ الْمَوْتِ، فَلَوْ قَطَعَ السَّبُعُ حَلْقَهَا نُحِرَتْ وَحَلَّ أَكْلُهَا، وَلَوْ بَقِيَ فِي الْحَلْقِ مَوْضِعٌ يُذْبَحُ فِيهِ ذُبِحَتْ وَحَلَّ أَكْلُهَا.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ وَجَدَ شَاةً لَهُمْ تَمُوتُ فَذَبَحَهَا فَتَحَرَّكَتْ فَسَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ؟ فَقَالَ: إنَّ الْمَيْتَةَ لَا تَتَحَرَّكُ؛ فَسَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: كُلْهَا إذَا طَرَفَتْ عَيْنُهَا، أَوْ تَحَرَّكَتْ قَائِمَةً مِنْ قَوَائِمهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ ذَكِيٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَسَدِيِّ قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَفَرَى بَطْنَهَا فَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْأَرْضِ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: اُنْظُرْ مَا سَقَطَ مِنْهَا إلَى الْأَرْضِ فَلَا تَأْكُلْهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُذَكِّيَهَا فَيَأْكُلَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْخُرَيْبِيُّ عَنْ أَبِي شِهَابٍ هُوَ مُوسَى بْنُ رَافِعٍ - عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: رَأَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي دَارِنَا نَعَامَةً تَرْكُضُ بِرِجْلِهَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قُلْنَا: وَقِيذٌ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ: ذَكُّوهَا، فَإِنَّ الْوَقِيذَ مَا مَاتَ فِي وَقْذِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى -: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] قَالَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ فِي خِنَاقِهَا. {وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3] الَّتِي تُوقَذُ فَتَمُوتُ. {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] الَّتِي تَتَرَدَّى فَتَمُوتُ. {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَإِذَا وَجَدْتهَا تَطْرِفُ عَيْنَهَا، أَوْ تُحَرِّكُ أُذُنَهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ: مُنْخَنِقَةً، أَوْ مَوْقُوذَةً، أَوْ مُتَرَدِّيَةً، أَوْ مَا أَكَلَ السَّبُعُ، أَوْ نَطِيحَةً فَهِيَ لَك حَلَالٌ إذَا ذَكَّيْتَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَسَدِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ شَاةٍ بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا فَوَضَعَ قَصَبَهَا إلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ ذُبِحَتْ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَقَطَ، مِنْ قَصَبِهَا إلَى الْأَرْضِ فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ، وَكُلْ مَا بَقِيَ - وَلَا يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ

عَنْ مَالِكٍ - وَبِهِ يَأْخُذُ إسْمَاعِيلُ، وَمَا نَعْلَمُ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ حُجَّةً أَصْلًا وَلَا مُتَعَلِّقًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا وَجَدَ الْمَوْقُوذَةَ، وَالْمُتَرَدِّيَةَ، وَالنَّطِيحَةَ، وَمَا أَصَابَ السَّبُعُ: فَوَجَدْتَ تَحْرِيكَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَذَكِّهَا وَكُلْ. قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - أَنَّ ابْنَ أَخِي مَسْرُوقٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَيْدِ الْمَنَاجِلِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ يَبِينُ مِنْهُ الشَّيْءُ وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا مَا أَبَانَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَلَا تَأْكُلْ - وَكُلْ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُنْظَرُ مِنْ أَيِّ الْأَمْرَيْنِ مَاتَ قَبْلُ - فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَنَسْأَلُهُ عَمَّنْ ذَبَحَ، أَوْ نَحَرَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ رَمَى رَامٍ حَجَرًا، وَشَدَخَ رَأْسَ الذَّبِيحَةِ، أَوْ النَّحِيرَةِ، بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَمَاتَتْ لِلْوَقْتِ؟ أَتُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ، فَصَحَّ أَنَّ الْمُرَاعَى إنَّمَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِمَّا ذُكِّيَ، ثُمَّ لَا نُبَالِي مِمَّا مَاتَ أَمِنْ الذَّكَاةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا؟ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ لَنَا ذَلِكَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُلْزِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى حُكْمًا، وَلَا يُعَيِّنَهُ عَلَيْنَا.

كتاب الصيد

[كِتَابُ الصَّيْدِ] [مَسْأَلَةٌ مَا شَرَدَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ] ِ 1068 - مَسْأَلَةٌ: مَا شَرَدَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ كُلِّهِ - وَحْشِيِّهِ وَأَنِيسِهِ - لَا تُحَاشِ شَيْئًا، لَا طَائِرًا وَلَا ذَا أَرْبَعٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَنْ يُرْمَى بِمَا يَعْمَلُ عَمَلَ الرُّمْحِ، أَوْ عَمَلَ السَّهْمِ، أَوْ عَمَلَ السَّيْفِ، أَوْ عَمَلَ السِّكِّينِ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا تَحِلُّ التَّذْكِيَةُ بِهِ، فَإِنْ أُصِيبَ بِذَلِكَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ فَأَكْلُهُ حَلَالٌ، فَإِنْ أُدْرِكَ حَيًّا إلَّا أَنَّهُ فِي سَبِيلِ الْمَوْتِ السَّرِيعِ فَإِنْ ذُبِحَ، أَوْ نُحِرَ فَحَسَنٌ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمُوتُ سَرِيعًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إلَّا بِذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ، أَوْ بِأَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهِ سَبُعٌ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، أَوْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، لَا ذَكَاةَ لَهُ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: إذَا رَمَيْت بِالْحَجَرِ أَوْ الْبُنْدُقَةِ ثُمَّ ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ.

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كُلُّ وَحْشِيَّةٍ قَتَلْتَهَا بِحَجَرٍ، أَوْ بِخَشَبَةٍ، أَوْ بِبُنْدُقَةٍ فَكُلْهَا وَإِذَا رَمَيْتَ فَنَسِيتَ أَنْ تُسَمِّيَ فَكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: كُلُّ وَحْشِيَّةٍ قَتَلْتَهَا بِحَجَرٍ، أَوْ بِبُنْدُقَةٍ، أَوْ بِمِعْرَاضٍ فَكُلْ، وَإِنْ أَبَيْتَ أَنْ تَأْكُلَ فَأْتِنِي بِهِ - وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَرُوِّينَا خِلَافَ هَذَا عَنْ عُمَرَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَا يَحْذِفَنَّ أَحَدُكُمْ الْأَرْنَبَ بِعَصَاهُ أَوْ بِحَجَرٍ، ثُمَّ يَأْكُلُهَا وَلْيُذَكِّ لَكُمْ الْأَسَلُّ: النَّبْلُ، وَالرِّمَاحُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ عَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ، وَسَعِيدٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] . وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ يَقُولُ: أَنَا أَبُو إدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ سَمِعْتُ «أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكُلْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ، لِأَنَّ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فَرَضَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا فَيُسْتَثْنَى مِنْهُمَا مَا اسْتَثْنَى فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ تَرْكُ نَصٍّ لِنَصٍّ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَيْنِ مِنْ الصَّيْدِ لَيْسَا عَلَى عُمُومِهِمَا، لِأَنَّهُ قَدْ تَنَالُ فِيهِ الْيَدُ الْمَيْتَةَ، وَقَدْ تُصَابُ بِالْقَوْسِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً بِلَا خِلَافٍ. وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِخَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى

مسألة أكل ما لم يسم الله تعالى عليه مما قتل من الصيد

مَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ امْتَنَعُوا مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ أُدْرِكَ حَيًّا إلَّا أَنَّهُ فِي سَبِيلِ الْمَوْتِ السَّرِيعِ فَلَا بَأْسَ بِنَحْرِهِ وَذَبْحِهِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِ، فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِأَكْلِ مَا خُزِقَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَبْحِهِ، أَوْ نَحْرِهِ وَلَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ حَلَالٌ مُذَكًّى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ مَوْتَ الْمُذَكَّى فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ، لِأَنَّ حُكْمَ الذَّكَاةِ إرَاحَةُ الْمُذَكَّى، وَتَعْجِيلُ الْمَوْتِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ إرْسَالِ الْجَارِحِ. [مَسْأَلَةٌ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا قُتِلَ مِنْ الصَّيْدِ] 1069 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّذْكِيَةُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ مَا قُتِلَ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ كَغَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالصَّبِيِّ، وَمَنْ تَصَيَّدَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ أُكِلَ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ كَالْكِتَابِيِّ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا قُتِلَ مِنْ الصَّيْدِ بِعَمْدٍ، أَوْ بِنِسْيَانٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ ذَكَاةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ -: فِي كَلَامِنَا فِي كِتَابِ التَّذْكِيَةِ آنِفًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَرِهَ بَعْضُ النَّاسِ أَكْلَ مَا قَتَلَهُ الْكِتَابِيُّونَ مِنْ الصَّيْدِ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الصَّيْدَ ذَكَاةٌ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مَا ذَكَّوْا وَلَمْ يَخُصَّ ذَبِيحَةً مِنْ نَحِيرَةٍ مِنْ صَيْدٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ هَذَا، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَهُ، فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ مَحْضٌ. فَإِنْ مَوَّهُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] . قُلْنَا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَحَرَّمُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ أَكْلَ مَا ذَبَحُوا إذًا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ وقَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَالْأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ. وَقَوْلُنَا هَهُنَا - هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ،

مسألة وقت تسمية الذابح

وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ - هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا أَصْلًا؛ وَلَا جَاءَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيْنَ صَيْدِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَيُرْسِلُ الْمَجُوسِيُّ بَازِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَك فَقَتَلَ فَكُلْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَغَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْمَسِيحَ، فَسَوَاءٌ أَعْلَنَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ لَمْ يُعْلِنْ - وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّنَا إنَّمَا نَتْبَعُ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا نَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِآرَائِنَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَحَسْبُنَا إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ أَتَى بِالصِّفَةِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا بِهَا أَكْلَ مَا ذَكَّى وَلَا نُبَالِي مَا عَنَى، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا بِمُرَاعَاةِ نِيَّتِهِ الْخَبِيثَةِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ ذَكَرَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ أَتَى بِالصِّفَةِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الْأَكْلَ مَعَ وُجُودِهَا، لِأَنَّهُ أَهَلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَلَا نُبَالِي بِنِيَّتِهِ الْخَبِيثَةِ، إذْ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ إلَّا كُلَّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً. [مَسْأَلَةٌ وَقْتُ تَسْمِيَةِ الذَّابِحِ] 1070 - مَسْأَلَةٌ: وَوَقْتُ تَسْمِيَةِ الذَّابِحِ اللَّهَ تَعَالَى فِي الذَّكَاةِ هِيَ مَعَ أَوَّلِ وَضْعِ مَا يَذْبَحُ بِهِ أَوْ يَنْحَرُ فِي الْجِلْدِ قَبْلَ الْقَطْعِ وَلَا بُدَّ. وَوَقْتُهَا فِي الصَّيْدِ مَعَ أَوَّلِ إرْسَالِ الرَّمْيَةِ أَوْ مَعَ أَوَّلِ الضَّرْبَةِ، أَوْ مَعَ أَوَّلِ إرْسَالِ الْجَارِحِ لَا تُجْزِي قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ هَذِهِ مَبَادِئُ الذَّكَاةِ فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فَقَدْ مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَبَيْنَ الشُّرُوعِ فِي التَّذْكِيَةِ مُهْلَةٌ فَلَمْ تَكُنْ الذَّكَاةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمُهْلَةِ وَبَيْنَ كَثِيرِهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَرْفَتَيْنِ وَثَلَاثٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْأَمْرُ إلَى الْعَامِّ وَأَكْثَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ [لِي] ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا

مسألة ما ضرب بحجر من الصيد فأدركت فيه بقية من الحياة

أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا وَفِيهِ وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ نا الشَّعْبِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَكَانَ لِي جَارًا وَدَخِيلًا وَرَبِيطًا بِالنَّهَرَيْنِ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي آخَرَ قَدْ أَخَذَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ؟ قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» فَلَمْ يَجْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِرْسَالَ، إلَّا مَعَ التَّسْمِيَةِ بِلَا مُهْلَةٍ، وَحَرَّمَ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِّينَا خِلَافَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَكَمِ الْبَلَوِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: إنِّي أَخْرُجُ إلَى الصَّيْدِ فَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَخْرُجُ فَرُبَّمَا مَرَّ بِي الصَّيْدُ حَثِيثًا فَأُعَجِّلُ فِي رَمْيِهِ قَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا خَرَجْتَ قَانِصًا لَا تُرِيدُ إلَّا ذَلِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تَخْرُجُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيك - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ - ثُمَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَلَوِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. - [مَسْأَلَةٌ مَا ضُرِبَ بِحَجَرٍ مِنْ الصَّيْد فَأُدْرِكَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الْحَيَاةِ] 1071 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ضُرِبَ بِحَجَرٍ، أَوْ عُودٍ، أَوْ فَرَى مَقَاتِلَهُ سَبُعٌ بَرِّيٌّ أَوْ طَائِرٌ كَذَلِكَ، أَوْ وَثَنِيٌّ، أَوْ مَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى فَأُدْرِكَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الْحَيَاةِ ذُكِّيَ بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ، وَحَلَّ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا قَالَ فِيهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا " فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَحْرُمُ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ وَضَعَ اثْنَانِ أَيْدِيَهُمَا عَلَى شَفْرَةٍ فَذَكَّيَا بِهَا حَيَوَانًا] 1072 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ وَضَعَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا أَيْدِيَهُمْ عَلَى شَفْرَةٍ، أَوْ رُمْحٍ فَذَكَّوْا بِهِ حَيَوَانًا بِأَمْرِ مَالِكِهِ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى أَحَدُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ. وَكَذَلِكَ، لَوْ رَمَى جَمَاعَةٌ سِهَامًا وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى أَحَدُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ فَأَصَابُوا صَيْدًا فَأَكْلُهُ حَلَالٌ وَهُوَ بَيْنَهُمْ إذَا أَصَابَتْ سِهَامُهُمْ مَقْتَلَهُ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى جَمِيعُهُمْ وَإِذَا لَمْ يُصِبْ أَحَدُهُمْ مَقْتَلَهُ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَهُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَدٌ مِمَّنْ أَصَابَ مَقْتَلَهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ كُلُّهُ الَّذِي سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى - بِخِلَافِ الْقَوْلِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْمُتَمَلَّكِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحَّتْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَالٌ، فَأَمَّا الصَّيْدُ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ أَوْ بِأَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ

مسألة رمى صيدا فأصابه وغاب عنه ثم وجده ميتا

قَبْلَ مَوْتِهِ فَهَذَا لَمْ يُذَكِّهِ، لَكِنْ جَرَحَهُ فَلَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ الَّذِي ذَكَّاهُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَأَمَّا الْمُتَمَلَّكُ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى فَهُوَ مُذَكًّى بِتَسْمِيَةِ مَنْ سَمَّى، وَالْمِلْكُ بَاقٍ لِمَنْ سَلَفَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ كَمَا كَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا] 1073 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، فَإِنْ مَيَّزَ سَهْمَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي مَاءٍ، فَإِنْ مَيَّزَ أَيْضًا سَهْمَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلَا -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَقَعَتْ رَمْيَتُكَ فِي مَاءٍ فَغَرِقَ فَمَاتَ فَلَا تَأْكُلْ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إذَا عَرَفْتَ سَهْمَكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرًا لِغَيْرِهِ فَكُلْ» . 1074 - مَسْأَلَةٌ: وَسَوَاءٌ أَنْتَنَ أَمْ لَمْ يُنْتِنْ، وَلَا يَصِحُّ الْأَثَرُ الَّذِي فِيهِ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، وَلَا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي؟ قَالَ: كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ - وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ - مَا لَمْ يَضِلَّ أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِكَ» لِأَنَّهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُسْنَدًا، وَلَا الْأَثَرُ الَّذِي فِيهِ «كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَلَا تَأْكُلْ مَا أَنْمَيْتَ» . وَتَفْسِيرُ الْإِصْمَاءِ أَنْ تُقْعِصَهُ وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِسَهْمِهِ حَتَّى يَغِيبَ عَنْهُ فَيَجِدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَيِّتًا بِيَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ - وَهَكَذَا رُوِّينَا تَفْسِيرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لِأَنَّ رَاوِيَ الْمُسْنَدِ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ - وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ - وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ. وَلَا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَمَيْتُ صَيْدًا فَتَغَيَّبَ عَنِّي لَيْلَةً فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ هَوَامَّ اللَّيْلِ كَثِيرَةٌ» لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ.

وَلَا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُعِنْ عَلَى قَتْلِهِ دَوَابُّ الْمُعَارِ لَأَمَرْتُكَ بِأَكْلِهِ» لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَفِيهِ الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلَا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي الصَّيْدِ، إذَا غَابَ مَصْرَعُهُ عَنْك كَرِهَهُ» لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ رَمَى الصَّيْدَ فَوَجَدَ فِيهِ سَهْمَهُ مِنْ الْغَدِ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ لَأَمَرْتُك بِأَكْلِهِ، وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ قَتَلَهُ تَرَدِّيهِ أَوْ غَيْرُهُ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ طَائِرًا وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَخَرَّ فَمَاتَ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ تَرَدِّيهِ أَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ الْمَاءُ. وَمِثْلُهُ عَنْ طَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ قَالَ: إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ تُذَكِّيَهُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِ طَيْرٍ رُمِيَ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِي صَيْدٍ رُمِيَ فَلَمْ يَزَلْ يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ قَالَ: كُلْهُ فَإِنْ تَوَارَى عَنْك بِالْهِضَابِ أَوْ الْجِبَالِ فَلَا تَأْكُلْهُ إذَا غَابَ عَنْك مَصْرَعُهُ فَإِنْ تَرَدَّى أَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ وَأَنْتَ تَرَاهُ فَلَا تَأْكُلْهُ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا تَوَارَى عَنْك الصَّيْدُ وَالْكَلْبُ وَهُوَ فِي طَلَبِهِ فَوَجَدْتَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ جَازَ أَكْلُهُ، فَلَوْ تَرَكَ الرَّجُلُ الْكَلْبَ وَاشْتَغَلَ بِصَلَاةٍ أَوْ عَمَلٍ مَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْكَلْبِ فَوَجَدَ الصَّيْدَ مَقْتُولًا وَالْكَلْبُ عِنْدَهُ كُرِهَ أَكْلُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ فَأَدْرَكَهُ مِنْ يَوْمِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَفِيهِ جِرَاحَةٌ أَكَلَهُ، فَإِنْ بَاتَ عَنْهُ لَمْ يَأْكُلْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقِيَاسُ إذَا غَابَ عَنْهُ أَنْ يَأْكُلَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقْوَالٌ سَاقِطَةٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْمُفْتَرَضُ طَاعَتُهُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[إذْ] يَقُولُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيُّ - عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ «عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدُنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ أَيَأْكُلُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ، إنْ شَاءَ، أَوْ قَالَ: يَأْكُلُ إنْ شَاءَ» .

مسألة رمى صيدا فأصابه فمنعه من الجري

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقُلْتُ: يَرْمِي أَحَدُنَا الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَيَجِدُهُ وَفِيهِ سَهْمُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: إذَا وَجَدَ سَهْمَهُ قَدْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فَمَنَعَهُ مِنْ الْجَرْيِ] 1075 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ الْأَمْرُ مِنْ الْجَرْيِ أَوْ الطَّيَرَانِ وَلَمْ يُصِبْ لَهُ مَقْتَلًا أَوْ أَصَابَ فَهُوَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَمَلَكَهُ بِذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ مِنْهُ عُضْوًا فَمَاتَ] 1076 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ مِنْهُ عُضْوًا، أَيَّ عُضْوٍ كَانَ فَمَاتَ مِنْهُ بِيَقِينٍ مَوْتًا سَرِيعًا كَمَوْتِ سَائِرِ الذَّكَاةِ، أَوْ بَطِيئًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ إلَّا وَقَدْ مَاتَ، أَوْ هُوَ فِي أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْحَاضِرِ: أَكَلَهُ كُلَّهُ، وَأَكَلَ أَيْضًا الْعُضْوَ الْبَائِنَ. فَلَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ مَوْتًا سَرِيعًا وَأَدْرَكَهُ حَيًّا وَكَانَ يَعِيشُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَيْشِ الْمُذَكَّى، ذَكَّاهُ وَأَكَلَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الْبَائِنَ، أَيَّ عُضْوٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْهُ كَمَوْتِ الذَّكَاةِ فَهُوَ ذَكِيٌّ كُلُّهُ. فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا فَهُوَ ذَكِيٌّ مَتَى مَاتَ مِمَّا أَصَابَهُ وَهُوَ مُذَكًّى كُلُّهُ، وَمَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «إذَا خُزِقَ فَكُلْ» فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ. وَإِذَا أُدْرِكَ حَيًّا فَذَكَاتُهُ فَرْضٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالْإِرَاحَةِ. وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَاجِلِ فَلَا مَعْنَى لِذَبْحِهِ حِينَئِذٍ وَلَا لِنَحْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إرَاحَةً بَلْ هُوَ تَعْذِيبٌ، وَهُوَ بَعْدُ مُذَكًّى، فَهُوَ حَلَالٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ: إذَا رَمَى الصَّيْدَ فَغَدَا حَيًّا وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ عُضْوٌ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ سَائِرُهُ حَاشَا ذَلِكَ الْعُضْوِ، فَإِنْ مَاتَ حِينَ ذَلِكَ أُكِلَ كُلُّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: إنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أَكَلَ النِّصْفَيْنِ مَعًا، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقَلَّ مِنْ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ الْقِطْعَةُ الَّتِي فِي الرَّأْسِ هِيَ

مسألة رمى جماعة صيد وسمى الله تعالى ونوى أيها أصاب

الصُّغْرَى أُكِلَ كِلْتَاهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي فِيهَا الرَّأْسُ هِيَ الْكُبْرَى أُكِلَتْ هِيَ وَلَمْ تُؤْكَلْ الْأُخْرَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يَمُوتُ بِهِ مَوْتَ الْمَنْحُورِ أَوْ الْمَذْبُوحِ أُكِلَا مَعًا، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يَعِيشُ بَعْدَهُ سَاعَةً فَأَكْثَرَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ أُكِلَ، حَاشَا مَا قُطِعَ مِنْهُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ حَدَّ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ مُتَعَلِّقًا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَمَى جَمَاعَةَ صَيْدٍ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَنَوَى أَيَّهَا أَصَابَ] 1077 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى جَمَاعَةَ صَيْدٍ، وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَنَوَى أَيَّهَا أَصَابَ، فَأَيُّهَا أَصَابَ حَلَالٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا «إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ» . وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ إلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ» فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَخُصَّ أَنْ يَقْصِدَ صَيْدًا مِنْ الْجُمْلَةِ بِعَيْنِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] 1078 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ لَمْ يَنْوِ إلَّا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَصَابَهُ فَهُوَ حَلَالٌ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ فَإِنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَهُوَ حَلَالٌ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَنْوِ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ ذَبْحَ حَيَوَانٍ مُتَمَلَّكٍ بِعَيْنِهِ فَذَبَحَ غَيْرَهُ مُخْطِئًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ قَاصِدًا إلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . [مَسْأَلَةٌ رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَتَلَهُ] 1079 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأً رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ وَجَعَلَهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، ثُمَّ رَمَاهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَتَلَهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُ إذْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ ذَكَاتُهُ إلَّا بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ، فَلَمْ يُذَكِّهِ كَمَا أُمِرَ، فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى، وَعَلَى قَاتِلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَهُ ضَمَانُ مِثْلِهِ لِلَّذِي أَثْخَنَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الِامْتِنَاعِ، فَقَاتِلُهُ مُعْتَدٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وَلَوْ جَرَحَهُ إلَّا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بَعْدُ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ

مسألة نصب فخا أو حبالة أو حفر زبية للصيد

الِامْتِنَاعِ، فَمَا دَامَ مُمْتَنِعًا فَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بَعْدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نَصَبَ فَخًّا أَوْ حِبَالَةً أَوْ حَفَرَ زُبْيَةً لِلصَّيْدِ] 1080 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَصَبَ فَخًّا، أَوْ حِبَالَةً، أَوْ حَفَرَ زُبْيَةً كُلُّ ذَلِكَ لِلصَّيْدِ، فَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ سِوَاهُ؛ فَإِنْ نَصَبَهَا لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَدَ صَيْدًا قَدْ صَادَهُ جَارِحٌ أَوْ فِيهِ رَمْيَةٌ قَدْ جَعَلْته غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَإِذَا نَوَى الصَّيْدَ فَقَدْ مَلَكَ كُلَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِمَّا قَصَدَ تَمَلُّكَهُ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الصَّيْدَ فَلَمْ يَتَمَلَّكْ مَا وَقَعَ فِيهَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لِكُلِّ مَنْ تَمَلَّكَهُ - وَكَذَلِكَ مَا عَشَّشَ فِي شَجَرَةٍ أَوْ جُدْرَانِ دَارِهِ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ لَهُ تَمَلُّكًا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ أَخْبَرَهُ عَنْ الْبَهْزِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ عَقِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ، ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا كَانَ بِالْأُثَايَةِ إذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ وَفِيهِ سَهْمٌ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَثْبُتُ عِنْدَهُ لَا يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ فَلَمْ يُذَكُّوهُ حَتَّى مَاتَ، فَهُوَ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْ بِتَذْكِيَةِ ذَلِكَ الظَّبْيِ وَتَرَكَهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَمَاهُ، وَهَذَا الْبَهْزِيُّ هُوَ كَانَ صَاحِبَ ذَلِكَ الْحِمَارِ الْعَقِيرِ. 1081 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ مَاتَ فِي الْحِبَالَةِ، أَوْ الزُّبْيَةِ، لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ جَعَلَ هُنَالِكَ حَدِيدَةً أَمْ لَمْ يَجْعَلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَذْكِيَتَهُ كَمَا أُمِرَ أَنْ يُذَكِّيَهُ بِهِ مِنْ رَمْيٍ أَوْ قَتْلِ جَارِحٍ، وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ حَرَامٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْلِيلِ إلَّا بِنَصٍّ وَلَا نَصَّ فِي هَذَا. وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَمَّنْ وَضَعَ مِنْجَلَهُ فَيَمُرُّ بِهِ طَائِرٌ فَيَقْتُلُهُ؟ فَكَرِهَ أَكْلَهُ - وَسَأَلْتُ عَنْهُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا

مسألة ملك حيوانا وحشيا حيا أو مذكى أو بعض صيد الماء

بِصَيْدِ الْمَنَاجِلِ، وَقَالَ: سَمِّ إذَا نَصَبْتهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَخِي مَسْرُوقٍ - سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَيْدِ الْمَنَاجِلِ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا مَا بَانَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَلَا تَأْكُلْ وَكُلْ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، قَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ هَذَا عَلَى غَيْرِهِمْ. [مَسْأَلَةٌ مَلَكَ حَيَوَانًا وَحْشِيًّا حَيًّا أَوْ مُذَكًّى أَوْ بَعْضَ صَيْدِ الْمَاءِ] 1082 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ حَيَوَانًا وَحْشِيًّا حَيًّا أَوْ مُذَكًّى أَوْ بَعْضَ صَيْدِ الْمَاءِ كَذَلِكَ فَهُوَ لَهُ كَسَائِرِ مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ أَفْلَتَ وَتَوَحَّشَ وَعَادَ إلَى الْبَرِّ أَوْ الْبَحْرِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ أَبَدًا، وَلَا يَحِلُّ لِسِوَاهُ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِ مَالِكِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَنَاسَلَ مِنْ الْإِنَاثِ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَهَذَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُخَالِفِينَ مَعَنَا فَلَا يَحِلُّ لِسِوَاهُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ سَائِرُ مَالِهِ. وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا تَوَحَّشَ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ - وَهَذَا قَوْلٌ بَيِّنُ الْفَسَادِ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالنَّظَرِ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُمْ إنْ أَفْلَتَ فَأُخِذَ مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ الْغَدِ فَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِ مَالِكِهِ فَلِيُبَيِّنُوا لَنَا الْحَدَّ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَيَسْأَلُونَ عَمَّنْ مَلَكَ وَحْشِيًّا فَتَنَاسَلَ عِنْدَهُ ثُمَّ شَرَدَ نَسْلُهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ - لَزِمَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ فِي الْعَالَمِ، لِأَنَّ جَمِيعَهَا فِي أَوَّلِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَمَلَّكَةٍ ثُمَّ مُلِّكَتْ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي حَمَامِ الْأَبْرَاجِ، وَالنَّحْلُ كُلُّ مَا مَيَّزَ فَهُوَ وَنَسْلُهُ لِمَالِكِهِ أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَقَوْلُ اللَّيْثِ: مَنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِمَضْيَعَةٍ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا لَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا - وَكَقَوْلِ اللَّيْثِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ نُظَرَائِهِ: مَا عَطِبَ فِي الْبَحْرِ مِنْ السُّفُنِ فَرَمَى الْبَحْرُ مَتَاعًا مِمَّا غَرِقَ فِيهَا فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ لَا لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ قَامَتْ لَهُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ ظَاهِرَةُ الْبُطْلَانِ، لِأَنَّهُ إيكَالُ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ بِالْبَاطِلِ. [مَسْأَلَةٌ إرْسَال الْجَارِحِ] - 1083 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا حُكْمُ إرْسَالِ الْجَارِحِ، فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ الْجَارِحُ مِنْ أَنْ يَكُونَ

مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فَالْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي لَا يَنْطَلِقُ حَتَّى يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ، فَإِذَا أَطْلَقَهُ انْطَلَقَ، وَإِذَا أَخَذَ وَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ الصَّيْدِ شَيْئًا، فَإِذَا تَعَلَّمَ هَذَا الْعَمَلَ، فَبِأَوَّلِ مُدَّةٍ يُقْتَلُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ مُعَلَّمٌ حَلَالٌ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِمَّا أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إطْلَاقِهِ. وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ أَوْ بِرَضٍّ، أَوْ بِصَدْمٍ، أَوْ بِخَنْقٍ كُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ. فَإِنْ قَتَلَهُ وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا فَذَلِكَ الصَّيْدُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا الْكَلْبُ، وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ دَوَابِّ الْأَرْبَعِ، وَالْبَازِي وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا فَرْقَ. فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] . وَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يُبِحْ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ إلَّا مَا أَمْسَكَ عَلَيْنَا جَوَارِحُنَا الْمُعَلَّمَةُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي التَّعْلِيمِ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا كَمَا ذَكَرْنَا إلَّا مَا أَمْسَكَ عَلَيْنَا جَوَارِحُنَا الْمُعَلَّمَةُ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ، وَذَوَاتَ الْأَرْبَعِ تَعْلَمُ التَّصَيُّدَ بِطَبْعِهَا لِأَنْفُسِهَا وَمَعَاشِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ زَائِدٍ تَعْلَمُهُ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ تَعَلُّمَهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا ضَرُورَةً، وَإِلَّا فَكُلُّ جَارِحٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا فَلَيْسَ هَهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تُعَلَّمَهُ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْمِرَارِ، وَلَمْ يَحُدَّا فِي ذَلِكَ حَدًّا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي تِلْكَ الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: إذَا أَمْسَكَ فَلَمْ يَأْكُلْ مَرَّةً فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَيُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فِي الْأُولَى. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَأَوَّلُ مَرَّةٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَيِّنَا مَتَى

يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَ وَمَتَى لَا يَحِلُّ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَالسُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إشْكَالٌ مَحْضٌ، لَا بَيَانَ فِيهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى بَيِّنٌ لَائِحٌ قَدْ فَصَّلَ لَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِمَّا لَمْ يَحْرُمْ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فَأَظْهَرُ فَسَادًا مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا حَدَّا حَدًّا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مَعْقُولٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَدَّ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَبَيْنَ مَنْ حَدَّ بِأَرْبَعٍ، أَوْ خَمْسٍ، أَوْ بِمَرَّتَيْنِ، أَوْ بِمَا زَادَ - وَكُلُّ ذَلِكَ، شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّنَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ إلَّا بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ الْأُولَى فَبِهَا عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ فَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ، إنَّهُ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ الْأُولَى عَلِمْنَا أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا، فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ بِتِلْكَ الْفِعْلَةِ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ صَادَ تِلْكَ الْمَرَّةَ وَهُوَ مُعَلَّمٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا لَمَا أَتَى بِشُرُوطِ التَّعْلِيمِ، فَإِذْ صَادَهَا وَهُوَ مُعَلَّمٌ فَحَلَالٌ أَكْلُ مَا صَادَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الصَّحِيحُ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَلَمْ يُرَاعِ أَكْلَ الْجَارِحِ وَهُوَ خَطَأٌ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا جَوَازُ أَكْلِ مَا قَتَلَ كَيْفَمَا قَتَلَ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَا جَرَحَ لَا مَا قَتَلَ بِخَنْقٍ، أَوْ صَدْمٍ، أَوْ رَضٍّ، أَوْ غَمٍّ - وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْجَارِحَ الْكَاسِبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60] وَحَتَّى لَوْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (الْجَوَارِحِ) مِنْ الْجِرَاحِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُنَّ جَوَارِحَ، وَهُنَّ جَوَارِحُ، وَقَوَاتِلُ، بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: (لَا تَأْكُلُوا إلَّا مِمَّا وَلَّدْنَ فِيهِ جِرَاحَةً) بَلْ قَالَ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَلَمْ يَذْكُرْ تَعَالَى بِجِرَاحَةٍ، وَلَا بِغَيْرِ جِرَاحَةٍ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْنَا الْجَارِحَ عَلَى الْمِعْرَاضِ إنْ خُزِقَ أُكِلَ وَإِنْ رُضَّ لَمْ يُؤْكَلْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ عِنْدَهُمْ مَعَ نَصٍّ وَالنَّصُّ جَاءَ فِي الْمِعْرَاضِ بِمَا ذَكَرُوا، وَفِي الْجَارِحِ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - نا زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَخْذِ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ» فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَكْلِ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ ذَكَاةٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِجِرَاحَةٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ أَكْلِ الصَّيْدِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِحُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] فَلَمْ يُبِحْ لَنَا اللَّهُ تَعَالَى مَا أَمْسَكْنَ فَقَطْ وَلَا مَا أَمْسَكْنَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ بَلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْنَا فَقَطْ، وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّهُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ فَعَلَى نَفْسِهِ أَمْسَكَ وَلَهَا صَادَ فَهُوَ حَرَامٌ. وَأَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالْكَلْبُ سَبُعٌ بِلَا خِلَافٍ فَتَحْرِيمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا حَيْثُ أَحَلَّهُ النَّصُّ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا آدَم نا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فَلَا

تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ الْأَحْوَلُ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ لَمْ يَقْتُلْ فَاذْبَحْ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَقَدْ أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ وَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَطْعَمْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ - وَبِهَذَا يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: صَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. نا حُمَامٌ نا الْبَاجِيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبُو ثَوْرٍ نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ شَقِيقٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ نا نَصْرُ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ كَلْبٍ أَرْسَلَهُ؟ فَقَالَ لِي وَذِّمْهُ فَإِذَا أَرْسَلْته فَسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ - وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أَكَلَ فَلَيْسَ بِمُعَلَّمٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ صَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ فِي الصَّقْرِ وَالْبَازِي يَأْكُلُ؟ قَالَ: لَا تَأْكُلْ، وَمِثْلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَمَنَعَ الشَّعْبِيُّ مِنْ أَكْلِ الصَّيْدِ إذَا شَرِبَ الْجَارِحُ مِنْ دَمِهِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤْكَلُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نا هُشَيْمٌ نا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ

عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ: إنْ كَانَ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسَكَ، وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَضِلَّ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ نا أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ صَيْدٍ وَلَنَا كِلَابٌ نُرْسِلُهَا فَتَأْخُذُ الصَّيْدَ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إلَّا أَنْ يُخَالِطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ قَتَلَتْ، قَالَ: وَإِنْ قَتَلَتْ، قُلْتُ: وَإِنْ أَكَلَتْ، قَالَ: وَإِنْ أَكَلَتْ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا كَانَ مِنْ كَلْبٍ ضَارٍ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ، قُلْتُ: وَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: نَعَمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ - وَهُوَ مِنْ سَعْدِ هُذَيْمٍ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَصْحَابُ قَنْصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَقَتَلَ فَكُلْ، قُلْنَا وَإِنْ أَكَلَ نَأْكُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ» . وَاعْتَرَضُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَلْبَ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْإِمْسَاكِ عَلَى مُرْسِلِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِنْكَارِ لِذَلِكَ - وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كُلْ مِمَّا أَكَلَ مِنْهُ كَلْبُكَ الْمُعَلَّمُ وَإِنْ أَكَلَ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا بِضْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَأَكَلَ ثُلُثَيْهِ فَكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ شُعْبَةُ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ ثُمَّ اتَّفَقَ بَكْرٌ، وَسَعِيدٌ كِلَاهُمَا عَنْ

سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مَنْ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ وَلَا سُمِّيَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ - وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ. وَعَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّهَا سَاقِطَةٌ لَا تَصِحُّ -: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَمِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ عُمَرَ. وَهُوَ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ ذُكِرَ بِالْكَذِبِ، فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: بَلْ هُوَ ثِقَةٌ؟ قُلْنَا: لَا عَلَيْكُمْ إنْ وَثَّقْتُمُوهُ هَهُنَا فَخُذُوا رِوَايَتَهُ الَّتِي رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ نا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ عُمَرَ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ وَلِيَالِهِنَّ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ» فَهَذِهِ تِلْكَ الطَّرِيقُ بِعَيْنِهَا. وَمِنْ الْكَبَائِرِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى الِاحْتِجَاجُ بِهَا إذَا اشْتَهَيْتُمْ وَوَافَقَتْ أَهْوَاءَكُمْ وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ، وَإِطْرَاحُهَا إذَا خَالَفَتْ أَهْوَاءَكُمْ وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ هَذِهِ الصِّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة: 41] وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَمَا نَحْتَجُّ بِهِ أَصْلًا، وَلَا نَقْبَلُهُ حُجَّةً. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَصَحِيفَةٌ، فَإِنْ أَبَوْا إلَّا تَصْحِيحَهَا؛ قُلْنَا: لَا عَلَيْكُمْ خُذُوا بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ: ثَلَاثُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَثَلَاثُونَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةٌ، وَعِشْرُونَ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ» «وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ: حَرَقُوا مَتَاعَ الْغَالِّ وَضَرَبُوهُ» ، وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا خَالَفُوهُ وَلَمْ يَرُدُّوهُ إلَّا بِتَضْعِيفِ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَحُجَّةٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْسُوبَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَهَوْا وَوَافَقَتْ أَهْوَاءَهُمْ، وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدُوهُ، وَهِيَ مَرْدُودَةٌ مُطَّرَحَةٌ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ إذَا خَالَفَتْ أَهْوَاءَهُمْ، وَرَأْيَ مَنْ قَلَّدُوهُ، أَلَا ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ تَنْبَسِطُ نَفْسُ مُسْلِمٍ لِمِثْلِ هَذَا؟

وَأَمَّا الْخَبَرُ: عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -: فَأَحَدُ: طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ. وَقَدْ رَوَى الْكَذِبَ الْمَحْضَ عَنْ الثِّقَاتِ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَالْأُخْرَى: مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَكَمْ رِوَايَةٍ لِأَسَدٍ، وَسِمَاكٍ، اطْرَحُوهَا إذَا خَالَفَتْ أَهْوَاءَهُمْ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي النُّعْمَانِ: فَمُصِيبَةٌ، فِيهِ الْوَاقِدِيُّ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ عَنْ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ أَبِي عُمَيْرٍ الطَّائِيِّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ وَهُوَ مَجْهُولٌ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَأَمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ: فَهُوَ عَنْ سَعْدٍ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَخْتَمِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَعَنْ عَلِيٍّ كَذَلِكَ، وَعَنْ سَلْمَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَلَا لِبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سَمَاعًا مِنْ سَلْمَانَ وَلَا كَانَا مِمَّنْ يَعْقِلُ؛ إذْ مَاتَ سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيَّامَ عُمَرَ بَلْ إنَّهُ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا يُصَادُ بِهِ مِنْ الْبِيزَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّيْرِ فَمَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ وَمَا لَا فَلَا تَطْعَمُ. وَأَمَّا الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْك وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ حُجَّةً فِي بَعْضِ قَوْلِهِ، فَهُوَ حُجَّةٌ فِي سَائِرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ. وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ مُرَاعَاةَ نِيَّاتِ الْكِلَابِ فَقَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ الْمُنْكَرُ نَفْسُهُ حَقًّا، لِأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَسْبُ الْمَحْرُومِ هَذَا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ أَكْلُ الْجَارِحِ يُحَرِّمُ مِنْهُ مَا بَقِيَ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يُبَادِرَ إلَى الضَّارِي حَتَّى يَدْرِيَ أَيَأْكُلُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا [قَوْلٌ] فِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِأَنَّ بِأَوَّلِ دَقِيقَةٍ يُمْكِنُ الْجَارِحَ أَنْ

يَأْكُلَ مِمَّا قَتَلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَلَى مُرْسِلِهِ أَمْسَكَ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ وَلَمْ نُكَلَّفْ قَطُّ هَذَا؟ إنَّمَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا نَأْكُلَ إذَا أَكَلَ، وَأُفٍّ أَوْ تُفٍّ لِكُلِّ عَقْلٍ يَعْتَرِضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَبَطَلَ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا جَوَازُ أَكْلِ كُلِّ مَا قَتَلَهُ الْمُعَلَّمُ مِنْ غَيْرِ الْكِلَابِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ صَيْدٍ قَتَلَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجَوَارِحِ إلَّا الْمُعَلَّمَ مِنْ الْكِلَابِ وَحْدَهُ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ فَأَكَلَ مَا قَتَلَ جَائِزٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَاءَتْ فِي الْكَلْبِ فَقَطْ، قَالُوا: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] إشَارَةٌ إلَى الْكِلَابِ قَالُوا: وَسِبَاعُ الطَّيْرِ، وَسِبَاعُ الْبَرِّ، لَا يُمْكِنُ فِيهَا تَعْلِيمٌ أَصْلًا حَاشَا الْكِلَابِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَمَا قَالُوا إلَّا أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] فَعَمَّ كُلَّ جَارِحٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِخَبَرٍ فِيهِ بَعْضُ مَا فِي الْآيَةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ، بَلْ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّ صَيْدَ غَيْرِ الْكِلَابِ جَائِزٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَلْبَتَّةَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهَا فِي حَالِ الْكِلَابِ - فَصَحَّ أَنَّهَا غَيْرُ الْكِلَابِ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَا عَدَا الْكِلَابَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ الْمَذْكُورَ أَصْلًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهَا نَوْعٌ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ فَلَا يَنْطَلِقُ حَتَّى يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ، وَإِذَا صَادَ لَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ مُعَلَّمٌ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا قَتَلَتْ إلَّا مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ وَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يُؤْكَلُ صَيْدُ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ إلَّا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْنَا،

مسألة شرب الجارح من دم الصيد

لَا مِمَّا أَمْسَكْنَ جُمْلَةً، وَلَا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا أَكَلَتْ الْجَوَارِحُ فَلَا تَأْكُلْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ شَرِبَ الْجَارِحُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ] 1084 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ شَرِبَ الْجَارِحُ الْكَلْبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ شَيْئًا وَحَلَّ أَكْلُ مَا قَتَلَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا أَكْلَ مَا قَتَلَ إذَا أَكَلَ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْ أَكْلِ مَا قَتَلَ إذَا وَلَغَ فِي الدَّمِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَإِذَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ فَقَدْ أَمْسَكَهُ عَلَى مُرْسِلِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَكَلَ الجارح مِنْ الرَّأْسِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ قِطْعَةً انْقَطَعَتْ مِنْ الصَّيْد] 1085 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَكَلَ مِنْ الرَّأْسِ، أَوْ الرِّجْلِ، أَوْ الْحَشْوَةِ، أَوْ قِطْعَةً انْقَطَعَتْ مِنْهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَ، لِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ. [مَسْأَلَةٌ أَكَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ مِنْ الصَّيْد] 1086 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ مُعَلَّمًا كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنَّهُ عَادَ فَأَكَلَ مِمَّا قَتَلَ لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا، لَكِنْ يَحْرُمُ أَكْلُ الَّذِي قَتَلَ وَأَكَلَ مِنْهُ فَقَطْ، وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُ مَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَدْ بَطَلَ تَعْلِيمُهُ وَعَادَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، فَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَيَعُودُ مُعَلَّمًا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ تَعْلِيمُهُ، لَكِنْ يُضْرَبُ وَيُؤَدَّبُ حَتَّى لَا يَأْكُلَ - وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلَ، إلَّا إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ» فَقَدْ سَمَّاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُعَلَّمَةً وَلَمْ يُسْقِطْ حُكْمَ التَّعْلِيمِ بِأَكْلِ مَا أَكَلَ مِنْهَا، بَلْ نَهَى عَنْ أَكْلِ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ فَسَمَّاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ

مسألة أدركه مرسله حتى قتل الصيد وهو يريد الأكل منه فأخذه

مُعَلَّمًا وَإِنْ أَكَلَ - وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: أَنَّهُ إذَا أَكَلَ فَبِئْسَ مَا عَلَّمْتَهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَدْرَكَهُ مُرْسِلُهُ حَتَّى قَتَلَ الصَّيْد وَهُوَ يُرِيدُ الْأَكْلَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ] 1087 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ مُرْسِلُهُ حَتَّى قَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْأَكْلَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ وَالْجَارِحُ يُنَازِعُهُ إلَى الْأَكْلِ مِنْهُ، لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ أَصْلًا، وَهُوَ مَيْتَةٌ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ حِينَئِذٍ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى مُرْسِلِهِ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَكْلَ مِمَّا قَتَلَهُ الْجَارِحُ عَلَيْنَا. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ الصَّيْد وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ] 1088 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ فَبَاقِيهِ حَلَالٌ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْأَكْلِ مِنْهُ - فَلَمْ يُمْسِكْ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى مُرْسِلِهِ، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ حَلَالٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَإِذْ قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ بِذَلِكَ وَتَمَّتْ ذَكَاتُهُ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا قَدْ صَحَّ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ عَلَى مُرْسِلِهِ - وَقَدْ يَحْدُثُ لَهُ جُوعٌ يَأْكُلُ بِهِ مَا وَجَدَ، وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى إمْسَاكُهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَيُؤْكَلُ، وَإِنْ قَتَلَ، أَوْ إمْسَاكُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ فَقَطْ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ ثُمَّ أَخَذَهُ مُرْسِلُهُ فَقَطَعَ لَهُ قِطْعَةً فَأَكَلَهَا] 1089 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ؛ ثُمَّ أَخَذَهُ مُرْسِلُهُ فَقَطَعَ لَهُ قِطْعَةً فَأَكَلَهَا أَوْ خَلَّاهُ بَيْنَ يَدِهِ يَأْكُلُهُ فَأَكَلَ مِنْهُ فَالْبَاقِي حَلَالٌ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ إمْسَاكُهُ عَلَى مُرْسِلِهِ فَتَمَّتْ ذَكَاتُهُ بِذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ حُكْم صَيْد غَيْر الْمُعَلَّمِ مِنْ الْجَوَارِح] 1090 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فَسَوَاءٌ كَانَ مُتَمَلَّكًا أَوْ بَرِّيًّا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ أَوْ دَوَابِّ الْأَرْبَعِ غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ أُرْسِلَ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ مَا قَتَلَ أَصْلًا، فَإِنْ أَدْرَكَ فِيهِ بَقِيَّةً مِنْ الرُّوحِ وَذَكَّى حَلَّ أَكْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَاسْتَثْنَى تَعَالَى مَا ذَكَّيْنَا مِنْ كُلِّ مَا حَرَّمَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ. وَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَنَا حَيْوَةُ هُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ - أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ «عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ

مسألة انطلق الجارح من غير أن يطلقه صاحبه

بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» فَلَمْ يَسْتَثْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجَاءَ حَيَاةٍ مِنْ غَيْرِهَا، فَاسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَخِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [مَسْأَلَةٌ انْطَلَقَ الْجَارِحُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ] . 1091 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا انْطَلَقَ الْجَارِحُ الْمُعَلَّمُ أَوْ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا قَتَلَ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الرُّوحِ فَيُذَكَّى وَيُؤْكَلُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ اللَّهَ» فَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الذَّكَاةَ إلَّا بِإِرْسَالِهِ مَعَ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالذَّكَاةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ الْإِنْسَانِ الْمُذَكِّي وَقَصْدٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ جَارِحَهُ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَتَلَ الْجَارِحُ فَهِيَ ذَكَاةٌ صَحِيحَةٌ - وَلَمْ يَصِحَّ فِي كَوْنِ مَا دُونَ ذَلِكَ ذَكَاةً نَصٌّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ إنْسَانٍ كَانَ يُعَلِّمُ صَقْرًا لَهُ؟ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُومُ حَوْلَهُ إذْ رَأَى طَائِرًا فَانْقَضَّ نَحْوَهُ وَسَمَّى الرَّجُلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ قَتَادَةَ: لَا يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ هُوَ، إلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ. [مَسْأَلَةٌ رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ فَوَجَدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا] 1092 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ فَوَجَدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إلَّا إنْ كَانَ السَّهْمُ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ إنْفَاذًا كَأَنْ يَمُوتَ مِنْهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُومًا لِأَنَّ مَا قُتِلَ بِالسُّمِّ فَهُوَ مَيْتَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ ذَكَاةٌ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ فِيهِ بَقِيَّةُ رُوحٍ فَيُذَكَّى فَيَحِلَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كُلُّ جَارِحٍ مُعَلَّمٍ حَلَالٌ أَكْلُ مَا قَتَلَ] 1093 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ جَارِحٍ مُعَلَّمٍ فَحَلَالٌ أَكْلُ مَا قَتَلَ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ عَلَّمَهُ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ بِسَهْمٍ صَنَعَهُ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ» وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَعْلِيمَ مُسْلِمٍ مِنْ تَعْلِيمِ وَثَنِيٍّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُؤْكَلُ صَيْدُ جَارِحٍ عَلَّمَهُ مَنْ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَكَّى -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَيْدَ بَازِي الْمَجُوسِيِّ وَصَقْرِهِ؛ وَصَيْدُ الْمَجُوسِيِّ لِلسَّمَكِ كَرِهَهُ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ رُومَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَا تَأْكُلْ صَيْدَ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا مَا أَصَابَ بِسَهْمِهِ.

مسألة تصيد بجارح أخذ بغير حق

وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَا خُصَيْفٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَأْكُلْ مَا صِدْت بِكَلْبِ الْمَجُوسِ وَإِنْ سَمَّيْت فَإِنَّهُ مِنْ تَعْلِيمِ الْمَجُوسِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] . وَجَاءَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] قَالُوا: فَجَعَلَ التَّعْلِيمَ لَنَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لِأَنَّ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ لَازِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الرِّوَايَةَ عَنْ صَحَابَةٍ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَصَيَّدَ بِجَارِحٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ] 1094 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَصَيَّدَ بِجَارِحٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190] وَهَذَا مُعْتَدٍ فَلَا يَكُونُ التَّعَدِّي ذَكَاةً أَصْلًا. فَلَوْ أُدْرِكَ حَيًّا، أَوْ نَصَبَ الْمَرْءُ حِبَالَةً مَأْخُوذَةً بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ رَمَى بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَدْرَكَ كُلَّ ذَلِكَ فِيهِ بَقِيَّةُ حَيَاةٍ ذَكَّاهَا وَهِيَ لَهُ حَلَالٌ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ الْجَارِحِ، وَذَلِكَ السَّهْمِ، وَالرُّمْحِ، وَتِلْكَ الْحِبَالَةِ لِصَاحِبِ كُلِّ ذَلِكَ، لِأَنَّ الصَّيْدَ الَّذِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُ الْآلَةِ، وَالْحِبَالَةِ، وَالْجَارِحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْصِبْ ذَلِكَ وَلَا أَرْسَلَهُ قَاصِدًا لِتَمَلُّكِ مَا أَصَابَ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ التَّمَلُّكُ لِمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ مِلْكٌ إلَّا بِنِيَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ آخَرَ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا قَتَلَ الصَّيْدَ] 1095 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ جَارِحًا آخَرَ أَوْ سَبُعًا لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا قَتَلَ الصَّيْدَ؟ فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ فَيُذَكَّى فَيَحِلَّ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «فَإِنْ خَالَطَ كَلْبُكَ كِلَابًا فَقَتَلْنَ فَلَمْ يَأْكُلْنَ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ؟» .

مسألة صيد الكلب الأسود البهيم

[مَسْأَلَةٌ صَيْد الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ أَوْ ذِي نُقْطَتَيْنِ لَا لِصَيْدٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَحِلُّ تَعْلِيمُهُ، وَلَا أَكْلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ أَصْلًا، إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ؛ وَلَا اتِّخَاذُ كَلْبٍ سِوَى ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا لِزَرْعٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ ضَرُورَةِ خَوْفٍ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ الشَّيْطَانُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ وَأَيُّمَا قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ حَرْثٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَإِذَا حَرَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آنِفًا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ أَوْ ذَا النُّقْطَتَيْنِ فَلَا يَحِلُّ اتِّخَاذُهُ، وَإِذْ لَا يَحِلُّ اتِّخَاذُهُ فَاِتِّخَاذُهُ مَعْصِيَةٌ، وَالذَّكَاةُ بِالْجَارِحِ طَاعَةٌ، وَلَا تَنُوبُ الْمَعْصِيَةُ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ طَاعَتِهِ وَالْعَاصِي لَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ فَهِيَ مَيْتَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَكْرَهُ صَيْدَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، لِأَنَّ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ صَيْدَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَيْفَ نَأْكُلُ صَيْدَ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِقَتْلِهِ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي أَكْلِ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ مِنْ الصَّيْدِ - وَقَدْ أَدْرَكَ أَحْمَدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أُمَمًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَوَاءٌ حَيْثُ كَانَتْ النُّقْطَتَانِ مِنْ جَسَدِهِ فَإِنْ كَانَتْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ ذَا نُقْطَتَيْنِ. [مَسْأَلَةٌ خَرَجَ بِجَارِحِهِ فَأَرْسَلَهُ وَسَمَّى وَنَوَى مَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ] 1097 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَرَجَ بِجَارِحِهِ فَأَرْسَلَهُ وَسَمَّى وَنَوَى مَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ -

مسألة بيع الكلب

فَسَوَاءٌ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ - مَا أَصَابَ فِي ذَلِكَ الْإِرْسَالِ مِنْ الصَّيْدِ؛ فَقَتَلَهُ فَأَكْلُهُ حَلَالٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ» وَلَمْ يَخُصَّ: وَأَنْتَ تَرَى صَيْدًا مِنْ أَنْ لَا تَرَاهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ زَيْدٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إنْ غَدَا بِكِلَابٍ مُعَلَّمَةٍ فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ يَغْدُو كَانَ كُلُّ شَيْءٍ صَادَهُ إلَى اللَّيْلِ حَلَالًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي إيَاسٍ قَالَ: إنَّا كُنَّا نَخْرُجُ بِكِلَابِنَا إلَى الصَّيْدِ فَنُرْسِلُهَا، وَلَا نَرَى شَيْئًا فَنَأْكُلُ مَا أَخَذَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ رَمَى كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا إنْسِيًّا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، فَلَوْ رَمَى أَسَدًا أَوْ ذِئْبًا أَوْ خِنْزِيرًا بَرِّيًّا فَأَصَابَ صَيْدًا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ، فَلَوْ أَرْسَلَ جَارِحَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ أَكْلُهُ - فَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى سَمَكَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ تَخَالِيطُ لَا تُعْقَلُ وَلَا يُقْبَلُ مِثْلُهَا إلَّا مِمَّنْ لَا يَسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ - وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فَسَوَاءٌ - لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا أَرْسَلَ جَارِحَهُ، وَلَا سَهْمَهُ عَلَى الَّذِي أَصَابَ، فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْكَلْب] 1098 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ أَصْلًا لَا الْمُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَلَا غَيْرُهُ؛ لِصِحَّةِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ - وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِلَا ثَمَنٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُ، فَلَهُ ابْتِيَاعُهُ - وَالثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي - وَإِنَّمَا هُوَ كَالرِّشْوَةِ فِي الْمَظْلَمَةِ، وَفِدَاءِ الْأَسِيرِ، لِأَنَّهُ أَخْذُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الأشربة وما يحل منها وما يحرم

[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ وَمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ] [مَسْأَلَةٌ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ] مَسْأَلَةٌ: كُلُّ شَيْءٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ فَالنُّقْطَةُ مِنْهُ فَمَا فَوْقَهَا إلَى أَكْثَرِ الْمَقَادِيرِ: خَمْرٌ حَرَامٌ -: مِلْكُهُ، وَبَيْعُهُ، وَشُرْبُهُ، وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى أَحَدٍ - وَعَصِيرُ الْعِنَبِ، وَنَبِيذُ التِّينِ، وَشَرَابُ الْقَمْحِ، وَالسَّيْكَرَانِ، وَعَصِيرُ كُلِّ مَا سِوَاهَا وَنَقِيعُهُ، وَشَرَابُهُ - طُبِخَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ - ذَهَبَ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَا فَرْقَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ - وَفِي هَذَا اخْتِلَافٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا -: فَرُوِّينَا عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: شَرَابُ الْبُسْرِ وَحْدَهُ خَمْرٌ مُحَرَّمَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الرُّطَبُ، وَالْبُسْرُ إذَا خُلِطَا، فَشَرَابُهُمَا خَمْرٌ مُحَرَّمَةٌ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَالْبُسْرُ إذَا خُلِطَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ إذَا أَسْكَرَ، وَلَمْ يُطْبَخَا: هِيَ الْخَمْرُ الْمُحَرَّمَةُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، [وَكُلُّ] مَا عَدَا ذَلِكَ حَلَالٌ مَا لَمْ يُسْكَرْ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا خَمْرَ إلَّا عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ مَا لَمْ يُطْبَخْ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَهُوَ حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، فَإِذَا طُبِخَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ خَمْرًا بَلْ هُوَ حَلَالٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ. وَأَمَّا كُلُّ شَرَابٍ مَا عَدَا عَصِيرَ الْعِنَبِ الْمَذْكُورَ فَهُوَ حَلَالٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ كَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ طُبِخَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ إلَّا أَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ حَرَامٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كُلُّ مَا عُصِرَ مِنْ الْعِنَبِ، وَنَبِيذِ الزَّبِيبِ، وَنَبِيذِ التَّمْرِ، وَالرُّطَبِ، وَالْبُسْرِ، وَالزَّهْوِ، فَلَمْ يُطْبَخْ، فَكُلُّ خَمْرٍ مُحَرَّمَةٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، فَإِنْ طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ

حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَطُبِخَ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ حَلَالٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، إلَّا أَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ حَرَامٌ. وَكُلُّ نَبِيذٍ وَعَصِيرٍ مَا سِوَى مَا ذَكَرْنَا فَحَلَالٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ طُبِخَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ وَالسُّكْرُ أَيْضًا مِنْهُ لَيْسَ حَرَامًا. فَأَمَّا مَنْ رَأَى شَرَابَ الْبُسْرِ وَحْدَهُ خَمْرًا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا يَزِيدُ [قَالَ] أَنَا حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبُسْرُ وَحْدَهُ حَرَامٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: وَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ نا الْقَوَارِيرِيُّ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - نا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَبِيذُ الْبُسْرِ بَحْتًا لَا يَحِلُّ - وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْلِدُ فِيهِ كَمَا يَجْلِدُ فِي الْخَمْرِ - وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبْطَالُهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ نا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُ فَرْدًا، تَمْرًا فَرْدًا، أَوْ بُسْرًا فَرْدًا، أَوْ زَبِيبًا فَرْدًا» . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْبُسْرُ، وَالرُّطَبُ: خَمْرٌ - يَعْنِي إذَا جُمِعَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، كِلَيْهِمَا عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْبُسْرُ، وَالتَّمْرُ: خَمْرٌ وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ صِحَّةُ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَلْطِ الْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ، أَوْ مَعَ الرُّطَبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ، لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ غَيْرِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ هَذِهِ خَاصَّةً بِالتَّحْرِيمِ دُونَ سَائِرِ مَا نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْبُسْرِ، وَالرُّطَبِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَأَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا» . وَنَهَى أَيْضًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُجْمَعَ غَيْرُ هَذِهِ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَجْهٌ آخَرُ -: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُحَرَّمٍ خَمْرًا، الدَّمُ حَرَامٌ، وَلَيْسَ خَمْرًا، وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ وَلَيْسَ خَمْرًا، وَالْبَوْلُ حَرَامٌ وَلَيْسَ خَمْرًا، فَهَذَانِ اللَّذَانِ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جَمْعِهِمَا حَرَامٌ وَلَيْسَتْ خَمْرًا إلَّا أَنْ تُسْكِرَ، وَلَا مَعْنَى لِتَسْمِيَتِهِمَا إذَا جُمِعَا خَمْرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ هُوَ الْخَمْرُ» فَمَا قَوْلُكُمْ فِيهِ؟ قُلْنَا: قَدْ صَحَّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ إبَاحَةُ التَّمْرِ وَإِبَاحَةُ الزَّبِيبِ، وَإِبَاحَةُ نَبِيذِهِمَا غَيْرَ مَخْلُوطَيْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْسَخْ قَطُّ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَإِنَّمَا يَكُونُ خَمْرًا إذَا جَاءَ نَصٌّ مُبَيِّنٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا إذَا أَسْكَرَ نَبِيذُهُمَا كَمَا بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَبَرٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى «إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: مِنْ تَخْصِيصِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَبِيذِ الزَّبِيبِ بِالتَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُطْبَخَا دُونَ سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ وَالْعَصِيرِ فَقَوْلٌ صَحَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ - إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ مُقَلِّدُوهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِنَصْرِهِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ أَيْضًا حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا دَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ، وَلَا قِيَاسٍ - فَسَقَطَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: مِنْ تَخْصِيصِ عَصِيرِ الْعِنَبِ بِالتَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُطْبَخْ، فَهُوَ قَوْلٌ اخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ بِأَخْبَارٍ أُضِيفَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَارٍ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَدَعْوَى إجْمَاعٍ - فَأَمَّا الْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّهَا لَا خَيْرَ فِيهَا - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا مُوَافِقًا لِهَذَا الْقَوْلِ؛ فَلَاحَ أَنَّ إيرَادَهُمْ لَهَا تَمْوِيهٌ مَحْضٌ - وَكَذَلِكَ الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إلَّا أَنَّ مِنْهَا مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُوَافِقُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ فَإِيرَادُهُمْ لَهَا تَمْوِيهٌ. وَمِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ وَيَظُنُّ مَنْ لَا يُنْعِمُ النَّظَرَ أَنَّهُ يُوَافِقُ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ - عَلَى مَا نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ قَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَاهُ - فَلَا يَحْرُمُ شَيْءٌ بِاخْتِلَافٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ جُمْهُورَ أَقْوَالِهِمْ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوا زَكَاةً إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهَا إجْمَاعٌ، وَلَا فَرِيضَةَ حَجٍّ أَوْ صَلَاةٍ إلَّا حَيْثُ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهَا، وَأَنْ لَا يُثْبِتُوا الرِّبَا إلَّا حَيْثُ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ رِبًا - وَمَنْ الْتَزَمَ هَذَا الْمَذْهَبَ خَرَجَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ بِلَا شَكٍّ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَذْهَبٌ مُفْتَرًى لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ، وَسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُولِي الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَأْمُرْ تَعَالَى قَطُّ بِأَنْ لَا يُتَّبَعَ إلَّا الْإِجْمَاعُ، وَلَا قَالَ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا تَأْخُذُوا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ - وَمَنْ ادَّعَى هَذَا فَقَدْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَتَى بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ وَبِالضَّلَالِ الْمُبِينِ. إنَّمَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: فَرُدُّوهُ إلَى الْإِجْمَاعِ، فَمَنْ رَدَّ مَا تُنُوزِعَ فِيهِ إلَى الْإِجْمَاعِ لَا إلَى نَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَشَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَتَّبِعُ الْإِجْمَاعَ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَلَا نُخَالِفُهُ أَصْلًا، وَنَرُدُّ مَا تُنُوزِعَ فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، فَنَأْخُذُ مَا فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ - وَبِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَمَا نَعْلَمُ

أَحَدًا قَالَ قَطُّ: لَا أَلْتَزِمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إلَّا مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ صَارُوا بِهَذَا الْأَصْلِ مُخَالِفِينَ لِلْإِجْمَاعِ بِلَا شَكٍّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَذْهَبٌ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُلْتَفَتَ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ إذَا وُجِدَ الِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ كَذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ وَقَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ جِدًّا - وَهُوَ مُبْطِلٌ لِسَائِرِ مَذَاهِبِهِمْ كُلِّهَا فَعَادَ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ: فَمِنْهَا خَبَرٌ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا الْقَلِيلُ مِنْهَا وَالْكَثِيرُ وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ -: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ وَشُعْبَةَ بِلَا خِلَافٍ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ. وَقَدْ رَوَى فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَحْرِيمِ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَتِهِ إذَا جَاءَ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ صَحِيحٌ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ جُمْلَةً - وَصَحَّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا تَحْرِيمُ نَبِيذِ الْبُسْرِ بَحْتًا فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْهَا: خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ «فَانْتَبِذُوا فِيهَا - يَعْنِي فِي الظُّرُوفِ - فَإِنَّ الظُّرُوفَ لَا تَحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُ وَلَا تَسْكَرُوا» وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُكَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ؟ قَالَ: اشْرَبْ، فَإِذَا خِفْتَ فَدَعْ» . وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اشْرَبَا وَلَا تَسْكَرَا» وَكِلَاهُمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.

وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشْمَعِلِّ بْنِ مِلْحَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ النَّضْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ خَزَّازٌ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ - مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ - وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ السُّكْرِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ «فَإِذَا خِفْتَ فَدَعْ» أَيْ إذَا خِفْت أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي مُوسَى: فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرِيكٍ مُدَلِّسٌ وَضَعِيفٌ فَسَقَطَ. وَقَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ بِخِلَافِ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ دِينَارٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، كُلِّهِمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، كُلُّ مَا أَسْكَرَ عَنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَرَامٌ، أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنْ الصَّلَاةِ» فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ لَا رِوَايَةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمُدَلِّسٍ، وَكَذَّابٍ، وَمَجْهُولٍ. وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلَا تَسْكَرُوا» - وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَسِمَاكٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ النَّهْيُ عَنْ السُّكْرِ وَلَيْسَ فِيهِ مَانِعٌ مِنْ تَحْرِيمِ مَا يَصِحُّ تَحْرِيمُهُ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عُمَارَةَ، قَالَ سَوَّارٌ: عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ الْحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَنَسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو سَعِيدٍ وَأَنَسٌ قَالَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَسَوَّارٌ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَعَطِيَّةُ هَالِكٌ، وَالْحَارِثُ، وَسَعِيدٌ مَجْهُولَانِ لَا يُدْرَى مَنْ هُمَا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا زَائِدَةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا. وَخَبَرٌ: رُوِيَ فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِعَبْدِ الْقَيْسِ اشْرَبُوا مَا طَابَ لَكُمْ» رُوِّينَاهُ

مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَجِيبَةَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَمّه قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَجِيبَةَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ مَا طَابَ لَنَا هُوَ مَا أُحِلَّ لَنَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إبَاحَةُ مَا قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ. وَخَبَرٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ وَالْغُبَيْرَاءِ» وَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» قَالُوا: فَقَدْ فَرَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ الْكُوبَةِ، وَالْغُبَيْرَاءِ، وَالْخَمْرِ، فَلَيْسَا خَمْرًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَأَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ سَاوَى بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ وَالْخَمْرُ وَسَائِرُ الْأَشْرِبَةِ سَوَاءٌ فِي النَّهْيِ عَنْهَا وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ التَّفْرِيقُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي الذِّكْرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] لَمْ يَكُنْ هَذَا مُوجِبًا أَنَّهُمَا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لَيْسَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ. وَهَكَذَا إذَا صَحَّ أَنَّ الْخَمْرَ هِيَ كُلُّ مُسْكِرٍ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الْخَمْرِ وَالْكُوبَةِ وَالْغُبَيْرَاءِ مَانِعًا مِنْ أَنْ تَكُونَ الْكُوبَةُ وَالْغُبَيْرَاءُ خَمْرًا - وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرًا» وَأَيْضًا: فَفِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ - فَمَا رَأَيْنَا أَقْبَحَ مُجَاهِرَةٍ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؟ وَخَبَرٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِنَبِيذٍ فَوَجَدَهُ شَدِيدًا فَرَدَّهُ فَقِيلَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: فَاسْتَرَدَّهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِيهِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: إذَا اغْتَلَمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَوْعِيَةُ فَاكْسِرُوا مُتُونَهَا بِالْمَاءِ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «إذَا اشْتَدَّ عَلَيْكُمْ فَاكْسِرُوهُ بِالْمَاءِ» وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْعُودٍ

وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ أَخِي الْقَعَْقَاعِ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا، وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ وَضَعِيفٌ سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ كَانَا إنْسَانًا وَاحِدًا، ثُمَّ هُوَ عَنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدِ الْقُرَشِيِّ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَقُرَّةَ الْعِجْلِيّ، وَالْعَوَّامِ؛ وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَيَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي الرِّوَايَاتِ السُّودِ خَبَرًا مَوْضُوعًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يَتَّهِمُ غَيْرَهُ - وَقَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، وَأَحْمَدُ، وَيَحْيَى. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي مَسْعُودٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبَانَ وَكِلَاهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهَا كُلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَزَجَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ شَرِبَهُ - وَهَذَا لَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ النَّبِيذُ مُسْكِرًا فَهِيَ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا كَمَا يَقُولُونَ، فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا فَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْمُسْكِرِ عِنْدَهُمْ لَا يُخْرِجُهُ عِنْدَهُمْ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ، وَلَا يَنْقُلُهُ عَنْ حَالِهِ أَصْلًا إنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّ الْمَاءِ حَرَامًا فَهُوَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ صَبِّهِ حَرَامٌ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّهِ حَلَالًا فَهُوَ بَعْدَ صَبِّهِ حَلَالٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ صَبِّهِ مَكْرُوهًا فَهُوَ بَعْدَ صَبِّهِ مَكْرُوهٌ، فَقَدْ خَالَفُوهُ كُلَّهَا وَجَعَلُوا فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي حَقَّقُوهُ عَلَيْهِ بَاطِلًا عِنْدَهُمْ وَلَغْوًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى. وَإِنْ كَانَ صَبُّ الْمَاءِ نَقَلَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا إلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْكِرًا فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ حِينَئِذٍ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا فَلَا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّهُ حَلَالٌ - فَعَادَ عَلَيْهِمْ جُمْلَةً. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «اشْرَبُوا مَا طَابَ لَكُمْ فَإِذَا خَبُثَ فَذَرُوهُ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ - وَكِلَاهُمَا سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى " إذَا خَبُثَ " إذَا أَسْكَرَ، لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَإِلَّا فَلْيُعَرِّفُونَا مَا مَعْنَى «إذَا خَبُثَ فَذَرُوهُ» .

وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ أُتِيَ بِمَكَّةَ بِنَبِيذٍ فَذَاقَهُ فَقَطَّبَ وَرَدَّهُ؟ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا شَرَابُ أَهْلِ مَكَّةَ؟ قَالَ: فَرَدَّهُ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى رَغَا، قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» . وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ الْكُوفِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقٍ - مُطَّرَحٌ - ثُمَّ عَنْ الْحَارِثِ - وَهُوَ كَذَّابٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ قَطَنٍ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَمُرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّبِيذِ بَعْدَمَا نَهَى عَنْهُ» - وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُنْذِرِ أَبِي حَسَّانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَذِنَ فِي النَّبِيذِ فِي الظُّرُوفِ بَعْدَمَا نَهَى عَنْهُ، وَهَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْخَمْرِ، ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا - وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَخَبَرٌ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنَّ هَذَا الشَّرَابَ إذَا أَكْثَرْنَا مِنْهُ سَكِرْنَا؟ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَرِبَ تِسْعَةً فَلَمْ يَسْكَرْ لَا بَأْسَ وَإِذَا شَرِبَ الْعَاشِرَ فَسَكِرَ فَذَلِكَ حَرَامٌ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ فَضِيحَةُ الدَّهْرِ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ -: رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: ضَعِيفٌ - عَنْ الْكَلْبِيِّ: كَذَّابٌ مَشْهُورٌ - عَنْ أَبِي صَالِحٍ: هَالِكٌ. وَخَبَرٌ: فِيهِ النَّهْيُ عَنْ النَّبِيذِ فِي الْجِرَارِ الْمُلَوَّنَةِ وَالْأَمْرُ بِأَنْ يُنْبَذَ فِي السِّقَاءِ فَإِذَا خَشِيَ فَلْيَسُجَّهُ بِالْمَاءِ - فَهَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ وَهُوَ الرَّقَاشِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ إذَا خَشِيَ فَلْيَسُجَّهُ بِالْمَاءِ، وَمَعْنَاهُ إذَا خَشِيَ أَنْ يَسْكَرَ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا - لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، فَإِذَا سُجَّ بِالْمَاءِ بَطَلَ إسْكَارُهُ - وَهَذَا لَا نُخَالِفُهُمْ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ بَعْدَ إسْكَارِهِ يُسَجُّ إنَّمَا فِيهِ " إذَا خَشِيَ " وَهَذَا بِلَا شَكٍّ قَبْلَ أَنْ يَسْكَرَ. وَخَبَرٌ مُرْسَلٌ: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ، وَالسُّكْرُ مِنْ التَّمْرِ، وَالْمِزْرُ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَالْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» ، وَهَذَا لَا شَيْءَ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - ثُمَّ هُوَ أَيْضًا

مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ «إنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعِنَبِ» مَانِعٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ أَيْضًا إذَا صَحَّ بِذَلِكَ نَصٌّ. وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ النَّهْشَلِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُنْبَذَ فِي الْأَسْقِيَةِ، قَالُوا: فَإِنْ اشْتَدَّ فِي الْأَسْقِيَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَصُبُّوا عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَقَالَ لَهُمْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ: أَهْرِيقُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ، وَالْمَيْسِرَ، وَالْكُوبَةَ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، فَهَذَا مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ كُلُّهُ لِقَوْلِهِمْ، مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا فِي الْأَمْرِ بِهَرْقِهِ، وَقَوْلُهُ «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» كِفَايَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ مُسْكَةُ عَقْلٍ فَاعْجَبُوا لِقَوْمٍ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُوَ نَصٌّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْحَيَاءَ هَهُنَا لَعَدَمٌ؟ وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْقُمُوصِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ - نَحْسِبُ أَنَّ اسْمَهُ قَيْسُ بْنُ النُّعْمَانِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اشْرَبُوا فِي الْجِلْدِ الْمُوكَى عَلَيْهِ فَإِنْ اشْتَدَّ فَاكْسِرُوهُ بِالْمَاءِ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَأَهْرِيقُوهُ» أَبُو الْقُمُوصِ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً مُوَافِقَةً لِقَوْلِنَا مُفْسِدَةً لِقَوْلِهِمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ بِهَرْقِهِ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى إبْطَالِ شِدَّتِهِ بِالْمَاءِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - حَدَّثَنِي الْجُرَيْرِيُّ سَعِيدُ بْنُ إيَاسٍ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: انْتَهَى أَمْرُ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اشْرَبُوا مَا لَا يُسَفِّهُ أَحْلَامَكُمْ وَلَا يُذْهِبُ أَمْوَالَكُمْ» وَهَذَا مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ انْسَنَدَ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا، لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّوْعِ الَّذِي مِنْ طَبْعِهِ أَنْ يُسَفِّهَ الْحُلُمَ، وَيُذْهِبَ الْمَالَ، لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ يَنْفَرِدُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِهِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ «سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُسْكِرِ؟ قَالَ: الشَّرْبَةُ الْآخِرَةُ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَكْرَهُ مُزَاحَمَةَ الْبَقَّالِينَ، لَا يَنْبُلُ الْإِنْسَانُ حَتَّى يَدَعَ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ - وَأَنَّهُ أَنْكَرَ السَّلَامَ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقَالَ: عَلِيٌّ مِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يَسْلَمُ -: وَهَذِهِ جُرُحٌ ظَاهِرَةٌ؛ ثُمَّ الْأَظْهَرُ فِيهِ

أَنَّ قَوْلَهُ " الشَّرْبَةُ الْآخِرَةُ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَأْوِيلٌ مِنْهُ - وَهُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ مِنْ التَّأْوِيلِ لِمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَخَبَرٌ مُرْسَلٌ: مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرِبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ زَمْزَمَ فَشَدَّ وَجْهَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ» - وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ فَهُوَ مَقْطُوعٌ وَمُرْسَلٌ مَعًا - ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَا يَنْقُلُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحْلِيلٍ إلَى تَحْرِيمٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمٍ إلَى تَحْلِيلٍ وَلَا لَهُ عِنْدَهُمْ فِيهِ مَعْنًى، فَإِنْ نَقَلَهُ إلَى أَنْ لَا يُسْكِرَ فَهُوَ قَوْلُنَا فِي أَنَّهُ حَلَالٌ إذَا لَمْ يُسْكِرْ. هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ بِأَجْمَعِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَوْرَدُوا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا. وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - آثَارًا -: مِنْهَا: عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قِرْصَافَةَ - امْرَأَةٌ مِنْهُمْ - عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: اشْرَبُوا وَلَا تَسْكَرُوا - وَسِمَاكٌ ضَعِيفٌ، وَقِرْصَافَةُ مَجْهُولَةٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إبَاحَةُ مَا أَسْكَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قِرْصَافَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهَا: اشْرَبِي وَلَا تَشْرَبِي مُسْكِرًا - فَسِمَاكٌ عَنْ قِرْصَافَةَ مَرَّةً [قَالَ] لَنَا عَلَيْهِمْ، وَمَرَّةً لَا لَنَا وَلَا لَهُمْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ سُمَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنْ خَشِيت مِنْ نَبِيذِك فَاكْسِرْهُ بِالْمَاءِ - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لِأَنَّهُ إذَا خَشِيَ إسْكَارَهُ كَسَرَهُ بِالْمَاءِ، وَالثَّابِتُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي حَدَّانَ أَوْ ابْنِ ذِي لَعْوَةَ: أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ سَطِيحَةٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَكِرَ، فَأُتِيَ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ: إنَّمَا شَرِبْت مِنْ سَطِيحَتِك؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنَّمَا أَضْرِبُك عَلَى السُّكْرِ، ابْنُ ذِي حَدَّانَ أَوْ ابْنُ ذِي لَعْوَةَ مَجْهُولَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّا نَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّبِيذِ شَرَابًا يَقْطَعُ لُحُومَ الْإِبِلِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: وَشَرِبْت مِنْ شَرَابِهِ فَكَانَ كَأَشَدِّ النَّبِيذِ - وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ " إنَّا لَنَشْرَبُ هَذَا الشَّرَابَ الشَّدِيدَ

لِنَقْطَعَ بِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ فِي بُطُونِنَا أَنْ تُؤْذِيَنَا فَمَنْ رَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ شَيْءٌ فَلْيَمْزُجْهُ بِالْمَاءِ " وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ النَّبِيذَ الْحُلْوَ اللَّفِيفَ الشَّدِيدَ لِلَفْتِهِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ يَقْطَعُ لُحُومَ الْإِبِلِ فِي الْجَوْفِ، لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ عُمَرَ شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلًا؟ وَمِنْهَا: خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا الْأَعْمَشُ نا إبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ - عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِشَرَابٍ مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ فَقَطَّبَ وَقَالَ: إنَّ نَبِيذَ الطَّائِفِ لَهُ عُرَامٌ ثُمَّ ذَكَرَ شِدَّةً لَا أَحْفَظُهَا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِيهِ ثُمَّ شَرِبَ - وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيذَ كَانَ مُسْكِرًا، وَلَا أَنَّهُ كَانَ قَدْ اشْتَدَّ وَإِنَّمَا فِيهِ إخْبَارُ عُمَرَ بِأَنَّ نَبِيذَ الطَّائِفِ لَهُ عُرَامٌ وَشِدَّةٌ وَأَنَّهُ كَسَرَ هَذَا بِالْمَاءِ ثُمَّ شَرِبَهُ، فَالْأَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ خَشِيَ أَنْ يَعْرُمَ وَيَشْتَدَّ فَتَعَجَّلَ كَسْرَهُ بِالْمَاءِ - وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ أَصْلًا. وَلَا يَصِحُّ لَهُمْ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَقَطْ. وَخَبَرٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ قَالَ: قَدِمْت عَلَى عُمَرَ فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ قَدْ كَادَ يَصِيرُ خَلًّا، فَقَالَ لِي: اشْرَبْ؟ قَالَ: فَمَا كِدْت أَنْ أَسِيغَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ لِي: إنَّا نَشْرَبُ هَذَا النَّبِيذَ الشَّدِيدَ لِيَقْطَعَ لُحُومَ الْإِبِلِ فِي بُطُونِنَا أَنْ تُؤْذِيَنَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا بَلَغَ مُقَارَبَةَ الْخَلِّ فَلَيْسَ مُسْكِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: إنَّ ثَقِيفًا تَلَقَّتْ عُمَرَ بِشَرَابٍ فَلَمَّا قَرَّبَهُ إلَى فِيهِ كَرِهَهُ، ثُمَّ كَسَرَهُ بِالْمَاءِ، وَقَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا - وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ أَنَّ رَجُلًا عَبَّ فِي نَبِيذٍ لِعُمَرَ فَسَكِرَ فَلَمَّا أَفَاقَ حَدَّهُ، ثُمَّ أَوْجَعَ النَّبِيذَ بِالْمَاءِ فَشَرِبَ مِنْهُ - وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: أَخَذْنَا زَبِيبًا فَأَكْثَرْنَا مِنْهُ فِي أَدَاوَانَا وَأَقْلَلْنَا الْمَاءَ فَلَمْ نَلْقَ عُمَرَ حَتَّى عَدَا طَوْرَهُ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ عَدَا طَوْرَهُ وَأَرَيْنَاهُ إيَّاهُ فَذَاقَهُ فَوَجَدَهُ شَدِيدًا فَكَسَرَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ - وَهْبُ بْنُ الْأَسْوَدِ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا نَبِيذٌ قَدْ اشْتَدَّ بَعْضَ

الشِّدَّةِ فَذَاقَهُ، ثُمَّ قَالَ: بَخٍ بَخٍ اكْسِرْهُ بِالْمَاءِ - وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُعَدِّلِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: إنَّ عُمَرَ يُنْبَذُ لَهُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ قَائِمَةً؟ فَجَاءَ فَذَاقَهُ فَقَالَ: إنَّكُمْ أَقْلَلْتُمْ عَكَرَهُ - أَبُو الْمُعَدِّلِ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُبَيْدَة بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى أَهْلَ الطَّائِفِ مِنْ نَبِيذِهِمْ فَسَقَوْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ إنَّكُمْ تَشْرَبُونَ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ الشَّدِيدِ فَأَيُّكُمْ رَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ شَيْءٌ فَلْيَكْسِرْهُ بِالْمَاءِ؟ وَهَذَا لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا، بَلْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الشَّرَابِ الشَّدِيدِ الْمُرِيبِ، وَالْأَمْرُ بِأَنْ يُغَيَّرَ بِالْمَاءِ عَنْ حَالِهِ تِلْكَ حَتَّى يُفَارِقَ الشِّدَّةَ وَالْإِرَابَةَ - لَيْسَ لَهُمْ عَنْ عُمَرَ إلَّا هَذَا - وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ كَسْرَ النَّبِيذِ بِالْمَاءِ لَا يَنْقُلُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحْرِيمٍ إلَى تَحْلِيلٍ، وَأَنَّهُ عِنْدَهُمْ قَبْلَ كَسْرِهِ بِالْمَاءِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِسْكَارِ فَهُوَ حِينَئِذٍ عِنْدَنَا حَلَالٌ، فَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ مَا فِيهَا مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا - وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ تَحْرِيمُ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ إدَاوَاتِهِ فَسَكِرَ فَجَلَدَهُ عَلِيٌّ الْحَدَّ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَنْ شَرِيكٍ - وَهُوَ مُدَلِّسٌ ضَعِيفٌ - عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - وَالشَّعْبِيِّ لَمْ يَسْمَعْ عَلِيًّا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا شَرِبَ مِنْ تِلْكَ الْإِدَاوَةِ بَعْدَ مَا أَسْكَرَ مَا فِيهَا - فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَكِرَ مِنْ طِلَاءٍ فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ الْحَدَّ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّمَا شَرِبْت مَا أَحْلَلْتُمْ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنَّمَا ضَرَبْتُك لِأَنَّك سَكِرْت - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ - وَمُجَالِدٌ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَخَبَرٌ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَطْعَمَك أَخُوك الْمُسْلِمُ طَعَامًا فَكُلْ وَإِذَا سَقَاك شَرَابًا فَاشْرَبْ فَإِنْ رَابَك فَأَسْجُجْهُ بِالْمَاءِ، وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ نَبِيذِ الْمُسْكِرِ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ. وَلَا إبَاحَةُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ الْمَأْكَلِ كَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا إبَاحَةُ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ لَا تُفَتِّشَ عَلَى أَخِيك الْمُسْلِمِ وَأَنْ يُسَجَّ النَّبِيذُ إذَا خِيفَ أَنْ يُسْكِرَ بِالْمَاءِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا إذَا كَانَ الْمَاءُ يُحِيلُهُ عَنْ الشِّدَّةِ إلَى إبْطَالِهَا - وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ جُمْلَةً. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ إلَى حَمَّامٍ لَهُ بِالْعَاقُولِ فَأَكَلُوا مَعَهُ ثُمَّ أُوتُوا بِعَسَلٍ وَطِلَاءٍ فَقَالَ: اشْرَبُوا الْعَسَلَ أَنْتُمْ: وَشَرِبَ هُوَ الطِّلَاءَ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْتَنْكِرُ مِنْكُمْ وَلَا يَسْتَنْكِرُ مِنِّي قَالَ: وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ تُوجَدُ مِنْ هُنَالِكَ، وَأَشَارَ إلَى أَقْصَى الْحَلْقَةِ عُثْمَانُ بْنُ قَيْسٍ مَجْهُولٌ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " إنَّ الْقَوْمَ يَجْلِسُونَ عَلَى الشَّرَابِ، وَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ فَمَا يَقُومُونَ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ شِمَاسِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - شِمَاسٌ وَلَبِيدً مَجْهُولَانِ، وَرَجُلٌ أَجْهَلُ وَأَجْهَلُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ: مَا مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَغْلِيَ، وَهُوَ حَلَالٌ فَلَا يَقُومُونَ حَتَّى يَأْخُذَ فِي الْغَلَيَانِ فَيَحْرُمَ - فَهَذِهِ دَعْوَى كَدَعْوَى بَلْ هَذِهِ أَصَحُّ مِنْ دَعْوَاهُمْ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الشَّرَابَ لَا يَحْرُمُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْمُسْكِرُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّ الشَّرَابَ نَفْسَهُ يَحْرُمُ - فَصَحَّ تَأْوِيلُنَا وَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ. وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَسْقِينَا نَبِيذًا شَدِيدًا - وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَخَبَرٌ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: أَكَلْت مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأُتِينَا بِنَبِيذٍ شَدِيدٍ نَبَذَتْهُ سِيرِينَ فِي جَرَّةٍ خَضْرَاءَ فَشَرِبُوا مِنْهُ سِيرِينَ هِيَ أُمُّ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَوْرَدُوا لِقَوْلِهِمْ وِفَاقٌ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يُسْقِطُ تَعَلُّقَهُمْ بِهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ -:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا فَإِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا تَنَازُعٌ يَجِبُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ نَبِيذًا شَدِيدًا أَيْ خَاثِرًا لَفِيفًا حُلْوًا - فَهَذَا مُمْكِنٌ أَيْضًا. وَخَبَرٌ: عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ مَضَى إلَى أَنَسٍ فَأَبْصَرَ عِنْدَهُ طِلَاءً شَدِيدًا - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ - عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " شَدِيدًا " أَيْ خَاثِرًا لَفِيفًا، وَهَذِهِ صِفَةُ الرُّبِّ الْمَطْبُوخِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ، مَا لَمْ يُسْكَرْ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ كَمَا قُلْنَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ - وَلَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ - عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ اشْرَبْ فَإِذَا رَهِبْت أَنْ تَسْكَرَ فَدَعْهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَاهِرُهُ اشْرَبْ الشَّرَابَ مَا لَمْ يُسْكِرْ فَإِذَا رَهِبْت أَنْ تَشْرَبَهُ فَتَسْكَرَ مِنْهُ فَدَعْهُ - هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيذِ؟ فَقَالَ: اشْرَبْ فَإِذَا رَهِبْت أَنْ تَسْكَرَ فَدَعْهُ. وَخَبَرٌ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ نَبِيذٍ فِي سِقَاءٍ لَوْ نَكَهْته لَأُخِذَ مِنِّي؟ فَقَالَ: إنَّمَا الْبَغْيُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْبَغْيَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَبِّهِ الْمَاءَ عَلَى النَّبِيذِ - وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ إبَاحَةٌ لِشُرْبِ الْمُسْكِرِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُنْبَذُ لَهُ فِي جُرٍّ وَيُجْعَلُ لَهُ فِيهِ عَكَرٌ - وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ النَّضْرَ مَجْهُولٌ، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّهُ شَرِبَ مَعَهُ نَبِيذَ جُرٍّ فِيهِ دُرْدِيٌّ. وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ مِثْلُهُ - وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ يُجْعَلُ فِي نَبِيذِهِ عَكَرٌ، وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ: ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ - وَصَحَّ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمَنْعُ مِنْ الْعَكَرِ - وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ: خَمْرٌ. وَأَخْبَارٌ صِحَاحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -: مِنْهَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ نا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَقَدْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ. وَآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ مَعْقِلٍ أَنَّ هَمَّامَ بْنَ مُنَبِّهٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَمَّا الْخَمْرُ فَحَرَامٌ لَا سَبِيلَ إلَيْهَا، وَأَمَّا مَا سِوَاهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَرِبَ أَخِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَشَرِبَ مَعَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بِمِصْرَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَسَكِرَا فَلَمَّا أَصْبَحَا انْطَلَقَا إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمِيرِ مِصْرَ فَقَالَا لَهُ: طَهِّرْنَا فَإِنَّا قَدْ سَكِرْنَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبْنَاهُ، فَجَلَدَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قَالُوا: فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ فَلَمْ يَجْعَلْهَا خَمْرًا، وَهَذَا أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَأَبُو سِرْوَعَةَ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَأَوْا الْحَدَّ فِي السُّكْرِ مِنْ شَرَابٍ شَرِبَاهُ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. فَفَرَّقُوا كُلُّهُمْ بَيْنَ الْخَمْرِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ فَلَمْ يَرَوْهَا خَمْرًا، وَرَامُوا بِهَذَا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ إلَّا مِنْ الْعِنَبِ فَقَطْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ أَثْبَتَا أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ - وَلَيْسَ فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي سِرْوَعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ.

وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا شَرِبَا عَصِيرَ عِنَبٍ ظَنًّا أَنَّهُ لَا يُسْكِرُ فَسَكِرَا - وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَدْفَعُ هَذَا، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إلَّا أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الْخَمْرَ هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ فَقَطْ وَمَا سِوَاهَا فَلَيْسَ خَمْرًا - فَهَذَا مَكَانٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ إذَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ لَا فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ، فَإِذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا هَذَا فَقَطْ فَنَحْنُ نُوجِدُهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، نَعَمْ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَفْسِهِ بِأَصَحَّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ أَيْضًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ بِالْمَدِينَةِ خَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ كُلَّهَا يَدْعُونَهَا الْخَمْرَ مَا فِيهَا خَمْرُ الْعِنَبِ؛ فَهَذَا بَيَانُ خَبَرِهِمْ بِمَا يُبْطِلُ تَعَلُّقَهُمْ بِهِ، فَإِذَا أَوْجَدْنَاهُمْ هَذَا فَقَدْ صَحَّ التَّنَازُعُ، وَوَجَبَ الرَّدُّ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا إنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ تَحْرِيمُ السُّكْرِ وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ وَإِبَاحَةُ كُلِّ مَا أَسْكَرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: رَأَيْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَشْرَبُ نَبِيذَ الْجُرِّ بَعْدَ أَنْ يَسْكُنَ غَلَيَانُهُ - يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الطِّلَاءَ الشَّدِيدَ - وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ لَفِيفٌ جِدًّا - فَلَوْ كَانَتْ حَرَامًا مَا خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سَلَفَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوَضْعِ الْأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ [أَبَدًا] . وَيَقُولُونَ: بِأَنْ يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ خَفِيَ عَلَى الْأَنْصَارِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» حَتَّى ذُكِّرُوا بِهِ - وَالْأَمْرُ هُنَا يَتَّسِعُ، وَلَيْسَ كُلُّ صَاحِبٍ يُحِيطُ بِجَمِيعِ السُّنَنِ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلَا يَكْفُرُ مَنْ

لَمْ يُحَرِّمْ مَا سِوَاهَا مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدْنَا إنْسَانًا غَابَ عَنْهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ لَمَا كَفَّرْنَاهُ فِي إحْلَالِهَا حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ الْأَمْرُ، فَحِينَئِذٍ إنْ أَصَرَّ عَلَى اسْتِحْلَالِ مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَرَ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مُسْتَحِلُّ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ وَكُلَّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُهُ لَا يَكْفُرُ مِنْ جَهْلِ ذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِهِ - فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَصَحَّ لَدَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ ذَلِكَ فَأَصَرَّ عَلَى اسْتِحْلَالِ مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَكْفُرُ جَاهِلٌ أَبَدًا حَتَّى يَبْلُغَهُ الْحُكْمُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا بَلَغَهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ مُخَالَفَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَفْسُقُ إنْ عَمِلَ بِخِلَافِهِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَقَالَ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبَ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٌ مِمَّا أَوْرَدُوا كُلَّهُ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ وَلَا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِهِمْ: أَنَّ الْخَمْرَ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ إلَّا عَصِيرَ الْعِنَبِ فَقَطْ دُونَ نَقِيعِ الزَّبِيبِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْخَمْرَ الْمُحَرَّمَةَ لَيْسَتْ إلَّا نَقِيعَ الزَّبِيبِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، وَعَصِيرَ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ. فَصَحَّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فَاسِدَانِ مُبْتَدَعَانِ خَارِجَانِ عَنْ كُلِّ أَثَرٍ ثَبَتَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: هُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مُقَلِّدِيهِ - عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّفْسِيرَ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ آرَائِهِمْ الْخَبِيثَةِ - وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كَلَامِهِ فِي الْعِتْقِ الَّذِي بَيْنَ كَلَامِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَكَلَامِهِ فِي الرَّهْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَرَامٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالسُّكْرُ عِنْدَنَا حَرَامٌ مَكْرُوهٌ وَنَقِيعُ

الزَّبِيبِ عِنْدَنَا إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى عِنْدَنَا حَرَامٌ مَكْرُوهٌ - وَالطِّلَاءُ مَا زَادَ عَلَى مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ - وَكَانَ يَكْرَهُ دُرْدِيَّ الْخَمْرِ أَنْ يُشْرَبَ وَأَنْ تَمْتَشِطَ بِهِ الْمَرْأَةُ وَلَا يُحَدُّ مَنْ شَرِبَهُ إلَّا أَنْ يَسْكَرَ فَإِنْ سَكِرَ حُدَّ. هَذَا نَصُّ كَلَامِهِمْ هُنَالِكَ، وَدُرْدِيُّ الْخَمْرِ هُوَ الْعَكَرُ الَّذِي يُعْقَدُ مِنْهَا فِي قَاعِ الدَّنِّ. وَهُوَ خَمْرٌ بِلَا شَكٍّ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا الْهَوَسِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَإِنَّمَا هِيَ -: قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأَنْبِذَةُ كُلُّهَا حَلَالٌ إلَّا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْخَمْرُ، وَالْمَطْبُوخُ إذَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ فَإِنَّهُ السَّكَرُ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ. وَلَا خِلَافَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ نَقِيعَ الدُّوشَاتِ عِنْدَهُ حَلَالٌ وَإِنْ أَسْكَرَ، وَكَذَلِكَ نَقِيعُ الرُّبِّ وَإِنْ أَسْكَرَ -: وَالدُّوشَاتُ مِنْ التَّمْرِ، وَالرُّبُّ مِنْ الْعِنَبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ شَرَابٍ مِنْ الْأَنْبِذَةِ يَزْدَادُ جَوْدَةً عَلَى التَّرْكِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِلَّا أُجِيزَ بَيْعُهُ وَوَقْتُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ كَانَ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلَا بَأْسَ، بِهِ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. هَذَا كَلَامُهُمْ فِي الْأَصْلِ الْكَبِيرِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِمَّا عَدَا الْخَمْرَ أَكْرَهُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ. فَإِنْ صَلَّى إنْسَان وَفِي ثَوْبِهِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَعَادَهَا أَبَدًا فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ السَّخَافَاتِ لَئِنْ كَانَ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ أَبَدًا فَهُوَ نَجِسٌ، فَكَيْفَ يُبِيحُ شُرْبَ النَّجِسِ؟ وَلَئِنْ كَانَ حَلَالًا فَلِمَ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ الْحَلَالِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَوَّلُ فَسَادِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا كُلُّهَا أَقْوَالٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ يُوَافِقُهَا وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا صَحِيحٍ وَلَا غَيْرِ صَحِيحٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي تَحْدِيدِهِ عَشَرَةَ الْأَيَّامِ فَيَا لِعَظِيمِ مُصِيبَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي أَنْفُسِهِمْ إذْ يُشَرِّعُونَ الشَّرَائِعَ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مِنْ ذَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ بِأَسْخَفِ قَوْلٍ وَأَبْعَدِهِ عَنْ الْمَعْقُولِ؟

قَالَ عَلِيٌّ: وَبَقِيَ مِمَّا مَوَّهَ بِهِ مُقَلِّدُو أَبِي حَنِيفَةَ أَشْيَاءَ نُورِدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَذْكُرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَسَادَهَا، ثُمَّ نُعَقِّبُ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ عَلِيٌّ: قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] . وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 60] . فَاقْتَضَى هَذَا إبَاحَةَ كُلِّ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ فَلَا يَحْرُمُ بَعْدَ هَذَا إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ مِنْ مَجِيءِ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ هُنَا بَدَءُوا بِالتَّنَاقُضِ وَمَا خَالَفْنَاهُمْ قَطُّ لَا نَحْنُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ الْخَمْرَ، وَلَا الْخِنْزِيرَ، وَلَا الْمَيْتَةَ حَتَّى نَزَلَ تَحْرِيمُ كُلِّ ذَلِكَ، فَلَمَّا نَزَلَ التَّحْرِيمُ حَرَّمَ مَا نَزَلَ تَحْرِيمُهُ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ حَرَّمَ نَبِيذَ ثَمَرِ النَّخِيلِ بِخَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ غَيْرِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَلَا مَنْقُولٍ نَقْلَ التَّوَاتُرِ. ثُمَّ قَالُوا: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» فَالْخَمْرُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ قَاطِعَةٌ. وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا تَرْجِعُ إلَى الْأَوْزَاعِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو كَثِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» . أَبُو كَثِيرٍ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَافْتَرَقُوا فِي خِلَافِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ -: فَأَمَّا الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ ذِكْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النَّخْلَةَ مَعَ الْعِنَبَةِ بِمُوجِبٍ أَنْ يَكُونَ الْخَمْرُ مِنْ النَّخْلَةِ بَلْ الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبَةِ فَقَطْ قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 21] {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] .

قَالَ: فَإِنَّمَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ مِنْ أَحَدِهِمَا -: قَالَ: وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130] قَالَ: وَإِنَّمَا الرُّسُلُ مِنْ الْإِنْسِ لَا مِنْ الْجِنِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ الطَّحَاوِيُّ، وَكَذَبَ مَنْ أَخْبَرَهُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ خَارِجَانِ مِنْ الْبَحْرَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيْنَهُمَا الْبَرْزَخُ فَلَا يَبْغِيَانِ، وَلَقَدْ جَاءَتْ الْجِنَّ رُسُلٌ مِنْهُمْ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مُتَعَبَّدُونَ مَوْعُودُونَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا قُتَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ» فَذَكَرَ مِنْهَا «وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَوْفِيُّ نا هُشَيْمٌ أَنَا سَيَّارٌ نا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ أَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي» فَذَكَرَ فِيهَا «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَحُمَيْدَ كِلَيْهِمَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي، أُرْسِلْتُ إلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ. فَصَحَّ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ وَحْدَهُ إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَأَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ قَطُّ إلَّا إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُمْ مُذْ خُلِقُوا مَأْمُورُونَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّنَنِ الْقَاطِعَةِ أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إلَيْهِمْ نَبِيٌّ مِنْ الْإِنْسِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْجِنُّ لَيْسُوا قَوْمَ أَحَدٍ مِنْ الْإِنْسِ.

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُمْ بُعِثَ إلَيْهِمْ أَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ، وَبَطَلَ تَخْلِيطُ الطَّحَاوِيِّ بِالْبَاطِلِ الَّذِي رَامَ بِهِ دَفْعَ الْحَقِّ. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» قَالَ: وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ وَالْعَفْوُ فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ لَا فِي الشِّرْكِ، وَقَدْ ذُكِرَ مَعَ سَائِرِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ شَدِيدٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ -: أَحَدُهَا: كَفَّارَةُ عِبَادَةٍ بِغَيْرِ ذَنْبٍ أَصْلًا قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . وَقَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ أَفْضَلَ مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْيَمِينِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَدْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[عَلَى] أَنَّ الْحِنْثَ وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْوَفَاءِ بِالْيَمِينِ. وَالثَّانِي: كَفَّارَةٌ بِلَا ذَنْبٍ بَاقٍ لَكِنْ لِذَنْبٍ قَدْ تَقَدَّمَ غُفْرَانُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ كَالْحَدِّ يُقَامُ عَلَى التَّائِبِ مِنْ الزِّنَى. وَالثَّالِثُ: كَفَّارَةٌ لِذَنْبٍ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَتَرْفَعُهُ الْكَفَّارَةُ كَحَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَتُوبَا. وَالرَّابِعُ: كَفَّارَةٌ عَلَى ذَنْبٍ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَلَا رَفَعَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا حَطَّتْهُ كَالْعَائِدِ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَمْدًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ - قَالَ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] .

فَهَذِهِ نِقْمَةٌ مُتَوَعَّدٌ بِهَا مَعَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، فَالْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَى عُمُومِهَا إمَّا مُسْقِطَةٌ لِلذَّنْبِ وَعُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ فِي الزِّنَى وَالْقَتْلِ، وَالْبُهْتَانِ الْمُفْتَرَى، وَالْمَعْصِيَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَإِمَّا غَيْرُ مُسْقِطَةٍ لِلذَّنْبِ، وَعُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ قَتْلُ الْمُشْرِكِ عَلَى شِرْكِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» فَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ؟ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالرُّسُلَ، وَالْأَنْبِيَاءَ، وَالصَّالِحِينَ، وَالْفُسَّاقَ وَالْكُفَّارَ، وَإِبْلِيسَ، وَفِرْعَوْنَ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَأَبَا لَهَبٍ، كُلَّهُمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِمْ مَا يَشَاءُ مِنْ عُقُوبَةٍ أَوْ عَفْوٍ، إلَّا أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ يُعَاقِبُ الْكُفَّارَ وَلَا بُدَّ، وَإِبْلِيسَ، وَأَبَا لَهَبٍ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَفِرْعَوْنَ، وَلَا بُدَّ - وَيَرْضَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ، وَلَا بُدَّ، وَكُلُّهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، مَنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ شَاءَ أَنْ يُعَاقِبَهُ، وَمَنْ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ فَقَدْ شَاءَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. أَمَّا عِلْمُ الْجَاهِلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ أَنْ يُعَذِّبَ الْمَلَائِكَةَ، وَالرُّسُلَ، وَيُنْعِمَ الْكُفَّارَ لَمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، لَكِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ. أَمَا سَمِعَ قَوْله تَعَالَى {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 129] وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] ثُمَّ اسْتَثْنَى الشِّرْكَ جُمْلَةً أَبَدِيَّةً، وَمَنْ رَجَحَتْ كَبَائِرُهُ وَسَيِّئَاتُهُ حَتَّى يَخْرُجُوا بِالشَّفَاعَةِ. أَمَا عَقَلَ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَا بُدَّ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ إلَى سَائِرِ النُّصُوصِ. فَهَلْ فِي الضَّلَالِ أَشْنَعُ مِمَّنْ جَعَلَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ؟ بَلْ عَلَى التَّدْلِيسِ فِي الدِّينِ وَإِلَّا فَأَيُّ وَجْهٍ لَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يُبَيِّنَ عَلَيْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعِنَبِ فَقَطْ فَيُقْحِمَ فِي ذَلِكَ النَّخْلَةَ، وَهِيَ لَا تَكُونُ الْخَمْرُ مِنْهَا؟ هَلْ هَذَا إلَّا فِعْلُ الْفُسَّاقِ وَالْمُلْغِزِينَ فِي الدِّينِ، الْعَابِثِينَ فِي كَلَامِهِمْ؟ فَسُحْقًا

فَسُحْقًا لِكُلِّ هَوًى يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ مِمَّا يَتَرَفَّعُ عَنْهُ كُلُّ مُجِدٍّ لَا يَرْضَى بِالْكَذِبِ، وَسَيُرَدُّونَ وَنُرَدُّ، وَيَعْلَمُونَ وَنَعْلَمُ، وَاَللَّهِ لَتَطُولَن النَّدَامَةُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْعَظَائِمِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هُدَاهُ لَنَا كَثِيرًا {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] . وَهَلْ بَيَّنَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْعِنَبَةَ فَقَطْ لَا النَّخْلَةَ فَذَكَرَ النَّخْلَةَ؟ لَا نَدْرِي لِمَاذَا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ فَاسِقٍ يَقُولُ: الْكَذِبُ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ مُحَمَّدٍ وَمُسَيْلِمَةِ؟ فَتَأَمَّلُوا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ، وَهَذَا الْقَوْلُ تَجِدُوهُ سَوَاءً سَوَاءً فَتَحَكَّمَ الطَّحَاوِيُّ بِالْبَاطِلِ فِي هَذَا الْخَبَرِ كَمَا تَرَوْنَ وَتَحَكَّمَ أَصْحَابُهُ فِيهِ أَيْضًا بِبَاطِلَيْنِ آخَرَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ الْخَمْرُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: لَيْسَ الْخَمْرُ إلَّا مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، إنَّمَا قَالَ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» فَأَوْجَبَ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَمْنَعْ أَنْ تَكُونَ الْخَمْرُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِمَا إنْ وَرَدَ بِذَلِكَ نَصٌّ صَحِيحٌ، بَلْ قَدْ جَاءَ نَصٌّ بِذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ نا الْمُعْتَمِرُ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ -[قَالَ] قَرَأْت عَلَى الْفُضَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ قَالَ: إنَّ الشَّعْبِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الْخَمْرَ مِنْ الْعَصِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ، وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ» -: أَبُو حَرِيزٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ - قَاضِي سِجِسْتَانَ رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَغَيْرُهُ. فَهَذَا نَصٌّ كَنَصِّهِمْ وَزَائِدٌ عَلَيْهِ مَا لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» . وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَبِيذِ ثَمَرِ النَّخْلِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ خَمْرًا وَإِنْ أَسْكَرَ، فَتَحَكَّمُوا فِي الْخَبَرِ الَّذِي أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهِ تَحَكُّمًا ظَاهِرَ الْفَسَادِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ إذْ خَالَفُوا مَا فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ، وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي

شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ أَوْ مِنْ النَّاسِ سَلَفٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَوَّهُوا فِي إبَاحَةِ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَسْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ بِرِوَايَاتٍ -: مِنْهَا: مَا رُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ إلَى إبْرَاهِيمَ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَرْزُقُوا النَّاسَ الطِّلَاءَ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ. وَأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ حَيَّانَ الْأَسَدِيِّ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارًا قَدْ شَرِبَ مِنْ الْعَصِيرِ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَسَقَاهُ مَنْ حَوْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، كَانَا يَشْرَبَانِ الطِّلَاءَ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي مُوسَى مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُ النَّاسَ طِلَاءً يَقَعُ فِيهِ الذُّبَابُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِثْلُ هَذَا. وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِخَبَرٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِي مُقَاسَمَةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إبْلِيسَ الزَّرْجُونَ: لِإِبْلِيسِ الثُّلُثَانِ، وَلِنُوحٍ الثُّلُثُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِثْلُ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُدْرِكْ أَنَسٌ، وَلَا ابْنُ سِيرِينَ نُوحًا بِلَا شَكٍّ، وَلَا نَدْرِي مِمَّنْ سَمِعَاهُ، وَلَوْ سَمِعَهُ أَنَسٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اسْتَحَلَّ كِتْمَانَ اسْمِهِ - فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا. وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ مَتَى أُهْرِقَ مِنْ الْعَصِيرِ ثُلُثَاهُ حَلَّ بَاقِيهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ بِالطَّبْخِ وَبَيْنَ ذَهَابِهِمَا بِالْهَرْقِ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى السُّكْرُ فَقَطْ كَمَا حَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَحُدُّ الْحُدُودَ فِي الدِّيَانَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ أَحَدٌ سِوَاهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ هَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ

ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ: عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ: عَنْ أَشْعَثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبْزَى، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ جَبْرٍ، وَجَرِيرِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ طَلْحَةُ: رَأَيْت أَبَا جُحَيْفَةَ السُّوَائِيَّ، وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ ثُمَّ اتَّفَقَ عَنْ الْبَرَاءِ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ أَبْزَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الطِّلَاءَ عَلَى النِّصْفِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ، وَوَكِيعٍ، وَعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ دِينَارٍ الْأَعْرَجِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ أَيْضًا: عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ عَلَى النِّصْفِ وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الطِّلَاءَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ الْحَكَمِ: إنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَشْرَبُ الطِّلَاءَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ الْأَعْمَشُ: وَكَانَ إبْرَاهِيمُ يَشْرَبُهُ عَلَى النِّصْفِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ - وَرَوَى عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ؛ فَالْعَجَبُ لِقِلَّةِ حَيَاءِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ؟ وَالثَّالِثُ: قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ، وَعَلِيًّا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَأَنْ أَشْرَبَ قُمْقُمًا مُحْمًى أَحْرَقَ مَا أَحْرَقَ وَأَبْقَى مَا أَبْقَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْرَبَ نَبِيذَ الْجُرِّ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُدْرِكْ قَتَادَةُ عُمَرَ؟ قُلْنَا: وَلَا أَدْرَكَ مُعَاذًا، وَلَا أَبَا عُبَيْدَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ قَالَ: إنَّ عَلِيًّا لَمَّا بَلَغَهُ فِي نَبِيذٍ شَرِبَهُ أَنَّهُ نَبِيذُ جُرٍّ تَقَيَّأَهُ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مُسْكِرًا بَلْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ أَنَّ الذُّبَابَ كَانَ يَقَعُ فِيهِ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى

عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنِّي أُتِيت بِشَرَابٍ قَدْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ فَذَهَبَ مِنْهُ شَيْطَانُهُ وَرِيحُ جُنُونِهِ وَبَقِيَ طِيبُهُ وَحَلَالُهُ فَمُرْ الْمُسْلِمِينَ قِبَلَك فَلْيَتَوَسَّعُوا بِهِ فِي شَرَابِهِمْ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي إبْطَالِ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ مَخْلُوطَيْنِ فِي النَّبِيذِ بِأَنْ قَالُوا: لَوْ شَرِبَ هَذَا ثُمَّ هَذَا أَكَانَ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ خَلْطِهِمَا قَبْلَ شُرْبِهِمَا وَبَيْنَ خَلْطِهِمَا فِي جَوْفِهِ؟ فَقُلْنَا: لَا يَحِلُّ أَنْ يُعَارَضَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذَا، لَكِنْ تُعَارِضُونَ أَنْتُمْ فِي بِدْعَتِكُمْ هَذِهِ الْمُضِلَّةِ بِأَنْ نَقُولَ لَكُمْ: أَرَأَيْتُمْ الْعَصِيرَ إذَا أَسْكَرَ قَبْلَ أَنْ يُطْبَخَ، ثُمَّ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ أَيَحِلُّ عِنْدَكُمْ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، فَنَقُولُ لَهُمْ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ طَبْخِهِ بَعْدَ أَنْ يُسْكِرَ وَبَيْنَ طَبْخِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْكِرَ، وَالسُّكْرُ حَاصِلٌ فِيهِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ؟ فَإِذَا أَبْطَلَ الطَّبْخُ تَحْرِيمَهُ إذَا أَسْكَرَ بَعْدَهُ كَذَلِكَ يَبْطُلُ تَحْرِيمُهُ إذَا أَسْكَرَ قَبْلَهُ وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْمُعَارَضَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِ عُمَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَاعُوا ثُلُثَيْنِ وَلَا ثُلُثًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: قَدِمْنَا الْجَابِيَةَ مَعَ عُمَرَ فَأُتِينَا بِالطِّلَاءِ وَهُوَ مِثْلُ عَقْدِ الرُّبِّ إنَّمَا يُخَاضُ بِالْمَخُوضِ خَوْضًا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ فِي هَذَا لَشَرَابًا مَا انْتَهَى إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قِرَاءَةٌ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا تُحِلُّ النَّارُ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ قَالَ: ثُمَّ فَسَّرَ لِي قَوْلَهُ: لَا تُحِلُّ النَّارُ شَيْئًا لِقَوْلِهِمْ فِي الطِّلَاءِ وَلَا تُحَرِّمُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ سِوَاهُ - وَصَحَّ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الطِّلَاءِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت الَّذِي مِثْلَ الْعَسَلِ تَأْكُلُهُ بِالْخُبْزِ وَتَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَتَشْرَبُهُ؟ عَلَيْك بِهِ، وَلَا تَقْرَبْ مَا دُونَهُ وَلَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَسْقِهِ، وَلَا تَبِعْهُ، وَلَا تَسْتَعِنْ بِثَمَنِهِ - فَإِنَّمَا رَاعَى عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ مَا لَا يُسْكِرُ فَأَحَلُّوهُ، وَمَا يُسْكِرُ فَحَرَّمُوهُ. وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ بِجِبَالِ رَيَّةَ أَعْنَابًا إذَا طُبِخَ عَصِيرُهَا فَنَقَصَ مِنْهُ الرُّبْعُ صَارَ رُبًّا خَائِرًا لَا يُسْكِرُ بَعْدَهَا كَالْعَسَلِ فَهَذَا حَلَالٌ بِلَا شَكٍّ. وَشَاهَدْنَا بِالْجَزَائِرِ أَعْنَابًا رَمْلِيَّةً تُطْبَخُ حَتَّى تَذْهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهِيَ بَعْدُ خَمْرٌ

مُسْكِرَةٌ كَمَا كَانَتْ فَهَذَا حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا بِالْبَرَاهِينِ الَّتِي أَوْرَدْنَا وَخَرَجَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ وَلَا بِرِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، لَا فِي مُسْنَدٍ، وَلَا فِي مُرْسَلٍ، وَلَا عَنْ صَاحِبٍ، وَلَا عَنْ تَابِعٍ، وَلَا كَانَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنْ الْأُمَّةِ يَعْرِفُ أَصْلًا قَبْلَهُمْ فَلْنَأْتِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَرَاهِينِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» هَذَا لَفْظُ سُفْيَانَ - وَلَفْظُ مَالِكٍ «سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَالْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ فِي صِحَّةِ إسْنَادِهِ وَقَدْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ سُئِلَ عَنْ شَرَابِ الْعَسَلِ أَنَّهُ إذَا أَسْكَرَ حَرَامٌ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمَحْرُومِينَ إنَّ شَرَابَ الْعَسَلِ الْمُسْكِرِ حَلَالٌ وَالسُّكْرُ مِنْهُ حَلَالٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ مِثْلِ ضَلَالِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ، قَالَ يَحْيَى: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ مِنْ الشَّعِيرِ، وَشَرَابًا يُقَالُ لَهُ: الْبِتْعُ مِنْ الْعَسَلِ؟ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا خَالِدٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ

سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ مُسْكِرٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الْمِزْرَ؟ قَالَ: وَمَا الْمِزْرُ؟ قَالَ: حَبَّةٌ تُصْنَعُ بِالْيَمَنِ؟ قَالَ: تُسْكِرُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَابْنِ عَجْلَانَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَرَوَاهُ عَنْ حَمَّادٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَيُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ. وَرَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَنْ شِئْت. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ هُوَ أَبُو الْخَيْرِ - «عَنْ دَيْلَمٍ هُوَ ابْنُ الْهَوْشَعِ الْحِمْيَرِيُّ - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ نُعَالِجُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا وَإِنَّا نَتَّخِذُ مِنْ هَذَا الْقَمْحِ شَرَابًا نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا، فَقَالَ: هَلْ يُسْكِرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاجْتَنِبُوهُ قُلْتُ: فَإِنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا غَيْرُ تَارِكِيهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ قَاتِلُوهُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيِّ نا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ هُوَ ابْنُ ضَمْرَةَ - نا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيُّ نا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ نا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ سِنَانٍ الْمُزَنِيّ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ الْبَغَوِيّ قَالَ أَبُو دَاوُد: نا قُتَيْبَةَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ قُتَيْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ، وَقَالَا جَمِيعًا: نا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - نا دَاوُد بْنُ بَكْرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الْفُرَاتِ - نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذِهِ الْآثَارُ الْمُتَظَاهِرَةُ الثَّابِتَةُ الصِّحَاحُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَالدَّيْلَمِ بْنِ الْهَوْشَعِ كُلِّهِمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَلَا يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى حِيلَةٍ، بَلْ بِالنَّصِّ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّرَابِ نَفْسِهِ إذَا أَسْكَرَ وَتَحْرِيمِ شَرَابِ الْعَسَلِ، وَشَرَابِ الشَّعِيرِ، وَشَرَابِ الْقَمْحِ إذَا أَسْكَرَ، وَشَرَابِ الذُّرَةِ إذَا أَسْكَرَ، وَتَحْرِيمِ الْقَلِيلِ مِنْ كُلِّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ بِخِلَافِ مَا يَقُولُ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَمَهُ التَّوْفِيقَ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَهُمْ يُوَثِّقُونَهَا إذَا وَافَقَتْ أَهْوَاءَهُمْ وَجَلَّحَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ الْحَيَاءِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْآثَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فَقَالَ: إنَّمَا عَنَى الْكَأْسَ الْأَخِيرَ الَّذِي يُسْكَرُ مِنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ مِنْ وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا دَلِيلٍ وَافْتِرَاءٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَاطِلِ، وَتَقْوِيلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ مُرَادِهِ، وَهَذَا يُوجِبُ النَّارَ لِفَاعِلِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي شَرَابِ الْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالْإِجَّاصِ وَالْكُمَّثْرَى، وَالْقَرَاسْيَا، وَالرُّمَّانِ، وَالدُّخْنِ، وَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ، إنَّمَا يَقُولُونَهُ فِي مَطْبُوخِ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَصِيرِ فَقَطْ، فَلَاحَ خِلَافُهُمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَارًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَأْوِيلٌ أَحْمَقُ وَتَخْرِيجٌ سَخِيفٌ، قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُرِيدَهُ، بَلْ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ عَنْ أَنْ يَقُولَهُ لِأَنَّنَا نَسْأَلُهُمْ أَيُّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَرَّمُ عِنْدَكُمْ؟ الْكَأْسُ الْآخِرَةُ أَمْ الْجَرْعَةُ الْآخِرَةُ، أَمْ آخِرُ نُقْطَةٍ تَلِجُ حَلْقَهُ؟

فَإِنْ قَالُوا: الْكَأْسُ الْآخِرَةُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ يَكُونُ مِنْ أُوقِيَّةٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَرْطَالٍ، وَأَكْثَرَ، فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَكُونُ هُنَالِكَ كَأْسٌ، بَلْ يَضَعُ الشَّرِّيبُ فَاهُ فِي الْكُوزِ فَلَا يُقْلِعُهُ عَنْ فَمِهِ حَتَّى يَسْكَرَ فَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ فِي الْكَأْسِ. فَإِنْ قَالُوا: الْجَرْعَةُ الْآخِرَةُ؟ قُلْنَا: وَالْجُرَعُ تَتَفَاضَلُ فَتَكُونُ مِنْهَا الصَّغِيرَةُ جِدًّا، وَتَكُونُ مِنْهَا مِلْءُ الْحَلْقِ، فَأَيُّ ذَلِكَ هُوَ الْحَرَامُ، وَأَيُّهُ هُوَ الْحَلَالُ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ فِي الْجَرْعَةِ أَيْضًا. فَإِنْ قَالُوا: آخِرُ نُقْطَةٍ؟ قُلْنَا: النُّقَطُ تَتَفَاضَلُ فَمِنْهَا كَبِيرٌ، وَمِنْهَا صَغِيرٌ حَتَّى نَرُدَّهُمْ إلَى مِقْدَارِ الصُّوَّابَةِ، وَيَحْصُلُوا فِي نِصَابِ مَنْ يَسْخَرُ بِهِمْ وَيَتَطَايَبُ بِأَخْبَارِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كَانُوا قَدْ نَسَبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْنَا مِقْدَارًا مَا فَصَّلَهُ عَمَّا أَحَلَّ وَذَلِكَ الْمِقْدَارُ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، وَهَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَتَحْرِيمُ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرَى مَا هُوَ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: أَنْتُمْ تُحَرِّمُونَ الْإِكْثَارَ الْمُهْلِكَ أَوْ الْمُؤْذِيَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ فَحُدُّوهُ لَنَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ وَالرِّيِّ الْمَحْسُوسَيْنِ بِالطَّبِيعَةِ اللَّذَيْنِ يُمَيِّزُهُمَا كُلُّ أَحَدٍ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى الطِّفْلُ الرَّضِيعُ وَالْبَهِيمَةُ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي عَقْلٍ إذَا بَلَغَ شِبَعُهُ قَطَعَ إلَّا الْقَاصِدُ إلَى أَذَى نَفْسِهِ وَاتِّبَاعِ شَهْوَتِهِ فَكَيْفَ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا تَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ هَذَا التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ؟ لِأَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ» إشَارَةٌ إلَى عَيْنِ الشَّرَابِ قَبْلَ أَنْ يُشْرَبَ لَا إلَى آخِرِ شَيْءٍ مِنْهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَأْسَ الْأَخِيرَ الْمُسْكِرَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَسْكَرَتْ الشَّارِبَ بِالضَّرُورَةِ يُدْرَى هَذَا، بَلْ هِيَ وَكُلُّ مَا شُرِبَ قَبْلَهَا وَقَدْ يَشْرَبُ الْإِنْسَانُ فَلَا يَسْكَرُ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى الرِّيحِ حَدَثَ لَهُ السُّكْرُ، وَكَذَلِكَ إنْ حَرَّكَ رَأْسَهُ حَرَكَةً قَوِيَّةً، فَأَيُّ أَجْزَاءِ شَرَابِهِ هُوَ الْحَرَامُ حِينَئِذٍ؟ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَقُولُ لَهُمْ إذَا قُلْتُمْ: إنَّ الْكَأْسَ الْأَخِيرَةَ هِيَ الْمُسْكِرَةُ فَأَخْبِرُونَا مَتَى صَارَتْ حَرَامًا مُسْكِرَةً؟ أَقْبَلَ شُرْبِهِ لَهَا، أَمْ بَعْدَ شُرْبِهِ لَهَا، أَمْ فِي حَالِ شُرْبِهِ لَهَا؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ. فَإِنْ قَالُوا: بَعْدَ أَنْ شَرِبَهَا؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُحَرَّمْ إلَّا بَعْدَ شُرْبِهِ لَهَا فَقَدْ كَانَتْ حَلَالًا حِينَ شُرْبِهِ لَهَا وَقَبْلَ شُرْبِهِ لَهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ الَّذِي لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَنْ

يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا شُرْبُهُ، فَإِذَا صَارَ فِي بَطْنِهِ صَارَ حَرَامًا شُرْبُهُ - هَذَا كَلَامٌ أَحْمَقُ وَسُخْفٌ وَهَذْرٌ لَا يُعْقَلُ. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ صَارَتْ حَرَامًا حِينَ شُرْبِهِ لَهَا؟ قُلْنَا: إنَّهَا لَا حَظَّ لَهَا فِي إسْكَارِهِ إلَّا بَعْدَ شُرْبِهِ لَهَا، وَأَمَّا فِي حِينِ شُرْبِهِ لَهَا فَلَيْسَتْ مُسْكِرَةً إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهَا سَتُسْكِرُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهَا وَهِيَ فِي دَنِّهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا فِي حِينِ شُرْبِهِ لَهَا وَبَيْنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَهَا؟ قُلْنَا: فَقُولُوا بِتَحْرِيمِ الْإِنَاءِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، وَبِتَنْجِيسِهِ، وَبِتَحْرِيمِ كُلِّ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الشُّرْبِ، وَبِتَنْجِيسِهِ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَطَهُ حَرَامٌ نَجِسٌ عِنْدَكُمْ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مَرْيَمَ بِنْتِ طَارِقٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ لِنِسَاءٍ عِنْدَهَا: مَا أَسْكَرَ إحْدَاكُنَّ فَلْتَجْتَنِبْهُ - وَإِنْ كَانَ مَاءَ حُبِّهَا [مَحَلِّهَا] فَإِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَتْنِي كَرِيَمَةُ بِنْتُ هَمَّامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ تَقُولُ: نُهِيتُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ، نُهِيتُمْ عَنْ الْحَنْتَمِ، نُهِيتُمْ عَنْ الْمُزَفَّتِ [ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَتْ] إيَّاكُنَّ وَالْجُرَّ الْأَخْضَرَ وَإِنْ أَسْكَرَكُنَّ مَاءُ حُبِّكُنَّ فَلَا تَشْرَبْنَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي هِلَالٍ الْجَرْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ طَلْحَةَ تَقُولُ: سَمِعْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ النَّبِيذِ؟ فَقَالَتْ: إيَّاكُمْ وَمَا يُسْكِرُكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ قُدَامَةَ الْعَامِرِيِّ أَنَّ جَسْرَةَ بِنْتَ دَجَاجَةَ الْعَامِرِيَّةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: لَا أُحِلُّ مُسْكِرًا وَإِنْ كَانَ خُبْزًا وَمَاءً. نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْوَانَ الْقَنَازِعِيُّ - ثِقَةٌ مَشْهُورٌ - نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ قَالَ: سَمِعْت

الْمُخْتَارَ بْنَ فُلْفُلٍ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: الْخَمْرُ مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ، فَمَا تَخَمَّرَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْخَمْرُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى جِنَازَةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ وَإِنِّي سَأَلْته عَنْهَا؟ فَزَعَمَ أَنَّهَا الطِّلَاءُ وَإِنِّي سَائِلٌ عَنْ الشَّرَابِ الَّذِي شَرِبَ؟ فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا جَلَدْته؟ قَالَ: فَشَهِدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِدُهُ. فَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ فِي الدُّنْيَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى الْحَدَّ وَاجِبًا عَلَى مَنْ شَرِبَ شَرَابًا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ سَكِرَ مِمَّا شَرِبَ، لِأَنَّهُ سَأَلَهُ فَرَاجَعَهُ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ سُكْرًا؟ وَإِنَّمَا حَدَّهُ عَلَى شُرْبِهِ، مِمَّا يُسْكِرُ فَقَطْ، نَعَمْ، وَمِنْ الطِّلَاءِ الَّذِي يُحِلُّونَهُ كَمَا تَسْمَعُ. نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْوَانَ الْقَنَازِعِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ هُوَ ابْنُ بِنْتِ مَنِيعٍ - نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نا أَبُو حَيَّانَ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ - نا الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ - وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - نا الْقَوَارِيرِيُّ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَحْدَثَ النَّاسُ أَشْرِبَةً لَا أَدْرِي مَا هِيَ؟ فَمَا لِي شَرَابٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ قَالَ: عَدَدًا آخَرَ إلَّا السَّوِيقُ وَالْمَاءُ - غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ النَّبِيذَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَحْدَثَ النَّاسُ أَشْرِبَةً لَا أَدْرِي مَا هِيَ؟

وَمَا لِي شَرَابٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً إلَّا الْمَاءُ وَالْعَسَلُ وَاللَّبَنُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ شُعَيْبٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ كَثِيرٍ وَقُتَيْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ الْجَرْمِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْبَاذَقِ؟ فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقُ، مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ - أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَعْنَ بْنَ يَزِيدَ - وَرَوَى عَنْهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَسُفْيَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ نا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ - وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: نا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْحَكَمِ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحَرِّمَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلْيُحَرِّمْ النَّبِيذَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ: اجْتَنِبْ مَا أَسْكَرَ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: الْمُسْكِرُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةَ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْأَشْرِبَةِ؟ فَقَالَ: اجْتَنِبْ كُلَّ شَيْءٍ يَنُشُّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ قَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: آخُذُ التَّمْرَ فَأَجْعَلُهُ فِي فَخَّارٍ وَاجْعَلْهُ فِي التَّنُّورِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ آخُذُ التَّمْرَ فَأَجْعَلُهُ فِي فَخَّارٍ ثُمَّ أَجْعَلُهُ فِي تَنُّورٍ، لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَتَّخِذُ أَهْلُ أَرْضِ كَذَا مِنْ كَذَا خَمْرًا يُسَمُّونَهَا كَذَا، وَيَتَّخِذُ أَهْلُ كَذَا مِنْ كَذَا خَمْرًا يُسَمُّونَهَا كَذَا، وَيَتَّخِذُ أَهْلُ أَرْضِ كَذَا مِنْ كَذَا خَمْرًا يُسَمُّونَهَا كَذَا - وَذَكَرَ كَلَامًا حَتَّى عَدَّ خَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا أَحْفَظُ مِنْهَا إلَّا الْعَسَلَ، وَالشَّعِيرَ، وَاللَّبَنَ.

قَالَ أَيُّوبُ: فَكُنْت أَهَابُ أَنْ أُحَدِّثَ النَّاسَ بِاللَّبَنِ حَتَّى حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ يُصْنَعُ بِأَرْمِينِيَّةَ مِنْ اللَّبَنِ شَرَابًا لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى لِطَبْخِهِ مَعْنًى. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: الْخَمْرُ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنْ التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْعِنَبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ قَالَ أَنَسٌ: إنِّي لِأَسْقِيَ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَمَرُونِي فَكَفَأْتهَا وَكَفَأَ النَّاسُ آنِيَتَهُمْ حَتَّى كَادَتْ السِّكَكُ أَنْ تَمْتَنِعَ - قَالَ أَنَسٌ: وَمَا خَمْرُهُمْ إلَّا الْبُسْرَ، وَالتَّمْرَ مَخْلُوطَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَمَّى مِنْهُمْ أَنَسٌ فِي أَحَادِيثَ صِحَاحٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهَا اخْتِصَارًا أَبَا طَلْحَةَ، وَأَبَا أَيُّوبَ، وَأَبَا دُجَانَةَ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَسُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ - فَهَذَا الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ أَنْ تَكُونَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فَيُهْرِقُ الصِّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُلَّ شَرَابٍ عِنْدَهُمْ مِنْ تَمْرٍ أَوْ بُسْرٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ خَمْرٌ وَلَمْ يَخُصُّوا نِيئًا مِنْ مَطْبُوخٍ بِخِلَافِ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الْمَحْرُومِينَ مِنْ التَّوْفِيقِ؛ وَلَوْ عِنْدَهُمْ قَلِيلُهُ لَمَا أَهْرَقُوهُ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ هَهُنَا قَوْلًا لَا نَدْرِي كَيْفَ انْطَلَقَ بِهِ لِسَانُهُ؟ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا أَهْرَقُوهُ خَوْفَ أَنْ يَزِيدُوا مِنْهُ فَيَسْكَرُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَخْبَرَهُ بِهَذَا عَنْهُمْ؟ وَهَلْ يَحِلُّ أَنْ يُخْبَرَ عَنْ أَحَدٍ بِالظَّنِّ؟ وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْبَهْرَانِيُّ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْتَبَذُ لَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَيَشْرَبُهُ إذَا أَصْبَحَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَاللَّيْلَةَ الَّتِي تَجِيءُ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إلَى الْعَصْرِ؛ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ سَقَاهُ لِخَادِمٍ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ.

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ الْبَهْرَانِيِّ؛ فَلَوْ كَانَ حَلَالًا كَمَا يَدَّعِي الطَّحَاوِيُّ أَوْ كَانَ الطَّبْخُ يُحِلُّهُ كَمَا يَزْعُمُ سَائِرُ أَصْحَابِهِ مَا أَهْرَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَأَمَرَهُ بَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَهُ لَهُ فِي الْبُسْرِ: خَلِّصْهُ مِنْ الرُّطَبِ ثُمَّ انْبِذْهُ ثُمَّ اشْرَبْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَفَّهَ. رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَقَيَّأَ نَبِيذًا شَرِبَهُ إذْ عَلِمَ أَنَّهُ نَبِيذُ جُرٍّ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا نَفْسَهُ عَنْ طَاوُسٍ - يَعْنِي تَحْرِيمَ كُلِّ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَسْكَرَ. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرَامٌ -. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ - وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ سَمِعْت ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ لِبَعْضِ مَنْ خَالَفَهُ فِي النَّبِيذِ: أَنَا أَدْرَكْت أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنْتَ لَمْ تُدْرِكْهُمْ كَانُوا لَا يَقُولُونَ فِي النَّبِيذِ كَمَا تَقُولُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ شَدَّدَ النَّاسُ فِي النَّبِيذِ وَرَخَّصَ هُوَ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ السَّرَخْسِيُّ - ثِقَةٌ مَأْمُونٌ - عَنْ أَبِي أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ - قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: مَا وَجَدْت الرُّخْصَةَ فِي الْمُسْكِرِ صَحِيحًا عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي النَّبِيذِ إذَا كَانَ حُلْوًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ خِلَافَ هَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ. وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ - كِلَاهُمَا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُخَمَّرَ مِنْ النَّبِيذِ.

مسألة حد الإسكار

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُعَتَّقَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ وَالْمُعَتَّقَ مِنْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ. وَرُوِّينَا عَنْهُ إبَاحَةَ مَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ - فَهَذَا إبْرَاهِيمُ قَدْ خَذَلَهُمْ، وَلَقَدْ رَوَى عَمَّنْ بَعْدَهُ التَّرْخِيصَ فِيهِ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَشَرِيكٍ، وَوَكِيعٍ، وَبَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ - وَأَمَّا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فَلَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ - وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رَوَوْا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَذِبَ وَمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ - وَرُوِّينَا عَنْهُ الصَّحِيحَ الْمُتَوَاتِرَ الَّذِي هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا؛. وَرَوَوْا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ: الْكَذِبَ، وَمَا لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ. وَرُوِّينَا عَنْهُمْ الصَّحِيحَ، وَنَصُّ قَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ حَدُّ الْإِسْكَارِ] 1100 - مَسْأَلَةٌ: وَحَدُّ الْإِسْكَارِ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ الشَّرَابُ وَيَنْتَقِلُ بِهِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ هُوَ أَنْ يَبْدَأَ فِيهِ الْغَلَيَانُ وَلَوْ بِحَبَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ شُرْبِهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ عَلَى الْمَرْءِ فِي الْأَغْلَبِ أَنْ يَدْخُلَ الْفَسَادُ فِي تَمْيِيزِهِ، وَيَخْلِطَ فِي كَلَامِهِ بِمَا يَعْقِلُ وَبِمَا لَا يَعْقِلُ، وَلَا يَجْرِي كَلَامُهُ عَلَى نِظَامِ كَلَامِ التَّمْيِيزِ، فَإِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ الشَّرَابِ إلَى هَذِهِ الْحَالِ فَذَلِكَ الشَّرَابُ مُسْكِرٌ حَرَامٌ، سَكِرَ مِنْهُ كُلُّ مَنْ شَرِبَهُ سَوَاءٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، طُبِخَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ، ذَهَبَ بِالطَّبْخِ أَكْثَرُهُ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ، وَذَلِكَ الْمَرْءُ سَكْرَانُ، وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنْ الشَّرَابِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِيهِ مَوْجُودَةً فَصَارَ لَا يَسْكَرُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْهُ، فَهُوَ حَلَالٌ، خَلٌّ لَا خَمْرٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ سَكْرَانَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَفْهَمُ بَعْضَ الْأَمْرِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَقُومُ إلَى الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَنَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ

وَالْمَجْنُونُ مِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً قَدْ يَفْهَمُ الْمَجْنُونُ فِي حَالِ تَخْلِيطِهِ كَثِيرًا وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يُسَمَّى مَجْنُونًا فِي اللُّغَةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْعَنْبَرِيُّ - نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ هُوَ الثَّقَفِيُّ - عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْتَبِذْ فِي سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ وَاشْرَبْهُ حُلْوًا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَدَأَ يَغْلِي حَدَثَ فِي طَعْمِهِ تَغْيِيرٌ عَنْ الْحَلَاوَةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لَيْسَ بِشُرْبِ الْعَصِيرِ وَبَيْعِهِ بَأْسٌ حَتَّى يَغْلِيَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَائِذٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْعَصِيرِ؟ فَقَالَ: اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْعَصِيرِ قَالَ: اشْرَبْهُ حَتَّى يَغْلِيَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَيْسَ بِشَرَابِ الْعَصِيرِ بَأْسٌ مَا لَمْ يُزْبِدْ فَإِذَا أَزْبَدَ فَاجْتَنِبُوهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نُصَيْرٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي ثَابِتٍ الثَّعْلَبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْعَصِيرِ: اشْرَبْهُ مَا دَامَ طَرِيًّا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعَصِيرِ هَكَذَا، وَفِي مَا عَدَا الْعَصِيرِ إذَا تَجَاوَزَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ حَرَامٌ - وَهَذَا حَدٌّ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ نَا ثَابِتُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ: اشْرَبْ الْعَصِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَا لَمْ يَغْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: اشْرَبُوا الْعَصِيرَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ، قَالَ: وَمَتَى يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ؟ قَالَ: بَعْدَ ثَلَاثٍ، أَوْ قَالَ: فِي ثَلَاثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِينَا أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُول: نَهَى أَنْ يُشْرَبَ النَّبِيذُ بَعْدَ ثَلَاثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَا لَمْ يَغْلِ - يَعْنِي الْعَصِيرَ. وَحَدَّتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَانَ يَقُولُ: إذَا فَضَخْتَهُ نَهَارًا فَأَمْسَى فَلَا تَقْرَبْهُ، وَإِذَا فَضَخْتَهُ لَيْلًا فَأَصْبَحَ، فَلَا تَقْرَبْهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ: بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَرَ هُوَ يَحْيَى الْبَهْرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا أَمْسَى أَمَرَ بِهِ أَنْ يُهْرَاقَ أَوْ يُسْقَى» . وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ نَا ضَمْرَةُ عَنْ السَّيْبَانِيِّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَعْنَابِهِمْ فَقَالَ: زَبِّبُوهَا. قُلْنَا: مَا نَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ؟ قَالَ: انْبِذُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ وَاشْرَبُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ وَانْبِذُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ وَاشْرَبُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ وَانْبِذُوهُ فِي الشِّنَانِ وَلَا تَنْبِذُوهُ فِي الْقُلَلِ فَإِنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ عَصِيرِهِ صَارَ خَلًّا» . هَذَا السَّيْبَانِيُّ بِالسِّينِ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ هُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو - وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ يُنْبَذُ لِرَسُولِ

مسألة خلط نبيذ بنبيذ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ أَعْلَاهُ وَلَهُ عَزْلَاءُ يُنْبَذُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَيُنْبَذُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْخَبَرُ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَانِ، وَلَيْسَا حَدًّا فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، إنَّمَا هَذَا عَلَى قَدْرِ الْبِلَادِ وَالْآنِيَةِ فَتَجِدُ بِلَادًا بَارِدَةً لَا يَسْتَحِيلُ فِيهَا مَاءُ الزَّبِيبِ إلَى ابْتِدَاءِ الْحَلَاوَةِ إلَّا بَعْدَ جُمُعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَآنِيَةً غَيْرَ ضَارِيَةٍ كَذَلِكَ، وَتَجِدُ بِلَادًا حَارَّةً وَآنِيَةً ضَارِيَةً يَتِمُّ فِيهَا النَّبِيذُ مِنْ يَوْمِهِ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي ذَكَرْنَا: «وَاشْرَبْهُ حُلْوًا وَكُلُّ مَا أَسْكَرَ حَرَامٌ» فَقَطْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهُوَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ - وَهَذَا قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ - وَقَالَ آخَرُونَ: إذَا انْتَهَى غَلَيَانُهُ وَابْتَدَأَ بِأَنْ يَقِلَّ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ. وَقَالَ آخَرُونَ إذَنْ إذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ - وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا حَدُّ سُكْرِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّكْرَانِ؟ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ حَدِّ السَّكْرَانِ؟ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي إذَا اُسْتُقْرِئَ سُورَةً لَمْ يَقْرَأْهَا، وَإِذَا خُلِطَتْ ثَوْبُهُ مَعَ ثِيَابٍ لَمْ يُخْرِجْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِنَا فِي أَنْ لَا يَدْرِيَ مَا يَقُولُ، وَلَا يُرَاعِيَ تَمْيِيزَ ثَوْبِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ سَكْرَانَ إلَّا حَتَّى لَا يُمَيِّزَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَأَبَاحَ كُلُّ سُكْرٍ دُونَ هَذَا - فَاعْجَبُوا يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ؟ [مَسْأَلَةٌ خَلْطُ نَبِيذٍ بِنَبِيذٍ] 1101 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ نُبِذَ تَمْرٌ، أَوْ رُطَبٌ، أَوْ زَهْوٌ، أَوْ بُسْرٌ، أَوْ زَبِيبٌ مَعَ نَوْعٍ مِنْهَا أَوْ نَوْعٍ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ خُلِطَ نَبِيذُ أَحَدِ الْأَصْنَافِ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْهَا، أَوْ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ بِمَائِعِ غَيْرِهَا حَاشَا الْمَاءِ حَرُمَ شُرْبُهُ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، وَنَبِيذُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَلَالٌ، فَإِنْ مُزِجَ نَوْعٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ مَعَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْضًا أَوْ نُبِذَا مَعًا، أَوْ خُلِطَ عَصِيرٌ بِنَبِيذٍ فَكُلُّهُ حَلَالٌ: كَالْبَلَحِ وَعَصِيرِ الْعِنَبِ، وَنَبِيذِ التِّينِ، وَالْعَسَلِ، وَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا لَا تَحَاشَ شَيْئًا -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْعَطَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ

نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ، وَقَالَ: انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا أَيْضًا آثَارًا مُتَوَاتِرَةً مُتَظَاهِرَةً فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ يَجْمَعُ كُلَّ مَا فِيهَا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ. وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَالْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا، وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْبِذَ يَقْطَعُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا نَضِجَ مِنْهَا فَيَضَعُهُ وَحْدَهُ وَيَنْبِذُ التَّمْرَ وَحْدَهُ وَالْبُسْرَ وَحْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْبُسْرَ فَيَقْطَعُونَ مِنْهُ كُلَّ مُذَنَّبٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْبُسْرَ فَيَفْضَخُهُ ثُمَّ يَشْرَبُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِقَطْعِ الْمُذَنَّبِ فَيَنْبِذُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فَيَلْعَنُونَهُ وَيَقُولُونَ: هَذَا يَشْرَبُ الْخَلِيطَيْنِ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عِنْدَهُمْ إذَا وَافَقَهُمْ إجْمَاعٌ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ مَنْ أُصَدِّقُ: أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْبُسْرِ، وَالرُّطَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، قُلْت لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا؛ قُلْت لِعَمْرٍو: فَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فِي الْحَبَلَةِ وَالنَّخْلَةِ، قَالَ: لَا أَدْرِي، قُلْت لِعَمْرٍو: أَوْ لَيْسَ إنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّبِيذِ وَأَنْ يَنْبِذَ جَمِيعًا؟ قَالَ: بَلَى، وَقُلْت لِعَطَاءٍ: أَذَكَرَ جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَنْ

يُجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ أَكُونَ نَسِيتُ؟ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَيُجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُنْبَذَانِ، ثُمَّ يُشْرَبَانِ حُلْوَيْنِ؟ قَالَ: لَا قَدْ نُهِيَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَوْ نُبِذَ شَرَابٌ فِي ظَرْفٍ قَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ لَمْ يُشْرَبْ حُلْوًا - وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. فَهَذَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لَمْ يَرَ النَّهْيَ يُتَعَدَّى بِهِ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ - وَهُوَ قَوْلُنَا -. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيَّ نَبِيذُ تَمْرٍ، وَفِي الْأُخْرَى نَبِيذُ زَبِيبٍ فَشَرِبْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، وَلَوْ خَلَطْته لَمْ أَشْرَبْهُ. وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبُسْرِ، وَالتَّمْرِ يُجْمَعَانِ فِي النَّبِيذِ؟ فَقَالَ: لَأَنْ تَأْخُذَ الْمَاءَ فَتَغْلِيَهُ فِي بَطْنِك خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَجْمَعَهُمَا جَمِيعًا فِي بَطْنِك. وَقَالَ مَالِكٌ بِتَحْرِيمِ خَلِيطِ كُلِّ نَوْعَيْنِ فِي الِانْتِبَاذِ وَبَعْدِ الِانْتِبَاذِ، وَكَذَلِكَ فِيمَا عُصِرَ، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِبَاحَةِ كُلِّ خَلِيطَيْنِ وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ مُقَلِّدُوهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْبَذُ لَهُ زَبِيبٌ فَيُلْقَى فِيهِ تَمْرٌ أَوْ تَمْرٌ فَيُلْقَى فِيهِ زَبِيبٌ» - وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ تُسَمَّ. وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ يَحْيَى الْحَسَّانِيِّ أَنَا أَبُو بَحْرٍ نَا عَتَّابُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحِمَّانِيُّ حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ «عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ - وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ - فَقَالَتْ: كُنْت آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَأُلْقِيهِ فِي إنَاءٍ فَأَمْرُسُهُ، ثُمَّ أَسْقِيهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا مُرَدَّدٌ فِي السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي بَحْرٍ - لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ عَتَّابِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحِمَّانِيُّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَطِيَّةَ - وَلَا تُعْرَفُ مَنْ هِيَ فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَيَعْتَرِضُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَأَبُو عُثْمَانَ مَشْهُورٌ قَاضِي الرَّيِّ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ. وَزَادُوا ضَلَالًا فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أُخْبِرْتُ

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: أَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: سَكِرَ رَجُلٌ فَحَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ أَنْ يُنْظَرَ مَا شَرَابُهُ فَإِذَا هُوَ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَقَالَ: يُلْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ» . وَمِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ النَّجْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَكْرَانَ وَقَالَ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ شَرِبْتَ؟ قَالَ: تَمْرٌ وَزَبِيبٌ، قَالَ: لَا تَخْلِطُوهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ يُلْقَى وَحْدَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِنَشْوَانَ فَقَالَ: إنِّي لَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا إنَّمَا شَرِبْتُ زَبِيبًا وَتَمْرًا فِي إنَاءٍ. فَنُهِزَ بِالْأَيْدِي وَخُفِقَ بِالنِّعَالِ وَنَهَى عَنْ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمَخَاذِيلِ دِينٌ يَرْدَعُهُمْ، أَوْ حَيَاءٌ يَزَعُهُمْ، أَوْ عَقْلٌ يَمْنَعُهُمْ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ؛ ثُمَّ بِمَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: أُخْبِرْت عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَا يُسَمِّي مَنْ أَخْبَرَهُ، ثُمَّ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ النَّجْرَانِيِّ - وَمَنْ النَّجْرَانِيُّ - لَيْتَ شِعْرِي؟ ثُمَّ هَبْكَ أَنَّنَا سَمِعْنَا كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَمِنْ ابْنِ عُمَرَ أَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ جَمْعِهِمَا وَأَمَرَ بِإِفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ وَكَيْف يُجْعَلُ نَهْيُهُ نَفْسُهُ حُجَّةً فِي اسْتِبَاحَةِ مَا نَهَى عَنْهُ؟ مَا بَعْدَ هَذَا الضَّلَالِ ضَلَالٌ، وَلَا وَرَاءَ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ مُجَاهَرَةٌ، وَلَوْلَا كَثْرَةُ مَنْ ضَلَّ بِاتِّبَاعِهِمْ لَكَانَ الْإِعْرَاضُ عَنْهُمْ أَوْلَى. وَقَالُوا: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُعَجِّلُ غَلَيَانَ الْآخَرِ. فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَقَفَوْتُمْ مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ، وَافْتَرَيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ وَلَا أَخْبَرَ بِهِ - ثُمَّ هَبْ الْأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ؟ أَلَيْسَ قَدْ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ كَمَا ذَكَرْتُمْ؟ فَانْهَوْا عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي قُلُوبِكُمْ إيمَانٌ بِهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا نَدْبٌ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَقُلْتُمْ مَا لَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ - ثُمَّ هَبْ الْأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ فَاكْرَهُوهُ إذًا وَانْدُبُوا إلَى تَرْكِهِ، وَأَنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ عِنْدَكُمْ وَمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ أَصْلًا سَوَاءً.

وَقَالُوا: إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِضِيقِ الْعَيْشِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ السَّرَفِ - وَهَذَا قَوْلٌ يُوجِبُ عَلَى قَائِلِهِ مَقْتَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ بَحْتٌ، وَمَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ بَارِدٌ مِنْ الْكَذِبِ سَخِيفٌ مِنْ الْبُهْتَانِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ قَطُّ عِنْدَ ذِي عَقْلٍ رِطْلُ تَمْرٍ وَرِطْلُ زَبِيبٍ، سَرَفًا، أَوْ رِطْلُ زَهْوٍ وَرِطْلُ بُسْرٍ سَرَفًا، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ قَرِيبٌ، وَهُمَا بِلَادُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ رِطْلَ تَمْرٍ، وَرِطْلَ زَبِيبٍ، أَوْ رِطْلَ زَهْوٍ، وَرِطْلَ رُطَبٍ يُجْمَعَانِ سَرَفًا يَمْنَعُ مِنْهُ ضِيقُ الْعَيْشِ فَيُنْهَوْنَ عَنْهُ لِذَلِكَ - وَلَا يَكُونُ مِائَةَ رِطْلِ تَمْرٍ، وَمِائَةَ رِطْلِ زَبِيبٍ، وَمِائَةَ رِطْل عَسَلٍ يُنْبَذُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ سَرَفًا. وَكَيْفَ يَكُونُ رِطْلَ تَمْرٍ، وَرِطْلَ زَهْوٍ يُنْبَذَانِ مَعًا سَرَفًا وَلَا وَيَكُونُ أَكْلُهُمَا مَعًا سَرَفًا؟ كَذَلِكَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فِي الْأَكْلِ مَعًا، لَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ سُخْفِ الْعَقْلِ، مَنْ هَذَا مِقْدَارُ عَقْلِهِ، وَلَقَدْ عَظُمَتْ بَلِيَّتُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَكْلَ الدَّجَاجِ وَالنِّقْيِ وَالسُّكَّرِ أَدْخَلُ عَلَى أُصُولِكُمْ الْفَاسِدَةِ فِي السَّرَفِ، وَأَبْعَدُ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ، وَمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ، ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ، فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي ذَلِكَ؟ وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ ذُو سَعَةٍ مِنْ الْمَالِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَوِي الْيَسَارَةِ، وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ «ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ» وَكَانَ فِيهِمْ عُثْمَانُ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَغَيْرُهُ وَفِينَا نَحْنُ وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ذُو ضِيقٍ مِنْ الْعَيْشِ وَفَاقَةٍ شَدِيدَةٍ، فَالْعِلَّةُ بَاقِيَةٌ بِحَسْبِهَا، فَالنَّهْيُ بَاقٍ وَلَا بُدَّ، اسْخَفُوا مَا شِئْتُمْ لَأَنْ تُفَوِّتُوا حُكْمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: أَنْبِذُ نَبِيذَ زَبِيبٍ فَيُلْقَى لِي فِيهِ تَمْرٌ فَيَفْسُدُ عَلَيَّ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ - وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ مَجْهُولٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِزَبِيبٍ وَتَمْرٍ أَنْ يُنْبَذَا لَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ - قَالَ نَافِعٌ: فَلَا أَدْرِي أَلِشَيْءٍ ذَكَرَهُ أَمْ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ؟ فَصَحَّ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّهْيَ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ أَوْ بَلَغَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ رَجُلًا مِنْ جِيرَانِنَا قَالَ: سَمِعْت شِهَابَ بْنَ عَبَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَ: لَا يَضُرُّك أَنْ تَخْلِطَهُمَا جَمِيعًا أَوْ تُنْبَذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ، فَلَا أَكْثَرَ، أُسَامَةُ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِ شُعْبَةَ وَمَا نَعْلَمُ أَتَمَّ جَهْلًا، أَوْ أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا يَصِحُّ أَصْلًا - ثُمَّ يُخَالِفُ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَان الضُّبَعِيِّ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي أَنْتَبِذْ فِي جَرَّةٍ خَضْرَاءَ نَبِيذًا حُلْوًا فَأَشْرَبُ مِنْهُ فَيُقَرْقِرُ بَطْنِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَشْرَبْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسْخُ النَّهْيِ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ. قُلْنَا: النَّهْيُ وَاَللَّهِ عَنْ خَلْطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أَصَحُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَسْخِ النَّهْيِ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ الَّذِي لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ فَقَطْ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فِي الِانْتِبَاذِ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ شَيْءٌ يَنْسَخُهُ لَا ضَعِيفٌ وَلَا قَوِيٌّ. وَقَالُوا: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ جَمْعِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَبَيْنَ جَمْعِهِمَا فِي الْبَطْنِ؟ فَقُلْنَا: لَا يُعَارَضُ بِهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ نِكَاحِهِمَا وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى؟ وَلَوْ عَارَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي فَرْقِكُمْ بَيْنَ الْآبِقِ يُوجَدُ فِي الْمِصْرِ، وَبَيْنَ الْآبِقِ يُوجَدُ خَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى ثَلَاثٍ لَأَصَبْتُمْ. وَفِي فَرْقِكُمْ بَيْنَ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَلَا يُوجِبُ الْقَطْعَ [وَبَيْنَ] سَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَسَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ حِرْزٍ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَبَيْنَ الْقَهْقَهَةِ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَتَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْقُضُهُ لَكَانَ أَسْلَمَ لَكُمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَفْضَخَ الْعِذْقَ بِمَا فِيهِ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِإِبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَسَائِرِ مَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ صَفْوَانَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْت أَمْغَثُ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الزَّبِيبَ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَأَمْغَثُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً، قَالَتْ: فَقَالَ لِي عُثْمَانُ: لَعَلَّك تَجْعَلِينَ فِيهِ زَهْوًا قُلْت: رُبَّمَا فَعَلْت، فَقَالَ: فَلَا تَفْعَلِي. . وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ أَنْ يُشْرَبَا؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْخَلِيطَانِ؟ قَالَ: التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَا وِقَاءُ بْنُ إيَاسٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَجْمَعَ شَيْئَيْنِ نَبِيذًا مِمَّا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ» وَكَانَ أَنَسٌ يَكْرَهُ الْمُذَنَّبَ مِنْ الْبُسْرِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ فَكُنَّا نَقْطَعُهُ ". وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُجْمَعَ التَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، وَالْبُسْرُ، وَالزَّهْوُ، وَالرُّطَبُ: اثْنَانِ مِنْهُمَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَآخَرُ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي الِانْتِبَاذِ مَعًا، أَوْ يَنْبِذَهُمَا فِي إنَاءٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ مَا يَنْبِذُ وَيَعْصِرُ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ - وَكُلُّهُ لَا يَصِحُّ: - أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: فَمُدَلَّسٌ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ مِنْ تَفْصِيلِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ كِلَابَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَ الْبُسْرِ وَالرُّطَبِ، وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ - نَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ كِلَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «انْتَبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا، وَلَا تَنْتَبِذُوا الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا» فَإِنَّمَا سَمِعَهُ يَحْيَى مِنْ كِلَابِ بْنِ عَلِيٍّ، وَثُمَامَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - فَسَقَطَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْخَلِيطَيْنِ هَكَذَا مُطْلَقًا لَا يُدْرَى مَا هُمَا أَهُمَا الْخَلِيطَانِ فِي الزَّكَاةِ أَمْ فِي مَاذَا؟ وَأَيْضًا فَإِنَّ ثَرِيدَ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ خَلِيطَانِ، وَاللَّبَنَ وَالْمَاءَ خَلِيطَانِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مُرَادِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ بَيَانُ مُرَادِهِ إلَّا مِنْ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْأَثَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ الْأُبُلِّيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ كَانَ يَكُونُ حُجَّةً عَظِيمَةً قَاطِعَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَعْرِفُوا مَا الْخَلِيطَانِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُمَا حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ؟ فَفَسَّرَهُمَا لَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُمَا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ غَيْرَهُمَا لَمَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ وَقَدْ سَأَلُوهُ الْبَيَانَ؟ هَذَا مَا لَا يُحِيلُ عَلَى مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ أَعْظَمَ التَّلْبِيسِ عَلَيْهِمْ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَهُنَا شَيْئًا زَائِدًا سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِأُمَّتِهِ فَقَدْ افْتَرَى الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَلْحَدَ فِي الدِّينِ بِلَا شَكٍّ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا خَبَرُ أَنَسٍ فَمِنْ طَرِيقِ وِقَاءِ بْنِ إيَاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ كَلَامٌ فَاسِدٌ لَا يُعْقَلُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا مَعْنَى يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي النَّبِيذِ. فَإِنْ قَالُوا: مَعْنَاهُ يُعَجِّلُ أَحَدُهُمَا غَلَيَانَ الْآخَرِ؟ قُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ الْعَلَانِيَةُ وَمَا يَغْلِي تَمْرٌ وَزَبِيبٌ جَمْعًا فِي النَّبِيذِ إلَّا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَغْلِي فِيهَا الزَّبِيبُ وَحْدَهُ؛ أَوْ التَّمْرُ وَحْدَهُ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ؛ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قِسْنَا سَائِرَ الْخَلْطِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ بِأَوْلَى أَنْ تَقِيسُوا التِّينَ، وَالْعَسَلَ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ آخَرَ أَرَادَ أَنْ يَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ اللَّبَنَ وَالسُّكَّرَ

مسألة الانتباذ في الحنتم والنقير والمزفت والمقير والدباء

مَجْمُوعَيْنِ، أَوْ الْخَلَّ، وَالْعَسَلَ فِي السَّكَنْجَبِينِ مَجْمُوعَيْنِ، أَوْ الزَّبِيبَ، وَالْخَلَّ مَجْمُوعَيْنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَا نَتَعَدَّى النَّبِيذَ. قُلْنَا لَهُمْ: بَلْ قِيسُوا عَلَى الْجَمْعِ فِي النَّبِيذِ الْجَمْعَ فِي غَيْرِ النَّبِيذِ، أَوْ لَا تَتَعَدَّوْا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ لَا فِي نَبِيذٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْمُقَيَّرِ وَالدُّبَّاءِ] 1102 - مَسْأَلَةٌ: وَالِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالْجِرَارِ الْبِيضِ، وَالسُّودِ، وَالْحُمْرِ، وَالْخُضْرِ، وَالصُّفْرِ، وَالْمُوَشَّاةِ، وَغَيْرِ الْمَدْهُونَةِ، وَالْأَسْقِيَةِ، وَكُلُّ ظَرْفٍ حَلَالٌ، إلَّا إنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ، أَوْ إنَاءً مَأْخُوذًا بِغَيْرِ حَقٍّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ مُسْكِرٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ وَاصِلٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الْأُدْمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا الْحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرُ نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ الظُّرُوفِ وَإِنَّ الظُّرُوفَ ظَرْفًا لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الظُّرُوفِ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إنَّهُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا. قَالَ: فَلَا إذًا» . فَصَحَّ أَنَّ إبَاحَةَ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الظُّرُوفِ نَاسِخَةٌ لِلنَّهْيِ، وَقَدْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْهَا، فَقَدْ صَحَّ عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ وَالشُّرْبِ فِي الْحَنْتَمِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالْمَزَادَةِ الْمَجْبُوبَةِ، وَكُلِّ شَيْءٍ صُنِعَ مِنْ مَدَرٍ، وَالْجَرِّ» .

وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ «كُلَّ شَيْءٍ صُنِعَ مِنْ مَدَرٍ» . وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُزَادَةَ الْمَجْبُوبَةَ وَذَكَرَ الْجُرَّ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الْمُزَفَّتِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْجَرِّ» . وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ كُلِّهِمْ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ نَهَى عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أَيْضًا مُسْنَدًا عَنْ الْجَرِّ. وَعَنْ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ» . وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْجَرِّ الْأَخْضَرِ وَالْأَبْيَضِ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: نَهَى عَنْ الْجَرِّ» . فَهَؤُلَاءِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَوَوْا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ، وَرَوَاهُ عَنْهُمْ أَعْدَادٌ كَثِيرَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ وَلَمْ يَأْتِ النَّسْخُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ فَقَطْ - وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاخْتَلَفَ التَّابِعُونَ أَيْضًا. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ إذَا جَاءَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ، وَالْآخَرُ نَقْلُ آحَادٍ: أَخَذْنَا بِالتَّوَاتُرِ، وَتَنَاقَضُوا هَهُنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالْمُزَفَّتِ فَقَطْ، وَأَبَاحَ الْجَرَّ كُلَّهُ غَيْرَ

مسألة إباحة الخمر لمن اضطر إليها

الْمُزَفَّتِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُقَيَّرِ - وَهَذَا فَاسِدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا: فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَحْرُمُ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَكْلَ. وَالشُّرْبَ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ إنَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ فَيَغْسِلَ بِالْمَاءِ وَيَحِلُّ ذَلِكَ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَالْبُرْهَانُ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الْإِنَاءِ الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " تَحْرِيمَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْبُغَ، فَبَقِيَ كُلُّ هَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ لِصِحَّةِ الْبُرْهَانِ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْسَخْ مُذْ حُرِّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إبَاحَةَ الْخَمْرِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا] 1103 - مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ " مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ إبَاحَةَ الْخَمْرِ لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. [مَسْأَلَةٌ مَا لَا يَحِلّ شُرْبُهُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ] 1104 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ، وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَمَنْ خَلَّلَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ - وَحَلَّ أَكْلُ ذَلِكَ الْخَلِّ، إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ الشَّرَابِ الْحَلَالِ إذَا أَسْكَرَ وَصَارَ خَمْرًا فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ بِغَلَبَةٍ أَوْ بِسَرِقَةٍ فَهُوَ حَلَالٌ، إلَّا أَنْ يَسْبِقَ الَّذِي خَلَّلَهُ إلَى تَمَلُّكِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَهُ، كَمَا لَوْ سَبَقَ إلَيْهِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ؛ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نَا عَبْدُ الْأَعْلَى أَبُو هَمَّامٍ نَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ؟ فَمَا لَبِثْنَا إلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ مَالِكٌ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ زَيْدٌ، وَيَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا؟ قَالَ: لَا، فَسَارَّ

مسألة كسر أواني الخمر

إنْسَانًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا» وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَشْرَبُ مَا يُنْبَذُ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِأَنْ يُشْرَبَ أَوْ يُهْرَقَ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ مَا حَرَّمَ مَالًا لَمَا أَضَاعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِذْ لَيْسَ مَالًا فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ، فَإِذْ سَقَطَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَى أَنْ صَارَ خَلًّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ مِلْكُهُ عَلَى مَا لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ كَسَائِرِ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ -: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مِلْكُهَا جَائِزٌ وَتَخْلِيلُهَا جَائِزٌ -: وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَعَمَّدَ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ ذَلِكَ الْخَلِّ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ دُونَ أَنْ تُخَلَّلَ حَلَّ أَكْلُهَا - وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا تُؤْكَلُ تَخَلَّلْت أَوَخُلِّلَتْ. وَقَوْلُنَا فِي مِلْكِهَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ التَّمِيمِيِّ عَنْ أُمِّ خِدَاشٍ أَنَّهَا رَأَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَصْطَبِغُ بِخَلِّ خَمْرٍ. ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: اخْتَلَفَ اثْنَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ فِي خَلِّ الْخَمْرِ فَسَأَلَا أَبَا الدَّرْدَاءِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُسَرْبَلٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خَلِّ الْخَمْرِ؟ فَقَالَتْ: لَا بَأْسَ بِهِ هُوَ إدَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِأَكْلِ مَا كَانَ خَمْرًا فَصَارَ خَلًّا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِخَلِّ الْخَمْرِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - وَلَا نَعْلَمُ مِثْلَ تَفْرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. [مَسْأَلَةٌ كَسْرُ أَوَانِي الْخَمْرِ] 1105 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ كَسْرُ أَوَانِي الْخَمْرِ، وَمَنْ كَسَرَهَا مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، لَكِنْ تُهْرَقُ وَتُغْسَلُ الْفَخَّارُ، وَالْجُلُودُ، وَالْعِيدَانُ، وَالْحَجَرُ، وَالدُّبَّاءُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، كُلُّهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ - وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْسَرُ الْفَخَّارُ وَالْعُودُ وَيُشَقُّ الْجِلْدُ وَيُغْسَلُ مَا عَدَا ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ الْآنَ مِنْ فَتْحِ الَّذِي أَهْدَى رَاوِيَةَ الْخَمْرِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا فَتَحَ الْمُزَادَةَ وَأَهْرَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِخَرْقِهَا، وَنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَالْكَسْرُ وَالْخَرْقُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَمُتْلِفُ مَالِ غَيْرِهِ مُعْتَدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَرَ كُوزًا فِيهِ شَرَابٌ وَشَقَّ الْمَشَاعِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهِيَ الزِّقَاقُ» . وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ. وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «شَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زُقَاقَ الْخَمْرِ» . وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَقَّ زُقَاقَ الْخَمْرِ» . وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَاقَ الْخَمْرَ وَكَسَرَ جِرَارَهَا» . وَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ: أَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ -: فَأَحَدُ طُرُقِهِ فِيهَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ أَبِي طُعْمَةَ وَهُوَ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ. وَالثَّالِثُ: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ طَلْقٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِ عُمَرُ بْنُ صَهْبَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ - وَفِيهِ أَيْضًا آخَرُ لَمْ يُسَمِّ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ - وَهُوَ مُطَّرَحٌ - فَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّتِي يَطْبُخُونَ فِيهَا لُحُومَ الْخَنَازِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَعَرَفَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ أَبَاحَ الْأَكْلَ فِيهَا وَالشُّرْبَ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

مسألة من أراد النوم ليلا

[مَسْأَلَةٌ مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ لَيْلًا] مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ لَيْلًا أَنْ يُوكِيَ قِرْبَتَهُ، وَيُخَمِّرَ آنِيَتَهُ وَلَوْ بِعُودٍ يَعْرِضُهُ عَلَيْهَا، وَيَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَنْ يُطْفِئَ السِّرَاجَ، وَيُخْرِجَ النَّارَ مِنْ بَيْتِهِ جُمْلَةً إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا لِبَرْدٍ أَوْ لِمَرَضٍ، أَوْ لِتَرْبِيَةِ طِفْلٍ، فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ لَا يُطْفِئَ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ -: نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةً مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ. وَفِيهِ «وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [عَنْ أَبِيهِ] عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» وَأَمَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . [مَسْأَلَةٌ الشُّرْبُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ] 1107 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الشُّرْبُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ نَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَا عِكْرِمَةُ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوْ السِّقَاءِ» .

مسألة الشرب قائما

وَرُوِيَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ شَرِبَ مِنْ فَمِ قِرْبَةٍ؟ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ - وَقَدْ تُرِكَ - وَفِيهِ الْبَرَاءُ ابْنُ بِنْتِ أَنَسٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَخَبَرٌ آخَرُ: مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ وَلَا أَعْرِفُهُ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُوَافَقَةً لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَالنُّهَى بِلَا شَكٍّ إذَا وَرَدَ نَاسِخٌ لِتِلْكَ الْإِبَاحَةِ بِلَا شَكٍّ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَعُودَ الْمَنْسُوخُ نَاسِخًا وَلَا يَأْتِي بِذَلِكَ بَيَانٌ جَلِيٌّ، إذَنْ كَانَ يَكُونُ الدِّينُ غَيْرَ مُبَيَّنٍ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ فَمِ إدَاوَةٍ. قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ الْإِدَاوَةُ وَلَيْسَتْ قِرْبَةً وَلَا سِقَاءً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الشُّرْبُ قَائِمًا] 1108 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الشُّرْبُ قَائِمًا، وَأَمَّا الْأَكْلُ قَائِمًا فَمُبَاحٌ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ هَدَّابٌ: نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: نَا عَبْدُ الْأَعْلَى نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَقَالَ قُتَيْبَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ هَمَّامٌ، وَهِشَامٌ، وَسَعِيدٌ، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ

مسألة النفخ في الشرب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا» وَلَفْظُ هَدَّابٍ «زَجَرَ عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا» . وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ لِابْنِ عُمَرَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ قَائِمًا» قُلْنَا: نَعَمْ، وَالْأَصْلُ إبَاحَةُ الشُّرْبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ قِيَامٍ، وَقُعُودٍ، وَاتِّكَاءٍ، وَاضْطِجَاعٍ، فَلَمَّا صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا كَانَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمُحَالٌ مَقْطُوعٌ أَنْ يَعُودَ الْمَنْسُوخُ نَاسِخًا، ثُمَّ لَا يُبَيِّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، إذَا كُنَّا لَا نَدْرِي مَا يَجِبُ عَلَيْنَا مِمَّا لَا يَجِبُ، وَكَانَ يَكُونُ الدِّينُ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا عَلَى أُصُولِ الْمُخَالِفِينَ أَنْ لَا يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلظُّنُونِ وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ نَسْخِ الْإِبَاحَةِ السَّالِفَةِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْأَكْلِ نَهْيٌ إلَّا عَنْ أَنَسٍ مِنْ قَوْلِهِ. [مَسْأَلَةٌ النَّفْخُ فِي الشُّرْبِ] 1109 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ النَّفْخُ فِي الشُّرْبِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبِينَ الشَّارِبُ الْإِنَاءَ عَنْ فَمِهِ ثَلَاثًا لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نَا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الْأَعْلَى نَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الْإِنَاءِ» .

مسألة حكم من شرب بفمه من النهر أو العين أو الساقية

وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا. فَإِنْ قِيلَ -: قَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا: هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ - وَقَدْ تُرِكَ - وَحَتَّى لَوْ شَكَّ هِشَامٌ فِي إسْنَادِهِ فَلَمْ يَشُكَّ أَيُّوبُ وَلَا مَعْمَرٌ، وَكِلَاهُمَا فَوْقَ هِشَامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو عَاصِمٍ قَالَا: نَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ نَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَزَعَمَ أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: التَّنَفُّسُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ النَّفْخُ فِيهِ كَمَا بَيَّنَهُ مَعْمَرٌ - وَالتَّنَفُّسُ الْمُسْتَحَبُّ هُوَ أَنْ يَتَنَفَّسَ بِإِبَانَتِهِ عَنْ فِيهِ، إذْ لَمْ نَجِدْ مَعْنًى يُحْمَلُ عَلَيْهِ سِوَاهُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْم مِنْ شَرِبَ بِفَمِهِ مِنْ النَّهْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ السَّاقِيَةِ] 1110 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكَرْعُ مُبَاحٌ، وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَ بِفَمِهِ مِنْ النَّهْرِ، أَوْ الْعَيْنِ، أَوْ السَّاقِيَةِ؛ إذْ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَهْيٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ فُلَيْحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ وَهُوَ فِي حَائِطِهِ: إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا» . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَكْرَعُوا، وَلَكِنْ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ فَاشْرَبُوا فِيهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ إنَاءٍ أَطْيَبَ مِنْ الْيَدِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فُلَيْحِ، وَلَيْثٌ مُتَقَارِبَانِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ نَهْيٌ وَلَا أَمْرٌ، فَكُلُّ شَيْءٍ مُبَاحٌ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الثَّابِتِ «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا

مسألة الشرب من ثلمة القدح

اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاتْرُكُوهُ» فَلَا وَاجِبَ أَنْ يُؤْتِيَ إلَّا مَا أُمِرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا وَاجِبَ أَنْ يَتْرُكَ إلَّا مَا نُهِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا بَيْنَهُمَا فَلَا وَاجِبَ وَلَا مُحَرَّمَ فَهُوَ مُبَاحٌ. [مَسْأَلَةٌ الشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ] 1111 - مَسْأَلَةٌ: وَالشُّرْبُ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا نَهْيٌ، إنَّمَا رُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا - وَقُرَّةُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوِيلَ - وَهُوَ سَاقِطٌ - وَلَيْسَ هُوَ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، ذَلِكَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُشْرَبَ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ أُذُنِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا هَؤُلَاءِ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ شَرِبَ فَلْيُنَاوِلْ الْأَيْمَنَ مِنْهُ فَالْأَيْمَنَ] 1112 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ شَرِبَ فَلْيُنَاوِلْ الْأَيْمَنَ مِنْهُ فَالْأَيْمَنَ وَلَا بُدَّ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَلَا يَجُوزُ مُنَاوَلَةُ غَيْرِ الْأَيْمَنِ إلَّا بِإِذْنِ الْأَيْمَنِ، وَمَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُنَاوِلَ أَحَدًا فَلَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ جَمَاعَةٌ فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ: فَلْيُنَاوِلْ الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ وَلَا بُدَّ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ «عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ دَارَهُمْ، قَالَ: فَحَلَبْنَا لَهُ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ وَشُيِّبَ لَهُ مِنْ بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِهِ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمِ بْنِ أَبِي طُوَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ - وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاوَلَ الْأَعْرَابِيَّ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ، قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ» .

مسألة ساقي القوم آخرهم

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخَ فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِهِ» . وَأَمَّا مُنَاوَلَةُ الْأَكْبَرِ فَالْأَكْبَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةَ «كَبِّرْ الْكُبْرَ» فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ نَصٌّ صَحِيحٌ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا فِي مُنَاوَلَةِ الشَّرَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ نَا أَبُو النَّضْرِ هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَشَرِبَهُ» فَهَذَا الشَّرَابُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَمْ يُنَاوِلْ أَحَدًا - وَقَدْ أَكَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَذَكَرَ حَدِيثَ عُرْسِ أَبِي أُسَيْدَ وَفِيهِ «أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي أُسَيْدَ سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَبِيذًا تَخُصُّهُ بِهِ» . [مَسْأَلَةٌ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ] 1113 - مَسْأَلَةٌ: وَسَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا» .

كتاب العقيقة

[كِتَابُ الْعَقِيقَةِ] [مَسْأَلَةٌ الْعَقِيقَة فَرْضٌ وَاجِبٌ] ِ 1114 - مَسْأَلَةٌ: الْعَقِيقَةُ فَرْضٌ وَاجِبٌ يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا إذَا فَضَلَ لَهُ عَنْ قُوتِهِ مِقْدَارُهَا. وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ كُلِّ مَوْلُودٍ يُولَدُ لَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غُلَامٍ أَوْ اسْمُ جَارِيَةٍ. إنْ كَانَ ذَكَرًا فَشَاتَانِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَشَاةٌ وَاحِدَةٌ. يَذْبَحُ كُلَّ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْوِلَادَةِ وَلَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْيَوْمِ السَّابِعِ أَصْلًا - فَإِنْ لَمْ يَذْبَحْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ ذَبَحَ بَعْدَ ذَلِكَ مَتَى أَمْكَنَ فَرْضًا. وَيُؤْكَلُ مِنْهَا وَيُهْدَى وَيُتَصَدَّقُ، هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لَا فَرْضٌ. وَيُعَدُّ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَوْمُ الْوِلَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا يَسِيرٌ. وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ، وَلَا بَأْسَ بِكَسْرِ عِظَامِهَا. وَلَا يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ إلَّا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ - إمَّا مِنْ الضَّأْنِ، وَإِمَّا مِنْ الْمَاعِزِ فَقَطْ - وَلَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا لَا مِنْ الْإِبِلِ وَلَا مِنْ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا تُجْزِئُ فِي ذَلِكَ جَذَعَةٌ أَصْلًا، وَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَهَا مِمَّا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ. وَيُجْزَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ؛ وَيُجْزِئُ الْمَعِيبُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيّ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهَا، وَالسَّالِمُ أَفْضَلُ. وَيُسَمَّى الْمَوْلُودُ يَوْمَ وِلَادَتِهِ، فَإِنْ أُخِّرَتْ تَسْمِيَتُهُ إلَى الْيَوْمِ السَّابِعِ فَحَسَنٌ.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْعَمَ أَوَّلَ وِلَادَتِهِ التَّمْرَ مَمْضُوغًا وَلَيْسَ فَرْضًا. وَالْحُرُّ، وَالْعَبْدُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ، وَالْمُؤْمِنُ، وَالْكَافِرُ كَذَلِكَ. وَهِيَ فِي مَالِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ مَالٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَهِيَ فِي مَالِهِ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّابِعِ عُقَّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ - لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - وَحَبِيبٌ هُوَ ابْنُ الشَّهِيدِ - وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - وَقَتَادَةَ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الرَّبَابِ عَنْ ابْنِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِهِ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا عَفَّانَ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . نَا حُمَامٌ نَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نَا الْحُمَيْدِيُّ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ مَيْسَرَةَ الْفِهْرِيَّةَ مَوْلَاتُه مِنْ فَوْقُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ كُرْزٍ الْخُزَاعِيَّةَ تَقُولُ سَمِعْت «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي الْعَقِيقَةِ: عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» فَسَّرَ عَطَاءٌ الْمُكَافَأَتَانِ بِأَنَّهُمَا الْمِثْلَانِ. وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُمَا الْمُتَقَارِبَتَانِ أَوْ الْمُتَسَاوِيَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إنَاثًا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ - عَنْ

سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - نَا قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ نَا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى - نَا قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ حَتَّى تُذْبَحَ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُدَمَّى» فَكَانَ قَتَادَةَ إذَا سُئِلَ عَنْ الدَّمِ كَيْفَ يُصْنَعُ؟ قَالَ: إذَا ذُبِحَتْ الْعَقِيقَةُ أُخِذَتْ مِنْهَا صُوفَةٌ فَاسْتُقْبِلَتْ بِهَا أَوْدَاجُهَا، ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يَافُوخِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْخَيْطِ، ثُمَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ بَعْدُ وَيُحْلَقُ ". قَالَ أَبُو دَاوُد: أَخْطَأَ هَمَّامٌ إنَّمَا هُوَ يُسَمَّى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بَلْ وَهَمَ أَبُو دَاوُد؛ لِأَنَّ هَمَّامًا ثَبَّتَ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا قَتَادَةَ عَنْ صِفَةِ التَّدْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوَصَفَهَا لَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ نَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ قَالَ: أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْته؟ فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ - فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ نَصُّ مَا قُلْنَا - وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَدْ وَلَدَتْ لِلْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ غُلَامًا فَقُلْت لَهَا: هَلَّا عَقَقْت جَزُورًا عَلَى ابْنِك؟ قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ كَانَتْ عَمَّتِي عَائِشَةُ تَقُولُ: عَلَى الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَلَى الْجَارِيَةِ شَاةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ نَا عَفَّانَ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُلَطِّخُهُ بِالدَّمِ، وَيُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً.

وَمِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْمَوْلُودُ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ: إنَّ النَّاسَ يُعْرَضُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْعَقِيقَةِ كَمَا يُعْرَضُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ - وَمِثْلُهُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يُصْنَعُ بِالْعَقِيقَةِ مَا يُصْنَعُ بِالْأُضْحِيَّةِ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يَأْكُلُ أَهْلُ الْعَقِيقَةِ وَيُهْدُونَهَا أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ - زَعَمُوا - وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْعَقِيقَةِ فَرْضٌ كَمَا ذَكَرْنَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ شَيْئًا مِنْ أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ وَارِدٍ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ كَذِبٌ وَقَفْوٌ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا: أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَمِمَّنْ قَالَ: بِالشَّاتَيْنِ عَنْ الذَّكَرِ، وَشَاةِ عَنْ الْأُنْثَى: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ - وَلَا تُسَمَّى " السَّخْلَةُ " شَاةً. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " الْأَضَاحِيّ " قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُجْزِي جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَخُصُّ مِنْهُ إلَّا مَا خَصَّهُ نَصٌّ. وَاسْمُ الشَّاةِ يَقَعُ عَلَى الضَّانِيَةِ وَالْمَاعِزَةِ بِلَا خِلَافٍ إطْلَاقًا بِلَا إضَافَةٍ - وَقَالَ الْأَعْشَى يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا: فَلَمَّا أَضَاءَ الصُّبْحُ ثَارَ مُبَادِرًا ... وَكَانَ انْطِلَاقُ الشَّاةِ مِنْ حَيْثُ خَيَّمَا وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يُخَاطِبُ ظَبْيَةً: أَيَا ظَبْيَةَ الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلَاجِلٍ ... وَبَيْنَ النَّقَا أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ فَأَجَابَهُ أَخُو هِشَامٍ وَكِلَاهُمَا عَرَبِيٌّ أَعْرَابِيٌّ فَصِيحٌ: فَلَوْ تُحْسِنُ التَّشْبِيهَ وَالشِّعْرَ لَمْ تَقُلْ ... لِشَاةِ النَّقَا أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى يَصِفُ حَمِيرَ وَحْشٍ:

فَبَيْنَا نَبْغِي الْوَحْشَ جَاءَ غُلَامُنَا ... يَدِبُّ وَيُخْفِي شَخْصَهُ وَيُضَائِلُهُ فَقَالَ شِيَاهٌ رَائِعَاتٌ بِقَفْرَةٍ ... بِمُسْتَأْسِدِ الْقِرْيَانِ حُوٌّ مَسَائِلُهُ ثَلَاثٌ كَأَقْوَاسِ السِّرَاءِ وَمِسْحَلٌ ... قَدْ اخْضَرَّ مِنْ لَسِّ الْغَمِيرِ جَحَافِلُهُ وَقَدْ خَرَمَ الطِّرَادَ عَنْهُ جِحَاشُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إلَّا نَفْسُهُ وَحَلَائِلُهُ ثُمَّ مَضَى فِي الْوَصْفِ إلَى أَنْ قَالَ: فَتَبِعَ آثَارَ الشِّيَاهِ وَلِيدُنَا ... كَشُؤْبُوبِ غَيْثٍ يَحْفِشُ الْأَكَمَ وَابِلُهُ فَرَدَّ عَلَيْنَا الْعَيْرَ مِنْ دُونِ إلْفِهِ ... عَلَى رَغْمِهِ يَدْمَى نَسَاهُ وَفَائِلُهُ فَسَمَّى " الشِّيَاهَ " ثُمَّ فَسَّرَهَا بِأَنَّ لَهَا " مِسْحَلًا وَجِحَاشًا " وَأَنَّهَا عَيْرٌ وَأَتَانُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلَّا قُلْتُمْ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَبِأَخْذِ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ وَزَكَاةِ الْإِبِلِ، وَفِي الْعَقِيقَةِ، وَالنُّسُكِ؟ قُلْنَا: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ فِي الزَّكَاةِ إنَّمَا جَاءَ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ كِتَابِهِ «فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ» . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» . وَاسْمُ الْغَنَمِ لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إلَّا عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فَقَطْ، فَوَجَبَ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّكَاةِ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا مِنْ الْغَنَمِ، وَلَا يُعْطِي فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ إلَّا الْغَنَمَ. وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْغَنَمِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] . وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَاَلَّذِي هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي الصَّدَقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، فَلَا تُجْزِئُ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا مَا جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ يَجْزِي كَزَكَاةِ الْإِبِلِ مِنْ الْغَنَمِ، وَزَكَاةِ الْغَنَمِ مِنْ غَنَمٍ يَأْتِي بِهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْعَقِيقَةُ، وَالنُّسُكُ - فَقَدْ قُلْنَا: لَا يَقَعُ اسْمُ شَاةٍ بِالْإِطْلَاقِ فِي اللُّغَةِ أَصْلًا عَلَى غَيْرِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَى الظِّبَاءِ، وَحُمْرِ الْوَحْشِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ،

اسْتِعَارَةً، وَبَيَانًا وَإِضَافَةً، لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَصْلًا - وَلَيْسَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ إجْمَاعًا فِي الْعَقِيقَةِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةُ وَلَوْ بِعُصْفُورٍ - وَقَدْ رَأَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الْجَزُورِ وَإِنَّمَا أَتَيْنَا بِهَذَا لِئَلَّا يُدْعَى عَلَيْنَا الْإِجْمَاعُ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَجَزْتُمْ أَنْ يَعُقَّ بِمَا شَاءَ مَتَى شَاءَ؟ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ «أَرِيقُوا عَنْهُ دَمًا» ؟ قُلْنَا: ذَلِكَ خَبَرٌ مُجْمَلٌ، فَسَّرَهُ الَّذِي فِيهِ «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، تُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ» ، فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ وَاجِبَةً، وَكَانَ مَنْ عَقَّ بِخِلَافِهَا مُخَالِفًا لِهَذَا النَّصِّ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَحِلُّ، وَكَانَ مَنْ عَقَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُوَافِقًا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَحِلُّ سِوَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الذَّبْحَ بَعْدَ السَّابِعِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ الذَّبْحُ يَوْمَ السَّابِعِ وَلَزِمَ إخْرَاجُ تِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَحِلُّ إبْقَاؤُهَا فِيهِ فَهُوَ دَيْنٌ وَاجِبٌ إخْرَاجُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ الْبُنَانِيُّ - «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ وَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَنَسُ لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ انْطَلَقْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ وَدَعَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلَاكَهَا فِي فِيهِ ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ» . وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ أَنَسٍ نَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَمَا جَاءَتْهُ النُّبُوَّةُ»

وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُبَالِي أَنْ يَذْبَحَ الْعَقِيقَةَ قَبْلَ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَهُ - وَلَا نَقُولُ بِهَذَا، وَلَا يَجْزِي قَبْلَ السَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ وَلَمْ تَجِبْ الْعَقِيقَةُ بَعْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْك فَعُقَّ عَنْ نَفْسِك وَإِنْ كُنْت رَجُلًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْعَقِيقَةِ يَوْمَ سَابِعِ الْمَوْلُودِ وَتَسْمِيَتِهِ» . قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ كَسْرِ عِظَامِهَا شَيْءٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ قِيلَ لَهَا فِي الْعَقِيقَةِ بِجَزُورٍ، فَقَالَتْ: لَا، بَلْ السُّنَّةُ أَفْضَلُ، عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ تُقْطَعُ جُدُولًا وَلَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ فَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ» . قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ - ثُمَّ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: وَعَنْ عَطَاءٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يُكْسَرَ لَهَا عَظْمٌ، فَإِنْ أَخْطَأَهُمْ أَنْ يَعُقُّوا يَوْمَ السَّابِعِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى السَّابِعِ الْآخَرِ - وَلَيْسَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مِنْ عَقِيقَةِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ إلَى الْقَابِلَةِ بِرِجْلِهَا، وَقَالَ: لَا تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا» قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَطَاءٍ، وَغَيْرِهِمَا بِذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الْعَقِيقَةِ قَالَ: تُكْسَرُ عِظَامُهَا وَرَأْسُهَا وَلَا يُمَسُّ الصَّبِيُّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ فِي الْعَقِيقَةِ تُطْبَخُ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ آرَابًا، وَتُهْدَى فِي الْجِيرَانِ، وَالصَّدِيقِ، وَلَا يُتَصَدَّقُ مِنْهَا بِشَيْءٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا يُعَقُّ عَنْ الْجَارِيَةِ - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ، وَسَهْلِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ سَهْلٌ: عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى الْجَارِيَةِ عَقِيقَةً - وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ - قَالَ: لَا يُعَقُّ عَنْ الْجَارِيَةِ وَلَا كَرَامَةَ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا شَيْءٌ، لَا حُجَّةَ إلَّا فِي وَحَيٍّ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَقِيقَةَ، فَكَانَ مَاذَا؟ لَيْتَ شِعْرِي إذْ لَمْ يَعْرِفْهَا أَبُو حَنِيفَةَ مَا هَذَا بِنَكِرَةٍ فَطَالَمَا لَمْ يَعْرِفْ السُّنَنَ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَهَا وَاجِبَةً بِرِوَايَةٍ وَاهِيَةٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ نَسَخَ الْأَضْحَى كُلَّ ذَبْحٍ كَانَ قَبْلَهُ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ إلَّا بِنَصٍّ مُسْنَدٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، وَسُفْيَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْ عَنْ عَمِّهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ؟ لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ، مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ» . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَوْ عَنْ عَمِّهِ شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَقِيقَةِ؟ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ، مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ: عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا صَحِيفَةٌ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ ذَلِكَ عَلَى الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْأَبَ إلَّا أَنْ يَشَأْ - هَذَا نَصُّ الْخَبَرِ وَمُقْتَضَاهُ، فَهِيَ كَالزَّكَاةِ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي هَذَا وَلَا فَرْقَ وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَقِيقَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةً، لَكِنَّهَا شَاةٌ عَنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءً تُذْبَحُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَلَا يُعَدُّ فِيهَا يَوْمَ وِلَادَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعُقُّوا فِي السَّابِعِ عَقُّوا فِي الثَّانِي - فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا لَمْ يَعُقُّوا بَعْدَ ذَلِكَ -:

وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِي أَنْ لَا يُعَدَّ يَوْمُ الْوِلَادَةِ، وَلَا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى السَّابِعِ الثَّانِي فَقَطْ - وَلَا نَدْرِي أَحَدًا قَالَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِشَاةٍ عَنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: مِنْهُمْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَسْمَاءُ أُخْتُهَا وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ - وَهُوَ سَاقِطٌ - أَوْ عَنْ سُلَافَةَ مَوْلَاةِ حَفْصَةَ - وَهِيَ مَجْهُولَةٌ - أَوْ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - أَوْ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهِيَ صَحِيفَةٌ - وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَكَرْنَا عَنْهَا قَبْلُ، لَكِنَّهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ نَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ نَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ كَبْشًا وَعَنْ الْحُسَيْنِ كَبْشًا» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ نَا الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ شَاتَيْنِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ عِنْدَنَا أَثَرَانِ صَحِيحَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِمَا لَهُمْ، لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ كُرْزٍ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا. وَالثَّانِي: أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ قَالَتْ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ أَسْأَلُهُ عَنْ لُحُومِ الْهَدْيِ؟ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَلَى الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَلَى الْجَارِيَةِ شَاةٌ، لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كَانَتْ أَمْ إنَاثًا» . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَوْلِدَ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ " عَامَ أُحُدٍ " وَأَنَّ مَوْلِدَ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ فِي الْعَامِ الثَّانِي لَهُ وَذَلِكَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ بِسَنَتَيْنِ، فَصَارَ الْحُكْمُ لِقَوْلِ الْمُتَأَخِّرِ، لَا لِفِعْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي إنَّمَا كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نَا مُعَاذٌ نَا الْقَعْنَبِيُّ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَقَّتْ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ حِينَ وَلَدَتْهُمَا شَاةً شَاةً ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي عَقَّتْ بِهِ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هُوَ غَيْرُ الَّذِي عَقَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَاجْتَمَعَ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَقَّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَبْشٍ وَعَقَّتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاةٍ، فَحَصَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشٌ وَشَاةٌ، كَبْشٌ وَشَاةٌ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا خَبَرًا لَوْ ظَفَرُوا بِمِثْلِهِ لَاسْتَبْشَرُوا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِكَبْشَيْنِ كَبِيرَيْنِ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا مِثْلَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ - وَالْعَجَبُ أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَوَى ذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بِكَبْشٍ كَبْشٍ» . وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَرْسَلَهُ عَنْ أَيُّوبَ - وَبِأَقَلَّ مِنْ هَذَا يَتَعَلَّلُونَ فِي رَدِّ الْأَخْبَارِ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُ اضْطِرَابٌ، وَنَحْنُ لَا نُرَاعِي هَذَا، وَإِنَّمَا مُعْتَمَدُنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْذِ بِالزَّائِدِ وَالْآخَرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب النذور

[كِتَابُ النُّذُورِ] [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] ِ 1115 - مَسْأَلَةٌ: نَكْرَهُ النَّذْرَ وَنَنْهَى عَنْهُ؛ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهَا فَرْضًا إذَا نَذَرَهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُجَرَّدًا أَوْ شُكْرًا لِنِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ أَوْ إنْ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَلًا لَا ظُلْمَ فِيهِ لِمُسْلِمٍ، وَلَا لِمَعْصِيَةٍ -: مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا وَكَذَا، أَوْ يَقُولَ: صَوْمُ كَذَا وَكَذَا فَأَكْثَرَ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ جِهَادٌ، أَوْ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ رِبَاطٌ، أَوْ عِيَادَةُ مَرِيضٍ، أَوْ شُهُودُ جِنَازَةٍ، أَوْ زِيَارَةُ قَبْرِ نَبِيٍّ، أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ، أَوْ الْمَشْيُ أَوْ الرُّكُوبُ، أَوْ النُّهُوضُ إلَى مَشْعَرٍ مِنْ مَشَاعِرِ مَكَّةَ، أَوْ الْمَدِينَةِ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ عِتْقُ مُعَيَّنٍ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، أَوْ أَيُّ طَاعَةٍ كَانَتْ -: فَهَذَا هُوَ التَّقَرُّبُ الْمُجَرَّدُ. أَوْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إذَا خَلَّصَنِي مِنْ كَذَا، أَوْ إذَا مَلَّكَنِي أَمْرَ كَذَا، أَوْ إذَا جَمَعَنِي مَعَ أَبِي، أَوْ فُلَانٍ صَدِيقِي، أَوْ مَعَ أَهْلِي صَدَقَةٌ، أَوْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي ذَكَرْنَا. أَوْ يَقُولَ: عَلَيَّ لِلَّهِ إنْ أَنْزَلَ الْغَيْثَ، أَوْ إنْ صَحَحْت مِنْ عِلَّتِي، أَوْ إنْ تَخَلَّصْت، أَوْ إنْ مَلَكْت أَمْرَ كَذَا، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا. فَإِنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ، أَوْ مَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً: لَمْ يَلْزَمْ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ -: مِثْلُ أَنْ يُنْشِدَ شِعْرًا، أَوْ أَنْ يَصْبُغَ ثَوْبَهُ أَحْمَرَ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا - وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً إنْ نَالَ مَعْصِيَةً، أَوْ إذَا رَأَى مَعْصِيَةً - مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ إنْ قُتِلَ فُلَانٌ، أَوْ إنْ ضُرِبَ، وَذَلِكَ الْفُلَانُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

أَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ إذَا أَرَانِي مَصْرَعَ فُلَانٍ - وَذَلِكَ الْفُلَانُ مَظْلُومٌ -: فَكُلُّ هَذَا لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا كَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى فَقَطْ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْرَجَ نَذْرَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، فَقَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، أَوْ عَلَيَّ عِتْقُ خَادِمِي فُلَانَةَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، أَوْ إنْ زُرْت فُلَانًا، فَكُلُّ هَذَا لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا كَفَّارَةٌ فِيهِ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ فَقَطْ. فَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَا خَرَجَ مِنْ هَذَا مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَا خَرَجَ مِنْ هَذَا مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَمَّا الْمَنْعُ مِنْ النَّذْرِ فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنْ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» هَذَا لَفْظُ سُفْيَانَ. وَلَفْظُ شُعْبَةَ إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ مَكَانَ «إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَاتَّفَقَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَصَحَّ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ " أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا أَنْذِرُ أَبَدًا " وَهَذَا يُوجِبُ مَا قُلْنَا: مِنْ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِذَا وَقَعَ لَزِمَ وَاسْتُخْرِجَ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ. وَأَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] . وقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وقَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33] . فَصَحَّ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ -

فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ نَذَرَهُ فَقَدْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ. فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ النُّذُورَ وَالْعُقُودَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا إنَّمَا هِيَ نَذْرُ الطَّاعَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ نَذْرُ الطَّاعَةِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا وَلَا مَزِيدَ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً إنْ رَأَى مَعْصِيَةً أَوْ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَوْ إذْ رَأَى مَعْصِيَةً سُرُورًا بِهَا - فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْهُ عِصْيَانٌ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا يَشُكُّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا مُسْلِمٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ كُلَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ فَلَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَأَمَّا مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ وَلَا مَعْصِيَةَ، فَإِنَّ نَاذِرَهُ مُوجِبٌ مَا لَمْ يُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا نَدَبَ إلَيْهِ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِعْلُهُ لِذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا لَمْ يَلْزَمْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -[يَقُولُ] : «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا يَعْصِهِ» . قَالَ أَحْمَدُ: طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقَالُوا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» . وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، أَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْوَفَاءِ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ وَنَهَاهُ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً مِنْ الْوُقُوفِ وَتَرْكِ الِاسْتِظْلَالِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْكَلَامِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] . قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ شَرِيعَةُ زَكَرِيَّا، وَمَرْيَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَلَا يَلْزَمُنَا شَرِيعَةُ غَيْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ شَأْنَهُمَا آيَةٌ مِنْ آيَاتِ النُّبُوَّةِ، وَلَيْسَتْ الْآيَاتُ لَنَا، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَرْكِ الْكَلَامِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ مُذْ عَقَلْت لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ النَّذْرِ يُنْذِرُهُ الْإِنْسَانُ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ فَعَلَيْهِ وَفَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ فَلْيَتَقَرَّبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنِّي نَذَرْت إنْ نَجَا أَبِي مِنْ الْأَسْرِ أَنْ أَقُومَ عُرْيَانًا، وَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْبَسْ ثِيَابَك، وَصُمْ يَوْمًا، وَصَلِّ قَائِمًا وَقَاعِدًا. وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَ بَنِي أَخِيهِ يَتَامَى؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ فَكُلْ مَعَهُمْ. وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ سَاكِتَةً بِأَنْ تَتَكَلَّمَ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ: لَا وَفَاءَ فِي نَذْرِ مَعْصِيَةٍ، وَلَا كَفَّارَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» . فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

كُلَّ يَمِينٍ إلَّا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَهَى عَنْهَا، فَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: مَنْ أَخْرَجَ نَذْرَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ مِثْلَ مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، فَإِنْ كَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ إلَّا فِي الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَحَدِّهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَحَدِّهِ فَفِيهِ الْوَفَاءُ بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ؛ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ - وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مَا قَصَدَ نَاذِرُهُ الرَّغْبَةَ فِي فِعْلِهِ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَاسْتَدْعَى مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَعْجِيلَ تَبْلِيغِهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَمَلَ، وَهَذَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ الْبِرِّ، وَإِبْعَادِهِ عَنْ نَفْسِهِ جُمْلَةً وَمَنَعَ نَفْسَهُ مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْعَمَلَ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ نَاذِرًا، وَإِذْ لَيْسَ نَاذِرًا، فَلَا وَفَاءَ عَلَيْهِ بِمَا قَالَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عَاصٍ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الِالْتِزَامِ إذْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِهِ فَصَارَ مَعْصِيَةً وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا لَيْسَ نَذْرَ طَاعَةٍ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَيْسَ يَمِينًا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ - فَبَطَلَ أَنْ يَجِبَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ؛ وَلَا سُنَّةٌ - وَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ إيَّاهُ عَلَى الطَّلَاقِ: فَالْخِلَاف أَيْضًا فِي الطَّلَاقِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ أَشْهَرِ مِنْ أَنْ يُجْهَلَ - فَظَهَرَ بُطْلَانُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، فَبَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يَمِينَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُوجِبْ عَزَّ وَجَلَّ كَفَّارَةً فِي غَيْرِ الْيَمِينِ بِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِي يَمِينٍ بِغَيْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ فَخَطَأٌ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عِتْقٌ بِصِفَةٍ - وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا - بَلْ هُوَ يَمِينٌ بِالْعِتْقِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لَا يَلْزَمُ. وَقَالُوا: قِسْنَا الْعِتْقَ الْمُعَيَّنَ عَلَى الطَّلَاقِ الْمُعَيَّنِ؟ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ قَوْلُكُمْ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَيَّنِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ - وَسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَخَبَرٌ آخَرُ: مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَطَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَخَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» مُحَمَّدُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيُّ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَزِيَادَةٌ: - فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ.

قَالَ الْمُعْتَمِرُ: فَقُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَحَدَّثَكَهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عِمْرَانَ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ رَجُلٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَبَطَلَ جُمْلَةً. وَآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا. وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ رَوْحٍ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ هَالِكٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ؛ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حَدَّثْت عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ وَلَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . أَحَدُهُمَا مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ، وَالْآخَرُ مُرْسَلٌ وَعَمَّنْ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ - وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِهِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَأَبُو سُفْيَانَ سَاقِطٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ كُلُّ هَذَا عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ: مُخَالِفَانِ لَهُ -: أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا يَرَى فِيمَنْ أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ إلَّا الْوَفَاءَ بِهِ وَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا يَرَى كَفَّارَةَ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فَقَطْ -: أَحَدُهُمَا - إذَا قَالَ: أَنَا كَافِرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ قُتِلَ الْيَوْمَ

فُلَانٌ، وَأَرَادَ الْيَمِينَ، وَلَمْ يَرَ عَلَى مَنْ نَذَرَ أَنْ يَزْنِيَ، أَوْ أَنْ يَقْتُلَ، أَوْ أَنْ يَكْفُرَ، أَوْ أَنْ يَلُوطَ، أَوْ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَصْلًا، فَخَالَفَ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا إلَى غَيْرِ سَلَفٍ يُعْرَفُ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَعْصِيَةِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ إلَّا فِيمَنْ نَذَرَ طَاعَةً أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ؛ فَكِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِشَيْءٍ أَصْلًا - وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَخْبَرَنِي أَبُو رَافِعٍ قَالَ: قَالَتْ لِي مَوْلَاتِي لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ، أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ إنْ لَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَك؛ فَأَتَيْت زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَجَاءَتْ مَعِي إلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا زَيْنَبُ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَك إنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ؟ فَقَالَتْ لَهَا زَيْنَبُ: يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ خَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ: فَكَأَنَّهَا لَمْ تَقْبَلْ فَأَتَيْت حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلَتْ مَعِي إلَيْهَا فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَك إنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ؛ فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ خَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: إنْ فَارَقْتُك فَمَا لِي عَلَيْك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَةٌ، فَفَارَقَهُ، إنَّ هَذَا لَا شَيْءَ يَلْزَمُهُ فِيهِ. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَفْتَى ابْنُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الصِّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ بِلَا بُرْهَانٍ؟ وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ إنْ لَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَك كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَاحِدَةً.

وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ فِيمَنْ قَالَ فِي يَمِينٍ: مَالِي ضَرَائِبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: مَالِي كُلُّهُ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَشْعَثَ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُمَا. وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: النَّذْرُ كَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ هَذَا - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَحْوَهُ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، فِيمَنْ قَالَ: مَالِي كُلُّهُ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ - وَصَحَّ عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، أَمَّا طَاوُسٌ فَقَالَ: الْحَالِفُ بِالْعَتَاقِ، وَمَالِي هَدْيٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ لِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا النَّحْوُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَأَمَّا عَطَاءٌ فَقَالَ فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ بَدَنَةٍ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ حَجَّةٍ، أَوْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ: كُلُّ ذَلِكَ يَمِينٌ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا خِلَافٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقَ الْمُعَيَّنَ - وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ هُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَشَرِيكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدٍ - وَبِهِ يَقُولُ الطَّحَاوِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَفْتَى ابْنَهُ فِي الْمَشْيِ إلَى مَكَّة بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَقَالَ لَهُ: إنْ عُدْت أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ -: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ نا عُمَرُ بْنُ أَبِي تَمَّامٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ.

نذر أن يتصدق بجميع ماله في المساكين

وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ النَّذْرِ؟ فَقَالَ: أَفْضَلُ الْأَيْمَانِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، فَاَلَّتِي تَلِيهَا يَقُولُ: الْعِتْقُ، ثُمَّ الْكِسْوَةُ، ثُمَّ الْإِطْعَامُ، إلَّا أَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرُوِّينَا مِثْلَ تَفْرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَاضِرٍ قَالَ: حَلَفَتْ امْرَأَةٌ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَجَارِيَتِي حُرَّةٌ إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُعْتَقُ، وَأَمَّا قَوْلُهَا: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهَا. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ. وَقَدْ خَالَفُوهُ أَيْضًا فِيهَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ إصْرٍ فَلَا كَفَّارَةَ لَهُ وَالْإِصْرُ أَنْ يَحْلِفَ بِطَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ مَشْيٍ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ. جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ - سَاقِطٌ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ فِيمَنْ أَتَى خَيْرًا مِمَّا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ كَفَّارَةٌ، إلَّا فِعْلُهُ ذَلِكَ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا بِالْكَفَّارَةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَهَى عَنْ الْوَفَاءِ بِنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ يَمِينًا فَهُوَ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا فَهُوَ مَعْصِيَةٌ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَصْدَ الْقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا وَفَاءَ فِيهِ، وَلَا كَفَّارَةَ - فَحَصَلَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ جَمِيعِ السَّلَفِ. [نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فِي الْمَسَاكِينِ] وَمِمَّا ذَكَرْنَا مَسَائِلُ فِيهَا خِلَافٌ قَدِيمٌ، وَهِيَ -: مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ، وَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَسْجِدِ إيلْيَاءَ، أَوْ الرُّكُوبَ، أَوْ النُّهُوضَ إلَى مَكَّةَ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ مِنْ الْحَرَمِ، وَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ بَاعَهُ، أَوْ عِتْقَ عَبْدِ فُلَانٍ إنْ مَلَكَهُ.

فَأَمَّا الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ - وَهُوَ قَوْلُنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فِي الْمَسَاكِينِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ كُلَّهُ، صَحَّ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ جَعَلْت مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَرُوِّينَا عَنْ سَالِمٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى بَعْضِ بَنَاتِهِ. وَصَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّهُمَا كَانَا يُلْزِمَانِهِ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ هَؤُلَاءِ: فَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إلَّا أَبَا سُلَيْمَانَ فَقَالَ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ حَاشَا قُوتِ شَهْرٍ فَإِذَا أَفَادَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِمَا كَانَ أَبْقَى لِنَفْسِهِ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ، وَرَأَى فِيهِ إذَا أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَجْزِيهِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَصَحَّ نَحْوُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ -: رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ قَبْلُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَرُ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ جَعَلَ مَالَهُ هَدْيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ أَنْ يَغْتَصِبَ أَحَدًا مَالَهُ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلْيُهْدِ خُمُسَهُ وَإِنْ كَانَ وَسَطًا فَسُبُعَهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَعُشُرُهُ. قَالَ قَتَادَةُ: الْكَثِيرُ أَلْفَانِ، وَالْوَسَطُ أَلْفٌ، وَالْقَلِيلُ خَمْسُمِائَةٍ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى قَتَادَةَ، قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِخُمُسِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَصَدَّقُ بِرُبْعِ الْعُشْرِ - كَمَا رُوِّينَا ذَلِكَ آنِفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَسَوَّى بَيْنَ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ بِصَدَقَةِ جُزْءٍ مِنْهُ سَمَّاهُ وَإِنَّمَا رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْيَمِينِ بِذَلِكَ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ قَوْلَ رَبِيعَةَ هَذَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ قَالَ: إبِلِي نَذْرٌ، أَوْ هَدْيٌ، أَنَّهُ يُجْزِيه بَعِيرٌ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْهُ: لَعَلَّهُ يُجْزِيه إنْ كَانَتْ إبِلُهُ كَثِيرَةً. وَقَالَ ابْنُ ذَرٍّ عَنْهُ: يُهْدِي جَزُورًا ثَمِينًا، وَيُمْسِكُ بَقِيَّةَ إبِلِهِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَلَهُمْ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذَا كُلِّهِ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ نَذْرًا، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ بِكُلِّ نَوْعٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَقَطْ، كَالْمَوَاشِي، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ نِصَابٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ، أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ - وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا نَدْرِي مَا قَوْلُهُمْ فِي الْحُبُوبِ وَمَا يُزْرَعُ، وَالثِّمَارُ، وَالْعَسَلُ؟ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ هَذَا عِنْدَهُ نَعَمْ، وَفِي كُلِّ عَرَضٍ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُ بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ سَلَفٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: الْمَالُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الصَّدَقَةُ الْمَأْخُوذَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَمْلِكُ الْمَرْءُ، وَمَا اخْتَلَفَ قَطُّ عَرَبِيٌّ، وَلَا لُغَوِيٌّ، وَلَا فَقِيهٌ، أَنَّ الْحَوَائِطَ، وَالدُّورَ تُسَمَّى: مَالًا، وَأَمْوَالًا - وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ حَمِيرٌ، وَدُورٌ، وَضِيَاعٌ، فَإِنَّهُ حَانِثٌ عِنْدَهُمْ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ -: وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ؟ فَقَالَ: إنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ» .

وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ أَنْ لَا تُجْزِئَ صَدَقَةٌ أَصْلًا إلَّا بِمَالٍ فِيهِ زَكَاةٌ أَوْ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ فَقَطْ. وَقَالَ مَالِكٌ: سَوَاءٌ نَذَرَ ذَلِكَ أَوْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ إنْ قَالَ: مَالِي كُلُّهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ، فَإِنْ قَالَ: دُورِي كُلُّهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَضِيَاعِي كُلُّهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَثِيَابِي كُلُّهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَرَقِيقِي كُلُّهُمْ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَلَمْ يَزَلْ هَكَذَا حَتَّى سَمَّى نَوْعًا نَوْعًا حَتَّى أَتَى عَلَى كُلِّ مَا يَمْلِكُ -: لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ ذَلِكَ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ، لَا يُجْزِيه مِنْهُ الثُّلُثُ إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ. فَلَوْ قَالَ مَكَانَ الْمَسَاكِينِ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ -: لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِكُلِّ ذَلِكَ وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالُوا: فَلَوْ نَذَرَ، أَوْ حَلَفَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، إلَّا دِينَارًا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ إلَّا دِينَارًا -: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا قُرْآنَ يُعَضِّدُهُ، وَلَا سُنَّةَ، وَلَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلَا قَوْلٌ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ؛ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ. وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ إلَّا نِصْفَ دِينَارٍ، أَوْ دِرْهَمًا حَتَّى نَبْلُغَهُمْ إلَى الْفَلْسِ، وَحَبَّةِ الْخَرْدَلَةِ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ كَانَ مَالُهُ كَثِيرًا تَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَرُبْعُ عُشْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً قَلِيلَةً، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ - وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَعَلَّقٌ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ إلَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ؛ وَقَوْلَ مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» ؛ فَلَا يَخْلُو النَّذْرُ بِصَدَقَةِ الْمَالِ كُلِّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، أَوْ يَكُونَ مَعْصِيَةً فَلَا يَلْزَمُهُ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ صَحِيحٌ

فِي ذَلِكَ بِحُكْمٍ مَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» - وَلِهَذَا الْخَبَرِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ نَذْرُ طَاعَةٍ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ لَيْسَ هُوَ نَذْرَ طَاعَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُجْزِيه الثُّلُثُ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى نا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ نا ابْنُ إدْرِيسَ قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَدِّهِ فِي قِصَّتِهِ إذْ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللَّهِ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةً قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَنِصْفَهُ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَثُلُثَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي مِنْ خَيْبَرَ» . وَبِخَبَرٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي، وَأُسَاكِنَكَ، وَأَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ؟ قَالَ: يُجْزِي عَنْكَ الثُّلُثُ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ -: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بِمِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيِّبِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: يُجْزِي عَنْكَ الثُّلُثُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا مَرَاسِيلُ، وَالْأَوَّلُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ إدْرِيسَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ. وَأَمَّا تَمْوِيهُ الْمَالِكِيِّينَ بِالِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْخَبَرِ فَعَارٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ كُلِّهِ بِتِلْكَ التَّقَاسِيمِ الْفَاسِدَةِ، وَبِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِصَدَقَةِ نِصْفِ مَالِهِ إذَا نَذَرَهُ - وَفِي هَذَا الْخَبَرِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّذْرِ بِصَدَقَةِ جَمِيعِهِ، وَصَدَقَةِ نِصْفِهِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقٌ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ إلَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ مَنْذُورَةٌ - فَهَهُنَا نَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَنَقُولُ -: قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] فَلَامَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُحِبَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَا يَمْلِكُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ «كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - فَذَكَرَ حَدِيثَ تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ - وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلُهُ، وَزَادَ فِيهِ فَقُلْتُ: إنْ أُمْسِكَ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، أَوْ تَصَدَّقَ عَنْ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ، فَهَكَذَا وَهَكَذَا» . وَالْأَحَادِيثُ هَهُنَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ

مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ، مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا؟ فَأَعْرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ مِرَارًا - وَهُوَ يُرَدِّدُ كَلَامَهُ هَذَا - ثُمَّ أَخَذَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَحَذَفَهُ بِهَا، فَلَوْ أَنَّهَا أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَتَكَفَّفُ النَّاسَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوُهُ، وَفِي آخِرِهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «خُذْ عَنَّا مَالَكَ، لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا فَطَرَحُوا فَأَمَرَ لَهُ مِنْهَا بِثَوْبَيْنِ، ثُمَّ حَثَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الصَّدَقَةِ فَطَرَحَ الرَّجُلُ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ خُذْ ثَوْبَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِإِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِمَا زَادَ عَلَى مَا يُبْقِي غِنًى، وَإِذَا كَانَ الصَّدَقَةُ بِمَا أَبْقَى غِنًى خَيْرًا وَأَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِمَا لَا يُبْقِي غِنًى؛ فَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ صَدَقَتَهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ لَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا، بَلْ حَطَّتْ مِنْ أَجْرِهِ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَمَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَحُطُّ مِنْ الْأَجْرِ، أَوْ لَا أَجْرَ فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الْمَالِ فَلَا يَحِلُّ إعْطَاؤُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَإِضَاعَةٌ لَهُ وَسَرَفٌ حَرَامٌ، فَكَيْفَ وَرَدُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ بَيَانٌ كَافٍ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] . وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ سُئِلَ «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: جَهْدُ الْمُقِلِّ» . وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَجْوَدِهِمَا» . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79] .

وَبِحَدِيثِي أَبِي مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا بِالصَّدَقَةِ؛ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا فَيَتَحَامَلُ فَيَجِيءُ بِالْمُدِّ، وَصَدَقَةِ أَبِي عَقِيلٍ بِصَاعِ تَمْرٍ» فَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ وَحُجَّةٌ لَنَا لَا لَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْقُوا لِأَنْفُسِهِمْ مَعَاشًا، إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا مُقِلِّينَ، وَيُؤْثِرُونَ مِنْ بَعْضِ قُوتِهِمْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] فَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " جَهْدُ الْمُقِلِّ " فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ الْمَوْصُولَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» فَبَيَّنَ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّهُ جَهْدُهُ بَعْدَ كَفَافِ مَنْ تَعُولُ. وَكَذَلِكَ حَدِيثَا أَبِي مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَإِنَّمَا كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ فَتَصَدَّقَ بِأَجْوَدِهِمَا، فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ ضَيْعَةٌ أَوْ لَهُ غَلَّةٌ تَقُومُ بِهِ فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِ دِرْهَمَيْنِ كَانَا لَهُ وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا؟ فَإِنْ ذَكَرُوا صَدَقَةَ أَبِي بَكْرٍ بِمَا يَمْلِكُهُ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ «عُمَرَ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَبْقَيْت لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ بِلَا شَكٍّ كَانَتْ لَهُ دَارٌ بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوفَةٌ وَدَارٌ بِمَكَّةَ - وَأَيْضًا: فَإِنَّ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِيُضَيِّعَهُ فَكَانَ فِي غِنًى. فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ مُجْمَلًا، أَوْ مُنَوَّعًا عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهُ إلَّا بِمَا أَبْقَى لِنَفْسِهِ، وَلِأَهْلِهِ غِنًى، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَغَيْرَهُ.

نذر نحر نفسه أو ابنه

فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ سَعْدٍ فِي الْوَصِيَّةِ؟ قُلْنَا: هُوَ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْوَصِيَّةِ غَيْرُ أَمْرِ الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ فِي الْحَيَاةِ بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ - وَأَيْضًا فَقَدْ مَنَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الصَّدَقَةِ بِنِصْفِهِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ هَذَا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ وَلَوْ تَرَكَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ - وَيُرَدُّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ: بِرَدِّ مَا نَفَذَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فِي حَيَاتِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [نَذَرَ نَحْرَ نَفْسِهِ أَوْ ابْنِهِ] وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ نَحْرَ نَفْسِهِ أَوْ ابْنِهِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ يَقُولُ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ؟ فَقَالَ: لَا يَنْحَرْ ابْنَهُ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ تَكُونُ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ كَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: 2] ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ مَا رَأَيْت. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. أَوَّلُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هُوَ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ الَّتِي شَبَّهَهَا بِطَاعَتِهِ فِي الظِّهَارِ، الْكَفَّارَةَ الَّتِي فِي الظِّهَارِ وَيَكْفِي هَذَا - ثُمَّ لَوْ طَرَدَ هَذَا الْقَوْلُ لَوَجَبَتْ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ - وَهَذَا لَا يَقُولُهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ كَفَّارَةً - وَهَذَا أَصَحُّ أَقْوَالِهِ -: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ غَيْرَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: نَذَرْت لَأَنْحَرَنَّ نَفْسِي؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] فَأَمَرَهُ بِكَبْشٍ، قَالَ عَطَاءٌ: يُذْبَحُ الْكَبْشُ بِمَكَّةَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لِعَطَاءٍ: نَذَرَ لَيَنْحَرَنَّ فَرَسَهُ أَوْ بَغْلَتَهُ؟ فَقَالَ: جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ؟ فَقُلْت لَهُ: أَمَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِكَبْشٍ فِي نَفْسِهِ، وَتَقُولُ فِي الدَّابَّةِ جَزُورٌ؟ فَأَبَى عَطَاءٌ إلَّا ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا حُجَّةٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَنْذُرْ ذَبْحَ وَلَدِهِ، لَكِنْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَبْحِهِ فَكَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهُ، وَكَانَ نَذْرُ النَّاذِرِ نَحْرُ وَلَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ مَعْصِيَةً مِنْ كِبَارِ الْمَعَاصِي، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُشَبَّهَ الْكَبَائِرُ بِالطَّاعَاتِ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّنَا لَا نَدْرِي مَا كَانَ ذَلِكَ الذَّبْحُ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبَطَلَ هَذَا التَّشْبِيهُ - وَرُوِّينَا عَنْهُ قَوْلًا ثَالِثًا أَيْضًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ، قَالَ: لِيُهْدِ مِائَةَ نَاقَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: إنِّي كُنْت أَسِيرًا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَنَذَرْت إنْ نَجَّانِي اللَّهُ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا، وَأَنْ أَنْحَرَ نَفْسِي، وَإِنِّي قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ؟ قَالَ وَفِي عُنُقِهِ قِدٌّ فَأَقْبَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى امْرَأَةٍ سَأَلَتْهُ وَغَفَلَ عَنْ الرَّجُلِ، فَانْطَلَقَ لِيَنْحَرَ نَفْسَهُ، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ؟ فَقِيلَ لَهُ: ذَهَبَ لِيَنْحَرَ نَفْسَهُ، فَقَالَ عَلَيَّ بِالرَّجُلِ؟ فَجَاءَ، فَقَالَ: لَمَّا أَعْرَضْت عَنِّي انْطَلَقْت أَنْحَرُ نَفْسِي؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ فَعَلْت مَا زِلْت فِي نَارِ جَهَنَّمَ، اُنْظُرْ دِيَتَك فَاجْعَلْهَا فِي بُدْنٍ فَأَهْدِهَا فِي كُلِّ عَامٍ شَيْئًا، وَلَوْلَا أَنَّك شَدَدْت عَلَى نَفْسِك لَرَجَوْت أَنْ يُجْزِيك كَبْشٌ - وَهَذِهِ آثَارٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَفْتَى رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ نَفْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَتَجِدُ مِائَةَ بَدَنَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْحَرْهَا، فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا لَوْ أَمَرْته بِكَبْشٍ لَأَجْزَأَ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَذْنَبْت ذَنْبًا لَئِنْ أَمَرْتنِي لَأَنْحَرَنَّ السَّاعَةَ نَفْسِي وَاَللَّهِ لَا أُخْبِرُكَهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، لَعَلِّي أَنْ أُخْبِرَك بِكَفَّارَةٍ، قَالَ فَأَبَى، فَأَمَرَهُ بِمِائَةِ نَاقَةٍ - وَهَذَا أَيْضًا إسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ سَاقِطَةٍ فِيهَا ابْنُ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ: أَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ أَفْتَوْا فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ ابْنَهُ؟ أَنْ يُهْدِيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ أَنَّهُمْ ثَلَاثَتُهُمْ سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: يَنْحَرُ بَدَنَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَكَبْشًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ أَقْوَالٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صِحَاحٌ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ لَمْ يُعْصَمْ مِنْ

الْخَطَأِ، وَمَنْ قَلَّدَهُمْ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ لَا نَتَّبِعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَضَائِلُ وَمُشَاهَدٌ تَعْفُو عَنْ كُلِّ تَقْصِيرٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ نَذْرًا لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يُوَفِّيَهُ - ثُمَّ سَأَلَ عِكْرِمَةَ؟ فَنَهَاهُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهِ، وَأَمَرَهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ فَرَجَعَ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَأَخْبَرَهُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: لَيَنْتَهِيَنَّ عِكْرِمَةُ أَوْ لَيُوجِعَنَّ الْأُمَرَاءُ ظَهْرَهُ، فَرَجَعَ إلَى عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: إذْ بَلَّغَتْنِي فَبَلِّغْهُ، أَمَّا هُوَ فَقَدْ ضَرَبَتْ الْأُمَرَاءُ ظَهْرَهُ، وَأَوْقَفُوهُ فِي تُبَّانِ شَعْرٍ، وَسَلْهُ عَنْ نَذْرِك أَطَاعَةٌ لِلَّهِ هُوَ أَمْ مَعْصِيَةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ، فَقَدْ أَمَرَك بِالْمَعْصِيَةِ؟ وَإِنْ قَالَ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، إذْ زَعَمَ أَنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ طَاعَةٌ لَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ نَفْسِي؟ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُهْدِيَ مِائَةَ نَاقَةٍ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، قَالَ: فَإِنَّكَ لَا تَجِدُ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ: أَلَكَ مَالٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ» . وَقَدْ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا، فَلَا مَا يُوهَمُونَ مِنْ اتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ الْتَزَمُوا، وَلَا النَّصَّ الْمُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ اتَّبَعُوا، وَلَا بِالْمُرْسَلِ أَخَذُوا، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ -: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: مَنْ نَذَرَ نَحْرَ وَلَدِهِ، أَوْ نَحْرَ نَفْسِهِ، أَوْ نَحْرَ غُلَامِهِ، أَوْ نَحْرَ وَالِدِهِ، أَوْ نَحْرَ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ إهْدَاءَهُ، أَوْ إهْدَاءَ وَلَدِهِ، أَوْ إهْدَاءَ وَالِدِهِ - فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، إلَّا فِي وَلَدِهِ خَاصَّةً، فَيَلْزَمُهُ فِيهِ هَدْيُ شَاةٍ - وَهَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ - وَوَافَقَهُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَعَلَيْهِ فِي عَبْدِهِ أَيْضًا شَاةٌ. وَاضْطَرَبَ قَوْلُ مَالِكٍ، فَمَرَّةً قَالَ: مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: أَنَا أَنْحَرُ ابْنِي إنْ فَعَلْت كَذَا، فَحِنْثَ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ -: وَمَرَّةً قَالَ: إنْ كَانَ نَوَى بِذَلِكَ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ هَدْيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَا هَدْيٌ وَلَا كَفَّارَةٌ. وَمَرَّةً قَالَ: إنْ نَذَرَ ذَلِكَ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: إنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ أَبَاهُ، أَوْ أُمَّهُ، إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا، فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الِابْنِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ إنْ نَذَرَ ذَلِكَ بِمِنًى، أَوْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكَمَا لَوْ نَذَرَهُ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَخِلَافٌ لِلسَّلَفِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ ابْنِي عِنْدَ الْبَيْتِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، وَيَحُجَّ بِابْنِهِ وَيُهْدِيَ هَدْيًا. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ فُلَانًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهُ يُحِجُّهُ، أَوْ يُعْمِرُهُ، وَيُهْدِي، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحَدٌ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى فَقَطْ -: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِغْفَارَ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَلَمْ يَأْمُرْهُ فِي ذَلِكَ بِكَفَّارَةٍ، وَلَا هَدْيٍ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يُحَدِّثُ عَطَاءً أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: نَذَرْت لَأَنْحَرَنَّ نَفْسِي؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَوْفِ مَا نَذَرْت، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَفَأَقْتُلُ نَفْسِي؟ قَالَ لَهُ إذْنَ تَدْخُلُ النَّارَ، قَالَ لَهُ: أَلْبَسْت عَلَيَّ قَالَ: أَنْتَ أَلْبَسْت عَلَى نَفْسِك؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي ابْنُ عُمَرَ، صَحَّ أَنَّ آتِيًا أَتَاهُ فَقَالَ: نَذَرْت صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

نذر نحر فرسه أو بغلته

عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ. وَأَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهُ؟ فَقَالَتْ: نَذَرْت أَنْ أَمْشِيَ حَاسِرَةً؟ فَقَالَ: أَوْفِي بِنَذْرِك، وَاخْتَمِرِي. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: سُقُوطَ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ جُمْلَةً وَبِهَذَا نَقُولُ. [نَذَرَ نَحْرَ فَرَسِهِ أَوْ بَغْلَتِهِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ نَحْرَ فَرَسِهِ أَوْ بَغْلَتِهِ، فَلْيَنْحَرْهُمَا لِلَّهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَة أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ إلَى مَكَان سَمَّاهُ مِنْ الْحَرَمِ، أَوْ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، فَإِنَّهُ إنْ نَذَرَ مَشْيًا، أَوْ رُكُوبًا، أَوْ نُهُوضًا إلَى مَكَّةَ، أَوْ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ طَاعَةٍ، وَالْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ نَذَرَ مَشْيًا، أَوْ نُهُوضًا، أَوْ رُكُوبًا إلَى الْمَدِينَةِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إلَى أَثَرٍ مِنْ آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، فَإِنْ نَذَرَ مَشْيًا، أَوْ رُكُوبًا، أَوْ اعْتِكَافًا، أَوْ نُهُوضًا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَزِمَهُ. فَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً فِيهِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَمْرَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْهَضَ إلَى مَكَّةَ فَيُصَلِّي فِيهَا وَيُجْزِيه. وَالثَّانِي - أَنْ يَنْهَضَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنْ نَذَرَ مَشْيًا، وَنُهُوضًا، أَوْ رُكُوبًا إلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْأَرْضِ غَيْرِ هَذِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ شَدِّ الرَّحَّالِ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ فَقَطْ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نا رَوْحٌ هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ - نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ» فَصَارَ الْقَصْدُ إلَى مَا سِوَاهَا مَعْصِيَةً، وَالْمَعْصِيَةُ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ مَا لَمْ يَنْذُرْهُ مِنْ صَلَاةٍ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي سَمَّى.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النُّهُوضِ، وَالذَّهَابِ، وَالْمَشْيِ، وَالرُّكُوبِ، إلَّا أَنَّ الْمَشْيَ طَاعَةٌ، وَالرُّكُوبَ أَيْضًا طَاعَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفَقَةٌ زَائِدَةٌ فِي بِرٍّ. وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ فِي غَيْرِهَا مَكَّةَ، أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ هُنَالِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ فَرْضٍ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ طَاعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ فِيهَا لِلْأَثَرِ الثَّابِتِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ قَالَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ إذْ فَرَضَ - عَزَّ وَجَلَّ - الْخَمْسَ الصَّلَوَاتِ: هُنَّ خَمْسٌ، وَهُنَّ خَمْسُونَ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» فَآمَنَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مُفْتَرَضَةً، غَيْرَ الْخَمْسِ لَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ، مُعَيَّنَةً عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ أَبَدًا. وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ بِمِثْلِ هَذَا - وَبِهَذَا أَسْقَطْنَا وُجُوبَ الْوَتْرِ فَرْضًا مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ، وَوُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ فَرْضًا عَلَى الدَّاخِلِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا قُلْتُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِمَكَّةَ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ، أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: صَلِّ هَهُنَا، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: صَلِّ هَهُنَا، ثُمَّ أَعَادَهَا، فَقَالَ: شَأْنَكَ إذًا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: صَلِّ هَهُنَا، فَأَعَادَ الرَّجُلُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: فَشَأْنَكَ إذًا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فِي مَسْجِدِ إيلْيَاءَ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِيهِ فَقَطْ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: لِمَا أَخْبَرَ الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ هَهُنَا - يَعْنِي بِمَكَّةَ - تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ وُجُوبُ نَذْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَصَحَّ أَنَّهُ نَدْبٌ مُبَاحٌ وَكَانَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ لَازِمًا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ، «فَلَمَّا رَاجَعَ بِذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَشَأْنَكَ إذًا» تَبَيَّنَ وَصَحَّ أَنَّ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ نَدْبٌ لَا فَرْضٌ أَيْضًا، هَذَا مَا لَا يُمْكِنُ سِوَاهُ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ غَيْرَهُ - فَصَارَ كُلُّ ذَلِكَ نَدْبًا فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُوجِبُونَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضًا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، عَلَى الْكِفَايَةِ لَا مُتَعَيِّنًا عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ. وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا عَمَّنْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ كَانَتْ صَلَاةً سَادِسَةً؟ وَبَدَّلَ الْقَوْلَ الَّذِي أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُبَدَّلُ لَدَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ سَأَلْنَاهُ: مَا الْفَرْقُ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ أَبَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَوْ نَذَرَ النُّهُوضَ إلَى مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا لَزِمَهُ النُّهُوضُ إلَيْهَا وَلَا بُدَّ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَلْزَمُهُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ هُنَالِكَ مَا أَدْرَكَهُ وَقْتُهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ فِيهَا مِنْ التَّطَوُّعِ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ هُوَ هُنَالِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اذْهَبْ فَتَجَهَّزْ؟ فَتَجَهَّزَ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَمَرَتْهَا بِأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ إيلْيَاءَ فَاعْتَكَفَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ أَجْزَأَ عَنْهُ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَاعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَجْزَأَ عَنْهُ. وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَلْيَعْتَكِفْ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ الْبَصْرَةِ قَالَ: إنَّمَا أُمِرْتُمْ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجِوَارِ قُلْت: فَأَوْصَى فِي أَمْرٍ فَرَأَيْت خَيْرًا مِنْهُ؟ قَالَ: افْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مَا لَمْ تُسَمِّ لِإِنْسَانِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إنْ قَالَ: لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَرَأَيْت خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ - ثُمَّ رَجَعَ عَطَاءٌ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لِيَفْعَلْ الَّذِي قَالَ وَلْيُنَفِّذْ أَمْرَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ مَنْ قَالَ لَهُ: نَذَرْت مَشْيًا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ زِيَارَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ لَهُ طَاوُسٍ: عَلَيْك بِمَكَّةَ مَكَّةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ إتْيَانَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ، أَوْ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْكَنِهِ مِنْ الْبِلَادِ حَيْثُ كَانَ إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ إنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَوْضِعٍ فَصَلَّى فِي أَفْضَلَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ صَلَّى فِي دُونِهِ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ قَالَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةً هُنَالِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ رَاكِبًا، وَالصَّلَاةُ هُنَالِكَ؛ فَإِنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ قَالَ: إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَى مَا هُنَالِكَ رَاكِبًا وَالصَّلَاةُ هُنَالِكَ؟ قَالَ: فَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى عَرَفَةَ، أَوْ إلَى مُزْدَلِفَةَ لَمْ

نذر عتق عبد فلان إن ملكه

يَلْزَمْهُ، فَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ مَشَى إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا فِيهَا، فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَدِينَةِ، أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَجْزَأَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي ذَكَرَ لَا فِيمَا سِوَاهُ، فَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ، لَكِنْ يُصَلِّي حَيْثُ هُوَ، فَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَجْزَأَهُ الرُّكُوبُ إلَيْهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَخِلَافُ السُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِيمَنْ نَذَرَ طَاعَةً، وَفِي أَنَّ صَلَاةً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، وَإِنَّ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ عُمُومًا لَا يَخُصُّ مِنْهُ نَافِلَةً مِنْ فَرْضٍ، وَهَذِهِ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» فَقَالُوا: لَا يُطِعْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَفَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ فَجَاهَدَ فَإِنَّهُ يُجْزِيه مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ خَيْرًا مِمَّا نَذَرَ، وَإِنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ، أَنَّهُ يُجْزِيه - وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ لَائِحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ وُجُوبَ الْمَشْيِ عَنْ مَنْ نَذَرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ نَذَرَهُ إلَى مَكَّةَ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ تَخْصِيصُهُ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَعْضِ الْمَشَاعِرِ، كَمُزْدَلِفَةَ، أَوْ عَرَفَةَ، فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَأَوْجَبَهُ إلَى مَكَّةَ، وَإِلَى الْكَعْبَةِ، وَإِلَى الْحَرَمِ؛ وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَا يُنْتَقَضُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. [نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ فُلَانٍ إنْ مَلَكَهُ] وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِ فُلَانٍ إنْ مَلَكَهُ، أَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ بَاعَهُ، فَإِنَّ مَنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، فَإِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ النَّذْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ بِعْته، أَوْ قَالَ: ثَوْبِي هَذَا صَدَقَةٌ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ فَقَدْ سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ، وَإِذَا سَقَطَ مُلْكُهُ عَنْهُ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِي عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ هُوَ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، وَصَدَقَتُهُ كَذَلِكَ.

وَمَنْ قَالَ: إنْ ابْتَعْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ إنْ ابْتَعْت دَارَ فُلَانٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ، ثُمَّ ابْتَاعَ كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ نا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ نا ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ - هُوَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ - «أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ قَالُوا: لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» فَفِي هَذَا الْخَبَرِ نَصُّ مَا قُلْنَا: مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَرْءَ وَفَاءُ نَذْرِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَفِيهِ إيجَابُ الْوَفَاءِ بِنَذْرِ نَحْرِ الْإِبِلِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ - وَهُوَ قَوْلُنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَالَ النَّاسُ فِي هَذَا: أَقْوَالًا: فَاخْتَلَفُوا فِي رَجُلٍ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي هَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ آخَرُ: إنْ اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ؟ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْمَاجِشُونِ قَالَا: يُعْتَقُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لَا عَلَى الْبَائِعِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يُعْتَقُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا - وَهُوَ الْحَقُّ لِمَا ذَكَرْنَا - وَالْمَذْكُورُونَ قَبْلُ قَدْ نَقَضَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَصْلَهَا؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ، فَبَاعَهُ: أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّهُ إنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ، فَإِنَّهُ حُرٌّ - فَمِنْ أَيْنَ غَلَّبَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي بَيْعِهِ وَابْتِيَاعِهِ أَحَدَ النَّاذِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ؟ فَكَانَ الْأَوْلَى بِهِمْ أَنْ يُعْتِقُوهُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَهَذَا نَقْضٌ وَاحِدٌ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ - فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ،

مسألة قال لله تعالى علي عتق رقبة

أَوْ لَمْ يَبِعْهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ. فَإِنْ كَانَ بَاعَهُ فَقَدْ مَلَكَهُ غَيْرُهُ فَبِأَيِّ حُكْمٍ تُفْسَخُ صَفْقَةُ مُسْلِمٍ قَدْ تَمَّتْ؟ وَبِأَيِّ حُكْمٍ يُعْتِقُ زَيْدٌ عَبْدَ عَمْرٍو؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبِعْهُ - فَمَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَذَرَ عِتْقَهُ إنْ بَاعَهُ - وَهُوَ لَمْ يَبِعْهُ - وَهَذَا نَفْسُهُ لَازِمٌ لِلشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فَظَهَرَ فَسَادُ أَقْوَالِهِمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: مَنْ قَالَ: إنْ دَخَلَ غُلَامِي دَارَ زَيْدٍ فَهُوَ حُرٌّ - ثُمَّ بَاعَهُ - ثُمَّ دَخَلَ الْغُلَامُ دَارَ زَيْدٍ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَيُعْتَقُ عَلَى بَائِعِهِ. وَلَعَمْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ بِبَعِيدٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَدْ اعْتِقُوهُ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَأَبْطَلُوا صَفْقَةَ الْمُشْتَرِي وَصِحَّةَ مِلْكِهِ - وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْغُلَامُ دَارَ زَيْدٍ؟ أَيُفْسَخُ عِتْقُهُ ثُمَّ يُعْتِقُهُ عَلَى بَائِعِهِ؟ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَأَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ؟ [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ] 1116 - مَسْأَلَةٌ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ قَالَ: بَدَنَةً، أَوْ قَالَ: مِائَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْبُرِّ، هَكَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ -: فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ نَذْرٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْذُرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي نَذَرَ لَيْسَ مُعَيَّنًا فَيَكُونُ مُشَارًا إلَيْهِ مُخْبَرًا عَنْهُ، فَإِنَّمَا نَذَرَ عِتْقًا فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ صَدَقَةً فِي ذِمَّتِهِ. بُرْهَانُ هَذَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: 75] ثُمَّ لَامَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ إذْ لَمْ يَفُوا بِذَلِكَ إذْ آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ -: فَخَرَجَ هَذَا عَلَى مَا الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ جُمْلَةً، وَخَرَجَ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ عَلَى مَا نَذَرَ فِي مُعَيَّنٍ لَا يَمْلِكُهُ. وَيَدْخُلُ فِي الْقِسْمِ اللَّازِمِ مَنْ نَذَرَ عِتْقَ أَوَّلِ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ، أَوْ أَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ ثُمَّ أَعْتَقَ فِي الْإِسْلَامِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْيَاءُ كُنْتُ

أَفْعَلُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَكَ مِنْ الْخَيْرِ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قُلْتُ: فَوَاَللَّهِ لَا أَدَعُ شَيْئًا صَنَعَتْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا فَعَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ» فَهَذَا نَذْرٌ مِنْ حَكِيمٍ فِي عِتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ، وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا أَنْكَرَ نَذْرَ الْأَنْصَارِيَّةِ نَحْرَ النَّاقَةِ الَّتِي لَمْ تَمْلِكْهَا - فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّ الْجَائِزَ هُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا بُدَّ، لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» . وَأَمْرُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَتَكَلَّمَ: بِأَنْ يَصُومَ وَيَطْرَحَ مَا سِوَى ذَلِكَ - وَنَهْيُهُ عَنْ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ نَجِدْ نَذْرًا فِي الْعَالَمِ يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ. وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِكُلِّ وَجْهٍ حُكْمَهُ، فَكَانَ مَنْ اسْتَعْمَلَ فِي أَحَد تِلْكَ الْوُجُوهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فَقَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَا لَا يُحَالُ بِهِ حُكْمُ تِلْكَ النُّصُوصِ عَنْ أَحْكَامِهَا -: فَوَجَدْنَاهُ إذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ صَحَّ حُكْمُهُ، وَهُوَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فَقَطْ كَمَا فِي نَصِّ الْخَبَرِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَمْ يَلْتَزِمْهَا وَلَا جَاءَ بِالْتِزَامِهِ إيَّاهَا نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ قَالَ: إنْ تَخَلَّصْت مِمَّا أَنَا فِيهِ فَعَلَيَّ نَذْرٌ، وَسَوَاءٌ تَخَلَّصَ أَوْ لَمْ يَتَخَلَّصْ: عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: عَلَيَّ حَرَامٌ، عَلَيَّ نَذْرٌ؟ قَالَ: اعْتِقْ رَقَبَةً، أَوْ صُمْ

مسألة قال في النذر اللازم إلا أن يشاء الله

شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ سَعِيدٌ: ونا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: النَّذْرُ أَغْلَظُ الْيَمِينِ، وَفِيهَا أَغْلَظُ الْكَفَّارَةِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ - وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ: فِيهِ يَمِينٌ كَقَوْلِنَا: الشَّعْبِيُّ، رُوِّينَاهُ عَنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي النَّذْرِ اللَّازِمِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ] 1117 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ فِي النَّذْرِ اللَّازِمِ الَّذِي قَدَّمْنَا: إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ ذَكَرَ الْإِرَادَةَ مَكَانَ الْمَشِيئَةِ، أَوْ إلَّا إنْ بَدَّلَ اللَّهُ مَا فِي نَفْسِي، أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَوَصَلَهُ بِكَلَامِهِ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَلِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَ نَذْرَهُ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ تَمَامَهُ لَأَنْفَذَهُ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ كَوْنَهُ. وَهُوَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ، فَإِذْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ بَدَا لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ نَذْرُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءٌ] 1118 - مَسْأَلَةٌ: وَنَذْرُ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ، وَغَيْرِ ذَاتِ الْأَبِ، وَذَاتِ الزَّوْجِ، وَغَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ، وَالْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عُمُومٌ لَمْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ تَخْصِيصَ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يُبَيِّنُهُ لَنَا، هَذَا أَمْرٌ قَدْ أَمِنَّاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - إلَّا الصِّيَامَ وَحْدَهُ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ غَيْرَ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة نذر ما لا يطيق

[مَسْأَلَةٌ نَذَرَ مَا لَا يُطِيقُ] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ مَا لَا يُطِيقُ أَبَدًا لَمْ يَلْزَمْهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ فَجَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ - وَهُوَ لَا يُطِيقُهُ - فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ، لَا حِينَئِذٍ، وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَسْلَمَ] 1120 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] فَحَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَأَوْجَبَهُ لِفَاعِلِهِ، ثُمَّ عَلَى الْإِيمَانِ، وَعَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ فِيهِ أَيْضًا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّه فَلْيُطِعْهُ» . وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَبْعُوثٌ إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَطَاعَتُهُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَلَيْسَ مُسْلِمًا -: وَهَذِهِ جُمْلَةٌ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ - ثُمَّ نَقَضُوا فِي التَّفْصِيلِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا حَسَنٌ الْحَلْوَانِيُّ نا يَعْقُوبُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - نا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحْنَثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَفِيهَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» . نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ عُمَرَ قَالَ: نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا أَسْلَمْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُوَفِّيَ بِنَذْرِي» . نا حُمَامٌ نا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ «عُمَرَ

مسألة نذر صوم يوم يقدم فيه فلان

قَالَ: نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمْتُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَنِي أَنْ أُوَفِّيَ بِنَذْرِي» . فَهَذَا حُكْمٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهُ - وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وقَوْله تَعَالَى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا نَزَلَ فِيمَنْ مَاتَ كَافِرًا بِنَصِّ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217] . ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ يَنْقُضُ هَذِهِ الْحُجَّةَ فَيُجِيزُونَ: بَيْعَهُمْ، وَابْتِيَاعَهُمْ، وَنِكَاحَهُمْ، وَهِبَاتِهِمْ، وَصَدَقَاتِهِمْ، وَعِتْقَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّ ثُمَامَةَ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَاَللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دِينٍ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إلَيَّ وَاَللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي، وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ» . فَهَذَا كَافِرٌ خَرَجَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِتْمَامِ نِيَّتِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ مَنْ نَذَرَ فِي كُفْرِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَلْيُوَفِّ بِنَذْرِهِ - وَعَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ نَحْوُهُ - وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ يَقْدُمُ فِيهِ فُلَانٌ] 1121 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ صَوْمَ يَوْمٍ يَقْدُمُ فِيهِ فُلَانٌ، أَوْ يَوْمٍ يَبْرَأُ أَوْ يَنْطَلِقُ فَكَانَ

مسألة نذر صياما ولم يسم عددا ما

ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَمْ يَلْزَمْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَيْلًا فَلَمْ يَكُنْ مَا نَذَرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَقَدْ مَضَى وَقْتُ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي أَنْطَلِقُ فِيهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ كَذَا فِي الْأَبَدِ، أَوْ مُدَّةً يُسَمِّيهَا، فَيَلْزَمُهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نَذَرَ صِيَامًا وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدًا مَا] 1122 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَذَرَ صِيَامًا، أَوْ صَلَاةً، أَوْ صَدَقَةً، وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدًا مَا: لَزِمَهُ فِي الصِّيَامِ صَوْمُ يَوْمٍ وَلَا مَزِيدٍ، وَفِي الصَّدَقَةِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِمَّا يُسَمَّى صَدَقَةً، وَلَوْ شَقَّ تَمْرَةً، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ، وَلَزِمَهُ فِي الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا أَقَلُّ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ الْمَذْكُورُ، فَهُوَ اللَّازِمُ بِيَقِينٍ وَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهَا شَرْعٌ، وَلَا لُغَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ هَكَذَا جُمْلَةً] 1123 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ، أَوْ صِيَامٌ، أَوْ صَلَاةٌ، هَكَذَا جُمْلَةً: لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ، وَيُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ طَاعَةً، فَعَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عَمَلُ بِرٍّ: فَيُجْزِيهِ تَسْبِيحَةٌ، أَوْ تَكْبِيرَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ صَوْمٌ، أَوْ صَلَاةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ نَذْرًا، أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: عَلَى اللَّهِ كَذَا وَكَذَا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَلَا يُجْزِي فِي ذَلِكَ لَفْظٌ دُونَ نِيَّةٍ، وَلَا نِيَّةٌ دُونَ لَفْظٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . فَلَمْ يُفْرِدْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نِيَّةً دُونَ عَمَلٍ وَلَا عَمَلًا دُونَ نِيَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ] 1124 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ فَفَرْضٌ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ دُيُونِ النَّاسِ كُلِّهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِدُيُونِ النَّاسِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " " وَكِتَابِ الْحَجِّ " «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» .

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ - أَنَا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَأَفْتَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا» فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مِنْ رَغِبَ عَنْ فُتْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَارَعَ إلَى قَبُولِ فُتْيَا أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: لَمَخْذُولٌ مَحْرُومٌ مِنْ التَّوْفِيقِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِي أَنَّ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ تُقْطَعُ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي أَرْبَعِ أَصَابِعَ تُقْطَعُ لَهَا عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ تِلْكَ السُّنَّةُ - ثُمَّ لَا يَرَى قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَهُنَا، أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ الزُّهْرِيِّ - فَكَانَتْ سُنَّةً حُجَّةً لِبَعِيدٍ مِنْ الْقَوْلِ بِالْحَقِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مُصْعَبٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ عَنْ أَخِيهَا بَعْدَمَا مَاتَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أُمَّهُ نَذَرَتْ اعْتِكَافًا فَمَاتَتْ وَلَمْ تَعْتَكِفْ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اعْتَكِفْ عَنْ أُمِّك. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَاهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَمَّنْ نَذَرَ جِوَارًا أَوْ مَشْيًا فَمَاتَ وَلَمْ يُنَفِّذْ؟ قَالَ: يُنَفِّذُهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، قُلْتُ: فَغَيْرُهُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا الْأَوْلِيَاءُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلَاةً صَلَّاهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ، أَوْ حَجًّا كَذَلِكَ، أَوْ عُمْرَةً كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافًا كَذَلِكَ، أَوْ ذِكْرًا كَذَلِكَ، وَكُلَّ بِرٍّ كَذَلِكَ - فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يُؤَدِّي دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قِبَلَهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة تعمد النذور ليلزمها من بعده

[مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُلْزِمَهَا مَنْ بَعْدَهُ] مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُلْزِمَهَا مَنْ بَعْدَهُ، فَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، لَا لَهُ وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ اللَّازِمَ الْوَفَاءِ بِهِ هُوَ نَذْرُ الطَّاعَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ الْآنَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا نَذْرُ طَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَصَدَ إدْخَالَ الْمَشَقَّةِ عَلَى مُسْلِمٍ، فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الْوَعْدُ] [مَسْأَلَةٌ وَعَدَ آخَرَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا] الْوَعْدُ 1126 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَعَدَ آخَرَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ بِأَنْ يُعَيِّنَهُ فِي عَمَلٍ مَا - حَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ - لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ الْأَفْضَلُ لَوْ وَفَّى بِهِ. وَسَوَاءٌ أَدْخَلَهُ بِذَلِكَ فِي نَفَقَةٍ أَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ كَمَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ فُلَانَةَ وَأَنَا أُعِينُك فِي صَدَاقِهَا بِكَذَا وَكَذَا، أَوْ نَحْوِ هَذَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ بِوَعْدِهِ ذَلِكَ فِي كُلْفَةٍ، فَيَلْزَمُهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ الْوَعْدُ كُلُّهُ لَازِمٌ، وَيَقْضِي بِهِ عَلَى الْوَاعِدِ وَيُجْبَرُ. فَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَلَا وَجْهَ لَهُ وَلَا بُرْهَانَ يُعَضِّدُهُ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ. فَإِنْ قَالُوا قَدْ أَضَرَّ بِهِ إذْ كَلَّفَهُ مِنْ أَجْلِ وَعْدِهِ عَمَلًا وَنَفَقَةً؟ قُلْنَا: فَهَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَى مِنْ أَضَرَّ بِآخَرَ، وَظَلَمَهُ وَغَرَّهُ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مَالًا؟ مَا عَلِمْنَا هَذَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا حَيْثُ جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] . وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» .

وَالْآخَرُ: الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ عَلَامَةِ النِّفَاقِ ثَلَاثَةٌ - وَإِنْ صَلَّى، وَصَامَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: - إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ» . فَهَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَآثَارٌ أُخُرُ لَا تَصِحُّ -: أَحَدُهَا: مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ مَوَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَة الْعَدَوِيِّ حَدَّثَهُ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَتْ لِي أُمِّي هَاهْ تَعَالَ أُعْطِكَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ فَقَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَمَا أَنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا، كُتِبَتْ عَلَيْك كِذْبَةٌ» هَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ. وَآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَأَيُّ الْمُؤْمِنِ حَقٌّ وَاجِبٌ» . هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ضَعِيفٌ وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَلَا تَعِدْ أَخَاكَ وَعْدًا فَتُخْلِفْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً» . وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ: تَعَالَ هَاهْ لَكَ، ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَهِيَ كِذْبَةٌ» . ابْنُ شِهَابٍ كَانَ إذْ مَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ ابْنَ أَقَلَّ مِنْ تِسْعِ سِنِينَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ كَلِمَةٌ. وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَرَوْنَ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَيَحْتَجُّونَ بِمَا ذَكَرْنَا - فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقْضُوا بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ عَلَى الْوَاعِدِ وَلَا بُدَّ، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ، فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْآثَارُ لَقُلْنَا بِهَا. وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ صَدَّرْنَا بِهِمَا فَصَحِيحَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِمَا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْ وَعَدَ بِمَا لَا يَحِلُّ، أَوْ عَاهَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَنْ وَعَدَ بِزِنًى، أَوْ بِخَمْرٍ، أَوْ بِمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ، أَوْ عَاهَدَ فَغَدَرَ: مَذْمُومًا، وَلَا مَلُومًا، وَلَا

عَاصِيًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُطِيعًا مُؤَدِّيَ فَرْضٍ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فَرْضًا مِنْ إنْجَازِ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ، إلَّا عَلَى مَنْ وَعَدَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، كَإِنْصَافٍ مِنْ دَيْنٍ، أَوْ أَدَاءِ حَقٍّ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ وَعَدَ وَحَلَفَ وَاسْتَثْنَى فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحِنْثُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِعْلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَعْدٍ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ وَعْدٍ لَمْ يُقْسِمْ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] فَصَحَّ تَحْرِيمُ الْوَعْدِ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ وَعَدَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي وَعْدِهِ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ اسْتَثْنَى فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُعَلِّقُهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَكُونُ مُخْلِفًا لِوَعْدِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَعَدَهُ أَنْ يَفْعَلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَهُ لَأَنْفَذَهُ فَإِنْ لَمْ يُنْفِذْهُ، فَلَمْ يَشَأْ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] عَلَى هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَلْزَمُهُمْ، كَاَلَّذِي وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذْ يَقُولُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: 76] {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} [التوبة: 77] . فَصَحَّ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ، وَالْكَوْنَ مِنْ الصَّالِحِينَ وَاجِبٌ، فَالْوَعْدُ وَالْعَهْدُ بِذَلِكَ فَرْضَانِ: فُرِضَ إنْجَازُهُمَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذَا نَذْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّذْرُ فَرْضٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

كتاب الأيمان

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَمِينَ إلَّا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] ِ 1127 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَمِينَ إلَّا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إمَّا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، أَوْ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، مِثْلَ: مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَوَارِثِ الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا، الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ، - وَيَكُونُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ - أَوْ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ قُدْرَتِهِ، أَوْ عِزَّتِهِ، أَوْ قُوَّتِهِ، أَوْ جَلَالِهِ، وَكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِنْ مِثْلِ هَذَا؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي إنْ حَلَفَ بِهِ الْمَرْءُ كَانَ حَالِفًا، فَإِنْ حَنِثَ فِيهِ كَانَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا - أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لَا تَحَاشَ شَيْئًا - فَلَيْسَ حَالِفًا، وَلَا هِيَ يَمِينًا وَلَا كَفَّارَةٌ فِي ذَلِكَ إنْ حَنِثَ - وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ وَالِاسْتِغْفَارُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " كِتَابِ النُّذُورِ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» . وقَوْله تَعَالَى {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] . وَقَالَ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] . وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، لَا شَيْءَ سِوَاهُ، وَلَا يُرْجَعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ - أَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ نا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ. وَصَحَّ أَنَّ أَسْمَاءَهُ لَا تَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ شَيْئًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مِائَةً إلَّا وَاحِدًا» فَنَفَى الزِّيَادَةَ، وَأَبْطَلَهَا، لَكِنْ يُخْبِرُ عَنْهُ بِمَا يَفْعَلُ تَعَالَى. وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي إحْصَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ أَسْمَاءٌ مُضْطَرِبَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا، فَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ. وَمِمَّا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ بَلَغَ إحْصَاؤُنَا مِنْهَا إلَى مَا نَذْكُرُ -: وَهِيَ -: اللَّهُ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْعَلِيمُ، الْحَكِيمُ، الْكَرِيمُ، الْعَظِيمُ، الْحَلِيمُ، الْقَيُّومُ، الْأَكْرَمُ، السَّلَامُ، التَّوَّابُ، الرَّبُّ، الْوَهَّابُ، الْإِلَهُ، الْقَرِيبُ، السَّمِيعُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْعَزِيزُ، الشَّاكِرُ، الْقَاهِرُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْكَبِيرُ، الْخَبِيرُ، الْقَدِيرُ، الْبَصِيرُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْمُصَوِّرُ، الْبَرُّ، مُقْتَدِرٌ، الْبَارِي، الْعَلِيُّ، الْغَنِيُّ، الْوَلِيُّ، الْقَوِيُّ، الْحَيُّ، الْحَمِيدُ، الْمَجِيدُ، الْوَدُودُ، الصَّمَدُ، الْأَحَدُ، الْوَاحِدُ، الْأَوَّلُ، الْأَعْلَى، الْمُتَعَالِ، الْخَالِقُ، الْخَلَّاقُ، الرَّزَّاقُ، الْحَقُّ، اللَّطِيفُ، رَءُوف، عَفُوٌّ، الْفَتَّاحُ، الْمَتِينُ، الْمُبِينُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْبَاطِنُ، الْقُدُّوسُ، الْمَلِكُ، مَلِيكٌ، الْأَكْبَرُ، الْأَعَزُّ، السَّيِّدُ، سُبُّوحٌ، وِتْرٌ، مِحْسَانٌ، جَمِيلٌ، رَفِيقٌ، الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الشَّافِي، الْمُعْطِي، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الدَّهْرُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو نا أَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ حَدِيثَ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ - وَفِيهِ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا رَأَى الْجَنَّةَ وَأَنَّهَا حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ قَالَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ» . وَقَالَ تَعَالَى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُصْعَبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي

مسألة حلف بعظمة الله أن لا يفعل أمرا كذا

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنْ الْقُرْآنِ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ» . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15] . وَقَالَ تَعَالَى: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] . وَقَالَ تَعَالَى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] . وَقَالَ تَعَالَى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] . وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48] . فَهَذِهِ جَاءَ النَّصُّ بِهَا. وَأَمَّا الْيَمِينُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَكَرَمِهِ، وَحِلْمِهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَسَائِرِ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِعَظَمَة اللَّه أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا] 1128 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَلَفَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا، أَوْ أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا فَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا مِثْلَ: غَدًا، أَوْ يَوْمَ كَذَا، أَوْ الْيَوْمَ أَوْ فِي وَقْتٍ يُسَمِّيهِ، فَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِيهِ عَامِدًا ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ، أَوْ فَعَلَ مَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فِيهِ عَامِدًا ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، فَإِنْ لَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا فِي قَوْلِهِ: لَأَفْعَلَن كَذَا، فَهُوَ عَلَى الْبِرِّ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَّتَ وَقْتًا، وَلَا فَرْقَ، وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَكَانٌ فِيهِ خِلَافٌ -: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ حَانِثٌ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ عَلَى الْبِرِّ إلَى آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِهِ الَّتِي يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ: أَحَانِثٌ هُوَ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَمْ بَارٌّ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قَسَمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ قَالُوا: هُوَ بَارٌّ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَهُوَ قَوْلُنَا لَا

مسألة الحلف بالأمانة وبعهد الله وميثاقه

قَوْلُكُمْ - وَإِنْ قَالُوا: هُوَ حَانِثٌ؟ قُلْنَا: فَأَوْجِبُوا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَطَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِكُمْ - إنْ كَانَ حَانِثًا - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ. فَظَهَرَ يَقِينُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ بِلَا مِرْيَةٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ: هُوَ عَلَى حِنْثٍ، وَلَيْسَ حَانِثًا، وَلَا حِنْثَ بَعْدُ -: كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحِنْثَ بَعْدَ الْبِرِّ بِلَا نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ - وَلَا يَقَعُ الْحِنْثُ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ - فَلَاحَ أَنَّ قَوْلَهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ وَبِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ] 1129 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ، وَبِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ، وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ، وَأَشَدَّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقِّ الْمُصْحَفِ، وَحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحَقِّ الْكَعْبَةِ، وَأَنَا كَافِرٌ، وَلَعَمْرِي، وَلَعَمْرُك، وَلْأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَأُقْسِمُ، وَأَقْسَمْت، وَأَحْلِفُ، وَحَلَفْت، وَأَشْهَدُ، وَعَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ عَلَيَّ أَلْفُ يَمِينٍ، أَوْ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي -: فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ يَمِينًا - وَالْيَمِينُ بِهَا مَعْصِيَةٌ، لَيْسَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ غَيْرُ اللَّهِ - وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرَى هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَمِينًا، وَيَرَى الْحَلِفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَبِالطَّلَاقِ، وَبِالْعِتْقِ، وَبِصَدَقَةِ الْمَالِ: أَيْمَانًا - ثُمَّ لَا يُحَلَّفُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الدِّمَاءِ، وَالْفُرُوجِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالْأَبْشَارِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَهِيَ أَوْكَدُ عِنْدَهُمْ -؛ لِأَنَّهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا، وَيُحَلِّفُونَهُمْ بِاَللَّهِ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ، أَلَيْسَ هَذَا عَجَبًا؟ وَلَئِنْ كَانَتْ أَيْمَانًا عِنْدَهُمْ -: بَلْ مِنْ أَغْلَظِ الْأَيْمَانِ وَأَشَدِّهَا -: فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحَلِّفُوا النَّاسَ بِالْأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ، وَلَئِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ أَيْمَانًا فَلِمَ يَقُولُونَ: إنَّهَا أَيْمَانٌ؟ حَسْبُنَا اللَّهُ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ. وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ قَدِيمٌ مِنْ السَّلَفِ يَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ أَيْمَانًا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، أَوْ ابْنُ عُمَرَ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا.

مسألة حلف بالقرآن أو بكلام الله عز وجل

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: إنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ - وَقَدْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالْكَعْبَةِ -: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك فَكَّرْت فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُك، احْلِفْ بِاَللَّهِ فَأْثَمْ أَوْ ابْرَرْ [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِكَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] 1130 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِكَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ نَوَى فِي نَفْسِهِ الْمُصْحَفَ، أَوْ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ، أَوْ الْمَحْفُوظَ فِي الصُّدُورِ فَلَيْسَ يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بَلْ نَوَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَهِيَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ عِلْمُهُ. قَالَ تَعَالَى {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14] . وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ هُوَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ رُوِّينَا خِلَافَ هَذَا [رُوِّينَا] مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ: نا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ قَالَا جَمِيعًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا يَمِينُ صَبْرٍ فَمَنْ شَاءَ بَرَّ وَمَنْ شَاءَ فَجَرَ» . وَلَفْظُ الْحَسَنِ «إنْ شَاءَ بَرَّ وَإِنْ شَاءَ فَجَرَ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: أَتَيْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّوقَ فَسَمِعَ رَجُلًا يَحْلِفُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَمَا إنَّ عَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ أَجْمَعَ، وَمَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ يَمِينٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَرُوِّينَا عَنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ: مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ خَطِيئَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً - وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ -

مسألة لغو اليمين

فَقَالَ: قُلْت: وَالْبَيْتُ، وَكِتَابُ اللَّهِ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: لَيْسَا لَك بِرَبٍّ، لَيْسَا يَمِينًا - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. [مَسْأَلَةٌ لَغْوُ الْيَمِينِ] 1131 - مَسْأَلَةٌ: وَلَغْوُ الْيَمِينِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَلَا إثْمَ، وَهُوَ وَجْهَانِ -: أَحَدُهُمَا: مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْمَرْءُ - وَهُوَ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ - ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَالثَّانِي: مَا جَرَى بِهِ لِسَانُ الْمَرْءِ فِي خِلَالِ كَلَامِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَيَقُولُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: لَا وَاَللَّهِ، وَأَيْ وَاَللَّهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] . وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رُبَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِبَعْضِ بَنِيهِ: لَقَدْ حَفِظْت عَلَيْك فِي هَذَا الْمَجْلِسِ أَحَدَ عَشَرَ يَمِينًا، وَلَا يَأْمُرُهُ بِكَفَّارَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَطَاءً أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ سَأَلَهَا عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] قَالَتْ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي اللَّغْوِ: هُوَ قَوْلُ الْقَوْمِ يَتَدَارَءُونَ فِي الْأَمْرِ يَقُولُ هَذَا: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَكَلَا وَاَللَّهِ، وَلَا تَعْقِدُ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ -: لَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ هَذَا وَاَللَّهِ فُلَانٌ، وَلَيْسَ بِفُلَانٍ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى

مسألة حلف أن لا يفعل أمرا كذا ففعله ناسيا أو مكرها

وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الْمَرْءِ: لَا وَاَللَّهِ، وَأَيْ وَاَللَّهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَأَمَّا مَنْ أَقْسَمَ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَرَى، وَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ الْحِنْثَ، وَلَا قَصَدَ لَهُ، وَلَا حِنْثَ إلَّا عَلَى مَنْ قَصَدَ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ هَهُنَا، وَأَوْجَبُوهَا عَلَى فِعْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ أَيْضًا - أَنَّهُمْ رَأَوْا اللَّغْوَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى، كَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِقَوْلِنَا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نا حَسَّانُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ - نا إبْرَاهِيمُ هُوَ الصَّائِغُ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: «اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ قَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: كَلَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا] 1132 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ غُلِبَ بِأَمْرٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِهِ، أَوْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا ذَكَرَهُ لَهُ، أَوْ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا كَذَا - فَفَعَلَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا، أَوْ شَكَّ الْحَالِفُ أَفْعَلَ مَا حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَمْ لَا؟ أَوْ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْحَالِفِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَلَا إثْمَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشَّيْءِ ثُمَّ يَنْسَى - قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ بِمِثْلِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] . وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْحِنْثَ لَيْسَ إلَّا عَلَى قَاصِدِ إلَى الْحِنْثِ يَتَعَمَّدُ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ غَيْرُ قَاصِدِينَ إلَيْهِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِمْ، إذْ لَمْ يَتَعَمَّدُوهُ بِقُلُوبِهِمْ.

مسألة حلف على ما لا يدري أهو كذلك أم لا

وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَأَنَّهُ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ النَّاسِ، وَلَا الْمَغْلُوبِ بِأَيِّ وَجْهٍ: مَنْعٌ أَنْ يَفْعَلَ مَا نَسِيَ وَلَا مَا غُلِبَ عَلَى فِعْلِهِ - فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ فِعْلَ ذَلِكَ، وَإِذْ لَيْسَ مُكَلَّفًا لِذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْوَفَاءُ بِمَا لَمْ يُكَلَّفْ الْوَفَاءَ بِهِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا أَقْسَمَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْنَثَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ نا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ أَقْسَمَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْنَثَهُ أَحَبُّ إلَيَّ لِلْمُقْسِمِ أَنْ يُكَفِّرَ، فَلَمْ يُوجِبْهُ إلَّا اسْتِحْبَابًا. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يَدْرِي أَهْوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا] 1133 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ هَذَا مَنْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يَدْرِي أَهْوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا، وَعَلَى مَا قَدْ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ؟ كَمَنْ حَلَفَ لَيَنْزِلَنَّ الْمَطَرُ غَدًا، فَنَزَلَ أَوْ لَمْ يَنْزِلْ، فَلَا كَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ وَقَصَدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ عُمَرَ حَلَفَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ؟ فَلَمْ يَأْمُرْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَفَّارَةٍ» . وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَانَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ - وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ بِمَا قَالَ، وَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، وَالشَّرَائِعُ لَا تَجِبُ إلَّا بِنَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فِيمَا يَحْلِفُ] 1134 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فِيمَا يَحْلِفُ، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ

عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ؟ أَفِيه كَفَّارَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى كَذِبٍ يَتَعَمَّدُ فِيهِ الْكَذِبَ، قَالَ عَطَاءٌ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يَزِيدُ بِالْكَفَّارَةِ إلَّا خَيْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] قَالَ: بِمَا تَعَمَّدْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] قَالَ: بِمَا تَعَمَّدْتُمْ فِيهِ الْمَأْثَمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَتَعَمَّدُهُ كَاذِبًا يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت، وَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت، وَقَدْ فَعَلَ، قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُكَفِّرَ. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ مِنْ طَرِيقِ رُفَيْعٍ أَبِي الْعَالِيَةِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: كُنَّا نَعُدُّ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ كَاذِبًا عَلَى مَالِ أَخِيهِ لِيَقْتَطِعَهُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ هَذَا الْيَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ أَوْ أَنَّهَا كِذْبَةٌ، لَا كَفَّارَةَ فِيهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِمْ الْمُنْفِقَ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ

الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . وَزَادَ بَعْضُهُمْ «وَلَوْ كَانَ سِوَاكًا أَخْضَرَ» هَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ صِحَاحٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا: خَبَرًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ» . وَبِخَبَرٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلِ: فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: لَا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا فَعَلْتُ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: بَلَى قَدْ فَعَلَ، لَكِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ بِالْإِخْلَاصِ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْطَأَ فِيهِ يُوسُفُ بْنُ الضَّحَّاكِ فَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ، وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ؟ قَالُوا: فَلَمْ يَأْمُرْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَفَّارَةٍ؟ قَالُوا: إنَّمَا الْكَفَّارَةُ فِيمَا حَلَفَ فِيهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ. وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِذَكَرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] . قَالُوا: وَحِفْظُهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُوَاقَعَتِهَا. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ - وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.

أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعِمْرَانَ، وَجَابِرٍ، وَالْأَشْعَثِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ} [آل عمران: 77] فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ وَلَا إيجَابُهَا، كَمَا لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِتَوْبَةٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهَا كُلِّهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ بِالنَّارِ وَالْعِقَابِ -. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ -: قِسْمٌ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ -: يَقْطَعُ: بِكَوْنِهِ وَلَا بُدَّ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِسْمٌ قَالُوا: هُوَ نَافِذٌ مَا لَمْ يَتُبْ - فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ احْتَجَّ بِآيَةٍ وَأَخْبَارٍ صِحَاحٍ فِي إسْقَاطِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ لَيْسَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ ذِكْرٌ أَصْلًا، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا كُلَّ مَا فِيهَا عَلَانِيَةً - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لَيْسَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، مِنْهَا لَغْوٌ لَا إثْمَ فِيهِ، وَلَمْ يَرِدْ هَذَا الصِّنْفُ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِلَا شَكٍّ. وَمِنْهَا - مَا يَكُونُ الْمَرْءُ بِهَا حَالِفًا عَلَى مَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُغْنِي فِي هَذَا. وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْهَا - الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّتِي اخْتَلَفْنَا فِيهَا، وَبِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي نَحْنُ وَهُمْ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَا لَا يُسَمَّى مُسْتَلِجًا فِي أَهْلِهِ، فَبَطَلَ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْخَبَرِ هَذَا الْقَسَمَ، وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إسْقَاطِهِمْ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مَعْنَاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - بَيِّنٌ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ دُونَ تَبْدِيلٍ وَلَا إحَالَةٍ وَلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ الْمَرْءُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى أَهْلِهِ، أَوْ أَنْ لَا يَضُرَّ بِهِمْ، ثُمَّ لَجَّ فِي أَنْ يَحْنَثَ، فَيَضُرَّ بِهِمْ، وَلَا يُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ - فَهَذَا بِلَا شَكٍّ مُسْتَلِجٌ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِهَا، وَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا بِلَا شَكٍّ - وَالْكَفَّارَةُ لَا تُغْنِي عَنْهُ، وَلَا تَحُطُّ إثْمَ

إسَاءَتِهِ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ - لَا يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ هَذَا الْخَبَرُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ، فَطَرِيقُ سُفْيَانَ لَا تَصِحُّ، فَإِنْ صَحَّتْ طَرِيقُ حَمَّادٍ فَلَيْسَ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُ بِالْإِخْلَاصِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كُلُّ شَرِيعَةٍ تُوجَدُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ - وَلَا شَكٍّ فِي أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ مِنْ تَعَمُّدِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لَهَا ذِكْرٌ، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ حُجَّةً فِي سُقُوطِهَا فَسُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ فِي سُقُوطِهَا وَلَا بُدَّ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَمَرَ بِالتَّوْبَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ؟ قُلْنَا: وَقَدْ أَمَرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي نُصُوصٍ أُخُرَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَنَقُولُ لَهُمْ: إنْ كَانَ سُكُوتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا حُجَّةً فِي إسْقَاطِهَا فَسُكُوتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ذِكْرِ سُقُوطِهَا حَجَّةٌ فِي إيجَابِهَا وَلَا فَرْقَ - وَهِيَ دَعْوَى كَدَعْوَى؛ فَالْوَاجِبُ طَلَبُ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي نَصٍّ غَيْرِ هَذِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] فَحَقٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحِفْظَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُوَاقَعَةِ الْيَمِينِ فَكَذِبٌ، وَافْتِرَاءٌ، وَبُهْت، وَضَلَالٌ مَحْضٌ، بَلْ حِفْظُ الْأَيْمَانِ وَاجِبٌ قَبْلَ الْحَلِفِ بِهَا، وَفِي الْحَلِفِ بِهَا، وَبَعْدَ الْحَلِفِ بِهَا، فَلَا يَحْلِفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا عَلَى حَقٍّ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالُوا، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] إنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا؟ وَهَلْ هَذَا مِنْهُمْ إلَّا الْمُبَاهَتَةَ وَالتَّمْوِيهَ، وَتَحْرِيفَ كَلَامِ اللَّهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَشُكُّ كُلُّ ذِي مَسْكَةِ تَمْيِيزٍ فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ كَاذِبًا فَمَا حَفِظَ يَمِينَهُ - فَظَهَرَ فَسَادُ كُلِّ مَا يُمَخْرِقُونَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَبَاطِلٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ. فَإِنْ ذَكَرُوا «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ» . فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا تَجِبُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهِيَ:

مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا شَرًّا مِنْهَا فَفَعَلَ الَّذِي هُوَ شَرٌّ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: هِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ هَذَا؟ وَأَيْنَ وَجَدُوهُ؟ وَهَلْ هُوَ إلَّا حُكْمٌ مِنْهُمْ لَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَيُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: دَعْوَى أَحْسَنُ مِنْ دَعْوَاهُمْ، بَلْ كُلَّمَا عَظُمَ الذَّنْبُ كَانَ صَاحِبُهُ أَحْوَجَ إلَى الْكَفَّارَةِ، وَكَانَتْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا فِيمَا لَيْسَ ذَنْبًا أَصْلًا، وَفِيمَا هُوَ صَغِيرٌ مِنْ الذُّنُوبِ، وَهَذَا الْمُتَعَمِّدُ لِلْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ نَحْنُ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ حَالِفٍ عَلَى يَمِينٍ غَمُوسٍ، أَوْ مِثْلِهِ وَهُمْ يَرَوْنَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ إفْسَادَ حَجِّهِ بِالْهَدْيِ بِآرَائِهِمْ، وَلَعَلَّهُ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ حَالِفِ يَمِينٍ غَمُوسٍ أَوْ مِثْلِهِ. وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْتُلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، وَأَنْ يُصَلِّيَ الْيَوْمَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ، وَأَنْ لَا يَزْنِيَ بِحَرِيمَةٍ وَأَنْ لَا يَعْمَلَ بِالرِّبَا، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَزَنَى، وَأَرْبَى فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي أَيْمَانِهِ تِلْكَ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّمَا أَعْظَمُ إثْمًا: مَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ أَنَّهُ مَا رَأَى زَيْدًا الْيَوْمَ، وَهُوَ قَدْ رَآهُ فَأَسْقَطُوا فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِعَظْمِهِ. أَوْ مَنْ حَنِثَ بِأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَبِأَنْ قَتَلَ النَّفْسَ، وَبِأَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ أَوْ بِأُمِّهِ، وَبِأَنْ عَمِلَ بِالرِّبَا - ثُمَّ لَا يَرَوْنَ عِظَمَ حِنْثِهِ فِي إتْيَانِهِ هَذِهِ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ وَاَللَّهِ قَطْعًا عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالدِّينِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ أَلْفِ يَمِينٍ تَعَمَّدَ فِيهَا الْكَذِبَ، لَا تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَ؟ فَهَلْ تَجْرِي أَقْوَالُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى اتِّبَاعِ نَصٍّ أَوْ عَلَى الْتِزَامِ قِيَاسٍ؟ وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَهِيَ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَلَا أَمْثَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا أَدْرَكَ أَصَاغِرَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِثْلِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ. وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ فَابْنُ مَسْعُودٍ حُجَّةٌ إذَا اُشْتُهُوا،

وَغَيْرُ حُجَّةٍ إذَا لَمْ يَشْتَهُوا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَلْنَأْتِ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا -: فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] . فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ يَمِينٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْقَطَ كَفَّارَةٌ عَنْ يَمِينٍ أَصْلًا إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهَا نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا نَصَّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةَ، أَصْلًا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عَنْ الْحَالِفِ يَمِينًا غَمُوسًا؛ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُهَا، ثُمَّ يُوجِبُونَهَا عَلَى مَنْ حَنِثَ نَاسِيًا مُخْطِئًا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَدْ أَسْقَطَاهَا عَنْهُ. وَأَوْجَبُوهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْيَمِينَ وَلَا نَوَاهَا وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ يَسْقُطَانِهَا عَنْهُ؛ وَهَذِهِ كَمَا تَرَى. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا حَذْفٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَفَ سَاعَةَ حَلَفَ بَرَّ أَوْ حَنِثَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحَذْفَ لَا يَصْدُقُ أَحَدٌ فِي تَعْيِينِهِ لَهُ إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى لَا مَا سِوَاهُ، وَأَمَّا بِالدَّعْوَى الْمُفْتَرَاةِ فَلَا -: فَوَجَدْنَا الْحَذْفَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّهُ فَحَنِثْتُمْ، وَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَالْمُتَعَمِّدُ لِلْيَمِينِ عَلَى الْكَذِبِ عَالِمًا بِأَنَّهُ كَذِبٌ حَانِثٌ بِيَقِينِ حُكْمِ الشَّرِيعَةِ، وَحُكْمِ اللُّغَةِ. فَصَحَّ إذْ هُوَ حَانِثٌ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَقَدْ قَاسُوا حَالِقَ رَأْسِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مُحْرِمًا غَيْرَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى.

مسألة اليمين في الغضب

فَهَلَّا قَاسُوا الْحَالِفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ حَانِثًا عَاصِيًا عَلَى الْحَالِفِ أَنْ لَا يَعْصِيَ، فَحَنِثَ عَاصِيًا، أَوْ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبَرَّ فَبَرَّ: غَيْرَ عَاصٍ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ؟ وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ وَقِيَاسِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ] 1135 - مَسْأَلَةٌ وَالْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَعَلَى أَنْ يُطِيعَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْصِيَ، أَوْ عَلَى مَا لَا طَاعَةَ فِيهِ وَلَا مَعْصِيَةَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ، أَوْ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ بِقَلْبِهِ فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حِنْثٍ قَصَدَهُ الْمَرْءُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ هُوَ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، بَلْ الْبُرْهَانُ قَائِمٌ بِخِلَافِهِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيِّ - نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - نا الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا - ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» . فَصَحَّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ فِي الْغَضَبِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ} [المائدة: 89] وَالْحَالِفُ فِي الْغَضَبِ مُعَقِّدٌ لِيَمِينِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَضَافَهُ رَجُلٌ فَحَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ، فَحَلَفَ الضَّيْفُ أَنْ لَا يَأْكُلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُلْ وَإِنِّي لَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَبَّ إلَيْك أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِك - فَلَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا اسْتِحْبَابًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ هِنْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ أَنَّ

ابْنَ عَبَّاسٍ حَلَفَ أَنْ يَجْلِدَ غُلَامَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَجْلِدْهُ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ مَا صَنَعْت؟ تَرَكْته، فَذَاكَ بِذَاكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلْكِ يَمِينِهِ: أَنْ يَضْرِبَهُ، فَإِنَّ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ، وَهِيَ مَعَ الْكَفَّارَةِ حَسَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ مَمْلُوكَهُ؟ قَالَ إبْرَاهِيمُ: لَأَنْ يَحْنَثَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَضْرِبَهُ، قَالَ الْمُعْتَمِرُ: وَحَلَفْت أَنْ أَضْرِبَ مَمْلُوكَةً لِي، فَنَهَانِي أَبِي وَلَمْ يَأْمُرْنِي بِكَفَّارَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ نا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ قَالَ: سُئِلَ طَاوُسٌ عَمَّنْ حَلَفَ: أَنْ لَا يَعْتِقَ غُلَامًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ؟ فَقَالَ طَاوُوسٌ: تُرِيدُ مِنْ الْكَفَّارَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ؟ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَرَامِ فَلَا يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُسَدَّدٌ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ نا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كُلُّ يَمِينٍ فِي مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَتْ لَهَا كَفَّارَةٌ، مَنْ يُكَفِّرُ لِلشَّيْطَانِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ نا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْت عِكْرِمَةَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهِ: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] فِيهِ نَزَلَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَصِلَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: كَفَّارَتُهُ تَرْكُهُ، فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ؟ فَقَالَ: لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلَا

يَمِينَ لَهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلَا يَمِينَ لَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا الْمُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَلَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَدَعْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، فَإِنَّ تَرْكَهَا كَفَّارَتُهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَمِينَ عَلَيْكَ، وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَفِيمَا لَا تَمْلِكُ» .

وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ نا شُعَيْبُ بْنُ حَيَّانَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ دِرْهَمٍ نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقْرَبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَمْلُوكِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يَدَعَهُ، وَلَهُ مَعَ كَفَّارَتِهِ خَيْرٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ الْقَطَعِيُّ سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ: بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَلَا يَمِينَ فِي مَعْصِيَةٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ - حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيفَةٌ، وَلَكِنْ لَا مُؤْنَةَ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ فِي أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَتِهِ إذَا وَافَقَتْهُمْ وَيُصَحِّحُونَهَا حِينَئِذٍ، فَإِذَا خَالَفَتْهُمْ كَانَتْ حِينَئِذٍ صَحِيفَةً ضَعِيفَةً. مَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطِقُ بِهَذَا مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] أَمْ كَيْفَ تَدِينُ بِهِ نَفْسٌ تَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَمُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ الْمُزَنِيّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُنْقَطِعَ، وَالْمُتَّصِلَ سَوَاءٌ، فَأَيْنَ هُمْ عَنْ هَذَا الْأَثَرِ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَهُوَ سَاقِطٌ مَتْرُوكٌ ذَكَرَ - ذَلِكَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمِ بْنِ عَقْرَبٍ فَفِيهِ شُعَيْبُ بْنُ حَيَّانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ - وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ. وَوَجَدْنَا نَصَّ الْقُرْآنِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ

مسألة اليمين محمولة على لغة الحالف وعلى نيته

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْهُ» . فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا فِيمَا كَانَ فِي كِلَيْهِمَا خَيْرٌ إلَّا أَنَّ الْآخَرَ أَكْثَرُ خَيْرًا؟ قُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى، بَلْ كُلُّ شَرٍّ فِي الْعَالَمِ، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ، فَالْبِرُّ وَالتَّقْوَى خَيْرٌ مِنْهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] . فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرٌ مِنْ الْأَوْثَانِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْخَيْرِ فِي الْأَوْثَانِ. وَقَالَ تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] وَلَا خَيْرَ فِي جَهَنَّمَ أَصْلًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ [ثنا مَعْمَرٌ] عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ نا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَللَّهِ لَأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ» . فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي يَكُونُ التَّمَادِي عَلَى الْوَفَاءِ بِهَا إثْمًا - وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَاضِرِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْيَمِينُ مَحْمُولَةٌ عَلَى لُغَةِ الْحَالِفِ وَعَلَى نِيَّتِهِ] 1136 - مَسْأَلَةٌ وَالْيَمِينُ مَحْمُولَةٌ عَلَى لُغَةِ الْحَالِفِ وَعَلَى نِيَّتِهِ، وَهُوَ مُصَدِّقٌ فِيمَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فِي حَقٍّ لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ - وَالْحَالِفُ مُبْطِلٌ - فَإِنَّ الْيَمِينَ هَهُنَا عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ. وَمَنْ قِيلَ لَهُ: قُلْ كَذَا أَوْ كَذَا؟ فَقَالَ - وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ يَمِينًا بِلُغَةٍ لَا يُحْسِنُهَا الْقَائِلُ - فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْلِفْ - وَمَنْ حَلَفَ بِلُغَتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ فَهُوَ حَالِفٌ، فَإِنْ حَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا هِيَ إخْبَارٌ مِنْ الْحَالِفِ عَمَّا يَلْتَزِمُ بِيَمِينِهِ تِلْكَ، وَكُلُّ

مسألة حلف ثم قال نويت بعض ما يقع عليه اللفظ الذي نطق

وَاحِدٍ فَإِنَّمَا يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِلُغَتِهِ، وَعَمَّا فِي ضَمِيرِهِ. - فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] . وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ لُغَةٍ اسْمٌ، فَبِالْفَارِسِيَّةِ: أوزمز، وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ: أذوناي، والوهيم، والوهاء، وَإِسْرَائِيلُ، وَبِاللَّاتِينِيَّةِ: داوش، وقريطور، وبالصقلبية: بغ، وَبِالْبَرْبَرِيَّةِ: يكش. فَإِنْ حَلَفَ هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ يَمِينٌ صَحِيحَةٌ؛ وَفِي الْحِنْثِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَأَمَّا مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ لِخَصْمِهِ - وَهُوَ مُبْطِلٌ - فَلَا يَنْتَفِعُ بِتَوْرِيَتِهِ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي جُحُودِهِ الْحَقَّ، عَاصٍ لَهُ فِي اسْتِدْفَاعِ مَطْلَبِ خَصْمِهِ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، فَهُوَ حَالِفُ يَمِينٍ غَمُوسٍ، وَلَا بُدَّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ» . وَقَدْ قِيلَ: عَبَّادٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَاحِد، وَلَا يَكُونُ صَاحِبُ الْمَرْءِ إلَّا مَنْ لَهُ مَعَهُ أَمْرٌ يَجْمَعُهُمَا يَصْطَحِبَانِ فِيهِ، وَلَيْسَ إلَّا ذُو الْحَقِّ الَّذِي لَهُ عَلَيْك يَمِينٌ تُؤَدِّيهَا إلَيْهِ وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَمِينَ لَهُ عِنْدَك فَلَيْسَ صَاحِبَك فِي تِلْكَ الْيَمِينِ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ نَوَيْت بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الَّذِي نَطَقَ] 1137 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الَّذِي نَطَقَ صُدِّقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: جَرَى لِسَانِي وَلَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة حلف على شيء ثم قال موصولا بكلامه إن شاء الله تعالى

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى] مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ إلَّا أَنْ لَا يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا، أَوْ إلَّا أَنْ أَشَاءَ، أَوْ إلَّا أَنْ لَا أَشَاءَ، أَوْ إلَّا إنْ بَدَّلَ اللَّهُ مَا فِي قَلْبِي، أَوْ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ إلَيَّ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ، أَوْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إنْ خَالَفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. فَلَوْ لَمْ يَصِلْ الِاسْتِثْنَاءُ بِيَمِينِهِ لَكِنْ قُطِعَ قَطْعَ تَرْكٍ لِلْكَلَامِ ثُمَّ ابْتَدَأَ الِاسْتِثْنَاءَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ، وَقَدْ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ، فَإِنْ حَنِثَ فِيهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا بِاللَّفْظِ، وَأَمَّا بِنِيَّةٍ دُونَ لَفْظٍ فَلَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] فَهَذَا لَمْ يُعَقِّدْ الْيَمِينَ. وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ تَمَامَ تِلْكَ الْيَمِينِ لَأَنْفَذَهَا، وَأَتَمَّهَا، فَإِذْ لَمْ يُنَفِّذْهَا عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَتَمَّهَا، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ كَوْنَهَا وَهُوَ إنَّمَا الْتَزَمَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَشَأْهَا، فَلَمْ يَلْتَزِمْهَا قَطُّ. وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ مَشِيئَةَ نَفْسِهِ، أَوْ مَشِيئَةَ زَيْدٍ، لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيهَا - وَمَشِيئَةُ زَيْدٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ شَاءَ أَوْ لَمْ يَصْدُقْ؟ وَلَا نَدْرِي أَيْضًا أَصَدَقَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَوْ لَمْ يَصْدُقْ؟ فَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ لُزُومِ هَذِهِ الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُلْزِمَهُ كَفَّارَةً بِالشَّكِّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، لَمْ يَحْنَثْ» وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ نا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيِّ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حِنْثٍ» فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ اسْتِثْنَاءٍ كَمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ " أَوْ " فَاسْتَثْنَى " يَقْتَضِي الْقَوْلَ، وَالْقَوْلُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، لَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ أَصْلًا. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنْ اسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مُحِلِّ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا، حَتَّى يَجْهَرَ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا جَهَرَ بِالْيَمِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ: إنْ اسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُظْهِرَهُ بِلِسَانِهِ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْمَعَ نَفْسَهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إذَا حَرَّكَ لِسَانَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا نَقُولُ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ صَحِيحٌ - يَعْنِي حَرَكَةَ اللِّسَانِ. وَأَمَّا وَصْلُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْيَمِينِ فَإِنَّ أَبَا ثَوْرٍ قَالَ: لَا يَكُونُ مُسْتَثْنِيًا إلَّا حَتَّى يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي حِينِ نُطْقِهِ بِالْيَمِينِ، لَا بَعْدَ تَمَامِهَا، لِأَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الْيَمِينَ وَلَمْ يَنْوِ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ قَدْ عَقَّدَ يَمِينَهُ فَلَزِمَتْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَعْتَرِضُ بِالنَّظَرِ عَلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» فَأَثْبَتَ لَهُ الْيَمِينَ أَوَّلًا، ثُمَّ أَسْقَطَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ بِقَوْلِهِ: " فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَالْفَاءُ تُعْطِي أَنْ تَكُونَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ بِلَا مُهْلَةٍ - فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ أَبَدًا مَتَى أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد هُوَ الْخُرَيْبِيُّ - عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ بَعْدَ كَذَا وَكَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إنْ قَالَ بَعْدَ سِنِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ اسْتَثْنَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إنْ قَالَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَقَدْ اسْتَثْنَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَعْدَ شَهْرٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ

سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَجْلَانَ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ: بَعْدَ شَهْرٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَلَهُ ثُنْيَاهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ نَسِيَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَتَى مَا ذَكَرَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَسْتَثْنِي فِي يَمِينِهِ مَتَى مَا ذَكَرَ، وَقَرَأَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] . وَصَحَّ [هَذَا] أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [وَعَنْ] أَبِي الْعَالِيَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي ذَلِكَ بِمُهْلَةٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِمِقْدَارِ حَلْبِ شَاةٍ غَزِيرَةٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِمِقْدَارِ حَلْبِ النَّاقَةِ الْغَزِيرَةِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَقُمْ عَنْ مَجْلِسِهِ، أَوْ يَتَكَلَّمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا حَلَفَ ثُمَّ اسْتَثْنَى قَبْلَ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَتَكَلَّمَ فَلَهُ ثُنْيَاهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: مَا لَمْ يَقُمْ فَقَطْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ اسْتَثْنَى لَمْ يَحْنَثْ وَلَهُ الثُّنْيَا مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْيَمِينِ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَقْعَدِهِ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ إنْ اسْتَثْنَى قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ هُوَ الْغِفَارِيُّ

مَا مِنْ رَجُلٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا قُلْت مِنْ قَوْلٍ، أَوْ حَلَفْت مِنْ حَلِفٍ، أَوْ نَذَرْت مِنْ نَذْرٍ فَمَشِيئَتُك بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ كُلِّهِ، مَا شِئْت مِنْهُ كَانَ، وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَاغْفِرْهُ لِي، وَتَجَاوَزْ لِي عَنْهُ، اللَّهُمَّ مَنْ صَلَّيْت عَلَيْهِ فَصَلَوَاتِي عَلَيْهِ، وَمَنْ لَعَنْته فَلَعْنَتِي عَلَيْهِ، إلَّا كَانَ فِي اسْتِثْنَائِهِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَحْلِفُ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - ثُمَّ يَفْعَلُهُ وَلَا يُكَفِّرُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّرُ أَيْمَانًا أُخَرَ -: فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ إسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ إذَا وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِكَلَامِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فِي الْمُهْلَةِ شَيْءٌ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا بِيَمِينِهِ كَفَّرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَطَاءٌ: إذَا حَلَفَ ثُمَّ اسْتَثْنَى عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: مَا لَمْ يَقْطَعْ الْيَمِينَ وَيَتْرُكْهُ - وَصَحَّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ قَالَ: مَا كَانَ فِي كَلَامِهِ بِقَوْلٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا قُلْنَا بِهَذَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ عَقَّدَ الْيَمِينَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» فَلَمْ يَجْعَلْ الِاسْتِثْنَاءَ مَرْدُودًا عَلَى الْيَمِينِ إلَّا بِالْفَاءِ، وَالْفَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تُوجِبُ تَعْقِيبًا بِلَا مُهْلَةٍ فَوَقَفْنَا عِنْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا لَزِمَتْ أَحَدًا كَفَّارَةٌ أَبَدًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا شَيْءَ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَمْنَعُ مَنْ أَرَادَ الْحِنْثَ وَإِيجَابَ الْكَفَّارَةِ مِنْ أَنْ يُكَفِّرَ، لَكِنْ لَوْ قَالُوا: هَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى فَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لِيَخْفَى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ أَلْزَمَ لَهُمْ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا يَرَيَانِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ وَلَا يَرَيَانِهِ فِي سَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونَ الْأَيْمَانُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْكَدَ وَأَعْظَمَ

مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى يُسْقِطُهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَيُسْقِطُهَا الْكَفَّارَةُ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُسْقِطَهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَمِنْ أَنْ يُسْقِطَهَا الْكَفَّارَةُ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا غَيْرُ الْوَفَاءِ بِهَا. وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الْبَشِيعِ الشَّنِيعِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ جَاءَتْ عَلَى الْأَيْمَانِ جُمْلَةً، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ فِي جُمْلَةٍ، فَإِنْ كَانَ تِلْكَ أَيْمَانًا فَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَيْمَانًا فَمِنْ أَيْنَ أَلْزَمُوهَا؟ وَعَجَبٌ آخَرُ عَجِيبٌ جِدًّا وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْأَيْمَانِ إنْ نَوَى بِهِ الْحَالِفُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ نَوَى بِهِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] لَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاءً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَلَامٌ لَا يُدْرَى مَا هُوَ؟ وَلَا مَاذَا أَرَادَ قَائِلُهُ بِهِ، وَلَقَدْ رُمْنَا أَنْ نَجِدَ عِنْدَ مَنْ أَخَذْنَا قَوْلَهُ عَنْهُ مِنْ الْمُنْتَمِينَ إلَيْهِ مَعْنًى يَصِحُّ فَهْمُهُ لِهَذَا الْكَلَامِ، فَمَا وَجَدْنَاهُ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهُ كَمَا جَاءَ وَكَمَا نَقُولُ نَحْنُ فِي {كهيعص} [مريم: 1] وَ {طه} [طه: 1] {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] ، وَإِنْ لَمْ نَفْهَمْ مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ [عَنْ عِكْرِمَةَ] يَرْفَعُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ شَرِيكٍ، " ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَسْنَدَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سِمَاكٌ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَيَلْزَمُ مَنْ اعْتَدَّ بِرِوَايَتِهِ فِي أَخْذِ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا هَهُنَا.

مسألة يمين الأبكم واستثناؤه

وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا أَيْضًا. وَيَلْزَمُهُمْ إذْ قَاسُوا مَا يَكُونُ صَدَاقًا عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ أَنْ يَقِيسُوا مُدَّةَ مُهْلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَيَقُولُوا بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي ذَلِكَ أَوْ يَجْعَلُوهُ شَهْرًا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي أَجَلِ الْمَدِينِ أَنَّهُ يُسْجَنُ شَهْرًا، ثُمَّ يُسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ الشَّهْرِ؟ أَوْ يَقِيسُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي الْمُخَيَّرَةِ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا لَمْ تَقُمْ عَنْ مَجْلِسِهَا أَوْ تَتَكَلَّمْ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ التَّحَكُّمَاتِ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ فِي تَحْرِيمِ الْفُرُوجِ وَإِبَاحَتِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَانَةِ وَبَيْنَ مُهْلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا شَبَهُ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ؟ وَالْعَجَبُ مِنْ إجَازَتِهِمْ أَكْلَ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ وَنَسِيَ مُذْكِيهِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يَرَوْنَ هَهُنَا نِسْيَانَ الِاسْتِثْنَاءِ عُذْرًا يُوجِبُونَ لِلْحَالِفِ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى ذَكَرَ. فَإِنْ قَالُوا: فَهَلَّا قُلْتُمْ أَنْتُمْ بِهَذَا كَمَا أَسْقَطْتُمْ الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا؟ قُلْنَا: لَمْ نَفْعَلْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْفَاعِلَ نَاسِيًا لَيْسَ حَانِثًا لِأَنَّ الْحَانِثَ هُوَ الْقَاصِدُ إلَى الْحِنْثِ، وَنَاسِي الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَسْتَثْنِ، فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَالْكَفَّارَةُ لَا تَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهَا إلَّا بِنَصٍّ، وَلَمْ يُسْقِطْهَا النَّصُّ إلَّا إذَا قَالَ مَوْصُولًا بِالْيَمِينِ مَا يَسْتَثْنِي بِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهَلَّا قَالُوا فِي قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ. وَابْنِ عَبَّاسٍ هَهُنَا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، كَمَا قَالُوا فِي رِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ: هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَرَدُّوا بِهِ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ مِنْ أَنَّ كُلَّ بَيْعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا مَعًا. [مَسْأَلَةٌ يَمِينُ الْأَبْكَمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ] 1139 - مَسْأَلَةٌ وَيَمِينُ الْأَبْكَمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ لَازِمَانِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ مِنْ صَوْتٍ يُصَوِّتُهُ أَوْ إشَارَةٍ إنْ كَانَ مُصْمَتًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَيْمَانَ إخْبَارٌ مِنْ الْحَالِفِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْأَبْكَمُ، وَالْمُصْمَتُ، مُخَاطَبَانِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَا اسْتَطَاعَاهُ، وَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمَا مَا لَيْسَ فِي

مسألة الرجال والنساء والأحرار والمملوكون في اليمين سواء

وُسْعِهِمَا، وَأَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمَا مَا يُخْبِرَانِ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا حَسْبَ مَا يُطِيقَانِ وَيَلْزَمُهُمَا مَا الْتَزَمَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْأَحْرَارُ وَالْمَمْلُوكُونَ فِي الْيَمِين سَوَاءٌ] 1140 - مَسْأَلَةٌ وَالرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ، الْأَحْرَارُ، وَالْمَمْلُوكُونَ، وَذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وَالْأَبْكَارُ، وَغَيْرُهُنَّ، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ سَوَاءٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» وَقَالَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ، وَلَا ذَاتِ زَوْجٍ مِنْ أَيِّمٍ، وَلَا بِكْرٍ مِنْ ثَيِّبٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَالتَّحَكُّمُ فِي الدِّينِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَدْ وَافَقُونَا: عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ، وَبِالصِّيَامِ، وَتَحْرِيمِ مَا يُحَرَّمُ، وَتَحْلِيلِ مَا يَحِلُّ سَوَاءٌ، فَأَنَّى لَهُمْ تَخْصِيصُ بَعْضِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، وَالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمِينَ لِوَلَدٍ مَعَ يَمِينِ وَالِدٍ، وَلَا يَمِينَ لِزَوْجَةٍ مَعَ يَمِينِ زَوْجٍ، وَلَا يَمِينَ لِلْمَمْلُوكِ مَعَ يَمِينِ مَلِيكِهِ، وَلَا يَمِينَ فِي قَطِيعَةٍ، وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلَا عَتَاقَةَ قَبْلَ الْمِلْكِ وَلَا صَمْتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ، وَلَا مُوَاصَلَةَ فِي الصِّيَامِ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ، وَلَا رَضَاعَةَ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَلَا تَغَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» فَحَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَيَلْزَمُ مَنْ قَلَّدَ رِوَايَتَهُ فِي اسْتِظْهَارِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِثَلَاثٍ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَأَسْقَطَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ وَالصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ، وَحَرَّمَ الْوَطْءَ الْمُبَاحَ أَنْ يَأْخُذُوا بِرِوَايَتِهِ هَهُنَا، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَلَاعِبُونَ بِالدِّينِ. بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ خَالَفُوا أَكْثَرَ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ - وَأَمَّا نَحْنُ فَوَاَللَّهِ لَوْ صَحَّ بِرِوَايَتِهِ الثِّقَاتُ مُتَّصِلًا لَبَادَرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة يمين السكران والمجنون والهاذي والنائم ومن لم يبلغ

[مَسْأَلَةٌ يَمِينَ السَّكْرَان وَالْمَجْنُون وَالْهَاذِي وَالنَّائِم وَمَنْ لَمْ يَبْلُغ] مَسْأَلَةٌ وَلَا يَمِينَ لِسَكْرَانَ، وَلَا لِمَجْنُونٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَلَا لِهَاذٍ فِي مَرَضِهِ، وَلَا لِنَائِمٍ فِي نَوْمِهِ، وَلَا لِمَنْ لَمْ يَبْلُغَ. وَوَافَقَنَا فِي كُلِّ هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّهُمْ خَالَفُونَا فِي السَّكْرَانِ وَحْدَهُ، وَوَافَقَ فِي السَّكْرَانِ أَيْضًا قَوْلُنَا هَهُنَا قَوْلَ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَالْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَحُجَّتُنَا فِي السَّكْرَانِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَمَنْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهُ بِمَا لَا يَدْرِي مَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ، وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ إلَّا بِمَا عَقَّدَ مِنْهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَجُرِحَ جِرَاحَةً أَقْعَدَتْهُ، أَوْ جَرَحَهَا نَفْسَهُ عَابِثًا عَاصِيًا، أَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ مَنْ أُقْعِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ بِمَرَضٍ مِنْ عِنْدِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ قَاعِدًا، وَفِي وُجُوبِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي مَرَضِهِ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَكُلُّ مَنْ صَارَ إلَى حَالٍ يَبْطُلُ اخْتِيَارُهُ فِيهَا بِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إلَيْهَا، فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ صَارَ إلَيْهَا بِغَلَبَةٍ، لِأَنَّ النُّصُوصَ لَمْ تَسْتَثْنِ هَهُنَا مِنْ أَحْوَالِ الْمَصِيرِ إلَى تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا. وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ فِيمَنْ خَرَجَ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ: إنَّ لَهُ أَنْ يُقَوِّيَ نَفْسَهُ بِأَكْلِهَا، وَالْقُرْآنُ جَاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ ثُمَّ يَأْكُلُ حَلَالًا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَرَى السَّكْرَانَ فِي حُكْمِ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ هُوَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى أَنَّ النَّائِمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إنْ أَكَلَ فِي حَالِ نَوْمِهِ، أَوْ شَرِبَ مَا دَسَّ فِي فَمِهِ، أَنَّهُ مُفْطِرٌ، ثُمَّ يَرَاهُ هَهُنَا غَيْرَ حَالِفٍ ثُمَّ يُلْزِمُ السَّكْرَانَ يَمِينَهُ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. فَإِنْ قَالُوا: لَعَلَّهُ مُتَسَاكِرٌ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ؟ قُلْنَا: وَلَعَلَّ الْمَجْنُونَ مُتَجَنِّنٌ، مُتَحَامِقٌ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ، أَوْ أَحْمَقُ -

مسألة حلف بالله تعالى في كفره ثم حنث

وَجَوَابُنَا هَهُنَا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ، يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ، وَلَا فَرْقَ. وَفِي الصَّبِيِّ يَحْلِفُ: خِلَافٌ نَذْكُرُهُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا حَلَفَ الصَّبِيُّ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ مَا يَكْبَرُ كَفَّرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: عُمَرَ، أَوْ عُثْمَانَ: إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ - وَيَلْزَمُ مَنْ يَرَى مِنْ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الصَّبِيِّ يُصِيبُ لِصَيْدٍ فِي إحْرَامِهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ إنْ حَنِثَ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا -: هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ» . قَالَ عَلِيٌّ: السَّكْرَانُ مُبْتَلًى بِلَا شَكٍّ فِي عَقْلِهِ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي كُفْرِهِ ثُمَّ حَنِثَ] 1142 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي كُفْرِهِ ثُمَّ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ، أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى لَازِمٌ لَهُمْ - قَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَلَا يَجْزِيهِ أَنْ يُكَفِّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ مُصَدِّقًا أَنَّهَا دِينُ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] . [مَسْأَلَةٌ الْحَلِف بِاللَّاتِ] 1143 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ: وَاللَّاتِ، وَالْعُزَّى، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - يَقُولُهَا مَرَّةً؛ أَوْ

يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا بُدَّ. وَيَنْفُثُ عَنْ شِمَالِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ لَا يَعُدْ فَإِنْ عَادَ عَادَ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا. وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: تَعَالَ أُقَامِرْك؟ فَلْيَتَصَدَّقْ وَلَا بُدَّ بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ قَلَّ أَمْ كَثُرَ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مَخْلَدٌ نا يُونُسُ هُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ - عَنْ أَبِيهِ [قَالَ] حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: حَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ: قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِك ثَلَاثًا، وَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ لَا تَعُدْ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَبُو دَاوُد الْحَرَّانِيُّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ أَعْيَنَ ثِقَةٌ - نا زُهَيْرٌ هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - نا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ عَنْ «مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ لِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِئْسَ مَا قُلْتَ ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبِرْهُ فَإِنَّا لَا نَرَاكَ إلَّا قَدْ كَفَرْتَ فَلَقِيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ؟ فَقَالَ لِي: قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا تَعُدْ لَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ، فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ» .

مسألة حلف أيمانا على أشياء كثيرة على كل شيء منها يمين

قَالَ عَلِيٌّ: فِي هَذَا إبْطَالُ التَّعَلُّقِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِسَعْدٍ: مَا نَرَاك إلَّا قَدْ كَفَرْت، وَلَمْ يَكُنْ كَفَرَ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَمِينٌ] 1144 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَمِينٌ، مِثْلُ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت الْيَوْمَ، وَوَاللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا، وَوَاللَّهِ لَا دَخَلْت دَارِهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَهِيَ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ إنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. فَإِنْ عَمِلَ آخَرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ عَمِلَ ثَالِثًا فَكَفَّارَةٌ ثَالِثَةٌ - وَهَكَذَا مَا زَادَ، لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ مُتَغَايِرَةٌ، وَأَفْعَالٌ مُتَغَايِرَةٌ، وَأَحْنَاثٌ مُتَغَايِرَةٌ، إنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ فِي أُخْرَى بِلَا شَكٍّ، فَلِكُلِّ يَمِينٍ حُكْمُهَا. 1145 - مَسْأَلَةٌ فَلَوْ حَلَفَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ اسْتَثْنَى بِشَيْءٍ مَا، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْصُولًا فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا نَوَى، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالِاسْتِثْنَاءِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت آخِرَهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ الْأَيْمَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا لِلْيَمِينِ الَّتِي تَلِي الِاسْتِثْنَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لِأَنَّهُ قَدْ عَقَّدَ الْأَيْمَانَ السَّالِفَةَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا وَقَطَعَ الْكَلَامَ فِيهَا، وَأَخَذَ فِي كَلَامٍ آخَرَ، فَبَطَلَ أَنْ يَتَّصِلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهَا، فَوَجَبَ الْحِنْثُ فِيهَا إنْ حَنِثَ وَالْكَفَّارَةُ، وَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي اتَّصَلَ بِهَا كَمَا قَدَّمْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ] 1146 - مَسْأَلَةٌ فَإِنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، كَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا خَالِدًا، وَلَا دَخَلْت دَارَ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَا أَعْطَيْتُك شَيْئًا، فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَفْعَلَ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.

مسألة حلف أيمانا كثيرة على شيء واحد

وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، لِأُمُورٍ شَتَّى - قَالَ: هُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِيَمِينٍ، قَالَ: كَفَّارَتَانِ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَكَذَا لِأَمْرَيْنِ شَتَّى فَعَمَّهُمَا بِالْيَمِينِ؟ قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ - وَلَا نَعْلَمُ لِمُتَقَدِّمٍ فِيهَا قَوْلًا آخَرَ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: هُوَ حَانِثٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ فِعْلٍ كَفَّارَةٌ - وَقَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِأَوَّلِ مَا يَحْنَثُ، ثُمَّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْيَمِينُ لَا تَكُونُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ وَهُوَ لَمْ يَلْفِظْ إلَّا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَمِينٍ أَصْلًا، إذْ لَمْ يُوجِبْ لُزُومَهَا إيَّاهُ قُرْآنٌ؛ وَلَا سُنَّةٌ، فَإِذْ هِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهَا عَلَى حِنْثٍ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى بِرٍّ؛ إنَّمَا هُوَ حَانِثٌ، أَوْ غَيْرُ حَانِثٌ: وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِ هَذَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا إلَّا بِأَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا عَقَّدَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ - وَأَيْضًا: فَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ وَالشَّرَائِعُ لَا تَجِبُ بِدَعْوَى لَا نَصَّ مَعَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ] 1147 - مَسْأَلَةٌ فَإِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، مِثْلُ: أَنْ يَقُولَ: بِاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا، وَالرَّحْمَنِ لَا كَلَّمْته، وَالرَّحِيمِ لَا كَلَّمْته، بِاَللَّهِ ثَانِيَةً لَا كَلَّمْته، بِاَللَّهِ ثَالِثَةً لَا كَلَّمْته - وَهَكَذَا أَبَدًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَفِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ: فَهِيَ كُلُّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ - وَلَوْ كَرَّرَهَا أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ - وَحِنْثٌ وَاحِدٌ؛ وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ - وَلَا مَزِيدَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: زَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ مَمْلُوكَهُ مِنْ جَارِيَةٍ لَهُ، فَأَرَادَ الْمَمْلُوكُ سَفَرًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: طَلِّقْهَا؟ فَقَالَ الْمَمْلُوكُ: وَاَللَّهِ لَا طَلَّقْتهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَاَللَّهِ لَتُطَلِّقُنَّهَا كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ مُجَاهِدٌ لِابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: أُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِي، فَقُلْت لَهُ: قَدْ حَلَفْت مِرَارًا؟ قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أَقْسَمْت مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا رَدَّدَ الْأَيْمَانَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ سُئِلَ مَنْ تَعَرَّضَتْ لَهُ جَارِيَةٌ لَهُ مِرَارًا كُلَّ مَرَّةٍ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا؟ ثُمَّ وَطِئَهَا؟ فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا حَلَفَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ، فِي مَجَالِسَ شَتَّى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا حَلَفَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ، وَقَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا حَلَفَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ فِي مَجَالِسَ شَتَّى - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ. وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا أَكَّدَ الْيَمِينَ فَعِتْقُ رَقَبَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى فَكَفَّارَاتٌ شَتَّى. صَحَّ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: يَقُولُونَ ذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ: إنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الْأُخْرَى يَمِينًا ثَانِيَةً فَكَفَّارَتَانِ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ فَلِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ - فَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ، إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَ التَّكْرَارَ فَقَطْ - ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ إرَادَةَ التَّغْلِيظِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَأَرَادَ التَّغْلِيظَ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَصَاعِدًا، فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ.

مسألة حلف بالله لا أكلت هذا الرغيف

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ لِمَنْ رَأَى فِي تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عِتْقَ رَقَبَةٍ - فَقَطْ - حُجَّةً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ بَيَّنَ الرَّقَبَةَ، وَالْإِطْعَامَ، وَالْكِسْوَةَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ هُنَالِكَ أَيْمَانًا مُؤَكَّدَةً، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] . وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَصَاعِدًا حُجَّةً إلَّا الدَّعْوَى أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، فِي مَجْلِسٍ، وَيَمِينٌ ثَانِيَةٌ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي. وَهَذِهِ دَعْوَى لَا يُصَحِّحُهَا بُرْهَانٌ، وَكُلُّ لَفْظٍ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ اللَّفْظِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَجْلِسٍ غَيْرُ الْمَجْلِسِ الْآخَرِ وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ لَا نَدْرِي لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّغْلِيظِ وَغَيْرِ التَّغْلِيظِ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا الدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنْ نَوَى التَّكْرَارَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ أَيْمَانٌ شَتَّى، فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ أَلْفَاظٌ شَتَّى، فَلِكُلِّ لَفْظٍ حُكْمٌ، أَوْ أَنْ يَقِيسُوا ذَلِكَ عَلَى تَكْرَارِ الطَّلَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّ حُكْمَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرُ حُكْمِ الثَّانِيَةِ، وَغَيْرُ حُكْمِ الْأُولَى، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا أَلْفَاظٌ شَتَّى، فَنَعَمْ، إلَّا أَنَّ الْحِنْثَ بِهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لَا بِنَفْسِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَصْلًا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا الْحِنْثُ، فَالْحِنْثُ فِيهَا كُلِّهَا حِنْثٌ وَاحِدٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِحِنْثٍ وَاحِدٍ كَفَّارَاتٌ شَتَّى، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ، وَالشَّرَائِعُ سَاقِطَةٌ، إلَّا أَنْ يُبِيحَ الْمَالَ نَصٌّ، أَوْ يَأْتِيَ بِالشَّرْعِ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ] 1148 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ؛ أَوْ قَالَ: لَا شَرِبْت مَاءَ

هَذَا الْكُوزِ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِ الرَّغِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا فُتَاتُهُ، وَلَا بِشُرْبِ بَعْضِ مَا فِي الْكُوزِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ، فَأَكَلَهُ كُلَّهُ إلَّا فُتَاتَهُ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ حَنِثَ - وَهَكَذَا فِي الرُّمَّانَةِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ لَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَشُرْبِ بَعْضِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَسْأَلُهُمْ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ بَعْضَ رَغِيفٍ لِزَيْدٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَكَلَ رَغِيفَ زَيْدٍ؟ أَصَادِقَانِ هُمَا أَمْ كَاذِبَانِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا كَاذِبَانِ مُبْطِلَانِ، فَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفُتْيَا بِالْكَذِبِ، وَبِالْبَاطِلِ، وَبِالْمُشَاهَدَةِ يُدْرَى فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ، لَمْ يَحْلِفْ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ إذَا أَبْقَى مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي صِحَّةِ قَوْلِهِمْ. وَقَالَ قَائِلُهُمْ: الْحِنْثُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَكِلَاهُمَا يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مَا يَدْخُلُ الْحِنْثُ وَالتَّحْرِيمُ لَا بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ، وَلَا بِأَغْلَظِهَا، وَلَا يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ أَيْضًا لَا بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ، وَلَا بِأَغْلَظِهَا - وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ وَإِفْكٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْحِنْثُ، وَالْبِرُّ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالتَّحْلِيلُ؛ إلَّا حَيْثُ أَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَحْرِيمُ زَوْجَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ - وَهُوَ الْعَقْدُ وَحْدَهُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: نَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْجُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ حَرَامًا عَلَى الْأَبِ، كَمَا هِيَ عَلَى الِابْنِ، ثُمَّ دَخَلَ التَّحْلِيلُ لِلْأَبِ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ - وَهُوَ الْعَقْدُ وَحْدَهُ - فَأَيْنَ قَوْلُكُمْ: إنَّ التَّحْلِيلَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ؟ وَكَمْ هَذَا التَّخْلِيطُ بِمَا لَا يُعْقَلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَقَالُوا: وَالتَّحْلِيلُ لَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ - وَهُوَ الْعَقْدُ، وَالْوَطْءُ؟ فَقُلْنَا: نَقَضْتُمْ قَوْلَكُمْ قُولُوا بِقَوْلِ الْحَسَنِ، وَإِلَّا فَقَدْ أَفْسَدْتُمْ بُنْيَانَكُمْ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْوَطْءِ، وَالْإِنْزَالِ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَغْلَظُ الْأَسْبَابِ وَالْقَوْمُ فِي لَا شَيْءَ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ.

مسألة حلف أن لا يأكل من هذا الرغيف

وَابْنَةُ الزَّوْجَةِ لَا تُحَرَّمُ عَلَى زَوْجِ أُمِّهَا بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ، لَكِنْ بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ مَعَ الْعَقْدِ، فَهَذَا تَحْرِيمٌ لَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ. ثُمَّ تَنَاقُضُهُمْ هَهُنَا طَرِيفٌ جِدًّا، لِأَنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رَغِيفًا فَأَكَلَ نِصْفَ رَغِيفٍ يَحْنَثُ، وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لِزَيْدٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَوَهَبَ لَهُ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا كُلِّهِ لَوْ كَانَ هَهُنَا تَقْوَى؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ -: بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَ شَيْئًا مِنْهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ فَقُلْنَا لَهُمْ: إنَّمَا يَكُونُ الْحِنْثُ بِمُخَالَفَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْقُولُ دُخُولُ الدَّارِ إلَّا بِدُخُولِ بَعْضِهَا، لَا بِأَنْ يَمْلَأَهَا بِجُثَّتِهِ، بِخِلَافِ أَكْلِ الرَّغِيفِ، وَلَوْ أَنَّهُ دَخَلَ بَعْضُهُ الدَّارَ لَا كُلُّهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا - وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى: أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهْدِمَ هَذَا الْحَائِطَ فَهَدَمَ مِنْهُ مَدَرَةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الرَّغِيفِ] 1149 - مَسْأَلَةٌ فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الرَّغِيفِ، أَوْ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْهُ وَشُرْبِ شَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءَ النَّهْرِ] 1150 - مَسْأَلَةٌ فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءَ النَّهْرِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شُرْبِ شَيْءٍ مِنْهُ حَنِثَ [بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْهُ] لِأَنَّهُ بِهَذَا يُخْبِرُ عَنْ شُرْبِ بَعْضِ مَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ] 1151 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الدُّورِ الْمُبَاحَةِ الدَّهَالِيزَ كَدُورِ الرُّؤَسَاءِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ الدِّهْلِيزِ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى مَنْ صَارَ هُنَالِكَ أَنَّهُ دَاخِلُ دَارِ زَيْدٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الدُّورِ الَّتِي لَا تُبَاحُ دَهَالِيزُهَا حَنِثَ بِدُخُولِ الدِّهْلِيزِ. وَهَكَذَا فِي الْمَسَاجِدِ، وَالْحَمَّامَاتِ، وَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِمَا ذَكَرْنَا: مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى مَا يَتَخَاطَبُ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] فَهَذَا عُمُومٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْأَنْبِيَاءَ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ.

مسألة حلف أن لا يدخل دار فلان فمشى على سقفها

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَمَشَى عَلَى سَقْفِهَا] مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ، أَوْ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ فَمَشَى عَلَى سُقُوفِ كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ دَخَلَ دِهْلِيزَ الْحَمَّامِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَا الْحَمَّامَ وَلَا يُسَمَّى دُخُولُ دِهْلِيزِ الْحَمَّامِ دُخُولَ حَمَّامٍ [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَأَوْصَى إلَيْهِ أَوْ كَتَبَ] 1153 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا، فَأَوْصَى إلَيْهِ أَوْ كَتَبَ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى الْكِتَابُ وَلَا الْوَصِيَّةُ: كَلَامًا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] إلَى قَوْلِهِ: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: 29] . فَصَحَّ أَنَّ الْإِشَارَةَ، وَالْإِيمَاءَ لَيْسَ كَلَامًا. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إدَامًا] 1154 - مَسْأَلَةٌ -: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إدَامًا فَأَيُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ لَحْمٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ بِهِ الْخُبْزُ فَاشْتَرَاهُ لِيَأْكُلَ بِهِ الْخُبْزَ حَنِثَ - أَكَلَ بِهِ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ - لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَى الْإِدَامَ فَلَوْ اشْتَرَاهُ لِيَأْكُلَهُ بِلَا خُبْزٍ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ إدَامًا حِينَئِذٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إدَامًا فَأَكَلَ خُبْزًا بِشِوَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ أَكَلَهُ بِمِلْحٍ أَوْ بِزَيْتِ أَوْ بِشَيْءٍ يُصْنَعُ فِيهِ الْخُبْزُ حَنِثَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ شَرِيعَةٍ وَلَا لُغَةٍ -: نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ غُنْدَرٌ نا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ نا أَبُو الْمَيْمُونِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ نا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو النَّصْرِيُّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى ثِقَةٌ عَنْ يَزِيدَ الْأَعْوَرِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ كِسْرَةَ خُبْزِ شَعِيرٍ وَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً وَقَالَ: هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَأَصْلُ الْإِدَامِ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُبْزِ، فَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا

مسألة حلف أن يضرب غلامه عددا من الجلد أكثر من العشر

فَكُلُّ شَيْءٍ جُمِعَ إلَى الْخُبْزِ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ بِهِ فَهُوَ إدَامٌ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ غُلَامَهُ عَدَدًا مِنْ الْجَلْدِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَشْرِ] 1155 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ غُلَامَهُ عَدَدًا مِنْ الْجَلْدِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَشْرِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيَبِرُّ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ الْعَدَدَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ يَتَحَلَّلُ يَمِينَهُ فِي ضَرْبِ نَذْرِهِ بِأَدْنَى ضَرْبٍ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: قَدْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَاللَّيْثُ، وَمَالِكٌ: لَا يَبِرُّ بِذَلِكَ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا. [مَسْأَلَةٌ مَنَّتْ امْرَأَتُهُ عَلَيْهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ مِنْ مَالِهَا ثَوْبًا] 1156 - مَسْأَلَةٌ وَلَا مَعْنَى لِلْبِسَاطِ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا لِلْمَنِّ، وَلَوْ مَنَّتْ امْرَأَتُهُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهَا بِمَالِهَا فَحَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ مِنْ مَالِهَا ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِمَا سَمَّى فَقَطْ، وَيَأْكُلُ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ، وَيَأْخُذُ مَا تُعْطِيهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ، وَيَشْتَرِي بِمَا تُعْطِيهِ مَا يَلْبَسُ وَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ مَنَّ عَلَى آخَرَ بِلَبَنِ شَاتِه فَحَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْهُ شَيْئًا، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الشَّاةِ، وَمِنْ جُبْنِهَا، وَمِنْ زُبْدِهَا، وَرَائِبِهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شُرْبَ لَبَنٍ. فَإِنْ بَاعَتْ تِلْكَ الشَّاةَ وَاشْتَرَتْ أُخْرَى كَانَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا وَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، إنَّمَا يَحْنَثُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ بِكُلِّ ذَلِكَ، ثُمَّ تَنَاقَضَ فَقَالَ: إنْ وَهَبَتْ لَهُ شَاةً ثُمَّ مَنَّتْ بِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ لَبَنِهَا شَيْئًا فَبَاعَهَا وَابْتَاعَ بِثَمَنِهَا ثَوْبًا لَبِسَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ - وَلَا يَحْنَثُ بِإِمْسَاكِهَا فِي مِلْكِهِ وَلَا بِبَيْعِهَا وَقَضَاءُ دَيْنِهِ مِنْ ثَمَنِهَا - وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ أَحْنَثَهُ بِغَيْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذِكْرَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ رَبَطَ نَفْسَهُ إلَى سَارِيَةٍ وَقَالَ: لَا أَحُلُّ نَفْسِي

مسألة حلف أن لا يفعل أمرا كذا حينا فبقي طرفة عين ثم فعله

حَتَّى يَحُلَّنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَنْزِلَ تَوْبَتِي، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَحُلُّهُ فَأَبَى إلَّا أَنْ يَحُلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ فَاطِمَةَ بِضْعَةٌ مِنِّي» فَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ - ثُمَّ عَنْ عَلِيِّ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لِمَا فِيهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ زَيْدًا فَضَرَبَ وَلَدَ زَيْدٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا حِينًا فَبَقِيَ طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ فَعَلَهُ] 1157 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا كَذَا حِينًا أَوْ دَهْرًا أَوْ زَمَانًا أَوْ مُدَّةً أَوْ بُرْهَةً أَوْ وَقْتًا، أَوْ ذَكَرَ كُلَّ ذَلِكَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ - أَوْ قَالَ مَلِيًّا، أَوْ قَالَ: عُمْرًا، أَوْ الْعُمْرَ، فَبَقِيَ مِقْدَارَ طَرْفَةِ عَيْنٍ لَمْ يَفْعَلْهُ، ثُمَّ فَعَلَهُ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ زَمَانٌ، وَدَهْرٌ، وَحِينٌ، وَوَقْتٌ، وَبُرْهَةٌ، وَمُدَّةٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْحِينِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْحِينُ سَنَةٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: أَرَى الْحِينَ سَنَةً. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْحِينُ سَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَا جَمِيعًا: الْحِينُ سَنَةٌ - وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَهُ مَا نَوَى. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ: أَنْ لَا تَفْعَلَ فِعْلًا مَا إلَى حِينٍ؟ فَقَالَ: أَيُّ الْأَحْيَانِ أَرَدْت؟ فَإِنَّ الْأَحْيَانَ ثَلَاثَةٌ -: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] . كُلُّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وقَوْله تَعَالَى: {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35] فَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَامًا.

وقَوْله تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] فَذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] مَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ نا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ نا ابْنُ حَرْمَلَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ يَمِينِهِ أَنْ لَا تَدْخُلَ امْرَأَتُهُ عَلَى أَهْلِهَا حِينًا؟ فَقَالَ سَعِيدٌ؛ الْحِينُ مَا بَيْنَ أَنْ تَطْلُعَ النَّخْلُ إلَى أَنْ تُرَطِّبَ {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] قَالَ: تُؤْكَلُ ثَمَرَتُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " الْحِينُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ " وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ - عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَهُمْ عَمَّنْ قَالَ: لَا أَفْعَلُ أَمْرًا كَذَا حِينًا؟ فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: إنَّ مِنْ الْحِينِ مَا يُدْرَكُ وَمَا لَا يُدْرَكُ -: فَاَلَّذِي لَا يُدْرَكُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98] . وَاَلَّذِي يُدْرَكُ قَوْله تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] فَأَرَاهُ مِنْ حِينِ تُثْمِرُ إلَى حِينِ تُصْرَمُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ -. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُدَّةً مَا فَلَهُ مَا نَوَى. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الْحِينُ شَهْرَانِ، النَّخْلَةُ تَطْلُعُ السَّنَةَ كُلَّهَا إلَّا شَهْرَيْنِ.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ نا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحِينُ قَدْ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ طَاوُوسٍ قَالَ: الزَّمَانُ شَهْرَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَلَامُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] فَهَذَا مُذْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَبْدَأَ الْعَالَمِ إلَى خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَنَسَمَ بَنِيهِ، وَإِلَى وَقْتِ نَفْخِ الرُّوحِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] فَهَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98] فَهَذَا مُدَّةُ عُمْرِ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَمُوتَ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَسَاءَ حِينًا، وَالْإِصْبَاحَ حِينًا، وَالظَّهِيرَةَ حِينًا. فَصَحَّ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ حَدَّ حَدًّا دُونَ حَدٍّ. وَوَجَدْنَا احْتِجَاجَهُمْ بِالنَّخْلَةِ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّنَا نُشَاهِدُهَا يَرْطُبُ مِنْهَا مَا كَانَ زَهْوًا، وَيُزْهَى مَا كَانَ بَسْرًا، وَيَبْسُرُ مِنْهَا مَا كَانَ بَلَحًا، وَيُبْلِحُ مِنْهَا مَا كَانَ طَلْعًا، فَفِي كُلِّ سَاعَةٍ تُؤْتِي أُكُلَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ هُنَا تَخَالِيطُ عَظِيمَةٌ -: مِنْهَا - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا زَمَانًا، أَوْ الزَّمَانَ، أَوْ حِينًا أَوْ الْحِينَ، أَوْ مَلِيًّا، أَوْ طَوِيلًا، فَهُوَ كُلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُدَّةً مَا فَلَهُ مَا نَوَى - وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ مَلِيًّا: أَنَّهُ شَهْرٌ وَاحِدٌ.

مسألة حلف أن لا يكلمه أياما

فَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ دَهْرًا؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ؟ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: هُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. فَإِنْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُ الدَّهْرَ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ عَلَى الْأَبَدِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ. فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ إلَى بَعِيدٍ - فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ شَهْرٌ وَيَوْمٌ: فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ إلَى قَرِيبٍ، فَهُوَ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ. فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ عُمْرًا فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُدَّةً مَا فَلَهُ مَا نَوَى. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَيَّامًا] 1158 - مَسْأَلَةٌ فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ طَوِيلًا، فَهُوَ مَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْمُدَدِ، فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَيَّامًا أَوْ جُمَعًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ، أَوْ ذَكَرَ - كُلَّ ذَلِكَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ - فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَلَا يَحْنَثُ فِيمَا زَادَ، لِأَنَّهُ الْجَمْعُ، وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى التَّثْنِيَةِ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] . فَإِنْ قَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ -: كَثِيرَةٌ، فَهِيَ عَلَى أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا " كَثِيرَ " إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْنَثَ أَحَدٌ إلَّا بِيَقِينٍ لَا مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَلَّا يُسَاكِنَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا مَعَهُ] 1159 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يُسَاكِنَ مَنْ كَانَ سَاكِنًا مَعَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَلْيُفَارِقْ الَّتِي هُوَ فِيهَا إلَى غَيْرِهَا، وَلَا يَحْنَثُ. فَإِنْ أَقَامَ مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فَلَمْ يُفَارِقْهُ حَنِثَ - فَإِنْ رَحَلَ كَمَا ذَكَرْنَا مُدَّةً - قَلَّتْ - أَوْ كَثُرَتْ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يَحْنَثْ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ -: إنْ كَانَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَنْ يَرْحَلَ أَحَدُهُمَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ رَحَلَ أَحَدُهُمَا إلَى أُخْرَى مُتَّصِلَةٍ بِهَا أَوْ مُتَنَابِذَةٍ أَوْ اقْتَسَمَا الدَّارَ - وَإِنْ كَانَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ رَحَلَ أَحَدُهُمَا إلَى أُخْرَى - وَإِنْ كَانَا فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ خَرَجَ أَحَدُهُمَا عَنْ دُورِ الْقَرْيَةِ أَوْ دُورِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ رَحَلَ أَحَدُهُمَا بِجِسْمِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ تُطَابِقُ قَوْلَهُ فَلَهُ مَا

مسألة حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه زيد

نَوَى. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مُسَاكَنَةٌ وَغَيْرُ مُسَاكَنَةٍ، فَإِنْ فَارَقَ تِلْكَ الْحَالَ فَقَدْ فَارَقَ مُسَاكَنَتَهُ وَقَدْ بَرَّ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَكْثَرَ، لِأَنَّ النَّاسَ مَسَاكِنُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي سَاحَةِ الْأَرْضِ، وَفِي الْعَالَمِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الأنعام: 13] . وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الرِّحْلَةَ عَنْ مَكَّةَ وَدَارِ الْكُفْرِ إلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَفَارَقَ وَطَنَ الْكُفْرِ وَأَكْثَرُهُمْ تَرَكَ أَهْلَهُ. وَوَلَدَهُ وَمَالَهُ بِمَكَّةَ، وَفِي دَارِ قَوْمِهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُمْ ذَلِكَ عَنْ الْهِجْرَةِ وَمُفَارَقَةِ الْكُفَّارِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ حَتَّى يَرْحَلَ بِأَكْثَرِ رَحِيلِهِ - وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِمَا رَوَى: «الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ» وَهَذَا لَا يُسْنَدُ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرْوَ أَنَّهُ قَالَ إلَّا فِي رَحْلِ نَاقَتِهِ فَقَطْ لَا فِي رَحِيلِ مَنْزِلِهِ، بَلْ تَرَكَهُ بِمَكَّةَ بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِجِسْمِهِ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ] 1160 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَآخَرُ مَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَ دَارًا يُسْكِنُهَا زَيْدٌ بَكْرًا [وَكَذَلِكَ] دَارًا بَيْنَ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ دَارًا يَسْكُنُهَا زَيْدٌ فَيَحْنَثَ، لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ فِي كَلَامِهِمْ الَّذِي بِهِ حَلَفَ، وَعَلَيْهِ حَلَفَ فَقَطْ - وَلَا يُطْلَقُ عَلَى طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَخَالِدٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، وَلَا عَلَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ أَنَّهَا لِأَحَدِ مَنْ هِيَ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لِأَحَدٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَوَهَبَ لَهُ أَكْثَرَ] 1161 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لِأَحَدٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ فَوَهَبَ لَهُ أَكْثَرَ حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَدَدَ الَّذِي سَمَّى فَقَطْ فَلَا يَحْنَثُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَجْمَعَهُ مَعَ فُلَانٍ سَقْفٌ] 1162 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَجْمَعَهُ مَعَ فُلَانٍ سَقْفٌ فَدَخَلَ بَيْتًا فَوَجَدَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ إذْ دَخَلَ أَنَّهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ، لَكِنْ لِيَخْرُجْ مِنْ وَقْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ لَا يَلْحَقُ إلَّا قَاصِدًا إلَيْهِ، عَالِمًا بِهِ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا أَوْ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ فَاشْتَرَى شَحْمًا] 1163 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا أَوْ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ فَاشْتَرَى شَحْمًا، أَوْ

مسألة حلف أن لا يأكل شحما

كَبِدًا، أَوْ سَنَامًا، أَوْ مُصْرَانًا، أَوْ حَشْوَةً، أَوْ رَأْسًا، أَوْ أَكَارِعَ أَوْ سَمَكًا، أَوْ طَيْرًا، أَوْ قَدِيدًا: لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي اللُّغَةِ اسْمُ لَحْمٍ أَصْلًا، بَلْ كُلُّ لُغَوِيٍّ وَعَامِّيٍّ يَقُولُ فِي كُلِّ ذَلِكَ: لَيْسَ لَحْمًا وَلَا يُطْلَقُ عَلَى السَّمَكِ وَالطَّيْرِ اسْمُ لَحْمٍ إلَّا بِالْإِضَافَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قُلْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ بِكُلِّ ذَلِكَ - وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] ، {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ لَحْمٍ إلَّا بِالْإِضَافَةِ، كَمَا لَا يُطْلَقُ عَلَى " مَاءِ الْوَرْدِ " اسْمُ مَاءٍ إلَّا بِالْإِضَافَةِ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَجْمَعَهُ مَعَ فُلَانٍ سَقْفٌ أَنْ يَحْنَثَ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: 32] . وَأَنْ يَقُولَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَأَ بِضَوْءِ سِرَاجٍ، فَقَرَأَ بِضَوْءِ الشَّمْسِ: أَنْ يَحْنَثَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ: 13] . وقَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 16] . وَأَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُلْقِيَ ثِيَابَهُ عَلَى وَتَدٍ فَأَلْقَاهَا عَلَى جَبَلٍ: أَنْ يَحْنَثَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7] وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا؟ فَصَحَّ أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ، وَلَا يُخَالِفُونَنَا فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: ابْتَعْ لِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ لَحْمًا؟ فَابْتَاعَ لَهُ بِهِ سَمَكًا، أَوْ دَجَاجَةً، أَوْ شَحْمًا، أَوْ رَأْسًا، أَوْ حَشْوَةً، أَوْ أَكَارِعَ: فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِلدِّرْهَمِ، وَإِنَّهُ قَدْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ وَتَعَدَّى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا] 1164 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ شَحْمِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ، وَكُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَحْمٍ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْمَحْضِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشَحْمِ الْبَطْنِ وَحْدَهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِشَحْمِ الظَّهْرِ.

مسألة حلف أن لا يأكل رأسا

وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ، وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا يَحْنَثُ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] قَالُوا: فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى شَحْمِ الْبَطْنِ خَاصَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ مُحَالٌ عَنْ مَوْضِعِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ شَحْمَ الْبَطْنِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِمْ بِنَفْسِ هَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] فَبِهَذَا خَصَّ شَحْمَ الْبَطْنِ بِالتَّحْرِيمِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَحُرِّمَتْ الشُّحُومُ كُلُّهَا فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَ الْخِنْزِيرِ فَحَرَّمَ شَحْمَهُ، وَحَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ الشَّحْمَ فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّحْمَ. وَقَالُوا: الشَّحْمُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ وَلَيْسَ اللَّحْمُ مُتَوَلِّدًا مِنْ الشَّحْمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الِاحْتِجَاجَانِ فِي غَايَةِ التَّمْوِيهِ بِالْبَاطِلِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمْ يُحَرَّمْ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ، لَكِنْ بِبُرْهَانٍ آخَرَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " بَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيُحَرَّمُ ". وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا حَنِثَ - لَكَانَ تَحْرِيمُ لَبَنِ الْخِنْزِيرَةِ وَعَظْمِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ أَجْلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهَا مُوجِبًا لِلْحِنْثِ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَشَرِبَ لَبَنًا وَلَا فَرْقَ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الشَّحْمَ تَوَلَّدَ مِنْ اللَّحْمِ، فَيُقَالُ لَهُمْ فَكَانَ مَاذَا؟ أَلَيْسَ اللَّحْمُ، وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدَيْنِ مِنْ الدَّمِ، وَالدَّمُ حَرَامٌ، وَهُمَا حَلَالَانِ؟ أَوَلَيْسَ الْخَمْرُ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَصِيرِ وَالْخَلُّ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْخَمْرِ وَهِيَ حَرَامٌ، وَمَا تَوَلَّدَتْ مِنْهُ حَلَالٌ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا حَلَالٌ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رَأْسًا] 1165 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رَأْسًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ، وَلَا رُءُوسِ السَّمَكِ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رُءُوسِ الْغَنَمِ، وَالْمَاعِزِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ مَوْضِعِهِ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الرُّءُوس فِي الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ عَلَى رُءُوسِ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ

مسألة حلف أن لا يأكل بيضا

بِأَكْلِهَا - وَإِنْ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا فِي الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ اسْمَ الرُّءُوس حَنِثَ بِهَا، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَيْمَانَ إنَّمَا هِيَ عَلَى لُغَةِ الْحَالِفِ، وَمَعْهُودِ اسْتِعْمَالِهِ فِي كَلَامِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. أَلَا تَرَى: أَنَّ الْمِسْكَ دَمٌ جَامِدٌ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ دَمٍ حَلَّ وَلَمْ يَحْرُمْ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ بِيضًا] 1166 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ بِيضًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِأَكْلِ بَيْضِ الدَّجَاجِ خَاصَّةً وَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ بَيْضِ النَّعَامِ وَسَائِرِ الطَّيْرِ، وَلَا بِيضِ السَّمَكِ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا أَوْ شَرِبَ عَصِيرًا] . 1167 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا أَوْ شَرِبَ عَصِيرًا، أَوْ أَكَلَ رُبًّا أَوْ خَلًّا لَمْ يَحْنَثْ. وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ زَبِيبًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْعِنَبِ وَلَا بِشُرْبِ نَبِيذِ الزَّبِيبِ وَأَكْلِ خَلِّهِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي التَّمْرِ، وَالرُّطَبِ، وَالزَّهْوِ، وَالْبَسْرِ، وَالْبَلَحِ، وَالطَّلْعِ وَالْمُنَكِّتِ، وَنَبِيذِ كُلِّ ذَلِكَ وَخَلِّهِ، وَذُو شَائِبَةٍ، وَنَاطِفَةٍ: لَا يَحْنَثُ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهَا حَنِثَ بِأَكْلِ سَائِرِهَا - وَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ مَا يَشْرَبُ مِنْهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، لِأَنَّ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ، وَالْعَالَمُ كُلُّهُ بَعْضُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ بَعْضٍ وَنَحْنُ مَخْلُوقُونَ مِنْ تُرَابٍ وَمَاءٍ. فَلَوْ أَنَّ امْرَأً حَلَفَ أَنْ لَا يُدْخِلَ فِي دَارِهِ حَيَوَانًا فَأَدْخَلَ التُّرَابَ وَالْمَاءَ لَمْ يَحْنَثْ بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا أَوْ شَرِبَ عَصِيرًا حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخَلِّ - فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا، وَكَانَ احْتِجَاجُهُمْ لِهَذِهِ الْقَوْلَةِ أَعْجَبَ مِنْهَا، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: أَمْرُ الْخَلِّ بَعِيدٌ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا مَعْنَى " بَعِيدٍ "؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ بَيْنَ الْعِنَبِ وَبَيْنَ الْخَلِّ دَرَجَتَيْنِ: الْعَصِيرَ، وَالْخَمْرَ؟

مسألة حلف أن لا يأكل لبنا

قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَنْ الَّذِي جَعَلَ كَوْنَ دَرَجَتَيْنِ بَيْنَ الْخَلِّ وَالْعِنَبِ عِلَّةً فِي التَّحْلِيلِ؟ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْفَاسِدِ - فَمَا زَادُونَا عَلَى أَنْ جَعَلُوا دَعْوَاهُمْ حُجَّةً لِدَعْوَاهُمْ وَقَدْ تَنَاقَضُوا مِنْ قُرْبٍ، فَحَنِثُوا مَنْ أَكَل جُبْنًا يَابِسًا وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَبَنًا وَبَيْنَ الْجُبْنِ الْيَابِسِ وَاللَّبَنِ دَرَجَتَانِ، وَهُمَا الْعَقِيدُ، وَالْجُبْنُ الرَّطْبُ. فَإِنْ قَالُوا: كُلُّ ذَلِكَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ؟ قُلْنَا: وَالْخَلُّ، وَالْعَصِيرُ، وَالْخَمْرُ: عَيْنٌ وَاحِدَةٌ، إلَّا أَنَّ أَحْكَامَهَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ صِفَاتِهَا وَلَا مَزِيدَ. وَكَذَلِكَ السَّمْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّبَنِ دَرَجَتَانِ: الرَّائِبُ ثُمَّ الزُّبْدَةُ، وَقَدْ يُتْرَكُ الْعِنَبُ فِي الظُّرُوفِ مِنْ أَيَّامِهِ إلَى أَيَّامِ الرَّبِيعِ ثُمَّ يُعْصَرُ خَلًّا مَحْضًا؟ [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَبَنًا] 1168 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ اللِّبَإِ وَلَا بِأَكْلِ الْعَقِيدِ، لَا الرَّائِبِ، وَلَا الزُّبْدِ، وَلَا السَّمْنِ، وَلَا الْمَخِيضِ، وَلَا الْمَيْسِ، وَلَا الْجُبْنِ - وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ، وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَا لِاخْتِلَافِ أَسْمَاءِ كُلِّ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَأَكَلَ كَعْكًا] 1169 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَأَكَلَ كَعْكًا أَوْ بشماطا أَوْ حَرِيرَةً، أَوْ عَصِيدَةً، أَوْ حَسْوَ فَتَاةٍ، أَوْ فَتِيتًا لَمْ يَحْنَثْ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ قَمْحًا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي خُبْزِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِأَكْلِهِ صِرْفًا - وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ هَرِيسَةٍ، وَلَا أَكْلِ حَشِيشٍ، وَلَا سَوِيقٍ وَلَا أَكْلِ فَرِيكٍ، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ اسْمُ قَمْحٍ - وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ تِينًا حَنِثَ بِالْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ، لِأَنَّ اسْمَ التِّينِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ شَرَابًا] 1170 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ شَرَابًا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ حَمَلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ بِالْخَمْرِ، وَبِجَمِيعِ الْأَنْبِذَةِ، وَبِالْجَلَّابِ، وَالسَّكَنْجِينِ، وَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ شَرَابٍ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ. وَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ اللَّبَنِ، وَلَا بِشُرْبِ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ شَرَابٍ - وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَبَنًا فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ - وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ.

مسألة حلف أن لا يبيع هذا الشيء بدينار

وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْمَاءَ يَوْمَهُ هَذَا فَأَكَلَ خُبْزًا مَبْلُولًا بِالْمَاءِ لَمْ يَحْنَثْ - وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا وَلَا زَيْتًا فَأَكَلَ خُبْزًا مَعْجُونًا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ زَيْتًا وَلَا سَمْنًا. وَلَوْ حَنِثَ فِي هَذَا لَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ يَوْمَهُ هَذَا مَاءً فَأَكَلَ خُبْزًا، لِأَنَّهُ بِالْمَاءِ عُجِنَ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ طَعَامٍ طُبِخَ بِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ فِيهِ لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ عَنْهُمَا فَيَحْنَثُ حِينَئِذٍ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِلْحًا فَأَكَلَ طَعَامًا مَعْمُولًا بِالْمِلْحِ، وَخُبْزًا مَعْجُونًا بِهِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِلْحًا؛ فَإِنْ كَانَ قَدْ ذَرَّ عَلَيْهِ الْمِلْحَ حَنِثَ، لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِيهِ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خَلًّا فَأَكَلَ طَعَامًا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُ الْخَلِّ مُتَمَيِّزًا حَنِثَ، لِأَنَّهُ هَكَذَا يُؤْكَلُ الْخَلُّ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ هَذَا الشَّيْءَ بِدِينَارٍ] 1171 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ هَذَا الشَّيْءَ بِدِينَارٍ فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ غَيْرَ فَلْسٍ فَأَكْثَرَ، أَوْ بِدِينَارٍ وَفَلْسٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَائِعًا لَهُ بِدِينَارٍ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ حَقَّهُ رَأْسَ الْهِلَالِ] 1172 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ حَقَّهُ رَأْسَ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ إنْ قَضَاهُ حَقَّهُ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ، أَوْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ رَأْسُ الْهِلَالِ فِي اللُّغَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ فِي اللَّيْلَةِ أَوْ الْيَوْمِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى قَضَائِهِ ذَاكِرًا حَنِثَ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ لَا يُزَوِّجَ وَلِيَّتَهُ فَأَمَرَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ] 1173 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ أَمْرَ كَذَا، أَوْ لَا يُزَوِّجَ وَلِيَّتَهُ، أَوْ أَنْ لَا يَضْرِبَ عَبْدَهُ، أَوْ أَنْ لَا يَبْنِيَ دَارِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَأَمَرَ مَنْ فَعَلَ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ؟ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ، وَالْبِنَاءَ، وَالضَّرْبَ، أَوْ فِعْلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ - وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ ذَلِكَ حَنِثَ بِأَمْرِهِ مَنْ يَفْعَلُهُ، لِأَنَّهُ هَكَذَا يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ الْخَبَرُ عَنْ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا وَلَا يَحْنَثُ فِي أَمْرِ غَيْرِهِ بِالزَّوَاجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ فَإِذَا لَمْ يُزَوِّجْهَا وَأَمَرَ غَيْرَهُ فَلَمْ يُزَوِّجْهَا هُوَ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَلَّا يَبِيعَ عَبْدَهُ فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا] 1174 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يَبِيعَ عَبْدَهُ فَبَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ أَصْدَقَهُ، أَوْ أَجَرَهُ، أَوْ بِيعَ عَلَيْهِ فِي حَقٍّ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا بَيْعًا.

مسألة حلف أن لا يتكلم اليوم فقرأ القرآن

وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ حَرَامٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلَا شَكَّ عِنْدَ مَنْ دِمَاغُهُ صَحِيحٌ فِي أَنَّ الْحَرَامَ غَيْرُ الْحَلَالِ، فَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَوْضِعَيْهِمَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا - وَهُوَ مُخْتَارٌ ذَاكِرٌ -: حَنِثَ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بَاعَ، لِمَا نَذْكُرُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ الْيَوْمَ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ] 1175 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ الْيَوْمَ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاةٍ، أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ» وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 23] {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: 24] {إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26] . فَصَحَّ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ قَوْلَ الْبَشَرِ، وَأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ سَيَصْلَى سَقَرَ - فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا اسْمُ كَلَامٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [كَفَّارَاتُ الْأَيْمَانِ] [مَسْأَلَةٌ حَنِثَ بِمُخَالَفَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ] كَفَّارَاتُ الْأَيْمَانِ 1176 - مَسْأَلَةٌ مَنْ حَنِثَ بِمُخَالَفَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ] 1177 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ لَزِمَتْهُ: مِنْ الْعِتْقِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْإِطْعَامِ، أَوْ الصِّيَامِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَّا الْعِتْقُ، أَوْ الْكِسْوَةُ، أَوْ الْإِطْعَامُ، فَيُجْزِئُ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْحِنْثِ - وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّينَ: أَنَّ الْعِتْقَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْإِطْعَامَ: مِنْ فَرَائِضِ الْأَمْوَالِ، وَالْأَمْوَالُ

مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَحُقُوقُ النَّاسِ جَائِزٌ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ آجَالِهَا - وَأَمَّا الصَّوْمُ فَمِنْ فَرَائِضِ الْأَبَدَانِ، وَفَرَائِضُ الْأَبَدَانِ لَا يُجْزِئُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ أَوْقَاتِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَاسِدَةٌ، وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ أَمْوَالِ النَّاسِ إنَّمَا تَجِبُ بِرِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَعًا، لَا بِرِضَا أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَجِبُ أَيْضًا فِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْإِنْسَانِ بِعَيْنِهِ فَتَرَاضَى هُوَ وَغَرِيمُهُ عَلَى تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ إسْقَاطِهِ أَوْ إسْقَاطِ بَعْضِهِ. وَأَمَّا كُلُّ مَا لَيْسَ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقْتُهُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ، وَلَيْسَ هَهُنَا مَالِكٌ بِعَيْنِهِ يَصِحُّ رِضَاهُ فِي تَقْدِيمِهِ، لَا فِي تَأْخِيرِهِ، وَلَا فِي إسْقَاطِهِ، وَلَا فِي إسْقَاطِ بَعْضِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَحِلُّ فِيهِ إلَّا مَا حُدَّ لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا: إنَّ حُقُوقَ النَّاسِ يَجُوزُ فِيهَا التَّأْخِيرُ وَالْإِسْقَاطُ، فَهَلْ يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْإِسْقَاطُ، أَوْ التَّأْخِيرُ إلَى أَجَلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَصَابُوا هَهُنَا فَقَدْ تَنَاقَضُوا جِدًّا لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ إثْرَ الْيَمِينِ، وَقَبْلَ الْحِنْثِ. وَلَمْ يُجِيزُوا تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ إثْرَ كَسْبِ الْمَالِ لَكِنْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا أَجَازُوا تَقْدِيمَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إثْرَ ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ لَكِنْ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ فَقَطْ. وَلَمْ يُجِيزُوا تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَصْلًا، وَلَا بِسَاعَةٍ قَبْلَ مَا يُوجِبُهَا عِنْدَهُمْ مِنْ إرَادَةِ الْوَطْءِ، وَلَا أَجَازُوا تَقْدِيمَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ قَبْلَ مَا يُوجِبُهَا مِنْ مَوْتِ الْمَقْتُولِ وَلَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ، وَلَا كَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ قَتْلِهِ. وَأَجَازُوا إذْنَ الْوَرَثَةِ لِلْمُوصِي فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمْ الْمَالُ بِمَوْتِهِ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَتَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، وَتَقْدِيمَ زَكَاةِ الزَّرْعِ إثْرَ زَرْعِهِ فِي الْأَرْضِ، وَأَجَازُوا تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بَعْدَ جِرَاحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ - وَتَقْدِيمَ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ. وَلَمْ يُجِيزُوا لِلْوَرَثَةِ الْإِذْنَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَبْلَ وُجُوبِ الْمَالِ لَهُمْ بِالْمَوْتِ - وَلَا أَجَازُوا إسْقَاطَ الشَّفِيعِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ عَرْضِ شَرِيكِهِ أَخْذَ الشِّقْصِ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَخْذِهِ لَهُ بِالْبَيْعِ؛ فَظَهَرَ تَخْلِيطُهُمْ وَسُخْفُ أَقْوَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعُوذُ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَكُلُّهُمْ لَا يُجِيزُ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَلَا قَضَاءَ دَيْنٍ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَلَا صَلَاةَ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا الْمَانِعِينَ مِنْ تَقْدِيمِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَقْتٌ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْحِنْثِ، وَهِيَ فَرْضٌ بَعْدَ الْحِنْثِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَتَقْدِيمُهَا قَبْلَ أَنْ تَجِبَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُجْزِئَ التَّطَوُّعُ عَنْ الْفَرْضِ. وَقَالُوا: قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَالدَّلَائِلُ هَهُنَا تَكْثُرُ جِدًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَدِلَّةٌ صِحَاحٌ؛ وَنَحْنُ مُوَافِقُونَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ قَبْلَ وَقْتِهِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْحِنْثِ، لَكِنْ بَعْدَ إرَادَةِ الْحِنْثِ وَلَا بُدَّ. وَالثَّانِي: إسْقَاطُ الشَّفِيعِ حَقَّهُ بَعْدَ عَرْضِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَإِسْقَاطُهُ حَقَّهُ حِينَئِذٍ لَازِمٌ لَهُ فَقَطْ. وَإِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِلنُّصُوصِ الْمُخْرِجَةِ لِهَذَيْنِ الشَّرْعَيْنِ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الشَّرِيعَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ وَافَقَنَا هَهُنَا فِي تَصْحِيحِ قَوْلِنَا بِأَنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . قَالَ: فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْيَمِينِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لَنَا فِي هَذَا، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقِّنُ: عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْنَثْ فَلَا كَفَّارَةَ تَلْزَمُهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفْسِ الْيَمِينِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ - وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ حَذْفًا بِلَا خِلَافٍ وَأَنَّهُ: فَأَرَدْتُمْ الْحِنْثَ، أَوْ حَنِثْتُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى مِنْهُمْ فِي أَنَّ الْمَحْذُوفَ هُوَ " فَأَرَدْتُمْ الْحِنْثَ " لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبُرْهَانٍ، فَوَجَبَ طَلَبُ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ -: فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ نا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا عَفَّانَ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ هُوَ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ [قَالَ] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» .

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ أَحْكَامِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقْدِيمَ الْحِنْثِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ. وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَالْكَفَّارَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ الَّتِي لَا تُعْطِي رُتْبَةً - هَكَذَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِهَا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا تَحِلُّ مُخَالَفَةُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، فَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْحَذْفَ الَّذِي فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَرَدْتُمْ الْحِنْثَ أَوْ حَنِثْتُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلْيُكَفِّرْ ثُمَّ لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» هُوَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] . وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: 154] . وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [الأعراف: 11] . قَالَ هَذَا الْقَائِلُ: وَلَفْظَةُ " ثُمَّ " فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَا تُوجِبُ تَعْقِيبًا، بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ مَا عَطَفَ اللَّفْظَ عَلَيْهِ " بِثُمَّ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا -: أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] فَإِنَّ نَصَّ الْآيَاتِ هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 17] . وَقَدْ ذَكَرْنَا «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ الْخَيْرِ» فَصَحَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَظِيمُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي قَبُولِهِ كُلَّ عَمَلِ بِرٍّ عَمِلُوهُ فِي كُفْرِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمُوا، فَالْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى سَائِرِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَبُولِهِ تَعَالَى أَعْمَالَ مَنْ آمَنَ ثُمَّ عَمِلَ الْخَيْرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: 154] فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران: 67] وَقَالَ تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] . فَصَحَّ أَنَّ الصِّرَاطَ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِهِ وَأَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ صِرَاطُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ مُوسَى بِلَا شَكٍّ ثُمَّ آتَى اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى الْكِتَابَ، فَهَذَا تَعْقِيبٌ بِمُهْلَةٍ لَا شَكَّ فِيهِ. فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [الأعراف: 11] فَعَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَنْفُسَنَا وَصَوَّرَهَا، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَهْدَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] . ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَسَجَدَ الْمَلَائِكَةَ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ - ثُمَّ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ عَنْ ظَاهِرِهَا، أَوْ كَانَتْ " ثُمَّ " لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ فِيهَا لَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ " ثُمَّ " لِغَيْرِ التَّعْقِيبِ حَيْثُمَا وُجِدَتْ، لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِدَلِيلٍ فِي مَوْضِعٍ مَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ - وَهَذَا مِنْ تَمْوِيهِهِمْ الْفَاسِدِ الَّذِي لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ إلَّا فِي تَحْيِيرِ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي أَوَّلِ مَا يَفْجَئُونَهُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ كَانَا يُكَفِّرَانِ قَبْلَ الْحِنْثِ. وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ دَعَا غُلَامًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ حَنِثَ، فَصَنَعَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَزْهَرُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ: كَانَ يُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ -: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَالْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ،

مسألة حلف أن لا يعتق عبده فأعتقه ينوي كفارة تلك اليمين

وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَلَا يُعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا أَنَّ مُمَوِّهًا مَوَّهَ بِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْأَسْلَمِيِّ هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى - عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَحْنَثَ - وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ ابْنَ أَبِي يَحْيَى مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُجِزْ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ، إنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَقَطْ - وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَأَعْتَقَهُ يَنْوِي كَفَّارَةَ تِلْكَ الْيَمِينِ] 1178 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُعْتِقَ عَبْدَهُ هَذَا، فَأَعْتَقَهُ يَنْوِي بِعِتْقِهِ ذَلِكَ كَفَّارَةَ تِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُجْزِهِ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةِ الْمَسَاكِينِ فَأَطْعَمَهُمْ يَنْوِي بِذَلِكَ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ، لَكِنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَصُومَ فِي هَذِهِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَوْمًا، ثُمَّ صَامَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِي بِهَا كَفَّارَةَ يَمِينِهِ تِلْكَ - وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ بِالصِّيَامِ - لَمْ يُجْزِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَنْ يَصُومَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَفَّارَةِ بِلَا شَكٍّ إسْقَاطُ الْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ قَدْ وَجَبَ بِالْعِتْقِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ، فَلَا يَحْنَثُ بَعْدُ فِي يَمِينٍ قَدْ حَنِثَ فِيهَا، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَكُونُ الْحِنْثَ بِلَا شَكٍّ، بَلْ هِيَ الْمُبْطِلَةُ لَهُ، وَالْحَقُّ لَا يُبْطِلُ نَفْسَهُ. [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ الْكَفَّارَةِ] 1179 - مَسْأَلَةٌ وَصِفَةُ الْكَفَّارَةِ: هِيَ أَنَّ مَنْ حَنِثَ، أَوْ أَرَادَ الْحِنْثَ وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بَعْدُ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ -: وَهُوَ إمَّا أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، وَإِمَّا أَنْ يَكْسُوَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، وَإِمَّا أَنْ يُطْعِمَهُمْ: أَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ فَرْضٌ، وَيَجْزِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: فَفَرْضُهُ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا: مِنْ الْعِتْقِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْإِطْعَامِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] .

مسألة لا يجزيه بدل كفارة اليمين

وَمَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَلَا نُبْعِدُهُ، لِأَنَّ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] أَنَّ هَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، لَا عَلَى التَّخْيِيرِ - فَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ أَيْضًا: إنَّهُ عَلَى التَّرْتِيبِ. - وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُجْزِيهِ بَدَل كَفَّارَة الْيَمِين] 1180 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يُجْزِيهِ بَدَلَ مَا ذَكَرْنَا: صَدَقَةٌ، وَلَا هَدْيٌ، وَلَا قِيمَةٌ، وَلَا شَيْءٌ سِوَاهُ أَصْلًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، فَمَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ قِيمَةً فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . [مَسْأَلَةٌ حَنِثَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَفَّارَة ثُمَّ افْتَقَرَ] 1181 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْعِتْقِ، ثُمَّ افْتَقَرَ فَعَجَزَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ: لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِينَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقِينًا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ، لَكِنْ يُمْهَلُ حَتَّى يَجِدَ أَوْ لَا يَجِدَ، فَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ حِسَابِهِ؛ وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْنَثْ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ وُجُوبُ كَفَّارَةٍ بَعْدُ إلَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا فَتُجْزِيهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَنِثَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْكَفَّارَة] 1182 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَنِثَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ -: فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ قَدَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ، مَتَى قَدَرَ فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الصَّوْمُ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْكِسْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الصَّوْمَ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يَصُومُ عَنْهُ، لِأَنَّ الصَّوْمَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وُجُوبُهُ حِينَ حَنِثَ، وَصَحَّ لُزُومُهُ إيَّاهُ فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ يَقِينًا، لَا شَكَّ فِيهِ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: إنْ أَيْسَرَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الصَّوْمَ: انْتَقَلَ حُكْمُهُ إلَى الْعِتْقِ، أَوْ الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى فَاسِدَةٌ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُعْسِرَ بَعْدَ أَنْ

يُوسِرَ فَلَا يَنْقُلُونَهُ إلَى جَوَازِ الصِّيَامِ عَنْهُ، أَوْ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُوسِرَ بَعْدَ مَا يُعْسِرُ فَيَنْقُلُونَهُ إلَى وُجُوبِ الْعِتْقِ، أَوْ الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا لَزِمَهُ الصِّيَامُ لِضَرُورَةِ عَدَمِهِ؟ قُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، وَأَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَ مِنْ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَقَتْلِ الْخَطَإِ -: الصِّيَامَ لَا الْإِطْعَامَ، ثُمَّ عَوَّضَ مِنْ الصِّيَامِ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْإِطْعَامَ وَلَمْ يُعَوِّضْ مِنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إطْعَامًا، وَخَيَّرَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ، وَالْهَدْيِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] وَ {يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41] وَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَا أَوْجَبَهُ. وَاخْتَلَفَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا -: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إنْ قَدَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْعِتْقِ، قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ: بَطَلَ حُكْمُ الصَّوْمِ، وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ صِيَامَ يَوْمَيْنِ صَامَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ تَمَامَ الْيَوْمَيْنِ انْتَقَلَ عَنْ حُكْمِ الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ كَانَ قَدْ تَمَّ لَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ تَمَادَى عَلَى صِيَامِ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَأَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتِمَّ لَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ انْتَقَلَ عَنْ حُكْمِ الصَّوْمِ وَلَزِمَهُ أَحَدُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ - هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلْيَتَمَادَ فِي صَوْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بَطَلَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَانْتَقَلَ إلَى الْعِتْقِ، أَوْ الْكِسْوَةِ، أَوْ الْإِطْعَامِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا نَصَّ قُرْآنٍ فِيهَا وَلَا سُنَّةٍ -: فَصَحَّ أَنَّهَا آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ

مسألة ما يجزئ في العتق في كفارة اليمين

يَسَارِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّوْمِ، وَبَيْنَ يَسَارِهِ بَعْدَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْحَالِ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ. وَنَسْأَلُهُمْ كُلَّهُمْ عَمَّنْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ: هَلْ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةٌ مُفْتَرَضَةٌ؟ أَمْ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مُفْتَرَضَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَفَّارَةً مُفْتَرَضَةً - وَلَوْ قَالُوا: غَيْرَ هَذَا لَخَالَفُوا نَصَّ الْقُرْآنِ بِلَا بُرْهَانٍ؛ فَإِذْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، فَنَسْأَلُهُمْ مَا هِيَ؟ فَإِنْ قَالُوا: هِيَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، فَإِذْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ سَقَطَتْ عِنْدَكُمْ بِيَسَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ؟ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ. وَإِنْ قَالُوا: هِيَ غَيْرُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، أَوْ قَسَمُوا كَانُوا قَائِلِينَ بِلَا بُرْهَانٍ، وَكَفَوْنَا مُؤْنَتَهُمْ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ -. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ. [مَسْأَلَةٌ مَا يُجْزِئُ فِي الْعِتْقِ فِي كَفَّارَة الْيَمِين] 1183 - مَسْأَلَةٌ وَيُجْزِئُ فِي الْعِتْقِ فِي كُلِّ ذَلِكَ: الْكَافِرُ، وَالْمُؤْمِنُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَالْمَعِيبُ، وَالسَّالِمُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَوَلَدُ الزِّنَى، وَالْمُخْدِمُ، وَالْمُؤَاجِرُ، وَالْمَرْهُونُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرَةُ، وَالْمُدَبَّرُ، وَالْمَنْذُورُ عِتْقُهُ، وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ، وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُجْزِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمَرْءِ بِحُكْمٍ وَاجِبٍ، وَلَا نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَعُمْدَةُ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] . فَلَمْ يَخُصَّ رَقَبَةً مِنْ رَقَبَةٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الرَّقَبَةَ فِي هَذَا عَلَى رَقَبَةِ الْقَتْلِ لَا تُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ؟ قُلْنَا: فَقِيسُوهَا عَلَيْهَا فِي تَعْوِيضِ الْإِطْعَامِ مِنْهَا. فَإِنْ قَالُوا: لَا نَفْعَلُ، لِأَنَّنَا نُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَنَزِيدُ عَلَى مَا فِيهِ؟ قُلْنَا: وَزِيَادَتُكُمْ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً وَلَا بُدَّ خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ وَزِيَادَةٌ عَلَى

مَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ جَائِزًا فَهُوَ فِي الْآخَرِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَ جَائِزٍ فَهُوَ فِي الْآخَرِ غَيْرُ جَائِزٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ: «إنَّ الْقَائِلَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ لَطَمَ وَجْهَ جَارِيَةٍ لَهُ وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهَا - بِنَصِّ الْخَبَرِ - لَمْ تَكُنْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَلَا وَطْءٍ فِي رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ ظِهَارٍ. وَهُمْ يُجِيزُونَ الْكَافِرَةَ فِي الرَّقَبَةِ الْمَنْذُورَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ، فَقَدْ خَالَفُوا مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: لَا تُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ عِتْقَ الْمُؤْمِنَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا يَجُوزَ عِتْقُ الْكَافِرَةِ، فَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مِنْ عِتْقِهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ «أَنَّ الشَّرِيدَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّيَ أَمَرَتْنِي أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً، وَعِنْدِي أَمَةٌ سَوْدَاءُ أَفَأُعْتِقُهَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُدْعُ بِهَا؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتْ: اللَّهُ، قَالَ: فَمَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» فَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي رَقَبَةِ الْوَصِيَّةِ كَافِرَةً، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ انْسَنَدَ لَقُلْنَا بِهِ فِي الْمُوصَى بِعِتْقِهَا كَمَا وَرَدَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَمَا لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ كَافِرٌ كَذَلِكَ لَا يُعْتَقُ فِي الْفَرْضِ كَافِرٌ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ دَعْوَى لَا تُقَابَلُ إلَّا بِالتَّكْذِيبِ وَالرَّدِّ فَقَطْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُجْزِئُ الْيَهُودِيُّ، وَالنَّصْرَانِيُّ، فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يُجْزِئُ الْأَعْمَى فِي الْكَفَّارَةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَطَاوُوسٍ: يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ فِي الْكَفَّارَةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَطَاوُوسٍ، وَالنَّخَعِيِّ: تُجْزِئُ أُمُّ الْوَلَدِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَى -: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثَلَاثِ تَمَرَاتٍ، أَوْ أُمَتِّعَ بِسَوْطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ زِنًى؟ . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لِعَبْدٍ لَهُ: لَوْلَا أَنَّك وَلَدُ زِنًى لَأَعْتَقْتُك. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ: لَا يُجْزِئُ وَلَدُ الزِّنَى فِي رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ وَلَدَ زِنًى. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّوْرَقِيُّ نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، نَعْلَانِ أُجَاهِدُ أَوْ قَالَ أُجَهِّزُ بِهِمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ، وَأَبُو يَزِيدَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ قَالَا جَمِيعًا: لَا يُجْزِئُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَدُ زِنًى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَجَازَهُ طَاوُوسٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ. وَلَا يُسَمَّى نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ رَقَبَةً - وَمَنْ أَعْتَقَ بِحُكْمٍ فَلَمْ يُعْتِقْ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة لا يجزئ في الكفارة إطعام مسكين واحد يردد عليه

[مَسْأَلَة لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَة إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ يُرْدَدُ عَلَيْهِ] مَسْأَلَةٌ وَلَا يُجْزِئُ إطْعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَوْ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُرْدَدُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ، وَهُنَا خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ - وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَخَالَفَهُ الشَّعْبِيُّ، وَلَا يُجْزِئُ إلَّا مِثْلُ مَا يُطْعِمُ الْإِنْسَانُ أَهْلَهُ، فَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الدَّقِيقَ، فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الدَّقِيقَ، وَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الْحَبَّ فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الْحَبَّ، وَإِنْ كَانَ يُعْطِي أَهْلَهُ الْخُبْزَ، فَلْيُعْطِ الْمَسَاكِينَ الْخُبْزَ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَ أَهْلَهُ فَمِنْهُ يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ، وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا، لِأَنَّهُ خِلَافُ نَصِّ الْقُرْآنِ وَيُعْطِي مِنْ الصِّفَةِ، وَالْمَكِيلِ الْوَسَطِ - لَا الْأَعْلَى وَلَا الْأَدْنَى - كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ -. وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُهُ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ: أَوْ أَكْلَةٌ مَأْدُومَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَكُّوكُ حِنْطَةٍ، وَمَكُّوكُ تَمْرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. وَالْمَكُّوكُ نِصْفُ صَاعٍ. قَالَ الْحَسَنُ: وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَهُمْ أَكْلَةً خُبْزًا، وَلَحْمًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَخُبْزًا وَسَمْنًا وَلَبَنًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَخُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ قَتَادَةَ أَيْضًا: مَكُّوكُ تَمْرٍ، وَمَكُّوكُ حِنْطَةٍ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُدُّ بُرٍّ، وَمُدُّ تَمْرٍ - هَذَا كُلُّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ: عَشْرَةُ أَمْدَادٍ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَمُدَّانِ لِلْحَطَبِ، وَالْإِدَامِ. وَعَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ: يَجْمَعُهُمْ فَيُشْبِعُهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ: مُدُّ تَمْرٍ وَمُدُّ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ.

وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حِنْطَةٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ مِثْلُهُ أَيْضًا. وَعَنْ عَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ إنْ كَانَ خُبْزًا يَابِسًا: فَعَشَاءٌ وَغَدَاءٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ يُغَدِّيهِمْ، وَيُعَشِّيهِمْ: خُبْزًا، وَزَيْتًا، وَسَمْنًا - وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمَا. وَعَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ: غَدَاءٌ، وَعَشَاءٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا -: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى نا أَبُو الْمُحَيَّاةِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنْ كَانَ خُبْزًا يَابِسًا فَغَدَاءٌ وَعَشَاءٌ» وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، وَمِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ وَسَوِيقِهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَمِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ وَسَوِيقِهِ صَاعٌ، فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ: فَغَدَاءٌ، وَعَشَاءٌ - أَوْ غَدَاءٌ، وَغَدَاءٌ - أَوْ عَشَاءٌ وَعَشَاءٌ - أَوْ سَحُورٌ وَغَدَاءٌ - أَوْ سَحُورٌ وَعَشَاءٌ. وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: دَقِيقٌ وَلَا سَوِيقٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا حُجَّةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْأَذَى لِلْمُحْرِمِ نِصْفَ صَاعٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ - وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ نَصَّ ذَلِكَ الْخَبَرِ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ - وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِمْ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ نا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ نا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَفَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُعْطُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ صَاعٍ» . وَهَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ، لِأَنَّ زِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ - وَقَدْ يُنْسَبُ إلَى جَدِّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ خِلَافًا لِقَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ أَلْبَتَّةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُعَاوِيَةُ الضَّرِيرُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ

مسألة الكسوة في الكفارة

ابْنِ عُمَرَ قَالَ {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قَالَ: الْخُبْزُ وَاللَّبَنُ، وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَالْخُبْزُ وَالسَّمْنُ - وَمِنْ أَعْلَى مَا يُطْعِمُهُمْ: الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينٍ فَعَجَنَ فَأَطْعَمَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ يُقَوِّتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قُوتًا دُونًا، وَبَعْضُهُمْ قُوتًا وَسَطًا، فَقِيلَ {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ كَيْلًا مَا، وَمَنْ مَنَعَ مِنْ إطْعَامِ الْخُبْزِ، وَالدَّقِيقِ، وَمَنْ أَوْجَبَ أَكْلَتَيْنِ، فَأَقْوَالٌ لَا حُجَّةَ لَهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ الْكِسْوَة فِي الْكَفَّارَةِ] 1185 - مَسْأَلَةٌ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ - فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ: قَمِيصٌ، أَوْ سَرَاوِيلُ، أَوْ مُقَنِّعٌ، أَوْ قَلَنْسُوَةٌ، أَوْ رِدَاءٌ، أَوْ عِمَامَةٌ، أَوْ بُرْنُسٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كِسْوَةً دُونَ كِسْوَةٍ لَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَتَخْصِيصُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَرُوِّينَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ الْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ؟ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ وَفْدًا دَخَلُوا عَلَى أَمِيرِهِمْ فَكَسَا كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً، قَالَ النَّاسُ: إنَّهُ قَدْ كَسَاهُمْ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ -: وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

مسألة كسوة أهل الذمة وإطعامهم في كفارة اليمين

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِي إلَّا مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ - وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ - وَاخْتَلَفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا، وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَهُ عِمَامَةٌ فَقَطْ، وَقَالُوا: لَوْ أَنَّ إنْسَانًا لَمْ يَلْبَسْ إلَّا عِمَامَةً فَقَطْ، لَقَالَ النَّاسُ: هَذَا عُرْيَانُ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ لَنَا: اُكْسُوهُمْ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ بِهِ اسْمُ عُرْيَانَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَلَوْ أَنَّ امْرَأً لَبِسَ قَمِيصًا، وَسَرَاوِيلَ فِي الشِّتَاءِ لَقَالَ النَّاسُ: هَذَا عُرْيَانُ - وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ وَهِيَ كِسْوَةٌ ثُمَّ يَقُولُ: لَوْ كَسَاهُمْ ثَوْبًا وَاحِدًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ، أَوْ أَعْطَاهُمْ بَغْلَةً، أَوْ حِمَارَةً تُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ أَجْزَأَهُ -: ثُمَّ تَدَبَّرْنَا هَذَا -: فَرَأَيْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْكِسْوَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُنَافِيَةٌ لِلْعُرْيِ، إذْ مُمْتَنَعٌ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ كَاسِيًا عَارِيًّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ يَكُونُ كَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ كَاسِيًا، وَبَعْضُهُ عَارِيًّا أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ تَعُمُّهُ، وَلَا تَسْتُرُ بَشَرَتَهُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ» فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْكِسْوَةَ لَا يَكُونُ مَعَهَا عُرْيٌ إذَا كَانَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَطْلَقَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْهَا بِإِضَافَةٍ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ سَابِغَةٌ إلَّا أَنَّ رَأْسَهُ عَارٍ أَوْ ظَهْرَهُ أَوْ عَوْرَتَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى كَاسِيًا، وَلَا مُكْتَسِيًا إلَّا بِإِضَافَةٍ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ لَا تَكُونَ الْكِسْوَةُ إلَّا عَامَّةً لِجَمِيعِ الْجِسْمِ، سَاتِرَةً لَهُ عَنْ الْعُيُونِ، مَانِعَةً مِنْ الْبَرْدِ، لِأَنَّهُ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي " كَانُونَ الْأَوَّلِ " مُغَطًّى بِرِدَاءِ قَصَبٍ فَقَطْ: أَنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ أَحَدٌ كَاسِيًا، بَلْ هُوَ عُرْيَانُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كِسْوَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِطْعَامُهُمْ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] 1186 - مَسْأَلَةٌ وَيُجْزِئُ كِسْوَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِطْعَامُهُمْ إذَا كَانُوا مَسَاكِينَ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِتَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ فِي الزَّكَاةِ: أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. [مَسْأَلَةٌ الصَّوْم الْمُتَفَرِّقُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] 1187 - مَسْأَلَةٌ وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ لِلثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ شَاءَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ،

مسألة كان الحانث في اليمين عنده ما يطعم منه عشرة مساكين

وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُجْزِي إلَّا مُتَتَابِعَةً - وَاحْتَجُّوا بِقِيَاسِهَا عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ، وَقَالُوا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " مُتَتَابِعَاتٍ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْعَجَائِبِ أَنْ يَقِيسَ الْمَالِكِيُّونَ: الرَّقَبَةَ فِي أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَلَا يَقِيسُهَا الْحَنَفِيُّونَ عَلَيْهَا، وَيَقِيسُ الْحَنَفِيُّونَ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي وُجُوبِ كَوْنِهِ مُتَتَابِعًا عَلَى صَوْمِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ، وَالظِّهَارِ، وَلَا يَقِيسُهُ الْمَالِكِيُّونَ عَلَيْهِ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْمَقَايِيسِ الْمُتَخَاذِلَةِ الْمَحْكُومِ بِهَا فِي الدِّينِ مُجَازَفَةً؟ وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهِيَ مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، وَحَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ لَيْسَ فِيهَا مَا ذَكَرُوا ثُمَّ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَزِيدُوا فِي الْقُرْآنِ الْكَذِبَ الْمُفْتَرَى نَصْرًا لِأَقْوَالِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَهُمْ يَأْبَوْنَ مِنْ قَبُولِ التَّغْرِيبِ فِي الزِّنَى، لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ النَّاسِ فِي أَنْ يَزِيدُوا فِي الْقُرْآنِ مَا يَكُونُ مَنْ زَادَهُ فِيهِ كَافِرًا وَمَا إنْ قَرَأَ بِهِ فِي الْمِحْرَابِ اُسْتُتِيبَ وَإِنْ كَتَبَهُ فِي مُصْحَفٍ قُطِعَتْ الْوَرَقَةُ أَوْ بُشِرَ نَصْرًا لِتَقْلِيدِهِمْ، فَإِذْ لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى تَتَابُعًا مِنْ تَفْرِيقٍ، فَكَيْفَمَا صَامَهُنَّ أَجْزَأَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ الحانث فِي الْيَمِين عِنْدَهُ مَا يُطْعِمُ مِنْهُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ] 1188 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ مَا يُطْعِمُ مِنْهُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ وَاجِدٌ، وَلَا يُجْزِئُ الْوَاجِدُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إلَّا مَا وَجَدَ، وَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ إلَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ. وَالْعَبْدُ، وَالْحُرُّ، فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَمَنْ حَدَّ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا مِنْ قُوتِ جُمُعَةٍ، أَوْ أَشْهُرٍ، أَوْ سَنَةٍ؛ كُلِّفَ الدَّلِيلَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ؟ [مَسْأَلَةٌ لَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَة إطْعَامُ بَعْضِ الْعَشَرَةِ وَكِسْوَةُ بَعْضِهِمْ] 1189 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يُجْزِئُ إطْعَامُ بَعْضِ الْعَشَرَةِ وَكِسْوَةُ بَعْضِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ: يُجْزِئُ - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ عَلَى إثْمٍ] 1190 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى إثْمٍ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَيُكَفِّرَ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا لَيْسَ إثْمًا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ - وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا رَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ هَذَا احْتِجَاجًا صَحِيحًا لَوْلَا مَا رُوِّينَاهُ فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الْوَتْرِ مِنْ «قَوْلِ الْقَائِلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَكَرَ لَهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ - وَقَالَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَالزَّكَاةِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ» . وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِ التَّطَوُّعِ وَخَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَمِينَهُ تِلْكَ، وَلَا أَمْرَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، بَلْ حَسَّنَ لَهُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ نَدْبٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب القرض

[كِتَابُ الْقَرْضِ] [مَسْأَلَةٌ تَعْرِيف الْقَرْض] ِ وَهُوَ الدَّيْنُ 1191 - مَسْأَلَةٌ: الْقَرْضُ فِعْلُ خَيْرٍ، وَهُوَ أَنْ تُعْطِيَ إنْسَانًا شَيْئًا بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِك تَدْفَعُهُ إلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَيْك مِثْلَهُ إمَّا حَالًّا فِي ذِمَّتِهِ وَإِمَّا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] [مَسْأَلَةٌ الْقَرْضُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ] 1192 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقَرْضُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ بِهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ جَازَ بَيْعَةُ أَوْ لَمْ يَجُزْ - لِأَنَّ الْقَرْضَ هُوَ غَيْرُ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِثَمَنٍ، وَيَجُوزُ بِغَيْرِ نَوْعِ مَا بِعْت. وَلَا يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ إلَّا رَدُّ مِثْلِ مَا اُقْتُرِضَ لَا مِنْ سِوَى نَوْعِهِ أَصْلًا [مَسْأَلَةٌ لَا يَشْتَرِطَ رَدًّا أَكْثَرَ مِمَّا اقترض وَلَا أَقَلَّ] 1193 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَشْتَرِطَ رَدًّا أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ وَلَا أَقَلَّ، وَهُوَ رِبًا مَفْسُوخٌ، وَلَا يَحِلُّ اشْتِرَاطُ رَدِّ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ وَلَا أَدْنَى وَهُوَ رِبًا، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ نَوْعٍ غَيْرِ النَّوْعِ الَّذِي أَخَذَ، وَلَا اشْتِرَاطُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَلَا اشْتِرَاطُ ضَامِنٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» .

مسألة تطوع عند قضاء ما عليه بأن يعطي أكثر مما أخذ

وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الْقَرْضِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّأْيِيدُ. [مَسْأَلَةٌ تَطَوَّعَ عِنْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ] 1194 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَطَوَّعَ عِنْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ بِأَنْ يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ، أَوْ أَدْنَى مِمَّا أَخَذَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُسْتَحَبٌّ. وَمُعْطِي أَكْثَرَ مِمَّا اقْتَرَضَ وَأَجْوَدَ مِمَّا اقْتَرَضَ مَأْجُورٌ. وَاَلَّذِي يَقْبَلُ أَدْنَى مِمَّا أَعْطَى، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَعْطَى مَأْجُورٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ، وَكَذَلِكَ إنْ قَضَاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَلَا فَرْقَ -: فَهُوَ حَسَنٌ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَمُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: نا خَلَّادٌ، وَقَالَ مُوسَى: نا وَكِيعٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ خَلَّادٌ وَوَكِيعٌ، قَالَا: نا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كَانَ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي» وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِنًّا فَأَعْطَاهُ سِنًّا فَوْقَ سِنِّهِ وَقَالَ: خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً» وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَضَانِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَادَنِي نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَقَاضَيْت الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ دَيْنًا لِي عَلَيْهِ فَوَجَدْته قَدْ خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ فَقَضَانِي وَلَمْ يَزِنْهُ، فَوَزَنْته فَوَجَدْته قَدْ زَادَنِي عَلَى حَقِّي سَبْعِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: إنِّي أَسْلَفْت رَجُلًا سَلَفًا وَاشْتَرَطْت أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته؛ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَلِكَ الرِّبَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا - وَفِيهِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَرَى أَنْ تَشُقَّ صَكَّك فَإِنْ أَعْطَاك مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْته قَبِلْته، وَإِنْ أَعْطَاك دُونَ مَا

أَسْلَفْته فَأَخَذْته أُجِرْت، وَإِنْ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْته طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَك وَهُوَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْته. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: اقْتَرَضَ مِنِّي ابْنُ عُمَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَضَانِي أَجْوَدَ مِنْ دَرَاهِمِي، وَقَالَ لِي: مَا كَانَ فِيهَا مِنْ فَضْلٍ فَهُوَ نَائِلٌ مِنِّي لَك أَتَقْبَلُهُ؟ قُلْت: نَعَمْ - وَلَا يُعْرَفُ لِهَذَيْنِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَسْتَسْلِفُ مِنْ التُّجَّارِ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ إلَى الْعُمَّالِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَحَكَى شُعْبَةُ: أَنَّهُ سَأَلَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَمَّنْ اقْتَرَضَ دَرَاهِمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ خَيْرًا مِنْهَا؟ فَقَالَا جَمِيعًا: إذَا كَانَ لَيْسَ مِنْ نِيَّتِهِ فَلَا بَأْسَ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ أَنْ تُقْرِضَ دَرَاهِمَ بِيضًا وَتَأْخُذَ سُودًا، أَوْ تُقْرِضَ سُودًا وَتَأْخُذَ بِيضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا قَطَرِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَشْعَثِ الْحُمْرَانِيِّ قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ؟ فَقُلْت: يَا أَبَا سَعِيدٍ لِي جَارَاتٌ وَلَهُنَّ عَطَاءٌ فَيَقْتَرِضْنَ مِنِّي وَنِيَّتِي فِي فَضْلِ دَرَاهِمِ الْعَطَاءِ عَلَى دَرَاهِمِي؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إذَا أَسْلَفْتَ طَعَامًا فَأَعْطَاكَهُ بِأَرْضِ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَجَازَ مَالِكٌ: أَنْ يَرُدَّ أَفْضَلَ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ عَادَةٍ، وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ خِلَافُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَوْرَدْنَا. وَأَمَّا فَرْقُهُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَغَيْرِهَا -: فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ إنْ جَازَ مَرَّةً جَازَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَا فَرْقَ، وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَالْإِكْثَارُ مِنْ الْخَيْرِ خَيْرٌ؛ وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَالشَّرُّ لَا يَجُوزُ لَا مَرَّةً وَلَا مِرَارًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ.

مسألة قضاه من غير نوع ما استقرض

وَأَمَّا مَنْعُهُ مِنْ رَدِّ أَكْثَرَ -: فَقَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إجَازَتِهِ الزِّيَادَةَ حَيْثُ هِيَ الرِّبَا الْمَكْشُوفُ الْمُحَرَّمُ، إذْ يُجِيزُ مُبَادَلَةَ دِينَارٍ نَاقِصٍ بِدِينَارِ زَائِدٍ عَلَيْهِ فِي وَزْنِهِ بِمُشَارَطَةٍ فِي حِينِ الْمُبَادَلَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الدِّرْهَمِ النَّاقِصِ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ فِي وَزْنِهِ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ فَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا رِبًا» ثُمَّ يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي قَضَاءِ الْقَرْضِ وَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَضَّ عَلَيْهِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ [وَنِعْمَ الْوَكِيلُ] . [مَسْأَلَةٌ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ مَا اسْتَقْرَضَ] 1195 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ مَا اسْتَقْرَضَ لَمْ يَحِلَّ أَصْلًا - لَا بِشَرْطٍ وَلَا بِغَيْرِ شَرْطٍ - مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ أَقْرَضَهُ ذَهَبًا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ فِضَّةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَهُوَ إذَا رَدَّ غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ، وَمَنْ أَخَذَ غَيْرَ حَقِّهِ فَقَدْ أَكَلَ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ عِنْدَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ؟ قُلْنَا: هَذَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ، وَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ إلَّا فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ. وَكُلُّ هَذَا قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا رِبًا مَحْضٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي " أَبْوَابِ الرِّبَا " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ مَنْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا فَقَدْ مَلَكَهُ] 1196 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا فَقَدْ مَلَكَهُ، وَلَهُ بَيْعُهُ إنْ شَاءَ، وَهِبَتُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، كَسَائِرِ مِلْكِهِ - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ - وَبِهِ جَاءَتْ النُّصُوصُ. [مَسْأَلَةٌ الدَّيْنُ لَوْ كَانَ حَالًّا] 1197 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ لِلَّذِي أَقْرَضَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَقْرَضَ مَتَى أَحَبَّ - إنْ شَاءَ إثْرَ إقْرَاضِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْظَرَهُ بِهِ إلَى انْقِضَاءِ حَيَاتِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ إيَّاهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ يَنْتَفِعُ فِيهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِمَا اسْتَقْرَضَ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ دَعْوًى بِلَا بُرْهَانٍ.

مسألة طالبه بدينه والشيء المستقرض حاضر عند المستقرض

وَأَيْضًا - فَإِنَّهُ أَوْجَبَ هَاهُنَا أَجَلًا مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ - ثُمَّ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُ لَا يَحُدُّ مِقْدَارَهُ، فَأَيُّ دَلِيلٍ أَدَلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ يُوجِبُ فِيهِ مِقْدَارًا [مَا] لَا يَدْرِي هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مَا هُوَ؟ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَمَنْ مَنَعَ مِنْ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - [مَسْأَلَةٌ طَالَبَهُ بِدَيْنِهِ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْرَضُ حَاضِرٌ عِنْدَ الْمُسْتَقْرِضِ] 1198 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْرَضُ حَاضِرٌ عِنْدَ الْمُسْتَقْرِضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ الْمُسْتَقْرِضُ عَلَى [شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ] أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ بِعَيْنِهِ وَلَا بُدَّ، لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ - إمَّا ذَلِكَ الشَّيْءُ وَإِمَّا غَيْرُهُ مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ - لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الَّذِي اسْتَقْرَضَ وَصَارَ كَسَائِرِ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهُ قُضِيَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِرَدِّهِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَعْجِيلِ إنْصَافِ غَرِيمِهِ، فَتَأْخِيرُهُ بِذَلِكَ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْصَافِ - ظُلْمٌ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» وَهَذَا غَنِيٌّ فَمَطْلُهُ ظُلْمٌ. [مَسْأَلَةٌ الْقَرْضُ إذَا كَانَ إلَى أَجَلٍ] 1199 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ إلَى أَجَلٍ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَاهُ وَأَنْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، عُدُولًا فَصَاعِدًا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدَا كَاتِبًا فَإِنْ شَاءَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يَرْتَهِنَ بِهِ رَهْنًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرْتَهِنَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ الْحَالِّ - لَا فِي السَّفَرِ وَلَا فِي الْحَضَرِ -. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] إلَى قَوْلِهِ -: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة: 282] : إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] إلَى قَوْله تَعَالَى -: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] وَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الطَّاعَةُ.

مسألة لقي غريمه في بلد وكان الدين حالا أو قد بلغ أجله

وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ نَدْبٌ، فَقَدْ قَالَ: الْبَاطِلَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] فَيَقُولُ قَائِلٌ: لَا أَكْتُبُ إنْ شِئْت. وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] فَيَقُولُ قَائِلٌ: لَا أُشْهِدُ - وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، أَوْ بِضَرُورَةِ جَسٍّ. وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَطَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَنَتَقَصَّى ذَلِكَ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ لَقِيَ غَرِيمَهُ فِي بَلَدٍ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَدْ بَلَغَ أَجَلَهُ] 1200 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَقِيَ غَرِيمَهُ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ - وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ قَدْ بَلَغَ أَجَلَهُ - فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ، وَأَخْذُهُ بِحَقِّهِ، وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى إنْصَافِهِ - عَرَضًا كَانَ الدَّيْنُ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِم - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُجْبَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَصِفَ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَدَايَنَا فِيهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى إنْصَافِهِ إلَّا حَيْثُ تَدَايَنَا فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَ التَّدَايُنُ بِالْأَنْدَلُسِ، ثُمَّ لَقِيَهُ بِصِينِ الصِّينِ سَاكِنًا هُنَالِكَ، أَوْ كِلَاهُمَا، أَتَرَى حَقَّهُ قَدْ سَقَطَ أَوْ يُكَلَّفُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ وَصَاحِبُ الْحَقِّ النُّهُوضَ إلَى الْأَنْدَلُسِ لِيُنْصِفهُ هُنَالِكَ مِنْ مَدِينٍ. ثُمَّ لَوْ طَرَدُوا قَوْلَهُمْ لَلَزِمَهُمْ أَنْ لَا يُجِيزُوا الْإِنْصَافَ إلَّا فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَا فِيهَا بِأَبْدَانِهِمَا حِينَ التَّدَايُنِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا، فَنَحْنُ نَزِيدُهُمْ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا شِبْرًا حَتَّى نَبْلُغَهُمْ إلَى أَقْصَى الْعَالَمِ. وَلَوْ حَقَّقَ كُلُّ ذِي قَوْلٍ قَوْلَهُ، وَحَاسَبَ نَفْسَهُ بِأَنْ لَا يَقُولَ فِي الدِّينِ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةً؛ لَقَلَّ الْخَطَأُ، وَلَكَانَ أَسْلَمَ لِكُلِّ قَائِلٍ. وَمَا تَوْفِيقُنَا إلَّا بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ.

مسألة أراد الذي عليه الدين المؤجل أن يعجله

[مَسْأَلَةٌ أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ أَنْ يُعَجِّلَهُ] مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ أَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يُجْبَرْ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى قَبُولِهِ أَصْلًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَتَعَجَّلَ قَبْضَ دَيْنِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى أَدَائِهِ -: سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، وَالطَّعَامُ كُلُّهُ، وَالْعَرُوضُ كُلُّهَا، وَالْحَيَوَانُ. فَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى تَعْجِيلِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ، أَوْ عَلَى تَأْخِيرِهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، أَوْ بَعْضِهِ: جَازَ كُلُّ ذَلِكَ -. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: إنْ كَانَ مِمَّا لَا مُؤْنَةَ فِي حَمْلِهِ وَنَقْلِهِ أُجْبِرَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَلَى قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ مُؤْنَةٌ فِي حَمْلِهِ وَنَقْلِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِف لَهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ الْأَجَلِ قَدْ صَحَّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مَا صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ أَبْطَلُوا هَذَا الشَّرْطَ الصَّحِيحَ الَّذِي أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. وَأَجَازُوا الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي أَبْدَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، كَمَنْ اشْتَرَطَ لِامْرَأَتِهِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَكُلَّ سُرِّيَّةٍ يَتَّخِذُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَأَنْ لَا يُرَحِّلَهَا عَنْ دَارِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا وَاحْتَجُّوا هَاهُنَا بِرِوَايَةِ مَكْذُوبَةٍ وَهِيَ " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَهَلَّا احْتَجُّوا بِهَا إذْ هِيَ عِنْدَهُمْ صَحِيحَةٌ فِي إنْفَاذِ شَرْطِ التَّأْجِيلِ الْمُسَمَّى بِالدَّيْنِ، فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الْأُمُورَ تَرَوْا الْعَجَبَ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي هَذَا بِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي الْقَضَاءِ بِقَبُولِ تَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَجَلِهَا، وَقَدْ أَخْطَئُوا فِي هَذَا مِنْ وُجُوهٍ.

أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً، فَقَاسُوا عَلَيْهَا سَائِرَ الدُّيُونِ، وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الدُّيُونِ فِي جَوَازِ الْحَمَّالَة وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرُ، وَعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ أَنَسٍ فَلَمْ يَرَ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَجَلِهَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ خَالَفُوا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فِي مُئِينَ مِنْ الْقَضَايَا. مِنْهَا - إجْبَارُ عُمَرَ سَادَات الْعَبِيدِ عَلَى كِتَابَتِهِمْ بِالضَّرْبِ إذَا طَلَبَ الْعَبِيدُ ذَلِكَ، وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَر. وَالْخَامِسُ: أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا، لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْهُمَا وَضْعُ الْكِتَابَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ يُعْطِي السَّيِّدَ فِي كُلِّ نَجْمٍ حَقَّهُ؛ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ مَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ مِنْهُمْ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَطَاءِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي نُهِينَا عَنْ السُّؤَالِ فِيهِ - عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ - وَلَا فِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ الْوَاجِبِ السُّؤَالِ عَنْهَا وَطَلَبِهَا أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إرَادَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ تَعْجِيلَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ أَجَلِهِ مَعَ إبَايَةِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ إرَادَةِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ تَعْجِيلَ مَا لَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ مَعَ إبَايَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ؟ إذْ أَوْجَبُوا الْوَاحِدَ وَمَنَعُوا الْآخَرَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ يُرِيدُ أَنْ يَبْرَأَ مِمَّا عَلَيْهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَاَلَّذِي لَهُ الْحَقُّ يُرِيدُ أَنْ يُبْرِئَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِمَّا عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ يُرِيدُ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا إلَى أَجَلِهِ؟

مسألة القرض في الجواري والعبيد والدواب والدور والأرضين

قُلْنَا لَهُمْ: وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ إلَّا إلَى أَجَلِهِ. [مَسْأَلَةٌ الْقَرْضُ فِي الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ] 1202 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقَرْضُ جَائِزٌ فِي الْجَوَارِي، وَالْعَبِيدِ، وَالدَّوَابِّ، وَالدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ فَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي ذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ. وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ، وَأَصْحَابِنَا. وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي الْجَوَارِي خَاصَّةً، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَطَؤُهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ فَرْجًا مُعَارًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: يَطَؤُهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ، فَهُمْ يُوجِبُونَ هَذَا نَفْسَهُ فِي الَّتِي يَجِدُ بِهَا عَيْبًا - فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا؟ - قُلْنَا: كَذَبْتُمْ، قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ: الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْوَطْءِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ إجْمَاعٌ لَلَزِمَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ أَنْ يَقِيسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فَهَذَا أَصْلُهُمْ فِي الْقِيَاسِ، فَأَنَّى بَدَا لَهُمْ عَنْهُ؟ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: فَإِذَا وَطِئَهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَكَانَ مَاذَا؟ وَطِئَهَا بِحَقٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] ثُمَّ إنْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِحَقٍّ، لِأَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ فَانْتَقَلَتْ مِنْ حَقٍّ إلَى حَقٍّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ فَرْجٌ مُعَارٌ -: فَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا يَزُولُ عَنْهَا مِلْكُ الْمُعِيرِ، فَحَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ وَطْؤُهَا، لِأَنَّهُ مِلْكُ يَمِينِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْمُسْتَقْرَضَةُ فَهِيَ مِلْكُ يَمِينِ الْمُسْتَقْرِضِ فَهِيَ لَهُ حَلَالٌ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدّهَا، أَوْ يُمْسِكَهَا أَوْ يَرُدَّ غَيْرَهَا، وَلَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ كَذَلِكَ. وَقَالُوا: هُوَ بِشِيَعِ شَنِيعٌ؟ قُلْنَا: لَا شُنْعَةَ، وَلَا بَشَاعَةَ فِي الْحَلَالِ، وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَبْشِعُونَ مِثْلَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ يَبِيعُ جَارِيَةً مِنْ غَيْرِهِ فَيَطَؤُهَا، ثُمَّ يَبْتَاعهَا الَّذِي بَاعَهَا فَيَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةِ، ثُمَّ يَطَؤُهَا، ثُمَّ يَبْتَاعُهَا الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ - وَهَكَذَا أَبَدًا.

مسألة قرض ما يمكن وزنه أو كيله أو عدده أو زرعه

وَمِنْ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، فَتَعْتَدُّ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا جَارُهُ فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، فَتَعْتَدُّ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا الْأَوَّلُ فَيَطَؤُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا - وَهَكَذَا أَبَدًا. فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَنَعُوا مِنْهُ مِنْ قَرْضِ الْجَوَارِي؟ إنَّمَا الشَّنِيعُ الْبَشِيعُ الْفَظِيعُ مِمَّا يَقُولُونَهُ: مِنْ أَنَّ رِجَالًا تَكُونُ بَيْنَهُمْ أَمَةٌ يَطَؤُهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَلَا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَيُلْحِقُونَ الْوَلَدَ بِهَذَا الْوَطْءِ الْحَرَامِ الْخَبِيثِ. وَمِنْ أَنْ يَطَأَ الْوَالِدُ أُمَّ وَلَدِ ابْنِهِ فَلَا يَرَوْنَ عَلَيْهِ حَدًّا وَيُلْحِقُونَ الْوَلَدَ فِي هَذَا الْوَطْءِ الْفَاحِشِ، لَا سِيَّمَا الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: مَنْ عَشِقَ امْرَأَةَ جَارِهِ فَرَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، وَأَنَّهَا اعْتَدَّتْ، وَأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ هَذَا - وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَزَوْجُهَا مُنْكِرٌ - وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَطَؤُهَا حَلَالًا طَيِّبًا - فَهَذِهِ هِيَ الشَّنَاعَةُ الْمُضَاهِيَةُ لِخِلَافِ الْإِسْلَامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَرْض مَا يُمْكِنُ وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ عَدَدُهُ أَوْ زَرْعُهُ] 1203 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ عَدَدُهُ أَوْ زَرْعُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْرَضَ جُزَافًا، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدّهُ، فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. 1204 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا اُقْتُرِضَ مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومَ الْعَدَدِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، فَإِنْ رَدَّهُ جُزَافًا فَكَانَ ظَاهِرًا مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا اقْتَرَضَ فَرَضِيَ ذَلِكَ الْمُقْرِضُ، أَوْ كَانَ ظَاهِرًا مُتَيَقِّنًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا اقْتَرَضَ وَطَابَتْ نَفْسُ الْمُقْتَرِضِ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ، لِمَا قَدَّمْنَا. فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَهُوَ مِثْلُ مَا اقْتَرَضَ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ؟ لَمْ يَجُزْ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَالُ أَحَدٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَرِضَاهُ، وَلَا يَكُونُ الرِّضَا وَطِيبُ النَّفْسِ إلَّا عَلَى مَعْلُومٍ وَلَا بُدَّ، عَلَى مَجْهُولٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعْجِيلُ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي] 1205 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي،

مسألة كان له دين حال فرغب المدين في أن ينظره ففعل

فَإِنْ وَقَعَ رَدٌّ وَصَرَفَ إلَى الْغَرِيمِ مَا أَعْطَى، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» فَلَوْ عَجَّلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ رَغِبَ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ - الْبَاقِيَ أَوْ بَعْضَهُ، فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضَعَهُ عَنْهُ أَوْ بَعْضَهُ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ وَكِلَاهُمَا مَأْجُورٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا شَرْطٌ أَصْلًا لَكِنْ أَحَدُهُمَا سَارَعَ إلَى الْخَيْرِ فِي أَدَاءِ بَعْضِ مَا عَلَيْهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ وَالْآخَرُ سَارَعَ إلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] . وَهَذَا كُلُّهُ خَيْرٌ [وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ] . [مَسْأَلَةٌ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌ فَرَغِبَ الْمدين فِي أَنْ يُنْظِرَهُ فَفَعَلَ] 1206 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَحَلَّ فَرَغِبَ إلَيْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي أَنْ يَنْظُرَهُ أَيْضًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَفَعَلَ، أَوْ أَنْظَرَهُ كَذَلِكَ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ وَأَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَالدِّينُ حَالٌ يَأْخُذُهُ بِهِ مَتَى شَاءَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ زُفَرَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ: أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ وَجَعَلَهُ حَالًّا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَفَاءَ بِهَا، لِأَنَّ الْعُقُودَ الْمَأْمُورَ بِالْوَفَاءِ بِهَا مَنْصُوصَةُ الْأَسْمَاءِ فِي الْقُرْآنِ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ الْعُقُودِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا كَمَنْ عَقَدَ: أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ أَنْ يَزْنِيَ. وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ مُؤَجَّلًا بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ الْبَتَّةُ إبْطَالُ التَّأْجِيلِ إلَّا بِنَصِّ آخَر. وَكُلُّ عَقْدٍ صَحَّ حَالًّا بِالْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إبْطَالُ الْحُلُولِ إلَّا بِنَصِّ آخَر وَلَا سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ: إنَّهُ إنْ عَجَّلَ لَهُ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ إنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ لَا رُجُوعَ فِيهِ؟ قُلْنَا نَعَمْ، لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ حَقِّهِ وَصَيَّرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَوَهَبَهُ، فَهَذَا جَائِزٌ، إذْ قَدْ أَمْضَاهُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُمْضِهِ فَإِنَّمَا هُوَ وَعْدٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَلْزَمُ إنْجَازُهُ فَرْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة مات وله ديون على الناس مؤجلة

وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَجَّلَهُ فِي قَرْضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَيَأْخُذُهُ حَالًّا، فَإِنْ أَجَّلَهُ فِي غَصْبٍ غَصَبَهُ إيَّاهُ أَوْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ - مَا عَدَا الْقَرْضَ - لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ثُمَّ أَجَّلَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ شَاةً أَوْ ثَوْبًا فَأَجَّلَهُ فِي قِيمَتِهِمَا لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَف مِنْ هَذِهِ الْفُرُوقِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ التَّأْجِيلَ فِي أَصْلِ الْقَرْضِ لَا يَصِحُّ - فَمَا زَادَ هَذَا الْمُحْتَجُّ عَلَى خِلَافِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ مَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلَةٌ] 1207 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلَةٌ، أَوْ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَدْ بَطَلَتْ الْآجَالُ كُلُّهَا، وَصَارَ كُلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ حَالًّا، وَكُلُّ مَا لَهُ مِنْ دَيْنٍ حَالًّا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ الْقَرْضُ، وَالْبَيْعُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ مُؤَجَّلَةٌ فَقَدْ حَلَّتْ، وَأَمَّا الَّتِي لَهُ عَلَى النَّاسِ فَإِلَى أَجَلِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. بُرْهَانُ قَوْلِنَا -: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَقَالَ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ فِي الْمَوَارِيثِ فَذَكَرَ فَرَائِضَ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَصَحَّ أَنَّ بِمَوْتِ الْإِنْسَانِ بَطَلَ حُكْمُهُ عَنْ مَالِهِ وَانْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْغُرَمَاءِ، وَالْمُوصَى لَهُمْ، وَوُجُوهِ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةِ، وَعَقْدُ الْغُرَمَاءِ فِي تَأْجِيلِ مَا عَلَيْهِمْ، أَوْ تَأْجِيلِ مَا عَلَى الْمَيِّت إنَّمَا كَانَ بِلَا شَكٍّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُتَوَفَّى إذْ

مسألة هدية المدين إلى الدائن

كَانَ حَيًّا، وَقَدْ انْتَقَلَ الْآنَ الْمَالُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ كَسْبُ الْمَيِّتِ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَلَا يَحِلُّ لِلْغُرَمَاءِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ وَالْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَبَطَلَ حُكْمُ التَّأْجِيلِ فِي ذَلِكَ، وَوَجَبَ لِلْوَرَثَةِ وَلِلْوَصِيَّةِ أَخْذُ حُقُوقِهِمْ. وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُ مَالِ غَرِيمِ مَيِّتِهِمْ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ عَقْدَهُ إنَّمَا كَانَ مَعَ الْمُتَوَفَّى إذْ كَانَ حَيًّا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْقَى مَالُهُ بِأَيْدِي وَرَثَةٍ لَمْ يُعَامِلْهُمْ قَطُّ. وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إمْسَاكُ مَالِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ عَنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ حَقًّا، وَلَا لِلْوَصِيَّةِ إلَّا بَعْدَ إنْصَافِ أَصْحَابِ الدُّيُونِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ لَيْثٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ حَلَّ وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى الدَّيْنَ حَالًّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا مَاتَ الْمَيِّتُ فَقَدْ حَلَّ دَيْنُهُ - وَهَذَا عُمُومٌ لِمَا عَلَيْهِ - وَلِمَا لَهُ. [مَسْأَلَةٌ هَدِيَّةُ الْمدين إلَى الدَّائِن] 1208 - مَسْأَلَةٌ: وَهَدِيَّةُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَلَالٌ - وَكَذَلِكَ ضِيَافَتُهُ إيَّاهُ مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ: يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ»

وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ» . رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا عُمُومٌ لَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ غَرِيمًا مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ، وَلَا النُّزُولُ عِنْدَهُ، وَلَا أَكْلُ طَعَامِهِ - صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا أَسْلَفْت رَجُلًا سَلَفًا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ هَدِيَّةٌ قِرَاعٍ وَلَا عَارِيَّةُ رُكُوبِ دَابَّةٍ وَأَنَّهُ اسْتَفْتَاهُ رَجُلٌ؟ فَقَالَ لَهُ: أَقْرَضْتُ سَمَّاكًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَكَانَ يَبْعَثُ إلَيَّ مِنْ سَمَكِهِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَاسِبِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَرُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَفَافًا فَقَاصِصْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَأَهْدَى لَك حَمَلَة مِنْ تِبْنٍ فَلَا تَقْبَلْهَا فَإِنَّهَا رِبًا، اُرْدُدْ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ أَوْ أَثِبْهُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِلٌ؟ فَقَالَ لَهُ: أَقْرَضْت رَجُلًا فَأَهْدَى لِي هَدِيَّةً فَقَالَ: أَثِبْهُ أَوْ اُحْسُبْهَا لَهُ مِمَّا عَلَيْهِ أَوْ اُرْدُدْهَا عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ نَحْوُ هَذَا. وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا: هُوَ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً - وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَؤُلَاءِ الصِّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ فِي مُئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، وَقَدْ جَاءَ خِلَافُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ تَسَلَّفَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَشَرَةَ آلَافٍ فَبَعَثَ إلَيْهِ أُبَيٌّ مِنْ ثَمَرِهِ وَكَانَتْ تُبَكِّر، وَكَانَ مِنْ أَطْيَبِ ثَمَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،

فَرَدَّهَا عَلَيْهِ عُمَرُ؟ فَقَالَ لَهُ: أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: لَا حَاجَةَ لِي بِمَا مَنَعَك طِيبَ ثَمَرَتِي، فَقِبَلهَا عُمَرُ، وَقَالَ: إنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ وَيُنْسِئَ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَذَكَرَ نَهَى عَلْقَمَةَ عَنْ أَكْلِ الْمَرْءِ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا كَانَ يَتَعَاطَيَانِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئِ مَا نَوَى» . وَلَوْ كَانَتْ هَدِيَّةُ الْغَرِيمِ وَالضِّيَافَةُ مِنْهُ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَإِذَا لَمْ يَنْهَ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَلَالٌ مَحْضٌ، وَإِلَّا مَا كَانَ عَنْ شَرْطٍ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، فَكَانَ مَاذَا؟ أَيْنَ وَجَدُوا النَّهْيَ عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً؟ فَلْيَعْلَمُوا الْآنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ سَلَفٌ إلَّا وَهُوَ يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَذَلِكَ انْتِفَاعُ الْمُسَلِّفِ بِتَضْمِينِ مَالِهِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا - تَلِفَ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ - مَعَ شُكْرِ الْمُسْتَقْرِضِ إيَّاهُ، وَانْتِفَاعِ الْمُسْتَقْرِضِ بِمَالِ غَيْرِهِ مُدَّةَ مَا، فَعَلَى قَوْلِهِمْ كُلُّ سَلَفٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتَمَّ " كِتَابُ الْقَرْضِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ [وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ] .

كتاب الرهن

[كِتَابُ الرَّهْنِ] [مَسْأَلَةٌ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ] ِ 1209 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ إلَّا فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ، أَوْ فِي السَّلَمِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، أَوْ فِي الْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، مَعَ عَدَمِ الْكَاتِبِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّهْنِ شَرْطٌ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ» وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَهَاهُنَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ حَيْثُ أَجَازَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَالدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَيْعًا، أَوْ سَلَمًا، أَوْ قَرْضًا. فَهَذِهِ الْوُجُوهُ يَجُوزُ فِيهَا اشْتِرَاطُ التَّأْجِيلِ لِوُرُودِ النُّصُوصِ بِوُجُوبِهِ فِي السَّلَمِ، وَجَوَازُهُ فِي الْقَرْضِ، وَالْبَيْعِ - وَلَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُعَامَلَات سِوَى مَا ذَكَرْنَا نَصٌّ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ التَّأْجِيلِ، فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا فِي السَّفَرِ. وَأَمَّا الْحَضَرُ -: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ - حَدَّثَهُ

مسألة القبض في الرهن

الْأَعْمَشُ نا إبْرَاهِيمُ نا الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ نا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ دِرْعَهُ لَمَرْهُونَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ بِعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَخَذَهَا طَعَامًا لِأَهْلِهِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ شَعِيرًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَجَلٍ؟ قُلْنَا: وَلَا فِيهِ اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مِنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ مِنْ الرَّاهِنِ حِينَئِذٍ، وَالتَّطَوُّعُ بِمَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ حَسَنٌ. فَإِنْ ذُكِرَ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فِي بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ إلَى يَهُودِيٍّ لِيُسَلِّفهُ طَعَامًا لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِ فَأَبَى إلَّا بِرّهنَّ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ. فَهَذَا خَبَرٌ انْفَرَدَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدٍ الرَّبَذِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ضَعَّفَهُ الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ [مَسْأَلَةٌ الْقَبْضَ فِي الرَّهْنِ] 1210 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّهْنَ عِنْدَ ثِقَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوزُ هَذَا وَلَيْسَ هُوَ قَبْضًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ - ثُمَّ اتَّفَقَ قَتَادَةَ، وَالْحَكَمُ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ إذَا كَانَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَلَيْسَ مَقْبُوضًا. قَالَ سُفْيَانُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا.

مسألة رهن المشاع

وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَبْضَ فِي الرَّهْنِ مَعَ ذِكْرِهِ الْمُتَدَايِنَيْنِ فِي السَّفَرِ إلَى أَجَلٍ عِنْدَ عَدَمِ الْكَاتِبِ وَإِنَّمَا أَقْبِض رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّرْعَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ فَهُوَ الْقَبْضُ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا قَبْضُ غَيْرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَاشْتِرَاطُ أَنْ يَقْبِضَهُ فُلَانٌ لَا صَاحِبُ الدَّيْنِ: شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ [مَسْأَلَةٌ رَهْنُ الْمُشَاعِ] 1211 - مَسْأَلَةٌ: وَرَهْنُ الْمَرْءِ حِصَّتَهُ مِنْ شَيْءٍ مُشَاعٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ، أَوْ لَا يَنْقَسِمُ عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ جَائِزٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مَشَاعًا مِنْ مَقْسُومٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ - كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ - لَا عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ. وَأَجَازُوا أَنْ يَرْهَنَ اثْنَانِ أَرْضًا مُشَاعَةً بَيْنَهُمَا عِنْدَ إنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَمَنَعُوا مِنْ أَنْ يَرْهَنَ الْمَرْءُ أَرْضَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ دَايَنَهُمَا دَيْنًا وَاحِدًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ - أَنَّهُ قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ - وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ بَيْعَ الْمُشَاعِ جَائِزٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ إجَازَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ فِيهِ وَحْدَهُ، فَأَجَازَهُ لَهُ. وَهَذِهِ تَخَالِيطُ وَمُنَاقَضَاتٌ لَا خَفَاءَ بِهَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا مَوَّهُوا بِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَصِحُّ الْقَبْضُ فِي الْمُشَاعِ. وَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَقَدْ أَجَازُوا الْبَيْعَ فِي الْمُشَاعِ، فَالْقَبْضُ

مسألة صفة القبض في الرهن

عِنْدَهُمْ مُمْكِنٌ فِي الْمُشَاعِ حَيْثُ اشْتَهَوْا، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَالْقَبْضُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْمُشَاعِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَهَوْا، وَهُوَ الرَّهْنُ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: كَمَا يُقْبَضُ فِي الْبَيْعِ كَذَلِكَ يُقْبَضُ فِي الرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ] 1212 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ -: هُوَ أَنْ يُطْلِقَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَمَا كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ نَقَلَهُ إلَى نَفْسِهِ، وَمَا كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ كَالدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ أُطْلِقَتْ يَدُهُ عَلَى ضَبْطِهِ، كَمَا يَفْعَلُ فِي الْبَيْعِ، وَمَا كَانَ مُشَاعًا كَانَ قَبْضُهُ لَهُ كَقَبْضِ صَاحِبِهِ لِحِصَّتِهِ مِنْهُ مَعَ شَرِيكِهِ، وَلَا فَرْقَ وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ لَا يَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ لَكَانَ الشَّرِيكَانِ فِيهِ غَيْرَ قَابِضَيْنِ لَهُ، وَلَوْ كَانَا غَيْرَ قَابِضَيْنِ لَهُ لَكَانَ مُهْمَلًا لَا يَدَ لِأَحَدِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُكَذِّبُهُ الدَّيْنُ، وَالْعِيَانُ -: أَمَّا الدَّيْنُ: فَتَصَرُّفُهُمَا فِيهِ تَصَرُّفُ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ - وَأَمَّا الْعِيَانُ: فَكَوْنُهُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مُدَّةٌ يَتَّفِقَانِ فِيهَا، أَوْ عِنْدَ مَنْ يَتَّفِقَانِ عَلَى كَوْنِهِ عِنْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الرَّهْنُ جَائِزٌ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ] 1213 - مَسْأَلَةٌ: وَالرَّهْنُ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ: كَالْحُرِّ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالْكَلْبِ، وَالْمَاءِ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِيَنْتَصِف إنْ مَطَلَ، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِصَافُ لِلْغَرِيمِ إلَّا مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ مَنَافِعُ الرَّهْنِ] 1214 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنَافِعُ الرَّهْنِ كُلُّهَا لَا تَحَاشٍ مِنْهَا شَيْئًا لِصَاحِبِهِ الرَّاهِنِ لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ - حَاشَا رُكُوبِ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ، وَحَاشَا لَبَنِ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ كَمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يُضَيِّعَهُمَا فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا. وَيُنْفِقُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ: رُكُوبُ الدَّابَّةِ، وَلَبَنُ الْحَيَوَانِ، بِمَا أَنْفَقَ لَا يُحَاسَبُ بِهِ مِنْ دَيْنِهِ كَثُرَ ذَلِكَ أَمْ قَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»

وَحَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ وَمِلْكُ الشَّيْءِ الْمُرْتَهَن بَاقٍ لِرَاهِنِهِ بِيَقِينِ وَبِإِجْمَاعِ لَا خِلَافَ فِيهِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَحَقُّ الرَّهْنِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ يُنْقَلُ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ لَا يُوجِبُ حُدُوثَ حُكْمٍ فِي مَنْعِهِ مَا لِلْمَرْءِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ بِذَلِكَ، فَلَهُ الْوَطْءُ، وَالِاسْتِخْدَامُ، وَالْمُؤَاجَرَةُ، وَالْخِيَاطَةُ، وَأَكْلُ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ، وَالْوَلَدُ الْحَادِثُ، وَالزَّرْعُ، وَالْعِمَارَةُ، وَالْأَصْوَافُ الْحَادِثَةُ، وَالسُّكْنَى، وَسَائِرُ مَا لِلْمَرْءِ فِي مِلْكِهِ، إلَّا كَوْنَ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَطْ، بِحَقِّ الْقَبْضِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَا مَزِيدَ. وَأَمَّا الرُّكُوبُ، وَالِاحْتِلَابُ خَاصَّةً، لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَى الْمَرْكُوبِ، وَالْمَحْلُوبِ -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ: النَّفَقَةُ» وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَالرَّهْنُ بِلَا شَكٍّ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَدَا الرَّاهِنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الِارْتِهَانِ، فَدَخَلَ بِهِ فِي هَذَا الْعُمُومِ وَخَرَجَ مِنْهُ مَنْ عَدَاهُ بِالنَّصِّ الْآخَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، وَالْمَعْقُولَ -: أَمَّا الْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ فَمَنْعُهُ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ مَنَافِعِ مَالِهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] فَقَدْ أَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَطْءِ أَمَتِهِ، وَلَمْ يَخُصَّ غَيْرَ مَرْهُونَةٍ مِنْ مَرْهُونَةٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَقَالَ تَعَالَى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]

وَأَمَّا خِلَافُ الْمَعْقُولِ -: فَإِنَّنَا نَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا عَنْ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ أَتُؤَاجَرُ وَيُصْلِحُ مَا هِيَ فِيهَا، أَمْ تُهْمَلُ وَتَضِيعُ وَيَخْرُجُ الْمُسْتَأْجِرُ لَهَا عَنْهَا؟ وَعَنْ الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ، أَتُحْرَثُ وَتُزْرَعُ، أَمْ تُهْمَلُ وَتُضَاعُ؟ وَعَنْ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ أَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيُسْتَغَلُّ، أَمْ يَضِيعُ حَتَّى يَهْلَكَ؟ وَعَنْ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ لِمَنْ تَكُونُ غَلَّتُهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَضِيعُ -: خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ، وَقِيلَ لَهُمْ: قَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» . وَإِنْ قَالُوا: لَا يَضِيعُ؟ قُلْنَا: فَالْمَنَافِعُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَاللَّبَنِ، وَالْوَلَدِ، وَالصُّوفِ، وَالثَّمَرَةِ لِمَنْ تَكُونُ؟ فَإِنْ قَالُوا: تَكُونُ دَاخِلًا فِي الرَّهْنِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ إدْخَالُ مَالٍ مِنْ مَالِهِ فِي رَهْنٍ لَمْ يَتَعَاقَدَا قَطُّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيهِ؟ وَمَنْ أَمَرَ بِهَذَا؟ فَلَا سَمْعَ لَهُ وَلَا طَاعَةَ وَلَا نَعْمَى عَيْنٍ، لِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَهَذَا تَحْرِيمُ مَالِهِ عَلَيْهِ وَإِبَاحَتُهُ لِغَيْرِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ مِثْلُ قَوْلِنَا -: وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: صَاحِبُ الرَّهْنِ يَرْكَبُهُ، وَصَاحِبُ الدَّرِّ يَحْلُبُهُ، وَعَلَيْهِمَا النَّفَقَةُ وَأَنَّهُ قَالَ: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ، وَمَحْلُوبٌ بِعَلَفِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِيمَنْ ارْتَهَنَ شَاةً ذَاتَ لَبَنٍ؟ قَالَ: يَشْرَبُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا بِقَدْرِ ثَمَنِ عَلَفِهَا، فَإِنْ اسْتَفْضَلَ مِنْ اللَّبَنِ بَعْدَ ثَمَنِ الْعَلَفِ فَهُوَ رِبًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ إبْرَاهِيمَ لَا نَقُولُ بِهَا، وَعُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي عِمْرَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِرَأْيِهِ. وَلَا مُخَالِفَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هَاهُنَا مِنْ الصَّحَابَةِ نَعْلَمُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: جَمِيعُ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ كَمَا كَانَتْ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ بِذَلِكَ - وَبِقَوْلِنَا فِي الرُّكُوبِ، وَالْحَلْبِ، إلَّا أَنَّهُ زَادَ الِاسْتِخْدَامَ وَلَا

نَقُولُ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ النَّصُّ، وَالْقِيَاسُ لَا يُسْتَحَلُّ بِهِ الْمُحَرَّمُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَقَالَ إِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يَنْتَفِعُ الرَّاهِنُ مِنْ الرَّهْنِ إلَّا بِالدَّرِّ - وَهَذَا قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ إلَى أَجَلٍ فِي الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ، وَكَرِهَ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ وَالْعَرُوضِ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَمُنَاقَضَةٌ. وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِغَرِيبَةِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ فِي الْعَرُوضِ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً؟ فَقِيلَ لَهُ: وَهُوَ فِي الْعَقَارِ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ مُؤَاجَرَةِ الرَّهْنِ، وَمِنْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ - ثُمَّ تَنَاقَضُوا مِنْ قُرْبٍ فَأَبَاحُوا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَأَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَمْ يَرَوْهُ بِذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ - وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِتَعَرِّيه مِنْ الْبُرْهَانِ، وَلِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ لِلرَّاهِنِ كَمَا كَانَتْ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلرَّهْنِ؟ قُلْنَا: أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ -: أَمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَالْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَالْأَجْرُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَلِأَنَّ الرَّاهِنَ إنْ مَطَلَ بِالْإِنْصَافِ بِيعَ الرَّهْنُ وَتَعَجَّلَ الْمُرْتَهِنُ الِانْتِصَافَ مِنْ حَقِّهِ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ تُرِيدُونَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ؟ وَنَقُولُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تُوَافِقُونَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَمْحُ بِالْقَمْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا؟ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ - وَهَذِهِ اعْتِرَاضَاتٌ بِسُوءِ الظَّنِّ بِصَاحِبِهَا وَلَيْسَ إلَّا الِائْتِمَارُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَاعْتَرَضَ بَعْضُ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ

- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ» فَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهَا وَتُرْكَبُ» قَالَ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُقَدَّمُ: فَإِذْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا وَبِالنَّهْيِ عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْجُرْأَةِ، أَوَّلُ ذَلِكَ -: إنَّ هَذَا خَبَرٌ لَيْسَ مُسْنَدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا: فَإِنَّ فِيهِ لَفْظًا مُخْتَلِفًا لَا يُفْهَمُ أَصْلًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهَا وَتُرْكَبُ» ، وَحَاشَا اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ لَنَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الصَّائِغِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ هُشَيْمٍ، فَالتَّخْلِيطُ مِنْ قِبَلِهِ، لَا مِنْ قِبَلِ هُشَيْمٍ فَمَنْ فَوْقَهُ، لِأَنَّ حَدِيثَ هُشَيْمٍ هَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ الَّذِي هُوَ أَحْفَظُ النَّاسِ لِحَدِيثِ هُشَيْمٍ وَأَضْبَطُهُمْ لَهُ فَقَالَ: نا هُشَيْمٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ فِيمَا زَعَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّهْنُ يُرْكَبُ وَيُعْلَفُ، وَلَبَنُ الدَّرِّ إذَا كَانَ مَرْهُونًا يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُهُ النَّفَقَةُ وَالْعَلَفُ» . وَأَمَّا قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ: فَإِذْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الرِّبَا وَبِالنَّهْيِ عَنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً -: فَقَدْ كَذَبَ، وَأَفِك، وَمَا لِلرِّبَا هَاهُنَا مَدْخَلٌ أَصْلًا وَلَوْ أَنَّهُمْ اتَّقُوا الرِّبَا لَمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ جِهَارًا إذْ أَبَاحُوا التَّمْرَتَيْنِ بِالْأَرْبَعِ تَمَرَات، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْبَعُ أَكْبَرَ جِسْمًا، وَأَثْقَلِ وَزْنًا. وَإِذْ أَبَاحَ بَعْضُهُمْ دِرْهَمًا فِيهِ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ بِدِرْهَمِ فِيهِ دِرْهَمٌ غَيْرُ ثَمَنٍ. وَإِذْ أَبَاحُوا كُلُّهُمْ أَلْفَ دِرْهَمٍ حَاضِرَةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ غَائِبَةٍ فِي الذِّمَّةِ. فَهَذَا هُوَ الرِّبَا حَقًّا

لَا انْتِفَاعُ الرَّاهِنِ بِمَالِهِ وَلَا انْتِفَاعُ الْمُرْتَهِنِ بِالدَّرِّ، وَالرُّكُوبِ الْمُبَاحَيْنِ لَهُ بِالنَّصِّ مِنْ أَجْلِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَالْمَحْلُوبِ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْتَفِعَ الرَّاهِنُ مِنْ رَهْنِهِ بِشَيْءِ؟ قَالُوا: وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا يَأْتُونَ بِهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ فِي بِلَادِهِمْ بَعْضَ الْعُذْرِ لَهُمْ، إذْ يَحْتَجُّونَ بِتَرْكِ الصَّاحِبِ لِمَا رُوِيَ حَتَّى أَتَوْنَا بِتَرْكِ السُّنَّةِ مِنْ أَجَلِ تَرْكِ الشَّعْبِيُّ لَهَا. وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَخْذَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَئِنْ مَشَوْا هَكَذَا، لِيَكُونَنَّ تَرْكُ مَالِكٍ لِلْأَخْذِ بِمَا رُوِيَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، وَلَيَكُونَنَّ تَرْكُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ الْحَدِيثِ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، وَهَكَذَا سُفْلًا حَتَّى يَكُونَ تَرْكُ كُلِّ أَحَدٍ لِلْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَلَغَهُ حُجَّةً قَاطِعَةً فِي رَدِّهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ إبْلِيسَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ، وَلَا كَرَامَةَ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحُجَّةُ عَلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِمَنْ خَالَفَ مَا رُوِيَ عَنْ صَاحِبٍ فَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ خَاصَّةً أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ النِّسْيَانُ أَوْ التَّأْوِيلُ الَّذِي أَخْطَئُوا فِيهِ قَاصِدِينَ لِلْخَيْرِ، فَيُؤْجَرُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مَا صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ اعْتَقَدَ جَوَازَ مُخَالَفَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ وَالْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ قَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَشُرَيْحٍ: أَنْ لَا يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ بِشَيْءِ مِنْ الرَّهْنِ - وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَعَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ: لَا يَنْتَفِعُ مِنْ الرَّهْنِ بِشَيْءِ - وَهَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانُوا عَنَوْا الْمُرْتَهِنَ وَبِهِ نَقُولُ إلَّا الْحَلْبَ، وَالرُّكُوبَ إنْ أَنْفَقَ فَقَطْ، وَإِلَّا فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة موت الرهن وتلفه

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى رَاهِنِهِ - وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ مَالُهُ، إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَالُوا: إنْ مَرِضَ الرَّقِيقُ الْمَرْهُونُ، أَوْ أَصَابَتْ الْعَبْدَ جِرَاحَةٌ، أَوْ دَبَّرَتْ الدَّوَابُّ الْمَرْهُونَةُ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ، وَقِيمَةُ الرَّهْنِ سَوَاءً، فَالْعِلَاجُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَالْعِلَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ. وَهَذَا كَلَامٌ يُشْبِهُ الْهَذَيَانَ إلَّا أَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْهَذَيَانِ، لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمٍ فِي الدَّيْنِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ، وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهَا بِقُرْآنِ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةِ ضَعِيفَةٍ، وَلَا بِقِيَاسِ، وَلَا بِرَأْيِ سَدِيدٍ، وَلَا بِقَوْلِ مُتَقَدِّمٍ. [مَسْأَلَةٌ مَوْت الرَّهْن وَتَلَفُهُ] 1215 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ الرَّهْنُ، أَوْ تَلِفَ، أَوْ أَبِقَ، أَوْ فَسَدَ، أَوْ كَانَتْ أَمَةٌ فَحَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، أَوْ بَاعَ الرَّهْنَ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَصْدَقَهُ -: فَكُلُّ ذَلِكَ نَافِذٌ، وَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ كُلُّهُ بِحَسْبِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ الرَّاهِنُ عِوَضًا مَكَانَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُكَلَّفُ الْمُعْتَقُ وَلَا الْحَامِلُ اسْتِسْعَاءً، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ أَيْنَ يُنْصِفُ غَرِيمَهُ غَيْرَهُ، فَيَبْطُلُ عِتْقُهُ؛ وَصَدَقَتُهُ، وَهِبَتُهُ - وَلَا يَبْطُلُ بَيْعُهُ وَلَا إصْدَاقُهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نا إسْرَائِيلُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ؟ قَالَ: الْعِتْقُ جَائِزٌ، وَيَتْبَعُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ، قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ يَقُولُ فِيمَنْ رَهَنَ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ: الْعِتْقُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِعَايَةٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ ثَبَتَ فَلَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ إلَّا نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ إبْطَالِهِ فِيهِمَا. وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ عِوَضٍ وَلَا اسْتِسْعَاءٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالذِّمَمُ بَرِيئَةٌ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ. فَأَمَّا الْعِتْقُ، وَالْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالْإِصْدَاقُ، وَالصَّدَقَةُ؛ فَإِنَّ الرَّهْنَ مَالُ الرَّاهِنِ بِلَا خِلَافٍ -: وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُبَاحَةٌ لِلْمَرْءِ فِي مَالِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، إلَّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَقَوْلِهِ: «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» .

فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الِارْتِهَانَ يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ، وَدَعْوَاهُ فَاسِدَةٌ إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، بِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ -: فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: الْعِتْقُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ مُوسِرًا نَفَذَ عِتْقُهُ وَكُلِّفَ قِيمَةً يَجْعَلُهَا رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الْعِتْقُ نَافِذٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا كُلِّفَ قِيمَتَهُ تَكُونُ رَهْنًا، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا لَمْ يُكَلَّفْ قِيمَتَهُ، وَلَا كُلِّفَ الْعَبْدُ اسْتِسْعَاءً وَنَفَذَ الْعِتْقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعِتْقُ نَافِذٌ بِكُلِّ حَالٍ، ثُمَّ قَسَّمَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ رَهَنَ أَمَةً لَهُ فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ رَهْنًا آخَر مَكَانَهَا، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا، فَمَرَّةً قَالَ: تَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يُكَلَّفُ رَهْنًا مَكَانَهَا وَلَا تُكَلَّفُ هِيَ شَيْئًا - وَمَرَّةً قَالَ: تُبَاعُ إذَا وَضَعَتْ وَلَا يُبَاعُ الْوَلَدُ، وَتَكْلِيفُ رَهْنٍ آخَر -: وَالتَّفْرِيقُ هَاهُنَا بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعَسِّر، وَبَيْعِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا دُونَ وَلَدِهَا - أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا يُكَلَّفُ لَا هُوَ وَلَا هِيَ شَيْئًا سَوَاءٌ مُعَسِّرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهَا تُبَاعُ هِيَ، وَيُكَلَّفُ سَيِّدُهَا أَنْ يُفْتِك وَلَدَهُ مِنْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: افْتِكَاكُ الْوَلَدِ لَا نَدْرِي وَجْهَهُ، وَلَئِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلِأَيِّ مَعْنَى يُكَلَّفُ وَالِدُهُ افْتِكَاكَهُ؟ وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلِمَ يُبَاعُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى افْتِكَاكِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ: أَنَّهَا تُسْتَسْعَى - وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا أُعْتِقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ: وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ حَلَّ أَخْذُ مَالِهِمَا وَتَكْلِيفِهِمَا غَرَامَةً لَمْ يُكَلِّفْهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إيَّاهَا، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا شِرْكًا لِلْمُرْتَهِنِ فَيُسْتَسْعَى لَهُ؟

وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ: إنْ كَانَ مُوسِرًا كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِقِيمَتِهَا فَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا وَتَخْرُجُ هِيَ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَتْ تَخْرُجُ إلَيْهِ وَتَأْتِيه فَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا تُتْبَعُ بِغَرَامَةٍ وَلَا يُكَلَّفُ هُوَ رَهْنًا مَكَانَهَا، وَلَكِنْ يُتْبَعُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ تَسَوَّرَ عَلَيْهَا بِيعَتْ هِيَ وَأُعْطِيَ هُوَ وَلَدَهُ مِنْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا الْقَوْلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ مِنْ الْخَطَإِ -: وَهِيَ: تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُعْسِرِ، وَالْمُوسِرِ، فِي ذَلِكَ وَالْحَقُّ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ. وَتَكْلِيفُهُ إحْضَارَ قِطْعَةٍ مِنْ مَالِهِ لِتُرْهَنَ لَمْ يَعْقِدْ قَطُّ فِيهَا رَهْنًا. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ خُرُوجِهَا إلَى سَيِّدِهَا وَبَيْنَ تَسَوُّرِهِ عَلَيْهَا. وَهُمَا آمِنَةٌ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ مَرْهُونَةٌ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَبَيْعِهِ إيَّاهَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، وَإِخْرَاجِهِ وَلَدَهَا مِنْ حُكْمِ الرَّهْنِ بِلَا تَكْلِيفِ عِوَضٍ بِخِلَافِ الْأُمِّ، وَكِلَاهُمَا عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُمَا. وَكُلُّ هَذِهِ أَوْجُهٌ فَاحِشَةُ الْخَطَإِ لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا فِيهَا بِقُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا دَلِيلٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ - نَعَمْ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ إنْ حَمَلَتْ فَأَقَرَّ بِحَمْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ قَضَاءَ الدَّيْنِ إنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ كُلِّفَ رَهْنًا بِقِيمَتِهَا إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ. فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا كُلِّفَتْ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي الدَّيْنِ الْحَالِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهَا، وَلَا يُكَلَّفُ وَلَدُهَا سِعَايَةً، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ كُلِّفَتْ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا فَقَطْ، فَجَعَلَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا، فَإِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ كُلِّفَتْ مِنْ ذِي قَبْلِ أَنْ تُسْتَسْعَى فِي بَاقِي الدَّيْنِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا. قَالُوا: فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ اسْتَلْحَقَ وَلَدَهَا بَعْدَ وَضْعِهَا لَهُ - وَهُوَ مُعْسِرٌ - قَسَّمَ الدَّيْنَ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ ارْتَهَنَهَا، وَعَلَى قِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ اُسْتُلْحِقَ، فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ سَعَتْ فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ تَرْجِعْ بِهِ عَلَى سَيِّدِهَا، وَمَا أَصَابَ الْوَلَدَ سَعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَتِهِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى أَبِيهِ وَيَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ كُلَّ ذَلِكَ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ فِيهِ الْعِتْقُ، وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ.

فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا كُلِّفَ غُرْمَ الدَّيْنِ. فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَى أَجَلٍ كُلِّفَ السَّيِّدُ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ. فَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الدَّيْنِ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِبَاقِي دَيْنِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَعِبْرَةً لِمَنْ اعْتَبَرَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ - وَإِنَّ مِنْ الْعَجَبِ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَا تُسْتَسْعَى فِيهِ الْأُمُّ وَبَيْنَ مَا يُسْتَسْعَى فِيهِ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ، وَبَيْنَ مَا يُسْتَسْعَى فِيهِ الْوَلَدُ - وَهُوَ عِنْدَهُ حُرٌّ لَاحِقُ النَّسَبِ - فَمَا بَالُ أَمَةٍ خَرَجَتْ أُمَّ وَلَدٍ مِنْ سَيِّدِهَا بِوَطْءِ مُبَاحٍ. وَمَا بَالُ إنْسَانٍ حُرٍّ ابْنِ حُرٍّ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ. وَمَا بَالُ عَبْدٍ عَتَقَ يُكَلَّفُونَ الْغَرَامَات دُونَ جِنَايَةٍ جَنَوْهَا وَلَا ذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ فَتُسْتَبَاحُ أَمْوَالُهُمْ بِالْبَاطِلِ، وَيُكَلَّفُونَ مَا لَمْ يُكَلِّفْهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يُكَلِّفُونَهُمْ مَا ذَكَرْنَا، وَيُسَلِّمُونَ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ الْغَرَامَةِ؟ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ. وَكُلُّ مَا يَدْخُلُ عَلَى مَالِكٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فَرْقَ مَالِكٍ بَيْنَ خُرُوجِهَا إلَيْهِ وَبَيْنَ تُسَوِّرهُ عَلَيْهَا. وَيَزِيدُ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الدَّيْنِ الْحَالِ وَالْمُؤَجَّلِ فِي ذَلِكَ - وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَا تُكَلَّفُهُ الْأُمُّ وَبَيْنَ مَا يُكَلَّفُهُ الْوَلَدُ. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْحَمْلِ وَبَيْنَ إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ بَعْدَ الْوَضْعِ فِيمَا يُكَلَّفُهُ مِنْ الِاسْتِسْعَاءِ فِي الْحَالَيْنِ. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَا تُكَلَّفُهُ أُمُّ الْوَلَدِ وَبَيْنَ مَا يُكَلَّفُهُ الْعَبْدُ بِعِتْقِ. وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الرُّجُوعِ مَرَّةً عَلَى السَّيِّدِ بِمَا غَرِمَ الْغَارِمُ مِنْهُمْ وَبَيْنَ مَنْعِهِمْ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ مَرَّةً بِذَلِكَ. وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ: إنَّ الْوَلَدَ يُسْتَسْعَى، فَلَيْتَ شِعْرِي إلَى مَتَى بَقِيَ هَذَا الدَّيْنُ الْمَسْخُوطُ حَتَّى وُلِدَ الْمَحْمُولُ بِهِ، وَحَتَّى فُطِمَ، وَكَبِرَ، وَبَلَغَ، وَتَصَرَّفَ؟ أَفَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ مَاذَا يَكُونُ؟ كُلُّ هَذَا بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ،

وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُمْ، وَلَا قِيَاسٍ أَصْلًا، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ مَا مِثْلُ عُقُولٍ أَنْتَجَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ بِمَأْمُونَةِ عَلَى تَدْبِيرِ نَوَاةٍ مُحْرِقَة، فَكَيْفَ عَلَى التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ؟ وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا لَعَظِيمَةٌ فِي تَوْفِيقِهِ لَنَا إلَى اتِّبَاعِ كِتَابِهِ، وَسُنَنِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يُمَوِّهُونَ بِأَنْ يَقُولَ: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يَعْتِقُهُ سَيِّدُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي عَبْدٍ يَمْلِكُهُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ هَاهُنَا مَالُك غَيْرَ الْمُعْتِقِ عَبْدَهُ وَالْمُوَلِّدِ أَمَتَهُ. وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ قِيَاسُ حُكْمٍ عَلَى مَا لَا يُشْبِهُهُ، وَعَلَى مَا لَيْسَ مِنْهُ فِي وُرُودٍ وَلَا فِي صَدْرٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ؟ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِتْقِهِ وَهِبَتِهِ وَبَيْعِهِ وَإِصْدَاقِهِ، إذْ أَجَزْتُمْ الْبَيْعَ بِغَيْرِ إجْمَاعٍ، وَمَنَعْتُمْ مِنْ سَائِرِ ذَلِكَ؟ وَأَمَّا هَلَاكُ الرَّهْنِ بِغَيْرِ فِعْلِ الرَّاهِنِ وَلَا الْمُرْتَهِنِ، فَلِلنَّاسِ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ -: قَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ -: تَفْسِيرُ ذَلِكَ -: أَنَّ الرَّهْنَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقِيمَةُ الدَّيْنِ سَوَاءً، فَقَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ. فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ سَقَطَ الدَّيْنُ بِمِقْدَارِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَكُلِّفَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الرَّاهِنِ مِقْدَارَ مَا كَانَ تَزِيدُهُ قِيمَةُ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ الدَّيْنِ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِهِ وَأَدَّى الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَضْلَ مَا زَادَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ، وَقَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يَتَرَاجَعَانِ الْفَضْلَ - يَعْنِي فِي الرَّهْنِ يَهْلَكُ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلَهَا فَقَدْ بَطَلَ الدَّيْنُ كُلُّهُ، وَلَا غَرَامَةَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي زِيَادَةِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الدَّيْنِ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَأَدَّى الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَا

بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ -: رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -: وَمِنْ طَرِيق قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَلِيٍّ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَهَبَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ كَقِيمَةِ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَلِفَ سَقَطَ الدَّيْنُ وَلَا يَغْرَمُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ شَيْئًا - صَحَّ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ - وَصَحَّ عَنْ طَاوُوسٍ فِي الْحَيَوَانِ يَرْتَهِن - وَرُوِّينَا عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ فِيمَنْ ارْتَهَنَ عَبْدًا فَأَعْوَرَ عِنْدَهُ قَالَا: ذَهَبَ بِنِصْفِ دَيْنِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَخْفَى كَالثِّيَابِ، وَنَحْوِهَا، فَضَمَانُ مَا تَلِفَ مِنْهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَيَبْقَى دَيْنُهُ بِحَسَبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ بِكَمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا يَظْهَرُ كَالْعَقَارِ، وَالْحَيَوَانِ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَدَيْنُهُ بَاقٍ بِكَمَالِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَخْفَى أَوْ مِمَّا لَا يَخْفَى لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَصْلًا وَدَيْنُهُ بَاقٍ بِكَمَالِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الرَّهْنِ: يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فَإِنْ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ بَرِئَ فَصَحَّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يَرَ تُرَاد الْفَضْلِ إلَّا فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُرْتَهِنِ لَا فِيمَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، بَلْ رَأَى الْبَرَاءَةَ لَهُ مِمَّا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ - وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ إنْ هَلَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ يَأْخُذُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ كُلُّهُ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّهْنِ يَهْلَكُ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَقُّ هَذَا إنَّمَا هَلَكَ مِنْ رَبِّ الرَّهْنِ لَهُ غَنَمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا يَخْفَى وَبَيْنَ مَا لَا يَخْفَى -: فَقَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ - فَسَقَطَ، وَإِنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى التُّهْمَةِ؛ وَالتُّهْمَةُ ظَنٌّ كَاذِبٌ يَأْثَمُ صَاحِبُهُ وَلَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ، وَالتُّهْمَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى أَحَدٍ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ مُرْسَلٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِمَّنْ رُهِنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . وَقَالُوا: قَدْ أَجْمَعْ الصِّحَابَةُ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِيمَا زَادَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ دَيْنِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُرْتَهِنَ أَمِينٌ فِيمَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى قِيمَةِ دَيْنِهِ، فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ، وَتَفْرِيقٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا هُوَ إلَّا أَمِينٌ فِي الْكُلِّ أَوْ غَيْرُ أَمِينٍ فِي الْكُلِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَجْمَعَ الصِّحَابَةُ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، فَقَوْلٌ جَرَوْا فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ الْخَفِيفَةِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى الصَّحَابَةِ بِلَا مُؤْنَةٍ. وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ هَلْ جَاءَ فِي هَذَا كَلِمَةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ فَقَطْ. فَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعُبَيْدٍ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ أَوْ أَدْرَكَهُ صَغِيرًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا.

وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَمُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَات عَنْهُ إسْقَاطُ التَّضْمِينِ فِيمَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ، لِأَنَّهُمْ لَا يُضَمِّنُونَ بَعْضَ الرَّهْنِ وَهُوَ مَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى قِيمَةِ الدَّيْنِ فَهَذَا حُكْمُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرُوا فَمُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَا تَقْسِيمِهِمْ، وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ لَوْ صَحَّ هُوَ أَنَّ قَوْلَ «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِمَّنْ رُهِنَهُ» بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، فَوَجَبَ ضَمَانُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا بُدَّ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ. وَقَوْلَهُ «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» إنْ كَانَ أَرَادَ بِصَاحِبِهِ مَالِكَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَهُوَ يُوجِبُ أَنَّ خَسَارَتَهُ مِنْهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ لَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِصَاحِبِهِ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ يُوجِبُ ضَمَانَهُ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، فَصَارَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ، وَنَقُولُ لَهُمْ: فِي أَيِّ الْأُصُولِ وَجَدْتُمْ شَيْئًا وَاحِدًا رَهْنًا كُلَّهُ عَنْ دَيْنٍ وَاحِدٍ بَعْضُهُ مَضْمُونٌ وَبَعْضُهُ أَمَانَةٌ؟ وَأَنْتُمْ تَرُدُّونَ السُّنَنَ بِخِلَافِهَا بِالْأُصُولِ بِزَعْمِكُمْ ثُمَّ تُخَالِفُونَهَا جِهَارًا بِلَا نَصٍّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ " يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ " فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّهْنُ مَكَانَ الدَّيْنِ تَقَاصَّا فِيهِ، وَهَذَا رَأْيٌ، وَالدِّينُ لَا يُؤْخَذُ بِالْآرَاءِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ " ذَهَبَتْ الرُّهُونُ بِمَا فِيهَا " فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرِ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ فَرَسًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَهَبَ حَقُّكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ،

ما تولد من الرهن

وَالسُّنَّةِ، فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ نا نَضْرُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ نا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ نا أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ، الرَّهْنُ لِمَنْ رُهِنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . فَهَذَا مُسْنَدٌ مِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَادَّعَوْا أَنَّ أَبَا عُمَرَ الْمُطَرِّزَ غُلَامَ ثَعْلَبٍ، قَالَ: أَخْطَأَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْغُرْمَ الْهَلَاكُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ صَحَّ فِي ذَمِّ قَوْمٍ فِي الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} [التوبة: 98] . أَيْ يَرَاهُ هَالِكًا بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَالْقُرْآنُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ الْمُطَرِّزِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَلَمْ يُحِلَّ لِغَرِيمِ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَضْمَنَ الرَّهْنَ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي تَضْمِينِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهِ، أَوْ بِأَنْ يُضَيِّعَهُ فَيَضْمَنَهُ حِينَئِذٍ بِاعْتِدَائِهِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ قَدْ وَجَبَ فَلَا يُسْقِطُهُ ذَهَابُ الرَّهْنِ، فَصَحَّ يَقِينًا مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ بِالْقُرْآنِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَالسُّنَّةِ: أَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ مِنْ الرَّاهِنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَأَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ بَاقٍ بِحَسْبِهِ لَازِمٌ لِلرَّاهِنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَا تَوَلَّدَ مِنْ الرَّهْنِ] وَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَضَى فِيمَنْ ارْتَهَنَ أَرْضًا فَأَثْمَرَتْ، فَإِنَّ الثَّمَرَةَ مِنْ الرَّهْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوسٍ: أَنَّ فِي كِتَابِ مُعَاذٍ " مَنْ ارْتَهَنَ أَرْضًا فَهُوَ يَحْتَسِبُ ثَمَرَهَا لِصَاحِبِ الرَّهْنِ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُكْمَانِ مُتَضَادَّانِ، وَهُمَا قَوْلَانِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثَّمَرَةَ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ - وَالْآخَرُ: أَنَّهَا مِنْ الرَّهْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْوَلَدُ، وَالْغَلَّةُ، وَالثَّمَرَةُ، رَهْنٌ مَعَ الْأُصُولِ. ثُمَّ تَنَاقَضُوا، فَقَالُوا: إنْ هَلَكَ الْوَلَدُ، وَالْغَلَّةُ، وَالثَّمَرَةُ: لَمْ يَسْقُطْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ،

مسألة موت الراهن أو المرتهن

الدَّيْنِ شَيْءٌ، وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ، وَالْأُمُّ، وَالشَّجَرُ: قُسِّمَ الدَّيْنَ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى النَّمَاءِ، فَمَا وَقَعَ لِلْأَصْلِ سَقَطَ، وَمَا وَقَعَ لِلنَّمَاءِ بَقِيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ رَهْنٌ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ خَالَفُوا بَيْنَ أَحْكَامِهَا بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْوَلَدُ فَدَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ، وَأَمَّا الْغَلَّةُ وَالثَّمَرَةُ، فَخَارِجَانِ مِنْ الرَّهْنِ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ جِدًّا بِلَا بُرْهَانٍ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْوَلَدَ بَعْضُ الْأُمِّ؟ قُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَكَذَا؟ وَكَيْف يَكُونُ بَعْضَهَا، وَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى، وَيَكُونُ مُسْلِمًا، وَهِيَ كَافِرَةٌ؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: وَالثَّمَرَةُ أَيْضًا بَعْضُ الشَّجَرِ - دَعْوَى كَدَعْوَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ، وَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ الصَّفْقَةَ، لَا مَا لَمْ يَتَعَاقَدَاهَا عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَاقَدَا الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ، فَكُلُّهُ غَيْرُ الْأَصْلِ، وَكُلُّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْأَصْلِ، فَكُلُّهُ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَوْت الرَّاهِن أَوْ الْمُرْتَهِن] 1216 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَوَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَحُلَّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ، وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِثَمَنِ الرَّهْنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ حِينَئِذٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَإِذَا مَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ حَقُّ الرَّهْنِ لَهُ، لَا لِوَرَثَتِهِ وَلَا لِغُرَمَائِهِ، وَلَا لِأَهْلِ وَصِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا تُورَثُ الْأَمْوَالُ لَا الْحُقُوقُ الَّتِي لَيْسَتْ أَمْوَالًا: كَالْأَمَانَاتِ، وَالْوَكَالَات، وَالْوَصَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِمَوْتِهِ وَجَبَ رَدُّ الرَّهْنِ إلَى صَاحِبِهِ. وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ الْمُرْتَهِنِ مَعَهُ لَا مَعَ وَرَثَتِهِ، وَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الرَّهْنِ بِمَوْتِهِ، وَانْتَقَلَ مِلْكُهُ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ إلَى غُرَمَائِهِ، وَهُوَ أَحَدُ غُرَمَائِهِ، أَوْ إلَى أَهْلِ وَصِيَّتِهِ - وَلَا عَقْدَ لِلْمُرْتَهِنِ مَعَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَاسِبًا عَلَيْهِمْ، فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَتَاعِهِمْ إلَيْهِمْ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

مسألة ارتهن شيئا فخاف فساده

وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلًا -: وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ رَهَنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَمَاتَ: أَنَّ الرَّهْنَ لَهُ - أَيْ لِوَرَثَتِهِ، قَالَ: الْحَكَمُ هُوَ لِلْغُرَمَاءِ. [مَسْأَلَةٌ ارْتَهَنَ شَيْئًا فَخَافَ فَسَادَهُ] 1217 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا فَخَافَ فَسَادَهُ كَعَصِيرِ خِيفَ أَنْ يَصِيرَ خَمْرًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ فَيَبِيعَهُ وَيُوقِفَ الثَّمَنَ لِصَاحِبِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ يُنْصِفَ مِنْهُ الْغَرِيمَ الْمُرْتَهِنَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَصْرِفَ الثَّمَنَ إلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ السُّلْطَانُ فَلْيَفْعَلْ هُوَ مَا ذَكَرْنَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ ثَمَنَ الرَّهْنِ هُوَ غَيْرُ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا عَقْدُهُ فِي الرَّهْنِ لَا فِي ثَمَنِهِ، وَإِنَّمَا ثَمَنُهُ مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهِ كَسَائِرِ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَهْنًا عَنْ ثَمَنِهَا] 1218 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَهْنًا عَنْ ثَمَنِهَا، فَإِنْ وَقَعَ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ إمْسَاكُ سِلْعَتِهِ حَتَّى يَنْتَصِفَ مِنْ ثَمَنِهَا إنْ كَانَ حَالًّا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَنْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِ مَا اشْتَرَى مُدَّةً مُسَمَّاةً وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ مَا اشْتَرَى إلَّا بِتَمَامِ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا، وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا نَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ، فَهُوَ مَا لَمْ يَتِمّ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا الشَّيْءُ الْمَبِيعُ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ الْمُرْتَهِنِ رَهْنًا عِنْدَهُ نَفْسِهِ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَأَمَّا إمْسَاكُ الْبَائِعِ سِلْعَتَهُ حَتَّى يَنْتَصِفَ فَإِنَّ حَقَّهُ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ مَطَلَهُ بِحَقِّ قَدْ وَجَبَ لَهُ عِنْدَهُ، فَهُوَ ظَالِمٌ مُعْتَدٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» ، وَإِذْ هُوَ ظَالِمٌ فَكُلُّ ظَالِمٍ مُعْتَدٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]

مسألة الارتهان في نفس عقد التداين

فَالسِّلْعَةُ الَّتِي ابْتَاعَ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي فَلِلْمُطَوَّلِ بِحَقِّهِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ، فَلَهُ إمْسَاكُ السِّلْعَةِ حَتَّى يَنْتَصِفَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا هُشَيْمٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَنَقَدَهُ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أُعْطِيك السِّلْعَةَ حَتَّى تَجِيءَ بِالْبَقِيَّةِ، فَجَعَلَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ. وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ جَعَلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا السِّلْعَةَ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ - فَهَذَا عَمْرٌو صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. [مَسْأَلَةٌ الارتهان فِي نَفْسِ عَقْدِ التَّدَايُنِ] 1219 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَكُونُ حُكْمُ الرَّهْنِ إلَّا لِمَا ارْتَهَنَ فِي نَفْسِ عَقْدِ التَّدَايُنِ، وَأَمَّا مَا ارْتَهَنَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَلِرَاهِنِهِ أَخْذُهُ مَتَى شَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الرَّهْنَ إلَّا فِي الْعَقْدِ - كَمَا تَلَوْنَا - وَكُلُّ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. 1220 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَدَايَنَ فَرَهَنَ فِي الْعَقْدِ رَهْنًا صَحِيحًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَدَايَنَا أَيْضًا وَجَعَلَا ذَلِكَ الرَّهْنَ رَهْنًا عَنْ هَذَا الدَّيْنِ الثَّانِي، فَالْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّهْنَ قَدْ صَحَّ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى عَقْدٍ آخَر، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، فَهُوَ شَرْعٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ انْعَقَدَ عَلَى بَاطِلٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ صِحَّةٌ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ، فَلَا صِحَّةَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَهَنَ ثُمَّ أَنْصَفَ مِنْ بَعْضِ دَيْنِهِ] 1221 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَهَنَ رَهْنًا صَحِيحًا ثُمَّ أَنْصَفَ - مِنْ بَعْضِ دَيْنِهِ - أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ - فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرَّهْنَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ بَعْضِ الرَّهْنِ حُكْمُ الرَّهْنِ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ بَعْضِ الدَّيْنِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ.

مسألة رهن مال غيره عن نفسه أو مال ولده

هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَمْنَعُونَ مِنْ إخْرَاجِ الرَّهْنِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، وَتُجِيزُونَ بَيْعَهُ وَعِتْقَهُ وَالصَّدَقَةَ بِهِ، وَهُوَ إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ مَا صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ جُمْلَةً، فَلَمْ يَمْنَعْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ قَطُّ، لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، فَإِذَا صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَعَقْدُ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَعَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ارْتِهَانُ مَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ. وَنَقُولُ لَهُمْ: إنَّ جَمِيعَكُمْ - يَعْنِي الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ - مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ أَبِي أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ فِيهِ عَقْدًا لَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ أَبَدًا، وَأَنَّهُ حُرٌّ مَتَى قَدِمَ أَبُوهُ، ثُمَّ لَا خِلَافَ بَيْنَكُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَبُوهُ وَإِصْدَاقِهِ، وَهِبَتِهِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إنْ أَنْصَفْتُمْ أَنَفْسَكُمْ؟ [مَسْأَلَةٌ رَهْن مَال غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ] 1222 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ رَهْنَهَا، وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا مَالَ يَتِيمِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ وَلَا مَالَ زَوْجَتِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: لَهُ أَنْ يَرْهَنَ عَنْ نَفْسِهِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمَالِكِيُّونَ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ يَتِيمِهِ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَالُوا: إذَا أَذِنَ الْأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ أَنَّ لِلْأَبِ الْوَصِيِّ أَنْ يُودِعَ مَالَ الِابْنِ وَالْيَتِيمِ، فَإِدْخَالُهُ فِي الذِّمَّةِ أَحَقُّ بِالْجِوَازِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا إيدَاعُهُ، وَلَا قَرْضُهُ، إلَّا حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ نَظَرًا وَحِيَاطَةً لِلصَّغِيرِ، وَلَا نَظَرَ لَهُ أَصْلًا فِي أَنْ يَرْهَنَهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، فَهُوَ ضَرَرٌ، فَهُوَ مَرْدُودٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ أَذَا خَشِيَ هَلَاكَهَا عِنْدَهُ،

وَرَأَى السَّلَامَةَ فِي إيدَاعِهَا -: فَيَلْزَمُهُمْ بِهَذَا الِاسْتِدْلَال الْبَدِيعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا عَنْ نَفْسِهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا صَحَّ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ» . رُوِّينَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ قَالَ: نا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ بَكْرٌ: نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ وَقَالَ أَحْمَدُ: نا أَبِي نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الْأَكْلِ، وَهَكَذَا نَقُولُ: يَأْكُلُ مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْتِهِ وَغَيْر بَيْتِهِ، وَلَيْسَا فِي الْبَيْعِ، وَلَا فِي الِارْتِهَانِ، وَلَا فِي الْهِبَةِ. وَلَا فِي الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْأَكْلِ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكُنْتُمْ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ أَفْحَشَ تَنَاقُضٍ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النور: 61] إلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61] فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكْلَ مِنْ بُيُوتِ الْأَصْدِقَاءِ وَاَلَّتِي مَفَاتِحُهَا بِأَيْدِينَا وَبُيُوتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَات وَسَائِرِ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ فَأَبِيحُوا الِارْتِهَانَ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا وَأَنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَضْتُمْ قِيَاسَكُمْ وَتَرَكْتُمُوهُ وَقَضَيْتُمْ بِفَسَادِهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْفَسَادِ جُمْلَةً، وَالثَّانِي أَنَّكُمْ لَا تُجِيزُونَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وَلَا أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْهُ شَيْئًا أَصْلًا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إلَّا الِارْتِهَانَ خَاصَّةً، وَعِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يُصَدِّقهُ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالتَّحَكُّمُ فِي الدِّينِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ الْمُضْطَرِبَةِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد هُوَ الْخُرَيْبِيُّ

عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَبَاحُوا بِهِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَسْقَطُوا عَنْهُ الْحَدَّ فِي وَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَأَسْقَطُوا عَنْهُ الْحَدَّ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَقَضَوْا عَلَى الْأَبِ بِضَمَانِهِ وَرَدِّهِ، وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ بِهِ أَنْ يُصَدِّق مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ خَاصَّةً وَيَضْمَنَ الْقِيمَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفُوهُ فَلَمْ يُبِيحُوا لِلْأَبِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لَمْ يَخُصَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَخْصِيصُهَا بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبِيحُوا الِارْتِهَانَ وَالْإِصْدَاقَ إلَّا مِنْ مَالِ الِابْنِ الصَّغِيرِ لَا مِنْ مَالِ الِابْنِ الْكَبِيرِ فَخَالَفُوا الْخَبَرَ وَتُحَكَّمُوا فِي الدَّيْنِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالتَّحْلِيلِ بِالدَّعْوَى الْمُبْطِلَةِ بِلَا بُرْهَانٍ - فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا لِأَنَّهُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا صَنَعَ شَيْئًا فِي مَالِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَبَاهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَوْ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ فَقَالَ: اُرْدُدْ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ سَهْمٌ مِنْ كِنَانَتِكَ» ، وَقَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ نا رَوْحٌ هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ - نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يَأْخُذُ الْأَبُ، وَالْأُمُّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يَأْخُذُ الِابْنُ وَالِابْنَةُ مِنْ مَالِ أَبَوَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَصَحَّ مِثْلُهُ نَصًّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْد هُوَ ابْنُ غَفَلَةَ - عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهَا؛ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ نا الْحُبَابُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ هُرْمُزَ الْحَنَفِيُّ قَالَ: قُلْت لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: جَارِيَةٌ لِي غَلَبَنِي عَلَيْهَا أَبِي لَمْ

يَخْلِطُهَا مَالٌ لِأَبِي فَقَالَ لِي أَنَسٌ: هِيَ لَهُ، أَنْتَ وَمَالُك مِنْ كَسْبِهِ، أَنْتَ وَمَالُك لَهُ حَلَالٌ، وَمَالُهُ عَلَيْك حَرَامٌ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو قِلَابَةَ نا أَبُو دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ - نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوْلَادُكُمْ هِبَةُ اللَّهِ لَكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ لَكُمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَتَاهُ أَبٌ وَابْنٌ وَالِابْنُ يَطْلُبُ أَبَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَقْرَضَهُ إيَّاهَا وَالْأَبُ يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِ الِابْنِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ الْأَبِ فَقَالَ: هَذَا وَمَالُهُ مَنْ هِبَةِ اللَّهِ لَك. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوُ هَذَا وَأَنَّهُ قَضَى بِمَالِ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ وَجَوَّزَ مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا غُنْدَرٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءٌ لَا يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَنْتَ مِنْ هِبَةِ اللَّهِ لِأَبِيك، أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مُوسَى - نا الْحَسَنُ هُوَ ابْنُ حَيٍّ - عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَكَمِ، قَالَا جَمِيعًا: يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ إلَّا الْفَرْجَ نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْوَالِد فِي حِلٍّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلَّا الْفَرْجَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ خَاصَمَ أَبَاهُ إلَى الشَّعْبِيِّ فِي مَالٍ لَهُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ لِعَبْدِ اللَّهِ، أَجْعَلُك وَمَالَك لَهُ - يَعْنِي لِوَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الرَّجُلُ فِي حِلٍّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يُضَارّهُ

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الْوَالِدُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَالْوَلَدُ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: يَأْخُذُ الْوَالِدَانِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا مَا شَاءَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ وَسَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ وَالِدِهِ؟ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك، أَمَا عَلِمْت أَنَّك عَبْدُ أَبِيك؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً تَسُرَّاهَا، قَالَ قَتَادَةَ: لَمْ يُعْجِبْنِي مَا قَالَ فِي الْجَارِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلَّا الْفَرْجَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا إلَّا الْفَرْجَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَغْرَمُ الْأَبُ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَالِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ خِلَافًا مِنْ الصَّحَابَةِ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُمْ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، إلَّا رِوَايَةً صَحَّتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَصِحَّ. وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ مُخَالِفًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا ابْنَ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيَّ، وَمُجَاهِدًا، بِاخْتِلَافِ عَنْهُمْ وَالزُّهْرِيَّ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَقَوْلِنَا.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْلَى بِمَالِهِ - يَعْنِي الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ. وَبِهِ إلَى عَبْدٍ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَيْسَ لِلْأَبِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ إلَّا مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ، أَوْ لِبَاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ فَيُسْتَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ، يَعُولُهُ ابْنُهُ، كَمَا كَانَ الْأَبُ يَعُولُهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ فَيَبْقَى بِهِ مَالُهُ، أَوْ يَضَعُهُ فِي مَا لَا يَحِلُّ - قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ أُمُّ الْيَتِيمِ مُحْتَاجَةً أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، يَدُهَا مَعَ يَدِهِ، وَالْمُوسِرَةُ لَا شَيْءَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خُذْ مِنْ مَالِ وَلَدِك مَا أَعْطَيْته وَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ مَا لَمْ تُعْطِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: إنَّ أَبِي يَحْرِمْنِي مَالَهُ؟ فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ: كُلْ مَنْ مَالِ أَبِيك بِالْمَعْرُوفِ. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحَرَ جَزُورًا فَجَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا هِيَ لِي؟ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: يَا أَبَتَاهُ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ، أَطْعِمْ مِنْهَا مَا شِئْت. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَالِ وَلَدِهِ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِذَا كَبُرَ وَاحْتَازَ مَالَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ - إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، نَقُولُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْأَكْلِ خَاصَّةً فَإِنَّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَنْ يَأْكُلَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ حَيْثُ وَجَدَاهُ مِنْ بَيْتٍ أَوْ غَيْرِ بَيْتٍ فَقَطْ - ثُمَّ لَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلَا حُكْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، لَا

بِعِتْقِ، وَلَا بِإِصْدَاقِ، وَلَا بِارْتِهَانِ، إلَّا إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ، فَيَأْخُذُ الْفَقِيرُ مِنْهُمَا مَا احْتَاجَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مِنْ كِسْوَةٍ، وَأَكْلٍ، وَسُكْنَى، وَخِدْمَةٍ، وَمَا احْتَاجَا إلَيْهِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَأْكُلُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ، وَبَيْتِ أُمِّهِ مَا شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ غَيْرِ الْبَيْتِ شَيْئًا، كَمَا جَاءَتْ النُّصُوصُ، لَا يَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ احْتَاجَ أَخَذَ أَيْضًا كَمَا قُلْنَا فِي الْوَالِدَيْنِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] ثُمَّ الْحُدُودُ، وَالْأَحْكَامُ لَازِمَةٌ لِلْأَبِ فِي جَارِيَةِ وَلَدِهِ، وَفِي مَالِ وَلَدِهِ، وَلَازِمَةٌ لِلِابْنِ فِي جَارِيَةِ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ، وَمَالِهِمَا، كَمَا هِيَ فِيمَا بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ سَوَاءٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يُشَنِّعُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ إذَا وَافَقَ شَهَوَاتهمْ، وَيَجْعَلُونَهُ إجْمَاعًا وَيَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ. وَأَقْرَبُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَعْوَى الْحَنَفِيِّينَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَضْمِينِ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا رِوَايَاتٌ لَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ فَقَطْ. وَقَدْ صَحَّتْ عَنْ عَلِيٍّ رِوَايَةٌ بِإِسْقَاطِ التَّضْمِينِ إذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، ثُمَّ لَا يَرَوْنَ هَاهُنَا مَا قَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حُجَّةٌ أَصْلًا، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْحَنَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنَّ رَجُلًا خَاصَمَ أَبَاهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ لَهُ أَبُوهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ، وَأَمَّا مَا اسْتَهْلَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا أَيْضًا، مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَمَّنْ لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ أَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَبِ؟ وَمِمَّا يَنْبَغِي لِذِي الْحَيَاءِ أَنْ يَهَابَهُ، وَلِذِي الدِّينِ أَنْ يُفَرِّقَهُ. فَإِنَّ قِيلَ: فَأَنْتُمْ الْقَائِلُونَ بِكُلِّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمَ اسْتَحْلَلْتُمْ تَرْكَ الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ؟ قُلْنَا: يُعِيذُنَا اللَّهُ مِنْ أَنْ نَتْرُكَ خَبَرًا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَوْ أُجْلِبُ عَلَيْنَا مِنْ بَيْنِ الْبَحْرَيْنِ إلَّا أَنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ - وَهَذَا الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ - لَا شَكَّ فِيهِ - لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ

بِمِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ، وَالزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْبَنِينَ، وَالْبَنَاتِ، مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ، وَأَبَاحَ فِي الْقُرْآنِ لِكُلِّ مَالِك أَمَةٍ وَطْأَهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ، وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] فَدَخَلَ فِي هَذَا مَنْ لَهُ وَالِدٌ، وَمَنْ لَا وَالِدَ لَهُ. فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَهُ بِيَقِينِ، لَا لِأَبَوَيْهِ، وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِمَّا ذَكَرْنَا: مِنْ الْأَكْلِ، أَوْ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَقَطْ. وَلَوْ كَانَ مَالُ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ لَمَا وَرِثَتْ زَوْجَةُ الْوَلَدِ، وَلَا زَوْجُ الْبِنْتِ، وَلَا أَوْلَادُهُمَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، لِأَنَّهُ مَالٌ لِإِنْسَانِ حَيٍّ، وَلَا كَانَ يَحِلُّ لِذِي وَالِدٍ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ أَصْلًا، لِأَنَّهَا لِأَبِيهِ كَانَتْ تَكُونُ. فَصَحَّ بِوُرُودِ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَبَقَائِهِمَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثَابِتَيْنِ غَيْرِ مَنْسُوخَيْنِ: أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا صَحَّ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ: أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً، أَوْ عَبْدًا لَهُمَا وَالِدٌ فَإِنَّ مِلْكَهُمَا لِمَالِكِهِمَا، لَا لِأَبِيهِمَا. فَصَحَّ أَيْضًا: أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّهُ لِأَبِيهِ» مَنْسُوخٌ، وَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - وَهَذَا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ بِالْأَثَرِ وَخَالَفُوا ذَلِكَ الْأَثَرَ نَفْسَهُ. وَأَمَّا رَهْنُ الْمَرْءِ السِّلْعَةَ تَكُونُ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ الِارْتِهَانِ إلَّا بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ، أَوْ بِهَلَاكِهِ، أَوْ بِاسْتِحَالَتِهِ، حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حِينَ رُهِنَ، أَوْ بِقَضَاءِ الْحَقِّ الَّذِي رُهِنَ عَنْهُ، فَالْتِزَامُ غَيْرِ الرَّاهِنِ لِلرَّاهِنِ - هَذَا كُلُّهُ فِي سِلْعَتِهِ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَخْذُ سِلْعَتِهِ مَتَى شَاءَ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الرُّهُونِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ رَهْنًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الرهن إذا استحق كله أو بعضه

[مَسْأَلَةٌ الرَّهْنُ إذَا اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ] مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ، أَوْ بَعْضُهُ: بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا، لِأَنَّهُمَا تَعَاقَدَا صِحَّتَهَا بِصِحَّةِ الرَّهْنِ، وَلَمْ يَتَعَاقَدَا قَطُّ تِلْكَ الْمُدَايَنَةَ إلَّا عَلَى صِحَّةِ الرَّهْنِ، وَذَلِكَ الرَّهْنُ لَا صِحَّةَ لَهُ، تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَهْن جَمَاعَة عِنْدَ وَاحِدٍ] 1224 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا رَهَنَ جَمَاعَةٌ رَهْنًا هُوَ لَهُمْ عِنْدَ وَاحِدٍ، أَوْ رَهَنَ وَاحِدٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، فَأَيُّ الْجَمَاعَةِ قَضَى مَا عَلَيْهِ خَرَجَ حَقُّهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّهْنِ عَنْ الِارْتِهَانِ، وَبَقِيَ نَصِيبُ شُرَكَائِهِ رَهْنًا بِحَسَبِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَضَى الْوَاحِدُ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ حَقَّهُ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْمَقْضِيِّ فِي الِارْتِهَانِ، وَرَجَعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ، وَبَقِيَتْ حِصَصُ شُرَكَائِهِ رَهْنًا بِحَسَبِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَصَحَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَقَبَةِ الرَّهْنِ] 1225 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَقَبَةِ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَوَطِئَهَا فَهُوَ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَذَلِكَ الْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلرَّاهِنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَالْأَمَةُ بِلَا خِلَافٍ لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ لَهُ، فَهُوَ مُعْتَدٍ عَاهِرٌ " [مَسْأَلَةٌ رَهْنُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ] 1226 - مَسْأَلَةٌ: وَرَهْنُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جَائِزٌ - طُبِعَتْ أَوْ لَمْ تُطْبَعْ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُطْبَعَ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَئِنْ كَانَ يُخَافُ انْتِفَاعٌ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمَخُوفٍ عَلَى كُلِّ مَا يُرْهَنُ، وَلَا فَرْقَ وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، وَإِنَّ امْرَأً لَوْ غَصَبَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِرَدِّهِمَا بِعَيْنِهِمَا، وَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا. وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا مَعَ قَوْلِهِ فِي طَبْعِهِمَا فِي الرَّهْنِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الرَّهْنِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كتاب الحوالة

[كِتَابُ الْحَوَالَةِ] [مَسْأَلَةٌ الْحَوَالَةُ عَلَى مَلِيءٍ] ِ 1227 - مَسْأَلَةٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ؛ وَقَالَ مُسْلِمٌ: نا ابْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَعْرَجُ، وَهِشَامٌ، وَكِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا اُتُّبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» . وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» . فَوَجَبَ مِنْ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ: أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ عِنْدَ آخَر حَقٌّ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ لَكِنْ مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ بِوَجْهِ مَا، أَوْ مِنْ سَلَمٍ سَلَّمَ فِيهِ، أَوْ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ مِنْ صُلْحٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ مِنْ كِتَابَةٍ، أَوْ مِنْ ضَمَانٍ، فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ حَقٌّ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ، لَكِنْ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَا نُبَالِي مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ كَانَ الْحَقَّانِ، أَوْ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَكَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ يُوفِيه حَقَّهُ مِنْ وَقْتِهِ وَلَا يَمْطُلُهُ: فَفَرْضٌ عَلَى الَّذِي أُحِيلَ أَنْ يَسْتَحِيلَ عَلَيْهِ، وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَبْرَأَ الْمُحِيلُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ. وَلَا رُجُوعَ لِلَّذِي أُحِيلَ عَلَى الَّذِي أَحَالَهُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ - انْتَصَفَ، أَوْ لَمْ يَنْتَصِفْ - أَعْسَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ إثْرَ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ أَمْ لَمْ يُعْسَرْ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُ غَيْرِهِ، فَإِنْ غَرَّهُ وَأَحَالَهُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ - وَالْمُحِيلُ يَدْرِي أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ أَوْ لَا يَدْرِي -: فَهُوَ عَمَلٌ فَاسِدٌ، وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحِلْهُ عَلَى مَلِيءٍ، وَلَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا عَلَى مَلِيءٍ بِنَصِّ الْخَبَرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَرْجِعُ الْمُحِيلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ كَقَوْلِنَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْحَقَّيْنِ مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ، نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْمُحِيلِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ، وَكَانَ حَقُّ الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ بَيْعٍ: جَازَتْ الْحَوَالَةُ. فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى الْمُحِيلِ مِنْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِوَجْهِ التَّوْكِيلِ فَيُوَكِّلُهُ عَلَى قَبْضِ حَقِّهِ قَبْلَهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ لِلْمُوَكَّلِ لَهُ، فَحِينَ مَصِيرِهِ بِيَدِهِ صَارَ قَابِضًا ذَلِكَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ، وَبَرِئَ الْمُحِيلُ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَبْضِهِ لِمَانِعِ مَا، أَيُّ مَانِعٍ كَانَ؟ رَجَعَ الْمُحِيلُ بِحَقِّهِ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا ابْتَعْت حَتَّى تَقْبِضَهُ. وَأَمَّا بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ الْحَقَّ فَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَقْضِيَهُ لِنَفْسِهِ إذَا صَارَ بِيَدِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ اعْتَدَى إذْ ضَيَّعَ مَالَ مُوَكِّلٍ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ بِالتَّضْيِيعِ، [فَصَارَ ضَمَانُهُ بِالتَّضْيِيعِ] فَصَارَ مِثْلُهُ عَلَيْهِ لِمُوَكَّلِهِ فِي ذِمَّتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ جَحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ: رَجَعَ الَّذِي أُحِيلَ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَلَا مَالَ لَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: وَكَذَلِكَ إذَا أَفْلَسَ - الْقَاضِي الْمُحَالَ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ مِنْ السِّجْنِ أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ إذَا صَحَّ أَمْرُهَا فَقَدْ سَقَطَ الْحَقُّ عَنْ الْمُحِيلِ، وَإِذْ قَدْ أَقَرُّوا بِسُقُوطِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ رُجُوعُ حَقٍّ قَدْ سَقَطَ بِغَيْرِ نَصٍّ يُوجِبُ رُجُوعَهُ، وَلَا إجْمَاعَ يُوجِبُ رُجُوعَهُ - فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَوْ قَالَ فِي الْحَوَالَات: لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوًّا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي أُحِيلَ: لَا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ إلَّا أَنْ يُفْلِسَ، أَوْ يَمُوتَ. وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: إنْ لَمْ يُنْصِفْهُ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ. وَعَنْ الْحَكَمِ: لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَنْتَصِفَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمُحِيلِ؟

مسألة حق المحيل إذا ثبت على المحال عليه

قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهِ الْمُسَيِّبِ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَلِرَجُلِ آخَر عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ، فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِلْمُسَيِّبِ: أَنَا أُحِيلُك عَلَى عَلِيٍّ وَأَحِلْنِي أَنْتَ عَلَى فُلَانٍ، فَفَعَلَا فَانْتَصَفَ الْمُسَيِّبُ مِنْ عَلِيٍّ وَتَلِفَ مَالُ الَّذِي أَحَالَهُ الْمُسَيِّبُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَ الْمُسَيِّبُ بِذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ - فَهَذَا خِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَهَذِهِ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَإِذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فَلَيْسَ بَعْضُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ بِاتِّفَاقِكُمْ مَعَنَا فِي ذَلِكَ وَلَسْنَا نَرَى إحَالَةَ مَنْ لَا حَقَّ لِلْمُحَالِ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مِثْلُ فِعْلِ عَلِيٌّ، وَالْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى الضَّمَانِ، فَإِنَّهُ إذَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ مَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ، وَلَزِمَ، وَتَحَوَّلَ الْحَقُّ الَّذِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ: لَا يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَى قَبُولِ الْحَوَالَةِ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: لَوْ وَجَبَ إجْبَارُهُ لَوَجَبَ أَيْضًا إذَا أَحَالَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى آخَر أَنْ يُجْبَرَ عَلَى اتِّبَاعِهِ، ثُمَّ إذَا أَحَالَهُ ذَلِكَ عَلَى آخَر أَنْ يُجْبَرَ أَيْضًا عَلَى اتِّبَاعِهِ، وَهَذَا أَبَدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ مُعَارَضَةٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا مَا فِيهِ، فَكَيْفَ وَاَلَّذِي اعْتَرَضُوا بِهِ فَاسِدٌ؟ لِأَنَّهُ مَطْلٌ مِنْ غَنِيٍّ، أَوْ حَوَالَةٌ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ، وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْحَوَالَةُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يَقْبَلَهَا، وَإِنَّمَا الْحَوَالَةُ عَلَى مَنْ يُعَجِّلُ الْإِنْصَافَ بِفِعْلِهِ لَا بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ حَوَالَةً بِنَصِّ الْحَدِيثِ [مَسْأَلَةٌ حَقُّ الْمُحِيلِ إذَا ثَبَتَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ] 1228 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ جَاحِدًا فَهِيَ حَوَالَةٌ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ فَقَطْ - وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنَّهُ قَدْ تُجْرَحُ الْبَيِّنَةُ فَيَبْطُلُ الْحَقُّ؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَرْجِعُ عَنْ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ الْحَقِّ، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَدَّاهُ، فَيَبْطُلُ الْحَقُّ - وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ مَا لَمْ يَخُصُّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]

مسألة الحوالة بالدين المؤجل على الدين المؤجل

[مَسْأَلَةٌ الْحَوَالَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ] مَسْأَلَةٌ: وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إلَى مِثْلِ أَجَلِهِ لَا إلَى أَبْعَدِ، وَلَا إلَى أَقْرَبَ وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِالْحَالِ عَلَى الْحَالِ، وَلَا تَجُوزُ بِحَالِ عَلَى مُؤَجَّلٍ؛ وَلَا بِمُؤَجَّلِ عَلَى حَالٍ، وَلَا بِمُؤَجَّلِ عَلَى مُؤَجَّلٍ إلَى غَيْرِ أَجَلِهِ، لِأَنَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ إيجَابُ تَأْجِيلِ حَالٍ أَوْ إيجَابِ حُلُولِ. مُؤَجَّلٍ. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ. وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ بِالْمُؤَجَّلِ إلَى أَجَلِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ اُتُّبِعَ عَلَى مَلِيءٍ أَنْ يَتْبَعَهُ» . تَمَّ " كِتَابُ الْحَوَالَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

كتاب الكفالة

[كِتَابُ الْكَفَالَةِ] [مَسْأَلَةٌ تَعْرِيف الْكَفَالَة] ِ 1230 - مَسْأَلَةٌ: الْكَفَالَةُ هِيَ الضَّمَانُ، وَهِيَ الزَّعَامَةُ، وَهِيَ الْقَبَالَةُ، وَهِيَ الْحَمَالَةُ. فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ حَقُّ مَالٍ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ - حَالًّا أَوْ إلَى أَجَلٍ - سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ الْحَقَّ إنْسَانٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ وَطِيبِ نَفْسِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ: فَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ الْحَقُّ عَنْ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَانْتَقَلَ إلَى الضَّامِنِ وَلَزِمَهُ بِكُلِّ حَالٍ - وَلَا يَجُوزُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ - انْتَصَفَ أَوْ لَمْ يَنْتَصِفْ - وَلَا بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ - وَلَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِمَّا ضَمِنَ عَنْهُ أَصْلًا - سَوَاءٌ رَغِبَ إلَيْهِ فِي أَنْ يَضْمَنَهُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَرْغَبْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ - إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ: أَنْ يَقُولَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: اضْمَنْ عَنِّي مَا لِهَذَا عَلَيَّ فَإِذَا أَدَّيْت عَنِّي فَهُوَ دَيْنٌ لَك عَلَيَّ: فَهَاهُنَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَهُ مَا أَدَّى عَنْهُ: فَهُوَ قَرْضٌ صَحِيحٌ. أَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ الْكَفَالَةَ هِيَ الضَّمَانُ، وَالْحَمَالَةُ، وَالزَّعَامَةُ، وَالْقِبَالَةُ - وَالضَّامِنُ: هُوَ الْقَبِيلُ، وَالْكَفِيلُ، وَالزَّعِيمُ، وَالْحَمِيلُ، فَاللُّغَةُ، وَالدِّيَانَةُ لَا خِلَافَ فِيهِمَا فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا عُمُومُ جَوَازِ الضَّمَانِ فِي كُلِّ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيْعٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ نَقْلُ حَقٍّ فَقَطْ. وَأَمَّا جَوَازُ الضَّمَانِ بِغَيْرِ رَغْبَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسَدَّدُ بْنُ مَسَرَّةَ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ

قَالَ: سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرَ، فَضَمِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ الدِّيَةَ بِغَيْرِ رَغْبَتِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ إلَّا بِمَحْضَرِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَرِيضُ يَقُولُ لِوَرَثَتِهِ: أَيُّكُمْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنَ فُلَانٍ عَلَيَّ فَيَضْمَنُهُ أَحَدُهُمْ - فَيَجُوزُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ. وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ الْمُبْتَلَيْنَ بِتَقْلِيدِهِ أَنَّهُ عَقْدٌ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِمَحْضَرِهِمَا جَمِيعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ - ثُمَّ إنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْفَسَادِ. أَوَّلُ ذَلِكَ -: أَنَّهُمْ يَنْتَقِضُونَ مِنْ قُرْبٍ فَيُجِيزُونَ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ بِغَيْرِ مَحْضَرِهَا، وَيُجِيزُونَ الضَّمَانَ لِدَيْنِ الْمَرِيضِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِ الْحَقِّ. ثُمَّ إنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ عَقْدًا عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الضَّامِنِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ فَقَطْ، فَإِنْ أُنْصِفَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ كَمَا كَانَ - وَرَامُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهَا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الدَّيْنَ قَدْ تَعَيَّنَ فِي مَالِ الْمَرِيضِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ كَذَبُوا مَا تَعَيَّنَ قَطُّ فِي مَالِهِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ ضَمَانَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا بِأَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ هَلَكَ - وَأَجَازُوا الضَّمَانَ عَلَى الْحَقِّ الْمُفْلِسِ - وَالدَّيْنُ قَدْ هَلَكَ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَكْسِبُ الْمُفْلِسُ مَالًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَطْرَأُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ حِينَ مَوْتِهِ - وَهَذَا مِنْهُمْ خِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ.

وَمَنْ قَالَ - بِقَوْلِنَا فِي الضَّمَانِ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَتْرُكُ وَفَاءً: مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ [- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -] قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثَلَاثَةٌ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ؟ فَصَلَّى عَلَيْهِ» . فَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَوَازُ ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً بِدَيْنِهِ، بِخِلَافِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِيهِ: أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ بِالضَّمَانِ جُمْلَةً، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنْتَقِلْ إلَى ذِمَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَا كَانَتْ الْحَالُ إلَّا وَاحِدَةً، وَامْتِنَاعُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ لِدَيْنِهِ، ثُمَّ صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ بَعْدَ ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ: بُرْهَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الْحَالَ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى وَأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَا يُتْرَكُ بِهِ وَفَاءٌ قَدْ بَطَلَ وَسَقَطَ بِضَمَانِ الضَّامِنِ، وَلَزِمَ ذِمَّةَ الضَّامِنِ بِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي أَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى دَيْنِهِ. فَصَحَّ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الضَّامِنِ بَعْدُ لَا عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَفِيهِ أَيْضًا: جَوَازُ الضَّمَانِ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الطَّالِبِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، وَإِذْ قَدْ سَقَطَ الدَّيْنُ بِالضَّمَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَجُوزُ رُجُوعُهُ بَعْدَ سُقُوطِهِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَأَيْضًا: الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ - فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إبَاحَةَ تَحَمُّلِ الْحَمَالَةِ عُمُومًا بِكُلِّ حَالٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِالضَّمَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بِأَنْ يُوَفِّيَهُ أَيْضًا مِنْ حَقِّهِ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ إلَّا أَخْذُهُ مِنْهُ أَوْ تَرْكُهُ جُمْلَةً، وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَعْدَهَا، فَلِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِلُزُومِ تَرْكِ طَلَبِ غَرِيمِهِ، بَلْ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ مَطْلٌ

لَهُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَإِنْ أُنْصِفَ فَقَدْ أُعْطِيَ حَقُّهُ، وَمَنْ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَلَا حَقَّ لَهُ سِوَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ أَصْحَابُ اتِّبَاعٍ لِلْآثَارِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ بِهِ؟ قُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» بَيَانٌ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَخْصُوصُ بِهَذَا الْحُكْمُ وَحْدَهُ، لَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُ، لَا الْإِمَامُ وَلَا غَيْرُهُ؟ فَكَيْف وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأُتِيَ بِمَيِّتِ، فَقَالَ: عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، دِينَارَانِ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَمِمَّنْ أَجَازَ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ؛ وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ - وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا فِي قَوْلِهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ؛ وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ: إنَّ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ الضَّامِنُ، وَإِنْ شَاءَ الْمَضْمُونُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ: إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ مَلِيًّا بِالْحَقِّ فَلَيْسَ لِطَالِبِ الْحَقِّ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ، وَإِنَّمَا لَهُ طَلَبُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ الضَّامِنِ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ غَائِبًا، أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ فَيَخَافُ الْمَضْمُونُ لَهُ مُحَاصَّةَ الْغُرَمَاءِ فَلَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَطْلُبَ الضَّامِنَ [أَيْضًا] حِينَئِذٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ فَظَاهِرُ الْعَوَارِ، لِأَنَّهُ دَعَاوَى كُلُّهُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَقْسِيمٌ بِلَا دَلِيلٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، كَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ سَقَطَ جُمْلَةً عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنَّمَا حَقُّهُ عِنْدَ الضَّامِنِ أَنْصَفَهُ أَوْ لَمْ يُنْصِفْهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ، عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَا جَمِيعًا: الْكَفَالَةُ، وَالْحَوَالَةُ سَوَاءٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ مَالُ وَاحِدٍ مَعْدُودٍ مَحْدُودٍ هُوَ كُلَّهُ عَلَى زَيْدٍ، وَهُوَ كُلُّهُ عَلَى عَمْرٍو، وَلَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ لِلَّذِي هُوَ لَهُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا بِجَمِيعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعَدَدُ مُضَاعَفًا، وَلَمَا سَقَطَ عَنْ أَحَدِهِمَا حَقٌّ قَدْ لَزِمَهُ بِأَدَاءِ آخَرَ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ أَيْضًا - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وَاخْتِلَاطُ قَوْلِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ، وَلَا يَسْتَقِرُّ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هُوَ لَهُ عَلَى أَيِّهِمَا طَلَبَهُ مِنْهُ؟ قُلْنَا: فَهَذَا أَدْخَلَ فِي الْمُحَالِ، لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ حَقُّهُ عَلَى وَاحِدٍ. مِنْهُمَا بَعْدُ - لَا عَلَى الضَّامِنِ وَلَا عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ - فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدُ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ فِي وَارِثَيْنِ تَرَكَ مُوَرِّثُهُمَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ: أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؟ وَتَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ شِقْصًا مُشَاعًا، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ آخَرَ، وَالثَّالِثُ مِنْ رَابِعٍ: أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ؟ وَتَقُولُونَ فِيمَنْ غَصَبَ مَالًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِآخَرَ: فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ يَأْخُذُ بِمَالِهِ أَيَّهمَا شَاءَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مِمَّا أَنْكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ مَالٍ وَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْنِ هُوَ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَمَّا الْوَارِثَانِ فَإِنَّهُمَا اقْتَسَمَا مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا اقْتِسَامَهُ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ، لَا عِنْدَ الْوَارِثَيْنِ أَصْلًا، فَإِنَّمَا يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَيْثُ

وَجَدَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ لِلْغَرِيمِ حِينَئِذٍ، وَالْقِسْمَةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِلْوَرَثَةِ إلَّا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالدَّيْنِ. وَأَمَّا الْغَاصِبُ يَهَبُ مَا غَصَبَ فَحَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَحَقُّ الْغَاصِبِ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَى الَّذِي وَهَبَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ إنْ طَلَبَ الْغَاصِبَ طَلَبَهُ بِحَقِّهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ طَلَبَ الْمَوْهُوبَ لَهُ طَلَبَهُ بِحَقِّ الْغَاصِبِ عِنْدَهُ مِنْ رَدِّ مَا وَهَبَهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِذَا فَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا انْتَقَلَ ذَلِكَ الْمَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَأَمَّا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ إمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ، فَهُوَ يُمْضِي بَيْعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَرُدُّ بَيْعَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ - فَظَهَرَ فَسَادُ تَنْظِيرِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَاحْتَجُّوا عَلَى خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «مَاتَ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، دِينَارَانِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ، وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي قَتَادَةَ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا دَفَنَّاهُ أَمْسِ، ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدُ فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ قَالَ: قَضَيْتُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ» . وَبِخَبَرَيْنِ آخَرَيْنِ لَا يَصِحَّانِ -: أَحَدُهُمَا: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» . وَالْآخَرُ، فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِعَلِيٍّ إذْ ضَمِنَ دَيْنَ الْمَيِّتِ: «فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِأَخْبَارٍ هِيَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. أَمَّا: «فَكَّ اللَّهُ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخِيكَ» فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ وَلَا نَصٌّ عَلَى مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ قَدْ فَكَّ رِهَانَهُ بِضَمَانِهِ دَيْنَهُ فَقَطْ، فَإِنَّهُ حَوَّلَ دَيْنَهُ عَلَى نَفْسِهِ حَيًّا كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا.

وَأَمَّا «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ حُكْمُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا أَنَّهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَمْطُلْ بِدَيْنِهِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ مِنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمُطَالَبَ بِدَيْنِهِ فِي الْآخِرَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَطْلٍ بِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ، فَصَارَ ظَالِمًا، فَعَلَيْهِ إثْمُ الْمَطْلِ - أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْسِرْ - وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْغَرِيمِ فِيمَا يَتَخَلَّفُ مِنْ مَالٍ أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ زَكَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَخْلُفْ مَالًا. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَنْبَ الْمَطْلِ إذَا قُضِيَ عَنْهُ مِمَّا يَخْلُفُ أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ أَوْ قَضَاهُ عَنْهُ الضَّامِنُ فَفِي هَذَا جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ فِي تَشْدِيدِ أَمْرِ الدَّيْنِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَمْطُلْ قَطُّ بِهِ، فَلَمْ يَظْلِمْ، وَإِذَا لَمْ يَظْلِمْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَلَا تَبِعَةَ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنْ مَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا يَتَخَلَّفُ، أَوْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ، وَالظَّالِمُ حِينَئِذٍ مَنْ مَطَلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَلَا إثْمَ عَلَى الْمَيِّتِ أَصْلًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَهُوَ لَمْ يَمْطُلْ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يَظْلِمْ، وَإِذْ لَمْ يَظْلِمْ فِي حَيَاتِهِ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْإِنْصَافُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِهِ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [وَبِهِ نَتَأَيَّدُ] . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ فَأَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مَسْكَةُ إنْصَافٍ لِأَنَّ فِيهِ نَصًّا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلضَّامِنِ عَنْ الْمَيِّتِ: «حَقُّ الْغَرِيمِ عَلَيْكَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ، قَالَ الضَّامِنُ: نَعَمْ» أَلَيْسَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ لَهُ مَسْكَةُ دِينٍ أَوْ أَقَلَّ تَمْيِيزٍ؟ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَضَاهُمَا: «الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ» ؟ . قُلْنَا: هَذَا لَا مُتَعَلِّقَ فِيهِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ نَصَّ الْخَبَرِ قَدْ وَرَدَ فِيهِ بِعَيْنِهِ: «أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَرِيءَ مِنْ الدَّيْنِ وَأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّعِيمِ» فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ فِي هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ» فَقَدْ أَصَابَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا أَرَادَ، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ لَا نَشُكُّ فِيهِ، لَكِنْ نَقُولُ: إنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَبْرِيدٌ زَائِدٌ دَخَلَ عَلَيْهِ حِينَ الْقَضَاءِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَرٍّ كَمَا تَقُولُ: لَقَدْ سَرَّنِي فِعْلُك، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ.

وَكَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْ الْمَيِّتِ بِصَدَقَةٍ لَكَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ بِهَا رَوْحٌ زَائِدٌ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي كَرْبٍ وَلَا غَمٍّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ كَانَ مَطَلَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَحَصَلَ لَهُ الظُّلْمُ ثُمَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ذَلِكَ الظُّلْمَ بِالْقَضَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إلَّا أَنَّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ سُوءٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ إثْمُ ذَلِكَ وَإِثْمُ مَنْ عَمِلَ بِهَا أَبَدًا. وَنَجِدُ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا أَبَدًا، فَقَدْ يُؤْجَرُ الْإِنْسَانُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَيُعَاقَبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِمَا سَبَبٌ. وَقَدْ يَدْخُلُ الرَّوْحُ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا يَدْعُو لَهُ {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] ، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ بِمَا أَدَّى سَوَاءً بِأَمْرِهِ ضَمِنَ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ اسْتَقْرَضَهُ، فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ سُقُوطِ الْحَقِّ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَبَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَاسْتِقْرَارِهِ عَلَى الضَّامِنِ. فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ وَالظُّلْمِ الْوَاضِحِ أَنْ يُطَالِبَ الضَّامِنُ مِنْ أَجْلِ أَدَائِهِ حَقًّا لَزِمَهُ وَصَارَ عَلَيْهِ وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ مَنْ لَا حَقَّ قِبَلَهُ لَهُ، وَلَا لِلَّذِي أَدَّاهُ عَنْهُ، وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ وَمَا نَدْرِي لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى حُجَّةً أَصْلًا. وَقَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ سَوَاءٌ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ - وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِخَبَرٍ وَاهٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا لَزِمَ غَرِيمًا لَهُ

مسألة العبد والحر والمرأة والرجل والكافر والمؤمن في الضمان سواء

بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ؟ فَتَحَمَّلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الذَّهَبَ؟ قَالَ: مِنْ مَعْدِنٍ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ فَقَضَاهَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ عَلِيٌّ: فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَجَبٌ أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِي غَيْرِ قِصَّةٍ -: مِنْهَا - رِوَايَتُهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» . ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ فِيهِ: «فَأَتَاهُ بِقَدْرِ مَا وَعَدَهُ» . فَصَحَّ أَنَّ الْمَضْمُونَ عَنْهُ وَعَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا نَأْبَاهُ، بَلْ بِهِ نَقُولُ إذَا قَالَ الْمَضْمُونُ لِلضَّامِنِ: أَنَا آتِيَك بِمَا تَتَحَمَّلُ بِهِ عَنِّي. ثُمَّ الْعَجَبُ الثَّالِثُ - احْتِجَاجُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، لِأَنَّ فِيهِ " أَنَّ مَا أُخِذَ مِنْ مَعْدِنٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ " وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ فِيهِ، ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ مَا فِيهِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. [مَسْأَلَةٌ الْعَبْد وَالْحُرّ وَالْمَرْأَة وَالرَّجُل وَالْكَافِر وَالْمُؤْمِن فِي الضَّمَان سَوَاءٌ] 1231 - مَسْأَلَةٌ: وَحُكْمُ الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ، وَالْكَافِرِ، وَالْمُؤْمِنِ: سَوَاءٌ، لِعُمُومِ النَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ضَمَانُ مَا لَا يَدْرِي مِقْدَارُهُ] 1232 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَا لَا يَدْرِي مِقْدَارُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا أَضْمَنُ عَنْك مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَلِإِخْبَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ «لَا يَحِلُّ مَالُ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَالتَّرَاضِي، وَطِيبُ النَّفْسِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مَعْلُومِ الْقَدْرِ - هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ. [مَسْأَلَةٌ ضَمَانُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ] 1233 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَنَا أَضْمَنُ لَك مَا تَسْتَقْرِضُهُ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ لَهُ: اقْتَرِضْ مِنْ فُلَانٍ دِينَارًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ عَنْك، أَوْ قَالَ لَهُ: أَقْرِضْ فُلَانًا دِينَارًا وَأَنَا أَضْمَنُهُ لَك - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ.

وَلِأَنَّ الضَّمَانَ عَقْدٌ وَاجِبٌ، وَلَا يَجُوزُ الْوَاجِبُ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ، وَهُوَ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ، وَهَذَا مُحَالٌ وَقَوْلٌ مُتَفَاسِدٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ فِي ثَانٍ، وَفِي حِينٍ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ، وَقَدْ لَا يُقْرِضُهُ مَا قَالَ لَهُ. وَقَدْ يَمُوتُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ مَا أَمَرَهُ بِإِقْرَاضِهِ. فَصَحَّ بِكُلِّ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَوْلُ. فَإِنْ قَالَ لَهُ: أَقْرِضْنِي كَذَا وَكَذَا وَادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ، أَوْ زِنْ عَنِّي لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، أَوْ أَنْفِقْ، عَنِّي فِي أَمْرِ كَذَا فَمَا أَنْفَقْت فَهُوَ عَلَيَّ، أَوْ ابْتَعْ لِي أَمْرَ كَذَا - فَهَذَا جَائِزٌ لَازِمٌ، لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ وَكَّلَهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ. وَأَجَازَ مَا ذَكَرْنَا بُطْلَانَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمَالِكٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ. وَاحْتَجَّ لَهُمْ بَعْضُ الْمُمْتَحَنِينَ بِتَقْلِيدِهِمْ «بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ جَيْشَ الْأُمَرَاءِ، فَإِنْ مَاتَ، فَالْأَمِيرُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ مَاتَ، فَالْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . قَالَ: فَكَمَا تَجُوزُ الْمُخَاطَرَةُ فِي الْوِلَايَاتِ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الضَّمَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْوِلَايَةِ وَبَيْنَ الضَّمَانِ، وَلَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ الضَّمَانُ فَرْضًا - وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَحُكْمٌ عَلَى حِيَالِهِ جَاءَ بِهِ النَّصُّ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ قَالَ: أَنَا أَضْمَنُ لَك مَا أَقْرَضْته زَيْدًا ثُمَّ مَاتَ فَأَقْرَضَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ زَيْدًا مَا أَمَرَهُ بِهِ؟ أَيُلْزِمُونَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ فَهَذَا عَجَبٌ أَمْ لَا يُلْزِمُونَهُ؟ فَقَدْ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ الْفَاسِدَ، وَرَجَعُوا إلَى الْحَقِّ، وَلَئِنْ لَزِمَهُ ضَمَانُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ، فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ فِي مَالِهِ وَلَا بُدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ ضَمِنَ كُلَّ مَا يَتَدَايَنُ بِهِ زَيْدٌ إلَى انْقِضَاءِ عُمْرِهِ؟ فَإِنْ أَلْزَمُوهُ ذَلِكَ كَانَ شُنْعَةً مِنْ الْقَوْلِ، وَإِنْ لَمْ يُلْزِمُوهُ تَنَاقَضُوا. وَنَقُولُ لَهُمْ: كَمَا لَمْ يَجُزْ الْغَرَرُ وَالْمُخَاطَرَةُ فِي الْبُيُوعِ، وَلَا جَازَ إصْدَاقُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ.

مسألة ما يشترط في ضمان اثنين عن واحد

فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْإِمَارَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالدَّلَائِلُ هَاهُنَا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ تُكْثَرُ جِدًّا - وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ. [مَسْأَلَةٌ مَا يُشْتَرَط فِي ضَمَانِ اثْنَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ] 1234 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي ضَمَانِ اثْنَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْجَمِيعِ، وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الضَّامِنُ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَلِيءَ مِنْهُمَا عَنْ الْمُعْسِرِ، وَالْحَاضِرَ عَنْ الْغَائِبِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَجَازَ هَذَا الشَّرْطَ شُرَيْحٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَهَذَا شَرْطٌ لَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهِ نَصٌّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ ضَمَانٌ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِمَا، وَلَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَدْرِي عَلَى أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَرْءِ بِعَيْنِهِ حِينَ عَقْدِهِ إيَّاهُ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَصِحَّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِينِ لَمْ يَعْقِدْهُ وَلَا الْتَزَمَهُ - وَهَذَا وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ ضَمِنَ اثْنَانِ حَقًّا عَلَى إنْسَانٍ] 1235 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ضَمِنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا حَقًّا عَلَى إنْسَانٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَلَوْ ابْتَاعَ اثْنَانِ بَيْعًا أَوْ تَدَايَنَا دَيْنًا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ، فَإِنَّ مَا كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ انْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الْآخَرِ لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَلِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ مَالُ وَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا يَكُونُ كُلُّهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ كَانَ يُصَيِّرُ الدِّرْهَمُ دِرْهَمَيْنِ وَلَا بُدَّ؛ أَوْ يَكُونَ غَيْرَ لَازِمٍ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَلَا لَهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا هَوَسٌ لَا يُعْقَلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطَ فِي بَيْعٍ وَلَا فِي سَلَمٍ وَلَا فِي مُدَايِنَةٍ إعْطَاءُ ضَامِنٍ] 1236 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي بَيْعٍ وَلَا فِي سَلَمٍ وَلَا فِي مُدَايِنَةٍ أَصْلًا إعْطَاءُ ضَامِنٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ أَحَدٌ فِي خُصُومَةٍ إعْطَاءَ ضَامِنٍ بِهِ لِئَلَّا يَهْرُبَ.

مسألة ضمان الوجه

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَ مَنْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَامِنًا. وَكُلُّ ذَلِكَ جَوْرٌ وَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ كُلُّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَلِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِيجَابِهِ، فَهُوَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ احْتَجَّ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يُسَلِّفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ فَقَالَ: ائْتِنِي بِالْكَفِيلِ؟ فَقَالَ: كَفَى بِاَللَّهِ كَفِيلًا، فَقَالَ: صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إلَى الْبَحْرِ - فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ: فَرَمَى بِهَا إلَى الْبَحْرِ» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْخَبَرَ مُنْقَطِعًا غَيْرَ مُتَّصِلٍ - فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ شَرِيعَةٌ غَيْرُ شَرِيعَتِنَا وَلَا يَلْزَمُنَا غَيْرُ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ أَلْبَتَّةَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْذِفَ مَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَعَلَّهُ يَبْلُغُ إلَى غَرِيمِهِ، بَلْ يَقْضُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا بِالسَّفَهِ وَيَحْجُرُونَ عَلَيْهِ وَيُؤَدِّبُونَهُ فَكَيْفَ يَسْتَسْهِلُ ذُو حَيَاءٍ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [مَسْأَلَةٌ ضَمَانُ الْوَجْهِ] 1237 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ الْوَجْهِ أَصْلًا، لَا فِي مَالٍ وَلَا فِي حَدٍّ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ إنَّنَا نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ تَكَفَّلَ بِالْوَجْهِ فَقَطْ فَغَابَ الْمَكْفُولُ مَاذَا تَصْنَعُونَ بِالضَّامِنِ لِوَجْهِهِ؟ أَتُلْزِمُونَهُ غَرَامَةَ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ - فَهَذَا جَوْرٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - لِأَنَّهُ

لَمْ يَلْتَزِمْهُ قَطُّ، أَمْ تَتْرُكُونَهُ؟ فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ الضَّمَانَ بِالْوَجْهِ الَّذِي جَاذَبْتُمْ فِيهِ الْخُصُومَ، وَحَكَمْتُمْ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ، أَمْ تُكَلِّفُونَهُ طَلَبَهُ؟ فَهَذَا تَكْلِيفُ الْحَرَجِ، وَمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ، وَمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ قَطُّ، وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ يَزُولُ عَنْ مَوْضِعِكُمْ وَلَا يَطْلُبُهُ، وَلَكِنْ يَشْتَغِلُ بِمَا يَعْنِيه. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَجُوزُ ضَمَانُ الْوَجْهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ ضَمِنَ الْوَجْهَ غَرِمَ الْمَالَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَجْهَ خَاصَّةً، فَكَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ طَرِيفًا جِدًّا، وَمَا يَعْلَمُ أَحَدٌ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنَا أَضْمَنُ وَجْهَهُ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَنَا أَضْمَنُ وَجْهَهُ خَالِصَةً، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ غَرَامَةَ مَالٍ وَلَا ضَمَانَةً أَصْلًا، فَكَيْفُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِغَرَامَةِ مَالٍ لَمْ يَضْمَنْهُ قَطُّ؟ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ سَلَفًا. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ ضَمَانَ الْوَجْهِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ الْهَمَذَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَلْخِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ خُثَيْمَ بْنِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ خُثَيْمَ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَلَ فِي تُهْمَةٍ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا عَلَى بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ " أَنَّهُ وَجَدَ فِيهِمْ رَجُلًا وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَخَذَ حَمْزَةُ بِالرَّجُلِ كَفِيلًا " لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا لَهُ: أَنَّ عُمَرَ قَدْ عَرَفَ خَبَرَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ رَجْمًا، لَكِنْ جَلَدَهُ مِائَةً، فَلَمَّا أَتَى عُمَرَ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَصَدَّقَهُمْ عُمَرُ، قَالَ: وَإِنَّمَا دَرَأَ عَنْهُ الرَّجْمَ لِأَنَّهُ عَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُتِيَ بِقَوْمٍ يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ مُسَيْلِمَةَ، وَفِيهِمْ ابْنُ النَّوَّاحَةِ فَاسْتَتَابَهُ فَأَبَى؟ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، ثُمَّ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَاقِينَ؟ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ بِقَتْلِهِمْ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِاسْتِتَابَتِهِمْ وَأَنْ يُكَفِّلَهُمْ عَشَائِرَهُمْ، فَاسْتَتَابَهُمْ، فَكَفَّلَهُمْ عَشَائِرَهُمْ، وَنَفَاهُمْ إلَى الشَّامِ. وَذَكَرُوا: أَنَّ شُرَيْحًا كَفَلَ فِي دَمٍ وَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ؛ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَفَلَ فِي حَدٍّ، قَالُوا: وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا تَرَى.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي احْتِجَاجِ مَنْ احْتَجَّ بِهَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى رِقَّةِ دِينِ الْمُحْتَجِّ بِهِ وَلَا مَزِيدَ وَعَلَى قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْفَضِيحَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْخِزْيِ الْآجِلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. أَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خُثَيْمَ بْنِ عِرَاكٍ، وَهُوَ وَأَبُوهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، لَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا، وَمَعَاذَ اللَّهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا بِتُهْمَةٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَالتُّهْمَةُ ظَنٌّ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكْفُلَ إنْسَانٌ بِتُهْمَةٍ لَوَجَبَ الْكَفِيلُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، إذْ لَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ يُقْطَعُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ التُّهْمَةِ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَالْمُحْتَجُّونَ بِهَذَا الْخَبَرِ لَا يَقُولُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْكَفَالَةِ فِي التُّهْمَةِ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ يُطْلِقُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ يُخَالِفُ كُلَّ مَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَيَرَى الْحُكْمَ بِمَا فِيهِ جَوْرًا وَظُلْمًا؟ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا خَبَرُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا فِيهِ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْجَاهِلُ فِي وَطْءِ أَمَةِ امْرَأَتِهِ مِائَةً، وَلَا أَنْ يُدْرَأَ الرَّجْمُ عَنْ الْجَاهِلِ فَكَيْف يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يَحْتَجُّوا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعَمَلٍ هُوَ عِنْدَهُمْ جَوْرٌ وَظُلْمٌ، أَمَا فِي هَذَا عَجَبٌ وَعِبْرَةٌ مَا شَاءَ اللَّه كَانَ. وَأَيْضًا: فَكُلُّهُمْ لَا يُجِيزُ الْكَفَالَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَهَذَا الْخَبَرُ إنَّمَا فِيهِ الْكَفَالَةُ فِي حَدٍّ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْعَجَائِبِ؟ وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ - فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، وَشُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ هِيَ أَنْوَارُ الْهُدَى لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِمْ، وَلَا ذَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ كَفَالَةً إلَّا إسْرَائِيلَ وَحْدَهُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَوْ كَانَ ثِقَةً مَا ضَرَّ رِوَايَتَهُ مَنْ خَالَفَهَا

مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ جَمِيعُ الْمُحْتَجِّينَ بِهَا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهَا، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ لَا يُجِيزُونَ الْكَفَالَةَ فِي الرِّدَّةِ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ، وَلَا يَرَوْنَ التَّغْرِيبَ عَلَى الْمُرْتَدِّ إذْ تَابَ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانًا يُمَكِّنُهُمْ فِيهِ دَعْوَى نَسْخٍ بَلْ هِيَ أَحْكَامٌ مَجْمُوعَةٌ: إمَّا صَوَابٌ وَحُجَّةٌ، وَإِمَّا خَطَأٌ وَغَيْرُ حَجَّةٍ: الْكَفَالَةُ بِالْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَفِي الرِّدَّةِ، وَالتَّغْرِيبُ فِي الرِّدَّةِ وَجَلْدُ الْجَاهِلِ الْمَحْضِ فِي الزِّنَى مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلَا يُرْجَمُ، فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ كَيْف يَسْتَحِلُّ مَنْ لَهُ مُسْكَةُ حَيَاء أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ؟ . وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّمَا هِيَ أَنَّهُمَا كَفَلَا فِي حَدٍّ وَدَمٍ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْكَفَالَةَ فِيهِمَا أَصْلًا، وَهِيَ بَعْدُ عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ - وَهُوَ كَذَّابٌ -. وَلَا يُعْرَفَ هَذَا أَيْضًا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرُوا مِنْ هَذِهِ التَّكَاذِيبِ إجْمَاعًا كَمَا زَعَمُوا فَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُخَالِفَةِ الْإِجْمَاعِ، فَسُحْقًا وَبُعْدًا لِمَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، نَقُولُ فِيهِمْ: كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالضَّلَالِ: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11] وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إلَّا إنَّ أُولَئِكَ نَادِمُونَ، وَهَؤُلَاءِ مُصِرُّونَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَطْ، وَأَيْنَ هَذِهِ مِنْ صَلَاةِ مُعَاذٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إمَامَتِهِ قَوْمَهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلِمَةَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَخَلْفَهُ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا مُسَمَّوْنَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ سِوَى سَائِرِ أَصْحَابِ الْمَشَاهِدِ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَرَوْا هَذَا إجْمَاعًا، بَلْ رَأَوْهَا صَلَاةً فَاسِدَةً، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هِيَ وَاَللَّهِ صَلَاةٌ مُقَدَّسَةٌ فَاضِلَةٌ، حَقٌّ، وَصَلَاةُ الْمُخَالِفِينَ لَهَا هِيَ الْفَاسِدَةُ حَقًّا. وَأَيْنَ هَذَا مِنْ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ أَرْضَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ يُقِرُّونَهُمْ [بِهَا] كَمَا شَاءُوا، وَيُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا؟ فَلَمْ يَرَوْا هَذَا إجْمَاعًا، بَلْ رَأَوْهُ مُعَامَلَةً فَاسِدَةً مَرْدُودَةً، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا،

بَلْ هُوَ وَاَللَّهِ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْحَقُّ الْوَاضِحُ، وَأَقْوَالُ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ هِيَ الْفَاسِدَةُ الْمَرْدُودَةُ حَقًّا، وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا مَنَّ بِهِ. ثُمَّ اعْلَمُوا الْآنَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ إبَاحَةُ كَفَالَةِ الْوَجْهِ عَنْ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ فَهِيَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ لَا تَجُوزُ الْبَتَّةُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْكَفَالَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

كتاب الشركة

[كِتَابُ الشَّرِكَةِ] [مَسْأَلَةٌ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ] ِ 1238 - مَسْأَلَةٌ: لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْأَبْدَانِ أَصْلًا، لَا فِي دَلَالَةٍ، وَلَا فِي تَعْلِيمٍ، وَلَا فِي خِدْمَةٍ، وَلَا فِي عَمَلِ يَدٍ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لَا تَلْزَمُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْهُمَا مَا كَسَبَ، فَإِنْ اقْتَسَمَاهُ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِأَخْذِهِ وَلَا بُدَّ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] . وَهَذَا كُلُّهُ عُمُومٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، فَمَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ تَخْصِيصًا فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَعْلَمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَقَدْ قُلْنَا: مَا نَعْلَمُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ لِيُضِلَّنَا وَلَبَيَّنَهُ لَنَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ بِبَيَانِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَإِذْ لَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ قَاطِعٍ بَاتٍّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ عُمُومَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ.

مسألة كان العمل لا ينقسم واستأجرهما صاحبه بأجرة واحدة

وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقْضِيَ بِمَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِغَيْرِهِ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ جَوْرٌ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَهَذِهِ لَيْسَتْ تِجَارَةٌ أَصْلًا فَهِيَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ الْعَمَلُ لَا يَنْقَسِمُ وَاسْتَأْجَرَهُمَا صَاحِبُهُ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ] 1239 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ لَا يَنْقَسِمُ وَاسْتَأْجَرَهُمَا صَاحِبُهُ بِأُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ كَكَمْدِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ وَاحِدٍ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا؟ وَكَذَلِكَ إنْ نَصَبَا حِبَالَةً مَعًا فَالصَّيْدُ بَيْنَهُمَا، أَوْ أَرْسَلَا جَارِحَيْنِ فَأَخَذَا صَيْدًا وَاحِدًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا صَادَ جَارِحُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: شَرِكَةُ الْأَبَدَانِ جَائِزَةٌ فِي الصِّنَاعَاتِ اتَّفَقَتْ صِنَاعَتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ عَمَلًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ فَمَا أَصَابَ الصَّحِيحُ الْحَاضِرُ فَبَيْنَهُمَا - وَلَا تَجُوزُ فِي التَّصَيُّدِ، وَلَا فِي الِاحْتِطَابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ شَرِكَةَ الْأَبَدَانِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عِنْدَهُ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ فَتَجِبُ أَنْ تَجُوزَ الشَّرِكَةُ عِنْدَهُمْ فِي النِّكَاحِ. وَقَالَ مَالِكٌ شَرِكَةُ الْأَبَدَانِ جَائِزَةٌ فِي الِاحْتِطَابِ وَطَلَبِ الْعَنْبَرِ، إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَكَا فِي صَيْدِ الْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَازٍ وَكَلْبٌ، يَتَعَاوَنُ الْبَازَانِ أَوْ الْكَلْبَانِ عَلَى صَيْدٍ وَاحِدٍ - وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ عِنْدَهُ عَلَى التَّعْلِيمِ فِي مَكَان وَاحِدٍ؛ فَإِنْ كَانَا فِي مَجْلِسَيْنِ فَلَا ضَيْرَ فِيهِ. وَأَجَازَ شَرِكَةَ الْأَبَدَانِ فِي الصِّنَاعَاتِ إذَا كَانَا فِي دُكَّانٍ وَاحِدٍ، كَالْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا يَوْمًا وَالْآخَرُ يَوْمَيْنِ. وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ اشْتَرَاك الْحَمَّالِينَ أَوْ النَّقَّالِينَ عَلَى الدَّوَابِّ. وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الِاشْتِرَاكُ فِي صِنَاعَتَيْنِ أَصْلًا كَحَدَّادٍ وَقَصَّارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا تَحَكُّمٌ

مسألة لا تجوز الشركة إلا في أعيان الأموال

بِلَا بُرْهَانٍ وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا - وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ شَرِكَةَ الْأَبَدَانِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اشْتَرَكْت أَنَا وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِيمَا نُصِيبُ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ، وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ، وَمَا نَدْرِي عَلَى مَاذَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَمْرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ التَّمْوِيهِ فِي دِينِهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ. أَوَّلُ ذَلِكَ -: أَنَّ هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَا يَذْكُرُ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قُلْت لِأَبِي عُبَيْدَةَ: أَتَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حَجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ قَائِلٍ مَعَنَا وَمَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لَا تَجُوزُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ بِمَا يُصِيبُ دُونَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ حَاشَا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ كَوْنِ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَأَنَّهُ إنْ فَعَلَ فَهُوَ غُلُولٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ لَمْ تَتِمَّ، وَلَا حَصَلَ لِسَعْدٍ وَلَا لِعَمَّارٍ، وَلَا لِابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ ذَيْنِكَ الْأَسِيرَيْنِ إلَّا مَا حَصَلَ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ بِالشَّامِ، وَلِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الَّذِي كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] فَكَيْف يَسْتَحِلُّ مَنْ يَرَى الْعَارَ عَارًا أَنْ يَحْتَجَّ بِشَرِكَةٍ أَبْطَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَمْضِهَا؟ . وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ - لَا يُجِيزُونَ الشَّرِكَةَ فِي الِاصْطِيَادِ، وَلَا يُجِيزُهَا الْمَالِكِيُّونَ فِي الْعَمَلِ فِي مَكَانَيْنِ، فَهَذِهِ الشَّرِكَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمْ، فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي تَصْحِيحِ قَوْلِهِ بِرِوَايَةٍ لَا تَجُوزُ عِنْدَهُ؟ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لَنَا. [مَسْأَلَةٌ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ] 1240 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ، فَتَجُوزُ فِي التِّجَارَةِ،

مسألة ابتاع اثنان سلعة بينهما على السواء

بِأَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا مَالًا وَالْآخَرُ مَالًا مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَيَخْلِطَا الْمَالَيْنِ وَلَا بُدَّ، حَتَّى لَا يُمَيِّزَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ يَكُونُ مَا ابْتَاعَا بِذَلِكَ الْمَالِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِيهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ، وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ - فَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ابْتَاعَهُ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ، بِهِ رِبْحُهُ كُلُّهُ لَهُ وَحْدُهُ، وَخَسَارَتُهُ كُلُّهَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُمَا إذَا خَلَطَا الْمَالَيْنِ فَقَدْ صَارَتْ تِلْكَ الْجُمْلَةُ مُشَاعَةً بَيْنَهُمَا، فَمَا ابْتَاعَا بِهَا فَمُشَاعٌ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَثَمَنُهُ أَصْلُهُ، وَرِبْحُهُ مُشَاعٌ بَيْنَهُمَا - وَالْخَسَارَةُ مُشَاعَةٌ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ مَا اُبْتِيعَ بِمَالِ عَمْرٍو، أَوْ مَا رَبِحَ فِي مَالِ غَيْرِهِ، أَوْ مَا خَسِرَ فِي مَالِ غَيْرِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . [مَسْأَلَةٌ ابْتَاعَ اثْنَانِ سِلْعَةً بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاء] 1241 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ ابْتَاعَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا سِلْعَةً بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَالْآخَرُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ، فَهَذَا بَيْعٌ جَائِزٌ، وَالثَّمَنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا، فَمَا رَبِحَا أَوْ خَسِرَا فَبَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا، لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ السِّلْعَةِ. وَهَكَذَا لَوْ وَرِثَا سِلْعَةً، أَوْ وُهِبَتْ لَهُمَا، أَوْ مَلَكَاهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَاهَا بِهِ - فَلَوْ تَعَاقَدَا أَنْ يَبْتَاعَا هَكَذَا لَمْ يَلْزَمْ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ [مَسْأَلَةٌ اشْتِرَاط الشَّرِيكَيْنِ زِيَادَة فِي الرِّبْح لِأَحَدِهِمَا] 1242 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلشَّرِيكَيْنِ فَصَاعِدًا أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ زِيَادَةٌ عَلَى مِقْدَارِ مَالِهِ فِيمَا يَبِيعُ، وَلَا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ، وَلَا أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا مَا يُقَابِلُ مَالَهُ مِنْ الْمَالِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْخَسَارَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ كُلُّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، أَوْ عَمِلَ وَحْدَهُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنْ أَبَى مِنْ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَجْرُ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ رَبِحَا أَوْ خَسِرَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ، فَاغْتِنَامُ عَمَلِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ اعْتِدَاءٌ، وَعَلَى الْمُعْتَدِي مِثْلُ

مسألة أخرج أحد الشريكين ذهبا والآخر فضة

مَا اعْتَدَى فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . [مَسْأَلَةٌ أَخْرَجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً] 1243 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَالْآخَرُ فِضَّةً أَوْ عَرَضًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَصْلًا، إلَّا بِأَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا عَرَضَهُ أَوْ كِلَاهُمَا حَتَّى يَصِيرَ الثَّمَنُ ذَهَبًا فَقَطْ، أَوْ فِضَّةً فَقَطْ، ثُمَّ يَخْلِطَا الثَّمَنَ كَمَا قَدَّمْنَا وَلَا بُدَّ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. أَوْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ مِمَّا أَخْرَجَ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُشَارِكَهُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا مَخْلُوطًا لَا يَتَمَيَّزُ وَلَا بُدَّ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ] 1244 - مَسْأَلَةٌ: وَمُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِلذِّمِّيِّ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصَرُّفِ إلَّا مَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ - وَهُمْ يَهُودُ - بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ - فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فِي الثَّمَنِ، وَالزَّرْعِ، وَالْغَرْسِ. وَقَدْ «ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ فَمَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ رَهْنٌ عِنْدَهُ» وَذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الرَّهْنِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَهَذِهِ تِجَارَةُ الْيَهُودِ جَائِزَةٌ وَمُعَامَلَتُهُمْ جَائِزَةٌ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَلَا بُرْهَانَ لَهُ. وَرُوِّينَا عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: لَا بَأْسَ بِمُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَتَوَلَّى الْعَمَلَ لَهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَكَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ جُمْلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَجْوِيزُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: مُعَامَلَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِنْ أَعْطَوْهُ دَرَاهِمَ الْخَمْرِ وَالرِّبَا ثُمَّ يَكْرَهُونَ مُشَارَكَتَهُ حَيْثُ لَا يُوقِنُ بِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَحِلُّ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا نَدْرِي أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الْمَالَ؟ إلَّا أَنَّ مُعَامَلَةَ الْجَمِيعِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يُوقِنْ حَرَامًا، فَإِذَا أَيْقَنَاهُ حَرُمَ أَخْذُهُ مِنْ كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُضَارِبِ وَفِي الشَّرِيكَيْنِ: الرِّبْحُ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ.

مسألة أخذ أحد الشريكين شيئا من المال

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ أَبِي كُلَيْبٍ، وَعَاصِمِ الْأَحْوَلِ، وَإِسْمَاعِيلَ الْأَسَدِيِّ قَالَ إسْمَاعِيلُ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ عَاصِمٌ: عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَقَالَ هِشَامٌ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالُوا كُلُّهُمْ فِي شَرِيكَيْنِ أَخْرُج أَحَدُهُمَا مِائَةً، وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ: إنَّ الرِّبْحَ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ، وَالْوَضِيعَةَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَخَالَفُوا مَعَهُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ. [مَسْأَلَةٌ أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ] 1245 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ حَسَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَنَقَصَ بِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ. وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُنْفِقَ إلَّا مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَا مَزِيدَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ أَرْبَابِهَا، فَإِنْ تَكَارَمَا فِي ذَلِكَ جَازَ مَا نَفِدَ بِطِيبِ نَفْسٍ، وَلَمْ يَلْزَمْ فِي الْمُسْتَأْنَفِ إنْ لَمْ تَطِبْ بِهِ النَّفْسُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يُعَاوِنُهُ بِنِصْفِ مَا يَرِدُ أَوْ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ] 1246 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يُعَاوِنُهُ فِي خِيَاطَةٍ أَوْ نَسْجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِنِصْفِ مَا يَرِدُ أَوْ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ -: فَهُوَ بَاطِلٌ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ، وَلَهُ بِقَدْرِ مَا يَعْمَلُ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ تَكَارَمَا بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ جَائِزٌ مَا دَامَ بِطِيبِ نُفُوسِهِمَا بِذَلِكَ فَقَطْ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً] 1247 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا الدَّابَّةُ مُشْتَرَكَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَشَارَطَا اسْتِعْمَالَهَا بِالْأَيَّامِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهَا أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَعْمِلُهَا الْآخَرُ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ أَرْبَابِهَا إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ تَكَارَمَا فِي ذَلِكَ جَازَ مَا دَامَ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَهُ مِنْ مَالِهِ بِمَا شَاءَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْعَبْدِ، وَالرَّحَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ مَا اسْتَعْمَلَ فِيهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ مِقْدَارَ حِصَّتِهِ مِنْ أُجْرَتِهَا، فَإِنْ آجَرَهَا فَحَسَنٌ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ.

مسألة بينهما سلع ابتاعاها للبيع فأراد أحدهما البيع

[مَسْأَلَةٌ بَيْنَهُمَا سِلَعٌ ابْتَاعَاهَا لِلْبَيْعِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا سِلَعٌ مُشْتَرَكَةٌ ابْتَاعَاهَا لِلْبَيْعِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ أَجْبَرَ شَرِيكَهُ عَلَى الْبَيْعِ، لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَعَاقَدَا الشَّرِكَةَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْبَيْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ لَا يُرِيدُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ. وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا دَابَّةٌ، أَوْ عَبْدٌ، أَوْ حَيَوَانٌ، أُجْبِرَا عَلَى النَّفَقَةِ، وَعَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ كُلِّ ذَلِكَ. وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ لَمْ يُجْبَرْ مَنْ لَا يُرِيدُ عِمَارَتَهَا عَلَى عِمَارَتِهَا، لَكِنْ يَقْتَسِمَانِهَا وَيَعْمُرُ مَنْ شَاءَ حِصَّتَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ أَوْ لِيُمْسِكْ أَرْضَهُ» . وَمَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا دَارٌ، أَوْ رَحَى، أَوْ مَا لَا يَنْقَسِمُ، أُجْبِرَا عَلَى الْإِصْلَاحِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِكُلِّ أَوَامِرِهِ حَقُّهَا مِنْ الطَّاعَةِ لَا يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. وَبَيْعُ الشَّرِيكِ فِيمَا اشْتَرَكَا فِيهِ لِلْبَيْعِ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ وَابْتِيَاعُهُ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَعَاقَدَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِلْآخَرِ، فَإِنْ تَعَدَّى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَبَاعَ بِوَضِيعَةٍ، أَوْ إلَى أَجَلٍ، أَوْ اشْتَرَى عَيْبًا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ إلَّا مَا أَبَاحَهُ لَهُ. وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي غَيْرِ مَا وَكَّلَهُ بِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَرَادَ الِانْفِصَالَ فَلَهُ ذَلِكَ. وَلَا تَحِلُّ الشَّرِكَةُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الشَّرِكَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "

كتاب القسمة

[كِتَابُ الْقِسْمَةِ] [مَسْأَلَةٌ الْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ إذَا أَمْكَنَ] ِ 1249 - مَسْأَلَةٌ: الْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ إذَا أَمْكَنَ، وَعَلَى حَسْبِ مَا يُمْكِنُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» [يَعْنِي الْقَلْبَ] . فَهَذَانِ نَصَّانِ عُمُومٌ لِكُلِّ قِسْمَةٍ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُمَا فِي مِيرَاثٍ أَوْ بَيْنَ النِّسَاءِ بِرَأْيِهِ، وَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ -: بُرْهَانٌ قَاطِعٌ فِي وُجُوبِ الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَ ذُو الْحَقِّ حَقَّهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ 1250 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا عَلَيْهَا، وَيُوَكِّلُ الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْغَائِبُ مَنْ يَعْزِلُ لَهُ حَقَّهُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْر رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذُ ذَلِكَ وَيَقْضِيَ بِهِ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ حَقَّهُ، وَأَمَّا التَّقْدِيمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَهَذَا مِنْ الْقِسْطِ.

مسألة على آخذ حظه من المقسوم أن يعطي منه من حضر القسمة

[مَسْأَلَةٌ عَلَى آخِذِ حَظَّهُ مِنْ الْمَقْسُومِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مِنْ حَضَرَ الْقِسْمَةَ] مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ آخِذٍ حَظَّهُ مِنْ الْمَقْسُومِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مِنْ حَضَرَ الْقِسْمَةَ مِنْ ذَوِي قُرْبَى أَوْ مِسْكَيْنِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، وَيُعْطِيَهُ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْغَائِبِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] . وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ ثَابِتٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا وَإِلَّا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُ إنْفَاذُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِخُصُوصٍ ادَّعَاهُ، أَوْ نَسْخٍ زَعَمَهُ، أَوْ لِنَدْبٍ أَطْلَقَهُ بِظَنِّهِ قَوْلٌ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ فَاسِدٌ فَاحِشٌ، إلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمْعًا وَطَاعَةً، لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَحْكَامَهُ، وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَلَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ يُونُسُ، وَمَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ، قَالَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ عَنْ عَوْفٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا

يَرْضَخُونَ لَهُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ، وَابْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّحْوِيِّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَبْدُ اللَّهِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّهَا نَدْبٌ؟ قُلْنَا: أَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالضَّحَّاكِ فَقَوْلٌ يُسْتَغْنَى عَنْ تُكَلِّفْ الرَّدِّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهِ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُمَا: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمْ؟ وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَا قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ هَذَا؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ النَّجَوِيِّ نا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ نا أَبُو صَالِحٍ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ وَيَتَامَاهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنْ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ حَكَمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي مِيرَاثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِعِلْمِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تُنْكِرْ ذَلِكَ. وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَأْتِي إلَى مَا قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلٌ قَدْ صَحَّ بُرْهَانُهُ بِإِنْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَكُلُّ مَا خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ حُكْمُ جَاهِلِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُفْتَرًى مِنْ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نَسَخَهُ بِغَيْرِهِ، كَالصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَرَبُّصِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَوْلًا، وَالْتِزَامِ السَّبْتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْتِي فَيَحْتَجُّ بِقَوْلٍ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ

مسألة لا يجبر أحد من الشركاء على بيع حصته

جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَهَذَا هُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَالتَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخْتَلَفِ عَنْهُ فِيهِ هَاهُنَا حُجَّةً فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ قَوْلُهُ هُنَالِكَ حُجَّةً فَلَيْسَ هَاهُنَا حُجَّةً. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَوْلٌ لَا يَحِلُّ اتِّبَاعُهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَنَهْيٌ عَنْ اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَا بُرْهَانٍ أَوْ إبَاحَةٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا كَذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُجْبَر أَحَدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ] 1252 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ وَلَا عَلَى تَقَاوُمِهِمَا الشَّيْءَ الَّذِي هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ أَصْلًا كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْحَيَوَانِ، لَكِنْ يُجْبَرَانِ عَلَى الْقِسْمَةِ إنْ دَعَا إلَيْهَا أَحَدُهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمْ، أَوْ تُقْسَمُ الْمَنَافِعُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ لَا تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ وَمَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَبِعْ حِصَّتَك وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ، وَكَذَلِكَ شَرِيكُك إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ بِلَا شَيْءٍ مِنْ النَّفْعِ فَيُبَاعُ حِينَئِذٍ لِوَاحِدٍ - كَانَ أَوْ لِشَرِيكَيْنِ - فَصَاعِدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَكَا لِتِجَارَةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ هَاهُنَا خَاصَّةً مَنْ أَبَاهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُخْرِجَ مَالَ أَحَدٍ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُ، وَالْإِجْبَارُ عَلَى الْبَيْعِ إخْرَاجٌ لِلْمَالِ عَنْ صَاحِبِهِ إلَى مَنْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا ظُلْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ تَرْكَ أَحَدِهِمَا الْبَيْعَ ضَرَرًا بِانْتِقَاصِ قِيمَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ؟ قُلْنَا: لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، بَلْ الضَّرَرُ كُلُّهُ هُوَ أَنْ يُجْبَرَ الْمَرْءُ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ، فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الْمُحَرَّمُ، لَا ضَرَرُ إنْسَانٍ بِأَنْ لَا يُنَفِّذَ لَهُ هَوَاهُ فِي مَالِ شَرِيكِهِ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ هَاهُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ أَوْ دَارٌ صَغِيرَةٌ إلَى جَنْبِ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ لِغَيْرِهِ لَوْ بِيعَتَا مَعًا لَتَضَاعَفَتْ الْقِيمَةُ لَهُمَا، وَإِنْ بِيعَتَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ:

مسألة كل شيء يقسم

أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَاهُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْأَمْوَالِ دُونَ الْمَقْسُومِ مِنْهَا؟ وَقَوْلُهُمْ هَاهُنَا عَارٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا وَظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَأَمَّا مَا اُبْتِيعَ لِلتِّجَارَةِ وَالْبَيْعِ فَهُوَ شَرْطٌ قَدْ أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا بِرِضًا مِنْهُمَا جَمِيعًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الْأَقْوَالِ: أَنَّ الَّذِينَ يُجْبِرُونَ الشَّرِيكَ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ عَلَى تَقَاوُمِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لِأَحَدِهِمَا كُلَّهُ لَا يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، فَأَوْجَبُوا الْبَيْعَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبْطَلُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا بَيْعٌ وَبَيْعُ. [مَسْأَلَةٌ كُلُّ شَيْءٍ يُقْسَمُ] 1253 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَرْضًا كَانَ، أَوْ دَارًا صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ سَيْفًا، أَوْ لُؤْلُؤَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ سِوَاهُ حَاشَا الرَّأْسَ الْوَاحِدَ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالْمُصْحَفَ فَلَا يُقْسَمُ أَصْلًا، لَكِنْ يَكُونُ بَيْنَهُمْ يُؤَاجِرُونَهُ وَيَقْتَسِمُونَ أُجْرَتَهُ، أَوْ يَخْدُمَهُمْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] إلَى قَوْله تَعَالَى: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] . وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَانْتَفَعَ سَائِرُهُمْ: لَمْ يَقْسِمْ - وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ انْتَفَعَ بِمَا يَقَعُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْآخَرُونَ - وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ اسْتَضَرَّ أَحَدُهُمْ بِالْقِسْمَةِ فِي انْحِطَاطِ قِيمَةِ نَصِيبِهِ لَمْ يُقْسَمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ -: أَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الْقِسْمَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ وَاحِدٌ لَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَقَعُ لَهُ فَقَدْ عَجَّلَ الضَّرَرَ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ بِمَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ ضَرَرَ زَيْدٍ مُبَاحًا خَوْفَ أَنْ يَسْتَضِرَّ عَمْرٌو؟ وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ رَاعَى انْحِطَاطَ قِيمَةِ حِصَّةِ أَحَدِهِمْ بِالْقِسْمَةِ.

وَأَمَّا تَنَاقُضُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي قِسْمَةِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ - وَإِنْ انْحَطَّتْ قِيمَةُ بَعْضِ الْحِصَصِ انْحِطَاطًا ظَاهِرًا - فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي بَيَانِ فَسَادِ أَقْوَالِهِمْ غَنِينَا عَنْ تَكْرَارِهِمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قِسْمَةِ السَّيْفِ، وَاللُّؤْلُؤَةِ، وَالثَّوْبِ، وَالسَّفِينَةِ، وَبَيْنَ قِسْمَةِ الدَّارِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْأَرْضِ، وَقَدْ يَنْتَفِعُ الْمَرْءُ بِكُلِّ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يَنْحَطُّ النَّصِيبُ مِنْ الْأَرْضِ، وَالدَّارِ، مِنْ قِيمَتِهِ الْمِئِينَ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَضْعَافَ مَا يَنْحَطُّ النَّصِيبُ مِنْ السَّيْفِ، وَالثَّوْبِ، وَاللُّؤْلُؤَةِ. وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُبِيحَانِ قِسْمَةَ الْحَمَّامِ إذَا دَعَا إلَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ شَرِيكُهُ بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ - وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَرَى ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. وَقَدْ يَسْقُطُ فِي هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ، وَيَبْطُلُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَا لَا يَسْقُطُ مِنْ اللُّؤْلُؤَةِ إذَا قُسِمَتْ، وَالسَّيْفِ إذَا قُسِمَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ قَوْلِ صَاحِبٍ بِخِلَافِ هَذَا، فَكَيْفَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِالْبَاطِلِ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ نَظَرِهِمْ وَبَطَلَ احْتِيَاطُهُمْ بِإِبَاحَتِهِمْ فِي مَوْضِعٍ مَا مَنَعُوا مِنْهُ فِي آخَرَ. وَأَمَّا الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيَوَانِ: فَإِنْ كَانَ إنْسَانًا فَتَفْصِيلُ أَعْضَائِهِ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْحِمَارِ، وَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، فَقَتْلُهُ حَرَامٌ، وَذَبْحُهُ لَا يَكُونُ ذَكَاةً، فَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَمَعْصِيَةٌ مُجَرَّدَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَمْ يَحِلَّ ذَبْحُهُ بِغَيْرِ إذْنِ كُلِّ مَنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ ذَبْحُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يُرَى بِهِ مَوْتٌ فَيُبَادِرَ بِذَبْحِهِ، لِأَنَّ تَرْكَهُ مَيْتَةً إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَمَّا الْمُصْحَفُ: فَلَا يَحِلُّ تَقْطِيعُهُ وَلَا تَفْرِيقُ أَوْرَاقِهِ، لِأَنَّ رُتْبَةَ كِتَابِ اللَّهِ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِهِ فَلَا تُحَالُ - وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ: لَا يُقْسَمُ الْمُصْحَفُ. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ هَذَا بِخَبَرٍ فِيهِ «لَا تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إلَّا فِيمَا احْتَمَلَ الْقَسْمَ» وَهَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ صِدِّيقِ بْنِ مُوسَى

مسألة كان المقسوم متفرقا فأراد أحد المقتسمين أخذ نصيبه بالقرعة

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لِأَنَّ " التَّعْضِيَةَ " مَأْخُوذَةٌ مِنْ قِسْمَةِ الْأَعْضَاءِ وَإِنَّمَا الْأَعْضَاءُ لِلْحَيَوَانِ فَقَطْ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمَقْسُومُ متفرقا فَأَرَادَ أَحَدُ الْمُقْتَسِمِينَ أَخَذَ نَصِيبِهِ بِالْقُرْعَةِ] 1254 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَقْسُومُ أَشْيَاءَ مُتَفَرِّقَةً فَدَعَا أَحَدُ الْمُقْتَسِمِينَ إلَى إخْرَاجِ نَصِيبِهِ كُلِّهِ بِالْقُرْعَةِ فِي شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِ الْمَالِ، أَوْ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ: قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، أَحَبَّ شُرَكَاؤُهُ أَمْ كَرِهُوا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ نَوْعٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، وَلَا كُلُّ دَارٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، وَلَا كُلُّ ضَيْعَةٍ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، إلَّا بِاتِّفَاقِ جَمِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ. وَيُقْسَمُ الرَّقِيقُ، وَالْحَيَوَانُ، وَالْمَصَاحِفُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ عَبْدٌ وَبَعْضُ آخَرَ بَقِيَ شَرِيكًا فِي الَّذِي وَقَعَ حَظُّهُ فِيهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ مَنْ قَالَ غَيْرَ قَوْلِنَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ تَرْكِ قَوْلِهِ هَذَا وَالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِنَا، أَوْ إبْطَالِ الْقِسْمَةِ جُمْلَةً، وَتَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَك فِي قَوْلِك: تُقْسَمُ كُلُّ دَارٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ ضَيْعَةٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ غَنَمٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ بَقَرٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ رَقِيقٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ ثِيَابٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آخَرَ؟ قَالَ: بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ بَيْتٍ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ رُكْنٍ مِنْ كُلِّ فَدَّانٍ بَيْنَهُمْ، لِأَنَّهُ إذَا جَعَلْتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ لَزِمَك هَذَا الَّذِي أَلْزَمْنَاك وَلَا بُدَّ. فَإِنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] . قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا الْحَقُّ، وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّتُنَا عَلَيْك لِأَنَّك إذَا حَمَلْتهَا عَلَى مَا قُلْت لَزِمَك مَا قُلْنَا وَلَا بُدَّ، وَالْآيَةُ مُوجِبَةٌ لِقَوْلِنَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ مِنَّا مَا قَدْ جَعَلَهُ فِي وُسْعِنَا، فَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى مِمَّا قَلَّ مِمَّا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَوْ كَثُرَ فَقَطْ، وَلَمْ يُرِدْ تَعَالَى قَطُّ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَقْسُومِ، إذْ لَوْ أَرَادَ تَعَالَى ذَلِكَ لَكَانَ تَعَالَى قَدْ كَلَّفَنَا مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ مِنْ قِسْمَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى قَدْرِ الصُّؤَابَةِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْخَبَرَ الثَّابِتَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيِّ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ

مسألة ما لا يحل بيعه يقسم إذا حل ملكه

جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ» فِي حَدِيثٍ - فَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى بَعْضَهُمْ غَنَمًا، وَبَعْضَهُمْ إبِلًا، فَهَذَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِ. [مَسْأَلَةٌ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ يُقْسَمُ إذَا حَلَّ مِلْكُهُ] 1255 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْسَمُ كُلُّ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ - إذَا حَلَّ مِلْكُهُ -: كَالْكِلَابِ، وَالسَّنَانِيرِ، وَالثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَالْمَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ بِالْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ، لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ وَتَخْلِيصُهُ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا - وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا جَازَ أَنْ تَأْخُذَ الْبِنْتُ دِينَارًا وَالِابْنُ دِينَارَيْنِ. وَكَذَلِكَ: تَقْسِيمُ الضِّيَاعِ الْمُتَبَاعِدَةِ فِي الْبِلَادِ الْمُتَفَرِّقَةِ، فَيَخْرُجُ بَعْضُهُمْ إلَى بَلْدَةٍ، وَالْآخَرُ إلَى أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا - وَكُلُّ قَوْلٍ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ تَحَكُّمٌ بِلَا بُرْهَانٍ يَئُولُ إلَى التَّنَاقُضِ، وَإِلَى الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِنَا، وَتَرْكِ قَوْلِهِمْ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ بَعْضٍ وَأَخْذِ بَعْضٍ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْسَمُ الْحَيَوَانُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَقَعَ فِي الْقِسْمَةِ لِأَحَدِ الْمُقْتَسِمِينَ عُلْو بِنَاءٍ وَالْآخَرِ سُفْلُهُ] 1256 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْقِسْمَةِ لِأَحَدِ الْمُقْتَسِمِينَ عُلْوُ بِنَاءٍ وَالْآخَرِ سُفْلُهُ، وَهَذَا مَفْسُوخٌ أَبَدًا إنْ وَقَعَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْهَوَاءَ دُونَ الْأَرْضِ لَا يُتَمَلَّكُ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ أَصْلًا لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَمَوِّجٌ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَلَا مَضْبُوطٍ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ الْعُلْوُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدُرَاتِ صَاحِبِهِ وَسَطْحِهِ، وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَهْدِمَ صَاحِبُ السُّفْلِ جُدُرَاتِهِ، وَلَا سَطْحَهُ، وَلَا أَنْ يُعْلِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يُقَصِّرَهُ: وَلَا أَنْ يُقَبِّبَ سَطْحَهُ، وَلَا أَنْ يُرَقِّقَ جُدُرَاتِهِ، وَلَا أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا أَقْوَاسًا. وَكُلُّ هَذِهِ شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

مسألة لا يحل للشريك إنفاذ شيء من الحكم في جزء من الشركة

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» . وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فَهُوَ مُمَلَّكٌ إيَّاهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْف شَاءَ، مَا لَمْ يَمْنَعْهُ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ - فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَصَحَّ أَنَّ ابْتِيَاعَ الْعُلُوِّ عَلَى إقْرَارِهِ حَيْثُ هُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ أَنْقَاضِهِ فَقَطْ، فَإِذَا ابْتَاعَهَا فَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهَا عَلَى جَدَرَاتِ غَيْرِهِ، إلَّا مَا دَامَ تَطِيبُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِإِزَالَتِهَا عَنْ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ. وَقَدْ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ مِنْ اقْتِسَامِ سُفْلٍ لِوَاحِدٍ وَعُلُوٍّ لِآخَرَ [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ للشريك إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ الْحُكْمِ فِي جُزْءٍ مِنْ الشَّرِكَة] 1257 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ الْحُكْمِ فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ، وَلَا فِي كُلِّهِ - سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَوْ كَثُرَ - لَا بَيْعٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا هِبَةٌ، وَلَا إصْدَاقٌ، وَلَا إقْرَارٌ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَلَا تَحْبِيسٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَنْ بَاعَ رُبُعَ هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ ثُلُثَ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ شَرِيكُهُ حَاضِرًا، أَوْ مُقَاسَمَتَهُ لَهُ مُمْكِنَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَقَعُ لَهُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَمْ لَا؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . 1258 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فُسِخَ أَبَدًا - سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ أَوْ لَمْ يَقَعْ -: لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أَصْلًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ عَمَلٌ وَقَعَ بِخِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ رَدٌّ. وَأَيْضًا: فَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَجُزْ حِينَ عَقْدِهِ بَلْ وَجَبَ إبْطَالُهُ، فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَجُوزَ فِي وَقْتٍ آخَرَ لَمْ يَعْقِدْ فِيهِ، وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يُصَدَّقْ حِينَ النُّطْقِ بِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ

أَنْ يُصَدَّقَ حِينَ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، إلَّا أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي مَكَان مِنْ الْأَمْكِنَةِ: قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ، فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَرْضٌ، أَوْ حَيَوَانٌ، أَوْ عَرَضٌ، فَبَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَصْدَقَهُ، فَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ غَائِبًا، وَلَمْ يُجِبْ إلَى الْقِسْمَةِ، أَوْ حَاضِرًا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى الْقِسْمَةِ، أَوْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى الْقِسْمَةِ: فَلَهُ تَعْجِيلُ أَخْذِ حَقِّهِ، وَالْقِسْمَةِ وَالْعَدْلِ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِسْمَةِ الْحَاكِمِ إذَا عَدَلَ، وَبَيْنَ قِسْمَةِ الشَّرِيكِ إذَا عَدَلَ، إذْ لَمْ يُوجِبْ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَمَنْعِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ جَوْرٌ، وَكُلُّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ - فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ؟ فَإِنْ كَانَ أَنْفَذَ مَا ذَكَرْنَا فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي الْقِيمَةِ بِالْعَدْلِ غَيْرَ مُتَزَيَّدٍ، وَلَا مُحَابٍ لِنَفْسِهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا: فَهِيَ قِسْمَةُ حَقٍّ، وَكُلُّ مَا أَنْفَذَ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ نَافِذٌ: أَحَبَّ شَرِيكُهُ أَمْ كَرِهَ. فَإِنْ كَانَ حَابَى نَفْسَهُ، فُسِخَ كُلُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلَالًا فَلَمْ تَنْعَقِدْ صَحِيحَةً. فَلَوْ غَرَسَ وَبَنَى وَعَمَّرَ: نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ حَقِّهِ وَقَضَى بِمَا زَادَ لِلَّذِي يُشْرِكُهُ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي بِنَائِهِ وَعِمَارَتِهِ، وَغَرْسِهِ، إلَّا قَلْعَ عَيْنِ مَالٍ، كَالْغَصْبِ وَلَا فَرْقَ. فَلَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَ مِنْهُ: ضَمِنَ مَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ. فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقَ: ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْقِسْمَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كتاب الاستحقاق والغصب والجنايات على الأموال

[كِتَابُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْغَصْبِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ مَالُ مُسْلِمٍ وَلَا مَالُ ذِمِّيٍّ إلَّا بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ] ِ 1259 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مَالُ مُسْلِمٍ، وَلَا مَالُ ذِمِّيٍّ، إلَّا بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ نَقْلُ مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ، أَوْ بِالْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ كَالْهِبَاتِ الْجَائِزَةِ، وَالتِّجَارَةِ الْجَائِزَةِ، أَوْ الْقَضَاءِ الْوَاجِبِ بِالدِّيَاتِ، وَالتَّقَاصِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ مَنْصُوصٌ. فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالَمًا بَالِغًا مُمَيِّزًا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالَمٍ، أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ، أَوْ غَيْرَ مُخَاطَبٍ، فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ فِي وُجُوبِ رَدِّ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهِ، أَوْ فِي وُجُوبِ ضَمَانِ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ قَدْ تَلِفَتْ عَيْنُهُ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . رُوِّينَا هَذَا مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا: عَنْ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ - نا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة غصب شيئا وهو يظن أنه له

وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَالَمًا مِنْ غَيْرِ عَالَمٍ، وَلَا مُكَلَّفًا مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عَامِدٍ. [مَسْأَلَةٌ غَصَبَ شَيْئًا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ] 1260 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا، أَوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَكِنْ بِبَيْعٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ هِبَةٍ مُحَرَّمَةٍ، أَوْ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، أَوْ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ إنْ تَلِفَ بَعْضُهُ - أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ - وَمِثْلُ مَا تَلِفَ مِنْهُ، أَوْ يَرُدَّهُ وَمِثْلَ مَا نَقَصَ مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ مِثْلَهُ إنْ فَاتَتْ عَيْنُهُ - وَأَنْ يَرُدَّ كُلَّ مَا اُغْتُلَّ مِنْهُ، وَكُلَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، كَمَا قُلْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ: الْحَيَوَانُ، وَالدُّورُ، وَالشَّجَرُ، وَالْأَرْضُ، وَالرَّقِيقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا قُلْنَا. فَيَرُدَّ كُلَّ مَا اُغْتُلَّ مِنْ الشَّجَرِ، وَمِنْ الْمَاشِيَةِ: مِنْ لَبَنٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ نِتَاجٍ، وَمِنْ الْعَقَارِ: الْكِرَاءِ. وَإِنْ كَانَتْ أَمَةٌ فَأَوْلَدَهَا، فَإِنْ كَانَ عَالَمًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ حَدُّ الزِّنَى وَبِرَدِّهَا وَأَوْلَادِهَا وَمَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ حَدٍّ، وَلَا إثْمَ، لَكِنْ يَرُدُّهَا، وَيَرُدُّ أَوْلَادَهُ مِنْهَا رَقِيقًا لِسَيِّدِهَا، وَيَرُدُّ مَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ - وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا أَنْفَقَ كَثُرَ أَمْ قَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَهُوَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ خُصُومِنَا مَعَنَا، فَمَنْ خَالَفَ مَا قُلْنَا: فَقَدْ أَبَاحَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَأَبَاحَ الْمَالَ الْحَرَامَ، وَخَالَفَ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ» وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: كُلُّ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِضَمَانِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَا تَوَلَّدَ مِنْ لَبَنٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ - وَفَرَّقَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْغَاصِبِ: فَجَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ لِلْغَاصِبِ - وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ قَائِمًا وَبَيْنَ مَا هَلَكَ مِنْهُ فَلَمْ يُضَمِّنُوهُ مَا هَلَكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ كُلُّهَا أَرَاءٌ فَاسِدَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ، وَحُجَّةُ جَمِيعِهِمْ إنَّمَا هِيَ الْحَدِيثُ الَّذِي لَا يَصِحُّ، الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ " أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ". ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ، فَكَانَ خَرَاجُهُ لَهُ - وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا صَحِيحًا فَاسْتَغَلَّ مَالَهُ لَا مَالَ غَيْرِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ عَلَى الْحَلَالِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ كُلُّهُ؟ أَوْ أَنْ يَحْكُمَ لِلْبَاطِلِ بِحُكْمِ الْحَقِّ، وَلِلظَّالِمِ بِحُكْمِ مَنْ لَمْ يَظْلِمْ، فَهَذَا الْجَوْرُ وَالتَّعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ لَكَانَ تَقْسِيمُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ الْغَلَّةِ، وَبَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالتَّأَلُّفِ بَاطِلًا مَقْطُوعًا بِهِ، لِأَنَّهُ لَا بِهَذَا الْخَبَرِ أَخَذَ، وَلَا بِالنُّصُوصِ الَّتِي قَدَّمْنَا أَخَذَ، بَلْ خَالَفَ كُلَّ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا بَقِيَ الْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ رَأَى الْغَلَّةَ وَالْوَلَدَ لِلْغَاصِبِ وَلِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ فَقَطْ، فَالنُّصُوصُ الَّتِي ذَكَرْنَا تُوجِبُ مَا قُلْنَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الرِّوَايَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْوَهَّابِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - نا أَيُّوبُ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» .

فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ صَارَ إلَيْهِ مَالُ أَحَدٍ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ أَعِرْقُ ظَالِمٍ هُوَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، خَالَفُوا الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَقَوْلَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَزِمَهُمْ أَنْ لَا يَرُدُّوا عَلَى الْمُسْتَحِقِّ شَيْئًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَا بِيَدِ الْغَاصِبِ، وَالظَّالِمُ بِعِرْقِ ظَالِمٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِرْقُ ظَالِمٍ فَهُوَ عِرْقُ حَقٍّ، إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا. قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - وَإِنْ قَالُوا: بَلْ بِعِرْقِ ظَالِمٍ هُوَ بِيَدِهِ، لَزِمَهُمْ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَرَى فِيهِ ذَلِكَ الْعِرْقُ. وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْغَلَّةِ: فَكَلَامٌ فِي غَايَةِ السُّخْفِ وَالْفَسَادِ، وَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ مَا انْفَصَلُوا مِنْهُ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ الْأَحْيَاءِ فَرَأَى رَدَّهُمْ، وَبَيْنَ الْمَوْتَى فَلَمْ يَرَ رَدَّهُمْ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ كُلِّ مَا نَتَجَتْ الْأُمَّهَاتُ حِينَ الْوِلَادَةِ إلَى سَيِّدِهِمْ وَسَيِّدِ أُمِّهِمْ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، لَزِمَهُمْ أَنْ لَا يَقْضُوا بِرَدِّهِمْ أَصْلًا أَحْيَاءً وُجِدُوا أَمْ أَمْوَاتًا. وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَسُقُوطُ وُجُوبِ رَدِّهِمْ بِمَوْتِهِمْ كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَلَهُمْ فِي أَوْلَادِ الْمُسْتَحِقَّةِ مِمَّنْ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ -: فَمَرَّةً قَالُوا: يَأْخُذُهَا وَيَأْخُذُ قِيمَةَ وَلَدِهَا، وَمَرَّةٌ قَالُوا: يَأْخُذُهَا فَقَطْ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْوَلَدِ - لَا قِيمَةَ وَلَا غَيْرِهَا - وَمَرَّةً قَالُوا: يَأْخُذُ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادِ هَلْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ قَطُّ فِي أَوَّلِ خَلْقهمْ، أَوْ حِينَ وِلَادَتِهِمْ: مَلَكَ سَيِّدُ أُمِّهِمْ أَمْ لَمْ يَقَعْ لَهُ قَطُّ عَلَيْهِمْ مِلْكٌ؟ وَلَا ثَالِثَ لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِلْكُهُ؟ قُلْنَا: فَفِي أَيِّ دِينِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْتُمْ أَنْ تُجْبِرُوهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ

كَانَ مِنْهُ إلَيْهِمْ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَاسْتُرِقَّ وَلَدُهُ مِنْهَا؟ فَهَلَّا أَجْبَرْتُمْ سَيِّدَهَا عَلَى قَبُولِ فَدَائِهِمْ فَإِنْ قَالُوا: عَلَى هَذَا دَخَلَ النَّاكِحُ لَمْ يَنْوِ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا، وَمَا حُرِّمَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ بِنِيَّاتِ غَيْرِهِمْ فِيهَا، أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذَا الْحُكْمَ؟ وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ، وَإِذْ هُمْ فِي مِلْكِهِ فَهُمْ لَهُ بِلَا شَكٍّ. وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَقَعْ مِلْكُهُ قَطُّ عَلَيْهِمْ؟ قُلْنَا: فَبِأَيِّ وَجْهٍ تَقْضُونَ لَهُ بِقِيمَتِهِمْ؟ وَهَذَا ظُلْمٌ لِأَبِيهِمْ بَيِّنٌ، وَإِيكَالٌ لِمَا لَهُ بِالْبَاطِلِ، وَإِبَاحَةٌ لِثَمَنِ الْحُرِّ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: يَأْخُذُ قِيمَةَ الْأُمِّ فَقَطْ، أَوْ يَأْخُذُهَا فَقَطْ: لِأَيِّ شَيْءٍ يَأْخُذُهَا، أَوْ قِيمَتَهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهَا أَمَتُهُ؟ قُلْنَا: فَأَوْلَادُ أَمَتِهِ عَبِيدُهُ بِلَا شَكٍّ، فَلِمَ أَعْطَيْتُمُوهُ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ وَتَمْنَعُونَهُ الْبَعْضَ؟ أَوْ لِمَ تَجْبُرُونَهُ عَلَى بَيْعِهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ بَيْعَهَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ جَارِيَةً لِأَبِيهِ فَتَسَرَّاهَا الْمُشْتَرِي فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَجَاءَ أَبُوهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا وَوَلَدَهَا إلَيْهِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: دَعْ لِي وَلَدِي، فَقَالَ لَهُ: دَعْ لَهُ وَلَدَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ شَفَاعَةٌ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَغْبَةٌ وَلَيْسَ فَسْخًا لِقَضَائِهِ بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِسَيِّدِهَا -: وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ: أَنَّ أَمَةً أَتَتْ طَيِّئًا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا ثُمَّ إنَّ سَيِّدَهَا ظَهَرَ عَلَيْهَا فَقَضَى بِهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: أَنَّهَا وَأَوْلَادَهَا لِسَيِّدِهَا، وَأَنَّ لِزَوْجِهَا مَا أَدْرَكَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَجَعَلَ فِيهِمْ الْمِلَّةَ وَالسُّنَّةَ كُلُّ رَأْسٍ رَأْسَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ امْرَأَةً وَابْنًا لَهَا بَاعَا جَارِيَةً لِزَوْجِهَا - وَهُوَ أَبُو الْوَلَدِ - فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ لِلَّذِي ابْتَاعَهَا ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَخَاصَمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ: لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ بَاعَ ابْنُك وَبَاعَتْ امْرَأَتُك؟ قَالَ: إنْ كُنْت تَرَى لِي حَقًّا فَأَعْطِنِي؟ قَالَ: فَخُذْ جَارِيَتَك وَابْنَهَا، ثُمَّ سَجَنَ الْمَرْأَةَ وَابْنَهَا حَتَّى تَخَلَّصَا لَهُ، فَلَمَّا رَأَى الزَّوْجُ ذَلِكَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ. فَهَذَا عَلِيٌّ قَدْ رَأَى الْحَقَّ أَنَّهَا وَوَلَدَهَا لِسَيِّدِهَا وَقَضَى بِذَلِكَ، وَسَجَنَ الْمَرْأَةَ

وَوَلَدَهَا - وَهُمَا أَهْلٌ لِذَلِكَ - لِتَعَدِّيهِمَا، وَالْأَخْذُ بِالْخَلَاصِ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ رَدَّ الثَّمَنِ وَهَذَا حَقٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا آخَرُ بِبَيِّنَةٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: تَرُدُّ عَلَيْهِ، وَيَقُومُ وَلَدُهَا فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَهُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُطَرِّفٌ - هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - وَالْمُغِيرَةُ، قَالَ مُطَرِّفٌ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ فِي وَلَدِ الْغَارَّةِ أَنَّ عَلَى أَبِيهِمْ أَنْ يَفْدِيَهُمْ بِمَا عَزَّ وَهَانَ. وَعَنْ الْحَسَنِ: يُفْدَوْنَ بِعَبْدٍ عَبْدٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ فِي أَوْلَادِ الْغَارَّة بِالْقِيمَةِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: غَرَّتْ أَمَةٌ قَوْمًا وَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَتْ فِيهِمْ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَوَجَدُوهَا أَمَةٌ فَقَضَى عُمَرُ بِقِيمَةِ أَوْلَادِهَا فِي كُلِّ مَغْرُورٍ غُرَّةٌ. وَقَضَى الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِغُرَّةٍ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي مَيْسَرَةَ، وَالْحَسَنِ: مَكَانَ كُلِّ وَاحِدٍ غُرَّةٌ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: عَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُمْ وَيُهْضَمُ عَنْهُ مِنْ الْقِيمَةِ شَيْءٌ. وَهَذَا قَوْلُنَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا فِي وَلَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ مِنْهَا فَقَطْ، فَإِنَّهُ نَاقَضَ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَاهُ فَخَاصَمَ إلَى إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِيهِ فَاسْتَحَقَّهُ فَقَضَى لَهُ بِالْعَبْدِ وَبِغَلَّتِهِ، وَقَضَى لِلرَّجُلِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الْعَبْدِ، وَبِمِثْلِ غَلَّتِهِ، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَقَالَ: هُوَ فَهْمٌ - فَهَذَانِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، يَقُولَانِ بِقَوْلِنَا فِي رَدِّ الْغَلَّةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: إذَا اشْتَرَيْت غَنَمًا فَنَمَتْ ثُمَّ جَاءَ

أَمْرٌ بِرَدِّ الْبَيْعِ فِيهِ قَالَ: يَرُدُّهَا وَنَمَاءَهَا، وَالْجَارِيَةُ إذَا وَلَدَتْ كَذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: فَلِمَ فَرَّقْتُمْ أَنْتُمْ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحِقِّ فَأَلْحَقْتُمْ الْوَلَدَ بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَلَمْ تُلْحِقُوهُ بِالْغَاصِبِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ فَأَسْلَمَ النَّاسُ وَفِيهِمْ أَوْلَادُ الْمَنْكُوحَاتِ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ وَالْمُتَمَلِّكَاتِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْمُتَمَلِّكُ، وَالنَّاكِحُ يَظُنَّانِ أَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ وَالْمِلْكَ حَقٌّ، فَأَلْحَقَهُمْ بِآبَائِهِمْ، وَلَمْ يُلْحِقْ قَطُّ وَلَدَ غَاصِبٍ، أَوْ زَانٍ بِمَنْ وَضَعَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، بَلْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَالْغَاصِبُ وَالْعَالِمُ بِفَسَادِ عَقْدِهِ - مِلْكًا كَانَ أَوْ زَوَاجًا - عَاهِرَانِ فَلَا حَقَّ لَهُمَا فِي الْوَلَدِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مَكَانٌ خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ إلَّا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَهُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: تُرَدُّ إلَيْهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْوَلَدُ فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ، فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهَذِهِ، وَقَدْ كَذَبُوا لِأَنَّهُمْ لَا يُغَرِّمُونَ الْبَائِعَ مَا يَفْدِي بِهِ وَلَدَهُ، إلَّا الرِّوَايَةَ الْمُنْقَطِعَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي أَوْلَادِ الْغَارَّةِ بِقِيمَتِهِمْ وَالْقِيمَةُ قَدْ صَحَّتْ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا عَبْدٌ مَكَانَ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَانِ مَكَانَ عَبْدٍ؛ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا أَيْضًا. وَخَالَفُوا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُمْ جُمْهُورُ مَنْ رَوَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ فِي فِدَاءِ وَلَدِ الْغَارَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِعَبْدٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا مَاتَ مِنْ الْوَلَدِ وَالنِّتَاجِ، وَمَا تَلِفَ مِنْ الْغَلَّةِ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ فِي الْجِسْمِ وَالْقِيمَةَ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَكَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ كُلَّ ذَلِكَ فَهُوَ مُعْتَدٍ بِإِمْسَاكِهِ مَالَ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ مُعْتَدِيًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ غَصْبَ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ رِيحٍ أَلْقَتْ ثَوْبًا فِي مَنْزِلِ الْإِنْسَانِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الَّذِي رَمَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ فِي مَنْزِلِهِ لَيْسَ مُتَمَلِّكًا لَهُ وَلَوْ تَمَلَّكَهُ لَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، وَهَذَا الْمُشْتَرِي أَوْ الْغَاصِبُ مُتَمَلِّكٌ لِكُلِّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ غَلَّةٍ، أَوْ زِيَادَةٍ، أَوْ

نَتَاجٍ، أَوْ ثَمَرَةٍ، حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى رَدَّهُ إلَيْهِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ إمْسَاكَهُ عَنْهُ، فَهُوَ مُعْتَدٍ بِذَلِكَ يَقِينًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ حِينَ زَادَ ثَمَنُهُ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، فَكَانَ لَازِمًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَهُوَ يُسَاوِي تِلْكَ الْقِيمَةِ، فَإِذَا لَزِمَهُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ رَدُّ مَا لَزِمَهُ رَدُّهُ. وَأَمَّا الْكِرَاءُ: فَإِنَّهُ إذْ حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ عَيْنِ مَالِهِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنَافِعِهِ فَضَمِنَهَا، وَلَزِمَهُ أَدَاءُ مَا مَنَعَهُ مِنْ حَقِّهِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَكِرَاءُ مَتَاعِهِ مِنْ حَقِّهِ بِلَا شَكٍّ، فَفَرْضٌ عَلَى مَانِعِهِ إعْطَاؤُهُ حَقُّهُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا -: قَوْلُ الْحَنَفِيِّينَ إنَّ الْكِرَاءَ لِلْغَاصِبِ وَالْغَلَّةَ، وَلَا يَضْمَنُ وَلَدَهَا الْمَوْتَى، ثُمَّ يَقُولُونَ فِيمَنْ صَادَ ظَبْيَةً فِي الْحَرَمِ فَأَمْسَكَهَا وَلَمْ يَقْتُلْهَا، حَتَّى إذَا وَلَدَتْ عِنْدَهُ أَوْلَادًا فَمَاتُوا وَلَمْ يَذْبَحْهُمْ: أَنَّهُ يَجْزِيهَا وَيَجْزِي أَوْلَادَهَا - فَلَوْ عَكَسُوا لَأَصَابُوا وَمَا أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى صَائِدَ الظَّبْيَةِ ضَمَانَهَا - عَاشَتْ أَوْ مَاتَتْ - إلَّا أَنْ يَقْتُلَهَا عَامِدًا، وَإِلَّا فَلَا، فَهُمْ أَبَدًا يُحَرِّفُونَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِ مُتَصَدِّرِيهِمْ بِالْجَهْلِ بِأَنْ قَالَ: وَأَيُّ ذَنْبٍ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُسْتَرَقَّ؟ فَقُلْنَا: مَا عَلِمْنَا ذَنْبًا يُوجِبُ الِاسْتِرْقَاقَ، وَالرِّدَّةَ، وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا، وَتْرُكَ الصَّلَاةِ، وَزِنَى الْمُحْصَنِ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِرْقَاقَ فَاعِلِهِ وَأَوْلَادُ الْكُفَّارِ يُسْتَرَقُّونَ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ فَلَيْسَ يَعْتَرِضُ بِمِثْلِ هَذَا الْهَوَسِ إلَّا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا دِينَ. وَأَمَّا إسْقَاطُنَا الْمَهْرَ فِي وَطْءِ الْغَاصِبِ، وَالْمُسْتَحِقِّ، فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَمَالُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ: حَرَامٌ، إلَّا مَا أَوْجَبَهُ النَّصُّ وَلَا مَهْرَ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ لِلَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَقَطْ - عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ - وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَهُ وَطْؤُهُ إيَّاهَا بِزِنَى الْغَاصِبِ أَوْ بِجَهْلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ بِذَلِكَ بَعْضَ قِيمَةِ أَمَةِ غَيْرِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ: فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُعْطَى إلَّا الْقِيمَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ

فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ حِنْطَةً أَنَّ لَهُ طَعَامًا مِثْلَ طَعَامِهِ، قَالَ سُفْيَانُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ فُقَهَائِنَا: لَهُ الْقِيمَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: أَمَّا مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ نَوْعِهِ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ فَالْقِيمَةُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْمِثْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ عُدِمَ الْمِثْلُ فَالْمَضْمُونُ لَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يُوجَدَ الْمِثْلُ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ أَتَى بِطَامَّةٍ، فَقَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ بِأَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ لِشَرِيكِهِ، قَالُوا: فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ حِصَّةَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَبْدِ بِالْقِيمَةِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِنْ عَجَائِبِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَفْحَشُوا الْخَطَأَ فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ، وَالْمُعْتِقُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَسْتَهْلِكْ شَيْئًا، وَلَا غَصَبَ شَيْئًا، وَلَا تَعَدَّى أَصْلًا، بَلْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عِتْقَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَذَهُ لَا لِتَعَدٍّ مِنْ الْمُعْتَقِ أَصْلًا. وَالثَّانِي - عَظِيمٌ تَنَاقُضُهُمْ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ الْمَذْكُورُ مُسْتَهْلِكًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِأَنْ يُوجِبُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ مُعْسِرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا كَمَا يَفْعَلُونَ فِي كُلِّ مُسْتَهْلَكٍ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَذَا فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مَنْ يَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَائِلُهُ عَنْ كَلَامِهِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ عِبَادَ اللَّهِ تَعَالَى يَتَعَقَّبُونَ كَلَامَهُ عَلَى هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ إحَالَةِ السُّنَنِ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَسَعْيِهِمْ فِي إدْحَاضِ الْحَقِّ بِذَلِكَ؟ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا هَاهُنَا إجْمَاعًا، لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَزُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ يُضَمِّنُونَهُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَمَا نُبَالِي بِطَرْدِ هَذَيْنِ أَصْلُهُمَا فِي الْخَطَأِ، لِأَنَّهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفَانِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُضَمِّنْ الْمُعْسِرَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَمَرَ فِي ذَلِكَ بِالِاسْتِسْعَاءِ لِلْمُعْتَقِ فَقَطْ -:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ «أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَهْدَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَيَوْمِهَا: جَفْنَةً مِنْ حَيْسٍ، فَقَامَتْ عَائِشَةُ فَأَخَذَتْ الْقَصْعَةَ فَضَرَبَتْ بِهَا الْأَرْضَ فَكَسَرَتْهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قَصْعَةٍ لَهَا فَدَفَعَهَا إلَى رَسُولِ زَيْنَبَ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانُ صَحْفَتِهَا - وَقَالَ لِعَائِشَةَ: لَكِ الَّتِي كَسَرْتِ» فَهَذَا قَضَاءٌ بِالْمِثْلِ لَا بِالدَّرَاهِمِ بِالْقِيمَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُمَا قَضَيَا عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَ فُصْلَانًا بِفُصْلَانٍ مِثْلِهَا. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُمَا قَضَيَا بِالْمِثْلِ فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ، وَرَأْسَهُ، وَسَوَاقِطَهُ. وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، فِي فِدَاءِ وَلَدِ الْغَارَّةِ بِعَبِيدٍ لَا بِالْقِيمَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ قَضَى فِي قَصَّارٍ شَقَّ ثَوْبًا أَنَّ الثَّوْبَ لَهُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ ثَمَنُهُ؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنَّهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ، قَالَ: إنَّهُ لَا يَجِدُ، قَالَ: لَا وَجَدَ. وَعَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ قَضَى فِي ثَوْبٍ اُسْتُهْلِكَ بِالْمِثْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ نُورِدْ قَوْلَ أَحَدٍ مِمَّنْ أَوْرَدْنَا احْتِجَاجًا بِهِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِئَلَّا يَهْجُمُوا بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ جُرْأَةً عَلَى الْبَاطِلِ، فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ لَا تَقْضُونَ بِالْمَكْسُورِ لِلْكَاسِرِ، فَقَدْ خَالَفْتُمْ الْحَدِيثَ؟ قُلْنَا: حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَعَلِمْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُعْطِي أَحَدًا غَيْرَ حَقِّهِ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّهَا لَك مِنْ أَجْلِ كَسْرِك إيَّاهَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَصَحَّ بِذَلِكَ يَقِينًا أَنَّ تِلْكَ الْكِسَارَةَ الَّتِي أَعْطَى لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنَّهَا لَمْ تَصْلُحْ لِشَيْءٍ فَأَبْقَاهَا كَمَا يَحِلُّ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنَّا مَا فَسَدَ جُمْلَةً مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ مِنْهُ شَيْءٌ.

مسألة أتلف لآخر شيئا

وَإِمَّا أَنَّ قَصْعَةَ عَائِشَةَ الَّتِي أَعْطَى كَانَتْ خَيْرًا مِنْ الَّتِي كَانَتْ لِزَيْنَبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَجَبْرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تِلْكَ الزِّيَادَةَ بِتِلْكَ الْكِسَارَةِ، وَإِلَّا فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُعْطِي أَحَدًا مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي عَيْنِ مَالِهِ لَا فِي غَيْرِهِ، فَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا مَوْجُودَيْنِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ عَدِمَ جُمْلَةً فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَهُ بِالْمِثْلِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا عَدِمَ الْمِثْلَ مِنْ نَوْعِهِ فَكُلُّ مَا قَاوَمَهُ وَسَاوَاهُ فَهُوَ أَيْضًا مِثْلٌ لَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، إلَّا أَنَّهُ أَقَلُّ مِثْلَيْهِ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ نَوْعِهِ، فَلِذَلِكَ قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ الْمُطْلَقِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَتْلَفَ لِآخَرَ شَيْئًا] 1261 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَسَرَ لِآخَرَ شَيْئًا، أَوْ جَرَحَ لَهُ عَبْدًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ خَرَقَ لَهُ ثَوْبًا، قُوِّمَ كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحًا مِمَّا جَنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قُوِّمَ كَمَا هُوَ السَّاعَةُ، وَكُلِّفَ الْجَانِي أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ الشَّيْءِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الشَّيْءَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى فَقَطْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لَا يَحِلُّ هَذَا. وَلِلْحَنَفِيِّينَ هَاهُنَا اضْطِرَابٌ وَتَخْلِيطٌ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِمْ: مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ وُجِدَ وَقَدْ قَطَعَهُ الْغَاصِبُ فَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ كَمَا هُوَ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ لِلْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَقَدْ خَاطَهُ قَمِيصًا: فَهُوَ لِلْغَاصِبِ بِلَا تَخْيِيرٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةُ الثَّوْبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ تُغْصَبُ فَتُطْحَنُ، وَالدَّقِيقُ يُغْصَبُ فَيُعْجَنُ، وَاللَّحْمُ يُغْصَبُ فَيُطْبَخُ، أَوْ يُشْوَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا فِي الْمُجَاهَرَةِ بِكَيْدِ الدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَلَا فِي تَعْلِيمِ الظَّلَمَةِ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، فَيُقَالُ لِكُلِّ فَاسِقٍ: إذَا أَرَدْت أَخْذَ قَمْحِ يَتِيمٍ، أَوْ جَارِك، وَأَكْلَ غَنَمِهِ، وَاسْتِحْلَالَ ثِيَابِهِ، وَقَدْ امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَبِيعَك شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَاغْصِبْهَا، وَاقْطَعْهَا ثِيَابًا عَلَى رَغْمِهِ، وَاذْبَحْ غَنَمَهُ وَأَطْبُخْهَا، وَاغْصِبْهُ حِنْطَتَهُ وَاطْحَنْهَا، وَكُلْ كُلَّ ذَلِكَ حَلَالًا طَيِّبًا، وَلَيْسَ عَلَيْك إلَّا قِيمَةُ مَا أَخَذْت، وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ فِي نَهْيِهِ تَعَالَى أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بِالْبَاطِلِ، وَخِلَافُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» و «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .

وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ قُطِعَ مِنْ شُقَّةٍ فَإِنَّهُ لِصَاحِبِ الشُّقَّةِ، وَكُلَّ دَقِيقٍ طُحِنَ مِنْ حِنْطَةِ إنْسَانٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ، وَكُلَّ لَحْمٍ شُوِيَ فَهُوَ لِصَاحِبِ اللَّحْمِ - وَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَذَا ثُمَّ لَا يُبَالُونَ بِأَنْ يَقُولُوا: الْغَصْبُ، وَالظُّلْمُ، وَالتَّعَدِّي يُحِلُّ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ لِلْغُصَّابِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ الْخَبَرِ فَخَالَفُوهُ فِيمَا فِيهِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِخَبَرِ «الْمَرْأَةِ الَّتِي دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى طَعَامٍ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَرَادَتْ ابْتِيَاعَ شَاةٍ فَلَمْ تَجِدْهَا فَأَرْسَلَتْ إلَى جَارَةٍ لَهَا: ابْعَثِي إلَيَّ الشَّاةَ الَّتِي لِزَوْجِكِ فَبَعَثَتْ بِهَا إلَيْهَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّاةِ أَنْ تُطْعَمَ الْأَسَارَى» قَالَ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُفْتَرِي: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الشَّاةِ قَدْ سَقَطَ عَنْهَا إذْ شُوِيَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يَصِحُّ، لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِقَوْلِهِمْ، إذْ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبْقِ ذَلِكَ اللَّحْمُ فِي مِلْكِ الَّتِي أَخَذَتْهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ لِلْغَاصِبِ حَلَالٌ - وَهَذَا الْخَبَرُ فِيهِ: أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ رَأْيَهَا فِي ذَلِكَ - فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلُوا بِأَهْلِ مَاءٍ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَانْطَلَقَ النُّعْمَانُ فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُمْ: يَكُونُ كَذَا وَكَذَا - وَهُمْ يَأْتُونَهُ بِالطَّعَامِ وَاللَّبَنِ، وَيُرْسِلُ هُوَ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِهِ - فَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ فَقَالَ: أَرَانِي آكِلُ كِهَانَةَ النُّعْمَانِ مُنْذُ الْيَوْمِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَده فِي حَلْقِهِ فَاسْتَقَاءَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي مَغَازِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنْت فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَذَكَرَ قِسْمَتُهُ الْجَزُورَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ مِنْهَا، فَأَتَى بِهِ إلَى أَصْحَابِهِ فَطَبَخُوهُ فَأَكَلُوهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَنْهُ؟ فَأَخْبَرَهُمَا، فَقَالَا لَهُ: وَاَللَّهِ مَا أَحْسَنْت حِينَ أَطْعَمْتنَا هَذَا ثُمَّ قَامَا يَتَقَيَّآنِ مَا فِي بُطُونِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ حُلِبَ لَهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ عُمَرُ أُصْبُعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ.

مسألة غصب دارا فتهدمت

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَالُوا لَهُ: قَدْ شَرِبَ عَلِيٌّ نَبِيذَ الْجَرِّ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقُلْت لَهُمْ: هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَ أَنَّهُ نَبِيذَ جَرِّ تَقَيَّأَهُ. نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّقَطِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُوَيْهٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ: دَخَلَ مَعْمَرٌ عَلَى أَهْلِهِ فَإِذَا عِنْدَهَا فَاكِهَةٌ فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهَا فَقَالَتْ لَهُ: أَهْدَتْهَا إلَيْنَا فُلَانَةُ النَّائِحَةُ، فَقَامَ مَعْمَرٌ فَتَقَيَّأَ مَا أَكَلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَعِلْمِهِمْ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ لَا يَرَوْنَ الطَّعَامَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقٍّ مِلْكًا لِآخِذِهِ، وَإِنْ أَكَلَهُ، بَلْ يَرَوْنَ عَلَيْهِ إخْرَاجَهُ، وَأَنْ لَا يُبْقِيَهُ فِي جِسْمِهِ مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي إبَاحَةِ الْحَرَامِ جِهَارًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا نَقُولُ، فَمَا دَامَ الْمَرْءُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَقَيَّأَهُ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُ الْحَرَامِ أَصْلًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَتَقْلِيدًا لِبَعْضِ التَّابِعِينَ فِي خَطَأٍ أَخْطَأَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالُوا أَيْضًا: قِسْنَا هَذَا عَلَى الْعَبْدِ يَمُوتُ فَتُضْمَنَ قِيمَتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ، لَا لَهُمْ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَمَلَّكُهُ الْغَاصِبُ. [مَسْأَلَةٌ غَصَبَ دَارًا فَتَهَدَّمَتْ] 1262 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَصَبَ دَارًا فَتَهَدَّمَتْ كُلِّفَ رَدَّ بِنَائِهَا كَمَا كَانَ وَلَا بُدَّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَهُوَ قَدْ اعْتَدَى عَلَى الْبِنَاءِ الْمُؤَلَّفِ فَحَال بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ، وَهُوَ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَأْمُورٌ بِرَدِّهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى صَاحِبِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِهَدْمِهَا مَا لَزِمَهُ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ دَارٍ تَتَهَدَّمُ وَبَيْنَ عَبْدٍ يَمُوتُ؟ فَكَانَ احْتِجَاجُ صَاحِبِهِمْ: أَنَّ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ لَا تُغْصَبُ، فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا. وَمَا نَعْلَمُ لِإِبْلِيسِ دَاعِيَةً فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطْلِقُ الظَّلَمَةَ عَلَى غَصْبِ دُورِ النَّاسِ

مسألة من غصب أرضا فزرعها أو لم يزرعها

وَأَرَاضِيهمْ ثُمَّ يُبِيحُ لَهُمْ كِرَاءَهَا وَغَلَّتَهَا، وَلَا يَرَى عَلَيْهِمْ ضَمَانَ مَا تَلِفَ مِنْهَا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. [مَسْأَلَةٌ مِنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا أَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا] 1263 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، أَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا فَعَلَيْهِ رَدُّهَا وَمَا نَقَصَ مِنْهَا، وَمُزَارَعَتُهُ مِثْلُهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهَا وَبَيْنَ مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ، وَلَا مَنْفَعَةَ لِلْأَرْضِ إلَّا الزَّرْعُ وَالْمُزَارِعَةُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي " الْمُزَارَعَةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: الْأَرْضُ لَا تُغْصَبُ، وَهَذَا كَذِبٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ حَقِّهِ ظُلْمًا - وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ نا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» . فَصَحَّ أَنَّ الْأَرْضَ تُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَصَحَّ أَنَّهَا تُغْصَبُ. [مَسْأَلَةٌ غَصَبَ زُرَيْعَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوًى فَغَرَسَهُ] 1264 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَصَبَ زُرَيْعَةً فَزَرَعَهَا، أَوْ نَوًى فَغَرَسَهُ، أَوْ مَلُوخًا فَغَرَسَهَا، فَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ الزَّرْعِ فَلِصَاحِبِ الزَّرِيعَةِ يَضْمَنُهُ لَهُ الزَّارِعُ - وَكُلُّ مَا نَبَتَ مِنْ النَّوَى، وَالْمَلُوخِ فَلِصَاحِبِهَا - وَكُلُّ مَا أَثْمَرَتْ تِلْكَ الشَّجَرُ فِي الْأَبَدِ فَلَهُ، لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» . وَلِأَنَّ كُلَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَلَهُ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا خَطْبَ لَهُ بِهِ مِمَّا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَيَطْرَحُهُ مُبِيحًا لَهُ، مِنْ أَخْذِهِ مِنْ النَّوَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَطْ، لَا مَا لَمْ يُبِحْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عَدَا عَلَيْهِ حَيَوَانٌ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ] 1265 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ عَدَا عَلَيْهِ حَيَوَانٌ مُتَمَلَّكٌ مِنْ بَعِيرٍ، أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ، أَوْ

فِيلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: يَضْمَنُهُ، وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» . وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ " إنَّ إنْسَانًا عَدَا عَلَيْهِ فَحْلٌ لِيَقْتُلَهُ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ فَأَغْرَمَهُ أَبُو بَكْرٍ إيَّاهُ، وَقَالَ: بَهِيمَةٌ لَا تَعْقِلُ ". وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " مَنْ أَصَابَ الْعَجْمَاءَ غُرِّمَ ". وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ: أَنَّ غُلَامًا دَخَلَ دَارَ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فَضَرَبَتْهُ نَاقَةٌ لِزَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ فَعَمَدَ أَوْلِيَاءُ الْغُلَامِ فَعَقَرُوهَا فَأَبْطَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَمَ الْغُلَامِ وَأَغْرَمَ وَالِدَ الْغُلَامِ ثَمَنَ النَّاقَةِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ مِثْلُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْحَدِيثُ «جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَبِهِ نَقُولُ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي أَنَّ مَا جَرَحَتْهُ الْعَجْمَاءُ لَا يَغْرَمُ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا هَذَا بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي تَضْمِينِهِمْ الرَّاكِبَ، وَالسَّائِقَ، وَالْقَائِدَ، مَا أَصَابَ الْعَجْمَاءُ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَيْهِ فَهُمْ الْمُخَالِفُونَ لِهَذَا الْأَثَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَشُرَيْحٍ، فِيهِ نَقُولُ: مَنْ قَتَلَتْ بَهِيمَةٌ وَلِيَّهُ فَمَضَى

مسألة لا ضمان على صاحب البهيمة فيما جنته

بَعْدَ جِنَايَتِهَا فَقَتَلَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا، لِأَنَّهَا لَا ذَنْبَ لَهَا - وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَصَحِيحٌ، وَمَنْ أَصَابَ الْعَجْمَاءَ قَاصِدًا لَهَا غَيْرَ مُضْطَرٍّ فَهُوَ غَارِمٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، فَمُنْقَطِعَةٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ لَوْ كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ عَمَّنْ دُونَهُ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، أَقْرَبُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ تَقَيُّئِهِمْ مَا أَكَلُوا أَوْ شَرِبُوا مِمَّا لَا يَحِلُّ فَخَالَفُوا، فَإِنَّمَا هُمْ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ، حَيْثُ وَافَقُوا أَبَا حَنِيفَةَ لَا حَيْثُ خَالَفُوهُ، وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْأَسَدَ، وَالسَّبُعَ، حَرَامٌ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْجَزَاءُ، إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُحْرِمُ بِأَذًى فَلَهُ قَتْلُهُ وَلَا يَجْزِيه - فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ، وَالْهَدْمُ، وَالْبِنَاءُ؟ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُشَنِّعِينَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهَذَا، وَلَكِنَّهُ مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَخْلُو مَنْ عَدَتْ الْبَهِيمَةُ عَلَيْهِ فَخَشِيَ أَنْ تَقْتُلَهُ أَوْ أَنْ تَجْرَحَهُ، أَوْ أَنْ تَكْسِرَ لَهُ عُضْوًا أَوْ أَنْ تُفْسِدَ ثِيَابَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ لَهَا، مَنْهِيًّا عَنْ الِامْتِنَاعِ مِنْهَا وَدَفْعِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُونَهُ، وَلَوْ قَالُوهُ لَكَانَ زَائِدًا فِي ضَلَالِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ، أَوْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِدَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَنْهِيًّا عَنْ إمْكَانِهَا مِنْ رُوحِهِ، أَوْ جِسْمِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِذَا هُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّجَاةِ مِنْهَا إلَّا بِقَتْلِهَا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهَا، لِأَنَّ قَتْلَهَا هُوَ الدَّفْعُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ [وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ] فَهُوَ مُحْسِنٌ [وَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ] فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] [مَسْأَلَةٌ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ] 1266 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِضَبْطِهِ، فَإِنْ ضَبَطَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ بِيعَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ لَيْلًا وَلَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ نَهَارًا وَهُوَ قَضَاءُ شُرَيْحٍ، وَحُكْمُ الشَّعْبِيِّ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ «بِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا سَبَقُونَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ - وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ، فَصَحَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ حَرَامًا لَيْسَ هُوَ ابْنُ مُحَيِّصَةُ لِصُلْبِهِ إنَّمَا هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ، وَسَعْدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْبَرَاءِ وَلَا أَبُو أُمَامَةَ وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ - وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَغْرَبَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ -: وَهُوَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] وَأَنَّ سُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ذَلِكَ فِي غَنَمٍ أَفْسَدَتْ حَرْثَ قَوْمٍ بِأَنْ دَفَعَ الْغَنَمَ إلَى أَهْلِ الْحَرْثِ، لَهُمْ صُوفُهَا وَأَلْبَانُهَا حَتَّى يَعُودَ الْعِنَبُ أَوْ الْحَرْثُ كَمَا كَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا وَاَلَّذِي لَا نَشُكُّ فِيهِ أَنَّ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَبَيْنَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا فِي رِيَاحٍ وَمَهَامِهَ فَيْحَاءَ، وَلَوْ رَوَوْا لَنَا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ، لِأَنَّهُمْ لَا يَحْكُمُونَ بِهَذَا الْحُكْمِ، فَيَا لِلَّهِ كَيْفَ يَنْطِقُ لِسَانُ مُسْلِمٍ بِأَنْ يَحْتَجَّ عَلَى خَصْمِهِ فِي الدِّينِ بِحُكْمٍ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ؟ وَحَسْبُنَا اللَّهُ. وَعَجَبٌ آخَرُ مِنْ الشَّافِعِيِّ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرَى الْقَوْلَ بِالْمُرْسَلِ ثُمَّ أَبَاحَ هَاهُنَا الْأَمْوَالَ بِمُرْسَلٍ لَا يَصِحُّ أَصْلًا. وَأَمَّا بَيْعُ مَا تَعَدَّى مِنْ الْعَجْمَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى حِفْظُ الزُّرُوعِ، وَالثِّمَارِ الَّتِي هِيَ أَمْوَالُ النَّاسِ فَلَا يُعَانُ عَلَى

مسألة كسر إناء فضة أو ذهب

فَسَادِهَا، فَإِبْعَادُ مَا يُفْسِدُهَا فَرْضٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِالْبَيْعِ الْمُبَاحِ، وَهَا هُنَا آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ خَالَفُوهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: بِرَدِّ الْبَعِيرِ، وَالْبَقَرَةِ، وَالْحِمَارِ، وَالضَّوَارِي، إلَى أَهْلِهِنَّ ثَلَاثًا إذَا حُظِرَ الْحَائِطُ ثُمَّ يُعْقَرْنَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْت عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْحَائِطِ أَنْ يُحْظَرَ وَيُسَدَّ الْحَظْرُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ ثُمَّ يُرَدُّ إلَى أَهْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُعْقَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُكَاتَبٌ لِبَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ أَتَى بِنَقَدٍ مِنْ السَّوَادِ إلَى الْكُوفَةِ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى جِسْرِ الْكُوفَةِ جَاءَ مَوْلًى لِبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فَتَخَلَّلَ النَّقَدَ عَلَى الْجِسْرِ فَنَفَرَتْ مِنْهَا نَقْدَةٌ فَقَطَرَتْ الرَّجُلَ فِي الْفُرَاتِ فَغَرِقَ فَأَخَذْت فَجَاءَ مَوَالِيهِ إلَى مَوَالِيَّ فَعَرَضَ مَوَالِيَّ عَلَيْهِمْ صُلْحًا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَلَا يَرْفَعُونَ إلَى عَلِيٍّ فَأَبَوْا فَأَتَيْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُمْ: إنْ عَرَفْتُمْ النَّقْدَةَ بِعَيْنِهَا فَخُذُوهَا، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ عَلَيْكُمْ فَشَرْوَاهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ فِي الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الْعَجَبَ إذْ يَحْتَجُّونَ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ - ثُمَّ يَرُدُّونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهَذِهِ الْأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ فَهَلَّا قَالُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ؟ وَلَكِنْ هَذَا حُكْمُ الْقَوْمِ فِي دِينِهِمْ - فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ أَهْلُ السُّنَنِ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ عِنْدَهُمْ. [مَسْأَلَةٌ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ] 1267 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءَ ذَهَبٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَحْسَنَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " الْوُضُوءِ " " وَالْأَطْعِمَةِ " " وَالْأَشْرِبَةِ " وَكَذَلِكَ مَنْ كَسَرَ صَلِيبًا أَوْ أَهْرَقَ خَمْرًا لِمُسْلِمٍ؛ أَوْ لِذِمِّيٍّ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: إنْ أَهْرَقَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ أَهْرَقَهَا ذِمِّيٌّ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، وَلَا قِيمَةَ لِلْخَمْرِ، وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَهَا وَأَمَرَ

بِهَرْقِهَا، فَمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا مِلْكُهُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَإِنْ قَالُوا: هِيَ أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَمَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مُذْ حَرَّمَهَا مَالًا لِأَحَدٍ، وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا: أَهِيَ حَلَالٌ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ أَمْ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: هِيَ لَهُمْ حَلَالٌ كَفَرُوا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِيمَا نَعَاهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ {وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29] . وَلَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ لَازِمٌ لِلْكُفَّارِ لُزُومَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثٌ إلَيْهِمْ كَمَا بُعِثَ إلَيْنَا، وَأَنَّ طَاعَتَهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ كَمَا هِيَ عَلَيْنَا؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هِيَ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ فَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْجُعْفِيُّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قِيلَ لَهُ: عُمَّالُك يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ، وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ؟ فَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: إنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلُوا وَلُّوهُمْ هُمْ بَيْعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ كِدَامٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّ عُمَّالَك يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ؟ فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ أَنْتُمْ بَيْعهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَن. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّة فِيهِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ سُفْيَانَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - لَيْسَ فِيهِ مَا زَادَ إسْرَائِيلُ وَإِنَّمَا فِيهِ " وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا ". وَهَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] وَإِسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُخَالِفُوا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَوِي الْمَحَارِمِ مِنْ الْمَجُوسِ وَنَهْيِهِ لَهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ ثُمَّ يُقَلِّدُونَ هَاهُنَا رِوَايَةً سَاقِطَةً مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ وَإِنْ كَانَتْ الْخَمْرُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّ الصَّلِيبَ وَالْأَصْنَامَ عِنْدَهُمْ أَجَلُّ مِنْ الْخَمْرِ، فَيَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَنْ يُضَمِّنُوا مَنْ كَسَرَ لَهُمْ صَلِيبًا أَوْ صَنَمًا حَتَّى يُعِيدَهُ سَالِمًا صَحِيحًا وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا؟

مسألة كسر حلية فضة في سرج أو سيف

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخَنَازِيرِ» ، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يُبِيحَ ثَمَنَ بَيْعٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؟ أَمْ كَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ تُضْمَنُ لَهُمْ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا [مَسْأَلَةٌ كَسَرَ حِلْيَةَ فِضَّةٍ فِي سَرْجٍ أَوْ سَيْفٍ] 1268 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَسَرَ حِلْيَةَ فِضَّةٍ فِي سَرْجٍ، أَوْ لِجَامٍ، أَوْ مَهَامِيزَ، أَوْ سَيْفٍ، أَوْ تَاجٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ حُلِيَّ ذَهَبٍ لِامْرَأَةٍ، أَوْ لِرَجُلٍ يُعِدُّهُ لِأَهْلِهِ، أَوْ لِلْبَيْعِ -: كُلِّفَ إعَادَتَهُ صَحِيحًا كَمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، فَإِنْ تَرَاضَيَا جَمِيعًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا: جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَتَّفِقَا مِنْ ذَلِكَ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ عَلَى ذَهَبٍ، وَفِي حُلِيِّ الْفِضَّةِ عَلَى فِضَّةٍ، وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ بَيْعًا وَإِنَّمَا هُوَ اعْتِدَاءٌ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ عَلَيْهِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ جَنَى عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ] 1269 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا جَنَى عَلَى عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ بَعِيرٍ، أَوْ فَرَسٍ، أَوْ بَغْلٍ، أَوْ حِمَارٍ، أَوْ كَلْبٍ يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، أَوْ سِنَّوْرٍ، أَوْ شَاةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ إبِلٍ، أَوْ ظَبْيٍ، أَوْ كُلِّ حَيَوَانٍ مُتَمَلَّكٍ فَإِنَّ فِي الْخَطَأِ فِي الْعَبْدِ وَفِي الْأَمَةِ [خَاصَّةً] وَفِي سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا خَطَأً أَوْ عَمْدًا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَأَمَّا الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فَفِيمَا جَنَى عَلَيْهِمَا عَمْدًا الْقَوَدُ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِمَا. أَمَّا الْقَوَدُ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ - وَأَمَّا مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلِلسَّيِّدِ فِيمَا اُعْتُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً اسْتَكْرَهَ أَمَةً فَقَتَلَهَا لَكَانَ عَلَيْهِ الْغَرَامَةُ لِسَيِّدِهَا وَالْحَدُّ فِي زِنَائِهِ بِهَا وَلَا يُبْطِلُ حَقٌّ حَقًّا، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. وَأَمَّا الْقَوَدُ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ فَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " كِتَابِ الْقِصَاصِ ". وَأَمَّا مَا نَقَصَهُ فَلِلنَّاسِ هَاهُنَا اخْتِلَافٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ - وَقَوْلُنَا فِي الْحَيَوَانِ - هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كَذَلِكَ إلَّا فِي الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْخَيْلِ خَاصَّةً فِي عُيُونِهَا خَاصَّةً، فَإِنَّهُ قَالَ فِي عَيْنِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا رُبْعُ ثَمَنِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى نا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْضِ فِي الرَّأْسِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْمُنَقِّلَةِ، وَالْمُوضِحَةِ، وَالْآمَّةِ وَفِي عَيْنِ الْفَرَسِ بِرُبْعِ ثَمَنِهِ» . وَبِرِوَايَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمَعْمَرٍ قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ لَهُ: قَالَ لِي عُمَرُ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ اتَّفَقُوا: أَنَّهُ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بِأَنَّ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعَ ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُمَرَ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ ثَمَنِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: الرِّوَايَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهُمَا مَجْهُولَانِ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْفَرَسُ فَلَا هُمْ خَصُّوهُ كَمَا جَاءَ مَخْصُوصًا، وَلَا هُمْ قَاسُوا عَلَيْهِ جَمِيعَ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. وَأَمَّا عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَمَرَاسِيلُ كُلُّهَا، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي خِلَافِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ إذَا خَالَفَا أَبَا حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُمَا تَقَيَّآ مَا شَرِبَا إذْ عَلِمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ. ثُمَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ نَفْسِهَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ

الجناية على العبد فيما دون النفس

إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ مَعَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ إلَى شُرَيْحٍ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا وَأَحَقُّ مَا صَدَقَ بِهِ الرَّجُلُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَنْتَفِيَ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ يَدَّعِيَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيًّا قَضَى فِي الْفَرَسِ تُصَابُ عَيْنُهُ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي عَيْنِ جَمَلٍ أُصِيبَ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ بَعْدُ فَقَالَ: مَا أَرَاهُ نَقَصَ مِنْ قُوتِهِ وَلَا هِدَايَتِهِ فَقَضَى فِيهِ بِرُبْعِ ثَمَنِهِ. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى قَضِيَّتَيْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى؟ وَهَلَّا أَخَذُوا بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّ فِي عَيْنِ الْأَنِسَانِ نِصْفَ ثَمَنِهِ، وَقَدْ أَضْعَفَ عُمَرُ عَلَى حَاطِبٍ قِيمَةَ النَّاقَةِ الَّتِي انْتَحَرَهَا عَبِيدُهُ، وَجَاءَ بِذَلِكَ أَثَرٌ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ تَرَى فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ؟ قَالَ: هِيَ وَمِثْلُهَا وَالنَّكَالُ» . فَهَذَا خَبَرٌ أَصَحُّ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي عَيْنِ الْفَرَسِ رُبْعُ ثَمَنِهِ. وَأَصَحُّ مِنْ خَبَرِهِمْ عَنْ عُمَرَ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِتَقْلِيدِ الصَّاحِبِ، وَأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الْآثَارِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا. [الْجِنَايَة عَلَى الْعَبْد فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] وَأَمَّا مَا جُنِيَ عَلَى عَبْدٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، أَوْ عَلَى أَمَةٍ كَذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَمَا قُلْنَا: إنَّمَا فِيهِ لِلسَّيِّدِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَقَالَ قَوْمٌ: جِرَاحُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ، بَالِغًا ثَمَنُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مَا بَلَغَ، فَفِي عَيْنِ الْعَبْدِ نِصْفُ ثَمَنِهِ، وَلَوْ أَنَّ ثَمَنَهُ أَلْفَا دِينَارٍ وَفِي عَيْنِ الْأَمَةِ نِصْفُ ثَمَنِهَا وَلَوْ بَلَغَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جِرَاحَاتُ

الْعَبِيدِ فِي أَثْمَانِهِمْ بِقَدْرِ جِرَاحَاتِ الْأَحْرَارِ فِي دِيَاتِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ - إلَّا أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: إنْ بَلَغَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ، وَيَأْخُذَ قِيمَتَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مَا نَقَصَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: وَعَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ كَعَقْلِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إنَّ رِجَالًا مِنْ الْعُلَمَاءِ لَيَقُولُونَ: الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ سِلَعٌ، فَيَنْظُرُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلُنَا - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ مَا نَقَصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ اسْتِهْلَاكًا كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ، أَوْ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ، فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْجَانِي وَيَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: جِرَاحُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَى حُرٍّ لَكَانَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا أَسْلَمَهُ إلَى الْجَانِي وَلَا بُدَّ، وَأَلْزَمَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا - وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: يُدْفَعُ إلَى الْجَانِي وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ صَحِيحًا - وَهُوَ قَوْلُ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقَتَادَةَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ؟ قَالَ: هُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِيمَنْ جَدَعَ أُذُنَ عَبْدٍ، أَوْ أَنْفَهُ، أَوْ أَشَلَّ يَدَهُ: أَنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ وَيَغْرَمُ لِصَاحِبِهِ مِثْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ شَجَّ عَبْدًا، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ، فَقِيمَتُهُ كَمَا أَفْسَدَهُ -: وَرَأَى فِي مُوضِحَتِهِ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ.

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: مَنْ قَتَلَ عَبْدًا خَطَأً فَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَكْثَرَ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَفِي الْأَمَةِ قِيمَتُهَا كَذَلِكَ مَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، فَإِنْ بَلَغَتْهَا فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ: وَأَمَّا مَا دُونَ النَّفْسِ فَمِنْ قِيمَتِهَا مِثْلُ مَا فِي الْجِنَايَةِ، وَعَلَى الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَرْشَ ذَلِكَ مِنْ الْحُرِّ، أَنْقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ هَكَذَا جُمْلَةٌ. ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْأُذُنِ وَالْحَاجِبِ خَاصَّةً فَقَالَ: فِيهِمَا مَا نَقْصُهُمَا فَقَطْ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُسْتَهْلَكَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا إمْسَاكُهُ، كَمَا هُوَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ إسْلَامُهُ وَأَخَذَ مَا كَانَ يَأْخُذُ لَوْ قُتِلَ خَطَأً. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ خَطَأً وَالْجِنَايَةِ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ وَلَوْ تَجَاوَزَتْ دِيَاتٍ - وَوَافَقَهُ مُحَمَّدٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ فِي الْجِنَايَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ إنْ أَمْسَكَهُ أَخَذَ قِيمَةَ مَا نَقَصْته الْجِنَايَةُ الْمُسْتَهْلَكَةُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ خَاصَّةً مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجِبُ، وَالْأُذُنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مَرَّةً مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرِ، وَمَرَّةً مِثْلُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَوَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ فِي النَّفْسِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ جِرَاحُ الْعَبْدِ فِي قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا أَوْ تَبْلُغَ قِيمَةُ الْأَمَةِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَلَا تَبْلُغُ بِأَرْشِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ مِقْدَارَهَا مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ، أَوْ الْحُرَّةِ، لَكِنْ يَحُطُّ مِنْ ذَلِكَ حِصَّتَهَا مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الْعَبْدِ، وَحِصَّتَهَا مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي الْأَمَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَطْعَ أُذُنٍ فَبَرِئَ، أَوْ نَتْفَ حَاجِبٍ فَبَرِئَ، وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَا نَقَصَهُ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَإِنْ بَلَغَ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ مَا لَوْ جَنَى عَلَى حُرٍّ لَوَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا إمْسَاكُهُ كَمَا هُوَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ إسْلَامُهُ إلَى الْجَانِي وَأَخْذُ جَمِيعِ قِيمَتِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشَرَةَ

آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَشَرَةُ آلَافٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَفِي الْأَمَةِ نِصْفُ ذَلِكَ. وَتَفْسِيرُهُ -: أَنَّهُ إنْ فَقَأَ عَيْنَ أَمَةٍ تُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى مِائَةِ أَلْفِ فَأَكْثَرَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَلْفَا دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ. وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ آلَافٍ فَمَا زَادَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْجِرَاحَاتِ. فَلَوْ سَاوَتْ الْأَمَةُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَالْعَبْدُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ إلَّا خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَقَطْ، وَفِي عَيْنِ الْأَمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَطْ، وَهَكَذَا الْعَمَلُ فِي سَائِرِ الْقِيَمِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنَّ مُنَقِّلَةَ الْعَبْدِ، وَمَأْمُومَتَهُ، وَجَائِفَتَهُ، وَمُوضِحَتَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، بَالِغًا مَا بَلَغَ فَهِيَ مِنْ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ -: فَفِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ - وَلَوْ أَنَّهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ. وَفِي جَائِفَتِهِ، وَمَأْمُومَتِهِ ثُلْثُ ثَمَنِهِ بَالِغٌ مَا بَلَغَ. وَأَمَّا سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ، وَقَطْعُ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّمَا فِيهِ مَا نَقَصَهُ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ كَامِلَةً لِسَيِّدِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: مِنْ خَصَى عَبْدَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كُلُّهَا لِسَيِّدِهِ، وَيَبْقَى الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ - سَوَاءٌ زَادَ ذَلِكَ فِي قِيمَتِهِ أَوْ نَقَصَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ قَالَ: جِرَاحُ الْعَبْدِ فِي قِيمَتِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ -: فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، لَكِنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ إنْسَانٌ مِثْلُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ دِيَاتِ أَعْضَاءِ الْحُرِّ مُؤَقَّتٌ لَا زِيَادَةَ فِيهَا وَلَا نَقْصَ. وَقَدْ وَافَقْنَا مَنْ خَالَفْنَا هَاهُنَا عَلَى أَنَّ دِيَةَ أَعْضَاءِ الْعَبْدِ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، إذْ قَدْ يُسَاوِي الْعَبْدُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَتَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهِ عِنْدَهُمْ عَشْرَ دَنَانِيرَ.

وَتُسَاوِي الْأَمَةُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ - أَوْ تَكُونُ دِيَةُ عَيْنِهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَقَدْ أَصْفَقُوا عَلَى أَنَّ الدِّيَاتِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَعَلَى جَوَازِ تَفْضِيلِ دِيَةِ عُضْوِ الْمَرْأَةِ عَلَى دِيَةِ عُضْوِ الرَّجُلِ، بِخِلَافِ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ - فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ جُمْلَةً بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ وَبِغَيْرِهَا أَيْضًا - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُسَلِّمُهُ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهُ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا غَيْرَ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إخْرَاجُ مَالٍ عَنْ يَدِ صَاحِبِهِ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا هَاهُنَا نَصٌّ أَصْلًا، فَسَقَطَ أَيْضًا جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُمَا أَشَدَّ الْأَقْوَالِ فَسَادًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ مَا نَعْرِفُ هَذَيْنِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَبْلَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَظُلْمٌ بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ أَنْ يَكُونَ يَقْطَعُ يَدَ جَارِيَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَلَا يَقْضِي لِصَاحِبِهَا إلَّا بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا غَيْرَ مَا تُسَاوِي مِنْ الذَّهَبِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَيَكُونُ تُغْصَبُ لَهُ خَادِمٌ أُخْرَى قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ فَتَمُوتُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَيَغْرَمُ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ كَامِلَةً، عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الدِّثَارُ وَالدَّمَارُ - وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَتَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ مَا تَخَلَّصُوا مِنْهُ لَوْ قِيلَ لَهُمْ: بَلْ فِي الْمُنَقِّلَةِ، وَالْجَائِفَةِ، وَالْمَأْمُومَةِ -: مَا نَقَصَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ فَمِنْ ثَمَنِهِ بِقَدْرِهَا مِنْ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ إلَّا مَحْرُومٌ. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ جِرَاحَاتٌ يُشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَتْلَفَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَبْرَأَ، وَلَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ وَلَا ضَرَرٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَاجْعَلُوا هَذَا دَلِيلَكُمْ فِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا إلَّا مَا نَقَصَ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحُكْمُ عَلَى الْجَانِي بِمَا نَقَصَ فِيمَا جَنَاهُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ خِصَاءٍ، أَوْ مَأْمُومَةٍ، أَوْ جَائِفَةٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا، ثُمَّ يُقَوَّمَ فِي أَصْعَبِ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ حَالُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَأَشَدِّ مَا كَانَ

قتل المرء عبدا لغيره أو أمة

مِنْهَا مَرَضًا وَضَعْفًا وَخَوْفًا عَلَيْهِ، وَيَغْرَمُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ صِحَّةٌ، وَلَا تَخَفُّفٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فِي تَأْثِيرِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَهُوَ الْجَانِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ تِلْكَ الْأَحْوَالِ، فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْهَا مَا نَقَصَ بِجِنَايَتِهِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ بِلَا شَكٍّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . فَإِنْ بَرِئَ الْعَبْدُ، أَوْ الْأَمَةُ وَصَحَّا، وَزَادَتْ تِلْكَ الْجِنَايَاتُ فِي أَثْمَانِهِمَا، كَالْخِصَاءِ فِي الْعَبْدِ، أَوْ قَطْعِ إصْبَعٍ زَائِدَةٍ؛ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَمِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِلسَّيِّدِ، وَلَا رُجُوعَ لِلْجَانِي مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِمَّا غَرِمَ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا حَتَّى صَحَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ أَدَاءُ مِثْلِ مَا اعْتَدَى فِيهِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِبُرْءِ الْجِنَايَةِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَطَعَ شَجَرَةً لِإِنْسَانٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا سَوَاءٌ نَبَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَمَتْ أَوْ لَمْ تَنْبُتْ وَلَا نَمَتْ، لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [قَتَلَ الْمَرْءُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ أَوْ أَمَةً] وَأَمَّا إنْ قَتَلَ الْمَرْءُ عَبْدًا لِغَيْرِهِ، أَوْ أَمَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَقِيمَتُهُمَا وَلَا بُدَّ لِسَيِّدِهِمَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِمَا ذَكَرْنَا - وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدًا قُتِلَ خَطَأً وَكَانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَجَعَلَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ دِيَتَهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ. وَصَحَّ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يَبْلُغُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: يَنْقُصُ مِنْهَا الدِّرْهَمُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ؛ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ عَبْدًا فَقِيمَتُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ بَلَغَهَا أَوْ تَجَاوَزَهَا بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَغْرَمْ قَاتِلُهُ إلَّا عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ.

وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَقِيمَتُهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ بَلَغَتْهَا أَوْ تَجَاوَزَتْهَا بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَمْ يَغْرَمْ قَاتِلُهَا إلَّا خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَغْرَمُ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ، قَالُوا: ثَمَنُهُ، وَإِنْ خَالَفَ دِيَةَ الْحُرِّ - وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَيْضًا، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ حَدَّ مَا يَسْقُطُ مِنْ ذَلِكَ بِحَدٍّ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رَأْيِهِ الْفَاسِدِ. وَقَالَ مُقَلِّدُوهُ: يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضْتُمْ فَأَسْقَطْتُمْ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ تُقْطَعُ فِيهَا الْيَدُ فِي قَوْلِكُمْ، فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ مَا أَصَّلْتُمْ مِنْ كَثَبٍ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: وَهَلَّا نَقَصْتُمْ مِنْ الدِّيَةِ مَا نَقَصْتُمْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي جَعْلِ الْآبِقِ إذَا كَانَ يُسَاوِيهَا؟ وَهَلَّا نَقَصْتُمْ مِنْ الدِّيَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا رَأْيٌ زَائِفٌ مُجَرَّدٌ؟ وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلًا، وَلَا كَانَ لَهُ سَلَفٌ فَأَوْلَى قَوْلٍ بِالِاطِّرَاحِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يَبْلُغُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ -: فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا فَاسِدًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ هُمْ يَتَنَاقَضُونَ، فَيَقُولُونَ: فِيمَنْ قَتَلَ كَلْبًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِينَارٍ: أَنَّهُ يُعْطِي أَلْفَيْ دِينَارٍ، وَإِنْ عَقَرَ خِنْزِيرًا لِذِمِّيٍّ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ أَدَّى إلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَإِنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا يَجْعَلُ لِلَّهِ تَعَالَى الْوَلَدَ وَأُمَّ الْوَلَدِ: أَنَّهُ يُعْطِي فِيهِ دِيَةَ الْمُسْلِمِ؟ فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيَبْلُغُ كَلْبٌ، وَخِنْزِيرٌ، وَمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ: دِيَةَ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَبْلُغُ بِلَالٌ لَوْ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ دِيَةَ مُسْلِمٍ؟ نَعَمْ، وَلَا دِيَةَ كَافِرٍ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.

جناية العبد على مال غيره

ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا: مَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ عِنْدَهُ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَدَّى عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا التَّنَاقُضِ؟ ثُمَّ قَدْ جَعَلُوا دِيَةَ الْعَبْدِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَجَاوَزُوا بِهَا دِيَةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ - وَهَذِهِ وَسَاوِسُ يُغْنِي ذِكْرُهَا عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهَا. وَقَدْ رُوِيَ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ فَخَالَفُوهُمَا. وَقَدْ جَسَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قَدْ أُجْمِعَ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَاخْتُلِفَ فِيمَا زَادَ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْت وَأَفَكْت هَذَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ الْكُوفَةِ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمِيرُ الْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ لِمُعَاوِيَةَ، لَا يَتَجَاوَزُ بِدِيَةِ الْعَبْدِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَبْدُ، وَالْأَمَةُ مَالٌ، فَعَلَى مُتْلِفِهِمَا مِثْلُ مَا تَعَدَّى فِيهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ] وَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَفِي مَالِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي رِقِّهِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ، وَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِدَاؤُهُ، وَلَا بِمَا قَلَّ وَلَا بِمَا كَثُرَ وَلَا إسْلَامُهُ فِي جِنَايَتِهِ وَلَا بَيْعُهُ فِيهَا. وَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمَأْذُونِ، وَغَيْرِ الْمَأْذُونِ - سَوَاءٌ، الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِجَرِيرَةِ أَحَدٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَالَ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَالْعَبْدُ مَالٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ ثَمَنُهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَالِ السَّيِّدِ، فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا هَاهُنَا؟ بِأَيِّ كِتَابِ اللَّهِ، أَمْ بِأَيِّ سَنَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْلَلْتُمْ إبَاحَةَ مَالِ السَّيِّدِ لِغَيْرِهِ

وَلَمْ يَجْنِ شَيْئًا؟ وَلَعَلَّهُ صَغِيرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ غَائِبٌ فِي أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، أَوْ نَائِمٌ، أَوْ فِي صَلَاةٍ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ الْفَزَارِيّ عَنْ دَهْثَمِ بْنِ قُرَّانَ الْيَمَامِيِّ عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ بْنِ ظَفَرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ مَمْلُوكًا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ لَقِيَ آخَرَ فَشَجَّهُ فَاخْتَصَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَبْدَ إلَى الْمَقْطُوعِ يَدُهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ فَدَفَعَهُ إلَى الْمَشْجُوجِ، فَصَارَ لَهُ وَرَجَعَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَالْمَقْطُوعُ يَدُهُ بِلَا شَيْءٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ دَهْثَمَ بْنَ قُرَّانَ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى ضَعْفِهِ - وَنِمْرَانُ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا سَبَقُونَا إلَى الْأَخْذِ بِهِ، وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُ مَنْ لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ، وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الْجَاهِلُ وَأَفِكَ، مَا جَاءَ فِي هَذَا [الْخَبَرِ] عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي عِلْمِنَا إلَّا مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا فَاتَنَا - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ثَابِتٌ أَصْلًا، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَفُتْنَا أَيْضًا مَعْلُولٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ حَجَّاجٍ هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - عَنْ حُصَيْنٍ الْحَارِثِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ هُوَ الْأَعْوَرُ - عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَا جَنَى الْعَبْدُ فَفِي رَقَبَتِهِ، وَيَتَخَيَّرُ مَوْلَاهُ إنْ شَاءَ فَدَاهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ. وَهَذِهِ فَضِيحَةُ الْحَجَّاجِ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، أَحَدُهُمَا كَانَ يَكْفِي. وَقَدْ خَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي إسْلَامِهِ الشَّاةَ إلَى أَوْلِيَاءِ الَّتِي نُطِحَتْ فَغَرِقَتْ فِي

الْفُرَاتِ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ حُكْمَهُ هُنَالِكَ أَوْلَى مِنْ حُكْمِهِ هَاهُنَا لَوْ صَحَّ عَنْهُ فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ؟ نَعَمْ، وَقَدْ خَالَفُوا عَلِيًّا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا جَنَى الْعَبْدُ مِنْ دَمٍ عَمْدًا فَلَيْسَ فِي رَقَبَتِهِ، وَلَا يَفْدِيه سَيِّدُهُ، وَلَا يَدْفَعُهُ، إنَّمَا هُوَ الْقَوَدُ، أَوْ الْعَفْوُ، أَوْ مَا تَصَالَحُوا عَلَيْهِ. وَمَالِكٌ يَقُولُ: جِنَايَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى سَيِّدِهِ - وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ، وَلَا أَنْ يُسَلِّمَهُ، لَكِنْ يُبَاعُ فِي جِنَايَتِهِ فَقَطْ. وَحَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَنَحَرُوهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك، ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِك؟ قَالَ: أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: فَأَعْطِهِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي هَذَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ حُكْمِهِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ حَقًّا وَبَعْضُهُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا بَاطِلًا، إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ. وَرِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ السَّلُولِيِّ الْأَعْوَرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ السَّلُولِيَّ الْأَعْوَرَ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى؟ . ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَمَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَغْرَمُ عَنْهُ سَيِّدُهُ مَا جَنَى، وَلَا يَدْفَعُهُ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ أَنْ يُسْتَخْدَمَ فِي جِنَايَتِهِ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا فِيمَا جَنَى فِي الْأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، فَمَنْ أَقَلُّ حَيَاءً مِمَّنْ يَجْعَلُ مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا ثُمَّ لَا يَرَى صَوَابًا فَكَيْفَ سُنَّةً؟ فَكَيْفَ إجْمَاعًا؟ دَفْعَهُمْ كُلَّهُمْ أَمْوَالَهُمْ بِخَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ تَمْرٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، لَكِنْ يُقِرُّونَهُمْ مَا أَقَرَّهُمْ اللَّهُ، وَيُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا مُدَّةَ حَيَاةِ

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ مُدَّةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا أَحَدَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ، فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ وَلَا يَرَى أَيْضًا آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَمِيعِ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَمَّنْ غَابَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ بَدَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ بِهِمْ صَوَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا إجْمَاعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ هُمْ مُخْتَلِفُونَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُبَاعُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي دِيَتِهِ، وَلَا يُسَلَّمُ، وَلَا يَفْدِيه سَيِّدُهُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَهُوَ الَّذِي يُبَاعُ، أَوْ يُسَلَّمُ، أَوْ يُفْدَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُبَاعُ الْمَأْذُونُ، وَلَا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي دَيْنٍ، وَلَا يُسَلَّمُ وَلَا يُفْدَى، وَأَمَّا جِنَايَتُهُمَا فَيُبَاعَانِ فِيهِمَا، أَوْ يُسَلَّمَانِ أَوْ يُفْدَيَانِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَأْذُونُ وَغَيْرُ الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ، وَالدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ سَوَاءٌ، كِلَاهُمَا يُبَاعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ يُسَلِّمُهُ سَيِّدُهُ أَوْ يَفْدِيه. فَهَذِهِ أَقْوَالٌ كَمَا تَرَوْنَهَا مَا نَحْتَاجُ فِي رَدِّهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تُخَطِّئُ الْأُخْرَى، وَتُبْطِلُ قَوْلَهَا وَكُلُّهَا بَاطِلٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إنْ قَتَلَ الْعَبْدُ حُرًّا فَلَيْسَ إلَّا الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ، وَهُوَ لِسَيِّدِهِ كَمَا كَانَ، إنْ عَفَا عَنْهُ - وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. قَالُوا: فَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا خَطَأً، أَوْ جَنَى عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً - قَلَّتْ الْجِنَايَةُ أَوْ كَثُرَتْ - كُلِّفَ سَيِّدُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى وَلِيِّهِ - كَثُرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمْ أَمْ قَلُّوا - أَوْ يَفْدِيه بِجَمِيعِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ. قَالُوا: فَإِنْ جَنَى فِي مَالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى السَّيِّدِ إلَّا أَنْ يُبَاعَ فِي جِنَايَتِهِ فَإِنْ وَفَّى ثَمَنُهُ بِالْجِنَايَاتِ فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ، وَلَا عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كَانَ لِلسَّيِّدِ. قَالُوا: فَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ فَقَتَلَ خَطَأً، أَوْ جَنَى فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَعَلَى سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَوْ الدِّيَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْجِنَايَةِ عَشَرَةَ

آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إلَّا عَشَرَةُ آلَافٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ، لَكِنْ يَرْجِعُ كُلُّ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ، وَهَكَذَا أَبَدًا. وَهَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ فِي جِنَايَتِهَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ عَلَى مَالٍ فَعَلَيْهِمَا السَّعْيُ فِي قِيمَةِ مَا جَنَيَا وَلَا شَيْءَ عَلَى سَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْفَصْلُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ سَائِرُ جِنَايَاتِهِمَا، وَجِنَايَاتِ الْعَبِيدِ وَلَا فَرْقَ، وَهَذِهِ تَفَارِيقُ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ فِي هَذِهِ التَّخَالِيطِ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ لَمَا بَعُدَ عَنْ الصِّدْقِ. وَقَالُوا: إنْ جَنَى الْمُكَاتَبُ فَقَتَلَ خَطَأً، أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ جَنَى فِي مَالٍ: سَعَى فِي قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وَقَالَ مَالِكٌ: جِنَايَةُ الْعَبْدِ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ فَكُلُّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَسَيِّدُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ بِقَدْرِ الْمَالِ أَوْ يَدْفَعَهُ، فَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ كَذَلِكَ فَفِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ اُسْتُخْدِمَ فِي الْبَاقِي، فَإِنْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَعَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْدِيَهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَقَطْ، ثُمَّ كُلَّمَا جَنَتْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهَا كَذَلِكَ، فَإِنْ جَنَى الْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ كُلِّفَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَرْشَ مَا جَنَى، فَإِنْ عَجَزَ أَوْ أَبَى رُقَّ وَعَادَ إلَى حُكْمِ الْعَبِيدِ. وَهَذِهِ تَفَارِيقُ لَا تُحْفَظُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ قَبْلَهُ، وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا لَمَا بَعُدَ عَنْ الصِّدْقِ إلَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْجِنَايَاتِ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ، فَهُوَ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَتْبَعْهُ بِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا جَنَى الْمُدَبَّرُ، وَالْعَبْدُ مِنْ دَمٍ، أَوْ فِي مَالٍ أَوْ مَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَيْعُهُ فِيهَا فَقَطْ، فَإِنْ وَفَّى فَذَلِكَ فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ فَلِلسَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَلَا أَنْ يَفْدِيَهُ.

فَإِنْ جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فِدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ - فَإِنْ جَنَتْ ثَانِيَةً فَقَوْلَانِ -: أَحَدُهُمَا: يَفْدِيهَا أَيْضًا، وَهَكَذَا أَبَدًا. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ وَلَا شَيْءَ عَلَى السَّيِّدِ - وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَيْسَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. فَإِنْ مَوَّهُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، بَلْ يَمْلِكُ كَمَا يَمْلِكُ الْحُرُّ، وَلَكِنْ هَبْكُمْ الْآنَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَمَا تَدَّعُونَ عُدُّوهُ فَقِيرًا، وَأَتْبِعُوهُ بِهِ إذَا مَلَكَ يَوْمًا مَا كَمَا يُتْبَعُ الْفَقِيرُ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، وَلَا فَرْقَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] فَقَدْ وَعَدَهُمْ اللَّهُ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِالْغِنَى، فَانْتَظَرُوا بِهِمْ ذَلِكَ الْغِنَى، فَكَيْفَ وَالْبَرَاهِينُ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِ الْعَبْدِ ظَاهِرَةٌ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: وَيُقَادُ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ الْمَمْلُوكِ فِي كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَ ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ، فَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى الْعَقْلِ فَقِيمَةُ الْمَقْتُولِ عَلَى مَالِ الْقَاتِلِ أَوْ الْجَارِحِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلُنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ، وَبَيَانُ [هَذَا] أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرَى الْعَبْدَ مَالِكًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ أُخِذَ عَبْدٌ أَسْوَدُ آبِقٌ قَدْ عَدَا عَلَى رَجُلٍ فَشَجَّهُ لِيَذْهَبَ بِرَقَبَتِهِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ يَرَ لَهُ شَيْئًا. وَهَذَا قَوْلُنَا: وَقَدْ جَاءَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ

«أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَى أَهْلُهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءَ؟ فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ شَيْئًا.» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُسَلِّمْهُ وَلَا بَاعَهُ وَلَا أَلْزَمَهُ مَالًا يَمْلِكُهُ وَلَا أَلْزَمَ سَادَاتِهِ فِدَاءَهُ - وَهَذَا قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. تَمَّ " كِتَابُ الْغَصْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ ".

كتاب الصلح

[كِتَابُ الصُّلْحِ] [مَسْأَلَةٌ أَنْوَاع الصُّلْح] ِ 1270 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَحِلُّ الصُّلْحُ أَلْبَتَّةَ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَلَا عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي لَا إنْكَارَ مَعَهُ، وَلَا إقْرَارَ، وَلَا عَلَى إسْقَاطِ يَمِينٍ قَدْ وَجَبَتْ، وَلَا عَلَى أَنْ يُصَالِحَ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الَّذِي صُولِحَ عَنْهُ مُنْكِرٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ الصُّلْحَ عَلَى السُّكُوتِ الَّذِي لَا إقْرَارَ مَعَهُ وَلَا إنْكَارَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ الصُّلْحَ عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ، وَأَنْ يُقِرَّ إنْسَانٌ عَنْ غَيْرِهِ وَيُصَالِحَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ - وَهَذَا نَقْضٌ لِأَصْلِهِ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ الصُّلْحَ عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ - وَهَذَا نَقْضٌ لِأَصْلِهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَصَالَحَهُ عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ فَخَاصَمَهُ إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ: أَنَّهُ تَرَكَهُ وَلَوْ شَاءَ أَدَّيْتَهُ إلَيْهِ. فَهَذَا شُرَيْحٌ لَمْ يُجِزْ الصُّلْحَ إلَّا مَعَ قُدْرَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ بِأَدَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَيْهِ حَقَّهُ، وَفَسْخِهِ إنْ يَكُنْ كَذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٌ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ صُولِحَتْ عَنْ ثَمَنِهَا وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهَا مَا تَرَكَ زَوْجُهَا، فَتِلْكَ الرِّيبَةُ كُلُّهَا. وَهَذَا أَيْضًا بَيَانُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إلَّا عَلَى إقْرَارٍ بِمَعْلُومٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَعَلَى السُّكُوتِ الَّذِي لَا إقْرَارَ مَعَهُ وَلَا إنْكَارَ جَائِزٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَالٍ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا حَيْثُ أَبَاحَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ إخْرَاجَهُ، أَوْ أَوْجَبَا إخْرَاجَهُ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِجَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِي بِمِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ، وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ - فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ وَفَسَخَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُجِيزُونَ لِلصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] . وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَعَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، كِلَاهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ نا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى

نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيعٍ، وَهُشَيْمٍ، وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي شَيْءٍ فَقَالَ: إنَّهُ لَجَوْرٌ، وَلَوْلَا أَنَّهُ صُلْحٌ لَرَدَدْته. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] قَالُوا: وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بَلْ كُلُّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] ، {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَالْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ كِلْتَا هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَيْسَتَا عَلَى عُمُومِهِمَا، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ كُلَّ صُلْحٍ، وَلَا كُلَّ عَقْدٍ، وَأَنَّ امْرَأً لَوْ صَالَحَ عَلَى إبَاحَةِ فَرْجِهِ، أَوْ فَرْجِ امْرَأَتِهِ، أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى خَمْرٍ، أَوْ عَلَى تَرْكِ صَلَاةٍ، أَوْ عَلَى إرْقَاقِ حُرٍّ، أَوْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ هَذَا لَكَانَ هَذَا صُلْحًا بَاطِلًا لَا يَحِلُّ، وَعَقْدًا فَاسِدًا مَرْدُودًا، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَلَا يَكُونُ صُلْحٌ، وَلَا عَقْدٌ يَجُوزُ إمْضَاؤُهُمَا، إلَّا صُلْحٌ، أَوْ عَقْدٌ: شَهِدَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِجَوَازِهِمَا. فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، لَكِنْ كُلُّ صُلْحٍ وَكُلُّ عَقْدٍ فَلَازِمَانِ إلَّا صُلْحًا أَوْ عَقْدًا جَاءَ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ بِإِبْطَالِهِمَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالطَّاعَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ فَحُكْمُهُ الْإِبْطَالُ، إلَّا شَرْطًا جَاءَ بِإِبَاحَتِهِ الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ، وَكُلُّ عَقْدٍ، وَكُلُّ صُلْحٍ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ شَرْطٌ، فَحُكْمُهُمَا الْإِبْطَالُ أَبَدًا حَتَّى يُصَحِّحَهُمَا قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَلَا عَلَى السُّكُوتِ،

وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْيَمِينِ، وَلَا صُلْحِ إنْسَانٍ عَنْ مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَلَا إقْرَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ الصُّلْحِ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَلَامُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ - أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُمَرَ - وَهُوَ سَاقِطٌ - مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ لَا تَحِلُّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَانْفَرَدَ بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ وَكِلَاهُمَا لَا شَيْءَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى السُّكُوتِ، لَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ طَالِبَ حَقٍّ، وَالْمَطْلُوبُ مَانِعُ حَقٍّ أَوْ مُمَاطِلًا لِحَقٍّ - أَوْ يَكُونَ الطَّالِبُ طَالِبَ بَاطِلٍ - وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مُحِقًّا، فَحَرَامٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ، أَوْ أَنْ يَمْطُلَهُ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إنْصَافِهِ - حَتَّى يَضْطَرَّهُ إلَى إسْقَاطِهِ بَعْضَ حَقِّهِ، أَوْ أَخْذِ غَيْرِ حَقِّهِ، فَالْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ أَكَلَ مَالَ الطَّالِبِ بِالْبَاطِلِ وَبِالظُّلْمِ، وَالْمَطْلِ، وَالْكَذِبِ، وَهُوَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مُبْطِلًا فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْبَاطِلِ، وَأَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَطْلُوبِ بِغَيْرِ حَقٍّ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، فَالطَّالِبُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ: أَكَلَ مَالَ الْمَطْلُوبِ بِالْبَاطِلِ، وَالظُّلْمِ، وَالْكَذِبِ، وَهَذَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَلَعَمْرِي، إنَّنَا لَيَطُولُ عَجَبُنَا كَيْفَ خَفِيَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَشْهُرُ مِنْ الشَّمْسِ عَلَى مَنْ أَجَازَ الصُّلْحَ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ؟ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ ضَرُورَةً مِنْ أَكْلِ مَالٍ مُحَرَّمٍ بِالْبَاطِلِ لِأَحَدِ الْمُتَصَالِحَيْنِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الْيَمِينِ فَلَا تَخْلُو تِلْكَ الْيَمِينُ الَّتِي يُطْلَبُ بِهَا الْمُنْكِرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً إنْ حَلَفَ بِهَا، أَوْ تَكُونَ كَاذِبَةً إنْ حَلَفَ بِهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ. فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ كَاذِبًا إنْ حَلَفَ: فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ آكِلٌ مَالَ خَصْمِهِ بِالْبَاطِلِ، وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ صَادِقًا إنْ حَلَفَ فَحَرَامٌ عَلَى الطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فَلْسًا فَمَا فَوْقَهُ بِالْبَاطِلِ، وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ يَتَأَمَّلُهُ وَيَسْمَعُهُ. وَأَمَّا مُصَالَحَةُ الْمَرْءِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَهَذَا أَبْطَلُ الْبَاطِلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَإِقْرَارُ الْمَرْءِ عَلَى غَيْرِهِ كَسْبٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَمُصَالَحَتُهُ عَنْ غَيْرِهِ لَا تَخْلُو أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي صُولِحَ عَنْهُ مَطْلُوبًا بِبَاطِلٍ، أَوْ مَطْلُوبًا بِحَقٍّ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا بِبَاطِلٍ فَحَرَامٌ عَلَى الطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ فَلْسًا فَمَا فَوْقَهُ أَوْ شَيْئًا أَصْلًا بِطَلَبِ بَاطِلٍ فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي صُولِحَ عَنْهُ مَطْلُوبًا بِحَقٍّ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ ضَامِنًا لِمَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَهَذَا جَائِزٌ، وَالْحَقُّ قَدْ تَحَوَّلَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُقِرِّ، فَإِنَّمَا صَالَحَ حِينَئِذٍ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ، وَعَنْ حَقٍّ يَأْخُذُهُ بِهِ الطَّالِبُ كُلُّهُ إنْ شَاءَ، وَهَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ لَا نَمْنَعُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ إنْ ضَمِنَ عَنْهُ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ. وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ غَيْرِهِ دُونَ أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ صُلْحٍ عَلَى غَيْرِ الْإِقْرَارِ فَهُوَ مُحِلٌّ حَرَامًا وَمُحَرِّمٌ حَلَالًا، ذَانِكَ الْأَثَرَانِ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ قَاطِعَةً. وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، فَإِنْ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ هِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي جَاءَ الْقُرْآنُ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِإِيجَابِهَا وَإِبَاحَتِهَا، وَأَمَّا كُلُّ شَرْطٍ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ أَوْ إيجَابِهِ فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْكَافِرِينَ أَوْ الْفَاسِقِينَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَلَيْسَ الْبَاطِلُ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيٍّ فَهُوَ خَبَرُ سُوءٍ، يُعِيذُ اللَّهُ عَلِيًّا فِي سَابِقَتِهِ، وَفَضْلِهِ، وَإِمَامَتِهِ مِنْ أَنْ يُنْفِذَ الْجَوْرَ وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ جَوْرٌ. وَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ هَلْ يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُنْفِذَ جَوْرًا؟ لَئِنْ صَحَّ هَذَا لَيُنْفِذَنَّ الرِّبَا،

وَالزِّنَى وَالْغَارَةُ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ جَوْرٌ. وَالْآفَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَالْبَلِيَّةُ مِنْ قِبَلِ الْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً وَإِنَّمَا أَخَذَ هَذَا الْخَبَرَ بِلَا شَكٍّ، مِنْ قِبَلِ الْحَارِثِ وَأَشْبَاهِهِ، وَهَذَا عَيْبُ الْمُرْسَلِ. ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْبَلِيَّةِ، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا فَلَا يَرَوْنَ إنْفَاذَ الْجَوْرِ، لَا فِي صُلْحٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّيَانَةِ، وَضَلَالٌ، وَإِضْلَالٌ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: رَدِّدُوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُوَرِّثُ بَيْنَ الْقَوْمِ الضَّغَائِنَ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ أَصْلًا؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ عُمَرَ، وَعُمَرُ لَمْ يُدْرِكْهُ مُحَارِبٌ، وَمُحَارِبٌ ثِقَةٌ، فَهُوَ مُرْسَلٌ. وَيُعِيذُ اللَّهُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَأْمُرُ بِتَرْدِيدِ ذِي الْحَقِّ وَلَا يَقْضِي لَهُ بِحَقِّهِ، هَذَا الظُّلْمُ وَالْجَوْرُ اللَّذَانِ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عُمَرَ فِي إمَامَتِهِ وَدِينِهِ وَصَرَامَتِهِ فِي الْحَقِّ مِنْ أَنْ يَفُوهَ بِهِ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي أَيُّهَا الْمُحْتَجُّونَ بِهَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَرِّفُونَا مَا حَدُّ هَذَا التَّرْدِيدِ الَّذِي تُضِيفُونَهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَحْتَجُّونَ بِهِ وَتَأْمُرُونَ بِهِ؟ أَتَرْدِيدُ سَاعَةٍ فَإِنَّهُ تَرْدِيدٌ فِي اللُّغَةِ بِلَا شَكٍّ، أَمْ تَرْدِيدُ يَوْمٍ، أَمْ تَرْدِيدُ جُمُعَةٍ، أَمْ تَرْدِيدُ شَهْرٍ، أَوْ تَرْدِيدُ سَنَةٍ، أَمْ تَرْدِيدُ بَاقِي الْعُمْرِ؟ فَكُلُّ ذَلِكَ تَرْدِيدٌ، وَلَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ بِاسْمِ التَّرْدِيدِ بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّ مَنْ حَدَّ فِي هَذَا التَّرْدِيدِ حَدًّا فَهُوَ كَذَّابٌ، قَائِلٌ بِالْبَاطِلِ فِي دَيْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ تَرْكَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَنْزِلَ الْمُحِقُّ عَلَى حُكْمِ الْبَاطِلِ، أَوْ يَتْرُكَ الطَّلَبَ، أَوْ يَمَلَّ مِنْ طَلَبِ الْمُبْطِلِ فَيُعْطِيَهُ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ أَشَدُّ تَوْرِيثًا لِلضَّغَائِنِ بَيْنَ الْقَوْمِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِلَا شَكٍّ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْإِسْنَادَ فِي دِينِنَا فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْكَذِبِ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ

مسألة الإقرار بالصلح إذا صح

كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» . فَإِنْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَعْظَمِ حُجَّةٍ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ فِيهِ إيجَابَ التَّحَلُّلِ مِنْ كُلِّ مَظْلَمَةٌ، وَالتَّحَلُّلُ ضَرُورَةً لَا يَكُونُ بِإِنْكَارِ الْحَقِّ أَصْلًا، بَلْ هَذَا إصْرَارٌ عَلَى الظُّلْمِ، وَإِنَّمَا التَّحَلُّلُ بِالِاعْتِرَافِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالنَّدَمِ، وَطَلَبِ أَنْ يُجْعَلَ فِي حِلٍّ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُنَا، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ صُلْحٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ الظُّلْمِ، فَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ مَالٌ أُنْصِفَ مِنْهُ أَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ، وَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ سَبُّ عِرْضٍ طَلَبَ التَّحَلُّلَ، وَمَنْ كَانَ قِبَلَهُ قِصَاصٌ اقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِالْعَفْوِ - وَلَا مَزِيدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِقْرَارُ بِالصُّلْحِ إذَا صَحَّ] 1271 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالصُّلْحِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ بَعْضَ مَا لَهُ عَلَيْهِ وَيُبْرِئَهُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ بَاقِيهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَفَعَلَ -: فَهَذَا حَسَنٌ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ عَيْنًا مُعَيَّنَةً حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً فَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ، فَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَيَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِي الْبَيْعِ وَلَا مَزِيدَ، أَوْ بِالْإِجَارَةِ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ: حَدَّثَنِي «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مَالٌ فَمَرَّ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَيَا كَعْبُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفَهُ» .

مسألة لا يجوز في الصلح الذي يكون فيه إبراء شرط تأجيل

[مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ فِي الصُّلْحِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ إبْرَاءٌ شَرْطُ تَأْجِيلٍ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ فِي الصُّلْحِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ إبْرَاءٌ مِنْ الْبَعْضِ شَرْطُ تَأْجِيلٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، لَكِنَّهُ يَكُونُ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ يُنْظِرُهُ بِهِ مَا شَاءَ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ. [مَسْأَلَةٌ الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ مَجْهُول] 1273 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَالرِّضَا لَا يَكُونُ فِي مَجْهُولٍ أَصْلًا، إذْ قَدْ يَظُنُّ الْمَرْءُ أَنَّ حَقَّهُ قَلِيلٌ فَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِهِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ كَثِيرٌ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ وَلَكِنْ مَا عُرِفَ قَدْرُهُ جَازَ الصُّلْحُ فِيهِ، وَمَا جُهِلَ فَهُوَ مُؤَخَّرٌ إلَى يَوْمِ الْحِسَابِ. وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَلِيًّا إلَى بَنِي جَذِيمَةَ إذَا أَوْقَعَ بِهِمْ خَالِدٌ فَبَعَثَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَالٍ فَوَدَى لَهُمْ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ حَتَّى إنَّهُ لَيَدِيَ لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ مَالٍ وَلَا دَمٍ حَتَّى أَدَّاهُ وَبَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَالِ فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ بَقِيَ لَكُمْ دَمٌ أَوْ مَالٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيَّةَ مِنْ الْمَالِ احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَلَا تَعْلَمُونَ، فَفَعَلَ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صُلْحٌ مُشْتَرَطٌ عَلَى طَلَبِ حَقٍّ مَجْهُولٍ - وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرْنَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ لِقَوْمٍ لَا يَدَّعُونَ حَقًّا أَصْلًا، بَلْ هُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ طَلَبٌ أَصْلًا، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ التَّطَوُّعَ مِمَّنْ لَا يُطْلَبُ بِحَقٍّ، بَلْ هُوَ فِعْلُ خَيْرٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَسْر سِنٍّ عَمْدًا] 1274 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْوَاجِبَةِ الْمَعْلُومَةِ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ، إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فَقَطْ -: فِي الْخُلْعِ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي: (كِتَابِ النِّكَاحِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] . أَوْ فِي كَسْرِ سِنٍّ عَمْدًا، فَيُصَالِحُ الْكَاسِرُ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ

أَوْ فِي جِرَاحَةٍ عَمْدًا عِوَضًا مِنْ الْقَوَدِ أَوْ فِي قَتْلِ نَفْسٍ عِوَضًا مِنْ الْقَوَدِ بِأَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ بِأَكْثَرَ، وَبِغَيْرِ مَا يَجِبُ فِي الدِّيَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ إعْطَاءُ مَالٍ إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ أَوْ إيجَابِهِ. وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَالصُّلْحُ شَرْطٌ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا حَيْثُ أَبَاحَهُ نَصٌّ وَلَا مَزِيدَ، وَلَمْ يُبِحْ النَّصُّ إلَّا حَيْثُ ذَكَرْنَا فَقَطْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ أُخْتُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى بِكِتَابِ اللَّهِ الْقِصَاصَ فَقَالَ ابْنُ النَّضْرِ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا الْيَوْمَ، قَالَ: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضُوا بِأَرْشٍ أَخَذُوهُ» . فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ جِرَاحَةٌ، وَأَنَّهُمْ أَخَذُوا الدِّيَةَ. وَرَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَكِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ عَفَوْا وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَلَا أَرْشًا. وَرَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ أَمَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ فَقَطْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُخَالِفًا لِسَائِرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ، وَثَابِتًا، وَبِشْرًا، وَخَالِدًا، زَادُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَبِي خَالِدٍ، وَالْأَنْصَارِيِّ: الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَنْصَارِيُّ وَلَا أَبُو خَالِدٍ عَفْوًا، وَلَا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْفُوا، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَزَادَ سُلَيْمَانُ، وَثَابِتٌ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي خَالِدٍ، وَبِشْرٍ، ذِكْرَ قَبُولِ الْأَرْضِ

وَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَقَالَ ثَابِتٌ: دِيَةٌ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: أَرْشٌ. وَهَذَا لَيْسَ اخْتِلَافًا؛ لِأَنَّ كُلَّ دِيَةٍ أَرْشٌ وَكُلَّ أَرْشٍ دِيَةٌ، إلَّا أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ وَلَا مَحْدُودٍ، وَالتَّوْقِيتُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ بِهِ، فَوَجَبَ حَمْلُ مَا رُوِّينَاهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَجَوَازُ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ ثَابِتٍ، وَسُلَيْمَانَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا - وَهُوَ ثَابِتٌ -: جِرَاحَةٌ وَأَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ الَّتِي أَقْسَمَتْ أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهَا، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: كَسْرُ سِنٍّ، وَأَنَّ أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ أَقْسَمَ أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهَا - فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا حَدِيثَيْنِ فِي قَضِيَّتَيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ كَسْرَ السِّنِّ جِرَاحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُدْمِي وَيُؤَثِّرُ فِي اللِّثَةِ فَهِيَ جِرَاحَةٌ، فَزَادَ سُلَيْمَانُ بَيَانًا إذْ بَيَّنَ أَنَّهُ كَسْرُ سِنٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْجِرَاحَةُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ، فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: الْقَوَدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمْ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: لَكُمْ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، فَرَضُوا» . فَهَذَا الصُّلْحُ عَلَى الشَّجَّةِ بِمَا يَتَرَاضَى بِهِ الْفَرِيقَانِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَفِيهِ: «فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ شَجَّهُ؟ قُلْنَا: هَذِهِ بِلَا شَكٍّ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَخَبَرٌ وَاحِدٌ، وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بَيَانَ ذِكْرِ شَجِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ. وَأَمَّا الصُّلْحُ فِي النَّفْسِ: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا الْأَوْزَاعِيُّ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ نا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ

مسألة صالح عن دم أو عن شيء معين بشيء معين

حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ: وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَفْدِيَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ» . فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا خَبَرٌ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ، وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوهُ» ؟ . قُلْنَا: نَعَمْ، كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَحَقٌّ وَجَائِزٌ أَنْ يُلْزِمَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَاتِلَ الدِّيَةَ وَجَائِزٌ أَنْ يُصَالِحَهُ حِينَئِذٍ الْقَاتِلُ بِمَا يُرْضِيه بِهِ، فَكِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ صَالَحَ عَنْ دَمٍ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ] 1275 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَالَحَ عَنْ دَمٍ، أَوْ كَسْرِ سِنٍّ، أَوْ جِرَاحَةٍ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ، أَوْ كُلَّهُ بَطَلَتْ الْمُصَالَحَةُ وَعَادَ عَلَى حَقِّهِ فِي الْقَوَدِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ حَقَّهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَلَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ مِنْ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِسُكْنَى دَارٍ، أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ، وَانْهَدَمَتْ الدَّارُ، أَوْ اسْتَحَقَّا بَطَلَ الصُّلْحُ وَعَادَ عَلَى حَقِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الصُّلْحِ " بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ.

كتاب المداينات والتفليس

[كِتَابُ الْمُدَايِنَاتِ وَالتَّفْلِيسِ] [مَسْأَلَةٌ مَنْ ثَبَتَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ حُقُوقٌ] ِ 1276 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ثَبَتَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مِنْ مَالٍ أَوْ مِمَّا يُوجِبُ غُرْمَ مَالٍ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ، أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ صَحِيحٍ: بِيعَ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يُوجَدُ لَهُ، وَأُنْصِفَ الْغُرَمَاءَ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُسْجَنَ أَصْلًا، إلَّا أَنْ يُوجَدَ لَهُ مِنْ نَوْعٍ مَا عَلَيْهِ فَيُنْصَفُ النَّاسُ مِنْهُ بِغَيْرِ بَيْعٍ، كَمَنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ وَوُجِدَتْ لَهُ دَرَاهِمُ، أَوْ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَوُجِدَ لَهُ طَعَامٌ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] . «وَلِتَصْوِيبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ سَلْمَانَ: أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . فَسِجْنُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إنْصَافِ غُرَمَائِهِ ظُلْمٌ لَهُ وَلَهُمْ مَعًا، وَحُكْمٌ بِمَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِجْنٌ قَطُّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَبْسُ الرَّجُلِ فِي السِّجْنِ بَعْدَ مَا يَعْرِفُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ظُلْمٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، لَكِنْ يُسْجَنُ - وَإِنْ كَانَ مَالُهُ حَاضِرًا - حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ. ثُمَّ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا: إلَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ فَتُوجَدُ لَهُ دَنَانِيرُ، أَوْ يَكُونَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ فَتُوجَدُ لَهُ دَرَاهِمُ، فَإِنَّ الَّذِي يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ يُبَاعُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْهَا.

فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ الدَّنَانِيرِ وَابْتِيَاعِ دَرَاهِمَ، وَبَيْنَ بَيْعِ الْعُرُوضِ وَابْتِيَاعِ مَا عَلَيْهِ؟ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ إنْصَافَ ذِي الْحَقِّ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ غَيْرِنَا. وَمَنَعَ تَعَالَى مِنْ السِّجْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] وَافْتَرَضَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ. فَمَنَعُوا الْمَدِينَ مِنْ حُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَمِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَمِنْ الْمَشْيِ فِي مَنَاكِبِ الْأَرْضِ وَمَنَعُوا صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ تَعْجِيلِ إنْصَافِهِ - وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى ذَلِكَ - فَظَلَمُوا الْفَرِيقَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ -: مِنْهَا: رِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ: «أَنَّ غُلَامَيْنِ مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ بَيْنَهُمَا غُلَامٌ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَحَبَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَاعَ غَنِيمَتَهُ» وَعَنْ الْحَسَنِ: «أَنَّ قَوْمًا اقْتَتَلُوا فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتِيلٌ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَبَسَهُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا بَاطِلٌ، أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَفِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَانْفَرَدَ عَنْهُ أَيْضًا إبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْوَاسِطِيُّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَحَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ضَعِيفٌ. وَمِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا فِيمَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ: «إنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا» فَإِنْ احْتَجُّوا بِهِ فِي الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ فَلْيَأْخُذُوا بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ وَإِلَّا فَالْقَوْمُ مُتَلَاعِبُونَ بِالدَّيْنِ.

فَإِنْ قَالُوا: هَذَا مَنْسُوخٌ؟ قِيلَ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ خَصْمَكُمْ يَعْجِزُ عَنْ أَنْ يَقُولَ لَكُمْ: وَالْحَبْسُ فِي التُّهْمَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» ؟ وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ التُّهْمَةِ مَنْسُوخٌ بِوُجُوبِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَالْجَمَاعَاتِ وَحَدِيثُ الْحَبْسِ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَتَهُ مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْهَرَبُ بِغَنِيمَتِهِ فَحُبِسَ لِيَبِيعَهَا، وَهَذَا حَقٌّ لَا نُنْكِرُهُ وَلَيْسَ فِيهِ الْحَبْسُ الَّذِي يَرَوْنَ هُمْ، وَلَا أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا. وَقَدْ يَكُونُ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي بَاعَهَا رَاجِعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ إمْسَاكًا فِي الْمَدِينَةِ. وَلَيْسَ فِيهِ أَصْلًا أَنَّهُ حُبِسَ فِي سِجْنٍ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا هُوَ حَبْسٌ فِي قَتِيلٍ، وَحَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَحْبِسُ مَنْ لَمْ يَصِحَّ عَلَيْهِ قَتْلٌ بِسِجْنٍ فَيَسْجُنُ الْبَرِيءَ مَعَ النُّطَفِ، هَذَا فِعْلُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعَدُوَّانِ، لَا فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَاَللَّهِ لَقَدْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَا بَيْنَ أَظْهُرِ شَرِّ الْأُمَّةِ وَهُمْ الْيَهُودُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَمَا اسْتَجَازَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سِجْنَهُمْ، فَكَيْفَ أَنْ يَسْجُنَ فِي تُهْمَةٍ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ فَهَذَا الْبَاطِلُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي إلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا الْحَبْسُ فِي التُّهْمَةِ بِالدَّمِ وَغَيْرِهِ؟ فَإِنْ حَدُّوا حَدًّا زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ. وَإِنْ قَالُوا: إلَى الْأَبَدِ، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ، فَهُمْ أَبَدًا يَتَكَسَّعُونَ فِي ظُلْمَةِ الْخَطَأِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] هَذِهِ أَحْكَامٌ مَنْسُوخَةٌ. فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَسْتَشْهِدُ بِآيَةٍ قَدْ نُسِخَتْ، وَبَطَلَ حُكْمُهَا فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ أَيْضًا، وَفِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ لَا نَصَّ وَلَا دَلِيلَ وَلَا أَثَرَ.

وَالْحَقُّ فِي هَذَا هُوَ قَوْلُنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ؟ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغُرَمَائِهِ خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» . فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ غَيْرَ مَا وَجَدُوا لَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَبْسُهُ، وَأَنَّ مَا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ لِلْغُرَمَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَحِلُّ سِوَاهُ؛ فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاعَ لَهُمْ مَالَ مُعَاذٍ؟ قُلْنَا: هَكَذَا نَقُولُ - وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْ طَرِيقِ السَّنَدِ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، لَكِنَّ الْحُكْمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي لَهُمْ بِعَيْنِ مَالِهِ، ثُمَّ يُبَاعُ لَهُمْ وَيُقَسِّمُ عَلَيْهِمْ الْحِصَصُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إنْصَافِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا. فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ حَبَسَ عَصَبَةَ مَنْفُوسٍ يُنْفِقُونَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ - وَأَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ اشْتَرَى دَارًا لِلسِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةٍ. وَهَذَانِ خَبَرَانِ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَبْسَ عُمَرَ لِلْعَصَبَةِ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الصَّبِيِّ إنَّمَا هُوَ إمْسَاكٌ وَحُكْمٌ وَقَصْرٌ، لَا سِجْنٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَسْجُنَهُمْ أَبَدًا وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ امْتِنَاعٌ. ثُمَّ هُمْ لَا يَقُولُونَ بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ، فَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي شَيْءٍ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ؟ وَأَمَّا الْخَبَرُ الثَّانِي: فَكُلُّهُمْ لَا يَرَاهُ بَيْعًا صَحِيحًا، بَلْ فَاسِدًا مَفْسُوخًا، فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ مُسْلِمٌ أَنْ يَحْتَجَّ بِحُكْمٍ يَرَاهُ بَاطِلًا؟ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا عَلَى مَا نَذْكُرُ

بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ حَبَسَ فِي دَيْنٍ: هِيَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ خِلَافَ هَذَا كَمَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ. وَأَمَّا شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، فَمَا عَلِمْنَا حُكْمَهُمَا حُجَّةً، وَأَقْرَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَدْ ثَبَتَ عَنْهُمَا أَنَّ الْأَجِيرَ، وَالْمُسْتَأْجِرَ - كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ إذَا شَاءَ، وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ، وَهُمْ كُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحُكْمِ، فَالشَّعْبِيُّ، وَشُرَيْحٌ حُجَّةٌ إذَا اشْتَهَوْا، وَلَيْسَا حُجَّةً إذَا اشْتَهَوْا، أُفٍّ لِهَذِهِ الْعُقُولِ، وَالْأَدْيَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عَلِيٍّ إنْكَارَ السِّجْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِلَافٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَ يَشْتَرِي الرَّوَاحِلَ إلَى أَجَلٍ فَيُغَالِي بِهَا فَأَفْلَسَ، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ الْأَسْفَعَ أَسَفْعَ بَنِي جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ: سَبَقَ الْحَاجُّ، وَأَنَّهُ ادَّانَ مُعْرِضًا، فَأَصْبَحَ قَدْ دِينَ بِهِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيَفْدِ بِالْغَدَاةِ؟ فَإِنَّا قَاسِمُونَ مَالَهُ بِالْحِصَصِ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِك بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِرَجُلٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ: أَحْبِسْهُ؟ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَهُ مَالٌ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ لَجَأَهُ مَالٌ؟ قَالَ: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَجَأَهُ وَإِلَّا أَحَلَفْنَاهُ بِاَللَّهِ مَا لَجَأَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ بِآخَرَ فَقَالَ لَهُ إنَّ لِي عَلَى هَذَا دَيْنًا؟ فَقَالَ لِلْآخَرِ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: صَدَقَ؟ قَالَ: فَاقْضِهِ قَالَ: إنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ لِلْآخَرِ: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أَحْبِسُهُ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا، وَلَكِنْ يَطْلُبُ لَك وَلِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ - قَالَ غَالِبٌ الْقَطَّانُ: وَشَهِدْت الْحَسَنَ - وَهُوَ عَلَى الْقَضَاءِ - قَضَى بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ غَالِبٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ - وَزَادَ فِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ عَيْنُ مَالٍ فَآخُذُهُ بِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ عَقَارًا

مسألة المدين إن لم يوجد له مال

أَكْسِرُهُ؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ ذَكَرَ امْتِنَاعَهُ مِنْ أَنْ يَحْبِسَهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَضَى فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُقْسَمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَرْزُقَهُ اللَّهُ. ونا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُؤَاجِرُ الْمُفْلِسَ فِي شَرِّ صَنْعَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ، وَنَهَى عَنْ الْمَطْلِ وَالسِّجْنِ، فَالسِّجْنُ مَطْلٌ وَظُلْمٌ، وَمَنْعُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ تَعْجِيلِ حَقِّهِ مَطْلٌ وَظُلْمٌ، ثُمَّ تَرْكُ مَنْ صَحَّ إفْلَاسُهُ لَا يُؤَاجِرُ لِغُرَمَائِهِ مَطْلٌ وَظُلْمٌ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ إنْصَافُ غُرَمَائِهِ وَإِعْطَاؤُهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْإِجَارَةِ؟ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ فِي الْمُفْلِسِ قَالَ: لَا يَحْبِسُهُ، وَلَكِنْ يُرْسِلُهُ يَسْعَى فِي دَيْنِهِ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمدين إنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ] 1277 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ؟ أُلْزِمَ الْغُرْمَ وَسُجِنَ حَتَّى يُثْبِتَ الْعَدَمَ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ شُهُودٍ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يُمْنَعُ خَصْمُهُ مِنْ لُزُومِهِ وَالْمَشْيِ مَعَهُ حَيْثُ مَشَى، أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى الْمَشْيِ مَعَهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ سُرِّحَ بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ: مَا لَهُ مَالٌ بَاطِنٌ، وَمُنِعَ خَصْمُهُ مِنْ لَزَوْمه، وَأُوجِرَ لِخُصُومِهِ، وَمَتَى ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أُنْصِفَ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ مِنْ نَفَقَاتٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي أَنَّهُ عَدِيمٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، حَتَّى يُثْبِتَ خَصْمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا، لَكِنْ يُؤَاجَرُ كَمَا قَدَّمْنَا. وَإِنْ صَحَّ أَنَّ لَهُ مَالًا غَيَّبَهُ أُدِّبَ وَضُرِبَ حَتَّى يُحْضِرَهُ أَوْ يَمُوتَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] . وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ

عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ، وَمِنْ الْمُنْكَرِ مَطْلُ الْغَنِيِّ، فَمَنْ صَحَّ غِنَاهُ وَمَنَعَ خَصْمَهُ فَقَدْ أَتَى مُنْكَرًا وَظُلْمًا، وَكُلُّ ظُلْمٍ مُنْكَرٌ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ، وَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْ يُجْلَدَ أَحَدٌ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ؛ فَوَاجِبٌ أَنْ يُضْرَبَ عَشَرَةً؛ فَإِنْ أَنْصَفَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْمَطْلِ فَقَدْ أَحْدَثَ مُنْكَرًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي ضُرِبَ عَلَيْهِ فَيُضْرَبُ أَيْضًا عَشَرَةً، وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يُنْصِفَ، وَيَتْرُكَ الظُّلْمَ، أَوْ يَقْتُلَهُ الْحَقُّ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ وُجُوهِ الْحُقُوقِ: فَإِنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَالًا، وَمَنْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَالًا فَوَاجِبٌ أَنْ يُنْصَفَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى يَصِحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ قَدْ تَلِفَ - وَهُوَ فِي تَلَفِهِ مُدَّعِي - وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَمَنْ كَانَ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ نَفَقَةٍ، فَالْيَقِينُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ: هُوَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ وُلِدَ عُرْيَانَ لَا شَيْءَ لَهُ، فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ قَدْ صَحَّ لَهُمْ الْفَقْرُ، فَهُمْ عَلَى مَا صَحَّ مِنْهُمْ حَتَّى يَصِحَّ أَنَّهُمْ كَسَبُوا مَالًا وَهُوَ فِي أَنَّهُ قَدْ كَسَبَ مَالًا مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ، وَغَيْرِهِمَا.

مسألة المدين إذا كان له ما يفي بما عليه ويفضل له

وَخَالَفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40] فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَزَقَ الْجَمِيعَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ نُخَالِفْهُ فِي الرِّزْقِ، بَلْ الرِّزْقُ مُتَيَقَّنٌ، وَأَوَّلُهُ لَبَنُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ، فَلَوْلَا رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى مَا عَاشَ أَحَدٌ يَوْمًا فَمَا فَوْقَهُ، وَلَيْسَ مِنْ كُلِّ الرِّزْقِ يُنْصَفُ الْغُرَمَاءُ، وَإِنَّمَا يُنْصَفُونَ مِنْ فُضُولِ الرِّزْقِ وَهِيَ الَّتِي لَا يَصِحُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى آتَاهَا الْإِنْسَانَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَأَمَّا الْمُؤَاجَرَةُ: فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِهَذِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1278 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] يَمْنَعُ مِنْ اسْتِئْجَارِهِ؟ قُلْنَا: بَلْ يُوجِبُ اسْتِئْجَارَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسَرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا بِسَعْيٍ، وَإِمَّا بِلَا سَعْيٍ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] فَنَحْنُ نُجْبِرُهُ عَلَى ابْتِغَاءِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَمَرَهُ تَعَالَى بِابْتِغَائِهِ، فَنَأْمُرُهُ وَنُلْزِمُهُ التَّكَسُّبَ لِيُنْصِفَ غُرَمَاءَهُ وَيَقُومَ بِعِيَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَلَا نَدَعُهُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ وَالْحَقَّ اللَّازِمَ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ الْمدين إذَا كَانَ لَهُ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ وَيَفْضُلُ لَهُ] 1279 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَخْلُو الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُوجَدُ لَهُ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ وَيَفْضُلُ لَهُ، فَهَذَا يُبَاعُ مِنْ مَالِهِ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَيُنْصَفُ مِنْهُ غُرَمَاؤُهُ، وَمَا تَلِفَ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ فَمِنْ مُصِيبَتِهِ لَا مِنْ مُصِيبَةِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي، شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ يَكُونَ كُلُّ مَا يُوجَدُ لَهُ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَفْضُلُ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ لَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ -: فَهَذَانِ يَقْضِي بِمَا وُجِدَ لَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُبَاعُ لَهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ، فَمَا تَلِفَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَهُمْ بِمَالِهِ فَمِنْ مُصِيبَةِ الْغُرَمَاءِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَدْ صَارَ لَهُمْ إنْ شَاءُوا اقْتَسَمُوهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى، بَيْعِهِ بِيعَ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ إذَا وَفَّى بَعْضَ مَالِهِ بِمَا عَلَيْهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ أَوْلَى بِأَنْ يُبَاعَ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهِ، فَيُنْظَرُ: أَيُّ مَالِهِ هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى فَيُبَاعُ، وَمَا لَا غِنًى بِهِ عَنْهُ فَلَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَتَرْكُ الْمُضَارَّةِ، فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ لَا غِنًى بِهِ عَنْهُ أُقْرِعَ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَالِ، فَأَيُّهَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ بِيعَ فِيمَا أُلْزِمَهُ.

مسألة مال المفلس يقسم بين الغرماء

[مَسْأَلَةٌ مَالُ الْمُفْلِسِ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ] مَسْأَلَةٌ: وَيُقَسَّمُ مَالُ الْمُفْلِسِ الَّذِي يُوجَدُ لَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ بِالْقِيمَةِ كَمَا يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ عَلَى الْحَاضِرِينَ الطَّالِبِينَ الَّذِينَ حَلَّتْ آجَالُ حُقُوقِهِمْ فَقَطْ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ حَاضِرٌ لَا يَطْلُبُ، وَلَا غَائِبٌ لَمْ يُوَكِّلْ، وَلَا حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ حَقِّهِ - طَلَبَ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ -؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ حَقِّهِ فَلَا حَقَّ لَهُ بَعْدُ، وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى مَا لَمْ يَطْلُبْ، وَقَدْ وَجَبَ فَرْضًا إنْصَافُ الْحَاضِرِ الطَّالِبِ فَلَا يَحِلُّ مَطْلُهُ بِفَلْسٍ فَمَا فَوْقَهُ. وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْغُرَمَاءِ الْحَاضِرِينَ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ» فَإِذَا أَخَذُوهُ فَقَدْ مَلَكُوهُ فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا مَلَكُوهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَمَّا الْمَيِّتُ بِفَلَسْ: فَإِنَّهُ يَقْضِي لِكُلِّ مِنْ حَضَرَ أَوْ غَابَ - طَلَبَا أَوْ لَمْ يَطْلُبَا - وَلِكُلِّ ذِي دَيْنٍ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْآجَالَ تَحِلُّ كُلُّهَا بِمَوْتِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، أَوْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَاتِ الْقَرْضِ ". وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَلَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ، فَوَاجِبٌ إخْرَاجُ الدُّيُونِ إلَى أَرْبَابِهَا وَالْوَصَايَا إلَى أَصْحَابِهَا، ثُمَّ يُعْطَى الْوَرَثَةُ حُقُوقَهُمْ فِيمَا أَبْقَى، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إقْرَارُ الْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ] 1281 - مَسْأَلَةٌ: وَإِقْرَارُ الْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ لَازِمٌ مَقْبُولٌ وَيَدْخُلُ مَعَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَاجِبٌ قَبُولُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ أَنْ قُضِيَ بِمَالِهِ لِلْغُرَمَاءِ لَزِمَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَدْخُلْ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي مَالٍ قَدْ قُضِيَ لَهُمْ بِهِ وَمَلَكُوهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ] 1282 - مَسْأَلَةٌ: وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ فَيَبْدَأُ بِمَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فِي الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ، وَبِالْحَجِّ فِي الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَعُمَّ: قَسَّمَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ هَذِهِ الْحُقُوقِ بِالْحِصَصِ لَا يُبَدَّى مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ. وَكَذَلِكَ دُيُونُ النَّاسِ إنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِجَمِيعِهَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَالِهِ مِمَّا وُجِدَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» ، «وَاقْضُوا اللَّهَ

مسألة فلس فوجد إنسان سلعته التي باعها بعينها عنده

فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» ، «كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» . [مَسْأَلَةٌ فَلَّسَ فَوَجَدَ إنْسَانٌ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَهُ] 1283 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فَلَّسَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَوَجَدَ إنْسَانٌ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَهَا بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَكَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهَا لَا كُلَّهَا فَسَوَاءٌ وَجَدَ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَلَا يَكُونُ مُفْلِسًا مَنْ لَهُ مِنْ أَيْنَ يُنْصِفُ جَمِيعَ الْغُرَمَاءِ وَيَبْقَى لَهُ فَضْلٌ، إنَّمَا الْمُفْلِسُ مَنْ لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ وَدِيعَتَهُ، أَوْ مَا غُصِبَ مِنْهُ، أَوْ مَا بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ أُخِذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ لَهُ ضَرُورَةً وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ قَطُّ عَنْ هَذَا. وَأَمَّا مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَهَا بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ أَقْرَضَهَا، فَمُخَيَّرٌ كَمَا ذَكَرْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ، وَهُشَيْمٍ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» اللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ، وَلَفْظُ سَائِرِهِمْ نَحْوُهُ لَا يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعْنَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَتَاعِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَهُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْدَمُ: إذَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كُلِّهِمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ نَقْلٌ تَوَاتَرَ وَكَافَّةٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ، وَهَذَا عُمُومٌ لِمَنْ مَاتَ أَوْ فَلَّسَ حَيًّا، وَبَيَانٌ جَلِيٌّ أَنَّهُ إنْ فُرِّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَعُمُومٌ لِمَنْ تَقَاضَى مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَتَقَاضَى مِنْهُ شَيْئًا. وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَفْلَسَ مَوْلًى لِأُمِّ حَبِيبَةَ فَاخْتُصِمَ فِيهِ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى أَنَّ مَنْ كَانَ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ إفْلَاسُهُ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الْمُعْتَمِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ قَالَ: «أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا أَفْلَسَ فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمْ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.

وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ: إذَا أَدْرَكْت مَالَك بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَك وَإِنْ فُرِّقَ بَعْضُهُ فَهُوَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالسَّوِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ إنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا وَافِرَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ اسْتَهْلَكَ مِنْهَا شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ - وَقَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْمُبْتَاعُ لَوْ أَفْلَسَ لَكَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِمَتَاعِهِ. وَعَنْ الْحَسَنِ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ - وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ وَالْحَسَنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَدَاوُد. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا خِلَافٌ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ سِلْعَةٌ قَائِمَةٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهَا فَهُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ -: إنَّ مَنْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَوَجَدَ إنْسَانٌ سِلْعَتَهُ الَّتِي بَاعَ بِعَيْنِهَا فَهُوَ فِيهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِيمَنْ أَعْطَى إنْسَانًا مَالًا مُضَارَبَةً فَمَاتَ فَوَجَدَ كِيسَهُ بِعَيْنِهِ: فَهُوَ وَالْغُرَمَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَوَكِيعٍ كَقَوْلِ إبْرَاهِيمَ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ مَنْ اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِ سِلْعَتِهِ شَيْئًا ثُمَّ أَفْلَسَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ قَتَادَةَ: مَنْ وَجَدَ بَعْضَ سِلْعَتِهِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا أَوْ بِمَا وَجَدَ مِنْهَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي التَّفْلِيسِ فِي الْحَيَاةِ وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ وَجَدَهَا أَوْ بَعْضَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَوْ بِاَلَّذِي وَجَدَ مِنْهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ حَيَاةً مِنْ مَوْتٍ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا قَابَلَ مَا بَقِيَ لَهُ فَقَطْ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا فِي الْحَيَاةِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ جَاهَرُوا بِالْبَاطِلِ، وَقَالُوا: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ وَجَدَ وَدِيعَتَهُ أَوْ مَا غُصِبَ مِنْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي تَعَمُّدِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَشْهَدُ بِرِقَّةِ دَيْنِهِ وَصَفَاقَةِ وَجْهِهِ فَقَالَ: إنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ مِنْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ بَائِعِهِ - وَهُوَ مُفْلِسٌ - فَيَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِمَا بَاعَ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ يُبَاعَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ. وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي مَرَضِهِ بِبَيِّنَةٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ مَاتَ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ الْمُقَرِّ لَهُمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ " بَنِي تَمِيمٍ " خَاصَّةً أَوْ " أَهْلَ جُرْجَانَ " خَاصَّةً. وَمِثْلُ هَذَا مِنْ التَّخْلِيطِ لَا يَأْتِي بِهِ ذُو دِينٍ، وَلَا ذُو عَقْلٍ، وَلَا يَنْسِبُ هَذَا الْهَوَسَ وَهَذَا الْبَاطِلَ الَّذِي أَتَى بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّهُ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي؟ فَقُلْنَا: مِنْ اسْتَجَازَ خِلَافَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْجِزْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ يَأْتِي أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي، فَيُبْطِلُ الْإِسْلَامَ بِذَلِكَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَبِحُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ «لَا يَحِلُّ مَالُ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ» . فَهَذَا الِاحْتِجَاجُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ الَّذِي تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ، وَإِنَّمَا الْبَاطِلُ وَالضَّلَالُ قَضَاؤُهُمْ بِمَالِ الْمُسْلِمِ لِلْغَاصِبِ الْفَاسِقِ وَلِلْكَافِرِ

الْجَاحِدِ، إذْ يَقُولُونَ: إنَّ كِرَاءَ الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَحَلَالٌ لَهُمْ، فَلَوْ اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَاضِي مَرْوَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ فَهُوَ بَيْنَ غُرَمَائِهِ» وَأَبُو عِصْمَةَ كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْآخَرُ: مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ سَنْدَلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَالُهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ» وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ ضَعِيفٌ جِدًّا. ثُمَّ لَوْ صَحَّا - وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ - لَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدًا وَكَانَ هَذَانِ مُوَافِقَيْنِ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَالْأَخْذُ بِالزَّائِدِ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَصْلِهِمْ الْخَبِيثِ أَنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى رِوَايَةً ثُمَّ خَالَفَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِهَا - وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ الْمَكْذُوبَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ: فَهَلَّا جَعَلُوا ذَلِكَ عِلَّةً فِيهِمَا، وَلَكِنَّ أُمُورَهُمْ مَعْكُوسَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ: «غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا» وَغَيْرُ ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ الْمَكْذُوبَةِ فِي أَنَّ الرَّاوِيَ لَهَا تَرَكَهَا، ثُمَّ لَا يَرَوْنَ رَدَّ الرِّوَايَاتِ الْمَوْضُوعَةِ بِأَنَّ مَنْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا، فَتَعَسًا لِهَذِهِ الْعُقُولِ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ. وَقَالُوا: لَا يَخْلُو الْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ مَا اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَشِرَاؤُهُ بَاطِلٌ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ فِيهِ رُجُوعٌ، وَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ كَسَائِرِ مَالِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اعْتَرَضُوا بِهَذَا فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا: فَالْأَمْرُ سَوَاءٌ، لَكِنَّ يَا هَؤُلَاءِ مِثْلُ هَذَا لَا يُعَارَضُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَاَلَّذِي يَقُولُ فِيهِ رَبُّهُ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] إنَّمَا يُعَارَضُ بِهِ مَنْ قَالَ الْبَاطِلَ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ فَجَعَلَ شِرَاءَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْحَرْبِيِّ مَا غَنِمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شِرَاءً صَحِيحًا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْأَوَّلُ أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْحَرْبِيِّ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ؟ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ وَمَلَكَهُ، فَلِمَ يَكُونُ الَّذِي غَنِمَ مِنْهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ أَوْ بِغَيْرِ الثَّمَنِ؟ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُكُمْ. وَمَنْ جَعَلَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ مَلَكَ الْمَوْهُوبُ مَا وُهِبَ لَهُ، أَمْ لَمْ يَمْلِكْ؟ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلِمَ يُحِلُّونَ لَهُ الِانْتِفَاعَ؛ وَالْوَطْءَ، وَالْبَيْعَ؟ وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَرْجِعُ فِيهِ مَنْ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ؟ فَهَذَا كَانَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِآرَائِهِمْ الْمُنْتِنَةِ الَّتِي لَا تُسَاوِي رَجِيعَ كَلْبٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ نَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالَ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ، هُوَ وَاَللَّهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْبَرِّ الصَّادِقِ لَا مِنْ حَدِيثِ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الَّذِي قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: مَنْ أَفْقَهُ؟ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: قُلْ: أَيُّهُمَا أَكْذَبُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى فَلَّسَ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَبَضَ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَقْبِضْ، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ، وَالْحَيَاةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا أَوْ لَا يَدْفَعَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِآثَارٍ مُرْسَلَةٍ -: مِنْهَا -: مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُسْنَدٍ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّبَيْدِيِّ

مسألة غصب آخر مالا فمات ولم يشهد له به

عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَقِيَّةُ، وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفَانِ. وَآخَرُ - مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ رَجُلًا مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الْمُبْتَاعُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَإِنْ وَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ جُوتَى مَجْهُولٌ - وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَخَبَرٌ آخَرُ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ مَتْنَهُ وَلَا لَفْظَهُ. ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، والدستوائي، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْآثَارُ لَكَانَتْ كُلُّهَا مُخَالِفَةً لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ، وَالْحَيَاةِ، وَالشَّافِعِيُّ، لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي جَمِيعِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُبِضَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ قُبِضَ، وَمَالِكٌ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَحَصَلَ قَوْلُهُمَا مُخَالِفًا لِكُلِّ الْآثَارِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: ذِمَّةُ الْمَيِّتِ قَدْ انْقَطَعَتْ، وَذِمَّةُ الْحَيِّ قَائِمَةٌ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ سِلْعَتِهِ فَلَمْ يَجِدْهَا بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا وَلَمْ يُفَرِّقْهَا الْمُشْتَرِي كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ غَصَبَ آخَرَ مَالًا فَمَاتَ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِهِ] 1284 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَصَبَ آخَرَ مَالًا، أَوْ خَانَهُ فِيهِ، أَوْ أَقْرَضَهُ فَمَاتَ وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، أَوْلَهُ بَيِّنَةٌ فَظَفَرَ لِلَّذِي حَقُّهُ قَبْلَهُ بِمَالٍ، أَوْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ

مَالِهِ عِنْدَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ ثَمَنِهِ، فَإِذَا عَرَفَ أَقْصَاهُ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ: فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ حَلَالًا. وَسَوَاءٌ كَانَ مَا ظَفَرَ لَهُ بِهِ جَارِيَةً، أَوْ عَبْدًا، أَوْ عَقَارًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ وَفَّى بِمَالِهِ قَبْلَهُ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَفِ بَقِيَ حَقُّهُ فِيمَا لَمْ يَنْتَصِفْ مِنْهُ، وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ وَيُبْرِيَهُ فَهُوَ مَأْجُورٌ. وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ خَاصَمَهُ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْهُ، اسْتَحْلَفَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ فَإِنْ طُولِبَ بِذَلِكَ وَخَافَ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَغْرَمَ فَلْيُنْكِرْ وَلْيَحْلِفْ، وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا كُلُّ مَنْ ظَفَرَ لِظَالِمٍ بِمَالٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وقَوْله تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] . وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] . وقَوْله تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] . وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وقَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: 227] . وَمِنْ طَرِيق أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَةَ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَبَنِي، فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ جُنَاحٍ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا؟ قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» .

وَقَدْ ذَكَرْنَا «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغُرَمَاءِ الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» وَهَذَا إطْلَاقٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى مَا وَجَدَ لِلَّذِي لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ - عَنْ أَبِي الْخَيْرِ هُوَ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ [قَالَ] : «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلَ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ» وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ سِيرِينَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ - وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنْ أَخَذَ مِنْك شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مِثْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا تَخُنْ مَنْ خَانَك، فَإِنْ أَخَذْت مِنْهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْك فَلَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ حَيْثُ وَجَدْت مَتَاعَك فَخُذْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَمَنْ ظَفَرَ بِمِثْلِ مَا ظُلِمَ فِيهِ هُوَ، أَوْ مُسْلِمٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ، فَلَمْ يُزِلْهُ عَنْ يَدِ الظَّالِمِ وَيَرُدَّ إلَى الْمَظْلُومِ حَقَّهُ فَهُوَ أَحَدُ الظَّالِمِينَ، لَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ ضَرُورَةً. وَكَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» فَمَنْ قَدَرَ عَلَى كَفِّ الظُّلْمِ وَقَطْعِهِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ حَقِّ نَفْسِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ بِلَا خِلَافٍ، وَالدَّلَائِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا. وَخَالَفَنَا فِي هَذَا قَوْمٌ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ ظَفَرَ بِعَيْنِ مَالِهِ فَلْيَأْخُذْهُ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذْ غَيْرَهُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ وَجَدَ مِنْ نَوْعِ مَا أُخِذَ مِنْهُ فَلْيَأْخُذْ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذْ غَيْرَ نَوْعِهِ. وَاحْتَجَّتْ هَذِهِ الطَّوَائِفُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كُنْت أَكْتُبُ لِفُلَانٍ نَفَقَةَ أَيْتَامٍ كَانَ وَلِيَّهُمْ فَغَالَطُوهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاهَا إلَيْهِمْ، فَأَدْرَكَتْ لَهُمْ مِنْ مَالِهِمْ مِثْلُهَا، قُلْت: اقْبِضْ الْأَلْفَ الَّذِي ذَهَبُوا بِهَا مِنْك؛ قَالَ: لَا، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَدِّ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» وَنَحْوُهُ -: عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسٍ هُوَ ابْنُ الرَّبِيعِ - عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِي حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَحَدَنِي فَدَانَ لَهُ عِنْدِي حَقٌّ أَفَأَجْحَدُهُ؟ قَالَ: لَا، أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَدُوسٍ يُقَالُ لَهُ: دَيْسَمٌ قُلْنَا لِبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ: لَنَا جِيرَانٌ مَا تَشِذُّ لَنَا قَاصِيَةٌ إلَّا ذَهَبُوا بِهَا وَإِنَّهُ يَمْضِي لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِ أَشْيَاءُ فَنَذْهَبُ بِهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا - وَكُلُّ هَذَا لَا شَيْءَ -: أَمَّا حَدِيثُ فُلَانٍ عَنْ أَبِيهِ نَاهِيَك بِهَذَا السَّنَدِ، لَيْتَ شِعْرِي مِنْ فُلَانٍ؟ وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ دِينٍ أُخِذَ عَنْ فُلَانٍ الَّذِي لَا يَدْرِي مَنْ هُوَ، وَلَا مَا اسْمُهُ، وَلَا مَنْ أَبُوهُ وَلَا اسْمُهُ. وَالْآخَرُ طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ، وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ، وَفِيهِ الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَحَدِيثُ بَشِيرٍ عَنْ رَجُلٍ يُسَمَّى دَيْسَمًا مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ نَصَّهَا «لَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ، وَأَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ» وَلَيْسَ انْتِصَافُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِّهِ خِيَانَةً، بَلْ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَإِنْكَارُ مُنْكِرٍ، وَإِنَّمَا الْخِيَانَةُ أَنَّ تَخُونَ بِالظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مَنْ لَا حَقَّ لَك عِنْدَهُ، وَلَا مِنْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ إلَيْك مِنْ حَقِّك، أَوْ مِنْ مِثْلِهِ إنْ عَدَمَ حَقَّك، وَلَيْسَ رَدُّ الْمَظْلَمَةِ أَدَاءَ أَمَانَةٍ، بَلْ هُوَ عَوْنٌ عَلَى الْخِيَانَةِ.

ثُمَّ لَا حُجَّةَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ إلَّا لِمَنْ مَنَعَ مِنْ الِانْتِصَافِ جُمْلَةً، وَأَمَّا مَنْ قَسَّمَ فَأَبَاحَ أَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ نَوْعِ مَالِهِ فَقَطْ فَمُخَالِفٌ لِهَذِهِ الْآثَارِ وَلِغَيْرِهَا -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ التَّفْلِيسِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

كتاب الإجارات والأجراء

[كِتَابُ الْإِجَارَاتِ وَالْأُجَرَاءِ] [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ مَنْفَعَةٌ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْإِجَارَاتِ وَالْأُجَرَاءِ 1285 - مَسْأَلَةٌ: الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ مَنْفَعَةٌ فَيُؤَاجِرُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا يَسْتَهْلِكَ عَيْنَهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُمْ سَمِعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ يَقُولُ: زَعَمَ ثَابِتٌ - هُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا» . قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ مِنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْإِجَارَاتِ آثَارٌ، وَبِإِبَاحَتِهَا يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عُلَيَّةَ قَالَ: لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ «اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُرَيْقِطٍ دَلِيلًا إلَى مَكَّةَ» . [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا] 1286 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا، وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ مَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ كَالْحُرِّ، وَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا جَازَتْ إجَارَةُ الْحُرِّ، وَالْقَائِلُونَ إنَّهَا بَيْعٌ يُجِيزُونَ إجَارَةَ الْحُرِّ، فَتَنَاقَضُوا.

مسألة إجارة ما تتلف عينه

وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ الِانْتِفَاعُ بِمَنَافِعِ الشَّيْءِ الْمُؤَاجَرِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. [مَسْأَلَةٌ إجَارَةُ مَا تُتْلَفُ عَيْنُهُ] 1287 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ مَا تُتْلَفُ عَيْنُهُ أَصْلًا، مِثْلَ الشَّمْعِ لِلْوَقِيدِ، وَالطَّعَامِ لِلْأَكْلِ، وَالْمَاءِ لِلسَّقْيِ بِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ لَا إجَارَةٌ، وَالْبَيْعُ هُوَ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ، وَالْإِجَارَةُ لَا تُمْلَكُ بِهَا الْعَيْنُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَاتِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ] 1288 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ الْإِجَارَاتِ مَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ فَقَطْ وَلَا يُذْكَرُ فِيهِ مُدَّةٌ كَالْخِيَاطَةِ وَالنَّسْجِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ إلَى مَكَان مُسَمًّى، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ كَسُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا كَالْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مَجْهُولَةٌ وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً فَهِيَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَالْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ. [مَسْأَلَةٌ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مِنْ سَيِّدِهِ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً] 1289 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ سَيِّدِهِ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وليستعملهما فِيمَا يُحْسِنَانِهِ وَيُطِيقَانِهِ بِلَا إضْرَارٍ بِهِمَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَقِيلٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» . [مَسْأَلَةٌ اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ] 1290 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَلَا تَعْجِيلِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِهَا إلَى أَجَلٍ وَلَا تَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهَا كَذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ وَلَا تَأْخِيرِ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.

مسألة موت الأجير أو المستأجر أو هلاك المستأجر

وَمِنْ هَذَا اسْتِئْجَارُ دَارٍ مُكْتَرَاةٍ، أَوْ عَبْدٍ مُسْتَأْجَرٍ، أَوْ دَابَّةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ عَمَلٍ مُسْتَأْجَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْإِجَارَةِ الَّتِي هُوَ مَشْغُولٌ فِيهَا، لِأَنَّ فِي الْعَقْدِ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ قَبْضَةِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ. وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ النَّاسِ إجَارَةَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِالْيَوْمَيْنِ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَكْثَرُ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَدَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ إلَّا حَرَامٌ فَيَحْرُمُ جُمْلَةً أَوْ حَلَالٌ فَيَحِلُّ جُمْلَةً. وَقَالُوا: هُوَ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ غَرَرٌ. فَقُلْنَا: وَهُوَ أَيْضًا فِي السَّاعَةِ غَرَرٌ وَلَا فَرْقَ، إذْ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ طَرْفَةِ عَيْنٍ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَأَيْضًا: فَيُكَلَّفُونَ إلَى تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا غَرَرَ فِيهَا وَالْمُدَّةِ الَّتِي فِيهَا غَرَرٌ، وَأَنْ يَأْتُوا بِالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُمْ قَائِلُونَ فِي الدِّينِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ بِلَا شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَوْتُ الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ هَلَاكُ الْمُسْتَأْجَرِ] 1291 - مَسْأَلَةٌ: وَمَوْتُ الْأَجِيرِ، أَوْ مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ هَلَاكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ عِتْقُ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الدَّارِ، أَوْ الْعَبْدِ، أَوْ الدَّابَّةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِ مُؤَاجِرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ كُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ خَاصَّةً - قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ، وَالْبَيْعُ، وَالْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ، وَالْإِصْدَاقِ، وَالصَّدَقَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَاجِرُ فَقَدْ صَارَ مِلْكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ مَنَافِعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالْمَنَافِعُ إنَّمَا تَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مِلْكِ مَنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ، وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ جِهَارًا.

وَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ عَقْدُ مَيِّتٍ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَوْ أَنَّهُ آجَرَ مَنَافِعَ حَادِثَةً فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا هُوَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. وَأَمَّا مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ: فَإِنَّمَا كَانَ عَقْدُ صَاحِبِ الشَّيْءِ مَعَهُ لَا مَعَ وَرَثَتِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ عِنْدَ الْوَرَثَةِ، وَلَا عَقْدَ لَهُ مَعَهُمْ، وَلَا تَرِثُ الْوَرَثَةُ مَنَافِعَ لَهُمْ تُخْلَقُ بَعْدُ، وَلَا مَلَكَهَا مُوَرِّثُهُمْ قَطُّ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ لِمَيِّتٍ شَرْطٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الصَّمَدِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ آجَرَ دَارِهِ عَشْرَ سِنِينَ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: لَا تُنْتَقَضُ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِمَا، وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. وَأَقْصَى مَا احْتَجُّوا بِهِ أَنْ قَالُوا: عَقْدُ الْإِجَارَةِ قَدْ صَحَّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَضَ إلَّا بِبُرْهَانٍ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْبُرْهَانِ. وَقَالُوا: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي الْأَحْبَاسِ؟ قُلْنَا: رَقَبَةُ الشَّيْءِ الْمُحْبَسِ لَا مَالَك لَهَا إلَّا اللَّهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ الْمَنَافِعُ فَقَطْ، فَلَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمْ، وَلَا بِوِلَادَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ، لَكِنْ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ عَقْدَهُ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ، إذْ النَّصُّ مِنْ الْقُرْآنِ قَدْ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . فَإِنْ قَالُوا: قَدْ سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ الْيَهُودَ، وَمَلَّكَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، بِلَا شَكٍّ فَقَدْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَوْمٌ وَمِنْ الْيَهُودِ قَوْمٌ وَالْمُسَاقَاةُ بَاقِيَةٌ.

قُلْنَا: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ حَقٌّ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ إلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ، بَلْ كَانَ مُجْمَلًا يُخْرِجُونَهُمْ إذَا شَاءُوا، وَيُقِرُّونَهُمْ مَا شَاءُوا، كَمَا نَذْكُرُهُ فِي " الْمُسَاقَاةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَتْ الْإِجَارَةُ هَكَذَا. وَالثَّانِي - أَنَّهُ إنْ كَانَ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا تَجْدِيدُ عَقْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَامِلِهِ النَّاظِرِ عَلَى تِلْكَ الْأَمْوَالِ مَعَ وَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْيَهُودِ، وَوَرَثَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَأْتِ أَيْضًا، وَلَا نُقِلَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ عَنْ تَجْدِيدِ آخَرَ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا لَنَا، بَلْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فِي ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِخَبَرٍ لَا يَقُولُونَ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَهَذَا مَعْكُوسٌ. وَالرَّابِعُ - أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي " الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ " وَكَلَامُنَا هَهُنَا فِي الْإِجَارَةِ وَهِيَ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُ بَيْنَهُمَا، فَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَلَا يُجِيزَانِ الْمُزَارَعَةَ أَصْلًا، قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ، وَلَا يَرَيَانِ لِلْمُسَاقَاةِ حُكْمَ الْإِجَارَةِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَقِيسُوا الْإِجَارَةَ عَلَيْهِمَا وَهُمْ أَهْلُ الْقِيَاسِ ثُمَّ يُلْزَمُونَنَا أَنْ نَقِيسَهَا عَلَيْهِمَا وَنَحْنُ نُبْطِلُ الْقِيَاسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالْعِتْقُ، وَالْإِصْدَاقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَيَقُولُ {الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} [الحديد: 18] . وَيَقُولُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] . وَحَضَّ عَلَى الْعِتْقِ، فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، فَكُلُّ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ، فَإِذَا نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ فِيهِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ، إذْ لَا حُكْمَ لَهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنَافِعُ حَادِثَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِ مُؤَاجِرِهِ، وَخِدْمَةُ حُرٍّ لَمْ يُعَاقِدْهُ قَطُّ، لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ مَالِكِهَا، وَبِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ الْحُرِّ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ

بِالْبَاطِلِ، فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَهَذَا عَقْدٌ لَازِمٌ حَقٌّ. قُلْنَا: نَعَمْ، هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. فَإِنْ قَالُوا: إخْرَاجُهُ لِلشَّيْءِ الَّذِي آجَرَ مِنْ مِلْكِهِ إبْطَالٌ لِلْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ الَّذِي هُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِهِ. قُلْنَا: وَقَوْلُكُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَصْلًا: إمَّا أَنْ تَمْنَعُوهُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِسَبَبِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ. وَإِمَّا أَنْ تُبِيحُوا لَهُ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ - لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ مَنَعْتُمُوهُ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إخْرَاجَهُ بِهَا عَنْ مِلْكِهِ كُنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَرَّمْتُمْ مَا أَحَلَّ، وَهَذَا بَاطِلٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ شَرْطَهُمَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِصْدَاقِ، وَأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ أَحَقُّ مِنْ شَرْطِهِمَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَأَوْثَقُ، وَمُتَقَدِّمٌ لَهُ، فَإِنَّمَا يَكُونُ عَقْدُهُمَا الْإِجَارَةَ عَلَى جَوَازِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: بَلْ نُجِيزُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ وَيَبْقَى عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ.

قُلْنَا: خَالَفْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَأَوْجَبْتُمْ أَنْ تَكْسِبَ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَنْفُذَ عَقْدُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَخَالَفْتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَأَبَحْتُمْ لِلْمُسْتَأْجَرِ مَالَ غَيْرِهِ، وَأَبَحْتُمْ لَهُ مَالَ مَنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ قَطُّ فِيهِ عَقْدًا، وَمَنَعْتُمْ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ وَهَذَا حَرَامٌ، وَأَوْجَبْتُمْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ إجَارَةً عَلَى مَنَافِعَ حَادِثَةٍ فِي مَالٍ غَيْرِهِ، وَعَنْ خِدْمَةِ حُرٍّ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَأَكْلُ إجَارَةِ مَالٍ حَرَامٍ عَلَيْهِ عَيْنُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ - وَهَذَا كُلُّهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِيمَنْ دَفَعَ غُلَامَهُ إلَى رَجُلٍ يُعَلِّمُهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ شَرْطِهِ، قَالَ: يَرُدُّ عَلَى مُعَلِّمِهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَجَّرَ غُلَامَهُ سَنَةً فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ. قَالَ حَمَّادٌ: لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ إلَّا مِنْ مَضَرَّةٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الْبَيْعُ يَقْطَعُ الْإِجَارَةَ. قَالَ أَيُّوبُ لَا يَقْطَعُهَا، قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَأَلْت ابْنَ شُبْرُمَةَ عَنْ الْبَيْعِ أَيَقْطَعُ الْإِجَارَةَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمَوْتُ وَالْبَيْعُ يَقْطَعَانِ الْإِجَارَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ فَالْبَيْع صَحِيحٌ، وَلَا يَأْخُذُ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى إلَّا بَعْدَ تَمَامِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ نَافِذٌ وَالْهِبَةُ، وَعَلَى الْمُعْتِقِ إبْقَاءُ الْخِدْمَةِ، وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُعْتِقِ وَالْوَاهِبِ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إنْفَاذِ الْبَيْعِ وَتَكُونُ الْإِجَارَةُ لِلْبَائِعِ أَوْ رَدُّهُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا اشْتَرَى - وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَوْلَيْنِ - أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ نَقْضَ الْبَيْعِ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ

مسألة اضطر المستأجر أو المؤاجر إلى الرحيل عن البلد

بَيْنَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ بَطَلَتْ إجَارَتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ كَانَ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَالصَّبْرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَعَذُّرِ الْقَبْضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَانِ قَوْلَانِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ، لَا يَعْضُدُهُمَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَلَيْتَ شِعْرِي إذَا جَعَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، أَتَرَوْنَهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا فِي رَدِّ الْمُعْتَقِ أَوْ إمْضَائِهِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ أَوَ يَتَنَاقَضُونَ فِي ذَلِكَ؟ وَلَا يَحِلُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ مِلْكِ الْمُؤَاجِرِ بِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إصْدَاقٍ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُعْتَقِ، وَعَلَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ الْمِلْكُ: بَقَاءَ الْإِجَارَةِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ. [مَسْأَلَةٌ اضْطَرَّ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُؤَاجِرُ إلَى الرَّحِيلِ عَنْ الْبَلَدِ] 1292 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ إنْ اضْطَرَّ الْمُسْتَأْجِرُ إلَى الرَّحِيلِ عَنْ الْبَلَدِ، أَوْ اضْطَرَّ الْمُؤَاجِرُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ إذَا كَانَ فِي بَقَائِهَا ضَرَرٌ عَلَى أَحَدِهِمَا، كَمَرَضٍ مَانِعٍ، أَوْ خَوْفٍ مَانِعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَقَضَى حَاجَتَهُ دُونَ ذَلِكَ الْمَكَانِ. قَالَ: لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْمَكَانِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِيمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً إلَى أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ. قَالَ قَتَادَةَ: إذَا حَدَثَ نَازِلَةٌ يُعْذَرُ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْكِرَاءُ. [مَسْأَلَةٌ هَلَاكُ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ] 1293 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ إنْ هَلَكَ الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ وَوَافَقَنَا عَلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِهَذَا أَيْضًا، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ إلَى أَجَلِهَا، الْأُجْرَةُ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ لِلْمُؤَاجِرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.

مسألة استئجار العبيد والدور والدواب

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَقَاسَ أَبُو ثَوْرٍ ذَلِكَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَقَدْ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إبْقَاءِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، الْإِجَارَةَ بِمَوْتِ الْمُؤَاجِرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَبَيْنَ إبْقَاءِ أَبِي ثَوْرٍ إيَّاهَا بِهَلَاكِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ حَتَّى قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ دَابَّتُهُ إلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْفَلَاةِ: أَنَّ الْإِجَارَةَ بَاقِيَةٌ فِي مَالِهِ، وَأَنَّ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُؤْتَى الْمُؤَاجِرُ ثَمَنَ نَقْلِهِ، كَنَقْلِ الْمَيِّتِ يَنْقُلُهُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَهَذَا عَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ لَا سِيَّمَا مَعَ إبْطَالِهِ بَعْضَ الْإِجَارَةِ بِجَائِحَةٍ تَنْزِلُ كَاسْتِعْذَارٍ، أَوْ قَحْطٍ، فَاحْتَاطَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُحْتَطْ فِي الْآخَرِ وَلَا تَبْطُلُ إجَارَةٌ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ. وَصَحَّ عَنْهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُؤَاجِرِ يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ إذَا شَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ - وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ - وَكَانَا يَقْضِيَانِ بِذَلِكَ - وَلَا نَقُولُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَقَدَاهُ فِي مَالٍ يَمْلِكُهُ الْمُؤَاجِرُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِنْفَاذِهِ، وَكَذَلِكَ مُعَاقِدُهُ مَا دَامَا حَيَّيْنِ، وَمَا دَامَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي مِلْكِ مَنْ أَجَّرَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ الْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَالدَّوَابِّ] 1294 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْعَبِيدِ وَالدُّورِ وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَى مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ أَوْ طَوِيلَةٍ، إذَا كَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاءُ الْمُؤَاجَرَةِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ بَقَاءُ أَحَدِهِمْ إلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْعَقْدُ، وَكَانَ مَفْسُوخًا أَبَدًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ بَيَانَ الْمُدَّةِ وَاجِبٌ فِيمَا اُسْتُؤْجِرَ لَا لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ مَا وَبَيْنَ مَا أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا؛ وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُخْطِئٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بِلَا قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَلَا قَوْلِ تَابِعٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَالْمَخَاوِفُ لَا تُؤْمَنُ فِي قَصِيرِ الْمُدَدِ كَمَا لَا تُؤْمَنُ فِي طَوِيلِهَا. وَأَمَّا إنْ عُقِدَتْ الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ يُوقِنُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُخْتَرَمَ أَحَدُهُمَا دُونَهَا، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ الشَّيْءِ الْمُؤَاجَرِ دُونَهَا، فَهُوَ شَرْطٌ مُتَيَقَّنُ الْفَسَادِ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ إمَّا عَقْدٌ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ - وَإِمَّا عَقْدٌ فِي مَعْدُومٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة استئجار المرأة ذات اللبن لإرضاع الصغير مدة مسماة

وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَرَى الْإِجَارَةَ لَا تُنْتَقَضُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، أَوْ لَا تُنْتَقَضُ بِهَلَاكِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي ثَوْرٍ، أَنْ يُجِيزَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا إلَى أَلْفِ عَامٍ، وَإِلَى عَشَرَةِ آلَافِ عَامٍ، وَأَكْثَرَ، وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْإِجَارَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمِثْلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ لِإِرْضَاعِ الصَّغِيرِ مُدَّةً مُسَمَّاةً] 1295 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ لِإِرْضَاعِ الصَّغِيرِ مُدَّةً مُسَمَّاةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] . [مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ لِلْحَلْبِ] 1296 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَا وَاحِدَةٍ وَلَا أَكْثَرَ - لِلْحَلْبِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً، لَا فِي تَمَلُّكِ الْأَعْيَانِ، وَهَذَا تَمَلُّكُ اللَّبَنِ، وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، فَهُوَ بَيْعٌ لَا إجَارَةٌ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُرَ قَطُّ، وَلَا تُعْرَفُ صِفَتُهُ بَاطِلٌ. - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ إجَارَةَ الشَّاةِ وَلَا الشَّاتَيْنِ لِلْحَلْبِ، وَأَجَازَ إجَارَةَ الْقَطِيعِ مِنْ ذَوَاتِ اللَّبَنِ لِلْحَلْبِ - وَأَجَازَ اسْتِئْجَارَ الْبَقَرَةِ لِلْحَرْثِ، وَاشْتِرَاطَ لَبَنِهَا - وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ وَتَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا. ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِحَدٍّ بَيْنَ مَا حُرِّمَ وَمَا حُلِّلَ، فَمَزَجَ الْحَرَامَ بِالْحَلَالِ بِغَيْرِ بَيَانٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى؟

مسألة إجارة الأرض

وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَلَّلَ وَحَرَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لَهُمْ إنْ كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَالسُّكُوتُ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا يَحِلُّ غَيْرُهُ. ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ الْوَاحِدِ مِنْ الْبَقَرِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ. وَكَذَلِكَ أَجَازَ كِرَاءً تَكُونُ فِيهَا الشَّجَرَةُ أَوْ النَّخْلَةُ وَاسْتِثْنَاءَ ثَمَرَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا حِينَ الْإِجَارَةِ ثَمَرَةٌ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْكِرَاءِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ - وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَئِنْ كَانَ الْكَثِيرُ مِمَّا ذَكَرْنَا حَلَالًا فَالْقَلِيلُ مِنْ الْحَلَالِ حَلَالٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَالْقَلِيلُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَنْكَرُوا عَلَى الْحَنِيفِيِّينَ إذَا أَبَاحُوا الْقَلِيلَ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ كِرَاءُ الطَّعَامِ لِيُؤْكَلَ - فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا أَبَاحُوهُ مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ فِيهَا لِتُؤْكَلَ، وَبَيْنَ كِرَاءِ الْغَنَمِ لِتَحْلُبَ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ. قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَهُنَا بَاطِلًا لِأَنَّ أَصَحَّ الْقِيَاسِ هَهُنَا -: أَنْ يُقَاسَ اسْتِئْجَارُ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْحَلْبِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ الْوَاحِدَةِ لِلرَّضَاعِ فَحَرَّمْتُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ قِسْتُمْ حَيْثُ لَا تَشَابُهَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَقَرَةِ لِلْحَدَثِ وَمِنْ الْقَطِيعِ الْكَثِيرِ عَدَدُهُ، وَالْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ إجَارَةِ الرَّأْسِ الْوَاحِدِ لِلْحَلْبِ مَوْجُودَةٌ فِي الظِّئْرِ وَلَا فَرْقَ، وَمَا رَأَيْنَا أَجْهَلَ بِالْقِيَاسِ مِمَّنْ هَذَا قِيَاسُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إجَارَةُ الْأَرْضِ] 1297 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْأَرْضِ أَصْلًا، لَا لِلْحَرْثِ فِيهَا، وَلَا لَلْغَرْسِ فِيهَا، وَلَا لِلْبِنَاءِ فِيهَا، وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَصْلًا، لَا لِمُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ قَصِيرَةٍ وَلَا طَوِيلَةٍ، وَلَا لِغَيْرٍ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ، لَا بِدَنَانِيرَ وَلَا بِدَرَاهِمَ، وَلَا بِشَيْءٍ أَصْلًا - فَمَتَى وَقَعَ فَسْخٌ أَبَدًا. وَلَا يَجُوزُ فِي الْأَرْضِ إلَّا الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ الْمُغَارَسَةُ كَذَلِكَ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا بِنَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ جَازَ اسْتِئْجَارُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَتَكُونُ الْأَرْضُ تَبَعًا لِذَلِكَ الْبِنَاءِ غَيْرِ دَاخِلَةٍ فِي الْإِجَارَةِ أَصْلًا.

مسألة استئجار دار وعبد ودابة ليوم غير معين

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي ثَنِيّ عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ: سَمِعْت عَمِّي - وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا - يُحَدِّثَانِ [أَهْلَ الدَّارِ] : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَرَكَ كِرَاءَ الْأَرْضِ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَهْلُ بَدْرٍ كُلُّهُمْ عُدُولٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ مَلَكٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فِيكُمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خِيَارُنَا قَالَ: كَذَلِكَ هُمْ عِنْدَنَا» . قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ الْمَنْعَ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ جُمْلَةً جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَعِنْدَ ذِكْرِنَا " لِلْمُزَارَعَةِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَتَقَصَّى مَا شَغَبَ بِهِ مَنْ أَبَاحَ كِرَاءَ الْأَرْضِ وَنَقَضَ كُلَّ ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. [مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ دَارٍ وَعَبْدٍ وَدَابَّةٍ لِيَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ] 1298 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ دَارٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا شَيْءٍ أَصْلًا لِيَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَلَا لِشَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَغَلَا لِعَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَعْرِفْ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ حَقَّهُ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كُلُّ مَا عَمِلَ الْأَجِيرُ شَيْئًا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ] 1299 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا عَمِلَ الْأَجِيرُ شَيْئًا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ فَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ حَتَّى يُتِمَّ عَمَلَهُ أَوْ يُتِمَّ مِنْهُ جُمْلَةً مَا؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْعَمَلِ فَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعَمَلِ جُزْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اسْتَغَلَّ الْمُسْتَأْجِرُ الشَّيْءَ الَّذِي اسْتَأْجَرَ فَعَلَيْهِ مِنْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَيْضًا، وَكَمَا ذَكَرْنَا لِلدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الِاسْتِئْجَارُ بِمَا يَحِلُّ مِلْكُهُ] 1300 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ الِاسْتِئْجَارُ بِكُلِّ مَا يَحِلُّ مِلْكُهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ كَالْكَلْبِ، وَالْهِرِّ، وَالْمَاءِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَالسُّنْبُلِ الَّذِي لَمْ يَيْبَسْ -

مسألة الإجارة الفاسدة إن أدركت فسخت

فَيَسْتَأْجِرُ الدَّارَ بِكَلْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ كَلْبٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، وَبِثَمَرَةٍ قَدْ ظَهَرَتْ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَبِمَاءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ مُعَيَّنٍ مُحَرَّزٍ، أَوْ بِهِرٍّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا، وَإِنَّمَا نُهِيَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ الْبَيْعِ - وَقِيَاسُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَيْعِ بَاطِلٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، فَكَيْفَ وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ لِأَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى إجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ، وَتَحْرِيمِهِمْ لِبَيْعِهِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ لِلْأَعْيَانِ بِالنَّقْلِ لَهَا عَنْ مِلْكٍ آخَرَ، وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ لَمْ تَحْدُثْ بَعْدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ إنْ أُدْرِكَتْ فُسِخَتْ] 1301 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ إنْ أُدْرِكَتْ فُسِخَتْ، أَوْ مَا أُدْرِكَ مِنْهَا، فَإِنْ فَاتَتْ أَوْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْهَا قُضِيَ فِيهَا أَوْ فِيمَا فَاتَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَمَنْ اسْتَغَلَّ مَالَ غَيْرٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهِيَ حُرْمَةٌ انْتَهَكَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَاصَّ بِمِثْلِهِ مِنْ مَالِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ] 1302 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَا عَلَى الْأَذَانِ، لَكِنْ إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُمَا الْإِمَامُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْحُضُورِ مَعَهُمْ عِنْد حُلُولِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَقَطْ مُدَّةً مُسَمَّاةً، فَإِذَا حَضَرَ تَعَيَّنَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِهِمَا. وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى كُلِّ وَاجِبٍ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ صَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ فَتِيًّا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا عَلَى مَعْصِيَةٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِهَا، وَالْمَعْصِيَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا فَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَكَذَلِكَ تَطَوُّعُ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ أَخْذِ مَالٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: «كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» . [مَسْأَلَةٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى أَدَاء شَيْء عَنْ غَيْرِهِ] 1303 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ

مسألة الإجارة في أداء فرض

يَحُجَّ عَنْهُ التَّطَوُّعَ، أَوْ يُصَلِّي عَنْهُ التَّطَوُّعَ، أَوْ يُؤَذِّنَ عَنْهُ التَّطَوُّعَ أَوْ يَصُومَ عَنْهُ التَّطَوُّعَ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا عَلَيْهِمَا، فَالْعَامِلُ يَعْمَلُهُ عَنْ غَيْرِهِ لَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يُطِعْ وَلَا عَصَى، وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَأَنْفَقَ مَالَهُ فِي ذَلِكَ تَطَوُّعًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَهُ أَجْرُ مَا اكْتَسَبَ بِمَالِهِ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ فِي أَدَاءِ فَرْضٍ] 1304 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ فِي أَدَاءِ فَرْضٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ عَاجِزٍ، أَوْ مَيِّتٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " " وَكِتَابِ الصِّيَامِ " مِنْ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ وَجَوَازِ أَنْ يَعْمَلَهُ الْمَرْءُ عَنْ غَيْرِهِ فَالِاسْتِئْجَارُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمَنْسِيَّةُ، وَالْمَنُومُ عَنْهَا؛ وَالْمَنْذُورَةُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْمَرْءِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ فَهَذِهِ تُؤَدَّى عَنْ الْمَيِّتِ، فَالْإِجَارَةُ فِي أَدَائِهَا عَنْهُ جَائِزَةٌ؛ وَأَمَّا الْمُتَعَمِّدُ تَرْكَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا، إذْ لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهَا، إذْ قَدْ فَاتَتْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مَا لَيْسَ هُوَ مَأْمُورًا بِأَدَائِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ عَلَى النَّوْحِ وَالْكِهَانَةِ] 1305 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى النَّوْحِ، وَلَا عَلَى الْكِهَانَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْصِيَتَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُمَا وَلَا الْعَوْنُ عَلَيْهِمَا فَالْإِجَارَةُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ الْعَطَاءُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ، وَتَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحِجَامَةِ] 1306 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحِجَامَةِ، وَلَكِنْ يُعْطَى عَلَى سَبِيلِ طِيبِ النَّفْسِ وَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ، فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا قُدِّرَ عَمَلُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأُعْطِي مَا يُسَاوِي. وَكَذَلِكَ لَا تَحِلُّ الْإِجَارَةُ عَلَى إنْزَاءِ الْفَحْلِ أَصْلًا، لَا نَزْوَةً وَلَا نَزَوَاتٍ مَعْلُومَةً، فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ إلَى أَنْ تَحْمِلَ الْأُنْثَى كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْحَرَامِ وَالْبَاطِلِ وَأَكْلِ السُّحْتِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ» . وَرُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَكَسْبِ الْحَجَّامِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى ضِرَابِ الْفَحْلِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ شَوْذَبٍ أَبِي مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ لِي الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: لَا يَحِلُّ عَسْبُ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَرْبَعٌ مِنْ السُّحْتِ، ضِرَابُ الْفَحْلِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَمَهْرُ الْبَغْيِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» . وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا تُعْطِهِ عَلَى طِرَاقِ الْفَحْلِ أَجْرًا إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ مَنْ يَطْرُقُك وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبَاحَ مَالِكٌ الْأُجْرَةَ عَلَى ضِرَابِ الْفَحْلِ كُرَاتٍ مُسَمَّاةً - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ نَظَرٍ. وَرَوَوْا رِوَايَةً فَاسِدَةً مَوْضُوعَةً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ طَلْقِ بْنِ السَّمْحِ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ -: أَنَّ رَبِيعَةَ أَبَاحَ ذَلِكَ - وَذَكَرَهُ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَانَ لَهُ تَيْسٌ يُنْزِيه بِالْأُجْرَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ أَجَلَّ اللَّهُ قَدْرَ عَقِيلٌ فِي نَسَبِهِ وَعُلُوِّ قَدْرِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَيَّاسًا يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى قَضِيبِ تَيْسِهِ. وَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَجَّامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَحْرِيمَهَا - وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا - وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

مسألة الإجارة على تعليم القرآن وعلى تعليم العلم

وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةَ كَسْبِهِ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِمَا رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا فَحَجَمَهُ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخَفَّفَ مِنْ خَرَاجِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ وَاجِبٌ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ عَنْ غَيْرِ مُشَارَطَةٍ فَكَانَتْ مُشَارَطَتُهُ لَا تَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا عَمَلٌ مَجْهُولٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ جُمْلَةً وَقَدْ يَكْسِبُ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ مِنْ سَهْمٍ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَمِنْ ضَيْعَةٍ، وَمِنْ تِجَارَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ. وَلَمْ تَحْرُمُ الْحِجَامَةُ قَطُّ بِلَا خِلَافٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَسْبٍ يَعِيشُ مِنْهُ، وَإِلَّا مَاتَ ضَيَاعًا، فَصَحَّ أَنَّ كَسْبَهُ بِالْحِجَامَةِ خَاصَّةً هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ حَلَالًا حَسَنًا وَيَكُونُ مَا عَدَاهُ حَرَامًا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا مَعْمَرُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْتَجِمَ الرَّجُلُ وَلَا يُشَارِطَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ] 1307 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ مُشَاهَرَةً وَجُمْلَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ - وَعَلَى الرَّقْيِ، وَعَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ، وَنَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ نَصٌّ، بَلْ قَدْ جَاءَتْ الْإِبَاحَةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو مُحَمَّدٍ سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ الْبَاهِلِيُّ نا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَاءُ هُوَ صَدُوقٌ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» .

وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ رَجُلٍ بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ» أَيْ لِيُعَلِّمَهَا إيَّاهُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا تَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ نا شَبَابَةُ - هُوَ ابْنُ وَرْقَاءَ - نا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ الشَّامِيُّ نا بِشْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: «كَانَ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَاسٌ يُقْرِئُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدُهُمْ قَوْسًا يَتَسَلَّحُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَ بِهَا فِي عُنُقِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ قَاضِي الْأُرْدُنِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِصَّةُ الْقَوْسِ وَأَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ نا بَقِيَّةُ نا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ زَيْتُونٍ عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْقَوْسِ مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيهِ زِيَادَةٌ: «أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ. قَالَ: أَمَّا طَعَامٌ صُنِعَ لِغَيْرِكَ فَحَضَرْتَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَهُ وَأَمَّا مَا صُنِعَ لَكَ فَإِنْ أَكَلْتَهُ فَإِنَّمَا تَأْكُلُهُ بِخِلَافِكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرٍ أَبُو سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ غَدَّاهُ رَجُلٌ كَانَ يُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ كَانَ شَيْءٌ يُتْحِفُكَ بِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَعَامِهِ وَطَعَامِ أَهْلِهِ فَلَا بَأْسَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَّامٍ - عَنْ أَبِي سَلَّامٍ - هُوَ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ - عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَعْلُوا عَنْهُ وَلَا تَجْفُوا فِيهِ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْبِرُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ» . وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَ هَذَا أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْسٍ أَهْدَاهَا إنْسَانٌ إلَى مَنْ كَانَ يُقْرِئُهُ أَتُرِيدُ أَنْ تُعَلِّقَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ ". وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ أَعْطَاهُ الْأَمِيرُ مَالًا لِقِيَامِهِ بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ فَأَبَى وَقَالَ: إنَّا لَا نَأْخُذُ لِلْقُرْآنِ أَجْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ إيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَتَعْلِيمِ الْغِلْمَانِ بِالْأَرْشِ وَيُعَظِّمُونَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعَلِّمُ وَأَنْ يَأْخُذَ أَجْرًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ: إنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَعْطَى قَوْمًا قَرَءُوا الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَرِهَهُ - وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ: إنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أَلْحَقْته عَلَى أَلْفَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ أَوَ يُعْطَى عَلَى كِتَابِ اللَّه ثَمَنًا؟ . وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَشُرَيْحٍ: لَا تَأْخُذْ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنٍ مُعَلِّمٍ كِتَابَ اللَّهِ: إنِّي لَأَبْغَضُك فِي اللَّهِ لِأَنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك وَتَأْخُذُ لِكِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا. وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ الْأُجْرَةَ عَلَى كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ سَعْدٍ، وَعَمَّارٍ الْآنَ أَنَّهُمَا أَعْطَيَا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ مُعَلِّمِينَ يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرْزُقُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ كُلَّ شَهْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ مُعَلِّمٌ عِنْدَهُ مِنْ أَبْنَاءِ أَوْلِيَاءِ الْفِخَامِ فَكَانُوا يَعْرِفُونَ حَقَّهُ فِي النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَدْرَكَ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، وَأَخَذَ عَنْهُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو قَتَادَةَ فَمَنْ دُونَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ إبَاحَةَ أَجْرِ الْمُعَلِّمِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. وَأَجَازَ الْحَسَنُ، وَعَلْقَمَةُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الْأُجْرَةَ عَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي إدْرِيسَ الْفُلَانِيِّ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَمُنْقَطِعٌ، لَا يُعْرَفُ لِأَبِي إدْرِيسَ سَمَاعٌ مَعَ أُبَيٍّ. وَالْآخَرُ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَحَدُ طُرُقِهِ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُ: وَالْآخَرُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّالِثُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَفِيهِ أَبُو رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ كُلُّهَا قَدْ خَالَفَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِيمَا أُعْطِيَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَلَا مُشَارَطَةٍ، وَهُمْ يُجِيزُونَ هَذَا الْوَجْهَ فَمَوَّهُوا بِإِيرَادِ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا مَنَعُوا - وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهَا - فَبَطَلَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ اخْتَلَفُوا، فَبَقِيَ الْأَثَرَانِ الصَّحِيحَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ اللَّذَانِ أَوْرَدْنَا لَا مُعَارِضَ لَهُمَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الإجارة على التجارة مدة مسماة في مال مسمى

[مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ عَلَى التِّجَارَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً فِي مَالٍ مُسَمًّى] مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى التِّجَارَةِ مُدَّةً مُسَمَّاةً فِي مَالٍ مُسَمًّى، أَوْ هَكَذَا جُمْلَةً: كَالْخِدْمَةِ، وَالْوَكَالَةِ. وَعَلَى نَقْلِ جَوَابِ الْمُخَاصِمِ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا، وَعَلَى جَلْبِ الْبَيِّنَةِ وَحَمْلِهِمْ إلَى الْحَاكِمِ، وَعَلَى تَقَاضِي الْيَمِينِ، وَعَلَى طَلَبِ الْحُقُوقِ، وَعَلَى الْمَجِيءِ بِمَنْ وَجَبَ إحْضَارُهُ، لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَعْمَالٌ مَحْدُودَةٌ دَاخِلَةٌ تَحْتَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ. [مَسْأَلَةٌ إجَارَةُ الْأَمِيرِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ مُشَاهَرَةً] 1309 - مَسْأَلَةٌ: وَإِجَارَةُ الْأَمِيرِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ مُشَاهَرَةً جَائِزَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَةٌ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ] 1310 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ مُشَارَطَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ أَصْلًا لِأَنَّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِيَدِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا الطَّبِيبُ مُعَالِجٌ وَمُقَوٍّ لِلطَّبِيعَةِ بِمَا يُقَابِلُ الدَّاءَ، وَلَا يَعْرِفُ كَمِّيَّةَ قُوَّةِ الدَّوَاءِ مِنْ كَمِّيَّةِ قُوَّةِ الدَّاءِ، فَالْبُرْءُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَار الطَّبِيب لِخِدْمَةِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ] 1311 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الطَّبِيبُ لِخِدْمَةِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ فَإِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا عِنْدَ الْبُرْءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَحَلَالٌ، لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِ مَا أُعْطِي الْمَرْءُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ. [مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ] 1312 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ أَلْبَتَّةَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ مَعْرُوفَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ فِيهَا الصَّفَاةُ الصَّلْدَةُ، وَالْأَرْضُ الْمُنْحَلَّةُ الرَّخْوَةُ وَالصَّلِيبَةُ، وَهَذَا عَمَلٌ مَجْهُولٌ، وَقَدْ يَبْعُدُ الْمَاءُ فِي مَوْضِعٍ وَيَقْرُبُ فِيمَا هُوَ إلَى جَانِبِهِ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي اسْتِئْجَارِ مُيَاوَمَةٍ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ مَعْلُومٌ يَتَوَلَّى مِنْهُ حَسَبَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ الْبَنَّاءِ وَآلَاتِهِ] 1313 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِيَاطَةِ إحْضَارَ الْخُيُوطِ، وَلَا عَلَى الْوَرَّاقِ الْقِيَامَ بِالْحِبْرِ، وَلَا عَلَى الْبَنَّاءِ الْقِيَامَ بِالطِّينِ أَوْ الصَّخْرِ، أَوْ الْجَيَّارِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ وَبَيْعٌ مَعًا قَدْ اُشْتُرِطَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْآخَرِ فَحُرِّمَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.

مسألة استأجر دارا أو شيئا ما ثم أجره

وَالثَّانِي - أَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ، وَإِجَارَةُ مَجْهُولٍ لَا يَدْرِي مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْبَيْعِ وَلَا مَا يَقَعُ مِنْهُ لِلْإِجَارَةِ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَإِنْ تَطَوَّعَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا بِإِحْضَارِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ. وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ الْبَنَّاءِ وَآلَاتِهِ، وَالنَّجَّارِ وَآلَاتِهِ، وَالْوَرَّاقِ وَأَقْلَامِهِ، وَجَلَمِهِ وَسِكِّينِهِ، وَمَلْزَمَتِهِ، وَمِحْبَرَتِهِ، وَالْخَيَّاطِ وَإِبْرَتِهِ وَجَلَمِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَاحِدَةٌ كُلُّهَا. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ لِتِلْكَ الْآلَةِ، وَلَا مَا يَقَعُ لِلْعَامِلِ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الصَّبَّاغُ: فَإِنَّمَا اُسْتُؤْجِرَ لِإِدْخَالِ الثَّوْبِ فِي قِدْرِهِ فَقَطْ. [مَسْأَلَةٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ شَيْئًا مَا ثُمَّ أَجَّرَهُ] 1314 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا مَا ثُمَّ أَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهِ، فَهُوَ حَلَالٌ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ الصَّائِغُ الْمُسْتَأْجَرُ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَيَسْتَأْجِرُ هُوَ غَيْرَهُ لِيَعْمَلَهُ لَهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِمِثْلِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ، وَالْفَضْلُ جَائِزٌ لَهُمَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُعَاقَدَةُ وَقَعَتْ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ غَيْرُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَهِيَ مُؤَاجَرَةٌ وَقَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُؤَاجَرَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1315 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ بِالْإِجَارَةِ جَائِزَةٌ -: كَمَنْ أَجَّرَ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ سُكْنَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ بِخِيَاطَةٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ دَارٍ بِكِرَاءِ دَارٍ - وَيَجُوزُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ. بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَأَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْفَضْلُ لِلْأَوَّلِ.

مسألة أجرة تنقية المرحاض

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ قَالَ: يُرَدُّ الْفَضْلُ، هُوَ رِبًا، وَلَمْ يُجِزْهُ مُجَاهِدٌ، وَلَا إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَلَا عِكْرِمَةُ، وَكَرِهَهُ الزُّهْرِيُّ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُبِيحُهُ. وَكَرِهَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَأَبَاحَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَالرِّبَا - وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ هِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ابْتَاعَ بِثَمَنٍ وَبَاعَ بِأَكْثَرَ، وَبَيْنَ مَنْ اكْتَرَى بِشَيْءٍ وَأَكْرَى بِأَكْثَرَ. وَالْمَالِكِيُّونَ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ - وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُجِزْهُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالتَّقْلِيدُ لَا يَجُوزُ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَلَالًا فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا لَا يَمْلِكُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أُجْرَةُ تَنْقِيَةِ الْمِرْحَاضِ] 1316 - مَسْأَلَةٌ: وَتَنْقِيَةُ الْمِرْحَاضِ عَلَى الَّذِي مَلَأَهُ لَا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ عَلَى مَنْ وَضَعَ كُنَاسَةً أَوْ زِبْلًا أَوْ مَتَاعًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ الَّتِي هِيَ مَالُ غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُزِيلَهُ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَاشْتِرَاطُهُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1317 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ خَانًا يَبِيتُونَ فِيهِ لَيْلَةً ثُمَّ يَرْحَلُونَ، فَعَلَى صَاحِبِ الْخَانِ إحْضَارُ مَكَان فَارِغٍ لِلْخَلَاءِ إنْ شَاءَ، وَإِلَّا يَتَبَرَّزُوا فِي الصُّعُدَاتِ إنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ الْأُجْرَةُ عَلَى كَنْس الْكُنُفِ] 1318 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأُجْرَةُ عَلَى كَنْسِ الْكُنُفِ جَائِزَةٌ - وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، لِعُمُومِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ.

مسألة إعطاء الغزل للنسج بجزء مسمى منه

عَلَى أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لِرَجُلٍ كَنَّاسٍ لِلْعَذِرَةِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِنْهُ تَزَوَّجَ وَمِنْهُ كَسَبَ وَمِنْهُ حَجَّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ خَبِيثٌ، وَمَا كَسَبْت خَبِيثٌ؛ وَمَا تَزَوَّجْت خَبِيثٌ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلْت فِيهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنِّي كُنْت رَجُلًا كَنَّاسًا أَكْسَحُ هَذِهِ الْحُشُوشَ فَأَصَبْت مَالًا فَتَزَوَّجْت مِنْهُ، وَوُلِدَ لِي فِيهِ، وَحَجَجْت فِيهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْتَ وَمَالُك خَبِيثٌ وَوَلَدُك خَبِيثٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ - فَأَيْنَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ عَنْ هَذَا إنْ طَرَدُوا أَقْوَالَهُمْ؟ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ إعْطَاءُ الْغَزْلِ لِلنَّسْجِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ] 1319 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ إعْطَاءُ الْغَزْلِ لِلنَّسْجِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ كَرُبُعٍ، أَوْ ثُلُثٍ؛ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ النَّسَّاجُ مَعًا وَيَكُونَا مَعًا شَرِيكَيْنِ فِيهِ: جَازَ ذَلِكَ - وَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَكَانَ لِلنَّسَّاجِ مِنْ الْغَزْلِ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ أُجْرَةٌ بِمِقْدَارِ مَا يَنْسِجُ مِنْ الْأَجْرِ حَتَّى يُتِمَّ نَسْجَهُ وَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا سُمِّيَ لَهُ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّوْبِ لِلْخَيَّاطِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مُشَاعٍ أَوْ مُعَيَّنٍ، وَإِعْطَاءُ الطَّعَامِ لِلطَّحِينِ بِجُزْءٍ مِنْهُ كَذَلِكَ، وَإِعْطَاءُ الزَّيْتُونِ لِلْعَصِيرِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِئْجَارُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الزُّيُوتِ الْمَحْدُودَةِ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الرَّاعِي لِحِرَاسَةِ هَذِهِ الْغَنَمِ بِجُزْءٍ مِنْهَا مُسَمًّى كَذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا يَجُوزُ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْ النَّسْلِ الَّذِي لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَهِيَ إجَارَةٌ مَحْدُودَةٌ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٍ قَائِمٍ. وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِمَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لَا؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ عَنْ دَفْعِ الثَّوْبِ إلَى النَّسَّاجِ بِالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ، أَوْ بِالرُّبُعِ؛ أَوْ بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: أَجَازَ الْحَكَمُ إجَارَةَ الرَّاعِي لِلْغَنَمِ بِثُلُثِهَا أَوْ رُبُعِهَا - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا

مسألة كراء السفن

نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَأَلْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ، وَيَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ الثَّوْبَ إلَى النَّسَّاجِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ؟ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُدْفَعَ إلَى النَّسَّاجِ بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَالِجَ الرَّجُلُ النَّخْلَ وَيَقُومُ عَلَيْهِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، مَا لَمْ يُنْفِقْ هُوَ مِنْهُ شَيْئًا. نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ الْفُضَيْلِ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: النَّخْلُ يُعْطَى مَنْ عَمِلَ فِيهِ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ. وَكَرِهَ كُلَّ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا مَالِكٌ، وَلَا الشَّافِعِيُّ. [مَسْأَلَةٌ كِرَاءُ السُّفُنِ] 1320 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ كِرَاءُ السُّفُنِ كِبَارِهَا وَصِغَارِهَا بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يُحْمَلُ فِيهَا مُشَاعٌ فِي الْجَمِيعِ أَوْ مُتَمَيِّزٌ. وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ، وَالْعِجْلُ، وَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُ السَّفِينَةِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ الطَّرِيقِ عَطِبَ أَوْ سَلِمَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَحْدُودٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا كِرَاءَ لَهُ إلَّا إنْ بَلَغَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ وَاسْتِحْلَالُ تَسْخِيرِ السَّفِينَةِ بِلَا أُجْرَةٍ، وَبِلَا طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ - وَقَوْلُهُ فِي هَذَا قَوْلٌ لَا يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ خِدْمَةِ الْمَرْكَبِ جَائِزٌ، وَلَهُمْ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلُوا - عَطِبَ الْمَرْكَبُ أَوْ سَلِمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة استئجار الحمام

مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ هَالَ الْبَحْرُ وَخَافُوا الْعَطَبَ فَلْيُخَفِّفُوا الْأَثْقَلَ فَالْأَثْقَلَ، وَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الْمَرْكَبِ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِتَخْلِيصِ أَنْفُسِهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . فَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . وَقَالَ مَالِكٌ: يَضْمَنُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا سِيقَ لِلْأَكْلِ، وَالْقُنْيَةِ، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ فِي الْمَرْكَبِ - وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لَا يَعْضُدُهُ دَلِيلٌ أَصْلًا، وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ قَبْلَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَثْقَلِ مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي رَمْيِ الْأَثْقَلِ كُلْفَةٌ يَطُولُ أَمْرُهَا، وَيُخَافُ غَرَقُ السَّفِينَةِ فِيهَا، وَيُرْجَى الْخَلَاصُ، بِرَمْيِ الْأَخَفِّ رُمِيَ الْأَخَفُّ حِينَئِذٍ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَنْ رَمَى الْأَخَفَّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى رَمْيِ الْأَثْقَلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا رَمَى مِنْ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُهُ مَعَهُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَلَا يُرْمَى حَيَوَانٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ يُوقِنُ مَعَهَا بِالنَّجَاةِ بِرَمْيِهِ، وَلَا يُلْقَى إنْسَانٌ أَصْلًا لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ دَفْعُ ظُلْمٍ عَنْ نَفْسِهِ بِظُلْمِ مَنْ لَمْ يَظْلِمْهُ، وَالْمَانِعُ مِنْ إلْقَاءِ مَالِهِ الْمُثْقِلِ لِلسَّفِينَةِ ظَالِمٌ لِمَنْ فِيهَا، فَدَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِمَنْعِهِ مِنْ ظُلْمِهِمْ فَرْضٌ. [مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ الْحَمَّامِ] 1322 - مَسْأَلَةٌ: وَاسْتِئْجَارُ الْحَمَّامِ جَائِزٌ، وَيَكُونُ الْبِئْرُ، وَالسَّاقِيَةُ تَبَعًا، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ إجَارَةٍ مَعَ الدَّاخِلِ فِيهِ، لَكِنْ يُعْطَى مُكَارَمَةً، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ بِمَا أُعْطِي أُلْزِمَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مَا يُسَاوِي بَقَاؤُهُ فِيهِ فَقَطْ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مَجْهُولَةٌ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْكِرَاءِ عَلَى مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ لِجَهْلِهِمَا، بِمَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا] 1323 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا دَالِيَةٌ، أَوْ شَجَرَةٌ، لَمْ يَجُزْ دُخُولُهَا فِي الْكِرَاءِ أَصْلًا - قَلَّ خَطَرُهَا أَمْ كَثُرَ، ظَهَرَ حَمْلُهَا أَوْ لَمْ يَظْهَرْ - طَابَ أَوْ لَمْ

مسألة إجارة المشاع

يَطِبْ -: لِأَنَّهَا قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الثَّمَرَةُ، وَقَبْلَ أَنْ تَطِيبَ لَا يَحِلُّ فِيهَا عَقْدٌ أَصْلًا إلَّا الْمُسَاقَاةُ فَقَطْ وَبَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْبَيْعُ، لَا الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُمْلَكُ بِهَا الْعَيْنُ وَلَا تُسْتَهْلَكُ أَصْلًا، وَالْبَيْعُ تُمْلَكُ بِهِ الْعَيْنُ وَالرَّقَبَةُ، فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَإِجَارَةٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. [مَسْأَلَةٌ إجَارَةُ الْمُشَاعِ] 1324 - مَسْأَلَةٌ: وَإِجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الشَّرِيكِ وَمِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ، وَمَعَ الشَّرِيكِ وَدُونَهُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ - لَا مَا يَنْقَسِمُ وَلَا مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ وَحْدَهُ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ - كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ - لَا عِنْدَ الشَّرِيكِ فِيهِ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِ. فَإِنْ ارْتَهَنَ اثْنَانِ مَعًا رَهْنًا مِنْ وَاحِدٍ جَازَ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُشَاعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ كَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، وَيَجُوزُ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ كَالسَّيْفِ، وَاللُّؤْلُؤَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَجَازَ بَيْعَ الْمُشَاعِ - مَا انْقَسَمَ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ - مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِ الشَّرِيكِ وَلَمْ يُجِزْ زُفَرُ إجَارَةَ الْمُشَاعِ - لَا مِنْ الشَّرِيكِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. وَهَذِهِ تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالدَّعْوَى بِالْبَاطِلِ وَالتَّنَاقُضِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا، وَلَا نَعْلَمُهَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ قَالُوا: الِانْتِفَاعُ بِالْمُشَاعِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا بِالْمُهَايَأَةِ، وَفِي ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ وَفِي التَّمَلُّكِ، وَلَا فَرْقَ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ، وَلَمْ يَخُصَّ مُشَاعًا مِنْ غَيْرِ مُشَاعٍ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . وَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَقَدْ تَمَّ الدِّينُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَنَحْنُ فِي غِنًى عَنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ] 1325 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ، وَلَا عَلَى صَانِعٍ أَصْلًا، وَلَا مَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهِ أَوْ أَضَاعَهُ - وَالْقَوْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ - مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ - قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالتَّعَدِّي، أَوْ الْإِضَاعَةِ ضَمِنَ، وَلَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْأُجْرَةُ

فِيمَا أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَمِلَ مَا يَدَّعِي أَنَّهُ عَمِلَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] فَمَالُ الصَّانِعِ وَالْأَجِيرِ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ اعْتَدَى أَوْ أَضَاعَ لَزِمَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى، وَالْإِضَاعَةُ لِمَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ تَعَدٍّ وَهُوَ مُلْزَمٌ حِفْظَ مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَحُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَى الْمَطْلُوبِ إذَا أَنْكَرَ، وَمَنْ طُلِبَ بِغَرَامَةِ مَالٍ أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ غَرَامَةً فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقًّا فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا يَضْمَنُ الصَّائِغُ، وَلَا الْقَصَّارُ، أَوْ قَالَ الْخَيَّاطُ، وَأَشْبَاهُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا جَبَلَةُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ فِي حَمَّالٍ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ قُلَّةِ عَسَلٍ فَانْكَسَرَتْ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَضْمَنُ الْأَجِيرُ إلَّا مِنْ تَضْيِيعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَجِيرِ الْمُشَاهَرَةِ ضَمَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا يَضْمَنُ الْقَصَّارُ إلَّا مَا جَنَتْ يَدُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا أَعْنَتَ بِيَدِهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَضْمَنُ الْمَلَّاحُ غَرَقًا وَلَا حَرَقًا.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا أَفْسَدَ الْقَصَّارُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَانَ لَا يُضَمِّنُهُ غَرَقًا وَلَا حَرَقًا وَلَا عَدُوًّا مُكَابِرًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا -: وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ لَمْ يُضَمِّنْ الْقَصَّارَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا يَضْمَنُ الصَّانِعُ إلَّا مَا أَعْنَتَ بِيَدِهِ - وَقَالَ قَتَادَةُ: يَضْمَنُ إذَا ضَيَّعَ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ كَانَ لَا يُضَمِّنُ أَحَدًا مِنْ الصُّنَّاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَزُفَرَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَالْمُزَنِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الصُّنَّاعُ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ مَا جَنَوْا وَمَا لَمْ يَجْنُوا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَمَّنَ الصُّنَّاعَ - يَعْنِي: مَنْ عَمِلَ بِيَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ، وَالصَّوَّاغَ، وَقَالَ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ضَمَّنَ نَجَّارًا. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ تَضْمِينُ الْأَجِيرِ وَالْقَصَّارِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا تَضْمِينُ الصُّنَّاعِ - وَكَذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ -

وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ كُلَّ أَجِيرٍ حَتَّى صَاحِبَ الْفُنْدُقِ الَّذِي يَحْبِسُ لِلنَّاسِ دَوَابَّهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى إنَّهُ يُضَمِّنُ صَاحِبَ السَّفِينَةِ إذَا عَطِبَتْ الْأَمْتِعَةُ الَّتِي تَلِفَتْ فِيهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْمَنُ كُلُّ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا - وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ - وَهُوَ الْعَامُّ - وَهُوَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَلَا يَضْمَنُ الْخَاصُّ، وَهُوَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لِمُدَّةٍ مَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ يَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ لَا يَضْمَنُ الْخَاصُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا غَابَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَلِفَ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَا يَضْمَنُ مَا ظَهَرَ أَصْلًا، إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ تَعَدَّى - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا وَجْهَ لَهُ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ. فَقُلْنَا لَهُمْ: فَضَمَّنُوا الْوَدَائِعَ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ ضَمَّنَهَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. وَأَيْضًا فَمَنْ جَعَلَ الْمُسْتَصْنِعِينَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ لَهُمْ مِنْ الصُّنَّاعِ وَالْكُلُّ مُسْلِمُونَ، وَلَوْ عَكَسَ عَاكِسٌ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ لَمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَضْلٌ كَمَنْ قَالَ: بَلْ أَضْمَنُ مَا ظَهَرَ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَتَعَدِّيهِ، وَلَا أَضْمَنُ مَا بَطَنَ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ بِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ تَعَدِّيهِ، بَلْ لَعَلَّ هَذَا الْقَوْلَ أَحْوَطُ فِي النَّظَرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَهَذَا كَمَا تَرَى خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ: وَجَدْنَا مَا يَدْفَعُهُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً لَا رَابِعَ لَهَا -:

مسألة لا تجوز الإجارة إلا بمضمون مسمى محدود في الذمة

فَقِسْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّافِعُ وَحْدَهُ لَا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَقَدْ اتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي بَعْضِهِ كَالْوَدِيعَةِ، فَوَجَبَ رَدُّ كُلِّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا إلَيْهَا. وَقِسْمٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّافِعُ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ - فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي بَعْضِهِ كَالْقِرَاضِ، فَوَجَبَ رَدُّ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الرَّهْنُ، وَمَا دُفِعَ إلَى الصُّنَّاعِ. وَقِسْمٌ ثَالِثٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَحْدَهُ - فَقَدْ اتَّفَقْنَا فِي بَعْضِهِ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ كَالْقَرْضِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا، وَلَكِنَّهُمْ لَا الْآثَارَ اتَّبَعُوا، وَلَا الْقِيَاسَ عَرَفُوا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِمَضْمُونٍ مُسَمًّى مَحْدُودٍ فِي الذِّمَّةِ] 1326 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِمَضْمُونٍ مُسَمًّى مَحْدُودٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ بِعَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ مَعْرُوفَةِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ - وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنْت أَجِيرًا لِابْنَةِ غَزْوَانَ بِطَعَامِ بَطْنِي، وَعُقْبَةِ رِجْلِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ يَكُونُ هَذَا تَكَارُمًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ لَازِمٍ - وَأَمَّا الْعُقُودُ الْمَقْضِيُّ بِهَا فَلَا تَكُونُ إلَّا بِمَعْلُومٍ، وَالطَّعَامُ يَخْتَلِفُ: فَمِنْهُ اللَّيِّنُ، وَمِنْهُ الْخَشِنُ وَمِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ - وَيَخْتَلِفُ الْأُدْمُ، وَتَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الْأَكْلِ اخْتِلَافًا مُتَفَاوِتًا فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّتْ " الْإِجَارَةُ " بِحَمْدِ اللَّهِ.

كتاب الجعل في الآبق وغيره

[كِتَابُ الْجُعْلِ فِي الْآبِقِ وَغَيْرِهِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْجُعْلِ عَلَى أَحَدٍ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْجُعْلِ فِي الْآبِقِ وَغَيْرِهِ 1327 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْجُعْلِ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَلَيَّ دِينَارٌ، أَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَلَكَ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَجَاءَهُ بِذَلِكَ - أَوْ هَتَفَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ: مَنْ جَاءَنِي بِكَذَا فَلَهُ كَذَا، فَجَاءَهُ بِهِ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَيُسْتَحَبُّ لَوْ وَفَّى بِوَعْدِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَاءَهُ بِآبِقٍ، فَلَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ عَرَفَ بِالْمَجِيءِ بِالْإِبَاقِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلك، إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى طَلَبِهِ مُدَّةً مَعْرُوفَةً، أَوْ لِيَأْتِيَهُ بِهِ مِنْ مَكَان مَعْرُوفٍ، فَيَجِبُ لَهُ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ. وَأَوْجَبَ قَوْمٌ الْجُعْلَ وَأَلْزَمُوهُ الْجَاعِلَ - وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . وَبِقَوْلِ يُوسُفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَدَمَتُهُ عَنْهُ: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] . وَبِحَدِيثِ الَّذِي رَقَى عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " الْإِجَارَاتِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -:

أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ فِي دَمِهِ، وَلَا فِي مَالِهِ، وَلَا فِي عِرْضِهِ، وَلَا فِي بَشَرَتِهِ عَقْدًا، وَلَا أَنْ يَلْتَزِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا، إلَّا مَا جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِهِ بِاسْمِهِ، أَوْ بِإِبَاحَتِهِ بِاسْمِهِ. فَصَحَّ أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا إنَّمَا هِيَ الْعُقُودُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا بِأَسْمَائِهَا، وَأَنَّ كُلَّ مَا عَدَاهَا فَحَرَامٌ عَقْدُهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] . فَصَحَّ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا وَلَمْ يَقُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمْهُ عَقْدٌ خَالَفَ فِيهِ أَمْرَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَإِنْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا عِلْمَ ضَرُورَةٍ إذْ قَدْ عَقَدَ ذَلِكَ الْعَقْدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لَمْ يُنَفِّذْهُ وَلَا فَعَلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْهُ، إذْ لَوْ شَاءَهُ اللَّهُ لَأَنْفَذَهُ وَأَتَمَّهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا الْتَزَمَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْعَقْدِ إنْ شَاءَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْفَذَهُ وَأَتَمَّهُ وَإِلَّا فَلَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذَا لَا يَرَوْنَ جَمِيعَ الْعُقُودِ لَازِمَةً، وَلَا يَأْخُذُونَ بِعُمُومِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا، بَلْ يَقُولُونَ فِيمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَصْبُغَ ثَوْبَهُ أَصْفَرَ، أَوْ أَنْ يَمْشِيَ إلَى السُّوقِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، فَقَدْ نَقَضُوا احْتِجَاجَهُمْ بِعُمُومِهَا، وَلَزِمَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْحَدِّ الْمُفَرِّقِ بَيْنَ مَا يَلْزَمُونَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَبَيْنَ مَا لَا يَلْزَمُونَهُ، وَبِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْحَدِّ، وَذَلِكَ الْفَرْقُ وَإِلَّا فَقَوْلُهُمْ مَرْدُودٌ، لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] .

وَالْعَجَبُ: أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا يَقُولُونَ: إنْ وَكَّدَ كُلَّ عَقْدٍ عَقَدَهُ بِيَمِينٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَقَطْ، ثُمَّ يُلْزِمُونَهُ إيَّاهُ إذَا لَمْ يُؤَكِّدْهُ، فَتَرَاهُمْ كُلَّمَا أَكَّدَ الْعَاقِدُ عَقْدَهُ انْحَلَّ عَنْهُ، وَإِذَا يُؤَكِّدُهُ لَزِمَهُ، وَهَذَا مَعْكُوسٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَلْزَمُ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَا تَلْزَمُنَا، قَالَ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ، فَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهَا: وَأُرْسِلْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي» فَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْهَا: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» رُوِّينَا هَذَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا فَلَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا، وَإِذْ لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا فَلَا يَلْزَمُنَا شَرْعٌ لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا الْإِيمَانُ بِأَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ لَازِمٌ لِمَنْ بُعِثُوا إلَيْهِ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُلْزِمُونَ مَنْ قَالَ: لِمَنْ جَاءَنِي بِكَذَا حِمْلُ بَعِيرٍ الْوَفَاءَ بِمَا قَالَ لِأَنَّ هَذَا الْحِمْلَ لَا يُدْرَى مِمَّ هُوَ؟ أَمِنْ اللُّؤْلُؤِ، أَوْ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ مِنْ رَمَادٍ، أَوْ مِنْ تُرَابٍ؟ وَلَا أَيُّ الْبُعْرَانِ هُوَ؟ وَمِنْ الْبُعْرَانِ الضَّعِيفُ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِعِشْرِينَ صَاعًا، وَمِنْهُمْ الْقَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِثَلَاثِمِائَةِ صَاعٍ، وَلَا أَشَدَّ مُجَاهِرَةً بِالْبَاطِلِ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ قَطُّ ذَلِكَ الْأَصْلَ. وَأَيْضًا: فَحَتَّى لَوْ كَانَ فِي شَرِيعَتِنَا لَمَا كَانَ حُجَّةً عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ

إلْزَامُ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ جُعِلَ ذَلِكَ الْجُعْلُ فَقَطْ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا خَالَفْنَاهُمْ فِيهِ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَتَيْنِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الرَّاقِي فَصَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إبَاحَةُ أَخْذِ مَا أَعْطَى الْجَاعِلَ عَلَى الرُّقْيَةِ فَقَطْ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَلَيْسَ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْجَاعِلِ بِمَا جَعَلَ إنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ وَعْدٌ. قُلْنَا: قَدْ تَكَلَّمْنَا فِي الْوَعْدِ وَالْإِخْلَافِ فِي آخِرِ " كِتَابِ النُّذُورِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَكَلَامُنَا هَهُنَا فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَعْدٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ بِالْوَاجِبِ الَّذِي افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ، وَلَا يُلْزِمُ أَحَدًا مَا الْتَزَمَهُ، لَكِنْ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ - سَوَاءٌ الْتَزَمَهُ الْمَرْءُ أَوْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ الْمُلْزِمِينَ الْوَفَاءَ بِالْجُعْلِ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا جُعِلَ لَهُ فِيهِ ذَلِكَ الْجُعْلُ، وَهُمْ بِزَعْمِهِمْ أَصْحَابُ أُصُولٍ يَرُدُّونَ إلَيْهَا فُرُوعَهُمْ فَفِي أَيِّ الْأُصُولِ وَجَدُوا عَقْدًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، أَوْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَلْزَمُ الْآخَرُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا جَاءَ بِالْآبِقِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْرَفُ بِطَلَبِ الْإِبَاقِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ لَهُ عَلَى قَدْرِ قُرْبِ الْمَوْضِعِ وَبُعْدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَأْنُهُ وَلَا عَمَلُهُ، فَلَا جُعْلَ لَهُ، لَكِنْ يُعْطَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ فَقَطْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ الْجُعَلُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي رَدِّ الْآبِقِ فَقَطْ - الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ سَوَاءٌ - فَمَنْ رَدَّ آبِقًا، أَوْ آبِقَةً مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، فَإِنْ رَدَّهُمَا مَنْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ رُضِخَ لَهُ، وَلَا يَبْلُغُ بِذَلِكَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ جَاءَ بِأَحَدِهِمَا مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَصَاعِدًا، وَهُوَ يُسَاوِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَأَقَلَّ نَقْصٍ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ مَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ كَانَ بَنَّاءً فَمَرَّ عَلَى حَائِطٍ مَائِلٍ فَأَصْلَحَهُ وَبَنَاهُ: أَنَّ لَهُ أُجْرَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنَّاءً وَبَنَاهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ نَسَجَ غَزْلًا لِآخَرَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ نَسَّاجًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسَّاجًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ - وَالْبَابُ يَتَّسِعُ هَهُنَا جِدًّا، فَإِمَّا أَنْ يَتَزَيَّدُوا مِنْ التَّحَكُّمِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَنَاقَضُوا، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ: فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّخْلِيطِ؛ لِأَنَّهُمْ حَدُّوا حَدًّا لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ، وَلَا أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ يُعْقَلُ. ثُمَّ فِيهِ مِنْ التَّخَاذُلِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةِ عَقْلٍ، وَهُمْ قَدْ قَالُوا: مَنْ قَتَلَ جَارِيَةً تُسَاوِي مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، أَوْ أَقَلَّ إلَى خَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا خَمْسَةُ آلَافٍ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ - وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا يُسَاوِي عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، أَوْ أَقَلَّ إلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ غَيْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. ثُمَّ سَوَّوْا فِي جُعْلِ الْآبِقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ دِرْهَمًا مِنْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُسَاوِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَهَلَّا أَسْقَطَ مِنْ ثَمَنِ الذَّكَرِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَمِنْ ثَمَنِ الْأَمَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ كَمَا فَعَلَ فِي الْقَتْلِ؟ أَوْ هَلَّا أَسْقَطَ هُنَالِكَ دِرْهَمًا كَمَا أَسْقَطَ هُنَا؟ وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ قَصَدُوا إلَى الدِّرْهَمِ؟ وَلَعَلَّهُ بَغْلِيٌّ أَيْضًا كَاَلَّذِي حَدَّ بِهِ النَّجَاسَاتِ، وَهَلَّا حَدَّ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِرُبُعِ دِرْهَمٍ أَوْ بِفَلْسٍ؟ ثُمَّ إيجَابُ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي جُعْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ إلَّا دِرْهَمًا فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ مَنْ أَضَلُّ طَرِيقَةً، أَوْ أَبْعَدُ عَنْ الْحَقِيقَةِ، أَوْ أَقَلُّ مُرَاقَبَةً مِمَّنْ يُعَارِضُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَرَّاةِ فِي أَنْ تُرَدَّ وَصَاعِ تَمْرٍ لِحَمَاقَتِهِمْ وَآرَائِهِمْ الْمُنْتِنَةِ فَقَالُوا: أَرَأَيْت إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِنِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ؟ ثُمَّ يُوجِبُ مِثْلَ هَذَا فِي الْجُعْلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ فِيهِ سُنَّةٌ قَطُّ.

وَهَلَّا إذْ حَمَّقُوا هَهُنَا؟ قَالُوا فِي الْمُصَرَّاةِ: يَرُدُّهَا وَقِيمَتَهَا مِنْ صَاعِ تَمْرٍ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ إلَّا تَمْرَتَيْنِ، أَوْ إلَّا نِصْفَ مُدٍّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. ثُمَّ مَوَّهُوا بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ أَثَرًا مُرْسَلًا، وَرِوَايَاتٍ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ خَالَفُوا الْأَثَرَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ، وَخَالَفُوا كُلَّ رِوَايَةٍ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفُوهُ، وَمَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُمْ كَفَرَ {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبُوا عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأنعام: 24] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ - هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ - أَوْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَا جَمِيعًا: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ يُوجَدُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَا جَمِيعًا: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْآبِقِ إذَا جِيءَ بِهِ خَارِجَ الْحَرَمِ دِينَارًا» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْآبِقِ يُوجَدُ فِي الْحَرَمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» . وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الطَّائِفَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَلَا مُرْسَلَ أَصَحَّ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ عَمْرًا، وَعَطَاءً، وَابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ ثِقَاتٌ أَئِمَّةٌ نُجُومٌ، وَكُلُّهُمْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ، فَعَطَاءٌ أَدْرَكَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَصَحِبَهَا فَمَنْ دُونَهَا وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَمِعَ مِنْهُمْ وَجَالَسَهُمْ. وَعَمْرٌو أَدْرَكَ جَابِرًا، وَابْنَ عَبَّاسٍ وَصَحِبَهُمَا، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا - لَا نُبَالِي أَيَّهُمَا كَانَا -: أَنَّهُمَا مَا زَالَا يَسْمَعَانِ ذَلِكَ. فَهَانَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مُخَالَفَةُ كُلِّ ذَلِكَ تَقْلِيدًا لِخَطَأِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَسَهُلَ عِنْدَهُمْ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِتَقْلِيدِ رِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ: الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ - وَسَائِرُ الْمُرْسَلَاتِ الْوَاهِيَةِ إذَا وَافَقَتْ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ فِي دِينِهِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي هَاشِمٍ، كِلَاهُمَا قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي جُعْلِ الْآبِقِ إذَا أُصِيبَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ أُصِيبَ فِي الْمِصْرِ فَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارٌ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا - وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافَ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا جَمِيعًا: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارٌ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا - زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ: إذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ - وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أُعْطِيت الْجُعَلَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَضَى بِذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ وَلَا فِي أَيِّ شَيْءٍ أَعْطَاهُ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ، وَلَا يُدْرَى فِي أَيِّ شَيْءٍ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا أَصْلًا - وَلَعَلَّهُ أَعْطَاهُ فِي جُعْلٍ شَرْطِيٍّ وَكَّلَهُ عَلَيْهِ زِيَادٌ ظُلْمًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ رَبَاحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بِإِبَاقٍ، أَوْ بِآبِقٍ فَقَالَ: الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ قُلْت: هَذَا الْأَجْرُ، فَمَا الْغَنِيمَةُ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ آبِقًا بِعَيْنِ التَّمْرِ فَجَاءَ بِهِ فَجَعَلَ فِيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ نا شَيْخٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْكُوفَةِ فَأَرْبَعِينَ، وَإِذَا كَانَ بِالْكُوفَةِ فَعَشَرَةً - هَذَا كُلُّ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ

وَمَالِكٌ، وَلَمْ يَحِدَّ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا أَحَدٌ قَبْلَهُ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ. أَمَّا عَنْ عُمَرَ فَأَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ مُنْقَطِعٌ، وَالْأُخْرَى، وَاَلَّتِي عَنْ عَلِيٍّ، فَكِلَاهُمَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ - وَاَلَّتِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ شَيْخٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْقُرَشِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ -: فَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَزِيَادٍ: أَنَّ الْآبِقَ إنْ وُجِدَ فِي الْمِصْرِ فَجُعْلُ وَاجِدِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ - وَإِنْ وُجِدَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي جُعْلِ الْآبِقِ إذْ أُخِذَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْآبِقِ فِي يَوْمٍ دِينَارًا، وَفِي يَوْمَيْنِ دِينَارَيْنِ، وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَرْبَعَةٌ - وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: جُعْلُ الْآبِقِ قَدْ كَانَ يُجْعَلُ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا - فَهَذَا عُمُومٌ، وَخِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ - وَقَدْ جَاءَ عَنْ إبْرَاهِيمَ خِلَافُ هَذَا، وَمِثْلُ قَوْلِنَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ وُجِدَ فِي الْمِصْرِ فَلَا شَيْءَ، وَإِنْ وُجِدَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهُمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَيْضًا مُخْتَلِفُونَ، وَهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفُونَ، فَلَمْ يَسْتَحِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى جُعْلِ الْآبِقِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَطُّ وَلَا جَاءَ إلَّا عَنْ ثَلَاثَةٍ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ خَالَفُوهُمْ مَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إجْمَاعًا - إجْمَاعُهُمْ بِيَقِينٍ عَلَى

الْمُسَاقَاةِ " فِي خَيْبَرَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَقَدْ اتَّفَقُوا بِلَا شَكٍّ، عَلَى ذَلِكَ عَصْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَصْرُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا بَالَوْا بِمُخَالَفَةِ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: صَحَّ عَنْهُمْ الْقِصَاصُ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَمِنْ ضَرْبَةٍ بِالسَّوْطِ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَالْعِمَامَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَدْ رُوِّينَا خِلَافَ هَذَا كُلِّهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْإِبَاقِ قَالَ: الْمُسْلِمُونَ يَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُسْلِمُ يَرُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ -: يَعْنِي فِي الْآبِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ فِي الْآبِقِ: الْمُسْلِمُ يَرُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ: لَا جُعْلَ فِي الْآبِقِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا مِسْعَرٌ - هُوَ ابْنُ كَدَّامٍ - عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَيُجْتَعَلُ فِي الْآبِقِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: الْحُرُّ قَالَ: لَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: إنْ لَمْ يُعْطِهِ جُعْلًا فَلْيُرْسِلْهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَخَذَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَفَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمِ حِفْظَ مَالِ أَخِيهِ إذَا وَجَدَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ لِمَنْ أَتَى بِآبِقٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَوْ أَعْطَاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ لَكَانَ حَسَنًا، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ يُرَتِّبُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَطَاهُ لَكَانَ حَسَنًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْجُعْلِ " بِحَمْدِ اللَّهِ [وَعَوْنِهِ] .

كتاب المزارعة والمغارسة

[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُغَارَسَةِ] [مَسْأَلَةٌ الْإِكْثَارُ مِنْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ] 1328 - مَسْأَلَةٌ: الْإِكْثَارُ مِنْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ حَسَنٌ وَأَجْرٌ، مَا لَمْ يُشْغِلْ ذَلِكَ عَنْ الْجِهَادِ - وَسَوَاءٌ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، أَوْ الْأَرْضِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، أَوْ أَرْضِ الصُّلْحِ، أَوْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ الْمَقْسُومَةِ عَلَى أَهْلِهَا أَوْ الْمَوْقُوفَةِ بِطِيبِ الْأَنْفُسِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَائِرٌ أَوْ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ - فَعَمَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ. وَكَرِهَ مَالِكٌ الزَّرْعَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ - وَهَذَا خَطَأٌ، وَتَفْرِيقٌ بِلَا دَلِيلٍ - وَاحْتَجَّ لِهَذَا بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ «عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: أَنَّهُ رَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ

مسألة كراء الأرض

الْحَرْثِ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا دَخَلَهُ الذُّلُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ تَزَلْ الْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ، وَكُلُّ مَنْ قَسَّمَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضًا مِنْ فُتُوحِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمَنْ أَقْطَعَهُ أَرْضًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَزْرَعُونَ وَيَغْرِسُونَ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ، وَعُمَانَ، وَالْيَمَنِ، وَالطَّائِفِ، فَمَا حَضَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ عَلَى تَرْكِهِ. وَهَذَا الْخَبَرُ عُمُومٌ كَمَا تَرَى لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَ أَهْلِ بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَكَلَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَتَنَاقَضُ. فَصَحَّ أَنَّ الزَّرْعَ الْمَذْمُومَ الَّذِي يُدْخِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِهِ الذُّلَّ هُوَ مَا تُشُوغِلَ بِهِ عَنْ الْجِهَادِ، وَهُوَ غَيْرُ الزَّرْعِ الَّذِي يُؤَجِّرُ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنُهُ وَمَذْمُومُهُ سَوَاءٌ - كَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ - إذْ السُّنَنُ فِي ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهَا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ زَرَعُوا بِالشَّامِ، فَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ وَقَدْ ابْيَضَّ، فَأُحْرِقَ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ تَوَلَّى حَرْقَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرَادِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الْمَرَادِيِّ: لَا آذَنُ لَك بِالزَّرْعِ إلَّا أَنْ تُقِرَّ بِالذُّلِّ، وَأَمْحُو اسْمَك مِنْ الْعَطَاءِ - وَأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الشَّامِ مَنْ زَرَعَ وَاتَّبَعَ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ جَعَلْت عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ، وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ، وَيُعِيذُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ يُحْرِقَ زُرُوعَ الْمُسْلِمِينَ وَيُفْسِدَ أَمْوَالَهُمْ، وَمِنْ أَنْ يَضْرِبَ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا، وَهُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ [مَسْأَلَةٌ كِرَاءُ الْأَرْضِ] 1329 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ أَصْلًا لَا بِدَنَانِيرَ، وَلَا بِدَرَاهِمَ، وَلَا بِعَرْضٍ، وَلَا بِطَعَامِ مُسَمًّى، وَلَا بِشَيْءٍ أَصْلًا.

وَلَا يَحِلُّ فِي زَرْعِ الْأَرْضِ إلَّا أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ -: إمَّا أَنْ يَزْرَعَهَا الْمَرْءُ بِآلَتِهِ وَأَعْوَانِهِ وَبَذْرِهِ وَحَيَوَانِهِ. وَإِمَّا أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ زَرْعَهَا وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْآلَةِ وَالْحَيَوَانِ، وَالْبَذْرِ، وَالْأَعْوَانِ دُونَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لِلْأَرْضِ كِرَاءً فَحَسَنُ. وَإِمَّا أَنْ يُعْطِيَ أَرْضَهُ لِمَنْ يَزْرَعُهَا بِبَذْرِهِ وَحَيَوَانِهِ وَأَعْوَانِهِ وَآلَتِهِ بِجُزْءٍ وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مِمَّا يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا مُسَمًّى، إمَّا نِصْفٌ، وَإِمَّا ثُلُثٌ، أَوْ رُبُعٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ أَلْبَتَّةَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلزَّارِعِ قَلَّ مَا أَصَابَ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الْوُجُوهُ جَائِزَةٌ، فَمَنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّنَا قَدْ رُوِّينَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ رَافِعٍ عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ قَالَ: فَذَهَبَ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَافِعٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيّ نا خَالِدٌ - وَهُوَ الْحَذَّاءُ - نا الشَّيْبَانِيُّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤْخَذَ لِلْأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو تَوْبَةَ - هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ - نا مُعَاوِيَةُ - هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ - عَنْ

يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ قَالَ: وَالْمُحَاقَلَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» . فَهَؤُلَاءِ شَيْخَانِ بَدْرِيَّانِ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ كُلُّهُمْ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النَّهْيَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ جُمْلَةً، وَأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا أَوْ يَمْنَحَهَا غَيْرَهُ أَوْ يَمْسِكَ أَرْضَهُ فَقَطْ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ الْمُتَيَقَّنِ فَأَخَذَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو - هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَّ بُكَيْرًا - هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنَّا نُكْرِي أَرْضَنَا، ثُمَّ تَرَكْنَا ذَلِكَ حِينَ سَمِعْنَا حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَ الْأَرْضِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَرَأْت عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيِّ قُلْت: أُحَدِّثُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدٍ أَبِي شُجَاعٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: إنِّي يَتِيمٌ فِي حِجْرِ جَدِّي رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَحَجَجْت مَعَهُ، فَجَاءَهُ أَخِي عِمْرَانُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: أَكْرَيْنَا أَرْضَنَا فُلَانَةَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» وَعَنْ عَمِّي رَافِعٍ نَحْوُهُ. وَمِنْ التَّابِعِينَ -: كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا يَصْلُحُ مِنْ الزَّرْعِ إلَّا أَرْضٌ تُمَلَّكُ رَقَبَتُهَا، أَوْ أَرْضٌ يَمْنَحُكَهَا رَجُلٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ إجَارَةَ الْأَرْضِ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَ الْأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ كِرَاءَ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَصْلُحُ كِرَاءُ الْأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا أَبُو عَاصِمٍ نا عُثْمَانُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَفْتَى مَنْ اسْتَفْتَاهُ بِالنَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ نا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ نا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ كِرَاءَ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَبِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ نا دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُونَ: لَا تَصْلُحُ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا بِالدَّنَانِيرِ وَلَا مُعَامَلَةً إلَّا أَنْ يَزْرَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ أَوْ يَمْنَحَهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ نا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الزَّرْعَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَذَلِكَ الَّذِي مَنَعَنِي وَلَقَدْ كُنْت مِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ السَّوَادِ ضَيْعَةً - وَهَذَا يَقْتَضِي - وَلَا بُدَّ - ضَرُورَةً أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ إجَارَةَ الْأَرْضِ جُمْلَةً. فَهَؤُلَاءِ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، كُلُّهُمْ، لَا يَرَى كِرَاءَ الْأَرْضِ أَصْلًا لَا بِدَنَانِيرَ وَلَا بِدَرَاهِمَ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. فَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ جُمْلَةً، ثُمَّ وَجَدْنَا قَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ نا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا جُوَيْرِيَةُ - هُوَ ابْنُ أَسْمَاءَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفُ ثَمَرِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إخْرَاجَ الْيَهُودِ عَنْهَا، فَسَأَلُوهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجَلَاهُمْ عُمَرُ» .

فَفِي هَذَا أَنَّ آخِرَ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ مَاتَ كَانَ إعْطَاءَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الزَّرْعِ وَمِنْ الثَّمَرِ وَمِنْ الشَّجَرِ، وَعَلَى هَذَا مَضَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ ج وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَهُمْ، فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ أَنْ تُكْرَى الْأَرْضُ أَوْ يُؤْخَذُ لَهَا أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، وَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلنَّهْيِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ إعْطَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ، فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ لَقُلْنَا: لَيْسَ نَسْخًا، لَكِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ لَمَا قَطَعْنَا بِالنَّسْخِ، لَكِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ آخِرُ عَمَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَصَحَّ أَنَّهُ نَسْخٌ صَحِيحٌ مُتَيَقَّنٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَبَقِيَ النَّهْيُ عَنْ الْإِجَارَةِ جُمْلَةً بِحَسَبِهِ، إذْ لَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يَنْسَخُهُ وَلَا يُخَصِّصُهُ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ، أَوْ الظَّنِّ السَّاقِطِ الَّذِي لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الدِّينِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، وَعَنْ أَنْ تُكْرَى بِثُلُثٍ أَوْ بِرُبُعٍ، وَصَحَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ بِالنِّصْفِ فَأَجِيزُوا إعْطَاءَهَا بِالنِّصْفِ خَاصَّةً وَامْنَعُوا مِنْ إعْطَائِهَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؟ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إعْطَاءَهَا بِالنِّصْفِ لَهُمْ وَالنِّصْفِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ، وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الثُّلُثَ، وَالرُّبُعَ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ، وَفَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ مِمَّا دُونَ النِّصْفِ دَاخِلٌ فِي النِّصْفِ، فَقَدْ أَعْطَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالرُّبُعِ وَزِيَادَةٍ وَبِالثُّلُثِ وَزِيَادَةٍ، فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِمَّنْ أَجَازَ إعْطَاءَ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ زَائِدَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: عَامَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَلَى إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ حُصَيْرَةَ حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ صُلَيْعٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَخَذْت أَرْضًا بِالنِّصْفِ أَكْرِي أَنْهَارَهَا وَأُصْلِحُهَا وَأَعْمُرُهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا بَأْسَ بِهَا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كِرَاءُ الْأَنْهَارِ هُوَ حَفْرُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَأَعْطَى الْأَرْضَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، فَنَحْنُ نَعْمَلُهَا إلَى الْيَوْمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاذٌ بِالْيَمَنِ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي أَرْضَهُ بِالثُّلُثِ، وَهَذَا عَنْهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ رُجُوعَهُ عَنْ إبَاحَةِ كِرَاءِ الْأَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ؟ فَقُلْت: أَرْضٌ تَقَبَّلْتهَا لَيْسَ فِيهَا نَهْرٌ جَارٍ وَلَا نَبَاتٌ عَشْرَ سِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ كَرَيْت أَنْهَارَهَا، وَعَمَّرْت فِيهَا قُرَاهَا، وَأَنْفَقْت فِيهَا نَفَقَةً كَثِيرَةً، وَزَرَعْتهَا لَمْ تَرُدَّ عَلَيَّ رَأْسَ مَالِي زَرَعْتهَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأُضْعِفُ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَصْلُحُ لَك إلَّا رَأْسُ مَالِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، كِلَاهُمَا عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ، وَمَاءٌ، لَيْسَ لَهُ بَذْرٌ، وَلَا بَقَرٌ، فَأَعْطَانِي أَرْضَهُ بِالنِّصْفِ، فَزَرَعْتهَا بِبَذْرِي وَبَقَرِي، ثُمَّ قَاسَمْته؟ قَالَ: حَسَنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو الْأَحْوَصِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إيَادِ بْنِ لَقِيطٍ كِلَاهُمَا عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ مِثْلُهُ أَيْضًا - فَهَذَانِ إسْنَادَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالدَّرَاهِمِ؟ فَلَمْ يُجِزْهُ وَلَا أَجَازَ مَا أَصَابَ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَخْذِهَا بِالنِّصْفِ مِمَّا يَخْرُجُ فِيهَا، لَا يَجْعَلُ صَاحِبُهَا فِيهَا لَا بَذْرًا وَلَا عَمَلًا وَيَكُونُ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ وَالْبَذْرُ؟ فَأَجَازَهُ - وَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، وَأَبِي عَوَانَةَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ

عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ شَاهَدَ جَارَيْهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: أَنَّ خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانُوا يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ الْبَيَاضَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. فَهَؤُلَاءِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَسَعْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَخَبَّابٌ، وَحُذَيْفَةُ، وَمُعَاذٌ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ -: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي مَنْ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ الْأَرْضِ تُعْطَى بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ نَهْيَهُ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الثُّلُثَ، أَوْ الرُّبُعَ، وَالْعُشْرَ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ نا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ يَكْرَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا يَرَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَأْسًا وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَابْنَ سِيرِينَ كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِالْإِجَارَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ - يَعْنِي فِي الْأَرْضِ -. وَقَدْ ذَكَرْنَا نَهْيَ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَقَوْلُهُ هُوَ قَوْلُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَنْ أَعْطُوا الْأَرْضَ عَلَى الرُّبُعِ، وَالثُّلُثِ، وَالْخُمُسِ، إلَى الْعُشْرِ، وَلَا تَدَعُوا الْأَرْضَ خَرَابًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ حَفْصٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ

ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَخَالِدٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ بِإِعْطَاءِ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَى أَرْضٌ بِالْفَوَّارَةِ فَكَانَ يَدْفَعُهَا بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ فَيُرْسِلُنِي فَأُقَاسِمُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ إعْطَاءِ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إلَّا وَهُمْ يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا وَكِيعٌ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: آلُ أَبِي بَكْرٍ، وَآلُ عُمَرَ، وَآلُ عَلِيٍّ يَدْفَعُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ، أَوْ الرُّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْت أُزَارِعُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَأَحْمِلُهُ إلَى عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، فَلَوْ رَأَيَا بِهِ بَأْسًا لَنَهَيَانِي عَنْهُ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَنْ اللَّيْثِ، وَأَجَازَهَا أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّ الْبَذْرَ يَكُونُ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا عَلَى الْعَامِلِ الْبَقَرُ، وَالْآلَةُ، وَالْعَمَلُ - وَأَجَازَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُبَالِ مَنْ جَعَلَ الْبَذْرَ مِنْهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي اشْتِرَاطِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ: بَيَانٌ أَنَّ الْبَذْرَ وَالنَّفَقَةَ كُلُّهَا عَلَى الْعَامِلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ يُقْرِضَ الْعَامِلَ الْبَذْرَ، أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَا يَبْتَاعُ بِهِ الْبَقَرَ، أَوْ الْآلَةَ، أَوْ مَا يَتَّسِعُ فِيهِ

مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، وَالْقَرْضُ أَجْرٌ وَبِرٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ عَلَى جَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا، وَفِي الْمُزَارَعَةِ فَأَجَازَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا - حَاشَا مَالِكًا وَحْدَهُ - كِرَاءَ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَبِالطَّعَامِ الْمُسَمَّى كَيْلُهُ فِي الذِّمَّةِ - مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَخْرُجُهُ تِلْكَ الْأَرْضُ - وَبِالْعُرُوضِ كُلِّهَا. وَقَالَ مَالِكٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ كِرَاءَ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا: كَالْعَسَلِ، وَالْمِلْحِ، وَالْمُرِّيِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَجَازَ كِرَاءَهَا بِالْخَشَبِ وَالْحَطَبِ وَإِنْ كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْهَا - وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ - وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ هَذَا مُتَعَلَّقًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ - يَعْنِي اسْتِثْنَاءَهُ الْعَسَلَ، وَالْمِلْحَ، وَإِجَازَتَهُ الْخَشَبَ، وَالْحَطَبَ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إعْطَاءَ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ - وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ وَشَجَرٌ، فَيَكُونُ مِقْدَارُ الْبَيَاضِ مِنْ الْأَرْضِ ثُلُثَ مِقْدَارِ الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ السَّوَادُ مِقْدَارَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْجَمِيعِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُعْطَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ عَلَى مَا يُعْطَى بِهِ ذَلِكَ السَّوَادُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا تُخْرِجُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي خِلَالِ الشَّجَرِ لَا يُمْكِنُ سَقْيُهَا وَلَا عَمَلُهَا إلَّا بِعَمَلِ الشَّجَرِ وَحَفْرِهَا وَسَقْيِهَا، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ إعْطَاؤُهَا بِثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ أَوْ نِصْفٍ عَلَى مَا تُعْطَى بِهِ الشَّجَرُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد: لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا أَنْ تُعْطَى هِيَ وَالشَّجَرُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حُجَّةُ جَمِيعِهِمْ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إعْطَاءِ الْأَرْضِ بِالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَسْنَا نُخَارِجُهُمْ الْآنَ فِي أَلْفَاظِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ بَلْ يَقُولُ: نَعَمْ، قَدْ صَحَّ

عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، لَكِنْ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَيْبَرَ هُوَ النَّاسِخُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَخَالَفَ النَّاسِخَ وَأَخَذَ بِالْمَنْسُوخِ. وَأَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: فَحَيَّرَهُمْ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْضِ خَيْبَرَ فَأَخْرَجُوهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ وَكُلُّ تِلْكَ الْوُجُوهِ تَحَكُّمٌ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ تَحْدِيدُ الْبَيَاضِ بِالثُّلُثِ؟ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ تَحْدِيدُ ثُلُثٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الدِّينِ لَا يَجُوزُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تُرِيدُونَ بِالثُّلُثِ؟ أَثُلُثَ الْمِسَاحَةِ أَوْ ثُلُثَ الْغَلَّةِ أَمْ ثُلُثَ الْقِيمَةِ؟ فَإِلَى أَيِّ وَجْهٍ مَالُوا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ قِيلَ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ هَذَا الْوَجْهَ دُونَ غَيْرِهِ؟ وَالْغَلَّةُ قَدْ تَقِلُّ وَتَكْثُرُ، وَالْقِيمَةُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْمِسَاحَةُ فَقَدْ تَكُونُ مِسَاحَةً قَلِيلَةَ أَعْظَمَ غَلَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ أَضْعَافِهَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ خَيْبَرَ لَمْ تَكُنْ حَائِطًا وَاحِدًا، وَلَا مَحْشَرًا وَاحِدًا، وَلَا قَرْيَةً وَاحِدَةَ، وَلَا حِصْنًا وَاحِدًا، بَلْ كَانَتْ حُصُونًا كَثِيرَةً بَاقِيَةً إلَى الْيَوْمِ لَمْ تَتَبَدَّلْ مِنْهَا الْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، وَنَاعِمٌ، وَالْقُمُوصُ، وَالْكَتِيبَةُ، وَالشَّقُّ، وَالنَّطَاةُ، وَغَيْرُهَا - وَمَا الظَّنُّ بِبَلَدٍ أَخَذَ فِيهِ الْقِسْمَةَ مِائَتَا فَارِسٍ وَأَضْعَافُهُمْ مِنْ الرِّجَالِ فَتَمَوَّلُوا مِنْهَا وَصَارُوا أَصْحَابَ ضِيَاعٍ فَمِنْ أَيْنَ لِمَالِكٍ تَحْدِيدُ الثُّلُثِ؟ وَقَدْ كَانَ فِيهَا بَيَاضٌ لَا سَوَادَ فِيهِ، وَسَوَادٌ لَا بَيَاضَ فِيهِ، وَبَيَاضُ سَوَادٍ، فَمَا جَاءَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ تَخْصِيصُ مَا خَصَّهُ. فَإِنْ قَالَ: قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثُّلُثَ قَلِيلًا بِخِلَافِ الْأَثَرِ - ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ وَلِلشَّافِعِيِّ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَعْطَى أَرْضَ خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَبَعًا لِلسَّوَادِ؟ وَهَلْ يَعْلَمُ هَذَا أَحَدٌ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَفْلَةٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَقَطْعٌ بِالظَّنِّ؟ وَأَمَّا بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فَمَا هُوَ إلَّا الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنَّمَا الْحَقُّ الْوَاضِحُ فَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى أَرْضَهَا بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ

زَرْعٍ وَأَعْطَى نَخْلَهَا وَثِمَارَهَا كَذَلِكَ، فَنَحْنُ نَقُولُ: هَذَا سُنَّةٌ، وَحَقٌّ أَبَدًا، وَلَا نَزِيدُ، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِظَاهِرِهِمَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْمُخَابَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ، فَدَلَّ أَنَّهَا بَعْدَ خَيْبَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ عَلِمَ هَذَا الْقَائِلُ قَبِيحَ مَا أَتَى بِهِ لَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ، وَلَتَقَنَّعَ حَيَاءً مِنْهُ، أَمَّا عِلْمُ الْجَاهِلِ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَ هَذَا اسْمَهَا قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْمُخَابَرَةَ كَانَتْ تُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ إعْطَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ كَانَ إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَاتَّصَلَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَكَيْف يَسُوغُ لِذِي عَقْلٍ أَوْ دِينٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْمُخَابَرَةِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ أَتَرَى عَهْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَانَا مِنْ الْآخِرَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّهْيِ عَنْهَا؟ أَمَّا هَذَا مِنْ السُّخْفِ، وَالتَّلَوُّثِ، وَالْعَارِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ، وَيَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْجُنُونِ؟ فَصَحَّ يَقِينًا كَالشَّمْسِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَعَنْ إعْطَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ قَبْلَ أَمْرِ خَيْبَرَ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِلْكِرَاءِ بِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا» . وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ: سَأَلْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلَّا هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ

قَالَ عَمْرٌو - هُوَ ابْنُ دِينَارٍ -: قُلْت لِطَاوُسٍ: لَوْ تُرِكَتْ الْمُخَابَرَةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا فَمَا يَزْعُمُونَ؟ فَقَالَ لِي طَاوُسٌ: إنَّ أَعْلَمَهُمْ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ - أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْهَا، وَلَكِنْ قَالَ: «لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرْجًا مَعْلُومًا» وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، «إنَّمَا أَتَاهُ رَجُلَانِ قَدْ اقْتَتَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا لَهُمْ: أَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَلَا يَصِحُّ، وَلَكِنَّا نُسَامِحُكُمْ فِيهِ فَنَقُولُ: هَبْكُمْ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ فَإِنَّ رَافِعًا لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ بِمِثْلِ هَذَا، بَلْ نَقُولُ: صَدَقَ زَيْدٌ، وَصَدَقَ رَافِعٌ، وَكِلَاهُمَا أَهْلُ الصِّدْقِ وَالثِّقَةِ، وَإِذْ حَفِظَ زَيْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ رَافِعٌ فَقَدْ سَمِعَ رَافِعٌ أَيْضًا مَرَّةً أُخْرَى مَا لَمْ يَسْمَعْهُ زَيْدٌ، وَلَيْسَ زَيْدٌ بِأَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ مِنْ رَافِعٍ، وَلَا رَافِعٌ أَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ مِنْ زَيْدٍ، بَلْ كِلَاهُمَا صَادِقٌ. وَقَدْ رَوَى النَّهْيَ عَنْ الْكِرَاءِ جُمْلَةً لِلْأَرْضِ: جَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ زَيْدٍ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إنْ غَلَّبْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْكِرَاءِ فَغَلِّبُوهُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ، وَلَا فَرْقَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَنْهَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ جَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَابْنُ عُمَرَ: نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلٌّ صَادِقٌ، وَكُلٌّ إنَّمَا أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ.

وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَسْمَع النَّهْيَ، وَهَؤُلَاءِ سَمِعُوهُ، فَمَنْ أَثْبَتَ أَوْلَى مِمَّنْ نَفَى، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ عَلِمَ أَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ. وَأَمَّا خَبَرُ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَافِعٍ، فَاَلَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ رَافِعٍ - يَعْنِي قَوْلَهُ -: وَأَمَّا شَيْءٌ مَضْمُونٌ فَلَا؟ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ رَافِعٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ، وَرَوَى عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ النَّهْيَ عَنْ كِرَائِهَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى فَلِمَ أَجَزْتُمُوهُ؟ وَرِوَايَةُ حَنْظَلَةَ عَنْ رَافِعٍ شَدِيدَةُ الِاضْطِرَابِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالزَّائِدُ عِلْمًا أَوْلَى. وَقَدْ رَوَى عِمْرَانُ بْنُ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَنَافِعٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو النَّجَاشِيِّ وَغَيْرُهُمْ: النَّهْيَ عَنْ كَرْيِ الْأَرْضِ جُمْلَةً عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ خِلَافَ مَا رَوَى عَنْهُ حَنْظَلَةُ، وَكُلُّهُمْ أَوْثَقُ مِنْ حَنْظَلَةَ فَالزَّائِدُ أَوْلَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ فَنَعَمْ، هُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَبَرُ الْإِبَاحَةِ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَخَبَرُ النَّهْيِ زَائِدٌ، فَالزَّائِدُ أَوْلَى، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَهَى عَنْ الْكِرَاءِ فَقَدْ حَرَّمَ مَا كَانَ مُبَاحًا مِنْ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ الْيَقِينُ لِلظَّنِّ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ الَّتِي قَدْ تَيَقَّنَّا بُطْلَانَهَا قَدْ عَادَتْ فَهُوَ مُبْطِلٌ وَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ، وَلَيْسَ إلَّا تَغْلِيبُ النَّهْيِ، فَبَطَلَ الْكِرَاءُ جُمْلَةً، وَالْمُخَابَرَةُ جُمْلَةً، أَوْ تَغْلِيبُ الْإِبَاحَةِ، فَيَثْبُتُ الْكِرَاءُ جُمْلَةً، وَالْمُخَابَرَةُ جُمْلَةً، كَمَا يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا التَّحَكُّمُ فِي تَغْلِيبِ النَّهْيِ فِي جِهَةٍ، وَتَغْلِيبُ الْإِبَاحَةِ فِي أُخْرَى بِلَا بُرْهَانٍ فَتَحَكُّمُ الصِّبْيَانِ، وَقَوْلٌ لَا يَحِلُّ فِي الدِّينِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَإِنَّ مُقَلِّدِيهِ احْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ أُسَيْدَ بْنِ ظُهَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذًا نُكْرِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحَبِّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: نُكْرِيهَا بِالتِّبْنِ؟ فَقَالَ: لَا: قَالَ:

وَكُنَّا نُكْرِيهَا عَلَى الرَّبِيعِ السَّاقِي؟ قَالَ: لَا، ازْرَعْهَا، أَوْ امْنَحْهَا أَخَاكَ» . وَبِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ، قَالَ رَافِعٌ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَتَقَبَّلَ الْأَرْضَ بِبَعْضِ خَرْجِهَا» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ: إنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُمْ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلَا بِرُبُعٍ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ نا عَمِّي قَالَ: نا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِكْرِمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ لَبِيبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ الْمَزَارِعِ يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يَكُونُ عَلَى السَّوَاقِي مِنْ الزَّرْعِ فَجَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتَصِمُونَ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكْرُوا بِذَلِكَ وَقَالَ: أَكْرُوا بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ نا حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: «كُنَّا نَقُولُ لِلَّذِي نُخَابِرُهُ: لَك هَذِهِ الْقِطْعَةُ وَلَنَا هَذِهِ الْقِطْعَةُ نَزْرَعُهَا فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا بِوَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ

فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُهَا أَوْ رَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ - فَسَنَدُهُ لَيْسَ بِالنَّيِّرِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ لَا حُجَّةً لَهُمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ جُمْلَةً، وَالْمَنْعُ مِنْ غَيْرِ زَرِيعَتِهَا مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهَا، أَوْ مِنْ قِبَلِ مَنْ مَنَحَهَا، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ رَافِعٍ - فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ رَافِعٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَهُوَ خِلَافٌ لِقَوْلِهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ كِرَائِهَا بِالْعَسَلِ، وَالْمِلْحِ، وَلَيْسَا مِمَّا يَخْرُجَانِ مِنْهَا، وَيُجِيزُونَ كِرَاءَهَا بِالْحَطَبِ، وَالْخَشَبِ، وَهُمَا مِنْ بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَقَدْ خَالَفُوهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَزَادُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَأَخْرَجُوا مِنْهُ مَا فِيهِ وَأَيْضًا - فَإِنَّ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ مِنْ بَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَهُمْ يُجِيزُونَ الْكِرَاءَ بِهِمَا، وَبِالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ - وَكُلُّ ذَلِكَ خَارِجٌ مِنْهَا. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا مَنَعَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ كِرَائِهَا بِمَا يَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ بِعَيْنِهَا؟ قُلْنَا: هَاتُوا دَلِيلَكُمْ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ، وَإِلَّا فَلَفْظُ الْخَبَرِ عَلَى عُمُومِهِ، فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ جُمْلَةً فِي هَذَا الْخَبَرِ. ثُمَّ أَيْضًا - فَنَحْنُ نَقُولُ بِمَا فِيهِ ثُمَّ نَسْتَثْنِي مِنْهُ مَا صَحَّ نَسْخُهُ بِيَقِينٍ مِنْ إعْطَائِنَا الْأَرْضَ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مُسَمًّى، وَنَمْنَعُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا لَا لَهُمْ. وَأَمَّا خَبَرُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: فَعَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزْرِعَهَا فَقَطْ. وَهَكَذَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ نا ابْنِ عُلَيَّةَ نا أَيُّوبُ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ عُمُومَتِهِ قَالَ لَهُمْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ أَوْ نُكْرِيَهَا بِالثُّلُثِ

وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامُ مُسَمًّى، وَأَمَرَ رَبَّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا، أَوْ يُزْرِعَهَا، وَكَرِهَ كِرَاءَهَا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ» . وَأَمَّا خَبَرُ حَنْظَلَةَ عَنْ رَافِعٍ -: فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ - يَعْنِي قَوْلَهُ: فَأَمَّا بِوَرِقٍ فَلَمْ يَنْهَ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَافِعٍ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ رَافِعٍ قَبْلُ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَبْطَلَ كِرَاءَ أَرْضِ بَنِي أَبِيهِ بِالدَّرَاهِمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتِلْكَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى رَافِعٍ. وَالثَّانِي - أَنَّ هَذِهِ غَيْرُ مُضْطَرَبٍ فِيهَا، وَتِلْكَ مُضْطَرَبٍ فِيهَا عَلَى رَافِعٍ. وَثَالِثُهَا - أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا عُمُومَ النَّهْيِ عَنْ رَافِعٍ: ابْنُ عُمَرَ، وَعُثْمَانُ، وَعِمْرَانُ، وَعِيسَى ابْنَا سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو النَّجَاشِيِّ، وَكُلُّهُمْ أَوْثَقُ مِنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا خَبَرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَحَدُ طَرِيقَيْهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْأُخْرَى - مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ لَبِيبَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - فَسَقَطَ التَّعْلِيقُ بِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ طَارِقٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ رَافِعٍ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ فَوَهَمَ فِيهِ، لِأَنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَالْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَزْرَعُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ فَهُوَ يَزْرَعُهَا، أَوْ رَجُلٌ مُنِحَ أَرْضًا فَهُوَ يَزْرَعُ مَا مُنِحَ، أَوْ رَجُلٌ اسْتَكْرَى أَرْضًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ» فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ مَخْزُولًا عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَنَّ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ رَسُولٍ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَزَلَهُ وَأَبْقَى السَّنَدَ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ طَارِقٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي الْأَحْوَصِ مُبَيِّنًا أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُحَمَّدٌ نا سُفْيَانُ عَنْ طَارِقٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا يَصْلُحُ مِنْ الزَّرْعِ غَيْرُ ثَلَاثٍ، أَرْضٌ تَمْلِكُ رَقَبَتُهَا، أَوْ مِنْحَةٌ، أَوْ أَرْضٌ بَيْضَاءُ تَسْتَأْجِرُهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَأَيْضًا - فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ لِأَنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ إلَّا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَأَنْتُمْ تُبِيحُونَهَا بِكُلِّ عَرْضٍ فِي الْعَالَمِ حَاشَا الطَّعَامَ، أَوْ مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهَا كُلَّهَا. فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا مِنْ الْقَائِلِينَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - فَمَا يَبْعُدُ عَنْهُمْ التَّجَاسُرُ وَالْهُجُومُ عَلَى مِثْلِ هَذَا: أَكْذَبُهُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تُكْرَى الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ إلَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ - وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ جَيِّدٌ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا عَدَاهُمَا؟ قُلْنَا: فَقِيسُوا إعْطَاءَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، وَنَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَزْرَعَهَا صَاحِبُهَا أَوْ يَمْنَحَهَا أَوْ يُمْسِكَ أَرْضَهُ فَقَطْ. فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَصَحَّ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ، وَصَحَّ عَنْ رَافِعٍ الْمَنْعُ مِنْهُ أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَغْلِيبُ الْإِبَاحَةِ فِي كِرَائِهَا بِكُلِّ عَرْضٍ وَكُلِّ شَيْءٍ مَضْمُونٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ كَمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو يُوسُفَ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَغَيْرُهُمْ. أَوْ تَغْلِيبُ الْمَنْعِ جُمْلَةً، كَمَا فَعَلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَعَطَاءٌ، وَمَكْحُولٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. أَوْ أَنْ يُغَلَّبَ النَّهْيُ حَيْثُ لَمْ يُوقَنْ أَنَّهُ نُسِخَ وَيُؤْخَذُ بِالنَّاسِخِ إذَا تُيُقِّنَ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَطَاوُسٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَغَيْرُهُمْ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَنْ غَلَّبَ الْإِبَاحَةَ قَدْ أَخْطَأَ، لِأَنَّ مَعْهُودَ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ هُوَ

مسألة التبن في المزارعة

الْإِبَاحَةُ عَلَى مَا رَوَى رَافِعٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُكْرُونَ مَزَارِعَهُمْ» وَقَدْ كَانَتْ الْمَزَارِعُ بِلَا شَكٍّ تُكْرَى قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ مَبْعَثِهِ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ، ثُمَّ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَرَافِعٍ، وَظُهَيْرٍ الْبَدْرِيُّ وَآخَرَ مِنْ الْبَدْرِيِّينَ، وَابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ جُمْلَةً» فَبَطَلَتْ الْإِبَاحَةُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ. فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ رَجَعَ، وَأَنَّ يَقِينَ النَّسْخِ قَدْ بَطَلَ، فَهُوَ كَاذِبٌ مُكَذِّبٌ، قَائِلٌ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَهَذَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ بِبُرْهَانٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا، إلَّا فِي إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ [مُسَمًّى] مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ النَّهْيِ بِأَعْوَامٍ، وَأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ بَاقٍ بِيَقِينٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُنْسَخَ حُكْمٌ قَدْ بَطَلَ وَنُسِخَ ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ، وَأَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ، وَإِلَّا فَكَأَنَّ الدِّينَ غَيْرُ مُبَيَّنٍ - وَهَذَا بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا. [مَسْأَلَةٌ التِّبْنُ فِي الْمُزَارَعَةِ] 1330 - مَسْأَلَةٌ: وَالتِّبْنُ فِي الْمُزَارَعَةِ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ عَلَى مَا تَعَامَلَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. [مَسْأَلَةٌ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ يُسَلِّفَ الْعَامِلَ بَذْرًا] 1331 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ يُسَلِّفَ الْعَامِلَ بَذْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ يُعِينَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَعَاوُنٌ عَلَى بِرٍّ وَتَقْوَى، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَفُسِخَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَعَقْدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الَّذِينَ دَفَعَ إلَيْهِمْ خَيْبَرُ إنَّمَا كَانَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اتَّفَقَا تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ] 1332 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ اتَّفَقَا تَطَوُّعًا عَلَى شَيْءٍ يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا شَيْئًا فَحَسَنٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا نَهَى عَنْ ذِكْرِهِ، فَهُوَ مُبَاحٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُزْرَعَ فِيهَا شَيْءٌ مَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَعَقْدٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ لَا يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِأَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ - إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَجَرٌ - فَهَذَا وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّ خِلَافَهُ فَسَادٌ وَإِهْلَاكٌ لِلْحَرْثِ.

مسألة عقد المزارعة إلى أجل مسمى

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] . فَإِهْلَاكُ الْحَرْثِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لَا يَحِلُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ، فَهَذَا شَرْطٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ. [مَسْأَلَةٌ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى] 1333 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ هَكَذَا مُطْلَقًا، لِأَنَّ هَكَذَا عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا مَضَى جَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ شَاءَ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ، فَكَانَ اشْتِرَاطُ مُدَّةٍ فِي ذَلِكَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - فَهُوَ بَاطِلٌ - وَخِلَافٌ لِعَمَلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ؛ وَقَدْ قَالَ مُخَالِفُونَ بِذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ. [مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ وَارِثُ صَاحِبِ الْأَرْضِ الْعَامِلَ وَرَضِيَ الْعَامِلُ] 1334 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّهُمَا شَاءَ تَرْكَ الْعَمَلِ فَلَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَيُّهُمَا مَاتَ بَطَلَتْ الْمُعَامَلَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . فَإِنْ أَقَرَّ وَارِثُ صَاحِبِ الْأَرْضِ الْعَامِلَ وَرَضِيَ الْعَامِلُ، فَهُمَا عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ - وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَرَثَةَ الْعَامِلِ بِرِضَاهُمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إخْرَاجَ الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ] 1335 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إخْرَاجَ الْعَامِلِ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ أَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ بَعْدَ أَنْ زَرَعَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، أَوْ فِي حَيَاتِهِمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَعَلَى الْعَامِلِ خِدْمَةُ الزَّرْعِ كُلِّهِ وَلَا بُدَّ، وَعَلَى وَرَثَتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَبْلَغَ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَعَاقَدَا الْعَقْدَ الصَّحِيحَ فَهُوَ لَازِمٌ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ، وَعَقْدٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا عَدَاهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَإِفْسَادٌ لِلْحَرْثِ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ. [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَرْكَ الْعَمَلِ وَقَدْ حَرَثَ وَقَلَبَ وَزَبَلَ وَلَمْ يَزْرَعْ] 1336 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَرْكَ الْعَمَلِ وَقَدْ حَرَثَ، وَقَلَبَ، وَزَبَلَ، وَلَمْ يَزْرَعْ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيُكَلَّفُ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، وَقِيمَةَ زِبْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ زِبْلًا مِثْلَهُ، إنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إخْرَاجَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ بَيْنَهُمَا الْمُزَارَعَةُ الَّتِي

مسألة كان العامل هو المريد للخروج من الأرض

يَكُونُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مُلْغًى بِتَمَامِهَا، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَعَمَلُهُ حُرْمَةٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِهَا، وَالزِّبْلُ مَالُهُ فَلَا يُحْمَلُ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْمَرِيدُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْأَرْض] 1337 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْمَرِيدُ لِلْخُرُوجِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ زِبْلِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِلْخُرُوجِ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مَنَعَهُ حَقًّا لَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إتْمَامِ عَمَلِهِ وَتَمَامِ شَرْطِهِ وَالْخُرُوجِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ أَصَابَ مِنْ صَاحِب الْأَرْض وَالْعَامِل مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ] 1338 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَصَابَ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ قَصُرَ نُصِيبُهُ عَنْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَلَا يَحِلُّ اشْتِرَاطُ الزَّكَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَلِكُلِّ أَحَدٍ حُكْمُهُ. وَاشْتِرَاطُ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْ نَفْسِهِ وَوَضْعِهَا عَلَى غَيْرِهِ شَرْطٌ لِلشَّيْطَانِ وَمُخَالَفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحِلُّ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَا يُرِيدَانِ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ الْمَلْعُونِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَا يَتَعَاقَدَانِ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الزَّرْعِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ، أَوْ نَحْوَ هَذَا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ. [مَسْأَلَةٌ إذَا وَقَعَتْ الْمُعَامَلَةُ فِي الْمُزَارَعَة فَاسِدَةً] 1339 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا وَقَعَتْ الْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةً، رَدَّ إلَى مُزَارِعِهِ مِثْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ فِيمَا زَرَعَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَعَاقَدَ أَوْ أَقَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي الْأَرْضِ أَخْذُ أَجْرٍ وَلَا حَظٍّ إلَّا الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مُسَمًّى بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَقُّ الْأَرْضِ فَلَا تَجُوزُ إبَاحَةُ الْأَرْضِ وَمَا أَخْرَجَتْ لِلْعَامِلِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وَلَا يَجُوزُ إبَاحَةُ بَذْرِ الْعَامِلِ وَعَمَلِهِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَيُرَدَّانِ إلَى مِثْلِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] .

المغارسة

فَالْأَرْضُ - حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ مِنْ مَالِ صَاحِبِهَا، وَبَشَرَتِهِ، فَلَهُ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ حَقِّ مِثْلِهَا مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعَامَلَةِ فِيهَا - وَبَذْرُ الزَّارِعِ وَعَمَلُهُ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ مِنْ مَالِهِ، وَبَشَرَتِهِ، فَلَهُ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ حَقِّ مِثْلِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعَامَلَةِ، فَوَجَبَ مَا قُلْنَا وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الْمُغَارَسَةُ] [مَسْأَلَةٌ دَفَعَ أَرْضًا لَهُ بَيْضَاءَ إلَى إنْسَانٍ لِيَغْرِسَهَا لَهُ] 1340 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ دَفَعَ أَرْضًا لَهُ بَيْضَاءَ إلَى إنْسَانٍ لِيَغْرِسَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا بِأَنْ تَكُونَ النُّقُولُ أَوْ الْأَوْتَادُ أَوْ النَّوَى أَوْ الْقُضْبَانُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَقَطْ، فَيَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ لِغَرْسِهَا وَخِدْمَتِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا مُدَّةً مُسَمَّاةً وَلَا بُدَّ بِشَيْءٍ مُسَمًّى، أَوْ بِقِطْعَةٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ مُسَمَّاةً مَحُوزَةً، أَوْ مَنْسُوبَةَ الْقَدْرِ مُشَاعَةً فِي جَمِيعِهَا، فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ بِعَمَلِهِ فِي كُلِّ مَا يَمْضِي مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ مَا يُقَابِلُهَا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ، فَهَذِهِ إجَارَةٌ كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ. وَإِمَّا بِأَنْ يَقُومَ الْعَامِلُ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَبِغَرْسِهِ وَبِخَدَمِهِ وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا تَعَامَلَا عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ جُزْءٍ مُسَمًّى كَذَلِكَ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَرْضِ أَصْلًا - فَهَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُطْلَقًا لَا إلَى مُدَّةٍ أَصْلًا - وَحُكْمُهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا تُحَشْ مِنْهَا شَيْئًا. [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ فِيمَا غَرَسَ بِشَيْءٍ] 1341 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ الْخُرُوجَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ فِيمَا غَرَسَ بِشَيْءٍ، وَقَبْلَ أَنْ تُنْمَى لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَأْخُذُ كُلَّ مَا غَرَسَ. وَكَذَلِكَ إنْ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى انْتَفَعَ وَنَمَا مَا غَرَسَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِالْأَرْضِ فَعَلَيْهِ حَقُّهَا، وَحَقُّهَا هُوَ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلَامِنَا فِي " الْمُزَارَعَةِ " مِنْ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يُعْمِلُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ وَنِصْفُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، هَكَذَا مُطْلَقًا.

مسألة زرع العامل ثم انتقل ملك الأرض إلى غير المعاقد

وَكَذَلِكَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ لِلْيَهُودِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَيْءٍ» . وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَا خَرَجَ مِنْهَا بِعَمَلِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْعَمَلِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ غَرْسٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ عِمَارَةِ شَجَرٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي تَمْيِيزٍ أَنَّ خَيْبَرَ وَفِيهَا نَحْوُ أَلْفَيْ عَامِلٍ وَيُصَابُ فِيهَا نَحْوُ ثَمَانِينَ أَلْفَ وَسْقِ تَمْرٍ وَبَقِيَتْ بِأَيْدِيهِمْ أَزْيَدَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا: أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَامَيْنِ وَنِصْفِ عَامٍ مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ، وَعَشَرَةِ أَعْوَامٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَتَّى أَجَلَاهُمْ فِي آخِرِ عَامٍ مِنْ خِلَافَتِهِ، فَلَا بُدَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ غَرَسَ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْأُصُولِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُغَارَسَةُ: هُوَ أَنْ يُعْطَى الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ لِيَغْرِسَهَا مِنْ مَالِهِ مَا رَأَى حَتَّى يَبْلُغَ شَبَابًا مَا، ثُمَّ لَهُ مَا تَعَاقَدَا مِنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ، وَمِنْ رِقَابِ مَا غَرَسَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ لَا يُدْرَى فِي كَمْ يَبْلُغُ ذَلِكَ الشَّبَابَ، وَلَعَلَّهَا لَا تَبْلُغُهُ، وَلَا يُدْرَى مَا غَرَسَ وَلَا عَدَدُهُ، وَأَعْجَبُ شَيْءٍ قَوْلُهُ " حَتَّى يَبْلُغَ شَبَابًا مَا " وَالْغُرُوسُ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا شَدِيدًا مُتَبَايِنًا، لَا يَنْضَبِطُ أَلْبَتَّةَ، فَقَدْ يَشِبُّ بَعْضُ مَا غَرَسَ وَيَبْطُلُ الْبَعْضُ، وَيَتَأَخَّرُ شَبَابُ الْبَعْضِ، فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَنْحَصِرُ أَبَدًا فِيمَا يَغْرِسُ، وَلَعَلَّهُ لَا يَغْرِسُ لَهُ إلَّا شَجَرَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَيُكَلَّفُ لِذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ نِصْفِ أَرْضٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ مَعًا، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَإِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ، وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ بَاطِلٌ قَدْ جَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ كُلَّ بَلَاءٍ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَلَا لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ زَرَعَ الْعَامِلُ ثُمَّ انْتَقَلَ مِلْكُ الْأَرْضِ إلَى غَيْرِ الْمُعَاقِدِ] 1342 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَقَدَ مُزَارَعَةً أَوْ مُعَامَلَةً فِي شَجَرٍ أَوْ مُغَارَسَةً، فَزَرَعَ الْعَامِلُ وَعَمِلَ فِي الشَّجَرِ وَغَرَسَ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِلْكُ الْأَرْضِ أَوْ الشَّجَرِ إلَى غَيْرِ الْمُعَاقِدِ بِمِيرَاثٍ أَوْ بِهِبَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِإِصْدَاقٍ أَوْ بِبَيْعٍ -:

فَأَمَّا الزَّرْعُ: ظَهَرَ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ كُلُّهُ لِلزَّارِعِ وَاَلَّذِي كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلِلَّذِي انْتَقَلَ مِلْكُ الْأَرْضِ إلَيْهِ أَخْذُهُمَا بِقَطْعِهِ أَوْ قَلْعِهِ فِي أَوَّلِ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزْرَعْ إلَّا بِحَقٍّ، وَالزَّرْعُ بِلَا خِلَافٍ هُوَ غَيْرُ الْأَرْضِ الَّتِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَى غَيْرِ مَالِكِهَا الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْمُعَامَلَةُ فِي الشَّجَرِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَهُوَ مَا لَمْ يَخْرُجْ غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ لِأَحَدٍ، فَإِذَا خَرَجَ فَهُوَ لِمَنْ الشَّجَرُ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ إبْقَاءَ الْعَامِلِ عَلَى مُعَامَلَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ تَجْدِيدَ مُعَامَلَةٍ فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَلِلْعَامِلِ عَلَى الَّذِي كَانَ الْمِلْكُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِهِ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا الْغَرْسُ: فَلِلَّذِي انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ إقْرَارُهُ عَلَى تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَجْدِيدِ أُخْرَى، فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلِلْغَارِسِ قَلْعُ حِصَّتِهِ مِمَّا غَرَسَ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ الَّذِي كَانَ عَامِلُهُ أَوَّلًا، عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فَالثَّمَرَةُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَبَيْنَ الَّذِي كَانَ الْمِلْكُ لَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا، لَا شَيْءَ فِيهَا لِلَّذِي انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [تَمَّ " كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ، وَالْمُغَارَسَةِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]

كتاب المعاملة في الثمار

[كِتَابُ الْمُعَامَلَةِ فِي الثِّمَارِ] [مَسْأَلَةٌ الْمُعَامَلَةِ فِي الثِّمَارِ سُنَّةٌ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْمُعَامَلَةِ فِي الثِّمَارِ 1343 - مَسْأَلَةٌ: الْمُعَامَلَةُ فِيهَا سُنَّةٌ، وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الْمَرْءُ أَشْجَارَهُ أَيَّ شَجَرٍ كَانَ مِنْ نَخْلٍ، أَوْ عِنَبٍ، أَوْ تِينٍ، أَوْ يَاسَمِينٍ، أَوْ مَوْزٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَا تُحَاشِ شَيْئًا مِمَّا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ وَيُطْعَمُ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ لِمَنْ يَحْفِرُهَا وَيُزَبِّلُهَا وَيَسْقِيهَا - إنْ كَانَتْ مِمَّا يُسْقَى بِسَانِيَةٍ، أَوْ نَاعُورَةٍ، أَوْ سَاقِيَّةٍ، وَيُؤَبِّرُ النَّخْلَ، وَيُزْبِرُ الدَّوَالِيَ، وَيَحْرُثُ مَا احْتَاجَ إلَى حَرْثِهِ وَيَحْفَظُهُ حَتَّى يَتِمَّ وَيُجْمَعُ، أَوْ يَيْبَسُ إنْ كَانَ مِمَّا يَيْبَسُ، أَوْ يُخْرِجُ دُهْنَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُخْرَجُ دُهْنُهُ، أَوْ حَتَّى يَحِلَّ بَيْعُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَذَلِكَ، عَلَى سَهْمٍ مُسَمًّى مِنْ ذَلِكَ الثَّمَرِ، أَوْ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْأُصُولُ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ، كَمَا قُلْنَا فِي " الْمُزَارَعَةِ " سَوَاءٌ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَالِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلنَّاسِ " أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّنَا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلْيَلْحَقْ بِهِ، فَإِنِّي مُخْرِجٌ يَهُودَ، فَأَخْرَجَهُمْ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا يَقُولُ جُمْهُورُ النَّاسِ، إلَّا أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ كَرَاهَةَ ذَلِكَ - وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا زُفَرُ. وَأَجَازَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ.

وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي كُلِّ شَجَرٍ قَائِمِ الْأَصْلِ إلَّا فِيمَا يُخْلَفُ وَيُجْنَى مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْمَوْزِ، وَالْقَصَبِ، وَالْبُقُولِ، فَلَمْ يُجِزْ فِيهَا، وَلَا أَجَازَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْبُقُولِ إلَّا فِي السَّقْيِ خَاصَّةً. وَلَمْ يُجِزْهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ، إلَّا فِي النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ فَقَطْ - وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ، إلَّا فِي النَّخْلِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي النَّخْلِ وَحْدَهُ، أَوْ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، أَوْ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ فِي سَقْيٍ دُونَ بَعْلٍ، فَقَدْ خَالَفَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَدَخَلُوا فِي الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالُوا: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَا إعْطَاءُ الشَّجَرِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا: إجَارَةٌ، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ إنَّمَا هِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] . وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا أَبْطَلْتُمْ بِهَذَا الدَّلِيلِ بِعَيْنِهِ الْمُضَارَبَةَ، وَقُلْتُمْ: إنَّهَا إجَارَةٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْمُضَارَبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا؟ قُلْنَا: وَدَفْعُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَدَفْعُ الشَّجَرِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلِ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا تُحَاشِ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَمَا غَابَ مِنْهُمْ عَنْ خَيْبَرَ إلَّا مَعْذُورٌ بِمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ وِلَايَةٍ تَشْغَلُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ غَابَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ عَرَفَ أَمْرَ خَيْبَرَ، وَاتَّصَلَ الْأَمْرُ فِيهَا عَامًا بَعْدَ عَامٍ إلَى آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ - فَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ الْمَقْطُوعُ عَلَيْهِ، لَا مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ الَّتِي لَا تُرْوَى إلَّا عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَاعْتَرَضُوا فِي أَمْرِ خَيْبَرَ بِأَنْ قَالُوا: لَا يَخْلُو أَهْلُ خَيْبَرَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا أَوْ أَحْرَارًا، فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَمُعَامَلَةُ الْمَرْءِ لِعَبْدِهِ بِمِثْلِ هَذَا جَائِزٌ، وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَيَكُونُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةً وَلَا زَكَاةً.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا جَرَوْا فِيهِ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَهْتِ وَالتَّوَقُّحِ الْبَارِدِ -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَخْلُو أَهْلُ خَيْبَرَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا، فَكَيْفَ انْطَلَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِهَذَا، وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ؟ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ أَحْرَارٌ، وَأَنَّهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ إرْقَاقَهُمْ فَلَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْ التَّخْمِيسِ، وَالْبَيْعِ لِقِسْمَةِ أَثْمَانِهِمْ. ثُمَّ كَيْفَ اسْتَجَازُوا أَنْ يَقُولُوا: لَعَلَّهُمْ كَانُوا عَبِيدًا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ أَجْلَاهُمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؟ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَجِيزَ عُمَرُ تَفْوِيتَ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمْ حَظٌّ لِلْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ؟ إنَّ مَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى عُمَرَ لَضَالٌّ مُضِلٌّ، بَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ إجْلَاءَهُمْ فَرَغِبُوا فِي إقْرَارِهِمْ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ إذَا شَاءَ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ تَضْيِيعُ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ لَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ إلَّا خُمُسُ الْخُمُسِ وَسَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: وَالصَّفِيُّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ: إنَّ جَمِيعَ مَنْ مَلَكَ عَنْوَةً عَبِيدٌ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. ثُمَّ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا زَعَمُوا مِنْ الْبَاطِلِ - وَكَانُوا لَهُ عَبِيدًا - لَكَانَ قَدْ أَعْتَقَهُمْ بِلَا شَكٍّ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ نا زُهَيْرٌ - هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ - نا أَبُو إِسْحَاقَ - هُوَ السَّبِيعِيِّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ [خَتْنِ رَسُولِ اللَّهِ] وَأَخِي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً» . وَقَدْ قَسَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أُخِذَ عَنْوَةً بِخَيْبَرَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا خَيْبَرَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: «قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجَمَعَ السَّبْيَ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا

رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ؟ قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَانَتْ الْأَرْضُ كُلُّهَا عَنْوَةً، وَصَالَحَ أَهْلَ بَعْضِ الْحُصُونِ عَلَى الْأَمَانِ، فَنَزَلُوا ذِمَّةً أَحْرَارًا - وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَوْلُهُ كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ، فَصَحَّ أَنَّ الْبَاقِينَ بِهَا أَحْرَارٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ كَانَ مَكَانَ الْجِزْيَةِ، فَكَلَامُ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النِّصْفُ مَكَانَ الْجِزْيَةِ؟ وَإِنَّمَا كَانَ حُقُوقَ أَرْبَابِ الضِّيَاعِ الْمَقْسُومَةِ عَلَيْهِمْ الَّذِي عُومِلَ الْيَهُودُ عَلَى كِفَايَتِهِمْ الْعَمَلَ، وَاَلَّذِينَ خَطَبَهُمْ عُمَرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِأَمْوَالِهِمْ فَلْيَنْظُرُوا فِيهَا إذَا أَرَادَ إجْلَاءَ الْيَهُودِ عَنْهَا. وَالْآثَارُ بِهَذَا مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ كَالْمَالِ الَّذِي حَصَلَ لِعُمَرَ بِهَا فَجَعَلَهُ صَدَقَةً وَكَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي سَبَبِ إجْلَاءِ الْيَهُودِ: خَرَجْنَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا وَكَانَ إعْطَاءُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ، وَبَعْضِهِنَّ الْأَوْسَاقَ، وَأَنَّ بَقَايَا أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا إلَى الْيَوْمِ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ، فَظَهَرَ هَذَيَانُ هَؤُلَاءِ النَّوْكَى. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ إجْمَاعًا لَكَفَرَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ فَقُلْنَا: عُذْرًا بِجَهْلِهِمَا كَمَا يُعْذَرُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَخْطَأَ فِيهِ وَبَدَّلَهُ وَزَادَ وَنَقَصَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ، وَأَمَّا مَنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَتَمَادَى مُعَانِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ بِلَا شَكٍّ. وَشَغَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي الْعِنَبِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَاسِدٌ وَقِيَاسٌ بَارِدٌ، وَيُقَالُ لَهُمْ: لَمَّا كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ ذَا نَوًى

مسألة لا يشترط على صاحب الأرض أجير ولا قادوس ولا عمل

وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ ذِي نَوًى، أَوْ لَمَّا كَانَ ثَمَرُ النَّخْلِ حُلْوًا وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ كُلُّ حُلْوٍ، وَإِلَّا فَمَا الَّذِي جَعَلَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ حُجَّةً فِي إعْطَائِهَا بِسَهْمٍ مِنْ ثِمَارِهَا؟ وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ ظَاهِرٌ يُحَاطُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ؟ وَقَالَ عَلِيٌّ: وَكَذَلِكَ التِّينُ، وَالْفُسْتُقُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْعُ الْمَالِكِيِّينَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَوْزِ وَالْبَقْلِ - فَدَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَفْظُ " الْمُسَاقَاةِ " يَدُلُّ عَلَى السَّقْيِ؟ فَقُلْنَا: وَمَنْ سَمَّى هَذَا الْعَمَلَ " مُسَاقَاةً " حَتَّى تَجْعَلُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ حُجَّةً؟ مَا عَلِمْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنَّمَا نَقُولُهَا مَعَكُمْ مُسَاعَدَةً فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ كَانَ بِخَيْبَرَ بِلَا شَكٍّ بَقْلٌ وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ مِنْ الرُّمَّانِ، وَالْمَوْزِ، وَالْقَصَبِ، وَالْبُقُولِ، فَعَامَلَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى نِصْفِ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ أَجِيرٌ وَلَا قَادُوسٌ وَلَا عَمَلٌ] 1344 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فِي " الْمُزَارَعَةِ " " وَالْمُغَارَسَةِ " " وَالْمُعَامَلَةِ فِي ثِمَارِ الشَّجَرِ " لَا أَجِيرٌ، وَلَا عَبْدٌ، وَلَا سَانِيَةٌ، وَلَا قَادُوسٌ، وَلَا حَبْلٌ، وَلَا دَلْوٌ، وَلَا عَمَلٌ، وَلَا زِبْلٌ، وَلَا شَيْءٌ أَصْلًا وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِشَرْطِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَوَجَبَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ، فَلَوْ تَطَوَّعَ صَاحِبُ الْأَصْلِ بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ بِبَعْضِهِ فَهُوَ حَسَنٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] . 1345 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا قُلْنَاهُ فِي " الْمُزَارَعَةِ " فَهُوَ كَذَلِكَ هَهُنَا لَا تُحَاشِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ، فَأَغْنَى عَنْ تَكْرَارِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الشَّرْط فِي الْمُزَارَعَةِ] 1346 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي " الْمُزَارَعَةِ " وَإِعْطَاءِ الْأُصُولِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مُشَاعٌ فِي جَمِيعِهَا عَلَى الْعَامِلِ: بِنَاءُ حَائِطٍ، وَلَا سَدُّ ثُلْمَةٍ، وَلَا حَفْرُ بِئْرٍ وَلَا تَنْقِيَتُهَا، وَلَا حَفْرُ عَيْنٍ وَلَا تَنْقِيَتُهَا، وَلَا حَفْرُ سَانِيَةٍ وَلَا تَنْقِيَتُهَا، وَلَا حَفْرُ نَهْرٍ وَلَا تَنْقِيَتُهُ، وَلَا عَمَلُ صِهْرِيجٍ وَلَا إصْلَاحُهُ، وَلَا بِنَاءُ دَارٍ وَلَا إصْلَاحُهَا، وَلَا بِنَاءُ بَيْتٍ وَلَا إصْلَاحُهُ، وَلَا آلَةٌ سَانِيَةٌ، وَلَا خَطَّارَةٌ، وَلَا نَاعُورَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ

بَاطِلٌ - فَإِنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِمْ أَنَّ يَعْتَمِلُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ، وَبِأَنْفُسِهِمْ فَقَطْ -: وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْأَرْضِ، وَلَا مِنْ عَمَلِ الشَّجَرِ فِي شَيْءٍ. وَأَمَّا آلَةُ الْحَرْثِ، وَالْحَفْرِ كُلُّهَا وَآلَةُ السَّقْيِ كُلُّهَا، وَآلَةُ التَّقْلِيمِ، وَآلَةُ التَّزْبِيلِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْأُجَرَاءِ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ الْعَمَلُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِذَلِكَ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [تَمَّ " كِتَابُ الْمُعَامَلَةِ فِي الثِّمَارِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] .

كتاب إحياء الموات والإقطاع والحمى والصيد يتوحش

[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْإِقْطَاعِ وَالْحِمَى وَالصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ] [مَسْأَلَةٌ أَرْض لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهَا عُمِّرَتْ فِي الْإِسْلَامِ] كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْإِقْطَاعِ، وَالْحِمَى، وَالصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ وَمَنْ تَرَكَ مَالَهُ بِمَضْيَعَةٍ، أَوْ عَطِبَ مَالُهُ فِي الْبَحْرِ 1347 - مَسْأَلَةٌ: كُلُّ أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهَا عُمِّرَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَهِيَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهَا وَأَحْيَاهَا - سَوَاءٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ - لَا إذْنَ فِي ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِلْأَمِيرِ - وَلَوْ أَنَّهُ بَيْنَ الدُّورِ فِي الْأَمْصَارِ - وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ عَمَّنْ سَبَقَ إلَيْهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَقْطَعَ إنْسَانًا شَيْئًا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْمِيَهُ مِمَّنْ سَبَقَ إلَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَ إحْيَاؤُهُ لِذَلِكَ مُضِرًّا بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ ضَرَرًا ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ لَا بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ وَلَا بِغَيْرِهِ، كَالْمِلْحِ الظَّاهِرِ، وَالْمَاءِ الظَّاهِرِ، وَالْمَرَاحِ وَرَحْبَةِ السُّوقِ وَالطَّرِيقِ، وَالْمُصَلَّى، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا مُلِكَ يَوْمًا مَا بِإِحْيَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ دَثَرَ وَأُشْغِرَ حَتَّى عَادَ كَأَوَّلِ حَالِهِ فَهُوَ مِلْكٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ، لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ بِالْإِحْيَاءِ أَبَدًا، فَإِنْ جُهِلَ أَصْحَابُهُ فَالنَّظَرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ، وَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَكُونُ الْأَرْضُ لِمَنْ أَحْيَاهَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَا يَتَشَاحُّ النَّاسُ فِيهِ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْ الْعُمْرَانِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ إلَّا

بِقَطِيعَةِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا حِمَى مَا كَانَ فِي الصَّحَارِي وَغَيْرِ الْعُمْرَانِ فَهُوَ لِمَنْ أَحْيَاهُ فَإِنْ تَرَكَهُ يَوْمًا مَا حَتَّى عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَدْ صَارَ أَيْضًا لِمَنْ أَحْيَاهُ وَسَقَطَ عَنْهُ مِلْكُهُ وَهَكَذَا قَالَ فِي الصَّيْدِ يُتَمَلَّكُ ثُمَّ يَتَوَحَّشُ فَإِنَّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أُذُنِهِ شَنْفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَالشَّنْفُ الَّذِي كَانَ لَهُ وَالصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَيْسَ الْمَوَاتُ إلَّا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَقَطْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ أَحْيَا الْمَوَاتَ فَهُوَ لَهُ، وَلَا مَعْنَى لِإِذْنِ الْإِمَامِ، إلَّا أَنَّ حَدَّ الْمَوَاتِ عِنْدَهُ مَا إذَا وَقَفَ الْمَرْءُ فِي أَدْنَى الْمِصْرِ إلَيْهِ ثُمَّ صَاحَ لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ، فَمَا سُمِعَ فِيهِ الصَّوْتُ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُ: كَقَوْلِنَا. فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: نَزَلْنَا دَابِقَ وَعَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَتَلَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَتِيلًا مِنْ الرُّومِ فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يُخَمِّسَ سَلَبَهُ فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ السَّلْبَ لِلْقَاتِلِ؟ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَهْ يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ الْمَوَاتُ لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ أَشْبَهَ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْأَثَرُ فَمَوْضُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ - ثُمَّ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ فَأَبَاحُوا الصَّيْدَ لِمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا لِأَنَّ فِي التَّابِعِينَ مَنْ مَنَعَ مِنْ الصَّيْدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ - وَلَا يُعَارَضُ بِمِثْلِ هَذَا الْأَثَرِ الْكَاذِبِ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَبِالْأَرْضِ لِمَنْ أَحْيَاهَا. وَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ ذَلِكَ بِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَمْوَالٌ مَمْلُوكَةٌ، أُخِذَتْ بِجِزْيَةٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ مَالٍ كَانَ لَهُ رَبٌّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَبَّهَ مَا لَمْ يُعْرَفْ أَكَانَ لَهُ رَبٌّ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَبٌّ بِمَا يُوقَنُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ رَبٌّ. لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهَا رَبٌّ بِالصَّيْدِ

وَالْحَطَبُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ، وَلَكِنْ لَا النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ الْمَوْضُوعُ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَضَى بِالْمَوَاتِ لِمَنْ أَحْيَاهُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْإِمَامُ الَّذِي لَا إمَامَةَ لِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] فَهُوَ إمَامُنَا نُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَجَمِيعَ عِبَادِهِ، لَا إمَامَ لَنَا دُونَهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لَا يَدْعُونَا مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِ فَمَنْ اتَّخَذَ إمَامًا دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُغَلِّبُ - حُكْمَهُ عَلَى حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَيُرَدُّ وَيُعْلَمُ - وَنَحْنُ إلَى اللَّهِ مِنْهُ بُرَآءُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ قَسَّمَ تَقْسِيمًا لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سَنَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْمَوَاتَ الْقَرِيبَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطُّ مَالِكٌ لِمَنْ أَحْيَاهُ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَعَلَ الْمَالَ الْمُتَمَلَّكَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَجَعَلَهَا مِلْكًا لِمَنْ أَخَذَهَا كَالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي الْمَوَاتِ يُعَمَّرُ ثُمَّ يُتَشَغَّرُ، وَمِثْلُ الصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ، وَمَا وَجَبَ سُقُوطُ الْمِلْكِ بِالتَّوَعُّرِ وَالتَّوَحُّشِ لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِرَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَأَيْضًا فَلَا يَخْلُو مَا قَرُبَ مِنْ الْعُمْرَانِ أَوْ تَشَاحَّ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ، أَوْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَحَدًا، وَلَا أَنْ يَضُرَّ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهِمْ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَعِيدِ عَنْ الْعُمْرَانِ؟ فَصَحَّ أَنْ لَا مَعْنَى لِلْإِمَامِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا: وَكَذَلِكَ تَقْسِيمُ أَبِي يُوسُفَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَفَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، فَهُوَ سَاقِطٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ - عَنْ اللَّيْثِ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ - هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» .

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» قَالَ عُرْوَةُ: وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْخَبَرُ هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا، وَهُوَ الْمُبْطِلُ لِقَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا عُمُومًا وَإِمَّا فِي مَكَان دُونَ مَكَان، وَلِقَوْلِ مَنْ قَالَ: مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا قَدْ عُمِّرَتْ ثُمَّ أُشْغِرَتْ فَهِيَ لِلَّذِي عَمَّرَهَا آخِرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ قَضِيَّةٍ قَضَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلَّ عَطِيَّةٍ أَعْطَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَيْسَ لِأَحَدٍ يَأْتِي بَعْدَهُ لَا إمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ أَنْ يَعْتَرِضَ فِيهَا وَلَا أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا حُكْمًا - وَقَدْ اتَّصَلَ - كَمَا تَرَى - أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِذَلِكَ؛ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْوَهَّابِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - نا أَيُّوبُ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ هُوَ الرَّجُلُ يَعْمُرُ الْأَرْضَ الْخَرِبَةَ وَهِيَ لِلنَّاسِ قَدْ عَجَزُوا عَنْهَا فَتَرَكُوهَا حَتَّى خَرِبَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ هُوَ الرَّجُلُ يَعْمُرُ الْأَرْضَ الْخَرِبَةَ وَهِيَ لِلنَّاسِ قَدْ عَجَزُوا عَنْهَا فَتَرَكُوهَا حَتَّى خَرِبَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا عُرْوَةُ سَمَّى هَذِهِ الصِّفَةَ عِرْقَ ظَالِمٍ، وَصَدَقَ عُرْوَةُ وَهَذَا [هُوَ] الَّذِي أَبَاحَهُ الْمَالِكِيُّونَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: نا عَبْدُ الْوَهَّابِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ - نا أَيُّوبُ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ: نا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ، وَعَبَّادٌ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَا مَعْنَى لِأَخْذِ رَأْيِ الْإِمَامِ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَا مَا فِيهِ أَجْرٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الْآمِلِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْأَرْضَ أَرْضُ اللَّهِ، وَالْعِبَادَ عِبَادُ اللَّهِ، وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؟ جَاءَنَا بِهَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ جَاءُوا بِالصَّلَوَاتِ عَنْهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السَّرْحِ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» .

فَصَحَّ أَنْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ عَنْ أَنْ تَحْيَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا غَرَسَ نَخْلًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا» . قَالَ عُرْوَةُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَأَنَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ يَضْرِبُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَعُرْوَةُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَنْ صَحَّتْ صُحْبَتُهُ مِمَّنْ لَمْ تَصِحَّ، وَقَدْ اعْتَمَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَدْرَكَهُ فَمَنْ دُونَهُ، لَا قَوْلَ مَالِكٍ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالشَّجَرِ إنْ قُلِعَتْ كَانَ لِغَارِسِهَا قِيمَتُهَا مَقْلُوعَةً أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَتُرِكَتْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَمَا يَزَالُونَ يَقْضُونَ لِلنَّاسِ بِأَمْوَالِ النَّاسِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ، وَالْمُتَعَدِّي وَإِنْ ظَلَمَ فَظُلْمُهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَظْلِمَ فَيُؤْخَذَ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْذَهُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ - فَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ عَلَانِيَةً لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ زُرَيْقٍ قَالَ: قَرَأْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بِبُنْيَانٍ أَوْ حَرْثٍ مَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَمْوَالِ قَوْمٍ ابْتَاعُوهَا أَوْ أَحْيَوْا بَعْضًا وَتَرَكُوا بَعْضًا فَأَجَازَ لِلْقَوْمِ إحْيَاءَهُمْ وَأَمَّا مَا كَانَ مَكْشُوفًا فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ الْمَاءَ أَوْ الْمِلْحَ، أَوْ يُرِيحُونَ فِيهِ دَوَابَّهُمْ، فَلِأَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ

عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَالٍ - هُوَ الْمَازِنِيُّ - قَالَ «اسْتَقْطَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْدِنَ الْمِلْحِ الَّذِي بِمَأْرِبَ؟ فَأَقْطَعَنِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعِدِّ قَالَ: فَلَا إذًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَمُعَاوِيَةُ فَمَا مَعْنَى إقْطَاعِهِمْ؟ قُلْنَا: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الَّذِي لَهُ الْحِمَى وَالْإِقْطَاعُ، وَاَلَّذِي لَوْ مَلَّكَ إنْسَانًا رَقَبَةَ حُرٍّ لَكَانَ لَهُ عَبْدًا - وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَطْعًا لِلتَّشَاحِّ وَالتَّنَازُعِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ الْمَرْعَى مُتَمَلَّكًا، بَلْ مَنْ أَحْيَا فِيهِ فَهُوَ لَهُ، وَيُقَالُ لِأَهْلِ الْمَاشِيَةِ: أَعْزِبُوا وَأَبْعِدُوا فِي طَلَبِ الْمَرْعَى، وَإِنَّمَا التَّمَلُّكُ بِالْإِحْيَاءِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَالرَّعْيُ لَيْسَ إحْيَاءً، وَلَوْ كَانَ إحْيَاءً لَمَلَكَ الْمَكَانَ مَنْ رَعَاهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ لِقَوْلِهِمْ فِي الصَّيْدِ الْمُتَوَحِّشِ بِأَسْخَفِ مُعَارَضَةٍ سُمِعَتْ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: الصَّيْدُ إذَا تَوَحَّشَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ مَاءً مِنْ بِئْرٍ مُتَمَلَّكَةٍ فِي وِعَائِهِ فَانْهَرَقَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ، أَيَكُونُ شَرِيكًا بِذَلِكَ فِي الْمَاءِ الَّذِي فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْبِئْرُ وَأَخْذُ الْمَاءِ مِنْهَا لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً أَوْ مُتَمَلَّكَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَضْعَافَ مَا انْهَرَقَ لَهُ إنْ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ إنْ شَاءَ، كَمَا يَتْرُكُ النَّاسُ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيُبِيحُونَهُ لِمَنْ أَخَذَهُ، كَالنَّوَى، وَالتِّبْنِ، وَالزِّبْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ كُلِّ ذَلِكَ لَمْ يُطْلِقْهُ، وَلَا أَبَاحَ أَخْذَهُ لِأَحَدٍ، لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَمَا حَلَّ لِأَحَدٍ أَخْذُهُ، فَلَا يَحِلُّ مَالُ أَحَدٍ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - إلَّا بِإِبَاحَتِهِ لَهُ، أَوْ حَيْثُ أَبَاحَتْهُ الدِّيَانَةُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ «مَنْ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَلَوْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» ، فَأَيُّمَا أَكْثَرُ عِنْدَهُمْ - وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ - قَضِيبُ أَرَاكٍ،

مسألة تعريف الإحياء

أَوْ أُيَّلٌ، أَوْ حِمَارُ وَحْشٍ، يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدِ مِنْهَا مَالًا، أَوْ أَرْضٌ تُسَاوِي الْأَمْوَالَ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مُتَمَلَّكَةً، فَلَا يَخْلُو آخِذُ الْمَاءِ مِنْهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَا أَخَذَ أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مِثْلَ مَا انْهَرَقَ لَهُ - أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَضْعَافَهُ - إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَائِهَا - لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ - فَظَهَرَ هَذَرُ هَذَا الْجَاهِلِ وَتَخْلِيطُهُ. [مَسْأَلَةٌ تَعْرِيف الْإِحْيَاءُ] 1348 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِحْيَاءُ هُوَ قَلْعُ مَا فِيهَا مِنْ عُشْبٍ، أَوْ شَجَرٍ، أَوْ نَبَاتٍ، بِنِيَّةِ الْإِحْيَاءِ، لَا بِنِيَّةِ أَخْذِ الْعُشْبِ وَالِاحْتِطَابِ فَقَطْ، أَوْ جَلْبِ مَاءٍ إلَيْهَا مِنْ نَهْرٍ، أَوْ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا لِسَقْيِهَا مِنْهُ، أَوْ حَرْثِهَا، أَوْ غَرْسِهَا، أَوْ تَزْبِيلِهَا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّزْبِيلِ مِنْ نَقْلِ تُرَابٍ إلَيْهَا، أَوْ رَمَادٍ، أَوْ قَلْعِ حِجَارَةٍ، أَوْ جَرْدِ تُرَابِ مِلْحٍ عَنْ وَجْهِهَا حَتَّى يُمْكِنَ بِذَلِكَ حَرْثُهَا، أَوْ غَرْسُهَا، أَوْ أَنْ يُخْتَطَّ عَلَيْهَا بِحَظِيرٍ لِلْبِنَاءِ - فَهَذَا كُلُّهُ إحْيَاءٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ مَا أَدْرَكَ الْمَاءَ فِي فَوْرِهِ وَكَثْرَتِهِ فِي جَمِيعِ جِهَاتِ الْبِئْرِ، أَوْ الْعَيْنِ، أَوْ النَّهْرِ، أَوْ السَّاقِيَّةِ، قَدْ مَلَكَهُ وَاسْتَحَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَاهُ وَلَا خِلَافَ فِي ضَرُورَةِ الْحِسِّ وَاللُّغَةِ أَنَّ الِاحْتِطَابَ وَأَخْذَ الْعُشْبِ لِلرَّعْيِ لَيْسَ إحْيَاءً وَمَا تَوَلَّى الْمَرْءُ مِنْ ذَلِكَ بِأُجَرَائِهِ وَأَعْوَانِهِ، فَهُوَ لَهُ، لَا لَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . [مَسْأَلَةٌ خَرَجَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنُ فِضَّةٍ] 1349 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَرَجَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنُ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، أَوْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ، أَوْ رَصَاصٍ، أَوْ قَزْدِيرٍ، أَوْ زِئْبَقٍ، أَوْ مِلْحٍ، أَوْ شَبٍّ، أَوْ زِرْنِيخٍ، أَوْ كُحْلٍ، أَوْ يَاقُوتٍ، أَوْ زُمُرُّدٍ، أَوْ بَجَادِيٍّ، أَوْ رهوبي، أَوْ بِلَّوْرٍ، أَوْ كَذَّانٍ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَهُوَ لَهُ، وَيُورَثُ عَنْهُ، وَلَهُ بَيْعُهُ، وَلَا حَقَّ لِلْإِمَامِ مَعَهُ فِيهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَصِيرُ الْأَرْضُ لِلسُّلْطَانِ.

مسألة ساق ساقية أو حفر بئرا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ» . وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ.» فَلَيْتَ شِعْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ تَخْرُجُ أَرْضُهُ الَّتِي مَلَكَ بِإِرْثٍ، أَوْ الَّتِي أَحْيَا عَنْ يَدِهِ مِنْ أَجْلِ وُجُودِ الْمَعْدِنِ فِيهَا؟ وَمَا عَلِمْنَا لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَنَسْأَلُهُ عَنْ مَسْجِدٍ ظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ، أَوْ لَوْ ظَهَرَ مَعْدِنٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي مَقْبَرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ؟ أَيَكُونُ لِلْإِمَامِ أَخْذُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَخْذُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَقْبَرَةِ فَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَيُقْطِعُهَا مَنْ أَرَادَ؟ أُفٍّ أُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ وَمَا قَادَ إلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ سَاقَ سَاقِيَةً أَوْ حَفَرَ بِئْرًا] 1350 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَاقَ سَاقِيَةً، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ عَيْنًا فَلَهُ مَا سَقَى كَمَا قَدَّمْنَا. وَلَا يَحْفِرُ أَحَدٌ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِتِلْكَ الْعَيْنِ، أَوْ بِتِلْكَ الْبِئْرِ، أَوْ بِتِلْكَ السَّاقِيَةِ، أَوْ ذَلِكَ النَّهْرِ، أَوْ بِحَيْثُ يَجْلِبُ شَيْئًا مِنْ مَائِهَا عَنْهَا فَقَطْ، لَا حَرِيمَ لِذَلِكَ أَصْلًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ تِلْكَ الْأَرْضَ فَقَدْ مَلَكَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَرِيمُ الْبِئْرِ الْمُحْدَثَةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ الْعَادِيَةِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا» .

مسألة الشرب من نهر غير متملك

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِمَا مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ: حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا لِأَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ. وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: حَرِيمُ بِئْرِ الزَّرْعِ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ: حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ: حَرِيمُ مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ مِائَتَا ذِرَاعٍ - وَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ حَدٌّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: حَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَبْلُهُمَا أَطْوَلَ، وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَلَا يُعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا فِي قَوْلٍ فِي بِئْرِ النَّاضِحِ، وَقَدْ خَالَفَ الْمُرْسَلَ فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ: هُوَ السُّنَّةُ، وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ فِي أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: هِيَ السُّنَّةُ - فَهَلَّا احْتَجُّوا هَهُنَا بِقَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: هِيَ السُّنَّةُ؟ [مَسْأَلَةٌ الشُّرْبُ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ] 1351 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ، فَالْحُكْمُ أَنَّ السَّقْيَ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى لَاحِقٌ لِلْأَسْفَلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَعْلَى حَاجَتَهُ، وَحَقُّ ذَلِكَ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَ الْأَرْضِ حَتَّى لَا تَشْرَبَهُ وَيَرْجِعُ لِلْجِدَارِ أَوْ السِّيَاجِ، ثُمَّ يُطْلِقُهُ وَلَا يُمْسِكُهُ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَعْلَى أَحْدَثَ مِلْكًا أَوْ إحْيَاءً مِنْ الْأَسْفَلِ، أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، أَوْ أَقْدَمَ مِنْهُ، وَلَا يُتَمَلَّكُ شِرْبُ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ أَصْلًا، وَلَا شِرْبُ سَيْلٍ، وَتَبْطُلُ الدُّوَلُ وَالْقِسْمَةُ فِيهَا - وَإِنْ تَقَدَّمَتْ - إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ

مسألة غرس أشجارا في أرض موات

حَفَرُوا سَاقِيَةً وَبَنَوْهَا، فَلَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا مَاءَهَا بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ فِيهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَبُو الْوَلِيدِ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - أَنَا اللَّيْثُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ لِلزُّبَيْرِ: سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ؟ فَأَبَى عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إلَى جَارِكَ؟ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: اسْقِ ثُمَّ احْتَبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجَدْرِ.» [مَسْأَلَةٌ غَرَسَ أَشْجَارًا فِي أَرْض مَوَات] 1352 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ غَرَسَ أَشْجَارًا فَلَهُ مَا أَظَلَّتْ أَغْصَانُهَا عِنْدَ تَمَامِهَا، فَإِنْ انْتَثَرَتْ عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ أَخَذَ بِقَطْعِ مَا انْتَثَرَ مِنْهَا عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «اخْتَصَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَانِ فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرِيدِهَا فَذُرِعَتْ فَقَضَى بِذَلِكَ» يَعْنِي بِمَبْلَغِهَا. وَأَمَّا انْتِثَارُهَا عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِمَالِ غَيْرِهِ إلَّا مَا دَامَتْ نَفْسُهُ لَهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِفَلَاةٍ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَقَامَ عَلَيْهَا فَصَلَحَتْ] 1353 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِفَلَاةٍ ضَائِعَةً فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَقَامَ عَلَيْهَا فَصَلَحَتْ، أَوْ عَطِبَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ فَرَمَى الْبَحْرُ مَتَاعَهُ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ أَوْ غَاصَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَأَخَذَهُ، فَكُلُّ

مسألة لا يلزم من وجد متاعه أن يؤدي ما أنفق عليه

ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ الْأَوَّلِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ - هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَابَّتُهُ فَتَرَكَهَا فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا: فَقُلْت لَهُ: عَمَّنْ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: إنْ شِئْت عَدَّدَتْ لَك كَذَا وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا خَالِدٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ الْوَاسِطِيُّ - أَنَا مُطَرِّفٌ - هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَأَصْلَحَهَا؟ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هَذَا قَدْ قَضَى فِيهِ إنْ كَانَ سَيَّبَهَا فِي كَلَأٍ، وَأَمْنٍ، وَمَاءٍ، فَصَاحِبُهَا أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ كَانَ سَيَّبَهَا فِي مَخَافَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ فَاَلَّذِي أَخَذَهَا أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَمَّنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِأَرْضِ قَفْرٍ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَقَامَ عَلَيْهَا حَتَّى صَلَحَتْ؟ قَالَ: هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا. قَالَ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ السَّفِينَةِ تَغْرَقُ فِي الْبَحْرِ فِيهَا مَتَاعٌ لِقَوْمٍ شَتَّى؟ فَقَالَ: مَا أَلْقَى الْبَحْرُ عَلَى سَاحِلِهِ، وَمَنْ غَاصَ عَلَى شَيْءٍ فَاسْتَخْرَجَهُ فَهُوَ لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهِ] 1354 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الَّذِي وَجَدَهُ عِنْدَهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ، فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِمَا أَنْفَقَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَضَلَّ بَعِيرًا لَهُ نِضْوًا فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ حَتَّى صَلَحَ وَسَمُنَ، فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَضَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَرَدِّ الدَّابَّةِ إلَى صَاحِبِهَا - قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: يَأْخُذُ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ سَمِينًا أَوْ مَهْزُولًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. [الْمَرْفِقُ] [مَسْأَلَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْتَحَ مَا شَاءَ فِي حَائِطِهِ] الْمَرْفِقُ 1355 - مَسْأَلَةٌ: وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْتَحَ مَا شَاءَ فِي حَائِطِهِ مِنْ كُوَّةٍ أَوْ بَابٍ، أَوْ أَنْ

يَهْدِمَهُ إنْ شَاءَ فِي دَارِ جَارِهِ، أَوْ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَوْ نَافِذٍ، وَيُقَالُ لِجَارِهِ: ابْنِ فِي حَقِّك مَا تَسْتُرُ بِهِ عَلَى نَفْسِك؟ إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الِاطِّلَاعِ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ. وَلَا يَحِلُّ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِحَائِطِ جَارِهِ إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِذَلِكَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ حَائِطَهُ فَلَا يُكَلَّفُ بُنْيَانَهُ وَيَقُولُ لِجَارِهِ: اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت، وَبَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ هُوَ حَائِطُ نَفْسِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّقْفِ وَالِاطِّلَاعِ مِنْهُ وَبَيْنَ قَاعِ الدَّارِ وَالِاطِّلَاعِ مِنْهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ فَتْحِ كُوَّةٍ لِلضَّوْءِ وَبَيْنَ فَتْحِهَا هَكَذَا وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ، يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ مِنْهُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ يَمْنَعُ الْمَرْءَ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَقِّهِ وَفِي حَائِطِهِ مَا شَاءَ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» هَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلًا، أَوْ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا زُهَيْرُ بْنُ ثَابِتٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ. وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُمْنَعَ الْمَرْءُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ مُرَاعَاةً لِنَفْعِ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الضَّرَرُ حَقًّا. وَأَمَّا الِاطِّلَاعُ فَمَنْعُهُ وَاجِبٌ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِعَصًا فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى «بِحَصَاةٍ» هُوَ أَصَحُّ.

مسألة ليس لأحد أن يرسل ماء سقفه أو داره على أرض جاره

[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرْسِلَ مَاءَ سَقْفِهِ أَوْ دَارِهِ عَلَى أَرْضِ جَارِهِ] مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرْسِلَ مَاءَ سَقْفِهِ أَوْ دَارِهِ عَلَى أَرْضِ جَارِهِ أَصْلًا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَإِطْلَاقُهُ مَاءَ دَارِهِ عَلَى أَرْضِ جَارِهِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ - وَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ - وَالْإِذْنُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ إذْنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ الرَّقَبَةَ، وَالْإِذْنُ فِي شَيْءٍ مَا الْيَوْمَ غَيْرُ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ غَدًا بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُدَخِّنَ عَلَى جَارِهِ] 1357 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُدَخِّنَ عَلَى جَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَذًى، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَذَى الْمُسْلِمِ. وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُعَلِّيَ بُنْيَانَهُ مَا شَاءَ - وَإِنْ مَنَعَ جَارَهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ - لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ مَنْعَهُ بِغَيْرِ مَا أُبِيحَ لَهُ. وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِي حَقِّهِ مَا شَاءَ مِنْ حَمَّامٍ، أَوْ فُرْنٍ، أَوْ رَحًى، أَوْ كَمَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَمْنَعُ جَارَهُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ] 1358 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ هَدْمَ حَائِطِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِجَارِهِ: دَعِّمْ خَشَبَك أَوْ انْزَعْهُ فَإِنِّي أَهْدِمُ حَائِطِي، وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الْخَشَبِ عَلَى ذَلِكَ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ فَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.

مسألة ملك ماء في نهر حفره أو ساقية حفرها

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِلْخَبَرِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كُلُّهُ حَقٌّ وَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا السَّمْعُ لَهُ وَالطَّاعَةُ، وَلَيْسَ بَعْضُهُ مُعَارِضًا لِبَعْضٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَاَلَّذِي قَضَى بِالشُّفْعَةِ وَإِسْقَاطِ الْمِلْكِ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَإِبْطَالِ الشِّرَاءِ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَقَضَى بِالْعَاقِلَةِ، وَأَنْ يَغْرَمُوا مَا لَمْ يَجْنُوا، وَأَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ - أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا - هُوَ الَّذِي قَضَى بِأَنْ يَغْرِزَ الْجَارُ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ، وَنَهَى عَنْ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوا هَذَا الْحُكْمَ حَيْثُ أَبَاحُوا ثَمَرَ النَّخْلِ، وَكِرَاءِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ -: كُلُّ ذَلِكَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَاصِبِ بِالْبَاطِلِ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ، وَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِ السُّنَنِ. فَنَقُولُ: أَمْوَالُنَا حَرَامٌ عَلَى غَيْرِنَا، إلَّا حَيْثُ أَبَاحَهَا الَّذِي حَرَّمَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ «خَشَبَةً» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ؟ فَقُلْنَا: فَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ لَهُ لَا وَاحِدَةً وَلَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ؟ وَكُلُّ خَشَبَةٍ فِي الْعَالَمِ فَهِيَ خَشَبَةٌ، وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ أَنْ يَضَعَهَا فِي جِدَارِهِ، فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَلَكَ مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ أَوْ سَاقِيَةٍ حَفَرَهَا] 1359 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ، أَوْ سَاقِيَةٍ حَفَرَهَا، أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا، أَوْ بِئْرٍ اسْتَنْبَطَهَا - فَهُوَ أَحَقُّ بِمَاءِ كُلِّ ذَلِكَ مَا دَامَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُ الْفَضْلِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِهِ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ، لَا بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» .

مسألة ما غلب عليه الماء من نهر، أو نشع أو سيل فاستغار

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا النُّفَيْلِيُّ نا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» [مَسْأَلَةٌ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ نَهْرٍ، أَوْ نَشْعٍ أَوْ سَيْلٍ فَاسْتَغَارَ] 1360 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ نَهْرٍ، أَوْ نَشْعٍ، أَوْ سَيْلٍ، فَاسْتَغَارَ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ كَمَا كَانَ، فَإِنْ انْتَقَلَ عَنْهُ يَوْمًا مَا - وَلَوْ بَعْدَ أَلْفِ عَامٍ - فَهُوَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ، وَمَا رَمَى النَّهْرُ مِنْ أَحَدِ عَدْوَتَيْهِ إلَى أُخْرَى فَهُوَ بَاقٍ بِحَسْبِهِ كَمَا كَانَ لِمَنْ كَانَ لَهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: بِخِلَافِ ذَلِكَ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ تَبَدُّلَ مَجْرَى الْمَاءِ لَا يُسْقِطُ مِلْكًا عَنْ مَالِكِهِ، وَلَا يُحِلُّ مَالًا مُحَرَّمًا لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَهَذَا حُكْمٌ فِي الدِّينِ بِلَا بُرْهَانٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . [مَسْأَلَةٌ لَا تَكُونُ الْأَرْضُ بِالْإِحْيَاءِ إلَّا لِمُسْلِمٍ] 1361 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَكُونُ الْأَرْضُ بِالْإِحْيَاءِ إلَّا لِمُسْلِمٍ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: 128] وقَوْله تَعَالَى: {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وَنَحْنُ أُولَئِكَ لَا الْكُفَّارُ، فَنَحْنُ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ - فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا.

كتاب الوكالة

[كِتَابُ الْوَكَالَةِ] [مَسْأَلَةٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْوَكَالَةِ 1362 - مَسْأَلَةٌ: الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْقِيَامِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَالتَّذْكِيَةِ، وَطَلَبِ الْحُقُوقِ وَإِعْطَائِهَا، وَأَخْذِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونِهَا، وَتَبْلِيغِ الْإِنْكَاحِ، وَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالِاسْتِئْجَارِ -: كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَاضِرِ، وَالْغَائِبِ سَوَاءٌ، وَمِنْ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ، وَطَلَبُ الْحَقِّ كُلُّهُ وَاجِبٌ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ، إلَّا أَنْ يُبْرِئَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: «بِعْثَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُلَاةَ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْحُقُوقِ عَلَى النَّاسِ، وَلِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا» . وَقَدْ كَانَ بِلَالٌ عَلَى نَفَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ كَانَ لَهُ نُظَّارٌ عَلَى أَرْضِهِ بِخَيْبَرَ، وَفَدَكَ؛ وَقَدْ رُوِّينَا فِي " كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ " مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ» . وَذَكَرْنَا فِي " الْحَجِّ " مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أُقَسِّمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نا [عَمِّي - هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ] نَا أَبِي - هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى

خَيْبَرُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي بِخَيْبَرَ فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإِنْ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ» . وَفِي هَذَا الْخَبَرِ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ إذَا عَلِمَ الْوَالِي بِصِدْقِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ نا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ نا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَ حَدِيثَ التَّمْرِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بِيعُوا تَمْرَهَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَبَعَثَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ - وَهَذَا خَبَرٌ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ. «وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَخْذِ الْقَوَدِ، وَبِالرَّجْمِ، وَالْجَلْدِ، وَبِالْقَطْعِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْكُبْرَ الْكُبْرَ أَوْ قَالَ: لِيَبْدَأْ الْأَكْبَرُ؟ فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَقْبَلُ تَوْكِيلَ حَاضِرٍ، وَلَا مَنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ

مسألة الوكالة على طلاق

ثَلَاثٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاضِرُ، أَوْ مَنْ ذَكَرْنَا مَرِيضًا، إلَّا بِرِضَى الْخَصْمِ - وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَتَحْدِيدٌ بِلَا بُرْهَانٍ وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: لَا نَتَكَلَّمُ فِي الْحُقُوقِ إلَّا بِتَوْكِيلِ صَاحِبِهَا - وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا - وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] . وقَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَوَاجِبٌ بِمَا ذَكَرْنَا إنْكَارُ الظُّلْمِ، وَطَلَبُ الْحَقِّ لِحَاضِرٍ وَغَائِبٍ، مَا لَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ الْحَاضِرَ - سَوَاءٌ بِتَوْكِيلٍ أَوْ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ. وَطَلَبُ الْحَقِّ قَدْ وَجَبَ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ طَلَبِهِ قَوْلُ الْقَائِلِ: لَعَلَّ صَاحِبَهُ لَا يُرِيدُ طَلَبَهُ، وَيُقَالُ لَهُ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِطَلَبِهِ، فَلَا يُسْقِطُ هَذَا الْيَقِينَ مَا يَتَوَقَّعُهُ بِالظَّنِّ. [مَسْأَلَةٌ الْوَكَالَة عَلَى طَلَاقٍ] 1363 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ وَكَالَةٌ عَلَى طَلَاقٍ، وَلَا عَلَى عِتْقٍ، وَلَا عَلَى تَدْبِيرٍ، وَلَا عَلَى رَجْعَةٍ، وَلَا عَلَى إسْلَامٍ، وَلَا عَلَى تَوْبَةٍ، وَلَا عَلَى إقْرَارٍ، وَلَا عَلَى إنْكَارٍ، وَلَا عَلَى عَقْدِ الْهِبَةِ، وَلَا عَلَى الْعَفْوِ، وَلَا عَلَى الْإِبْرَاءِ، وَلَا عَلَى عَقْدِ ضَمَانٍ، وَلَا عَلَى رِدَّةٍ، وَلَا عَلَى قَذْفٍ، وَلَا عَلَى صُلْحٍ، وَلَا عَلَى إنْكَاحٍ مُطَاقٍ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمُنْكَحَةِ وَالنَّاكِحِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إلْزَامُ حُكْمٍ لَمْ يَلْزَمْ قَطُّ، وَحَلُّ عَقْدٍ ثَابِتٍ، وَنَقْلُ مِلْكٍ بِلَفْظٍ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ. وَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَجُوزَ قَوْلُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا حُكْمُهُ عَلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ وَحُكْمٌ بِالْبَاطِلِ يُمْضِيهِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْوَكِيلِ تَعَدِّي مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوَكِّلُهُ] 1364 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْوَكِيلِ تَعَدِّي مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوَكِّلُهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْفُذْ فِعْلُهُ فَإِنْ فَاتَ ضَمِنَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَوَجَبَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ مُوَكِّلُهُ بِأَنْ يَبْتَاعَ لَهُ شَيْئًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى، أَوْ يَبِيعَهُ لَهُ

بِثَمَنٍ مُسَمًّى، فَبَاعَهُ أَوْ ابْتَاعَهُ بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ - وَلَوْ بِفَلْسٍ - فَمَا زَادَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ، وَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ لَهُ أَصْلًا، وَلَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ. فَلَوْ وَكَّلَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ أَوْ يَبْتَاعَ لَهُ، فَإِنْ ابْتَاعَ لَهُ بِمَا يُسَاوِي، أَوْ بَاعَ بِذَلِكَ لَزِمَ، وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ - وَكَذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ لِآخَرَ، أَوْ بَاعَ لَهُ بِغَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ لَمْ يَلْزَمْ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا، وَلَا جَازَ لِلْآخَرِ إمْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ إمْضَاءٌ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، وَكَانَ الشِّرَاءُ لَازِمًا لِلْوَكِيلِ - وَمَا عَدَا هَذَا فَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَحُكْمٌ بِالْبَاطِلِ. وَاحْتَجَّ قَوْمٌ فِي إجَازَةِ ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ يَبْتَاعَ لَهُ شَاةً بِدِينَارٍ فَابْتَاعَ شَاتَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالشَّاةِ» وَهُمَا خَبَرَانِ مُنْقَطِعَانِ لَا يَصِحَّانِ.

مسألة فعل الوكيل

[مَسْأَلَةٌ فِعْلُ الْوَكِيلِ] مَسْأَلَةٌ: وَفِعْلُ الْوَكِيلِ نَافِذٌ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ قَدْ عَزَلَهُ، فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَيَفْسَخُ مَا فَعَلَ. وَأَمَّا كُلُّ مَا فَعَلَ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ الْمُوَكِّلُ مِنْ حِينِ عَزْلِهِ إلَى حِينِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فَهُوَ نَافِذٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَتْ.

مسألة الوكالة تبطل بموت الموكل

وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي عَزْلِ الْإِمَامِ لِلْأَمِيرِ، وَلِلْوَالِي، وَلِلْقَاضِي، وَفِي عَزْلِ هَؤُلَاءِ لِمَنْ جُعِلَ إلَيْهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ وَلَا فَرْقَ - لِأَنَّهُ عَزَلَهُ بِغَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ بَعْدَ أَنْ وَلَّاهُ وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَعَلَى الِابْتِيَاعِ، وَعَلَى التَّذْكِيَةِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْإِنْكَاحِ لِمُسَمَّاةٍ وَمُسَمًّى -: خَدِيعَةٌ وَغِشٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» فَعَزْلُهُ لَهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ، أَوْ يَكْتُبَ إلَيْهِ أَوْ يُوصِي إلَيْهِ: إذَا بَلَغَك رَسُولِي فَقَدْ عَزَلْتُك - فَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حُقُوقِ نَفْسِهِ كَمَا يَشَاءُ، فَإِذَا بَلَغَهُ فَقَدْ صَحَّ عَزْلُهُ، وَلَيْسَ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُخَاصِمُهُ مِنْ عَزْلِ وَكِيلِهِ وَتَوْلِيَةِ آخَرَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي ذَلِكَ قَدْ صَحَّ، وَلَا بُرْهَانَ عَلَى أَنَّ لِلْخَصْمِ مَنْعَهُ مِنْ عَزْلِ مَنْ شَاءَ وَتَوْلِيَةِ مَنْ شَاءَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْخَصْمِ؟ قُلْنَا: لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، بَلْ الضَّرَرُ كُلُّهُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمَرْءِ فِي طَلَبِ حُقُوقِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَلَا سُنَّةٍ - وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. [مَسْأَلَةٌ الْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ] 1366 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بَلَغَ ذَلِكَ إلَى الْوَكِيلِ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْ بِخِلَافِ مَوْتِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ إنْ مَاتَ فَالْوُلَاةُ كُلُّهُمْ نَافِذَةٌ أَحْكَامُهُمْ حَتَّى يَعْزِلَهُمْ الْإِمَامُ الْوَالِي، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَالْمَالُ قَدْ انْتَقَلَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ إلَى وَرَثَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ فِي مَالِهِمْ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُوَكِّلُوهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِمَّنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، «وَقَدْ قُتِلَ أُمَرَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَرَضِيَ عَنْهُمْ بِمُؤْتَةِ كُلُّهُمْ فَتَوَلَّى الْأَمْرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَمِّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى رَجَعَ بِالْمُسْلِمِينَ وَصَوَّبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ» وَقَدْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَوُلَاتُهُ بِالْيَمَنِ، وَمَكَّةَ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهَا، فَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ مَوْتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب المضاربة وهي القراض

[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ وَهِيَ الْقِرَاضُ] [مَسْأَلَةٌ الْقِرَاضُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ] ُ 1367 - مَسْأَلَةٌ: الْقِرَاضُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ أَهْلَ تِجَارَةٍ لَا مَعَاشَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهَا وَفِيهِمْ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يُطِيقُ السَّفَرَ، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ، وَالْيَتِيمُ، فَكَانُوا وَذَوُو الشُّغْلِ وَالْمَرَضِ يُعْطُونَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْ الرِّبْحِ فَأَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَمَلًا مُتَيَقَّنًا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ وُجِدَ فِيهِ خِلَافٌ مَا الْتَفَتَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلُ كَافَّةٍ بَعْدَ كَافَّةٍ إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِلْمِهِ بِذَلِكَ. «وَقَدْ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِرَاضٍ بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» . [مَسْأَلَةٌ الْقِرَاضُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ] 1368 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقِرَاضُ إنَّمَا هُوَ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ - وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْعَرَضَ فَيَأْمُرُهُ بِبَيْعِهِ بِثَمَنٍ مَحْدُودٍ، وَبِأَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ فَيَعْمَلُ بِهِ قِرَاضًا، لِأَنَّ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَمَا عَدَاهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَا نَصَّ بِإِيجَابِهِ، وَلَا حُكْمَ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ إلَّا بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ النَّصُّ. وَمِمَّنْ مَنَعَ مِنْ الْقِرَاضِ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ: الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ. [مَسْأَلَةٌ الْقِرَاضُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى] 1369 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَصْلًا إلَّا مَا جَاءَ بِهِ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَبْدًا يَعْمَلُ مَعَهُ، أَوْ أَجِيرًا يَعْمَلُ مَعَهُ، أَوْ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ.

مسألة تسمية السهم الذي يتقارضان عليه من الربح

وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَتَنَاقَضُوا هَهُنَا فَقَالُوا فِي الْقِرَاضِ كَمَا قُلْنَا، وَقَالُوا فِي " الْمُسَاقَاةِ " لَا تَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إلَّا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي " الْمُزَارَعَةِ " فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازُوهَا فِيهِ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ خِلَافِهِمْ فِي " الْمُزَارَعَةِ " و " الْمُسَاقَاةِ " السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَسْمِيَة السَّهْمَ الَّذِي يَتَقَارَضَانِ عَلَيْهِ مِنْ الرِّبْحِ] 1370 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْقِرَاضُ إلَّا بِأَنْ يُسَمِّيَا السَّهْمَ الَّذِي يَتَقَارَضَانِ عَلَيْهِ مِنْ الرِّبْحِ، كَسُدُسٍ، أَوْ رُبْعٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ نِصْفٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَيُبَيِّنَا مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ قِرَاضًا وَلَا عُرْفًا مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِعَامِلِ الْقِرَاض أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا] 1371 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا وَلَا أَنْ يَلْبَسَ مِنْهُ شَيْئًا، لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَا أَكَلَ الْمُضَارِبُ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ: أَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ - قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَكِسْوَتُهُ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُنَا هَهُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: أَمَّا فِي الْحَضَرِ فَكَمَا قُلْنَا، وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَكْتَسِي مِنْهُ وَيَرْكَبُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ - إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا - وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَهُ فِي الْحَضَرِ أَنْ يَتَغَذَّى مِنْهُ بِالْأَفْلُسُ. وَهَذَا تَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ بِلَا دَلِيلٍ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَبَاحُوا هَذَا فِيهِ؟ وَمَا مِقْدَارُ الْقَلِيلِ الَّذِي مَنَعُوهُ فِيهِ؟ وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ - فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. ثُمَّ أَيْضًا يَعُودُ الْمَالُ إلَى الْجَهَالَةِ فَلَا يَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْهُ؟ وَلَا مَا يَبْقَى مِنْهُ؟ وَقَلِيلُ الْحَرَامِ حَرَامٌ - وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ، وَكَثِيرُ الْحَلَالِ حَلَالٌ - وَلَوْ أَنَّهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. فَإِنْ قَالُوا هُوَ سَاعٍ فِي مَصْلَحَةِ الْمَالِ؟

مسألة صاحب المال والعامل اقتسما الربح

قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِنَّمَا هُوَ سَاعٍ لِرِبْحٍ يَرْجُوهُ، فَإِنَّمَا يَسْعَى فِي حَظِّ نَفْسِهِ. [مَسْأَلَةٌ صَاحِب الْمَال وَالْعَامِل اقْتَسَمَا الرِّبْحَ] 1372 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ رِبْحٍ رَبِحَاهُ فَلَهُمَا أَنْ يَتَقَاسَمَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا وَتَرَكَا الْأَمْرَ بِحَسَبِهِ ثُمَّ خَسِرَ فِي الْمَالِ فَلَا رِبْحَ لِلْعَامِلِ، وَأَمَّا إذَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ فَقَدْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا صَارَ لَهُ، فَلَا يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى هَذَا تَعَامَلَا، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَظٌّ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا اقْتَسَمَاهُ فَهُوَ عَقْدُهُمَا الْمُتَّفَقُ عَلَى جَوَازِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ فَقَدْ تَطَوَّعَا بِتَرْكِ حَقِّهِمَا وَذَلِكَ مُبَاحٌ. [مَسْأَلَةٌ لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ] 1373 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ - وَلَوْ تَلِفَ كُلُّهُ - وَلَا فِيمَا خَسِرَ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُضَيِّعَ فَيَضْمَنُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . [مَسْأَلَةٌ رَبّ الْمَال وَعَامِل الْقِرَاض أَيُّهُمَا أَرَادَ تَرْكَ الْعَمَلِ فَلَهُ ذَلِكَ] 1374 - مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّهُمَا أَرَادَ تَرْكَ الْعَمَلِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ عَلَى بَيْعِ السِّلَعِ مُعَجِّلًا - خَسِرَ أَوْ رَبِحَ - لِأَنَّهُ لَا مُدَّةَ فِي الْقِرَاضِ، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ مُدَّةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ الْآبِي مِنْهُمَا عَلَى التَّمَادِي فِي عَمَلٍ لَا يُرِيدُهُ أَحَدُهُمَا فِي مَالِهِ، وَلَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ فِي عَمَلِهِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ؟ وَقَدْ تَسْمُو قِيمَةُ السِّلَعِ، وَقَدْ تَنْحَطُّ، فَإِيجَابُ التَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ، وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا أَنْ يُبِيحَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ لِيُمَوِّلَهُ بِهِ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ أَلْزَمَ هَهُنَا إجْبَارَ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَى الصَّبْرِ حَتَّى يَكُونَ لِلسِّلَعِ سُوقٌ لِيُمَوِّلَ بِذَلِكَ الْعَامِلَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يَرَى إجْبَارَهُ عَلَى تَدَارُكِ مَنْ يَمُوتُ جُوعًا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ، بِمَا يُقِيمُ رَمَقَهُ، وَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعَدَّى عَامِلُ الْمُضَارَبَة فَرَبِحَ] 1375 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ تَعَدَّى الْعَامِلُ فَرَبِحَ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ وَوَزَنَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ - وَقَدْ صَارَ ضَامِنًا لِلْمَالِ إنْ تَلِفَ أَوْ لِمَا تَلِفَ مِنْهُ بِالتَّعَدِّي، وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ، لِأَنَّ الشِّرَى لَهُ. وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِمَالِ الْقِرَاضِ نَفْسِهِ فَالشِّرَى فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُهُ الْبَائِع مِنْهُ فَالرِّبْحُ لِلْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة مات رب المال وعامل القراض

[مَسْأَلَةٌ مَاتَ رَبّ الْمَال وَعَامِل الْقِرَاض] مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّهُمَا مَاتَ بَطَلَ الْقِرَاضُ -: أَمَّا فِي مَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فَلِأَنَّ الْمَالَ قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . أَمَّا فِي مَوْتِ الْعَامِلِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَعَقْدُ الَّذِي لَهُ الْمَالُ إنَّمَا كَانَ مَعَ الْمَيِّتِ لَا مَعَ وَارِثِهِ، إلَّا أَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ لَيْسَ تَعَدِّيًا، وَعَمَلَ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَامِلِ إصْلَاحٌ لِلْمَالِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ، وَلَا عَلَى وَارِثِهِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، أَوْ لِوَارِثِهِ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ هَهُنَا أَوْ لِوَرَثَتِهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فَقَطْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَحُرْمَةُ عَمَلِهِ يَجِبُ لَهُ أَنْ يُقَاصَّ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ مُعِينٌ عَلَى بِرٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى عَامِلُ الْقِرَاض مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا] 1377 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَهُوَ زَانٍ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْهَا رَقِيقٌ لِصَاحِبِ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَاشِيَةِ، وَمَمَرُّ الشَّجَرِ، وَكِرَى الدُّورِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ حَدَثَ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا لِلْعَامِلِ حَظُّهُ مِنْ الرِّبْحِ فَقَطْ، وَلَا يُسَمَّى رِبْحًا إلَّا مَا نَمَا بِالْبَيْعِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الإقرار

[كِتَابُ الْإِقْرَارِ] [مَسْأَلَةٌ أَقَرَّ لِآخَرَ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى بِحَقٍّ فِي مَالٍ] ِ 1378 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَقَرَّ لِآخَرَ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى بِحَقٍّ فِي مَالٍ، أَوْ دَمٍ، أَوْ بَشَرَةٍ - وَكَانَ الْمُقِرُّ عَاقِلًا بَالِغًا غَيْرَ مُكْرَهٍ - وَأَقَرَّ إقْرَارًا تَامًّا، وَلَمْ يَصِلْهُ بِمَا يُفْسِدُهُ -: فَقَدْ لَزِمَهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ رَجَعَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِرُجُوعِهِ وَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ دَمٍ، أَوْ حَدٍّ، أَوْ مَالٍ. فَإِنْ وَصَلَ الْإِقْرَارُ بِمَا يُفْسِدُهُ بَطَلَ كُلُّهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لَا مِنْ مَالٍ، وَلَا قَوَدٍ، وَلَا حَدٍّ -: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ، أَوْ يَقُولُ: قَذَفْت فُلَانًا بِالزِّنَى، أَوْ يَقُولُ زَنَيْت، أَوْ يَقُولُ: قَتَلْت فُلَانًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ -: فَقَدْ لَزِمَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتْ. فَإِنْ قَالَ: كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ وَقَدْ قَضَيْته إيَّاهَا، أَوْ قَالَ: قَذَفْت فُلَانًا وَأَنَا فِي غَيْرِ عَقْلِي، أَوْ قَتَلْت فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ قَتْلِي وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِي، أَوْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنَا فِي غَيْرِ عَقْلِي، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَسْقُطُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى - ذَاتُ الزَّوْجِ، وَالْبِكْرُ ذَاتُ الْأَبِ، وَالْيَتِيمَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ - وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةُ فَإِذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فَلَا مَعْنَى لِلْإِنْكَارِ، وَلَا لِلْإِقْرَارِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامٌ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - نا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ؟ فُلَانٌ؟ فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، فَذَكَرَ

الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قَوْلُ الْقَائِلِ: «إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَتْ» فَقُتِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْإِقْرَارِ وَرُجِمَ بِهِ، وَرُدَّ بِهِ الْمَالُ مِمَّنْ كَانَ بِيَدِهِ إلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا إذَا وَصَلَ بِهِ مَا يُفْسِدُهُ فَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ بَعْضَ إقْرَارِهِ وَلَا يُلْزَمَ سَائِرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ. وَقَدْ تَنَاقَضَ هَهُنَا الْمُخَالِفُونَ فَقَالُوا: إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا رُبْعَ دِينَارٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ - وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْت مِنْهُ دَارِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَنْكَرَ الْآخَرُ الْبَيْعَ وَقَالَ: قَدْ أَقَرَّ لِي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَادَّعَى ابْتِيَاعَ دَارِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَقُصُّونَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: أَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ أَسْلَفَنِي مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَأَمْهَلَنِي حَتَّى أَدَّيْتهَا كُلَّهَا إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لِذَلِكَ الْفُلَانِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنْ طَلَبَهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ: قَتَلْتُ رَجُلًا مُسْلَمًا الْآنَ أَمَامَكُمْ، أَوْ قَالَ: أَخَذْت مِنْ هَذَا مِائَةَ دِينَارٍ الْآنَ بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ - وَلَمْ يَقُولُوا: إنْ أَقَرَّ، ثُمَّ نَدِمَ، وَلَا أَخَذُوا بِبَعْضِ قَوْلٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ، أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ رَجُلًا اسْتَضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ فَأَرْسَلُوا جَارِيَةً تَحْتَطِبُ فَأَعْجَبَتْ الضَّيْفَ فَتَبِعَهَا فَأَرَادَهَا فَامْتَنَعَتْ، فَعَارَكَهَا فَانْفَلَتَتْ فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ فَفَضَّتْ كَبِدَهُ فَمَاتَ، فَأَتَتْ أَهْلَهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ، فَأَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرُوهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: قَتِيلُ اللَّهِ لَا يُودَى وَاَللَّهِ أَبَدًا؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ، وَمُطَرِّفٍ، كُلِّهِمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: غَزَا رَجُلٌ فَخَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَقُولُ:

وَأَشْعَثَ غَرَّهُ الْإِسْلَامُ مِنِّي ... جَلَوْت بِعُرْسِهِ لَيْلَ التَّمَامِ أَبِيت عَلَى تَرَائِبِهَا وَيُمْسِي ... عَلَى جَرْدَاءَ لَاحِقَةِ الْحِزَامِ كَأَنَّ مَجَامِعَ الرَّبَلَاتِ مِنْهَا ... قِيَامٌ يَنْهَضُونَ إلَى فِئَامِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتَلَهُ فَجَاءَتْ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ دَمَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ، فَأَبْطَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ أُتِيتُ وَأَنَا بِالْيَمَنِ بِامْرَأَةٍ فَسَأَلْتهَا؟ فَقَالَتْ: مَا تَسْأَلُ عَنْ امْرَأَةٍ حُبْلَى ثَيِّبٍ مِنْ غَيْرِ بَعْلٍ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا خَالَلْت خَلِيلًا وَلَا خَادَنْتُ خِدْنًا، مُذْ أَسْلَمْت، وَلَكِنِّي بَيْنَمَا أَنَا نَائِمَةٌ بِفِنَاءِ بَيْتِي، فَوَاَللَّهِ مَا أَيْقَظَنِي إلَّا الرَّجُلُ حِينَ رَكِبَنِي وَأَلْقَى فِي بَطْنِي مِثْلَ الشِّهَابِ؟ فَقَالَ: فَكَتَبْت فِيهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إلَيَّ: أَنْ وَافِنِي بِهَا وَبِنَاسٍ مِنْ قَوْمِهَا؟ فَوَافَيْته بِهَا فِي الْمَوْسِمِ، فَسَأَلَ عَنْهَا قَوْمَهَا؟ فَأَثْنَوْا خَيْرًا، وَسَأَلَهَا؟ فَأَخْبَرَتْهُ كَمَا أَخْبَرَتْنِي، فَقَالَ عُمَرُ: شَابَّةٌ تِهَامِيَّةٌ تَنَوَّمَتْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ يُفْعَلُ، فَمَارَّهَا عُمَرُ وَكَسَاهَا، وَأَوْصَى بِهَا قَوْمَهَا خَيْرًا - هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلًا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، فَارْتَفَعُوا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَانِ فَأَبْطَلَ دَمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَا جَمِيعًا: إنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَةً لَيْلًا فَجَعَلَتْ تَسْتَصْرِخُ فَلَمْ يُصْرِخْهَا أَحَدٌ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: رُوَيْدَك حَتَّى أَسْتَعِدَّ وَأَتَهَيَّأَ، فَأَخَذَتْ فِهْرًا فَقَامَتْ خَلْفَ الْبَابِ، فَلَمَّا دَخَلَ ثَلَغَتْ بِهِ رَأْسَهُ فَارْتَفَعُوا إلَى الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَبْطَلَ دَمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُقْبَةَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَاخْتَصَمَا إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى فَقَالَ: قَدْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ

فَقَضَيْته فَقَالَ: أَصْلَحَك اللَّهُ قَدْ أَقَرَّ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى: إنْ شِئْت أَخَذْت بِقَوْلِهِ أَجْمَعَ، وَإِنْ شِئْت أَبْطَلْته أَجْمَعَ - عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى مِنْ التَّابِعِينَ - وَلِيَ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: كُلُّ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - وَقَوْلُنَا فِيمَا ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا - الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ: فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى مَا قُلْنَا، إلَّا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، قَالُوا: إنْ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ - وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا الْإِقْرَارَ بِالْحَدِّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ سَوَاءً؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْحَدَّ قَدْ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ، فَمَنْ ادَّعَى سُقُوطَهُ بِرُجُوعِهِ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ؛ وَاحْتَجُّوا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ مَاعِزٍ. وَالثَّانِي: أَنْ قَالُوا: إنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا حَدِيثُ مَاعِزٍ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ مَاعِزًا رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ أَلْبَتَّةَ، لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ - وَلَا فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَيْضًا أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يُمَوِّهَ عَلَى أَهْلِ الْغَفْلَةِ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَزْعُمُ؟ وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ مَاعِزًا، وَالْغَامِدِيَّةَ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا، أَوْ لَمْ يَرْجِعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا -: هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ - وَهَذَا ظَنٌّ، وَالظَّنُّ لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِهِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ فَعَلَ فُلَانٌ كَذَا لَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرًا كَذَا -: لَيْسَ بِشَيْءِ، إذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْفُلَانُ، وَلَا غَيْرُهُ ذَلِكَ الْفِعْلَ قَطُّ وَلَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ، وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَمْرِ مَاعِزٍ إنَّمَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ» ؟ لِيَسْتَثْبِتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، فَأَمَّا لِتَرْكِ حَدٍّ فَلَا -: هَذَا نَصُّ

كَلَامِ جَابِرٍ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ مَاعِزٌ قَطُّ عَنْ إقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ قَوْمِي قَتَلُونِي وَغَرُّونِي مِنْ نَفْسِي، وَأَخْبَرُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ قَاتِلِي - هَكَذَا رُوِّينَا كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: كُلُّ مَا ذَكَرْنَا عَلَى نَصِّهِ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِحَدِيثِ مَاعِزٍ. وَأَمَّا " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ " فَمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ، وَلَا نَعْلَمُهُ أَيْضًا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا، لَا مُسْنَدًا، وَلَا مُرْسَلًا وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ، فَقَطْ - وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَشَدَّ إقَامَةً لِلْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ مِنْهُمْ. فَالْمَالِكِيُّونَ يَحُدُّونَ فِي الزِّنَى بِالرَّجْمِ وَالْجَلْدِ بِالْحَبَلِ فَقَطْ - وَهِيَ مُنْكِرَةٌ - وَقَدْ تُسْتَكْرَهُ وَتُوطَأُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لَمْ يَشْتَهِرْ، أَوْ وَهِيَ فِي غَيْرِ عَقْلِهَا، وَيَقْتُلُونَ بِدَعْوَى الْمَرِيضِ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَفُلَانٌ مُنْكِرٌ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ. وَيَحُدُّونَ فِي الْخَمْرِ بِالرَّائِحَةِ، وَقَدْ تَكُونُ رَائِحَةَ تُفَّاحٍ، أَوْ كُمَّثْرَى شَتْوِيٍّ. وَيَقْطَعُونَ فِي السَّرِقَةِ مَنْ يَقُولُ: صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بَعَثَنِي فِي هَذَا الشَّيْءِ - وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ مُقِرٌّ لَهُ بِذَلِكَ. وَيَحُدُّونَ فِي الْقَذْفِ بِالتَّعْرِيضِ - وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ إقَامَةُ - الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ مَنْ دَخَلَ مَعَ آخَرَ فِي مَنْزِلِ إنْسَانٍ لِلسَّرِقَةِ فَلَمْ يَتَوَلَّ أَخْذَ شَيْءٍ وَلَا إخْرَاجَهُ، وَإِنَّمَا سَرَقَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ فَقَطْ، فَيَقْطَعُونَهُمَا جَمِيعًا - فِي كَثِيرٍ لَهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ قَائِلٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَسْوِيَتُنَا بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى ذَاتِ الْأَبِ الْبِكْرِ، وَغَيْرِ الْبِكْرِ، وَالْيَتِيمَةِ، وَذَاتِ الزَّوْجِ فَلِأَنَّ الدِّينَ وَاحِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْحُكْمَ وَاحِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ - وَلَا قُرْآنَ، وَلَا سُنَّةَ، وَلَا قِيَاسَ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ

إقرار الأجير

الْأَرْضِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا خِطَابًا قَصَدَ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مَأْمُورٌ بِالْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إقْرَارُ الْعَبْدِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَإِنَّمَا هُوَ مُقِرٌّ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ إنْسَانٌ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُ الدِّيَانَةِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَاسِبٌ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْرَارِهِ. وَقَدْ وَافَقُونَا: لَوْ أَنَّ أَجِيرًا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِحَدٍّ لَلَزِمَهُ، وَفِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ إبْطَالُ إجَارَتِهِ إنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ قَتْلًا أَوْ قَطْعًا وَلَيْسَ بِذَلِكَ كَاسِبًا عَلَى غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [إقْرَار الْأَجِير] 1379 - مَسْأَلَةٌ: وَبِإِقْرَارِهِ مَرَّةً يَلْزَمُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدٍّ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ مَالٍ - وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لَا يَلْزَمُ الْحَدُّ فِي الزِّنَى إلَّا بِإِقْرَارِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْزَمُ فِي السَّرِقَةِ إلَّا بِإِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ، وَأَقَامُوا ذَلِكَ مَقَامَ الشَّهَادَةِ - وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّ مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ هَذَا وَجَاءَ أَنَّهُ رَدَّهُ أَقَلَّ، وَرُوِيَ أَكْثَرَ - إنَّمَا رَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ اتَّهَمَ عَقْلَهُ، وَاتَّهَمَهُ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الزِّنَى؟ هَكَذَا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَنْكِهُوهُ هَلْ شَرِبَ خَمْرًا؟ أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ «وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَ إلَى قَوْمِهِ يَسْأَلُهُمْ عَنْ عَقْلِهِ» ؟ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ: «أَتَدْرِي مَا الزِّنَى؟ لَعَلَّكَ غَمَزْتَ أَوْ قَبَّلْتَ» ؟ فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا كُلُّهُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: لَا يُحَدُّ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ هَذَا الشَّرْطُ فِيمَا تُقَامُ بِهِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَيَلْزَمُهُمْ إذْ أَقَامُوا الْإِقْرَارَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنْ يُقِيمُوهُ مَقَامَهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَلَا يَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ أَقَرَّ بِمَالٍ حَتَّى يُقِرَّ

مسألة إقرار المريض

مَرَّتَيْنِ - وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَذَا، وَقَدْ «قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّ الَّذِي قَتَلَ الْجَارِيَةَ» بِإِقْرَارٍ غَيْرِ مُرَدَّدٍ، وَالْقَتْلُ أَعْظَمُ الْحُدُودِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إقْرَارُ الْمَرِيضِ] 1380 - مَسْأَلَةٌ: وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَفِي مَرَضٍ أَفَاقَ مِنْهُ لِوَارِثٍ وَلِغَيْرِ وَارِثٍ - نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَإِقْرَارِ الصَّحِيحِ وَلَا فَرْقَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ - فَعَمَّ ابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَخُصَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ بِدَيْنٍ جَازَ - يَعْنِي فِي الْمَرَضِ -. وَبِهِ إلَى ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: أُحَمِّلُهَا إيَّاهُ وَلَا أَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ بِدَيْنٍ، قَالَ: جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ الْمَوْصِلِيُّ عَنْ جَعْفَرٍ - هُوَ ابْنُ بُرْقَانَ - عَنْ مَيْمُونٍ هُوَ ابْنُ مِهْرَانَ - إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ، فَأَرَى أَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ - وَهُوَ صَحِيحٌ - جَازَ وَأَصْدَقُ مَا يَكُونُ عِنْدَ مَوْتِهِ - وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ أَصْلًا، كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَسَّمَتْ طَائِفَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ اعْتِرَافَ الْمَرِيضِ عِنْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ، وَلَا يُجِيزُهُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَابْنِ أُذَيْنَةَ - صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ، وَالشَّعْبِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - إلَّا أَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إقْرَارَ الصَّحِيحِ لِلْوَارِثِ وَلِغَيْرِ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ - كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ -. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِوَارِثٍ فَأَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَاخْتَلَفَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ - وَرَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ لَا يُؤَثَّرُ بِهِ لِتَفَاهَتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ بِإِرْبِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ عَاقٍّ جَازَ إقْرَارُهُ لَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ. وَقَالَ فِي إقْرَارِهِ لِزَوْجَتِهِ بِدَيْنٍ أَوْ مَهْرٍ: فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا مَيْلٌ إلَيْهَا فَإِقْرَارُهُ لَهَا جَائِزٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَيْلٌ إلَيْهَا - وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَفَاقُمٌ - لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لَهَا. قَالَ: وَلَيْسَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ كَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّهِمُ فِي الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَيْهَا مَيْلٌ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ عَنْ وَلَدِهِ إلَيْهَا، قَالَ: فَإِنْ وَرِثَهُ بَنُونَ أَوْ إخْوَةٌ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فِي مَرَضِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةً، وَعَصَبَةً، فَأَقَرَّ لِبَعْضِ الْعَصَبَةِ جَازَ ذَلِكَ. وَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ إذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ أَوْ عَصَبَتُهُ، فَإِنْ وَرِثَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ: جَازَ إقْرَارُهُ لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقْوَالٌ مَبْنِيَّةٌ - بِلَا خِلَافٍ - عَلَى الظُّنُونِ الزَّائِغَةِ وَعَلَى التُّهْمَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] . وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَلَا يَخْلُو إقْرَارُ الْمَرِيضِ عِنْدَهُمْ إذَا اتَّهَمُوهُ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ هِبَةً أَوْ يَكُونَ وَصِيَّةً -:

مسألة قال هذا الشيء كان لفلان ووهبه لي

فَإِنْ كَانَ هِبَةً، فَالْهِبَةُ عِنْدَهُمْ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزَةٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا جَاءَ قَطُّ فَرْقٌ بَيْنَ هِبَةِ مَرِيضٍ وَلَا هِبَةِ صَحِيحٍ. وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً: فَوَصِيَّةُ الصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ، سَوَاءٌ لَا تَجُوزُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ - فَظَهَرَ أَنَّ تَفْرِيقَهُمْ فَاسِدٌ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ عِتْقِ السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ، وَإِقْرَاعُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْإِقْرَارِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا - وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ ذَكَرَهُ - وَلَيْسَ عَطِيَّةً أَصْلًا، وَلَا وَصِيَّةً - وَحَدِيثُ السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " الْعِتْقِ " بِإِسْنَادِهِ مُبَيَّنًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ هَذَا الشَّيْءُ كَانَ لِفُلَانٍ وَوَهَبَهُ لِي] 1381 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ - لِشَيْءٍ فِي يَدِهِ - كَانَ لِفُلَانٍ، وَوَهَبَهُ لِي، أَوْ قَالَ: بَاعَهُ مِنِّي -: صَدَقَ، وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَلِأَنَّ الْأَمْوَالَ، وَالْأَمْلَاكَ بِلَا شَكٍّ مُنْتَقِلَةٌ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ: هَذَا أَمْرٌ نَعْلَمُهُ يَقِينًا. فَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ إقْرَارِهِ هُنَا دُونَ سَائِرِهِ لَوَجَبَ إخْرَاجُ جَمِيعِ أَمْلَاك النَّاسِ عَنْ أَيْدِيهِمْ، أَوْ أَكْثَرِهَا؛ لِأَنَّك لَا تَشُكُّ فِي الدُّورِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالثِّيَابِ الْمَجْلُوبَةِ وَالْعَبِيدِ، وَالدَّوَابِّ: أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا شَكٍّ، وَإِنْ أَمْكَنَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَنْ يُنْتِجَهُ فَإِنَّ الْأُمَّ وَأُمَّ الْأُمِّ - بِلَا شَكٍّ - كَانَتْ لِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ الزَّرِيعَةُ مِمَّا بِيَدِهِ مِمَّا يَنْبُتُ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً. فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ مِمَّا لَمْ يُقِرَّ بِهِ: أَنَّهُ كَانَ لِغَيْرِهِ قَضَى بِهِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى انْتِقَالِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ - وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، «وَقَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْمُدَّعِي» [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِفُلَانٍ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنٌ وَلِي عِنْدَهُ مِائَةُ قَفِيزِ قَمْحٍ] 1382 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنٌ وَلِي عِنْدَهُ مِائَةُ قَفِيزِ قَمْحٍ، أَوْ قَالَ: إلَّا مِائَةَ قَفِيزِ تَمْرٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ إلَّا جَارِيَةً - وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَا لَهُ - قُوِّمَ الْقَمْحُ الَّذِي ادَّعَاهُ، فَإِنْ سَاوَى الْمِائَةَ الدِّينَارَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، أَوْ سَاوَى أَكْثَرَ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَإِنْ سَاوَى أَقَلَّ: قُضِيَ بِالْفَضْلِ فَقَطْ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ قَطُّ إقْرَارًا تَامًّا، بَلْ وَصَلَهُ بِمَا أَبْطَلَ بِهِ أَوَّلَ كَلَامِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَطُّ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا.

وَلَوْ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ بِبَعْضِ كَلَامِهِ دُونَ بَعْضٍ لَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كَلَامِهِ إذَا انْفَرَدَ -: كُفْرٌ صَحِيحٌ - وَهُوَ قَوْلُهُ " لَا إلَهَ " فَيُقَالُ لَهُ: كَفَرْت، ثُمَّ نَدِمْت - وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا وَلَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَبْطُلَ الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ بِمِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِمَا أَثْبَتَهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا اسْتَثْنَى. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ نَوْعِ مَا قَبْلَهُ لَا مِنْ نَوْعِ غَيْرِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10] {إِلا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] {إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: 31] فَاسْتَثْنَى إبْلِيسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، بَلْ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ يَنْسِلُونَ، وَالْمَلَائِكَةُ لَا تَنْسِلُ، وَاسْتَثْنَى تَعَالَى: {مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 11] مِنْ الْمُرْسَلِينَ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ صِفَتِهِمْ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ وَلَيْسَ " الْيَعَافِيرُ " وَ " الْعِيسُ " مِنْ " الْأَنِيسِ " وَقَدْ اسْتَثْنَاهُمْ الشَّاعِرُ الْعَرَبِيُّ الْفَصِيحُ.

كتاب اللقطة والضالة والآبق

[كِتَابُ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ وَالْآبِقِ] [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ مَالًا فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ] ِ 1383 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ وَجَدَ مَالًا فِي قَرْيَةٍ - أَوْ مَدِينَةٍ، أَوْ صَحْرَاءَ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ، أَوْ أَرْضِ الْعَرَبِ الْعَنْوَةِ أَوْ الصُّلْحِ مَدْفُونًا أَوْ غَيْرَ مَدْفُونٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ عَلَامَةً أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ مُدَّةِ الْإِسْلَامِ - أَوْ وَجَدَ مَالًا - قَدْ سَقَطَ - أَيَّ مَالٍ كَانَ -: فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَأَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ عَدْلًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ، ثُمَّ يُعَرِّفُهُ وَلَا يَأْتِي بِعَلَامَتِهِ، لَكِنَّ تَعْرِيفَهُ هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَجَامِعِ الَّذِي يَرْجُو وُجُودَ صَاحِبِهِ فِيهَا أَوْ لَا يَرْجُو: مَنْ ضَاعَ لَهُ مَالٌ فَلْيُخْبِرْ بِعَلَامَتِهِ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، أَوْ مَنْ يَصِفُ عِفَاصَهُ وَيُصَدَّقُ فِي صِفَتِهِ، وَيَصِفُ وِعَاءَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَصِفُ رِبَاطَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَعْرِفُ عَدَدَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، أَوْ يَعْرِفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ هَذَا. أَمَّا الْعَدَدُ، وَالْوِعَاءُ، إنْ كَانَ لَا عِفَاصَ لَهُ وَلَا وِكَاءَ، أَوْ الْعَدَدُ إنْ كَانَ مَنْثُورًا فِي غَيْرِ وِعَاءٍ -: دَفَعَهَا إلَيْهِ - كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ. وَيُجْبَرُ الْوَاجِدُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَوْ جَاءَ مَنْ يُثْبِتُهُ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَصْدُقُ فِي صِفَتِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بَيِّنَةَ فَهُوَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مَالٌ مِنْ مَالِ الْوَاجِدِ - غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُورَثُ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ مَتَى قَدِمَ مَنْ يُقِيمُ فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ يَصِفُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَيَصْدُقُ ضَمِنَهُ لَهُ - إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ ضَمِنَهُ لَهُ الْوَرَثَةُ - إنْ كَانَ الْوَاجِدُ لَهُ مَيِّتًا. فَإِنْ كَانَ مَا وَجَدَ شَيْئًا وَاحِدًا كَدِينَارٍ وَاحِدٍ، أَوْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ كَذَلِكَ لَا رِبَاطَ لَهُ، وَلَا وِعَاءَ، وَلَا عِفَاصَ -: فَهُوَ لِلَّذِي يَجِدُهُ مِنْ حِينِ يَجِدُهُ وَيُعَرِّفُهُ أَبَدًا طُولَ حَيَاتِهِ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً قَطُّ: ضَمِنَهُ لَهُ

فَقَطْ - هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ - وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ وَلَا يُرَدُّ مَا أَنَفَذُوا فِيهِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ فِي رُفْقَةِ قَوْمٍ نَاهِضِينَ إلَى الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ: عَرَّفَ أَبَدًا، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ تَمَلُّكُهُ، بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا - فَإِنْ يَئِسَ بِيَقِينٍ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ فَهُوَ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى - هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إلَّا مُنْشِدٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَكَّةُ هِيَ الْحَرَمُ كُلُّهُ فَقَطْ، وَهِيَ ذَاتُ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ، لَا مَا عَدَا الْحَرَمَ بِلَا خِلَافٍ -. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني أَبُو الطَّاهِرِ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْمَحَجَّةُ مَحَجَّةً، فَالْقَاصِدُ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ هُوَ فَاعِلٌ لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ إلَى أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَإِذَا تَمَّتْ فَلَيْسَ حَاجًّا، لَكِنَّهُ كَانَ حَاجًّا، وَقَدْ حَجَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَرُوِّينَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَقْرَبٍ - عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَصَابَ بَدْرَةً بِالْمَوْسِمِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ فَأَتَى بِهَا عُمَرُ عِنْدَ النَّفَرِ وَقَالَ لَهُ: قَدْ عَرَّفْتُهَا فَأَغْنِهَا عَنِّي قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: أَمْسِكْهَا حَتَّى تُوَافِيَ بِهَا الْمَوْسِمَ قَابِلًا فَفَعَلَ، فَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ، فَأَتَى بِهَا عُمَرُ فَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَدْ وَافَاهُ بِهَا كَمَا أَمَرَهُ، وَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ، وَقَالَ لَهُ: أَغْنِهَا عَنِّي؟ قَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، وَلَكِنْ إنْ شِئْت أَخْبَرْتُك بِالْمَخْرَجِ مِنْهَا، أَوْ سَبِيلِهَا: إنْ شِئْت تَصَدَّقْت بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا خَيَّرْتَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَالَ رَدَدْت عَلَيْهِ الْمَالَ، وَكَانَ الْأَجْرُ لَك، وَإِنْ اخْتَارَ الْأَجْرَ كَانَ لَك نِيَّتُك فَهَذَا فِعْلُ عُمَرُ فِي لُقَطَةِ الْمَوْسِمِ. وَفَعَلَ فِي لُقَطَةِ غَيْرِ الْمَوْسِمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ - قَالَ إسْمَاعِيلُ: وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ لَهُ صُحْبَةً - أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ مِائَةٌ فَأَخَذَهَا، فَجَاءَ بِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُنْشُدْهَا الْآنَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك، قَالَ: فَعَلْت فَلَمْ تُعْرَفْ، فَقَسَّمْتهَا بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لِي. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْت أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَوَطِئْت عَلَى ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، فَلَمْ آخُذْهُ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؟ فَقَالَ: بِئْسَ مَا صَنَعْت، كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَأْخُذَهُ تُعَرِّفَهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ رَدَدْتَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى ذِي فَاقَةٍ مِمَّنْ لَا تَعُولُ. وَقَالَ فِي لُقَطَةِ غَيْرِ الْحَرَمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ الْأَخْنَسِ الْخُزَاعِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: وَجَدْت لُقَطَةً أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا؟ قَالَ: لَا تُؤْجَرُ أَنْتَ وَلَا صَاحِبُهَا، قُلْت: أَفَأَدْفَعُهَا إلَى الْأُمَرَاءِ؟ قَالَ: إذًا يَأْكُلُونَهَا أَكْلًا سَرِيعًا قُلْت: وَكَيْفَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ وَإِلَّا فَهِيَ لَك كَمَالِك فَهَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: بِإِيجَابِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ وَلَا بُدَّ، وَيَرَاهَا بَعْدَ الْحَوْلِ قَدْ صَارَتْ مِنْ مَالِ الْمُلْتَقِطِ، إلَّا لُقَطَةَ مَكَّةَ.

وَقَوْلُنَا فِي لُقَطَةِ مَكَّةَ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، نَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنُ رِفَاعَةَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِذَلِكَ - وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَمَّا مَا عَدَا لُقَطَةَ الْحَرَمِ، وَالْحَاجِّ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ - هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ - عَنْ مُطَرِّفٍ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمُ، وَلَا يَغِيبُ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ شَاءَ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: «فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَزَادَ مُسَدَّدٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ شَكًّا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ شَيْءٌ مِمَّا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ شَكٌّ إلَّا بِيَقِينِ أَنَّهُ شَكٌّ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ الْإِسْنَادُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَعِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ نا ابْنُ وَهْبٍ

نا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ - هُوَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كَمِّلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ لَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعْرِفْ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» وَأَمَّا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا وِكَاءَ لَهُ، وَلَا عِفَاصَ، وَلَا وِعَاءَ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِتَعْرِيفِ السَّنَةِ فِيمَا لَهُ عَدَدٌ، وَعِفَاصٌ، وَوِكَاءٌ، أَوْ بَعْضُ هَذِهِ - فَأَمَّا مَا لَا عِفَاصَ لَهُ، وَلَا وِعَاءَ، وَلَا وِكَاءَ، وَلَا عَدَدَ: فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ، وَحُكْمُهُ فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ: فَحُكْمُهُ أَنْ يُنْشَدَ ذَلِكَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَكْتُمُ وَلَا يُغَيِّبُ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ وَاجِدَهُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْعَزِيزِ - هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ - الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَثَالِثٌ مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ - هُوَ سُوَيْدٌ بِلَا شَكٍّ - سَوْطًا فَأَخَذَهُ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: أَلْقِهِ فَقَالَ: أَسْتَمْتِعُ بِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ أَدَّيْته إلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ السِّبَاعُ - فَلَقِيَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَصَبْت وَأَخْطَآ - فَفِي هَذَا أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَأَى وُجُوبَ أَخْذِ اللُّقَطَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافٌ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لَا تُؤْخَذُ اللُّقَطَةُ أَصْلًا، وَقَالَ آخَرُونَ: مُبَاحٌ أَخْذُهَا وَتَرْكُهَا مُبَاحٌ، فَأَمَّا مَنْ نَهَى عَنْ أَخْذِهَا فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَكَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَرَأَيْت دِينَارًا فَذَهَبْت لِآخُذَهُ فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ يَدِي وَقَالَ: مَا لَك وَلَهُ اُتْرُكْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَرْفَعْ اللُّقَطَةَ لَسْت مِنْهَا فِي شَيْءٍ، تَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ أَخْذِهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ الْفَاكِهَةِ تُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ؟ قَالَ: لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا. وَعَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ اللُّقَطَةِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَرَّ بِدِرْهَمٍ فَتَرَكَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ، وَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: أَخْذُهَا أَفْضَلُ - وَمَرَّةً قَالَ: الْوَرَعُ تَرْكُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ أَبَاحَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا، فَإِنْ حَمَلُوا أَمْرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَخْذِهَا عَلَى النَّدْبِ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَاحْمِلُوا أَمْرَهُ بِتَعْرِيفِهَا عَلَى النَّدْبِ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: أَمْوَالُ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ؟ قُلْنَا: وَإِضَاعَتُهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا؟ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَقُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ، وَمَا أَمَرْنَاهُ بِاسْتِحْلَالِهَا أَصْلًا، لَكِنْ أَمَرْنَاهُ بِالْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا وَتَرْكِ إضَاعَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلْنَاهَا لَهُ حَيْثُ جَعَلَهَا لَهُ الَّذِي حَرَّمَ أَمْوَالَنَا عَلَيْنَا إلَّا بِمَا أَبَاحَهَا لَنَا، لَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَقَدْ كَفَرَ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» وَبِحَدِيثِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ - أَوْ الْحَرَمِيِّ - عَنْ الْجَارُودِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» .

مدة تعريف اللقطة

وَهَذَانِ خَبَرَانِ لَا يَصِحَّانِ؛ لِأَنَّ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، وَأَبَا مُسْلِمٍ الْجَرْمِيَّ أَوْ الْحَرَمِيَّ - غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، لَكِنْ «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» قَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَهَذَا لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ سَائِرُ الْآثَارِ - وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ضَوَالِّ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ» وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ، فَأَمَرُوا بِأَخْذِ ضَوَالِّ الْإِبِلِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ إيوَاءَ الضَّالَّةِ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرْقُ النَّارِ، وَضَلَالٌ بِلَا شَكٍّ، وَمَا أَمَرْنَاهُ قَطُّ بِإِيوَائِهَا مُطْلَقًا، لَكِنْ بِتَعْرِيفِهَا وَضَمَانِهَا فِي الْأَبَدِ، وَقَدْ جَاءَ بِهَذَا حَدِيثٌ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِهِمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أَنَّهُ قَالَ] : «مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» . [مُدَّةُ تَعْرِيفِ اللُّقَطَة] وَمِنْهَا مُدَّةُ التَّعْرِيفِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّعْرِيفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ سَنَةً - وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ نا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ نا اللَّيْثُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - حَدَّثَنِي مَنْ أَرْضَى عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الضَّالَّةِ -: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا» . وَهَذَا حَدِيثٌ هَالِكٌ؛ لِأَنَّ اللَّيْثَ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخَذَ عَنْهُ وَقَدْ يَرْضَى الْفَاضِلُ مَنْ لَا

يَرْضَى، هَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: لَمْ أَرَ أَصْدَقَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ - وَجَابِرٌ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ. ثُمَّ هُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ يَزِيدَ لَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ. وَوَجْهٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ قَالَ: وَجَدَ أَبِي فِي مَبْرَكِ بَعِيرٍ مِائَةَ دِينَارٍ فَسَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ: عَرِّفْهَا عَامًا، فَعَرَّفَهَا عَامًا فَلَمْ يَجِدْ لَهَا عَارِفًا؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: عَرِّفْهَا ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ، فَلَمْ يَجِدْ لَهَا عَارِفًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هِيَ لَك. وَيُحْتَجُّ لِهَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: «الْتَقَطْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَّفْتُهَا حَوْلًا فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً أُخْرَى فَعَرَّفْتُهَا سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَّفْتُهَا سَنَةً فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً أُخْرَى فَعَرَّفْتُهَا سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ، فَقَالَ: انْتَفِعْ بِهَا وَاعْرِفْ وِكَاءَهَا وَخِرْقَتَهَا وَاحْصِ عَدَدَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا» قَالَ جَرِيرٌ: لَمْ أَحْفَظْ مَا بَعْدَ هَذَا. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الرَّقِّيَّيْنِ كِلَاهُمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ ظَاهِرُهُ صِحَّةُ السَّنَدِ، إلَّا أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ: فَلَمْ أَجِدْ لَهَا عَارِفًا عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ: «عَرِّفْهَا

عَامًا» قَالَ: فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ تُعْتَرَفْ، فَرَجَعْت فَقَالَ: «عَرِّفْهَا عَامًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» فَهَذَا شَكٌّ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ. ثُمَّ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ نا غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْت سُوَيْدٌ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: لَقِيت أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَذَكَرَ. الْحَدِيثَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا» ، وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ: قَالَ شُعْبَةُ: فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٌ وَاحِدٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِالشَّكِّ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تُؤْخَذُ بِالشَّكِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ نا بَهْزُ - هُوَ ابْنُ أَسَدٍ - نا شُعْبَةُ نا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْت سُوَيْدٌ بْنَ غَفَلَةَ فَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ - قَالَ شُعْبَةُ: فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ: عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا. فَصَحَّ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ تَثَبَّتَ وَاسْتَذْكَرَ، فَثَبَتَ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ، بَعْدَ أَنْ شَكَّ، فَصَحَّ أَنَّهُ وَهْمٌ ثُمَّ اسْتَذْكَرَ، فَشَكَّ ثُمَّ اسْتَذْكَرَ فَتَيَقَّنَ، وَثَبَتَ وُجُوبُ تَعْرِيفِ الْعَامِ وَبَطَلَ تَعْرِيفُ مَا زَادَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَهُنَا أَثَرَانِ آخَرَانِ - أَحَدُهُمَا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ - عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ عَلِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِينَارٍ وَجَدَهُ فِي السُّوقِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرِّفْهُ ثَلَاثًا فَفَعَلَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْتَرِفُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ - وَفِي آخِرِهِ فَجَعَلَ أَجَلَ الدِّينَارِ وَشَبَهَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَدْرِي مِنْ كَلَامِ مَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا خَبَرُ سُوءٍ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْكَذِبِ، عَنْ شَرِيكٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ يُدَلِّسُ الْمُنْكَرَاتِ عَنْ الضُّعَفَاءِ إلَى الثِّقَاتِ.

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى عَنْ جَدَّتِهِ حَكِيمَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً دِرْهَمًا أَوْ حَبْلًا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ» وَهَذَا لَا شَيْءَ: إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، وَحَكِيمَةُ عَنْ أَبِيهَا أَنْكَرُ وَأَنْكَرُ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ تَعْرِيفَ اللُّقَطَةِ سَنَةً - وَهُوَ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا: تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ الْعَبْدِيِّ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُعَرِّفَ قِلَادَةً الْتَقَطَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ - فَهَذِهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَنْ الْتَقَطَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ: أَنَّ مَا بَلَغَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُعَرَّفُ سَنَةً. وَاخْتَلَفَا فِيمَا كَانَ أَقَلَّ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُعَرَّفُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعَرَّفُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْمُلْتَقِطُ - وَهَذِهِ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ كَمَا تَرَى، وَمِنْهَا: دَفْعُ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ، وَالْوِكَاءَ، وَالْعَدَدَ، وَالْوِعَاءَ فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قُلْنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ صَاحِبَهَا يَصِفُهَا فَيَعْرِفُ صِفَتَهَا فَيَأْتِي بِهَا -. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَهَى عَنْ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، وَاَلَّذِي قَالَهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِأَنْ تُعْطَى اللُّقَطَةُ مَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ، وَالْوِكَاءَ، وَالْعَدَدَ، وَالْوِعَاءَ، وَلَيْسَ كَلَامُهُ مُتَعَارِضًا، وَلَا حُكْمُهُ مُتَنَاقِضًا، وَلَا يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَلَا تَرْكُ بَعْضِهِ وَأَخْذُ بَعْضٍ، فَكُلُّهُ حَقٌّ، وَكُلُّهُ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ قُضِيَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَقَدْ جَعَلُوا لِلْمُدَّعِي شَيْئًا غَيْرَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ؟ قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ دَفْعُ اللُّقَطَةِ بِأَنْ يَصِفَ الْمُدَّعِي وِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَعِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا، وَلَا فَرْقَ، وَلَيْسَ كُلُّ الْأَحْكَامِ تُوجَدُ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ تُضَمُّ السُّنَنُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَيُؤْخَذُ بِهَا كُلُّهَا، وَلَوْ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ اعْتَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ فِي قَبُولِهِمْ امْرَأَةً وَاحِدَةً فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَالْوِلَادَةِ، وَلَوْ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا فِي حُكْمِهِمْ لِلزَّوْجَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ أَنَّ مَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ كَانَ لِلْمَرْأَةِ بِيَمِينِهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ فِي الْأُخْتِ وَالْأَخِ يَخْتَلِفَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، وَلَوْ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ مَنْ ادَّعَى لَقِيطًا هُوَ وَغَيْرُهُ فَأَتَى بِعَلَامَاتٍ فِي جَسَدِهِ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَلَا يَقْضُونَ بِذَلِكَ فِيمَنْ ادَّعَى مَعَ آخَرَ عَبْدًا فَأَتَى أَحَدُهُمَا بِعَلَامَاتٍ فِي جَسَدِهِ؟ وَفِي قَوْلِهِمْ: لَوْ أَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّارِ تَدَاعَى مَعَ صَاحِبِ الدَّارِ فِي جُذُوعٍ مَوْضُوعَةٍ فِي الدَّارِ وَأَحَدِ مِصْرَاعَيْنِ فِي الدَّارِ: أَنَّ تِلْكَ الْجُذُوعَ إنْ كَانَتْ تُشْبِهُ الْجُذُوعَ الَّتِي فِي الْبِنَاءِ وَالْمِصْرَاعِ الْقَائِمِ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّارِ بِلَا بَيِّنَةٍ - وَسَائِرُ تِلْكَ التَّخَالِيطِ الَّتِي لَا تُعْقَلُ، ثُمَّ لَا يُبَالُونَ بِمُعَارَضَةِ أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَضَى فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي مَحَلَّةِ أَقْوَامٍ أَعْدَاءٌ لَهُ أَنَّ الْمُدَّعِينَ بِقَتْلِهِ عَلَيْهِ يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ يُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَأَعْطَاهُمْ بِدَعْوَاهُمْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِهَذَا؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَالسُّنَّةُ جَاءَتْ بِدَفْعِ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَوِعَاءَهَا - وَلَا فَرْقَ. وَقَالُوا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ»

قُلْنَا: نَعَمْ، وَصَاحِبُهَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِدَفْعِهَا إلَيْهِ إذَا وَصَفَ مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ يَسْمَعُهَا مُتَحَيِّلٌ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: وَقَدْ تَكْذِبُ الشُّهُودُ وَلَا فَرْقَ. وَقَالُوا: قَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ - فَإِنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ -: غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مُسْنَدًا: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ - وَلَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا شَاءَ مِنْ السُّنَنِ الثَّوَابِتِ. وَقَدْ أَخَذَ الْحَنَفِيُّونَ بِزِيَادَةٍ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي الزَّكَاةِ - وَهِيَ سَاقِطَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ - وَلَوْ صَحَّ إسْنَادُهَا مَا قُلْنَا فِيهِ: غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَأَخَذُوا بِخَبَرِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَدْ قَالَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَبِي دَاوُد: وَلَيْسَ الِاسْتِسْعَاءُ مَحْفُوظًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَخَذُوا بِالْخَبَرِ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ» وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِاللَّفْظَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ «مِمَّنْ تَعُولُونَ» وَهِيَ بِلَا شَكٍّ سَاقِطَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ - وَلَوْ صَحَّتْ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ مَا اسْتَحْلَلْنَا أَنْ نَقُولَ فِيهَا: غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ. ثُمَّ نَقُولُ: أَخْطَأَ أَبُو دَاوُد فِي قَوْلِهِ: هِيَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ - بَلْ هِيَ مَحْفُوظَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ يَرْوِهَا إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحْدَهُ لَكَفَى، لِثِقَتِهِ وَإِمَامَتِهِ - وَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسُفْيَانُ أَيْضًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، بَلْ هِيَ مَشْهُورَةٌ مَحْفُوظَةٌ. وَمِنْهَا تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ -: رُوِّينَا قَوْلَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفْرِ نا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرٍو، وَعَاصِمٍ: ابْنَيْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا: أَنَّهُ

الْتَقَطَ عَيْبَةً فَأَتَى بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَوْلًا، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ فَقَالَ: هِيَ لَك، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِذَلِكَ، قُلْت: لَا حَاجَةَ لِي بِهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَأُلْقِيَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى تَمْرَةً مَطْرُوحَةً فِي السِّكَّةِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ الْتَقَطَ حَبَّ رُمَّانٍ فَأَكَلَهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً مِنْ سَقْطِ الْمَتَاعِ: سَوْطًا، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ عَصَا، أَوْ يَسِيرًا مِنْ الْمَتَاعِ، فَلْيَسْتَمْتِعْ بِهِ وَلْيُنْشِدْهُ، فَإِنْ كَانَ وَدَكًا فَلْيَأْتَدِمْ بِهِ وَلْيُنْشِدْهُ، وَإِنْ كَانَ زَادًا فَلْيَأْكُلْهُ وَلْيُنْشِدْهُ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلِيَغْرَمْ لَهُ. وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَإِنْ عُرِّفَتْ خُيِّرَ صَاحِبُهَا بَيْنَ الْأَجْرِ وَالضَّمَانِ. رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا: عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا - وَعَنْ طَاوُسٍ أَيْضًا، وَعِكْرِمَةَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسُفْيَانَ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا خَالِدُ بْنُ يُوسُفَ نا أَبِي نا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ نا سُمَيٌّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ، فَمَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلْيَرُدَّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ فَلْيُخَيِّرْهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ، وَأَبَاهُ، مَجْهُولَانِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ قَوْلَ لَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ حَقٌّ، وَلَا تَحِلُّ قَبْلَ التَّعْرِيفِ، وَأَمْرُهُ بِالصَّدَقَةِ بِهَا مَضْمُومٌ إلَى أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاسْتِنْفَاقِهَا وَبِكَوْنِهَا مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ، إذْ لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ بَعْضُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَحِلُّ مُخَالَفَةُ شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِآخَرَ مِنْهَا، بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ اسْتِعْمَالُهُ، وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ وَاجِدَهَا مِنْ الصَّدَقَةِ بِهَا إنْ أَرَادَ فَيُحْتَجُّ عَلَيْنَا بِهَذَا؟ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ لَوْ صَحَّ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ؟

فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى الصَّدَقَةِ بِهَا كُذِّبُوا، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الْأَخْنَسِ الْخُزَاعِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: وَجَدْت لُقَطَةً أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا؟ قَالَ: لَا تُؤْجَرُ أَنْتَ وَلَا صَاحِبُهَا؟ قُلْت: أَفَأَدْفَعُهَا إلَى الْأُمَرَاءِ؟ قَالَ: إذًا يَأْكُلُونَهَا أَكْلًا سَرِيعًا، قُلْت: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك. وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ الْخَطَأِ فِي هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] . قَالَ عَلِيٌّ: احْتِجَاجُ هَذَا الْجَاهِلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ دَلِيلٌ عَلَى رِقَّةِ دِينِهِ، إذْ جَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينٌ لَمَا عَارَضَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْمُعَارَضَةَ لِقَوْلِهِمْ الْمَلْعُونِ: أَنَّ الْغَاصِبَ لِدُورِ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَاعِهِمْ يَسْكُنُهَا وَيُكْرِيهَا، فَالْكِرَاءُ لَهُ حَلَالٌ، وَاحْتِرَاثُ ضِيَاعِهِمْ لَهُ حَلَالٌ لَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُمْ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا وَأَبَاحُوا لَهُ التَّصَرُّفَ فِيمَا اشْتَرَى بِالْبَاطِلِ بِالْوَطْءِ، وَالْعِتْقِ، وَسَائِرِ أَقْوَالِهِمْ الْخَبِيثَةِ لَكَانُوا قَدْ وَافَقُوا. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَمْرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا ضَمَّنُوا الْمَسَاكِينَ إنْ وَجَدُوهُمْ، فَعَلَى أَصْلِهِمْ هُوَ أَيْضًا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْوَاجِدُ وَضَمَانُهَا عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلُوهَا الْمَسَاكِينُ وَضَمَانُهَا عَلَيْهِمْ؟ فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَعَلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَإِنَّ الْآخَرَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَلَا فَرْقَ، وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْلَ مَالٍ بِحَقٍّ، فَإِنَّ الْآخَرَ أَكْلُ مَالٍ بِالْحَقِّ، وَلَا فَرْقَ، إذْ الضَّمَانُ فِي الْعَاقِبَةِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ. وَاحْتَجُّوا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ ضَالَّةِ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ، وَلَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ، وَلَوْ صَحَّا لَكَانَا عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُمْ يُبِيحُونَ أَخْذَ ضَوَالِّ الْإِبِلِ الَّتِي فِيهَا وَرَدَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْعُقُولِ وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ هَهُنَا بِرِوَايَةٍ خَبِيثَةٍ رَوَاهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْعَرْزَمِيِّ

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «فَإِنَّكَ ذُو حَاجَةٍ إلَيْهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ سَلَمَةَ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيًّا، ثُمَّ الْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَبْعُدُ عَنْهُ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَرُدُّ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَأْخُذُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ الْمَغْمُوزُ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ الضَّعِيفِ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أُبَيٍّ وَهُوَ لَمْ يَلْقَ أُبَيًّا قَطُّ، فَفِي مِثْلِ هَذَا فَلْيَعْتَبِرْ أُولُو الْأَبْصَارِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي لَا تَصِحُّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إبَاحَةُ اللُّقَطَةِ لِلْمُحْتَاجِ وَلَسْنَا نُنْكِرُ هَذَا، بَلْ هُوَ قَوْلُنَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْعُ الْغَنِيِّ مِنْهَا لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ رَدُّهُمْ كُلُّهُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَفْسِهِ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْتِقَاطِهِ الدِّينَارَ وَإِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ اسْتِنْفَاقَهُ بِأَنْ قَالُوا هُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَالْمُرْسَلُ الَّذِي يَرْوِيه الضَّعِيفُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ إذَا خَالَفَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي رَوَاهُ الْعَرْزَمِيُّ - وَهُوَ الْغَايَةُ فِي الضَّعْفِ - لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إذَا وَافَقَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاَللَّهِ لَتَطُولُنَّ نَدَامَةُ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ فِي دِينِهِ يَوْمَ لَا يُغْنِي النَّدَمُ عَنْهُ شَيْئًا، وَمَا هَذِهِ طَرِيقُ مَنْ يَدِينُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، لَكِنَّهُ الضَّلَالُ وَالْإِضْلَالُ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. ثُمَّ قَدْ كَذَبُوا، بَلْ قَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ شَرِيكٍ، وَأُسْنِدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ نا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ نا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ - هُوَ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَدَ الْحُسَيْنَ وَالْحَسَنَ يَبْكِيَانِ مِنْ الْجُوعِ، فَخَرَجَ فَوَجَدَ دِينَارًا بِالسُّوقِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا؟ فَقَالَتْ لَهُ: اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَخُذْ لَنَا دَقِيقًا؟ فَذَهَبَ إلَى الْيَهُودِيِّ فَاشْتَرَى بِهِ دَقِيقًا؟ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنْتَ خَتَنُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَخُذْ دِينَارَكَ وَلَكَ الدَّقِيقُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى جَاءَ بِهِ فَاطِمَةَ، فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ لَهُ اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ الْجَزَّارِ فَخُذْ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَذَهَبَ فَرَهَنَ الدِّينَارَ بِدِرْهَمِ لَحْمٍ، فَجَاءَ بِهِ فَعَجَنَتْ وَنَصَبَتْ وَخَبَزَتْ، وَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهُمْ؟ فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَك، فَإِنْ رَأَيْتَهُ لَنَا حَلَالًا أَكَلْنَا وَأَكَلْتَ مَعَنَا مِنْ شَأْنِهِ

كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ مَكَانَهُمْ إذَا غُلَامٌ يَنْشُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَالْإِسْلَامَ الدِّينَارَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَدُعِيَ لَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَقَطَ مِنِّي فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَلِيُّ اذْهَبْ إلَى الْجَزَّارِ فَقُلْ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَكَ: أَرْسِلْ إلَيَّ بِالدِّينَارِ، وَدِرْهَمُكَ عَلَيَّ، فَأَرْسَلَ بِهِ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا بَيِّنَةٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ خَيْرٌ مِنْ خَبَرِهِمْ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَعَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ أَغْنِيَاءَ كَانُوا أَوْ فُقَرَاءَ. وَقَدْ أَبَاحَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شِرَاءَ الدَّقِيقِ بِالدِّينَارِ، فَإِنَّمَا أَخَذَهُ ابْتِيَاعًا، ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ الْيَهُودِيُّ الدِّينَارَ، وَكَذَلِكَ رَهَنَ الدِّينَارَ فِي اللَّحْمِ، وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ يَكْفِي مِنْ كُلِّ هَذَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ نا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرَةٍ مَطْرُوحَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنِيٌّ لَا فَقِيرٌ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إذْ يَقُولُ: {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] يَسْتَحِلُّ أَكْلَ اللُّقَطَةِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّعَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا عَلَى تَحْقِيقِ الصِّفَةِ أَنَّهَا مِنْ الصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ - وَهَذَا كَلَامُ إنْسَانٍ عَدِيمِ عَقْلٍ وَحَيَاءٍ وَدِينٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ، وَخِلَافٌ لِمَفْهُومِ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذِبٌ مُجَاهَرٌ بِهِ، بَارِدٌ غَثٌّ - وَأَعْجَبُ شَيْءٍ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطِيهَا غَنِيًّا غَيْرُهُ، فَكَانَ هُوَ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا شَيْءَ أَسْهَلَ مِنْ الْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، ثُمَّ كَذِبُهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى الْعُقُولِ، وَالْحَوَاسِّ، لَيْتَ شِعْرِي مَتَى أُجْمِعُ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا، وَمَنْ أَجْمَعَ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا، أَبْقِيَةِ

الْجَنْدَلِ، وَالْكَثْكَثِ وَأَيْنَ وَجَدُوا هَذَا الْإِجْمَاعَ؟ بَلْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ وَإِذَا أُدْخِلَتْ اللُّقَطَةُ فِي مِلْكِهِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ، فَإِنْ أَعْطَاهَا غَنِيًّا، أَوْ أَغْنِيَاءَ، أَوْ قَارُونُ - لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا - أَوْ سُلَيْمَانُ - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ فِي عَصْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَا شَيْءَ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ. وَقَالُوا: قَدْ شَكَّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي أَمْرِ الْمُلْتَقِطِ بِأَنْ يَسْتَنْفِقَهَا، أَهُوَ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ؟ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ وَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ قُلْنَا: وَقَدْ أَسْنَدَهُ يَحْيَى أَيْضًا - وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مَرَّةً مُسْنَدًا، وَسَمِعَ يَزِيدَ يَقُولُ: مِنْ فَتَيَاهُ أَيْضًا. ثُمَّ يَقُولُ: لَكِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَشُكَّ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا» . وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا» . وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» . وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ وَإِلَّا فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ.» وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ -

سَمِعْت رَبِيعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَاصْنَعْ بِهَا مَا تَصْنَعُ بِمَالِكَ» . وَرَوَاهُ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عَمْرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي اللُّقَطَةِ قَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تَعْتَرِفْ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ» . وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ لَهُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ فِي اللُّقَطَةِ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرِّفْ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» . وَعَلَى هَذَا دَلَّ حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، لَا مِثْلَ تِلْكَ الْمُلَفَّقَاتِ الْمَكْذُوبَةِ مِنْ مُرْسَلٍ، وَمَجْهُولٍ، وَمِنْ لَا خَيْرَ فِيهِ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَزَالُ الْمُخَالِفُونَ يَحْتَجُّونَ بِهَا إذَا وَافَقْتهمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى مَا وُجِدَ فِي الطَّرِيقِ الْمِيْتَاءِ، أَوْ فِي الْقَرْيَةِ الْمَسْكُونَةِ؟ قَالَ: عَرِّفْ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهِ فَادْفَعْهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ، وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ غَيْرَ الْمِيْتَاءِ، وَفِي الْقَرْيَةِ غَيْرَ الْمَسْكُونَةِ: فَفِيهِ، وَفِي الرِّكَازِ: الْخُمْسُ» . وَأَمَّا نَحْنُ فَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لَا نَأْخُذُ بِهَا، فَهَذَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ. وَأَمَّا الضَّوَالُّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ -: أَمَّا الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَقَطْ - كِبَارُهَا وَصِغَارُهَا - تُوجَدُ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ، أَوْ مَنْ يَأْخُذُهَا مِنْ النَّاسِ، وَلَا حَافِظَ لَهَا، وَلَا هِيَ بِقُرْبِ مَاءٍ مِنْهَا: فَهِيَ حَلَالٌ لِمَنْ أَخَذَهَا سَوَاءٌ جَاءَ صَاحِبُهَا، أَوْ لَمْ يَجِئْ، وَجَدَهَا حَيَّةً، أَوْ مَذْبُوحَةً، أَوْ مَطْبُوخَةً، أَوْ مَأْكُولَةً - لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْإِبِلُ الْقَوِيَّةُ عَلَى الرَّعْيِ، وَوُرُودِ الْمَاءِ: فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا، وَإِنَّمَا حُكْمُهَا: أَنْ تُتْرَكَ وَلَا بُدَّ، فَمَنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا - إنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ - وَكَانَ

عَاصِيًا بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُقَطَةٍ، أَوْ ضَالَّةٍ، يُعَرِّفُ صَاحِبَهَا، فَحُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ أَنْ تُرَدَّ إلَيْهِ وَلَا تُعَرَّفُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ إبِلٍ لَا قُوَّةَ بِهَا عَلَى وُرُودِ الْمَاءِ وَالرَّعْيِ وَسَائِرُ الْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَالصُّيُودِ كُلِّهَا، الْمُتَمَلَّكَةِ، وَالْأُبَّاقِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَمَا أَضَلَّ صَاحِبُهُ مِنْهَا، وَالْغَنَمِ الَّتِي تَكُونُ ضَوَالَّ بِحَيْثُ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ، وَلَا إنْسَانٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - كُلِّهِ - فَفَرَضَ أَخْذَهُ وَضَمَّهُ وَتَعْرِيفَهُ أَبَدًا، فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا أَدْخَلَهَا الْحَاكِمُ أَوْ وَاجِدُهَا فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا أَهْمَلَهُ صَاحِبُهُ لِضَرُورَةٍ، أَوْ لِخَوْفٍ، أَوْ لِهُزَالٍ أَوْ مِمَّا ضَلَّ وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ فَغَضِبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَخْذِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ الَّتِي يَخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ أَوْ الْعَادِي وَيَتْرُكُ الْإِبِلَ الَّتِي تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ،

وَخَصَّهَا بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَاتِ وَالضَّوَالِّ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَا عَرَفَ رَبُّهُ فَلَيْسَ ضَالَّةً؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضِلَّ جُمْلَةً، بَلْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ وَإِنَّمَا الضَّالَّةُ مَا ضَلَّتْ جُمْلَةً فَلَمْ يَعْرِفْهَا صَاحِبُهَا أَيْنَ هِيَ؟ وَلَا عَرَفَ وَاجِدُهَا لِمَنْ هِيَ، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَشْدِهَا. وَبَقِيَ حُكْمُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى إحْرَازُ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إلَّا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عُمَّالِهِ لَا تَضُمُّوا الضَّوَالَّ فَلَقَدْ كَانَتْ الْإِبِلُ تَتَنَاتَجُ هَمَلًا وَتَرِدُ الْمِيَاهَ لَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَيَأْخُذُهَا، حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ كَتَبَ: أَنْ ضُمُّوهَا وَعَرِّفُوهَا؟ فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا فَبِيعُوهَا وَضَعُوا أَثْمَانَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَادْفَعُوا إلَيْهَا الْأَثْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الشَّاةِ تُوجَدُ بِالْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ، فَقَالَ لِي: عَرِّفْهَا مَنْ دَنَا لَك، فَإِنْ عُرِفَتْ فَادْفَعْهَا إلَى مَنْ عَرَفَهَا وَإِلَّا فَشَاتُك وَشَاةُ الذِّئْبِ فَكُلْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا دَعْهَا إلَّا أَنْ تَعْرِفَ صَاحِبَهَا فَتَدْفَعُهَا إلَيْهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: إنِّي وَجَدْت شَاةً؟ فَقَالَتْ: اعْلِفِي وَاحْلِبِي وَعَرِّفِي، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَتْ: تُرِيدِينَ أَنْ آمُرُك بِذَبْحِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةٍ وَجَدَهَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَصْلِحْ إلَيْهَا وَانْشُدْ، قَالَ: فَهَلْ عَلَيَّ إنْ شَرِبْت مِنْ لَبَنِهَا؟ قَالَ: مَا أَرَى عَلَيْك فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: تُؤْخَذُ ضَالَّةُ الْإِبِلِ كَمَا تُؤْخَذُ غَيْرُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا كَانَ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْبِغَالِ، قَوِيًّا يَرِدُ الْمَاءَ، وَيَرْعَى لَمْ يُؤْخَذْ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ لَا يَمْتَنِعُ أُخِذَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً مِنْ الْغَنَمِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا إنْ أَكَلَهَا - وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا ضَالَّةُ الْغَنَمِ فَمَا كَانَ بِقُرْبِ الْقُرَى فَلَا يَأْكُلُهَا، وَلَكِنْ يَضْمَنُهَا إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى، فَيُعَرِّفُهَا هُنَالِكَ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْفَلَوَاتِ وَالْمَهَامِهِ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُهَا أَوْ يَأْخُذُهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَوَجَدَهَا حَيَّةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا مَأْكُولَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَا يَضْمَنُهَا لَهُ وَاجِدُهَا الَّذِي أَكَلَهَا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيهَا إنْ وَجَدَهَا مَذْبُوحَةً لَمْ تُؤْكَلْ بَعْدُ. قَالَ: وَأَمَّا الْبَقَرُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْغَنَمِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْإِبِلِ يُتْرَكُ كُلُّ ذَلِكَ وَلَا يُعْتَرَضُ لَهُ وَلَا يُؤْخَذُ. وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، فَلْتُعَرَّفْ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ النَّصَّ، إذْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ وُجُودِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ، وَلَيْسَ فِي النَّصِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّاةِ صَاحِبُهَا حَيَّةً أَوْ مَأْكُولَةً، فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا - لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدَ - وَلَا قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ الْتَزَمَ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُبِيحَ الشَّاةَ لِوَاجِدِهَا أَصْلًا، كَمَا لَا يُبِيحُ سَائِرَ اللُّقَطَاتِ، إلَّا إنْ كَانَ فَقِيرًا بَعْدَ تَعْرِيفِ عَامٍ - وَلَا نَعْلَمُ فُرُوقَهُ هَذِهِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً أَصْلًا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُ جِهَارًا فَمَنَعَ مِنْ الشَّاةِ جُمْلَةً، وَأَمَرَ بِأَخْذِ ضَالَّةِ الْإِبِلِ - وَقَدْ غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا احْمَرَّ لَهُ وَجْهُهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا هُوَ - يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ - فَيُعْذَرُ لِجَهْلِهِ بِالْآثَارِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْخَاسِرُونَ فَوَاَللَّهِ مَا لَهُمْ عُذْرٌ، بَلْ هُمْ قَدْ أَقْدَمُوا عَلَى مَا أَغْضَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَانِيَةً، فَحَصَلُوا فِي جُمْلَةِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد: 28] فَمَا أَخْوَفُنَا عَلَيْهِمْ مِنْ تَمَامِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْأَمْوَالَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا، وَوَاجِبٌ حِفْظُهَا، فَلَا نَأْخُذُ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ؟ قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ أَخَذْتُمْ بِذَلِكَ الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ فِيمَا أَنْكَرْتُمُوهُ نَفْسَهُ فَأَمَرْتُمْ بِإِتْلَافِهَا بِالصَّدَقَةِ بِهَا بَعْدَ تَعْرِيفِ سَنَةً، فَمَرَّةً صَارَ عِنْدَكُمْ الْخَبَرُ حُجَّةً، وَمَرَّةً صَارَ عِنْدَكُمْ بَاطِلًا، وَهُوَ ذَلِكَ الْخَبَرُ بِعَيْنِهِ فَمَا هَذَا الضَّلَالُ؟ وَقَدْ رُوِّينَا لَهُمْ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ: إبَاحَةَ شُرْبِ لَبَنِ الضَّالَّةِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَنَقَضَ أَصْلَهُ وَلَمْ يَرَ أَخْذَ الشَّاةِ، وَأَقْحَمَ فِي حُكْمِ الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَأَلْحَقَ بِالْإِبِلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي النَّصِّ، وَجَعَلَ وُرُودَ الْمَاءِ، وَرَعْيَ الشَّجَرِ عِلَّةً قَاسَ عَلَيْهَا، وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، وَإِنَّ الشَّاةَ لَتَرِدُ الْمَاءَ، وَتَرْعَى مَا أَدْرَكَتْ مِنْ الشَّجَرِ، كَمَا تَفْعَلُ الْإِبِلُ، وَيَمْتَنِعُ مِنْهَا مَا لَمْ تُدْرِكْهُ، كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِبِلِ مَا لَا تُدْرِكُهُ، وَإِنَّ الذِّئْبَ لَيَأْكُلُ الْبَعِيرَ كَمَا يَأْكُلُ الشَّاةَ، وَلَا مَنَعَةَ عِنْدَ الْبَعِيرِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ الْبَقَرُ فَقَطْ - هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ. وَقَالُوا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» لَيْسَ تَمْلِيكًا لِلذِّئْبِ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ تَمْلِيكًا لِلْوَاجِدِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ قَوْلِكُمْ، لِأَنَّ الذِّئْبَ لَا يَمْلِكُ وَالْوَاجِدُ يَمْلِكُ، وَالْوَاجِدُ مُخَاطَبٌ، وَالذِّئْبُ لَيْسَ مُخَاطَبًا، وَقَدْ أُمِرَ الْوَاجِدُ بِأَخْذِهَا، فَزِيَادَتُكُمْ كَاذِبَةٌ مَرْدُودَةٌ عَلَيْكُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَظَهَرَ سُقُوطُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا بِتَيَقُّنٍ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ بِبَعْضِ الْخَبَرِ وَجَعَلَهُ حُجَّةً وَتَرَكَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَرَهُ حُجَّةً. وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَأَخَذَ هَذَا مَا تَرَكَ هَذَا، وَتَرَكَ هَذَا مَا أَخَذَ الْآخَرُ، وَهَذَا مَا لَا طَرِيقَ لِلصَّوَابِ إلَيْهِ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَئِنْ كَانَ الْخَبَرُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّهُ لَحُجَّةٌ فِي كُلِّ مَا فِيهِ، إلَّا أَنْ تَأْتِيَ مُخَالَفَةٌ لَهُ بِنَاسِخٍ مُتَيَقَّنٍ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ حُجَّةً فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَكُلُّهُ لَيْسَ حُجَّةً، وَالتَّحَكُّمُ فِي أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب اللقيط

[كِتَابُ اللَّقِيطِ] [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ صَغِيرًا مَنْبُوذًا] ِ 1384 - مَسْأَلَةٌ: إنْ وُجِدَ صَغِيرٌ مَنْبُوذٌ فَفَرْضٌ عَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ وَلَا بُدَّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] . وَلَا إثْمَ أَعْظَمَ مِنْ إثْمِ مَنْ أَضَاعَ نَسَمَةً مَوْلُودَةً عَلَى الْإِسْلَامِ - صَغِيرَةً لَا ذَنْبَ لَهَا - حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا وَبَرْدًا أَوْ تَأْكُلَهُ الْكِلَابُ هُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ عَمْدًا بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ» [مَسْأَلَةٌ اللَّقِيطُ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ] 1385 - مَسْأَلَةٌ: وَاللَّقِيطُ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَزَوْجِهِ حَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَهُمَا حُرَّانِ وَأَوْلَادُ الْحُرَّةِ أَحْرَارٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ فَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَنْ يُوجِبَ نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ وَلَا نَصَّ فِيهِمَا يُوجِبُ إرْقَاقَ اللَّقِيطِ، وَإِذْ لَا رِقَّ عَلَيْهِ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ رِقٍّ عَلَى الْمَرْءِ، أَوْ عَلَى أَبٍ لَهُ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِنَسَبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فَأَتَى بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لَك، وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ جَعَلَ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِمَنْ الْتَقَطَهُ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: اللَّقِيطُ عَبْدٌ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ - عَنْ حَوْطٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: هُمْ مَمْلُوكُونَ - يَعْنِي اللُّقَطَاءَ -. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: إنَّ عَمْرًا أَعْتَقَ لَقِيطًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا الْأَعْمَشُ عَنْ زُهَيْرٍ الْعَنْسِيّ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْتَقَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَعْتِقُ إلَّا مَمْلُوكٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَكَمَ عَنْ اللَّقِيطِ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: هُوَ حُرٌّ فَقُلْت: عَمَّنْ؟ فَقَالَ الْحَكَمُ: عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ. وَرَوَيْتُمْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَمُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ مُوسَى: رَأَيْت وَلَدَ زِنًا أَلْحَقَهُ عَلِيٌّ فِي مَائِهِ. وَقَالَ زُهَيْرٌ عَنْ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَسِيحٍ قَالَ: وَجَدْت لَقِيطًا فَأَتَيْت بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَلْحَقَهُ فِي مَائِهِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ هُوَ حُرٌّ، وَقَوْلَ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ هُوَ حُرٌّ، إذَا ضُمَّ إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْتَقَ اللَّقِيطَ، مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ، وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِمَنْ وَجَدَهُ، اتَّفَقَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هُوَ حُرٌّ -: أَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْهُمَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ تَرَكَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ " الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ " وَلَوْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْ عُمَرَ لَمَا كَانَ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ فِي أَنَّ الْبَيْعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا

لِلسُّنَّةِ، فَالصَّفْقَةُ التَّفَرُّقُ، وَالْخِيَارُ التَّخْيِيرُ، ثُمَّ لَا يَجْعَلُ مَا رَوَى سُنَيْنٌ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - عَنْ عُمَرَ حُجَّةً، وَمَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ حُجَّةٌ عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ وَاَللَّهِ أَجَلُّ وَأَوْضَحُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لِعُمَرَ، وَعَلِيٍّ هَهُنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ هُمْ أَبَدًا يَأْخُذُونَ بِمَا دُونَهُ -: وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ نا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلَانِيِّ نا عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الْوَاحِدِ النَّصْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ، لَقِيطَهَا، وَعَتِيقَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَا عَنَتْ عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ النَّصْرِيُّ مَجْهُولَانِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَأَمَّا هُمْ فَلَا يُبَالُونَ بِهَذَا، وَلَا أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا: وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَرِقُّ وَأَصْلُهُ الْحُرِّيَّةُ؟ قُلْنَا: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَوَ لَسْتُمْ الْقَائِلِينَ: إنَّ رَجُلًا قُرَشِيًّا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا هُوَ وَامْرَأَتُهُ الْقُرَشِيَّةُ مُرْتَدَّةً، فَوَلَدَتْ هُنَالِكَ أَوْلَادًا، فَإِنَّ أَوْلَادَهُمْ أَرِقَّاءُ مَمْلُوكُونَ يُبَاعُونَ؟ . وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: إنَّ تِلْكَ الْقُرَشِيَّةَ تُبَاعُ وَتُتَمَلَّكُ، أَوْ لَيْسَ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إمَّا عَنْ مَالِكٍ وَإِمَّا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ لَوْ صَارُوا ذِمَّةً سُكَّانًا بَيْنَنَا، أَوْ بِأَيْدِيهِمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحْرَارٌ وَحَرَائِرُ، أَسَرُوهُمْ وَبَقُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ أَسْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَتَبَايَعُونَهُمْ مَتَى شَاءُوا، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ، فَأَيُّمَا أَشْنَعُ وَأَفْظَعُ، هَذَا كُلُّهُ، أَوْ إرْقَاقُ لَقِيطٍ لَا يَدْرِي عَنْ أُمِّهِ أَحُرَّةٌ أَمْ أَمَةٌ؟ حَتَّى لَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكْرِيُّ التَّدْمِيرِيُّ وَمَا عَلِمْت فِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلَا أُصَدِّقُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ كِبَارِهِمْ: أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي: أَنَّ التَّاجِرَ،

مسألة ما وجد مع اللقيط من مال

أَوْ الرَّسُولَ، إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَأَعْطَوْهُ أُسَرَاءَ مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَائِرِهِمْ عَطِيَّةً، فَهُمْ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ لَهُ يَطَأُ وَيَبِيعُ كَسَائِرِ مَا يَمْلِكُ، شَاهَ وَجْهُ هَذَا الْمُفْتِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ عَلَى هَذَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلًا آخَرَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي اللَّقِيطِ، قَالَ: لَهُ نِيَّتُهُ إنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَهُوَ عَبْدٌ. وَقَوْلُنَا: بِأَنَّهُ لَا رِقَّ عَلَيْهِ -: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَهِدِنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ الْأُصُولَ، وَالْقِيَاسَ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهَلَّا قَالُوا هَهُنَا هَذَا؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ مَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مِنْ مَالٍ] 1386 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُ، وَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ فَكُلُّ مَا كَانَ بِيَدِهِ فَهُوَ لَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ [مَسْأَلَةٌ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ ابْنُهُ] 1387 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ اللَّقِيطَ ابْنُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا: صُدِّقَ، إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَقًّا، فَإِنْ تُيُقِّنَ كَذِبُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْوِلَادَاتِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَهَكَذَا أَنْسَابُ النَّاسِ كُلِّهِمْ، مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الْكَذِبُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا - لِلْمُسْلِمِينَ - لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَعَلَى الْمِلَّةِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: «خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ» . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] . فَإِنْ ادَّعَاهُ كَافِرٌ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ فِي تَصْدِيقِهِ إخْرَاجَهُ عَنْ مَا قَدْ صَحَّ لَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ النَّصُّ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ كَافِرٍ مِنْ كَافِرَةٍ فَقَطْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِيمَا ذَكَرْنَا

وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ فِي تَصْدِيقِهِ إرْقَاقَ الْوَلَدِ - وَكَذَبُوا فِي هَذَا وَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ حُرٌّ، لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَسَرَّى وَأَمَّا نَحْنُ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّ النَّاسَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَلَا تَحْمِلُ امْرَأَةُ الْعَبْدِ إلَّا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدُهُ حُرٌّ، حَتَّى يَثْبُتَ انْتِقَالُهُ عَنْ أَصْلِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الوديعة

[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] [مَسْأَلَةٌ مَنْ أَوْدَعْت عِنْدَهُ وَدِيعَةً] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْوَدِيعَةِ 1388 - مَسْأَلَةٌ: فَرْضٌ عَلَى مَنْ أَوْدَعْت عِنْدَهُ وَدِيعَةً حِفْظُهَا وَرَدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا إذَا طَلَبَهَا مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَمِنْ الْبِرِّ حِفْظُ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، وَقَدْ صَحَّ «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَهَذَا عُمُومٌ لِمَالِ الْمَرْءِ وَمَالِ غَيْرِهِ. [مَسْأَلَةٌ تَلَف الْوَدِيعَة مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ] 1389 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَلَا تَضْيِيعٍ لَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَفِظَهَا وَلَمْ يَتَعَدَّ وَلَا ضَيَّعَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَمَالُ هَذَا الْمُودِعِ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يُوجِبْ أَخْذَهُ مِنْهُ نَصٌّ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَضْمِينُ الْوَدِيعَةِ - وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنْ لَا تُضَمَّنَ. [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ حِفْظِ الْوَدِيعَة] 1390 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ حِفْظِهَا هُوَ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مِنْ الْحِفْظِ مَا يَفْعَلُ بِمَالِهِ، وَأَنْ لَا يُخَالِفَ فِيهَا مَا حَدَّ لَهُ صَاحِبُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا حَدَّ لَهُ يَقِينُ هَلَاكِهَا: فَعَلَيْهِ حِفْظُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ صِفَةُ الْحِفْظِ وَمَا عَدَاهُ هُوَ التَّعَدِّي فِي اللُّغَةِ وَمَعْرِفَةُ النَّاسِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ] 1391 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ أَوْ أَضَاعَهَا فَتَلِفَتْ لَزِمَهُ ضَمَانُهَا، وَلَوْ تَعَدَّى عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لَزِمَهُ ضَمَانُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِضَاعَةِ أَيْضًا مُتَعَدٍّ لِمَا أُمِرَ بِهِ.

مسألة القول في هلاك الوديعة أو في ردها إلى صاحبها

وَالتَّعَدِّي هُوَ التَّجَاوُزُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَبِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَيُضَمَّنُ ضَمَانَ الْغَاصِبِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي حُكْمِ الْغَصْبِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْقَوْلُ فِي هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ أَوْ فِي رَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا] 1392 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقَوْلُ فِي هَلَاكِ الْوَدِيعَةِ أَوْ فِي رَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا، أَوْ فِي دَفْعِهَا إلَى مَنْ أَمَرَهُ صَاحِبُهَا بِدَفْعِهَا إلَيْهِ: قَوْلُ الَّذِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ مَعَ يَمِينِهِ، سَوَاءً دُفِعَتْ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُحَرَّمٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وُجُوبُ غَرَامَةٍ، وَقَدْ «حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَهَهُنَا خِلَافٌ فِي مَوَاضِعَ -: مِنْهَا أَنَّ مَالِكًا فَرَّقَ بَيْنَ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الثِّقَةِ، فَرَأَى أَنْ لَا يَمِينَ عَلَى الثِّقَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ثِقَةٍ وَغَيْرِ ثِقَةٍ، وَالْمَالِكِيُّونَ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي أَنَّ نَصْرَانِيًّا، أَوْ يَهُودِيًّا، أَوْ فَاسِقًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ - مُعْلِنًا لِلْفِسْقِ - يَدَّعِي دَيْنًا عَلَى صَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ: وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الصَّاحِبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَى جَحْدِ الدِّينِ، وَبَيْنَ دَعْوَى جَحْدِ الْوَدِيعَةِ أَوْ تَضْيِيعِهَا، وَالْمُقْرَضُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا أُقْرِضَ، وَعَلَى مَا عُومِلَ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْمُودَعَ مُؤْتَمَنٌ وَلَا فَرْقَ، وَفَرْقٌ أَيْضًا بَيْنَ الْوَدِيعَةِ تُدْفَعُ بِبَيِّنَةٍ وَبَيْنَهَا إذَا دُفِعَتْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَرَأَى إيجَابَ الضَّمَانِ فِيهَا إذَا دُفِعَتْ بِبَيِّنَةٍ - وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَالْأَيْمَانُ لَا تَسْقُطُ، وَالْغَرَامَةُ لَا تَجِبُ، إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْ حَيْثُ أَسْقَطَهَا اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ قَوْلِ الْمُودَعِ: هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ، فَصَدَّقُوهُ: إمَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِمَّا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: قَدْ صَرَفْتهَا إلَيْك -: فَأَلْزَمُوهُ الضَّمَانَ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَمَرْتنِي بِدَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ - فَضَمِنُوهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَالْوَجْهُ فِي هَذَا هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ الْمُودَعُ، مِمَّا يُسْقِطُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْغَرَامَةَ، وَلَا تَخْرُجُ عَيْنُ الْوَدِيعَةِ عَنْ مِلْكِ الْمُودِعِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُحَرَّمٌ، إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، سَوَاءٌ

مسألة لقي المودع من أودعه في غير الموضع الذي أودعه فيه

كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَعْرُوفَةً لِلْمُودِعِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا فَرَّقُوا بَيْنَهُ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْمُودَعُ شَيْئًا يَنْقُلُ بِهِ الْوَدِيعَةَ عَنْ مِلْكِ الْمُودِعِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لَا تُعْرَفُ لِلْمُودِعِ إلَّا بِقَوْلِ الْمُودَعِ، فَالْقَوْلُ أَيْضًا قَوْلُ الْمُودَعِ مَعَ يَمِينِهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِبَيْعِهَا، أَوْ الصَّدَقَةِ بِهَا، أَوْ بِهِبَتِهَا، أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَسَائِرِ الْوُجُوهِ وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ فِي مَالِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ، لَا بِدَيْنٍ وَلَا بِتَعَدٍّ، وَلَا قَامَتْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ وَلَا بِتَعَدٍّ، وَمَالُهُ مُحَرَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَعْرُوفَةَ الْعَيْنِ لِلْمُودِعِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ فَإِنَّ الْمُودَعَ مُدَّعٍ نَقْلَ مِلْكِ الْمُودِعِ عَنْهَا، فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَقَدْ أَقَرَّ حِينَئِذٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِمَا قَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ إذْ يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَهُوَ ضَامِنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ لَقِيَ الْمُودِعُ مَنْ أَوْدَعَهُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَوْدَعَهُ فِيهِ] 1393 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ لَقِيَ الْمُودِعُ مَنْ أَوْدَعَهُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَوْدَعَهُ فِيهِ مَا أَوْدَعَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ الْوَدِيعَةِ، وَنَقْلُ الْوَدِيعَةِ بِالْحَمْلِ، وَالرَّدِّ عَلَى الْمُودِعِ لَا عَلَى الْمُودَعِ، وَإِنَّمَا عَلَى الْمُودَعِ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ بَشَرَتَهُ وَمَالَهُ مُحَرَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْغَاصِبِ، وَالْمُتَعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، وَأَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدُّهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي وَالْغَاصِبِ، وَأَخْذُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَى صَاحِبِهِ حَيْثُ لَقِيَهُ مِنْ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ الظُّلْمِ وَالْمَطْلِ فِي كُلِّ أَوَانٍ وَمَكَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الحجر

[كِتَابُ الْحَجْرِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَى أَحَدٍ فِي مَالِهِ] ِ 1394 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَى أَحَدٍ فِي مَالِهِ إلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ عَلَى مَجْنُونٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ -: فَهَذَانِ خَاصَّةً لَا يَنْفُذُ لَهُمَا أَمْرٌ فِي مَالِهِمَا، فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ جَازَ أَمْرُهُمَا فِي مَالِهِمَا كَغَيْرِهِمَا وَلَا فَرْقَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْبِكْرُ ذَاتُ الْأَبِ وَغَيْرُ ذَاتِ الْأَبِ، وَذَاتُ الزَّوْجِ، وَاَلَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، فِعْلُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: نَافِذٌ إذَا وَافَقَ الْحَقَّ مِنْ الْوَاجِبِ، أَوْ الْمُبَاحَ - وَمَرْدُودٌ فِعْلُ كُلِّ أَحَدٍ فِي مَالِهِ إذَا خَالَفَ الْمُبَاحَ، أَوْ الْوَاجِبَ، وَلَا فَرْقَ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَبٍ، وَلَا لِزَوْجٍ، وَلَا لِحَاكِمٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ. وَمِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى: الصَّدَقَةُ، وَالْعَطِيَّةُ، بِمَا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ لِلْمُتَصَدِّقِ أَوْ الْوَاهِبِ غِنًى، فَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ إبْطَالَ فِعْلِ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ فَلْيُعْلِنْ بِانْتِزَاعِهِ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ حِينَئِذٍ تَصَرُّفٌ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ وَهُوَ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدَبٍ الْجَنْبِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَوَ مَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا وُهَيْبٌ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ

عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوُهُ، أَبُو ظَبْيَانَ ثِقَةٌ، لَقِيَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَمِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَيْضًا نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ» . قَالَ عَلِيٌّ: مَعْنَى ثَلَاثٍ: ثَلَاثُ نُفُوسٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} [الأحزاب: 35] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41] وَقَالَ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44] وَحَضَّ عَلَى الْعِتْقِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» . وَقَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّفَقَةِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ لِيَقِيَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ نَارَ جَهَنَّمَ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ عَبْدٍ، وَذَاتِ أَبٍ، وَبِكْرٍ، وَذَاتِ زَوْجٍ، مَأْمُورُونَ، مَنْهِيُّونَ، مُتَوَعَّدُونَ بِالنَّارِ، مَنْدُوبُونَ مَوْعُودُونَ بِالْجَنَّةِ، فُقَرَاءُ إلَى إنْقَاذِ أَنْفُسِهِمْ مِنْهَا كَفَقْرِ غَيْرِهِمْ سَوَاءً سَوَاءً، وَلَا مَزِيَّةَ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ إلَّا مَنْ أَخْرَجَهُ النَّصُّ، وَلَمْ يُخْرِجْ النَّصُّ إلَّا الْمَجْنُونَ مَا دَامَ فِي حَالِ جُنُونِهِ - وَاَلَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَقَطْ، فَكَانَ الْمُفَرِّقَ بَيْنَ مَنْ ذَكَرْنَا فَيُطْلِقُ بَعْضًا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَيَمْنَعُ بَعْضًا بِغَيْرِ نَصٍّ مُبْطِلٍ، مُحَرِّمًا مَا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ، مَانِعًا مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا يُحْجَرُ عَلَى حُرٍّ

وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ شَيْئًا - وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْجَرُ عَلَى حُرٍّ لَا لِتَبْذِيرٍ، وَلَا لِدَيْنٍ، وَلَا لِتَفْلِيسٍ، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَرَى حَجْرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَازِمًا - وَيَرَى تَصَرُّفَهُ فِي مَالِهِ وَإِقْرَارَهُ بَعْدَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَازِمًا [وَيَرَى تَصَرُّفَهُ فِي مَالِهِ وَإِقْرَارَهُ بَعْدَ حَجْرِ الْقَاضِي] وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ، كُلُّ ذَلِكَ نَافِذٌ إلَّا أَنَّهُ زَادَ فَقَالَ: مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ رُشْدٌ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ بَاعَ شَيْئًا - كَثُرَ أَوْ قَلَّ - نَفَذَ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ فِيهِ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ - نَفَذَ إقْرَارُهُ، حَتَّى إذَا تَمَّتْ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ - وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ رُشْدٌ -: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهُ وَإِقْرَارُهُ فَأَيُّ مَعْنًى لِلْمَنْعِ لَهُ مِنْ مَالِهِ - هَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ. ثُمَّ تَحْدِيدُهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ إحْدَى عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَمَا نَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَسْتَحِلُّ فِي الدِّينِ مَنْعَ مَالٍ وَإِطْلَاقِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْآرَاءِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَقْلِيدِهِ إيَّاهُ فَقَالَ: يُولَدُ لِلْمَرْءِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا وَنِصْفٍ فَيَصِيرُ أَبًا، ثُمَّ يُولَدُ لِابْنِهِ كَذَلِكَ فَيَصِيرُ جَدًّا، وَلَيْسَ بَعْدَ الْجَدِّ مَنْزِلَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ أَحْمَقُ بَارِدٌ - وَيُقَالُ لَهُ: هَبْك أَنَّهُ كَمَا تَقُولُ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَتَى فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ مَنْ يَكُونُ جَدًّا وَبَيْنَ مَنْ يَكُونُ أَبًا فِي أَحْكَامِ مَالِهِمَا، وَفِي أَيِّ عَقْلٍ وُجِدَ تَمَّ هَذَا؟ وَأَيْضًا: فَقَدْ يُولَدُ لَهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ عَامًا، وَلِابْنِهِ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا. وَأَيْضًا: فَبَعْدَ الْجَدِّ أَبُو جَدٍّ، فَبَلَّغُوهُ هَكَذَا إلَى سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، أَوْ إلَى أَرْبَعِينَ

سَنَةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15] فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى الْحَجْرِ فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ وَلَا يُحْسِنُ ضَبْطَ مَالِهِ: حُجِرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَنْفُذْ لَهُ عِتْقٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا بَيْعٌ، وَلَا هِبَةٌ، وَلَا نِكَاحٌ، وَلَا يَكُونُ وَلِيًّا لِابْنَتِهِ فِي النِّكَاحِ وَكُلُّ مَا أَخَذَهُ قَرْضًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَدَاؤُهُ وَلَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ - وَإِنْ رَشَدَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ: مَا فَعَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَفِعْلُهُ نَافِذٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ إلَى أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ - وَأَجَازَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَدْفَعَ نَفَقَةَ شَهْرٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ الرُّشْدُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ نَافِذَ الْأَمْرِ حَتَّى يَفُكَّ الْقَاضِي عَنْهُ الْحَجْرَ، وَأَجَازَ لِمَنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ إعْطَاءَ كُلِّ مَا يَمْلِكُ فِي ضَرْبَةٍ وَفِي مَرَّاتٍ وَأَنْفَذَهُ عَلَيْهِ - وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَتَنَاقُضٌ شَدِيدٌ فِي وُجُوهٍ جَمَّةٍ -: أَحَدُهَا وَأَعْظَمُهَا - إبْطَالُهُ أَعْمَالَ الْبِرِّ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهَا وَجَعَلَهَا مُنْقِذَاتٍ مِنْ النِّيرَانِ: كَالْعِتْقِ، وَالصَّدَقَةِ، وَإِبْطَالُهُ الْبَيْعَ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، لَا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بِغَيْرِ بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ. وَثَانِيهَا - إبْطَالُهُ الْوَلَايَةَ لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِيًّا لَهَا فِي الْإِنْكَاحِ - فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي حُكْمِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، اللَّذَيْنِ هُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ، وَلَا مُكَلَّفَيْنِ إنْقَاذَ أَنْفُسِهِمَا مِنْ النَّارِ، وَلَا وَلَايَةَ لَهُمَا، فَلْيُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مُكَلَّفًا مُخَاطَبًا مَأْمُورًا مَنْهِيًّا مَنْدُوبًا مَوْعُودًا مُتَوَعَّدًا: فَمَا بَالُهُمْ يَحُولُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَدَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ، وَجَعَلَهُ فِي يَدَيْهِ مِنْ الْوَلَايَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَمَا الَّذِي أَسْقَطَ عَنْهُ هَذَا الْخِطَابَ وَأَوْقَعَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالتَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ، وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ؟ وَمَا نَدْرِي مَا هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ يَقْصِدُ بِذَلِكَ اللَّهَ تَعَالَى، لَمْ نَمْنَعْهُ. قُلْنَا لَهُمْ: مَا عِلْمُكُمْ بِهَذَا مِنْهُ، وَلَا جَهْلُكُمْ بِهِ مِنْهُ، إلَّا كَعِلْمِكُمْ بِهِ وَجَهْلِكُمْ مِنْ غَيْرِهِ، مِمَّنْ تُطْلِقُونَهُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ وَتُنَفِّذُونَهُ مِنْهُ، وَلَعَلَّهُ أَبْعَدُ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَقَلُّ

اهْتِبَالًا بِالدِّينِ، وَأَطْغَى مِنْ هَذَا الَّذِي حُلْتُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُقِرُّ بِهِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ. وَثَالِثُهَا - إبْطَالُهُمْ أَمْوَالَ النَّاسِ الَّتِي يَأْخُذُهَا بِالْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ مِنْ الْعَظَائِمِ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا الْحُكْمَ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، وَهَذَا إيكَالٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا أَيْضًا وَإِذَا أَسْقَطُوا عَنْهُ حُقُوقَ النَّاسِ اللَّازِمَةَ لَهُ مِنْ أَثْمَانِ الْبَيْعِ وَرَدِّ الْقَرْضِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلْيُسْقِطُوا عَنْهُ قِصَاصَ الْجِنَايَاتِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ وَدِمَائِهِمْ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ - وَهَذَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ جِهَارًا. وَرَابِعُهَا - وَهُوَ أَفْحَشُهَا فِي التَّنَاقُضِ: إنْفَاذُهُ مَا فَعَلَ مِنْ التَّبْذِيرِ الْمُفْسِدِ حَقًّا، وَبُيُوعِ الْغَبْنِ قَبْلَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَرَدِّهِ مَا فَعَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ بَعْدَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، فَكَانَ حُكْمُ الْقَاضِي أَنْفَذَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا كَرَامَةَ لِوَجْهِ الْقَاضِي كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ حُكْمَ الْقَاضِي مُحَلِّلًا وَلَا مُحَرِّمًا، إنَّمَا الْقَاضِي مُنَفِّذٌ بِسُلْطَانِهِ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَقَطْ - لَا خَصْلَةَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَا مَعْنًى سِوَى هَذَا - وَإِلَّا فَلْيَأْتُونَا بِآيَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ، بِخِلَافِ هَذَا، وَيَأْبَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ - وَهَذَا كُلُّهُ لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوهُ؟ وَخَامِسُهَا - إبْطَالُهُ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ رُشْدًا مَا لَمْ يَفُكَّ الْقَاضِي عَنْهُ الْحَجْرَ - وَهَذِهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَسَادِسُهَا - إجَازَتُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْوَلِيُّ نَفَقَةَ شَهْرٍ يُطْلِقُ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَلَيْتَ شَعْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا التَّقْسِيمُ الْعَجِيبُ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إطْلَاقِ يَدِهِ عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ وَبَيْنَ إطْلَاقِهَا عَلَى نَفَقَةِ سَنَةٍ أَوْ نَفَقَةِ سَنَتَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَفَقَةُ شَهْرٍ قَلِيلَةٌ؟ قُلْنَا: قَدْ يَكُونُ مَالٌ تَكُونُ نَفَقَةُ شَهْرٍ فِيهِ كَثِيرًا وَيَكُونُ مَالٌ نَفَقَةُ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ فِيهِ قَلِيلًا، وَلَا يَخْلُو دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، أَوْ حَرَامًا، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَدَفْعُهُ كُلُّهُ إلَيْهِ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَقَلِيلٌ الْحَرَامِ حَرَامٌ - وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَنْكَرُوا عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إبَاحَتِهِمْ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَتَحْرِيمِهِمْ كَثِيرَهُ؟ وَسَابِعُهَا - إنْفَاذُهُمْ أَفْعَالَ الْفُسَّاقِ الظَّلَمَةِ الْمُتَعَدِّينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِكُلِّ بَائِقَةٍ الْمُبْتَاعِينَ لِلْخُمُورِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي أَجْرِ الْفِسْقِ إذَا كَانُوا جَمَّاعِينَ لِلْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ

بِالظُّلْمِ وَغَيْرِهِ، فَيُجِيزُونَ بَيْعَهُمْ وَشِرَاءَهُمْ وَهِبَاتِهِمْ - وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَغْلَبِ وَالْأَظْهَرِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى - وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَا يَمْلِكُونَهُ وَبَقَوْا بَعْدَهُ فُقَرَاءَ مُتَكَفِّفِينَ -: فَأَنْفَذُوا مِنْهُ التَّبْذِيرَ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْبَسْطَ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ مَلُومًا مَحْسُورًا، وَرَدَّهُمْ الْعِتْقَ، وَالصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَظِيمٍ مِمَّنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ وَيَصِفُونَهُ بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ ضَبْطَ مَالِهِ - فَأَيُّ تَنَاقُضٍ أَفْحَشُ مِمَّنْ يُجْعَلُ أَصْلُهُ بِزَعْمِهِ ضَبْطَ الْمَالِ وَحِفْظَهُ؟ ثُمَّ يُجِيزُونَ مِنْ وَاحِدٍ إعْطَاءَ مَالِهِ كُلِّهِ حَتَّى يَبْقَى هُوَ وَعِيَالُهُ جَاعَةً وَيُنْفِذُونَهُ عَلَيْهِ، وَيَمْنَعُونَ آخَرَ مِنْ عِتْقِ: عَبْدٍ، وَصَدَقَةٍ بِدِرْهَمٍ، وَابْتِيَاعِ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا، وَوَرَاءَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَقُومُ بِأَمْثَالِهِ وَأَمْثَالِ عِيَالِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ أَصْلَهُ بِزَعْمِهِمْ دَفْعَ الْخَدِيعَةِ لَهُ عَنْ مَالِهِ. وَهُمْ يُجِيزُونَ الْخَدِيعَةَ الْمَكْشُوفَةَ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ لِغَيْرِهِ - فَمَا هَذَا الْبَلَاءُ، وَمَا هَذَا التَّخَاذُلُ، وَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ؟ وَالْحُكْمُ فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِلَا قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمِثْلِ هَذَا كُلِّهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ مُفْسِدًا فَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ مَرْدُودَةٌ - حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَحْجُرْ، وَإِذَا رَشَدَ فَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ نَافِذَةٌ - حَلَّ عَنْهُ الْقَاضِي الْحَجْرَ أَوْ لَمْ يَحِلَّ - وَكُلُّ مَا أَدْخَلْنَا عَلَى مَالِكٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ، حَاشَا مَا يَدْخُلُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقُّ الْوَاضِحُ هُوَ مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَالِغٍ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ، فَحُكْمُهُمْ، كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، مُبَاحٌ لَهُمْ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ، مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ إتْلَافُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَإِضَاعَتُهُ وَالْخَدِيعَةُ عَنْهُ وَالصَّدَقَةُ بِمَا لَا يُبْقِي لَهُمْ غِنًى كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . وَكَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ؟ قِيلَ لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . وَكَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا» . وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9]

وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] وَكُلُّ مَنْ تَصَدَّقَ وَأَعْتَقَ، وَفَعَلَ الْخَيْرَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى -: نَفَذَ، وَلَمْ يَحِلَّ رَدُّهُ وَكُلُّ مَنْ أَعْتَقَ وَتَصَدَّقَ عَنْ غَيْرِ ظَهْرِ غِنًى -: رَدَّ وَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ إلَّا مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا مَعْصِيَةَ إلَّا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَالصَّدَقَةُ بِمَا لَا يُبْقِي غِنًى مَعْصِيَةٌ، وَالصَّدَقَةُ بِمَا يُبْقِي غِنًى طَاعَةٌ. وَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَخُدِعَ أَوْ خَدَعَ -: فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَدِيعَةَ وَالْغِشَّ، وَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَلَمْ يَغْبِنْ وَلَا غَشَّ فَنَافِذٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْبَيْعَ. وَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ فِي مَعْصِيَةٍ فَلْسًا فَمَا فَوْقَهُ - فَمَرْدُودٌ. وَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ كَمَا أُمِرَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ -: فَنَافِذٌ لَازِمٌ، وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إبْطَالَ حَقٍّ وَلَا الْمَنْعَ مِنْ الطَّاعَةِ مِنْ أَجْلِ مَعْصِيَةٍ عَصَاهَا ذَلِكَ الْمَمْنُوعُ، أَوْ خِيفَ أَنْ يَعْصِيَهَا وَلَمْ يَعْصِ بَعْدُ كَمَا لَمْ يُبِحْ أَنْ تَنْفُذَ مَعْصِيَةٌ، وَأَنْ يَمْضِيَ بَاطِلٌ مِنْ أَجْلِ بَاطِلٍ عَمِلَ بِهِ ذَلِكَ الْمُخِلُّ وَمَعْصِيَتِهِ، بَلْ الْبَاطِلُ مُبْطَلٌ قَلَّ وُجُودُهُ مِنْ الْمَرْءِ أَوْ كَثُرَ، وَالْحَقُّ نَافِذٌ قَلَّ وُجُودُهُ مِنْ الْمَرْءِ أَوْ كَثُرَ -. هَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ وَشَهِدَتْ لَهُ الْعُقُولُ، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَتَنَاقُضٌ لَا يَحِلُّ، وَقَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْعُقُولِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى لَهُ فِي قِيمَتِهِ - فَكَانَتْ هَذِهِ طَرِيفَةً جِدًّا وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ اسْتَحَلَّ إلْزَامَ الْعَبْدِ السَّعْيَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الْغَرَامَةِ؟ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: مَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَهُوَ عَلَى الْحَجْرِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مَجُورٌ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ فَلَا يُفَكُّ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ آخَرَ. قَالُوا: فَإِنْ رَشَدَ ثُمَّ ظَهَرَ تَبْذِيرُهُ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَنْفُذُ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَيُرَدُّ مِمَّا خَالَفَ الْحَقَّ كَغَيْرِهِ سَوَاءٌ.

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ لَزِمَهُ الْحَجْرُ بِيَقِينٍ، فَلَا يَنْحَلُّ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ آخَرَ -: فَقَوْلٌ صَحِيحٌ، وَالْيَقِينُ قَدْ وَرَدَ، وَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالصَّدَقَةِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ بِالْعِتْقِ، بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْبَيْعِ إذَا بَلَغَ، وَعَلَى النِّكَاحِ إذَا كَانَ مُخَاطَبًا بِسَائِرِ الشَّرَائِعِ وَلَا فَرْقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَشْيَاءَ يَجِبُ إيرَادُهَا، وَبَيَانُ فَاسِدِ احْتِجَاجِهِمْ بِهَا، وَوَضْعِهِمْ النُّصُوصَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قَالُوا: فَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ نَدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ مَعَ إينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُمْ، لَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: 5] فَنَهَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ إيتَاءِ السُّفَهَاءِ الْمَالَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا أَنْ يُرْزَقُوا مِنْهَا فِي الْأَكْلِ وَيُكْسَوْا، وَيُقَالَ لَهُمْ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] فَأَوْجَبَ الْوَلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ، وَالضَّعِيفِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى السَّرَفَ، وَالتَّقْتِيرَ، وَالتَّبْذِيرَ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] هَذَا كُلُّ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْقُرْآنِ، وَكُلُّهُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِهِمْ - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَعْلَمُ مِنْ الْقُرْآنِ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا. وَذَكَرُوا مِنْ السُّنَّةِ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» . وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَمْرُو بْنُ هَارُونَ عَنْ

يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَزَنَى فَالْإِثْمُ بَيْنَهُمَا» . مَا نَعْلَمُ لَهُمْ خَبَرًا غَيْرَ هَذَيْنِ، وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، وَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ [بَعْدَ هَذَا] إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ اشْتَرَى بَيْعًا كَذَا وَكَذَا فَاحْجُرْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِي الْبَيْعِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ فِي بَيْعٍ شَرِيكُهُ فِيهِ الزُّبَيْرُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ: أَلَا تَأْخُذُ عَلَى يَدَيْ ابْنِ أَخِيك - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ - وَتَحْجُرُ عَلَيْهِ؟ اشْتَرَى سَبْخَةً بِسِتِّينَ أَلْفًا مَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لِي بِنَعْلِي. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: بَلَغَ ابْنَ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ بَيْعَ رُبَاعِهَا: فَقَالَ: لَتَنْتَهِيَنَّ، أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إذَا نَشَأَ مِنَّا نَاشِئٌ حَجَرَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الطَّائِفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ يُنْكَرُ عَقْلُهُ أَيُحْجَرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَتَبَ إلَى نَجْدَةَ بْنِ عُوَيْمِرٌ وَكَتَبْت تَسْأَلُنِي عَنْ الْيَتِيمِ مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُهُ؟ فَلَعَمْرِي، إنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ، ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا، وَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَصَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ، وَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ الْيَتِيمِ الْيُتْمُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَإِذَا بَلَغَ النِّكَاحَ وَأُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ: دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ، فَقَدْ انْقَضَى عَنْهُ يُتْمُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَمَعْنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا رَاجِعٌ إلَى يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاقْتَصَرْنَا عَلَى ذِكْرِ مَنْ رُوِيَ جَمِيعُهَا عَنْهُ فَقَطْ، وَكُلُّهَا صَحِيحُ السَّنَدِ. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] قَالَ: الْيَتِيمُ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ بِحُلُمٍ وَعَقْلٍ وَوَقَارٍ - مَا نَعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَكْثَرُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا. وَعَنْ التَّابِعِينَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قَالَ: صَلَاحٌ فِي دِينِهِ وَحِفْظٌ لِمَالِهِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لِيَشْمُطُ وَمَا أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِهِمْ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا عَنْ الضَّحَّاكِ: أَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالٌ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ صَلَاحٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَلَا عَنْ الْقَاسِمِ مَنْعُهُ مِنْ عِتْقٍ، وَصَدَقَةٍ، وَبَيْعٍ، لَا يَضُرُّ مَالَهُ، إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ عَنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ هَذَا، وَبَعْضُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ مَا الرُّشْدُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أُونِسَ مِنْهُ بِدَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ؟ فَنَظَرْنَا فِي الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ الْمُبَيِّنُ لَنَا مَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، فَوَجَدْنَاهُ كُلَّهُ لَيْسَ الرُّشْدُ فِيهِ إلَّا الدِّينَ، وَخِلَافَ الْغَيِّ فَقَطْ، لَا الْمَعْرِفَةَ بِكَسْبِ الْمَالِ أَصْلًا، قَالَ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] . فَصَحَّ أَنَّ مَنْ بَلَغَ مُمَيِّزًا لِلْإِيمَانِ مِنْ الْكُفْرِ فَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ الَّذِي لَا رُشْدَ سِوَاهُ أَصْلًا، فَوَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ، وَمَا يَشُكُّ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا أَشَدَّ

عِنَايَةً بِالْمَالِ، وَأَضْبَطَ لَهُ، وَأَكْثَرَ وَأَعْرَفَ بِوُجُوهِ جَمْعِهِ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَغْبُونًا فِي مَالِهِ. وَلَقَدْ أَتَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ فَاسْتَطْعَمَاهُمْ؟ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَبَاتَا لَيْلَتَهُمَا بِغَيْرِ قِرًى، وَمَا بَلَغَ فِرْعَوْنَ فِي مِلْكِهِ قَطُّ هَذَا الْمَبْلَغَ. وَكَذَلِكَ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمُقَنْطِرَ مِنْ قُرَيْشٍ كَأَبِي لَهَبٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ جُدْعَانَ: كَانُوا أَبْصَرَ وَأَسْرَعَ إلَى كَسْبِ الْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ مِنْ مُسَاعَاةِ الْإِمَاءِ، وَالرِّبَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَسٌ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَا حَدِيثَ تَلْقِيحِ النَّخْلِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» . فَصَحَّ أَنَّ الرُّشْدَ لَيْسَ هُوَ كَسْبَ الْمَالِ، وَلَا مَنْعَهُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَوُجُوهِ الْبِرِّ، بَلْ هَذَا هُوَ السَّفَهُ، وَإِنَّمَا الرُّشْدُ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَسْبُ الْمَالِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا تَثْلِمُ الدِّينَ، وَلَا تَخْلَقُ الْعِرْضَ، وَإِنْفَاقُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَفِيمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ، وَإِبْقَاءُ مَا يَقُومُ بِالنَّفْسِ، وَالْعِيَالِ، عَلَى التَّوَسُّطِ وَالْقَنَاعَةِ، فَهَذَا هُوَ الرُّشْدُ. وَقَالَ تَعَالَى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا} [الأعراف: 146] وَهَكَذَا كُلُّ مَكَان فِي الْقُرْآنِ ذُكِرَ فِيهِ الرُّشْدُ. وَكَذَلِكَ لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ: أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الْكَيِّسُ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَضَبْطِهِ، فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ فِي الرُّشْدِ بِالْآيَةِ، وَفِي دَفْعِ الْمَالِ بِإِينَاسِهِ. وَصَحَّ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا، وَأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى يَقِينًا بِهَا: إنَّمَا هُوَ أَنَّ مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا مُمَيِّزًا مُسْلِمًا وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ، وَجَازَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مَا يَجُوزُ مِنْ فِعْلِ سَائِرِ النَّاسِ

كُلِّهِمْ، وَيُرَدُّ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ أَفْعَالِ سَائِرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَا فَرْقَ، وَأَنَّ مَنْ بَلَغَ غَيْرَ عَاقِلٍ، وَلَا مُمَيِّزٍ لِلدِّينِ، لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ. وَلَوْ كَانَ الَّذِي قَالُوا فِي الرُّشْدِ، وَفِي السَّفَهِ قَوْلًا صَحِيحًا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - لَكَانَ طَوَائِفُ مِنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَعُبَّادِ الْأَوْثَانِ ذَوِي رُشْدٍ، وَلَكَانَ طَوَائِفُ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ سُفَهَاءَ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282] فَإِنَّ السَّفَهَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَبِهَا خُوطِبْنَا، لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ لَا رَابِعَ لَهَا أَصْلًا -: أَحَدُهَا - الْبَذَاءُ وَالسَّبُّ بِاللِّسَانِ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ - فَسَقَطَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - الْكُفْرُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 13] . وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف: 155] يَعْنِي كَفَرَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَقَالَ تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] . وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ صَدَّقَهُمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن: 4] فَهَذَا مَعْنًى ثَانٍ، وَلَا خِلَافَ مِنْهُمْ وَلَا مَنَّا فِي أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُمْنَعُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَأَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَهِبَاتِهِمْ جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282] لَمْ يُرِدْ بِهِ تَعَالَى قَطُّ الْكُفَّارَ، وَلَا ذَوِي الْبَذَاءِ فِي أَلْسِنَتِهِمْ. وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ - وَهُوَ عَدَمُ الْعَقْلِ الرَّافِعِ لِلْمُخَاطَبَةِ كَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ فَقَطْ، وَهَؤُلَاءِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ هُمْ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَتَيْنِ، وَأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَا

يُؤْتَوْنَ أَمْوَالَهُمْ، لَكِنْ يُكْسَوْنَ فِيهَا، وَيُرْزَقُونَ، وَيُرْفَقُ بِهِمْ فِي الْكَلَامِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمْ، لَكِنْ يُقِرُّ عَنْهُمْ وَلِيُّهُمْ النَّاظِرُ لَهُمْ، فَصَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ وَلَا يُحْسِنُ حِفْظَ مَالِهِ - وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا مُخَاطَبًا بِالدِّينِ مُمَيِّزًا لَهُ -: دَاخِلٌ فِي " اسْمِ السَّفَهِ " الْمَذْكُورِ فِي الْآيَتَيْنِ، فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ، وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ - وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] فَإِذْ لَا بُرْهَانَ لَهُمْ فَلَيْسُوا صَادِقِينَ فِيهِ بِلَا شَكٍّ. فَصَحَّ أَنَّ الْآيَتَيْنِ مُوَافَقَتَانِ لِقَوْلِنَا مُخَالِفَتَانِ لِقَوْلِهِمْ، وَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي الْقُرْآنِ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْعَرَبِيُّ الْجَاهِلَ بِكَسْبِ مَالِهِ، أَوْ الْمَغْبُونَ فِي الْبَيْعِ: سَفِيهًا. " وَالسَّفِيهُ " الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَةِ هُوَ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ لِجُنُونِهِ، وَالضَّعِيفُ الَّذِي لَا قُوَّةَ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا} [الروم: 54] وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ: هُوَ مِنْ بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ تَمْنَعُهُ كَخَرَسٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِكَلَامِهِ، أَوْ بِكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ أَنْزَلَ بِهَا الْقُرْآنَ، وَبِالْيَقِينِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى - فَهَذِهِ طَرِيقُ النَّجَاةِ، وَأَمَّا بِالظُّنُونِ، وَمَا لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] قَالَ: الْعَقْلُ، لَا يُدْفَعُ إلَى الْيَتِيمِ مَالُهُ - وَإِنْ شَمِطَ - حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَيَقَّنُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] قَالَ: السُّفَهَاءُ: الصِّغَارُ، وَالنِّسَاءُ: مِنْ السُّفَهَاءِ. وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَوْنُ بْنُ مُوسَى سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ يَقُولُ: عَوِّدُوا النِّسَاءَ " لَا " فَإِنَّهَا سَفِيهَةٌ إنْ أَطَعْتهَا أَهْلَكَتْك

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ نا أَبِي، وَحُمَيْدٌ الرُّؤَاسِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ الرُّؤَاسِيُّ: عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ السُّدِّيِّ - رَدَّهُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ: - قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] قَالَ: النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ، قَالَ: وَقَالَ أَبِي: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ الضَّحَّاكِ، قَالَ: النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ نَصْرٌ: نا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: نَا أَبِي نَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ، وَمُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] قَالَا جَمِيعًا: النِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عِيسَى نا ابْنُ نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] قَالَ: نَهَى الرِّجَالَ أَنْ يُعْطُوا النِّسَاءَ أَمْوَالَهُمْ، وَالسُّفَهَاءُ: مَنْ كُنَّ أَزْوَاجًا، أَوْ أُمَّهَاتٍ، أَوْ بَنَاتٍ. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ نا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ جُبَيْرٍ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] قَالَ: النِّسَاءُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ - إمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَإِمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ - عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ سُفَهَاءُ، وَأَنَّهُنَّ مِنْ الْمُرَادِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَصَرَّحَ مُجَاهِدٌ بِأَنَّهُنَّ الْأُمَّهَاتُ وَالزَّوْجَاتُ، وَالْبَنَاتُ، فَأَيْنَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ؟ وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الصِّبْيَانُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، بِأَنَّهُنَّ سُفَهَاءُ، بَلْ قَدْ ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الرِّجَالِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ فَقَالَ: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} [الأحزاب: 35] وَفِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا تَحْرِيمُهُ تَعَالَى التَّبْذِيرَ، وَالْإِسْرَافَ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَحَقٌّ، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ جَهْلًا، فَيُجِيزُونَ مِنْ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ إعْطَاءَ مَالِهِ كُلِّهِ إمَّا صَدَقَةً وَإِمَّا هِبَةً لِشَاعِرٍ، أَوْ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ، نَعَمْ، حَتَّى إنَّهُ لَيَكْتُبُ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَهَا عَنْ جَمِيعِ مَالِهِ الدَّيْنَ الثَّقِيلَ، وَهَذَا هُوَ التَّبْذِيرُ الْمُحَرَّمُ، وَالْإِسْرَافُ الْمُحَرَّمُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ حَتَّى يَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، وَنَحْنُ نَمْنَعُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَنُبْطِلُهُ وَنَرُدُّهُ. ثُمَّ يَمْنَعُونَ آخَرِينَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِدِرْهَمٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْ عَتَقَ عَبْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ عَبْدٍ، وَيُنْفِذُونَ وَصِيَّتَهُمْ وَإِنْ عَظُمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَيَحْجُرُونَ الصَّدَقَةَ، وَالْعِتْقَ بِالْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ، عَلَى مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَحْجُرُونَ عَلَى مَنْ يَبْتَاعُ الْخُمُورَ، وَيُعْطِي أَجْرَ الْفِسْقِ، وَيُنْفِقُ عَلَى النُّدْمَانِ، وَفِي الْقِمَارِ، وَإِنْ أَكْثَرَ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَصِيرًا بِكَسْبِ الْمَالِ مِنْ ظُلْمٍ وَغَيْرِ ظُلْمٍ ضَابِطًا لَهُ مِنْ حَقٍّ وَغَيْرِ حَقٍّ، وَمَانِعًا مِنْ زَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ، وَهَذِهِ تَنَاقُضَاتٌ فِي غَايَةِ السَّمَاجَةِ، وَظُهُورُ الْخَطَأِ بِغَيْرِ وَجْهٍ يُعْرَفُ، فَمَرَّةً يُطْلِقُونَ إتْلَافَ الْمَالِ جُمْلَةً فِي الْبَاطِلِ، وَمَرَّةً يَحْتَاطُونَ فَيَرُدُّونَ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ، وَعِتْقَ رَقَبَةٍ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِ فِيهِمَا. وَمَرَّةً يُجِيزُونَ الْخَدِيعَةَ فِي الْأُلُوفِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَكْرَهُونَهَا وَيَقُولُونَ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ، وَمَرَّةً يُبْطِلُونَ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ خَوْفَ أَنْ يُخْدَعَ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا فِي التَّنَاقُضِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَفِي الْقَوْلِ بِمَا لَا يُعْقَلُ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَرُدُّ الْخَدِيعَةَ وَالْغِشَّ حَيْثُ وُجِدَا، وَمِمَّنْ وُجِدَا - قَلَّا أَمْ كَثُرَا - وَنُجِيزُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ حَيْثُ وُجِدَ، وَمِمَّنْ وُجِدَ، وَنَرُدُّ كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي بَاطِلٍ - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - وَنُمْضِي كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي حَقٍّ - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - وَبِهَذَا جَاءَتْ النُّصُوصُ، وَلَهُ شَهِدَتْ الْعُقُولُ، وَالْآرَاءُ الصِّحَاحُ الَّتِي إلَيْهِمَا يَنْتَمُونَ، وَبِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى يَقْضُونَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نُفَسِّرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْذِيرَ، وَالْإِسْرَافَ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَزَجَرَ عَنْهَا، لَا كَتَفْسِيرِهِمْ الَّذِي لَا يَفْهَمُونَهُ، وَلَا يَفْهَمُونَهُ أَصْلًا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ الْأَعْمَالُ الْمُحَرَّمَةُ مَعْنَاهَا كُلُّهَا وَاحِدٌ وَيَجْمَعُهُ أَنَّ كُلَّ نَفَقَةٍ أَبَاحَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ بِهَا - كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ - فَلَيْسَتْ إسْرَافًا وَلَا تَبْذِيرًا وَلَا بَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ؛ لِأَنَّهُ

تَعَالَى لَا يُحِلُّ مَا حَرَّمَ مَعًا، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي أَبَاحَ هُوَ غَيْرُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ، وَهُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكُلُّ نَفَقَةٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - فَهِيَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُفَسَّرًا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مُجْمَلًا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا، وَبِهَذَا جَاءَتْ الْآثَارُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُبَذِّرِ: هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] قَالَ: الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] قَالَ: لَا تَمْنَعْهُ مِنْ حَقٍّ وَلَا تُنْفِقْهُ فِي بَاطِلٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ هِيَ نَصُّ قَوْلِنَا وَأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا أَوْضَحَ خِلَافٍ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ شِرَاءِ لِمَأْكُولٍ، أَوْ مَلْبُوسٍ، أَوْ مَرْكُوبٍ، وَكُلُّ عِتْقٍ، وَصَدَقَةٍ، وَهِبَةٍ، أَبْقَى غِنًى فَهُوَ حَلَالٌ -. وَالْحَلَالُ هُوَ غَيْرُ التَّبْذِيرِ، وَالْإِسْرَافِ، وَبَسْطِ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ. وَالْحَلَالُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَكُلُّ مَا لَمْ يُبْقِ غِنًى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِالْمَرْءِ عَنْهُ غِنًى فَهُوَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ مَرْدُودٌ، وَهَكَذَا كُلُّ نَفَقَةٍ فِي مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ، وَأُجْرَةِ الْفِسْقِ، وَالْقِمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَبَطَلَ عَنْهُمْ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ،

وَأَمَّا نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَحَقٌّ وَهُوَ قَوْلُنَا، وَإِضَاعَتُهُ هُوَ صَبُّهُ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ إنْفَاقُهُ فِي مُحَرَّمٍ كَمَا قُلْنَا فِي التَّبْذِيرِ، وَالْإِسْرَافِ، وَبَسْطِ الْيَدِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فِي " الْمُزَارَعَةِ «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» فَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرْكَ الْأَرْضِ لَا تَعْمُرُ إضَاعَةً لِلْمَالِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ صَاحِبُهَا إلَى ذَلِكَ. وَمَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ تَرْكَ التَّزَيُّدِ مِنْ كَسْبِ الْمَالِ لِمَنْ مَعَهُ الْكَفَافُ لَهُ وَلِعِيَالِهِ مُبَاحٌ، وَأَنَّ إقْبَالَهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ إكْبَابِهِ عَلَى طَلَبِ التَّزَيُّدِ مِنْ الْمَالِ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ قَوْلُهُمْ: إنَّ مَنْ لَمْ يُثَمِّرْ مَالَهُ فَهُوَ سَفِيهٌ، ثُمَّ أَبَاحُوا لِمَنْ تَعَدَّى فَأَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا أَوْ غَصْبًا، وَبِالْبَيْعِ، وَبِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ، فَلَمَّا طَلَبَ بِالْحُقُوقِ، وَأَخَذَ مَا وُجِدَ لَهُ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أَنْ يَقْعُدَ مَكَانَهُ فَلَا يَتَكَسَّبُ شَيْئًا يُنْصِفُ مِنْهُ أَهْلَ الْحُقُوقِ قَبْلَهُ - وَهَذِهِ ضِدُّ الْحَقَائِقِ، مَرَّةً يَمْنَعُونَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ تَثْمِيرَ مَالِهِ، وَمَرَّةً يُطْلِقُونَ لَهُ أَنْ لَا يُثَمِّرَ مَالَهُ وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْحُقُوقِ قِبَلَهُ، فَوَاخِلَافَاهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ نا ابْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ أَبِي عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؟ فَقَالَ: أَنْ يَرْزُقَك اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْك. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَوْلَادُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هُمْ ثَلَاثَةٌ، عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَإِسْحَاقُ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَشَاهِيرُ، فَأَيُّهُمْ كَانَ فَهُوَ ثِقَةٌ -. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْإِسْرَافَ هُوَ النَّفَقَةُ فِي الْمَعَاصِي - فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ هُوَ قَوْلُنَا، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْآخَرُ «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَزَنَى فَالْإِثْمُ بَيْنَهُمَا» . فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَأَشَدَّ خِلَافًا لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا نَهْيُ الْوَلِيِّ عَنْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَبَيْنَ التَّزْوِيجِ بِأَشَدِّ الْوَعِيدِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ

يَأْمُرُونَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّزْوِيجِ وَيَرُدُّونَ زَوَاجَهُ إنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ حَتَّى يَكُونَ وَلِيُّهُ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهُ مِمَّنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ، لَا مِمَّنْ أَرَادَ الْمُولَى عَلَيْهِ. فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ قَوْمٍ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ، أَوْ بِرِوَايَةٍ أَصْلًا وَلَاحَ أَنَّ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ مُخَالِفَانِ لِأَقْوَالِهِمْ هَهُنَا. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكُلُّهَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، بَلْ هِيَ عَلَيْهِمْ -: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ مِنْ قَوْلِهِ لِعَلِيٍّ: أَلَا تَحْجُرُ عَلَى ابْنِ أَخِيك وَتَأْخُذُ عَلَى يَدِهِ اشْتَرَى سَبَخَةً بِسِتِّينَ أَلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لِي بِنَعْلِي؟ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ابْنَ جَعْفَرٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ قَطُّ، فَإِنْ كَانَ الْحَجْرُ وَاجِبًا فَلِمَ تَرَكَهُ عُثْمَانُ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، حَتَّى يَخْرُجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الرَّأْيِ يَرَاهُ؟ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْحَجْرَ وَاجِبًا وَلَوْ رَآهُ عَلِيٌّ، أَوْ عُثْمَانُ وَاجِبًا، لَمَا حَلَّ لَهُمَا أَنْ لَا يُمْضِيَاهُ - وَهَذَا خَبَرٌ نَاقِصٌ رُوِّينَاهُ بِتَمَامِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِعَلِيٍّ: خُذْ عَلَى يَدِ ابْنِ أَخِيك اشْتَرَى سَبَخَةَ آلِ فُلَانٍ بِسِتِّينَ أَلْفًا، مَا أُحِبُّ أَنَّهَا لِي بِنَعْلِي فَأَقَلَّ، قَالَ: فَجَزَّأَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَلْقَى فِيهَا الْعُمَّالَ فَأَقْبَلَتْ الْأَرْضُ، فَمَرَّ بِهَا عُثْمَانُ فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَلِّنِي جُزْأَيْنِ مِنْهَا؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تَأْتِيَنِي بِاَلَّذِينَ سَفَّهْتنِي عِنْدَهُمْ فَيَطْلُبُونَ إلَيَّ؟ فَفَعَلَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَنْقُصُك جُزْأَيْنِ مِنْهَا مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا؟ قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ أَخَذْتُهُمَا -. فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كَانَ مِنْ عُثْمَانَ رَأْيٌ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ أَصْلًا مَا بَيْنَ إنْكَارِهِ لِلشِّرَاءِ إلَى أَنْ أَقْبَلَتْ الْأَرْضُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ ذَكَرَ لِعُثْمَانَ أَنَّهُ يَحْجُرُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي بَيْعٍ ابْتَاعَهُ فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ فِيهِ، فَرِوَايَةٌ نُنْكِرُهَا جِدًّا، وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ الْبَيْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ لَا يُوجِبُهُ، فَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْحَجْرَ، فَالْحَجْرُ وَاجِبٌ عَلَى الزُّبَيْرِ، كَمَا هُوَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى الزُّبَيْرِ فَمَا يُوجِبُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنْ يَكُونَ يَتْرُكُ حَقًّا وَاجِبًا مِنْ

أَجْلِ أَنَّ الزُّبَيْرَ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْحَقِّ وَبَيْنَ إنْفَاذِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا تَرَكَ عُثْمَانُ الْحَجْرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ الزُّبَيْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزُّبَيْرَ لَا يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَعَلِمَ بِدُخُولِ الزُّبَيْرِ فِيهِ أَنَّهُ بَيْعٌ لَا يَحْجُرُ فِي مِثْلِهِ؟ قُلْنَا: فَقَدْ مَشَى عَلِيٌّ فِي خَطَأٍ إذَا أَرَادَ الْحَجْرَ فِي بَيْعٍ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ فِيهِ، وَصَحَّ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ رَأْيٌ مِمَّنْ رَآهُ مِنْهُمْ، وَقَدْ خَالَفَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَلَمْ يَرَ الْحَجْرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ صَاحِبٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَطَامَّةُ الْأَبَدِ، لَا نَدْرِي كَيْفَ اسْتَحَلَّ مُسْلِمٌ أَنْ يَحْتَجَّ بِخَطِيئَةٍ، وَوَهْلَةٍ، وَزَلَّةٍ كَانَتْ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ إذْ أَرَادَ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى مِثْلِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا أَعْظَمَ الثَّنَاءِ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ لَا يَكَادُ يَتَجَزَّأُ مِنْهَا فِي الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَخِي عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُمِّهَا أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ: وَاَللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَلِمَةً أَبَدًا - ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَتَشَفُّعَهُ إلَيْهَا، وَبُكَاهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزَّهْرِيَّيْنِ حَتَّى كَلَّمَتْهُ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَلَغَتْ بِهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْإِنْكَارَ حَيْثُ بَلَغَتْهُ فَلَا يَخْلُو الْأَمْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ وَأَصَابَتْ هِيَ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، فَلَا يُحْتَجُّ بِقَوْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ صَاحِبُهُ - أَوْ يَكُونُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَصَابَ وَأَخْطَأَتْ هِيَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَمِنْ أَنْ تَكُونَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُوصَفُ بِسَفَهٍ وَتَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهَا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. فَصَحَّ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ: إبَاحَةُ الْبَيْعِ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ وَلَا غِشَّ، وَالْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ،

وَالْعِتْقِ: فِيمَا أَبْقَى غِنًى وَالْمَنْعُ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ - فَوَاجِبٌ إمْضَاءُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَنْدُوبٌ إلَى ذَلِكَ، مُبَاحٌ لَهُ ذَلِكَ، وَوَاجِبٌ رَدُّ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ خَدِيعَةٌ وَغِشٌّ، وَكُلِّ صَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُمَا غِنًى مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَنْبُتُ اللِّحْيَةُ لِمَنْ هُوَ ضَعِيفُ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ انْقَضَى يُتْمُهُ - وَهَكَذَا نَقُولُ إذَا عُقِلَ الرُّشْدُ مِنْ الْفَتَى فَقَدْ أَخَذَ لِنَفْسِهِ بِأَصْلَحَ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ، فَإِنَّمَا هُمْ - كَمَا أَوْرَدْنَا - سَبْعَةٌ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا فِي ذَلِكَ كَلَامًا مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ الْإِشَارَةُ بِالْحَجْرِ وَلَا مَزِيدَ، وَلَا بَيَانَ عَنْهُمْ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ: مَا صِفَةُ ذَلِكَ الْحَجْرِ؟ فَإِنْ كَانَ هُوَ رَدُّ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْغَبْنُ فَهَكَذَا نَقُولُ - وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا لَا قَوْلُ الْمُخَالِفِينَ، وَهُمْ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ، فِيهِ رَدُّ صَدَقَةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا نِكَاحٍ وَلَا بَيْعٍ، لَا غَبْنَ فِيهِ - وَثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ جَاءَ عَنْهُمْ إنْكَارُ الْحَجْرِ، وَالْقَوْلِ بِهِ، وَهُمْ: عَائِشَةُ، وَابْنُ جَعْفَرٍ، وَالزُّبَيْرُ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ عَنْهُ شَيْءٌ يُوَافِقُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا، بَلْ إنَّمَا قَالَ فِي الشَّيْخِ الَّذِي يُنْكَرُ عَقْلُهُ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ - وَهَذَا قَوْلُنَا نَفْسُهُ فِيمَنْ تَغَيَّرَ عَقْلُهُ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَلَوْ اتَّفَقُوا فَمَا فِي أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ؟ وَأَقْرَبُ ذَلِكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَفْسُهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطْعًا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إبْطَالِ الْعِتْقِ. وَرَدِّ الصَّدَقَةِ فِي الْمَحْجُورِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُوَافِقٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - وَقَدْ خَالَفُوا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا، فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ عَطَاءٍ، وَالْقَاسِمِ، وَرَبِيعَةَ، وَشُرَيْحٍ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟

هَذَا وَلَيْسَ عَنْ الْقَاسِمِ، وَشُرَيْحٍ إبْطَالُ صَدَقَةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا بَيْعٍ، وَإِنَّمَا عَنْهُمَا إمْسَاكُ مَالٍ عَنْهُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا جَاءَ إبْطَالُ الْبَيْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنِّكَاحِ عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ فَقَطْ. وَقَدْ جَاءَ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّ السُّفَهَاءَ هُمْ النِّسَاءُ، وَهُمْ: الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَخَالَفُوهُمْ كُلَّهُمْ - فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَ اثْنَيْنِ مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ خَالَفَهُمْ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ حُجَّةً، وَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ سَبْعَةٍ مِنْهُمْ حُجَّةً. وَأَمَّا الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ: فَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا شَيْءٌ يُخَالِفُ قَوْلَنَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: الرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ، وَحِفْظُ الْمَالِ - وَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الصَّلَاحِ، وَلَا يَسْتَوْعِبُ صَلَاحَ الدِّينِ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْصٍ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُنْفِقْ مَالَهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَقَدْ حَفِظَهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَشْمَطُ وَمَا أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَصَدَقَ: قَدْ يَبْلُغُ الشَّيْخُ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ: مَهْمَا أَقَلْتَ السُّفَهَاءَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَلَا تُقِلْهُمْ فِي ثَلَاثٍ: عِتْقٍ، وَطَلَاقٍ، وَنِكَاحٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَقُولُ لَهُمْ: مَتَى تَحْجُرُونَ عَلَى الْمَرْءِ؟ أَبِأَوَّلِ مَرَّةٍ يُغْبَنُ فِيهَا فِي الْبَيْعِ أَمْ بِأَنْ يُغْبَنَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: بِأَوَّلِ مَرَّةٍ؟ قُلْنَا: فَمَا عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ عِنْدَكُمْ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، إذْ لَا سَبِيلَ أَنْ يُوجَدَ أَحَدٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إلَّا وَهُوَ يُغْبَنُ. وَإِنْ قَالُوا بَلْ لِلْمَرَّةِ بَعْدَ الْمَرَّةِ؟ قُلْنَا: حُدُّوا لَنَا الْعَدَدَ الَّذِي مَنْ بَلَغَهُ فُسِخَ مَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ، وَفُسِخَ عِتْقُهُ وَنِكَاحُهُ، وَرُدَّتْ صَدَقَتُهُ - فَهَذِهِ عَظَائِمُ لَا تُسْتَسْهَلُ مُطَارَفَةً، وَلَا مُسَامَحَةً، بَلْ النَّارُ فِي طَرَفِهَا - فَإِنْ حَدُّوهُ كُلِّفُوا الْبُرْهَانَ، وَكَانُوا قَدْ زَادُوا تَحَكُّمًا بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَتَى يَلْزَمُهُمْ الْحُكْمُ بِمَا بِهِ يَحْكُمُونَ وَلَا مَتَى لَا يَلْزَمُهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْجَهَالَاتِ وَالْعَمَى.

وَكَذَلِكَ نَسْأَلُهُمْ: مَتَى يَحْجُرُونَ عَلَيْهِ إذَا غُبِنَ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ بِمِثْلِهِ أَمْ إذَا غُبِنَ بِالْكَثِيرِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ؟ قُلْنَا: مَا عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَجْرِ عِنْدَكُمْ، إذْ لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ يُغْبَنُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِمَّنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ كُلِّفُوا أَنْ يُبَيِّنُوا الْحَدَّ الَّذِي عِنْدَهُ تَجِبُ هَذِهِ الْعَظَائِمُ مِنْ فَسْخِ بُيُوعِهِ، وَأَنْ لَا يُعْدَى عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالشِّرَاءِ وَمَنْعِ الثَّمَنِ، وَأَنْ تُرَدَّ صَدَقَاتُهُ، وَعِتْقُهُ، وَنِكَاحُهُ، وَمَتَى لَا تَجِبُ؟ فَإِنْ حَدُّوا زَادُوا شَنْعًا وَحُكْمًا بِالْبَاطِلِ، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا كَانُوا حَاكِمِينَ بِمَا لَا يَدْرُونَ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ - إلَى مُنْتَهَى الْأَبَدِ - عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِرِوَايَةٍ مَعْرُوفَةٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عَهْدِ عُمَرَ. نَعَمْ، وَلَا عَهْدِ عُثْمَانَ، وَلَا عَهْدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنْسَانٌ مُسْلِمٌ يَفْهَمُ الدِّينَ يَمْنَعُ بِالْحَجْرِ مِنْ صَدَقَةٍ، وَعِتْقٍ، وَنِكَاحٍ، لَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَلَا مِنْ بَيْعٍ لَا غَبْنَ فِيهِ - هَذَا مَا لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا، فَأُفٍّ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ تَفَطَّنَ لَهَا مَنْ بَعْدَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَوَامِّ الدُّنْيَا وَشَنْعِهَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يُكَفِّرُ فِي ظِهَارِهِ، وَلَا فِي وَطْئِهِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي قَتْلِهِ الْخَطَأَ، وَلَا فِي أَيْمَانِهِ إلَّا بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ أَمْوَالٍ لَا يُحْصِيهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، خِلَافًا لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَهُمْ يُلْزِمُونَهُ الزَّكَاةَ، وَالنَّفَقَاتِ عَلَى الْأَقَارِبِ، وَعَلَى الزَّوْجَةِ، فَهَلْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ؟ وَقَدْ جَاءَ إيجَابُ الْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْقُرْآنِ، كَمَا جَاءَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءً سَوَاءً فَلَيْتَ، شِعْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا التَّقْسِيمُ الْفَاسِدُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ قَوْلِنَا مِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ فَقَالُوا: يَا

نَبِيَّ اللَّهِ اُحْجُرْ عَلَيْهِ؟ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي لَا أَصْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إذَا بِعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» ؟ قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ إذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِلَابَةَ ". وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ مُنْقِذًا سُقِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ، فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِعْ، وَقُلْ: لَا خِلَابَة، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ بَيْعِكَ» ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْته يَقُولُ إذَا بَايَعَ: لَا خِلَابَةَ لَا خِلَابَةَ ". قَالَ عَلِيٌّ: هَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَمَا يَقُولُ بَعْدَ سَمَاعِهِمَا بِالْحَجْرِ عَلَى مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، أَوْ بِإِنْفَاذِ بَيْعٍ فِيهِ خَدِيعَةٌ إلَّا ذَاهِلٌ عَنْ الْحَقِّ، مُقْدِمٌ عَلَى الْعَظَائِمِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِمْ: اُحْجُرْ عَلَيْهِ، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَلَا مَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ، بَلْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فِيمَا اشْتَرَى ثَلَاثًا، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُبَايِعَ إلَّا بِبَيَانِ: أَنْ لَا خِلَابَةَ، وَهَكَذَا نَقُولُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَتْ فِيهِ إتْيَانَهُ إلَى الْمَدِينَةِ إذْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ رَكِبَ -. تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ فَسَارَ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ

أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا» . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمَا فِي حِجْرِ غَيْرِهِمَا يَتِيمَانِ فَلَمْ يُسَاوِمْهُ وَلَا شَاوَرَهُ، وَلَا ابْتَاعَهُ مِنْهُ، بَلْ سَاوَمَهُمَا وَأَنْفَذَ بَيْعَهُمَا فِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلَّذِي كَانَا فِي حِجْرِهِ فِي ذَلِكَ أَمْرًا. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَقْبَلْ هِبَتَهُمَا إيَّاهُ؟ قُلْنَا: قَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، أَوْ شَهْرٍ، «إذْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْهِجْرَةَ فَقَدَّمَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إحْدَى نَاقَتَيْنِ لَهُ، وَقَالَ لَهُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَبَهَا إلَّا بِالثَّمَنِ فَابْتَاعَهَا مِنْهُ» فَرَدُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هِبَةَ الْيَتِيمَيْنِ كَرَدِّهِ هِبَةَ أَبِي بَكْرٍ وَلَا فَرْقَ - لَيْسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ. وَبُرْهَانُ هَذَا إجَازَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعَهُمَا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ هِبَتُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَرِيضِ، وَالْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ، فِي الْمُحَابَاةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ خَاصَّةً - وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لَا مَغْمَزَ فِيهِ، وَعُقَيْلٌ أَحَدُ الْمُخْتَصِّينَ بِالزُّهْرِيِّ، الْمُتَحَقِّقِينَ بِهِ، الْمُلَازِمِينَ لَهُ - وَكَذَلِكَ عُرْوَةُ بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَقَدْ رُوِّينَا خَبَرًا لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِهِ لَبَغَوْا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ شُيُوخَهُ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ خَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا الْأَثَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَهُوَ خِلَافٌ لِمَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْهُ فِي الْحَجْرِ الَّذِي لَا بَيَانَ فِيهِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

مسألة المريض والحامل والموقوف للقتل والأسير في الحجر سواء

وَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حُبَابَةَ بِبَغْدَادَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيّ نا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ نَا أَبِي عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ " أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِصُهَيْبٍ: يَا صُهَيْبُ مَا فِيك شَيْءٌ أَعِيبُهُ عَلَيْك إلَّا ثَلَاثَ خِصَالٍ، وَلَوْلَاهُنَّ مَا قَدَّمْت عَلَيْك أَحَدًا، فَقَالَ لَهُ صُهَيْبٌ: مَا هُنَّ فَإِنَّك طَعَّانٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ بَعْدَ كَلَامٍ: أَرَاك تُبَذِّرُ مَالَك، وَتُكْتَنَى بِاسْمِ نَبِيٍّ، وَتُنْتَسَبُ عَرَبِيًّا، وَلِسَانُك أَعْجَمِيٌّ، فَقَالَ لَهُ صُهَيْبٌ: أَمَّا تَبْذِيرِي مَالِي فَمَا أُنْفِقُهُ إلَّا فِي حَقِّهِ، وَأَمَّا اكْتِنَائِي فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنَّانِي بِأَبِي يَحْيَى، أَفَأَتْرُكُهَا لِقَوْلِك؟ وَأَمَّا انْتِسَابِي إلَى الْعَرَبِ فَإِنَّ الرُّومَ سَبَتْنِي وَأَنَا صَغِيرٌ، فَإِنِّي لَا أَذْكُرُ أَهْلَ أَبْيَاتِي وَلَوْ انْفَلَقَتْ عَنِّي رَوْثَةٌ لَانْتَسَبْت إلَيْهَا - فَهَذَا عُمَرُ يَرَى فِعْلَ صُهَيْبٍ تَبْذِيرًا وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ وَالْمَوْقُوفُ لِلْقَتْلِ وَالْأَسِيرُ فِي الْحَجَر سَوَاءٌ] 1395 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَرِيضُ مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ أَوْ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَالْحَامِلُ مُذْ تَحْمِلُ إلَى أَنْ تَضَعَ أَوْ تَمُوتَ، وَالْمَوْقُوفُ لِلْقَتْلِ بِحَقٍّ فِي قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ، وَالْأَسِيرُ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُ الْأَسْرَى أَوْ مَنْ لَا يَقْتُلُهُمْ، وَالْمُشْرِفُ عَلَى الْعَطَبِ، وَالْمُقَاتِلُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَا فَرْقَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، وَبُيُوعِهِمْ، وَعِتْقِهِمْ وَهِبَاتِهِمْ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. وَقَالَ قَوْمٌ: بِالْحَجْرِ عَلَى هَؤُلَاءِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَأَصْحَابُنَا كَقَوْلِنَا إلَّا فِي الْعِتْقِ خَاصَّةً فَقَطْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عِتْقُ الْمَرِيضِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا لَا يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، سَوَاءً أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ مَاتَ مِنْهُ - أَيِّ مَرَضٍ كَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ؟ فَقَالَ مَسْرُوق: أُجِيزُهُ بِرُمَّتِهِ، شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَا أَرُدُّهُ - وَقَالَ شُرَيْحٌ: أُجِيزَ ثُلُثَهُ وَأَسْتَسْعِيهِ فِي ثُلُثَيْهِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ مَسْرُوقٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْفُتْيَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْقَضَاءِ - وَقَوْلُ النَّخَعِيِّ كَقَوْلِ شُرَيْحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ؟ قَالَ: اعْتِقْ ثُلُثَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَجَاءَ الَّذِينَ بَاعُوهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَالًا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اسْعِي فِي ثَمَنِك. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ سُئِلَ عَلِيٌّ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالَ: يَعْتِقُ وَيَسْعَى فِي الْقِيمَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ: أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَيَقْضِي الدِّينَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُ ثُلُثُهُ وَلِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: عِتْقُ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَمَكْحُولٍ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَمِنْ مُرِقٍّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَمِنْ مُعْتَقٍ لِجَمِيعِهِ وَيَسْتَسْعِيهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: فِي الْمَرِيضِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، قَالَ: هُوَ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ مَكَثَ عَشْرَ سِنِينَ. وَأَمَّا الْحَامِلُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا مِنْ الثُّلُثِ؟ قَالَ سُفْيَانُ: وَنَحْنُ لَا نَأْخُذُ بِهَذَا، بَلْ نَقُولُ: مَا صَنَعَتْ فَهُوَ جَائِزٌ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً مِنْ غَيْرِ الْحَمْلِ، أَوْ يَدْنُوَ مَخَاضُهَا - يُرِيدُ أَنْ يَضُرَّ بِهَا الطَّلْقُ وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ؟ قُلْتُ: أَرَأْيٌ؟ قَالَ: بَلْ سَمِعْنَاهُ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ: وَعِكْرِمَةَ - وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيِّ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: مَا أَعْطَتْ الْحَامِلُ لِوَارِثٍ، أَوْ لِزَوْجٍ، فَمِنْ رَأْسِ مَالِهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً - وَقَالَ رَبِيعَةُ: كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَثْقُلَ، أَوْ يَحْضُرَهَا نِفَاسٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرْت بِهَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْخَوْلَانِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ - وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ

وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي عَطِيَّةِ الْحَامِلِ كَقَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: عَطِيَّةُ الْغَازِي مِنْ الثُّلُثِ - وَقَالَ مَكْحُولٌ: بَلْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إلَّا أَنْ تَقَعَ الْمُسَايَفَةُ وَعَطِيَّةُ رَاكِبِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ كَالصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ رَاكِبُ الْبَحْرِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ قَدْ وَقَعَ فِيهِ الطَّاعُونُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: كَذَلِكَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الْحَجَّاجُ: لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ، إلَّا الثُّلُثُ، فَقَالَ إيَاسٌ إذْ بَلَغَهُ قَوْلُهُ: مَا فَقِهَ أَحَدٌ إلَّا سَاءَ ظَنُّهُ بِالنَّاسِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا صَنَعَ الْمُسَافِرُ فَمِنْ الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَقَعُ رَحْلُهُ فِي الْغَرْزِ - قَالَ النَّخَعِيُّ: بَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا صَنَعَ الْأَسِيرُ فَمِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَرَأَوْا مُحَابَاتَهُ فِي الْبَيْعِ، وَهِبَاتِهِ، وَصَدَقَاتِهِ، وَعِتْقِهِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ كُلُّهُ وَيُسْتَسْعَى فِيمَا لَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْهُ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا الْمَحْصُورُ، وَالْوَاقِفُ فِي صَفِّ الْحَرْبِ فَكَالصَّحِيحِ. وَأَمَّا الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فِي قِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٍ فَكَالْمَرِيضِ. وَمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْهُ، وَاسْتَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَحِقَ بِهِ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَحَمَلَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَيَرِثُهُ وَلَدُهَا. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، إلَّا أَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي وَلَدَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُمَا قَالَا: يَرِثُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيُسْتَسْعَى فِيمَا يَقَعُ مِنْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُونَهُ.

وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا هَذَا فِي الْمَرَضِ الْمُخِيفِ كَالْحُمَّى الصَّالِبِ وَالْبِرْسَامِ، وَالْبَطْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ فِي الْجُذَامِ، وَلَا حُمَّى الرِّبْعِ، وَلَا السُّلِّ وَلَا مَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْحَامِلِ فَإِنَّ أَفْعَالَهَا عِنْدَهُ كَالصَّحِيحِ إلَى أَنْ تُتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا فَأَفْعَالُهَا فِي مَالِهَا كَالْمَرِيضِ. حَتَّى أَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ مُرَاجَعَةِ زَوْجِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَإِلَّا الِاسْتِسْعَاءُ فَلَمْ يَرَهُ، بَلْ أَرَقَّ مَا لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ مِنْهُ، وَإِلَّا فِيمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُ أَعْتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَأَرَقَّ الْبَاقِيَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِعْلُ الْمَرِيضِ مَرَضًا مُخِيفًا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ أَفَاقَ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ - وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ؟ فَمَرَّةً قَالَ: هُوَ كَالصَّحِيحِ وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ كَالْمَرِيضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ -: فَخَطَأٌ فِي تَفْرِيقِهِمَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْحَقُّ فِي

ذَلِكَ هُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِأَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَهُوَ فِي إنْصَافِهِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ مُعْطِي ذَلِكَ الَّذِي أَنْصَفَ حَقَّهُ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَالْإِحْسَانُ لَا يُرَدُّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُنْصِفْهُ حَاضِرًا طَالِبًا حَقَّهُ فَهُوَ عَاصٍ فِي أَنَّهُ لَمْ يُنْصِفْهُ، وَهُمَا قَضِيَّتَانِ أَصَابَ فِي إحْدَاهُمَا، وَظَلَمَ فِي الْأُخْرَى - وَالْحَقُّ لَا يُبْطِلُهُ ظُلْمُ فَاعِلِهِ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ لَا فِي عَيْنِ مَالِهِ مَا دَامَ حَيًّا لَمْ يُفْلِسْ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَفَذَ الَّذِي أَعْطَى مَا أَعْطَاهُ بِحَقٍّ وَلَزِمَهُ أَنْ يُنْصِفَ مَنْ بَقِيَ إذْ حَقُّهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا فِي عَيْنِ مَا أَعْطَى الْآخَرَ - وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ صَحِيحٍ، وَمَرِيضٍ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِي قَوْلِهِمَا هَذَا سَلَفًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمَا فِيمَنْ اشْتَرَى وَلَدَهُ فِي مَرَضِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ، فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ عَتَقَ وَوَرِثَ -: فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْمُنَاقَضَةِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِيهِ سَلَفًا مُتَقَدِّمًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَصِيَّةً، فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ - فَيَنْبَغِي عَلَى أَصْلِهِمْ أَنْ لَا يَنْفُذَ عِتْقُهُ أَصْلًا حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ - وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الشَّافِعِيِّينَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: الشِّرَاءُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَصِيَّةً فَمَا بَالُهُ لَا يَرِثُ وَقَدْ صَارَ حُرًّا بِمِلْكِ أَبِيهِ لَهُ، ثُمَّ مُنَاقَضَتُهُمْ فِي الْمَرِيضِ يَطَأُ أَمَتَهُ فَتَحْمِلُ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ حُرَّةً وَيَرِثُهُ وَلَدُهَا، فَإِنْ قَالُوا: حَمْلُهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ؟ قُلْنَا: لَكِنَّ وَطْأَهُ لَهَا مِنْ فِعْلِهِ، وَإِقْرَارَهُ بِوَلَدِهَا مِنْ فِعْلِهِ، وَعِتْقَ الْوَلَدِ فِي كُلِّ حَالٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحَامِلِ فَقَوْلٌ أَيْضًا لَا نَعْلَمُ لَهُ فِيهِ سَلَفًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} [الأعراف: 189] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إيهَامٌ مِنْهُمْ لِلِاحْتِجَاجِ بِمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ إنَّ الْإِثْقَالَ لَمْ تَكُنْ إلَّا بِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ -: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي مَنْ لَهُمْ بِأَنَّ الْإِثْقَالَ جُمْلَةً يُدْخِلُهَا فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَحْمِلُ الْحَمَّالُ حِمْلًا ثَقِيلًا فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ عِنْدَهُمْ.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تَلِدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ؟ قُلْنَا، وَقَدْ تُسْقِطُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْإِسْقَاطُ أَخْوَفُ مِنْ الْوِلَادَةِ أَوْ مِثْلُهَا - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ نَأْخُذُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَرِيضِ، وَمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ مِنْ الثُّلُثِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الْمَشْهُورِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي لْمُهَلَّبِ، كِلَاهُمَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا. وَبِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ؛ وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَنِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي. أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ قَالُوا: فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ رَحْمَةً لَكُمْ وَزِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ وَحَسَنَاتِكُمْ» وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى سَمِعْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جُعِلَ لَكُمْ ثُلُثُ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ طَائِفَةً مِنْ مَالِكَ عِنْدَ مَوْتِكَ أَرْحَمُكَ بِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْتَاعُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إنَّهُ لَيْسَ لِامْرِئٍ شَيْءٌ، أَلَا لَا أَعْرِفَنَّ امْرَأً بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُذَعْذِعُ مَالَهُ هَهُنَا هَهُنَا» .

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ طَلْحَةَ - هُوَ ابْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ - عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِالثُّلُثِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَعْتَقَ غُلَامًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَ مِنْهُ الثُّلُثَ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ» : وَقَالُوا قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عِنْدَ مَوْتِهِ " إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَحُزْتِيهِ لَكَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ " قَالُوا: فَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ قَارَبَ الْمَوْتَ فَمَالُهُ مَالُ الْوَارِثِ. وَقَالُوا: قَدْ جَاءَ مَا أَوْرَدْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ: فَمُرْسَلٌ، وَعَنْ مَجْهُولٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ الِاسْتِسْعَاءَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي يَحْيَى الْمَالِكِيِّ: فَهَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَعَنْ حَجَّاجٍ، وَهُوَ سَاقِطٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ: فَمُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْبُخْلَ بِحَقِّ

اللَّهِ تَعَالَى لَا نُخَالِفُهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَأَنَّ ذَعْذَعَةَ الْمَالِ هَهُنَا وَهَهُنَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا، لَا فِي صِحَّةٍ، وَلَا فِي مَرَضٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قِلَابَةَ: فَمُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فَسَنَدُهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَلَا نَدْرِي حَالَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ هُوَ وَجَمِيعُ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَصَدَّقَ عَلَيْنَا عِنْدَ مَوْتِنَا بِثُلُثِ أَمْوَالِنَا -: فَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ الْوَصِيَّةُ الَّتِي هِيَ بِلَا خِلَافٍ نَافِذَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَانَ أَمْرُ كَذَا عِنْدَ مَوْتِ فُلَانٍ، وَارْتَدَّتْ الْعَرَبُ عِنْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُلِّيَ عُمَرُ عِنْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ - هَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ. فَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ خَارِجَةٌ عَلَى هَذَا أَحْسَنَ خُرُوجٍ، وَمُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، حَاشَا خَبَرَ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ، فَإِنَّهُ لَا يُخَرَّجُ لَا عَلَى قَوْلِنَا وَلَا عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِخَبَرٍ يُخَالِفُونَهُ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الدَّيْنِ فَقَطْ، ثُمَّ فِي ثُلُثَيْ مَا يَبْقَى مِنْ قِيمَتِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُنَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. فَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَدْ خَالَفَتْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ جَمِيعُهُمْ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا: " عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعِنْدَ مَوْتِكُمْ " وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرٌ لِمَرَضٍ أَصْلًا، فَالْمَرَضُ شَيْءٌ زَادُوهُ بِآرَائِهِمْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ نَصٌّ مِنْهُ، وَلَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ فَجْأَةً، وَمِنْ مَرَضٍ خَفِيفٍ، فَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى الْمَرَضِ مِنْ أَيْنَ خَرَجَ؟ وَهَلَّا رَاعُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ مِنْ لَفْظِ " عِنْدَ مَوْتِهِ " فَجَعَلُوا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ " عِنْدَ مَوْتِهِ " صَحِيحًا فَعَلَهُ؟ أَوْ مَرِيضًا مِنْ الثُّلُثِ، وَجَعَلُوا مَا فَعَلُوا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ مِمَّا تَأَخَّرَ عَنْهُ مَوْتُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؟ فَظَهَرَ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْآثَارِ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِمْ، وَأَنَّهَا مِنْ النَّوْعِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ لِأَقْوَالٍ لَهُمْ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِيمَا احْتَجُّوا لَهُ بِهِ، وَهَذَا إيهَامٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، وَتَدْلِيسٌ فِي الدِّينِ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا.

وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ: فَإِنَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سَعْدٍ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، كُلُّهُمْ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَفَأُوصِي بِمَالِي أَوْ بِثُلُثَيْ مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ثُمَّ بِنِصْفِهِ - وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا لَفْظَ " أَفَأَتَصَدَّقُ " عَنْ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا عَنَوْا بِهِ الْوَصِيَّةَ بِلَا شَكٍّ، لَا الصَّدَقَةَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ مَقَامٍ وَاحِدٍ، عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ؛ وَكُلُّ وَصِيَّةٍ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ كُلُّ صَدَقَةٍ وَصِيَّةً. نَعَمْ: وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «مَرِضْتُ مَرَضًا شَدِيدًا فَأُشْفِيتُ مِنْهُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا وَإِنَّمَا تَرِثُنِي ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَأُوصِي بِالشَّطْرِ، قَالَ: لَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ أُوصِي؟ قَالَ: الثُّلُثَ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّك أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .

فَرَوَى مَالِكٌ؛ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَفَأَتَصَدَّقُ؟ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرَّةَ: أَفَأَتَصَدَّقُ، وَمَرَّةً: أَفَأُوصِي؟ وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَفَأُوصِي؟ وَلَيْسَا دُونَ مَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ. وَاتَّفَقَ سَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى لَفْظِ: " أُوصِي " فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي الْمَرَضِ خَاصَّةً دُونَ الصِّحَّةِ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي الْمَرَضِ خَاصَّةً فَقَدْ كَذَبَ وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ سَعْدًا سَيَبْرَأُ وَتَكُونُ لَهُ آثَارٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إلَّا أَخْبَرَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لِيَكُونَ مِنِّي الشَّيْءُ فَأَعْرِفُهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إذَا غَابَ عَنْهُ فَإِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَعْدٌ قَدْ فَتَحَ أَعْظَمَ الْفُتُوحِ، وَأَنْزَلَ مَلِكَ الْفُرْسِ عَنْ سَرِيرِهِ، وَافْتَتَحَ قُصُورَهُ، وَدُورَهُ، وَمَدَائِنَهُ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا. وَأَمَّا خَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ، فَأَوْلَى النَّاسِ أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِهِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ قِمَارٌ، وَإِنَّهُ فِعْلٌ بَاطِلٌ، وَحُكْمُ جَوْرٍ؟ شَاهَ وَجْهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، وَأَصْحَابِنَا الْقَائِلِينَ بِهِ -: قَالَ عَلِيٌّ: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْعِتْقُ وَحْدَهُ، فَإِقْحَامُهُمْ مَعَ الْعِتْقِ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ خَطَأٌ وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَهُنَا بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُمْ

يُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِ الْعِتْقِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، فَيُوجِبُونَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ فَيَعْتِقُهُ، وَلَا يَرَوْنَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ عَبْدِهِ أَوْ أَوْقَفَ نِصْفَ دَارِهِ، أَوْ نِصْفَ فَرَسِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ ثَوْبِهِ أَوْ بِنِصْفِ ضَيْعَتِهِ: أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِي ذَلِكَ، وَيَنْفُذَ فِعْلُهُ فِي جَمِيعِهِ -: فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْعِتْقِ هَهُنَا؟ وَلَمْ يَجِبْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ؟ إنَّ هَذَا لَتَحَكُّمٌ فَاسِدٌ؟ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: مِنْ فِعْلِ الْمَرِيضِ كَلِمَةٌ، وَلَا دَلَالَةٌ، وَلَا إشَارَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ: إنَّمَا فِيهِ " أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ " فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ: أَنْ يَجْعَلُوا هَذَا الْحُكْمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ - صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا. فَمَاتَ إثْرَ ذَلِكَ، لَا فِيمَنْ أَعْتَقَ مَرِيضًا، أَوْ صَحِيحًا، ثُمَّ تَرَاخَى مَوْتُهُ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ مَوْتِهِ بِلَا شَكٍّ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْخَبَرَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِيمَا فِيهِ، وَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا، وَهَذِهِ قَبَائِحُ مُوبِقَةٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ قَاطِعَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ لَمْ يُبْقِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا أَصْلًا، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَرْدُودُ الْفِعْلِ - صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا - وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ عِتْقُ تَطَوُّعٍ، وَلَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، وَلَا هِبَةٌ يَبُتُّ بِهَا إلَّا فِيمَا أَبْقَى غِنًى، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . وَقَدْ أَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِتْقَ إنْسَانٍ صَحِيحٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ نا أَبِي وَعَمِّي - هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ عَاصِمٌ، وَسَعْدٌ، وَيَعْقُوبُ أَبْنَاءُ إبْرَاهِيمَ، قَالُوا كُلُّهُمْ: نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ» قَالَ الزُّهْرِيُّونَ فِي رِوَايَتِهِمْ: فَرَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَهَذَا إسْنَادٌ كَالشَّمْسِ لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ. فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا رَدَّ عِتْقَ أُولَئِكَ الْأَعْبُدِ؛ لِأَنَّ مُعْتِقَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَكَانَ عِتْقُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِثُلُثِهِمْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إذْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ إذْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: يُجْزِيك مِنْ ذَلِكَ

الثُّلُثُ» وَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ لَا يَصِحُّ، لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ» ؛ فَأَمْسَكَ سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ غِنًى. وَبُرْهَانُ هَذَا -: أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةً، وَالثُّلُثُ عِنْدَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ لَا يَكُونُ هَكَذَا أَصْلًا، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. وَوَجْهٌ رَابِعٌ - وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ الثَّقَفِيِّ - هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا» . فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْعِتْقَ إنَّمَا كَانَ وَصِيَّةً، وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا الصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ سَوَاءٌ، وَلَا تَجُوزُ إلَّا بِالثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَتَانِ حَدِيثًا وَاحِدًا - وَهُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِي لَا يَكَادُ يُمْكِنُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ - فَقَدْ ارْتَفَعَ الْكَلَامُ، وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَا خَبَرَيْنِ - وَهَذَا مُمْكِنٌ بَعِيدٌ - فَكِلَاهُمَا لَنَا، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ذِكْرٌ لِمَرَضٍ وَلَا لِفِعْلٍ فِي مَرَضٍ أَصْلًا، وَلَا لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي مَرَضٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَبَطَلَ عَنْهُمْ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا، وَعَادَتْ كُلُّهَا لَنَا عَلَيْهِمْ حُجَّةً. وَأَمَّا مَا رَوَوْا فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا هُمْ ثَلَاثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ -: فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّمَا تَعَلَّقُوا عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ وَهَذَا لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ - وَهُمْ مَعَنَا أَيْضًا - فِي أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا عَنَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْمَرِيضِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لِلْوَارِثِ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الرُّوحِ فِي الْمَرِيضِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَسْمَاءَ لَوْ مَاتَتْ - إذْ قَالَ

أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ لَهَا - لَمَا وَرِثَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعُرْوَةُ، وَالْمُنْذِرُ، أَوْلَادُهَا مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ حَبَّةَ خَرْدَلٍ، وَلَا قِيمَتَهَا، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ مَالُ الْمَرِيضِ. قَدْ صَارَ مَالًا لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِهِ لَوَرِثَهُ عَنْهُ إنْ مَاتَ وَرَثَتُهُ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلَا أَحْمَقُ، وَلَا عَاقِلٌ. وَأَيْضًا فَلَا خِلَافَ - مِنَّا وَمِنْهُمْ - فِي أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْمَرِيضِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَكَانَ زَانِيًا يُحَدُّ حَيْثُ يُحَدُّ لَوْ وَطِئَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا فَرْقَ وَأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ الْقَطْعُ لَقُطِعَتْ يَدُهُ حَيْثُ تُقْطَعُ يَدُهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ -: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ وَبُرْدُهُمْ وَتَدْلِيسُهُمْ فِي الدِّينِ بِإِيهَامِهِمْ الْبَاطِلَ مَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِطُرُقِهِمْ. فَإِنْ أَتَوْنَا فِي صَرْفِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ ظَاهِرِهَا بِبُرْهَانٍ مِثْلِ هَذَا وَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُونَا إلَّا بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ، وَبِالظَّنِّ الْفَاسِدِ، وَبِالتَّمْوِيهِ الْمُلْبِسِ، فَعَارُ ذَلِكَ وَنَارُهُ لَا زِمَانِ لَهُمْ، لَا لَنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جُمْلَةً. وَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ، وَالْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَمْ يُدْرِكَاهُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّهُ ابْتَاعَهَا فِي مَرَضِهِ، فَأَجَازَ بَيْعَهُ وَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَرَهَا بِأَنْ تَسْعَى فِي ثَمَنِهَا لِلْغَرِيمِ. وَفِي الْأُخْرَى أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَتَقَ، ثُلُثَهُ - وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَاعَى مَا أَبْقَى لَهُ غِنًى. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ - هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ جَارِيَةً لَهَا لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرُهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا - فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ رَأَى السَّعْيَ فِي قِيمَتِهَا إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ أَصْلًا، فَعَادَ فِعْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ - لَوْ صَحَّ - حُجَّةً عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ وَلَا فِعْلِهِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَلَاحَ خِلَافُهُمْ لَهُ؟

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَمُنْقَطِعَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَلْبَتَّةَ وَلَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلِيًّا إنَّمَا أَوْجَبَ الِاسْتِسْعَاءَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ، وَهُوَ قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ بِالِاسْتِسْعَاءِ فِي هَذَا إذَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الْعِتْقِ عَنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ خِلَافٌ لِهَذَا، فَلَاحَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا أَنَّ كُلَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ أَثَرٍ صَحِيحٍ أَوْ سَقِيمٍ، أَوْ عَنْ صَاحِبٍ فَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ، وَأَنَّ إيرَادَهُمْ لِكُلِّ ذَلِكَ تَمْوِيهٌ، وَإِيهَامٌ بِالْبَاطِلِ، وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَأَنَّ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ حُجَّةٌ لَنَا، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالتَّابِعِينَ، وَدَعْوَاهُمْ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ فَغَيْرُ مُنْكَرٍ مِنْ اسْتِسْهَالِهِمْ الْكَذِبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ خِلَافَ قَوْلِهِمْ، وَأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُرَدُّ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْمَرِيضُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ عَاشَ، فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ عِنْدَ مَسْرُوقٍ، فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ فَقَطْ؟ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، أَكْثَرُ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَمِثْلِهِ. ثُمَّ هُمْ مُخْتَلِفُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْمُسَافِرَ مِنْ حِينِ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لَا يَنْفُذُ لَهُ أَمْرٌ فِي مَالٍ إلَّا مِنْ ثُلُثِهِ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْحَامِلِ جُمْلَةً. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْأَسِيرِ جُمْلَةً، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: مُخَالِفُونَ لِكُلِّ هَذَا. ثُمَّ قَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْأَمْرَاضِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِهِمْ، فَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ إجْمَاعًا فَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ إجْمَاعًا فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِ مَنْ

دُونَ الصَّحَابَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، خِلَافَ هَذَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا أَبْرَأَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا فِي مَرَضِهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا يَجُوزُ -: فَصَحَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا عَنَى مَرَضَهَا الَّذِي تَمُوتُ مِنْهُ، وَلَمْ يُرَاعِ ثُلُثًا، وَلَا رَآهُ وَصِيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ؟ قَالَ: إذَا وَضَعَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي حَقٍّ فَلَا أَحَدَ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْهُ، وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْلُو عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الصَّحِيحَ، وَالْمَرِيضَ مَعًا، أَوْ الْمَرِيضَ وَحْدَهُ، أَوْ الصَّحِيحَ وَحْدَهُ -: فَإِنْ أَرَادَ الصَّحِيحَ فَقَطْ فَقَدْ رَدَّ فِعْلَهُ فِي صَدَقَتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْمَرِيضَ -: فَقَدْ أَمْضَى فِعْلَهُ فِي مَالِهِ كُلِّهِ - فَهَذَا خِلَافٌ ظَاهِرٌ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ: أَنَّهُ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَطَلَّقَ نِسَاءَهُ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَقَسَّمَ مَالَهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَهُ: أَجَاءَك الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِك فَأَخْبَرَك: أَنَّك تَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَطَلَّقْتَ نِسَاءَك وَقَسَّمْتَ مَالَك؟ رُدَّهُ وَلَوْ مِتَّ لَرَجَمْتُ قَبْرَك كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ؟ فَرَدَّ مَالَهُ وَنِسَاءَهُ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاك تَلْبَثُ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى تَمُوتَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَشَذَّبَتْ مَالَهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ، ثُمَّ مَاتَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَأَمْضَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فِعْلَهَا. فَإِنْ كَانَ لِلْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ حُكْمُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ فَقَدْ أَمْضَاهُ أَبُو مُوسَى، فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ فَقَدْ رَدَّهُ عُمَرُ، وَلَمْ يُمْضِ مِنْهُ ثُلُثًا وَلَا شَيْئًا، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

وَمَنْ أَقْبَحُ مُجَاهِرَةً مِمَّنْ يَجْعَلُ مِثْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ إجْمَاعًا ثُمَّ لَا يُبَالِي بِمُخَالِفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَطَوَائِفَ مِنْ التَّابِعِينَ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَضَرْبَةِ السَّوْطِ، لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا قَدْ تَقَصَّيْنَا مِنْهُ جُزْءًا صَالِحًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ، فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ - وَهِيَ مِنْ الْمَرِيضِ. وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ - بِلَا خِلَافٍ - لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، فَإِذَا قِيسَ فِعْلُ الْمَرِيضِ عَلَيْهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَيَاةِ فِعْلُ الْمَرِيضِ كَفِعْلِ الصَّحِيحِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ لَا شَيْءَ أَشْبَهَ بِشَيْءٍ وَأَوْلَى بِأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْئَيْنِ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا -: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا قُتَيْبَةُ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الَّذِي يَعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَاَلَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا يَشْبَعُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا يَشْبَعُ فَهَدِيَّتُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَالْمُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون: 10 - 11] وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ لِلصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ مَا لَمْ يَأْتِهِ الْمَوْتُ وَيَجِئْ حُلُولُ أَجَلِهِ دُونَ تَأْخِيرٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَا النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ. وَأَيْضًا: فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَصْلًا فِي أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ الْمَرِيضُ مِنْ فَاكِهَةٍ، وَلَحْمٍ، وَنَحْوِ

مسألة الحجر على امرأة ذات زوج

ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى، وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى سَائِلٍ بِالْبَابِ، فَإِنَّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ فَعَلَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ الثُّلُثِ لَكَانَ هَذَا مِنْ الثُّلُثِ، بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ لَمَا وَجَبَ أَنْ يُعَدَّ أَكْلَهُ وَنَفَقَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ بَاقِيَ ذَلِكَ لَا حُكْمَ لَهُ فِيهِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - فَظَهَرَ مِنْ تَخَاذُلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ وَفَسَادِ أَقْوَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا بَعْضُهُ يَكْفِي - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَجْرُ عَلَى امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ] 1396 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ أَيْضًا عَلَى امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ؛ وَلَا بِكْرٍ ذَاتِ أَبٍ، وَلَا غَيْرِ ذَاتِ أَبٍ - وَصَدَقَتُهُمَا، وَهِبَتُهُمَا -: نَافِذٌ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا حَاضَتْ كَالرَّجُلِ سَوَاءً سَوَاءً - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِذَاتِ الزَّوْجِ إلَّا الثُّلُثُ فَقَطْ تَهَبُهُ وَتَتَصَدَّقُ بِهِ - أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ - فَإِذَا مَضَتْ لَهَا مُدَّةٌ جَازَ لَهَا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ أَيْضًا أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَتْ - أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ - وَهَكَذَا أَبَدًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِهَا فِي الْأَوَّلِ: فُسِخَ - فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ رَدَّ الْكُلَّ أَوَّلَهُ عَنْ آخِرِهِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إنْ شَاءَ زَوْجُهَا أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ أَنْفَذَهُ نَفَذَ، فَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَنْ زَوْجِهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُطَلِّقَهَا نَفَذَ كُلُّهُ - قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُهُ: بَلْ لَا يَرُدُّ الزَّوْجُ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَطْ، وَيَنْفُذُ لَهَا الثُّلُثُ كَالْمَرِيضِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا. مَالَهَا كُلَّهُ نَفَذَ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَيْعُهَا وَابْتِيَاعُهَا فَجَائِزٌ - أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ - إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ. قَالَ: وَأَمَّا الْبِكْرُ فَمَحْجُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ - ذَاتَ أَبٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ أَبٍ - لَا يَجُوزُ لَهَا فِعْلٌ فِي مَالِهَا، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا أَنْ تَضَعَ عَنْ زَوْجِهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ عَنَسَتْ حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَ زَوْجِهَا، وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا فَإِنْ وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ: كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَتْ إلَّا إنْ كَانَ يَسِيرًا، قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي كَانَ لَهَا زَوْجٌ ثُمَّ تَأَيَّمَتْ فَكَالرَّجُلِ فِي نَفَاذِ حُكْمِهَا فِي مَالِهَا كُلِّهِ. وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ: فَرُوِّينَا عَنْهُمْ أَقْوَالًا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: عَهِدَ إلَيَّ

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا أُجِيزَ عَطِيَّةَ جَارِيَةٍ حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَحُولَ فِي بَيْتِهَا حَوْلًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ نا الشَّعْبِيُّ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لَا أُجِيزَ لِجَارِيَةٍ مُمَلَّكَةٍ عَطِيَّةً حَتَّى تَحِيلَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلًا أَوْ تَلِدَ وَلَدًا، قَالَ: فَقُلْت لِلشَّعْبِيِّ: كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: بَلْ شَافَهَهُ بِهِ مُشَافَهَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَرَأْت كِتَابَ عُمَرَ إلَى شُرَيْحٍ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ جَارِيَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ لَهَا أَخُوهَا وَهِيَ مُمَلَّكَةٌ: تَصَدَّقِي عَلَيَّ بِمِيرَاثِك مِنْ أَبِيك؟ فَفَعَلَتْ، ثُمَّ طَلَبَتْ مِيرَاثَهَا فَرَدَّهُ عَلَيْهَا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُجِيزُوا نَحْلَ امْرَأَةٍ بِكْرٍ حَتَّى تَحِيلَ حَوْلًا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا أَوْ تَلِدَ وَلَدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ مِنْ مَالِهَا: فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهَا هِبَتُهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَبْلُغَ، أَنَّى ذَلِكَ وَهُوَ سُنَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ حَتَّى تَحُولَ حَوْلًا أَوْ تَلِدَ وَلَدًا، فَقَالَ الْحَسَنُ: حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا أَوْ تَبْلُغَ، أَنَّى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ قَالَا جَمِيعًا: لِلْيَتِيمَةِ خِنَاقَانِ لَا يَجُوزُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ إذَا عَنَسَتْ قَبْلَ ذَلِكَ - فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ أَيَجُوزُ - يَعْنِي هِبَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ، كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ، وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا حَالَتْ فِي بَيْتِهَا حَوْلًا جَازَ لَهَا مَا صَنَعَتْ، قَالَ الْمُغِيرَةُ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدَ مِثْلُهَا جَازَتْ هِبَتُهَا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَاتِ زَوْجٍ عَطِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ كَانَتْ لَا تَعْتِقُ - وَلَهَا سِتُّونَ سَنَةً إلَّا بِإِذْنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى لَهَا ذَلِكَ جَائِزًا دُونَ إذْنِهِ، لَكِنَّهُ عَلَى حُسْنِ الصُّحْبَةِ فَقَطْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا تَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا - وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، فَلَمْ يُجِزْ لِذَاتِ الزَّوْجِ عِتْقًا، وَلَا حُكْمًا فِي صَدَاقِهَا وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا - إلَّا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فِي صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغَبَرِيُّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ: كُنْت أَخْدِمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ، وَأَسُوسُ فَرَسَهُ، كُنْت أَحْتَشُّ لَهُ، وَأَقُومُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ - ثُمَّ جَاءَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبِيٌّ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا، ثُمَّ ذَكَرَتْ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّهَا بَاعَتْهَا، قَالَتْ: فَدَخَلَ الزُّبَيْرُ وَثَمَّنَهَا فِي حِجْرِي فَقَالَ: هَبِيهَا إلَيَّ؟ قَالَتْ: أَنَّى، لَكِنْ تَصَدَّقْت بِهَا - فَهَذَا الزُّبَيْرُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، قَدْ أَنْفَذَتْ الصَّدَقَةَ بِثَمَنِ خَادِمِهَا، وَبَيْعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُ شَيْئًا غَيْرَهَا، أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مَا مَعَهَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ الصَّبَّاحِ - عَنْ حَجَّاجٍ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ

اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فِي أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ قَالَ: ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتُ وَلَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكَ» فَلَمْ يُنْكِرْ الزُّبَيْرُ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقْبَلَتْ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا فَتَعَلَّمَتْهُ، وَشَذَّبَتْ مَالَهَا، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ دَخَلَتْ عَلَى جَارَاتِهَا فَجَعَلَتْ تَقُولُ: يَا فُلَانَةُ أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ؟ فَجَعَلْنَ يَقُلْنَ لَهَا: لَا تَمُوتِينَ الْيَوْمَ، لَا تَمُوتِينَ الْيَوْمَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَمَاتَتْ، فَسَأَلَ زَوْجُهَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَيُّ امْرَأَةٍ كَانَتْ امْرَأَتُك؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَحْرَى مِنْهَا أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا الشَّهِيدَ، وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هِيَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَبُو مُوسَى. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ قَالَ: كَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ تُعْطِي مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا؟ فَكَتَبَ: إمَّا هِيَ سَفِيهَةٌ أَوْ مُضَارَّةٌ؟ فَلَا يَجُوزُ لَهَا، وَإِمَّا هِيَ غَيْرُ سَفِيهَةٍ وَلَا مُضَارَّةٍ فَيَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا: إنْ كَانَتْ غَيْرَ سَفِيهَةٍ وَلَا مُضَارَّةٍ فَأَجِزْ عَطِيَّتَهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُحَالُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَنْ تَأْتِيَ الْقَصْدَ فِي مَالِهَا فِي حِفْظِ رُوحٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ فِي مَوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ، إذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا، كَانَ خَيْرًا لَهَا أَنْ لَا تُنْكَحَ، وَأَنَّهَا إذًا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: تَجُوزُ عَطِيَّةُ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ الْحَدِيثَةُ السِّنِّ ذَاتُ الزَّوْجِ قَبْلَ السَّنَةِ عَطِيَّةً، فَلَمْ تَرْجِعْ حَتَّى تَمُوتَ، فَهُوَ جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا فِي غَيْرِ سَفَهٍ وَلَا ضِرَارٍ جَازَتْ عَطِيَّتُهَا، وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُتَعَلِّقًا، لَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا مِنْ السُّنَنِ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا أَحَدَ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ أَيْضًا تَقْسِيمُهُمْ الْمَذْكُورُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ كَانَ مَا ذَكَرْنَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ هَهُنَا - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: جَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِلْمَرْأَةِ إذَا قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أَصِلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؟ وَقَالَ زَوْجُهَا: هِيَ تُضَارُّنِي؟ فَأَجَازَ لَهَا الثُّلُثَ فِي حَيَاتِهَا. وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سُجُودِهِ: إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَفِي عَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا - وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَالزُّبَيْرَ، وَأَسْمَاءَ، وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ - عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَشُرَيْحًا، وَالشَّعْبِيَّ، وَالنَّخَعِيَّ، وَعَطَاءً وَطَاوُسًا، وَمُجَاهِدًا، وَالْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَغَيْرَهُمْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ، وَفِي مَا يَدَّعُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَمِنْ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً، وَمِنْ تَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْأَبَدِ - وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَرَجَعَ هُوَ عَنْ بَعْضِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يُقَلِّدُوهُ هَهُنَا. وَهَلَّا قَالُوا هَهُنَا: مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، كَمَا قَالُوهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ أَبْطَلُوا فِعْلَ الْمَرْأَةِ جُمْلَةً قَبْلَ أَنْ تَلِدَ، أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً، ثُمَّ أَجَازَ بَعْدَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَمْ يَجْعَلْ لِلزَّوْجِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَدْخَلًا، وَلَا حَدَّ ثُلُثًا مِنْ أَقَلَّ، وَلَا مِنْ أَكْثَرَ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُ هَذَا سَوَاءً سَوَاءً؛ لِأَنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، وَفِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً، وَفِيمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ - وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ، فَهَلَّا قَلَّدُوهُ هَهُنَا وَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ فِي غَيْرِ حَقِيقَةٍ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهَ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا: صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَدِينِهَا» قَالُوا: فَإِذَا نَكَحَهَا لِمَالِهَا فَلَهُ فِي مَالِهَا مُتَعَلَّقٌ؛ وَقَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُوصِي. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا تَحْرِيفٌ لِلسُّنَّةِ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَأَغَثُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ وَأَشَدُّهُ بُطْلَانًا -: أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِشَيْءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي إجَازَةِ الثُّلُثِ وَإِبْطَالِ مَا زَادَ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَطَاوُسٍ، وَاللَّيْثِ تَعَلُّقًا مُمَوَّهًا أَيْضًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الْمَرْأَةَ عَلَى الْمَرِيضِ فَهُوَ قِيَاسٌ لِلْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ، وَاحْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ فِي الْمَرِيضِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَكَانُوا قَدْ أَخْطَئُوا مِنْ وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّ الْمَرْأَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا احْتَاطُوا بِزَعْمِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ لَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيَاسُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَرِيضِ بَاطِلٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقِيسُونَ الشَّيْءَ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى ضِدِّهِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَا عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ وَلَا شَبَهَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، وَالْعِلَّةُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إمَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَإِمَّا عَلَى شَبَهٍ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمْ يُمْضُونَ فِعْلَ الْمَرِيضِ فِي الثُّلُثِ، وَيُبْطِلُونَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَهَهُنَا يُبْطِلُونَ الثُّلُثَ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ - فَقَدْ أَبْطَلُوا قِيَاسَهُمْ. وَالرَّابِعُ - أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ لِلْمَرْأَةِ ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ، وَلَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ - فَجَمَعُوا فِي هَذَا الْوَجْهِ مُنَاقَضَةَ الْقِيَاسِ، وَإِبْطَالَ أَصْلِهِمْ فِي الْحِيَاطَةِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَزَالُ تُعْطِي ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ حَتَّى تُذْهِبَ الْمَالَ إلَّا مَا لَا قَدْرَ لَهُ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ.

فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْمُوصِي؟ قُلْنَا: الْمُنَفِّذُ غَيْرُ الْمُوصِي وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا أَدْخَلْنَاهُ آنِفًا فِي قِيَاسِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ لِلزَّوْجِ طَرِيقًا فِي مَالِهَا إذْ قَدْ تَزَوَّجَ بِالْمَالِ؟ فَسَنَذْكُرُ مَا يَفْسُدُ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْرَ هَذَا فِي كَلَامِنَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ إنَّمَا هُوَ لَهُمْ، لَا لِلْمَالِكِيِّينَ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوجِبًا لِلْمَنْعِ مِنْ قَلِيلِ مَالِهَا وَكَثِيرِهِ. لَكِنْ نَسْأَلُهُمْ عَنْ الْحُرَّةِ لَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ، وَالْكَافِرَةِ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ، وَاَلَّتِي تُسْلِمُ تَحْتَ كَافِرٍ، هَلْ لِهَؤُلَاءِ مَنْعُهُنَّ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، تَنَاقَضُوا، وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، زَادُوا أُخْلُوقَةً. فَإِنْ قَالُوا: هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهَا مِنْ جَمِيعِ مَالِهَا، وَكَانَ الثُّلُثُ قَلِيلًا؟ قُلْنَا: هَذَا يَفْسُدُ مِنْ وُجُوهٍ: - أَحَدُهَا: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ كَغَيْرِهَا، وَلَا فَرْقَ؟ وَثَانِيهَا: أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: وَالْمَحْجُورُ السَّفِيهُ بِإِقْرَارِكُمْ إلَى مَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ كَمَا تُوجِبُونَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ. وَالصِّيَامَ، وَالزَّكَاةَ، وَالْحَجَّ، وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ فَأَبِيحُوا لَهُ الثُّلُثَ أَيْضًا بِهَذَا الدَّلِيلِ السَّخِيفِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الْمَرْأَةُ لَيْسَتْ سَفِيهَةً. قُلْنَا: فَأَطْلِقُوهَا عَلَى مَالِهَا وَدَعُوا هَذَا التَّخْلِيطَ بِمَا لَا يُعْقَلُ؟ وَثَالِثُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: إنَّهُ قَلِيلٌ - وَحَسْبُكُمْ هَذَا الَّذِي نَسْتَعِيذُ اللَّهَ مِنْ مِثْلِهِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الثُّلُثَ عِنْدَكُمْ مَرَّةً كَثِيرٌ فَتَرُدُّونَهُ كَالْجَوَائِحِ، وَمَرَّةً قَلِيلٌ فَتُنْفِذُونَهُ مِثْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَشِبْهَهُ - فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْآرَاءِ؟ وَخَامِسُهَا: أَنَّ حُجَّةَ الزَّوْجِ فِي مَالِهَا كَحُجَّةِ الْوَلَدِ، أَوْ الْوَالِدِ، أَوْ الْأَخِ، بَلْ مِيرَاثُ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْوَلَدِ لَيْسَ لَهُ إلَّا الرُّبْعُ، وَلِلْوَلَدِ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ - وَالْوَالِدُ وَالْوَلَدُ كَالزَّوْجِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ عَنْ الْمِيرَاثِ أَصْلًا، فَامْنَعُوهَا مَعَ الْوَلَدِ،

وَالْوَالِدِ، مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ بِهَذَا الِاحْتِيَاطِ الْفَاسِدِ، لَا سِيَّمَا وَحَقُّ الْأَبَوَيْنِ فِيمَا أُوجِبَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ إنْ افْتَقَرَا قَضَوْا بِنَفَقَتِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا وَإِسْكَانِهِمَا وَخِدْمَتِهِمَا عَلَيْهَا فِي مَالِهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - وَلَا يَقْضُونَ لِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا بِشَيْءٍ - وَلَوْ مَاتَ جُوعًا وَبَرْدًا - فَكَيْفَ احْتَاطُوا لِلْأَقَلِّ حَقًّا وَلَمْ يَحْتَاطُوا لِلْأَكْثَرِ حَقًّا - فَلَاحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ لِتَقْلِيدِ مَنْ أَخْطَأَ فِيهِ الْخَطَأَ الَّذِي لَا خَفَاءَ بِهِ، وَخَالَفَ فِيهِ كُلَّ مُتَقَدِّمٍ نَعْلَمُهُ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا لَيْسَ أَيْضًا فِي تَقْسِيمِهِمْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تُنَفِّذَ فِي مَالِهَا شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّذِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ» . وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ الْأَصْبَهَانِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَدِينِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ دَاوُد نا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ - قَالَ الصَّائِغُ: لَيْسَ هُوَ الْعَرْزَمِيُّ - عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ؟ قَالَ: لَا تَصَدَّقُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ. وَكَانَ عَلَيْهَا الْوِزْرُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ خَطَبَ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ فِي مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ قَالَ الرَّجُلُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، وَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ

لِامْرَأَةٍ شَيْءٌ فِي مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» هَذَا لَفْظُ طَاوُسٍ، وَلَفْظُ عِكْرِمَةَ " فِي مَالِهَا شَيْءٌ " مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلًا وَكُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ مَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَصِحَّ فَحُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَمُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبَاحَةِ الثُّلُثِ وَمَنْعِهِمْ مِمَّا زَادَ. فَأَمَّا الْخَبَرُ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ» فَلَيْسَ فِيهِ التَّغْبِيطُ بِذَلِكَ، وَلَا الْحَضُّ عَلَيْهِ، وَلَا إبَاحَتُهُ فَضْلًا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ فِيهِ الزَّجْرُ عَنْ أَنْ تُنْكَحَ لِغَيْرِ الدِّينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ» فَقَصَرَ أَمْرَهُ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ، فَصَارَ مَنْ نَكَحَ لِلْمَالِ غَيْرَ مَحْمُودٍ فِي نِيَّتِهِ تِلْكَ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُسْتَحَبٌّ؟ أَيُّ دَلِيلٍ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مَالِهَا بِكَوْنِهِ أَحَدَ الطَّمَّاعِينَ فِي مَالٍ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ جَارِهِ؟ وَهُوَ مَا طَابَتْ لَهُ بِهِ نَفْسُهَا وَنَفْسُ جَارِهِ وَلَا مَزِيدَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمَا إجْمَاعًا مَقْطُوعًا بِهِ مُتَيَقَّنًا أَنَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ؛ وَكِسْوَتَهُنَّ، وَإِسْكَانَهُنَّ، وَصَدُقَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ مِنْ الرِّجَالِ كَمَا جَعَلَهُ لِلرِّجَالِ مِنْهُنَّ سَوَاءً سَوَاءً - فَصَارَ بِيَقِينٍ مِنْ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي مَالِ زَوْجِهَا وَاجِبًا لَازِمًا، حَلَالًا يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَشَهْرًا بِشَهْرٍ، وَعَامًا بِعَامٍ، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَكَرَّةِ الطَّرَفِ، لَا تَخْلُو ذِمَّتُهُ مِنْ حَقٍّ لَهَا فِي مَالِهِ. بِخِلَافِ مَنْعِهِ مِنْ مَالِهَا جُمْلَةً، وَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ، إلَّا مَا طَابَتْ لَهُ نَفْسُهَا بِهِ، ثُمَّ تَرْجُو مِنْ مِيرَاثِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يَرْجُو الزَّوْجُ فِي مِيرَاثِهَا وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلرَّجُلِ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ أَوْجَبُ، وَأَحَقُّ فِي مَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا شِرْكًا وَاجِبًا فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي مَالِهَا إلَّا التَّبُّ وَالزَّجْرُ، فَيَا لَلْعَجَبِ فِي عَكْسِ الْأَحْكَامِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهَا مَنْعَهُ مِنْ مَالِهِ خَوْفَ أَنْ يَفْتَقِرَ فَيَبْطُلُ حَقُّهَا اللَّازِمُ؟ فَأُبْعِدَ وَاَللَّهِ وَأُبْطِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوجِبًا لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلَا حَظَّ إلَّا حَظُّ الْفِيلِ مِنْ الطَّيَرَانِ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إطْلَاقِهِمْ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ - وَهُوَ لَوْ

مَاتَ جُوعًا، أَوْ جَهْدًا، أَوْ هُزَالًا، أَوْ بَرْدًا، لَمْ يَقْضُوا لَهُ فِي مَالِهَا بِنَوَاةٍ يَزْدَرِدُهَا، وَلَا بِجِلْدٍ يَسْتَتِرُ بِهِ، فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا هَذَا؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِهَذَا الْكَلَامِ زَوْجًا مِنْ أَبٍ، وَلَا مِنْ أَخٍ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَمَا كَانَ فِيهَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَنْ يَقُومُوا بِالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِنَّ - وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ هَذَا لِلزَّوْجِ أَصْلًا بَلْ لَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تُوَكِّلَ فِي النَّظَرِ فِي مَالِهَا مَنْ شَاءَتْ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ زَوْجِهَا؟ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا بَيْعُ زَوْجِهَا لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا - لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ - لَا لِنَظَرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَلَا ابْتِيَاعِهِ لَهَا أَصْلًا - فَصَارَتْ الْآيَةُ مُخَالِفَةً لَهُمْ فِيمَا يَتَأَوَّلُونَهُ فِيهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ، فَذَاتُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ، وَغَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إنْ احْتَاجَتْ عَلَى أَهْلِهَا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَصَارَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَكَاسِرَةً لِقَوْلِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ رَوَاهُ عَنْ اللَّيْثِ - وَهُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ فِيهِ - عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ: «وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - نَا ابْنُ عَجْلَانَ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَيْرِ النِّسَاءِ؟ قَالَ: الَّتِي تُطِيعُ إذَا أَمَرَ، وَتَسُرُّ إذَا نَظَرَ، وَتَحْفَظُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» ثُمَّ لَوْ صَحَّ - وَمَالِهَا دُونَ مُعَارِضٍ - لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا فِيهِ النَّدْبُ فَقَطْ لَا الْإِيجَابُ، وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ، وَالْمَنْعُ مِنْ

الصَّدَقَةِ، وَفِعْلِ الْخَيْرِ لَيْسَ طَاعَةً، بَلْ هُوَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَهَالِكٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُوسَى بْنَ أَعْيَنَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَلَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا خَبَرُ طَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ فَمُرْسَلَانِ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ فَالتَّحْدِيدُ الْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهَا عَطِيَّةٌ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَلِدَ. أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً، فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، لَا إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَطَلَتْ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا إلَّا قَوْلُنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَمِنْ الْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19] فَبَطَلَ بِهَذَا مَنْعُهَا مِنْ مَالِهَا طَمَعًا فِي أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَانِعِ بِالْمِيرَاثِ أَبًا كَانَ، أَوْ زَوْجًا. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} [الأحزاب: 35] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون: 10] فَلَمْ يُفَرِّقْ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الرِّجَالِ فِي الْحَضِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَلَا بَيْنَ ذَاتِ أَبٍ بِكْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَاتِ أَبٍ ثَيِّبٍ، وَلَا بَيْنَ ذَاتِ زَوْجٍ. وَلَا أَرْمَلَةٍ - فَكَانَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ بَاطِلًا مُتَيَقَّنًا، وَظُلْمًا ظَاهِرًا مِمَّنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَلَّدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ «أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَاءَ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا إذْنَ الزُّبَيْرِ، وَلَا ثُلُثًا فَمَا دُونَ فَمَا فَوْقَ، بَلْ قَالَ لَهَا: ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ وَلَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ سَمِعْت عَطَاءً قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ

مسألة للمرأة أن تتصدق من مال زوجها

يَقُولُ: «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ - ثُمَّ خَطَبَ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَبِلَالٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ، فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي: الْخَاتَمَ، وَالْخُرْصَ، وَالشَّيْءَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ نا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ «أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَكَانَ يَقُولُ: تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ» فَهَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ بِالصَّدَقَةِ عُمُومًا. نَعَمْ، وَجَاءَ «وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» ، وَفِيهِنَّ الْعَوَاتِقُ الْمُخَدَّرَاتُ ذَوَاتُ الْآبَاءِ وَذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ " فَمَا خَصَّ مِنْهُنَّ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَفِيهِنَّ الْمُقِلَّةُ، وَالْغَنِيَّةُ فَمَا خَصَّ مِقْدَارًا دُونَ مِقْدَارٍ، وَهَذَا آخِرُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَبِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. [مَسْأَلَةٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا] 1397 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ زَائِدٌ، وَهُوَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، وَهِيَ مَأْجُورَةٌ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا إلَّا بِإِذْنِهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَبَطَلَ بِهَذَا حُكْمُ أَحَدٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ. ثُمَّ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا.

تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلَهَا مِثْلُهُ بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو وَائِلٍ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَأَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ مَسْرُوقٍ عَنْهَا أَيْضًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْجُهَّالِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ الْقَوِيَّةِ بِرِوَايَةٍ تُشْبِهُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ " وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِضَعْفِ الْعَرْزَمِيِّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلَا يُعَارِضُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِ مَنْ دُونَهُ إلَّا فَاسِقٌ - فَإِنْ قَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ رَوَى هَذَا وَهُوَ تَرَكَهُ؟ قُلْنَا: قَدْ مَضَى الْجَوَابُ، وَإِنَّمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا الِانْقِيَادُ لِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِلْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَمَّنْ دُونَهُ، نَعَمْ، وَلَا لِمَا صَحَّ عَمَّنْ دُونَهُ، وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا فِي رَأْيِهِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لَمَّا تَنَاقَضُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَابًا ضَخْمًا فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقَوْلُ بِهَذَا؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ

عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ امْرَأَتِهِ: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ هَلْ تَتَصَدَّقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ، مَا لَمْ تَقِ مَالَهَا بِمَالِهِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ: ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» . وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ أَزْوَاجِهِنَّ؟ قَالَ: الرُّطَبُ تَأْكُلِينَهُ وَتُهْدِينَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ قَالَ " الرَّطْبُ " بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ - وَفِي الْأَوَّلِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ، حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، لَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبَّادِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ، وَمَسْرُوقٍ، وَشَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْأَعْرَجِ، وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، هَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ فِي أَعْلَامٍ مَشَاهِيرَ بِمِثْلِ هَذَا السُّقُوطِ وَالضَّعْفِ الَّذِي لَوْ انْفَرَدَ عَنْ مُعَارِضٍ لَمْ يَحِلَّ الْأَخْذُ بِهِ. وَالْآخَرَانِ مُرْسَلَانِ، عَلَى أَنَّ فِيهِمَا خِلَافًا لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ، لِأَنَّ فِيهِ إبَاحَةَ الرُّطَبِ

مسألة العبد في جواز صدقته وهبته وبيعه وشرائه كالحر

جُمْلَةً، وَقَدْ تَعْظُمُ قِيمَتُهُ، وَقَدْ رُوِيَتْ مَرَاسِيلُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَاحِبَتِي تَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِي، وَتُطْعِمُ مِنْ طَعَامِي؟ قَالَ: أَنْتُمَا شَرِيكَانِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ نَهَيْتَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَهَا مَا نَوَتْ وَلَكَ مَا بَخِلْتَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ آخُذُ مِنْ مَالِ زَوْجِي فَأَتَصَدَّقُ بِهِ؟ قَالَ: الْخُبْزُ وَالتَّمْرُ، قَالَتْ: فَدَرَاهِمُهُ؟ قَالَ: أَتُحِبِّينَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْكِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَلَا تَأْخُذِي دَرَاهِمَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ - أَوْ نَحْوُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " غَيْرَ مُفْسِدَةٍ " فَهَذَا يَجْمَعُ الْبَيَانَ كُلَّهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فَمَنْ خَالَفَ هَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْعَبْدُ فِي جَوَازِ صَدَقَتِهِ وَهِبَتِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَالْحُرِّ] 1398 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَبْدُ فِي جَوَازِ صَدَقَتِهِ، وَهِبَتِهِ، وَبَيْعِهِ، وَشِرَائِهِ كَالْحُرِّ، وَالْأَمَةِ كَالْحُرَّةِ مَا لَمْ يَنْتَزِعْ سَيِّدُهُمَا مَالَهُمَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ، وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا. وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ - وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 9 - 10] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ، وَالْأَمَةَ مُخَاطَبَانِ بِالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، مُلْزَمَانِ بِتَخْلِيصِ

أَنْفُسِهِمَا، وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، مُوعَدَانِ بِالْجَنَّةِ، مُتَوَعَّدَانِ بِالنَّارِ كَالْأَحْرَارِ وَلَا فَرْقَ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا خَطَأٌ إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَفُحْشُ اضْطِرَابِهِمْ هَهُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَبَاحُوا التَّسَرِّي بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ الْعَبْدَ إنْ وَطِئَ أَمَةَ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ زَانٍ؟ فَيُقَالُ لِلْمَالِكِيِّينَ: لَا تَخْلُو هَذِهِ السُّرِّيَّةُ الَّتِي أَبَحْتُمْ فَرْجَهَا لِلْعَبْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِلْكَ يَمِينِهِ، فَهَذَا قَوْلُنَا، فَقَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِمَالِهِ، وَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ أَوْ تَكُونَ لَيْسَتْ مِلْكَ يَمِينِهِ وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكُ يَمِينِ سَيِّدِهِ، فَهُوَ زَانٍ عَادٍ، وَهَذَا مَا لَا مَخْرَجَ مِنْهُ، وَإِذَا مَلَكَهَا فَقَدْ مَلَكَ - بِلَا شَكٍّ - ثَمَنَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَاَلَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25] فَأَمَرَ تَعَالَى بِإِعْطَاءِ الْأَمَةِ صَدَاقَهَا، وَجَعَلَهُ مِلْكًا لَهَا، وَحَقًّا لَهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَنْ يُعْطِيَ أَحَدٌ مَالَ غَيْرِهِ، فَصَحَّ أَنَّهُنَّ مَالِكَاتٌ كَسَائِرِ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ وَلَا فَرْقَ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَقَالُوا: لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَصْلًا، وَلَمْ يُبِيحُوا لَهُ التَّسَرِّيَ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيِّينَ تَنَاقَضُوا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ نَفَقَةَ زَوْجِهِ وَكِسْوَتَهَا، فَلَوْلَا أَنَّهُ يَمْلِكُ لَمَا جَازَ أَنْ يَلْزَمَ غَرَامَةَ نَفَقَةِ وَكِسْوَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ، وَلَا مَنْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ نَفَقَةً أَصْلًا، لَكِنْ جَعَلُوهُ بِزَوَاجِهِ جَانِيًا جِنَايَةً تُوجِبُ أَنْ يُقْضَى بِرَقَبَتِهِ لِزَوْجَتِهِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إذَا مَلَكَتْهُ؟ فَهَلْ سُمِعَ بِأَبْرَدَ مِنْ هَذِهِ الْوَسَاوِسِ الْمُضَادَّةِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَعْقُولِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا؟ وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ مِلْكِ الْعَبْدِ بِأَنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ} [النحل: 75] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالُوا: الْعَبْدُ لَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ؟ وَقَالُوا: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلًا - كُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] فَلَا حُجَّةُ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَمَالِيكِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ} [النحل: 76] فَهَلْ يَجِبُ مِنْ هَذَا أَنْ تَكُونَ، هَذِهِ صِفَةَ كُلِّ أَبْكَمَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْأَبْكَمُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا؟ هَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُرُودِ الْآيَتَيْنِ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَحْرَارِ، وَفِي الْعَبِيدِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا الْعِدْل؛ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ كَذَلِكَ؟ وَالثَّانِي - هُوَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ، وَلَا دَلِيلَ، وَلَا إشَارَةَ عَلَى ذِكْرِ مِلْكٍ، وَلَا مَالٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّمَا فِيهَا نَفْيُ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ فَقَطْ، إمَّا بِضَعْفٍ وَإِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمْ إذَا أَسْقَطُوا مِلْكَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَأَحْرَى بِهِمْ أَنْ يُسْقِطُوا عَنْهُ بِهَا الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ - وَفِيهَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَوَضَحَ فَسَادُ تَعَلُّقِهِمْ بِهَا جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَرِثُ وَلَا يُوَرَّثُ، فَنَعَمْ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ - وَالْعَمَّةُ لَا تَرِثُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ وَيَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمِيرَاثِ مَنْ شَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] فَدَخَلَ فِي هَذَا بَنُو الْبَنَاتِ وَخَرَجُوا مِنْ الْأُولَى، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا لَنَا أَوْلَادًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ، فَنَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ إنْ كَانُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِلْعَةٌ جَعَلُوهُ لَا يَمْلِكُ؟ لِيُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلَاةَ، وَالطَّهَارَةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحُدُودَ؛ لِأَنَّ السِّلَعَ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] فَقَدْ وَعَدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْغِنَى، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى جَائِزَانِ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالْفَقْرِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ فَيَعْدَمُ مَرَّةً وَيَسْتَغْنِي أُخْرَى، وَأَمَّا مَنْ لَا يَمْلِكُ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِفَقْرٍ وَلَا بِغِنًى، كَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالسِّبَاعِ، وَالْجَمَادَاتِ، وَهَذَا وَاضِحٌ - وَالْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ فِي أَكْثَرِ عُهُودِهِمَا شَاهِدُ كُلِّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا هَهُنَا، إذْ لَمْ يَأْتِ فَرْقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوَامِرِ بِالْفَرْقِ فِي الْأَمْوَالِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِمَالِهِ لَمْ يُجِبْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعْوَتَهُ، وَقَدْ قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَأَكَلَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كَمَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نا ابْنُ إدْرِيسَ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ مِنْ فِيهِ قَالَ: كُنْت مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ وَاجْتَهَدْت فِي الْمَجُوسِيَّةِ - ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ - وَأَنَّهُ عَامَلَ رَكْبًا مِنْ كَلْبٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلُوهُ إلَى أَرْضِهِمْ، قَالَ: فَظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ، ثُمَّ بَاعَهُ ذَلِكَ الْيَهُودِيُّ مِنْ يَهُودِيٍّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قُدُومَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِقِبَا وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ وَضَعْتُهُ لِلصَّدَقَةِ، رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ فَجِئْتُكُمْ بِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كُلُوا، وَأَمْسَكَ هُوَ - ثُمَّ تَحَوَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْمَدِينَةِ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكَ بِهِ هَدِيَّةً؟ فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ أَسْلَمْتُ ثُمَّ شَغَلَنِي الرِّقُّ حَتَّى فَاتَنِي بَدْرٌ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِبْ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ -: فَقَدْ أَجَازَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَدَقَةَ الْعَبْدِ، وَهَدِيَّتَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الحجر على من لم يبلغ

نَعَمْ، وَأَجَازَهَا مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَاضِرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي أَنَّ عَبِيدَنَا لَا يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا، وَلَا هُمْ شُرَكَاءُ لَنَا فِيهَا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ: هَلْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ وَكَسْبَهُمْ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا انْتِزَاعُ السَّيِّدِ مَالَ عَبْدِهِ فَمُبَاحٌ، قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ فِي «الْغُلَامِ الَّذِي حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَرَاجِهِ؟ فَأُخْبِرَ، فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ» . فَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَ كَسْبِ عَبْدِهِ، فَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ: قَدْ انْتَزَعْت كَسْبَك؟ فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ الْعَبْدِ عَنْهُ وَصَارَ لِلسَّيِّدِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَجَر عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ] 1399 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، أَوْ بَلَغَ وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ وَلَا يَعْقِلُ أَوْ ذَهَبَ تَمْيِيزُهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مُمَيِّزًا -: فَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ وَلَا يَنْفُذُ لَهُمْ أَمْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يَبْرَأَ» . فَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفِيقُ تَارَةً وَيَعْقِلُ، وَيُجَنُّ أُخْرَى -: جَازَ فِعْلُهُ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُفِيقُ فِيهَا، وَبَطَلَ فِعْلُهُ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُجَنُّ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي سَاعَاتِ عَقْلِهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي سَاعَاتِ جُنُونِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ مَالُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، فَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ وَصِيٌّ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ قَاضٍ كُلُّ مَنْ نَظَرَ لَهُ نَظَرًا حَسَنًا فِي بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ عَمَلٍ مَا -: فَهُوَ نَافِذٌ لَازِمٌ لَا يُرَدُّ، وَإِنْ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْوَصِيُّ مَا لَيْسَ نَظَرًا لَمْ يَجُزْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135]- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] .

مسألة لا يدفع إلى من لم يبلغ شيء من ماله

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] . وقَوْله تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَهُوَ وَلِيٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لَهُ بِالْأَحْوَطِ وَبِالْقِيَامِ لَهُ بِالْقِسْطِ، وَبِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ فَكُلُّ بِرٍّ وَتَقْوَى أَنْفَذَهُ الْمُسْلِمُ لِلصَّغِيرِ، وَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ نَافِذٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ بِإِفْرَادِ الْوَصِيِّ بِذَلِكَ وَرَدَ مَا سِوَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَجِيزُوا هَذَا فِي الصَّغِيرِ الَّذِي لَهُ أَبٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَكَذَا نَقُولُ، وَلَوْ أَنَّ أَبَاهُ يُسِيءُ لَهُ النَّظَرَ لَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: فَأَجِيزُوا هَذَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِهَذَا اللَّيْلِ نَفْسِهِ؟ قُلْنَا: مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَالْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ الْمُتَمَلِّكُ مَالَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْسِبَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مُخَاطَبًا وَلَا مُكَلَّفًا وَلَا مُمَلَّكًا مَالَهُ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ غَيْرَهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِإِصْلَاحِ مَالِهِ، فَمَنْ سَارَعَ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقُّهُ، وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ الَّذِي يُضَيِّعُ مَالَهُ، فَكُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى حُسْنِ النَّظَرِ فِيهِ نَفَذَ ذَلِكَ، إلَّا فِيمَا يُمْنَعُ مِنْهُ إذَا قُدِّمَ وَكَانَ لَا ضَرَرَ فِي تَرْكِ إنْفَاذِهِ فَهَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ إنْفَاذُهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُدْفَعَ إلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ] 1400 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، وَلَا نَفَقَةُ يَوْمٍ - فَضْلًا عَنْ ذَلِكَ - إلَّا مَا يَأْكُلُ فِي وَقْتِهِ، وَمَا يَلْبَسُ لِطَرْدِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مِنْ لِبَاسِ مِثْلِهِ، وَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. 1401 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ مَا وَجَبَ بَيْعُهُ لِصَغِيرٍ، أَوْ لِمَحْجُورٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، أَوْ لِمُفْلِسٍ، أَوْ لِغَائِبٍ بِحَقٍّ، أَوْ ابْتَاعَ لَهُمْ مَا وَجَبَ ابْتِيَاعُهُ، أَوْ بَاعَ فِي وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ ابْتَاعَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْمَحْجُورِ، أَوْ لِلصَّغِيرِ، أَوْ لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ أَوْ لِلْغَائِبِ، أَوْ بَاعَ لَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ، إنْ لَمْ يُحَابِ نَفْسَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَا غَيْرَهُ -: جَازَ، وَإِنْ حَابَى نَفْسَهُ، أَوْ غَيْرَهُ: بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ، فَإِذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ، فَ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ بِالْمَنْعِ مِنْ ابْتِيَاعٍ مِمَّنْ يَنْظُرُ لَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِي لَهُ مِنْ نَفْسِهِ؟

مسألة الوصي لا يأكل من مال من إلى نظره مطارفة

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى فَرَسٍ، فَقَالَ: إنَّ عَمِّي أَوْصَى إلَيَّ بِتَرِكَتِهِ وَهَذَا مِنْهَا أَفَأَشْتَرِيه؟ قَالَ: لَا، وَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا قُلْنَا: قَدْ رُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ. أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحْوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ غُلَيْبِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ نا أَبُو الْأَحْوَصِ نا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ يَرْفَا مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: أَنْزَلْت مَالَ اللَّهِ تَعَالَى مِنِّي بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْيَتِيمِ، إنْ احْتَجْت إلَيْهِ أَخَذْت مِنْهُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْت. فَهَذَا عُمَرُ لَا يُنْكِرُ الِاسْتِقْرَاضَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ. وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ قَرْضًا وَرَدِّ مِثْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ وَإِعْطَاءِ مِثْلِهِ نَقْدًا. فَإِنْ قَالُوا: يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا: وَيُتَّهَمُ أَيْضًا أَنَّهُ يُدَلِّسُ أَيْضًا فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يَبِيعُهُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَأْكُلُ وَيَخُونُ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ اسْتَجَازَ عَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَمَنْ فِي وِلَايَتِهِ فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَا يَشْتَرِي مِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَجِيزَ ذَلِكَ فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يَبِيعُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ - وَمَا جَعَلَ اللَّهُ قَطُّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقًا يُعْقَلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَبْتَاعُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ شَيْئًا - وَرُوِيَ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً أُخْرَى: إنْ ابْتَاعَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ جَازَ وَأَمَّا بِالْقِيمَةِ فَأَقَلَّ فَلَا - وَقَالَ مَالِكٌ يُحْمَلُ إلَى السُّوقِ فَإِنْ بَلَغَ أَكْثَرَ بَطَلَ عَقْدُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ لَازِمٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ هَذَا وَأَجَازُوا أَنْ يَرْهَنَ عَنْ نَفْسِهِ مَالَ يَتِيمِهِ، وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ يَتِيمِهِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَعَكْسٌ لِلْحَقَائِقِ. وَقَالَ بِقَوْلِنَا أَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَعَلَى، كُلِّ حَالٍ قَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْوَصِيّ لَا يَأْكُل مِنْ مَالِ مَنْ إلَى نَظَرِهِ مُطَارَفَةً] 1402 - مَسْأَلَةٌ: مُسْتَدْرَكَةٌ -: وَلَا يَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَنْ إلَى نَظَرِهِ

مُطَارَفَةً، لَكِنْ إنْ احْتَاجَ اسْتَأْجَرَهُ لَهُ الْحَاكِمُ بِأُجْرَةٍ مِثْلِ عَمَلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] قُلْنَا: قَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إنَّ هَذَا الْأَكْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، لَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] فَهِيَ حَرَامٌ أَشَدُّ التَّحْرِيمِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْأُجْرَةِ أَوْ الْبَيْعِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الإكراه

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] [مَسْأَلَةٌ الْإِكْرَاهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ] ِ 1403 - مَسْأَلَةٌ: الْإِكْرَاهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: إكْرَاهٌ عَلَى كَلَامٍ، وَإِكْرَاهٌ عَلَى فِعْلٍ -: فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْكَلَامِ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ قَالَهُ الْمُكْرَهُ، كَالْكُفْرِ، وَالْقَذْفِ، وَالْإِقْرَارِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْإِنْكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَالِابْتِيَاعِ، وَالنَّذْرِ، وَالْإِيمَانِ، وَالْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ، وَإِكْرَاهِ الذِّمِّيِّ الْكِتَابِيِّ عَلَى الْإِيمَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِلَّفْظِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَاكِي بِلَا خِلَافٍ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ يَنْوِهِ مُخْتَارًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - كُلُّ مَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَهَذَا يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ ضَرُورَةٌ، فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى مُبَاحًا لَهُ إتْيَانُهُ. وَالثَّانِي - مَا لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَالْقَتْلِ، وَالْجِرَاحِ، وَالضَّرْبِ، وَإِفْسَادِ الْمَالِ، فَهَذَا لَا يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ، فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ وَالضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى مُحَرَّمًا عَلَيْهِ إتْيَانُهُ. وَالْإِكْرَاهُ: هُوَ كُلُّ مَا سُمِّيَ فِي اللُّغَةِ إكْرَاهًا، وَعُرِفَ بِالْحِسِّ أَنَّهُ إكْرَاهٌ كَالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ مِمَّنْ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ إنْفَاذُ مَا تَوَعَّدَ بِهِ، وَالْوَعِيدُ بِالضَّرْبِ كَذَلِكَ أَوْ الْوَعِيدُ بِالسَّجْنِ كَذَلِكَ، أَوْ الْوَعِيدُ بِإِفْسَادِ الْمَالِ كَذَلِكَ، أَوْ الْوَعِيدُ فِي مُسَلِّمٍ غَيْرَهُ بِقَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ

مسألة أكره على شرب الخمر أو أكل الخنزير

سَجْنٍ، أَوْ إفْسَادِ مَالٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» . [مَسْأَلَةٌ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ] 1404 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ الْمَيْتَةِ، أَوْ الدَّمِ، أَوْ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ أَكْلِ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ -: فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَيَشْرَبَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَلَا ضَمَانَ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] . فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى أَكْلِ مَالِ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ؛ لِأَنَّ هَكَذَا هُوَ حُكْمُ الْمُضْطَرِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَبَحْتُمْ قَتْلَ النَّفْسِ لِلْمُكْرَهِ، وَالزِّنَى، وَالْجِرَاحَ، وَالضَّرْبَ، وَإِفْسَادَ الْمَالِ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُبِحْ لَهُ قَطُّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا بِظُلْمِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الظَّالِمِ أَوْ قِتَالُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُ قَطُّ الْعَوْنَ عَلَى الظُّلْمِ - لَا لِضَرُورَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا - وَإِنَّمَا فَسَّحَ لَهُ - إنْ عَجَزَ - فِي أَنْ لَا يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِقَلْبِهِ وَلَا بُدَّ، وَالصَّبْرُ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، وَأُبِيحَ لَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ -: الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أُمْسِكَتْ امْرَأَةٌ حَتَّى زَنَى بِهَا] 1405 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أُمْسِكَتْ امْرَأَةٌ حَتَّى زَنَى بِهَا، أَوْ أُمْسِكَ رَجُلٌ فَأُدْخِلَ إحْلِيلُهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا، سَوَاءٌ انْتَشَرَ أَوْ لَمْ يَنْتَشِرْ، أَمْنَى أَوْ لَمْ يُمْنِ،

مسألة كان في سبيل معصية فلم يجد شيئا يأكل إلا الميتة

أَنْزَلَتْ هِيَ أَوْ لَمْ تُنْزِلْ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَفْعَلَا شَيْئًا أَصْلًا وَالِانْتِشَارُ وَالْإِمْنَاءُ فِعْلُ الطَّبِيعَةِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَرْءِ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي سَبِيلِ مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَأْكُلُ إلَّا الْمَيْتَةَ] 1406 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ مَعْصِيَةٍ كَسَفَرٍ لَا يَحِلُّ، أَوْ قِتَالٍ لَا يَحِلُّ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَأْكُلُ إلَّا الْمَيْتَةَ، أَوْ الدَّمَ، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ لَحْمَ سَبُعٍ أَوْ بَعْضَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ -: لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ إلَّا حَتَّى يَتُوبَ، فَإِنْ تَابَ فَلِيَأْكُلْ حَلَالًا، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ أَكَلَ أَكَلَ حَرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ حَالٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَقَالَ مَالِكٌ: يَأْكُلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ بِلَا كُلْفَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي حَالٍ يَكُونُ فِيهَا غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ، وَلَا بَاغِيًا، وَلَا عَادِيًا، وَأَكْلُهُ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَقُوَّةٌ لَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَفَسَادِ السَّبِيلِ، وَقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. فَقَالُوا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] أَيْ غَيْرَ بَاغٍ فِي الْأَكْلِ وَلَا عَادٍ فِيهِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا الْبَاطِلُ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِزِيَادَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، أَصْلًا لِأَنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. فَإِنْ قَالُوا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فَهُوَ إنْ لَمْ يَأْكُلْ قَاتِلٌ نَفْسَهُ؟ فَقُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ حَقٌّ، وَمَا أَمَرْنَاهُ قَطُّ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ قُلْنَا لَهُ: افْعَلْ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْك مِنْ التَّوْبَةِ، وَاتْرُكْ مَا حَرَّمَ عَلَيْك مِنْ السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَالْبَغْيِ، وَكُلْ فِي الْوَقْتِ حَلَالًا طَيِّبًا، فَإِنْ أَضَفْتُمْ إلَى خِلَافِكُمْ الْقُرْآنَ الْإِبَاحَةَ لَهُ أَنْ لَا يَتُوبَ، وَأَمْرَهُ بِأَنْ يُصِرَّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَمَا أَرَدْنَا مِنْكُمْ إلَّا أَقَلَّ مِنْ هَذَا؟ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لَا يَلْزَمُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَا عَلَى الشِّرَاءِ، وَلَا عَلَى الْإِقْرَارِ، وَلَا عَلَى الْهِبَةِ، وَلَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ الطَّلَاقِ، أَوْ الرَّجْعَةِ، أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ النَّذْرِ، أَوْ

الْيَمِينِ -: لَزِمَهُ كُلُّ ذَلِكَ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ، وَصَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ، وَذَلِكَ الطَّلَاقُ، وَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَتِلْكَ الرَّجْعَةُ، وَلَزِمَهُ ذَلِكَ النَّذْرُ، وَتِلْكَ الْيَمِينُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَحَلَفَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لَتَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّهَا ثَلَاثًا؟ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا خَرَجَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ طَلَاقًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَيْسَ لِمُسْتَكْرَهٍ طَلَاقٌ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَخَذَ رَجُلًا أَهْلُ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ، فَجَاءَ الْأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ شَيْئًا، فَخَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ نا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلَاقٌ. وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ الْأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْت كُلَّ فَقِيهٍ بِالْمَدِينَةِ عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ؟ فَقَالُوا: لَيْسَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَابْنَ عُمَرَ، فَرَدَّا عَلَيَّ امْرَأَتِي، وَكَانَ قَدْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا ثَلَاثًا. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا: عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَشُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَصَحَّ إجَازَةُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا -. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَالْمُكْرَهُ لَمْ يُطَلِّقْ قَطُّ، إنَّمَا قِيلَ لَهُ: قُلْ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا؟ فَحَكَى قَوْلَ الْمُكْرِهِ لَهُ فَقَطْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَخْلِيطِهِمْ، وَقِلَّةِ حَيَائِهِمْ يَحْتَجُّونَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي إجَازَةِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، ثُمَّ لَا يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِنْ قَالُوا: الْبَيْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَرَاضٍ؟ قُلْنَا: وَالطَّلَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رِضًا مِنْ الْمُطَلِّقِ وَنِيَّةٍ لَهُ بِالنُّصُوصِ الَّتِي قَدَّمْنَا.

ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْعُمُومَ وَلَمْ يُجِيزُوا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَلَا طَلَاقَ النَّائِمِ، فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ هَذَانِ مُطَلِّقَيْنِ؟ قُلْنَا: وَلَا الْمُكْرَهُ مُطَلِّقًا. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا هَهُنَا فَقَالُوا: الْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْغَيْبِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ صِحَّةٍ، فَأَخْبِرُونَا هَلْ وَقَعَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ صَحِيحًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: وَقَعَ صَحِيحًا، فَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ إلَّا بِرِضَاهُمَا، أَوْ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا وَهُوَ قَوْلُهُمْ؟ قُلْنَا: فَقِيَاسُكُمْ مَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى مَا صَحَّ بَاطِلٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَعَلَى مَا لَا يُشْبِهُهُ. وَقُلْنَا لَهُمْ أَيْضًا: وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ مِنْ الْمُكْرَهِ وَقَعَ بَاطِلًا، وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ -: مِنْهَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي الْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ الْجُبْلَانِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ الطَّائِيِّ «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَتْ امْرَأَتُهُ سِكِّينًا عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ: ضَعِيفَانِ، وَالْغَازِيَ بْنَ جَبَلَةَ مَجْهُولٌ، وَصَفْوَانَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ مُطَيَّنٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ يُوسُفَ التَّمِيمِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ

مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِلَّةُ حَيَاءٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ هُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ، عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ أَنْ يُسْقِطُوا كُلَّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى بَعْضَهَا، وَخَالَفَهُ كَمَا فَعَلُوا فِيمَا كَذَبُوا فِيهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ تَرْكِهِ مَا رَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ. وَأَيْضًا: فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ طَلَاقَ النَّائِمِ يَتَكَلَّمُ فِي نَوْمِهِ بِالطَّلَاقِ، وَلَا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَا مَعْتُوهَيْنِ، وَلَا مَغْلُوبَيْنِ عَلَى عُقُولِهِمَا. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي غَضَبٍ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنٌ، أَوْ بَرِّيَّةٌ، أَوْ حَرَامٌ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك - وَنَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهِيَ لَازِمَةٌ - وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ لَازِمَةٌ - وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَزِمَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ تَلْزَمْ الْأُخْرَى. فَمَنْ أَرَقُّ دِينًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً أَصْلًا، وَاحْتَجُّوا بِالْآثَارِ الْوَارِدَةِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ.» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهِيَ آثَارٌ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ مُجِدًّا فِي طَلَاقِهِ، وَلَا هَازِلًا، فَخَرَجَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُكْمٌ فِي ذَلِكَ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَأَيُّ عَجَبٍ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْأُكْذُوبَاتِ الَّتِي هِيَ إمَّا مِنْ رِوَايَةِ كَذَّابٍ، أَوْ مَجْهُولٍ، أَوْ ضَعِيفٍ، أَوْ مُرْسَلَةٌ، ثُمَّ يَعْتَرِضُ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.» فَإِنْ قَالَ: سَأَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَبَاهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ رَوَاهُ شَيْخٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٌ. قَالَ مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا كَذِبٌ، وَبَاطِلٌ، لَيْسَ يُرْوَى إلَّا الْحَسَنُ عَنْ النَّبِيِّ - فَاعْجَبُوا لِلْعَجَبِ إنَّمَا كَذَّبَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - وَمِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَدَقَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ -: فَهَذَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَدَّلَ الْأَسَانِيدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، أَوْ كَذَبَ إنَّ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْخَبَرُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِأَنْتَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ، أَمَا هَذَا عَجَبٌ؟ ثُمَّ قَالُوا: كَيْفَ يُرْفَعُ عَنْ النَّاسِ مَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ؟ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ حَمَلَهُمْ قِلَّةُ الدِّينِ وَعَدَمُ الْحَيَاءِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ الَّذِي هُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ بِذَاتِهِ كَمَا هُوَ عَائِدٌ فِي رَفْعِهِمْ الْإِكْرَاهَ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْإِقْرَارِ، وَالصَّدَقَةِ. ثُمَّ هُوَ كَلَامٌ سَخِيفٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ: إنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يَقُلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ، وَلَا أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، لَكِنَّهُ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ رُفِعَ عَنْهُ حُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ، كَمَا رُفِعَ عَنْ الْمُصَلِّي فِعْلُهُ بِالسَّهْوِ فِي السَّلَامِ، وَالْكَلَامِ، وَعَنْ الصَّائِمِ أَكْلُهُ، وَشُرْبُهُ، وَجِمَاعُهُ سَهْوًا، وَعَنْ الْبَائِعِ مُكْرَهًا بَيْعُهُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبْطَالِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَابْتِيَاعِهِ، وَإِقْرَارِهِ، وَهِبَتِهِ، وَصَدَقَتِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: إنَّنَا وَجَدْنَا الْمُكْرَهَةَ عَلَى إرْضَاعِ

الصَّبِيِّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ مِمَّا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ طَائِعَةً. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالِابْتِيَاعِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْإِقْرَارِ - ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إنَّ الرَّضَاعَ لَا يُرَاعَى فِيهِ نِيَّةٌ، بَلْ رَضَاعُ الْمَجْنُونَةِ، وَالنَّائِمَةِ، كَرَضَاعِ الْعَاقِلَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يُحَرَّمُ مِنْ النَّسَبِ» فَلَا مَدْخَلَ لِلْإِرَادَةِ فِي الرَّضَاعِ، وَلَا هُوَ عَمَلٌ أُمِرَتْ بِهِ فَيُرَاعَى فِيهِ نِيَّتُهَا -. وَقَالُوا: وَجَدْنَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَةِ ابْنِهِ يُحَرِّمُهَا عَلَى الِابْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْإِقْرَارِ -. وَجَوَابُنَا نَحْنُ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ فَرْجُهُ فَأُدْخِلَ فِي فَرْجِهَا لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْكِحْهَا - وَأَمَّا إنْ تُهُدِّدَ، أَوْ ضُرِبَ حَتَّى جَامَعَهَا بِنَفْسِهِ قَاصِدًا -: فَهُوَ زَانٍ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَتُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْإِكْرَاهِ هَهُنَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَنَقُولُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّكُمْ وَجَدْتُمْ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ: هَذِهِ الْآثَارَ الْمَكْذُوبَةَ، فَأَيُّ شَيْءٍ وَجَدْتُمْ فِي النِّكَاحِ؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَلْزَمْتُمُوهُ؟ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبْطَالُهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَمِّعٍ، ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ «عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامِ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ نا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي - وَهِيَ كَارِهَةٌ - فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهَا» . وَهَذَانِ سَنَدَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لَا مُعَارِضَ لَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنْ حَكَمَ بِإِمْضَاءِ نِكَاحِ مُكْرَهٍ، أَوْ طَلَاقِ مُكْرَهٍ، أَوْ عِتْقِ مُكْرَهٍ،

مسألة لا فرق بين إكراه السلطان أو اللصوص

فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ أَبَدًا، الْوَطْءُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الْعِتْقِ - إنْ تَزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةَ وَالْمُعْتَقَةَ -: زَانٍ يُجْلَدْ، وَيُرْجَمْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُجْلَدْ مِائَةً وَيُغَرَّبْ عَامًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْإِكْرَاهَ عَلَى الرِّدَّةِ تُبِينُ الزَّوْجَةَ، وَالرِّدَّةُ عِنْدَهُمْ تُبَيِّنُهَا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ فِي إجَازَتِهِمْ الطَّلَاقَ بِالْكُرْهِ. 1407 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى سُجُودٍ لِصَنَمٍ، أَوْ لِصَلِيبٍ، فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى مُبَادِرًا إلَى ذَلِكَ، وَلَا يُبَالِي فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ ذَلِكَ الصَّنَمُ، وَالصَّلِيبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] [مَسْأَلَةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ إكْرَاهِ السُّلْطَانِ أَوْ اللُّصُوصِ] 1408 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إكْرَاهِ السُّلْطَانِ، أَوْ اللُّصُوصِ، أَوْ مَنْ لَيْسَ سُلْطَانًا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ الْإِكْرَاهُ بِضَرْبِ سَوْطٍ] 1409 - مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: الْإِكْرَاهُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ -: لَيْسَ إكْرَاهًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَالضَّرْبُ كُلُّهُ سَوْطٌ ثُمَّ سَوْطٌ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ -: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، قَالَ: نا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٌ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّفَنِي كَلَامًا يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ إلَّا كُنْت مُتَكَلِّمًا بِهِ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ. [مَسْأَلَةٌ إلْزَامِ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ بِالْكُرْهِ] 1410 - مَسْأَلَةٌ: وَاحْتَجُّوا فِي إلْزَامِ النَّذْرِ، وَالْيَمِينِ بِالْكُرْهِ: بِحَدِيثٍ فَاسِدٍ مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوهُ - وَهُوَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَدْرٍ فَأَحْلَفُوهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ مُحَمَّدًا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ وَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ الْمَانِعُونَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ فِي طَرِيقِ بَدْرٍ، وَحُذَيْفَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، إنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَلِيفٌ

لِلْأَنْصَارِ وَنَصُّ الْقُرْآنِ. يُخْبِرُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا بِبَدْرٍ عَنْ وَعْدٍ، وَلَا عِلْمِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى قَرُبَ الْعَسْكَرَانِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ إلَّا كَثِيبُ رَمْلٍ فَقَطْ - وَمِثْلُهُمْ احْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِنْفَاذِ عَهْدٍ بِمَعْصِيَةٍ. لَيْتَ شِعْرِي لَوْ عَاهَدُوا إنْسَانًا عَلَى أَنْ لَا يُصَلِّيَ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ، أَكَانَ يَلْزَمُهُمْ هَذَا عِنْدَهُمْ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

كتاب البيوع

[كِتَابُ الْبُيُوعِ] [مَسْأَلَةٌ الْبَيْعُ قِسْمَانِ] ِ 1411 - مَسْأَلَةٌ: - الْبَيْعُ قِسْمَانِ -: إمَّا بَيْعُ سِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ مَرْئِيَّةٍ مُقَلَّبَةٍ بِسِلْعَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ بِسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَائِبَةٍ مَعْرُوفَةٍ مَوْصُوفَةٍ، أَوْ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بِدَرَاهِمَ -: كُلُّ ذَلِكَ حَاضِرٌ مَقْبُوضٌ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: بَيْعُ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَائِبَةٍ مَعْرُوفَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ بِمِثْلِهَا، أَوْ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بِدَرَاهِمَ -: كُلُّ ذَلِكَ حَاضِرٌ مَقْبُوضٌ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. أَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ الْمَرْئِيِّ الْمُقَلَّبِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ حَاضِرَةٍ مَقْبُوضَةٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ -: فَمُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ. وَأَمَّا بَيْعُ سِلْعَةٍ غَائِبَةٍ بِعَيْنِهَا مَرْئِيَّةٍ مَوْصُوفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَفِيهِ خِلَافٌ فَأَحَدُ قَوْلِيِّ الشَّافِعِيِّ: الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ جُمْلَةً - وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ جَائِزٌ وَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ مَرَّةً: مِثْلَ قَوْلِنَا فِي جَوَازِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَجَوَازِ النَّقْدِ فِيهِ وَلُزُومِ الْبَيْعِ إذَا وُجِدَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا بِلَا خِيَارٍ فِي ذَلِكَ. وَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الْغَائِبَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ النَّقْدَ فِيهَا جُمْلَةً فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ - وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ النَّقْدَ فِي الضِّيَاعِ وَالدُّورِ - قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ - وَأَمَّا الْعُرُوض فَإِنَّهُ أَجَازَ النَّقْدَ فِيهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ بَعِيدًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَيْعُ الْغَائِبَاتِ جَائِزٌ مَوْصُوفَةً وَغَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، وَالنَّقْدُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إذَا رَأَى مَا اشْتَرَى، فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَأَنْ يُمْضِيَهُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لَهُ، أَوْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ.

وَلَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إمْضَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَا اشْتَرَى. وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ مَالَهُ مِنْ الْخِيَارِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَمْضَى الْبَيْعَ وَالْتَزَمَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا كَانَ - فَإِذَا رَأَى وَجْهَ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَى وَهِيَ غَائِبَةٌ وَلَمْ يُقَلِّبْ سَائِرَهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ، وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ - وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْعَبْدِ سَوَاءً سَوَاءً. قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى دَابَّةً غَائِبَةً فَرَأَى عَجُزَهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَرَ سَائِرَهَا وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ - وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ حَاشَا بَنِي آدَمَ. قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى ثِيَابًا غَائِبَةً أَوْ حَاضِرَةً مَطْوِيَّةً فَرَأَى ظُهُورَهَا وَمَوَاضِعَ طَيِّهَا وَلَمْ يَنْشُرْهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ. قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى ثِيَابًا هَرَوِيَّةً فِي جِرَابٍ أَوْ ثِيَابًا زُطِّيَّةً فِي عِدْلٍ، أَوْ سَمْنًا، فِي زُقَاقٍ، أَوْ زَيْتًا كَذَلِكَ، أَوْ حِنْطَةً فِي غِرَارَةً، أَوْ عُرُوضًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، أَوْ حَيَوَانًا وَلَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: فَإِنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ حَتَّى يَرَى كُلَّ مَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ رَأَى جَمِيعَ الثِّيَابِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا أَوْ جَمِيعَ الدَّوَابِّ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ، وَسَوَاءٌ وَجَدَ كُلَّ مَا رَأَى كَمَا وُصِفَ لَهُ بِخِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ، إلَّا السَّمْنَ وَالزَّيْتَ، وَالْحِنْطَةَ، فَإِنَّهُ إنْ رَأَى بَعْضَ ذَلِكَ فَكَانَ مَا لَمْ يَرَ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى: فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ. قَالَ: فَإِنْ ابْتَاعَ دَارًا فَرَآهَا مِنْ خَارِجِهَا وَلَمْ يَرَهَا مِنْ دَاخِلٍ: فَقَدْ لَزِمَتْهُ وَسَقَطَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ - وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ إلَّا حَتَّى يَرَى مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَمْسُ الْأَعْمَى لِبَابِ الدَّارِ وَلِحَائِطِهَا: يُسْقِطُ خِيَارَهُ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ، وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إذَا رَأَى مَا ابْتَاعَ إلَّا بِمَحْضَرِ الْبَائِعِ، فَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شِرَاءً وَاحِدً غَائِبًا فَرَأَيَاهُ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَأَجَازَهُ الْآخَرُ فَلَا يَجُوزُ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَرُدَّاهُ مَعًا.

قَالُوا: فَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَقْبِضَ لَهُ مَا اشْتَرَى فَرَأَى الرَّسُولُ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ وَقَبَضَهُ فَالْمُشْتَرِي بَاقٍ عَلَى خِيَارِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَرَأَى الْوَكِيلُ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ وَقَبَضَهُ فَقَدْ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَسْقُطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً: الْخِيَارُ أَيْضًا لِلْبَائِعِ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَ كَمَا لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ وَفِي ذَلِكَ أَثَرٌ، وَهُوَ أَنَّ عُثْمَانَ بَاعَ مِنْ طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَرْضًا بِالْكُوفَةِ، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غَبَنْت، فَقَالَ عُثْمَانُ: لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَ، وَقَالَ طَلْحَةُ: بَلْ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَ -: فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، فَقَضَى: أَنَّ الْخِيَارَ لِطَلْحَةَ لَا لِعُثْمَانَ - وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي مَعًا كَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ إسْمَاعِيلُ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ فِيمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ كَائِنًا مَا كَانَ، قَالُوا: هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: هُوَ بِالْخِيَارِ وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا شَرَطَ لَهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - وَالنَّقْدُ عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: إذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَرَهُ وَنُعِتَ لَهُ فَوَافَقَ النَّعْتَ وَجَبَ فِي عِتْقِهِ. قَالَ الْحَجَّاجُ: وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ وَلَمْ يَرَهُ فَوَصَفَهُ لَهُ الْبَائِعُ فَجَاءَ عَلَى الْوَصْفِ فَهُوَ لَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ. قَالَ أَيُّوبُ: وَلَا أَعْلَمُ رَجُلًا اشْتَرَى بَيْعًا لَمْ يَرَهُ فَوَصَفَهُ لَهُ الْبَائِعُ فَوَجَدَهُ عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ إلَّا هُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ فِيمَنْ اشْتَرَى

الْعِدْلَ مِنْ الْبُرِّ فَنَظَرَ بَعْضُ التُّجَّارِ إلَى بَعْضِهِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرَ عُوَارًا فِيمَا لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ رَآهُ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَرَهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَرَاهُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ مَا نَعْلَمُهُ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ - فَأَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا فَأَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لَا تُؤْثَرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ - نَعْنِي الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ مِمَّا يَرَى مِنْ الرَّقِيقِ، وَمِمَّا يَرَى مِنْ الدَّوَابِّ، وَمِمَّا يَرَى مِنْ الثِّيَابِ الزُّطِّيَّةِ فِي الْوِعَاءِ، وَمَا يَرَى مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي عِدْلٍ، وَمَا يَرَى مِنْ السَّمْنِ، وَالزَّيْتِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالدُّورِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَسَاوِسُ لَا حَظَّ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَقْلِ، وَلَا لَهَا مَجَازٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَلَا السُّنَنِ، وَلَا الرِّوَايَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ - لَا جَلِيٍّ وَلَا خَفِيٍّ - وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ حَظٌّ مِنْ السَّدَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْقَوْلُ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلَا مَالِكٍ جَمِيعًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، وَلَا نَعْلَمُهُمَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَمَا لَهُمْ شُبْهَةٌ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا عَنْهُ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرْنَا كِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِصَاحِبِهِ - فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَدْ خَالَفَ الْعَمَلَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَخِلَافُ الْمَرْءِ لِمَا يَرَاهُ حُجَّةً قَاطِعَةً فِي الدِّينِ عَظِيمٌ جِدًّا، وَلَيْسَ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَى كِلَيْهِمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ تَحْدِيدَهُ جَوَازَ النَّقْدِ - إنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَرِيبًا - وَمَنْعَهُ مِنْ النَّقْدِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَعِيدًا - وَهُوَ لَمْ يَحُدَّ مِقْدَارَ الْبُعْدِ الَّذِي يُحَرَّمُ فِيهِ النَّقْدُ مِنْ الْقُرْبِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ النَّقْدُ عَجَبٌ جِدًّا؟ وَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُحَرِّمُ وَيُحَلِّلُ ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لِمَنْ يَتْبَعُهُ الْعَمَلَ الْمُحَرَّمَ لِيَجْتَنِبَهُ مِنْ الْمُحَلَّلِ لِيَأْتِيَهُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ - بِأَنْ قَالَ: إنْ نَقَدَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ وَجَدَهُ عَلَى خِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ فَرَدَّ الْبَيْعَ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ انْتَفَعَ بِالثَّمَنِ مُدَّةً فَصَارَ ذَلِكَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ أَفْسَدُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي احْتَجَّ لَهُ.

وَنَقُولُ لَهُمْ: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا صَارَ قَطُّ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةَ بَلْ هُوَ بَيْعٌ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ الْمَنْعَ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً؟ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْتُمْ ذَلِكَ؟ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَمْ فِي أَيِّ قَوْلِ صَاحِبٍ؟ ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ سَلَفٌ إلَّا وَهُوَ يَجُرُّ مَنْفَعَةً لِلْمُسْتَسْلِفِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَا اسْتَسْلَفَهُ، فَمَا سَمِعْنَا بِأَبْرَدَ وَلَا بِأَغَثَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؟ ثُمَّ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوا لَوَجَبَ بِذَلِكَ إبْطَالُ جَمِيعِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِي الْعَالَمِ إلَّا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ إلَّا وَمُمْكِنُ أَنْ يُسْتَحَقَّ فَيُرَدَّ، أَوْ يُوجَدَ فِيهِ عَيْبٌ فَيُرَدَّ بِهِ، فَهَلَّا مَنَعُوا النَّقْدَ فِي كُلِّ بَيْعٍ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ؟ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ صَارَ الْبَائِعُ قَدْ رَدَّ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بَعْدَ أَنْ انْتَفَعَ بِهِ فَيَصِيرُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً؟ وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو وَرَعٍ أَنْ يُغْرِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمِثْلِ هَذَا الِاحْتِجَاجِ الْفَاسِدِ؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ احْتَجُّوا لَهُ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، لَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ إذَا وُصِفَ عَنْ رُؤْيَةٍ، وَخِبْرَةٍ، وَمَعْرِفَةٍ، وَقَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِمَا اشْتَرَى، فَأَيْنَ الْغَرَرُ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تَهْلَكُ السِّلْعَةُ قَبْلَ حِينِ الْبَيْعِ فَيَقَعُ الْبَيْعُ فَاسِدًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ تُسْتَحَقُّ السِّلْعَةُ فَيَقَعُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا فَرْقَ فَأَبْطَلُوا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْغَرَرِ كُلَّ بَيْعٍ فِي الْأَرْضِ، فَلَا غَرَرَ هَهُنَا أَصْلًا، إلَّا كَالْغَرَرِ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ، وَالْمُلَامَسَةُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ [قَالَ] سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ:

الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ» ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُك ثَوْبِي بِثَوْبِك، وَلَا يَنْظُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ لَمْسًا وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: أَنْبِذُ مَا مَعِي وَتَنْبِذُ مَا مَعَك لِيَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمْ مَعَ الْآخَرِ، وَنَحْوٌ مِنْ ذَا ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيم بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا أَبِي عَنْ صَالِحٍ - هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُلَامَسَةُ لُبْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ - وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ، وَالْمُنَابَذَةُ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ إلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُمَا الْحُجَّةُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَاللُّغَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَيْسَ هَذَا بَيْعَ غَائِبٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ هُوَ بَيْعُ حَاضِرٍ - فَظَهَرَ تَمْوِيهُ مَنْ احْتَجَّ مِنْهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ هُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي إجَازَتِهِ بَيْعَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ غَيْرَ مَوْصُوفَيْنِ وَلَا مَرْئِيَّيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَتَبَايَعُونَ الضِّيَاعَ بِالصِّفَةِ؛ وَهِيَ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ، قَدْ بَايَعَ عُثْمَانُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَالًا لِعُثْمَانَ بِخَيْبَرَ بِمَالٍ لِابْنِ عُمَرَ بِوَادِي الْقُرَى، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك؟ . قُلْنَا: نَعَمْ، وَالْغَائِبُ هُوَ عِنْدَ بَائِعِهِ لَا مِمَّا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فِي صِدْقِ الْقَائِلِ: عِنْدِي ضِيَاعٌ، وَعِنْدِي دُورٌ، وَعِنْدِي رَقِيقٌ وَمَتَاعٌ - غَائِبٌ وَحَاضِرٌ - إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا لَيْسَ عِنْدَ الْمَرْءِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ.

وَالْبُرْهَانُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . فَبَيْعُ الْغَائِبِ بَيْعٌ دَاخِلٌ فِيمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي التِّجَارَةِ الَّتِي يَتَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ إلَّا بَيْعًا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُحَرِّمُ عَلَيْنَا بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فَيُجْمِلُ لَنَا إبَاحَةَ الْبَيْعِ جُمْلَةً وَلَا يُبَيِّنُهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ، هَذَا أَمْرٌ قَدَّمْنَاهُ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَمَا أَحَلَّهُ لَنَا، وَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا، إلَّا بِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ، وَمَا نَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبَاتِ الْمَوْصُوفَاتِ سَلَفًا. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، الَّذِي رَوَيْتُمُوهُ آنِفًا؟ قُلْنَا: إنَّهُمَا لَمْ يَمْنَعَا مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا مَنَعَا مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي يَوْمَ الشِّرَاءِ - وَقَدْ يَرَاهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَيَغِيبُ بَعْدَ ذَلِكَ - فَلَمْ يَشْتَرِطَا حُضُورَهُ فِي حِينِ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مَا لَمْ يَقُلْ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا، وَبَقِيَ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ جُمْلَةً عَلَى مَا رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَأَحَدُ قَوْلِيِّ الشَّافِعِيِّ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ أَثَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى بَيْعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَنْظُرَ إلَيْهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لَهُ، وَظَاهِرُهُ قَطْعُ الْخِيَارِ بِالنَّظَرِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -.

مسألة وجد مشتري السلعة الغائبة ما اشترى كما وصف له

وَهَذَا مِمَّا تَرَكَهُ الْمَالِكِيُّونَ، وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجْعَلُونَ لَهُمْ خِيَارًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ أَصْلًا. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ» . وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْيَمَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَهُ رَدَّهُ إنْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ وَجَدَ مُشْتَرِي السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ مَا اشْتَرَى كَمَا وُصِفَ لَهُ] 1412 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَجَدَ مُشْتَرِي السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ مَا اشْتَرَى كَمَا وُصِفَ لَهُ فَالْبَيْعُ لَهُ لَازِمٌ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِتَجْدِيدِ صِفَةٍ أُخْرَى بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ اشْتَرَى شِرَاءً صَحِيحًا إذَا وَجَدَ الصِّفَةَ كَمَا اشْتَرَى كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، فَإِنْ وَجَدَ الصِّفَةَ بِخِلَافِ مَا عُقِدَ الِابْتِيَاعُ عَلَيْهِ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ تِلْكَ السِّلْعَةَ الَّتِي وَجَدَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَةً بِصِفَةِ كَذَا، لَا سِلْعَةً بِالصِّفَةِ الَّتِي وَجَدَ، فَالَّتِي وَجَدَ غَيْرَ الَّتِي اشْتَرَى بِلَا شَكٍّ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهَا فَلَيْسَتْ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَلْزِمُوا الْبَائِعَ إحْضَارَ سِلْعَةٍ بِالصِّفَةِ الَّتِي بَاعَ؟ قُلْنَا: لَا يَحِلُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً لَا صِفَةً مَضْمُونَةً، فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ إحْضَارَ مَا لَمْ يَبِعْ - فَصَحَّ أَنَّ عَقْدَهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِ. [مَسْأَلَةٌ بَيْع شَيْءٌ مِنْ الْغَائِبَاتِ بِغَيْرِ صِفَةٍ] 1413 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بِيعَ شَيْءٌ مِنْ الْغَائِبَاتِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا عَرَفَهُ الْبَائِعُ لَا بِرُؤْيَةٍ وَلَا بِصِفَةِ مَنْ يُصَدَّقُ مِمَّنْ رَأَى مَا بَاعَهُ وَلَا مِمَّا عَرَّفَهُ لِلْمُشْتَرِي بِرُؤْيَةٍ، أَوْ بِصِفَةِ مَنْ يُصَدَّقُ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لَا خِيَارَ فِي جَوَازِهِ أَصْلًا. وَيَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْمَرْءِ مَا وَصَفَهُ لَهُ الْبَائِعُ صَدَّقَهُ - أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ.

وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَرْءِ مَا وَصَفَهُ لَهُ الْمُشْتَرِي - صَدَّقَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ - فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَالْمَبِيعُ لَازِمٌ، وَإِنْ وَجَدَ بِخِلَافِهَا، فَالْمَبِيعُ بَاطِلٌ وَلَا بُدَّ. وَأَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمَجْهُولَةِ غَيْرِ الْمَوْصُوفَةِ، وَجَعَلُوا فِيهَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا - وَقَوْلُنَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ وَصْفِهِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، أَوْ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ لِقَوْلِهِمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ» ، قَالُوا: فَفِي هَذَا إبَاحَةُ بَيْعِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ وَهُوَ فِي أَكْمَامِهِ بَعْدُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَلَا تُدْرَى صِفَتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ وَأَوْهَمُوا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ، وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَاعْجَبُوا لِجُرْأَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ؛ إذْ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَخَالَفُوهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ، فَهُمْ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ، فَيَا لَضَلَالِ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَجَبٌ آخَرُ -: أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ فَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ نَصٌّ وَلَا أَثَرٌ مِنْ إبَاحَةِ بَيْعِ الْحَبِّ بَعْدَ أَنْ يَشْتَدَّ، ثُمَّ لَمْ يَقْنَعُوا بِهَذِهِ الطَّامَّةِ حَتَّى أَوْجَبُوا بِهَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ وَلَا إشَارَةٌ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ: مِنْ بَيْعِ الْغَائِبَاتِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ صِفَاتُهَا، وَلَا عَرَفَهَا الْبَائِعُ، وَلَا الْمُشْتَرِي، وَلَا وَصَفَهَا لَهُمَا أَحَدٌ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ نَقَضُوا ذَلِكَ كَكَرَّةِ الطَّرْفِ فَحَرَّمُوا بَيْعَ لَحْمِ الْكَبْشِ قَبْلَ ذَبْحِهِ، وَالنَّوَى دُونَ التَّمْرِ قَبْلَ أَكْلِهِ، وَبَيْعَ الزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ قَبْلَ عَصْرِهِ، وَبَيْعَ الْأَلْبَانِ فِي الضُّرُوعِ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ كُلُّهُ مَجْهُولٌ لَا تُدْرَى صِفَتُهُ، وَهَذَا مُوقٍ وَتَلَاعُبٍ بِالدِّينِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نُجِيزُ بَيْعَ الْحَبِّ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ كَمَا هُوَ فِي أَكْمَامِهِ بِأَكْمَامِهِ، وَبَيْعَ الْكَبْشِ حَيًّا وَمَذْبُوحًا كُلِّهِ لَحْمِهِ مَعَ جِلْدِهِ، وَبَيْعَ الشَّاةِ بِمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ، وَبَيْعَ

النَّوَى مَعَ التَّمْرِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ - وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ دُونَ أَكْمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ صِفَتَهُ، وَلَا بَيْعُ اللَّحْمِ دُونَ الْجِلْدِ، وَلَا النَّوَى دُونَ التَّمْرِ، وَلَا اللَّبَنِ دُونَ الشَّاةِ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَخْلُو بَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُهُ مُشْتَرَطًا عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا، أَوْ لَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ مُشْتَرَطًا عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي: فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِجَارَةٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحِلُّ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَالتَّرَاضِي بِضَرُورَةِ الْحِسِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَّا بِمَعْلُومٍ لَا بِمَجْهُولٍ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُشْتَرَطًا عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى أَخْذِ مَا اشْتَرَاهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَالْبُرْهَانُ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِرُؤْيَةٍ وَلَا بِصِفَةٍ: صِحَّةُ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَهَذَا عَيْنُ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ. وَقَوْلُ اللَّهِ؛ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَلَا يُمْكِنُ أَصْلًا وُقُوعُ التَّرَاضِي عَلَى مَا لَا يُدْرَى قَدْرُهُ وَلَا صِفَاتُهُ، وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ صِفَةِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ - صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ - فَأَجَزْنَا الْبَيْعَ بِذَلِكَ وَبَيْنَ صِفَةِ غَيْرِهِمَا، فَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا مِمَّنْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ، فَلِأَنَّ صِفَةَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ صِفَةَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ عَلَيْهَا وَقَعَ الْبَيْعُ، وَبِهَا تَرَاضَيَا، فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا عَلَى حَقٍّ وَعَلَى مَا يَصِحُّ بِهِ التَّرَاضِي وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا إذَا وَصَفَهُ لَهُمَا غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يُصَدِّقُهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ هَهُنَا لَمْ يَقَعْ عَلَى صِفَةٍ أَصْلًا، فَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَجْهُولٍ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا - وَهَذَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ. فَإِنْ وَصَفَهُ مَنْ صَدَّقَهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ، فَالتَّصْدِيقُ يُوجِبُ الْعِلْمَ، فَإِنَّمَا اشْتَرَى مَا عَلِمَ، أَوْ بَاعَ الْبَائِعُ مَا عَلِمَ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالتَّرَاضِي صَحِيحٌ. فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ كَذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةٍ، وَإِنْ وَجَدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ

مسألة بيع الثوب الواحد المطوي

عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى صِحَّةٍ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ قَدْ اسْتَحَالَ عَمَّا عَرَفَهُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ الْمَطْوِيِّ] 1414 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ الْمَطْوِيِّ، أَوْ فِي جِرَابِهِ، أَوْ الثِّيَابِ الْكَبِيرَةِ كَذَلِكَ، إذَا وَصَفَ كُلَّ ذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَإِلَّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. قَالَ عَلِيٌّ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْوَاحِدِ، وَالْكَثِيرِ، خَطَأٌ، وَلَيْسَ إلَّا حَرَامٌ، فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ، أَوْ حَلَالٌ، فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَلَالٌ - وَهَذَا بِعَيْنِهِ هَوَّلُوا وَشَنَّعُوا عَلَى الْحَنَفِيِّينَ فِي إبَاحَتِهِمْ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَتَحْرِيمِهِمْ كَثِيرَهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِثْلُ هَذَا إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: أَمْرُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ يَسْهُلُ نَشْرُهُ وَتَقْلِيبُهُ وَطَيُّهُ، وَهَذَا يَصْعُبُ فِي الْكَثِيرِ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ أَنْ تَكُونَ صُعُوبَةُ الْعَمَلِ تُبِيحُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْبُيُوعَ الْمُحَرَّمَةَ؟ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي ثَوْبَيْنِ مُدْرَجَيْنِ فِي جِرَابٍ أَوْ جِرَابَيْنِ؟ فَإِنْ أَبَاحُوا ذَلِكَ، سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ عَنْ الْأَرْبَعَةِ، ثُمَّ نَزِيدُهُمْ هَكَذَا، وَاحِدًا فَوَاحِدًا؟ فَإِنْ حَرَّمُوا سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْلِيلِ مَا أَحَلُّوا مِنْ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا، وَعَنْ الدَّلِيلِ عَلَى صُعُوبَةِ مَا جَعَلُوهُ لِصُعُوبَتِهِ حَلَالًا، وَعَلَى سُهُولَةِ مَا جَعَلُوهُ لِسُهُولَتِهِ حَرَامًا وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَرُبَّ ثِيَابٍ يَكُونُ نَشْرُهَا وَطَيُّهَا أَسْهَلَ مِنْ نَشْرِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَطَيِّهِ، هَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ ضَرُورَةً، كَالْمَرْوِيِّ الْمَجْلُوبِ مِنْ بَغْدَادَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إعَادَةِ طَيِّهِ بَعْدَ نَشْرِهِ إلَّا وَاحِدٌ بَيْنَ أُلُوفٍ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَوُجُوهِ صِحَّةِ التَّرَاضِي بِعِلْمِهَا بِالصِّفَةِ، وَارْتِفَاعِ الْغَرَرِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ عَنْ الْجَهَالَةِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُدَايَنَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى] 1415 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُتَبَايِعَيْنِ - لِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - أَنْ يُشْهِدَا عَلَى تَبَايُعِهِمَا رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ مِنْ الْعُدُولِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدَا عُدُولًا سَقَطَ فَرْضُ الْإِشْهَادِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا - وَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِشْهَادِ - فَقَدْ عَصَيَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْبَيْعُ تَامٌّ.

فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ - إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى - فَفَرْضٌ عَلَيْهِمَا مَعَ الْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكْتُبَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكْتُبَاهُ، فَقَدْ عَصَيَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالْبَيْعُ تَامٌّ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرَا عَلَى كَاتِبٍ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا فَرْضُ الْكِتَابِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 282 - 283] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ أَوَامِرُ مُغَلَّظَةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَمَرَ بِالْكِتَابِ، فِي الْمُدَايَنَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَبِالْإِشْهَادِ فِي ذَلِكَ فِي التِّجَارَةِ الْمُدَارَةِ، كَمَا أَمَرَ الشُّهَدَاءَ أَنْ لَا يَأْبَوْا أَمْرًا مُسْتَوِيًا، فَمِنْ أَيْنَ صَارَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَحَدُ الْأَوَامِرِ فَرْضًا وَالْآخَرُ هَمَلًا؟ وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْكَاتِبَ إنْ ضَارَّ - وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْكِتَابِ مُضَارَّةٌ، وَأَنَّ امْتِنَاعَ الشَّاهِدِ مِنْ الشَّهَادَةِ إذْ دُعِيَ - فُسُوقٌ ثُمَّ أَكَّدَ تَعَالَى أَشَدَّ تَأْكِيدٍ وَنَهَانَا أَنْ نَسْأَمَ كِتَابَ مَا أَمَرَنَا بِكِتَابِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقُومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى مِنْ أَنْ لَا نَرْتَابَ، وَأَسْقَطَ الْجُنَاحَ فِي تَرْكِ الْكِتَابِ خَاصَّةً دُونَ الْإِشْهَادِ فِي التِّجَارَةِ الْمُدَارَةِ، وَلَمْ يُسْقِطْ الْجُنَاحَ فِي تَرْكِ الْكِتَابِ فِيمَا كَانَ دَيْنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ فِرَاسٍ الْخَارِفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا

يُسْتَجَابُ لَهُمْ - وَذَكَرَ فِيهِمْ: وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ - وَقَدْ أَسْنَدَهُ مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ، وَإِذَا بَاعَ بِنَسِيئَةٍ كَتَبَ وَأَشْهَدَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا حَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ نا إبْرَاهِيمُ - هُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ الصَّائِغُ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: تُشْهِدُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ تَشْتَرِيه وَتَبِيعُهُ وَلَوْ كَانَ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِرُبْعِ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] . نا أَبُو سَعِيدٍ الْفَتَى نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الإدفوي نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ النَّحَّاسِ النَّحْوِيُّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ نا شُجَاعٌ نا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ " أَشْهِدْ إذَا بِعْت وَإِذَا اشْتَرَيْت - وَلَوْ عَلَى دُسْتُجَةِ بَقْلٍ - قَالَ ابْنُ النَّحَّاسِ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إذَا بَاعَ وَاشْتَرَى إلَّا أَنْ يُشْهِدَ، وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَهَكَذَا إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ وَيُشْهِدَ إذَا وَجَدَ كَاتِبًا - وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نا أَبُو عَاصِمٍ - هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ خَلَفٍ - عَنْ عِيسَى نا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ} [البقرة: 282] قَالَ: وَأَوْجَبَ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ - وَكُلُّ هَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَذَهَبَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْإِشْهَادُ الْمَذْكُورُ، وَلَا الْكِتَابُ الْمَذْكُورُ، الْمَأْمُورُ بِهِ: وَاجِبًا - وَلَا يَلْزَمُ الْكَاتِبُ أَنْ يَكْتُبَ -: رُوِّينَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَلَمَّا بَلَغَ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا قَبْلَهَا؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا نَسَخَتْ، الْأَمْرَ بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَبْلَهَا مُتَّصِلًا بِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا نَسَخَتْ كُلَّ مَا كُتِبَ قَبْلَهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا كُلَّ مَا نَزَلَ قَبْلَهَا مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِذْ لَا شَكَّ مِنْ هَذَا: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهَا نَسَخَتْ الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ وَالْكِتَابِ بِالدَّعْوَى الْبَعِيدَةِ الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِكُلِّ ذَلِكَ: نَدْبٌ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ، وَصَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، وَابْنِ سِيرِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: دَعْوَى النَّسْخِ جُمْلَةً لَا يَجُوزُ إلَّا بِبُرْهَانٍ مُتَيَقَّنٍ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا وَرَدَ لِيُؤْتَمَرَ لَهُ وَيُطَاعَ بِالْعَمَلِ بِهِ، لَا لِتَرْكِهِ، وَالنَّسْخُ يُوجِبُ التَّرْكَ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ: هَذَا لَا تَلْزَمُنِي طَاعَتُهُ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ عَنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ قَدْ نُسِخَ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ دَعْوَى النَّدْبِ بَاطِلٌ أَيْضًا إلَّا بِبُرْهَانٍ آخَرَ مِنْ النَّصِّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّدْبِ إنْ شِئْت فَافْعَلْ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَفْعَلْ، وَلَا يُفْهَمُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي لَفْظَةِ افْعَلْ لَا تَفْعَلْ إنْ شِئْت إلَّا بِبُرْهَانٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، فَبَطَلَتْ الدَّعْوَتَانِ مَعًا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة: 282] وَقَدْ قَالَ الْمَالِكِيُّونَ فِي ذَلِكَ: هُوَ فَرْضٌ، وَقَالُوا هَهُنَا: هُوَ نَدْبٌ تَحَكُّمًا بِلَا بُرْهَانٍ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّونَ: إنَّهُ فَرْضٌ، وَقَالُوا هَهُنَا: هُوَ نَدْبٌ تَحَكُّمًا بِلَا دَلِيلٍ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] فَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: هَذَا فَرْضٌ وَلَا يُقَامُ بِمَكَّةَ حَدٌّ، وَقَالُوا هَهُنَا: هُوَ نَدْبٌ تَحَكُّمًا بِلَا حُجَّةٍ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَمْرِهِ تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ، وَالْكِتَابِ، وَبَيْنَ أَمْرِهِ تَعَالَى بِمَا أَمَرَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ، وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَحُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَحُكْمِ اللِّعَانِ، وَسَائِرِ أَوَامِرِ الْقُرْآنِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ نَجْعَلَ {الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] فَنُوجِبُ بَعْضًا وَنُلْغِي بَعْضًا.

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ؟ قُلْنَا: هَذَا مَرْدُودٌ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الرَّهْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إسْقَاطِ وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْإِشْهَادِ، وَالْكِتَابِ، بِالدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَعْوَى عَارِيَّةٌ مِنْ الْبُرْهَانِ، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ مُطْرَحٌ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . وَمِنْ أَطْرِفْ شَيْءٍ مُبَادَرَتُهُمْ إذَا ادَّعَوْا فِي شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ نَدْبٌ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: مَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى؟ قَالُوا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] . {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] . فَقُلْنَا لَهُمْ: إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ دِينٍ وَجَدْتُمْ أَمْ فِي أَيِّ عَقْلٍ: أَنَّهُ إذَا صَحَّ فِي أَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ أَنَّهُ نَدْبٌ وَجَبَ أَنْ تُحْمَلَ سَائِرُ أَوَامِرِهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَعَلَى أَنَّهَا نَدْبٌ؟ فَمَا سُمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ الْفَاسِدِ إذْ قَصَدُوا بِهِ هَدْمَ الْقُرْآنِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ فِعْلِهِمْ هَذَا هَهُنَا وَبَيْنَ مَنْ قَصْد إلَى أَيِّ آيَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ؟ فَإِذَا قِيلَ لَهُ: مَا بُرْهَانُك عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: نَسْخُ اللَّهِ تَعَالَى الِاسْتِقْبَالَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَنَسْخُهُ لِإِعْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا سَنَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ وُجُودَ النَّسْخِ فِي بَعْضِ الْأَوَامِرِ، أَوْ كَوْنَهُ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ عَلَى الْخُصُوصِ: إذَا جَاءَ نَصٌّ آخَرُ بِبَيَانِ ذَلِكَ وَأَمَّا بِالدَّعْوَى فَلَا. فَإِذَا صَحَّ فِي أَمْرٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ، أَوْ مَخْصُوصٌ، بِنَصٍّ آخَرَ؟ قُلْنَا بِذَلِكَ وَلَمْ نَتَعَدَّهُ بِهَذَا الْحُكْمِ إلَى مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ دَلِيلٌ يَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَمُقْتَضَاهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَأْثُورِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ عَمَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُعْطِيَهُ

الثَّمَنَ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ فَطَفِقَ رِجَالٌ يُسَاوِمُونَ الْأَعْرَابِيَّ بِالْفَرَسِ، وَزِيدَ عَلَى السَّوْمِ، فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ فَابْتَعْهُ وَإِلَّا بِعْتُهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاَللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي بَايَعْتُكَ؟ فَقَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ بَايَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بِتَصْدِيقِكَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ نَحْوُهُ وَزَادَ فِيهِ: «فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَذَبَ فَلَا تُبَارِكْ لَهُ فِيهَا فَأَصْبَحَتْ شَاصِيَةً بِرِجْلِهَا» فَقَالُوا: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ابْتَاعَ وَلَمْ يُشْهِدْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الْأَمْرَ تَأَخَّرَ مِقْدَارَ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْإِشْهَادُ، فَلَمْ يُشْهِدْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعَ مِنْهُ الْفَرَسَ ثُمَّ اسْتَتْبَعَهُ لِيُوَفِّيَهُ الثَّمَنَ فَأَسْرَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ - وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ - فَفَارَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَتِمَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ تَمَّ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَصِحَّتِهِ، لَا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ الْخَبَرُ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - ثُمَّ صَحَّ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرَكَ الْإِشْهَادَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا، فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ - وَنَحْنُ نُقِرُّ بِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا وَجَبَ بِنُزُولِ الْآيَةِ لَا قَبْلَ نُزُولِهَا - وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ يَقِينِ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِظَنٍّ كَاذِبٍ لَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِهِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ بِخِلَافِ هَذَا الْخَبَرِ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ يَقُولُ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقَيْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ حَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِنَفْسِهِ، فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا تَرْكُهُمْ الْحُكْمَ بِخَبَرٍ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ وَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ أَثَرٌ، وَلَا نَصٌّ، وَلَا دَلِيلٌ.

فَإِنْ قَالُوا: أَخَذْنَا بِالْمُرْسَلِ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهَا؟ قُلْنَا: وَمَا الَّذِي جَعَلَ الْمُرْسَلَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ، ثُمَّ لَيْسَ فِي الْمُرْسَلِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَدَّهَا لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِرَدِّهَا، بَلْ قَدْ يَهَبُهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مَا لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ فَيُعْطِيهِ إيَّاهُ إلَّا لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ - فَهَذَا حَسَنٌ وَإِعْطَاءٌ حَلَالٌ، وَالدُّعَاءُ عَلَيْهِ بِالْعُقُوبَةِ لِكَذِبِهِ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَطْلَقَ يَدَ الْفَاسِقِ عَلَى حَرَامٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ حَرَامًا إذْ كَانَ يَكُونُ مُعِينًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَعَلَى أَخْذِ الْحَرَامِ عَمْدًا وَظُلْمًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَمَنْ نَسَبَ هَذَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِمْ خِلَافُ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَرَدُّوا الْخَبَرَ الثَّابِتَ فِي تَغْرِيبِ الزَّانِي سَنَةً؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: لَا نَأْخُذُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَفَعَلُوا هَذَا كُلُّهُمْ فِي جَلْدِ الْمُحْصَنِ مَعَ الرَّجْمِ، ثُمَّ لَا يُبَالُونَ هَهُنَا بِالْأَخْذِ بِخَبَرٍ ضَعِيفٍ لَا يَصِحُّ، مُخَالِفٍ - بِزَعْمِهِمْ - لِمَا فِي الْقُرْآنِ، فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْهَذْرِ وَالتَّخْلِيطِ فَأَتَوْا بِأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ، كَمَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ - وَكَابْتِيَاعِهِ الْبِكْرَ مِنْ عُمَرَ، وَالْجَمَلَ مِنْ جَابِرٍ، وَابْتِيَاعِ بَرِيرَةَ، وَابْتِيَاعِ صَفِيَّةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، وَالْعَبْدَ بِالْعَبْدَيْنِ، وَالثَّوْبَ بِالثَّوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ. وَكُلُّ خَبَرٍ ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ، قَالُوا: وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْإِشْهَادِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُشْهِدْ، وَلَا أَنَّهُ أَشْهَدَ. وَوَجَدْنَا أَكْثَرَهَا لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ ثَمَنٍ فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُجِيزُوا الْبَيْعَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ كَمَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْإِشْهَادِ، وَلَيْسَ تَرْكُ ذِكْرِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَخْبَارِ بِمُسْقِطٍ لَهَا، كَمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 60] لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ مَا حَرَّمَ مِنْ الْمَآكِلِ،

وَالْمَشَارِبِ، بَلْ النُّصُوصُ كُلُّهَا مَضْمُومٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، مَأْخُوذٌ بِمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي غَيْرٍ مِنْهَا - وَمَا عَدَا هَذَا فَفَسَادٌ فِي الْعَقْلِ، وَإِفْسَادٌ لِلدِّينِ، وَدَعَاوَى فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ مَهْمَا خَالَفُونَا فِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ، وَالْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّهُمَا فِعْلٌ حَسَنٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ السُّكُوتُ عَنْ ذِكْرِ الْإِشْهَادِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَتْرُكُ الْأَفْضَلَ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهِ لِلْأَدْنَى. وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ - فِي مُخَالَفَتِهِمْ السُّنَّةَ أَنْ لَا بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَلَمْ يَذْكُرْ التَّفَرُّقَ. ثُمَّ أَبْطَلُوا حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ بِأَخْبَارٍ أُخَرَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْإِشْهَادِ، وَهَذَا بَابٌ يَبْطُلُ بِهِ - لَوْ صَحَّ - جَمِيعُ الدِّينِ أَوَّلِهِ عَنْ آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْدَمُونَ نُصُوصًا أُخَرَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فَيُبْطِلُونَ لِذَلِكَ أَحْكَامَهَا، وَهَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا وَرَدَ نَصٌّ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ سَائِرُ الْأَحْكَامِ وَجَبَ بُطْلَانُ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ، ثُمَّ يَبْطُلُ حُكْمُ ذَلِكَ النَّصِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَيْضًا فِي نَصٍّ آخَرَ - وَهَذِهِ طَرِيقٌ مَنْ سَلَكَهَا فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ أَثْبَتَ فَسَادَ دِينِهِ وَقِلَّةَ حَيَائِهِ وَضَعْفَ عَقْلِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ - فَإِنْ قَالُوا: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا مَا خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؟ قُلْنَا: هَبْكُمْ مَوَّهْتُمْ بِهَذَا فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ أَتَرَوْنَ هَذَا يَسُوغُ لَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ؟ وَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا لِأَنْفُسِكُمْ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْكُمْ: لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ لِلْمَبِيعِ وَهَذَا أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ - وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْكُمْ: لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ، وَهَذَا أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْكُمْ بِعُهْدَةِ الرَّقِيقِ فِي السَّنَةِ وَالثَّلَاثِ، وَبِالْجَوَائِحِ فِي الثِّمَارِ، وَهِيَ أُمُورٌ تَكْثُرُ بِهَا الْبَلْوَى وَلَا يَعْرِفُهَا غَيْرُ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مِنْكُمْ فَظَهَرَ التَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَاسْتِدْلَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ألفاظ البيع

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ إنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ، وَالْكِتَابَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَالْبَيْعُ تَامٌّ فَالْمَعْصِيَةُ لِخِلَافِهِ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَأَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ فَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ وَالْكِتَابَ عَمَلَانِ غَيْرَ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَصِحَّتِهِ فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ لَمْ تُبْطِلْهُ مَعْصِيَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَهُ وَلِكُلِّ عَمَلٍ حُكْمُهُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] [مَسْأَلَةٌ أَلْفَاظُ الْبَيْع] 1416 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِلَفْظِ الْبَيْعِ، أَوْ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ، أَوْ بِلَفْظِ التِّجَارَةِ، أَوْ بِلَفْظٍ يُعَبَّرُ بِهِ فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ عَنْ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً غَيْرَ مَقْبُوضَيْنِ لَكِنْ حَالَّيْنِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى: جَازَ أَيْضًا بِلَفْظِ الدَّيْنِ أَوْ الْمُدَايَنَةِ، وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَلَا بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَلَا بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وقَوْله تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] . فَصَحَّ أَنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، فَمَتَى أُخِذَ مَالٌ بِغَيْرِ الِاسْمِ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَخْذَهُ كَانَ بَاطِلًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَصِفَةُ الْبَيْعِ وَالرِّبَا وَاحِدَةٌ وَالْعَمَلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الِاسْمُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هُمَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ: أَحَدُهُمَا حَلَالٌ طَيِّبٌ، وَالْآخَرُ حَرَامٌ خَبِيثٌ، كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ، قَالَ تَعَالَى {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31] {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] . فَصَحَّ أَنَّ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا تَوْقِيفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، لَا سِيَّمَا أَسْمَاءُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا الْإِحْدَاثُ، وَلَا تُعْلَمُ إلَّا بِالنُّصُوصِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ مِنَّا وَمِنْ

مسألة التفرق بالأبدان الموجب للبيع

خُصُومِنَا فِي أَنَّ امْرَءًا لَوْ قَالَ لِلْآخَرِ: أَقْرِضْنِي هَذَا الدِّينَارَ وَأَقْضِيك دِينَارًا إلَى شَهْرِ كَذَا، وَلَمْ يَحِدَّ وَقْتًا فَإِنَّهُ حَسَنٌ، وَأَجْرٌ، وَبِرٌّ. وَعِنْدَنَا إنْ قَضَاهُ دِينَارَيْنِ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ فَقَطْ وَرَضِيَ كِلَاهُمَا فَحَسَنٌ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْنِي هَذَا الدِّينَارَ بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ، وَلَمْ يُسَمِّ أَجَلًا، فَإِنَّهُ رِبًا، وَإِثْمٌ، وَحَرَامٌ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ - وَالْعَمَلُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الِاسْمُ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ: أَبِيحِي لِي جِمَاعَك مَتَى شِئْت؟ فَفَعَلَتْ، وَرَضِيَ وَلِيُّهَا، لَكَانَ ذَلِكَ زِنًا - إنْ وَقَعَ - يُبِيحُ الدَّمَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْكِحِينِي نَفْسَك؟ فَفَعَلَتْ، وَرَضِيَ وَلِيُّهَا لَكَانَ حَلَالًا، وَحَسَنًا، وَبِرًّا، وَهَكَذَا - عِنْدَنَا - فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا لَفْظُ الشِّرَى، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ نا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا سَمْحًا إذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» . [مَسْأَلَةٌ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ الْمُوجِبُ لِلْبَيْعِ] 1417 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ صَرْفًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا أَبَدًا وَإِنْ تَقَابَضَا السِّلْعَةَ وَالثَّمَنَ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَاقَدَا فِيهِ الْبَيْعَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالُ ذَلِكَ الْعَقْدِ أَحَبَّ الْآخَرُ أَمْ كَرِهَ - وَلَوْ بَقِيَا كَذَلِكَ دَهْرَهُمَا - إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ - لَا تُبَالِ أَيُّهُمَا كَانَ الْقَائِلُ بَعْدَ تَمَامِ التَّعَاقُدِ -: اخْتَرْ أَنْ تُمْضِيَ الْبَيْعَ، أَوْ أَنْ تُبْطِلَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: قَدْ أَمْضَيْته فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا - تَفَرَّقَا أَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا - وَلَيْسَ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ إلَّا بِعَيْبٍ، وَمَتَى مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَلَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَالْمَبِيعُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا كَانَ، وَالثَّمَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ، يَنْفُذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ الَّذِي هُوَ عَلَى مِلْكِهِ لَا حُكْمُ الْآخَرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو النُّعْمَانِ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ وَرُبَّمَا قَالَ: أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ نا مُحْرِزُ بْنُ الْوَضَّاحِ عَنْ إسْمَاعِيلَ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ كَانَ عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخِيَارَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ: اخْتَرْ، لَا عَقَدَ الْبَيْعَ عَلَى خِيَارِ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ، لِأَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ - وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ الْبَيْعِ الْمَعْقُودِ عَلَى خِيَارِ مُدَّةٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا عُبَيْدُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ خِيَارًا» . وَهَكَذَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْحَدِيثُ يَرْفَعُ كُلَّ إشْكَالٍ، وَيُبَيِّنُ كُلَّ إجْمَالٍ، وَيُبْطِلُ التَّأْوِيلَاتِ الْمَكْذُوبَةَ الَّتِي شَغَبَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ.

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ نَافِعٌ فِي أَلْوَاحِي قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُنْ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ» . قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ فَأَرَادَ أَنْ يَجِبَ لَهُ: - مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ - هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا، وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى - وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بِإِسْنَادِهِ. وَهَذِهِ أَسَانِيدُ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً لَنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا لِغُلَامٍ، ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ قَامَ إلَى فَرَسِهِ لِيُسَرِّجَهُ فَنَدِمَ فَأَتَى الرَّجُلُ لِيَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بَيْنِي وَبَيْنَك أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَقَالَا لَهُ: هَذِهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: قَالَ جَمِيلُ بْنُ مُرَّةَ: قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو الْوَضِيءِ - هُوَ عَبَّادُ بْنُ نَسِيبٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ - سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا بَرْزَةَ، فَهَؤُلَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُمْ الْأَئِمَّةُ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِ بْنِ نَبَاتٍ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ الْقَلَعِيُّ نا

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّوَّافُ بِبَغْدَادَ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَسَدِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - نا بِشْرُ بْنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَحَاكَمَا إلَيْهِ فِي دَارٍ لِلْعَبَّاسِ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ أَرَادَ عُمَرُ أَخْذَهَا لِيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَأَبَى الْعَبَّاسُ، فَقَالَ لَهُمَا أُبَيٌّ: لَمَّا أُمِرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ أَرْضُهُ لِرَجُلٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ سُلَيْمَانُ فَلَمَّا اشْتَرَاهَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الَّذِي أَخَذْت مِنِّي خَيْرٌ أَمْ الَّذِي أَعْطَيْتنِي؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلْ الَّذِي أَخَذْت مِنْك، قَالَ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ الْبَيْعَ، فَرَدَّهُ، فَزَادَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيزَهُ، فَلَمْ يَزُلْ يَزِيدُهُ وَيَشْتَرِي مِنْهُ، فَيَسْأَلُهُ فَيُخَيِّرُهُ، فَلَا يُجِيزُ الْبَيْعَ، حَتَّى اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِحُكْمِهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلَهُ، فَاحْتَكَمَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَتَعَاظَمَهُ سُلَيْمَانُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ: إنْ كُنْت إنَّمَا تُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِك فَلَا تُعْطِهِ، وَإِنْ كُنْت إنَّمَا تُعْطِيه مِنْ رِزْقِنَا فَأُعْطِهِ حَتَّى يَرْضَى بِهَا، فَقَضَى بِهَا لِلْعَبَّاسِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ -: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بِعْت مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالًا بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْت عَلَى عَقِبَيَّ حَتَّى خَرَجْت مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَيْضًا: عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: كُنَّا إذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقْ الْمُتَبَايِعَانِ فَتَبَايَعْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَبِعْته مَالًا لِي بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا بَايَعْته طَفِقْت أَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيَّ الْقَهْقَرَى خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي عُثْمَانُ الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ أُفَارِقَهُ. فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يُخْبِرُ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَعَمَلُهُمْ، وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُرَادَّهُ الْبَيْعَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْهَبَ عُثْمَانَ مَا خَافَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيُخْبِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، وَطَاوُسٍ - كَمَا رُوِّينَا

عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي عَتَّابٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، أَنَّ رَجُلًا سَاوَمَهُ بِفَرَسٍ لَهُ فَلَمَّا بَايَعَهُ خَيَّرَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: اخْتَرْ؟ فَخَيَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: هَذَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ -: فَهَذَا عُمَرُ، وَالْعَبَّاسُ، يَسْمَعَانِ أُبَيًّا يَقْضِي بِتَصْوِيبِ رَدِّ الْبَيْعِ بَعْدَ عَقْدِهِ فَلَا يُنْكِرَانِ ذَلِكَ - فَصَحَّ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَائِلُونَ بِذَلِكَ وَمَعَهُمْ عُثْمَانُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَرْزَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالصَّحَابَةُ جُمْلَةً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلَ سَمِعْت: طَاوُسًا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ: مَا التَّخْيِيرُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ سَمِعْت أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا دَارًا مِنْ الْآخَرِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَأَوْجَبَهَا لَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: قَدْ بِعْتُك وَأَوْجَبْت لَك، فَاخْتَصَمْنَا إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَشَهِدْت الشَّعْبِيَّ يَقْضِي بِهَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بِرْذَوْنًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَقَضَى الشَّعْبِيُّ: أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَبُو الضُّحَى: أَنَّ شُرَيْحًا أُتِيَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَرَجَعَ الشَّعْبِيُّ إلَى قَوْلِ شُرَيْحٍ. وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا يَقْضِي بَيْنَ الْمُخْتَصِمَيْنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ بَيْعًا فَقَالَ: إنِّي لَمْ أَرْضَهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ: بَيِّنَتُكُمَا أَنَّكُمَا تَصَادَرْتُمَا عَنْ رِضًا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارٍ أَوْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ مَا تَصَادَرْتُمَا عَنْ رِضًا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا خِيَارٍ -: وَهُوَ قَوْلُ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، وَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ

وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: لَيْسَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ؟ فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْطُوءٌ بِالْمَدِينَةِ - يَعْنِي مَشْهُورًا -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: كُلُّ بَيْعٍ فَالْمُتَبَايِعَانِ فِيهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، إلَّا بِيُوعَا ثَلَاثَةً: الْمَغْنَمَ، وَالشُّرَكَاءَ فِي الْمِيرَاثِ يَتَقَاوَمُونَهُ، وَالشُّرَكَاءَ فِي التِّجَارَةِ يَتَقَاوَمُونَهَا. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَحَدُّ التَّفَرُّقِ أَنْ يَغِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَرَاهُ - وَقَالَ أَحْمَدُ: كَمَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ التَّخْيِيرَ، وَلَا يَعْرِفُ إلَّا التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ فَقَطْ. وَهَذَا الشَّعْبِيُّ قَدْ فَسَخَ قَضَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى الْحَقِّ، فَشَذَّ عَنْ هَذَا كُلِّهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَمَنْ قَلَّدَهُمَا، وَقَالَا: الْبَيْعُ يَتِمُّ بِالْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَلَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَخَالَفُوا السُّنَنَ الثَّابِتَةَ، وَالصَّحَابَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلًا، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ سَلَفًا إلَّا إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا وَجَبَتْ الصَّفْقَةُ فَلَا خِيَارَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا - وَرِوَايَةٌ مَكْذُوبَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَكَفَى بِهِ سُقُوطًا عَنْ الْحَكَمِ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: " إذَا كَلَّمَ الرَّجُلُ بِالْبَيْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَالصَّحِيحُ عَنْ شُرَيْحٍ هُوَ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ -: كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الضُّحَى، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ. وَلَعَمْرِي؛ إنَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لَيُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهُ عَنَى كُلَّ صَفْقَةٍ غَيْرَ الْبَيْعِ، لَكِنْ الْإِجَارَةَ، وَالنِّكَاحَ، وَالْهِبَاتِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ أَصْلًا فَحَصَلُوا بِلَا سَلَفٍ. وَقَوْلُهُ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا: صَحِيحٌ - وَمَا قُلْنَا: إنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا قَالَ هُوَ: إنَّهُ لَازِمٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهُوا بِتَمْوِيهَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ -: مِنْهَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى التَّفَرُّقِ أَيْ بِالْكَلَامِ؟ فَقُلْنَا: لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ

لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا وَمُخَالِفًا لِقَوْلِكُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُتَبَايِعَيْنِ آخُذُهُ بِعَشَرَةٍ، فَيَقُولُ الْآخَرُ: لَا، وَلَكِنْ بِعِشْرِينَ لَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُمَا مُتَفَرِّقَانِ بِالْكَلَامِ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ قَدْ بِعْتُكَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، فَالْآنَ اتَّفَقَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا فَالْآنَ وَجَبَ الْخِيَارُ لَهُمَا إذْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِنَصِّ الْحَدِيثِ؟ فَاذْهَبُوا كَيْفَ شِئْتُمْ مَنْ عَارَضَ الْحَقَّ بَلَحَ وَافْتَضَحَ. وَأَيْضًا: فَنَقُولُ لَهُمْ: قَوْلُكُمْ: التَّفَرُّقُ بِالْكَلَامِ كَذِبٌ، دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِمَا فِي الدِّينِ. وَأَيْضًا: فَرِوَايَةُ اللَّيْثِ. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي أَوْرَدْنَا رَافِعَةٌ لِكُلِّ شَغَبٍ، وَمُبَيِّنَةٌ أَنَّهُ التَّفَرُّقُ عَنْ الْمَكَانِ بِالْأَبْدَانِ وَلَا بُدَّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ هَهُنَا: إنَّمَا هُمَا الْمُتَسَاوِمَانِ، كَمَا سُمِّيَ الذَّبِيحُ وَلَمْ يُذْبَحْ - وَقَالَ: كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 231] : إنَّمَا أَرَادَ تَقَارَبْنَ بُلُوغُ أَجَلِهِنَّ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» إنَّمَا هُوَ مَا بَيْنَ قَوْلِ أَحَدِهِمَا: قَدْ بِعْتُك سِلْعَتِي هَذِهِ بِدِينَارٍ؟ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْآخَرُ: قَدْ قَبِلْت ذَلِكَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِصَاحِبِهِ: قَدْ ابْتَعْت سِلْعَتَك هَذِهِ بِدِينَارٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْآخَرُ: قَدْ بِعْتُكهَا بِمَا قُلْت. وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّمَا هُوَ مَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: بِعْنِي سِلْعَتَك بِدِينَارٍ؟ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ

يَقُلْ لَهُ الْآخَرُ: قَدْ فَعَلْت، وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: اشْتَرِ مِنِّي سِلْعَتِي هَذِهِ بِدِينَارٍ، فَلَهُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْآخَرُ: قَدْ فَعَلْت؟ فَجَوَابُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَاضِحٌ مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: كَذَبَ قَائِلُ هَذَا وَأَفَكَ وَأَثِمَ؛ لِأَنَّهُ حَرَّفَ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَوَاضِعِهِ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا، لَكِنْ مُطَارَفَةً وَمُجَاهَرَةً بِالدَّعْوَى الْبَاطِلِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ؟ وَمَنْ أَخْبَرَكُمْ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: كَمَا سُمِّيَ الذَّبِيحُ وَلَمْ يُذْبَحْ؟ فَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ذَبِيحًا، وَلَا صَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ مُطْلَقٌ عَامِّيٌّ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ مَنْ أَطْلَقَ مُسَامَحَةً، أَوْ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، وَهَذَا فِعْلٌ يُسَمَّى مِنْ فَاعِلِهِ ذَبْحًا، وَمَا نُبَالِي عَنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَأْتِ بِهَا قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، فَلَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 231] فَصَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَبَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْمُقَارَبَةَ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا - وَلَوْ كَانَ مَا ظَنُّوهُ لَكَانَ الْإِمْسَاكُ وَالرَّجْعَةُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي قُرْبِ بُلُوغِ الْأَجَلِ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ - وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِهَا بِلَا كَذِبٍ وَلَا تَزَيُّدٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى - بِلَا شَكٍّ - بُلُوغَ الْمُطَلَّقَاتِ أَجَلَ الْعِدَّةِ بِكَوْنِهِنَّ فِيهَا مِنْ دُخُولِهِنَّ إيَّاهَا إلَى إثْرِ الطَّلَاقِ إلَى خُرُوجِهِنَّ عَنْهَا، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ كُلُّهَا لِلزَّوْجِ فِيهَا الرَّجْعَةُ وَالْإِمْسَاكُ بِلَا خِلَافٍ، أَوْ التَّمَادِي عَلَى حُكْمِ الطَّلَاقِ. وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا أَطْلَقُوا فِيهِ الْبَاطِلَ لَكَانَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إذَا وُجِدَ كَلَامٌ قَدْ صُرِفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلٍ وَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ كُلُّ كَلَامٍ عَنْ ظَاهِرِهِ بِلَا دَلِيلٍ، وَفِي هَذَا إفْسَادُ التَّفَاهُمِ، وَالْمَعْقُولِ، وَالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا، فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا» فَاضِحٌ لِهَذَا الْكَذِبِ كُلِّهِ، وَمُبْطِلٌ لِتَخْصِيصِ بَعْضِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ بَيْعٍ مِنْ سَائِرِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ. وَقَالُوا: هَذَا التَّفْرِيقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ مِثْلُ التَّفْرِيقِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] .

فَقُلْنَا: نَعَمْ، بِلَا شَكٍّ، وَذَلِكَ التَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ تَفَرُّقٌ بِالْقَوْلِ يَقْتَضِي التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ وَلَا بُدَّ، وَالتَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ أَيْضًا تَفَرُّقٌ بِالْقَوْلِ يَقْتَضِي التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ وَلَا بُدَّ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ التَّفَرُّقَ الْمُرَاعَى فِيمَا يَحْرُمُ بِهِ الصَّرْفُ أَوْ يَصِحُّ إنَّمَا هُوَ تَفَرُّقُ الْأَبْدَانِ، فَهَلَّا قُلْتُمْ عَلَى هَذَا هَهُنَا: إنَّ التَّفَرُّقَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ أَيْضًا تَفَرُّقُ الْأَبْدَانِ، لَوْلَا التَّحَكُّمُ الْبَارِدُ حَيْثُ تَهْوُونَ. وَمَوَّهُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . فَأَبَاحَ تَعَالَى الْأَكْلَ بَعْدَ التَّرَاضِي، قَالُوا: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الَّذِي أَتَانَا بِهَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الَّذِي مِنْ عِنْدِهِ نَدْرِي: مَا هِيَ التِّجَارَةُ الْمُبَاحَةُ لَنَا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْنَا، وَمَا هُوَ التَّرَاضِي النَّاقِلُ لِلْمِلْكِ مِنْ التَّرَاضِي الَّذِي لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ؟ وَلَوْلَاهُ لَمْ نَعْرِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا: أَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بَيْعًا، وَلَا هُوَ تِجَارَةً، وَلَا هُوَ تَرَاضِيًا وَلَا يَنْقُلُ مِلْكًا إلَّا حَتَّى يَسْتَضِيفَ إلَيْهِ التَّفَرُّقَ عَنْ مَوْضِعِهِمَا، أَوْ التَّخْيِيرَ، فَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ، وَالتِّجَارَةُ، وَالتَّرَاضِي، لَا مَا ظَنَّهُ أَهْلُ الْجَهْلِ بِآرَائِهِمْ بِلَا بُرْهَانٍ، لَكِنْ بِالدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَهَذَا حَقٌّ إلَّا أَنَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِهَذَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ هُوَ تَعَالَى الْآمِرُ لِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُخْبِرَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعَاقُدُ وَلَا يَتِمُّ، وَلَا يَكُونُ عَقْدًا إلَّا بِالتَّفَرُّقِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا أَوْ بِأَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ التَّعَاقُدِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْعَقْدِ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا الْوَفَاءُ بِكُلِّ عَقْدٍ عَقَدَهُ، بَلْ أَكْثَرُ الْعُقُودِ حَرَامٌ الْوَفَاءُ بِهَا، كَمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزْنِيَ، أَوْ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ. نَعَمْ، وَأَكْثَرُ الْعُقُودِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا، كَمَنْ عَقَدَ أَنْ يَشْتَرِيَ، أَوْ أَنْ يَبِيعَ، أَوْ أَنْ يُغَنِّيَ، أَوْ أَنْ يَزْفِنَ أَوْ أَنْ يُنْشِدَ شِعْرًا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِعَقْدٍ أَصْلًا، إلَّا عَقْدًا أَتَى النَّصُّ بِالْوَفَاءِ بِهِ بِاسْمِهِ

وَعَيْنِهِ، وَهُمْ يَقُولُونَ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ - أَنَّ مَنْ بَايَعَ آخَرَ شَيْئًا غَائِبًا وَتَعَاقَدَا إسْقَاطَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَلْزَمُ. وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: مَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَةً وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَقُومَ بِجَائِحَةٍ، وَعَقَدَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ عَقْدٌ لَا يَلْزَمُهُ، فَأَيْنَ احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ عُقُودٌ قَامَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا؟ قُلْنَا: وَعَقْدُ الْبَيْعِ عَقْدٌ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ حَقًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ بَعْدَ التَّخْيِيرِ، بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي خَصَّصْتُمْ بِهَا مَا خَصَّصْتُمْ مِنْ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَإِنَّ الْحَيَاءَ لَقَلِيلٌ فِي وَجْهِ مَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلِهَا - أَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الْإِشْهَادِ فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ الِاحْتِجَاجَ بِأَنَّهُمْ قَدْ عَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَخَالَفُوهَا، وَلَمْ يَرَوْهَا حُجَّةً فِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ؟ وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ التَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ وَلَا ذُكِرَ مِنْهُ أَصْلًا. وَالثَّالِثِ: أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ إيجَابُ الْإِشْهَادِ إذَا تَبَايَعْنَا، وَاَلَّذِي جَاءَنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ - وَلَوْلَاهُ لَمْ نَدْرِ مَا الْمَبِيعُ الْمُبَاحُ مِنْ الْمُحَرَّمِ أَلْبَتَّةَ - هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ لَا بَيْعَ أَصْلًا إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا أَوْ التَّخْيِيرِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْإِشْهَادِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، أَوْ التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا إلَّا بَعْدَ أَحَدِهِمَا وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ الْمُخَالِفِينَ؟ ثُمَّ مَوَّهُوا بِإِيرَادِ أَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ وَغَيْرِ ثَابِتَةٍ، مِثْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا ابْتَعْت بَيْعًا فَلَا

تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْآيَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ، وَإِلَّا فَلَمْ يَبْتَعْ الْمُبْتَاعُ أَصْلًا وَلَا بَاعَ الْبَائِعُ أَلْبَتَّةَ. وَمِثْلِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ. وَمِثْلِ مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ. وَمِثْلِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ. وَأَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ الْبَيْعِ، وَالْقَوْلُ فِيهَا كُلِّهَا - كَمَا قُلْنَا آنِفًا: أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَاَلَّذِي أَمَرَ بِمَا صَحَّ مِنْهَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ وَحَكَمَ وَقَالَ: إنَّهُ لَا بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا كَانَا مَعًا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَتَبًّا لِمَنْ عَصَاهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ هُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِي نُصُوصِهَا، فَلَمْ يَقْنَعُوا بِذَلِكَ حَتَّى أَضَافُوا إلَى ذَلِكَ غُرُورَ مَنْ أَحْسَنَ الظَّنَّ فِي أَنْ أَوْهَمُوهُمْ مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي إبْطَالِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَنْ لَا بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ أَوْ التَّخْيِيرِ، وَبَيْنَ مَنْ احْتَجَّ بِهَا فِي إبَاحَةِ كُلِّ بَيْعٍ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مِنْ الرِّبَا، وَالْغَرَرِ، وَالْحَصَاةِ، وَالْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ كُلُّهُ عَمَلٌ وَاحِدٌ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ أَنَّهُ «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْلَا أَنَّ الْقَوْمَ مُسْتَكْثِرُونَ مِنْ الْبَاطِلِ، وَالْخَدِيعَةِ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّطْوِيلُ بِلَا مَعْنًى. وَنَعَمْ، الْخَبَرُ صَحِيحٌ وَمَا اشْتَرَى قَطُّ أَبَاهُ مَنْ لَمْ يُفَارِقْ بَائِعَهُ بِبَدَنِهِ وَلَا خَيَّرَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا مَلَّكَهُ قَطُّ، بَلْ هُوَ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يُخَيِّرَهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ يُفَارِقَهُ بِبَدَنِهِ، فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا بِنَصِّ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَذَكَرُوا أَيْضًا «: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَهَذَا خَبَرٌ مَكْذُوبٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ - وَهُوَ سَاقِطٌ - وَمَنْ هُوَ دُونَهُ، أَوْ مُرْسَلٌ عَنْ عَطَاءٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ كُلَّ شَرْطٍ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ إنَّمَا هِيَ الشُّرُوطُ الْمَأْمُورُ بِهَا، أَوْ الْمُبَاحَةُ بِأَسْمَائِهَا فِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَنِ. وَلَوْ كَانَ مَا أَوْهَمُوا بِهِ لَكَانَ شَرْطُ الزِّنَى، وَالْقِيَادَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالرِّبَا: شُرُوطًا لَوَازِمَ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» فَشَرْطُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَيْعِ أَوْ التَّخْيِيرُ، وَإِلَّا فَلَا شَرْطَ هُنَالِكَ يَلْزَمُ أَصْلًا - وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ بِلَا خِيَارٍ أَنَّ الْخِيَارَ سَاقِطٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى هَذَا الْجُنُونِ؟ لَا، وَلَا كَرَامَةَ بَلْ لَوْ أَنَّ مُتَبَايِعَيْنِ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى إسْقَاطِ الْخِيَارِ الْوَاجِبِ لَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَبْلَ التَّخْيِيرِ لَكَانَ شَرْطًا مَلْعُونًا، وَعَقْدًا فَاسِدًا، وَحُكْمَ ضَلَالٍ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَطَا إبْطَالَ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَعَقْدُ الطَّلَاقِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ، وَالْخُلْعُ، وَالْعِتْقُ، وَالْكِتَابَةُ تَصِحُّ، وَلَا يُرَاعَى فِيهَا التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مِنْ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرُوا لَهُ أَحْكَامٌ وَأَعْمَالٌ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِهَا، لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، فَالْبَيْعُ يَنْتَقِلُ فِيهِ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَالنِّكَاحُ فِيهِ إبَاحَةُ فَرْجٍ كَانَ مُحَرَّمًا بِغَيْرِ مِلْكِ رَقَبَتِهِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ خِيَارٍ أَصْلًا وَلَا تَأْجِيلٌ. وَهُمْ يُجِيزُونَ الْخِيَارَ الْمُشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ وَالتَّأْجِيلِ، وَلَا يَرَوْنَ قِيَاسَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي ذَلِكَ جَائِزًا، وَالطَّلَاقُ تَحْرِيمُ فَرْجٍ مُحَلَّلٍ إمَّا فِي وَقْتِهِ وَإِمَّا إلَى مُدَّةٍ بِغَيْرِ نَقْلِ

التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض

مِلْكٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطٌ بَعْدَ إيقَاعِهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ - وَالْإِجَارَةُ إبَاحَةُ مَنَافِعَ بِعِوَضٍ لَا تُمَلَّكُ بِهِ الرَّقَبَةُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ فِي الْحُرِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهِيَ إلَى أَجَلٍ وَلَا بُدَّ، إمَّا مَعْلُومٍ وَإِمَّا مَجْهُولٍ إنْ كَانَ فِي عَمَلٍ مَحْدُودٍ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَالْخُلْعُ طَلَاقٌ بِمَالٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ عِنْدَهُمْ خِيَارٌ مُشْتَرَطٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ، وَالْكِتَابَةُ - فَظَهَرَ سُخْفُ قِيَاسِهِمْ هَذَا وَأَنَّهُ هَوَسٌ وَتَخْلِيطٌ. وَكَمْ قِصَّةٍ لَهُمْ فِي التَّخْيِيرِ فِي الطَّلَاقِ أَوْجَبُوا فِيهِ الْخِيَارَ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا وَقَطَعُوهُ بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ قَطُّ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَلَا قِيَاسٌ شُبِّهَ بِهِ، لَكِنْ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ؟ ثُمَّ أَبْطَلُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ مِمَّا ابْتَلَاهُمْ بِهِ. [التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ - فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ مَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَلَا نُنْكِرُ هَذَا إذَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَدْ وَجَدْنَا النَّقْدَ وَتَرْكَ، الْأَجَلِ يُفْسِدُ السَّلَمَ عِنْدَهُمْ، وَيُصَحِّحُ الْبُيُوعَ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الرِّبَا حَتَّى لَا تَصِحَّ إلَّا بِهِ. فَكَيْفَ وَالْمَعْنَى فِيمَا رَامُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَاحِدٌ؟ وَهُوَ أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ لَمْ يَمْلِكَا شَيْئًا وَلَا تَبَايَعَا أَصْلًا قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ أَصْلًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ - مُتَصَارِفَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مُتَصَارِفَيْنِ - فَإِنْ تَفَرَّقَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا بِأَبْدَانِهِمْ قَبْلَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ، فَمَنْ كَانَ قَدْ عَقَدَ عَقْدًا أُبِيحَ لَهُ تَمَّ لَهُ بِالتَّفَرُّقِ، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَعْقِدْ عَقْدًا أُبِيحَ لَهُ فَلَيْسَ هَهُنَا شَيْءٌ يَتِمُّ لَهُ بِالتَّفَرُّقِ. وَقَالُوا أَيْضًا: مُتَعَقِّبِينَ لِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَادِّينَ عَلَيْهِ: الْمُتَبَايِعَانِ إنَّمَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ مَا دَامَا فِي حَالِ الْعَقْدِ لَا بَعْدَ ذَلِكَ، كَالْمُتَضَارَبِينَ وَالْمُتَقَاتَلِينَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَا مُتَبَايِعَيْنِ مُتَفَاسِخَيْنِ مَعًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَلَا عِلْمَ، وَلَا دِينَ، وَلَا حَيَاءَ؛ لِأَنَّهُ سَفْسَطَةٌ بَارِدَةٌ، وَنَعَمْ، فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا فِي حِينِ تَعَاقُدِهِمَا لَكِنَّ

عَقْدَهُمَا بِذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ بَعْدَ الْعَقْدِ، كَمَا أَمَرَ مَنْ لَا يُحَرِّمُ دَمَ أَحَدٍ إلَّا بِاتِّبَاعِهِ، أَوْ بِجِزْيَةٍ يَغْرَمُهَا - إنْ كَانَ كِتَابِيًّا - وَهُوَ صَاغِرٌ. وَمِنْ طَرِيفِ نَوَادِرِهِمْ احْتِجَاجُهُمْ فِي مُعَارَضَةِ هَذَا الْخَبَرِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» . قَالُوا: فَالِاسْتِقَالَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَصِحَّةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَلَسْنَا مِمَّنْ يَحْتَجُّ لِنَفْسِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ، وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا، إلَّا فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَارَقَةِ خَوْفَ الِاسْتِقَالَةِ فَقَطْ فَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُفَارَقَةِ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ، وَلَيْسَتْ الِاسْتِقَالَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا ظَنَّ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ، وَإِنَّمَا هِيَ فَسْخُ النَّادِمِ مِنْهُمَا لِلْبَيْعِ - رَضِيَ الْآخَرُ أَمْ كَرِهَ - لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ اسْتَقَلْت مِنْ عِلَّتِي، وَاسْتَقَلْت مَا فَاتَ عَنِّي: إذَا اسْتَدْرَكَهُ. وَالْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا هَذَا وَعَلَى فَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ وَكَذِبِهِ هُوَ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِالْأَبْدَانِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِقَالَةِ الَّتِي حَمَلُوا الْخَبَرَ عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ مُمْكِنَةٌ أَبَدًا، وَلَوْ بَعْدَ عَشْرَاتِ أَعْوَامٍ، فَكَانَ الْخَبَرُ عَلَى هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا حَقِيقَةَ، وَلَا فَائِدَةَ. فَصَحَّ أَنَّهَا الِاسْتِقَالَةُ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْهَا الْمُفَارَقَةُ بِلَا شَكٍّ، وَهِيَ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ الْمُوجِبُ لِلْبَيْعِ، الْمَانِعُ مِنْ فَسْخِهِ وَلَا بُدَّ، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا، وَلَا يَحْتَمِلُ لَفْظُ الْخَبَرِ مَعْنًى سِوَاهُ أَلْبَتَّةَ. فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ ثِقْلًا عَلَيْهِمْ عَلَى ثِقْلٍ، لِأَنَّهُمْ صَحَّحُوهُ وَخَالَفُوا مَا فِيهِ، وَأَبَاحُوا لَهُ مُفَارَقَتَهُ - خَشِيَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ أَوْ لَمْ يَخْشَ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَكُلُّهُ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ وَمُبْدِي تَخَاذُلَ عِلْمِهِمْ وَقِلَّةَ فَهْمِهِمْ وَنَحْنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - نَذْكُرُ مَا هُوَ أَقْوَى شُبْهَةً لَهُمْ، وَنُبَيِّنُ حَسْمَ التَّعَلُّقِ بِهِ لِمَنْ عَسَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ نا عَمْرٌو «عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ؟ قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بِعْنِيهِ؟ فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ» قَالُوا فَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا تَفَرُّقَ فِيهِ وَهِبَةٌ لِمَا ابْتَاعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِلَا شَكٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَفَرُّقٌ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ السُّكُوتُ عَنْهُ بِمَانِعٍ مِنْ كَوْنِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ تَقْتَضِيه وَلَا بُدَّ - وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ ثَمَنٌ أَيْضًا، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا الْبَيْعَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ثَمَنٌ. فَإِنْ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ الثَّمَنِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ؟ قُلْنَا: وَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ بَيْعًا، وَلَا يَصِحُّ أَصْلًا إلَّا بِأَحَدِهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي إسْقَاطِ حُكْمِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَبَيْنَ مَنْ احْتَجَّ بِهِ فِي الْبَيْعِ بِالْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ثَمَنٌ أَصْلًا، وَهَذِهِ هِبَةٌ لِمَا اُبْتِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ رَأْي الْحَنَفِيِّينَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْإِشْهَادِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَيْعِ تَخْيِيرٌ وَلَا إشْهَادٌ أَصْلًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَبَدًا - فَمَنْ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» ؟ وَبَعْدَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِشْهَادِ، وَمَنْ ادَّعَى عِلْمَ ذَلِكَ فَهُوَ كَذَّابٌ أَفِكٌ يَتَبَوَّأُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ لِكَذِبِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ قَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ كَانَ يَتِمُّ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَإِنَّ الْإِشْهَادَ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا وَإِنَّمَا وَجَبَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا

حِينَ الْأَمْرِ بِهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقْطَعُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخَالِفُ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى، وَلَا يَفْعَلُ مَا نَهَى عَنْهُ أُمَّتَهُ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَنَا، وَمَنْ شَكَّ فِي هَذَا أَوْ أَجَازَ كَوْنَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، نَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ نَسَخَ مَا أَمَرَنَا بِهِ لَبَيَّنَهُ حَتَّى لَا يَشُكَّ عَالِمٌ بِسُنَّتِهِ فِي أَنَّهُ قَدْ نَسَخَ مَا نَسَخَ وَأَثْبَتَ مَا أَثْبَتَ. وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا - وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ - لَكَانَ دِينُ الْإِسْلَامِ فَاسِدًا لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا أَوْجَبَ رَبُّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ الَّذِي يُكَذِّبُهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَقَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ، وَالدِّينُ كُلُّهُ رُشْدٌ وَخِلَافُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ غَيٌّ، فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كُلَّ ذَلِكَ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبًا، وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبَيِّنْ، وَلَمْ يُبَلِّغْ وَالدِّينُ ذَاهِبًا فَاسِدًا - وَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ الْمَحْضُ مِمَّنْ أَجَازَ كَوْنَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثِ - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّاوِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ لَا يَرَى الْبَيْعَ يَتِمُّ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِمْ أَعْلَمُ بِمَا رُوِيَ. وَسَقَطَ عَلَى أَصْلِهِمْ هَذَا تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَمِنْ الْغَرَرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا خِيَارٌ لَا يَدْرِيَانِ مَتَى يَنْقَطِعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ التَّخْيِيرِ: لَيْسَ بَيْعًا أَصْلًا لَا بَيْعَ غَرَرٍ وَلَا بَيْعَ سَلَامَةٍ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّهُ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا مَا كَانَا مَعًا» فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا: مِنْ أَنَّ لَهُمَا خِيَارًا لَا يَدْرِيَانِ مَتَى يَنْقَطِعُ، بَلْ أَيُّهُمَا شَاءَ قَطْعَهُ قَطَعَهُ فِي الْوَقْتِ، بِأَنْ يُخَيِّرَ صَاحِبَهُ فَإِمَّا يُمْضِيَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَيَنْقَطِعُ الْخِيَارُ، وَإِمَّا يَفْسَخُهُ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْعَقْدِ وَتَمَادِيهِ، أَوْ بِأَنْ يَقُومَ فَيُفَارِقَ صَاحِبَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ

فَظَهَرَ بِرَدِّ هَذَا الِاعْتِرَاضِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّأْيِ السَّخِيفِ، وَالْعَقْلِ الْهَجِينِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَرَرًا شَيْءٌ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِمَا نَهَى عَنْهُ مَعًا حَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْغَرَرُ مَا أَجَازَهُ هَؤُلَاءِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ مِنْ بَيْعِهِمْ اللَّبَنَ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ. وَبَيْعِ الْجَزَرِ الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ إنْسِيٌّ وَلَا عَرَفَ صِفَتَهُ، وَلَا أَهُوَ جَزَرٌ أَمْ هُوَ مَعْفُونٌ مُسَوَّسٌ لَا خَيْرَ فِيهِ؟ وَبَيْعِ أَحَدِ ثَوْبَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ الْمُشْتَرَى. وَالْمَقَاثِي الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، وَالْغَائِبِ الَّذِي لَمْ يُوصَفْ وَلَا عُرِفَ - فَهَذَا هُوَ الْغَرَرُ الْمُحَرَّمُ الْمَفْسُوخُ الْبَاطِلُ حَقًّا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ الْيَمَامِيِّ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ بَيْعِهِمَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا بِخِيَارٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ، وَالتَّفَرُّقُ مِنْ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا بِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْهُ حِينَئِذٍ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْهُ بِفَسْخِهِ وَإِبْطَالِهِ -: لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا؟ فَكَيْفَ وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ ضَعِيفٌ لَا نَرْضَى الِاحْتِجَاجَ بِرِوَايَتِهِ أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ لَنَا. وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ تَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ دِينِهِ وَضَعْفِ عَقْلِهِ، فَقَالَ: مَعْنَى مَا لَمْ يَفْتَرِقَا: إنَّمَا أَرَادَ مَا لَمْ يَتَّفِقَا، كَمَا يُقَالُ لِلْقَوْمِ: عَلَى مَاذَا افْتَرَقْتُمْ؟ أَيْ عَلَى مَاذَا اتَّفَقْتُمْ - فَأَرَادَ عَلَى مَاذَا افْتَرَقْتُمَا عَنْ كَلَامِكُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةً بِلَا دَلِيلٍ، وَمَنْ لَكُمْ بِصَرْفِ هَذَا اللَّفْظِ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؟ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: هَذَا هُوَ السَّفْسَطَةُ بِعَيْنِهِ، وَرَدُّ الْكَلَامِ إلَى ضِدِّهِ أَبَدًا، وَلَا يَصِحُّ مَعَ هَذَا حَقِيقَةً، وَلَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا جَاءَ عَنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ.

وَهَذِهِ سَبِيلُ الرَّوَافِضِ، إذْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ إنَّمَا هُمَا إنْسَانَانِ بِعَيْنِهِمَا، وَأَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إنَّمَا هِيَ فُلَانَةُ بِعَيْنِهَا. وَالثَّالِثِ: أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: فَكَيْفَ، وَلَوْ جَازَ هَذَا التَّأْوِيلُ لَكَانَ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» مُكَذِّبًا لِهَذَا التَّأْوِيلِ الْكَاذِبِ الْمُدَّعَى بِلَا دَلِيلٍ، وَمُبَيِّنًا أَنَّ التَّفَرُّقَ الَّذِي بِهِ يَصِحُّ الْبَيْعُ لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ عَلَى رَغْمِ أُنُوفِهِمْ، إلَّا بَعْدَ التَّبَايُعِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا كَمَا ظَنَّ أَهْلُ الْجَهْلِ مِنْ أَنَّهُ فِي حَالِ التَّبَايُعِ وَمَعَ آخِرِ كَلَامِهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا - وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْضُهُمْ بِعَجَبٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ زَادُوا فِي الْكَذِبِ، فَأَتَوْا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ - وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ - وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَالْمُسْلِمُ عِنْدَ شَرْطِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ شَرْطُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَيَاءِ: الِاحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي مُعَارَضَةِ السُّنَنِ، وَكُلُّهَا عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلِهَا - أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مُرْسَلَاتٌ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ مَالِكٌ - عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَمَا أَدْرَاك مَا شَيْخٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ؟ لَيْتَ شِعْرِي أَبِهَذَا يَحْتَجُّونَ إذَا وَقَفُوا فِي عَرْصَةِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ عِيَاذُك اللَّهُمَّ مِنْ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إبْطَالُ مَا حَكَمَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ «لَا بَيْعَ إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ» .

وَكَلَامُ عُمَرَ هَذَا لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ عُمَرَ لَمَا كَانَ خِلَافًا لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَا صَحَّ مِنْ الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ، وَالْخِيَارَ مَا صَحَّ مِنْ الْبَيْعِ بِالتَّخْيِيرِ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحَكَمَ أَنْ «لَا بَيْعَ بَيْنَ الْبَيِّعَيْنِ إلَّا بِأَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» فَكَيْفَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا نَصًّا؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: أَقْبَلْت أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَرِنَا ذَهَبَك؟ ثُمَّ جِئْنَا إذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِيك وَرِقَك؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَلًّا وَاَللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ أَوْ لَتَرُدَّنَّ إلَيْهِ دِرْهَمَهُ. فَهَذَا عُمَرُ يُبِيحُ لَهُ رَدَّ الذَّهَبِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَتَرْكِ الصَّفْقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ الْتَمَسَ، صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ؟ قَالَ: فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ ذَهَبَهُ فَقَلَّبَهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَنِي خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ يَسْمَعُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَهُ. فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ الصَّرْفَ قَدْ كَانَ قَدْ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا - فَصَحَّ أَنَّ عُمَرَ وَبِحَضْرَتِهِ طَلْحَةُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ يَرَوْنَ فَسْخَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا ادَّعَوْهُ مَا كَانَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَيْهِ، وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَمَعَهُ السُّنَّةُ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ؟ أَوَّلُ ذَلِكَ هَذَا الْخَبَرُ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ عُمَرَ كَمَا تَرَى " وَالْمُسْلِمُ عِنْدَ شَرْطِهِ " وَهُمْ يُبْطِلُونَ شُرُوطًا كَثِيرَةً جِدًّا. وَنَسُوا خِلَافَهُمْ لِعُمَرَ فِي قَوْلِهِ: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. وَأَخْذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ الرَّقِيقِ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارًا. وَإِيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي نَاضِّ الْيَتِيمِ.

وَتَرْكِهِ فِي الْخَرْصِ فِي النَّخْلِ مَا يَأْكُلُ أَهْلُهُ - وَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَأَزِيدَ مِنْ مِائَةِ قَضِيَّةٍ - فَصَارَ هَهُنَا الظَّنُّ الْكَاذِبُ فِي الرِّوَايَةِ الْكَاذِبَةِ عَنْ عُمَرَ: حُجَّةً فِي رَدِّ السُّنَنِ. فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ نَفْسَهَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بَيْعٌ إلَّا عَنْ صَفْقَةِ وَتَخَايُرٍ - هَكَذَا بِوَاوِ الْعَطْفِ - وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، وَمُوجِبٌ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرَ الْبَيْعَ إلَّا مَا جَمَعَ الْعَقْدَ، وَالتَّخْيِيرُ سِوَى الْعَقْدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَبْلُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، فَظَهَرَ فَسَادُ تَعَلُّقِهِمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتِ عَنْهُ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ عَجَائِبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ -: فَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ - وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: بَلْ إنْ كَانَ غَائِبًا غِيبَةً بَعِيدَةً فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَيُجَاهِرُ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةَ؟ وَمَا فِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا شَيْءٌ يُخَالِفُ مَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ. فَقَوْلُهُ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ، إنَّمَا أَرَادَ الْبَيْعَ التَّامَّ بِلَا شَكٍّ. وَمِنْ قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ: إنَّهُ لَا بَيْعَ يَتِمُّ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ بِالتَّخْيِيرِ بَعْدَ الْعَقْدِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَظَهَرَ عَظِيمُ فُحْشِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَظِيمُ تَنَاقُضِهِمْ فِيهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بَلْ أَقْوَى مِنْهُ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ إذَا وَافَقَهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: الرَّاوِي أَعْلَمُ بِمَا رَوَى.

مسألة التخيير في البيع

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا قَاسِمٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ وَالتَّخْيِيرُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَغْبِنَ مُسْلِمًا» . فَهَذَانِ مُرْسَلَانِ مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ، مُبْطِلَانِ لِقَوْلِهِمْ الْخَبِيثِ الْمُعَارِضِ لِلسُّنَنِ، فَأَيْنَ هُمْ عَنْهُ؟ لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَقُولُوا مَا لَا يَفْعَلُونَ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مَقْتِهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالسُّخْفِ قَالَ: هَذَا خَبَرٌ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ شَتَّى فَهُوَ مُضْطَرِبٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ كَذَبَ بَلْ أَلْفَاظُهُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُخْتَلِفًا أَصْلًا، لَكِنَّهَا أَلْفَاظٌ يُبَيِّنُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا أُمِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِبَيَانِ وَحَيِّ رَبِّهِ تَعَالَى. [مَسْأَلَةٌ التَّخْيِير فِي الْبَيْعِ] 1418 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ التَّخْيِيرَ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ لِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَيْعِ مَا هَوِيَ أَوْ يَتَخَايَرَانِ ثَلَاثَ مِرَارٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا إِسْحَاقُ أَنَا حَيَّانُ نا هَمَّامٌ نا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا» قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْت فِي كِتَابِي «يَخْتَارُ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا وَيَمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا» وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ أَيْضًا؟ قُلْنَا: رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مُرْسَلَةٌ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ هَمَّامٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ وَجَدَهَا فِي كِتَابِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْهَا وَلَا رَوَاهَا، وَلَا أَسْنَدَهَا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.

مسألة تبايعا في بيت فخرج أحدهما عنه أو دخل حنيته

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: ثَلَاثَ مِرَارٍ. وَقَدْ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ نا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِي نا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ النَّجِيرَمِيُّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الزُّبَيْرِيُّ نا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِهِ: إنَّهُ سَمِعَ صَالِحًا أَبَا الْخَلِيلِ يُحَدِّث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدِيثُ هَمَّامٍ مِثْلُ هَذَا فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَثَبَتَ هَمَّامٌ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَمْ يَقُلْ إذْ وَجَدَهَا فِي كِتَابِهِ: إنَّهَا مِنْ رِوَايَتِهِ، وَوَاللَّهِ لَوْ ثَبَتَ هَمَّامٌ عَلَيْهَا مِنْ رِوَايَتِهِ، أَوْ غَيْرُهُ - مِنْ الثِّقَاتِ - لَقُلْنَا بِهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ زِيَادَةً. [مَسْأَلَةٌ تَبَايَعَا فِي بَيْتٍ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا عَنْهُ أَوْ دَخَلَ حَنِيَّتِهِ] 1419 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَبَايَعَا فِي بَيْتٍ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْبَيْتِ، أَوْ دَخَلَ حَنِيَّةً فِي الْبَيْتِ: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ، أَوْ تَبَايَعَا فِي حَنِيَّةِ أَحَدِهِمَا إلَى الْبَيْتِ: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ. فَلَوْ تَبَايَعَا فِي صَحْنِ دَارٍ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا الْبَيْتَ: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ. فَلَوْ تَبَايَعَا فِي دَارٍ، أَوْ خُصٍّ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَى الطَّرِيقِ، أَوْ تَبَايَعَا فِي طَرِيقٍ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا دَارًا، أَوْ خُصًّا: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ. فَإِنْ تَبَايَعَا فِي سَفِينَةٍ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا الْبِلِّيجَ، أَوْ الْخِزَانَةَ، أَوْ مَضَى إلَى الفندقوق، أَوْ صَعِدَ الصَّارِي: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَايَعَا فِي أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَى السَّفِينَةِ: فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ

مسألة تنازع المتبايعان فقال أحدهما تفرقنا وتم البيع

إذْ تَفَرَّقَا - فَإِنْ تَبَايَعَا فِي دُكَّانٍ فَزَالَ أَحَدُهُمَا إلَى دُكَّانٍ آخَرَ، أَوْ خَرَجَ إلَى الطَّرِيقِ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ وَتَفَرَّقَا. وَلَوْ تَبَايَعَا فِي الطَّرِيقِ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا الدُّكَّانَ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ وَتَفَرَّقَا. فَلَوْ تَبَايَعَا فِي سَفَرٍ أَوْ فِي فَضَاءٍ فَإِنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا بِأَنْ يَصِيرَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ يُسَمَّى تَفْرِيقًا فِي اللُّغَةِ، أَوْ بِأَنْ يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ فِي الرُّفْقَةِ، أَوْ خَلْفَ رَبْوَةٍ، أَوْ خَلْفَ شَجَرَةٍ، أَوْ فِي حُفْرَةٍ - وَإِنَّمَا يُرَاعَى مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ تَفْرِيقًا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا وَتَمَّ الْبَيْعُ] 1420 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: تَفَرَّقْنَا وَتَمَّ الْبَيْعُ، أَوْ قَالَ: خَيَّرْتنِي، أَوْ قَالَ: خَيَّرْتُك فَاخْتَرْتَ أَوْ اخْتَرْتُ تَمَامَ الْبَيْعِ - وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ مَا تَفَرَّقْنَا حَتَّى فَسَخْتُ وَمَا خَيَّرْتنِي وَلَا خَيَّرْتُك، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّخْيِيرِ وَقَالَ: فَلَمْ أَخْتَرْ أَنَا، أَوْ قَالَ: أَنْتَ تَمَامُ الْبَيْعِ -: فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ مَعْرُوفَةً لِلْبَائِعِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ وَلَا نُبَالِي حِينَئِذٍ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ مِنْهُمَا وَلَا فِي يَدِ مَنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْهُمَا - أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ إلَّا أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَالثَّمَنُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي - فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي كُلِّ هَذَا قَوْلُ مُبْطِلِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا - كَائِنًا مَنْ كَانَ - مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ عَقْدُ بَيْعٍ لَا يُقَرُّ بِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهِيَ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ لِلْبَائِعِ وَكَانَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُصَحِّحِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا - كَائِنًا مَنْ كَانَ - مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ نَقْلُ شَيْءٍ عَنْ يَدِهِ، وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ لَهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ. فَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ وَالثَّمَنُ مَعًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَبَايِعَانِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: ابْتَعْته بِنَقْدٍ، وَيَقُولَ الْآخَرُ: بَلْ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِكَذَا أَوْ كَذَا، أَوْ قَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَكْثَرُ - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعَرَضٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بِعَرَضٍ آخَرَ، أَوْ بِعَيْنٍ. أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِدَنَانِيرَ، وَقَالَ الْآخَرُ بِدَرَاهِمَ - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِصِفَةِ كَذَا وَذَكَرَ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ وَقَالَ الْآخَرُ. بَلْ بَيْعًا صَحِيحًا -: فَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدِهِمَا إقْرَارٌ لِلْآخَرِ

بِزِيَادَةٍ إقْرَارًا صَحِيحًا أُلْزِمَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا بُدَّ -: فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، فَهُنَا هُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهَا مِنْهُ كَمَا يَذْكُرُ وَلَا بِمَا يَذْكُرُ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا بَاعَهَا مِنِّي بِمَا يَذْكُرُ وَلَا كَمَا يَذْكُرُ، وَيَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ طَلَبِ، الْآخَرِ، وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرَا مِنْ الْبَيْعِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا تَرَادَّا الْبَيْعَ دُونَ أَيْمَانٍ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ مِنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ بَيْعًا فَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بِعِشْرِينَ، وَقَالَ الْأَشْعَثُ: بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك رَجُلًا؟ فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: أَنْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِك، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَإِنِّي أَقُولُ بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ» .

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ - وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ يَمِينًا. وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ هُنَالِكَ بَيِّنَةٌ - وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمَالِكٍ - وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُسْتَهْلَكَةِ بِذَلِكَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ حَلَفَا جَمِيعًا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا فُسِخَ الْبَيْعُ - وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ قُضِيَ بِقَوْلِ الَّذِي حَلَفَ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً - وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: يَتَرَادَّانِ ثَمَنَ الْمُسْتَهْلَكَةِ، وَقَالَ عَطَاءٌ يُرَدُّ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا - وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ فِي السِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَأَمَّا الْمُسْتَهْلَكَةُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا قِيمَةَ الْمَبِيعِ -. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ - قَائِمَةً كَانَتْ السِّلْعَةُ أَوْ مُسْتَهْلَكَةً - قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَحْمَدَ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرنَا فِيهِ - وَرُوِّينَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ» فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ رُوِّينَاهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَيْسٍ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ -: وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا مُرْسَلَاتٌ -

وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ لَهُ - إذْ مَاتَ أَبُوهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سِتُّ سِنِينَ فَقَطْ، لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُ كَلِمَةً، وَالرَّاوِي عَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ - ظَالِمٌ مِنْ ظَلَمَةِ الْحَجَّاجِ - لَا حُجَّةَ فِي رِوَايَتِهِ - وَأَيْضًا فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَبُو عُمَيْسٍ شَيْئًا لِتَأَخُّرِ سَنِّهِ عَنْ لِقَائِهِ - وَأَيْضًا فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ - وَهُوَ مَجْهُولُ ابْنُ مَجْهُولٍ - وَأَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -: فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ نا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ سِلْعَةً يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَخَذْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: بِعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، بِأَنْ يُسْتَحْلَفَ الْبَائِعُ، ثُمَّ يَخْتَارَ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا شَيْءَ - لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سُئِلَ أَتَذْكُرُ مِنْ أَبِيك شَيْئًا؟ قَالَ: لَا - وَلَمْ يَكُنْ لِعَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْوَلَدِ إلَّا أَبُو عُبَيْدَةَ - وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تَرَكَهُ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ، وَعُتْبَةُ - وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ - وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَذْكُورُ مَجْهُولٌ -: فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا سَائِرُ الْأَقْوَالِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا، لَا سِيَّمَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ وَالْمُسْتَهْلِكَةِ، وَمَنْ حَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ -: فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا إطْلَاقًا سَامَحُوا فِيهِ قِلَّةَ الْوَرَعِ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ - فَلَا يَزَالُونَ يَقُولُونَ فِي كُتُبِهِمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ» . وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا لَا فِي مُرْسَلٍ وَلَا فِي مُسْنَدٍ، لَا فِي قَوِيٍّ وَلَا فِي ضَعِيفٍ، إلَّا أَنْ يُوضَعَ لِلْوَقْتِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ، فَخَالَفُوا الْمُرْسَلَ الْمَذْكُورَ، وَخَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: لَمَّا كَانَ كِلَاهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْيَمِينُ جَمِيعًا، فَإِنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا أَوْ عَقْدًا لَا يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ عَقْدًا لَا يُقِرُّ بِهِ الْبَائِعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ هَذَا فِي كُلِّ مَكَان كَمَا ذَكَرُوا؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ لَا يَعْرِفُ لِغَيْرِهِ، وَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ: هَذَا لِي بِعْته مِنْك بِمِثْقَالَيْنِ، وَقَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ: بَلْ ابْتَعْته مِنْك بِمِثْقَالٍ وَقَدْ أَنْصَفْتُك، فَإِنَّ الَّذِي الشَّيْءُ بِيَدِهِ لَيْسَ مُدَّعِيًا عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَنَّ كُلَّ مَا بِيَدِ الْمَرْءِ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ ادَّعَى فِيهِ مُدَّعٍ: حَلَفَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ وَبَرِئَ وَلَمْ يُقِرَّ لَهُ قَطُّ بِمِلْكِهِ إقْرَارًا مُطْلَقًا، فَلَيْسَ الْبَائِعُ هَهُنَا مُدَّعًى عَلَيْهِ أَصْلًا. وَقَدْ عَظُمَ تَنَاقُضُهُمْ هَهُنَا، لَا سِيَّمَا تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ السِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ وَالْمُسْتَهْلِكَةِ فَهُوَ شَيْءٌ لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَيُعَارِضُونَ بِمَا احْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا، وَأَبُو ثَوْرٍ، فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ، وَعَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ: مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي الْإِقْرَارِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ هَذَا أَيْضًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوَافِقْ الْمُشْتَرِيَ قَطُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَبِالْبَيْعِ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي فِيهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ لِلْمُشْتَرِي بِإِقْرَارٍ هُوَ مَكْذُوبٌ لَهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ بِيَدِ إنْسَانٍ فَهُوَ لَهُ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بِمِلْكِهِ بَيِّنَةٌ لِغَيْرِهِ - وَهُوَ قَوْلُ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ. وَالْعَجَبُ مِنْ إيهَامِ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ جُمْلَةً كَمَا أَوْرَدْنَا، لَا سِيَّمَا الشَّافِعِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْمُرْسَلِ، ثُمَّ أَخَذُوا هَهُنَا بِمُرْسَلٍ، وَلَيْتَهُمْ صَدَقُوا فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، بَلْ

مسألة النقد في بيع الخيار

خَالَفُوهُ، وَتَنَاقَضُوا كُلُّهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي، فَتَاوِيهمْ فِي فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَنَاقُضًا كَثِيرًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ فِي هَذَا تَحْلِيفُ الْمَالِكِيِّينَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي: بِأَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ: بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتُكهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَبِأَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي: بِاَللَّهِ لَقَدْ اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِكَذَا وَكَذَا، فَيَجْمَعُونَ فِي هَذَا أُعْجُوبَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا - تَحْلِيفُهُمَا عَلَى مَا يَدَّعِيَانِهِ لَا عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِي بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَهُمَا كَذَلِكَ ثُمَّ لَا يُعْطُونَهُمَا مَا حَلَفَا عَلَيْهِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِتَحْلِيفِهِمَا بِذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِي بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَهُمَا كَذَلِكَ ثُمَّ لَا يُعْطُونَهُمَا مَا حَلَفَا عَلَيْهِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِتَحْلِيفِهِمَا بِذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ وَيَبْرَأُ. وَأَمَّا هُمْ وَمَنْ يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى مَا ادَّعَى وَيَقْضُونَ لَهُ بِهِ، وَنَقَضُوا هَهُنَا أُصُولَهُمْ أَقْبَحَ نَقْضٍ وَأَفْسَدَهُ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا. وَقَالُوا أَيْضًا: إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا صِحَّةَ الْعَمَلِ، وَالْآخَرُ فَسَادَهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَلَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ] 1421 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ بَيْعٍ وَقَعَ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِلْبَائِعِ، أَوْ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا: خِيَارَ سَاعَةٍ، أَوْ يَوْمٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ: فَهُوَ بَاطِلٌ - تَخَيَّرَا إنْفَاذَهُ أَوْ لَمْ يَتَخَيَّرَا - فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ بَائِعِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ - لَكِنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ -: ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَحْدَثَ فِيهِ حَدَثًا ضَمِنَهُ ضَمَانَ التَّعَدِّي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَهُمَا مَعًا، وَلِإِنْسَانٍ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ رَدَّ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِنْ أَمْضَاهُ فَهُوَ مَاضٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُجِيزُ مُدَّةَ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - لَكِنْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ - فَإِنْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَطَلَ الْبَيْعُ، فَإِنْ تَبَايَعَا بِخِيَارٍ وَلَمْ يَذْكُرَا مُدَّةً فَهُوَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فَقَالَا: الْخِيَارُ جَائِزٌ إلَى مَا تَعَاقَدَاهُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَمْ قَصُرَتْ - وَاتَّفَقُوا فِي كُلِّ مَا عَدَا ذَلِكَ - وَالنَّقْدُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ بِتَطَوُّعِ

الْمُشْتَرِي لَا بِشَرْطٍ أَصْلًا - فَإِنْ تَشَارَطَا النَّقْدَ فَسَدَ الْبَيْعُ، فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، فَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ -: فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ لَا ثَمَنُهُ، وَلِلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ مِنْهُمَا إنْفَاذُ الرِّضَا بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إلَّا بِمَحْضَرِ الْآخَرِ - وَزَكَاةُ الْفِطْرِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بِالرِّضَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ، وَأَحْكَامٌ لَا يُعْرَفُ لَهَا أَصْلٌ، وَأَقْسَامٌ وَأَحْكَامٌ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ - وَقَالَ مَالِكٌ: بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ عِنْدَهُ تَخْتَلِفُ: أَمَّا فِي الثَّوْبِ فَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ إلَّا يَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ، فَمَا زَادَ فَلَا خِيَرَ فِيهِ. وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ فِيهَا إلَّا جُمُعَةً فَأَقَلَّ، فَمَا زَادَ فَلَا خِيَرَ فِيهِ -: يَنْظُرُ إلَى خَبَرِهَا، وَهَيْئَتِهَا، وَعَمَلِهَا. وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَيَوْمٌ فَأَقَلُّ، أَوْ سَيْرُ الْبَرِيدِ فَأَقَلُّ. وَأَمَّا الدَّارُ فَالشَّهْرُ فَأَقَلُّ - وَإِنَّمَا الْخِيَارُ عِنْدَهُ لِيَسْتَشِيرَ وَيَخْتَبِرَ الْبَيْعَ وَأَمَّا مَا بَعُدَ مِنْ أَجْلِ الْخِيَارِ فَلَا خِيَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ - لَا بِشَرْطٍ وَلَا بِغَيْرِ شَرْطٍ - فَإِنْ تَشَارَطَاهُ فَسَدَ الْبَيْعُ، فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ. فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَلِلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ الرَّدُّ وَالرِّضَا بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْآخَرِ وَبِمَحْضَرِهِ - وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنْ انْقَضَى أَمَدُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَرُدَّ وَلَا رَضِيَ -: فَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي الْفَسَادِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَلَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَحْدِيدَاتٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَارِيَةِ، وَالثَّوْبِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ: قَدْ يُخْتَبَرُ، وَيُسْتَشَارُ فِيهِ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمُدَدِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَفِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا - وَقَدْ يَخْفَى مِنْ عُيُوبِ كُلِّ ذَلِكَ

أَشْيَاءُ فِي أَضْعَافِ تِلْكَ الْمُدَدِ، فَكُلُّ ذَلِكَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا أَوْجَبَتْهُ سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ وَلَا قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَوْلُهُمْ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِأَجْنَبِيٍّ فَمَاتَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ: أَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، تَنَاقَضُوا، وَجَعَلُوا الْخِيَارَ مَرَّةً يُوَرَّثُ، وَمَرَّةً لَا يُوَرَّثُ وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ؟ قُلْنَا: فَلَعَلَّهُمْ صِغَارٌ، أَوْ سُفَهَاءُ، أَوْ غُيَّبٌ، أَوْ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَكُونَ الْخِيَارُ لِلْإِمَامِ، أَوْ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ، إنَّ هَذِهِ لَعَجَائِبُ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا وَلَهُمَا مَعًا، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي التَّبَايُعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَجْنَبِيٍّ؟ فَمَرَّةً أَجَازَهُ، وَمَرَّةً أَبْطَلَ الْبَيْعَ بِهِ، إلَّا عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ. وَالنَّقْدُ جَائِزٌ عِنْدَهُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، فَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا مَعًا: فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَا - وَلِلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ أَنْ يَرُدَّ وَأَنْ يَرْضَى بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْآخَرِ وَبِمَحْضَرِهِ. وَاحْتَجَّ هُوَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: فِي أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ بِخَبَرِ الْمُصَرَّاةِ - وَبِخَبَرِ الَّذِي كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ ثَلَاثًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا بَاعَ: لَا خِلَابَةَ. وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ شُرُوسٍ، أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبَانُ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بَعِيرًا وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْعَ وَقَالَ: إنَّمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» قَالَ الْحُذَافِيُّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا رَجُلٌ سَمِعَ أَبَانًا يَقُولُ: عَنْ الْحَسَنِ «اشْتَرَى رَجُلٌ وَجَعَلَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَإِنَّمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا احْتِجَاجُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ: بِحَدِيثِ مُنْقِذٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَى؟ فَعَجَبٌ عَجِيبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونَا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِهَذَا

الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُمَا بِفَسَادِ بَيْعِهِ جُمْلَةً - إنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ وَيُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ - أَوْ جَوَازِ بَيْعِهِ جُمْلَةً، وَلَا يَرُدُّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ - إنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ - فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ ذُو وَرَعٍ أَنْ يَعْصِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يُقَوِّلُهُ مَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؟ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْعٌ وَقَعَ بِخِيَارٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا - وَفِي هَذَا نُوزِعُوا، فَوَا أَسَفَاهُ عَلَيْهِمْ؟ وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ: فَطَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الدَّهْرِ؟ وَهُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَزَارٍ عَلَيْهِ وَطَاعِنٍ فِيهِ، مُخَالِفٍ كُلَّ مَا فِيهِ، فَمَرَّةً يَجْعَلُهُ ذُو التَّوَرُّعِ مِنْهُمْ: مَنْسُوخًا بِتَحْرِيمِ الرِّبَا، وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ مَا لِلرِّبَا هَهُنَا مَدْخَلٌ؟ وَمَرَّةً يَجْعَلُونَهُ كَذِبًا، وَيُعَرِّضُونَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْزِيهِمْ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ - وَهُمْ أَهْلُ الْكَذِبِ، لَا الْفَاضِلُ الْبَرُّ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَكُبَّ الطَّاعِنُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ لِوَجْهِهِ وَمَنْخَرَيْهِ. ثُمَّ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ نَصْرَ تَصْحِيحِ بَيْعٍ وَقَعَ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِلْبَائِعِ، أَوْ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لَهُمَا مَعًا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي خَبَرِ الْمُصَرَّاةِ أَثَرٌ، وَلَا نَصٌّ، وَلَا إشَارَةٌ، وَلَا مَعْنًى، فَأَيُّ عَجَبٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَأَمَّا حَدِيثَا: الْحُذَافِيِّ الْمُسْنَدُ، وَالْمُرْسَلُ -: فَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ مُطَّرَحٌ - وَالْمُسْنَدُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ أَيْضًا مَتْرُوكٌ - وَأَمَّا الْمُرْسَلُ فَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، فَهُمَا فَضِيحَةٌ وَشَهْوَةٌ، لَا يَأْخُذُ بِهِمَا فِي دِينِهِ إلَّا مَحْرُومُ التَّوْفِيقِ. وَلَعَمْرِي لَقَدْ خَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ هَهُنَا أُصُولَهُمْ فَإِنَّهُ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَخْذِ بِمِثْلِهَا فِي الدَّنَاءَةِ وَالرَّذَالَةِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا وَاخْتَلَفْنَا فِيمَا زَادَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا كَذِبٌ مَا وُفِّقُوا قَطُّ عَلَى ذَلِكَ: هَذَا مَالِكٌ لَا يُجِيزُ الْخِيَارَ فِي الثَّوْبِ إلَّا يَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ، وَلَا فِي الدَّابَّةِ إلَّا الْيَوْمَ فَأَقَلَّ -: فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُعَارَضُونَ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ: «النَّهْيُ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، فَمَنْ تَلَقَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إذَا أَتَى السُّوقَ» ، هُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ الْخِيَارُ إلَى دُخُولِ السُّوقِ -

وَلَعَلَّهُ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا بَعْدَ عَامٍ فَأَكْثَرَ - وَسَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَظَهَرَ فَسَادُ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ جُمْلَةً وَأَنَّهَا آرَاءٌ أَحْدَثُوهَا مُتَخَاذِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَلَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَيَجُوزُ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ شَرَطَاهُ أَبَدًا فَهُوَ كَذَلِكَ: لَا أَدْرِي مَا الثَّلَاثُ إلَّا الْمُشْتَرِي إنْ بَاعَ مَا اشْتَرَى بِخِيَارٍ فَقَدْ رَضِيَهُ وَلَزِمَهُ - وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِكْرًا فَوَطِئَهَا فَقَدْ رَضِيَهَا وَلَزِمَتْهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يُعْجِبُنِي شَرْطُ الْخِيَارِ الطَّوِيلِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي مَا رَضِيَ الْبَائِعُ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا - وَقَالَ سُفْيَانُ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ. وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ آثَارًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اشْتَرَى عُمَرُ فَرَسًا وَاشْتَرَطَ حَبْسَهُ إنْ رَضِيَهُ وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ، فَحَمَلَ عُمَرُ عَلَيْهِ رَجُلًا فَعَطِبَ الْفَرَسُ، فَجَعَلَا بَيْنَهُمَا شُرَيْحًا؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعُمَرَ: سَلِّمْ مَا ابْتَعْت أَوْ رُدَّ مَا أَخَذْت؟ فَقَالَ عُمَرُ: قَضَيْتَ بِمُرِّ الْحَقِّ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ دَارًا لِلسَّجْنِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهَا عُمَرُ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنْت أَبْتَاعُ إنْ رَضِيت حَتَّى ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ نَجِيبَةً إنْ رَضِيَهَا فَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لِيَرْضَى ثُمَّ يَدَّعِي -: فَكَأَنَّمَا أَيْقَظَنِي، فَكَانَ يَبْتَاعُ وَيَقُولُ: هَا إنْ أَخَذْت.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ الْبَرْصَاءِ قَالَ: بَايَعْت ابْنَ عُمَرَ بَيْعًا فَقَالَ لِي: إنْ جَاءَتْنَا نَفَقَتُنَا إلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ فَالْبَيْعُ بَيْعُنَا، وَإِنْ لَمْ تَأْتِنَا نَفَقَتُنَا إلَى ذَلِكَ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك، وَلَك سِلْعَتُك؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي بَيْعِ الْخِيَارِ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ كُلُّهُ خِلَافٌ لِأَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَهَذِهِ عِنْدَهُمْ بُيُوعٌ فَاسِدَةٌ مَفْسُوخَةٌ، فَأَيْنَ تَهْوِيلُهُمْ بِالصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ؟ نَعَمْ، وَإِنْ عُرِفَ لَهُ مُخَالِفٌ. وَأَيْنَ رَدُّهُمْ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَنْ لَا بَيْعَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ؟ وَلَيْسَ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ خِلَافٌ لِلسُّنَّةِ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِ عُمَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِجَازَةُ رَدِّ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَالتَّفَرُّقِ. ثُمَّ هَانَ عَلَيْهِمْ هَهُنَا خِلَافُ عَمَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَنَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ - وَكُلُّهُمْ صَحَابَةٌ -: الْعَمَلَ الْمَشْهُورَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ، وَلَا عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ مِمَّنْ يُجِيزُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَصْلًا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ وَأَثْبَتِهِ فِي أَشْهَرِ قِصَّةٍ، وَهِيَ ابْتِيَاعُ دَارٍ لِلسَّجْنِ بِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِهَا لِلسَّجْنِ دَارٌ أَصْلًا. ثُمَّ فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ مُطِيعٍ - وَهُمَا صَاحِبَانِ - يَبْتَاعَانِ كَمَا تَرَى بِخِيَارٍ إنْ أَخَذَا إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ - وَعُمَرُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَفْوَانُ، وَنَافِعٌ يَتَبَايَعُونَ عَلَى الرِّضَا إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ، لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِمَّنْ يُجِيزُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ خِيَارٍ، فَاعْجَبُوا لِأَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ وَأَمَّا التَّابِعُونَ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا؟ قَالَ: الْخِيَارُ لِكِلَيْهِمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا عَنْ رِضًا. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إذَا بِعْت شَيْئًا عَلَى الرِّضَا فَلَا تَخْلِطْ الْوَرِقَ بِغَيْرِهَا حَتَّى تَنْظُرَ أَيَأْخُذُ أَمْ يَرُدُّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ

مِنْ الرَّجُلِ الْبَيْعَ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ فَهَلَكَ مِنْهُ؟ فَإِنْ كَانَ سَمَّى الثَّمَنَ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَهُوَ أَمِينٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مَا نَعْلَمُ فِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ذِكْرُ مُدَّةٍ أَصْلًا. وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ: جَوَازُ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: جَوَازُ النَّقْدِ فِيهِ، وَلَمْ يَخُصَّ بِشَرْطٍ وَلَا بِغَيْرِ شَرْطٍ وَأَمَّا قَوْلُ طَاوُسٍ فَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَكُونُ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ فَإِنَّ الْخِيَارَ يَجِبُ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَتَّفِقَا، فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ بَيْعًا أَصْلًا، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا كَانَ - وَهَذَا قَوْلُنَا، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ أَقْوَالَ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفَةٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ، وَأَنَّهُمَا لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهَا، وَتَفْرِيقُ سُفْيَانَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ مِنْ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا، فَلَمْ يُجِيزَاهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ؟ فَأَجَازَهُ سُفْيَانُ، لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ - وَلَيْسَ إلَّا جَوَازُ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ بُطْلَانُ كُلِّ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِّينَا بُطْلَانَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَرِهَتْ أَنْ تُبَاعَ الْأَمَةُ بِشَرْطٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً يَتَسَرَّاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَتْ: لَا أَبِيعُكهَا حَتَّى أَشْتَرِطَ عَلَيْك إنْ اتَّبَعَتْهَا نَفْسِي فَأَنَا أَوْلَى بِالثَّمَنِ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَتَّى أَسْأَلَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْت عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا؟ فَقَالَ: أَذْهَبُ بِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ، فَبَاعَهُ الْآخِذُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ؟ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَحِلُّ لَهُ الرِّبْحُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْحٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ بَيْعٍ فِيهِ شَرْطٌ فَلَيْسَ بَيْعًا - وَقَالَ طَاوُسٍ بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ كُلِّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَوْضَحُ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ مِنْ دَعْوَاهُمْ أَنَّ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فِي أَنْ لَا بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَمِنْ دَعْوَاهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَمِنْ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُمَا مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ فَقَدْ خَالَفُوهُ، فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ. فَإِنْ احْتَجُّوا فِي إبَاحَةِ بَيْعِ الْخِيَارِ بِمَا رُوِيَ «: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مُطَّرَحٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِمَا رَوَى. وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ كَذَّابٍ عَنْ مَجْهُولٍ عَنْ مَجْهُولٍ مُرْسَلٍ مَعَ ذَلِكَ وَعَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلٌ، وَلَوْ صَحَّ مَعَ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ هِيَ كُلَّ مَا اشْتَرَطُوهُ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَلَزِمَ شَرْطُ الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَهُمْ قَدْ أَبْطَلُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَرْطٍ أَبَاحَهَا غَيْرُهُمْ، وَإِنَّمَا شُرُوطُ الْمُسْلِمِينَ: الشُّرُوطُ الَّتِي جَاءَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ بِإِبَاحَتِهَا نَصًّا فَقَطْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجَّ مَنْ يُجِيزُ بَيْعَ الْخِيَارِ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخِيَارَ مَا هُوَ؟ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ: اخْتَرْ. وَبَيَّنَهُ أَيْضًا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِهِ. وَأَوْضَحَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَقَطْ.

وَذَكَرُوا أَيْضًا خَبَرَ " الْمُصَرَّاةِ " وَسَنَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِإِسْنَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، «وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخِيَارَ لِوَاجِدِهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ كَرِهَهَا رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . وَخَبَرَ «مُنْقِذٍ إذْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ إذَا بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا» ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْحِجْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَخَبَرَ تَلَقِّي السِّلَعِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ، وَبِالْخِيَارِ فِي رَدِّ الْبَيْعِ يُوجَدُ فِيهِ الْعَيْبُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إبَاحَةِ بَيْعِ الْخِيَارِ إثْمٌ وَعَارٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ إنَّمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي - أَحَبَّ الْبَائِعُ أَمْ كَرِهَ - لَا بِرِضًا مِنْهُ أَصْلًا وَلَا بِأَنْ يَشْتَرِطَ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو فَهْمٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْخِيَارِ فِي إبَاحَةِ بَيْعٍ يَتَّفِقُ فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الرِّضَا بِشَرْطِ خِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِكِلَيْهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا؟ وَأَمَّا خَبَرُ مُنْقِذٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ خِيَارٌ يَجِبُ لِمَنْ قَالَ عِنْدَ التَّبَايُعِ: لَا خِلَابَةَ، بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا سَوَاءٌ رَضِيَ بِذَلِكَ مُعَامَلَةً أَوْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الَّذِي جَعَلَ لَهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، فَأَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَبَيْنَ خِيَارٍ يَتَّفِقَانِ بِرِضَاهُمَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَكُلُّهُمْ لَا يَقُولُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلًا؟ وَأَمَّا خَبَرُ تَلَقِّي السِّلَعِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا إنَّمَا هُوَ خِيَارٌ جُعِلَ لِلْبَائِعِ - أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَمْ كَرِهَ - لَمْ يَشْتَرِطَاهُ فِي الْعَقْدِ -. وَهُوَ أَيْضًا خِيَارٌ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ وَكُلُّهُمْ لَا يُجِيزُ هَذَا أَصْلًا. فَأَيُّ عَجَبٍ يَفُوقُ قَوْلَ قَوْمٍ يُبْطِلُونَ الْأَصْلَ وَلَا يُجِيزُونَ الْقَوْلَ بِهِ، وَيُصَحِّحُونَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ فِي مَا لَا يُشْبِهُهُ وَيُخَالِفُونَ السُّنَنَ فِيمَا جَاءَتْ فِيهِ، ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ أَثَرٌ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا مَعْنًى؟ فَخَالَفُوا الْحَقَائِقَ جُمْلَةً وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ التَّوْفِيقِ.

فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا جَازَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي أَحَدِهَا الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَفِي الْآخَرِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الثَّالِثِ الْخِيَارُ لِلْمَرْءِ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا، وَكَانَ فِي الشُّفْعَةِ الْخِيَارُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِغَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ رِضَا الْآخَرِ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَانَ إذَا اشْتَرَطَاهُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَحَدِهِمَا أَوْ - لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا أَحْرَى أَنْ يَجُوزَ؟ قُلْنَا: هَذَا حُكْمُ الشَّيْطَانِ لَا حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا هُوَ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَتِلْكَ دَعْوَى مِنْكُمْ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا، بَلْ الْبُرْهَانُ قَائِمٌ عَلَى بُطْلَانِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] . وَمَا تَدْرُونَ أَنْتُمْ وَلَا غَيْرُكُمْ مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِدَعْوَاكُمْ هَذِهِ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَصِحُّ تَشْبِيهُ الْمُشَبَّهِ إلَّا حَتَّى يَصِحَّ الْمُشَبَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ يُصَحِّحُ حُكْمَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إلَّا الْمُصَرَّاةَ، وَالشُّفْعَةَ فَقَطْ، فَكَيْفَ تَسْتَحِلُّونَ أَنْ تَحْكُمُوا بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حُكْمًا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؟ وَهَلْ سُمِعَ بِأَحْمَقَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؟ وَاَلَّذِينَ يُصَحِّحُونَ مِنْكُمْ حُكْمَ الْمُصَرَّاةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ رَدِّ صَاعِ تَمْرٍ مَعَ الشَّيْءِ الَّذِي يَخْتَارُ الرَّادُّ رَدَّهُ، فَمِنْ أَيْنَ جَازَ عِنْدَكُمْ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ مَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ وَحُرِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ مَا فِيهِ؟ أَلَيْسَ هَذَا مِمَّا تَحْتَارُ فِيهِ أَوْهَامُ الْعُقَلَاءِ؟ وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ إنَّمَا هِيَ لِشَرِيكٍ عِنْدَكُمْ، أَوْ لِلْجَارِ فِيمَا بِيعَ مِنْ مُشَاعٍ فِي الْعَقَارِ خَاصَّةً، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ بِكُمْ يَا هَؤُلَاءِ أَنْ تُحَرِّمُوا الْقِيَاسَ عَلَى ذَلِكَ مَا بِيعَ أَيْضًا مِنْ الْمُشَاعِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ لِلشَّرِيكِ أَيْضًا. وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الدَّهْرِ كَانَ هَذَا أَوْضَحَ قِيَاسٍ وَأَصَحَّهُ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَالشَّبَهِ عِنْدَ كُلِّ نَاظِرٍ ثُمَّ تَقِيسُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يُشْبِهُهُ أَصْلًا مِنْ اشْتِرَاطِ اخْتِيَارٍ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ ضِدُّ ذَلِكَ الْحُكْمِ جُمْلَةً، فَذَلِكَ لِلشَّرِيكِ وَهَذَا لِغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَذَلِكَ فِي الْمُشَاعِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُشَاعِ، وَذَلِكَ مُشْتَرَطٌ، وَهَذَا غَيْرُ مُشْتَرَطٍ، وَذَلِكَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ وَهَذَا إلَى مُدَّةٍ، فَمَا هَذَا التَّخْلِيطُ، وَالْخَبْطُ؟

وَأَمَّا الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، مِنْ أَنَّهُ لَا شَبَهَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِمَا قُلْنَا آنِفًا، فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ جُمْلَةً بِالْأَخْبَارِ، وَبِالْقِيَاسِ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيُّ قَوْلٍ أَفْسَدَ مِنْ قَوْلِ مَنْ يُبْطِلُ الْخِيَارَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيَخْتَارَ إمْضَاءً أَوْ رَدًّا. وَالْخِيَارُ الْوَاجِبُ لِمَنْ قَالَ عِنْدَ الْبَيْعِ: لَا خِلَابَةَ. وَالْخِيَارُ لِمَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ مِمَّنْ تَلَقَّاهَا إذَا دَخَلَ السُّوقَ. وَالْخِيَارُ الْوَاجِبُ لِمَنْ ابْتَاعَ مُصَرَّاةً. وَالْخِيَارُ الْوَاجِبُ لِمَنْ بَاعَ شِرْكًا مِنْ مَالٍ هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ ثُمَّ أَوْجَبَ خِيَارًا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى بُطْلَانِ كُلِّ بَيْعٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ اشْتَرَطَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» . وَكَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ فِيهَا لَكَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَبَ بُطْلَانُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ يَقِينًا، وَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يُصَحَّحْ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَمْ يَصِحَّ فَلَا صِحَّةَ لَهُ بِلَا شَكٍّ، فَوَجَبَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ الَّذِي عُقِدَ عَلَى شَرْطِ خِيَارٍ كَمَا ذَكَرْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَفْتَخِرُونَ بِاتِّبَاعِ الْمُرْسَلِ وَأَنَّهُ كَالْمُسْنَدِ -: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَفَرَّقُ بَيِّعَانِ إلَّا عَنْ تَرَاضٍ»

مسألة بيع صح وتم فهلك المبيع إثر تمام البيع

وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمُرَاسِلِ، فَأَيْنَ هُمْ عَنْهُ؟ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَقَاءٍ عَنْ الْخِيَارِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ؟ وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ هَلْ زَالَ مِلْكُ بَائِعِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ أَمْ لَا، إذَا اُشْتُرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، فَهُوَ قَوْلُنَا وَصَحَّ أَنَّهُ لَا بَيْعَ هُنَالِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِيقَاعُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قُلْنَا: فَالْخِيَارُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا يَصِحُّ فِي شَيْءٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ - وَأَقْوَالُهُمْ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا قَدْ بَاعَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَشْتَرِ الْمُشْتَرِي بَعْدُ؟ قُلْنَا: هَذَا تَخْلِيطٌ وَبَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعٌ إلَّا وَهُنَالِكَ بَائِعٌ وَمُبْتَاعٌ وَانْتِقَالُ مِلْكٍ. وَهَكَذَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَقَطْ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَائِعِ. فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ: فَهَذَا بَيْعٌ لَمْ يَنْعَقِدْ لَا عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْمُبْتَاعِ فَهُوَ بَاطِلٌ - وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ بِالْخِيَارِ لَا يَجُوزُ، فَهَلَّا قَاسُوا عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعَ وَسَائِرِ مَا أَجَازُوا فِيهِ الْخِيَارَ، كَمَا فَعَلُوا فِي مُعَارَضَةِ السُّنَّةِ بِهَذَا الْقِيَاسِ نَفْسِهِ فِي إبْطَالِهِمْ الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَلَا نُصُوصَ الْتَزَمُوا وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَالدَّلَائِلُ عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْخِيَارِ تَكْثُرُ، وَمُنَاقَضَاتُهُمْ فِيهِ جَمَّةٌ، وَإِنَّمَا أَقْوَالُهُمْ فِيهِ دَعَاوَى - بِلَا بُرْهَانٍ - مُخْتَلِفَةٌ مُتَدَافِعَةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْع صَحَّ وَتَمَّ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ إثْرَ تَمَامِ الْبَيْعِ] 1422 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ بَيْعٍ صَحَّ وَتَمَّ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ إثْرَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عُرِضَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نَقْصٍ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا أَوْ

حَاضِرًا، أَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَجُنَّ أَوْ بَرِصَ أَوْ جُذِمَ إثْرَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ ثَمَرًا قَدْ حَلَّ بَيْعُهُ، فَأُجِيحَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ مَا بَاعَ، فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ - وَقَالَ مَالِكٌ بِقَوْلِنَا، إلَّا فِي الرَّقِيقِ وَالثِّمَارِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا أَصَابَ الرَّقِيقَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ بَيْعِ الرَّأْسِ مِنْ إبَاقٍ، أَوْ عَيْبٍ، أَوْ مَوْتٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ، فَإِذَا انْقَضَتْ بَرِئَ الْبَائِعُ، إلَّا مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ: فَإِنَّ هَذِهِ الْأَدْوَاءَ الثَّلَاثَةَ إنْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهَا الرَّأْسَ الْمَبِيعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عَامٍ مِنْ حِينِ ابْتِيَاعِهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ. قَالَ: وَلَا يَقْضِي بِذَلِكَ إلَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ فِيهَا - وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ فِيهَا: فَلَا حُكْمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. قَالَ: وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَطَلَ عَنْهُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ، وَأَسْقَطَهَا جُمْلَةً فِيمَا بَاعَهُ السُّلْطَانُ لِغَرِيمٍ، أَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ - وَأَجَازَ النَّقْدَ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ، وَلَمْ يُجِزْهُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا الثِّمَارُ فَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً كَانَتْ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهَا وَالْمَقَاثِي، فَإِذَا أُجِيحَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ أُجِيحَ مَا دُونَ الثُّلُثِ - بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ بَقْلًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ - قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ - فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ - وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمَوْزِ، فَمَرَّةً قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ فِي مُرَاعَاةِ الثُّلُثِ، وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَقْلِ فِي الرُّجُوعِ بِقَلِيلِ الْجَائِحَةِ وَكَثِيرِهَا. وَمَرَّةً قَالَ: لَا يَرْجِعُ بِجَائِحَةٍ أَصَابَتْهُ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا إيجَابُ التَّسْلِيمِ فَمَا نَعْلَمُ فِيهِ لِلْحَنَفِيِّينَ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَإِنَّمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ قَبْضِ مَا بَاعَ مِنْهُ فَقَطْ، فَإِنْ فَعَلَ صَارَ عَاصِيًا وَضَمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ فَقَطْ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُلْزِمَ أَحَدٌ حُكْمًا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، قَالَ تَعَالَى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّقِيقِ: فَإِنَّ مُقَلِّدِيهِ يَحْتَجُّونَ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا أَبَانُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ» . وَقَالُوا: إنَّمَا قَضَى بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ لِأَجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم أَنَّهُ سَمِعَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامٍ يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حِينِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ وَعُهْدَةَ السَّنَةِ، وَيَأْمُرَانِ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي عَبْدٍ اُشْتُرِيَ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَجَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَحَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: الْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ: سَنَةً. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: الْعِدَّةُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ نَحْوَ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ: سَنَةٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ، قَالَ: سَمِعْت رِجَالًا مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ يَقُولُونَ: لَمْ تَزُلْ الْوُلَاةُ بِالْمَدِينَةِ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يَقْضُونَ فِي الرَّقِيقِ بِعُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ إنْ ظَهَرَ بِالْمَمْلُوكِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ قَبْلَ

أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فَهُوَ رَدٌّ إلَى الْبَائِعِ، وَيَقْضُونَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ فَإِنْ حَدَثَ فِي الرَّأْسِ فِي تِلْكَ الثَّلَاثِ حَدَثٌ - مِنْ مَوْتٍ أَوْ سَقَمٍ - فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ مِنْ الرُّبْعِ، وَلَا يَسْتَبِينُ الرُّبْعُ إلَّا فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا غَيْرَ مَا أَوْرَدْنَا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ -: أَمَّا الْحَدِيثَانِ فَسَاقِطَانِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ شَيْئًا قَطُّ، وَلَا سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقَبَةِ فَصَارَا مُنْقَطِعَيْنِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ. وَقَدْ رُوِّينَاهُمَا بِغَيْرِ اللَّفْظِ، لَكِنْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ - هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ - نا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعُ لَيَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا عُهْدَةَ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ أُصُولَهُمْ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: الْمُنْقَطِعُ، وَالْمُتَّصِلُ: سَوَاءٌ، وَقَدْ تَرَكُوا هَهُنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ، وَمَا عَابُوهَا إلَّا بِالِانْقِطَاعِ فَقَطْ. وَالْمَالِكِيُّونَ تَرَكُوا هَهُنَا الْأَخْذَ بِالزِّيَادَةِ، فَهَلَّا جَعَلُوا الْعُهْدَةَ أَرْبَعَ لَيَالٍ بِالْآثَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَا؟ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَثْبُتُونَ عَلَى أَصْلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا مَا نُزِّلَ إلَيْنَا وَمَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ " عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ " كَلَامٌ لَا يُفْهَمُ، وَلَا تَدْرِي " الْعُهْدَةَ " مَا هِيَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَمَا فَهِمَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِ قَائِلٍ " عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ " أَنَّ مَعْنَاهُ مَا أَصَابَ الرَّقِيقَ الْمَبِيعَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَمِنْ

مُصِيبَةِ الْبَائِعِ، وَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، وَلَوْ قَالَهُ لَبَيَّنَ عَلَيْنَا مَا أَرَادَ بِهِ. وَلَا يَفْرَحُ الْحَنَفِيُّونَ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسُوغُ وَيَصِحُّ عَلَى أُصُولِنَا لَا عَلَى أُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ إذْ رَزَقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عُقُولًا كَهَّنُوا بِهَا مَا مَعْنَى الْكَذِبِ الْمُضَافِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ " الْبُتَيْرَاءِ " حَتَّى فَهِمُوا أَنَّ الْبُتَيْرَاءَ: هِيَ أَنْ يُوتِرَ الْمَرْءُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِثَلَاثٍ، عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَفْهَمُهُ إنْسِيٌّ وَلَا جِنِّيٌّ مِنْ لَفْظَةِ " الْبُتَيْرَاءِ " وَلَمْ يُبَالُوا بِالتَّزَيُّدِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَمَا الْمَانِعُ لَهُمْ مِنْ أَنْ يُكَهِّنُوا أَيْضًا هَهُنَا مَعْنَى الْعُهْدَةِ؟ فَمَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَأْخُذُ بِبَيَانِ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إلَّا مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، فَهُوَ الَّذِي تَقُومُ بِهِ حُجَّةُ الْوَاقِفِ غَدًا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِمَا سِوَاهُ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَقَدْ جَاءَ الْحُكْمُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ، فَقَاسُوا عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ بِآرَائِهِمْ. وَجَاءَ النَّصُّ بِتَحْدِيدِ الْمَنْعِ مِنْ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ فَقَاسُوا عَلَيْهِ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ النِّكَاحِ عِنْدَ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالرِّبَا فِي الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ فَقَاسُوا عَلَيْهَا: الْكَمُّونَ، وَاللَّوْزَ، فَهَلَّا قَاسُوا هَهُنَا عَلَى خَبَرِ " الْعُهْدَةِ " فِي الرَّقِيقِ سَائِرَ الْحَيَوَانِ؟ وَلَكِنْ لَا النُّصُوصَ يَلْتَزِمُونَ وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ؟ وَمِنْ طَرَائِفِهِمْ هَهُنَا: أَنَّهُمْ قَاسُوا مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ عَبْدًا أَوْ ثَمَرَةً بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلَاحُهَا فَمَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَبَقَ أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؟ فَلِلْمَرْأَةِ الْقِيَامُ بِالْجَائِحَةِ، وَلَا قِيَامَ لَهَا فِي الْعَبْدِ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ - فَكَانَ " هَذَا طَرِيفًا جِدًّا. وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقُوا فِيهِ بِخَبَرٍ وَعَمَلٍ وَلَا فَرْقَ؟ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ " عُهْدَةَ الثَّلَاثِ " إنَّمَا جُعِلَتْ مِنْ أَجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُخْرَجَةً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مُضَافَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بُدَّ مِنْ

أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَضَافُوهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ذَلِكَ كَذِبًا بَحْتًا مُوجِبًا لِلنَّارِ، وَإِنْ كَانُوا أَخْرَجُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَلِمَ تَعَدَّيْتُمْ بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ إلَى الْإِبَاقِ، وَالْمَوْتِ، وَسَائِرِ الْعُيُوبِ الَّتِي يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا حَادِثَةٌ بِلَا شَكٍّ، كَذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْ رَمْيَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ فَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ قِيَاسٍ لِافْتِرَاقِ الْعِلَّةِ. وَأَيْضًا: فَإِنْ كُنْتُمْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَنَرَاكُمْ قَدْ اطَّرَحْتُمْ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ وَاقْتَصَرْتُمْ عَلَى عِلَّةٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؟ ؟ وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي شَغَبُوا بِهَا فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا - فَإِنَّ هِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ مِمَّنْ لَا نَعْلَمُهُ تَجِبُ الْحُجَّةُ بِرِوَايَتِهِ فَكَيْفَ بِخُطْبَتِهِ؟ وَأَمَّا خُطْبَةُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بِذَلِكَ - فَعَهْدُنَا بِهِمْ قَدْ خَالَفُوا أَبَانًا فِي قَوْلِهِ: إنَّ أَلْبَتَّةَ فِي الطَّلَاقِ وَاحِدَةٌ، وَفِي إبْطَالِهِ طَلَاقُ السَّكْرَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَمَرَّةً يَكُونُ حُكْمُ أَبَانَ حُجَّةً، وَمَرَّةً لَا يَكُونُ حُجَّةً - وَهَذَا تَخْلِيطٌ شَدِيدٌ وَعَمَلٌ لَا يَحِلُّ. وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَالرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَ رِوَايَتَهُ فَمَالِكٌ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - وَهُمْ قَدْ اطَّرَحُوا حُكْمَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الثَّابِتَ عَنْهُ، وَالسُّنَّةُ مَعَهُ فِي أَمْرِهِ النَّاسَ عَلَانِيَةً بِالسُّجُودِ فِي " إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ كَثِيرٌ جِدًّا، فَالْآنَ صَارَ حُجَّةً وَهُنَالِكَ لَيْسَ حُجَّةً، مَا أَقْبَحَ هَذَا الْعَمَلَ فِي الدِّيَانَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فَصَحِيحٌ عَنْهُمَا، وَلَا حُجَّةَ فِي الدِّينِ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُ سَعِيدٍ مُخَالِفٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ، وَلَمْ يَخُصَّ الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ، وَالْبَرَصَ فَقَطْ، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حِسٍّ أَنَّ الْأَكَلَةَ، وَالْحِرْبَةَ، وَالْأَدَرَةَ: مِنْ الْأَدْوَاءِ الْعُضَالِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الْمَذْكُورَةِ أَثَرًا أَصْلًا، وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْأَدْوَاءُ لَا تَظْهَرُ بِبَيَانٍ إلَّا بَعْدَ عَامٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَحُكْمُهُ الْإِطْرَاحُ، وَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهِ، وَمَا عُلِمَ هَذَا قَطُّ، لَا فِي طِبٍّ، وَلَا فِي لُغَةٍ عَرَبِيَّةٍ، وَلَا فِي شَرِيعَةٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَذَكَرُوا أَيْضًا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ رَأَى عَيْبًا فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ رَدَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ رَأَى عَيْبًا بَعْدَ ثَلَاثٍ لَمْ يَرُدَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى فِيمَنْ ابْتَاعَ غُلَامًا فَوَجَدَهُ مَجْنُونًا؟ قَالَ: إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُ الْبَائِعَ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ جُنُونٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّنَةِ فَيَمِينُهُ بِاَللَّهِ عَلَى عِلْمِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؛ وَابْنَ الزُّبَيْرِ سُئِلَا عَنْ الْعُهْدَةِ فَقَالَا: لَا نَجِدُ أَمْثَلَ مِنْ حَدِيثِ «حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ إذْ كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ» . وَخَبَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَجَّلَ الْجَارِيَةَ بِهَا الْجُذَامُ، وَالدَّاءُ: سَنَةً. قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةً لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا خَبَرُ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَا بَيَانَ فِيهِ بِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِقَوْلِهِمْ أَصْلًا، بَلْ فِيهِ أَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِمْ " لِأَنَّهُمَا بَيَّنَّاهُ عَلَى حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ ". وَالْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفُونَ لِذَلِكَ الْخَبَرِ، فَقَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ: حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا وِفَاقَ فِيهِ لِقَوْلِهِمْ أَصْلًا لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالْأَخْذِ فَقَطْ، دُونَ ذِكْرِ وُجُودِ عَيْبٍ، وَلَا فِيهِ تَخْصِيصٌ لِلرَّقِيقِ دُونَ سَائِرِ ذَلِكَ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ. وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: مَا أُمِرَ مُنْقِذٌ أَنْ يَقُولَهُ. وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيٍّ: فَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِمْ، وَلَا ذِكْرُ رَدٍّ أَصْلًا،

وَإِنَّمَا يُمَوِّهُونَ بِالْخَبَرِ يَكُونُ فِيهِ لَفْظٌ كَبَعْضِ أَلْفَاظِ قَوْلِهِمْ، فَيَظُنُّ مَنْ لَا يُمْعِنُ النَّظَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الْأَكْثَرِ، أَوْ لَا مُوَافِقٌ وَلَا مُخَالِفٌ كَذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَالسَّنَةِ؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْت فِيهِ أَمْرًا سَالِفًا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَأَلْت عَطَاءً عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى عُهْدَةٌ فِي الْأَرْضِ، قُلْت: فَمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةٌ مِلْكُهَا لِزَيْدٍ وَفَرْجُهَا لَهُ حَلَالٌ وَيَكُونَ ضَمَانُهَا عَلَى خَالِدٍ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ - وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - وَهَذَا يُبْطِلُ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ، وَالسَّنَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ الْحُكْمِ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَالسَّنَةِ: أَسُنَّةٌ هُوَ وَحَقٌّ أَمْ لَيْسَ سُنَّةً وَلَا حَقًّا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ سُنَّةٌ وَحَقٌّ؟ قُلْنَا: فَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ لَا تَحْكُمُوا بِهَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي اصْطَلَحَ أَهْلُهَا عَلَى تَرْكِ الْحُكْمِ بِهَا فِيهَا؟ وَمَتَى رَأَيْتُمْ سُنَّةً يُفْسَحُ لِلنَّاسِ فِي تَرْكِهَا وَمُخَالَفَتِهَا؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ سُنَّةً وَلَا حَقًّا؟ قُلْنَا: بِأَيِّ وَجْهٍ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا أَمْوَالَ النَّاسِ الْمُحَرَّمَةِ فَتُعْطُوهَا غَيْرَهُمْ بِالْكُرْهِ مِنْهُمْ؟ وَلَعَلَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فَقِيرٌ هَالِكٌ، وَالْمَحْكُومَ لَهُ غَنِيٌّ أَشِرٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَفَسَخْتُمْ الْبُيُوعَ الصَّحِيحَةَ بِمَا لَيْسَ سُنَّةً وَلَا حَقًّا، إذْ أَبَحْتُمْ تَرْكَ الْحُكْمِ بِالسُّنَّةِ وَالْحَقِّ، وَلَا مُخَلِّصَ لَكُمْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهَذَا كَمَا تَرَى.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْجَوَائِحِ: فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ مِمَّا ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الثِّمَارِ، وَالْمَقَاثِي، وَبَيْنَ الْبُقُولِ، وَالْمَوْزِ وَلَا يُعَضِّدُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ أَصْلًا، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِمَّنْ سَلَفَ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَلَهُمْ فِي تَخْصِيصِ الثُّلُثِ آثَارٌ سَاقِطَةٌ نَذْكُرُهَا أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ وَهْيَهَا - وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُفْيَانَ - وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ جُمْهُورِ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كَانُوا يُلْزِمُونَ الْمُشْتَرِيَ الْجَائِحَةَ - قَالَ اللَّيْثُ: وَبَلَغَنِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَضَى بِالْجَائِحَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ إلَى حَطِّ الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ عَنْ الْمُشْتَرِي - قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ - وَهَذَا قَوْلٌ لَهُ مُتَعَلَّقٌ بِأَثَرٍ صَحِيحٍ، نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ وَجْهَهُ وَحُكْمَهُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ نا أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَانِ أَثَرَانِ صَحِيحَانِ. وَقَالُوا أَيْضًا: عَلَى بَائِعِ الثَّمَرَةِ إسْلَامُهَا إلَى الْمُشْتَرِي طَيِّبَةً كُلَّهَا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ، سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِمِقْدَارِ مَا لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ كَمَا يَلْزَمُ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ مُقَدَّمًا مَوْلَى أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ عَبْدِ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْجَوَائِحُ كُلُّ ظَاهِرٍ مُفْسَدٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ بَرَدٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ جَرَادٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ لَمْ يَأْتِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِمَا وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ خِلَافُ مَا فِيهِمَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِمَا لِقَوْلِ مَالِكٍ، بَلْ هُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا تَخْصِيصُ ثُلُثٍ مِنْ غَيْرِهِ. فَنَظَرْنَا هَلْ جَاءَ فِي هَذَا الْحُكْمِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ؟ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ - هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ، وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ لِأَجْلِ الْجَائِحَةِ شَيْئًا؟ فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مَعَ خَبَرَيْ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. فَوَجَدْنَا خَبَرَيْنِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ، قَدْ وَرَدَا بِبَيَانٍ تَتَأَلَّفُ بِهِ هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا - بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى تُزْهِيَ قَالُوا: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: تَحْمَرُّ، أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ السِّنِينَ» . فَصَحَّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ الْجَوَائِحَ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَضْعِهَا هِيَ الَّتِي تُصِيبُ مَا بِيعَ مِنْ الثَّمَرِ سِنِينَ، وَقَبْلَ أَنْ يُزْهِيَ، وَأَنَّ الْجَائِحَةَ الَّتِي لَمْ يُسْقِطْهَا وَأَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ مُصِيبَتَهَا، وَأَخْرَجَهُ عَنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِهَا -: هِيَ الَّتِي تُصِيبُ الثَّمَرَ الْمَبِيعَ بَعْدَ ظُهُورِ الطَّيِّبِ فِيهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيك تَمْرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا» فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَجَرًا فِي وَرِقِهِ مِنْ ثَمَرٍ مَوْضُوعِ الْأَرْضِ وَهُمْ يَخُصُّونَ ذَلِكَ بِآرَائِهِمْ، فَقَدْ صَحَّ خِلَافُهُمْ لِهَذَا الْخَبَرِ وَتَخْصِيصُهُمْ لَهُ، وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ عَلَى عُمُومِهِ وَالْأَخْذُ فِيهِ. وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ثَمَرٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَا فِي أَيِّ جَائِحَةٍ هُوَ - فَصَحَّ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ أَيْضًا، وَبَطَلَ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ عَلَى عُمُومِهِ، وَصَارَ قَوْلُهُمْ، وَقَوْلُنَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ سَوَاءً فِي تَخْصِيصِهِمْ، إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوهُمَا بِلَا دَلِيلٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْخَسَارَةُ لِانْحِطَاطِ السِّعْرِ جَائِحَةٌ بِلَا شَكٍّ، وَهُمْ لَا يَضَعُونَ عَنْهُ شَيْئًا لِذَلِكَ - وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهَا طَيِّبَةً إلَى الْمُشْتَرِي؟ فَبَاطِلٌ مَا عَلَيْهِ ذَلِكَ، إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مَا بَاعَ بَيْعًا جَائِزًا فَقَطْ، إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ الْقِيَاسَ، وَالْأُصُولَ، إذَا جَعَلُوا مَالًا رِبْحُهُ وَمِلْكُهُ لِزَيْدٍ، وَخَسَارَتُهُ عَلَى عَمْرٍو: الَّذِي لَا يَمْلِكُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الْآثَارُ الْوَاهِيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مُقَلِّدُو مَالِكٍ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ نا مُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أُصِيبَ ثُلُثُ الثَّمَرِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الْوَضِيعَةُ» .

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَحَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ إذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ الثَّمَرِ فَصَاعِدًا» . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ خَالِدِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ مِنْ الْجَوَائِحِ: الرِّيحُ، وَالْبَرَدُ، وَالْحَرِيقُ، وَالْجَرَادُ، وَالسَّيْلُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ: عَبْدُ الْمَلِكِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَالْأَوَّلُ مُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ. وَالسَّبِيعِيُّ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ؟ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ ضَعِيفٌ وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ - فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ، وَخَالِدُ بْنُ إيَاسٍ سَاقِطٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ أَمْرٌ بِإِسْقَاطِ الْجَوَائِحِ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ، إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَاتِ الْكَذَّابِينَ وَمُرْسَلَاتِهِمْ: كَمُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَلَبِيِّ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ؛ وَغَيْرِهِمَا: فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي أَنْ لَا يَأْخُذُوا بِهَذِهِ الْمَرَاسِيلِ - وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَذَكَرَ الْمَالِكِيُّونَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ نا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ إذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ الثَّمَرِ فَصَاعِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا حَدَّثَنِي الْحُذَافِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: بَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَيْنًا لَهُ فَأَصَابَهُ الْجَرَادُ فَأَذْهَبَهُ أَوْ أَكْثَرَهُ، فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِرَدِّ الثَّمَنِ إلَى سَعْدٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ -: يَرَوْنَ الْجَائِحَةَ مَوْضُوعَةً عَنْ الْمُشْتَرِي إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ كُلُّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، ثُمَّ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ مُطْرَحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَى أَنْ لَا يُحْتَجَّ بِرِوَايَتِهِ، وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُثْمَانَ لَكَانَ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ لَمْ يَرَ رَدَّ الْجَائِحَةِ وَإِنْ أَتَتْ عَلَى الثَّمَرِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرَ - وَإِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَالثَّابِتُ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عَالِمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَصْرِهِ - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ مُحَمَّدٌ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» ، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا صَلَاحُهُ؟ قَالَ: تَذْهَبُ عَاهَتُهُ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَأَمَّلُوا هَذَا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ، بُدُوِّ صَلَاحِهِ - وَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِ الثَّمَرِ: هُوَ ذَهَابُ عَاهَتِهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْعَاهَةَ وَهِيَ الْجَائِحَةُ لَا تَكُونُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ إلَّا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ، وَأَنَّهُ لَا عَاهَةَ، وَلَا جَائِحَةَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ تَنَاقُضِ الْمَالِكِيِّينَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ ثَمَرًا قَدْ طَابَ أَكْلُهُ وَحَضَرَ جِدَادُهُ فَأُجِيحَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ -: لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ -. وَهَذَا خِلَافُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ جُمْلَةً. فَإِنْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» . قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْجَوَائِحِ يُوضَعُ دُونَ الْقَلِيلِ حَتَّى تَحُدُّوا ذَلِكَ بِالثُّلُثِ؟ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ فِي غَنِيٍّ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ ابْتَاعَ ثَمَرًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَأُجِيحَ فِي ثُلُثِ الثَّمَرَةِ ثُمَّ بَاعَ الْبَاقِيَ بِدِينَارٍ -: أَنَّهُ تُوضَعُ عَنْهُ الْجَائِحَةُ. وَتَقُولُونَ فِي مِسْكِينٍ ابْتَاعَ ثَمَرَةً بِدِينَارٍ فَذَهَبَ رُبْعُهَا ثُمَّ رَخُصَ الثَّمَرُ فَبَاعَ الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ -: أَنَّهُ لَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ، وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ إنَّمَا هُمَا بِإِضَافَةٍ كَمَا تَرَى لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ.

ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ تَنَاقَضُوا أَسْمَجَ تَنَاقُضٍ وَأَغَثَّهُ وَأَبْعَدَهُ عَنْ الصَّوَابِ لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ أَنْ تَحْكُمَ فِي الصَّدَقَةِ بِالثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا فَأَقَلَّ بِغَيْرِ رِضَا زَوْجِهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلًا كَمَا هُوَ دُونَ الثُّلُثِ وَجَعَلُوهُ فِي الْجَائِحَةِ كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ قَالُوا: إنَّ اشْتَرَطَ الْمُحْبَسِ مِمَّا حَبَسَ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ بَطَلَ الْحَبْسُ، فَإِنْ اشْتَرَطَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ وَصَحَّ الْحَبْسُ - فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ قَالُوا: مَنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِفِضَّةٍ أَوْ مُصْحَفًا كَذَلِكَ يَكُونُ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ ثُلُثَ قِيمَةِ الْجَمِيعِ فَأَقَلَّ فَهَذَا قَلِيلٌ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْفِضَّةِ وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَا بِفِضَّةٍ أَصْلًا - فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلًا فِي حُكْمِ مَا دُونَهُ. وَأَبَاحُوا أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمَرْءُ مِنْ ثَمَرِ شَجَرِهِ وَمِنْ زَرْعِ أَرْضِهِ إذَا بَاعَهَا مَكِيلَةً تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ - وَمَنَعُوا مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ - فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلًا فِي حُكْمِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ مَنَعُوا مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى مِنْ لَحْمِهَا لِنَفْسِهِ أَرْطَالًا أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا مِقْدَارَ ثُلُثِهَا فَصَاعِدًا، وَأَبَاحُوا لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَرْطَالًا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ - فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ أَبَاحُوا لِمَنْ اشْتَرَى دَارًا فِيهَا شَجَرٌ فِيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَنْ يُدْخِلَ الثَّمَرَ فِي كِرَاءِ الدَّارِ إنْ كَانَ الثُّلُثُ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ وَمِنْ كِرَاءِ الدَّارِ - وَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ -: فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلًا فِي حُكْمِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ جَعَلُوا الْعُشْرَ قَلِيلًا وَمَا زَادَ عَلَيْهِ كَثِيرًا فَقَالُوا فِيمَنْ أَمَرَ آخَرَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَادِمًا بِثَلَاثِينَ دِينَارًا فَاشْتَرَاهَا لَهُ بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ دِينَارًا: أَنَّهَا تَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ هَذَا قَلِيلٌ، قَالُوا: فَإِنْ اشْتَرَاهَا لَهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ - وَهَذَا يُشْبِهُ اللَّعِبَ، فَيَا لَلنَّاسِ؟ أَبِهَذِهِ الْآرَاءِ تُشَرَّعُ الشَّرَائِعُ وَتُحَرَّمُ وَتُحَلَّلُ، وَتُبَاعُ الْأَمْوَالُ الْمُحَرَّمَةُ وَتُعَارَضُ السُّنَنُ؟ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: لَا جَائِحَةَ فِيمَا أُصِيبَ دُونَ ثُلُثِ رَأْسِ الْمَالِ.

مسألة بيع العبد الآبق

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ قَالَ: قُلْت مَا الْجَائِحَةُ؟ قَالَ: النِّصْفُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا الزُّهْرِيُّ لَا يَرَى الْجَائِحَةَ إلَّا النِّصْفَ. وَهَذَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَقِيهُ الْمَدِينَةِ لَا يَرَى الْجَائِحَةَ إلَّا فِي الثُّمْنِ، لَا فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ - وَكُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ] 1423 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ - عُرِفَ مَكَانُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ - جَائِزٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْجَمَلِ الشَّارِدِ - عُرِفَ مَكَانُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ. وَكَذَلِكَ الشَّارِدُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَمِنْ الطَّيْرِ الْمُتَفَلِّتِ وَغَيْرِهِ، إذَا صَحَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ. وَأَمَّا كُلُّ مَا لَمْ يَمْلِكْ أَحَدٌ بَعْدُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ، فَمَنْ بَاعَهُ فَإِنَّمَا بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ صَحَّ مِلْكُ مَالِكِهِ لَهُ، وَكُلُّ مَا مَلَكَهُ الْمَرْءُ فَحُكْمُهُ فِيهِ نَافِذٌ بِالنَّصِّ -: إنْ شَاءَ وَهَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مِلْكٌ وَمَوْرُوثٌ عَنْهُ، فَمَا الَّذِي حَرَّمَ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ؟ وَقَدْ أَبْطَلْنَا قَبْلُ قَوْلَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ، وَبَيْنَ الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ يَتَوَحَّشُ - وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّيْدِ مِنْ السَّمَكِ، وَمِنْ الطَّيْرِ، وَمِنْ النَّحْلِ، وَمِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كُلُّ مَا مُلِكَ مِنْ ذَلِكَ -: فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ. فَمَنْ ادَّعَى سُقُوطَ الْمِلْكِ عَنْهُ بِتَوَحُّشِهِ، أَوْ بِرُجُوعِهِ إلَى النَّهْرِ أَوْ الْبَحْرِ -: فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ، وَأَحَلَّ حَرَامًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ تَوَرُّعٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ يُعْقَلُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ أَبَدًا صَاحِبُهُ، وَلَا غَيْرُ صَاحِبِهِ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عِنْدَكُمْ سُقُوطُ مِلْكِ الْمُسْلِمِ عَنْ مَالِهِ بِجَهْلِهِ بِعَيْنِهِ؟ وَبِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُهُ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ يَأْبَقُ فَلَا تُمَيِّزُهُ صُورَتُهُ أَبَدًا، وَالْبَعِيرُ كَذَلِكَ، وَالْفَرَسُ كَذَلِكَ؟ أَفَتَرَوْنَ الْمِلْكَ يَسْقُطُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يُمَيِّزُهُ أَحَدٌ أَبَدًا، لَا صَاحِبُهُ وَلَا غَيْرُهُ؟

وَلَئِنْ كَانَ النَّاسُ لَا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يُمَيِّزُونَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْرِفُهُ وَيُمَيِّزُهُ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] بَلْ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ عَارِفٌ بِهِ، وَبِتَقَلُّبِهِ وَمَثْوَاهُ، كَاتِبٌ لِصَاحِبِهِ أَجْرَ مَا نِيلَ مِنْهُ، وَمَا يَتَنَاسَلُ مِنْهُ فِي الْأَبَدِ. مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ تَخْتَلِطُ فَلَا تُحَازُ وَلَا تُمَيَّزُ؟ أَتَرَوْنَ الْمِلْكَ يَسْقُطُ عَنْهَا بِذَلِكَ؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ الْحَقُّ الْيَقِينُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَى يَوْمِ الْبَعْثِ. وَنَحْنُ وَإِنْ حَكَمْنَا فِيمَا يُئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، أَوْ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ -: فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّ صَاحِبِهِ، وَلَوْ جَاءَ يَوْمًا وَثَبَتَ أَنَّهُ حَقُّهُ لَصَرَفْنَاهُ إلَيْهِ، وَهُوَ لُقَطَةٌ مِنْ اللُّقَطَاتِ يَمْلِكُهُ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ إنْ جَاءَ. وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ بَيْعِ كُلِّ ذَلِكَ؟ وَقَالُوا: إنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ بَيْعِهِ لِمَغِيبِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَبْطَلْنَا - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى -: هَذَا الْقَوْلَ وَأَتَيْنَا بِالْبُرْهَانِ عَلَى وُجُوبِ بَيْعِ الْغَائِبَاتِ، وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ -: وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَلْزَمُ وَلَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ وَلَا دَلِيلٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ أَنْ لَا يَحُولَ الْبَائِعُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ مَا اشْتَرَى مِنْهُ فَقَطْ فَيَكُونَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاصِيًا ظَالِمًا، وَمَنَعَ آخَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ غَرَرٌ؛ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ هَذَا غَرَرًا لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُ بَائِعِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْلُومُ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، فَعَلَى ذَلِكَ يُبَاعُ وَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي مِلْكًا صَحِيحًا، فَإِنْ وَجَدَهُ فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَقَدْ اسْتَعَاضَ الْأَجْرَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَرَبِحَتْ صَفْقَتُهُ. وَلَوْ كَانَ هَذَا غَرَرًا لَكَانَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ حَاضِرِهِ وَغَائِبِهِ غَرَرًا لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مُشْتَرِيه أَيَعِيشُ سَاعَةً بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ أَمْ يَمُوتُ، وَلَا يَدْرِي أَيَسْلَمُ أَمْ يَسْقَمُ سَقَمًا قَلِيلًا يُحِيلُهُ أَوْ سَقَمًا كَثِيرًا يُفْسِدُهُ أَوْ أَكْثَرَهُ؟ وَلَيْسَ مَا يُتَوَقَّعُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ غَرَرًا لِأَنَّ الْأَقْدَارَ تَجْرِي بِمَا لَا يُعْلَمُ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى رَدِّهِ، وَلِأَنَّهُ غَيْبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] . وَإِنَّمَا الْغَرَرُ مَا عُقِدَ عَلَى جَهْلٍ بِمِقْدَارِهِ وَصِفَاتِهِ حِينَ الْعَقْدِ. فَإِنْ قَالُوا: فَلَعَلَّهُ مَيِّتٌ حِينَ الْعَقْدِ، أَوْ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَاتُهُ؟ قُلْنَا: هُوَ عَلَى الْحَيَاةِ الَّتِي قَدْ صَحَّتْ لَهُ حَتَّى يُوقَنَ مَوْتُهُ، وَعَلَى مَا تُيُقِّنَ مِنْ صِفَاتِهِ حَتَّى يَصِحَّ تَغْيِيرُهُ، فَإِنْ صَحَّ مَوْتُهُ رُدَّتْ الصَّفْقَةُ، وَإِنْ صَحَّ تَغَيُّرُهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا. وَلَئِنْ قُلْتُمْ: إنَّ هَذَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ فَامْنَعُوا مِنْ بَيْعِ كُلِّ غَائِبٍ مِنْ الْحَيَوَانِ - وَلَوْ أَنَّهُ خَلْفَ الْجِدَارِ - إذْ لَعَلَّهُ قَدْ مَاتَ لِلْوَقْتِ حِينَ عَقَدَ الصَّفْقَةَ أَوْ تَغَيَّرَ بِكَسْرٍ، أَوْ وَجَعٍ، أَوْ عَوَرٍ. نَعَمْ، وَامْنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَكُلِّ ذِي قِشْرٍ، إذْ لَعَلَّهُ فَاسِدٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا الْغَرَرُ مَا أَجَزْتُمُوهُ مِنْ بَيْعِ الْمُغَيَّبَاتِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَحَدٌ قَطُّ: مِنْ الْجَزَرِ، وَالْبَقْلِ، وَالْفُجْلِ، وَلَعَلَّهَا مُسْتَاسَةٌ أَوْ مَعْفُونَةٌ، وَمَا أَجَازَهُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ مِنْ بُطُونِ الْمَقَاثِي الَّتِي لَعَلَّهَا لَا تُخْلَقُ أَبَدًا - وَمِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَعَلَّهَا تَمُوتُ، أَوْ تُحَارَدُ، فَلَا يَدُرُّ لَهَا شَخْبٌ. وَمِنْ بَيْعِ لَحْمِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ بَعْدُ، فَلَا يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مَا صِفَتُهُ - فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ هُوَ بَيْعُ الْغَرَرِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ أَجَزْتُمُوهُ، لَا مَا صَحَّ مِلْكُهُ، وَعُرِفَتْ صِفَاتُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ؟ فَقُلْنَا: تِلْكَ آثَارٌ مَكْذُوبَةٌ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، وَلَوْ صَحَّتْ لَكُنَّا أَبْدَرَ إلَى الْأَخْذِ بِهَا مِنْكُمْ. وَهِيَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «نَهَى

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ أَنْ تُبَاعَ الْمَغَانِمُ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ، وَعَنْ بَيْعِ الصَّدَقَاتِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ مَا فِي ضُرُوعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَهْضَمٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الْعَبْدِيُّ: مَجْهُولُونَ، وَشَهْرٌ مَتْرُوكٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّحُوهُ فَهُوَ دَمَارٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ، وَكُلُّهُمْ - يَعْنِي الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا - يُجِيزُونَ بَيْعَ الْأَجِنَّةِ فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ. وَالْمَالِكِيُّونَ يُجِيزُونَ بَيْعَ اللَّبَنِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ وَاَلَّذِي فِي الضُّرُوعِ بِغَيْرِ كَيْلٍ لَكِنْ شَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَيُجِيزُونَ شِرَاءَ الْمَغَانِمِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ وَالْأَوْلَى؟ وَالْحَنَفِيُّونَ يُجِيزُونَ أَخْذَ الْقِيمَةِ عَنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ - وَهَذَا هُوَ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، وَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا بَاعَ وَلَا أَيَّهَا بَاعَ، وَلَا قِيمَةَ مَاذَا أَخَذَ -: فَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَقًّا، وَالْغَرَرُ حَقًّا، وَالْحَرَامُ حَقًّا. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فِيهِ النَّهْي عَنْ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَادَ - وَهَكَذَا نَقُولُ، كَمَا حَمَلُوا خَبَرَهُمْ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ إبَاقِهِ: لَا، وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرِهِمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَحَرَّمُوا بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ بَيْعِ الْجَمَلِ الشَّارِدِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الْجَمَلَ الشَّارِدَ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ نَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: هَلَّا قِسْتُمْ الْجَمَلَ الشَّارِدَ فِي إيجَابِ الْجُعْلِ فِيهِ عَلَى الْجُعْلِ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ؟

فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ الْأَثَرُ فِي الْآبِقِ؟ قُلْنَا: وَلَا جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ السَّاقِطُ - أَيْضًا - إلَّا فِي الْآبِقِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعِكْرِمَةَ: أَنَّهُمَا لَمْ يُجِيزَا بَيْعَ الْعَبْدِ الْآبِقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: وَلَا الْجَمَلِ الشَّارِدِ - وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِنَا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ اشْتَرَى بَعِيرًا وَهُوَ شَارِدٌ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالثِّقَةِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ وَيَجْعَلُونَهُ إجْمَاعًا، وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْخَبَرِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: إبَاحَةُ بَيْعِ الْجَمَلِ الشَّارِدِ - فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ غَرَرًا مَا خَالَفَ مَا رَوَى، هَذَا لَازِمٌ لَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَإِلَّا فَالتَّنَاقُضُ حَاصِلٌ، وَهَذَا أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ لِي عَبْدًا آبِقًا، وَإِنَّ رَجُلًا يُسَاوِمنِي بِهِ، أَفَأَبِيعُهُ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّك إذَا رَأَيْته فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ إنْ شِئْت أَجَزْتَ الْبَيْعَ وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُجِزْهُ - قَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا أَعْلَمَهُ مِنْهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ جَازَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا أَبَقَ غُلَامُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: بِعْنِي غُلَامَك؟ فَبَاعَهُ مِنْهُ، ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ: فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ كَانَ أَعْلَمَهُ مِثْلَ مَا عَلِمَ فَهُوَ جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ: أَبَقَ غُلَامٌ لِرَجُلٍ فَعَلِمَ مَكَانَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، فَخَاصَمَهُ إلَى شُرَيْحٍ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَسَمِعْت شُرَيْحًا يَقُولُ لَهُ: أَكُنْت أَعْلَمْتَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَرَدَّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَعْلَمَهُ.

مسألة بيع المسك في نافجته مع النافجة

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كِتْمَانَهُ مَكَانَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، أَيُّهُمَا عَلِمَهُ فَكَتَمَهُ غِشٌّ وَخَدِيعَةٌ، وَالْغِشُّ، وَالْخَدِيعَةُ يُرَدُّ مِنْهُمَا الْبَيْعُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِشِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ إذَا كَانَ عِلْمُهُمَا فِيهِ وَاحِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو سَعْدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ الْغَائِبَةَ إذَا كَانَ قَدْ رَآهَا، وَيَقُولُ إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَهِيَ لِي، وَلَمْ يَخُصَّ غَيْرَ شَارِدَةٍ مِنْ شَارِدَةٍ وَالشَّارِدَةُ غَائِبَةٌ. وَمِمَّنْ أَجَازَ بَيْعَ الْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالْعَبْدِ الْآبِقِ: عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد، وَأَصْحَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي نَافِجَتِهِ مَعَ النَّافِجَةِ] 1424 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمِسْكِ فِي نَافِجَتِهِ مَعَ النَّافِجَةِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ مَعَ التَّمْرِ، وَمَا فِي دَاخِلِ الْبَيْضِ مَعَ الْبَيْضِ، وَالْجَزَرِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالصَّنَوْبَرِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَكُلِّ ذِي قِشْرٍ مَعَ قِشْرِهِ - كَانَ عَلَيْهِ قَشِرَانِ أَوْ وَاحِدٌ - وَالْعَسَلِ مَعَ الشَّمْعِ فِي شَمْعِهِ، وَالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ فِي جِلْدِهَا مَعَ جِلْدِهَا: جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا هُوَ مِمَّا يَكُونُ مَا فِي دَاخِلِهِ بَعْضًا لَهُ. وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّيْتِ، وَالسِّمْسِمُ بِمَا فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ، وَالْإِنَاثُ بِمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ، وَالْبُرُّ، وَالْعَلَسُ فِي أَكْمَامِهِ مَعَ الْأَكْمَامِ، وَفِي سُنْبُلِهِ مَعَ السُّنْبُلِ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ. وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مَغِيبٍ فِي غَيْرِهِ مِمَّا غَيَّبَهُ النَّاسُ إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ - لَا مَعَ وِعَائِهِ وَلَا دُونَهُ - فَإِنْ كَانَ مِمَّا قَدْ رُئِيَ: جَازَ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ، كَالْعَسَلِ، وَالسَّمْنِ فِي ظَرْفِهِ، وَاللَّبَنِ كَذَلِكَ، وَالْبُرِّ فِي وِعَائِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالسَّلْجَمِ، وَالْفُجْلِ، قَبْلَ أَنْ يُقْلَعَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا لَهُ قَشِرَانِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُزَالَ الْقِشْرُ الْأَعْلَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ جِسْمٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَهُ طُولٌ، وَعَرْضٌ، وَعُمْقٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَكَذَلِكَ بَيْعُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ جَائِزٌ.

وَقَدْ أَجْمَعُوا وَصَحَّتْ السُّنَنُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ التَّمْرِ، وَالْعِنَبِ، وَالزَّبِيبِ، وَفِيهَا النَّوَى، وَأَنَّ النَّوَى دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضِ كَمَا هُوَ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْهُ مَا فِي دَاخِلِهِ، وَدَخَلَ الْقِشْرُ فِي الْبَيْعِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ. وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّيْتِ، وَالسِّمْسِمُ بِمَا فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ، وَالشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ كَمَا هِيَ - فَلَيْتَ شِعْرِي: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، الْمِسْكُ فِي نَافِجَتِهِ مَعَ النَّافِجَةِ، وَالْعَسَلُ فِي شَمْعِهِ مَعَ الشَّمْعِ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، وَلَا رَأْيٍ يَصِحُّ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَيْعٌ قَدْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] لَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا، فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْهُ فَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْلِيلِهِ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَرَرٌ؟ قُلْنَا: أَوْ لَيْسَ عَلَى قَوْلِكُمْ هَذَا سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا غَرَرًا أَيْضًا؟ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ، وَأَمَّا الْحَقُّ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ غَرَرًا؛ لِأَنَّهُ جِسْمٌ وَاحِدٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا هُوَ وَكُلُّ مَا فِي دَاخِلِهِ بَعْضٌ لِجُمْلَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مُغَيَّبِ الْمَعْرِفَةِ بِصِفَةِ مَا فِي الْقِشْرِ - بَيْنَ كَوْنِهِ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ فِي قَشِرَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ - وَهُوَ قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْبَيْضِ فِي غُلَافَيْنِ بِالْعَيَانِ، إحْدَاهُمَا: الْقِشْرُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْقَيْضُ، وَالثَّانِي: الْغِرْقِئُ، وَلَا غَرَضَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا فِيمَا فِيهِمَا، لَا فِيهِمَا - مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَا قَدَرْنَا عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ الْغَرَرِ فَعَلَيْنَا أَنْ نُزِيلَهُ؟ قُلْنَا: وَإِنَّكُمْ لَقَادِرُونَ عَلَى إزَالَةِ الْقِشْرِ الثَّانِي فَأَزِيلُوهُ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّهُ غَرَرٌ -. فَإِنْ قَالُوا: لَا ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى اللَّوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْقَسْطَلِ، وَالْبَلُّوطِ؟ قُلْنَا: لَا، مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَلُّوطِ، وَلَا عَلَى الْقَسْطَلِ، وَلَا عَلَى اللَّوْزِ - فِي الْأَكْثَرِ -. وَأَيْضًا: فَلَا ضَرَرَ عَلَى التَّمْرِ فِي إزَالَةِ نَوَاهُ.

مسألة بيع الحامل بحملها

وَأَيْضًا: فَمَا عَلِمْنَا حَرَامًا يُحِلُّهُ خَوْفُ ضَرَرٍ عَلَى فَاكِهَةٍ لَوْ خِيفَ عَلَيْهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَءًا لَهُ رُطَبٌ لَا يَيْبَسُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيه مِنْهُ إلَّا بِتَمْرٍ يَابِسٍ لَمَا حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ خَوْفَ الضَّرَرِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَءًا خَافَ عَدُوًّا ظَالِمًا عَلَى ثَمَرَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَدَا صَلَاحُهَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا خَوْفَ الضَّرَرِ عَلَيْهَا؟ [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْحَامِلِ بِحَمْلِهَا] 1425 - مَسْأَلَةٌ : وَمِنْ هَذَا بَيْعُ الْحَامِلِ بِحَمْلِهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، لِأَنَّ الْحَمْلَ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ وَدَمِهَا، فَهُوَ بَعْضُ أَعْضَائِهَا وَحَشْوَتِهَا، مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] فَبَيْعُهَا بِحَمْلِهَا كَمَا هِيَ جَائِزٌ، وَهِيَ وَحَمْلُهَا لِلْمُشْتَرِي. فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهَا أُنْثَى، وَقَدْ يَكُونُ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَهِيَ فَرْدَةٌ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَطْنِهَا اثْنَانِ، وَقَدْ تَكُونُ هِيَ كَافِرَةً وَمَا فِي بَطْنِهَا مُؤْمِنًا، وَقَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمَا وَيَعِيشُ الْآخَرُ، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا وَالْآخَرُ صَحِيحًا، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَسْوَدَ وَالْآخَرُ أَبْيَضَ - وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا قَتْلٌ لَمْ تُقْتَلْ هِيَ حَتَّى تَلِدَ. فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُهَا، فَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي بَيْعِهَا - وَهَكَذَا فِي إنَاثِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ - حَاشَ اخْتِلَافَ الدِّينِ فَقَطْ، أَوْ الْقَتْلَ فَقَطْ. فَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ حَتَّى الْآنَ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا وَوَلَدُهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُزَايِلْهَا بَعْدُ، فَحُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا كَانَ حَتَّى يُزَايِلَهَا - وَلَيْسَ كَوْنُهُ غَيْرَهَا، وَكَوْنُ اسْمِهِ غَيْرَ اسْمِهَا، وَصِفَاتُهُ غَيْرَ صِفَاتِهَا -: بِمُخْرِجٍ لَهُ عَمَّا كَانَ لَهُ مِنْ الْحُكْمِ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا النَّوَى هُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ التَّمْرِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: نَوَى التَّمْرِ، وَصِفَاتُهُ غَيْرُ صِفَاتِ التَّمْرِ، وَاسْمُهُ غَيْرُ اسْمِ التَّمْرِ - وَكَذَلِكَ قِشْرُ الْبَيْضِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ بَيْضُ ذَاتِ الْبَيْضِ قَبْلَ أَنْ تَبِيضَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَيْعُهُ كَمَا هُوَ لِأَنَّ اللَّهَ

مسألة ما تولى المرء وضعه في الشيء كالبذر يزرع

تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا هُوَ وَمَا زَالَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِعِلْمِهِ يَبِيعُونَ التَّمْرَ، وَيَتَوَاهَبُونَهُ. وَيَبِيعُونَ الْبَيْضَ وَيَتَهَادَوْنَهُ مِنْ بَيْضِ الدَّجَاجِ، وَالضِّبَابِ، وَالنَّعَامِ. وَيَتَبَايَعُونَ الْعَسَلَ وَيَتَهَادَوْنَهُ، كَمَا يَشْتَرُونَهُ فِي شَمْعِهِ. وَيَتَبَايَعُونَ إنَاثَ الضَّأْنِ، وَالْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْمَعْزِ، وَالْإِبِلِ، وَالْإِمَاءِ وَالظِّبَاءِ - حَوَامِلَ وَغَيْرَ حَوَامِلَ - وَيَغْنَمُونَ كُلَّ ذَلِكَ وَيَقْتَسِمُونَهُنَّ، وَيَتَوَارَثُونَهُنَّ وَيَقْتَسِمُونَهُنَّ كَمَا هُنَّ، فَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّ لِلْأَوْلَادِ حُكْمًا آخَرَ قَبْلَ الْوَضْعِ، فَبَيْعُ الْحَامِلِ بِحَمْلِهَا جَائِزٌ كَمَا هُوَ مَا لَمْ تَضَعْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ، وَعَمَلٌ وَاحِدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَا تَوَلَّى الْمَرْءُ وَضْعَهُ فِي الشَّيْءِ كَالْبَذْرِ يُزْرَعُ] 1426 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا تَوَلَّى الْمَرْءُ وَضْعَهُ فِي الشَّيْءِ كَالْبَذْرِ يُزْرَعُ، وَالنَّوَى يُغْرَسُ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ أَوْدَعَهُ الْمَرْءُ فِي شَيْءٍ آخَرَ مُبَايِنٍ لَهُ، بَلْ هَذَا وَوَضْعُهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي الْكِيسِ، وَالْبُرَّ فِي الْوِعَاءِ، وَالسَّمْنَ فِي الْإِنَاءِ سَوَاءٌ، وَلَا يَدْخُلُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ. وَمَنْ بَاعَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْرُونًا مَعَهُ، وَمُضَافًا إلَيْهِ. فَمَنْ بَاعَ أَرْضًا فِيهِ بَذْرٌ مَزْرُوعٌ وَنَوًى مَغْرُوسٌ - ظَهَرَا أَوْ لَمْ يَظْهَرَا - فَكُلُّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَا يَظْهَرُ نَبَاتُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ الزَّرْعِ خَاصَّةً، وَأَمَّا مَا لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلَا مِنْ احْتِيَاطٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ الْقُرْآنُ يُبْطِلُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .

مسألة بيع المسك دون النافجة قبل إخراجه منها

وَوَجَدْنَا الْبَذْرَ، وَالنَّوَى: مَالًا لِلْبَائِعِ بِلَا شَكٍّ، فَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ إلَّا بِالرِّضَا الَّذِي مَلَّكَهُ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْمِسْكِ دُونَ النَّافِجَةِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْهَا] 1427 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا دُونَ مَا عَلَيْهَا أَصْلًا -: لَا يَحِلُّ بَيْعُ النَّوَى - أَيُّ نَوًى كَانَ - قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَإِظْهَارِهِ دُونَ مَا عَلَيْهِ. وَلَا بَيْعُ الْمِسْكِ دُونَ النَّافِجَةِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ النَّافِجَةِ. وَلَا بَيْعُ الْبَيْضِ دُونَ الْقِشْرِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَنْهُ. وَلَا بَيْعُ حَبِّ الْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالصَّنَوْبَرِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَالْجِلَّوْزِ، وَكُلِّ ذِي قِشْرَةٍ دُونَ قِشْرِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ قِشْرِهِ. وَلَا بَيْعُ الْعَسَلِ دُونَ شَمْعِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ شَمْعِهِ. وَلَا لَحْمِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ دُونَ جِلْدِهَا قَبْلَ سَلْخِهَا. وَلَا بَيْعُ زَيْتٍ دُونَ الزَّيْتُونِ قَبْلَ عَصْرِهِ. وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَدْهَانِ دُونَ مَا هُوَ فِيهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْهَا. وَلَا بَيْعُ حَبِّ الْبُرِّ دُونَ أَكْمَامِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْهَا. وَلَا بَيْعُ سَمْنٍ مِنْ لَبَنٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ، وَلَا بَيْعُ لَبَنٍ قَبْلَ حَلْبِهِ أَصْلًا. وَلَا بَيْعُ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُجْلِ قَبْلُ قَلْعِهِ - لَا مَعَ الْأَرْضِ وَلَا دُونَهَا - لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَيْعُ غَرَرٍ، لَا يُدْرَى مِقْدَارُهُ وَلَا صِفَتُهُ وَلَا رَآهُ أَحَدٌ فَيَصِفُهُ. وَهُوَ أَيْضًا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ وُجُودُ الرِّضَا عَلَى مَجْهُولٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرَاضِي عَلَى مَا عُلِمَ وَعُرِفَ، فَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَا مِقْدَارِهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّرَاضِي بِهِ، وَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى التَّرَاضِي بِهِ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الْجَزَرُ، وَالْبَصَلُ، وَالْكُرَّاثُ، وَالْفُجْلُ، فَكُلُّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَرَهُ قَطُّ أَحَدٌ، وَلَا تُدْرَى صِفَتُهُ: فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - إذَا بِيعَ وَحْدَهُ - وَأَمَّا بَيْعُهُ بِالْأَرْضِ مَعًا

فَلَيْسَ مِمَّا ابْتَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُكَوِّنُ بَعْضَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الزَّارِعِ لَهَا، أَوْدَعَهُ فِي الْأَرْضِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ سَائِرِ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ، فَمَا لَمْ يَسْتَحِلَّ الْبَذْرُ عَنْ هَيْئَتِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَعَ الْأَرْضِ وَدُونَهَا لِأَنَّهُ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَعْرُوفُ الْقَدْرِ، وَقَدْ رَآهُ بَائِعُهُ أَوْ مَنْ وَصَفَهُ لَهُ، فَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ بِهِ مُمْكِنٌ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ عَنْ حَالِهِ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ هُوَ وَمَا صِفَتُهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ مُضَافٌ إلَيْهَا، فَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ جُمْلَةً، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَجْهُولِ الصِّفَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ حَتَّى يُقْلَعَ وَيُرَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّنْ أَبْطَلَ بَيْعَ هَذِهِ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَدْ تَنَاقَضَ الْحَاضِرُونَ مِنْ مُخَالِفِينَا فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا -: فَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ لَحْمِ الشَّاةِ مَذْبُوحَةً قَبْلَ السَّلْخِ وَأَوْجَبَ السَّلْخَ عَلَى الْبَائِعِ. وَأَجَازَ بَيْعَ الْبُرِّ دُونَ التِّبْنِ وَالْأَكْمَامِ قَبْلَ أَنْ يُدْرَسَ وَيُصَفَّى، وَجَعَلَ الدَّرْسَ وَالتَّصْفِيَةَ عَلَى الْبَائِعِ. وَأَجَازَ بَيْعَ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ. وَأَوْجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَ مِنْهُ أُنْمُوذَجًا قَدْرَ مَا يُرِيهِ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ رَضِيَهُ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ سَائِرِهِ - فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ قَلْعَ أُنْمُوذَجٍ مِنْهُ فَلَمْ يَرْضَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ - فَلَوْ قَلَعَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ أُنْمُوذَجٍ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أُجِيزَ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ عَلَى قَلْعٍ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ تَشَاحَّا أَبْطَلْتُ الْبَيْعَ. فَإِنْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ فِي الْمَكَايِيلِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي إمْضَاءٍ أَوْ فَسْخٍ، فَإِنْ قَلَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ كُلُّهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ فِي هَذَا لَعَجَبًا، لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الدَّرْسِ، وَالتَّصْفِيَةِ، وَالسَّلْخِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُجْلِ؟ وَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ؟ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا هَذَا " الْأُنْمُوذَجُ " الَّذِي لَا هُوَ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ مِنْ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَخَاطَبَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَلَا لَفْظَةٌ شَرْعِيَّةٌ، ثُمَّ صَارَ يُشَرِّعُ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ الشَّرَائِعَ فَيُحَرِّمُ وَيُحَلِّلُ، فَعَلَى " الْأُنْمُوذَجِ " الْعَفَاءُ، وَصَفْعُ الْقَفَاءِ، وَعَلَى كُلِّ شَرِيعَةٍ تُشَرَّعُ بِالْأُنْمُوذَجِ. ثُمَّ تَحْدِيدُ أَبِي يُوسُفَ ذَلِكَ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ لَا الْمَكَايِيلَ؛ وَقَدْ يَتَّخِذُ الْبَاعَةُ مَكَايِيلَ صِغَارًا جِدًّا، وَمَا عَهِدْنَا بِالْجَزَرِ، وَلَا الْفُجْلِ: يَقَعَانِ فِي الْكَيْلِ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُ تَحْدِيدُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِهَذَا الْحَدِّ الْفَاسِدِ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ؟ وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ جَوَازُ بَيْعِ هَذِهِ الْمُغَيَّبَاتِ دُونَ الْأَرْضِ؟ وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهُمَا، وَكِلَاهُمَا غَرَرٌ وَبَيْعُ مَجْهُولٍ. ثُمَّ أَطْرَفُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ: مَنْعُهُمْ مِنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ، وَذِرَاعٍ مَحْدُودَةٍ مِنْ هَذَا الطَّرْفِ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، أَوْ ذِرَاعٍ مَحْدُودٍ إلَى طَرْفِهِ مِنْ خَشَبَةٍ حَاضِرَةٍ، وَحِلْيَةِ هَذَا السَّيْفِ دُونَ جَفْنِهِ وَنَصْلِهِ؟ وَرَأَوْا هَذَا غَرَرًا وَعَمَلًا مُشْتَرَطًا يُفْسِدُ الْبَيْعَ - وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ. وَلَمْ يَرَوْا الدَّرْسَ، وَالتَّصْفِيَةَ، وَالسَّلْخَ غَرَرًا، وَلَا عَمَلًا مُشْتَرَطًا يُفْسِدُ الْبَيْعَ؟ فَهَلْ لِأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمُتَخَاذِلَةِ حَظٌّ مِنْ الْعِلْمِ؟ ثُمَّ أَجَازُوا بَيْعَ الْقَصِيلِ عَلَى الْقَطْعِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى الْقَطْعِ. وَأَجَازُوا بَيْعَ جِذْلِ نَخْلَةٍ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ؛ وَلَمْ يَرَوْا قَطْعَهُ غَرَرًا، وَلَا عَمَلًا مُشْتَرَطًا يُفْسِدُ الْبَيْعَ؟ وَهَلْ يَشُكُّ ذُو مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ فِي أَنَّ إدْخَالَ الْجِلْمِ إلَى حَاشِيَةٍ مَحْدُودَةٍ مِنْ ثَوْبٍ وَقَطْعَهُ، وَقَلْعَ حِلْيَةٍ عَلَى غِمْدِ سَيْفٍ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَى غُلَامٍ مُرَاهِقٍ: أَسْهَلُ وَأَخَفُّ مِنْ دَرْسِ أَلْفِ كُرٍّ وَتَصْفِيَتِهَا وَمِنْ سَلْخِ نَاقَةٍ؟ وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ نَظَرِهِمْ وَفِقْهِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصُّوفُ يُنَمَّى وَلَا يُدْرَى أَيْنَ يَقَعُ الْقَطْعُ مِنْهُ وَمِنْ الثَّوْبِ؟ فَقُلْنَا: وَالْجِذْلُ يُنَمَّى وَلَا يُدْرَى أَيْنَ يَقَعُ الْقَطْعُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟

قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ مَجْمُوعًا حَيًّا فَمِنْ الْبَائِعِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَخَالَفْتُمُوهُ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ أَحَدَهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؟ وَقَالُوا: لَوْ أَنَّ أَرْضًا تَكْسِيرُهَا مَعْلُومٌ مِائَةُ ذِرَاعٍ فِي مِثْلِهَا، أَوْ دَارًا كَذَلِكَ: فَبَاعَ صَاحِبُهَا مِنْهَا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا مُشَاعًا فِي جَمِيعِهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. فَلَوْ بَاعَ مِنْهَا عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مُشَاعًا فِي جَمِيعِهَا جَازَ ذَلِكَ -. وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ، وَتَحْرِيمُ شَيْءٍ وَإِبَاحَتُهُ بِعَيْنِهِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الْعُشْرِ مُشَاعًا. وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ نَصْلِ السَّيْفِ وَحَمَائِلِهِ وَنِصْفِ حِلْيَتِهِ مُشَاعًا، وَقَالُوا: هَذَا ضَرَرٌ - فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ ضَرَرٍ فِي هَذَا؟ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَأَجَازُوا بَيْعَ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ، وَوُفِّقُوا فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنْ أُخِذَ فِي جَزَازِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَأَجَازُوا بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ الْكَثِيرَةِ شَهْرَيْنِ فَأَقَلَّ -. وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، أَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ لَمْ يُخْلَقْ، وَبَيْعُ غَرَرٍ. وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ وَاحِدَةٍ كُلِّهِ، وَقَالُوا: هَذَا غَرَرٌ وَقَدْ تَمُوتُ؟ فَقُلْنَا: وَقَدْ تَمُوتُ الْكَثِيرَةُ أَوْ يَمُوتُ بَعْضُهَا. وَنَسْأَلُهُمْ عَنْ بَيْعِ لَبَنِ شَاتَيْنِ كَذَلِكَ؟ فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ سَأَلْنَاهُمْ عَنْ لَبَنِ ثَلَاثِ شِيَاهٍ؟ وَلَا نَزَالُ نَزِيدُهُمْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً حَتَّى يَحِدُّوا مَا يُحَرِّمُونَ مِمَّا يُحَلِّلُونَ، ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَنْ الْفَرْقِ؟ وَذَلِكَ مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. وَأَجَازُوا بَيْعَ بُطُونِ الْمَقَاثِي، وَالْيَاسَمِينِ، وَجِزَّاتِ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَرَوْهُ غَرَرًا، وَرَأَوْا بَيْعَ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ: غَرَرًا، فَيَا لَهَذِهِ الْعَجَائِبِ. وَأَجَازُوا بَيْعَ لَحْمِ الشَّاةِ وَهِيَ حَيَّةٌ دُونَ جِلْدِهَا. وَأَجَازُوا اسْتِثْنَاءَ أَرْطَالٍ يَسِيرَةٍ مِنْ لَحْمِهَا لِلْبَائِعِ الثُّلُثَ فَأَقَلُّ. وَمَنَعُوا مِنْ اسْتِثْنَاءِ أَكْثَرَ - فَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيِّ أَعْضَائِهَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَرْطَالُ وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الصِّفَاتِ وَالْقِيَمِ؟

قَالُوا: فَإِنْ اسْتَثْنَى الْفَخْذَ، أَوْ الْكَبِدَ، أَوْ الْبَطْنَ لَمْ يَجُزْ. فَإِنْ اسْتَثْنَى الرَّأْسَ وَالسَّوَاقِطَ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مُسَافِرًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسَافِرٍ لَمْ يَجُزْ - فَكَانَتْ هَذِهِ أَعَاجِيبَ، لَا نَعْلَمُ تَقْسِيمَهَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَأَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً لَا يُعَضِّدُهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا قِيَاسٌ. وَأَجَازُوا بَيْعَ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ، وَالْفُجْلِ: الْمُغَيَّبَةِ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] فَقُلْتُ: فَأَبِحْ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَيْعَ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ - وَهَذَا احْتِجَاجٌ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ مِثْلِهِ فِي تَحْرِيفِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَشْتَرُوا الصُّوفَ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ وَلَا اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا مُلَازِمِ بْنِ عَمْرِو نا زُفَرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ - وَسَأَلْته عَنْ الشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ إلَى أَجَلٍ؟ فَقَالَ: لَا إلَّا يَدًا بِيَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُشْتَرَى اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِ الشَّاةِ - وَكَرِهَهُ مُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ - وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ أَجَازَهُ بِالْكَيْلِ فَقَطْ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إجَازَةُ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ، وَالصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ - وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ لَبَنِ الشَّاةِ جُمْلَةً أَشْهَرُ. وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ، وَلَا أَحْمَدُ، وَلَا إِسْحَاقُ، وَلَا أَبُو سُلَيْمَانَ - فَهَذَانِ صَاحِبَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ أَصْلًا، وَإِبْرَاهِيمُ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَمَّنْ أَدْرَكَ، وَهُمَا أَكَابِرُ التَّابِعِينَ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ. وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِجَوَازِ إجَارَةِ الظِّئْرِ لِلرِّضَاعِ؟

مسألة بيع الظاهر دون المغيب

فَقُلْنَا: أَفِي إجَارَةٍ تَكَلُّمُنَا مَعَكُمْ أَمْ فِي بَيْعٍ؟ وَالْإِجَارَةُ غَيْرُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّنَا نُؤَاجِرُ الْحُرَّةَ لِلرِّضَاعِ وَلَمْ نَبْتَعْ مِنْهَا لَبَنَهَا أَصْلًا. ثُمَّ أَغْرَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إجَارَةِ الظِّئْرِ، وَهُمْ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ لَبَنِ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، وَالْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ وَالنَّاقَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِإِجَارَةِ الظِّئْرِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الْغَنَمِ الْكَثِيرَةِ - فَاعْجَبُوا لِسَخَافَةِ هَذَا الْقِيَاسِ وَشِدَّةِ تَنَاقُضِهِ، إذْ حَرَّمُوا مَا يُشْبِهُ مَا قَاسُوا عَلَى إبَاحَتِهِ، وَأَبَاحُوا قِيَاسًا عَلَيْهِ مَا لَا يُشْبِهُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ زَادَ الصُّوفُ؟ فَهُمَا مُتَدَاعِيَانِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَتْ الْغَنَمُ مَعْرُوفَةً لَهُ أَوْ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً لَهُ وَكَانَتْ فِي يَدِ الْآخَرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخَرِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهمَا، أَوْ فِي غَيْرِ أَيْدِيهمَا مَعًا، فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي الشَّيْءِ يَكُونُ بِأَيْدِيهِمَا، أَوْ بِغَيْرِ أَيْدِيهِمَا عَلَى مَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّدَاعِي فِي الْأَقْضِيَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَغِيبِ] 1428 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا بَيْعُ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَغِيبِ فِيهَا فَحَلَالٌ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَصٌّ، فَجَائِزٌ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَاسْتِثْنَاءُ نَوَاهَا، وَبَيْعُ جِلْدِ النَّافِجَةِ دُونَ الْمِسْكِ الَّذِي فِيهَا، وَالْجِرَابِ، وَالظُّرُوفِ كُلِّهَا دُونَ مَا فِيهَا، وَقِشْرِ الْبَيْضِ، وَاللَّوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْجِلَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَكُلِّ قِشْرٍ لَا تُحَاشِي شَيْئًا دُونَ مَا تَحْتَهَا، وَبَيْعُ الشَّمْعِ دُونَ الْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ، وَبَيْعُ التِّبْنِ دُونَ الْحَبِّ الَّذِي فِيهِ، وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ أَوْ الْمَنْحُورِ دُونَ لَحْمِهِ، أَوْ دُونَ عُضْوٍ مُسَمًّى مِنْهَا، وَبَيْعُ الْأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ بَذْرٍ، أَوْ خَضْرَاوَاتٍ مُغَيَّبَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ، وَدُونَ الزَّرْعِ الَّذِي فِيهَا، وَدُونَ الشَّجَرِ الَّذِي فِيهَا، وَالْحَيَوَانِ اللَّبُونِ دُونَ لَبَنِهِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِي ضُرُوعِهِ، وَلَا يَحِلُّ اسْتِثْنَاءُ لَبَنٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ وَلَا اجْتَمَعَ فِي ضُرُوعِهِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَامِلِ دُونَ حَمْلِهَا سَوَاءٌ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ. وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ حَيٍّ وَاسْتِثْنَاءُ عُضْوٍ مِنْهُ أَصْلًا. وَيَجُوزُ بَيْعُ عُصَارَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، دُونَ الدُّهْنِ قَبْلَ عَصْرِهِ. وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ جِلْدِ حَيَوَانٍ حَيٍّ دُونَ لَحْمِهِ، وَلَا دُونَ عُضْوٍ مُسَمًّى مِنْهُ أَصْلًا.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَخِيضِ لَبَنٍ قَبْلَ أَنْ يُمْخَضَ، وَلَا الْمَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. بُرْهَانُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَكُلُّ بَيْعٍ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ تَحْرِيمُهُ بِاسْمِهِ مُفَصَّلًا فَهُوَ حَلَالٌ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى - وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَمَالٌ لِلْبَائِعِ وَمِلْكٌ لَهُ يَبِيعُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ وَيُمْسِكُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، فَمَا ظَهَرَ مِنْ مَالِهِ وَرُئِيَ، أَوْ وَصَفَهُ مَنْ رَآهُ: فَبَيْعُهُ جَائِزٌ - وَيُمْسِكُ مَا لَمْ يَرَهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمَجْهُولِ - كَمَا قَدَّمْنَا - أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا حَاضِرًا أَوْ مَوْصُوفًا غَائِبًا. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَحِلُّ اسْتِثْنَاءُ لَبَنٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْدُثُ إذَا أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَالِ غَيْرِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِيمَا بَاعَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ - وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ بَيْعِ حَيَوَانٍ إلَّا عُضْوًا مُسَمًّى مِنْهُ. وَأَجَزْنَا بَيْعَ الْحَامِلِ دُونَ حَمْلِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ، أَوْ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ: أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِذَبْحِهِ، فَفِي هَذَا الْبَيْعِ اشْتِرَاطُ ذَبْحِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ عَلَى بَائِعِ الْعُضْوِ مِنْهُ، أَوْ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا عُضْوًا مِنْهُ، وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا يُوَافِقُنَا الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ مِنْ خُصُومِنَا. وَأَمَّا الْحَمْلُ، وَالصُّوفُ، وَالْوَبَرُ، وَالشَّعْرُ، وَقَرْنُ الْإِبِلِ، وَكُلُّ مَا يُزَايِلُ الْحَيَوَانَ بِغَيْرِ مُثْلَةٍ وَلَا تَعْذِيبٍ، فَكَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَالٌ لِبَائِعِهِ يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ وَيُمْسِكُ مَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ، أَوْ مُثْلَةٌ بِحَيَوَانٍ أَوْ إضْرَارٌ بِهِ فَلَا يَحِلُّ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْعُنَا مِنْ بَيْعِ الْمَخِيضِ دُونَ السَّمْنِ قَبْلَ الْمَخْضِ، وَمِنْ بَيْعِ الْمَيْشِ دُونَ الْجُبْنِ قَبْلَ عَصْرِهِ، فَلِأَنَّهُ لَا يُرَى، وَلَا يَتَمَيَّزُ، وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، فَقَدْ يَخْرُجُ الْمَخْضُ وَالْعَصِيرُ قَلِيلًا، وَقَدْ يَخْرُجُ كَثِيرًا - وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ عُصَارَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، دُونَ الدُّهْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الزَّيْتُونَ، وَالسِّمْسِمَ، وَاللَّوْزَ، وَالْجَوْزَ كُلُّ ذَلِكَ مَرْئِيٌّ مَعْرُوفٌ،

وَإِنَّمَا الْخَافِي فَهُوَ الدُّهْنُ فَقَطْ، وَيَحِلُّ بَيْعُهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ - وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ إبْقَاءٌ لَهُ فِي مِلْكِ مَالِكِهِ - وَهَذَا مُبَاحٌ حَسَنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ السَّلَفِ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِبَيْعِ الْغَرَرِ إذَا كَانَ عِلْمُهُمَا فِيهِ سَوَاءً. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ - هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَا أَعْلَمُ بِبَيْعِ الْغَرَرِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مِنْ الْغَرَرِ مَا يَجُوزُ وَمِنْهُ مَا لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا مَا يَجُوزُ فَشِرَاءُ السِّلْعَةِ الْمَرِيضَةِ، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ فَشِرَاءُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ. وَقَدْ رُوِّينَا إجَازَةَ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُتَصَيَّدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ غَرَرًا، أَمَّا الْمَرِيضَةُ فَكُلُّ النَّاسِ يَمْرَضُ وَيَمُوتُ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ فَجْأَةً، وَيَبْرَأُ الْمَرِيضُ الْمُدْنَفُ، فَلَا غَرَرَ هَهُنَا أَصْلًا. وَأَمَّا السَّمَكُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ قَدْ مُلِكَ قَبْلُ فَلَيْسَ بَيْعُهُ غَرَرًا بَلْ هُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَافَقَنَا الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ بِرْكَةً فِي دَارٍ لِإِنْسَانٍ صَغِيرَةً صَادَ صَاحِبُهَا سَمَكَةً وَرَمَاهَا فِيهَا حَيَّةً، فَإِنَّ بَيْعَهَا فِيهَا جَائِزٌ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُمْلَكْ مِنْ السَّمَكِ بَعْدُ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ السَّمَكَةُ مَقْدُورًا عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ مَا حَلَّ بَيْعُهَا، وَإِنَّمَا حُرِّمَ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ لَهُ وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا قُرَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ بَاعَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا؟ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ - وَقَدْ صَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ بَاعَ حُبْلَى، أَوْ أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا؟ فَلَهُ ثُنْيَاهُ فِيمَا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: سَوَاءٌ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، أَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ؟ لَهُ ثُنْيَاهُ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَالُهُ يَسْتَثْنِيه إنْ شَاءَ فَلَا يَبِيعُهُ، أَوْ يَدْخُلُ فِي صَفْقَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَلَكِنْ مَنْ اسْتَثْنَى حَمْلَ الْحَامِلِ الَّذِي بَاعَ كَمَا ذَكَرْنَا فَمَا وَلَدَتْ إنْ كَانَتْ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ غَيْرَ سَاعَةٍ، فَهُوَ لَهُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّ حَمْلَهَا بِهِ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَيُنْظَرُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ كَذَلِكَ، فَمَا وَلَدَتْ لِأَقْصَى مَا يَلِدُ لَهُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فَهُوَ لِلَّذِي اسْتَثْنَاهُ، وَمَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ فَلَيْسَ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ ثُنْيَا الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُجِيزُهُ فِي الْعِتْقِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، وَهُوَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَرُوِّينَا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أُبَيٌّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا عَبَّادُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ - ثِقَةٌ مَأْمُونٌ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْتَقَ ابْنُ عُمَرَ أَمَةً لَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا - وَبِهِ يَقُولُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَ: لَهُ - ثُنْيَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ جَابِرٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ جَابِرٌ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ

إبْرَاهِيمُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إذَا أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا: فَلَهُ ثُنْيَاهُ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبٍ نا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ ذَلِكَ - يَعْنِي مَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا - فَقَالَا جَمِيعًا: ذَلِكَ لَهُ. نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبُو ثَوْرٍ نا أَسْبَاطٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْعِتْقِ، وَالْبَيْعِ. وَبِهِ يَقُولُ أَيْضًا إِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. فَهَؤُلَاءِ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ -: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، بَعْضُهُمْ فِي الْبَيْعِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْعِتْقِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا - وَمَا نَعْلَمُ الْآنَ مُخَالِفًا لَهُمْ إلَّا الزُّهْرِيَّ؛ وَقَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا -: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ هُمْ عَنْ حُجَّتِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ؟ وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْجِلْدِ، وَالسَّوَاقِطِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ نا أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ، إلَى الْمَدِينَةِ اشْتَرَيَا مِنْ رَاعِي غَنَمٍ شَاةً وَشَرَطَا لَهُ إهَابَهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بَاطِلٌ - عَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ، وَعُمَارَةُ ضَعِيفٌ - ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا، لِأَنَّهُ كَمَا تَرَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَهَزِيلٌ أَمْ سَمِينٌ. أَوْ ذُو عَاهَةٍ أَمْ سَالِمٌ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ السَّفَرِ، فَإِنَّ هَذَا ظَنٌّ لَا يَصِحُّ. فَإِنْ قَالُوا: كَانَ فِي سَفَرٍ؟ قُلْنَا: وَكَانَ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لَا تُجِيزُوهُ فِي غَيْرِهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ بَقَرَةً وَاشْتَرَطَ رَأْسَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَمْسَكَهَا فَقَضَى لَهُ زَيْدٌ بِشَرْوَى رَأْسِهَا، قَالَ سُفْيَانُ: نَحْنُ نَقُولُ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا أُبَيٌّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ بُخْتِيَّةً وَاشْتَرَطَ ثُنْيَاهَا فَبَرِئَتْ فَرَغِبَ فِيهَا فَاخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: اذْهَبَا إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اذْهَبْ بِهَا إلَى السُّوقِ فَإِذَا بَلَغَتْ أَفْضَلَ ثَمَنِهَا، فَأَعْطُوهُ حِسَابَ ثُنْيَاهَا مِنْ ثَمَنِهَا. وَرَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ بَعِيرًا مَرِيضًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ فَبَرَأَ الْبَعِيرُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: يُقَوِّمُ الْبَعِيرَ فِي السُّوقِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُ شِرَاؤُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ حَدَّثَنِي أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ اشْتَرَى رَجُلٌ رَأْسَ جَمَلٍ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ وَاشْتَرَى آخَرُ بَقِيَّتَهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ لِيَنْحَرَاهُ فَعَاشَ الْجَمَلُ وَصَلُحَ؟ فَقَالَ مُشْتَرِي الْجَمَلِ لِمُشْتَرِي الرَّأْسِ: إنَّمَا لَك ثَمَنُ الرَّأْسِ؟ فَاخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ شَرِيكُك فِيهِ بِحِصَّةِ مَا نَقَدَ وَبِحُكْمِ شُرَيْحٌ هَذَا يَأْخُذُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ اسْتِثْنَاءَ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ إلَّا فِي السَّفَرِ، لَا فِي الْحَضَرِ، فَخَالَفَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا - وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ أَصْلًا. وَأَجَازَ الْأَوْزَاعِيُّ اسْتِثْنَاءَ الْيَدِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ الْجِلْدِ عِنْدَ الذَّبْحِ خَاصَّةً، وَكَرِهَهُ إنْ تَأَخَّرَ الذَّبْحُ - وَالْحَنَفِيُّونَ - وَالْمَالِكِيُّونَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ - وَخَالَفُوا هَهُنَا: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ رَأَوْا فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ، فَاسْتَحْيَاهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ: أَنَّ لَهُ شَرْوَى جِلْدِهِ أَوْ قِيمَتَهُ - هَذَا فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِذَلِكَ مُطْلَقًا، لَمْ يَخُصُّوا سَفَرًا مِنْ حَضَرٍ؛

مسألة باع مغيبا يجوز بيعه بصفة

وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: أَبِيعُ الشَّاةَ وَأَسْتَثْنِي بَعْضَهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ قُلْ: أَبِيعُك نِصْفَهَا - قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ سَأَلْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَمَّنْ بَاعَ بَيْعًا وَاسْتَثْنَى بَعْضَهُ؟ قَالَ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ مُغَيَّبًا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِصِفَةٍ] 1429 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا الظَّاهِرَ دُونَ الْمُغَيَّبِ، أَوْ بَاعَ مُغَيَّبًا: يَجُوزُ بَيْعُهُ بِصِفَةٍ، كَالصُّوفِ فِي الْفِرَاشِ، وَالْعَسَلِ فِي الظَّرْفِ، وَالثَّوْبِ فِي الْجِرَابِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ تَمْكِينُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَخْذِ مَا اشْتَرَى وَلَا بُدَّ، وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا مَانِعَ حَقٍّ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي إزَالَةُ مَالِهِ عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا لِلْمَكَانِ مَانِعَ حَقٍّ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى الْبَائِعِ نَزْعُ مَالِهِ عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا مَانِعَ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لَهُمَا جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا أَرَادَ تَعْجِيلَ انْتِفَاعِهِ بِمَتَاعِهِ فَعَلَيْهِ أَخْذَهُ، وَلَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ تَعْجِيلَهُ مِنْ أَخْذِ مَتَاعِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِغَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَنْ يَنْزِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ ظَالِمٌ مَانِعُ حَقٍّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَالَ سَلْمَانُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَصَدَّقَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَصَوَّبَ قَوْلَهُ» . فَمَنْ بَاعَ تَمْرًا دُونَ نَوَاهَا، فَأَخْذُ التَّمْرَةِ وَتَخْلِيصُهَا مِنْ النَّوَى عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَخْذِ مَتَاعِهِ وَنَقْلِهِ وَتَرْكِ النَّوَى مَكَانَهُ - إنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْبَائِعِ - فَإِنْ أَبَى أُجْبِرَ، وَاسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ مَنْ يُزِيلُ التَّمْرَ عَنْ النَّوَى، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَائِعُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَتْحُ ثَمَرَةِ غَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِيهِ عَمَلًا. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي قَلْعَ ثَمَرَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ يُؤَثِّرُ لَهُ فِيهَا أَثَرًا لَا يُرِيدُهُ، فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ نَوَاهُ وَنَقْلُهُ عَلَى أَلْطَفِ مَا يُمْكِنُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ مِقْدَارَ تَعَدِّيه فِي إفْسَادِ الثَّمَرَةِ.

مسألة باع صوفا أو وبرا أو شعرا على الحيوان

فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لَهُمَا؟ فَكَمَا قُلْنَا: أَيُّهُمَا أَرَادَ تَعْجِيلَ أَخْذِ مَتَاعِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ النَّوَى كَانَ لَهُ إخْرَاجُ نَوَاهُ بِأَلْطَفِ مَا يُمْكِنُ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُبَاحًا لَهُ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِغَيْرِهِمَا أُجْبِرَا جَمِيعًا عَلَى الْعَمَلِ مَعًا فِي تَخْلِيصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي نَافِجَةِ الْمِسْكِ، وَالظُّرُوفِ دُونَ مَا فِيهَا، وَالْقُشُورِ دُونَ مَا فِيهَا، وَالشَّمْعِ دُونَ الْعَسَلِ، وَالتِّبْنِ دُونَ الْحَبِّ، وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ أَوْ الْمَنْحُورِ، وَلَحْمَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، وَكُلِّ ذِي دُهْنٍ. وَأَمَّا مَنْ بَاعَ الْأَرْضَ دُونَ الْبَذْرِ، أَوْ دُونَ الزَّرْعِ، أَوْ دُونَ الشَّجَرِ، أَوْ دُونَ الْبِنَاءِ، فَالْحَصَادُ عَلَى الَّذِي لَهُ الزَّرْعُ، وَالْقَلْعُ عَلَى الَّذِي لَهُ الشَّجَرُ، وَالْبِنَاءُ وَالْقَطْعُ أَيْضًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ إزَالَةُ مَالِهِ عَنْ أَرْضِ غَيْرِهِ. وَمَنْ بَاعَ الْحَيَوَانَ دُونَ اللَّبَنِ، أَوْ دُونَ الْحَمْلِ، فَالْحَلْبُ عَلَى الَّذِي لَهُ اللَّبَنُ وَلَا بُدَّ - وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَاجِبًا عَلَيْهِ إزَالَةُ لَبَنِهِ عَنْ ضَرْعِ حَيَوَانِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ إلَّا إمْكَانُهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ، لَا خِدْمَتُهُ فِي حَلْبِ لَبَنِهِ. وَكَذَلِكَ عَلَى الَّذِي لَهُ مِلْكِ الْوَلَدِ: الْعَمَلُ فِي الْعَوْنِ فِي أَخْذِ مَمْلُوكِهِ، أَوْ مَمْلُوكَتِهِ فِي بَطْنِ أَمَةِ غَيْرِهِ بِمَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ بَاعَ سَارِيَةَ خَشَبٍ، أَوْ حَجَرٍ فِي بِنَاءٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ ذَلِكَ بِأَلْطَفِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّدْعِيمِ لِمَا حَوْلَ السَّارِيَةِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَهَدْمُ مَا حَوَالَيْهَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَدْمِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَخْذَ مَتَاعِهِ كَمَا يَقْدِرُ. وَمَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِشَيْءٍ، وَيَعْمَلُ فِي شَيْءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ: مُحْسِنٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ لِمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ صُوفًا أَوْ وَبَرًّا أَوْ شَعْرًا عَلَى الْحَيَوَانِ] 1430 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ صُوفًا، أَوْ وَبَرًّا، أَوْ شَعْرًا عَلَى الْحَيَوَانِ فَالْجَزُّ عَلَى الَّذِي لَهُ الصُّوفُ، وَالشَّعْرُ، وَالْوَبَرُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ إزَالَةَ مَالِهِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَمَكَانِ الشَّعْرِ، وَالْوَبَرِ،

مسألة بيع تراب الصاغة

وَالصُّوفِ - وَهُوَ جِلْدُ الْحَيَوَانِ - فَعَلَى الَّذِي لَهُ كُلُّ ذَلِكَ إزَالَةُ مَالِهِ عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الَّذِي لَهُ الْمَكَانُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى خَابِيَةً فِي بَيْتٍ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، وَلَهُ أَنْ يَهْدِمَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَدْمِهِ لِإِخْرَاجِ الْخَابِيَةِ - وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى عَمَلِ مَا كُلِّفَ إلَّا بِذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ] 1431 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْصِدُ الْمُشْتَرِي مَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ - فَهُوَ غَرَرٌ، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . [مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْع مَا نَخَلَهُ الْغَبَّارُونَ مِنْ التُّرَابِ] 1432 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا نَخَلَهُ الْغَبَّارُونَ مِنْ التُّرَابِ، أَوْ اسْتَخْرَجَهُ غَسَّالُوا الطِّينِ مِنْ الطِّينِ، أَوْ اُسْتُخْرِجَ مِنْ تُرَابِ الصَّاغَةِ، فَهُوَ لُقَطَةٌ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُعَرَّفَ، كَالْفَصِّ، أَوْ الدِّينَارِ، أَوْ الدِّرْهَمِ، فَمَا زَادَ فَتَعْرِيفُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ هُوَ لِلْمُلْتَقِطِ مَضْمُونًا لِصَاحِبِهِ إنْ جَاءَ - وَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ أَبَدًا مِنْ قِطْعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَهُوَ حَلَالٌ لِوَاجِدِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ اللُّقَطَةِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْع تُرَابُ الْمَعَادِنِ] 1433 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا تُرَابُ الْمَعَادِنِ: فَمَا كَانَ مِنْهُ مَعْدِنَ ذَهَبٍ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ أَلْبَتَّةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ الذَّهَبَ فِيهِ مَخْلُوقٌ فِي خِلَالِهِ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ. فَلَوْ كَانَ الذَّهَبُ الَّذِي فِيهِ مَرْئِيًّا كُلُّهُ مُحَاطًا بِهِ: جَازَ بَيْعُهُ بِمَا يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ الذَّهَبِ - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمَا كَانَ مِنْهُ تُرَابَ مَعْدِنِ فِضَّةٍ: جَازَ بَيْعُهُ بِدَرَاهِمَ وَبِذَهَبٍ نَقْدًا، وَإِلَى أَجَلٍ وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَبِالْعَرْضِ نَقْدًا، وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ تُرَابُ سَائِرِ الْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْفِضَّةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تُرَابٌ مَحْضٌ، لَا يَصِيرُ فِضَّةً إلَّا بِمُعَانَاةٍ وَطَبْخٍ، فَيَسْتَحِيلُ بَعْضُهُ فِضَّةً كَمَا يَسْتَحِيلُ الْمَاءُ مِلْحًا، وَالْبَيْضُ فَرَارِيجَ، وَالنَّوَى شَجَرًا - وَلَا فَرْقَ.

مسألة حكم بيع القصيل قبل أن يسنبل

[مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْع الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ] مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ: جَائِزٌ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَتَطَوَّعَ لِلْمُشْتَرِي بِتَرْكِهِ مَا شَاءَ إلَى أَنْ يَرْعَاهُ، أَوْ إلَى أَنْ يَحْصُدَهُ، أَوْ إلَى أَنْ - يَيْبَسَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى زَادَ فِيهِ أَوْلَادًا مِنْ أَصْلِهِ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً إذَا اشْتَرَاهُ فَاخْتَصَمَا فِيهَا: فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ: قُضِيَ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَى، وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَوْلَادِ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ: حَلَفَا، وَقُسِّمَتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَتَدَاعَيَانِهَا بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا السُّنْبُلُ، وَالْخَرُّوبُ، وَالْحَبُّ: فَلِلْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ فِي طُولِهِ، فَإِذَا سَنْبَلَ الزَّرْعُ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ أَصْلًا - لَا عَلَى الْقَطْعِ وَلَا عَلَى التَّرْكِ - إلَّا حَتَّى يَشْتَدَّ، فَإِذَا اشْتَدَّ: حَلَّ بَيْعُهَا حِينَئِذٍ. بُرْهَانُ صِحَّةِ بَيْعِ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَالْبَيْعُ كُلُّهُ حَلَالٌ، إلَّا بَيْعًا مَنَعَ مِنْهُ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَمْ يَأْتِ فِي مَنْعِ بَيْعِ الزَّرْعِ مُذْ يَنْبُتُ إلَى أَنْ يُسَنْبِلَ: نَصٌّ أَصْلًا. وَبُرْهَانُ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ إذَا سَنْبَلَ إلَى أَنْ يَشْتَدَّ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ - نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا أَبُو الْوَلِيدِ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ» وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا. وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ

مسألة حكم بيع القصيل قبل أن يسنبل على القطع

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يُبَاعُ النَّخْلُ حَتَّى يَحْمَرَّ، وَلَا السُّنْبُلُ حَتَّى يَصْفَرَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: نَهْي عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَا يُشْتَرَى السُّنْبُلُ حَتَّى يَبْيَضَّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا الرَّبِيعُ - هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ - عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْت عِكْرِمَةَ عَنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ، فَقُلْت: إنَّهُ يُسَنْبِلُ؟ فَكَرِهَهُ - وَهَذَا هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا، فَلَمْ يَسْتَثْنِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَشْتَدَّ، أَوْ يَبْيَضَّ: جَوَازَ بَيْعِهِ عَلَى الْحَصَادِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، لَا مُخَالِفَ لَهُمَا نَعْلَمُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنَّ حَصَادَ السُّنْبُلِ رُطَبًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سُنْبُلٌ يُمْكِنُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيَبْيَضَّ - وَكَذَلِكَ إنْ صُفِّيَ فَصَارَ حَبًّا وَلَا فَرْقَ، لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. فَإِنْ كَانَ إنْ تُرِكَ لَمْ يَيْبَسْ، وَلَكِنْ يَفْسُدُ: جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا هِيَ فِيهِ. وَالسُّنْبُلُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ فِي الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ، وَالْعَلَسِ، وَالدُّخْنِ، وَالسَّلْتِ، وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ " سُنْبُلًا " [مَسْأَلَةٌ حُكْم بَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ عَلَى الْقَطْعِ] 1435 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا بَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ عَلَى الْقَطْعِ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُزِيلَ مَالَهُ عَنْ أَرْضِ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَشْغَلَهَا بِهِ، فَهَذَا شَرْطٌ وَاجِبٌ، مُفْتَرَضٌ، فَإِنْ تَطَوَّعَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ بِالتَّرْكِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ: فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ إبَاحَةُ

أَرْضِهِ لِمَنْ شَاءَ، وَلِمَا شَاءَ، مِمَّا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ، فَإِنْ زَادَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَتَطَوَّعَ لَهُ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَهَبُهُ لِمَنْ شَاءَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ، وَالْهِبَةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَفَضْلٍ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] . فَإِنْ أَبَى فَالْبَيِّنَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَهُمَا مُتَدَاعِيَانِ فِي الزِّيَادَةِ - وَهِيَ بِأَيْدِيهِمَا مَعًا - فَكُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ: هِيَ لِي، فَيَحْلِفَانِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ، ثُمَّ يَبْقَى لِكُلِّ أَحَدٍ مَا بِيَدِهِ لِبَرَاءَتِهِ مِنْ دَعْوَى خَصْمِهِ بِيَمِينِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، مِنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ حَتَّى يَصِيرَ حَبًّا يَابِسًا، وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا نَصٌّ أَصْلًا - ثُمَّ تَنَاقَضُوا، فَأَجَازُوا بَيْعَهُ عَلَى الْقَطْعِ -. وَكُلُّ هَذَا بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى مَا مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عَلَى مَا أَبَاحُوا مِنْهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ لَا عَلَى الْقَطْعِ وَلَا عَلَى التَّرْكِ - وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَطْرُدُ وَأَصَحُّ فِي السُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ. وَاخْتَلَفُوا إنْ تُرِكَ الزَّرْعُ فَزَادَ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ جُمْلَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْمُشْتَرِي الْمِقْدَارُ الَّذِي اشْتَرَى وَيَتَصَدَّقُ بِالزِّيَادَةِ - وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ فَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي الْمِقْدَارُ الَّذِي اشْتَرَى، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِلْبَائِعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الزِّيَادَةَ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ مَعًا أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ - وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ مَا اشْتَرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا فَسْخُ مَالِكٍ لِلْبَيْعِ فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، وَلِأَيِّ مَعْنًى يَفْسَخُ بَيْعًا وَقَعَ عَلَى صِحَّةٍ بِإِقْرَارِهِ؟ هَذَا مَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ. وَأَمَّا أَوَّلُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذْ جَعَلَهَا لِلْمُشْتَرِي فَلِأَيِّ شَيْءٍ يَأْمُرُهُ بِالصَّدَقَةِ بِهَا دُونَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقَدْرِ الَّذِي اشْتَرَى وَكِلَاهُمَا لَهُ - وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ: فَصَحِيحٌ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهَا وَبِمِقْدَارِ مَا اشْتَرَى. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ إذْ جَعَلَ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ؛ فَلِأَيِّ مَعْنًى أَجْبَرَهُ

مسألة بيع ما ظهر من المقاثي

عَلَى هِبَتِهَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ؟ وَلِأَيِّ دَلِيلٍ مَنَعَهُ مِنْ طَلَبِ حَقِّهِ وَالْخِصَامِ فِيهِ وَالْبَقَاءِ عَلَيْهِ؟ فَهَذِهِ آرَاءُ الْقَوْمِ كَمَا تَرَى فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ: إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا اشْتَرَى قَدْرًا مَعْلُومًا فَلَهُ مَا حَدَثَ فِي الْعَيْنِ الَّذِي اشْتَرَى، وَلِلْبَائِعِ مَا زَادَ فِيمَا اسْتَبْقَى لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَبِعْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَالزِّيَادَةُ فِي طُولِ السَّاقِ لِلْبَائِعِ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا زَرْعُ مَا اشْتَرَى فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَأْتِي الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَصْلِ. وَأَمَّا السُّنْبُلُ، وَالْحَبُّ، وَالنَّوْرُ، وَالْوَرَقُ، وَالتِّبْنُ، وَالْخَرُّوبُ فَلِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي عَيْنِ مَالِهِ حَدَثَ - وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ لِلْعَلَفِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ إذَا كَانَ يَحْصُدُهُ مِنْ مَكَانِهِ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى يَصِيرَ طَعَامًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَقَاثِي] 1436 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجُوزُ بَيْعُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَقَاثِي - وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا - لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ - وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ مِنْ الْمَقَاثِي، وَالْيَاسَمِينِ، وَالنَّوْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا جِزَّةً ثَانِيَةً مِنْ الْقَصِيلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ - وَلَعَلَّهُ لَا يُخْلَقُ - وَإِنْ خُلِقَ فَلَا يَدْرِي أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَمِّيَّتُهُ، وَلَا مَا صِفَاتُهُ: فَهُوَ حَرَامٌ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَبَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَجَازَ مَالِكٌ كُلَّ ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِي تَخْصِيصِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَلَفًا، وَلَا أَحَدٌ قَالَهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ، وَلَا حُجَّةً. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ - وَهَذَا تَحْرِيفٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوْضِعِهِ وَأَيْنَ الِاسْتِئْجَارُ مِنْ الْبَيْعِ، ثُمَّ أَيْنَ اللَّبَنُ الْمُرْتَضَعُ مِنْ الْقِثَّاءِ، وَالْيَاسَمِينِ؟ وَهُمْ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ لَبَنِ شَاةٍ قَبْلَ حَلْبِهِ، وَلَا يَقِيسُونَهُ عَلَى الظِّئْرِ ثُمَّ يَقِيسُونَ عَلَيْهِ بَيْعَ الْقِثَّاءِ، وَالنَّوْرِ، وَالْيَاسَمِينَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الرِّطَابِ جِزَّتَيْنِ جِزَّتَيْنِ.

مسألة باعه المقثأة بأصولها والموز بأصوله

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الرِّطَابِ جِزَّةً جِزَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ بَيْعِ الرَّطْبَةِ جِزَّتَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا تَصْلُحُ إلَّا جِزَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْقَضْبِ، وَالْحِنَّاءِ، إلَّا جِزَّةً - وَكَرِهَ بَيْعَ الْخِيَارِ وَالْخِرْبِزِ إلَّا جَنِيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ ابْنِ أَشْوَعَ، وَالْقَاسِمِ: أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الرِّطَابِ إلَّا جِزَّةً - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَهُ الْمَقْثَأَةَ بِأُصُولِهَا وَالْمَوْزَ بِأُصُولِهِ] 1437 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ بَاعَهُ الْمَقْثَأَةَ بِأُصُولِهَا، وَالْمَوْزَ بِأُصُولِهِ، وَتَطَوَّعَ لَهُ إبْقَاءَ كُلِّ ذَلِكَ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ - فَإِذَا مَلَكَ مَا ابْتَاعَ كَانَ لَهُ كُلُّ مَا تَوَلَّدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ فِي مَالِهِ، وَلَهُ أَخْذُهُ بِقَلْعِ كُلِّ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ لِأَنَّهُ أُمْلَكُ بِمَالِهِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ اشْتِرَاطُ إبْقَاءِ ذَلِكَ فِي أَرْضِهِ مُدَّةً مُسَمَّاةً أَوْ غَيْرَ مُسَمَّاةٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ - فَإِنْ احْتَجُّوا ب " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ "، قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَأَنْتُمْ تُصَحِّحُونَهُ، فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْهُ فِي مَنْعِكُمْ جَوَازَ بَيْعِ الْقَصِيلِ عَلَى شَرْطِ التَّرْكِ، وَإِبَاحَتِكُمْ بَيْعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكِلَاهُمَا شَرْطٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ أَصْلًا، فَفَرَّقْتُمْ بِلَا دَلِيلٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْأَمَةِ وَبَيَانُ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا] 1438 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْأَمَةِ، وَبَيَانُ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، لَكِنْ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًى، أَوْ إكْرَاهٍ -: بَيْعٌ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ رَائِعَةً أَوْ وَخْشًا كَانَ الْبَيْعُ فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ فِي الْوَخْشِ وَلَا يَجُوزُ فِي الرَّائِعَةِ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ صْلًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَيْهِ أَصْلًا، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]

مسألة بيع السيف دون غمده

وَمَا خَصَّ حَامِلًا مِنْ حَائِلٍ، وَلَا رَائِعَةً مِنْ وَخْشٍ، وَلَا امْرَأَةً مِنْ سَائِرِ إنَاثِ الْحَيَوَانِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ السَّيْفِ دُونَ غِمْدِهِ] 1439 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ السَّيْفِ دُونَ غِمْدِهِ جَائِزٌ. وَبَيْعُ الْغِمْدِ دُونَ النَّصْلِ جَائِزٌ. وَبَيْعُ الْحِلْيَةِ دُونَهُمَا جَائِزٌ - وَبَيْعُ نِصْفِهَا مُشَاعٌ، أَوْ ثُلُثِهَا، أَوْ عُشْرِهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ بَعْضِ ذَلِكَ - وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ دَلِيلًا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ بَيْعُ قِطَعٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ مِنْ خَشَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَحْدُودَةٍ: جَائِزٌ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ دُونَ الْفَصِّ] 1440 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ دُونَ الْفَصِّ جَائِزٌ، وَقَلْعُ الْفَصِّ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَائِعِ، وَبَيْعُ الْفَصِّ دُونَ الْحَلْقَةِ جَائِزٌ، وَقَلْعُ الْفَصِّ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَالْفَصُّ فِي الْحَلْقَةِ فَهِيَ مَكَانٌ لِلْفَصِّ، فَفُرِضَ عَلَى الَّذِي لَهُ الْفَصُّ إخْرَاجُ الْفَصِّ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْغَلَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَلْقَةِ إلَّا إمْكَانُهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ، وَأَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ. وَلِمُتَوَلِّي إخْرَاجِ الْفَصِّ تَوْسِيعُ الْحَلْقَةِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي اسْتِخْرَاجِ مَتَاعِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْجِذْعِ يُبَاعُ دُونَ الْحَائِطِ، أَوْ الْحَائِطِ يُبَاعُ دُونَهُ وَالشَّجَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ، أَوْ الْأَرْضِ دُونَ الشَّجَرَةِ وَلَا فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ شَيْئًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَدْفَعُ الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَ مَا ابْتَعْت] 1441 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَدْفَعُ الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَ مَا ابْتَعْت؟ وَقَالَ الْبَائِعُ: لَا أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ: أُجْبِرَا مَعًا عَلَى دَفْعِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ مِنْ الْآخَرِ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ لِلْآخَرِ، وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرَ حَقَّهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّقَدُّمِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ جَوْرٌ، وَحَيْفٌ، وَظُلْمٌ - وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ.

مسألة أبى المشتري أن يدفع الثمن إلا بعد القبض

[مَسْأَلَةٌ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضَ] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ قَبْضِهِ لِمَا اشْتَرَى وَقَالَ: لَا أَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ أَنْ أَقْبِضَ مَا اشْتَرَيْتُ؟ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ مَا بَاعَ حَتَّى يَنْتَصِفَ وَيُنْصِفَ مَعًا، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّهُ احْتَبَسَ بِحَقٍّ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ مَا حَبَسَ وَفَاءً بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاحْتِبَاسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَعَدَّى عَلَيْهِ فِيهِ الْآخَرُ - هَذَا إنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إلَّا بِفَسَادِهِ، أَوْ حَطِّ ثَمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا. فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أَدْفَعُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَدَعَاهُ الْمُشْتَرِي إلَى أَنْ يَقْبِضَ وَيَدْفَعَ مَعًا فَأَبَى، فَهُوَ هَهُنَا ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاحْتِبَاسِهِ مَا حَبَسَ، وَقَدْ دُعِيَ إلَى الْإِنْصَافِ فَأَبَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ حِينَ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ لَا خِلَابَةَ] 1443 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ حِينَ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ: لَا خِلَابَةَ؟ فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِمَا فِي خِلَالِهِنَّ مِنْ الْأَيَّامِ، إنْ شَاءَ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ بِغَيْرِ عَيْبٍ، أَوْ بِخَدِيعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ خَدِيعَةٍ، وَبِغَبْنٍ أَوْ بِغَيْرِ غَبْنٍ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ -: فَإِذَا انْقَضَتْ اللَّيَالِي الثَّلَاثُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَلَا رَدَّ لَهُ، إلَّا مِنْ عَيْبٍ إنْ وُجِدَ وَاللَّيَالِي الثَّلَاثُ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، فَإِنْ بَايَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ - بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَلَوْ مِنْ حِينِ طُلُوعِهَا -: فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الثَّلَاثَ مُبْتَدِئَةً وَلَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ. وَإِنْ بَايَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَهُ الْخِيَارُ مِنْ حِينَئِذٍ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ -: حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةً فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ، فَكَانَ إذَا بَايَعَ خُدِعَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَايِعْ وَقُلْ: لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ» .

نا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبُو قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ

نا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِعْ، وَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ بَيْعِكَ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْته يَقُولُ إذَا بَايَعَ: لَا خِلَابَةَ لَا خِلَابَةَ. 1444 -. مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَقُولَ " لَا خِلَابَةَ " قَالَهَا كَمَا يَقْدِرُ لِآفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لِعُجْمَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ جُمْلَةً قَالَ بِلُغَتِهِ مَا يُوَافِقُ مَعْنَى " لَا خِلَابَةَ " وَلَهُ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ، أَحَبَّ الْبَائِعُ أَمْ كَرِهَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مُنْقِذًا أَنْ يَقُولَهَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ إلَّا: لَا خِذَابَةَ» وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . 1445 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ رَضِيَ فِي الثَّلَاثِ وَأَسْقَطَ خِيَارَهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا، فَلَوْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ الرِّضَا إنْ رَضِيَ فِي الثَّلَاثِ لَكَانَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْخِيَارَ فِي الرَّدِّ فَقَطْ لَا فِي الرِّضَا - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْمَلَ لَهُ الْخِيَارَ فَكَانَ عُمُومًا لِكُلِّ مَا يَخْتَارُ مِنْ رِضًا أَوْ رَدٍّ. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَا يَنْقَطِعُ بِإِسْقَاطِهِ إيَّاهُ وَإِقْرَارِهِ بِالرِّضَا لَوَجَبَ أَيْضًا ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ خِيَارُهُ وَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الثَّلَاثُ وَهَذَا مُحَالٌ -: فَظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ مُدَّةَ الثَّلَاثِ إنْ شَاءَ رَدَّ فَيَبْطُلَ الْبَيْعُ وَلَا رِضَا لَهُ بَعْدَ الرَّدِّ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ فَيَصِحَّ الْبَيْعُ وَلَا رَدَّ لَهُ بَعْدَ الرِّضَا -: لَا يَحْتَمِلُ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرَ هَذَا أَصْلًا فَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالرِّضَا وَلَا بِالرَّدِّ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ إلَى انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ - إنْ شَاءَ رَدَّ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ - فَإِنْ انْقَضَتْ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَرُدَّ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ

بَيْعٌ صَحِيحٌ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّهِ ثَلَاثًا، لَا أَكْثَرَ - فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ فَلَا إبْطَالَ لَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، إلَّا مِنْ عَيْبٍ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَبَقِيَ الْبَيْعُ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَبْطُلْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1446 -. مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَالَ لَفْظًا غَيْرَ " لَا خِلَابَةَ " لَكِنْ أَنْ يَقُولَ: لَا خَدِيعَةَ، أَوْ لَا غِشَّ، أَوْ لَا كَيْدَ، أَوْ لَا غَبْنَ، أَوْ لَا مَكْرَ، أَوْ لَا عَيْبَ، أَوْ لَا ضَرَرَ، أَوْ عَلَى السَّلَامَةِ، أَوْ لَا دَاءَ، وَلَا غَائِلَةَ، أَوْ لَا خُبْثَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا -: لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ الْمَجْعُولُ لِمَنْ قَالَ: لَا خِلَابَةَ، لَكِنْ إنْ وَجَدَ شَيْئًا مِمَّا بَايَعَ عَلَى أَنْ لَا يَعْقِدَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ: بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ فِي الدِّيَانَةِ بِأَمْرٍ، وَنَصَّ فِيهِ بِلَفْظٍ مَا: لَمْ يَجُزْ تَعَدِّي ذَلِكَ اللَّفْظِ إلَى غَيْرِهِ - وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ - مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظِ، إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ يُبَيِّنُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَلَا يَحِلُّ تَعَدِّيهِ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا لَجَازَ الْأَذَانُ بِأَنْ يَقُولَ: الْعَزِيزُ أَجَلْ، أَنْتَ لَنَا رَبٌّ إلَّا الرَّحْمَنُ، أَنْتَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَبْعُوثٌ مِنْ الرَّحْمَنِ، هَلُمُّوا نَحْوِ الظُّهْرِ، هَلُمُّوا نَحْوَ الْبَقَاءِ، الْعَزِيزُ أَعْظَمُ، لَيْسَ لَنَا رَبٌّ إلَّا الرَّحِيمُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ أَذَّنَ هَكَذَا فَحَقُّهُ أَنْ يُسْتَتَابَ؟ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْزِئٌ بِآيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ، وَالْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، وَالتَّلْبِيَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَسَائِرِ الشَّرِيعَةِ، وَعَلَى الْمُفَرِّقِ الدَّلِيلُ؟ وَإِلَّا فَهُوَ مُبْطِلٌ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ مُخَالَفَةَ الْأَلْفَاظِ الْمَحْدُودَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَأَجَازَ تَنْكِيسَهَا، وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَعْجَمِيَّةِ - وَهُوَ فَصِيحٌ بِالْقُرْآنِ -: فَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بِتَنْكِيسِ الصَّلَاةِ؟ فَيَبْدَؤُهَا بِالتَّسْلِيمِ، ثُمَّ بِالْقُعُودِ، وَالتَّشَهُّدِ، ثُمَّ بِالسُّجُودِ، ثُمَّ

بِالرُّكُوعِ، ثُمَّ بِالْقِيَامِ، ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ وَيَقْرَأُ فِي الْجُلُوسِ، وَيَتَشَهَّدُ فِي الْقِيَامِ، وَأَنْ يَصُومَ اللَّيْلَ فِي رَمَضَانَ، وَيُفْطِرَ النَّهَارَ، وَيُحِيلَ الْحَجَّ، وَيُبَدِّلَ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ بِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا، وَيُقَدِّمَ أَلْفَاظَهُ وَيُؤَخِّرَهَا مَا لَمْ يَفْسُدْ الْمَعْنَى، وَيَكْتُبَ الْمُصْحَفَ كَذَلِكَ، وَيَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ، وَيُقْرِئَ النَّاسَ كَذَلِكَ، وَيُبَدِّلَ الشَّرَائِعَ - وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ أَنْ نَتَعَدَّى شَيْئًا مِمَّا حَدَّهُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْنَا، لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمَنَا - وَنَحْمَدُ اللَّهَ كَثِيرًا عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ وَافَقَنَا كَثِيرٌ مِنْ مُخَالِفِينَا أَنَّ لَفْظَ " الْبَيْعِ " لَا يَنُوبُ عَنْ لَفْظِ " السَّلَمِ " وَهَذَا " مُنْقِذٌ " الْمَأْمُورُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَرَ أَنْ يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ - بَلْ قَالَهُ كَمَا أَمَرَ، وَكَمَا قَدَّرَ، وَكَمَا كُلِّفَ. وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفَ لَنَا فِي هَذَا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ، وَبَيْنَ الْمَوَاضِعِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ، وَبَيْنَ الْأَحْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى فَرْقٍ أَصْلًا، فَإِنْ سَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي الْإِيجَابِ وُفِّقَ - وَهُوَ قَوْلُنَا - وَإِنْ سَوَّى بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي جَوَازِ التَّبْدِيلِ -: كَفَرَ، بِلَا خِلَافٍ، وَبَدَّلَ الدِّينَ كُلَّهُ، وَخَرَجَ عَنْهُ. وَقَدْ «عَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ دُعَاءً يَقُولُهُ، وَفِيهِ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَذَهَبَ الْبَرَاءُ يَسْتَذْكِرُهُ فَقَالَ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ؟ فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» فَلَمْ يَدَعْهُ أَنْ يُبَدِّلَ لَفْظَةً مَكَانَ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَمَنْ أَعْجَبُ وَأَضَلُّ مِمَّنْ يُجِيزُ تَبْدِيلَ لَفْظٍ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَقُولُ: إنْ قَالَ الشَّاهِدُ: أُخْبِرُك أَوْ أُعْلِمُك بِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارًا: أَنَّهَا لَيْسَتْ شَهَادَةً، وَلَا يَحْكُمُ بِهَا حَتَّى يَقُولَ: أَشْهَدُ، فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لِلْحَقَائِقِ؟ وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْأُخَرُ فَهِيَ أَلْفَاظٌ مَعْرُوفَةُ الْمَعَانِي بَايَعَ عَلَيْهَا فَلَهُ مَا بَايَعَ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ مَا تَرَاضَيَا بِهِ فِي بَيْعِهِ، فَلَمْ يَجِدْ مَا بَاعَ وَلَا مَا ابْتَاعَ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ

مسألة كل شرط وقع في بيع منهما أو من أحدهما برضا الآخر

ذَلِكَ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يُبَايِعْهُ فِيهِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا، وَهَذَا بَيِّنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. - [مَسْأَلَةٌ كُلُّ شَرْط وَقَعَ فِي بَيْعٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِرِضَا الْآخَرِ] 1447 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ شَرْطٍ وَقَعَ فِي بَيْعٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، بِرِضَا الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا إنْ عَقَدَاهُ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ بِالتَّخْيِيرِ، أَوْ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ - يَعْنِي قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ - وَلَمْ يَذْكُرَاهُ فِي حِينِ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ تَامٌّ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُ. فَإِنْ ذَكَرَا ذَلِكَ الشَّرْطَ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ - أَيَّ شَرْطٍ كَانَ لَا تُحَاشِ شَيْئًا - إلَّا سَبْعَةَ شُرُوطٍ فَقَطْ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، إنْ اُشْتُرِطَتْ فِي الْبَيْعِ - وَهِيَ: اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَاشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَاشْتِرَاطُ أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا أَجَلًا. وَاشْتِرَاطُ صِفَاتِ الْمَبِيعِ الَّتِي يَتَرَاضَيَانِهَا مَعًا وَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى أَنَّهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ. وَاشْتِرَاطُ أَنْ لَا خِلَابَةَ. وَبَيْعُ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ، فَيَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي مَالَهُمَا أَوْ بَعْضَهُ مُسَمًّى مُعَيَّنًا، أَوْ جُزْءًا مَنْسُوبًا مُشَاعًا فِي جَمِيعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُمَا مَجْهُولًا كُلُّهُ، أَوْ مَعْلُومًا كُلُّهُ، أَوْ مَعْلُومًا بَعْضُهُ، مَجْهُولًا بَعْضُهُ. أَوْ بَيْعُ أُصُولِ نَخْلٍ فِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ قَبْلَ الطِّيبِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْهَا أَوْ مُسَمًّى مُشَاعًا فِي جَمِيعِهَا. فَهَذِهِ وَلَا مَزِيدَ، وَسَائِرُهَا بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا -: كَمَنْ بَاعَ مَمْلُوكًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، أَوْ أَمَةً بِشَرْطِ الْإِيلَادِ، أَوْ دَابَّةً وَاشْتَرَطَ رُكُوبَهَا مُدَّةً مُسَمَّاةً - قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ - أَوْ إلَى مَكَان مُسَمًّى قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ. أَوْ دَارًا وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا سَاعَةً فَمَا فَوْقَهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ كُلِّهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ

أَنَا أَبُو أُسَامَةَ - هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ - أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ حَدِيثًا قَالَتْ فِيهِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا جَمِيعًا: نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فَقَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» . فَهَذَا الْأَثَرُ كَالشَّمْسِ صِحَّةً وَبَيَانًا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ كُلَّهُ. فَلَمَّا كَانَتْ الشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلَةً - غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا - كَانَ كُلُّ عَقْدٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ: عُقِدَ عَلَى شَرْطٍ بَاطِلٍ بَاطِلًا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ عُقِدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِصِحَّةِ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ لَا صِحَّةَ لَهُ، فَلَا صِحَّةَ لِمَا عُقِدَ بِأَنْ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا تَصْحِيحُنَا الشُّرُوطَ السَّبْعَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِنَّهَا مَنْصُوصٌ عَلَى صِحَّتِهَا، وَكُلُّ مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] . فَأَمَّا اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] .

وَأَمَّا اشْتِرَاطُ " أَنْ لَا خِلَابَةَ " فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا الْمَكَانِ بِنَحْوِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الصِّفَاتِ الَّتِي يَتَبَايَعَانِ عَلَيْهَا مِنْ السَّلَامَةِ، أَوْ مِنْ أَنْ لَا خَدِيعَةَ، وَمِنْ صِنَاعَةِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ، أَوْ سَائِرِ صِفَاتِ الْمَبِيعِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى التَّرَاضِي مِنْهُمَا وَالتَّرَاضِي لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى صِفَاتِ الْمَبِيعِ، وَصِفَاتِ الثَّمَنِ ضَرُورَةً. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الثَّمَنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَى يَهُودِيٍّ قَدِمَتْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ: ابْعَثْ إلَيَّ بِثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ وَاشْتِرَاطُهُ، وَاشْتِرَاطُ ثَمَرِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ وَجَدْنَا خَبَرًا يَصِحُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الشُّرُوطِ بَاقِيًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نُخَالِفْهُ، وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ إذْ قَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَهُمَا -

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُلُّ بَيْعٍ فِيهِ شَرْطٌ فَلَيْسَ بَيْعًا. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجَّ مُعَارِضٌ لَنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] . وَبِمَا رُوِيَ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . قُلْنَا: أَمَّا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ: لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ وَلَا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِأَنْ نَجْتَنِبَ نَوَاهِيَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَاصِيَهُ، فَمَنْ عَقَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَا، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ صَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْبَاطِلُ مُحَرَّمٌ، فَكُلُّ مُحَرَّمٍ فَلَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] فَلَا يُعْلَمُ مَا هُوَ عَهْدُ اللَّهِ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِيهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ عَهْدٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَلَيْسَ هُوَ عَهْدَ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ عَهْدُ الشَّيْطَان فَلَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ «كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، وَالْبَاطِلُ لَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَأَمَّا الْأَثَرُ فِي ذَلِكَ -: فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ أَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ حَدَّثَنِي الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: الْمُسْلِمُ عِنْد شَرْطِهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " إنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ، عِنْدَ الشُّرُوطِ ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ - هَالِكٌ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقٍ - وَالْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ - مَجْهُولٌ - وَالْآخَرُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ - هَالِكٌ - وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْوَاقِدِيُّ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ - مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ - وَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَخَالِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ - مَجْهُولٌ - وَشَيْخٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ - وَالْآخَرُ فِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَا أَعْرِفُهُ. وَخَبَرُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ حُجَّةً لَنَا وَغَيْرَ مُخَالِفٍ ` لِقَوْلِنَا، لِأَنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ هِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لَهُمْ، لَا الَّتِي نَهَاهُمْ عَنْهَا، وَأَمَّا الَّتِي نُهُوا عَنْهَا فَلَيْسَتْ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ «كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ شَرْطٍ، أَوْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ» وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمَنْ اشْتَرَطَهُ -: فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَاطِلٌ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ. ثُمَّ إنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، أَشَدُّ النَّاسِ اضْطِرَابًا وَتَنَاقُضًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ شُرُوطًا وَيَمْنَعُونَ شُرُوطًا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهَا بَاطِلٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُجِيزُونَ شُرُوطًا وَيَمْنَعُونَ شُرُوطًا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهَا حَقٌّ؛ لِأَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ يَمْنَعُونَ اشْتِرَاطَ الْمُبْتَاعِ مَالَ الْعَبْدِ، وَثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ، وَلَا يُجِيزُونَ لَهُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِالشِّرَاءِ عَلَى حُكْمِ الْبُيُوعِ. وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: لَا يُجِيزُونَ الْبَيْعَ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلَا شَرْطَ قَوْلِ:

لَا خِلَابَةَ، عِنْدَ الْبَيْعِ، وَكِلَاهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمَا، وَيَنْسَوْنَ هَهُنَا " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ". وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ جُمْلَةً، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَخْلُو كُلُّ شَرْطٍ اُشْتُرِطَ فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا رَابِعَ لَهَا -: إمَّا إبَاحَةُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ فِي الْعَقْدِ، وَإِمَّا إيجَابُ عَمَلٍ، وَإِمَّا الْمَنْعُ مِنْ عَمَلٍ، وَالْعَمَلُ يَكُونُ بِالْبَشَرَةِ، أَوْ بِالْمَالِ فَقَطْ - وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ الْعَمَلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] . فَصَحَّ بُطْلَانُ كُلِّ شَرْطٍ جُمْلَةً إلَّا شَرْطًا جَاءَ النَّصُّ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ بِإِبَاحَتِهِ - وَهَهُنَا أَخْبَارٌ نَذْكُرُهَا، وَنُبَيِّنُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - لِئَلَّا يَعْتَرِضَ بِهَا جَاهِلٌ أَوْ مُشَغِّبٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ الْقَاضِي بِسَرَقُسْطَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْمُطَّوِّعِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ زَاذَانَ الضَّرِيرُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - قَدِمْت مَكَّةَ فَوَجَدْت بِهَا أَبَا حَنِيفَةَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّنْ بَاعَ بَيْعًا وَاشْتَرَطَ شَرْطًا؟ فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ؟ فَرَجَعْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؟

فَأَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اشْتَرِي بَرِيرَةَ وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَأَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا؟ أَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ بَاعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَلًا وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ. وَهَهُنَا خَبَرٌ رَابِعٌ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ» . وَبِهِ يَأْخُذُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَيُبْطِلُ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطَانِ، وَيُجِيزُهُ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ وَاحِدٌ - وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ إلَى الْأَخْذِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا فَقَالَ: إنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ بَعْضَ مِلْكِهِ كَسُكْنَى الدَّارِ مُدَّةً مُسَمَّاةً، أَوْ دَهْرَهُ كُلَّهُ أَوْ خِدْمَةَ الْعَبْدِ كَذَلِكَ، أَوْ رُكُوبَ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ، أَوْ لِبَاسَ الثَّوْبِ كَذَلِكَ: جَازَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَهُ، وَالْمَنَافِعَ لَهُ، فَبَاعَ مَا شَاءَ وَأَمْسَكَ مَا شَاءَ، وَكُلُّ بَيْعٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ مَا يَحْدُثُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، كَالْوَلَاءِ وَنَحْوِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ عَمَلٌ أَوْ مَالٌ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَمَلُ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ وَالشَّرْطُ بَاطِلَانِ مَعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ أَبِي ثَوْرٍ، لِأَنَّ مَنَافِعَ مَا بَاعَ الْبَائِعُ مِنْ دَارٍ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هِيَ لَهُ مَا دَامَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ وَالْمُحَالِ أَنْ يَمْلِكَ مَا لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ، مِنْ مَنَافِعِ مَا بَاعَ، فَإِذَا أَحْدَثَهَا

اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَهِيَ مِلْكٌ لِمَنْ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ - فَبَطَلَ تَوْجِيهُ أَبِي ثَوْرٍ، وَكَذَلِكَ بَاقِي تَقْسِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ: فَخَطَأٌ أَيْضًا: لِأَنَّ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ لَيْسَ مُبِيحًا لِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَلَا مُحَرِّمًا لَهُ، لَكِنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِهِ فِي غَيْرِهِ، فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . فَبَطَلَ الشَّرْطُ الْوَاحِدُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْقَدْ إلَّا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبَقِيَ حَدِيثُ بَرِيرَةَ، وَجَابِرٍ فِي الْجَمَلِ، فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. إنَّنَا رُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِيٍّ الْعَلَّافُ أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً وَاحِدَةً، وَيَكُونَ لِي وَلَاؤُكِ فَعَلْتُ؟ فَعَرَضَتْهَا عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلْتُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشِيَّةً فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا

كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ - وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ - قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ ". وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبِي قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: دَخَلَتْ بَرِيرَةُ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ - وَقَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لَا تَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلَائِي؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا؟ فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلَاءَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ تَزَيُّدٍ، وَلَا ظَنٍّ كَاذِبٍ، مُضَافٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَحْرِيفِ اللَّفْظِ، وَهُوَ إنْ اشْتَرَطَ الْوَلَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ لِلْعِتْقِ كَانَ لَا يَضُرُّ الْبَيْعَ شَيْئًا، وَكَانَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ جَائِزًا حَسَنًا مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ الْوَلَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ، وَكَانَ اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ مُبَاحًا غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ، إذْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَحِينَئِذٍ حَرَّمَ أَنْ يُشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطُ أَوْ غَيْرُهُ جُمْلَةً، إلَّا شَرْطًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] . وَقَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُبِيحُ الْبَاطِلَ، وَلَا يَغُرُّ أَحَدًا وَلَا يَخْدَعُهُ - فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَجَزْتُمْ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاطُهُمْ عِتْقَهَا أَصْلًا وَلَوْ كَانَ لَقُلْنَا بِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا إنْ أُعْتِقَتْ يَوْمًا مَا، أَوْ إنْ أَعْتَقَتْهَا، إذْ إنَّمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا وَلَاءَهَا لِأَنْفُسِهِمْ فَقَطْ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْأَخْبَارِ شَيْءٌ، لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَاذِبًا، إلَّا أَنَّنَا نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَوْ كَانَ جَائِزًا لَنَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَبَيَّنَهُ، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ بِشَرْطِ الصَّدَقَةِ، أَوْ بِشَرْطِ الْهِبَةِ؛ أَوْ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَإِنَّنَا رُوِّينَاه مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا زَكَرِيَّا سَمِعْتُ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي «جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَمَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبَهُ، فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ؟ قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ؟ فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي - فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَأَرْسَلَ عَلَى إثْرِي، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَك، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ أَنَا أَبِي أَنَا زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: بِعْنِيهِ؟ فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي - فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي إثْرِي، فَقَالَ: أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ، خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْجَمَلُ بِعْنِيهِ؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ هُوَ لَكَ قَالَ: لَا، بَلْ بِعْنِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ؟ قَالَ لَا، بَلْ بِعْنِيهِ، قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، ارْكَبْهُ، فَإِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ فَأْتِنَا بِهِ؟ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ جِئْتُهُ بِهِ، فَقَالَ لِبِلَالٍ يَا بِلَالُ زِنْ لَهُ أُوقِيَّةً وَزِدْهُ قِيرَاطًا» . هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ جَابِرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِيَ هَذَا أَنَّ رُكُوبَ جَابِرٍ الْجَمَلَ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ فَرُوِيَ عَنْهُمَا عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ كَانَ شَرْطًا مِنْ جَابِرٍ - وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَنَحْنُ نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ كَانَ شَرْطًا، ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ» . وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ» كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُمَا أَخْذَانِ: أَحَدُهُمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ لَمْ يَفْعَلْهُ، بَلْ انْتَفَى عَنْهُ، وَمَنْ جَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ أَخْذًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَلَامِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُمَا أَخْذَانِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نَفْسِهِ هُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ الْأَخْذِ الَّذِي انْتَفَى عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، فَلَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَهُوَ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَهُ وَابْتَاعَهُ، ثُمَّ تَخَيَّرَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ تَرَكَ أَخْذِهِ. وَصَحَّ أَنَّ فِي حَالِ الْمُمَاكَسَةِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُمَاكِسْهُ لِيَأْخُذَ جَمَلَهُ -. فَصَحَّ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ قَطُّ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ جَابِرٌ رُكُوبَ جَمَلِ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْأَخْبَارِ، إذَا جُمِعَتْ أَلْفَاظُهَا. فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلًا: أَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِذَلِكَ الشَّرْطِ، فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: حُجَّةٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَلَا يَقُولُونَ بِجَوَازِ هَذَا الشَّرْطِ أَصْلًا، فَإِنَّمَا الْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيِّينَ فِيهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْدِيدُ يَوْمٍ، وَلَا مَسَافَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ تَحْدِيدُ مِقْدَارٍ دُونَ مِقْدَارٍ؟ وَيَلْزَمُهُمْ إذْ لَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ الدَّابَّةِ عَلَى شَرْطِ رُكُوبِهَا شَهْرًا - وَلَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ - وَأَبْطَلُوا هَذَا الشَّرْطَ، وَأَجَازُوا بَيْعَهَا، وَاشْتِرَاطَ رُكُوبِهَا مَسَافَةً يَسِيرَةً: أَنْ يَحُدُّوا الْمِقْدَارَ الَّذِي يُحَرَّمُ بِهِ مَا حَرَّمُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي حَلَّلُوهُ، هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَقَدْ تَرَكُوا مَنْ اتَّبَعَهُمْ فِي سُخْنَةِ عَيْنِهِ، وَفِي مَا لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَأْتِي حَرَامًا أَوْ يَمْنَعُ حَلَالًا، وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ، فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ مِقْدَارًا مَا، سُئِلُوا عَنْ الْبُرْهَانِ فِي ذَلِكَ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ؟ فَلَاحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ.

وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مَا لَا يُفَصِّلُهُ لَنَا مِنْ أَوَّلِهِ لِآخِرِهِ لِنَجْتَنِبَهُ وَنَأْتِيَ مَا سِوَاهُ، إذَا كَانَ تَعَالَى يُكَلِّفُنَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِنَا، مِنْ أَنْ نَعْلَمَ الْغَيْبَ وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْخَبَرِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ دَنَوَا مِنْ الْمَدِينَةِ؟ قُلْنَا: الدُّنُوُّ يَخْتَلِفُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِضَافَةِ، فَمَنْ أَتَى مِنْ تَبُوكَ فَكَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سِتِّ مَرَاحِلَ أَوْ خَمْسٍ فَقَدْ دَنَا مِنْهَا، وَيَكُونُ الدُّنُوُّ أَيْضًا عَلَى رُبْعِ مِيلٍ - وَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ - فَالسُّؤَالُ بَاقٍ عَلَيْكُمْ بِحَسَبِهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَهُوَ إنَّمَا رَوَى: أَنَّ رُكُوبَ جَابِرٍ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرْطًا. وَفِي رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَسِيرِهِمْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى غَزَاةٍ - وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ إلَّا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ، فَإِذْ لَمْ يَقِيسُوا عَلَى تِلْكَ الْمَسَافَةِ سَائِرَ الْمَسَافَاتِ فَلَا تَقِيسُوا عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقِ سَائِرَ الطُّرُقِ وَلَا تَقِيسُوا عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي رُكُوبِ جَمَلٍ سَائِرَ الدَّوَابِّ، وَإِلَّا فَأَنْتُمْ مُتَنَاقِضُونَ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ. وَإِذْ قِسْتُمْ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقِ سَائِرَ الطُّرُقِ، وَعَلَى الْجَمَلِ سَائِرَ الدَّوَابِّ فَقِيسُوا عَلَى تِلْكَ الْمَسَافَةِ سَائِرَ الْمَسَافَاتِ؟ كَمَا فَعَلْتُمْ فِي صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَاكِبًا مُتَوَجِّهًا إلَى خَيْبَرَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ: فَقِسْتُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَسَافَةِ سَائِرَ الْمَسَافَاتِ: فَلَاحَ أَنَّهُمْ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - آثَارٌ فِي الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ خَالَفُوهَا، فَمِنْ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ. قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: وَدِدْنَا لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، قَدْ تَبَايَعَا حَتَّى نَنْظُرَ أَيَّهُمَا أَعْظَمُ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ، فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عُثْمَانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوِهَا إنْ أَدْرَكَتْهَا الصَّفْقَةُ وَهِيَ سَالِمَةٌ، ثُمَّ أَجَازَ قَلِيلًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أَزِيدُك سِتَّةَ آلَافٍ إنْ وَجَدَهَا رَسُولِي سَالِمَةً؟

قَالَ نَعَمْ، فَوَجَدَهَا رَسُولُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ هَلَكَتْ، وَخَرَجَ مِنْهَا بِالشَّرْطِ الْآخَرِ. قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ قَالَ: فَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ. فَهَذَا عَمَلُ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعِلْمِهِمْ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ سَعِيدٌ، وَصَوَّبَهُ الزُّهْرِيُّ. فَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: كُلَّ هَذَا، وَقَالُوا: لَعَلَّ الرَّسُولَ يُخْطِئُ أَوْ يُبْطِئُ أَوْ يَعْرِضُهُ عَارِضٌ، فَلَا يَدْرِي مَتَى يَصِلُ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ بَاعَ دَارِهِ وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا حَيَاتَهُ وَقَالَ: إنَّمَا مَثَلِي مَثَلُ أُمِّ مُوسَى رُدَّ عَلَيْهَا وَلَدُهَا، وَأُعْطِيَتْ أَجْرَ رَضَاعِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ قَالَ: بَاعَ صُهَيْبٌ دَاره مِنْ عُثْمَانَ وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا - وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو ثَوْرٍ، فَخَالَفُوهُ، وَلَا مُخَالِفَ لِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يُجِيزُ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ ابْتِيَاعَ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا بِمَكَّةَ لِلسِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ عَلَى إنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ تَامٌّ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةٍ -: فَخَالَفُوهُمْ كُلُّهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ اشْتَرَى بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ عَلَى أَنْ يُوَفُّوهُ إيَّاهَا بِالرَّبَذَةِ - وَلَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ ذِكْرِ الْإِيفَاءِ -: فَخَالَفُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: أَصَابَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مَغْنَمًا فَقَسَّمَ بَعْضَهُ وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ يُشَاوِرُهُ؟ فَتَبَايَعَ النَّاسُ إلَى قُدُومِ الرَّاكِبِ - وَهَذَا عَمَلُ عَمَّارٍ وَالنَّاسُ بِحَضْرَتِهِ -: فَخَالَفُوهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ وَحَكَمَ عَلِيٌّ بِشَرْطِ الْخَلَاصِ، وَلِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ فِيمَا أَجَازُوهُ

مسألة باع بيعا فاسدا

مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَمَا مَنَعُوا مِنْهُ فِيهَا، قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُ وَنَذْكُرُ فِي مَكَان آخَرَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا] 1448 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَالثَّمَنُ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ إنْ قَبَضَهُ -: وَلَا يُصَحِّحُهُ طُولُ الْأَزْمَانِ، وَلَا تَغَيُّرُ الْأَسْوَاقِ، وَلَا فَسَادُ السِّلْعَةِ، وَلَا ذَهَابُهَا، وَلَا مَوْتُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: مَنْ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا، وَأَجَازَ عِتْقَهُ فِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ: إنَّ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بُيُوعًا تُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ، أَوْ تَتَغَيَّرَ الْأَسْوَاقُ: فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ قَوْلَانِ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِمَا عَلَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا - فَكَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَمَا عَلِمَ أَحَدٌ قَطُّ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِلْكًا فَاسِدًا، إنَّمَا هُوَ مِلْكٌ فَهُوَ صَحِيحٌ، أَوْ لَا مِلْكٌ فَلَيْسَ صَحِيحًا، وَمَا عَدَا هَذَا فَلَا يُعْقَلُ. وَإِذْ أَقَرُّوا أَنَّ الْمِلْكَ فَاسِدٌ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِإِنْفَاذِ مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] . فَمَنْ أَجَازَ شَيْئًا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُصْلِحُهُ فَقَدْ عَارَضَ اللَّهَ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا احْتِجَاجُ فَاسِدِ الدِّينِ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ نَسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَنْفَذَ الْبَاطِلَ، وَأَجَازَ الْفَاسِدَ - وَاَللَّهِ مَا تَقِرُّ عَلَى هَذَا نَفْسُ مُسْلِمٍ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَلِّطَ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى

فِيهِ، فَلْيُجِيزُوا عَلَى هَذَا أَنْ يُسَلِّطَهُ عَلَى وَطْءِ أُمِّ وَلَدِهِ وَأَمَتِهِ، وَهَذِهِ مَلَاعِبُ وَضَلَالٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَأَوَّلُ مَا يُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَهُ: حُدُّوا لَنَا الْمُدَّةَ الَّتِي إذَا مَضَتْ صَحَّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَكُمْ بِمُضِيِّهَا، وَإِلَّا فَقَدْ ضَلَلْتُمْ وَأَضْلَلْتُمْ. وَحُدُّوا لَنَا تَغَيُّرَ الْأَسْوَاقِ الَّذِي أَبَحْتُمْ بِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٍ، وَنُقْصَانَ ذَلِكَ تَغَيُّرُ سُوقٍ بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ أَجَازُوا صِحَّةَ الْفَاسِدِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فَقَدْ صَحَّ كُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَلُّبِ الْقِيَمِ بِمِثْلِ هَذَا أَوْ شَبَهِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ الدَّلِيلَ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ يُعْرَفُ قَبْلَهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ هُوَ إبَاحَةُ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ تَرَكَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَانَ لِمَا سِوَاهُ أَتْرَكُ، وَاسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّكُمْ إنْ قُلْتُمْ: إنَّكُمْ إنَّمَا حَكَمْتُمْ بِهَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ تَحْرِيمُهُ مِنْ تَحْلِيلِهِ؟ قَالَ: إمَّا كَذَبْتُمْ، وَإِمَّا صَدَقْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ كَذَبْتُمْ: فَالْكَذِبُ حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ وَجُرْحَةٌ، وَإِنْ كُنْتُمْ صَدَقْتُمْ فَمَا أَخَذْتُمْ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ: مِنْ اجْتِنَابِ الْقَوْلِ وَالْحُكْمِ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ، بَلْ جَسَرْتُمْ أَشْنَعَ الْجَسْرِ، فَنَقَلْتُمْ الْأَمْلَاكَ الْمُحَرَّمَةَ، وَأَبَحْتُمْ الْأَمْوَالَ الْمَحْظُورَةَ فِيمَا أَقْرَرْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ: أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكُمْ تَحْرِيمُهُ مِنْ تَحْلِيلِهِ، فَخَالَفْتُمْ مَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرَ جُمْلَةً. وَإِنْ قُلْتُمْ: حَكَمْنَا بِذَلِكَ حَيْثُ ظَنَنَّا أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَمْ نَقْطَعْ بِذَلِكَ؟ قُلْنَا: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا عَلَيْكُمْ، قَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] .

مسألة ابتاع عبدا أو أمة لهما مال

وَذَمَّ قَوْمًا حَكَمُوا فِيمَا ظَنُّوهُ وَلَمْ يَسْتَيْقِنُوهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَالْفَرْضُ عَلَى مَنْ ظَنَّ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ أَنْ يُمْسِكَ: فَلَا يَحْكُمُ وَلَا يَتَسَرَّعُ فِيمَا لَا يَقِينَ عِنْدَهُ فِيهِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ حَكَمَ حِينَئِذٍ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَقَالَ تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِقَاضٍ أَنْ يَقْضِيَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ كَمَا يَتَبَيَّنُ اللَّيْلُ مِنْ النَّهَارِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ أَبُو مُوسَى. قَالَ عَلِيٌّ: الْمُفْتِي قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى بِوُجُوبِ مَا أَوْجَبَ، وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ، أَوْ إبَاحَةِ مَا أَبَاحَ، فَمَنْ أَيْقَنَ تَحْرِيمَ شَيْءٍ بِنَصٍّ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتٍ فَلْيُحَرِّمْهُ وَلْيُبْطِلْهُ أَبَدًا. وَمَنْ أَيْقَنَ بِإِبَاحَتِهِ بِنَصٍّ كَمَا ذَكَرْنَا فَلْيَبُحْهُ وَلْيَنْفُذْهُ أَبَدًا. وَمَنْ أَيْقَنَ بِوُجُوبِ شَيْءٍ بِنَصٍّ كَمَا ذَكَرْنَا فَلْيُوجِبْهُ وَلْيُنْفِذْهُ أَبَدًا، وَلَيْسَ فِي الدِّينِ قِسْمٌ رَابِعٌ أَصْلًا، وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ حُكْمُهُ مِنْ النَّصِّ الْمَذْكُورِ فَلْيُمْسِكْ عَنْهُ وَلْيَقُلْ كَمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] وَمَا عَدَا هَذَا فَضَلَالُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] . [مَسْأَلَةٌ ابْتَاعَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَهُمَا مَالٌ] 1449 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَهُمَا مَالٌ فَمَالُهُمَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَكُونَ لَهُ، وَلَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ - وَلَا لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ أَصْلًا. فَإِنْ كَانَ فِي مَالِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ: ذَهَبٌ كَثِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ، وَقَدْ ابْتَاعَ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ بِذَهَبٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الذَّهَبِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ: نَقْدًا أَوْ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ -: جَازَ كُلُّ ذَلِكَ - وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِ فِضَّةٌ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَة: رَدَّهُ أَوْ رَدَّهَا وَالْمَالُ لَهُ لَا يَرُدُّهُ مَعَهُ.

فَإِنْ وَجَدَ بِالْمَالِ عَيْبًا: لَا يَرُدُّ الْعَبْدَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَلَا الْأَمَةَ. فَإِنْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ نِصْفَ أَمَتِهِ أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى مُشَاعًا فِيهِمَا مِنْهُمَا: جَازَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ هُنَا اشْتِرَاطُ الْمَالِ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ وَلَا فَرْقَ. فَلَوْ بَاعَ اثْنَانِ عَبْدًا بَيْنَهُمَا: جَازَ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطُ الْمَالِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الِاشْتِرَاطِ كَمَا قَدَّمْنَا وَالِاشْتِرَاطُ غَيْرُ الْبَيْعِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعْلُومًا مِنْ مَجْهُولٍ وَلَا مِقْدَارًا مِنْ مِقْدَارٍ، وَلَا مَالًا مِنْ مَالٍ: فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ مَلَكَ الْمَالَ بِالشَّرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ فِي صَفْقَةِ الرَّدِّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْبٍ فِيهِ وَلَا بِعَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ. وَمَنْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشَاعٍ أَوْ نِصْفَ عَبْدِهِ فَلَمْ يَشْتَرِ الْمُشْتَرِي عَبْدًا وَإِنَّمَا جَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتِرَاطَ الْمَالِ لِمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَلَهُ اشْتِرَاطُ الْمَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ مَالِكٌ كَقَوْلِنَا فِي اشْتِرَاطِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْمَجْهُولِ، وَالْكَثِيرِ، وَالْقَلِيلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ الْبُيُوعِ - وَهَذَا خِلَافٌ لِلْحَدِيثِ مُجَرَّدٌ، فَرَدُّوا مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الشُّرُوطِ، وَأَجَازُوا مَا أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ أَنَا أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ غُلَامَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَالَهُ، فَوُجِدَ لِلْغُلَامِ مَالٌ فَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ لِلْبَائِعِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ، وَمُغِيرَةُ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَنْ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ: الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ: عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ

مسألة باع نخلا قد أبرت

فَمَالُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1450 -. مَسْأَلَةٌ: وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مُسَمًّى بِعَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ ثُلُثًا أَوْ رُبْعًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ: مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ إلَّا الْجَمِيعَ أَوْ يَدَعَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ كُلَّهُ الْمُبْتَاعُ - وَبَعْضُ الْمَالِ مَالٌ - فَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَصِّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1451 -. مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا جَاءَ النَّصُّ فِي الْعَبْدِ فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْأَمَةِ؟ قُلْنَا: لَفْظَةُ " الْعَبْدِ " تَقَعُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى جِنْسِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَبْدٌ وَعِبْدَةٌ، وَ " الْعَبْدُ " اسْمُ جِنْسٍ كَمَا تَقُولُ: الْإِنْسَانُ وَالْفَرَسُ وَالْحِمَارُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ يُعْكَسَ عَلَيْهِ هَذَا الِاعْتِرَاضُ، وَيُلْزَمَ هَذَا السُّؤَالَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ فِي الْحُكْمِ فَرَأَى الزِّنَى فِي الْأَمَةِ عَيْبًا يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ، وَلَمْ يَرَهُ فِي الْعَبْدِ الذَّكَرِ عَيْبًا يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجْبِرَ أَمَتَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا يُجْبِرُ الْعَبْدَ الذَّكَرَ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ فِي اسْتِثْنَاءِ مَالِهَا فِي الْبَيْعِ إنَّمَا وَجَبَ قِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ، فَلْيَقِيسُوهَا عَلَيْهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي الْإِكْرَاهِ فِي النِّكَاحِ، وَإِلَّا فَقَدْ تُحَكَّمُوا. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِرَتْ] 1452 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ، وَالتَّأْبِيرُ فِي النَّخْلِ: هُوَ أَنْ يُشَقَّقَ الطَّلْعُ، وَيُذَرَّ فِيهِ دَقِيقُ الْفُحَّالِ وَأَمَّا قَبْلَ الْإِبَارِ فَالطَّلْعُ لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ إلَّا الِاشْتِرَاطُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا حَتَّى يَصِيرَ زَهْوًا، فَإِذَا أَزْهَى جَازَ فِيهِ الِاشْتِرَاطُ مَعَ الْأُصُولِ، وَجَازَ فِيهَا الْبَيْعُ مَعَ الْأُصُولِ وَدُونَ الْأُصُولِ، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا فِي النَّخْلِ الْمَأْبُورِ وَحْدِهِ كَمَا جَاءَ النَّصُّ، وَلَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةُ النَّخْلِ بِغَيْرِ إبَارٍ لَمْ يَحِلَّ اشْتِرَاطُهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا سَائِرُ الثِّمَارِ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ الْأُصُولَ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ ظَهَرَتْ أَوْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا،

فَالثَّمَرَةُ - ضَرُورَةً وَلَا بُدَّ - لِلْبَائِعِ، لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا إلَّا مَعَ الْأُصُولِ وَلَا دُونَهَا، وَلَا اشْتِرَاطُهَا أَصْلًا. وَلَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْأُصُولِ أَنْ يُلْزِمَ الْبَائِعَ قَلْعَ الثَّمَرَةِ أَصْلًا، إلَّا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، فَإِذَا بَدَا صَلَاحُهَا فَلَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ أَخْذَ مَا يُمْكِنُ النَّفْعُ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَا يُلْزِمُهُ أَخْذَ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ النَّخْلِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَلِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِيهَا فَقَطْ، مَعَ وُجُودِ الْإِبَارِ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ - وَالتَّعْلِيلُ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَجُوزُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ إلَّا الِاشْتِرَاطُ فَقَطْ مَا لَمْ تُزْهِ، فَلِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ وَتَحْمَرَّ» ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ أَصْلًا، وَأَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتِرَاطَهَا، فَيَجُوزُ مَا أَجَازَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَحْرُمُ مَا نَهَى عَنْهُ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَقَاسَ الشَّافِعِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: سَائِرَ الثِّمَارِ عَلَى النَّخْلِ، وَأَجَازُوا هُمْ، وَالْحَنَفِيُّونَ: بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَقَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ عَلَى الْقَطْعِ أَوْ مَعَ الْأُصُولِ - وَهَذَا خِلَافُ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَإِبَاحَةُ مَا حَرَّمَ، وَمَا عَجَزَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ عَنْ أَنْ يَقُولَ إلَّا عَلَى الْقَطْعِ، أَوْ مَعَ الْأُصُولِ، وَمَا قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ، فَهُوَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِمَّنْ مَنَعَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا جُمْلَةً لَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا بِغَيْرِهِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَشُعْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِلَى التَّابِعِينَ، وَفِيمَنْ دُونَهُمْ. فَإِنْ قُطِعَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَ إنْ تُرِكَ أَزْهَى إنْ كَانَ بَلَحًا أَوْ بُسْرًا، أَوْ ظَهَرَ فِيهِ الطِّيبُ إنْ كَانَ مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ -: لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ حَتَّى يَصِيرَ فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَهُ فِيهَا - فَإِنْ كَانَ إنْ تُرِكَ لَمْ يَزْهُ أَبَدًا، وَلَا ظَهَرَ فِيهِ الطِّيبُ أَبَدًا -: حَلَّ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ خَرَجَ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَوَازَ بَيْعِهِ إلَيْهَا. وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ وَتَمْيِيزٍ أَنَّ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ حَتَّى تُزْهِيَ، وَعَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا: إنَّمَا هُوَ بِلَا شَكٍّ فِيمَا إنْ تُرِكَ أَزْهَى أَوْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْإِزْهَاءِ أَبَدًا، وَلَا أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ أَبَدًا، فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِهِ حَتَّى يُزْهِيَ أَوْ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، فَإِذْ لَيْسَ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْ بَيْعِهِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْأُصُولِ أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعَ بِقَلْعِ ثَمَرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» وَالْبَائِعُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي كَوْنِ ثَمَرَتِهِ فِي أُصُولِهَا فَيَكُونُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَنْ بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا بَذْرٌ لَهُ وَنَوًى وَلَمْ يَبِعْ الْبَذْرَ وَلَا النَّوَى، فَلَيْسَ لِمُشْتَرِي الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقَلْعِ ذَلِكَ إلَّا حَتَّى يَصِيرَ النَّبَاتُ فِي أَوَّلِ حُدُودِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي وَجْهٍ

مسألة باع أصول نخل وفيها ثمرة قد أبرت

مَا، فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَغُلَّ أَرْضَ غَيْرِهِ، وَلَا شَجَرَ غَيْرِهِ، بِمَتَاعِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْأَصْلِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1453 -. مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا الِاشْتِرَاطُ إنْ بِيعَتْ الْأُصُولُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ مَعَ الْأُصُولِ وَدُونَهَا - أَمَّا الِاشْتِرَاطُ فَلِوُقُوعِ الصِّفَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «قَدْ أُبِّرَتْ» فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ - وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِهَا مَعَ الْأُصُولِ وَدُونَهَا لِإِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَهَا إذَا أَزْهَتْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَاعَ أُصُولَ نَخْلٍ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ] 1454 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ أُصُولَ نَخْلٍ وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِطَ جَمِيعَهُمَا إنْ شَاءَ أَوْ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ جُزْءًا كَذَلِكَ مُسَمًّى مُشَاعًا فِي جَمِيعِهَا، أَوْ شَيْئًا مِنْهَا مُعَيَّنًا. فَإِنْ وَجَدَ بِالنَّخْلِ عَيْبًا رَدَّهَا وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَرَةِ ثَمَرَةٌ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَفِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ مِنْهَا يُسَمَّى ثَمَرَةً لِلنَّخْلِ - وَالِاشْتِرَاطُ غَيْرُ الْبَيْعِ، فَلَا يَرُدُّ مَا اشْتَرَطَ مِنْ أَجْلِ رَدِّهِ لِمَا اشْتَرَى، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ. فَلَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةَ النَّخْلِ بَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ، أَوْ ثَمَرَ أَشْجَارِ غَيْرِ النَّخْلِ، ثُمَّ وَجَدَ ظُهُورَ الطِّيبِ، أَوْ ثَمَرَ أَشْجَارِ غَيْرِ النَّخْلِ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْأُصُولِ عَيْبًا فَرَدَّهَا، أَوْ وَجَدَ بِالثَّمَرَةِ عَيْبًا فَرَدَّهَا. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مَعَ الْأُصُولِ صَفْقَةً وَاحِدَةً رَدَّ الْجَمِيعَ وَلَا بُدَّ، أَوْ أَمْسَكَ الْجَمِيعَ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ. فَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى لَمْ يَرُدَّهَا - إنْ رَدَّ الْأُصُولَ بِعَيْبٍ - وَلَا يَرُدُّ الْأُصُولَ إلَّا إنْ رَدَّ الثَّمَرَةَ بِعَيْبٍ. فَلَوْ اشْتَرَى الْأُصُولَ مِنْ النَّخْلِ وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَةَ أَوْ بَعْضَهَا فَوَجَدَ الْبَيْعَ فَاسِدًا فَوَجَبَ رَدُّهُ رَدَّ الثَّمَرَةَ وَلَا بُدَّ، وَضَمِنَهَا إنْ كَانَ أَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَحْ الِاشْتِرَاطَ إلَّا لِلْمُبْتَاعِ، وَلَا يَكُونُ مُبْتَاعًا إلَّا مَنْ قَدْ صَحَّ بَيْعُهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اشْتِرَاطَ الثَّمَرِ، فَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَطَهُ بِخِلَافِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

مسألة باع نخلة أو نخلتين وفيها ثمر قد أبر

وَهُوَ مُتَعَدٍّ، قَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] [مَسْأَلَةٌ بَاعَ نَخْلَةً أَوْ نَخْلَتَيْنِ وَفِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِرَ] 1455 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ نَخْلَةً أَوْ نَخْلَتَيْنِ وَفِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِرَ لَمْ يَجُزْ لِلْمُبْتَاعِ اشْتِرَاطُ ثَمَرَتِهَا أَصْلًا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا. وَمَنْ بَاعَ حِصَّةً لَهُ مُشَاعَةً فِي نَخْلٍ، فَإِنْ كَانَ يَقَعُ لَهُ فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا - لَوْ قُسِّمَتْ -: ثَلَاثُ نَخَلَاتٍ فَصَاعِدًا، جَازَ لِلْمُبْتَاعِ اشْتِرَاطُ الثَّمَرَةِ، وَإِلَّا فَلَا - وَالثَّمَرَةُ فِي كُلِّ مَا قُلْنَا لِلْبَائِعِ وَلَا بُدَّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» فَلَمْ يَحْكُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ إلَّا فِي نَخْلٍ. وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " نَخْلٍ " ثَلَاثٌ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّثْنِيَةِ الْوَاقِعَ عَلَى اثْنَيْنِ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَخَاطَبَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوَّلُ لَفْظِ الْجَمْعِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الثَّلَاثِ فَصَاعِدًا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] . قُلْنَا: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ: أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَقَدْ قَالَ الرَّاجِزُ: وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ ... ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: الْجَمْعُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ فَالِاثْنَانِ جَمْعٌ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قُلْتُمْ لَجَازَ أَنْ نُخْبِرَ عَنْ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَيُقَالُ: زَيْدٌ قَامُوا، وَالرَّجُلُ قَتَلُوا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ أَيْضًا أَجْزَاءٌ مَجْمُوعٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ الثَّمَنَ فِي مَكَان مُسَمًّى] 1456 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ الثَّمَنَ فِي مَكَان مُسَمًّى وَلَا عَلَى

مسألة بيع جارية بشرط أن توضع على يدي عدل حتى تحيض

أَنْ يُوَفِّيَهُ السِّلْعَةَ فِي مَكَان مُسَمًّى؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، لَكِنْ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ بِإِيفَائِهِ الثَّمَنَ حَيْثُ هُمَا، أَوْ حَيْثُ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مِنْ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى، إنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ - وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ مَا بَاعَ مِنْهُ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ جَارِيَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى تَحِيضَ] 1457 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ جَارِيَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى تَحِيضَ - رَائِعَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ رَائِعَةٍ - وَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ذَلِكَ فَبَيْعُهُ تَامٌّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ فِي الرَّائِعَةِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي غَيْرِ الرَّائِعَةِ -: وَهَذَا أَوَّلُ التَّنَاقُضِ، وَفَسَادُ الْقَوْلِ، لِأَنَّ غَيْرَ الرَّائِعَةِ تُوطَأُ كَمَا تُوطَأُ الرَّائِعَةُ، وَتَحْمِلُ كَمَا تَحْمِلُ الرَّائِعَةُ. ثُمَّ أَعْظَمُ التَّنَاقُضِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ بَرَاءَةً مِنْ الْحَمْلِ، وَإِنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: يَا هَؤُلَاءِ فَلِأَيِّ مَعْنًى أَوْجَبْتُمْ مَنْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ جَارِيَتِهِ، وَأَوْجَبْتُمْ هَذَا الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا تَوَرُّعٌ، وَلَا رَأْيٌ يُعْقَلُ؟ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّهَا إذَا حَاضَتْ أُسْلِمَتْ إلَيْهِ، وَحَلَّ لَهُ التَّلَذُّذُ مِنْهَا فِيمَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ، وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ، وَمُمْكِنٌ - عِنْدَكُمْ - أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَبَحْتُمْ لَهُ الْآنَ، وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمُوهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، وَخَوْفُ الْحَمْلِ -: وَفَسَادُ الْمَبِيعِ مَوْجُودٌ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ؟ فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ بَعْدَ الْحَيْضِ، وَبَعْدَ إبَاحَتِكُمْ لَهُ وَطْأَهَا، فَوَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ -: فَإِنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ، وَهِيَ مَرْدُودَةٌ إلَى الْبَائِعِ وَوَلَدُهَا بِهِ لَاحِقٌ، إنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَلَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً - فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِلْمُوَاضَعَةِ، أَوْ أَيُّ مَعْنًى لَهَا؟

مسألة بيع عبد أو أمة على أن يعطيهما البائع كسوة

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا اتَّبَعْنَا النَّصَّ الْوَارِدَ: «لَا تُوطَأُ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» ؟ قُلْنَا: كَلًّا، بَلْ خَالَفْتُمْ هَذَا النَّصَّ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّكُمْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الرَّائِعَةِ وَغَيْرِ الرَّائِعَةِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَكُمْ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِ الْبِكْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ، وَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَدَّعُوا هَهُنَا إجْمَاعًا، فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ الْبِكْرَ وَغَيْرَ الْبِكْرِ سَوَاءٌ، لَا تُوطَأُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَحِيضَ، أَوْ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِمَا تَسْتَبْرِئُ بِهِ الَّتِي لَا تَحِيضُ -: وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ - لَكِنَّا نَقُولُ: لَا يَبِيعُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَلَا يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَذَلِكَ احْتِيَاطًا خَوْفَ الْحَمْلِ فَقَطْ، فَإِنْ أَيْقَنَّا أَنَّ بِهَا حَمْلًا مِنْ الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ حَرَامٌ إنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ فَالْبَيْعُ حَلَالٌ، وَالْوَطْءُ حَرَامٌ حَتَّى تَضَعَ وَتَطْهُرَ. وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَى ذَلِكَ كَائْتِمَانِهِ عَلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ وَلَا فَرْقَ، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ائْتِمَانِهِ عَلَى الَّتِي اشْتَرَى وَبَيْنَ ائْتِمَانِكُمْ مَنْ تَضَعُونَهَا عِنْدَهُ لِذَلِكَ. وَأَنْتُمْ لَا تُفَرَّقُونَ بَيْنَ الثِّقَةِ وَبَيْنَ غَيْرِ الثِّقَةِ هَهُنَا، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الرَّائِعَةِ وَغَيْرِ الرَّائِعَةِ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَتَنَاقُضٌ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِيهَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ " بِبُرْهَانِهِ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمَا الْبَائِعُ كِسْوَةً] 1458 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمَا الْبَائِعُ كِسْوَةً - قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ - وَلَا بَيْعُ دَابَّةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا الْبَائِعُ إكَافَهَا، أَوْ رَسَنَهَا، أَوْ بَرْدَعَتَهَا، وَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ لَا يَحِلُّ فَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَسْرًا فَهُوَ ظُلْمٌ لَحِقَهُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى أَخْذَ الْمَرْءِ مَالَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ بِالتِّجَارَةِ: بَاطِلًا، وَحَرَّمَهُ، إذْ نَهَى عَنْهُ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا. وَالْكِسْوَةُ مَالُ الْبَائِعِ وَلَمْ يَبِعْهَا بِرِضًا مِنْهُ، فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا مِنْهُ أَصْلًا - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ يُجْبَرُ عَلَى كِسْوَةِ مِثْلِهَا لِلشِّتَاءِ إنْ بِيعَتْ فِي الشِّتَاءِ، وَعَلَى كِسْوَةِ مِثْلِهَا فِي الصَّيْفِ إنْ بِيعَتْ فِي الصَّيْفِ - كِسْوَةً تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مِثْلِهَا - فَكَانَتْ هَذِهِ شَرِيعَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ - نَعْنِي بِهَذَا التَّقْسِيمِ -. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كُلُّ حُلِيٍّ وَكِسْوَةٍ عَلَى الْأَمَةِ عُرِضَتْ فِيهَا لِلْبَيْعِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. فَإِنْ قَالُوا: كِسْوَتُهَا مِنْ مَالِهَا؟ قُلْنَا: تَنَاقَضْتُمْ هَهُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ مَالِهَا فَقَدْ أَجَزْتُمْ اشْتِرَاطَ بَعْضِ مَالِهَا، وَهَذَا حَرَامٌ عِنْدَكُمْ، وَالثَّانِي - أَنْ نَقُولَ لَكُمْ: كَيْفَ هِيَ مِنْ مَالِهَا وَأَنْتُمْ تُجْبِرُونَ الْبَائِعَ عَلَى إحْضَارِهَا - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - مِنْ حَيْثُ شَاءَ؟ ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّ الْكِسْوَةَ مِنْ مَالِ الْأَمَةِ، أَتَرَوْنَ الْبَرْذعَةَ وَالرَّسَنَ مِنْ مَالِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ؟ إذْ قُلْتُمْ: لَا يُبَاعُ إلَّا وَمَعَهُ بَرْذعَةٌ وَرَسَنٌ؟ ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَمْ تَقُولُوا بِهَذَا فِي السَّرْجِ، وَاللِّجَامِ؟ وَهَذِهِ أَعَاجِيبُ وَشُنَعٌ لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ؟ وَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ نَفَقَةَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ تَصْحَبُهَا إيَّاهَا كَمَا أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ كِسْوَةَ عَامٍ أَوْ نِصْفَ عَامٍ؟ وَمَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ، بَلْ النَّفَقَةُ أَوْكَدُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعِيشُ دُونَهَا. فَإِنْ قَالُوا: مُشْتَرِيهَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا؟

مسألة بيع سلعة بثمن يحده له صاحبها

قُلْنَا: وَمُشْتَرِيهَا يَكْسُوهَا أَيْضًا، كَمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْسُوَ زَوْجَتَهُ، وَلَا يُلْزِمُ أَبَاهَا وَلَا أَخَاهَا الَّذِي يُزَوِّجُهَا كِسْوَتَهَا مُذْ تَتَزَوَّجُ. فَإِنْ قَالُوا: أَيَبِيعُهَا عُرْيَانَةً؟ قُلْنَا: أَيَبِيعُهَا جَائِعَةً - وَلَا فَرْقَ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكِسْوَةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا؟ فَقُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ وَحُمْقٌ مَعًا، وَمَا عَلِمْنَا لِلْإِنْسَانِ أَرْكَانًا تَكُونُ الْكِسْوَةُ بَعْضَهَا. فَإِنْ ادَّعَوْا عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَكْتُمُهَا عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَمُعَاوِيَةُ، وَالْحَسَنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى لَا يَدْرِيَهَا أَحَدٌ إلَّا مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ يَحُدُّهُ لَهُ صَاحِبُهَا] 1459 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ سِلْعَةٍ لِآخَرَ بِثَمَنٍ يَحُدُّهُ لَهُ صَاحِبُهَا فَمَا اسْتَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ فَلِمُتَوَلِّي الْبَيْعِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ فَيَقُولُ: بِعْهُ بِكَذَا فَمَا ازْدَدْت فَلَكَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ، وَالْحَكَمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ أَوْ الشَّيْءَ فَيَقُولُ لَهُ: مَا ازْدَدْتَ عَلَى كَذَا أَوْ كَذَا فَهُوَ لَك. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ بَاعَهُ الْمَأْمُورُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ إلَّا بِتَوَلِّي صَاحِبِهِ، أَوْ بِوَكَالَةٍ صَحِيحَةٍ - وَإِلَّا فَهُوَ عَمَلٌ فَاسِدٌ. فَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَإِنْ أَخَذْت أَكْثَرَ فَهُوَ لَك؟ فَلَيْسَ شَرْطًا وَالْبَيْعُ

مسألة بيع شيء غير معين من جملة مجتمعة

صَحِيحٌ، وَهِيَ عِدَّةٌ لَا تَلْزَمُ، وَلَا يُقْضَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالٌ أُخِذَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالرِّضَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمَعْلُومٍ، وَقَدْ يَبِيعُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ لَا تَطِيبُ بِهَا نَفْسُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ إذَا عَلِمَ مِقْدَارَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةٍ مُجْتَمِعَةٍ] 1460 - مَسْأَلَةُ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةٍ مُجْتَمِعَةٍ، لَا بِعَدَدٍ، وَلَا بِوَزْنٍ، وَلَا بِكَيْلٍ - كَمَنْ بَاعَ رِطْلًا، أَوْ قَفِيزًا، أَوْ صَاعًا، أَوْ مُدِّيًّا أَوْ أُوقِيَّةً مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ التَّمْرِ، أَوْ الْبُرِّ، أَوْ اللَّحْمِ، أَوْ الدَّقِيقِ، أَوْ كُلِّ مَكِيلٍ فِي الْعَالَمِ، أَوْ مَوْزُونٍ كَذَلِكَ. وَكَمَنْ بَاعَ ثَلَاثَةً مِنْ هَذِهِ الْبَيْضِ أَوْ أَرْبَعَةً، أَوْ أَيَّ عَدَدٍ كَانَ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَا يُعَدُّ، أَوْ كَمَنْ بَاعَ ذِرَاعًا أَوْ ذِرَاعَيْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يُذْرَعُ سَوَاءٌ اسْتَوَتْ أَبْعَاضُ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَسْتَوِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوَّلًا الْمُسَاوَمَةُ، فَإِذَا تَرَاضَيَا: كَالَ أَوْ وَزَنَ، أَوْ ذَرَعَ، أَوْ عَدَّ. فَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ تَعَاقَدَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ الْمَكِيلَةِ أَوْ الْمَوْزُونَةِ، أَوْ الْمَذْرُوعَةِ، أَوْ الْمَعْدُودَةِ، ثُمَّ بَقِيَ التَّخْيِيرُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَيُمْضِي، أَوْ يَرُدُّ، أَوْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا - بِزَوَالِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ - كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. فَلَوْ تَعَاقَدَا الْبَيْعَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ، أَوْ الْعَدِّ، أَوْ الذَّرْعِ: لَمْ يَكُنْ بَيْعًا - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ - وَأَجَازَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِيمَا اسْتَوَتْ أَبْعَاضُهُ: كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُجِيزُوهُ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَبْعَاضُهُ: كَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْبَيْضِ، وَالْجَوَارِي، وَالْحِيتَانِ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْجَوْهَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ ثَوْبٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ يَخْتَارُهُ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُجِزْهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيَك بِهِ؟ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَخْذَ الْمَرْءِ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَسَمَّاهُ بَاطِلًا. وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي مَعْلُومٍ مُتَمَيِّزٍ، وَكَيْفَ إنْ قَالَ الْبَائِعُ: أُعْطِيك مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى كَيْفَ الْعَمَلُ؟ وَمَنْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا بِالْإِجْبَارِ عَلَى مَا يَكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهَذَا ظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ.

مسألة بيع المرء جملة مجموعة

وَبُرْهَانٌ آخَرُ - وَهُوَ «نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَلَا غَرَرَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ لَا يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ شَيْءٍ هُوَ الَّذِي بَاعَ وَلَا يَدْرِي الْمُشْتَرِي أَيَّ شَيْءٍ اشْتَرَى، وَهَذَا حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ. وَبُرْهَانٌ ثَالِثٌ -: وَهُوَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا فِيمَنْ عَقَدَ مَعَ آخَرَ بَيْعًا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ أَمَّا هَذِهِ الْجِهَاتُ، أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى -: فَإِنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ لَا يَحِلُّ، وَهَذَا نَفْسُهُ هُوَ الَّذِي أَجَازُوا هَهُنَا، لَا نَقُولُ: إنَّهُ تَشْبِيهٌ، بَلْ نَقُولُ: هُوَ نَفْسُهُ وَلَا بُدَّ. وَبُرْهَانٌ رَابِعٌ -: وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ لَا يَجُوزُ حَالًّا، وَالسَّلَمُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ يُعْقَدُ عَلَى ذَرْعٍ مَا، أَوْ عَدَدٍ مَا، أَوْ كَيْلٍ مَا، أَوْ وَزْنٍ مَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَلَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ فِي بَعْضِ صُبْرَةٍ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي مَنَعُوا مِنْهُ - وَقَوْلُنَا هَهُنَا: هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِينَ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا نَذْكُرُهُ الْآنَ، مِنْ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ تَوَرُّعٍ أَصْلًا. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا -: إجَازَةُ الْحَنَفِيِّينَ هَذَا الْبَيْعَ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ، مَحْدُودِ هَذِهِ الْجِهَةِ، إمَّا فِي ذِرَاعٍ، وَإِمَّا فِي عَرْضِ الثَّوْبِ، أَوْ فِي طُولِهِ: فَأَجَازُوا الْمَجْهُولَ، وَالْمُنْكَرَ، وَمَنَعُوا الْمَعْرُوفَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْمَرْءِ جُمْلَةً مَجْمُوعَةً] 1461 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمَرْءِ جُمْلَةً مَجْمُوعَةً إلَّا كَيْلًا مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ إلَّا وَزْنًا مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ إلَّا عَدَدًا مُسَمًّى مِنْهَا، أَيَّ شَيْءٍ كَانَ. وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الْخَشَبَةَ إلَّا ذَرْعًا مُسَمًّى مِنْهَا. وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ طِيبِهَا وَاسْتِثْنَاءُ مَكِيلَةٍ مُسَمَّاةٍ مِنْهَا، أَوْ وَزْنٍ مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ عَدَدٍ مُسَمًّى مِنْهَا أَصْلًا، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ. وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ نَخْلٍ مِنْ أُصُولِهَا، أَوْ ثَمَرَتِهَا، عَلَى أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا نَخْلَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا، لَكِنْ يَخْتَارُهَا الْمُشْتَرِي - هَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، مَحْكُومٌ فِيمَا قَبَضَ مِنْهُ كُلِّهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ وَإِنَّمَا الْحَلَالُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الْجُمْلَةِ إنْ شَاءَ أَيَّ جُمْلَةٍ كَانَتْ: حَيَوَانًا، أَوْ

غَيْرَهُ، أَوْ مِنْ الثَّمَرَةِ: نِصْفَ كُلِّ ذَلِكَ مُشَاعًا، أَوْ ثُلُثَيْ كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ؛ جُزْءًا مُسَمًّى مَنْسُوبًا مُشَاعًا فِي الْجَمِيعِ. أَوْ يَبِيعُ جُزْءًا كَذَلِكَ مِنْ الْجُمْلَةِ مُشَاعًا، أَوْ يَسْتَثْنِي مِنْهَا عَيْنًا مُعَيَّنَةً مَحُوزَةً - كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ - فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا خِلَافَ مِنْ أَحَدٍ فِي جَوَازِهِ، إلَّا فِي مَكَان وَاحِدٍ نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ مِائَةِ نَخْلَةٍ يُسْتَثْنَى مِنْهَا عَشْرُ نَخَلَاتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ مِنْ الْغَنَمِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ - وَأَجَازَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ وَاسْتِثْنَاءَ مَكِيلَةٍ مِنْهَا تَكُونُ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ، فَإِنْ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ ابْتَاعَ ثَمَرَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ مِنْ حَائِطٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَكِنْ يَخْتَارُهَا الْمُبْتَاعُ لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ ابْتَاعَهَا كَذَلِكَ بِأُصُولِهَا جَازَ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ كَالْعُرُوضِ. وَأَجَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ ثَمَرَ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، لَكِنْ يَخْتَارُهَا الْبَائِعُ -: أَجَازَ هَذَا بَعْدَ أَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْغَنَمِ - وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّخْلِ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَ أَجَزْته لِقَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِبْرَةٌ لِمَنْ اعْتَبَرَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي فِي اخْتِيَارِ الثَّمَرِ، وَمِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي لِثَمَرِ أَرْبَعِ نَخَلَاتٍ فَمَنَعَ مِنْهُ، وَبَيْنَ اخْتِيَارِ الْبَائِعِ لَهُ فَأَجَازَهُ. وَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَوْلُهُ فِي سِتِّ نَخَلَاتٍ أَوْ سَبْعٍ، وَنَزِيدُهُ هَكَذَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَإِمَّا يَتَمَادَى عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَإِمَّا يَمْنَعُ، فَيُكَلَّفُوا الْبُرْهَانَ عَلَى مَا حَرَّمُوا وَمَا حَلَّلُوا، أَوْ يَتَحَيَّرُوا فَلَا يَدْرُوا مَا يُحَلِّلُونَ وَمَا يُحَرِّمُونَ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ضَرُورَةً. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّا أَجَازُوا فِي الْأَرْبَعِ نَخَلَاتٍ، فَنَقُولُ: أَتُجِيزُونَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ إلَّا خَمْسُ نَخَلَاتٍ؟ فَإِنْ أَجَازُوا، سَأَلْنَاهُمْ مِنْ أَيْنَ خَصُّوا الْأَرْبَعَ نَخَلَاتٍ بِالْإِجَازَةِ دُونَ مَا هُوَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ؟ فَإِنْ مَنَعُوا زِدْنَاهُمْ فِي عَدَدِ نَخْلِ الْحَائِطِ نَخْلَةً نَخْلَةً - وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لَا نَظِيرَ لَهَا؟ وَهَذَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُمْ فِي عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَمَلًا ظَاهِرًا مَا احْتَاجَ

إلَى أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَإِنَّ فِي إجَازَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعَمَلَ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ - إنْ وَقَعَ - مِنْ أَجْلِ إجَازَةِ مَالِكٍ لَهُ لَعَجَبًا. وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي تَيْسِيرِنَا لِطَاعَةِ كَلَامِهِ، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَنْفِيرِنَا عَنْ تَقْلِيدِ مَا دُونَ ذَلِكَ حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ هَذَا كُلِّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَتَنَاقَضُوا هَهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا حَرَّمُوا هَهُنَا مِنْ بَيْعِ جُمْلَةٍ وَاسْتِثْنَاءِ مِقْدَارٍ مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَبَيْنَ مَا أَجَازُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ جُمْلَةٍ بِكَيْلٍ أَوْ بِوَزْنٍ، أَوْ بِعَدَدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ ذَلِكَ نَفْسُهُ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ بَيْعُ بَعْضِ جُمْلَةٍ وَإِمْسَاكُ بَعْضِهَا، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . وَأَمَّا الْمَكَانُ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ مَنَعُوا مِنْ بَيْعِ جُمْلَةٍ إلَّا ثُلُثَيْهَا، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي الْأَقَلِّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ مَا قَالُوهُ: لَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا لُغَةٌ أَصْلًا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَقَلِّ، إنَّمَا هُوَ مَنْعُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ فَقَطْ دُونَ سَائِرِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هَذَا، وَهُوَ الَّذِي مَنَعُوا مِنْهُ نَفْسُهُ بِعَيْنِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ سَأَلْت أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُوسَى عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ بَيْعًا وَيَسْتَثْنِي نِصْفَهُ؟ فَكَرِهَهُ - الْحَجَّاجُ هَالِكٌ -. وَمِنْ طَرِيق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ: إذَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نِصْفًا وَنَقَدَ الْمُشْتَرِيَ نِصْفًا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ وَيَسْتَثْنِيَ نِصْفَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا هَهُنَا هِيَ الْبَرَاهِينُ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي

قَبْلَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَهَهُنَا بُرْهَانٌ زَائِدٌ -: وَهُوَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الثُّنْيَا حَتَّى تُعْلَمَ» . فَصَحَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَحِلُّ إلَّا مَعْلُومًا مِنْ مَعْلُومٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُعَاوَمَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ» . قَالَ أَحَدُهُمَا: بَيْعُ السِّنِينَ، وَهِيَ الْمُعَاوَمَةُ، وَهِيَ الثُّنْيَا؟ قُلْنَا: هَذَا تَفْسِيرُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَرَأْيِهِ، أَوْ كَلَامِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ وَرَأْيِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثُّنْيَا: لَفْظَةٌ مَعْرُوفَةٌ عَرَبِيَّةٌ، قَالَ تَعَالَى: {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18] وَإِنَّمَا الثُّنْيَا اسْتِثْنَاءُ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ فَقَطْ. وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ: أَنْ يَكُونَ لِلثُّنْيَا مَعْنًى غَيْرُ هَذَا فَيَنْهَانَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَا يُبَيِّنُهَا عَلَيْنَا؛ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَهُوَ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا دِينَنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَتْ فِي الثُّنْيَا آثَارٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَا كُنَّا نَرَى بِالثُّنْيَا بَأْسًا لَوْلَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَهَا، وَكَانَ عِنْدنَا مَرْضِيَّا - قَالَ ابْنِ عُلَيَّةَ: لَوْلَا ابْنُ عَوْنٍ: فَتَحَدَّثْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا أَبِيعُ هَذِهِ النَّخْلَةَ، وَلَا هَذِهِ النَّخْلَةَ.

قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعَ ابْنُ عَوْنٍ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ النَّخْلَ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ كَيْلًا مَعْلُومًا - قَالَ سُفْيَانُ: وَلَكِنْ يَسْتَثْنِي هَذِهِ النَّخْلَةَ، وَهَذِهِ النَّخْلَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الثُّنْيَا فَكَرِهَهَا إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ نَخَلَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، قَالَ عَمْرٌو: وَنَهَانِي سَعِيدٌ أَنْ أَبْرَأَ مِنْ الصَّدَقَةِ إذَا بَايَعْت. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَبِيعُ ثَمَرَةَ أَرْضِي وَاسْتَثْنِي؟ قَالَ: لَا تَسْتَثْنِ إلَّا شَجَرًا مَعْلُومًا، وَلَا تَبْرَأَنَّ مِنْ الصَّدَقَةِ - قَالَ أَيُّوبُ فَذَكَرْته لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ: أَبِيعُ الشَّاةَ وَاسْتَثْنِي بَعْضَهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ قُلْ: أَبِيعُك نِصْفَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّلْعَةِ وَيَسْتَثْنِي نِصْفَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ بَاعَ ثَمَرَةَ أَرْضِهِ فَاسْتَثْنَى كُرًّا؟ قَالَ: كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَعْلَمَ نَخْلًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ يَزِيدَ - هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَتَهُ وَيَسْتَثْنِيَ نِصْفَهَا، ثُلُثَهَا، رُبْعَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ سَمِعْت الزُّبَيْرَ بْنِ عَدِيٍّ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَبِيعُ ثَمَرَةً لَهُ فَقَالَ: أَبِيعُكُمُوهَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَطَعَامِ الْفِتْيَانِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَتَهُ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا مَكِيلَةً مَعْلُومَةً. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ جَدَّهُ

مسألة بيع مال غيره بغير إذن صاحب المال له في بيعه

مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: الْأَفْرَاقُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا. فَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْفِتْيَانِ إنْ كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الثَّمَرَةِ فَهُوَ مَجْهُولٌ، لَا يُدْرَى مَا يَكُونُ نَوْعُهُ، وَلَا مِقْدَارُ مَا يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ مُضَافًا عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا -. وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ - فَقَدْ خَالَفُوهُ، وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وَأَمَّا حَدِيثُ سَالِمٍ فَلَمْ يَخُصَّ ثُلُثًا مِنْ أَقَلَّ، وَلَا أَكْثَرَ -. وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يُجِيزُونَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ - فَقَدْ خَالَفُوهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى مِنْ ثَمَرٍ بَاعَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ تَمْرًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهُمْ الْخُمُسُ، فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى خُمُسَ مَا بَاعَ، وَهَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ - فَلَاحَ أَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُمْ أَصْلًا فِيمَا قَالُوهُ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِّينَا الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ جُمْلَةً كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَمَّنْ بَاعَ شَيْئًا وَاسْتَثْنَى بَعْضًا؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ عَنَى مَجْهُولًا فَصَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ عَنَى جُمْلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ الثُّنْيَا إذَا عُلِمَتْ» ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [مَسْأَلَةٌ بَيْع مَال غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ لَهُ فِي بَيْعِهِ] 1462 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنَّ يَبِيعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ أَبَدًا - سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ حَاضِرًا يَرَى ذَلِكَ أَوْ غَائِبًا - وَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا بِالْبَيْعِ - طَالَتْ الْمُدَّةُ أَمْ قَصُرَتْ - وَلَوْ بَعْدَ مِائَةَ عَامٍ أَوْ أَكْثَرَ، بَلْ يَأْخُذُ مَالَهُ أَبَدًا هُوَ وَوَرَثَتُهُ بَعْدَهُ. وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُمْضِيَ ذَلِكَ الْبَيْعَ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى ابْتِدَاءِ عَقْدِ بَيْعٍ فِيهِ - وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ. وَكَذَلِكَ لَا يُلْزِمُ أَحَدًا شِرَاءَ غَيْرِهِ لَهُ لَا أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى لَهُ دُونَ أَمْرِهِ

فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَكُونُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ - أَرَادَ كَوْنَهُ لَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ - إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدِ شِرَاءٍ مَعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ، إلَّا الْغَائِبَ الَّذِي يُوقِنُ بِفَسَادِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَسَادًا يَتْلَفُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُشَاوِرَ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِي لِأَهْلِهِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ - وَيَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ مَا بِيعَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَاجِبٍ لِيَنْتَصِفَ غَرِيمٌ مِنْهُ، أَوْ فِي نَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَهَذَا لَازِمٌ لَهُ - حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا، رَضِيَ أَمْ سَخِطَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَالِهِ، وَلَا مِنْ بَشَرَتِهِ، وَلَا مِنْ دَمِهِ إلَّا بِالْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَالسُّكُوتُ لَيْسَ رِضًا إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَقَطْ -. أَحَدُهُمَا: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ بِالْبَيَانِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، الَّذِي لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ، وَاَلَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِأَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ جَائِزٌ، وَاَلَّذِي لَا حَرَامَ إلَّا مَا فَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَهُ، وَلَا وَاجِبَ إلَّا مَا أَمَرَنَا بِهِ وَلَا نَهَانَا عَنْهُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَوْ حَرَامًا، فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَلَا بُدَّ، فَدَخَلَ سُكُوتُهُ الَّذِي لَيْسَ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا فِي هَذَا الْقِسْمِ ضَرُورَةً. وَالثَّانِي: الْبِكْرُ فِي نِكَاحِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَقَطْ - وَأَمَّا كُلُّ مَنْ عَدَا مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا حَتَّى يُقِرَّ بِلِسَانِهِ بِأَنَّهُ رَاضٍ بِهِ مُنَفِّذٌ. وَيُسْأَلُ مَنْ قَالَ: إنَّ سُكُوتَ مَنْ عَدَا هَذَيْنِ رِضًا: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكُمْ: إنَّ الرِّضَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ، وَإِنَّ الْإِنْكَارَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكَلَامِ؟ وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ ذَلِكَ؟ فَإِنْ ادَّعَوْا نَصًّا، كَذَبُوا، وَإِنْ ادَّعَوْا عِلْمَ ضَرُورَةٍ، كَابَرُوا؛ لِأَنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ مُخَالِفُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الضَّرُورَةَ الَّتِي يَدَّعُونَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ عِلْمَ الضَّرُورَةِ هَهُنَا وَبَيْنَ دَعْوَى غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ عِلْمَ الضَّرُورَةِ فِي بُطْلَانِ ذَلِكَ، وَفِي أَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ، وَأَنَّ الرِّضَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكَلَامِ؟

فَبَطَلَتْ الدَّعْوَتَانِ لِتَعَارُضِهِمَا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّ السَّاكِتَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ رَاضٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَالرِّضَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ وَبِالْكَلَامِ، وَالْإِنْكَارُ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ وَبِالْكَلَامِ. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ الظَّنُّ فَقَطْ، وَلَا تَحِلُّ الْأَمْوَالُ الْمُحَرَّمَةُ بِالظَّنِّ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نِكَاحِ الْبِكْرِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَهُنَا فِي غَايَةِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَدَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْكُتُ تَقِيَّةً أَوْ تَدْبِيرًا فِي أَمْرِهِ وَتَرْوِيَةً، أَوْ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ؛ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَّقِي فِي اللَّهِ تَعَالَى أَحَدًا، وَلَا يَحْكُمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ بِغَيْرِ الْوَحْيِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ لَهُ السُّكُوتُ عَلَى الْبَاطِلِ فَلَا يُنْكِرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ غَيْرَ مُبَيِّنٍ وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْبَيَانِ وَالتَّبْلِيغِ وَالْأَمْرِ بِالْوَاجِبَاتِ، وَتَفْصِيلِ الْحَرَامِ، فَسُكُوتُهُ خَارِجٌ عَنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ، وَطُولُ الْمَدَدِ لَا يُعِيدُ الْبَاطِلَ حَقًّا أَبَدًا، وَلَا الْحَقَّ بَاطِلًا - وَيَلْزَمُ الْمُخَالِفَ لِهَذَا أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ: يَا كَافِرُ فَسَكَتَ أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ، وَمَنْ قِيلَ لَهُ: إنَّك طَلَّقْت امْرَأَتَك فَسَكَتَ أَنْ يَلْزَمَهُ الطَّلَاقُ، وَأَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَدُهُ - وَهُوَ يَرَى - فَسَكَتَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ طَلَبُهُ وَلَزِمَهُ الرِّضَا - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: مَنْ بَاعَ مَالَ آخَرَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ إجَازَةُ ذَلِكَ أَوْ رَدُّهُ - وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الَّذِي اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ فَأَبَى، فَعَمَدْتُ إلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي؟ فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا؟ فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ - فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَأَنَّ اللَّهَ فَرَّجَ عَنْهُمْ الصَّخْرَةَ الْمُطْبِقَةَ عَلَى فَمِ الْغَارِ» . فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَمُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ -:

فَأَوَّلُهَا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَنْ قَبْلَنَا، وَلَا تَلْزَمُنَا شَرَائِعُهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ بِفَرَقِ ذُرَةٍ بِعَيْنِهِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ بِفَرَقِ ذُرَةٍ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبِعْ لَهُ شَيْئًا، بَلْ بَاعَ مَالَهُ ثُمَّ تَطَوَّعَ بِمَا أَعْطَاهُ - وَهَذَا حَسَنٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فَرَقًا بِعَيْنِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَرَضِيَ وَأَبْرَأَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ، وَكِلَاهُمَا مُتَبَرِّعٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ - وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا حَسَنٌ جِدًّا. وَأَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فَإِنَّ فِيهِ: أَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَأَبَى مِنْ أَخْذِهِ وَتَرَكَهُ وَمَضَى فَعَلَى أَصْلِهِمْ قَدْ بَطَلَ حَقُّهُ، إذْ سَكَتَ عَنْ أَخْذِهِ، فَلَا طَلَبَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً قَالَ: فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ - فَذَكَرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَاهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ فَاشْتَرَى شَاةً بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَرَكَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدِّينَارِ» . هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا شَيْءَ.

أَمَّا حَدِيثُ حَكِيمٍ: فَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ مِنْ النَّاسِ، وَالْحُجَّةُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَقُومُ بِمِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ فَأَحَدُ طَرِيقَيْهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَخِي حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ أَيْضًا أَبُو لَبِيدٍ وَهُوَ لُمَازَةُ بْنُ زَبَّارٍ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ، وَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى مُعْتَلَّةٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الصِّحَّةَ، وَهِيَ أَنَّ شَبِيبَ بْنَ غَرْقَدَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ حَدَّثَنِي الْحَيُّ عَنْ عُرْوَةَ يَعْنِي ابْنَ الْجَعْدِ الْبَارِقِيَّ قَالَ «أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً أَوْ شَاةً فَاشْتَرَى اثْنَتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» فَحَصَلَ مُنْقَطِعًا فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ حَكِيمٍ، وَعُرْوَةَ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إذْ أَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ، صَارَ الشِّرَاءُ لِعُرْوَةِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى كَمَا أَرَادَ لَا كَمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ وَزْنُ دِينَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا مُسْتَقْرَضًا لَهُ لِيَرُدَّهُ، وَإِمَّا مُتَعَدِّيًا فَصَارَ الدِّينَارُ فِي ذِمَّتِهِ بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ بَاعَ شَاةَ نَفْسِهِ بِدِينَارٍ فَصَرَفَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَزِمَهُ وَأَهْدَى إلَيْهِ الشَّاةَ، فَهَذَا كُلُّهُ هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَصْلًا لَا بِنَصِّ وَلَا بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ جَوَّزَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْتَزَمَهُ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ. وَأَمَّا خَبَرُ حَكِيمٍ فَإِنَّهُ تَعَدَّى فِي بَيْعِ الشَّاةِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا، فَابْتَاعَهَا بِدِينَارٍ كَمَا أَمَرَ وَفَضَلَ دِينَارٌ، فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالصَّدَقَةِ إذْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ فَنَقُولُ -: أَخْبِرُونَا هَلْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى وَمَلَكَ صَاحِبُ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ الثَّمَنَ بِذَلِكَ الْعَقْدِ أَمْ لَا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، وَهُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ قَوْلُنَا، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لَا يَصِحَّ عَقْدٌ حِينَ عَقْدِهِ ثُمَّ يَصِحُّ فِي غَيْرِ حِينِ عَقْدِهِ، إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ الَّذِي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، فَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ اللَّهَ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا أَصْلًا إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَبُولَهُ مِنْهُ.

وَإِنْ قَالُوا: قَدْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى، وَمَلَكَ الَّذِي لَهُ الشَّيْءُ الْمَبِيعُ الثَّمَنَ؟ قُلْنَا: فَمِنْ أَيْنَ جَعَلْتُمْ لَهُ إبْطَالَ عَقْدٍ قَدْ صَحَّ بِغَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ؟ وَهَذَا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رُوِّينَا عَنْهُ: أَنَّ مَنْ بِيعَتْ دَارُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَرْضَى أَوْ يَأْمُرَ أَوْ يَأْذَنَ فِي بَيْعِ دَارِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ فِيمَنْ بِيعَ مَالُهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ؟ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَلَا بُدَّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ رِضًا أَصْلًا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ -: أَحَدُهَا: مَنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي كَمَا يَفْعَلُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَسْكُتُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ بِذَلِكَ مَأْذُونًا لَهُ. وَالشُّفْعَةُ: يَعْلَمُهَا الشَّفِيعُ فَيَسْكُتُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ لَهَا، فَسُكُوتُهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ فِي الطَّلَبِ. وَالْإِنْسَانُ يُبَاعُ وَهُوَ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِذَلِكَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: قُمْ مَعَ مَوْلَاك فَيَقُومُ، فَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالرِّقِّ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ. وَالْبَائِعُ لِلشَّيْءِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَيَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ سَاكِتٌ، فَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ فِي الْقَبْضِ - وَالْبِكْرُ فِي النِّكَاحِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وُجُوهٍ: بَاطِلٌ، وَتَخْلِيطٌ، وَدَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَلَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّ الْقَوْلَ لَا يَحِلُّ بِهِ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِنَّهُ قَالَ: " مَنْ رَأَى مَالَهُ يُبَاعُ فَسَكَتَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ - أَمَةً كَانَتْ الْمَبِيعَةُ أَوْ عَبْدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - وَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ فَمَاتَ الْغَاصِبُ فَرَأَى مَالَهُ يُقَسَّمُ فَسَكَتَ، فَإِنَّ حَقَّهُ قَدْ بَطَلَ. وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ فَسَكَتَ، فَقَدْ لَزِمَهُ مَا اُدُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ.

وَلَمْ يَرَ السُّكُوتَ عَنْ طَلَبِ الدَّيْنِ - وَإِنْ رَآهُ يُقْسِمُ - مُسْقِطًا لَحَقِّهِ فِي الطَّلَبِ - وَلَا رَأَى السُّكُوتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ رِضًا بِإِسْقَاطِهَا إلَّا حَتَّى تَمْضِيَ لَهُ سَنَةٌ، فَسُكُوتُهُ بَعْدَ السَّنَةِ رِضًا بِإِسْقَاطِهَا عِنْدَهُ. وَلَمْ يَرَ سُكُوتَ مَنْ تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ بِحَضْرَتِهِ طَلَاقًا وَلَا أَنَّهَا بَانَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ - وَهَذِهِ

مسألة بيع شيء لا يدري بائعه ما هو

مُنَاقَضَاتٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، لَا مِنْ نَصٍّ، وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ تَقَدَّمَهُ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَأَعْجَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ سُكُوتَ الْبِكْرِ الْعَانِسِ رِضًا بِالنِّكَاحِ إلَّا حِينَ تَنْطِقُ بِالرِّضَا - وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ جِهَارًا. وَرَأَى عَلَى مَنْ رَأَى دَارِهِ تُبْنَى وَتُهْدَمُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا أَجْنَبِيٌّ فَسَكَتَ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ - وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ - وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي سُكُوتِهِ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِحَقِّهِ -. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ قَطْعًا لِحَقِّهِ " وَلَمْ يَرَ سُكُوتَ، الْمَرْءِ عَنْ ذَلِكَ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ قَطْعًا لِحَقِّهِ إلَّا بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ كَمَا تَرَى نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا، فَفِيهَا إبَاحَةُ الْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ جُزَافًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ شَيْءٍ لَا يَدْرِي بَائِعُهُ مَا هُوَ] 1463 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ لَا يَدْرِي بَائِعُهُ مَا هُوَ وَإِنْ دَرَاهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا مَا لَا يَدْرِي الْمُشْتَرِي مَا هُوَ وَإِنْ دَرَاهُ الْبَائِعُ، وَلَا مَا جَهِلَاهُ جَمِيعًا. وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا حَتَّى يَعْلَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَا هُوَ، وَيَرَيَاهُ جَمِيعًا، أَوْ يُوصَفُ لَهُمَا عَنْ صِفَةِ مَنْ رَآهُ وَعِلْمِهِ كَمَنْ اشْتَرَى زُبْرَةً يَظُنُّهَا قَزْدِيرًا فَوَجَدَهَا فِضَّةً، أَوْ فَصًّا لَا يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ؟ فَوَجَدَهُ يَاقُوتًا أَمْ زُمُرُّدًا أَوْ زُجَاجًا - وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ - وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ أَعْلَى مِمَّا ظَنَّ أَوْ أَدْنَى، أَوْ الَّذِي ظَنَّ -: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لَا

مسألة بيع شيء بأكثر مما يساوي

يَجُوزُ لَهُمَا تَصْحِيحُهُ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِهِ إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدِ رِضَاهُمَا مَعًا، وَإِلَّا فَلَا - وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَلَا يُمْكِنُ بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَضَرُورَةِ الْحِسِّ رِضًا بِمَا لَا يَعْرِفُ وَلَا يَكُونُ الرِّضَا إلَّا بِمَعْلُومِ الْمَاهِيَّةِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إنْ قَالَ: رَضِيت: أَنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى إذَا عَلِمَ مَا هُوَ - وَإِنْ كَانَ دَيِّنًا جِدًّا - وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَرَاضٍ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَيْضًا: فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا ابْتَاعَ وَلَا مَا بَاعَ، وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْغَرَرِ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ إجَازَةَ هَذَا الْبَيْعِ - وَهُوَ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَتُهُ هَذَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَمَنْعَهُ مِنْ بَيْعِ صُبْرَةٍ مَرْئِيَّةٍ مُحَاطٍ بِهَا عَلِمَ الْبَائِعُ مَكِيلَتَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي مَكِيلَتَهَا وَهَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ شَيْءٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي] 1464 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي وَلَا بِأَقَلَّ مِمَّا يُسَاوِيَ إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي السَّلَامَةَ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا بِمِقْدَارِ الْغَبْنِ فِي ذَلِكَ وَرِضَاهُمَا بِهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا السَّلَامَةَ وَوَقَعَ الْبَيْعُ كَمَا ذَكَرنَا، وَلَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الْغَبْنِ، أَوْ عَلِمَهُ، غَيْرُ الْمَغْبُونِ مِنْهُمَا وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَغْبُونُ: فَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ، مَرْدُودٌ، مَفْسُوخٌ، أَبَدًا، مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَلَيْسَ لَهُمَا إجَازَتُهُ إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدٍ. فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا السَّلَامَةَ وَلَا أَحَدُهُمَا، ثُمَّ وُجِدَ غَبْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، فَلِلْمَغْبُونِ إنْفَاذُ الْبَيْعِ أَوْ رَدُّهُ، فَإِنْ فَاتَ الشَّيْءُ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا بِقَدْرِ الْغَبْنِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ رِضَاهُمَا بِالْغَبْنِ أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ. وَالشَّافِعِيُّ: لَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي بِالْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فِيهِ الْغَبْنُ مِقْدَارَ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ.

بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَلَا يَكُونُ التَّرَاضِي أَلْبَتَّةَ إلَّا عَلَى مَعْلُومِ الْقَدْرِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْغَبْنِ وَلَا بِقَدْرِهِ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ - فَصَحَّ أَنَّ الْبَيْعَ بِذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وقَوْله تَعَالَى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9] فَحَرَّمَ عَزَّ وَجَلَّ الْخَدِيعَةَ. وَلَا يَمْتَرِي أَحَدٌ فِي أَنَّ بَيْعَ الْمَرْءِ بِأَكْثَرَ مَا يُسَاوِي مَا بَاعَ مِمَّنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ: خَدِيعَةٌ لِلْمُشْتَرِي، وَأَنَّ بَيْعَ الْمَرْءِ بِأَقَلَّ مِمَّا يُسَاوِي مَا بَاعَ، وَهُوَ لَا يَدْرِي ذَلِكَ: خَدِيعَةٌ لِلْبَائِعِ، وَالْخَدِيعَةُ حَرَامٌ لَا تَصِحُّ. وَمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِرَجُلِ يَبِيعُ طَعَامًا فَسَأَلَهُ كَيْفَ تَبِيعُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ؟ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِلْأَئِمَّةِ، وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» .

«وَنَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ فِي الْبَيْعِ» : بُرْهَانٌ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِنَا هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ نَهَى بِذَلِكَ عَنْ الْغُرُورِ - وَالْخَدِيعَةِ فِي الْبَيْعِ جُمْلَةً، بِلَا شَكٍّ يَدْرِي النَّاسُ كُلُّهُمْ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ آخَرَ فِيمَا يَبِيعُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُشْتَرِي وَلَا رِضَاهُ، وَمَنْ أَعْطَاهُ آخَرُ فِيمَا يَشْتَرِي مِنْهُ أَقَلَّ مِمَّا يُسَاوِي بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ وَلَا رِضَاهُ فَقَدْ غَشَّهُ وَلَمْ يَنْصَحْهُ، وَمَنْ غَشَّ وَلَمْ يَنْصَحْ فَقَدْ أَتَى حَرَامًا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَصَحَّ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِنَصِّ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ، وَهِشَامٌ - هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ - كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِجَوَارٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ أَنَّهُ بَاعَ جَارِيَةً مِنْ ابْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ غُبِنْت بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَتَى ابْنُ عُمَرَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ: إنَّهُ غُبِنَ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَهَا إيَّاهُ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: بَلْ نُعْطِيهَا إيَّاهُ - فَهَذَا ابْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ عُمَرَ: قَدْ رَأَيَا رَدَّ الْبَيْعِ مِنْ الْغَبْنِ فِي الْقِيمَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ: أَنَّهُ سَاوَمَ رَجُلًا بِفَرَسٍ فَسَامَهُ، فَسَامَهُ الرَّجُلُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ إنْ رَأَيْت ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ: فَرَسُك خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَك سِتُّمِائَةٍ حَتَّى بَلَغَ ثَمَانَمِائَةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: إنْ رَأَيْت ذَلِكَ؟ فَقَالَ جَرِيرٌ: فَرَسُك خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَك سِتُّمِائَةٍ حَتَّى بَلَغَ سِتَّمِائَةٍ حَتَّى بَلَغَ ثَمَانَمِائَةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: إنْ رَأَيْت ذَلِكَ؟ فَقَالَ جَرِيرٌ: فَرَسُك خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَزِيدُك؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: خُذْهَا؟ فَقِيلَ لَهُ: مَا مَنَعَك أَنْ تَأْخُذَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ؟ فَقَالَ جَرِيرٌ: لِأَنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ لَا نَغُشَّ أَحَدًا؛ أَوْ قَالَ: مُسْلِمًا - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ لِي غِشٌّ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِهِ مِنْ التَّفَرُّقِ ". وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا بِشْرُ بْنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَحَاكَمَا إلَيْهِ فِي دَارٍ كَانَتْ لِلْعَبَّاسِ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ أَرَادَ عُمَرُ أَخْذَهَا لِيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَبَى الْعَبَّاسُ، فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لَهُمَا: لَمَّا أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ أَرْضُهُ لِرَجُلٍ فَاشْتَرَاهَا سُلَيْمَانُ مِنْهُ، فَلَمَّا اشْتَرَاهَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الَّذِي أَخَذْت مِنِّي خَيْرٌ أَمْ الَّذِي أَعْطَيْتنِي؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلْ الَّذِي أَخَذْت مِنْك؟ قَالَ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ الْبَيْعَ فَرَدَّهُ، فَزَادَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيزَهُ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَهَذَا أُبَيٌّ يُورِدُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ بِهِ بِحَضْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيُصَوِّبَانِ قَوْلَهُ - فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ، وَابْنُهُ، وَالْعَبَّاسُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَأُبَيٌّ، وَجَرِيرٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يَرَوْنَ رَدَّ الْبَيْعِ مِنْ الْخَدِيعَةِ فِي نُقْصَانِ الثَّمَنِ عَنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ مِنْ الْغَلَطِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ الشَّعْبِيُّ وَقَالَ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَقْوَالِ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ الْبَيْعَ مِنْ الْعَيْبِ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ يُوجَدُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ غِشٌّ، ثُمَّ يُجِيزُونَ الْبَيْعَ وَقَدْ غَشَّ فِيهِ بِأَعْظَمِ الْغِشِّ، وَأَخَذَ فِيهِ مِنْهُ، أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، هَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَتَنَاقُضٌ سَمْجٍ. وَعَجَبٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ الْبَيْعَ مِنْ الْعَيْبِ يُوجَدُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ مُعَيَّنًا، وَلَا يَرُدُّونَ الْبَيْعَ إذَا غُبِنَ الْبَائِعُ فِيهِ الْغَبْنَ الْعَظِيمَ، فَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذِهِ الْعِنَايَةُ بِالْمُشْتَرِي؟ وَهَذَا الْحَنَقُ عَلَى الْبَائِعِ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؟ وَعَجَبٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُمْ - نَعْنِي الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ - يَحْجُرُونَ عَلَى الَّذِي يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ حَتَّى يَمْنَعُوهُ مِنْ الْعِتْقِ، وَالصَّدَقَةِ، وَمِنْ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا غَبْنَ فِيهِ وَيَرُدُّونَ كُلَّ ذَلِكَ، وَهُمْ يُنَفِّذُونَ مَعَ ذَلِكَ تِلْكَ الْبُيُوعَ الَّتِي غُبِنَ فِيهَا وَلَا يَرُدُّونَهَا، فَلَئِنْ

مسألة غبن في بيع اشترط فيه السلامة

كَانَتْ تِلْكَ الْبُيُوعُ الَّتِي خُدِعَ فِيهَا حَقًّا وَجَائِزَةً فَلِأَيِّ مَعْنًى حَجَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا وَهِيَ حَقٌّ وَصَحِيحَةٌ؟ وَلَئِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْبُيُوعُ الَّتِي خُدِعَ فِيهَا بَاطِلًا وَغَيْرَ جَائِزَةٍ فَلِأَيِّ مَعْنًى يُجِيزُونَهَا، إنَّ هَذِهِ لِطَوَامُّ فَاحِشَةٍ، وَتَخْلِيطٌ سَمْجٌ، وَخِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِكُلِّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ ذُكِرَ لَهُ مُنْقِذٌ، وَأَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، لَكِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: " لَا خِلَابَةَ " عِنْدَ الْبَيْعِ، وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا فِي إنْفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ، فَأَبْطَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " الْخِلَابَةَ " وَأَنْفَذَ بُيُوعَهُ الصِّحَاحَ وَاَلَّتِي يَخْتَارُ إنْفَاذَهَا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ - وَهَذَا عَكْسُ كُلِّ مَا يَحْكُمُونَ بِهِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [مَسْأَلَةٌ غَبَنَ فِي بَيْعٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ السَّلَامَةُ] 1465 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ غَبَنَ فِي بَيْعٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ السَّلَامَةُ فَهُوَ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْغِشِّ بِيَقِينٍ هُوَ غَيْرُ بَيْعِ السَّلَامَةِ الَّذِي لَا غِشَّ فِيهِ، هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ الْمُنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ مُشْتَرِطُ السَّلَامَةِ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ غَيْرَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ بَيْعَهُ الَّذِي تَرَاضَى بِهِ، لِأَنَّ مَالَ الْآخَرِ حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا تَرَاضَى مَعَهُ، وَكَذَلِكَ مَالُهُ عَلَى الْآخَرِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِقَدْرِ الْغَبْنِ كِلَاهُمَا، وَتَرَاضَيَا جَمِيعًا بِهِ، فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ، وَتِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ، وَبَيْعٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِقَدْرِ الْغَبْنِ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا السَّلَامَةَ وَلَا أَحَدُهُمَا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا عَرَفَ فِي رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ سَالِمًا عَلَى الْجُمْلَةِ، فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ. ثُمَّ وَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِمَنْ قَالَ: " لَا خِلَابَةَ ثَلَاثًا " إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ مَا تَزَيَّدَ فِيهِ الْخَادِعُ عَلَى الْمَخْدُوعِ إلَّا بِعِلْمِ الْمَخْدُوعِ وَطِيبِ نَفْسِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِتَرْكِ حَقِّهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ مَا ابْتَاعَ بِغَيْرِ رِضَى الْبَائِعِ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّدَّ - وَاخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ لَهُ الْإِمْسَاكُ أَمْ لَا؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . فَصَحَّ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ مَا ابْتَاعَ فَذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقِيمَةُ قِيمَتَانِ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - قَدِيمًا وَحَدِيثًا - فَقَدْ كَانَ التُّجَّارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبِيعُونَ مَا يَشْتَرُونَ طَلَبَ الرِّبْحِ، هَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، فَقِيمَةٌ يَبْتَاعُ بِهَا التُّجَّارُ السِّلَعَ لَا يَتَجَاوَزُونَهَا إلَّا لِعِلَّةٍ، وَقِيمَةٌ يَبِيعُ بِهَا التُّجَّارُ السِّلَعَ لَا يَحُطُّونَ عَنْهَا وَلَا يَتَجَاوَزُونَهَا إلَّا لِعِلَّةٍ؛ فَهَاتَانِ الْقِيمَتَانِ تُرَاعَيَانِ لِكُلِّ قِيمَةٍ فِي حَالِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي إبْطَالِهِمْ الْبَيْعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي - وَإِنْ عَلِمَا جَمِيعًا بِذَلِكَ وَتَرَاضَيَا بِهِ بِأَنْ قَالُوا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، قَالُوا: وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ، بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْبَائِعُ لَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ كِلَاهُمَا مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ. قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَالِ عَنْ الْمِلْكِ إلَّا بِعِوَضِ أَجْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَفْضَلُ عِوَضٍ، وَإِمَّا بِعِوَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا كَعَمَلٍ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مِلْكِ بُضْعٍ فِي النِّكَاحِ، أَوْ انْحِلَالِ مِلْكِهِ فِي الْخُلْعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ. قَالُوا: وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ يَاقُوتَةً بِفَلْسٍ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّبْذِيرُ، وَالسَّرَفُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ، وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ الَّذِي قُلْتُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِقَدْرِ الْغَبْنِ وَطَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَهُوَ بِرٌّ بِرَّ بِهِ مُعَامَلَةً بِطِيبِ نَفْسِهِ، فَهُوَ مَأْجُورٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ خَيْرًا، وَأَحْسَنَ إلَى إنْسَانٍ، وَتَرَكَ لَهُ مَالًا، أَوْ أَعْطَاهُ مَالًا، وَلَيْسَ التَّبْذِيرُ، وَالسَّرَفُ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ، وَأَكْلُهُ بِالْبَاطِلِ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي: " كِتَابِ الْحَجْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَأَمَّا التِّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ فَمَا حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، بَلْ أَبَاحَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ التَّطَوُّعِ بِالزِّيَادَةِ فِي الشِّرَاءِ مَا أَبْقَى غِنًى؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . وَأَمَّا مَا لَمْ يُبْقِ غِنًى فَمَرْدُودٌ لَا يَحِلُّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِنَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كَامِلٍ - هُوَ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ

أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ أَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَتَخَلَّفَ نَاضِحِي؛ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَيَقُولُ: وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَا يَخْلُو أَوَّلُ عَطَاءٍ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَمَلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ قِيمَةَ الْجَمَلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ قِيمَتَهُ فَقَدْ زَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا جَوَازُ الْبَيْعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ عَنْ رِضَاهُمَا مَعًا - وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ أَوَّلًا أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ - فَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَسُومُ بِمَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَخْدَعُ وَلَا يَغُرُّ وَلَا يَغُشُّ - فَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَسُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» فِيهِ إبَاحَةُ الْمُسَاوِمَةِ، وَهِيَ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَدْرِي اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا يُعْطِيهِ الْآخَرُ أَقَلَّ - فَلَوْ كَانَ إعْطَاءُ أَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ طَلَبُ أَكْثَرِ مِنْهَا طَلَبًا بَاطِلًا لَمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا عَرَفَاهُ وَعَرَفَا مِقْدَارَهُ وَتَرَاضَيَا مَعًا بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ خَدِيعَةً وَلَا غِشًّا. وَكَذَلِكَ مَا جَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمُنْقِذٍ مِنْ الْخِيَارِ فِي رَدِّ الْبَيْعِ أَوْ إمْضَائِهِ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فِيهِ إجَازَةُ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخَدِيعَةِ إذَا رَضِيَهَا الْمَخْدُوعُ وَعَرَفَهَا. وَكَذَلِكَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ؟ فَقَالَ: إذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ أَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ» فَأَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعَهَا بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ إذَا رَضِيَ بَائِعُهَا بِذَلِكَ.

وَقَدْ أَجَازَ أَصْحَابُنَا الَّذِي أَنْكَرُوا هَهُنَا فِي حَسَّ مَسَّ إذْ أَجَازُوا بَيْعَ عَبْدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَاشْتِرَاطَ مَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَصْلًا، وَكَيْفَ يُنْكِرُونَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبَاحَهُ جُمْلَةً؟ وَهَذَا أَخْذُ مَالٍ بِغَيْرِ صَدَقَةٍ وَلَا عِوَضٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مُتَعَلَّقٌ لِمَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ الْخَدِيعَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْغِشُّ الْمُحَرَّمُ مِنْ الْغَبْنِ الَّذِي لَا يَدْرِيهِ الْمَغْبُونُ. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا فِيهَا جَوَازُ ذَلِكَ إذَا عَلِمَهُ الرَّاضِي بِهِ فِي بَيْعِهِ فَقَطْ، وَلَا يَجُوزُ الرِّضَا بِمَجْهُولٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْجِبِلَّةِ، مُحَالٌ فِي الْخِلْقَةِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمَرْءُ: رَضِيت رَضِيت، فِيمَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْضَهُ أَصْلًا، هَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فِي كُلِّ أَحَدٍ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ الْمَذْكُورُونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا بَعَثَ مَنْ يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً: ارْثِمْ أَنْفَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْت أَنِّي لَا أَبِيعُ شَيْئًا وَلَا أَبْتَاعُهُ إلَّا بَطَحْت بِصَاحِبِهِ. وَبِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَابْنُ حَبِيبٍ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بَلَاغٌ كَاذِبٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا فَهِمَ مِنْهُ أَحَدٌ إبَاحَةَ غَبْنٍ، وَلَا خَدِيعَةٍ، إنَّمَا مَعْنَى " ارْثِمْ أَنْفَهُ " خُذْ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ - وَهَذَا مُبَاحٌ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ لَا شَيْءَ - وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ كَسُجُودِهِ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَإِبَاحَتِهِ

مسألة البيع بثمن مجهول

بَيْعَ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصَادَ، وَعَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مَا صَحَّ عَنْهُ لَيْسَ حُجَّةً وَمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ حُجَّةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ هُوَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْقَاسِمُ، وَغَيْرُهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ] 1466 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَلَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، وَالْجِدَادِ، وَالْعَطَاءِ، وَالزَّرِيعَةِ، وَالْعَصِيرِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا يَتَقَدَّمُ بِالْأَيَّامِ وَيَتَأَخَّرُ فَالْحَصَادُ، وَالْجِدَادُ، يَتَأَخَّرَانِ أَيَّامًا إنْ كَانَ الْمَطَرُ مُتَوَاتِرًا، وَيَتَقَدَّمَانِ بِحَرِّ الْهَوَاءِ وَعَدَمِ الْمَطَرِ، وَكَذَلِكَ الْعَصِيرُ، وَأَمَّا الزَّرِيعَةُ فَتَتَأَخَّرُ شَهْرَيْنِ وَأَكْثَرَ لِعَدَمِ الْمَطَرِ - وَأَمَّا الْعَطَاءُ فَقَدْ يَنْقَطِعُ جُمْلَةً. وَأَيْضًا: فَكُلُّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إلَى مَا لَا يَتَأَخَّرُ سَاعَةً وَلَا يَتَقَدَّمُ، كَالشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ؛ أَوْ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا، أَوْ طُلُوعِ الْقَمَرِ أَوْ غُرُوبِهِ، أَوْ طُلُوعِ كَوْكَبٍ مُسَمًّى أَوْ غُرُوبِهِ، فَكُلُّ هَذَا مَحْدُودُ الْوَقْتِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَبِيعِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَهُوَ حَقٌّ لِلنَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَنْ لَا يَجِدُ أَدَاءَ دَيْنِهِ. وَلَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إلَى صَوْمِ النَّصَارَى أَوْ الْيَهُودِ أَوْ فِطْرِهِمْ، وَلَا إلَى عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ زِينَتِهِمْ وَلَعَلَّهُمْ سَيَبْدُو لَهُمْ فِيهِمَا، فَهَذَا مُمْكِنٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إلَّا بِالْأَهِلَّةِ فَقَطْ وَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ أَجَلٍ مُسَمًّى وَلَمْ يَخُصَّ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ زَائِدَةً عَلَى تَيْنِكَ الْآيَتَيْنِ، وَالزِّيَادَةُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا، وَلَيْسَ فِي تَيْنِكَ الْآيَتَيْنِ مَنْعٌ مِنْ عَقْدِ الْآجَالِ إلَى غَيْرِ الْأَهِلَّةِ وَلَا إبَاحَةٌ، فَوَاجِبٌ طَلَبُ حُكْمِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ قِيلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا - وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.

وَأَبَاحَ مَالِكٌ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ فِيمَا خَلَا، قَالَ: وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْآنَ مَعْرُوفًا، وَكَانَ مَعْرُوفًا قَبْلَ ذَلِكَ - وَأَجَازَ الْبَيْعَ إلَى الْحَصَادِ، وَالْجِدَادِ، وَالْعَصِيرِ. قَالَ: وَيُنْظَرُ إلَى عِظَمِ ذَلِكَ وَكَثْرَتِهِ، لَا إلَى أَوَّلِهِ وَلَا إلَى آخِرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ فِي الْجَهَالَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا التَّحْدِيدِ وَلَا غَرَرَ أَعْظَمَ مِنْهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ تَبَايَعَ النَّاسُ بِحَضْرَةِ عَمَّارٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى قُدُومِ الرَّاكِبِ - فَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ ذَلِكَ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا، إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَنَسَوْا فِي هَذَا الْبَابِ احْتِجَاجَهُمْ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ، «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَمِنْ غَرَائِبِ احْتِجَاجِهِمْ أَنَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ ذَكَرَتْ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أُمِّ يُونُسَ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَهَا أُمُّ مَحَبَّةَ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إنِّي بِعْت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاحْتَاجَ إلَى الثَّمَنِ فَاشْتَرَيْته مِنْهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِئْسَ مَا أَشَرَيْت وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت، أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ جِهَادُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ فَقَالَتْ: أَرَأَيْت إنْ تَرَكْت وَأَخَذْت السِّتَّمِائَةِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] . فَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ تَقْلِيدًا لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَمْ يُقَلِّدُوا زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فِي جَوَازِهِ، وَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُولُوا: إنَّ فِعْلَ زَيْدٍ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ التَّوْقِيفَ فَلَيْسَتْ هِيَ أَوْلَى بِالْقَوْلِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. وَالْتَزَمَ الْحَنَفِيُّونَ هَذَا الِاحْتِجَاجَ فِي الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ، وَلَمْ يَرْضَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِيهِ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: يَا هَؤُلَاءِ أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ الْكَاذِبِ فِي كُلِّ مَا تَرَكْتُمْ فِيهِ التَّوْقِيفَ الصَّرِيحَ: مِنْ أَنَّ كُلَّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فَأَبَحْتُمُوهُ عَلَى الْقَطْعِ. وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ فَأَبَحْتُمُوهُ وَسَائِرَ التَّوْقِيفَاتِ الثَّابِتَةِ؟ فَهَانَ عَلَيْكُمْ تَرْكُهَا

لِآرَائِكُمْ الْمُجَرَّدَةِ، وَتَأْوِيلَاتِكُمْ الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ الْتَزَمْتُمْ الْقَوْلَ بِظَنٍّ كَاذِبٍ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ أَنَّ هَهُنَا تَوْقِيفًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَمَتْهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ تُبَلِّغْهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَكْشُوفُ وَقَبِيحُ الْوَصْفِ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. فَإِنْ قَالُوا: تَرَكْنَا دَلِيلَ النُّصُوصِ لِتَأْوِيلٍ تَأَوَّلْنَاهُ وَاجْتِهَادٍ رَأَيْنَاهُ؟ فَقُلْنَا: وَمَنْ أَبَاحَ لَكُمْ ذَلِكَ وَحَظَرَهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - وَقُلَامَةُ ظُفُرِهِ وَاَللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَهُ - خَيْرٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَكُلِّ مَنْ اتَّبَعَهُمَا؟ وَهُوَ الَّذِي صَدَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ هَهُنَا نَصٌّ ثَابِتٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ، فَمَنْ أَحَقُّ بِالتَّأْوِيلِ مِنْهُ فِي أَنْ يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ لَوْ أَخْطَأَ مُجْتَهِدًا فِي خِلَافِ الْقُرْآنِ؟ كَمَا تَأَوَّلَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ لَا يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَلَا يُصَلِّيَ وَلَوْ لَمْ يَجِدَ الْمَاءَ شَهْرًا. وَكَمَا تَأَوَّلَ عُمَرُ إذْ خَطَبَ فَمَنَعَ الزِّيَادَةَ فِي الصَّدَاقِ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِذْ أَعْلَنَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمُتْ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَكُونَ آخِرَنَا. وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّمَا قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ إنْ كَانَتْ قَالَتْهُ أَيْضًا فَلَمْ يَرْوِ ذَلِكَ عَنْهَا مَنْ يَقُومُ بِنَقْلِهِ حُجَّةٌ. وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ رَدَّ رِوَايَةَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمُهَاجِرَةِ الْمُبَايَعَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُلْزِمُ النَّاسَ الْحُجَّةَ بِرِوَايَةِ أُمِّ يُونُسَ، وَأُمِّ مُحِبَّةَ، فَلَا أَكْثَرَ مِنْ أُمِّ يُونُسَ، وَأُمِّ مُحِبَّةَ، لِرَأْيٍ رَأَتْهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَالَفَهَا فِيهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَشْتَرِي إلَى الْعَطَاءِ، وَقَالَ جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ: إنَّ دِهْقَانًا بَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثَوْبَ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ بِالذَّهَبِ فَابْتَاعَهُ مِنْهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ إلَى الْعَطَاءِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ حَجَّاجٌ: وَكَانَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ يَتَبَايَعْنَ إلَى الْعَطَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ - وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ: اشْتَرَى مِنِّي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ طَعَامًا إلَى عَطَائِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَنَاهِيك بِهِ ضَعْفًا، وَعَنْ جَابِرٍ وَهُوَ دُونَ

مسألة لا يسوم على سوم آخر ولا يبيع على بيعه

حَجَّاجٍ بِدَرَجٍ، وَلَا أَدْرِي نُوحَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ مَنْ هُوَ؟ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِرِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ أَنْ يَحْتَجُّوا هَهُنَا بِرِوَايَتِهِ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ قَلَّدُوا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا خَالَفَهَا فِيهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنْ يُقَلِّدُوهَا هَهُنَا وَمَعَهَا صَوَاحِبُهَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيٌّ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَيْضًا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَلَاعِبُونَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُسْلِمُ إلَى عَصِيرٍ، وَلَا إلَى الْعَطَاءِ، وَلَا إلَى الْأَنْدَرِ - يَعْنِي الْبَيْدَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا تَبِعْ إلَى الْحَصَادِ، وَلَا إلَى الْجِدَادِ، وَلَا إلَى الدِّرَاسِ وَلَكِنْ سَمِّ شَهْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَرِهَ الشِّرَاءَ إلَى الْعَطَاءِ، وَالْحَصَادِ، وَلَكِنْ يُسَمِّي شَهْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْحَكَمِ: أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ - وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَسُوم عَلَى سَوْمِ آخَرَ وَلَا يَبِيعَ عَلَى بَيْعِهِ] 1467 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسُومَ عَلَى سَوْمِ آخَرَ، وَلَا أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِهِ - الْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ - فَإِنْ فَعَلَ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، فَإِنْ وَقَفَ سِلْعَتَهُ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ، أَوْ قَصَدَ الشِّرَاءَ مِمَّنْ بَاعَهُ لَا مِنْ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، لَكِنْ مُحْتَاطًا لِنَفْسِهِ جَازَتْ الْمُزَايَدَةُ حِينَئِذٍ هَذَا إذَا لَمْ يَبْتَدِ بِسَوْمٍ آخَرَ فَقَطْ، فَإِنْ بَدَأَ بِمُسَاوِمَةِ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَوَقَفَ عَلَى ذَلِكَ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يُبَلِّغَهُ إلَى الْقِيمَةِ وَأَكْثَرَ حِينَئِذٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَمْ يُجِبْ إلَى الْقِيمَةِ أَصْلًا فَلِغَيْرِهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْرِضَ عَلَى الْمُشْتَرِي سِلْعَتَهُ بِقِيمَتِهَا وَبِأَقَلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ،

عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ نَافِعٌ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الْخَبَرَ لَكَانَ كَذِبًا لِوُجُودِ خِلَافِهِ، وَالْكَذِبُ مَقْطُوعٌ بِبُعْدِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُجِيزُهُ عَلَيْهِ إلَّا كَافِرٌ حَلَالٌ دَمُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ - هُوَ السَّمَّانُ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَسُمْ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ الْمُسْلِمِ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى الْبَيْعِ يَدْخُلُ فِيهِ السَّوْمُ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبَيْعُ أَلْبَتَّةَ إلَّا بَعْدَ سَوْمٍ، وَلَا يَكُونُ السَّوْمُ أَلْبَتَّةَ إلَّا لِلْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ سَوْمًا، فَإِذَا حَرُمَ الْبَيْعُ حَرُمَ السَّوْمُ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَرُمَ السَّوْمُ حَرُمَ الْبَيْعُ ضَرُورَةً. وَلَا يَجُوزُ السَّوْمُ بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالسَّوْمِ فِيهِ، وَفِي الرِّبَا - وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

مسألة بيع النجش

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا هَذَا إذَا رَكَنَا وَتَقَارَبَا - وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا مَنْ أَوْقَفَ سِلْعَتَهُ طَلَبَ الزِّيَادَةِ فِيهِ أَوْ طَلَبَ بَيْعٍ يَسْتَرْخِصُهُ فَلَيْسَ مُسَاوِمًا لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ هَذَا النَّهْيُ، وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْمُسَاوِمَ أَوْ الْمُبَايِعَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى الْقِيمَةِ، لَكِنْ يُرِيدُ غَبْنَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَهَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِ نَصِيحَةُ الْمُسْلِمِ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّهْيِ أَيْضًا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ الْخُزَاعِيُّ عَنْ أَبِيهِ شَهِدْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَاعَ إبِلًا مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ فِيمَنْ يَزِيدُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخِطْمِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ بَاعَ الْمَغَانِمَ فِيمَنْ يَزِيدُ - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فِيمَنْ يَزِيدُ» . [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ النَّجْش] 1468 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ النَّجْشُ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ الْبَيْعَ فَيَنْتَدِبُ إنْسَانًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ لَكِنْ لِيَغْتَرَّ غَيْرُهُ فَيَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ - فَهَذَا بَيْعٌ إذَا وَقَعَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقِيمَةِ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَإِنَّمَا الْعَاصِي وَالْمَنْهِيُّ هُوَ النَّاجِشُ، وَكَذَلِكَ رِضَا الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَالْبَيْعُ غَيْرُ النَّجْشِ وَغَيْرُ الرِّضَا بِالنَّجْشِ، وَإِذْ هُوَ غَيْرُهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْسَخَ بَيْعٌ صَحَّ بِفَسَادِ شَيْءٍ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ قَطُّ عَنْ الْبَيْعِ الَّذِي يَنْجُشُ فِيهِ النَّاجِشُ، بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النَّجْشِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عُبَيْدَ بْنَ مُسْلِمٍ يَبِيعُ السَّبْيَ فَلَمَّا فَرَغَ أَتَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ الْبَيْعَ كَانَ

مسألة تلقي الجلب

كَاسِدًا لَوْلَا أَنِّي كُنْت أَزِيدُ عَلَيْهِمْ وَأُنَفِّقُهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كُنْت تَزِيدُ عَلَيْهِمْ، وَلَا تُرِيدُ أَنْ تَشْتَرِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا نَجْشٌ، وَالنَّجْشُ لَا يَحِلُّ، ابْعَثْ مُنَادِيًا يُنَادِي: أَنَّ الْبَيْعَ مَرْدُودٌ، وَأَنَّ النَّجْشَ لَا يَحِلُّ. [مَسْأَلَةٌ تَلَقِّي الْجَلَبِ] 1469 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَلَقِّي الْجَلَبِ -: سَوَاءٌ خَرَجَ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ سَاكِنًا عَلَى طَرِيقِ الْجَلَّابِ، وَسَوَاءٌ بَعُدَ مَوْضِعُ تَلَقِّيهِ أَمْ قَرُبَ - وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى السُّوقِ عَلَى ذِرَاعٍ فَصَاعِدًا، لَا لِأُضْحِيَّةٍ، وَلَا لِقُوتٍ، وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، أَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ. فَمَنْ تَلَقَّى جَلَبًا - أَيَّ شَيْءٍ كَانَ - فَاشْتَرَاهُ فَإِنَّ الْجَالِبَ بِالْخِيَارِ إذَا دَخَلَ السُّوقَ مَتَى مَا دَخَلَهُ وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ، فَإِنْ رَدَّهُ حُكِمَ فِيهِ بِالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ بِرَدِّ الْعَيْبِ لَا فِي الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا يَكُونُ رِضَا الْجَالِبِ إلَّا بِأَنْ يَلْفِظَ بِالرِّضَا، لَا بِأَنْ يَسْكُتَ - عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ بَاقٍ، فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُمْضِيَ فَالْبَيْعُ تَامٌّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ - أَنَا أُبَيٌّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُتَلَقَّى السِّلَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الْأَسْوَاقَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ التَّيْمِيِّ - هُوَ سُلَيْمَانُ - عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ» .

وَرُوِّينَا نَحْوَهُ مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: أَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي هِشَامٌ الْقُرْدُوسِيُّ - هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَلَقُّوا الْجَلَبَ فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبِي تَوْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ فَإِنْ تَلَقَّاهُ مُتَلَقٍّ فَاشْتَرَاهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ إذَا وَرَدَتْ السُّوقَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ، رَوَاهُ خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَرَوَاهُ عَنْهُمْ النَّاسُ - وَبِهَذَا قَالَ السَّلَفُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ فَمَنْ تَلَقَّى جَلَبًا فَاشْتَرَى مِنْهُ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إذَا وَقَعَ السُّوقَ - وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، لَا سِيَّمَا هَذِهِ الطَّرِيقُ الَّتِي كَأَنَّهَا الشَّمْسُ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو هِلَالٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِذَا تُلُقِّيَ الْجَلَبُ خَارِجًا مِنْ الْبَلَدِ فَرَبُّ الْجَلَبِ بِالْخِيَارِ إذَا قَدِمَ إنْ شَاءَ بَاعَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَهَذَا أَيْضًا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا تَلَقُّوا الْبُيُوعَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ إيَاسِ بْنِ دَغْفَلٍ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -: لَا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ. وَمِمَّنْ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ الْجَالِبِينَ جُمْلَةً: اللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: بِإِيجَابِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا قَدِمَ السُّوقَ - وَنَهَى عَنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ. وَأَبَاحَهُ أَبُو حَنِيفَةَ جُمْلَةً، إلَّا أَنَّهُ كَرِهَهُ إنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْبَلَدِ دُونَ أَنْ يَحْظُرَهُ، وَأَجَازَهُ بِكُلِّ حَالٍ - وَهَذَا خِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَخِلَافُ صَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً، وَيُؤَدَّبُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي نَوَاحِي الْمِصْرِ فَقَطْ - وَلَا بَأْسَ بِالتَّلَقِّي لِابْتِيَاعِ الْقُوتِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُضْحِيَّةِ. وَهَذِهِ تَقَاسِيمُ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا نَعْلَمُهَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ بَيَانٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ لِلْبَائِعِ خِيَارًا فِي رَدِّهِ أَوْ إمْضَائِهِ، وَالْخِيَارُ لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ يُورَثُ فَقَدْ تَعَدَّى مَا حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ الْخِيَارُ مَالًا يُورَثُ، وَلَوْ وُرِثَ لَكَانَ لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ نُصِيبُهُمْ.

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تَلَقِّي السِّلَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَنْ تَلَقَّاهَا بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَيْهِ، فَإِنْ تَلَقَّاهَا بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فَصَاعِدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُنْزَعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ مَاتَ نُزِعَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَبِيعَتْ فِي السُّوقِ وَدُفِعَ ثَمَنُهَا إلَى الْبَائِعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَنَا أَبُو ضَمْرَةَ - هُوَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ - أَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ عَلَيْهِ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ أَنَا هِشَامٌ أَنَا أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ غَنْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: «أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرُّكْبَانِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ الَّذِي ابْتَاعُوهُ فِيهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ إلَى سُوقِ الطَّعَامِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِسِتَّةِ وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا هُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خَالَفَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى تَفْسِيرٍ مَا فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا فَسَّرَ، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّ الْخَبَرِ، وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ الْفُتْيَا بِتَرْكِ التَّلَقِّي كَمَا وَرَدَ آنِفًا، وَالْأَخْذُ بِمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّلَقِّي. وَثَانِيهَا - أَنَّ هَذَيْنِ خَبَرَانِ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَنَا فِيهِمَا، فَلَا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي بَيْعِ

الطَّعَامِ حَيْثُ ابْتَاعَهُ، وَلَا أَسْوَأَ طَرِيقَةً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِحُجَّةٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهَا، وَمُخَالِفٍ لِمُوجِبِهَا. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ هُوَ نَهْيٌ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْتَاعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ السُّوقَ، وَمَشْهُورٌ غَيْرُ مَنْكُورٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ " بِعْت بِمَعْنَى ابْتَعْت " وَيُخَرَّجُ خَبَرُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الْبَائِعِينَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ الَّذِي ابْتَاعَهُ الْمُشْتَرُونَ مِنْهُمْ - وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ. وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِمَا لَكَانَ النَّهْيُ نَاسِخًا وَلَا بُدَّ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّلَقِّي كَانَ مُبَاحًا بِلَا شَكٍّ قَبْلَ النَّهْيِ، فَكَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ مُوَافِقَيْنِ لِلْحَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِلَا شَكٍّ، وَبِالْيَقِينِ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ نَهَى عَنْ التَّلَقِّي فَقَدْ بَطَلَتْ الْإِبَاحَةُ بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَنُسِخَ لَوْ صَحَّ فِيهِمَا إبَاحَةُ التَّلَقِّي، فَكَيْفَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِمَا؟ وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَمَنْ ادَّعَى عَوْدَ حُكْمٍ قَدْ نُسِخَ فَقَدْ كَذَبَ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَادَّعَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ كَمَا أُمِرَ، وَأَنَّ الدِّينَ مُخْتَلِطٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ حَرَامَهُ مِنْ حَلَالِهِ مِنْ وَاجِبِهِ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَخَامِسُهَا - أَنْ يُضَمَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ إلَى أَخْبَارِ النَّهْيِ، فَيَكُونُ الْبَائِعُونَ تَخَيَّرُوا إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَأَمَرَ الْمُبْتَاعُونَ بِنَقْلِهِ حِينَئِذٍ إلَى السُّوقِ، فَتَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا وَلَا تُحْمَلُ عَلَى التَّضَادِّ. وَسَادِسُهَا - أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بِبَيَانٍ صَحِيحٍ رَافِعٍ لِلْإِشْكَالِ مِنْ طَرِيقِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ مِنْ جُوَيْرِيَةَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - حَدَّثَهُ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ وَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا أُبَيٌّ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فِي السُّوقِ إلَّا أَنَّهُ فِي أَعْلَاهُ، وَفِي الْجُزَافِ خَاصَّةً فَنُهِيَ الْمُشْتَرُونَ عَنْ ذَلِكَ - وَاحْتَجَّ أَيْضًا بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ طَرِيفٍ جِدًّا، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ رِوَايَةً عَنْ هِشَامٍ الْقُرْدُوسِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ: فَمَنْ اشْتَرَاهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا جَرَوْا بِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ الْخَبِيثَةِ فِي الْإِيهَامِ وَالتَّمْوِيهِ بِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ - وَهُمْ لَا يَأْتُونَ بِشَيْءٍ - لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ بَاطِلٌ، وَلَوْ جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكَانَ مُجْمَلًا تُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ لِلْبَائِعِ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ سِيرِينَ فِي فُتْيَاهُمَا. ثُمَّ هَبْكَ لَوْ صَحَّ خِيَارٌ آخَرُ لِلْمُشْتَرِي فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ فِي هَذَا؟ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، فَلَوْ كَانَ هَهُنَا حَيَاءٌ، أَوْ وَرَعٌ لَرَدَعَ عَنْ التَّمْوِيهِ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا هُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّمَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذَا حِيَاطَةً لِلْجُلَّابِ دُونَ أَهْلِ الْحَضَرِ - قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ حِيَاطَةً عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ دُونَ الْجُلَّابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ، وَمَا حِيَاطَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْحَضَرِ إلَّا كَحِيَاطَتِهِ لِلْجُلَّابِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] . فَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذُو رَأْفَةٍ وَرَحْمَةٍ بِالْمُؤْمِنِينَ كَمَا وَصَفَهُ رَبُّهُ تَعَالَى، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجَالِبِينَ، وَكُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ فَكُلُّهُمْ فِي رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ سَوَاءٌ، وَلَكِنَّهَا الشَّرَائِعُ يُوحِيهَا إلَيْهِ بَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤَدِّيهَا كَمَا أُمِرَ، لَا يُبَدِّلُهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، وَلَا عِلَّةَ لِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ إلَّا مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ

مسألة لا يتولى البيع ساكن مصر أو قرية

وَجَلَّ: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: 7] وَ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ، {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41] ، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ وَإِفْكٌ مُفْتَرًى. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا يَقُولُونَ: فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ - وَهُوَ صَحِيحٌ - وَأَنْتُمْ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْقَوْلِ بِالسُّنَنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا، وَسَنَذْكُرُ الْحُكْمَ الَّذِي فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ نَقْلِ الطَّعَامِ عَنْ مَوْضِعِ ابْتِيَاعِهِ وَأَنَّهُ فِي الْجُزَافِ خَاصَّةً بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ خَبَرٍ آخَرَ. وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا هَهُنَا فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ -: إمَّا أَمْرٌ لِلْبَائِعِينَ وَهُمْ الرُّكْبَانُ الْجَالِبُونَ لَهُ، بِأَنْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ هُنَالِكَ، وَنُهِيَ الْمُشْتَرُونَ عَنْ التَّلَقِّي - وَإِمَّا أَنَّهُ مَفْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ التَّلَقِّي أَوْ فِي الْجُزَافِ خَاصَّةً، كَمَا فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ سَاكِنُ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَة] 1470 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ سَاكِنُ مِصْرٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ مِجْشَرٍ لِخَصَّاصٍ لَا فِي الْبَدْوِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِمَّا يَجْلِبُهُ الْخَصَّاصُ إلَى الْأَسْوَاقِ، وَالْمُدُنِ، وَالْقُرَى، أَصْلًا وَلَا أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ شَيْئًا لَا فِي حَضَرٍ وَلَا فِي بَدْوٍ، فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ أَبَدًا، وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ، وَلَا خِيَارَ لِأَحَدٍ فِي إمْضَائِهِ، وَلَكِنْ يَدَعُهُ يَبِيعُ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ، أَوْ يَبِيعُ لَهُ خَصَّاصٌ مِثْلُهُ، وَيَشْتَرِي لَهُ كَذَلِكَ، لَكِنْ يَلْزَمُ السَّاكِنَ فِي الْمَدِينَةِ؛ أَوْ الْقَرْيَةِ، أَوْ الْمِجْشَرِ: أَنْ يَنْصَحَ لِلْخَصَّاصِ فِي شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ، وَيَدُلَّهُ عَلَى السُّوقِ، وَيُعَرِّفَهُ بِالْأَسْعَارِ، وَيُعِينَهُ عَلَى رَفْعِ سِلْعَتِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ بَيْعَهَا وَعَلَى رَفْعِ مَا يَشْتَرِي. وَجَائِزٌ لِلْخَصَّاصِ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ لِسَاكِنِ الْمِصْرِ، وَالْقَرْيَةِ، وَالْمِجْشَرِ - وَجَائِزٌ لِسَاكِنِ الْمِصْرِ، وَالْقَرْيَةِ، وَالْمِجْشَرِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ لِمَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . قَالَ طَاوُسٍ: فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَبَابَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ الْخَيَّاطُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ» . فَهَذَا نَقْلُ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالطُّرُقِ الثَّابِتَةِ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ، وَبِهِ تَأْخُذُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا آنِفًا ابْنُ عَبَّاسٍ مُفَسِّرًا مُبَيِّنًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ الشَّعْبِيِّ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَكْرَهُونَ بَيْعَ حَاضِرٍ لِبَادٍ

قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَإِنِّي لَأَفْعَلُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، " وَإِنِّي لَأَفْعَلُهُ " أَيْ إنِّي أَكْرَهُهُ كَمَا كَرِهُوهُ -: وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُسْلِمٍ الْخَيَّاطِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَنْهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُسْلِمٍ الْخَيَّاطِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: نُهِيَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ - وَسُمِعَ عُمَرُ يَقُولُ: لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دُلُّوهُمْ عَلَى السُّوقِ، دُلُّوهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، وَأَخْبِرُوهُمْ بِالسِّعْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد سَمِعْت حَفْصَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: أَنَا أَبُو هِلَالٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ - وَهِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لَا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا وَلَا يَبْتَاعُ لَهُ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَالِمٍ الْمَالِكِيِّ: أَنَّ «أَعْرَابِيًّا حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدِمَ بِجَلُوبَةٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَكِنْ اذْهَبْ إلَى السُّوقِ فَانْظُرْ مَنْ بَايَعَكَ فَشَاوِرْنِي حَتَّى آمُرَكَ أَوْ أَنْهَاكَ» . فَهَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ جُمْلَةٌ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَطَلْحَةُ، لَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ خِلَافَهُ. رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِي مِنْ الْأَعْرَابِيِّ لِلْأَعْرَابِيِّ، قِيلَ لَهُ: فَيُشْتَرَى مِنْهُ لِلْمُهَاجِرِ؟ قَالَ لَا.

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَبُو حُرَّةَ سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ: اشْتَرِ لِلْبَدْوِيِّ وَلَا تَبِعْ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو دَاوُد - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - عَنْ إيَاسِ بْنِ دَغْفَلٍ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ غُرَّتهمْ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا بَأْسَ - وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَصْلُحُ الْيَوْمَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: قَوْمٌ مِنْ الْأَعْرَابِ يَقْدَمُونَ عَلَيْنَا أَفَنَشْتَرِي لَهُمْ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ الْأَعْرَابِ رُخْصَةً - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَبِيعُ لَهُ، وَلَكِنْ يُشِيرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ بَيْعًا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ لَمْ يُفْسَخْ. وَقَالَ اللَّيْثُ، وَمَالِكٌ: لَا يُشِيرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ أَيْضًا لِأَهْلِ الْقُرَى، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي إنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ لَهُ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَبِعْ مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ، وَلَا مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ، وَلَكِنْ يُشِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَيُخْبِرُهُ بِالسِّعْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا فَسْخُنَا لِلْبَيْعِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ مُحَرَّمٌ مِنْ إنْسَانٍ مَنْهِيٍّ عَنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَنَاقَضَ الشَّافِعِيُّ هَهُنَا، إذْ لَمْ يُبْطِلْ هَذَا الْبَيْعَ، وَأَبْطَلَ سَائِرَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِلَا دَلِيلٍ مُفَرِّقٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِيُصَابَ غُرَّةٌ مِنْ الْبَدْرِيِّ، وَأَنَّهُ نَظَرَ لِلْحَاضِرَةِ،

فَبَاطِلٌ - وَحَاشَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَبُّهُ تَعَالَى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وَأَهْلُ الْبَدْوِ مُؤْمِنُونَ كَأَهْلِ الْحَضَرِ، فَنَظَرُهُ وَحِيَاطَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْجَمِيعِ سَوَاءٌ، وَيَبْطُلُ هَذَا التَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ مِنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ: أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ نَظَرًا لِأَهْلِ الْحَضَرِ لَجَازَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَادِي مِنْ الْبَادِي، وَأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يَجُوزُ -: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ فَاسِدَةٌ، وَأَنَّهُ لَا عِلَّةَ لِذَلِكَ أَصْلًا إلَّا الِانْقِيَادُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ مِنْ جِهَاتٍ -: أَمَّا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْبَيْعِ لِلْبَادِي فَمَنَعَ مِنْهُ، وَبَيْنَ الشِّرَاءِ لَهُ فَأَبَاحَهُ -: فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ " لَا يَبِعْ " يَقْتَضِي أَنْ لَا يَشْتَرِيَ لَهُ أَيْضًا، كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي الدِّينِ - وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بِعْت بِمَعْنَى اشْتَرَيْت، قَوْلًا مُطْلَقًا، وَإِذَا اشْتَرَى لَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ بَاعَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَهُ يَقِينًا بِلَا تَكَلُّفٍ ضَرُورَةً، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . فَحَرَّمُوا الشِّرَاءَ كَمَا حَرَّمُوا الْبَيْعَ وَأَحَلُّوا هَهُنَا الشِّرَاءَ لَهُ وَحَرَّمُوا الْبَيْعَ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ " لَا يَبِعْ لِأَهْلِ الْقُرَى " فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ " الْبَادِي " لَا يَقَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى سَاكِنٍ فِي الْمُدُنِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ، وَالْخُصُوصِ، الْمُنْتَجِعِينَ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ لِلرَّعْيِ فَقَطْ. وَأَمَّا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُدُنِ وَبَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ الْقُرَى، فَخَطَأٌ ثَالِثٌ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لَا يَبِعْ مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ وَلَا مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ " فَخَطَأٌ رَابِعٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ. وَإِنَّمَا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمَدَنِيِّ، وَالْمِصْرِيِّ، فَرَأَى أَنْ يُشِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَبِيعَ لَهُ، وَلَمْ يَرَ أَنْ يُشِيرَ حَاضِرٌ عَلَى أَعْرَابِيٍّ وَلَا يَبِيعَ لَهُ -: فَخَطَأٌ خَامِسٌ بِلَا دَلِيلٍ؟ فَهَذِهِ وُجُوهٌ خَمْسَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ لَا صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لَا يُشِيرُ الْحَاضِرُ عَلَى الْبَادِي " فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِهَذَا احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ فِي

بَعْضِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَلَا فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ الْمَيْلِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ، لَا نَصَّ، وَلَا أَثَرَ، وَلَا شُبْهَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ: دَعُوا الْحَاضِرِينَ يَرْزُقُهُمْ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، إنَّمَا قَالَ: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَأَهْلُ الْبَدْوِ مِنْ النَّاسِ كَمَا أَهْلُ الْحَضَرِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، فَيَدْخُلُ فِي هَذَا اللَّفْظِ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْبَادِي مِنْ الْحَاضِرِ، وَلِلْبَادِي مِنْ الْبَادِي، وَلِلْحَاضِرِ مِنْ الْبَادِي، وَلِلْحَاضِرِ مِنْ الْحَاضِرِ: دُخُولًا مُسْتَوِيًا، لَا مَزِيَّةَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنْهُ -: فَبَطَلَ ذَلِكَ الظَّنُّ الْكَاذِبُ، وَلَا يَحِلُّ مِنْ بَيْعِ الْبَادِي وَالْحَاضِرِ إلَّا مَا يَحِلُّ مِنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْحَاضِرِ، وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يَبِيعَ لَهُ، قِسْنَا عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُشِيرَ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ أَنْ تَمْنَعُوا مِنْ الشِّرَاءِ لَهُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ لَهُ، وَهُوَ بَيْعٌ مِثْلُهُ، وَقِسْتُمْ الْإِشَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدَرٍ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ شَاوَرَ آخَرَ بَعْدَ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ فِي بَيْعٍ فَأَشَارَ عَلَيْهِ لَمْ يُحْرَجْ وَلَا أَتَى مَكْرُوهًا، وَلَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى لَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ فَأَشَارَ فِي أَمْرِ بَيْعٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِلْأَئِمَّةِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» وَالْبَادِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَالنُّصْحِيَّةُ لَهُ فَرْضٌ - وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُشَارَ عَلَيْهِ لَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ذَكَرْنَا النَّصِيحَةَ لِلْبَادِي آنِفًا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ -:

مسألة بيع كل ما ظهر من أصناف ثمار الحائط

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا اسْتَنْصَحَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ» . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَطْوِيلٍ لَكِنْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَهْيِهِ عَنْ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ. وَخَالَفَ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دُونَ أَنْ يُعْرَفَ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَرُدُّ هَذِهِ الْآثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ الْمُتَظَاهِرَةَ الصِّحَاحَ مِنْ السُّنَنِ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ يُقَلِّدُ آثَارًا وَاهِيَةً مَكْذُوبَةً فِي جُعْلِ الْآبِقِ فَلَا يُعَلِّلُهَا، وَلَا يَتَأَوَّلُ فِيهَا هَذَا؟ وَهُمْ يُطْلِقُونَ فِي أُصُولِهِمْ أَنَّ الْأَثَرَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ النَّظَرِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ كُلِّ مَا ظَهَرَ مِنْ أَصْنَافِ ثِمَارِ الْحَائِطِ] 1471 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ فِي حَائِطٍ أَنْوَاعٌ مِنْ الثِّمَارِ مِنْ الْكُمَّثْرَى، وَالتُّفَّاحِ، وَالْخَوْخِ، وَسَائِرِ الثِّمَارِ، فَظَهَرَ صَلَاحُ شَيْءٍ مِنْهَا مِنْ صِنْفٍ دُونَ سَائِرِ أَصْنَافِهِ -: جَازَ بَيْعُ كُلِّ مَا ظَهَرَ مِنْ أَصْنَافِ ثِمَارِ ذَلِكَ الْحَائِطِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطِبْ بَعْدُ إذَا بِيعَ كُلُّ ذَلِكَ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ صَفْقَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاحِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَدَا صَلَاحُ ذَلِكَ الصِّنْفِ بَعْدُ حَاشَا ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَقَطْ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ لَا وَحْدَهُ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ إلَّا حَتَّى يَزْهَى ثَمَرُ النَّخْلِ، وَيَبْدَأَ سَوَادُ الْعِنَبِ أَوْ طِيبُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَلَا يَخْلُو هَذَا الصَّلَاحُ الَّذِي بِهِ يَحِلُّ بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ بِهِ ابْتِدَاءَ ظُهُورِ الطِّيبِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ تَنَاهِي الطِّيبِ فِي جَمِيعِهِ أَوَّلِهِ عَنْ آخِرِهِ، أَوْ فِي أَكْثَرِهِ، أَوْ فِي أَقَلِّهِ، أَوْ فِي جُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهُ: كَنِصْفٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ، أَوْ عُشْرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ.

فَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَصْلًا أَنْ يُرِيدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَكْثَرَهُ، أَوْ أَقَلَّهُ، أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى مِنْهُ ثُمَّ لَا يَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُبَيِّنُهُ، وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْبَيَانَ، فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُكَلِّفَنَا شَرْعًا لَا نَدْرِي مَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُخَالِفًا لِأَمْرِ رَبِّهِ تَعَالَى لَهُ بِالْبَيَانِ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَكُونُ تَكْلِيفًا لَنَا مَا لَا نُطِيقُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا لَمْ نُعَرَّفْ بِهِ وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا وَجْهَانِ فَقَطْ: إمَّا ظُهُورُ الصَّلَاحِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَإِمَّا عُمُومُ الصَّلَاحِ لِجَمِيعِهِ -: فَنَظَرْنَا فِي لَفْظِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَجَدْنَاهُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ ظُهُورُ الصَّلَاحِ: وَبِصَلَاحِ حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ قَدْ بَدَا صَلَاحُ هَذَا الثَّمَرِ، فَهَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ صَلَاحَ جَمِيعِهِ لَقَالَ: حَتَّى يَصْلُحَ جَمِيعُهُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ يَبْدُو صَلَاحُ بَعْضِهِ ثُمَّ يَتَتَابَعُ صَلَاحُ شَيْءٍ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلَا يَصِحُّ آخِرُهُ إلَّا وَلَوْ تَرَكَ أَوَّلَهُ لَفَسَدَ وَضَاعَ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَيْضًا - فَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ هَذَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا، وَلَا زَالَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ كُلَّ عَامٍ عَمَلًا عَامًّا فَاشِيًّا ظَاهِرًا بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ كَذَلِكَ كُلُّ عَامٍ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرِ إلَّا حَتَّى يَتِمَّ صَلَاحُ جَمِيعِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ وَلَا حَبَّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَبَيْعُ ثِمَارِ الْحَائِطِ الْجَامِعِ لِأَصْنَافِ الشَّجَرِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بَعْدَ ظُهُورِ الطِّيبِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: جَائِزٌ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ ثِمَارٍ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا، وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ اللَّازِمُ لَمَا أَغْفَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَهُ. وَأَمَّا إذَا بِيعَ الثَّمَرُ صَفْقَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاحِ بَعْدُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِنْفٍ قَدْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي غَيْرِهِ أَوْ مِنْ صِنْفٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا

مسألة بيع فراخ الحمام في البرج مدة مسماة كسنة

وَهَذَا حَرَامٌ، وَإِنَّمَا رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الضَّمِيرَ - وَهُوَ الْهَاءُ الَّذِي فِي " صَلَاحِهِ " - إلَى الثَّمَرِ الْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ بِلَا شَكٍّ - فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا. وَأَمَّا النَّخْلُ، وَالْعِنَبُ، فَقَدْ خَصَّهُمَا نَصٌّ آخَرُ، وَهُوَ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهَى أَوْ تَحْمَرَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ أَوْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ بِدُخُولِهِ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ - وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَسْوَدُّ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ؛ إلَّا حَتَّى يَصِيرَ الْمَبِيعُ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْإِزْهَاءِ أَوْ ظُهُورِ الطِّيبِ فِيهِ نَفْسِهِ بِالسَّوَادِ، أَوْ بِغَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ فِرَاخِ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ مُدَّةً مُسَمَّاةً كَسَنَةٍ] 1472 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ فِرَاخِ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ مُدَّةً مُسَمَّاةً كَسَنَةٍ، أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَبَيْعُ غَرَرٍ لَا يُدْرَى كَمْ يَكُونُ، وَلَا أَيُّ صِفَةٍ يَكُونُ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِي الْحَلَالِ فِي ذَلِكَ بَيْعُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ يَقِفَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ، وَالْمُشْتَرِي أَوْ وَكِيلُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَدَدَهَا أَوْ يَرَهَا أَحَدُ مَنْ ذَكَرْنَا فَيَقَعُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى صِفَةِ الَّذِي رَآهَا مِنْهُمَا. فَإِنْ تَدَاعَيَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي فِرَاخٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْبَيْعِ فَدَخَلَتْ فِيهِ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حِينَئِذٍ، وَلَا بَيِّنَةَ: حَلَفَا مَعًا، وَقُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، هِيَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي بِحَقِّ الشِّرَاءِ لِلْفِرَاخِ الَّتِي فِي الْبُرْجِ، وَهِيَ بِيَدِ صَاحِبِ الْأَصْلِ بِحَقِّ مِلْكِهِ لِلْأَصْلِ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَالْمَكَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، إلَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ كُلَّ الْفِرَاخِ وَعَرَّفَ ذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ هُنَالِكَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الصِّغَارِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ حِينَ تُولَدُ] 1473 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ الصِّغَارِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ حِينَ تُولَدُ، وَيُجْبَرُ كِلَاهُمَا عَلَى تَرْكِهَا مَعَ الْأُمَّهَاتِ إلَى أَنْ يَعِيشَ دُونَهَا عَيْشًا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ الْمَحْضُونَةِ، وَيُجْبَرُ كِلَاهُمَا عَلَى تَرْكِهَا إلَى أَنْ تَخْرُجَ وَتَسْتَغْنِيَ عَنْ الْأُمَّهَاتِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَأَمَّا تَرْكُ كُلِّ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ الْأُمَّهَاتِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَالنَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَى مَنْ عَذَّبَ الْحَيَوَانَ وَأَصْبَرَهَا، وَإِزَالَةُ الصِّغَارِ عَنْ الْأُمَّهَاتِ قَبْلَ

مسألة بيع شيء من ثمر النخل من البلح وغيره بعضه ببعض

اسْتِغْنَائِهَا عَنْهَا عَذَابٌ لَهَا وَقَتْلٌ إلَّا مَنْ ذَبَحَهَا لِلْأَكْلِ فَقَطْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ " وَإِزَالَةُ الْبَيْضِ بَعْدَ أَنْ تَغَيَّرَتْ بِالْحَضْنِ عَنْ حَالِهَا إضَاعَةٌ لِلْمَالِ. [مَسْأَلَة بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ مِنْ البلح وَغَيْره بَعْضه بِبَعْضِ] 1474 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ، مِنْ: الْبَلَحِ، وَالْبُسْرِ، وَالزَّهْوِ، وَالْمُكْثِ، وَالْحُلْقَانِ، وَالْمَعْوِ، وَالْمَعْدِ، والثغد، وَالرُّطَبِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مِنْ صِنْفِهِ، أَوْ مِنْ صِنْفٍ آخَرَ مِنْهُ وَلَا بِالثَّمَرِ، وَلَا مُتَمَاثِلًا وَلَا مُتَفَاضِلًا، وَلَا نَقْدًا وَلَا نَسِيئَةً، وَلَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَلَا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الزَّهْوِ، وَالرُّطَبِ بِكُلِّ شَيْءٍ يَحِلُّ بَيْعُهُ، حَاشَا مَا ذَكَرْنَا نَقْدًا وَبِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً، حَاشَا الْعَرَايَا فِي الرُّطَبِ وَحْدَهُ. وَمَعْنَاهَا أَنْ يَأْتِيَ الرُّطَبُ وَيَكُونُ قَوْمٌ يُرِيدُونَ ابْتِيَاعَ الرُّطَبِ لِلْأَكْلِ فَأُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا رُطَبًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، يَدْفَعُ التَّمْرَ إلَى صَاحِبِ الرُّطَبِ وَلَا بُدَّ - وَلَا يَحِلُّ بِتَأْخِيرٍ، وَلَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، وَلَا بِأَقَلَّ مِنْ خَرْصِهَا تَمْرًا وَلَا بِأَكْثَرَ، فَإِنْ وَقَعَ مَا قُلْنَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَسْخٌ أَبَدًا، وَضَمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ: وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا» . وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ» وَالثَّمَرُ يَقْتَضِي الْأَصْنَافَ الَّتِي ذَكَرْنَا -.

وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَلَمْ يُجِزْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَفِيزَ رُطَبٍ بِقَفِيزٍ مِنْ جَافٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ أَقْوَالِ سُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِمِثْلِهِ نَقْدًا وَلَمْ يُجِزْ مُتَفَاضِلًا وَلَا نَسِيئَةً - وَقَالَ: إنَّمَا يَحْرُمُ بَيْعُ الثَّمَرِ الَّذِي فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَاصَّةً بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ لَا فِي الْعَرَايَا وَلَا فِي غَيْرِهَا. وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِمَا صَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ» ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ ثَمَرٍ بِتَمْرٍ مُسَمًّى بِكَيْلٍ، إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ ". وَمِثْلُهُ مُسْنَدًا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ فَسَّرَ لَهُمْ الْمُزَابَنَةَ: أَنَّهَا بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِي تَحْرِيمِ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، نَعَمْ، وَغَيْرَ كَيْلٍ، وَلَا نَازَعْنَاهُمْ فِي أَنَّ هَذَا مُزَابَنَةٌ فَاحْتِجَاجُهُمْ بِهَا تَمْوِيهٌ وَإِيهَامٌ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَلَا غَيْرِهَا: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا هَذِهِ الصِّفَةُ فَقَطْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا: أَنَّ مَا عَدَا هَذَا فَحَلَالٌ - لَكِنْ كُلُّ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ فَهُوَ بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ وَبَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَتِلْكَ الْأَخْبَارُ جَمَعَتْ مَا فِي هَذِهِ وَزَادَتْ عَلَيْهَا، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْحُكْمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. كَمَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] لَيْسَ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ الظُّلْمِ فِي غَيْرِهَا - وَهَكَذَا جَمِيعُ الشَّرَائِعِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرٍ، لَيْسَتْ كُلُّ شَرِيعَةٍ مَذْكُورَةً فِي كُلِّ حَدِيثٍ. وَأَيْضًا - فَإِنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ: إنَّ الْمُرَادَ فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ

عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْأُخَرِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، وَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهَلْ زِدْتُمُونَا عَلَى الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ الْكَاذِبَةِ شَيْئًا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ تَرْكُ عُمُومِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي هَذِهِ بَعْضُ مَا فِي تِلْكَ؟ فَإِنَّهُمْ لَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلًا - لَا قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ - فَحَصَلُوا عَلَى الدَّعْوَى فَقَطْ، فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى مَا فِي هَذِهِ كَذَبُوا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الثَّمَرُ بِالتَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ مُكَايَلَةً إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ ثِقَةٌ وَسَائِرُ مَنْ فِيهِ أَئِمَّةٌ أَعْلَامٌ. وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمُزَابَنَةَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْمُزَابَنَةَ، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» . وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا بَكْرٌ - هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ - أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَاشْتِرَاءُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» . فَمَنْ جَعَلَ تَفْسِيرَ ابْنِ عُمَرَ بَاطِلًا وَتَفْسِيرَ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ صَحِيحًا. بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ وَكُلُّ ذَلِكَ مُزَابَنَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَمَا عَدَا هَذَا فَضَلَالٌ وَتَحَكُّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إبَاحَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ دِينَهُ مَا قَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَبَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَتَحْرِيمِهِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا جَاءَ قَطُّ عَنْهُ نَهْيٌ مِنْ بَيْعِ الْجَوْزِ عَلَى رُءُوسِ أَشْجَارِهِ بِالْجَوْزِ الْمَجْمُوعِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَمَا رَأَيْنَا قَطُّ سُنَّةً مُضَاعَةً إلَّا وَإِلَى جَنْبِهَا بِدْعَةٌ مُذَاعَةٌ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: لَا يَخْلُو الرُّطَبُ، وَالتَّمْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ جِنْسَيْنِ، فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَالتَّمَاثُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ، لِإِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ فَذَلِكَ فِيهِمَا أَجْوَزُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ لَهُمْ: الَّذِي أَبَاحَ التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَرَنَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ أَنْ نَبِيعَ كَيْفَ شِئْنَا إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، هُوَ الَّذِي نَهَانَا عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ جُمْلَةً، وَعَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَأَخْبَرَنَا: أَنَّهُ الرِّبَا، وَلَيْسَتْ طَاعَتُهُ فِي بَعْضِ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجِبَةً وَفِي بَعْضِهِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ، هَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ، بَلْ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجِبَةٌ. لَكِنْ يَا هَؤُلَاءِ أَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ الْفَاسِدِ الَّذِي صَحَّحْتُمُوهُ وَعَارَضْتُمْ بِهِ سُنَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ إذْ حَرَّمْتُمْ بِرَأْيِكُمْ الْفَاسِدِ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِالسَّوِيقِ جُمْلَةً، فَلِمَ تُجِيزُوهُ لَا مُتَفَاضِلًا، وَلَا مُتَمَاثِلًا، وَلَا نَقْدًا، وَلَا نَسِيئَةً، وَلَا كَيْلًا، وَلَا وَزْنًا - وَهَلَّا قُلْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ: لَا يَخْلُو الدَّقِيقُ وَالْحِنْطَةُ، وَالسَّوِيقُ، مِنْ أَنْ تَكُونَ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ، فَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا فَالتَّمَاثُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ، لِإِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَإِنْ كَانَتْ جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَذَلِكَ فِيهَا أَجْوَزُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَهَذَا الْمَكَانُ أَوْلَى بِالِاعْتِرَاضِ، وَبِالرَّدِّ، وَبِالْإِطْرَاحِ، لَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُهُ.

فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: التَّفَاضُلُ فِي الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مَوْجُودٌ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَلَا يُوجَدُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا لَوْ كَانَ مَا قُلْتُمْ حَقًّا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مُرَاعَاةُ التَّفَاضُلِ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَكَيْفَ وَاَلَّذِي قُلْتُمْ بَاطِلٌ؟ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بِالْكَيْلِ مَوْجُودَةٌ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ، وَفِي الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ فِي الْوَقْتِ، فَلَا تَفَاضُلَ فِيهِمَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّفَاضُلُ مَوْجُودًا فِي الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ فِيمَا خَلَا وَبَطَلَ الْآنَ، وَلَا يُقْطَعُ أَيْضًا بِهَذَا، فَبَطَلَ فَرْقُكُمْ الْفَاسِدُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّمَا أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّ الرُّطَبَ لَيْسَ مِثْلًا لِلتَّمْرِ فِي صِفَاتِهِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: بَيْعُ التَّمْرِ الْحَدِيثِ بِالتَّمْرِ الْقَدِيمِ جَائِزٌ، وَهُوَ يَنْقُصُ، عَنْهُ فِيمَا بَعْدُ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَتَى جَعَلْنَا لَكُمْ عِلَّةَ الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، إنَّمَا هِيَ نُقْصَانُهُ إذَا يَبِسَ؟ حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ، الَّذِي فِيهِ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَلَوْ صَحَّ لَأَذْعَنَّا لَهُ وَلَقُلْنَا بِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ مِنْكُمْ بَاطِلٌ وَتَخَرُّصٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَطْ. {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] . وَنَقُولُ لِمَنْ ادَّعَى التَّعْلِيلَ، وَأَنَّهُ هُوَ الْحِكْمَةُ، وَمَا عَدَاهُ عَبَثٌ: أَخْبِرُونَا مَا عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْخَامِسَةِ فِي النِّكَاحِ، وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ؟ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ شَيْءٍ أَصْلًا، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تُعَلَّلَ بَعْضُ الشَّرَائِعِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، وَلَا تُعَلَّلَ سَائِرُهَا؟ وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا قَبْلَهُ فِي إبَاحَةِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِمَّنْ يَحْرُمُ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ - وَقَالَ مَالِكٌ: بَيْعُ الرُّطَبِ جَائِزٌ، وَهَذَا خَطَأٌ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَقَوْلِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا الْعَرَايَا - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ حُكْمِ الْعَرَايَا - وَرُوِّينَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْعَرَايَا نَخَلَاتٌ مَعْلُومَاتٌ يَأْتِيهَا فَيَشْتَرِيهَا. وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهَا النَّخْلَةُ وَالنَّخْلَتَانِ وَالنَّخَلَاتُ تُجْعَلُ لِلْقَوْلِ فَيَبِيعُونَ ثَمَرَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِثْلَ هَذَا، إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا بِذَلِكَ الْمَسَاكِينَ يُجْعَلُ لَهُمْ ثَمَرُ النَّخْلِ فَيَصْعُبُ عَلَيْهِمْ الْقِيَامُ عَلَيْهَا، فَأُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ الْعَرِيَّةَ الرَّجُلُ يُعْرِي النَّخْلَةَ، أَوْ يَسْتَثْنِي مِنْ مَالِهِ النَّخْلَةَ أَوْ النَّخْلَتَيْنِ يَأْكُلُهَا فَيَبِيعُهُمَا بِمِثْلِ خَرْصِهِمَا تَمْرًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ رَجُلًا آخَرَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخْلَتَيْنِ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ فَيُعْطِيَهُ مَكَانَ ثَمَرِ مَا أَعْطَاهُ تَمْرًا يَابِسًا فَيَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ لِآخَرَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخْلَتَيْنِ أَوْ نَخَلَاتٍ مِنْ مَالِهِ وَيَكُونُ الْوَاهِبُ سَاكِنًا بِأَهْلِهِ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمُعْرِي فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ، فَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْهُ ذَلِكَ الثَّمَرِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا إلَى الْجِدَادِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا نَسِيئَةً وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا يَدًا بِيَدٍ فَلَا. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَأْتِيَ أَوَانُ الرُّطَبِ، وَهُنَاكَ قَوْمٌ فُقَرَاءُ لَا مَالَ لَهُمْ، وَيُرِيدُونَ ابْتِيَاعَ رُطَبٍ يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ، وَلَهُمْ فُضُولُ تَمْرٍ مِنْ أَقْوَاتِهِمْ، فَأُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يُشْتَرَوْا الرُّطَبَ بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ نَقْدًا وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا الَّذِي ذَكَرْنَا فَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ

يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخَلَاتِ لِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطَبًا بِخَرْصِهَا تَمْرًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَلَا بَيَانَ فِيهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، فَإِنَّهُ يَحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ، لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ» . قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ لَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الرُّطَبِ هُوَ الَّذِي يَبِيعُهُ بِخَرْصِهِ تَمْرًا - وَنَحْنُ هَكَذَا نَقُولُ، وَجَائِزٌ عِنْدَنَا أَنْ نَبِيعَ الرُّطَبَ كَذَلِكَ الَّذِي هُوَ لَهُ وَالنَّخْلُ مَعًا، وَجَائِزٌ أَنْ نَبِيعَهُ أَيْضًا كَذَلِكَ مِنْ مَالِك الرُّطَبِ وَحْدَهُ بِهِبَةٍ أَوْ بِشِرَاءٍ أَوْ بِمِيرَاثٍ أَوْ بِإِجَازَةٍ أَوْ بِإِصْدَاقٍ فَهَذَا الْخَبَرُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا صِفَةُ الْبَائِعِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْ هُوَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ فَإِنَّهُ يَحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ - أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ: أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ قَوْلِهِمْ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِشَارَةٍ وَلَا بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا أَذِنَ لَهُمْ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فَقَطْ، وَهَكَذَا نَقُولُ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ حُجَّةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَوَجَدْنَاهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا لَا يَدْرِي أَحَدٌ مُنْشَأَهُ وَلَا مَبْدَأَهُ وَلَا طَرِيقَهُ، ذَكَرَهُ أَيْضًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ،

وَحَصَلَ قَوْلُهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ - نَعْنِي تَخْصِيصَهُ أَنَّ الَّذِينَ أُبِيحَ لَهُمْ ابْتِيَاعُ الرُّطَبِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا إنَّمَا هُمْ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ الرُّطَبَ لِيَأْكُلُوهُ فَقَطْ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ: إنَّ الْعَرِيَّةَ هِيَ ثَمَرُ نَخْلٍ تُجْعَلُ لِآخَرِينَ - وَقَوْلَهُ: إنَّ الَّذِينَ جَعَلُوهُ يَسْكُنُونَ بِأَهْلِيهِمْ فِي الْحَائِطِ الَّذِي فِيهِ تِلْكَ النَّخْلُ - وَقَوْلَهُ: إنَّ أَصْحَابَ النَّخْلِ يُنَادُونَ بِدُخُولِ الَّذِينَ جَعَلَ لَهُمْ تِلْكَ النَّخْلَ أَقْوَالًا ثَلَاثَةً؟ لَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَلَا فِي رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا فِي قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا لُغَةٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. ثُمَّ الشُّنْعَةُ وَالْأُعْجُوبَةُ الْعَظِيمَةُ قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا نَسِيئَةً إلَى الْجِدَادِ، وَلَا يَجُوزُ نَقْدًا أَصْلًا - وَهَذَا هُوَ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ جِهَارًا، ثُمَّ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ - وَلَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ حَرَامٌ مَكْشُوفٌ لَا يَحِلُّ أَصْلًا، وَإِنَّمَا حَلَّ هَهُنَا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ فَقَطْ، وَوَجَدْنَا النَّسِيئَةَ فِيمَا فِيهِ الرِّبَا حَرَامًا بِكُلِّ وَجْهٍ، فَلَمَّا حَلَّ بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ هَهُنَا لَمْ يَجُزْ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ إلَّا إمَّا نَقْدًا وَإِمَّا نَسِيئَةً، فَالنَّسِيئَةُ حَرَامٌ: لِأَنَّهُ رِبًا فِي كُلِّ مَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا بِلَا خِلَافٍ - وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - يَعْنِي اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا النَّقْدُ فَلَمْ يَجُزْ غَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَدْنَاهُ أَبْعَدَ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ جَمِيعَ الْآثَارِ كُلِّهَا جِهَارًا، وَأَتَى بِدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَا قَبْلَهُ. وَالْخَبَرُ فِي اسْتِثْنَاءِ جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِأَهْلِ الْعَرَايَا خَاصَّةً مَنْقُولٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ: رَوَاهُ رَافِعٌ، وَسَهْلٌ، وَجَابِرٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ عُمَرَ فِي آخَرِينَ سِوَاهُمْ كُلُّ مَنْ سَمَّيْنَا هُوَ عَنْهُمْ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ - فَخَالَفُوا ذَلِكَ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ. وَالْبُرْهَانُ لِصِحَّةِ قَوْلِنَا -: هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى مَالِكٍ: أَنَّ دَاوُد بْنَ الْحُصَيْنِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» يَشُكُّ دَاوُد. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْيَقِينُ وَاقِعٌ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِلَا شَكٍّ، فَهُوَ مَخْصُوصٌ فِيمَا حَرُمَ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاحَ مُتَيَقَّنُ الْحَرَامِ بِشَكٍّ، وَلَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة ابتاع رطبا للأكل ثم مات وكانت نيته عند الشراء للكل

أَبَاحَ ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يُبَلَّغَ إلَيْنَا مُبَيَّنًا، وَتَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ، فَلَمْ يَفْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، فَأَيْقَنَّا أَنَّهُ لَمْ يُبِحْهُ نَبِيُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، لَكِنْ فِيمَا دُونَهَا بِيَقِينٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا فِي صَفَقَاتِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَصْلًا، لَا الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - هُوَ النَّيْسَابُورِيُّ - أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ دَارِهِمْ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ وَالنَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَحْدِيدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» يَقْضِي عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي النَّخْلَتَيْنِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي النَّخَلَاتِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ تَحْدِيدَ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ زِيَادَةُ حُكْمٍ، وَزِيَادَةُ حَدٍّ، وَزِيَادَةُ بَيَانٍ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ابْتَاعَ رطبا للأكل ثُمَّ مَاتَ وَكَانَتْ نيته عِنْد الشِّرَاء للكل] 1475 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ ابْتَاعَ كَذَلِكَ رُطَبًا لِلْأَكْلِ ثُمَّ مَاتَ فَوُرِثَتْ عَنْهُ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ اسْتَغْنَى عَنْ أَكْلِهَا إلَّا أَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَكْلَهَا بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ مَلَكَ الرُّطَبَ مِلْكًا صَحِيحًا، وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ.

مسألة حكم العرايا في شيء من الثمار

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ الْعَرَايَا فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ] 1476 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْعَرَايَا الْمَذْكُورُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ غَيْرَ ثِمَارِ النَّخْلِ كَمَا ذَكَرْنَا - وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ سِوَى ثَمَرِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا أَصْلًا، لَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَلَا مَجْمُوعَةٍ فِي الْأَرْضِ أَصْلًا. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا، لَا مَجْمُوعًا وَلَا فِي عُودِهِ، وَلَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: أَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا، وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَتْ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ» . [مَسْأَلَة مَسْأَلَةٌ ثَمَرُ مَا عَدَا ثَمَر النَّخْل يُبَاع يابسه برطبه] 1477 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ ثَمَرُ مَا عَدَا ثَمَرِ النَّخْلِ جَازَ أَنْ يُبَاعَ بِيَابِسٍ وَرُطَبٍ مِنْ صِنْفِهِ، وَمِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَبِأَقَلَّ وَمِثْلِهِ، وَأَنْ يُسَلَّمَ فِي جِنْسِهِ وَغَيْرِ جِنْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِخَرْصِهِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَا لَمْ يَكُنْ زَبِيبًا كَيْلًا بِعِنَبٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَهُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَهَى عَنْ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَأَلَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ بَيْعِهِ بِالتَّمْرِ» قُلْنَا: أَمَّا أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ، فَإِنَّ مَالِكًا، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ رَوَيَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدٍ، وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: زِيَادَةُ أَبِي عَيَّاشٍ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ - وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِلَّةً لِغَيْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا إلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ، أَمَّا السِّنُّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَإِنَّهُ مُدَى الْحَبَشَةِ» . فَخَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَلَا يَرَوْنَ الْعَظْمِيَّةَ عِلَّةً لِمَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُذَكَّى بِهِ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّونَ كَوْنَ الَّذِي يُذَكَّى بِهِ مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ عِلَّةً فِي مَنْعِ الذَّكَاةِ بِهِ إلَّا فِي الظُّفُرِ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْ «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ» عِلَّةً فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ، فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَغَيْرُهُ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُطَبٍ بِتَمْرٍ؟ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ» وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الْأَخْذِ بِهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الْآخِذِينَ بِكُلِّ ضَعِيفٍ، وَمُرْسَلٍ، كَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ هَذَا الْمُرْسَلَ وَهَذَا الضَّعِيفَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الْمُدَّعِينَ الْأَخْذَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَدْ خَالَفُوهُ،

لِأَنَّهُمْ يُبِيحُونَ بَيْعَ الرُّطَبِ مِنْ التَّمْرِ، وَالتِّينِ، وَالْعِنَبِ، بِالْيَابِسِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَهَذَا خِلَافٌ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ؟ قُلْنَا: وَمَا دَلِيلُكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ: إنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ مَا كَانَ فِي رُءُوسِ أَشْجَارِهِ فَقَطْ؟ وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى بِدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَحَسْبُنَا اللَّهِ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، فَالْمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرْعِ وَالْمُزَابَنَةُ فِي النَّخْلِ» . هَذَا نَصُّ لَفْظِ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمُزَابَنَةَ إلَّا فِي النَّخْلِ وَحْدَهُ، لَا فِي سَائِرِ الثِّمَارِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَتْ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا مُزَابَنَةَ إلَّا مَا بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ الصَّحَابَةُ

مسألة بيع التمر بغير الدراهم والدنانير

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَعْدَهُ أَنَّهُ مُزَابَنَةٌ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ وَخَطَأٌ مُتَيَقَّنٌ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع التَّمْر بِغَيْرِ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير] 1478 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتُمْ الْمُنْتَمُونَ إلَى الْأَخْذِ بِمَا صَحَّ مِنْ الْآثَارِ - وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ» . وَرَوَيْتُمُوهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؟ قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ كُلَّهَا إذَا يَبِسَتْ حُدَّتْ أَوْ لَمْ تُجَدَّ فَهِيَ ثِمَارٌ قَدْ طَابَتْ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي اللُّغَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ بِبَيْعِ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، كَيْلًا بِكَيْلٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ بِغَيْرِ صِنْفِهِ كَيْفَ شِئْنَا. فَصَحَّ النَّصُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ التَّمْرِ بِمَا شِئْنَا مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ، فَكَانَ مَا فِي هَذَا مُضَافًا إلَى مَا فِي خَبَرِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَزَائِدًا عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ: لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ إذَا طَابَ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَبِمَا شِئْتُمْ، حَاشَا مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الثِّمَارِ بَعْدَ طِيبِهَا حُكْمُهَا فِيمَا يُبَاعُ مِمَّا يَجُوزُ حُكْمُ التَّمْرِ، وَهَذَا بُرْهَانٌ صَحِيحٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الربا لَا يَكُون إلَّا فِي بَيْع أَوْ قَرْض أَوْ سلم] 1479 - مَسْأَلَةٌ: الرِّبَا: وَالرِّبَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ سَلَمٍ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ النُّصُوصُ إلَّا بِذَلِكَ، وَلَا حَرَامَ إلَّا مَا فُصِّلَ تَحْرِيمُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . [مَسْأَلَة مَا يَجُوز فِيهِ الربا مِنْ الْبَيْع والسلم] 1480 - مَسْأَلَةٌ: وَالرِّبَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ: فِي التَّمْرِ، وَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ - وَهُوَ فِي الْقَرْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ،

فَلَا يَحِلُّ إقْرَاضُ شَيْءٍ لِيُرَدَّ إلَيْك أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ، وَلَا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ أَصْلًا، لَكِنْ مِثْلُ مَا أَقْرَضْت فِي نَوْعِهِ وَمِقْدَارِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْقَرْضِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَهَذَا إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، وَبَيْنَ الْقَرْضِ، هُوَ أَنَّ الْبَيْعَ وَالسَّلَمَ: يَكُونَانِ فِي نَوْعٍ بِنَوْعٍ آخَرَ، وَفِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ، وَلَا يَكُونُ الْقَرْضُ إلَّا فِي نَوْعٍ بِنَوْعِهِ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ الرِّبَا فِي الْأَنْوَاعِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، فَهُوَ إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ. وَمَا عَدَا الْأَنْوَاعَ الْمَذْكُورَةَ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، أَيَقَعُ فِيهِ الرِّبَا أَمْ لَا؟ وَالرِّبَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ - هُوَ النَّخَعِيُّ - عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَوَاجِبٌ طَلَبُ مَعْرِفَتِهِ لِيُجْتَنَبَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . فَصَحَّ أَنَّ مَا فَصَّلَ لَنَا بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الرِّبَا، أَوْ مِنْ الْحَرَامِ، فَهُوَ رِبًا وَحَرَامٌ، وَمَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يُفَصِّلْهُ لَنَا، وَلَا بَيَّنَهُ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَكَانَ تَعَالَى كَاذِبًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ، وَلَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاصِيًا لِرَبِّهِ تَعَالَى إذْ أَمَرَهُ بِالْبَيَانِ فَلَمْ يُبَيِّنْ فَهَذَا كُفْرٌ مُتَيَقَّنٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا رِبَا إلَّا فِي الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ: طَاوُسٌ، وَقَتَادَةُ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ السِّتَّةَ إنَّمَا ذُكِرَتْ لِتَكُونَ دَلَالَةً عَلَى مَا فِيهِ الرِّبَا مِمَّا سِوَاهَا مِمَّا يُشْبِهُهَا فِي الْعِلَّةِ الَّتِي حَيْثُمَا وُجِدَتْ كَانَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ رِبًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهَا تُبْطِلُ عِلَّةَ الْآخَرِينَ أَوْ تَنْفِيهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ الطَّعْمُ، وَاللَّوْنُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْحِمَّصِ بِالْعَدَسِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ صَاحِبَهُ بِاللَّوْنِ، وَالطَّعْمِ، فَلَا أَرَاهُ إلَّا شَبَهَ الطَّعَامِ - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، مِثْلُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ فَسَقَطَ - وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ وَالرَّأْيُ إذَا لَمْ يُسْنَدْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ خَطَأٌ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالتُّفَّاحَتَيْنِ بِالتُّفَّاحَةِ، وَالْخَوْخُ مِثْلُ ذَلِكَ.

وَكُلُّ مَا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالرِّبَا يَقَعُ فِيهِ بِالنَّصِّ، فَبَطَلَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا يَعْجَزُ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ فِي هَذَا عَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، بِزِيَادَتِهِمْ فِي عِلَّتِهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: عِلَّةُ الرِّبَا الطَّعْمُ، وَالتَّثْمِينُ. وَقَوْلُ مَالِكٍ: عِلَّةُ الرِّبَا الِادِّخَارُ فِيمَا يُؤْكَلُ، وَالتَّثْمِينُ. فَهَلْ هَذَا إلَّا كَقَوْلِ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ: عِلَّةُ الرِّبَا بِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْمِلْحِيَّةُ؟ وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى كَدَعْوَى كِلَاهُمَا بِلَا بُرْهَانٍ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ اشْتَرَى خَمْسَةَ عَشَرَ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ بِعَشَرَةِ أَجْرِبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ - وَكَرِهَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَلَا نَدْرِي مَا عِلَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا الْجِنْسُ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَائِنًا مَا كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إلَّا أَنَّهَا دَعْوَى لَيْسَتْ غَيْرُهَا أَصَحَّ مِنْهَا، وَلَا هِيَ بِأَضْعَفَ مِنْ غَيْرِهَا. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ الرِّبَا تَقَارُبَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، أَوْ الْجِنْسَيْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَعَمُّ الْعِلَلِ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: بِالْعِلَّةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَقُولَ بِهَا - وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ فِي الْجِنْسِ، فَمَا كَانَ يُدَّخَرُ مِمَّا يَكُونُ قُوتًا فِي الْأَكْلِ، فَالرِّبَا فِيهِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً، وَمَا كَانَ لَا يُقْتَاتُ وَلَا يُدَّخَرُ، فَلَا يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ - وَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا - لَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَهَذِهِ هِيَ عِلَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَغِبَ عَنْهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الثُّومَ، أَوْ الْبَصَلَ، وَالْكُرَّاثَ، وَالْكَرَوْيَا، وَالْكُزْبَرَةَ، وَالْخَلَّ، وَالْفُلْفُلَ - نَعَمْ، وَالْمِلْحُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّصُّ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ يَكُونُ قُوتًا أَصْلًا، بَلْ بَعْضُهُ يَقْتُلُ إذَا أُكِلَ مِنْهُ نِصْفُ وَزْنِ مَا يُؤْكَلُ مِمَّا يَتَقَوَّتُ بِهِ، كَالْمِلْحِ، وَالْفُلْفُلِ، فَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَكَلَ رِطْلَ فُلْفُلٍ فِي جِلْسَةٍ لَقَتَلَهُ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ، وَالْخَلُّ الْحَاذِقُ، وَكَذَلِكَ

الثُّومُ - وَوَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا فِي اللَّبَنِ، وَالْبَيْضِ، فَإِنَّهُمَا لَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهُمَا، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ يَدْخُلُ فِيهِمَا، وَوَجَدُوهَا أَيْضًا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَمُّونِ، وَالشُّونِيزِ، وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ، وَالْكُزْبَرَةِ، وَالْكَرَوْيَا، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قُوتًا، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَوْا هَذِهِ الْعِلَّةَ كَذَلِكَ، وَهِيَ عِلَّةُ مَنْ قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ اطَّرَحُوهَا، وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ مُؤْنَةٌ فِي اسْتِخْرَاجِ غَيْرِهَا بِآرَائِهِمْ لِتَسْتَقِيمَ لَهُمْ آرَاؤُهُمْ فِي الْفُتْيَا عَلَيْهَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَى الْقُوتِ، وَهُوَ الْبُرُّ، وَأَدْوَنَ الْقُوتِ، وَهُوَ الْمِلْحُ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا بَيْنَهُمَا كَحُكْمِهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ بِلَا كُلْفَةٍ، وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مُسْلِمٍ لِإِطْلَاقِ مِثْلِ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَلَوْ أَطْلَقَ هَذَا الْمُطْلِقُ مِثْلَهُ عَلَى سَائِسِ حِمَارِهِ بِغَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ لَكَانَ كَاذِبًا مُجَرَّحًا بِذَلِكَ، فَكَيْفَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِك فِي تَنْفِيرِنَا عَنْ مِثْلِ هَذَا وَشَبَهِهِ. ثُمَّ لَمْ يَرْضَ سَائِرُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالُوا: لَيْسَ الْمِلْحُ دُونَ الْأَقْوَاتِ، بَلْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ مِنْهَا إلَى الثُّومِ، وَالْحُلْبَةِ الرَّطْبَةِ، وَالشُّونِيزِ، فَارْتَادُوا غَيْرَهَا، كَمَنْ يَتَحَكَّمُ فِي بَيْدَرِ تَمْرِهِ، وَيَأْخُذُ مَا اُسْتُحْسِنَ وَيَتْرُكُ مَا لَمْ يُسْتَحْسَنْ. فَقَالُوا: الْعِلَّةُ فِي الرِّبَا مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهَا الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ، كَمَا قَالَ أَسْلَافُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ - وَمِنْهَا الْحَلَاوَةُ، وَالِادِّخَارُ، كَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ، وَالْعَسَلِ قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ - وَمِنْهَا التَّأَدُّمُ، وَالِادِّخَارُ قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ اسْتَصْنَعَهُ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ الْأَبْهَرِيُّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ السَّلْجَمَ وَالْبَاذِنْجَانَ، وَالْقَرْعَ، وَالْكُرُنْبَ، وَالرِّجْلَةَ، وَالْقِطْفَ، وَالسَّلْقَ، وَالْجَزَرَ، وَالْقُنَّبِيطَ، واليربز إدَامُ النَّاسِ فِي الْأَغْلَبِ. وَكَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَّخَرُ وَلَا يَقَعُ الرِّبَا فِيهِ عِنْدَهُمْ: كَاللُّفْتِ، وَالْجَزَرِ، وَالْبَاذِنْجَانِ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْهُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَاطَّرَحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَلَمْ تُعْجِبْهُ لِمَا ذَكَرْنَا فَزَادَ فِيهَا بِأَنْ قَالَ: وَمِنْهَا الْحَلَاوَةُ، وَالِادِّخَارُ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ - فَلَمْ يَرْضَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالَ: لَيْسَتْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْفُلْفُلَ، وَالثُّومَ،

وَالْكَرَوْيَا، وَالْكَمُّونَ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلْقُوتِ، وَلَا يُتَأَدَّمُ بِهِ، وَلَا هُوَ حُلْوٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعُنَّابَ وَالْإِجَّاصَ الْمُزَبَّبَ، وَالْكُمَّثْرَى الْمُزَبَّبَ والمخيطاء كُلُّهَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَيَصْلُحُ لِلْقُوتِ، وَلَا يَدْخُلُ الرِّبَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ عِنْدَهُمْ - فَاحْتَاجَ إلَى اسْتِعْمَالِ عِلَّةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: الْعِلَّةُ هِيَ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ، وَمَا يَصْلُحُ بِهِ الطَّعَامُ الْمُتَقَوَّتُ بِهِ لِيَصِحَّ لَهُ فِيمَا ظَنَّ إدْخَالُ: الْكَمُّونِ، وَالْكَرَوْيَا، وَالْبَصَلِ، وَالثُّومِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْخَلِّ، فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يَصْلُحُ بِكُلِّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَفْسَدُ الْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَاسِدَةً، وَاضِحَةَ الْبُرْهَانِ، بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ إصْلَاحَ الطَّعَامِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَابِلِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ، وَالْخَلِّ، لَا يُشْبِهُ إصْلَاحُهُ بِالْمِلْحِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ الْمَطْبُوخَ إنْ لَمْ يُؤْكَلْ أَصْلًا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، إلَّا مَنْ قَارَبَ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ أَوْ خَافَهُ، وَإِمَّا إصْلَاحُهُ بِالتَّابِلِ، وَالْخَضْرَاوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَمَا بِالطَّعَامِ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ إلَّا عَنْ بَذَخٍ وَأَشِرٍ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ فِي الْعَالَمِ يَدْرِي بِضَرُورَةِ الْحِسِّ أَنَّ إصْلَاحَ الطَّعَامِ بِالْكَرَوْيَا، وَالْكَمُّونِ، وَالْفُلْفُلِ، وَالْكُزْبَرِ، وَالشُّونِيزِ، كَإِصْلَاحِهِ بِالدَّارَصِينِيِّ، وَالْخُولَنْجَانِ، وَالْقِرْفَةِ، وَالسُّنْبُلِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَلَا فَرْقَ، بَلْ إصْلَاحُهُ بِهَذِهِ أَطْيَبُ لَهُ وَأَعْبَقُ، وَأَصْلَحُ مِنْهُ بِتِلْكَ، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ، وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي إصْلَاحِ الطَّعَامِ بِالْمَاءِ أَشَدُّ وَأَمَسُّ، وَالرِّبَا عِنْدَهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَاءِ بِالْمَاءِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ عِلَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا ذَكَرَ بَعْضَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ، وَذَكَرَ سَائِرَهَا ابْنُ الْقَصَّارِ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ فِي كُتُبِهِمْ مُفَرَّقَةً وَمَجْمُوعَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّهَا فَاسِدٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّخَاذُلِ، وَبِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ - وَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِلَّتِكُمْ هَذِهِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ عِلَّةُ الرِّبَا مَا كَانَ ذَا سُنْبُلٍ قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَمَا كَانَ ذَا نَوًى قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ، وَمَا كَانَ طَعْمُهُ مِلْحِيًّا قِيَاسًا عَلَى الْمِلْحِ، وَمَا كَانَ مَعْدِنِيًّا قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ.

فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ؟ قُلْنَا: وَلَا قَالَ بِعِلَلِكُمْ أَحَدٌ قَبْلَكُمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذِهِ أَيْضًا يَكُونُ مِثْلَكُمْ، وَأَيْضًا: فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَكُمْ أَنْ تُعَلِّلُوا الْبُرَّ، وَالشَّعِيرَ، وَالتَّمْرَ، وَالْمِلْحَ؟ وَلَا تُعَلِّلُونَ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، وَكُلُّهَا جَاءَ النَّصُّ بِهِ سَوَاءً، فَمِنْ أَيْنَ هَذَا التَّحَكُّمُ يَا هَؤُلَاءِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا شَبَهُ اللَّعِبِ؟ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ دَعْوَى إجْمَاعٍ، فَقَدْ عَلَّلَ الْحَنَفِيُّونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ، وَعَلَّلُوا الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ بِالْكَيْلِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُعَلِّلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، أَوْ تَرْكِ تَعْلِيلِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَطْ، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلًا. وَقَدْ أَجْهَدْنَا أَنْفُسَنَا فِي أَنْ نَجِدَ لِنُظَّارِهِمْ شَيْئًا يُقَوُّونَ بِهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعِلَلِ يُمْكِنُ إيرَادُهُ - وَإِنْ كَالَ شَغَبًا - فَمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمْ. وَجَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ لَهُمْ شَيْئًا نُورِدُهُ - وَإِنْ لَمْ يُورِدُوهُ - كَمَا نَفْعَلُ بِهِمْ وَبِكُلِّ مَنْ خَالَفَنَا، فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَنْتَبِهُوا لَهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُ مُنْتَبِهٌ فَيَشْغَبَ بِهِ، فَمَا قَدَرْنَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّنَا لَمْ نَجِدْ لِمَالِكٍ فِي تَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ الَّذِي عَلَيْهِ بَنَى أَقْوَالَهُ فِي الرِّبَا سَلَفًا أَلْبَتَّةَ، لَا مِنْ صَاحِبٍ؛ وَلَا مِنْ تَابِعٍ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَهُمْ تَخَالِيطُ عَظِيمَةٌ فِي أَقْوَالِهِمْ فِي الرِّبَا، فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَمْ نَذْكُرْهَا هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ كِتَابٌ مُخْتَصَرٌ، لَكِنْ يَكْفِي مِنْ إيرَادِهَا: أَنْ يَنْظُرَ كُلُّ ذِي فَهْمٍ كَيْفَ تَكُونُ أَقْوَالٌ بُنِيَتْ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَفُرُوعٌ أُنْشِئَتْ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: أَبُو ثَوْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَالنَّيْسَابُورِيّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ -: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَالتَّثْمِينُ - فَمَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، أَوْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، لَمْ يَجُزْ مِنْهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ، لَا يَدًا بِيَدٍ وَلَا نَسِيئَةً، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَوْ كَانَ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، فَلَا رِبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَالتَّفَاضُلُ فِيهِ جَائِزٌ، فَأَجَازُوا الْأُتْرُجَّ فِي الْأُتْرُجِّ مُتَفَاضِلًا نَسِيئَةً.

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، وَكُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، وَلَا هُوَ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ - وَهَذَا الْقَوْلُ صَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ فِي مُوَطَّئِهِ، وَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ سَعِيدٍ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ. وَحُجَّةُ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُمْ ادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ - وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِ الرِّبَا فِيمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَدَعْوَاهُمْ هَهُنَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ - وَفِيهِمْ الْجِنُّ، وَالْإِنْسُ - فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يُرْوَ فِيهَا قَوْلٌ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا أَكْثَرُهَا بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، وَلَا عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ أَصْلًا، عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ بَيْنَهُمْ، فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، فَكَيْفَ وَالْخِلَافُ فِي هَذَا أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ؟ لِأَنَّ مَالِكًا وَمَنْ وَافَقَهُ لَا يَرَوْنَ الرِّبَا فِي الْمَاءِ، وَلَا فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا. فَلَا يَرَوْنَ الرِّبَا فِي: التُّفَّاحِ، وَلَا فِي الْعُنَّابِ، وَلَا فِي حَبِّ الْقَنْبِ، وَلَا فِي زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ، وَلَا فِي الْكُرُنْبِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّهُ يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ وَيُؤْكَلُ - فَبَطَلَ هَذَا الْإِجْمَاعُ الْمَكْذُوبُ. وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَلَا قَدَرْنَا عَلَى أَنْ نَأْتِيَ لَهُمْ بِغَيْرِهَا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عِلَّةُ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ الطَّعْمُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ، وَالتَّثْمِينُ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسَيْنِ، فَمَا كَانَ يُؤْكَلُ، وَيُشْرَبُ، فَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا أَصْلًا وَلَا بِنَسِيئَةٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ نَقْدًا فَقَطْ إذَا كَانَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ: جَازَ فِيهِ التَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ نَقْدًا، وَلَمْ يَجُزْ فِيهِمَا النَّسِيئَةُ. وَمَا كَانَ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، وَلَا هُوَ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ، فَالتَّمَاثُلُ وَالتَّفَاضُلُ، وَالنَّقْدُ وَالنَّسِيئَةُ: جَائِزٌ فِيهِ جِنْسًا كَانَ أَوْ جِنْسَيْنِ - فَأَجَازَ رِطْلُ حَدِيدٍ بِرِطْلَيْ حَدِيدٍ إلَى أَجَلٍ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، وَلَا هُوَ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ.

وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِ رِطْلٍ سَقَمُونْيَا بِرِطْلَيْ سَقَمُونْيَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُتَدَاوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُطْعَمُ عَلَى وَجْهٍ مَا - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْآخَرُ، وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُ أَصْحَابُهُ، وَإِيَّاهُ يَنْصُرُونَ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو - هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ قَالَ " كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَحَرَّفَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَدِيثِ وَلَا وَرَعَ لَهُ يَحْجِزُهُ عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَمْ يَقُلْهُ، وَلَا جَاءَ عَنْهُ وَبِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَأَطْلَقَهُ إطْلَاقًا بِلَا إسْنَادٍ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُبَاعُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ، وَتَعَمُّدٌ لِوَضْعِ الْحَدِيثِ، إنْ لَمْ يَكُنْ خَطَأً مِنْ جَاهِلٍ، وَمَا جَاءَ هَكَذَا قَطُّ، وَلَا يُوجَدُ أَبَدًا مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ " الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ عَنْهُ مِثْلًا بِأَكْثَرَ، وَلَا إبَاحَتُهُ، إنَّمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ ". وَأَيْضًا - فَإِنَّ لَفْظَةَ " الطَّعَامِ " لَا تُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إلَّا عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ - فَلَمْ يَقَعْ اسْمُ الطَّعَامِ إلَّا عَلَى الْبُرِّ وَحْدَهُ» . وَأَيْضًا - فَإِذَا كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» مُوجِبًا

عِنْدَكُمْ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلٍ بِمِثْلٍ، فَاجْعَلُوا - وَلَا بُدَّ - اقْتِصَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ذِكْرِ الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الرِّبَا فِيمَا عَدَاهَا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ. فَإِنْ قَالُوا: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ؟ قُلْنَا: أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ إنْ كُنْتُمْ تَتَّعِدُونَ بِاسْمِ الطَّعَامِ إلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ، فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ: لَا يَجُوزُ تُفَّاحَةٌ بِتُفَّاحَةٍ إلَّا حِينَ يُوقَنُ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ، وَلَا الْخُضَرُ بِالْخُضَرِ إلَّا حِينَ يُوقَنُ أَيُّهَا أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى بِلَفْظَةِ الطَّعَامِ الْبُرُّ، فَفِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِ بُرٍّ فَاضِلٍ بِأَدْنَى، وَفَاضِلٍ وَأَدْنَى بِمُتَوَسِّطٍ إذَا تَمَاثَلَتْ فِي الْكَيْلِ -. وَأَيْضًا: فَلَا يُطْلِقُ عَرَبِيٌّ وَلَا مُسْتَعْرِبٌ عَلَى السَّقَمُونْيَا اسْمَ طَعَامٍ لَا بِإِطْلَاقٍ وَلَا بِإِضَافَةٍ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تُؤْكَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ؟ قُلْنَا: وَالصَّنْدَلُ قَدْ يُؤْكَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ، وَالطِّينُ الْأَرْمِينِيُّ، وَالْأَحْمَرُ، وَالطَّفْلُ كَذَلِكَ، وَالسَّبَدُ، وَاللُّؤْلُؤُ، وَحَجَرُ الْيَهُودِ كَذَلِكَ، فَأَوْقَعُوا الرِّبَا فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَذَا، نَعَمْ، وَفِي النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ أَظْفَارَهُ، وَشَعْرَ لِحْيَتِهِ، وَالرَّقَّ، أَكْلًا ذَرِيعًا، فَأَوْقَعُوهَا فِي الطَّعَامِ، وَأَدْخَلُوا الرِّبَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُؤْكَلَانِ أَيْضًا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ أَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مُخْتَلِفًا فَتَبَايَعْنَاهُ بَيْنَنَا بِزِيَادَةٍ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَأْخُذَهُ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُبَاعُ الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَلَا الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ مِنْ الطَّعَامِ الْمُسَمَّى» .

فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ " الطَّعَامِ " لَا يَقَعُ كَمَا قُلْنَا عِنْدَ الْعَرَبِ مُطْلَقًا إلَّا عَلَى الْبُرِّ فَقَطْ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ آنِفًا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] فَأَرَادَ تَعَالَى ذَبَائِحَنَا وَذَبَائِحَهُمْ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» ؟ قُلْنَا: لَا نَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ اسْمِ " الطَّعَامِ " عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ بِإِضَافَةٍ أَوْ بِدَلِيلٍ مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ هُوَ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ: إنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحَنَا جَائِزٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا، وَفِي قَوْلِهِمْ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا حَتَّى يَيْبَسَ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُخَالِفَانِ لِاحْتِجَاجِهِمْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الطَّعَامِ عَلَى اللُّحُومِ وَغَيْرِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ مُخَالِفَانِ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، جُمْلَةً إنْ حَمَلَاهُمَا عَلَى أَنَّ " الطَّعَامَ " وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ مُبْطِلَانِ لِقَوْلِهِمَا فِي الرِّبَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَكَمَا قُلْنَا، وَيَبْطُلُ أَيْضًا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ مَنْ هُوَ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ ابْنِ فُضَيْلٍ: قُتَيْبَةُ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " قَالَ: «قَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مِنْ التَّمْرِ مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَذَهَبْنَا نَتَزَايَدُ فِيهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ» فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ الَّذِي فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ إنَّمَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا: إمَّا تَمْرًا، أَوْ بُرًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَهْيَهُمْ عَنْ أَنْ يَبِيعُوهُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِزِيَادَةٍ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَسْمِيَتُهُ بِالطَّعَامِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يُنَازِعُونَا فِي

مَعْنَاهُ، ثُمَّ يَحْمِلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ، إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ أُخْبِرْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ اسْمَ " الطَّعَامِ " إلَّا عَلَى الْبُرِّ. ثُمَّ لَا يُمَارُونَنَا فِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَقْسُومِ - هَذَا نَصُّ مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ يَقِينًا ضَرُورَةً وَلَا بُدَّ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ مَا يُرِيدُونَ أَنْ يُسَمُّوهُ طَعَامًا، إلَّا بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ يُنَازِعُونَ فِيهِ، وَهُمْ لَا يَدْعُونَ مَعْرِفَةَ مَا كَانَ مِنْ صِنْفِ ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَيُمْكِنُهُمْ عِنْدَنَا أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهِ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُرًّا، وَلَا تَمْرًا، وَلَا شَعِيرًا، وَيَبْطُلُ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ إنْ كَانَ بُرًّا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ بِيَقِينٍ لَا إمْكَانَ فِي سِوَاهُ -. وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَاسْتَدْرَكْنَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: وَأَنَا بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: أَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ» . فَقَدْ أَخْبَرَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ مَرَّةً أُخْرَى فَأَخْبَرَ عَنْهُ: أَنَّهُ هُوَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ نَفْسُهُ. وَصَحَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى مَا هُوَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ، وَمَرَّةً عَلَى مَا سَمِعَهُ - وَأَيْضًا: فَإِنَّ حَجَّاجَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ» .

قَالَ مُسْلِمٌ: وَنَاهُ أَيْضًا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى» فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، فَهَذَا هُوَ الْمُتَّصِلُ الصَّحِيحُ. وَصَحَّ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ أَخْطَأَ فِيهِ مَرَّةً وَاسْتَدْرَكَ أُخْرَى، أَوْ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى مَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُ، وَمَرَّةً كَمَا سَمِعَهُ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ جُمْلَةً. فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُعْطِي الصَّاعَ مِنْ حِنْطَةٍ بِسِتَّةِ أَصْوُعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا مِثْلٌ بِمِثْلٍ» فَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ هُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَلَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ التَّفَاضُلِ فِي التَّمْرِ مَعَ غَيْرِ الْبُرِّ، وَلَا يَقْتَصِرُونَ فِي إبَاحَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْبُرِّ بِالتَّمْرِ خَاصَّةً، كَمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ فَقَدْ تَقَصَّيْنَاهُ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَتَبَايَعُوا يَدًا بِيَدٍ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ مِنْ الطَّعَامِ - يُرِيدُ التَّمْرَ بِالْقَمْحِ وَالتَّمْرَ بِالزَّبِيبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ مِنْ الطَّعَامِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ، الْبُرُّ بِالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبُ بِالشَّعِيرِ، وَكَرِهَهُ نَسِيئَةً، وَكَانَ يَكْرَهُ الطَّعَامَ أَنْ يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْهُ بِشَيْءٍ نَظْرَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ مَا يُكَالُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ نَسِيئَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فَمُنْقَطِعٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ خِلَافُهُ كَمَا نَذْكُرُ فِي ذِكْرِنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِمَنْعِهِ مِنْ النَّظْرَةِ فِيمَا عَدَا السِّتَّةَ الْأَصْنَافِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ كَرَاهِيَةٌ لَا تَحْرِيمٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذِكْرِنَا أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِمْ. ثُمَّ كَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ، كَتَوْرِيثِ عُمَرَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ - وَقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِهِ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ - وَفِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ - وَفِي أَنْ لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ قَوَدًا بِمَكَّةَ - وَفِي أَنْ لَا يَحُجَّ أَحَدٌ عَلَى بَعِيرٍ جِلَالٍ - وَفِي غَيْرِ مَا قِصَّةٍ، فَكَيْفَ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ عَطَاءٍ هَهُنَا إلَّا الْكَرَاهَةُ فَقَطْ، لَا التَّحْرِيمُ الَّذِي يَقْدُمُونَ عَلَيْهِ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا؟ وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ سِتْرٌ مِنْ الْحَرَامِ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الرِّبَا أَضْعَافَ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ عَلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: إنَّا وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّنَا نَأْمُرُكُمْ بِأُمُورٍ لَا تَصْلُحُ لَكُمْ، وَلَعَلَّنَا نَنْهَاكُمْ عَنْ أُمُورٍ تَصْلُحُ لَكُمْ، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا لِآيَاتِ الرِّبَا، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَنَا، فَدَعُوا مَا يَرِيبُكُمْ إلَى مَا لَا يَرِيبُكُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: حَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَيِّنْ الرِّبَا الَّذِي تَوَعَّدَ فِيهِ أَشَدَّ الْوَعِيدِ، وَاَلَّذِي أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِالْحَرْبِ، وَلَئِنْ كَانَ لَمْ يُبَيِّنْهُ لِعُمَرَ فَقَدْ بَيَّنَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ شَيْءٍ لِكُلِّ أَحَدٍ، لَكِنْ إذَا بَيَّنَهُ لِمَنْ يُبَلِّغُهُ فَقَدْ بَلَّغَ مَا لَزِمَهُ تَبْلِيغُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَرَكْنَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الرِّبَا.

فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَحَصَلَ قَوْلُهُمْ لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. وَقَالُوا: إنَّمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَصْنَافٍ: أَرْبَعَةً مَأْكُولَةً، وَاثْنَتَيْنِ هُمَا ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ، فَقِسْنَا عَلَى الْمَأْكُولَةِ كُلَّ مَأْكُولٍ، وَلَمْ نَقِسْ عَلَى الْأَثْمَانِ شَيْئًا؟ فَقُلْنَا: هَذَا أَوَّلُ الْخَطَأِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ بَاطِلًا فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَدَعُوا الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ: دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَيْهِمَا، كَمَا فَعَلْتُمْ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَأْكُولَةِ وَلَا فَرْقَ، فَقِيسُوا عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ مَوْزُونٍ كَمَا فَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ، أَوْ كُلَّ مَعْدِنِيٍّ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ وَعَلَّلْتُمْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالتَّثْمِينِ؟ قُلْنَا: هَذَا عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَهُوَ ثَمَنٌ صَحِيحٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ، بِإِجْمَاعِكُمْ مَعَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الِاقْتِصَارُ بِالتَّثْمِينِ عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؟ وَهَذَا خَطَأٌ فِي غَايَةِ الْفُحْشِ، وَلَازِمٌ لِلشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، لُزُومًا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ. وَأَيْضًا: فَمَا الَّذِي جَعَلَ عِلَّتَكُمْ بِأَوْلَى مِنْ عِلَّةِ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ عَلَّلُوا الْأَرْبَعَةَ الْأَصْنَافِ بِالْكَيْلِ، وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِالْوَزْنِ - وَقَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ هَهُنَا عِلَّةٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بَلْ تَرَكَنَا فِي ضَلَالٍ وَدِينٍ غَيْرِ تَامٍّ، وَوَكَّلَنَا إلَى ظُنُونِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، الَّتِي لَا مَعْنَى لَهَا، هَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ ذُو عَقْلٍ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ جِنْسَيْنِ فَقَطْ، فَإِذَا كَانَ الصِّنْفُ مَكِيلًا بِيعَ بِنَوْعِهِ كَيْلًا بِمِثْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَمْ يَحِلَّ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسِيئَةُ - وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ - وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسِيئَةُ، وَجَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسِيئَةُ إلَّا فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِمَا سَائِرُ الْمَوْزُونَاتِ نَسِيئَةً.

وَجَائِزٌ بَيْعُ الْمَكِيلِ بِالْمَوْزُونِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا نَقْدًا وَنَسِيئَةً، كَاللَّحْمِ بِالْبُرِّ، أَوْ كَالْعَسَلِ بِالتَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ بِالشَّعِيرِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَدْ رَغِبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ بِسَبَبِ انْتِقَاضِهَا عَلَيْهِمْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِسَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ، فَلَجَأَ إلَى أَنْ قَالَ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ وُجُودُ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ، فَمَا زَادُونَا بِهَذَا إلَّا جُنُونًا وَكَذِبًا بِدَعْوَاهُمْ أَنَّ الدَّنَانِيرَ، وَالدَّرَاهِمَ: لَا تَتَعَيَّنُ، وَهَذِهِ مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَهُمْ تَتَعَيَّنُ، وَهُمْ يُجِيزُونَ تَسْلِيمَهُ فِيمَا يُوزَنُ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ السَّخِيفَةِ فِي إزَالَةِ تَنَاقُضِهِمْ. ثُمَّ أَتَوْا بِتَخَالِيطَ تُشْبِهُ مَا يَأْتِي بِهِ مَنْ بَغَى لِفَسَادِ عَقْلِهِ، قَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، إلَّا أَنَّ مِنْهَا مُخَالَفَتَهُمْ السُّنَّةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَنْ يَرَى الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ، فَأَجَازُوا التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ يَدًا بِيَدٍ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجِيزُوا تَسْلِيمَ ثَلَاثِ حَبَّاتٍ مِنْ قَمْحٍ فِي حَبَّتَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ قَعْنَبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ - يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لَا، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهِيَ قَوْلٌ " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ".

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ تَمْرًا أَجْوَدَ مِنْ تَمْرِهِمْ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبْدَلْنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَصْلُحُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَلَا صَاعٌ بِصَاعَيْنِ» وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا، عَلَى مَا نُبَيِّنُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا أَبُو جَنَّابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ هَذِهِ السَّارِيَةِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ جِذْعُ نَخْلَةٍ -: لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ، إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ - وَالرَّمَاءُ الرِّبَا - زَادَ بَعْضُهُمْ: فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَبِيعُ الْفَرَسَ بِالْأَفْرَاسِ وَالنَّجِيبَ بِالْإِبِلِ، قَالَ: لَا بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا رَوْحٌ أَنَا «حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَكَانَ رَجُلُ صِدْقٍ - قَالَ سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنْ الصَّرْفِ؟ فَقَالَ: يَدًا بِيَدٍ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا مَا كَانَ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ، فَأَتَاهُ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ لَهُ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ، حَتَّى مَتَى يَأْكُلُ النَّاسُ الرِّبَا؟ أَوَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَا زَادَ فَهُوَ رِبًا؟ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ أَيْضًا» ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي سَعِيدٍ: جَزَاكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، ذَكَّرْتَنِي أَمْرًا قَدْ كُنْتُ أُنْسِيتُهُ، فَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ - فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ -.

وَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَأَوْثَقُ، فَزَادَ فِيهِ بَيَانًا -: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ مُوسَى، وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْزُقُنَا تَمْرًا مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ، فَنَسْتَبْدِلُ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ وَنَزِيدُ فِي السِّعْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَصْلُحُ هَذَا لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَانِ بِدِرْهَمٍ، وَلَا الدِّينَارُ بِدِينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا إلَّا رِبًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَصْلُحُ، هَذَا لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ» إشَارَةٌ إلَى التَّمْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ، لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا، بَدَأَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: " لَا يَصْلُح " مُشِيرًا إلَى فِعْلِهِمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلَامَ فَقَالَ: " هَذَا لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " فَ " هَذَا، ابْتِدَاءٌ، وَ " لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ خَبَرِ الِابْتِدَاءِ وَانْتَصَبَ " صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " عَلَى التَّمْيِيزِ، وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا يَصْلُحُ هَذَا، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، دُونَ أَنْ يَكُونَ فِي يَصْلُحُ الثَّانِيَةِ ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إلَى مَذْكُورٍ، أَوْ مُشَارٍ إلَيْهِ لَكَانَ لَحْنًا لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَلْحَنُ، وَلَا يَحِلُّ إحَالَةُ لَفْظِ الْخَبَرِ مَا دَامَ يُوجَدُ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، الَّذِي فِيهِ «وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» فَإِنَّهُمْ جَسَرُوا هَهُنَا عَلَى الْكَذِبِ الْبَحْتِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَطَعُوا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لَا يَحِلُّ التَّفَاضُلُ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ بِجِنْسِهِ، وَلَا النَّسِيئَةُ، فَاقْتَصَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ عَلَى أَنْ قَالَ " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَيَانِ، وَأَمَّا بِالْإِشْكَالِ فِي الدِّينِ، وَالتَّلَبُّسِ فِي الشَّرِيعَةِ: فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَلَيْسَ فِي التَّلْبِيسِ، وَالْإِشْكَالِ: أَكْثَرُ مِنْ أَنْ

يُرِيدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَرِّمَ كُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُكَالُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا أَوْ نَسِيئَةً، وَكُلَّ جِنْسٍ مِمَّا يُوزَنُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا أَوْ نَسِيئَةً، فَيَقْتَصِرُ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَتَفْصِيلِهِ لَنَا، عَلَى أَنْ يَقُولَ فِي التَّمْرِ الَّذِي اُشْتُرِيَ بِتَمْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ: لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ. وَمَا خَلَقَ اللَّهُ قَطُّ أَحَدًا يَفْهَمُ تِلْكَ الصِّنْفَيْنِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، وَلَا رَكَّبَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى تِلْكَ الْخُرَافَتَيْنِ. وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا مِنْ النَّاسِ أَرَادَ تِلْكَ الشَّرِيعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ احْتَجُّوا لَهُمَا بِهَذَا الْكَلَامِ، فَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِهَذَا الْكَلَامِ، لَسُخِرَ مِنْهُ، وَلَمَا عَدَّهُ مَنْ يَسْمَعُهُ إلَّا أَلْكَنَ اللِّسَانِ، أَوْ مَاجِنًا مِنْ الْمُجَّانِ، أَوْ سَخِيفًا مِنْ النَّوْكَى. أَفَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِحِ الْمُوبِقَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، الْمُخْزِيَةِ فِي الْعَاجِلِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ قَوْلًا نَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِنْ مُخَالِفٍ وَمُؤَالَفٍ - وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» قَوْلٌ مُجْمَلٌ، مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] نُؤْمِنُ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَنَطْلُبُ بَيَانَهُ مِنْ نُصُوصٍ أُخَرَ، وَلَا نَقْدَمُ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَالدَّعْوَى الْآفِكَةِ عَلَى أَنْ نَقُولَ: أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا، وَأَرَادَ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعْنَى كَذَا -: لَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ، فَطَلَبْنَا ذَلِكَ -: فَوَجَدْنَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَدْ بَيَّنَ فِيهَا مُرَادَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَوْلِهِ هَهُنَا: " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ " وَهُوَ تَفْسِيرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُنَالِكَ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَلَا الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ - فَقَطَعْنَا: أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: " وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ". وَشَهِدْنَا بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا لَبَيَّنَهُ وَوَضَّحَهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى ظَنِّ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَأْيِهِ، الَّذِي لَا رَأْيَ أَسْقَطُ مِنْهُ، وَلَا إلَى كَهَانَةِ أَصْحَابِهِ الْغَثَّةِ الَّتِي حُلْوَانُهُمْ عَلَيْهَا الْخِزْيَةُ فَقَطْ، قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَسَقَطَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.

وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ: أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الَّتِي فِي رُءُوسِ النَّخْلِ - وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ وَهَذَا آخَرُ. وَيَأْتُونَ إلَى مُجْمَلٍ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْهُ إلَّا مَا فَسَّرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَكَان آخَرَ، فَيَزِيدُونَ فِيهِ وَيُفَسِّرُونَهُ بِالْبَاطِلِ، وَبِمَا لَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْلًا. وَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَكِيلٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ اخْتَصَرَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَوْ وَهَمَ فِيهِ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، أَوْ وَهَمَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ - وَلَيْسَ هِشَامٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، دُونَ مَعْمَرٍ، إنْ لَمْ يَكُنْ هِشَامٌ أَحْفَظَ مِنْهُ. فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ - وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ - وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ أَنَا هِشَامٌ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ، وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ» . قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - وَهَذَا هُوَ خَبَرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو نَفْسُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَسْقَطَ مَعْمَرٌ ذِكْرَ التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ. وَمِنْ الْبَيَانِ الْوَاضِحِ عَلَى خَطَأِ مَعْمَرٍ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: إيرَادُهُ اللَّحْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ: لَا يَصْلُحُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ - وَوَاللَّهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ،

إلَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى شَيْءٍ، فَيَكُونُ ضَمِيرُهُ فِي " لَا يَصْلُحُ " لَا سِيَّمَا وَالْأَوْزَاعِيُّ يَذْكُرُ سَمَاعَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَمَاعَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ مَعْمَرٌ - وَهَذَا لَا يَكْدَحُ عِنْدَنَا شَيْئًا، إلَّا إذَا كَانَ خَبَرًا وَاحِدًا اخْتَلَفَ فِيهِ الرُّوَاةُ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الَّذِي ذَكَرَ السَّمَاعَ أَوْلَى، لَا سِيَّمَا مِمَّنْ ذَكَرَ بِتَدْلِيسٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَفْظُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمَعْمَرٍ، بِلَا زِيَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَا بَيَانٍ مِنْ سِوَاهُمَا، لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَا جِنْسَيْنِ أَصْلًا، وَهُمْ يُجِيزُونَ صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعِ تَمْرٍ، وَبِكُلِّ مَا لَيْسَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ - وَهَذَا خِلَافُ عُمُومِ الْخَبَرِ. فَإِنْ قَالُوا: فَسَّرَ هَذَا أَخْبَارٌ أُخَرُ؟ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ فَسَّرَتْ أَخْبَارٌ أُخَرُ مَا أَجْمَلَهُ مَعْمَرٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنْ يَقُولَ هَذَا فِي الْقَرْضِ لَا فِي الْبَيْعِ، نَعَمْ، لَا يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ صَاعَانِ بِصَاعٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا كَذَبُوا؛ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ صَاعَيْ شَعِيرٍ بِصَاعِ بُرٍّ، وَالنَّاسُ لَا يُجِيزُونَهُ كُلُّهُمْ، بَلْ يَخْتَلِفُونَ فِي إجَازَتِهِ. وَصَاعَيْ حِمَّصٍ بِصَاعِ لُبْيَاءَ، وَلَا إجْمَاعَ هَهُنَا، فَمَالِكٌ لَا يُجِيزُهُ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» ؟ قُلْنَا: صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَصْنَافِ الَّتِي سَمَّى فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِي آخِرِهِ - وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْلٌ بِظَنٍّ كَاذِبٍ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى لَفْظَةِ " لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ " لَيْسَتْ عَلَى

عُمُومِهَا، فَقَالُوا هُمْ: فِي كُلِّ مَكِيلٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَقُلْنَا نَحْنُ: هُوَ فِي الْأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَدَعْوَى كَدَعْوَى. وَبُرْهَانُنَا نَحْنُ -: صِحَّةُ النَّصِّ عَلَى قَوْلِنَا، وَبَقِيَ قَوْلُهُمْ بِلَا بُرْهَانٍ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي جُنَابٍ - وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ الْكَلْبِيُّ - تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَضَعُفَ، وَذَكَرَ بِتَدْلِيسٍ، ثُمَّ هُوَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ جُمْلَةً - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ عُمُومَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ كَمَا أَوْرَدْنَا، لَمْ يَسْمَعْهُ، لَا مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَلَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ فِيهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَابَ وَرَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِذَلِكَ - وَهَذَا الْبَاطِلُ وَقَوْلُ مَنْ بَلَغَهُ خَبَرٌ لَمْ يَشْهَدْهُ وَلَا أَخَذَهُ عَنْ ثِقَةٍ. وَقَدْ رَوَى رُجُوعَ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَبُو الْجَوْزَاءِ - رَوَاهُ عَنْهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّبَعِيُّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَرَوَى عَنْهُ طَاوُسٌ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ. وَرَوَى الثِّقَةُ الْمُخْتَصُّ بِهِ خِلَافَ هَذَا -: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي هَاشِمٍ أَنَا أَبُو بِشْرٍ - هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ الرِّبَا قَطُّ فِي هَاءٍ وَهَاتٍ. وَحَلَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بِاَللَّهِ مَا رَجَعَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حَيَّانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ انْسَنَدَ حَدِيثُ أَبِي مِجْلَزٍ الْمَذْكُورُ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ " وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ لَوْ صَحَّ. وَهُوَ أَيْضًا عَنْهُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ: نَافِعٌ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ، وَأَبُو نَضْرَةَ،

وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَكُلُّهُمْ مُتَّصِلُ الْأَسَانِيدِ بِالثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ إلَيْهِمْ، لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ فِيهِ، وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَّ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: ثُمَّ قَالَ فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ مِنْ ذِكْرِ " وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ " مَفْصُولًا عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي مِجْلَزٍ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامٌ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا أَثَرٌ، وَخِلَافُهُمْ لِيَقِينِ مَا فِيهِ مَنْسُوبًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، يَدًا بِيَدٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ» . فَقَالُوا هُمْ جِهَارًا: نَعَمْ، وَيَجُوزُ غَيْرُ عَيْنٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَيَجُوزُ عَيْنٌ بِغَيْرِ عَيْنٍ، نَعَمْ، يَجُوزُ تَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ وَبِأَكْثَرَ، فَهَلْ بَعْدَ هَذِهِ الْفَضَائِحِ فَضَائِحُ؟ أَوْ يَبْقَى مَعَ هَذَا دِينٌ أَوْ حَيَاءٌ مِنْ عَارٍ أَوْ خَوْفِ نَارٍ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ وَالدَّمَارِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِمَّا يَبِينُ غَايَةَ الْبَيَانِ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ - نَعْنِي وَكَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ - لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ - وَهُوَ أَيْضًا مُبْطِلٌ لِعِلَّتِهِمْ بِالْوَزْنِ، وَالْكَيْلِ، مِنْ طَرِيقِ ضَرُورَةِ الْحِسِّ، وَبَدِيهَةِ الْعَقْلِ، وَصَادِقِ النَّظَرِ، فَإِنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجْعَلُ عِلَّةَ الْحَرَامِ فِي الرِّبَا: الْوَزْنَ، وَالْكَيْلَ، وَالتَّفَاضُلَ فِيهِ، وَبَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدْرِي، وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَعْرِفُ: أَنَّ حُكْمَ الْمَبِيعَاتِ يَخْتَلِفُ فِي الْبِلَادِ أَشَدَّ اخْتِلَافٍ، فَمَا يُوزَنُ فِي بَلْدَةٍ يُكَالُ فِي أُخْرَى: كَالْعَسَلِ، وَالزَّيْتِ وَالدَّقِيقِ، وَالسَّمْنِ، يُبَاعُ الزَّيْتُ وَالْعَسَلُ بِبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَزْنًا، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْأَنْدَلُسِ إلَّا كَيْلًا. وَيُبَاعُ السَّمْنُ وَالدَّقِيقُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَيْلًا، وَلَا يُبَاعُ عِنْدَنَا إلَّا وَزْنًا، وَالتِّينُ يُبَاعُ بَرِّيَّةَ كَيْلًا، وَلَا يُبَاعُ بِإِشْبِيلِيَّةَ وَقُرْطُبَةَ إلَّا وَزْنًا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ. وَلَا سُبُلَ إلَى أَنْ يُعْرَفَ كَيْفَ كَانَ يُبَاعُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا،

فَحَصَلَ الرِّبَا لَا يُدْرَى مَا هُوَ حَتَّى يُجْتَنَبَ؟ وَلَا مَا لَيْسَ هُوَ فَيُسْتَعْمَلَ وَصَارَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْشَاجًا مُخْتَلِطَيْنِ لَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ هَذَا أَبَدًا. وَحَصَلَتْ الْأَنْوَاعُ الْمَبِيعَةُ كُلُّهَا الَّتِي يُدْخِلُونَ فِيهَا الرِّبَا لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهَا؟ وَلَا كَيْفَ يَسْلَمُ مِنْهُ؟ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دِينٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، هَيْهَاتَ أَيْنَ هَذَا الْقَوْلُ الْكَاذِبُ؟ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّادِقِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَمِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ» . فَإِنْ رَجَعُوا إلَى أَنْ يَجْعَلُوا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ عَادَتَهُ حَصَلَ الدِّينُ لَعِبًا إذَا شَاءَ أَهْلُ بَلَدٍ أَنْ يَسْتَحِلُّوا الْحَرَامَ رَدُّوا كُلَّ مَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِكَيْلٍ إلَى الْوَزْنِ، وَمَا كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِوَزْنٍ إلَى كَيْلٍ فَحَلَّ لَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ مَا كَانَ حَرَامًا أَمَسَّ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، أَوْ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَيْضًا يَدْخُلُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَدْخَلُوا الرِّبَا فِي الْمَأْكُولِ كُلِّهِ، أَوْ فِي الْمُدَّخَرِ الْمُقْتَاتِ: سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْأَصْنَافِ الْمَبِيعَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ صِنْفًا، وَلَا صِنْفَيْنِ، بَلْ هِيَ عَشَرَاتٌ كَثِيرَةٌ: بِأَيِّ شَيْءٍ يُوجِبُونَ فِيهَا التَّمَاثُلَ، أَبِالْكَيْلِ أَمْ بِالْوَزْنِ؟ فَأَيًّا مَا قَالُوا صَارُوا مُتَحَكِّمِينَ بِالْبَاطِلِ، وَلَمْ يَكُونُوا أَوْلَى مِنْ آخَرَ يَقُولُ بِالْوَزْنِ فِيمَا قَالُوا هُمْ فِيهِ بِالْكَيْلِ، أَوْ بِالْكَيْلِ فِيمَا قَالُوا هُمْ فِيهِ بِالْوَزْنِ، فَأَيْنَ الْمُخَلِّصُ؟ أَمْ كَيْفَ يَبِيعُ النَّاسُ مَا أُحِلَّ لَهُمْ مِنْ الْبَيْعِ؟ أَمْ كَيْفَ يَجْتَنِبُونَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الرِّبَا؟ وَهَذَا مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي لَا يَحِلُّ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَصِيحَةِ نَفْسِهِ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ لَا يُبَاعَ الصَّاعُ بِالصَّاعَيْنِ إذَا كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَ فَلَا بَأْسَ، وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي الدَّيْنِ فَلَا يَصْلُحُ - وَكُلُّ شَيْءٍ يُوزَنُ مِثْلُ ذَلِكَ كَهَيْئَةِ الْمِكْيَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا جَدِّي - هُوَ رَبَاحُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ: الْعَبْدُ خَيْرٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَةُ خَيْرٌ مِنْ الْأَمَتَيْنِ، وَالْبَعِيرُ خَيْرٌ مِنْ الْبَعِيرَيْنِ، وَالثَّوْبُ خَيْرٌ مِنْ الثَّوْبَيْنِ، فَمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسَاءِ إلَّا مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ: فَلَا يُبَاعُ صِنْفٌ مِنْهُ بِالصِّنْفِ الْآخَرِ

إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا فِيمَا يُكَالُ يَدًا بِيَدٍ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَا جَمِيعًا: سَلِّفْ مَا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ، وَسَلِّفْ مَا يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ فِيمَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ يُكَالُ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَزِدْ وَازْدَدْ يَدًا بِيَدٍ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا يُوزَنُ فَمِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ فَزِدْ وَازْدَدْ يَدًا بِيَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يُوزَنُ فَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُكَالُ فَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ. فَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ مَعْمَرٍ فَمُنْقَطِعَةٌ، وَعَنْ الْحَسَنِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ عَمَّارٍ: فَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِقَوْلِهِمْ، لَكِنَّهُمْ مَوَّهُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو قَوْلُهُ: إلَّا مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ أَنْ يَكُونَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ رِبًا، أَوْ يَكُونَ اسْتَثْنَاهُ مِمَّا قَالَ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ رِبًا، فَهُوَ ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ عَيْنًا، وَمُوجِبٌ أَنَّهُ لَا رِبَا إلَّا فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فِي النَّسِيئَةِ، فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَاهُ مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ، فَهُوَ أَيْضًا ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ وَمُوجِبُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَا كِيلَ بِمَا وُزِنَ يَدًا بِيَدٍ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي زَادُوهَا فَلَا يُبَاعُ صِنْفٌ مِنْهُ بِالصِّنْفِ الْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَهُوَ ضِدُّ مَذْهَبِهِمْ عِيَانًا بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي ذِكْرِنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ، فَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهِيَةُ التَّفَاضُلِ فِيمَا يُكَالُ، وَلَا يُوَافِقُهُ سَائِرُ أَقْوَالِهِمْ، وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ إلَّا عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ فَقَطْ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَنُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا عَلَى مَكِيلٍ، وَمَوْزُونٍ؟ قُلْنَا: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا عَلَى مَأْكُولٍ أَوْ

ثَمَنٍ - أَوْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا عَلَى مُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ، وَمَعْدِنِيٍّ؟ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ الطَّعَامُ. أَوْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا عَلَى مَا يُزَكَّى وَعَلَى مَالِحِ الطَّعْمِ فَقَطْ - أَوْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا عَلَى نَبَاتٍ، وَمَعْدِنِيٍّ، وَجَامِدٍ؟ فَأَدْخَلَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا يَنْبُتُ كَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَسْقَطَهُ عَنْ اللَّبَنِ وَمَا يَتَصَرَّفُ مِنْهُ، وَعَنْ الْعَسَلِ، وَاللَّحْمِ، وَالسَّمَكِ، فَلَيْسَ بَعْضُ هَذِهِ الدَّعَاوَى أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. وَكُلُّ هَذَا إذَا تَعَدَّى بِهِ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَهُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا عَجَزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ عَنْ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا مُرَادَهُ، وَحَاشَ لَهُ أَنْ يَكِلَنَا فِي أَصْعَبِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الرِّبَا الْمُتَوَعَّدِ فِيهِ بِنَارِ جَهَنَّمَ فِي الْآخِرَةِ وَالْحَرْبِ بِهِ فِي الدُّنْيَا إلَى هَذِهِ الْكَهَانَاتِ الْكَاذِبَةِ، وَالظُّنُونِ الْآفِكَةِ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ - وَنَحْمَدُ اللَّهُ عَلَى السَّلَامَةِ. وَعَهِدْنَا بِهِمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُجُوبِ قَطْعِ الْيَدِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ وَغَيْرُ مُوقِنِينَ بِوُجُوبِ قَطْعِهَا فِي أَقَلَّ، وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِتَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا أَسْكَرَ وَلَمْ نُوقِنْ بِتَحْرِيمِ مَا عَدَاهُ - وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِالْقَصْرِ فِي ثَلَاثٍ وَلَا نُوقِنُ بِهِ فِي أَقَلَّ، فَلَا نَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا نُوقِنُهُ. فَهَلَّا قَالُوا هَهُنَا: نَحْنُ مُوقِنُونَ بِالرِّبَا فِي الْأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا، فَلَا نَقُولُ بِهِ حَيْثُ لَا يَقِينَ مَعَنَا فِيهِ؟ وَلَوْ فَعَلُوا هَذَا هَهُنَا وَتَرَكُوا هُنَالِكَ لَوُفِّقُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّبِعُونَ السُّنَنَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ نَقَضُوا عِلَّتَهُمْ أَقْبَحَ نَقْضٍ، فَأَجَازُوا تَسْلِيفَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فِيمَا يُكَالُ، وَمَا يُوزَنُ. وَأَجَازُوا بَيْعَ آنِيَةِ نُحَاسٍ بِآنِيَةِ نُحَاسٍ أَوْ وَزْنٍ مِنْهَا، وَلَمْ يُجِيزُوا ذَلِكَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ فِي دُخُولِ الرِّبَا فِيهِ. ثُمَّ أَجَازُوا بَيْعَ قَمْحٍ بِعَيْنِهِ بِقَمْحٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، أَوْ تَمْرٍ بِعَيْنِهِ بِتَمْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ بِشَعِيرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَيُقْبَضُ الَّذِي بِغَيْرِ عَيْنِهِ ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ قَبْلَ قَبْضِ الَّذِي بِعَيْنِهِ - وَحَرَّمُوا ذَلِكَ فِي ذَهَبٍ بِعَيْنِهِ بِذَهَبٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَفِي فِضَّةٍ بِعَيْنِهَا بِفِضَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ

شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَا فِي نَصٍّ، وَلَا فِي مَعْقُولٍ، فَأَبَاحُوا الرِّبَا جِهَارًا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ - فَبَطَلَتْ عِلَّةُ هَؤُلَاءِ، وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ يَقِينًا. 1481 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَهُنَا أَشْيَاءُ ذَكَرَهَا الْقَائِلُونَ - بِتَعْلِيلِ حَدِيثِ الرِّبَا - كُلُّهُمْ، وَهِيَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ «عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْكِفَّةُ بِالْكِفَّةِ، حَتَّى خَلَصَ إلَى الْمِلْحِ» . قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَرَ غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا حَكِيمُ بْنُ جَابِرٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرَ الْبُرِّ، وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ -، فَبَطَلَ تَقْدِيرُهُمْ أَنَّهُ ذَكَرَ أَصْنَافًا لَمْ يَذْكُرْهَا غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ: «حَتَّى خَصَّ الْمِلْحَ» فَلَاحَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ تِلْكَ الْأَصْنَافِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَذْكُرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرَائِعَ مُفْتَرَضَةً فَيَسْقُطُ ذِكْرُهَا عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ - أَوَّلِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ - مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ، هَذَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . وقَوْله تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] . وَلَوْ جَازَ هَذَا لَكَانَ الدِّينُ لَمْ يَكْمُلْ، وَالشَّرِيعَةُ فَاسِدَةً، قَدْ ضَاعَتْ مِنْهَا عَنَّا أَشْيَاءُ، وَلَكُنَّا مُكَلَّفِينَ مَا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمَأْمُورِينَ بِمَا لَا نَدْرِيهِ أَبَدًا، وَهَذِهِ ضَلَالَاتٌ نَاهِيك بِهَا، وَبَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جُبَيْرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبُ بِالزَّبِيبِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالسَّمْنُ بِالسَّمْنِ، وَالزَّيْتُ بِالزَّيْتِ، وَالدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لَا فَضْلَ بَيْنَهُمْ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ إلَّا عَلَى بَيَانِ فَضِيحَتِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجُبَيْرَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ - مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَإِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ الْفَرْوِيُّ - مَتْرُوكٌ - وَيَزِيدَ بْنَ عِيَاضٍ - هُوَ ابْنُ جعدبة مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَوَضْعِ الْأَحَادِيثِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي إيجَابِ عِلَّةٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ زِيَادَةُ ذِكْرِ الزَّيْتِ، وَالسَّمْنِ، وَالزَّبِيبِ، فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفِينَ لَهُ، لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الدِّرْهَمَ بِأَوْزَنَ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَعْرُوفِ وَلَكَانَ الْحَنَفِيُّونَ مُخَالِفِينَ لَهُ، لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ بِسِتِّ تَمَرَاتٍ، وَعَشْرَ حَبَّاتِ بُرٍّ بِثَلَاثِينَ حَبَّةِ بُرٍّ - وَكَذَلِكَ فِي الشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْمِلْحِ، وَلَا يَحِلُّ تَحْرِيمُ حَلَالٍ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، فَيَسْتَعْجِلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الْمَعْصِيَةَ، وَالْوُقُوعُ فِي الْبَاطِلِ خَوْفَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ غَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَرِهَ مُدَّيْ ذُرَةٍ بِمُدِّ حِنْطَةٍ نَسِيئَةً - إبْرَاهِيمُ - مَتْرُوكٌ مُتَّهَمٌ - وَهَذَا كَرَاهِيَةٌ لَا تَحْرِيمٌ، وَلَا يُدْرَى هَلْ كَرِهَ الْكَيْلَ أَوْ الطَّعَامَ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ قَوْلٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَبَيَّنَّا خِلَافَهُمْ لَهَا، وَأَنَّهُمْ قَالُوا فِي ذَلِكَ بِأَقْوَالٍ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ مُجَاهَرَةُ مَنْ لَا دِينَ لَهُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى وُقُوعِ الرِّبَا فِيمَا عَدَا الْأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا - وَهَذَا كَذِبٌ مَفْضُوحٌ مِنْ قَرِيبٍ، وَاَللَّهِ مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ فِي الْأَصْنَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَكَيْفَ فِي غَيْرِهَا. أَوْ لَيْسَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولَانِ: لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ؟ وَعَلَيْهِ كَانَ عَطَاءٌ، وَأَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفُقَهَاءُ أَهْلِ مَكَّةَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَالْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّمَ مَا يُكَالُ فِيمَا يُكَالُ، وَمَا يُوزَنُ فِيمَا يُوزَنُ، إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ، وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا، وَمُخَالِفٌ لِجَمِيعِ قَوْلِ هَؤُلَاءِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إبَاحَةُ بَيْعِ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، يُقْبَضُ أَحَدُهُمَا وَيَتَأَخَّرُ قَبْضُ الْآخَرِ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى، وَلَا يُقَدِّرُونَ فِيمَا عَدَا السِّتَّةَ الْأَصْنَافِ فِي الرِّبَا عَلَى كَلِمَةٍ، إلَّا عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخْتَلِفِينَ، كُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، لَيْسَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ رِوَايَةٌ تُوَافِقُ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ. وَعَنْ نَحْوِ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ أَيْضًا كَذَلِكَ مُخَالِفِينَ لِأَقْوَالِهِمْ إلَّا إبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ، فَإِنَّهُ وَافَقَ قَوْلَهُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَيْضًا: فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَوَاهِيَةٌ لَا تَصِحُّ، فَمَنْ يَجْعَلُ مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا إلَّا مِنْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا عَقْلَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَوَجَدْنَا لِبِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ الْمَرِيسِيِّ قَوْلًا غَرِيبًا، وَهُوَ أَنَّ تَسْلِيمَ كُلِّ جِنْسٍ فِي غَيْرِ جِنْسِهِ جَائِزٌ كَالذَّهَبِ فِي الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةِ فِي الذَّهَبِ، وَالْقَمْحِ فِي الشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ فِي الْمِلْحِ، وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، وَأَنَّ الرِّبَا لَا يَقَعُ إلَّا فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ فَقَطْ. ثُمَّ لَا نَدْرِي أَعَمَّ كُلَّ جِنْسٍ فِي الْعَالَمِ قِيَاسًا عَلَى الْمَنْصُوصَاتِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ؟ أَوْ خَصَّ الْمَنْصُوصَاتِ فَقَطْ - وَهَذَا قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ. 1482 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا فَالْوَاجِبُ أَنْ نَذْكُرَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَنَا اللَّيْثُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟

فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -: أَرِنَا ذَهَبَك؟ ثُمَّ جِئْنَا إذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِك وَرِقَك؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلًّا، وَاَللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَةُ أَوْ لَتَرُدَّنَّ إلَيْهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا، إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ عَنْ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِنَحْوِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنَا هَمَّامٌ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، كَيْلًا بِكَيْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ أَنْصَارِيٌّ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ، وَأَبُو الْخَلِيلِ - هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ - ثِقَةٌ، وَمُسْلِمٌ الْمَكِّيُّ - هُوَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ الْخَيَّاطُ مَوْلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثِقَةٌ.

مسألة بيع القمح بالقمح وغيره من الصناف بعضها ببعض

وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ صِحَاحٍ فَلَا رِبَا إلَّا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ بِالْبَيَانِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَحَلَالٌ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الْقَمْح بالقمح وَغَيْره مِنْ الصناف بَعْضهَا بِبَعْضِ] 1483 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ قَمْحٌ بِقَمْحٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ - وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ شَعِيرٌ بِشَعِيرٍ إلَّا كَذَلِكَ. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ تَمْرٌ بِتَمْرٍ إلَّا كَذَلِكَ. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ مِلْحٌ بِمِلْحٍ إلَّا كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ مَعْدِنِيَّةٌ أَوْ مَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ مِنْ الْمَاءِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا كَمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الْقَمْحِ فَهِيَ كُلُّهَا قَمْحٌ - الْأَعْلَى، وَالْأَدْنَى، وَالْوَسَطُ: سَوَاءٌ فِيمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ أَقْسَامُ الشَّعِيرِ. وَكَذَلِكَ أَقْسَامُ التَّمْرِ فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ رِبًا حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ، سَوَاءٌ تَأَخَّرَ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ فِيمَا وَصَفْنَا. وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ نَوْعِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَلَا وَزْنًا بِكَيْلٍ، وَلَا جُزَافًا بِجُزَافٍ، وَلَا جُزَافًا بِكَيْلٍ، وَلَا جُزَافًا بِوَزْنٍ، لِأَنَّ كُلَّ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا، وَمَفْهُومُهُ وَمَوْضُوعُهُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: جَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِمُعَيَّنٍ وَبِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَتَأَخَّرَ التَّقَابُضُ عَنْ وَقْتِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَامَ يَخْطُبُ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إنَّ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ، وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارِ، عَيْنٌ بِعَيْنٍ، سَوَاءً سَوَاءً، مِثْلًا بِمِثْلٍ فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُجِيزُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَّا عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَيَرَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: فَخَالَفُوهُ.

مسألة بيع كل صنف مما بالأصناف الأخر منها متفاضلا ومتماثلا وجزافا

[مَسْأَلَةٌ بَيْعُ كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا بِالْأَصْنَافِ الْأُخَرِ مِنْهَا مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا وَجُزَافًا] مَسْأَلَةٌ: وَجَازَ بَيْعُ كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِالْأَصْنَافِ الْأُخَرِ مِنْهَا، مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا وَجُزَافًا، وَزْنًا وَكَيْلًا كَيْفَمَا شِئْتَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ التَّأْخِيرُ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَأَكْثَرَ، لَا فِي بَيْعٍ وَلَا فِي سَلَمٍ، وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَمْ يُجِزْ بَيْعَ الشَّعِيرِ بِالْقَمْحِ إلَّا مُتَمَاثِلًا كَيْلًا بِكَيْلٍ - وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، كَمَا قُلْنَا. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ - هُوَ مُحَمَّدٌ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ وَاسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، إلَّا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذِهِ بِمَسْأَلَةِ نَصِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ أَنَا يَزِيدُ أَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ - هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ - قَالَا جَمِيعًا: إنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَهُمْ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ، يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْنَا زَادَ أَحَدُهُمَا فِي حَدِيثِهِ: الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ، وَلَمْ يَقُلْهُ الْآخَرُ» .

فَهَذَا أَثَرٌ مُتَوَاتِرٌ رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو هُرَيْرَةَ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، وَأَبُو حَازِمٍ. وَرَوَاهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدٍ. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ: أَبُو قِلَابَةَ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ. وَرَوَاهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَبُو الْخَلِيلِ، وَابْنُ سِيرِينَ -. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ: النَّاسُ. وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ «مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ وَقَالَ: بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا، فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ؛ وَلَا تَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» قِيلَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ، قَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارَعَ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك طَعَامًا فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا، وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ غُلَامًا لَهُ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، وَزَجَرَهُ إنْ زَادُوهُ أَنْ يَزْدَادَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَبَابَةُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَيْقِيبٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا - وَهُوَ

قَوْلُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ - وَلَمْ يَصِحَّ - عَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ، عُمَرُ، وَسَعْدٌ، وَمُعَيْقِيبٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَمَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ عَلِيٌّ: وَجَسَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ -. وَجَسَرَ آخَرُ مِنْهُمْ فَادَّعَى إجْمَاعَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَا لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا. فَأَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ التَّمْرَ طَعَامًا وَيُبِيحُونَ فِيهِ التَّفَاضُلَ بِالْبُرِّ، فَقَدْ خَالَفُوا الْحَدِيثَ عَلَى تَأْوِيلِهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا نُخَالِفُهُمْ فِيهِ وَفِي جَوَازِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الطَّعَامَ لَا يَجُوزُ بِالطَّعَامِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، بَلْ هَذَا مَسْكُوتٌ عَنْهُ جُمْلَةً فِي خَبَرِ مَعْمَرٍ، وَمَنْصُوصٌ عَلَى جَوَازِهِ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُبَادَةَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ جُمْلَةً، وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَعْمَرٍ مِنْ رَأْيِهِ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ مِثْلَ الْقَمْحِ، لَكِنْ تَخَوَّفَ أَنْ يُضَارِعَهُ فَتَرَكَهُ احْتِيَاطًا لَا إيجَابًا. وَأَمَّا عَنْ عُمَرَ فَمُنْقَطِعٌ، وَكَذَلِكَ عَنْ مُعَيْقِيبٍ. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَسَعْدًا، وَأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَالْقَوَدِ مِنْ الضَّرْبَةِ، وَاللَّطْمَةِ - وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، نَعَمْ، وَمَعَهُمْ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ. وَقَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ - وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُ مِنْهُ - يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَصْلُحُ نَسِيئَةً - فَهَذَا عُبَادَةُ أَسْنَدَهُ وَأَفْتَى بِهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ عُمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا فِيمَا يُكَالُ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ، يَدًا بِيَدٍ إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ يَدًا بِيَدٍ. فَهَذِهِ أَسَانِيدُ أَصَحُّ مِنْ أَسَانِيدِهِمْ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ بِلَا شَكٍّ: أَنَّهُ صَحَّ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا رِبَا فِي التَّفَاضُلِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا بِجَرِيبَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ بِجَرِيبٍ مِنْ بُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْمُغِيرَةُ: سَأَلْته وَإِبْرَاهِيمَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَجْرِبَةٍ مِنْ شَعِيرٍ بِجَرِيبَيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ يَدًا بِيَدٍ، أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ أُنَيْسِ بْنِ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ - فَهَؤُلَاءِ خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صَحَّ عَنْهُمْ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فَالْمَرْدُودُ إلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، كَمَا ذَكَرْنَا، فَلَا قَوْلَ لِأَحَدٍ مَعَهُ. وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ إذْ يَجْعَلُ هَهُنَا وَفِي الزَّكَاةِ: الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالسَّلْتُ صِنْفًا وَاحِدًا ثُمَّ لَا يُجِيزُ لِمَنْ يَتَقَوَّتُ الْبُرَّ إخْرَاجَ الشَّعِيرِ أَوْ السَّلْتَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَقَوْلُ: أَنْ يَخْرُجَ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ. وَعَجَبٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ، وَيَرَى إخْرَاجَ

مسألة بيع الذهب بالفضة

أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ - وَيُجِيزُ هَهُنَا أَنْ يُبَاعَ الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلَيْنِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَمَا عَلِمَ قَطُّ أَحَدٌ، لَا فِي شَرِيعَةٍ، وَلَا فِي لُغَةٍ، وَلَا فِي طَبِيعَةٍ: أَنَّ الشَّعِيرَ بُرٌّ، وَلَا أَنَّ الْبُرَّ شَعِيرٌ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ يَشْهَدُ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ مُخْتَلِفَانِ كَاخْتِلَافِ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتِّينِ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُرًّا فَأَكَلَ شَعِيرًا - أَوْ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ بُرًّا - أَوْ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ بُرًّا فَاشْتَرَى شَعِيرًا - أَوْ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ شَعِيرًا فَاشْتَرَى بُرًّا: فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ. فَهَذِهِ تَنَاقُضَاتٌ فَاحِشَةٌ، لَا وَجْهَ لَهَا أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ] 1485 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ بِالْحُلِيِّ، أَوْ بِالنِّقَارِ، وَبِالدَّرَاهِمِ بِحُلِيِّ الذَّهَبِ وَسَبَائِكِهِ، وَتِبْرِهِ، وَالْحُلِيُّ مِنْ الْفِضَّةِ بِحُلِيِّ الذَّهَبِ وَسَبَائِكِهِ، وَسَبَائِكُ الذَّهَبِ وَتِبْرُهُ بِنِقَارِ الْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بُدَّ، عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَا بُدَّ، مُتَفَاضِلَيْنِ وَمُتَمَاثِلَيْنِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَجُزَافًا بِجُزَافٍ، وَوَزْنًا بِجُزَافٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا تَحَاشٍ شَيْئًا - وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لَا فِي بَيْعٍ وَلَا فِي سَلَمٍ. وَيُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ سَوَاءٌ كَانَ دَنَانِيرَ، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ سَبَائِكَ، أَوْ تِبْرًا، وَزْنًا بِوَزْنٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ، لَا يَحِلُّ التَّفَاضُلُ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا التَّأْخِيرُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لَا بَيْعًا وَلَا سَلَمًا. وَتُبَاعُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا أَوْ نِقَارًا، وَزْنًا بِوَزْنٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا التَّأْخِيرُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لَا بَيْعًا وَلَا سَلَمًا. وَلَا تَجُوزُ بُرَادَةُ أَحَدِهِمَا مِثْلُهَا مِنْ نَوْعِهَا كَيْلًا أَصْلًا، لَكِنْ بِوَزْنٍ وَلَا بُدَّ، وَلَا نُبَالِي كَانَ أَحَدُ الذَّهَبَيْنِ أَجْوَدَ مِنْ الْآخَرِ بِطَبْعِهِ أَوْ مِثْلَهُ. وَكَذَلِكَ فِي الْفِضَّتَيْنِ؛ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، إلَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَإِلَّا بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا: أَجَازُوا فِيهِمَا التَّفَاضُلَ يَدًا بِيَدٍ - وَإِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ: أَجَازَا بَيْعَ كُلِّ ذَلِكَ بِغَيْرِ

عَيْنِهِ - وَأَجَازَا تَأْخِيرَ الْقَبْضِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ قَبْلُ هَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ وَإِلَّا أَنَّ مَالِكًا لَا يُجِيزُ الْجُزَافَ فِي الدَّنَانِيرِ، وَلَا فِي الدَّرَاهِمِ، بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَيُجِيزُهُ فِي الْمَصُوغِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْمَصُوغِ مِنْ الْآخَرِ، وَيُجِيزُ إعْطَاءَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ وَزْنٍ مِنْهُ، عَلَى سَبِيلِ الْمُكَارَمَةِ. فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، فَلَا حُجَّةَ لِشَيْءٍ مِنْهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، بَلْ هُوَ خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ نَبِيعَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا يَدًا بِيَدٍ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ «عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: بَاعَ شَرِيكٌ لِي وَرِقًا بِنَسِيئَةٍ فَجَاءَنِي فَأَخْبَرَنِي فَقُلْتُ: هَذَا لَا يَصْلُحُ فَقَالَ: قَدْ وَاَللَّهِ بِعْتُهُ فِي السُّوقِ وَمَا عَابَهُ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَسَأَلْتُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَبِيعُ هَذَا الْبَيْعَ، فَقَالَ: مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَهُوَ رِبًا ثُمَّ قَالَ لِي: ائْتِ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرٍو - هُوَ ابْنُ دِينَارٍ - عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ فِي حَدِيثٍ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» .

مسألة بيع القمح والشعير وغيرهم بالذهب والفضة

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، لَا رِبَا فِي يَدٍ بِيَدٍ، وَالْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ الصِّرْفِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنْ وَجَدْتَ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمٍ نَقْدًا فَخُذْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدِيثُ عُبَادَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، فِي أَنَّ الْأَصْنَافَ السِّتَّةَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا بِصِنْفِهِ: رِبًا إنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى وَزْنِ الْآخَرِ: هُوَ زَائِدٌ حُكْمًا عَلَى حَدِيثِ أُسَامَةَ، وَالْبَرَاءِ، وَزَيْدٍ - وَالزِّيَادَةُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الْقَمْح وَالشَّعِير وَغَيْرهمْ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة] 1486 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالذَّهَبِ، أَوْ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً - وَجَائِزٌ تَسْلِيمُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِالْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِبَاحَةِ كُلِّ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة القرض فِي الْقَمْح وَالشَّعِير وَغَيْرهمْ مِنْ الْأَصْنَاف] 1487 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْقَرْضُ فَجَائِزٌ فِي الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَغَيْرِهَا، وَفِي كُلِّ مَا يُتَمَلَّكُ، وَيَحِلُّ إخْرَاجُهُ عَنْ الْمِلْكِ، وَلَا يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهِ، إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَكْثَرَ مِمَّا أَقْرَضَ، أَوْ أَقَلَّ مِمَّا أَقْرَضَ، أَوْ أَجْوَدَ مِمَّا أَقْرَضَ، أَوْ أَدْنَى مِمَّا أَقْرَضَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، كَمَا أَوْرَدْنَا بِأَنَّهُ رِبًا وَهُوَ فِيمَا عَدَاهَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ - وَيَجُوزُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَمُؤَخَّرًا بِغَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ، لَكِنْ حَالٌّ فِي الذِّمَّةِ مَتَى طَلَبَهُ صَاحِبُهُ أَخَذَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ يَنْتَفِعُ فِيهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِمَا اسْتَقْرَضَ -. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ حَدٌّ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي سَاعَةٍ فَمَا فَوْقَهَا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَالْقَرْضُ أَمَانَةٌ فَفُرِضَ أَدَاؤُهَا إلَى صَاحِبِهَا مَتَى طَلَبَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة بيع الذهب مع غيره أو ممزوج بغيره أو مضاف فيه أو مجموع إليه في دنانير أو غيرها

[مَسْأَلَة بَيْع الذَّهَب مَعَ غَيْره أَوْ ممزوج بِغَيْرِهِ أَوْ مضاف فِيهِ أَوْ مَجْمُوع إلَيْهِ فِي دَنَانِير أَوْ غَيْرهَا] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ مَعَ الذَّهَبِ شَيْءٌ غَيْرَهُ - أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا -: مَمْزُوجٌ بِهِ، أَوْ مُضَافٌ فِيهِ، أَوْ مَجْمُوعٌ إلَيْهِ فِي دَنَانِيرَ، أَوْ فِي غَيْرِهَا: لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَا دُونَهُ بِذَهَبٍ أَصْلًا، لَا بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَلَا بِأَقَلَّ، وَلَا بِمِثْلِهِ، إلَّا حَتَّى يَخْلُصُ الذَّهَبُ وَحْدَهُ خَالِصًا. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْفِضَّةِ شَيْءٌ غَيْرُهَا: كَصُفْرٍ، أَوْ ذَهَبٍ، أَوْ غَيْرُهُمَا، مَمْزُوجٌ بِهَا، أَوْ مُلْصَقٌ مَعَهَا، أَوْ مَجْمُوعٌ إلَيْهَا: لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَا دُونَهُ بِفِضَّةٍ أَصْلًا - دَرَاهِمَ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ دَرَاهِمَ - لَا بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، وَلَا بِأَقَلَّ، وَلَا بِمِثْلِ وَزْنِهَا، إلَّا حَتَّى تَخْلُصَ الْفِضَّةُ وَحْدَهَا خَالِصَةً، سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا: السَّيْفُ الْمُحَلَّى، وَالْمُصْحَفُ الْمُحَلَّى، وَالْخَاتَمُ فِيهِ الْفَصُّ، وَالْحُلِيُّ فِيهِ الْفُصُوصُ، أَوْ الْفِضَّةُ الْمُذَهَّبَةُ، أَوْ الدَّنَانِيرُ فِيهَا خِلْطُ صُفْرٍ أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ الدَّرَاهِمُ فِيهَا خِلْطٌ مَا، وَلَا رِبَا فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَصْلًا. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْقَمْحِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ مَخْلُوطٌ بِهِ، أَوْ مُضَافٌ إلَيْهِ مِنْ دَغَلٍ أَوْ غَيْرِهِ: لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلَا دُونَهُ بِقَمْحٍ صَافٍ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الشَّعِيرِ - فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْ مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ -: فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ بِشَعِيرٍ مَحْضٍ - وَفِي التَّمْرِ يَكُونُ مَعَهُ أَوْ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْ مَعَهُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ بِتَمْرٍ مَحْضٍ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمِلْحِ يَكُونُ فِيهِ أَوْ مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ -: فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ بِمِلْحٍ صَافٍ. وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ أَثَرُ الْخِلْطِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا - وَأَمَّا مَا لَمْ يُؤَثِّرْ وَلَا ظَهَرَ لَهُ فِيهِ عَيْنٌ وَلَا نَظَرٌ أَيْضًا: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَحْضِ؛ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ إنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَسَبِ الصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تَنْتَقِلُ الْحُدُودُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُبَاعَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِمَا، إلَّا عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَأَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ» ، فَإِذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ خِلْطٌ أَوْ شَيْءٌ مُضَافٌ إلَيْهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِهِ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَلَا كَيْلًا بِكَيْلٍ، وَلَا وَزْنًا بِوَزْنٍ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا.

فَقَالَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ: إذَا عَلِمْنَا وَزْنَهُ أَوْ كَيْلَهُ: جَازَ بَيْعُهُ بِشَيْءٍ مِنْ نَوْعِهِ أَكْثَرَ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا مِنْهُ، فَيَكُونُ مِقْدَارُ وَزْنِهِ بِهِ، أَوْ مِقْدَارُ كَيْلِهِ كَذَلِكَ، وَيَكُونُ الْفَضْلُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ -: مِثَالُ ذَلِكَ: دِينَارٌ فِيهِ حَبَّةُ فِضَّةٍ فَيُبَاعُ بِدِينَارٍ ذَهَبٍ صِرْفٍ، فَيَكُونُ مِنْ هَذَا الدِّينَارِ الصِّرْفِ دِينَارٌ غَيْرُ حَبَّةٍ بِإِزَاءِ الذَّهَبِ الَّذِي فِي ذَلِكَ الدِّينَارِ الَّذِي فِيهِ حَبَّةُ فِضَّةٍ، وَيَكُونُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ ذَهَبِ هَذَا الدِّينَارِ بِالْحَبَّةِ الْفِضَّةُ. وَكَذَلِكَ الدِّرْهَمُ يَكُونُ فِيهِ رُبُعُهُ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ نِصْفُهُ صُفْرًا فَيُبَاعُ بِدِرْهَمِ فِضَّةٍ مَحْضَةٍ، فَيَكُونُ مَا فِي هَذَا الدِّرْهَمِ مِنْ الْفِضَّةِ بِإِزَاءِ وَزْنِهِ مِنْ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ الْآخَرِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَيَكُونُ الصُّفْرُ الَّذِي مَعَ هَذِهِ الْفِضَّةِ بِإِزَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ مِنْ الْفِضَّةِ - وَهَكَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: إنْ كُنْتُمْ تَخَلَّصْتُمْ بِهَذِهِ النِّيَّةِ مِنْ الْوَزْنِ، فَلَمْ تَتَخَلَّصُوا مِنْ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَيُّ فِضَّةٍ هَذَا الدِّرْهَمُ بِعْتُمْ بِفِضَّةِ ذَلِكَ الْآخَرِ؟ وَقَدْ افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ إلَّا عَيْنًا بِعَيْنِ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا نَصٌّ؟ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ - هُوَ أَبُو شُجَاعٍ - عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا، فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ بَيْنَهُمَا» .

فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى نِيَّتِهِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ غَرَضُهُ الْخَرَزَ وَيَكُونُ الذَّهَبُ تَبَعًا، وَلَا رَاعَى كَثْرَةَ ثَمَنٍ مِنْ قِلَّتِهِ، وَأَوْجَبَ التَّمْيِيزَ وَالْمُوَازَنَةَ وَلَا بُدَّ - وَفِي هَذَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ طَرَفًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ حُنَيْنٍ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - وَهُوَ يَخْطُبُ - إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بِأَرْضِنَا قَوْمًا يَأْكُلُونَ الرِّبَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: يَبِيعُونَ جَامَاتٍ مَخْلُوطَةً بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ بِوَرِقٍ، فَنَكَّسَ عَلِيٌّ رَأْسَهُ، وَقَالَ: لَا - أَيْ لَا بَأْسَ بِهِ - وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ السَّمَّاكِ بْنِ مُوسَى عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ أَعْطَاهُ آنِيَةً خُسْرُوَانِيَّةً مَجْمُوعَةً بِالذَّهَبِ فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ فَبِعْهَا وَاشْتَرَطَ رِضَانَا، فَبَاعَهَا مِنْ يَهُودِيٍّ بِضِعْفِ وَزْنِهَا، ثُمَّ أَخْبَرَ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ فَارْدُدْهُ، لَا، إلَّا بِزِنَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ زُيُوفًا بِدَرَاهِمَ دُونَ وَزْنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ خَبَّابٌ قَيْنًا، وَكَانَ رُبَّمَا اشْتَرَى السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْوَرِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ يَزِيدَ الدَّالَانِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ وَنَشْتَرِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالدَّرَاهِمِ. فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَطَارِقٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَخَبَّابٌ، إلَّا أَنَّ عَلِيًّا، وَخَبَّابًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَطَارِقًا، وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَخُصُّوا بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ وَلَا أَقَلَّ - وَعُمَرُ رَاعَى وَزْنَ الْفِضَّةِ وَأَلْغَى الذَّهَبَ، إلَّا أَنَّهُ أَجَازَ الصَّرْفَ بِخِيَارِ رِضَاهُ بَعْدَ افْتِرَاقِ الْمُتَصَارِفِينَ - وَأَنَسٌ وَحْدَهُ رَاعَى أَكْثَرَ مِنْ الْوَزْنِ، وَأَجَازَ الْخِيَارَ فِي الصَّرْفِ.

وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي غُنْيَةً سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَسِتِّينَ دِرْهَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ أَلْفٌ بِأَلْفٍ وَالْفَضْلُ بِالدَّنَانِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَيُّ بْنُ عُمَرَ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ حَيٌّ: عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: لَا بَأْسَ بِالسَّيْفِ فِيهِ الْحِلْيَةُ، وَالْمِنْطَقَةُ، وَالْخَاتَمُ أَنْ يَبْتَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ أَوْ بِأَقَلَّ وَنَسِيئَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْخَاتَمِ أَبِيعُهُ نَسِيئَةً؟ فَقَالَ: أَفِيه فَصٌّ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَكَأَنَّهُ هَوَّنَ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ - وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ هِشَامٌ: عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ سِيرِينَ، وَقَتَادَةُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشِرَاءِ السَّيْفِ الْمُفَضَّضِ، وَالْخِوَانِ الْمُفَضَّضِ، وَالْقَدَحِ بِالدَّرَاهِمِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ - وَرُوِيَ هَذَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَمَكْحُولٍ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ - هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالسَّيْفِ الْمُحَلَّى يُشْتَرَى نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَيَقُولُ: فِيهِ الْحَدِيدُ، وَالْحَمَائِلُ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ السَّيْفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَكْثَرَ مِنْ الْحِلْيَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَرُوِّينَا مِثْلَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلًا ثَالِثًا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَكُونَانِ جَمِيعًا؟ قَالَ: لَا يُبَاعُ إلَّا بِوَزْنٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَأَنَّهُ يُلْغِي الْوَاحِدَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَبَعًا، وَكَانَ الْفَضْلُ فِي النَّصْلِ: جَازَ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ نَقْدًا وَتَأْخِيرًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ فِضَّةُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ، أَوْ الْمُصْحَفُ كَذَلِكَ، أَوْ الْمِنْطَقَةُ كَذَلِكَ، أَوْ خَاتَمُ الْفِضَّةِ كَذَلِكَ: يَقَعُ فِي الثُّلُثِ مِنْ قِيمَتِهَا مَعَ النَّصْلِ، وَالْغِمْدِ، وَالْحَمَائِلِ، وَمَعَ الْمُصْحَفِ، وَمَعَ الْفَصِّ، وَكَانَ حُلِيُّ النِّسَاءِ مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ، يَقَعُ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ فِي ثُلُثِ قِيمَةِ الْجَمِيعِ مَعَ الْحِجَارَةِ فَأَقَلَّ: جَازَ بَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِنَوْعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ وَمِثْلَهُ، وَأَقَلَّ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ أَصْلًا. وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ حَرَامٌ كَالتَّأْخِيرِ وَلَا فَرْقَ، فَإِنْ مَنَعَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلْيَمْنَعْ مِنْ الْآخَرِ - وَإِنْ أَجَازَ أَحَدَهُمَا - لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَلْيُجِزْ الْآخَرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ. وَتَحْدِيدُهُ الثُّلُثَ عَجَبٌ آخَرُ؟ وَمَا عَقَلَ قَطُّ أَحَدٌ أَنَّ وَزْنَ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ فِضَّةً تَكُونُ ثُلُثَ قِيمَةِ مَا هِيَ فِيهِ يَكُونُ قَلِيلًا، وَوَزْنَ دِرْهَمٍ فِضَّةً يَكُونُ نِصْفَ قِيمَةِ مَا هِيَ فِيهِ يَكُونُ كَثِيرًا - وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا احْتِيَاطٍ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا يَكُونُ فِيهِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْهُمَا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - كَالسِّكِّينِ الْمُحَلَّاةِ بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ، وَالسَّرْجُ كَذَلِكَ، وَكُلُّ شَيْءٍ كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ إذَا نُزِعَ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ، فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِبَيْعِهِ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ نَقْدًا وَبِتَأْخِيرٍ، وَكَيْفَ شَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: شَيْءٌ لَهُ بَالٌ كَلَامٌ لَا يَحْصُلُ، وَحَبَّةُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَهَا بَالٌ عِنْدَ الْمَسَاكِينِ، نَعَمْ، وَعِنْدَ التُّجَّارِ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَنَا تَزِيدُهَا فِي الْمُوَازَنَةِ فِيمَا فِيهِ الرِّبَا، ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ السَّيْفِ، وَالْمُصْحَفِ، وَالْخَاتَمِ، وَالْمِنْطَقَةِ، وَحُلِيِّ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ - وَبَيْنَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالْمَهَامِيزِ، وَالسِّكِّينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَجَبٌ جِدًّا؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ؟ قُلْنَا: وَالدَّنَانِيرُ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهَا فَأَجِيزُوا بَيْعَهَا مَعَ غَيْرِهَا بِذَهَبٍ إذَا كَانَتْ ثُلُثَ الْقِيمَةِ

فَأَقَلَّ - وَأَجَازَ مَالِكٌ بَدَلَ الدَّنَانِيرِ الْمَحْضَةِ بِالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ بِالصُّفْرِ، أَوْ الْفِضَّةِ - كَثُرَ الْغِشُّ أَمْ قَلَّ - كَانَ الثُّلُثُ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ - مِثْلًا بِمِثْلٍ. وَكَذَلِكَ أَجَازَ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بِالصُّفْرِ وَغَيْرِهِ بِالدَّرَاهِمِ الْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ - كَانَ الْغِشُّ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاسْمِ الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ يَرَى فِي الْمَغْشُوشَةِ الزَّكَاةَ إذَا بَلَغَ وَزْنُهَا بِغِشِّهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ بَلَغَ وَزْنُ الدَّنَانِيرِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ فِيهِمَا أَقَلَّ مِنْ الْعُشْرِ. وَهَذَا تَنَاقُضٌ آخَرُ، وَلَئِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الصَّافِيَةِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَكَانَتْ وَرِقًا، فَإِنَّ بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَوَرِقٌ وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَيْئًا وَاحِدًا، وَلَا هِيَ وَرِقٌ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا لَا تَجِبُ لِذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَبَيْنَ الْبَيْعِ: عَجَبٌ آخَرُ مَا سَمِعْنَاهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ؟ وَلَئِنْ كَانَ لِلْبَدَلِ هُنَا غَيْرُ حُكْمِ الْبَيْعِ لَيَجُوزَنَّ الدِّينَارُ بِالدِّينَارَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ، لَا عَلَى اسْمِ الْبَيْعِ، وَهَذِهِ عَجَائِبُ كَمَا تَسْمَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ شَيْءٍ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِنَوْعِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْمَبِيعِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ، وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بِأَقَلَّ. قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ مَا يَقَعُ لِلْفِضَّةِ أَوْ لِلذَّهَبِ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَكَانَ هَذَا طَرِيفًا جِدًّا، وَمُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ: إنْ كَانَ الثُّلُثَانِ هُوَ الصُّفْرُ، وَكَانَتْ الْفِضَّةُ الثُّلُثَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي إنْ خَلَصَتْ أَيَبْقَى الصُّفْرُ أَمْ يَحْتَرِقُ؟ فَلَا بَأْسَ يَبِيعُهَا بِوَزْنِ جَمِيعِهَا فِضَّةً مَحْضَةً. وَبِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ جَمِيعِهَا أَيْضًا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمِثْلِ الْفِضَّةِ الَّتِي فِيهَا وَلَا بِأَقَلَّ مِنْهَا. قَالَ: فَإِنْ كَانَ نِصْفُهَا صُفْرًا أَوْ نِصْفُهَا فِضَّةً؟ فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ هِيَ الْغَالِبَةُ: جَازَ

بَيْعُهَا بِوَزْنِ جَمِيعِهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ، وَلَا تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا غَالِيًا لِلْآخَرِ جَازَ بَيْعُهَا حِينَئِذٍ بِمِثْلِ وَزْنِ جَمِيعِهَا فِضَّةً مَحْضَةً، وَبِأَكْثَرَ وَبِأَقَلَّ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِضَّةُ الثَّمَنِ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَيُّ الْفِضَّتَيْنِ أَكْثَرُ الَّتِي هِيَ ثَمَنٌ أَمْ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ؟ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ ثُلُثَا الدَّرَاهِمِ وَثُلُثُهَا صُفْرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُبَاعَ بِالْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، لَا بِأَقَلَّ وَلَا بِأَكْثَرَ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لَوْ قَالَهَا صَبِيٌّ فِي أَوَّلِ فَهْمِهِ لَيُئِسَ مِنْ فَلَاحِهِ، وَلَوَجَبَ أَنْ يُسْتَعَدَّ لَهُ بَغْلٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ، وَمَا لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ وَجْهٌ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَلَا احْتِيَاطٍ، وَلَا سَمِعْتُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَالْعَجَبُ: أَنَّهُ مَرَّةً رَأَى الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلًا. وَمَرَّةً رَأَى الرُّبُعَ كَثِيرًا، فِيمَا يَنْكَشِفُ مِنْ بَطْنِ الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ. وَمَرَّةً رَأَى مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ كَثِيرًا فِيمَا يَنْكَشِفُ مِنْ فَخِذِهَا أَوْ دُبُرِهَا. وَمَرَّةً رَأَى النِّصْفَ قَلِيلًا. وَمَرَّةً رَأَى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ كَثِيرًا. وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لَا تُعْقَلُ، وَتَحَكُّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِنَا عَنْ طَوَائِفَ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِأَرْضِ فَارِسٍ: لَا تَبِيعُوا سُيُوفًا فِيهَا حَلْقَةُ فِضَّةٍ بِالدَّرَاهِمِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ حَدَّثَنِي يَحْيَى الطَّوِيلُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،

فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ يَكْسُدُ عَلَيَّ الْوَرِقُ أَفَأَصْرِفُهُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؟ قَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا الْعَجْلَانُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ السَّمَّانِينَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ دَرَاهِمُ لَا تُنْفَقُ فَلْيَبْتَعْ بِهَا ذَهَبًا، وَلْيَبْتَعْ بِالذَّهَبِ مَا شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ زُيُوفًا وَقِسْيَانَ بِدَرَاهِمَ دُونَ وَزْنِهَا؟ فَنَهَاهُ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَوْقِدْ عَلَيْهَا حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِيهَا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ وَتَخْلُصَ، ثُمَّ بِعْ الْفِضَّةَ بِوَزْنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ أَخْبَرَهُمْ «عَنْ حَنَشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِي غَزْوَةٍ فَطَارَتْ لِي وَلِأَصْحَابِي قِلَادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا، فَسَأَلْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ؟ فَقَالَ: انْزِعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ، ثُمَّ لَا تَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ.» . ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَبِيعُ سَرْجًا وَلَا سَيْفًا فِيهِ فِضَّةٌ حَتَّى يَنْزِعَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ: فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشْتَرَى السَّيْفُ الْمُحَلَّى بِفِضَّةٍ، وَيَقُولُ: اشْتَرِهِ بِالذَّهَبِ يَدًا بِيَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ: كَانَ يَكْرَهُ شِرَاءَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى إلَّا بِعَرَضٍ.

مسألة بيع الذهب نسيئة

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ فِضَّةً اشْتَرَاهَا بِالذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ ذَهَبًا اشْتَرَاهَا بِالْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً فَلَا يَشْتَرِيهَا بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَاشْتَرَاهَا بِعَرَضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَتَى بِطَوْقٍ ذَهَبٍ فِيهِ جَوْهَرٌ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَزِيلُوا الذَّهَبَ مِنْ الْجَوْهَرِ فَبِيعُوا الذَّهَبَ يَدًا بِيَدٍ وَبِيعُوا الْجَوْهَرَ كَيْفَ شِئْتُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ شُرَيْحٌ عَنْ طَوْقِ ذَهَبٍ فِيهِ فُصُوصٌ، أَتُبَاعُ بِدَنَانِيرَ؟ قَالَ: تُنْزَعُ الْفُصُوصُ ثُمَّ يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، قَالَا جَمِيعًا: يُكْرَهُ أَنْ يُبَاعَ الْخَاتَمُ فِيهِ فِضَّةٌ بِالْوَرِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُشْتَرَى ذَهَبٌ، وَفِضَّةٌ بِذَهَبٍ، وَقَالَ حَمَّادٌ: فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ؟ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ اشْتَرِ أَلْفَ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكُلُّ مَا قُلْنَا فَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الذَّهَب نَسِيئَة] 1489 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ ذَهَبٌ وَشَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْفِضَّةِ مَعَهُ أَوْ مُرَكَّبًا فِيهِ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا هُوَ مَعَ مَا هُوَ مَعَهُ وَدُونَهُ بِالدَّرَاهِمِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً. وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ مَعَهَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الذَّهَبِ أَوْ مُرَكَّبًا فِيهَا، أَوْ هِيَ فِيهِ: جَازَ بَيْعُهَا مَعَ مَا هِيَ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ بِالدَّنَانِيرِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً. وَكَذَلِكَ الْقَمْحُ مَعَهُ تَمْرٌ أَوْ مِلْحٌ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ مَعَ الْآخَرِ أَوْ دُونَهُ بِشَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً.

مسألة بيع الدراهم المنقوشة والمغشوشة

وَكَذَلِكَ الشَّعِيرُ مَعَهُ تَمْرٌ أَوْ مِلْحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ وَمَا مَعَهُ أَوْ دُونَهُ بِقَمْحٍ نَقْدًا، لَا نَسِيئَةً وَكَذَلِكَ التَّمْرُ مَعَهُ شَعِيرٌ أَوْ مِلْحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ بِقَمْحٍ نَقْدًا، لَا نَسِيئَةً. وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ مَعَهُ قَمْحٌ أَوْ شَعِيرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ نَقْدًا، لَا بِنَسِيئَةٍ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَسَقَطَتْ الْمُوَازَنَةُ، وَالْمُكَايَلَةُ، وَالْمُمَاثَلَةُ، وَبَقِيَ النَّقْدُ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ: أَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَى مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ دِيبَاجَةً مُلْحَمَةً بِذَهَبٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ بِنِسَاءٍ فَأَحْرَقَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَأَجَازَ رَبِيعَةُ بَيْعَ سَيْفٍ مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِذَهَبٍ إلَى أَجَلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ: وَالْحَنَفِيُّونَ فَخَالَفُوا عَمَلَ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. [مَسْأَلَة بَيْع الدَّرَاهِم المنقوشة والمغشوشة] 1490 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَنْقُوشَةُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَغْشُوشَةُ فَإِنَّهُ إنْ تَبَايَعَ اثْنَانِ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً قَدْ ظَهَرَ الْغِشُّ فِيهَا بِدَرَاهِمَ مَغْشُوشَةٍ قَدْ ظَهَرَ الْغِشُّ فِيهَا: فَهُوَ جَائِزٌ إذَا تَعَاقَدَا الْبَيْعَ، عَلَى أَنَّ الصُّفْرَ الَّذِي فِي هَذِهِ بِالْفِضَّةِ الَّتِي فِي تِلْكَ، وَالْفِضَّةَ الَّتِي فِي هَذِهِ بِالصُّفْرِ الَّذِي فِي تِلْكَ: فَهَذَا جَائِزٌ حَلَالٌ، سَوَاءٌ تَبَايَعَا ذَلِكَ مُتَفَاضِلًا، أَوْ مُتَمَاثِلًا، أَوْ جُزَافًا بِمَعْلُومٍ، أَوْ جُزَافًا بِجُزَافٍ، لِأَنَّ الصُّفْرَ بِالْفِضَّةِ حَلَالٌ. وَكَذَلِكَ إنْ تَبَايَعَا دَنَانِيرَ مَغْشُوشَةً بِدَنَانِيرَ مَغْشُوشَةٍ قَدْ ظَهَرَ الْغِشُّ فِي كِلَيْهِمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ تَبَايَعَا ذَهَبَ هَذِهِ بِفِضَّةِ تِلْكَ وَذَهَبَ تِلْكَ بِفِضَّةِ هَذِهِ: فَهَذَا أَيْضًا حَلَالٌ مُتَمَاثِلًا، وَمُتَفَاضِلًا، وَجُزَافًا نَقْدًا وَلَا بُدَّ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ، فَالتَّفَاضُلُ جَائِزٌ، وَالتَّنَاقُدُ فَرْضٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة بيع القمح بدقيقه وسويقه وخبزه وغير ذلك

[مَسْأَلَة بَيْع الْقَمْح بدقيقه وسويقه وخبزه وَغَيْر ذَلِكَ] مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ وَسَوِيقِ الْقَمْحِ وَبِخُبْزِ الْقَمْحِ وَدَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَبِسَوِيقِهِ وَخُبْزِهِ، وَسَوِيقِهِ بِسَوِيقِهِ وَبِخُبْزِهِ، وَخُبْزِ الْقَمْحِ بِخُبْزِ الْقَمْحِ، مُتَفَاضِلًا كُلُّ ذَلِكَ، وَمُتَمَاثِلًا، وَجُزَافًا وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ، وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتِ، وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَبِالْعَصِيرِ، وَبِخَلِّ الْعِنَبِ بِالْخَلِّ، يَدًا بِيَدٍ وَأَنْ يُسَلَّمَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا بَعْضُهُ فِي بَعْضِ. وَكَذَلِكَ دَقِيقُ الشَّعِيرِ بِالْقَمْحِ وَبِالشَّعِيرِ وَبِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَبِخُبْزِهِ، وَالتِّينِ بِالتِّينِ، وَالزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ، وَالْأُرْزِ بِالْأُرْزِ، كَيْفَ شِئْت مُتَفَاضِلًا، وَمُتَمَاثِلًا؛ وَيُسَلَّمُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. وَلَا رِبَا أَلْبَتَّةَ، وَلَا حَرَامَ، إلَّا فِي الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَا وَفِي الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا، وَيَجُوزُ وَزْنًا كَيْفَ شِئْت. وَفِي الزَّرْعِ الْقَائِمِ بِالْقَمْحِ كَيْلًا، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَيْسَ قَمْحًا وَلَا شَعِيرًا وَلَا سَنْبَلَ بَعْدُ: فَقَدْ جَازَ بَيْعُهُ بِالشَّعِيرِ كَيْلًا وَبِكُلِّ شَيْءٍ مَا عَدَا الْقَمْحِ كَيْلًا. وَأَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ السَّوِيقَ مِنْ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا. وَأَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ خُبْزَ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا وَكُلُّ ذَلِكَ أَصْلُهُ الْقَمْحُ، وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لَا رِبَا وَلَا حَرَامَ إلَّا مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَقَالَ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] «وَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَصَحَّ بِأَوْضَحِ مِنْ الشَّمْسِ أَنَّ كُلَّ تِجَارَةٍ، وَكُلَّ بَيْعٍ، وَكُلَّ سَلَفٍ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ: فَحَلَالٌ مُطْلَقٌ لَا مِرْيَةَ فِي ذَلِكَ، إلَّا مَا فَصَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا تَحْرِيمَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَبِتُّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى عِبَادِهِ شَيْئًا

مسألة أخذ الدراهم عن الدنانير أو الدنانير عن الدراهم

كَتَمَهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكِلْنَا فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا إلَى ظُنُونِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، الشَّافِعِيِّ، أَوْ غَيْرِهِمْ، وَلَا إلَى ظُنُونِنَا وَلَا إلَى ظَنِّ أَحَدٍ، وَلَا إلَى دَعَاوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا. وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إذَا كَانَ الزَّيْتُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قَالُوا: هِيَ مُزَابَنَةٌ؟ قُلْنَا: قُلْتُمْ الْبَاطِلَ، قَدْ فَسَّرَ الْمُزَابَنَةَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللُّغَةِ وَبِالدِّينِ فَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيهِ أَصْلًا فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هَذِهِ مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ الزَّبِيبَ هُوَ عَيْنُ الْعِنَبِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنَّهُ يَبِسَ، وَالتَّمْرُ هُوَ عَيْنُ الرُّطَبِ إلَّا أَنَّهُ يَابِسٌ وَالزَّيْتُ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ لَكِنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ كَخُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ الْغَنَمِ، وَالتَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ، وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ: جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا مَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ الْمُخْتَلِفَةَ الْمُتَنَاقِضَةَ وَكُلُّ قَوْلٍ مِنْهَا يُكَذِّبُ قَوْلَ الْآخَرِ وَيُبْطِلُهُ، وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْخَطَأِ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَا بُرْهَانٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا كَثِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ؟ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا فَهُوَ رِيبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ، وَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُمَاثَلَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْمُزَابَنَةِ فَأَغْنَى عَنْ تَكْرَارِهِ [مَسْأَلَة أَخَذَ الدَّرَاهِم عَنْ الدَّنَانِير أَوْ الدَّنَانِير عَنْ الدَّرَاهِم] 1492 -

مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دَنَانِيرُ، أَوْ دَرَاهِمُ، أَوْ قَمْحٌ، أَوْ شَعِيرٌ، أَوْ مِلْحٌ، أَوْ تَمْرٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لَا تَحَاشَ شَيْئًا إمَّا مِنْ بَيْعٍ، إمَّا مِنْ قَرْضٍ، أَوْ مِنْ سَلَمٍ، أَوْ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَهُ حَالًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَالٍّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَالِهِ عِنْدَهُ أَصْلًا. فَإِنْ أَخَذَ دَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ، أَوْ دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ، أَوْ شَعِيرًا عَنْ بُرٍّ، أَوْ دَرَاهِمَ عَنْ عَرَضٍ، أَوْ نَوْعًا عَنْ نَوْعٍ لَا تَحَاشَ شَيْئًا: فَهُوَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا رِبًا مَحْضٌ، وَفِيمَا لَا يَقَعُ فِي الرِّبَا حَرَامٌ بَحْتٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْسُوخٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ، إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الِانْتِصَافِ أَلْبَتَّةَ فَيَأْخُذُ مَا أَمْكَنَهُ، مِمَّا يَحِلُّ مِلْكُهُ، لَا تَحَاشَ شَيْئًا، بِمِقْدَارِ حَقِّهِ، وَلَا مَزِيدَ، فَهَذَا حَلَالٌ لَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ تَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، وَالْبُرَّ، وَالتَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ، وَالْمِلْحَ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَالْعَمَلُ الَّذِي وَصَفْنَا لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ، بَلْ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْدِنِهِ بَعْدُ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَأَيْضًا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ «أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا شَيْئًا غَائِبًا مِنْهُ بِنَاجِزٍ، إلَّا يَدًا بِيَدٍ» وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ أَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الْمِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، عَنْ الصَّرْفِ؟ فَكِلَاهُمَا يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا»

وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَصْحَابُنَا، إلَى جَوَازِ أَخْذِ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِق، وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، وَآخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةٌ فِيهِ، لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ: حَدَّثَك فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فِيمَ سُئِلَ عَنْهُ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِهَذَا السَّنَدِ بِبَيَانِ غَيْرِ مَا ذَكَرُوا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَبِيعُ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: إذَا بَايَعْت صَاحِبَكَ فَلَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ لَبْسٌ» وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ. وَثَالِثُهَا - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ كَمَا يُرِيدُونَ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ اشْتِرَاطَ أَخْذِهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، وَهُمْ يُجِيزُونَ أَخْذَهَا بِغَيْرِ سِعْرِ يَوْمِهَا، فَقَدْ اطَّرَحُوا مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ. وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ هَهُنَا أَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ لَا يَدْرِي أَخُلِقَ بَعْدُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ؟ وَلَا أَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ بِمِثْلِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَالسَّلْمُ لَا يَجُوزُ إلَّا إلَى أَجَلٍ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَمَلُ بَيْعًا أَوْ سَلَمًا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ، فَمِنْ أَيْنَ أَجَازُوهُ فِي الْقَرْضِ؟ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهِ بَيْنَ الْقَرْضِ فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ فِي

ذَلِكَ: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ، قَالَ: أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ أَتَقَاضَاهُ؟ فَقَالَ لِي: إذَا خَرَجَ خَازِنُنَا أَعْطَيْنَاك، فَلَمَّا خَرَجَ بَعَثَهُ مَعِي إلَى السُّوقِ وَقَالَ: إذَا قَامَتْ عَلَى ثَمَنٍ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِقِيمَتِهَا أَخَذَهَا: وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ السُّدِّيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ فَعَرَضَ عَلَيَّ دَنَانِيرَ فَقُلْت: لَا آخُذُهَا حَتَّى أَسْأَلَ عُمَرَ فَسَأَلْته؟ فَقَالَ: ائْتِ بِهَا الصَّيَارِفَةَ فَأَعْرِضْهَا، فَإِذَا قَامَتْ عَلَى سِعْرٍ، فَإِنْ شِئْت فَخُذْهَا، وَإِنْ شِئْت فَخُذْ مِثْلَ دَرَاهِمِك وَصَحَّتْ إبَاحَةُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ، وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ هَذَا صَحِيحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ اقْتِضَاءَ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ، وَالْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ اقْتِضَاءَ الذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ وَهَذَا صَحِيحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ كِدَامٍ قَالَ: حَلَفَ لِي مَعْنٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَابِ أَبِيهِ بِخَطِّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ دَرَاهِمَ مَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَنَانِيرَ مَكَانَ دَرَاهِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْمِنْهَالِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي أَبَاهُ أَنْ نَبِيعَ الدَّيْنَ بِالْعَيْنِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ بَاعَتْ جَارِيَةً لَهَا إمَّا بِذَهَبٍ وَإِمَّا بِفِضَّةٍ فَعُرِضَ عَلَيْهَا النَّوْعُ الْآخَرُ فَسُئِلَ عُمَرُ؟ فَقَالَ: لِتَأْخُذْ النَّوْعَ الَّذِي بَاعَتْ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ بَاعَ طَعَامًا بِدَرَاهِمَ، أَيَأْخُذُ بِالدَّرَاهِمِ طَعَامًا؟ فَقَالَ: لَا، حَتَّى تَقْبِضَ دَرَاهِمَك وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ عُمَرَ بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَقْرَضَ دَرَاهِمَ أَيَأْخُذُ بِثَمَنِهَا طَعَامًا؟ فَكَرِهَهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ اقْتِضَاءَ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: لَا تَأْخُذْ الذَّهَبَ مِنْ الْوَرِقِ يَكُونُ لَك عَلَى الرَّجُلِ وَلَا تَأْخُذَنَّ الْوَرِقَ مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ لَك عِنْدَ آخَرَ قَرْضٌ دَرَاهِمُ فَتَأْخُذَ مِنْهُ دَنَانِيرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ كَانَتْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَتِهَا دَنَانِيرَ فَكَرِهَهُ

مسألة بيع دقيق القمح

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ الْفَزَارِيّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ بُرْدٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَاقَةً بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَجَاءَ يَلْتَمِسُ حَقَّهُ؟ فَقُلْت: عِنْدِي دَرَاهِمُ لَيْسَ عِنْدِي دَنَانِيرُ؟ فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْتَأْمَرَهُ؟ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: خُذْ مِنْهُ دَنَانِيرَ عَيْنًا، فَإِنْ أَبَى فَمَوْعِدُهُ اللَّهُ، دَعْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: بِعْت جَزُورًا بِدَرَاهِمَ إلَى الْحَصَادِ، فَلَمَّا حَلَّ قَضَوْنِي حِنْطَةً، وَشَعِيرًا، وَسَلْتًا، فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ؟ فَقَالَ: لَا يَصْلُحُ، لَا تَأْخُذْ إلَّا الدَّرَاهِمَ. فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالنَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقُرْآنَ فِي تَحْرِيمِهِ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِخَبَرٍ سَاقِطٍ مُضْطَرِبٍ وَقَوْلُنَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْتِصَافِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] قَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَا أَمْكَنَ الْمَمْنُوعُ حَقُّهُ أَنْ يَنْتَصِفَ بِهِ، أَوْ بِأَنْ يُوَكِّلَ غَرِيمَهُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ عِنْدَهُ، وَبِأَنْ يَبْتَاعَ لَهُ مَا يُرِيدُ: فَهَذَا جَائِزٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع دقيق الْقَمْح] 1493 - مَسْأَلَةٌ: وَاسْتَدْرَكْنَا مُنَاقَضَاتٍ لَهُمْ يُعَارِضُونَ بِهَا أَنْ شَنَّعُوا عَلَيْنَا بِبَيْعِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِهِ وَدَقِيقِ غَيْره مُتَفَاضِلًا، وَتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ دَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ، وَبِالْخُبْزِ وَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَبِالزَّيْتِ، وَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ، وَبِالْجُبْنِ وَالسَّمْنِ وَكُلِّ شَيْءٍ، مَا عَدَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ السُّنَّةِ. وَلَا شُنْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا حَرَّمْنَا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا الشَّنِيعُ فِيمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:

قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ مِنْ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ كَيْلًا بِكَيْلٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ دَقِيقِ الْقَمْحِ بِدَقِيقِ الْقَمْحِ كَيْلًا بِكَيْلٍ، لَكِنْ وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ. قَالَ عَلِيٌّ فَإِنْ كَانَ دَقِيقُ الْقَمْحِ نَوْعًا وَاحِدًا مَعَ الْقَمْحِ؟ فَمَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ دَقِيقَ قَمْحٍ بِدَقِيقِ قَمْحٍ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ كَمَا يَبِيعُ الدَّقِيقَ بِالْقَمْحِ؛ لِأَنَّهُمَا قَمْحٌ مَعًا وَإِنْ كَانَ دَقِيقُ الْقَمْحِ صِنْفًا غَيْرَ الْقَمْحِ، فَوَاجِبٌ أَنْ يُجِيزَهُ بِالْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا، وَأَجَازَ الْقَمْحَ بِسَوِيقِ الْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا؟ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ دَقِيقِ قَمْحٍ وَبَيْنَ سَوِيقِ قَمْحٍ بِقَمْحٍ؟ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا احْتِجَاجُهُمْ فِي ذَلِكَ: بِأَنَّ السَّوِيقَ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ دَخَلَتْهُ صَنْعَةٌ؟ نَعَمْ، وَالدَّقِيقُ أَيْضًا دَخَلَتْهُ، صَنْعَةٌ وَلَا فَرْقَ. وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّمَا يُرَاعَى تَقَارُبُ الْمَنَافِعِ؟ فَقُلْنَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَكُمْ أَنْ تُرَاعُوا تَقَارُبَ الْمَنَافِعِ؟ وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ؟ وَقَوْلٌ لَمْ تُسْبَقُوا إلَيْهِ، وَتَعْلِيلٌ فَاسِدٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَنَافِعَ فِي جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ وَاحِدَةٌ لَسْنَا نَقُولُ: مُتَقَارِبَةً، بَلْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ طَرْدُ الْجُوعِ، أَوْ التَّأَدُّمِ، أَوْ التَّفَكُّهُ، أَوْ التَّدَاوِي، وَلَا مَزِيدَ. وَمَنَعُوا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ، وَأَجَازُوا الْحِنْطَةَ الْمَقْلِيَّةَ بِالْيَابِسَةِ وَكِلْتَاهُمَا مُخْتَلِفَةٌ مَعَ الْأُخْرَى. وَمَنَعُوا مِنْ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ وَقَدْ دَخَلَتْ الْعَجِينَ صَنْعَةٌ. وَأَبَاحُوا الْقَمْحَ بِالْخُبْزِ مِنْ الْقَمْحِ مُتَفَاضِلًا. وَمَنَعُوا مِنْ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ جُمْلَةً؟ نَعَمْ، وَمَنَعُوا مِنْ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ وَهَلْ الْجُبْنُ مِنْ اللَّبَن إلَّا كَالْخُبْزِ مِنْ الْقَمْحِ؟ وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ لَبُونٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا لَبَنَ الْآنَ فِي ضَرْعِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُنْفِذَ بِالْحَلْبِ. وَأَجَازُوا بَيْعَ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ إذَا كَانَتْ لَا تَمْرَ فِيهَا. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّبَنَ يَخْرُجُ مِنْ ضَرْعِ الشَّاةِ، وَأَنَّ السَّمْنَ يُعْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ؟ فَقُلْنَا: وَالتَّمْرُ يَخْرُجُ مِنْ النَّخْلِ، وَالْخُبْزُ يُعْمَلُ مِنْ الْقَمْحِ.

وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالْعَصِيرِ، وَأَجَازُوهُ بِالْخَلِّ وَهَذِهِ عَجَائِبُ لَا نَظِيرَ لَهَا، لَوْ تَقَصَّيْنَاهَا لَا تَسَعُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَهُوَ كُلُّهُ كَمَا ذَكَرْنَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ أَبَاحُوا الرِّبَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ جِهَارًا فَأَحَلُّوا بَيْعَ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ، وَحَرَّمُوا بَيْعَ رِطْلِ كَتَّانٍ أَسْوَدَ أَخَرْشَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِقُلْفَةِ الْمَرَاكِبِ بِرِطْلِ كَتَّانٍ أَبْيَضَ مِصْرِيٍّ أَمْلَسَ كَالْحَرِيرِ وَكَذَلِكَ حَرَّمُوا بَيْعَ رِطْلِ قُطْنٍ طَيِّبٍ غَزْلِيٍّ بِرِطْلِ قُطْنٍ خَشِنٍ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَشْوِ، وَقَالُوا: الْقُطْنُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَالْكَتَّانُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ. قَالُوا: وَأَمَّا الثِّيَابُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ الْقُطْنِ فَأَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ فِي بَعْضِهَا بِبَعْضٍ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ فَأَجَازُوا بَيْعَ ثَوْبِ قُطْنٍ مَرْوِيٍّ خُرَاسَانِيٍّ بِثَوْبَيْ قُطْنٍ مَرْوِيٍّ بَغْدَادِيٍّ نَقْدًا وَنَسِيئَةً قَالُوا: وَأَمَّا غَزْلُ الْقُطْنِ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَصِنْفٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسِيئَةُ. قَالُوا: شَحْمُ بَطْنِ الْكَبْشِ صِنْفٌ، وَشَحْمُ ظَهْرِهِ وَشَحْمُ سَائِرِ جَسَدِهِ صِنْفٌ آخَرُ، فَأَجَازُوا بَيْعَ رِطْلَيْنِ مِنْ شَحْمِ بَطْنِهِ بِرِطْلٍ مِنْ شَحْمِ ظَهْرِهِ نَقْدًا. قَالُوا: وَأَلْيَةُ الشَّاةِ صِنْفٌ، وَسَائِرُ لَحْمِهَا صِنْفٌ آخَرُ، فَجَائِزٌ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ أَلْيَتِهَا بِرِطْلَيْنِ مِنْ سَائِرِ لَحْمِهَا. قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ لَحْمِ كَبْشٍ إلَّا بِرِطْلٍ مِنْ لَحْمِهِ وَلَا مَزِيدَ، وَزْنًا بِوَزْنٍ نَقْدًا، وَلَا بُدَّ وَأَجَازُوهُ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ الثَّوْرِ نَقْدًا وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا لَحْمُ الْإِوَزِّ، وَلَحْمُ الدَّجَاجِ، فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِطْلٌ بِرِطْلَيْنِ مِنْ نَوْعِهِ فَأَجَازُوا رِطْلَ لَحْمِ دَجَاجٍ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ دَجَاجٍ نَقْدًا أَوْ بِرِطْلَيْنِ مِنْ لَحْمِ الْإِوَزِّ نَقْدًا وَنَسِيئَةً. وَقَالُوا: النَّسِيئَةُ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا مِنْ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، إنَّمَا هِيَ مَا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ فِي حِينِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا مَا تَأَخَّرَ قَبْضُهُ إلَى أَنْ تَفَرَّقَا وَلَمْ يَكُنْ اُشْتُرِطَ

فِيهِ التَّأْخِيرُ، فَلَا يَضُرُّ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، إلَّا فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَقَطْ، فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِيهِمَا رَبَا اُشْتُرِطَ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَتُهُ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ، وَمَنْعُهُ مِنْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ بِالْقَمْحِ جُمْلَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ أَصْلًا، فَلَوْ عَكَسَ قَوْلَهُ لَأَصَابَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا وَسَاوِسُ، وَسَخَافَاتٌ، وَمُنَاقَضَاتٌ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَأَقْوَالٌ لَا تُحْفَظُ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ رِطْلِ سَقَمُونْيَا بِرِطْلَيْنِ مِنْ سَقَمُونْيَا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ، وَأَبَاحُوا وَزْنَ دِرْهَمِ زَعْفَرَانً بِوَزْنِ دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُمْ. وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَ عَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ بِعَسَلٍ مُشْتَارٍ بِشَمْعِهِ كَمَا هُوَ أَصْلًا، إلَّا حَتَّى يُصَفَّى كِلَاهُمَا وَأَجَازُوا بَيْعَ الْجَوْزِ بِقِشْرِهِ بِالْجَوْزِ بِقِشْرِهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إخْرَاجَ الْعَسَلِ مِنْ شَمْعِهِ صَلَاحٌ لَهُ، وَإِخْرَاجَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ مِنْ قِشْرِهِ، وَنَزْعَ النَّوَى مِنْ التَّمْرِ فَسَادٌ لَهُ. فَقُلْنَا: كَلًّا، مَا الصَّلَاحُ فِيمَا ذَكَرْتُمْ إلَّا كَالْفَسَادِ فِيمَا وَصَفْتُمْ، وَمَا فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ، وَلَا فِي هَذَا فَسَادٌ، وَلَوْ كَانَ فَسَادًا لَمَا حَلَّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَقْوَالٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَيْهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ، أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي تَشْهَدُ لَهَا اللُّغَةُ، وَالشَّرِيعَةُ، وَالْحِسُّ، فَهُوَ أَنَّ الدَّقِيقَ لَيْسَ قَمْحًا وَلَا شَعِيرًا، لَا فِي اسْمِهِ، وَلَا فِي صِفَتِهِ، وَلَا فِي طَبِيعَتِهِ. فَهَذِهِ الدَّوَابُّ تُطْعَمُ الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ فَلَا يَضُرُّهَا بَلْ يَنْفَعُهَا، وَتُطْعَمُ الْقَمْحَ فَيُهْلِكُهَا، وَالدَّبْسُ لَيْسَ تَمْرًا، لَا فِي لُغَةٍ، وَلَا فِي شَرِيعَةٍ، وَلَا فِي مُشَاهَدَةٍ. وَلَا فِي اسْمِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ.

مسألة باع ذهب أو غيره بمثلة ثم وجد أحدهما بما اشترى عيبا

وَالْمَاءُ لَيْسَ مِلْحًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ، وَلَا يَجُوزُ بِالْمِلْحِ. وَلَيْسَ تَوْلِيدُ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ بِمُوجِبِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ هُوَ الَّذِي عَنْهُ تُوُلِّدَ، فَنَحْنُ خُلِقْنَا مِنْ تُرَابٍ، وَنُطْفَةٍ، وَمَاءٍ، وَلَسْنَا نُطْفَةً، وَلَا تُرَابًا، وَلَا مَاءً. وَالْخَمْرُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَصِيرِ وَهِيَ حَرَامٌ وَالْعَصِيرُ حَلَالٌ. وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ الدَّمِ وَاللَّبَنُ حَلَالٌ وَالدَّمُ حَرَامٌ. وَالْعَذِرَةُ تَسْتَحِيلُ تُرَابًا حَلَالًا طَيِّبًا. وَالدَّجَاجَةُ تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ فَيَصِيرَانِ فِيهَا لَحْمًا حَلَالًا طَيِّبًا. وَالْخَلُّ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْخَمْرِ وَهُوَ حَلَالٌ وَهِيَ حَرَامٌ. وَأَمَّا حُلِيُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُمَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ بِاسْمَيْهِمَا وَصِفَاتِهِمَا وَطَبِيعَتِهِمَا فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرِيعَةِ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] [مَسْأَلَة بَاعَ ذهب أَوْ غَيْره بمثلة ثُمَّ وجد أَحَدهمَا بِمَا اشْتَرَى عَيْبًا] 1494 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ بَيْعًا حَلَالًا، أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ كَذَلِكَ، أَوْ فِضَّةً بِذَهَبٍ كَذَلِكَ، مَسْكُوكًا بِمِثْلِهِ أَوْ مَصُوغَيْنِ، أَوْ مَصُوغًا بِمَسْكُوكٍ، أَوْ تِبْرًا أَوْ نَقَّارًا، فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَبْدَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بَعْدُ، فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَأْنِفٌ لِبَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ أَوْ تَارِكٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1495 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ بَعْدَ التَّخْيِيرِ وَاخْتَارَ الْمُخَيَّرُ إتْمَامَ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِنْ خَلْطٍ وَجَدَهُ مِنْ غَيْرِ مَا اشْتَرَى، لَكِنْ كَفِضَّةٍ أَوْ صُفْرٍ فِي ذَهَبٍ، أَوْ صُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي فِضَّةٍ، فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ، مَرْدُودَةٌ، كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ، قَلَّ ذَلِكَ الْخَلْطُ أَمْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى، وَلَا الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ الصَّفْقَةَ، فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي تَرَاضَى بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَفَرَّقَا قَبْلَ صِحَّةِ الْبَيْعِ. وَلَا يَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا إلَّا صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ، وَلَا خِيَارَ فِي إمْضَائِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1496 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضُ مَا اشْتَرَى أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ، أَوْ لَوْ تَأَخَّرَ قَبْضُ شَيْءٍ مِمَّا تَبَايَعَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ صَحِيحًا وَمَا لَمْ يَصِحَّ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ فِيهِ بِالْحَلَالِ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعْقَدْ صِحَّةُ الْحَلَالِ مِنْهُ إلَّا

بِصِحَّةِ الْحَرَامِ، وَكُلُّ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ، فَلَا صِحَّةَ لَهُ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَحْدَهُ. دُونَ غَيْرِهِ. 1497 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي نَفْسِ مَا اشْتَرَى كَكَسْرٍ، أَوْ كَانَ الذَّهَبُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ بِطَبْعِهِ، وَالْفِضَّةُ كَذَلِكَ، كَالذَّهَبِ الْأَشْقَرِ وَالْأَخْضَرِ بِطَبْعِهِ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ غَيْرَ مَا اشْتَرَى، فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَالُ غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ بَيْعًا. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّلَامَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْسَاكِ الصَّفْقَةِ كَمَا هِيَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ، وَإِمَّا فَسْخُهَا كُلِّهَا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَيْنَ، فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ ثُمَّ وَجَدَ غَبْنًا، وَالْغَبْنُ إذَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ وَعَرَفَ قَدْرَهُ جَائِزٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَاضَ الْبَيْعَ مِنْ صَاحِبِهِ إلَّا عَلَى جَمِيعِهَا، فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ مَا تَرَاضِيًا بِهِ مَعًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إلَّا مَا تَرَاضِيًا بِهِ مَعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْخَلْفُ وَالسَّلَفُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثِ بْنِ الْأَشْعَثِ الْحَرَّانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يَشْتَرِي الدَّرَاهِمَ وَيَشْتَرِطُ إنْ كَانَ فِيهَا زَائِفٌ أَنْ يَرُدَّهُ: أَنَّهُ كَرِهَ الشَّرْطَ، وَقَالَ: ذَلِكَ لَهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ. قَالَ عَلِيٌّ: ظَاهِرُ هَذَا رَدُّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَدَّ الزَّائِفِ وَحْدَهُ لَذَكَرَ بُطْلَانَ مَا قَابَلَهُ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ فِي سَائِرِ الصَّفْقَةِ، أَوْ لَذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّهُ شَيْئًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ قَوْلُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامٌ هُوَ ابْنُ يَحْيَى قَالَ: زَعَمَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ فَأَخْطَئُوا فِيهَا بِدِرْهَمٍ سَتُّوقٍ فَكَرِهَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْحَاضِرِينَ قَالَ بِهِ، وَلَا نَعْلَمُ الْآنَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الصَّرْفَ فِي مِقْدَارِ مَا وَجَدَ رَدِيئًا فَقَطْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَسْتَبْدِلُ كُلَّ مَا وَجَدَ زَائِفًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَ ابْنُ حَيٍّ وَالسَّتُّوقُ كَذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: السَّتُّوقُ هُوَ الْمَغْشُوشُ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ كُلُّهُ رَصَاصًا، أَوْ يَكُونَ الدِّينَارُ كُلُّهُ فِضَّةً أَوْ نُحَاسًا. وَالزَّائِفُ الرَّدِيءُ مِنْ طَبْعِهِ الَّذِي فِيهِ غِشٌّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ وُجِدَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ نِصْفُ الْجَمِيعِ فَأَكْثَرَ زُيُوفًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ أَلْبَتَّةَ، لَكِنْ إنْ رَدَّ الزُّيُوفَ بَطَلَ الصَّرْفُ فِي مِقْدَارِهَا مِنْ الصَّفْقَةِ وَصَحَّ فِيمَا سِوَاهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ، فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَلَهُ أَنْ يَمْسِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ مَا وَجَدَ زَائِفًا فَقَطْ، وَلَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَدَلَ، فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ أَوْ أَكْثَرُ وَصَحَّ فِيمَا قَبَضَ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ سُتُّوقًا انْتَقَضَ الصَّرْفُ فَقَطْ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ وَصَحَّ فِي بَاقِي الصَّفْقَةِ وَيَكُونُ هُوَ وَالْبَائِعُ شَرِيكَيْنِ فِي الدِّينَارِ الَّذِي انْتَقَضَ الصُّفْرُ فِي بَعْضِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي، أَيُّ بَعْضٍ مِنْهُ انْتَقَضَ فِيهِ الصَّرْفُ، وَأَيُّ بَعْضٍ، مِنْهُ صَحَّ فِيهِ الصَّرْفُ هَذَا الْمَجْهُولُ وَالْغَرَرُ بِعَيْنِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ حَدَّ مَا يَسْتَبْدِلُهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِبْدَالُ بِالثُّلُثِ وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَحُكْمُ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ بِفَرْقٍ وَتَحْدِيدٍ فَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَسْتَبْدِلُ مَا وَجَدَ زَائِدًا أَوْ سُتُّوقًا، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ، أَوْ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ، وَهَذَا الرِّبَا الْمَحْضُ وَقَالَ زُفَرُ: يُنْتَقَضُ الصَّرْفُ وَلَا بُدَّ فِيمَا وَجَدَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَصِحُّ فِي السَّالِمِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا تَبْعِيضُ صَفْقَةٍ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ قَطُّ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، فَهُوَ أَكْلُ

مسألة بيع تمر بتمر أجود منه أو أردأ منه

مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ سُتُّوقًا أَوْ زَائِفًا فَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ صَرْفَ دِينَارٍ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ، وَصَحَّ سَائِرُ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ صَرْفُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ دَنَانِيرَ: انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِيمَا قَابَلَ مَا وَجَدَهُ فَإِنْ شَرَعَ الِانْتِقَاضُ فِي دِينَارٍ انْتَقَضَ ذَلِكَ الدِّينَارُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ دِينَارٍ هُوَ الَّذِي يُنْتَقَضُ، أَيُّهَا هُوَ الَّذِي لَا يُنْتَقَضُ؟ هَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ، وَالْمَجْهُولِ وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ إجَازَتُهُ بَعْضَ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضِهَا وَإِبْطَالُهُ صَرْفَ جَمِيعِ الدِّينَارِ الَّذِي شَرَعَ الِانْتِقَاضُ فِي بَعْضِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَكِلَاهُمَا تَبْعِيضٌ لِمَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِتَبْعِيضِهِ فِي الْعَقْدِ، وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّرْفَ كُلَّهُ يُنْتَقَضُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُسْتَبْدَلُ، كَقَوْلِ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ قَوْلَ صَاحِبَيْنِ، لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. [مَسْأَلَة بَيْع تمر بتمر أجود مِنْهُ أَوْ أردأ مِنْهُ] 1498 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ الْحَلَالِ الْمَحْضِ بَيْعُ مُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ غَايَةً، وَالْآخَرُ رَدِيءٌ غَايَةً: بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَجْوَدَ مِنْهُمَا، أَوْ أَدْنَى مِنْهُمَا، أَوْ دُونَ الْجَيِّدِ مِنْهُمَا، وَفَوْقَ الرَّدِيءِ مِنْهُمَا، أَوْ مِثْلَ أَحَدِهِمَا، أَوْ بَعْضُهُمَا جَيِّدٌ وَالْبَعْضُ رَدِيءٌ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ، وَفِي دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، وَقَمْحٍ بِقَمْحٍ، وَفِي شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ، وَفِي مِلْحٍ بِمِلْحٍ وَلَا فَرْقَ، لِإِبَاحَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلِّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِصِنْفِهِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فِي الْمُكَايَلَةِ، فِي الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ وَالْمُوَازَنَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا الْقَعْنَبِيُّ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لَا، وَاَللَّهِ يَا

رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ» فَأَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَصًّا: بَيْعَ الْجَنِيبِ مِنْ التَّمْرِ وَهُوَ الْمُتَخَيَّرُ كُلُّهُ بِالْجَمْعِ مِنْ التَّمْرِ وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ جَيِّدًا وَرَدِيئًا وَوَسَطًا. مَنَعَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ مُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَالْآخَرُ رَدِيءٌ بِمُدَّيْنِ مِنْ تَمْرٍ مُتَوَسِّطَيْنِ أَدْنَى مِنْ الْجَيِّدِ وَأَجْوَدَ مِنْ الرَّدِيءِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي جَوَازِ صَاعٍ بِصَاعِ تَمْرٍ رَدِيءٍ بِصَاعِ تَمْرٍ جَيِّدٍ وَلَيْسَ مِثْلَهُ فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْكَيْلِ أَوْ فِي الْوَزْنِ فَقَطْ وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ صِحَاحٍ فِي الْجَنِيبِ بِالْجَمْعِ فِيهَا: «بِيعُوا الْجَمْعَ وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ الْجَنِيبِ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا زَائِدٌ عَلَى تِلْكَ الْأَخْبَارِ حُكْمًا، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ زِيَادَةِ الْعَدْلِ. وَعُمْدَةُ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا رَضِيَ الْبَائِعُ هَهُنَا لِلْمُدَّيْنِ: اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَالْآخَرُ رَدِيءٌ، بِأَنْ يُعْطِيَ الْجَيِّدَ أَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ، وَأَنْ يُعْطِيَ الْأَرْدَأَ بِأَقَلَّ مِنْ مُدٍّ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ: فَحَصَلَ التَّفَاضُلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، وَحَتَّى لَوْ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ لَكَانَ عَمَلُهُ مُخَالِفًا لِإِرَادَتِهِ، فَحَصَلُوا عَلَى التَّكَهُّنِ، وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي الدِّينِ الْكَلَامُ وَالْعَمَلُ، فَإِذَا جَاءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَمَا نُبَالِي بِمَا فِي قُلُوبِهِمَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمْ أُبْعَثْ لِأَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ هَذَيْنِ نَوَيَا مَا ذَكَرْتُمْ، وَهَذَا مِنْكُمْ ظَنُّ سُوءٍ بِمُسْلِمٍ

مسألة صارف آخر دنانير بدراهم فعجز عن تمام مراده

لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي الظُّلْمِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُفْسِدُوا صَفْقَةَ مُسْلِمٍ بِتَوَهُّمِكُمْ: أَنَّهُ أَرَادَ الْبَاطِلَ، وَهُوَ لَمْ يُخْبِرْكُمْ ذَلِكَ فَقَطْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا ظَهَرَ مِنْ فِعْلِهِ إلَّا الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ. وَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَشْتَرِي تَمْرًا أَوْ تِينًا أَوْ عِنَبًا أَنْ تَفْسَخُوا صَفْقَتَهُ وَتَقُولُوا لَهُ: إنَّمَا تَنْوِي فِيهِ عَمَلَ الْخَمْرِ مِنْهُ، وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَنْ تَفْسَخُوهُ وَتَقُولُوا: إنَّمَا تُرِيدُ تَلْبَسُهُ فِي الْمَعَاصِي. وَمَنْ اشْتَرَى سَيْفًا أَنْ تَفْسَخُوا وَتَقُولُوا: إنَّمَا تُرِيدُ بِهِ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا هَوَسٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَبَيْنَ مَا أَفْسَدْتُمْ بِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَأْتِي بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ الْجِيَادِ، وَبِالنُّفَايَةِ: يَأْخُذُ بِوَزْنِهَا غَلَّةً. قَالَ عَلِيٌّ: السُّودُ أَجْوَدُ مِنْ الْغَلَّةِ، وَالنُّفَايَةُ أَدْنَى مِنْ الْغَلَّةِ وَهَذَا نَفْسُ مَسْأَلَتِنَا. [مَسْأَلَة صارف آخِر دَنَانِير بِدَرَاهِم فعجز عَنْ تَمَام مُرَاده] 1499 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ صَارَفَ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِم فَعَجَزَ عَنْ تَمَامِ مُرَادِهِ فَاسْتَقْرَضَ مِنْ مَصَارِفِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مَا أَتَمَّ بِهِ صَرْفَهُ فَحَسَنٌ، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ فِي الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ. [مَسْأَلَة بَاعَ مِنْ آخِر دَنَانِير بِدَرَاهِم ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بتلك الدَّرَاهِم دَنَانِير] 1500 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَلَمَّا تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَيُّرِ اشْتَرَى مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ تِلْكَ، أَوْ غَيْرِهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَقْدٌ صَحِيحٌ، وَعَمَلٌ مَنْصُوصٌ عَلَى جَوَازِهِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَمَنَعَ مِنْ هَذَا قَوْمٌ وَقَالُوا: إنَّهُ بَاعَ مِنْهُ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ مُتَفَاضِلَةً؟ فَقُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ، وَمَا فَعَلَ قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُمَا صَفْقَتَانِ، وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا: هَلْ لَهُ أَنْ يُصَارِفَهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَتِلْكَ الدَّنَانِيرِ عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَأَجَزْتُمْ التَّفَاضُلَ وَالنَّسِيئَةَ مَعًا وَمَنَعْتُمْ مِنْ النَّقْدِ، هَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا الْأَمْرَ بِبَيْعِ التَّمْرِ الْجَمْعِ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُ بِالسِّلْعَةِ جَنِيبًا مِنْ التَّمْرِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَنَعُوا نَفْسَهُ.

مسألة التواعد في بيع الذهب بالذهب وفي سائر الأصناف الأربعة

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: أَلَا إنَّ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارَ بِالدِّينَارِ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: تُزَيِّفُ عَلَيْنَا أَوْرَاقُنَا فَنُعْطِي الْخَبِيثَ وَنَأْخُذُ الطَّيِّبَ؟ قَالَ عُمَرُ: لَا، وَلَكِنْ ابْتَعْ بِهَا عَرَضًا، فَإِذَا قَبَضَتْهُ وَكَانَ لَك فَبِعْهُ وَاهْضِمْ مَا شِئْت، وَخُذْ أَيَّ نَقْدٍ شِئْت. فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ يَأْمُرُ بِبَيْعِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ يَبِيعُهَا بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ إثْرَ ابْتِيَاعِهِ لِلْعَرَضِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ غَيْرِ مَنْ تُبْتَاعُ مِنْهُ الْعَرَضُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَعْطَانِي الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ دَرَاهِمَ وَقَالَ لِي: اشْتَرِ لِي بِهَا دَنَانِيرَ، ثُمَّ اشْتَرِ لِي بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَبِعْتهَا مِنْ رَجُلٍ فَقَبَضْت الدَّنَانِيرَ، وَطَلَبْت فِي السُّوقِ حَتَّى عَرَفْت السِّعْرَ، فَرَجَعْت إلَى بَيْعَتِي فَبِعْتُهَا مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي أَرَدْت؟ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الرِّبَا عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ وَيُنْسِئَ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُمَرَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ عَجَائِبِ حُجَجِهِمْ هُنَا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا أَرَادَ بِالرِّبَا دَرَاهِمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، فَتَخَيَّلَ بِأَنْ صَرْفَهَا بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ صَرَفَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ؟ فَقُلْت بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ وَرِعٍ، خَائِفٍ لِمَقَامِ رَبِّهِ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] أَرَادَ الرِّبَا فَتَرَكَهُ وَهَرَبَ عَنْهُ إلَى الْحَلَالِ، هَذَا فَاضِلٌ جِدًّا وَعَمَلٌ جَيِّدٌ لَا عَدِمْنَاهُ، فَنَرَاكُمْ جَعَلْتُمْ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا كَمَنْ أَرَادَ الزِّنَى بِامْرَأَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ، لَكِنْ تَزَوَّجَهَا، أَوْ اشْتَرَاهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا، أَمَّا هَذَا فَحَسَنٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى [مَسْأَلَة التواعد فِي بَيْع الذَّهَب بِالذَّهَبِ وَفِي سَائِر الْأَصْنَاف الأربعة] 1501 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّوَاعُدُ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ بِالْفِضَّةِ، وَفِي بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَفِي سَائِرِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ تَبَايَعَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا؛ لِأَنَّ التَّوَاعُدَ لَيْسَ بَيْعًا.

مسألة بيع بدل دراهم بأوزن منها

وَكَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ أَيْضًا جَائِزَةٌ تَبَايَعَا أَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فَقَدْ فُصِّلَ بِاسْمِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَكُلُّ مَا لَمْ يُفَصَّلُ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلَالٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، إذْ لَيْسَ فِي الدِّينِ إلَّا فَرْضٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ حَلَالٌ، فَالْفَرْضُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالْحَرَامُ مُفَصَّلٌ بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَلَيْسَ فَرْضًا وَلَا حَرَامًا فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ: حَلَالٌ إذْ لَيْسَ هُنَالِكَ قِسْمٌ رَابِعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقِ. [مَسْأَلَة بَيْع بدل دَرَاهِم بأوزن مِنْهَا] 1502 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَدَلُ دَرَاهِمَ بِأَوْزَنَ مِنْهَا لَا بِالْمَعْرُوفِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُنْكَرُ لَا الْمَعْرُوفُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا آنِفًا عَنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ النَّاسِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُوَافِقًا قَبْلَهُ مِمَّنْ رَأَى الرِّبَا فِي النَّقْدِ. [مَسْأَلَة بَيْع آنِيَة ذهب أَوْ فِضَّة قَبْل كسرها] 1503 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ آنِيَةٍ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ إلَّا بَعْدَ كَسْرِهَا لِصِحَّةِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " فَلَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَإِذْ لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع نصف درهم بِعَيْنِهِ] 1504 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَبْتَاعَ الْمَرْءُ نِصْفَ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ نِصْفَ دَرَاهِمَ بِأَعْيَانِهَا، أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ كَذَلِكَ، أَوْ نِصْفَ دَنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا مُشَاعًا: يَبْتَاعُ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ، وَالذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ، وَيَتَّفِقَانِ عَلَى إقْرَارِهَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ. وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَصْلًا، وَلَا فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ أَصْلًا، لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَيْنًا بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ إلَّا عَيْنًا بِعَيْنٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَأَمَّا الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ مُشَاعًا، فَلَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ نَصٌّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] [مَسْأَلَة الْبَيْع بِدِينَارِ إلَّا درهما] 1505 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعٌ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا؛ فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ لَقِيمَةِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدِّينَارِ، فَصَارَ اسْتِثْنَاءً مَجْهُولًا، إذْ بَاعَ بِدِينَارٍ إلَّا قِيمَةَ دِرْهَمٍ مِنْهُ.

مسألة بيع الأصناف الربوية بين العبد وسيده وبين المسلم والكافر

فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّرْهَمِ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُمَا شَرَطَا إخْرَاجَ الدِّرْهَمِ بِعَيْنِهِ مِنْ الدِّينَارِ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ بَعْضٌ لِلدِّينَارِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَجَازَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة بَيْع الْأَصْنَاف الربوية بَيْن الْعَبْد وسيده وَبَيْن الْمُسْلِم والكافر] 1506 - مَسْأَلَةٌ: وَالرِّبَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ كَمَا هُوَ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ، وَلَا فَرْقَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبِيعُ مِنْ غِلْمَانِهِ النَّخْلَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا عَلِمْت نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ رِبًا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَإِنَّمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ عَلَى أَصْلِهِمْ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ إفْسَادُنَا لَهُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَذَكَرْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرَى الْعَبْدَ يَمْلِكُ، وَهَذَا جَابِرٌ قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: مَرَّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِرَاعٍ فَأَهْدَى الرَّاعِي إلَيْهِ شَاةً؟ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: حُرٌّ أَنْتَ أَمْ مَمْلُوكٌ؟ فَقَالَ: مَمْلُوكٌ، فَرَدَّهَا الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ لَهُ الْمَمْلُوكُ: إنَّهَا لِي، فَقِبَلهَا مِنْهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَاشْتَرَى الْغَنَمَ، فَأَعْتَقَهُ، وَجَعَلَ الْغَنَمَ لَهُ. فَهَذَا الْحُسَيْنُ تَقَبَّلَ هَدِيَّةَ الْمَمْلُوكِ إذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهَا لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَهُوَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ لَا مَنْ سِوَاهُ وَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّبَا وَتَوَعَّدَ فِيهِ فَمَا خَصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَالْعَجَبُ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ، وَأَبَا حَنِيفَةَ: لَا يُجِيزَانِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرْءُ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَقَدْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ، وَأَجَازُوا لَهُ بَيْعَ مَالِ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ.

مسألة بيع اللحم بالحيوان

وَإِنْ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَا لَمْ يَبِعْهُ أَوْ يَنْتَزِعْهُ: فَقَدْ أَجَازُوا الرِّبَا صُرَاحًا. وَأَمَّا الْكُفَّارُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَنَا: أَيُلْزِمُهُمْ دِينَ الْإِسْلَامِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ؟ وَهَلْ هُمْ عَلَى بَاطِلٍ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا يُلْزِمُهُمْ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى بَاطِلٍ: كَفَرُوا بِلَا مِرْيَةٍ. وَإِنْ قَالُوا: يَلْزَمُهُمْ دِينُ الْإِسْلَامِ وَحَرَامٌ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ، وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالُوا الْحَقَّ وَرَجَعُوا إلَى قَوْلِنَا، وَلَزِمَهُ إبْطَالُ الْبَاطِلِ، وَفَسْخُ الْحَرَامِ، فَيَهْتَدِي بِهَدْيِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ الْإِقْرَارُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يُنَفِّذُ الْحُكْمَ بِالْبَاطِلِ، وَيُجِيزُ الْحَرَامَ، وَمَا أَوْرَدْنَا مِنْهُ كُلَّ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ أَشَدُّ؟ قُلْنَا: إنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ لَا يُفْسَحُ لَهُمْ فِي إعْلَانِهِ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لَا نَجْبُرَهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ. وَكَذَلِكَ جَاءَ بِأَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ أَحَدِ النَّصَّيْنِ لِلْآخَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِالرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. [مَسْأَلَة بَيْع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ] 1507 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَانَا أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُتَفَاضِلًا، وَمُتَمَاثِلًا. وَجَائِزٌ تَسْلِيمُ اللَّحْمِ فِي اللَّحْمِ كَذَلِكَ. وَتَسْلِيمُ الْحَيَوَانِ فِي اللَّحْمِ، كَلَحْمِ كَبْشٍ بِلَحْمِ كَبْشٍ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا، يَدًا بِيَدٍ،

وَإِلَى أَجَلٍ وَكَذَلِكَ بِاللَّحْمِ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ أَيْضًا وَكَتَسْلِيمِ كَبْشٍ فِي أَرْطَالِ لَحْمِ كَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى أَجَلٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَلَالٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَهَذَا كُلُّهُ بَيْعٌ لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ. وَأَمَّا اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ فَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْهُ أَصْلًا، لَا صَحِيحٌ وَلَا سَقِيمٌ مِنْ أَثَرٍ. وَأَمَّا اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ فَجَاءَ فِيهِ أَثَرٌ لَا يَصِحُّ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ عَلَى فِرَقٍ: فَطَائِفَةٌ مَنَعَتْ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ جُمْلَةً، أَيَّ لَحْمٍ كَانَ لَا تَحَاشَ شَيْئًا، بِأَيِّ حَيَوَانٍ كَانَ لَا تَحَاشَ شَيْئًا، حَتَّى مَنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ بِاللَّحْمِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ فَرُوِيَ عَنْهُ: أَنْ يُجْمَعَ لُحُومُ الْحَيَوَانِ كُلِّهَا طَائِرَةً وَوَحْشِيَّةً، وَالْأَنْعَامِ، كُلِّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ لَحْمَ كُلِّ نَوْعٍ صِنْفٌ عَلَى حِيَالِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّهُ لَا يُبَاعُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ أَصْلًا حَتَّى يَتَنَاهَى جَفَافُهُ وَيَبَسُهُ؟ فَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يُبَاعُ قَدِيدُ غَنَمٍ بِقَدِيدِ إبِلٍ، أَوْ بِقَدِيدِ دَجَاجٍ، أَوْ إوَزٍّ أَوْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُبَاعُ قَدِيدُ غَنَمٍ بِقَدِيدِ غَنَمٍ، إلَّا يَدًا بِيَدٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ بِقَدِيدِ الْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جَائِزٌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ، كَقَوْلِنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: جَائِزٌ بَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ حَيَّةً، إذَا كَانَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ الْحَيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ بَيْعَ شَاةٍ بِبَقَرَةٍ حَيَّةً كَيْفَ شَاءُوا. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ بَيْعَ لَحْمِ شَاةٍ بِلَحْمِ شَاةٍ مُتَمَاثِلًا نَقْدًا وَلَا بُدَّ، وَكَذَلِكَ

لَحْمُ كُلِّ صِنْفٍ بِلَحْمٍ مِنْ صِنْفِهِ وَأَبَاحُوا التَّفَاضُلَ يَدًا بِيَدٍ فِي كُلِّ لَحْمٍ بِلَحْمٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ، وَالْبَقَرُ عِنْدَهُمْ صِنْفٌ، وَالْغَنَمُ صِنْفٌ آخَرُ، وَالْإِبِلُ صِنْفٌ ثَالِثٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَيَوَانٍ فِي صِنْفِهِ، إلَّا الْحِيتَانُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا لُحُومُ الطَّيْرِ، فَرَأَوْا بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، لَا نَسِيئَةً، كَلَحْمِ دَجَاجٍ بِلَحْمِ دَجَاجٍ، أَوْ بِلَحْمِ صَيْدٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَرَأَى شَحْمَ الْبَطْنِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ صِنْفًا غَيْرَ لَحْمِهِ، وَغَيْرِ شَحْمِ ظَهْرِهِ. وَرَأَى الْأَلْيَةَ صِنْفًا آخَرَ غَيْرَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لَا نَظِيرَ لَهَا، وَأَقْوَالٌ لَا تُعْقَلُ، وَلَا تُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: ذَوَاتُ الْأَرْبَعِ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ: الْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالْإِبِلُ، وَالْأَرَانِبُ، وَالْأَيَايِلُ، وَحُمُرُ الْوَحْشِ، وَكُلُّ ذِي أَرْبَعٍ، فَلَا يَحِلُّ لَحْمُ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَيٍّ مِنْهَا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ لَحْمِ أَرْنَبٍ حَيٍّ بِلَحْمِ جَمَلٍ أَصْلًا، وَلَا لَحْمِ جَمَلٍ بِلَحْمِ كَبْشٍ، إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. وَرَأَى الطَّيْرَ كُلَّهُ صِنْفًا وَاحِدًا: الدَّجَاجُ، وَالْحَمَامُ، وَالنَّعَامُ، وَالْإِوَزُّ، وَالْحَجَلُ، وَالْقَطَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا لَحْمُ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَيٍّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ وَأَجَازَ فِي لَحْمِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ: التَّمَاثُلَ يَدًا بِيَدٍ، وَمَنَعَ مِنْ التَّفَاضُلِ، فَلَمْ يُجِزْ التَّفَاضُلَ فِي لَحْمِ دَجَاجٍ بِلَحْمِ حُبَارَى وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا. وَرَأَى الْحِيتَانَ كُلَّهَا صِنْفًا وَاحِدًا كَذَلِكَ أَيْضًا. وَرَأَى الْجَرَادَ صِنْفًا رَابِعًا عَلَى حِيَالِهِ، هَذَا وَهُوَ عِنْدَهُ صَيْدٌ مِنْ الطَّيْرِ يُجْزِيهِ الْمُحَرَّمَ. وَحَرَّمَ الْقَدِيدَ النِّيءَ بِاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ، وَحَرَّمَهُمَا جَمِيعًا بِاللَّحْمِ النِّيءِ الطَّرِيِّ، وَأَجَازَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ مِنْ صِنْفِهَا مُتَفَاضِلَةٍ وَمُتَمَاثِلَةٍ يَدًا بِيَدٍ، وَأَجَازَ اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ بِعَسَلٍ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِلَبَنٍ مُتَمَاثِلًا وَمَنَعَ فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ. وَأَجَازَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ عَلَى التَّحَرِّي وَهَذَا ضِدُّ أَصْلِهِ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ وَلَوْ تَقَصَّيْنَا تَطْوِيلَهُمْ هَهُنَا وَتَنَاقُضَهُ، لَطَالَ جِدًّا وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْتَاعَ الْحَيُّ بِالْمَيِّتِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَا يَصْلُحُ بِشَاةٍ حَيَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْ لَحْمِ بَعِيرٍ بِشَاةٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَا يَصْلُحُ هَذَا. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنْ لَا يُبَاعَ حَيٌّ بِمَذْبُوحٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعِيرٍ بِغَنَمٍ مَعْدُودَةٍ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْبَعِيرَ لِيَنْحَرَهُ. وَقَالَ: كَانَ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: أَدْرَكْت النَّاسَ يَنْهَوْنَ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَيَكْتُبُونَهُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ وَلَا يَتَرَخَّصُونَ فِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ فَمُرْسَلٌ لَمْ يُسْنَدْ قَطُّ، وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الْمُرْسَلَ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ هَهُنَا بِالْمُرْسَلِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، ثُمَّ خَالَفُوا هَذَا الْمُرْسَلَ الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَرَاسِيلِ أَقْوَى مِنْهُ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. ثُمَّ الْمَالِكِيُّونَ: فَعَجَبٌ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَأَوْهَمُوا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِهِ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَحْمَ الطَّيْرِ بِالْغَنَمِ، وَهَذَا خِلَافُ الْخَبَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ خَالَفَ مَالِكٌ أَيْضًا هَهُنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعَمَلِ الْوُلَاةِ بِالْمَدِينَةِ، وَهَذَا يُعَظِّمُهُ جِدًّا إذَا وَافَقَ رَأْيَهُمْ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى إبْرَاهِيمَ،

مسألة بيع الشيء قبل قبضه

وَأَوَّلُ مَنْ أَمَرَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ رِوَايَتُهُ فَمَالِكٌ، ثُمَّ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ فَمَالِكٌ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا رَوَى الثِّقَاتُ خَبَرًا يُخَالِفُ رَأْيَهُمْ تَحَيَّلُوا بِالْأَبَاطِيلِ فِي رَدِّهِ، وَإِذَا رَوَى مَنْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ مَا يُوَافِقُهُمْ احْتَجُّوا بِهِ، فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّونَ: مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: السَّاعَةُ صَارَتْ حُجَّةً؟ فَدُونَكُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاعَ الْحَيَوَانُ بِالْمَفَاطِيمِ مِنْ الْغَنَمِ فَقُولُوا بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَلَاعَبْتُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ» . وَقَدْ رُوِيَتْ فِي هَذِهِ آثَارٌ أَيْضًا بِزِيَادَةٍ، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ طَلْقٍ: أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ جَزُورًا فَجَعَلَ يَبِيعُ الْعُضْوَ بِالشَّاةِ، وَبِالْقَلُوصِ، إلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى عُضْوًا مِنْ جَزُورٍ قَدْ نُحِرَتْ بِرِجْلِ عِنَاقٍ وَشُرِطَ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يُرْضِعَهَا حَتَّى تُفْطَمَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَصْلُحُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ اللَّحْمُ بِالشَّاةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا عَنْ رَجُلٍ؟ قُلْنَا: وَخَبَرُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي يَحْيَى وَلَيْسَ بِأَوْثَقَ مِمَّنْ سَكَتَ عَنْهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لَا بَأْسَ بِالشَّاةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَذْبُوحَةِ. [مَسْأَلَة بَيْع الشَّيْء قَبْل قبضه] 1508 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ، حَاشَ الْقَمْحَ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَقَبْضُهُ لَهُ: هُوَ أَنْ يُطْلِقَ يَدَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُدَّةٌ مَا قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ ثُمَّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِغَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ: حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ، وَلَهُ أَنْ يَهَبَهُ، وَأَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ، وَأَنْ يُصْدِقَهُ، وَأَنْ يُقْرِضَهُ، وَأَنْ يُسَلِّمَهُ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَقَبْلَ أَنْ تُطْلَقَ يَدُهُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ مَلَكَ شَيْئًا مَا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ، لَكِنْ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ سَلَمٍ، أَوْ أَرْشٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْإِصْدَاقِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، حَاشَ الْقَمْحَ. وَأَمَّا الْقَمْحُ: فَإِنَّهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهُ مِنْ: بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ أَرْشٍ، أَوْ سَلَمٍ أَوْ قَرْضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَلَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا بِأَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْقَمْحَ خَاصَّةً جُزَافًا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَتَّى يَنْقُلَهُ وَلَا بُدَّ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَى مَكَان آخَرَ قَرِيبٍ مُلَاصِقٍ أَوْ بَعِيدٍ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الْقَمْحَ خَاصَّةً بِكَيْلٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ، فَإِذَا اكْتَالَهُ حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ فِي كَيْلِهِ وَحَتَّى لَوْ اكْتَالَهُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَرَاهُ وَيُشَاهِدُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكْتَالَ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ، وَجَائِزٌ لَهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَهَبَهُ، وَأَنْ يُصْدِقَهُ، وَأَنْ يُؤَاجِرَ بِهِ، وَأَنْ يُصَالِحَ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَأَنْ يُقْرِضَهُ قَبْلَ، أَنْ يَكْتَالَهُ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْقُلَهُ جُزَافًا اشْتَرَاهُ أَوْ بِكَيْلٍ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي غَيْرِ الْقَمْحِ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا أُبَيٌّ أَنَا حَيَّانُ بْنُ هِلَالٍ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكَ حَدَّثَهُ: أَنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَجُلٌ أَشْتَرِي هَذِهِ الْبُيُوعَ، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَيْعٍ، وَلِكُلِّ ابْتِيَاعٍ، وَتَخْصِيصٌ لَهُمَا مِمَّا لَيْسَا بَيْعًا وَلَا ابْتِيَاعًا، وَجَوَابٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ مِمَّا يَحْرُمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُضْطَرِبٌ. لِأَنَّكُمْ رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ إخْوَانِنَا حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ الْجُشَمِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ نَذْكُرُ هَذَا الْخَبَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ مَتْرُوكٌ؟

قُلْنَا: نَعَمْ، إلَّا أَنَّ هَمَّامَ بْنَ يَحْيَى رَوَاهُ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَسَمَّى ذَلِكَ الرَّجُلَ مِنْ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ هِشَامٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ وَيَعْلَى ثِقَةٌ وَذَكَرَ فِيهِ: أَنَّ يُوسُفَ سَمِعَهُ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِذَا سَمِعَهُ مِنْ حَكِيمٍ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَسْمَعَهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَكِيمٍ عَنْ حَكِيمٍ، فَصَارَ حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ لَغْوًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ فَهُوَ الطَّعَامُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرَأْيِهِ: وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَانِ صَحِيحَانِ: إلَّا أَنَّهُمَا بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَحَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دَخَلَ فِيهِ: الطَّعَامُ وَغَيْرُ الطَّعَامِ، فَهُوَ أَعَمُّ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ حُكْمًا لَيْسَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا أَبُو بِشْرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ «عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَسْأَلُنِي الْمَرْءُ الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُ لَهُ مِنْ السُّوقِ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا تَبْتَعْ مَا لَيْسَ عِنْدِكَ»

قُلْنَا: نَعَمْ، وَبِهِ نَقُولُ هُوَ بَيِّنٌ كَمَا تَسْمَعُ، إنَّمَا نَهْي عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكٍ كَمَا فِي الْخَبَرِ نَصًّا، وَإِلَّا فَكُلُّ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ فَهُوَ عِنْدَهُ وَلَوْ أَنَّهُ بِالْهِنْدِ يَقُولُ: عِنْدِي ضَيْعَةٌ سَرِيَّةٌ، وَعِنْدِي فَرَسٌ فَارَّةٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا كَانَ مَغْصُوبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ عِنْدَ صَاحِبِهِ، أَيْ فِي مِلْكِهِ وَلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحٍ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَا بَيْعٌ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَلَا نَعْلَمُ لِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَّا هَذَا وَحْدَهُ، وَآخَرُ فِي الْهِبَاتِ رَوَاهُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَاتِ إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا الَّذِي فِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ لَكَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا: ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا تَبِعْ بَيْعًا حَتَّى تَقْبِضَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ لِعُمَرَ: إنَّهُ تُزَيَّفُ عَلَيْنَا أَوْرَاقٌ فَنُعْطِي الْخَبِيثَ وَنَأْخُذُ الطَّيِّبَ؟ قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا،

وَلَكِنْ انْطَلِقْ إلَى الْبَقِيعِ فَبِعْ وَرِقَكَ بِثَوْبٍ أَوْ عَرَضٍ، فَإِذَا قَبَضَتْ وَكَانَ لَك فَبِعْهُ وَذَكَرَ الْخَبَرَ. فَهَذَا عُمَرُ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْقَبْضَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ الشَّيْءُ لِلْمَرْءِ وَقَوْلُنَا فِي هَذَا كَقَوْلِ الْحَسَنِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّعَامِ فَقَطْ يَعْنِي أَنْ لَا يُبَاعَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَقَطْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: لَا بَأْسَ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْبَيْعَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَا خَلَا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ بَيْعًا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ بِنَقْدٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَإِبْرَاهِيمَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَذَكَرَهُ النَّخَعِيُّ عَمَّنْ لَقِيَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: جَائِزٌ بَيْعُ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ مَا مُلِكَ بِعَقْدٍ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ: كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، إلَّا الْعَقَارَ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ: وَكُلُّ مَا مُلِكَ بِعَقْدٍ لَا يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ: فَجَائِزٌ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالصَّدَاقِ، وَالْجُعْلِ، وَالْخُلْعِ، وَنَحْوِهِ وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ وَالْمَاءُ: فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فَجَائِزٌ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمَاءُ: فَبَيْعُهُ جَائِزٌ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجَعَلَ فِي كِلَا قَوْلَيْهِ: زَرِيعَةَ الْفُجْلِ الْأَبْيَضِ، وَزَرِيعَةَ الْجَزَرِ، وَزَرِيعَةَ السَّلْقِ: لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهَا قَبْلَ الْقَبْضِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا لَا يَأْكُلُهُ أَحَدٌ أَصْلًا، وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرْتُمْ عَلَى

الشَّافِعِيِّ فِي إدْخَالِهِ السَّقَمُونْيَا فِيمَا يُؤْكَلُ؟ فَقَالُوا: إنَّهُ يُخْرِجُ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ؟ فَقُلْنَا: وَالشَّجَرُ يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ فَامْنَعُوا مِنْ بَيْعِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، فَانْقَطَعُوا وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ هَذَا كُلَّهُ كَمَا هُوَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ هَهُنَا كُلَّ قَوْلٍ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَلَمْ يُجِزْ بَيْعَ مَا مُلِكَ بِبَيْعٍ، أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ، قَبْلَ الْقَبْضِ أَصْلًا وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بِلَا دَلِيلٍ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا النِّكَاحَ وَالْخُلْعَ عَلَى الْبَيْعِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يَجُوزُ بِلَا مَهْرٍ يُذْكَرُ أَصْلًا، وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ يُذْكَرُ، وَالنِّكَاحُ لَمْ يُمْلَكْ بِصَدَاقِ رَقَبَةِ شَيْءٍ أَصْلًا، وَالْخُلْعُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَمَّا حُكْمُ الْقَمْحِ: فَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا فِي الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ فَهُوَ الطَّعَامُ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلطَّعَامِ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً وَعُمُومٌ لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مُلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ الْقَمْحَ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الطَّعَامِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُطْلَقُ هَذَا إلَّا عَلَى الْقَمْحِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ بِإِضَافَةٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] فَأَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ الذَّبَائِحَ لَا مَا يَأْكُلُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، وَالْخِنْزِيرَ، وَلَمْ يَحِلَّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَطُّ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] فَذَكَرَ تَعَالَى الطُّعْمَ فِي الْمَاءِ بِإِضَافَةٍ، وَلَا يُسَمَّى الْمَاءُ طَعَامًا.

وَقَالَ لَقِيطُ بْنُ مَعْمَرٍ الْإِيَادِيُّ جَاهِلِيٌّ فَصِيحٌ فِي شِعْرٍ لَهُ مَشْهُورٌ: لَا يَطْعَمُ النَّوْمَ إلَّا رَيْثَ يَبْعَثُهُ ... هَمٌّ يَكَادُ جَوَاهُ يَحْطِمُ الضِّلْعَا فَأَضَافَ الطُّعْمَ إلَى النَّوْمِ وَالنَّوْمُ لَيْسَ طَعَامًا بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ، فَذَكَرَ الطَّعَامَ فِي الشَّعِيرِ فِي إضَافَةٍ لَا بِإِطْلَاقٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَوْلَهُ: كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَلَمْ يُطْلِقْ الطَّعَامَ إلَّا عَلَى الْقَمْحِ وَحْدَهُ. لَا عَلَى الشَّعِيرِ وَلَا غَيْرِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: عَرَضَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ زَيْتًا لَهُ؟ فَقُلْت لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ الزَّيْتِ قَلَّمَا يَسْتَوْفُونَ حَتَّى يَبِيعُونَ، فَقَالَ: إنَّمَا سُمِّيَ الطَّعَامُ أَيْ إنَّمَا أَمَرَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فِي الطَّعَامِ فَلَمْ يَرَ الزَّيْتَ طَعَامًا. وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: حُجَّتَانِ فِي اللُّغَةِ قَاطِعَتَانِ؛ لَا سِيَّمَا وَعَبْدُ اللَّهِ هُذَلِيٌّ قَبِيلَةٌ مُجَاوِرَةٌ لِلْحَرَمِ فَلُغَتُهُمْ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا: إنَّ الطَّعَامَ بِإِطْلَاقٍ إنَّمَا هُوَ الْقَمْحُ وَحْدَهُ: أَبُو ثَوْرٍ وَأَمَّا الْقَمْحُ يُشْتَرَى جُزَافًا فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ حَتَّى يُقْبَضَ وَيُنْقَلَ عَنْ مَوْضِعِهِ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ «عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: رَأَيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ أَنَا أَبِي أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ

قَالَ وَكُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جُزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَضْرِبُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى شَرِيعَةٍ يُؤْمَرُونَ بِهَا فِي الْأَسْوَاقِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَصْلًا فَصَحَّ أَنَّهُ جُرْمٌ كَبِيرٌ لَا يُرَخِّصُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ فِي بَعْضِ مَا رَوَيْتُمْ " حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ "؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ مَكَان رَحَّلَهُ إلَيْهِ فَهُوَ رَحْلٌ لَهُ إذَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ أَنْ يُرَحِّلَهُ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجُزَافَ؟ قُلْنَا: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ مَالِكٍ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ دُونَهُ أَصْلًا وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَذَكَرَ فِيهِ الْجُزَافَ. وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ كَمَا أَوْرَدْنَا فَذَكَرَ فِيهِ الْجُزَافَ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ بِلَا شَكٍّ. وَجُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ ذَكَرُوا فِيهِ عَنْهُ الْجُزَافَ، كَمَا ذَكَرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَ ذِكْرَ الْجُزَافِ: الْقَعْنَبِيُّ، وَيَحْيَى، فَقَطْ فَصَحَّ أَنَّهُمَا وَهُمَا فِيهِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ خَبَرُ وَاحِدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا كَانَ يَصِحُّ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، وَيَحْيَى، لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ اثْنَيْنِ عَنْ مُوَطِّئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَقَوْلُنَا هَهُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ، وَلَا نَعْلَمُ لِمُقَلِّدِهِ وَلَا لَهُ حُجَّةً أَصْلًا

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْقَمْحُ يَبْتَاعُهُ الْمَرْءُ بِكَيْلٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَكْتَالُهُ الَّذِي يَبِيعُ مِنْهُ وَلَا بُدَّ سَوَاءً حَضَرَا كِلَاهُمَا كَيْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَحْضُرَا، فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَنَا مُسْلِمٌ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الزِّيَادَةُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ» . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَرِيكٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَيَانٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى الطَّعَامَ وَقَدْ شَهِدَ كَيْلَهُ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَكُونُ شَاهِدَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُكَالُ فَأَشْتَرِيهِ، آخُذُهُ بِكَيْلِهِ؟ فَقَالَ: مَعَ كُلِّ صَفْقَةٍ كَيْلَةٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مَرْوَانُ عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى آلِ سَعْدٍ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: رَجُلٌ ابْتَاعَ طَعَامًا فَاكْتَالَهُ، أَيَصْلُحُ لِي أَنْ اشْتَرِيهِ بِكَيْلِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يُكَالَ بَيْنَ يَدَيْك وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: هَذَا رِبًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ سَوَادَةَ بْنِ حَيَّانَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا طَعَامًا وَالْآخَرُ مَعَهُ؟ فَقَالَ: قَدْ شَهِدْت الْبَيْعَ وَالْقَبْضَ؟ فَقَالَ: خُذْ مِنِّي رِبْحًا وَأَعْطِنِيهِ فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، فَتَكُونُ لَك زِيَادَتُهُ وَعَلَيْك نُقْصَانُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ أَبِي حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَسُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى طَعَامًا مَا وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى كَيْلِهِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَكِيلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فِي السَّنَةِ الَّتِي مَضَتْ: إنَّ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا أَوْ وَدَكًا كَيْلًا أَنْ يَكْتَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ، فَإِذَا بَاعَهُ

مسألة الشركة والإقالة والتولية كلها بيوع مبتدأة

اُكْتِيلَ مِنْهُ أَيْضًا إذَا بَاعَهُ كَيْلًا وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا بِيعَ بِالنَّقْدِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَدِّقَ الْبَائِعَ فِي كَيْلِهِ وَلَا يَكْتَالُهُ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَخَالَفَ فِيهِ صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ، وَخَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ، وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ نَصِّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ الطَّائِيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ أَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِي، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِكَ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعَ حَتَّى تَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ» ؟ قُلْنَا: هَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَبِاَللَّهِ لَوْ صَحَّ عِنْدَنَا لَسَارَعْنَا إلَى الْأَخْذِ بِهِ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا يَسَّرَنَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَمَنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ فُسِخَ أَبَدًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهُ الْخَبَرَ ضَرَبَ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [مَسْأَلَة الشَّرِكَة وَالْإِقَالَة والتولية كُلّهَا بُيُوع مُبْتَدَأَة] 1509 - مَسْأَلَةٌ: وَالشَّرِكَةُ، وَالْإِقَالَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ: كُلُّهَا بُيُوعٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ لَا تَحَاشَ، شَيْئًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا فِي الشَّرِكَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ. وَقَالُوا: الْإِقَالَةُ فَسْخُ بَيْعٍ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا، وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ

الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَ الِاكْتِيَالِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ فِيهِ بِالشَّرِكَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ، وَالْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَبْلَ الِاكْتِيَالِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ فِي التَّوْلِيَةِ فَقَطْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا فِي الْمَدِينَةِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ، إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يَقْبَلَهُ» . وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ، وَالْإِقَالَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ رُوِيَ هَذَا إلَّا عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَنْ طَاوُسٍ فَقَطْ - وَقَوْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهَا. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا خَبَرُ رَبِيعَةَ فَمُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَوْ اسْتَنَدَ لَسَارَعْنَا إلَى الْأَخْذِ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ اسْتِفَاضَتُهُ عَنْ أَصْلٍ صَحِيحٍ لَكَانَ الزُّهْرِيُّ أَوْلَى بِأَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ مِنْ رَبِيعَةَ، فَبَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ بَوْنٌ بَعِيدٌ، وَالزُّهْرِيُّ مُخَالِفٌ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: التَّوْلِيَةُ بَيْعٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا تَوْلِيَةَ حَتَّى يُقْبَضَ وَيُكَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيُوَلِّيهِ الرَّجُلَ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الشَّعْشَاعِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَبِرَأْيِك تَقُولُهُ؟ قَالَ: لَا أَقُولُهُ بِرَأْيِي، وَلَكِنَّا أَخَذْنَاهُ عَنْ سَلَفِنَا، وَأَصْحَابِنَا قَالَ عَلِيٌّ: سَلَفُ الْحَسَنِ هُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَدْرَكَ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةِ صَاحِبٍ وَأَكْثَرَ، وَغَزَا مَعَ مِئِينَ مِنْهُمْ وَأَصْحَابُهُ هُمْ أَكَابِرُ التَّابِعِينَ، فَلَوْ أَقْدَمَ امْرُؤٌ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ هَهُنَا لَكَانَ أَصَحَّ مِنْ الْإِجْمَاعِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ بِلَا شَكٍّ وَمِنْ طَرِيقِ

مسألة الإقالة بيع أم فسخ

عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَفِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ فِطْرٌ: عَنْ الْحَكَمِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ: عَلَى أَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ، قَالَ سُفْيَانُ: وَنَحْنُ نَقُولُ: وَالشَّرِكَةُ بَيْعٌ، وَلَا يُشْرِكُ حَتَّى يَقْبِضَ فَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ كَمَا تَرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الشَّرِكَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ، إنَّمَا هُوَ نَقْلُ مِلْكِ الْمَرْءِ عَيْنًا مَا صَحَّ مِلْكُهُ لَهَا، أَوْ بَعْضَ عَيْنٍ مَا صَحَّ مِلْكُهُ لَهَا إلَى مِلْكٍ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ نَفْسُهُ، لَيْسَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ أَلْبَتَّةَ إلَّا لِلْبَيْعِ، وَلَا يَكُونُ بَيْعٌ أَصْلًا إلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَصَحَّ أَنَّهُمَا بَيْعٌ صَحِيحٌ، وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَا هَهُنَا فَقَطْ وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ وَنَقَضُوا هَهُنَا أَصْلَهُمْ، فَتَرَكُوا مُرْسَلَ رَبِيعَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَمَا نَعْلَمُ الْمَالِكِيِّينَ احْتَجُّوا بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الشَّرِكَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ، وَالْإِقَالَةُ مَعْرُوفٌ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَالْبَيْعُ أَيْضًا مَعْرُوفٌ، وَمَا عَهِدَنَا الْمَعْرُوفَ تُبَاحُ فِيهِ مُحَرَّمَاتٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ مُنْكَرًا لَا مَعْرُوفًا. وَسَنَتَكَلَّمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِقَالَةِ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسْأَلَةٍ مُفْرَدَةٍ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. [مَسْأَلَة الْإِقَالَة بَيْع أُمّ فَسْخ] 1510 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَضُّ عَلَيْهَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَنَا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ»

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَيْسَتْ بَيْعًا، إنَّمَا هِيَ فَسْخُ بَيْعٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخُ بَيْعٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهَا بَيْعٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فَسْخُ بَيْعٍ: فَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي يُوسُفَ فَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَقْسِيمٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَيْسَتْ بَيْعًا، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا بِاسْمِ الْإِقَالَةِ، وَاتَّبَعَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُسَمِّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعًا، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى بَيْعًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَمِّهَا هَذَا الِاسْمَ. وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ، وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَاتَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتِجَاجُهُمْ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَوْلُهُمْ حَقٌّ، إلَّا أَنَّنَا لَا نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمَّى إقَالَةً: فِعْلَ مَنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ بَيْعًا ثُمَّ اسْتَقَالَهُ فِيهِ، فَرَدَّ إلَيْهِ مَا ابْتَاعَ مِنْهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ بَيْعًا، وَلَا يَجِدُونَ هَذَا أَبَدًا، لَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ وَهَذَا الْخَبَرُ الْمُرْسَلُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ لَوْ شِئْنَا أَنْ نَسْتَدِلَّ مِنْهُ بِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ لَفَعَلْنَا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا مَنْ أَشْرَكَ، أَوْ وَلَّى، أَوْ أَقَالَ فَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهَا بُيُوعٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْبُيُوعِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا فِيهِ الْحَضُّ عَلَى الْإِقَالَةِ فَقَطْ، وَالْإِقَالَةُ تَكُونُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ، لَكِنْ فِي الْهِبَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تُسَمَّى بَيْعًا، وَلَا لَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فَبَطَلَ مَا صَدَّرُوا بِهِ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ الصَّحِيحِ أَصْلَهُ الْمَوْضُوعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَاطِلٌ، وَإِقْدَامٌ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الْأُمَّةِ، وَمَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ قَطُّ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ، فَكَيْفَ عَلَى الْإِقَالَةِ فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ،

وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ وَطَاوُسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَخِي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ: أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ أَخْذِ بَعْضِ السَّلَمِ، وَالْإِقَالَةِ فِي بَعْضِهِ، فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ؟ فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ تُقِرُّوا جَمِيعَ الصَّحَابَةِ أَوَّلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ حَتَّى أَيْقَنُوا بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ؟ أَمْ تُقِرُّوا جَمِيعَ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ مِنْ أَقْصَى خُرَاسَانَ إلَى الْأَنْدَلُسِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ كَذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَبَدًا فَمَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ مِنْ الْجِنِّ قَوْمًا صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَنُوا بِهِ، وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ، فَلِأُولَئِكَ الْجِنِّ مِنْ الْحَقِّ وَوُجُوبِ التَّعْظِيمِ مِنَّا، وَمِنْ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ، وَالدِّينِ، مَا لِسَائِرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَمَنْ لَهُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَرَحِمَ اللَّهُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَلَقَدْ صَدَقَ إذْ يَقُولُ: مَنْ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، مَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا؟ لَكِنْ لِيَقُلْ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا، هَذِهِ أَخْبَارُ الْمَرِيسِيِّ، وَالْأَصَمِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا تَحِلُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَرَفُوهُ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ عَنْهُمْ وَأَقَرُّوا بِهِ وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ مَنْ خَالَفَهُ كَافِرًا خَارِجًا عَنْ الْإِسْلَامِ، كَشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَالْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَجُمْلَةِ الزَّكَاةِ، وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَمِنْ الْجَنَابَةِ، وَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ؛ وَالدَّمِ، وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ فَقَطْ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لَكَانَ بَيْعًا مُسْتَثْنًى بِالْإِجْمَاعِ مِنْ جُمْلَةِ الْبُيُوعِ، فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَسْلَفْت فِي شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ فَسَمِّي فَجَاءَ ذَلِكَ الْأَجَلُ وَلَمْ تَجِدْ الَّذِي أَسْلَفْت فِيهِ: فَخُذْ عَرَضًا بِأَنْقَصَ وَلَا تَرْبَحْ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُفْتِ بِالْإِقَالَةِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَبَيْعُ غَرَرٍ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَبَيْعٌ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَيَّمَا فِي الْعَالَمِ هُوَ؟ وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِجَوَازِهِ نَصٌّ فَيَسْتَثْنِيهِ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا أَسَلَفَ فِيهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُوجَدَ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِصَاصًا وَمُعَاقَبَةً مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَتَرَاضَيَا بِهِ: قِيمَةَ مَا وَجَبَ لَهُ عِنْدَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] وَحَرِيمَةُ الْمَالِ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ يَجِبُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهَا، فَإِنْ أَرَادَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ عِنْدَهُ، أَوْ يَأْخُذَ بَعْضَ مَا لَهُ عِنْدَهُ، أَوْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا شَاءَ مِنْهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمُفْلِسِ إذْ قَالَ: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ " فِي التَّفْلِيسِ " وَفِي " الْجَوَائِحِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ فَلِنَقُلْ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّه تَعَالَى، فَنَقُولُ، وَبِهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ: إنَّ الْإِقَالَةَ لَوْ كَانَتْ فَسْخُ بَيْعٍ لَمَا جَازَتْ إلَّا بِرَدِّ عَيْنِ الثَّمَنِ نَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ: كُنَّا نَخْتَلِفُ إلَى السَّوَادِ فِي الطَّعَامِ وَهُوَ أَكْدَاسٌ قَدْ حُصِدَ فَنَشْتَرِيهِ مِنْهُمْ الْكُرَّ بِكَذَا وَكَذَا، وَنَنْقُدُ أَمْوَالَنَا، فَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ الْعُمَّالُ فِي الدِّرَاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَفِي لَنَا بِمَا سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَقَصَ طَعَامُهُ فَيَطْلُبُ إلَيْنَا أَنْ نَرْتَجِعَ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ رُءُوسُ أَمْوَالِنَا، فَسَأَلْت الْحَسَنَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَكَرِهَهُ إلَّا أَنْ يُسْتَوْفَى مَا سُمِّيَ لَنَا، أَوْ نَرْتَجِعَ أَمْوَالَنَا كُلَّهَا، وَسَأَلْت ابْنَ سِيرِينَ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُك بِأَعْيَانِهَا فَلَا بَأْسَ، وَسَأَلْت عَطَاءً؟ فَقَالَ: مَا أَرَاك إلَّا قَدْ رَفَقْت وَأَحْسَنْت إلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ صِفَةُ الْفَسْخِ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقُولُ: إنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ صَحِيحٌ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ كُلِّ

مسألة بيع دين يكون لإنسان على غيره

مُسْلِمٍ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ بِالْيَقِينِ لَا بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، فَلَا يَحِلُّ فَسْخُ عَقْدٍ صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، وَلَا نَصَّ فِي جَوَازِ فَسْخِهِ مُطَارَفَةً بِتَرَاضِيهِمَا، إلَّا فِيمَا جَاءَ نَصٌّ بِفَسْخِهِ، كَالشُّفْعَةِ، وَمَا فِيهِ الْخِيَارُ بِالنَّصِّ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَالِك، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَنْ أَجَازَ الْفَسْخَ نَصٌّ أَصْلًا فَقَدْ صَحَّ: أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ بِتَرَاضِيهِمَا، يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، وَيَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِي الْبُيُوعِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخُ بَيْعٍ لَزِمَهُ أَنْ لَا يُجِيزَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إذْ لَمْ تَكُنْ بَيْعًا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا مَنْ رَآهَا بَيْعًا فَإِنَّهُ يُجِيزُهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعِ أَوَّلًا، وَبِأَقَلَّ، وَبِغَيْرِ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَحَالًّا، وَفِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى أَجَلٍ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَجَلُ، وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع دِين يَكُون لِإِنْسَانِ عَلَى غَيْره] 1511 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ دَيْنٍ يَكُونُ لِإِنْسَانٍ عَلَى غَيْرِهِ، لَا بِنَقْدٍ، وَلَا بِدَيْنٍ، لَا بِعَيْنٍ، وَلَا بِعَرَضٍ، كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ مُقِرًّا بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ الْحَلَالَ: أَنْ يَبْتَاعَ فِي ذِمَّتِهِ مِمَّنْ شَاءَ مَا شَاءَ، مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَيُّرِ، ثُمَّ يُحِيلُهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ الدَّيْنُ، فَهَذَا حَسَنٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ، وَمَا لَا يَدْرِي عَيْنَهُ، وَهَذَا هُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَمَّنْ اشْتَرَى صَكًّا فِيهِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ بِثَوْبٍ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ، قَالَ وَكِيعٌ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: هُوَ غَرَرٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مُقِرًّا بِمَا عَلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ بِعَرَضٍ نَقْدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّهُ شِرَاءُ خُصُومَةٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَقَرَّ الْيَوْمَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُنْكِرَ غَدًا، فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الْبَيِّنَةِ بِإِقْرَارِهِ، فَيَحْصُلُ عَلَى شِرَاءِ خُصُومَةٍ وَلَا فَرْقَ.

مسألة بيع الماء

وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا الْأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى رَجُلٍ فَيَبِيعُهُ فَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِهِ» . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَحَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي مُكَاتَبٍ اشْتَرَى مَا عَلَيْهِ بِعَرَضٍ فَجَعَلَ الْمُكَاتَبَ أَوْلَى بِنَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَوْلَى إذَا أَدَّى مِثْلَ الَّذِي أَدَّى صَاحِبُهُ» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَمَّنْ لَهُ دَيْنٌ فَابْتَاعَ بِهِ غُلَامًا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدِيثَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُرْسَلَانِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ الْأَسْلَمِيِّ وَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوكٌ مُتَّهَمٌ. وَالْآخَرُ أَيْضًا: عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ. وَلَا حُجَّةَ لِلْمَالِكِيِّينَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَلَا فِي خَبَرِ جَابِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: أَنَّهُ كَانَ بِإِقْرَارٍ دُونَ بَيِّنَةٍ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الْمَاء] 1512 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا فِي سَاقِيَةٍ وَلَا مِنْ نَهْرٍ أَوْ مِنْ عَيْنٍ وَلَا مِنْ بِئْرٍ، وَلَا فِي بِئْرٍ، وَلَا فِي صِهْرِيجٍ، وَلَا مَجْمُوعًا فِي قِرْبَةٍ، وَلَا فِي إنَاءٍ، لَكِنْ مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ عُنْصُرِ الْمَاءِ، وَمِنْ جُزْءٍ مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ بَاعَ الْبِئْرَ كُلَّهَا أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ بَاعَ السَّاقِيَةَ كُلَّهَا أَوْ الْجُزْءَ الْمُسَمَّى مِنْهَا: جَازَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمَاءُ بَيْعًا لَهُ. وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ الْمَاءَ الْجَارِيَ إلَّا مَا دَامَ فِي سَاقِيَتِهِ وَنَهْرِهِ، فَإِذَا فَارَقَهُمَا بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَصَارَ لِمَنْ صَارَ فِي أَرْضِهِ وَهَكَذَا أَبَدًا. فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَاءٍ لِسَقْيِهِ، أَوْ لِحَاجَتِهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعَامَلَ عَلَى سَوْقِهِ إلَيْهِ، أَوْ

عَلَى صَبِّهِ عِنْدَهُ فِي إنَائِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَاشُهُ مِنْ الْمَاءِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَامَلَ أَيْضًا عَلَى صَبِّهِ أَوْ جَلْبِهِ كَذَلِكَ فَقَطْ. وَمَنْ مَلَكَ بِئْرًا بِحَفْرٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَائِهَا مَا دَامَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ مَنْعُهُ عَمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَضْلُ النَّهْرِ، وَالسَّاقِيَةِ وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ نا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ أَبُو الْمِنْهَالِ أَنَّ إيَاسَ بْنَ عَبْدٍ الْمُزَنِيَّ قَالَ لِرَجُلٍ: لَا تَبِعْ الْمَاءَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: سَمِعَ «إيَاسَ بْنَ عَبْدٍ الْمُزَنِيَّ وَرَأَى أُنَاسًا يَبِيعُونَ الْمَاءَ فَقَالَ: لَا تَبِيعُوا الْمَاءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى أَنْ يُبَاعَ الْمَاءُ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُمْنَعَ نَقْعُ الْبِئْرِ» يَعْنِي الْمَاءَ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ. فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَهُوَ نَقْلٌ تَوَاتَرَ، وَلَا تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ.

مسألة بيع الخمر

وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ مِنْ فُتْيَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: مَنَعَنِي جَارِي فَضْلَ مَائِهِ فَسَأَلْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ؟ فَقَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ فَضْلِ الْمَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ غُلَامًا لَهُمْ بَاعَ فَضْلَ مَاءٍ لَهُمْ مِنْ عَيْنٍ بِعِشْرِينَ أَلْفًا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لَا تَبِعْهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: يُكْرَهُ بَيْعُ فَضْلِ الْمَاءِ: فَهَذَا إيَاسُ بْنُ عَبْدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: يُحَرِّمُونَ بَيْعَ الْمَاءِ جُمْلَةً، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاثْنَانِ مِنْ التَّابِعِينَ: الْقَاسِمُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَرُوِّينَا إبَاحَةَ بَيْعِ الْمَاءِ فِي الْآنِيَةِ، وَبَيْعَهُ فِي الشُّرْبِ: عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِبَاحَةَ بَيْعِهِ كَذَلِكَ، وَفِي الشُّرْبِ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ مَسْرُوقٍ إبَاحَةَ ثَمَنِ الْمَاءِ جُمْلَةً وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبُرْهَانٌ زَائِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ مَاءِ الشُّرْبِ: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الشُّرْبِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَفِي السَّمَاءِ هُوَ أَمْ لَا؟ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي إلَى الْعَيْنِ، وَالنَّهْرِ، وَالْبِئْرِ: مِنْ خُرُوقٍ، وَمَنَافِسَ فِي الْأَرْضِ بَعِيدَةٍ هِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِ صَاحِبِ الْمُفَجِّرِ، فَإِنَّمَا يَبِيعُ مَا لَمْ يَمْلِكْ بَعْدُ، وَهَذَا بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الْخَمْر] 1513 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْخَمْرِ، لَا لِمُؤْمِنٍ، وَلَا لِكَافِرٍ، وَلَا بَيْعُ الْخَنَازِيرِ كَذَلِكَ، وَلَا شُعُورِهَا، وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا بَيْعُ صَلِيبٍ، وَلَا صَنَمٍ، وَلَا مَيْتَةٍ، وَلَا دَمٍ إلَّا الْمِسْكَ وَحْدَهُ، فَهُوَ حَلَالٌ بَيْعُهُ وَمِلْكُهُ، فَمَنْ بَاعَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي ذَكَرْنَا شَيْئًا فُسِخَ أَبَدًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُسْلِمٍ هُوَ أَبُو الضُّحَى

عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَسْجِدِ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا لَيْثٌ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شَحْمَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ قَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَوَّهَ قَوْمٌ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ لِلْقِيَاسِ أَثَرٌ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الشُّحُومَ عَلَى الْيَهُودِ فَاسْتَحَلُّوا بَيْعَهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، إذْ خَصُّوا التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ مَتَى حُرِّمَ شَيْءٌ فَحَرَامٌ مِلْكُهُ، وَبَيْعُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَأَكْلُهُ عَلَى عُمُومِ تَحْرِيمِهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى: الْخِنْزِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، فَحَرَّمَ مِلْكَ كُلِّ ذَلِكَ، وَشُرْبَهُ، وَالِانْتِفَاعَ بِهِ، وَبَيْعَهُ. وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى دِينَ الْإِسْلَامِ عَلَى كُلِّ إنْسٍ وَجِنٍّ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فَوَجَبَ الْحُكْمُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس: بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا.

مسألة بيع الكلب واقتنائه

وَمَنْ أَجَازَ لَهُمْ بَيْعَ الْخَمْرِ ظَاهِرًا وَشِرَاءَهَا كَذَلِكَ، وَتَمَلُّكَهَا عَلَانِيَةً، وَتَمَلُّكَ الْخَنَازِيرِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ مِنْ دِينِهِمْ بِزَعْمِهِ، وَصَدَّقَهُمْ فِي ذَلِكَ: لَزِمَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا شَرَائِعَهُمْ فِي بَيْعِ مَنْ زَنَى مِنْ النَّصَارَى الْأَحْرَارِ، وَخِصَاءِ الْقِسِّيسِ إذَا زَنَى، وَقَتْلِ مَنْ يَرَوْنَ قَتْلَهُ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا: جَازَ ذَلِكَ وَهَذِهِ مِنْ شُنْعِهِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهَا. وَأَمَّا الْمِسْكُ: فَقَدْ صَحَّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطَيُّبُ بِالْمِسْكِ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى الطِّيبِ» وَأَيْضًا: فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الدَّمِ وَصِفَاتِهِ وَحْدَهُ، فَلَيْسَ دَمًا، وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَالْأَسْمَاءُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصِّفَاتِ، وَالْحُدُودِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا عُمَرُ الْمُكْتِبُ أَنَا حِزَامٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ زَكَا أَوْ زَكَّارٍ قَالَ: نَظَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى زُرَارَةَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ؟ قَالُوا: قَرْيَةٌ تُدْعَى زُرَارَةَ يُلْحَمُ فِيهَا، وَيُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ؟ قَالَ: أَيْنَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا؟ قَالُوا: بَابُ الْجِسْرِ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَأْخُذُ لَك سَفِينَةً؟ قَالَ: لَا، تِلْكَ شَجَرَةٌ، وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي الشَّجَرَةِ، انْطَلِقُوا بِنَا إلَى بَابِ الْجِسْرِ، فَقَامَ يَمْشِي حَتَّى أَتَاهَا، فَقَالَ عَلَيَّ بِالنِّيرَانِ أَضْرِمُوهَا فِيهَا، فَاحْتَرَقَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هِشَامٌ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ أَثْرَى فِي تِجَارَةِ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ: أَنْ اكْسِرُوا كُلَّ شَيْءٍ قَدَرْتُمْ لَهُ عَلَيْهِ، وَسَيِّرُوا كُلَّ مَاشِيَةٍ لَهُ، وَلَا يُؤْوِيَنَّ أَحَدٌ لَهُ شَيْئًا. فَهَذَا حُكْمُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَنْ بَاعَ الْخَمْرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَخَالَفُوهُمَا. [مَسْأَلَة بَيْع الْكَلْب واقتنائه] 1514 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ أَصْلًا، لَا كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، وَلَا غَيْرَهُمَا، فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيه إيَّاهُ فَلَهُ ابْتِيَاعُهُ، وَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُشْتَرِي حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ يَنْتَزِعُ مِنْهُ الثَّمَنَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، كَالرِّشْوَةِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَفِدَاءِ الْأَسِيرِ، وَمُصَانَعَةِ الظَّالِمِ وَلَا فَرْقَ.

وَلَا يَحِلُّ اتِّخَاذُ كَلْبٍ أَصْلًا، إلَّا لِمَاشِيَةٍ، أَوْ لِصَيْدٍ، أَوْ لِزَرْعٍ، أَوْ لِحَائِطٍ وَاسْمُ الْحَائِطِ يَقَعُ عَلَى الْبُسْتَانِ وَجِدَارِ الدَّارِ فَقَطْ. وَلَا يَحِلُّ أَيْضًا: قَتْلُ الْكِلَابِ، فَمَنْ قَتَلَهَا ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا، أَوْ بِمَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ عِوَضًا مِنْهُ، إلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، أَوْ الْأَسْوَدَ ذَا النُّقْطَتَيْنِ أَيْنَمَا كَانَتْ النُّقْطَتَانِ مِنْهُ فَإِنْ عَظُمَتَا حَتَّى لَا تُسَمَّيَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ نُقْطَتَيْنِ، لَكِنْ تُسَمَّى لَمْعَتَيْنِ: لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، فَلَا يَحِلُّ مِلْكُهُ أَصْلًا لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَقَتْلُهُ وَاجِبٌ حَيْثُ وُجِدَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ قَارِظٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» فَهَذَانِ صَاحِبَانِ فِي نَسَقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ فَهَذَا نَقْلٌ تَوَاتَرَ لَا يَسَعُ تَرْكُهُ وَلَا يَحِلُّ خِلَافُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَسْبَاطٌ نا الْأَعْمَشُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَرْبَعٌ مِنْ السُّحْتِ، ضِرَابُ الْفَحْلِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» . وَرُوِّينَاهُ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ «ثَمَنُ الْكَلْبِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْخَمْرِ حَرَامٌ» وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَخْبَثُ الْكَسْبِ كَسْبُ الزَّمَّارَةِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ. الزَّمَارَةُ: الزَّانِيَةُ، سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَةَ يَقُولُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: مَا أُبَالِي ثَمَنَ كَلْبٍ أَكَلْتُ، أَوْ ثَمَنَ خِنْزِيرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْت الْحَكَمَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ يَكْرَهَانِ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَلَا يَصِحُّ خِلَافُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ السُّنَنَ فِي ذَلِكَ، وَأَبَاحُوا بَيْعَ الْكِلَابِ، وَأَكْلَ أَثْمَانِهَا. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصِّيصِيُّ نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثٌ هُنَّ سُحْتٌ: حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَمَهْرُ الزَّانِيَةِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ.»

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ الشِّمْرِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثَا ابْنِ وَهْبٍ هَذَانِ فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِمَا إلَّا جَاهِلٌ بِالْحَدِيثِ، أَوْ مُكَابِرٌ يَعْلَمُ الْحَقَّ فَيُولِيَهُ ظَهْرَهُ، لِأَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَالِاطِّرَاحِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، وَالْآخَرَ مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فَقَطْ وَهَذَا حَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ ثَمَنِ مَا سِوَاهُ مِنْ الْكِلَابِ وَجَاءَتْ الْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ الَّتِي قَدَّمْنَا بِزِيَادَةٍ عَلَى هَذَيْنِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِأَنَّ فِيهِ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ، وَالْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا قَدْ شَهِدَ مَالِكٌ عَلَى يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِالْكَذِبِ، وَجَرَحَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا الْمُثَنَّى: فَجَرَّحَهُ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ أَحْمَدُ، وَتَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا اسْتِثْنَاءَ كَلْبِ الصَّيْدِ فَقَطْ، وَهُمْ يُبِيحُونَ مَا حُرِّمَ فِيهِ مِنْ ثَمَنِ كَلْبِ الزَّرْعِ، وَكَلْبِ الْمَاشِيَةِ، وَسَائِرِ الْكِلَابِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ بِإِقْرَارِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْعُقَيْلِيُّ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ نا أَبِي نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: إنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ دَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ، فَقُلْت فِي نَفْسِي: لَوْ سَأَلْته أَسْمَعُ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرٍ؟ فَرَجَعْت إلَيْهِ فَقُلْت: هَذَا كُلُّهُ سَمِعْته مِنْ جَابِرٍ؟ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْته، وَمِنْهُ مَا حَدَّثْت عَنْهُ، فَقُلْت لَهُ: أَعْلِمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْتَ؟ فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكُلُّ حَدِيثٍ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، أَوْ حَدَّثَهُ بِهِ جَابِرٌ أَوْ لَمْ يَرْوِهِ اللَّيْثُ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ بِإِقْرَارِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، وَلَا هُوَ مِمَّا عِنْدَ اللَّيْثِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ، فَحَصَلَ مُنْقَطِعًا.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ ثَمَنِ شَيْءٍ مِنْ الْكِلَابِ غَيْرَ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالنَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ سَائِرِهَا وَهُمْ يُبِيحُونَ أَثْمَانَ سَائِرِ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ لِغَيْرِ الصَّيْدِ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ. وَأَمَّا النَّظَرُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهَا حِينَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا، فَلَمَّا حُرِّمَ قَتْلُهَا وَأُبِيحَ اتِّخَاذُ بَعْضِهَا انْتَسَخَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْبَاطِلِ، وَبِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصٌّ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ نَسْخُ شَيْءٍ بِمُوجِبِ نَسْخِ شَيْءٍ آخَرَ، وَلَيْسَ إبَاحَةُ اتِّخَاذِ شَيْءٍ بِمُبِيحٍ لِبَيْعِهِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَوْمُ الْمُبِيحُونَ اتِّخَاذَ دُودِ الْقَزِّ، وَنَحْلِ الْعَسَلِ، وَلَا يُحِلُّونَ ثَمَنَهُمَا إضْلَالًا وَخِلَافًا لِلْحَقِّ، وَاِتِّخَاذُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حِلٌّ، وَلَا يَحِلُّ بِيَعُهُنَّ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ. وَقَالُوا: حُرِّمَ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ، فَلَمَّا نُسِخَ تَحْرِيمُ كَسْبِ الْحَجَّامِ نُسِخَ تَحْرِيمُ ثَمَنِ الْكَلْبِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَكَلَامٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا: أَنْ يُنْسَخَ أَيْضًا تَحْرِيمُ مَهْرِ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ مَعَهُمَا، ثُمَّ مَنْ لَهُمْ بِنَسْخِ تَحْرِيمِ كَسْبِ الْحَجَّامِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْآثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ، وَصَاحِبَيْنِ لَا يَصِحُّ خِلَافُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَضَاءَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِقِيمَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا، وَلَا ثَمَنًا، إنَّمَا هُوَ قِصَاصُ مَالٍ عَنْ فَسَادِ مَالٍ فَقَطْ، وَلَا ثَمَنَ لِمَيِّتٍ أَصْلًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُمَا كَرِهَا ثَمَنَ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، وَكَرِهَا ثَمَنَ الْهِرِّ وَأَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَدْ خَالَفُوهُمَا فِي ثَمَنِ الْهِرِّ كَمَا تَرَى.

وَقَدْ رُوِّينَا إبَاحَةَ ثَمَنِ الْكَلْبِ عَنْ عَطَاءٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ إبَاحَةَ ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] فَمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَتَحِلُّ هِبَتُهُ، فَإِمْسَاكُ مَنْ عِنْدَهُ مِنْهُ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ ذَلِكَ: الْفَضْلُ عَمَّنْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ ظُلْمٌ لَهُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمْهُ وَلَا يُسْلِمْهُ» وَالظُّلْمُ وَاجِبٌ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، وَأَيُّمَا قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ حَرْثٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ

مسألة بيع الهر والوصية به

صَيْدٍ، وَلَا مَاشِيَةٍ، وَلَا أَرْضٍ، فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ» وَتَدْخُلُ الدَّارُ فِي جُمْلَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا أَرْضٌ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا نَصُّ مَا قُلْنَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أُمِرْنَا بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الصَّيْدِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الْهِرّ والوصية بِهِ] 1515 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْهِرِّ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِأَذَى الْفَأْرِ فَوَاجِبٌ وَعَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْهَا فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الضَّرَرَ: كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْكَلْبِ وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ نا مَعْقِلٌ عَنْ «أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ فَقَالَ: زَجَرَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الزَّجْرُ أَشَدُّ النَّهْيِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَرِهَ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ. فَهَذِهِ فُتْيَا جَابِرٍ لِمَا رُوِيَ وَلَا نَعْرِفُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنَّ يُسْتَمْتَعَ بِمُسُوكِ السَّنَانِيرِ، وَأَثْمَانِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الْهِرِّ، وَثَمَنَهُ، وَأَكْلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَلَا وَرَعَ يَزْجُرُهُ عَنْ الْكَذِبِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ: رَوَيَا «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبَاحَةَ ثَمَنِ الْهِرِّ»

مسألة البيع على أن تربحني للدينار درهما ولا على أني أربح معك فيه كذا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا نَعْلَمُهُ أَصْلًا مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ تُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَأَمَّا صَحِيحَةٍ فَنَقْطَعُ بِكَذِبِ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ جُمْلَةً. وَأَمَّا الْوَضْعُ فِي الْحَدِيثِ فَبَاقٍ مَا دَامَ إبْلِيسُ وَأَتْبَاعُهُ فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ بِلَا شَكٍّ، وَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّ حِينَ زَجْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ثَمَنِهِ بَطَلَتْ الْإِبَاحَةُ السَّالِفَةُ، وَنُسِخَتْ بِيَقِينٍ لَا مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى وَأَفِكَ وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَعُودَ مَا نَسَخَ، ثُمَّ لَا يَأْتِي بَيَانٌ بِذَلِكَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَسَخَ وَفِيمَا بَقِيَ عَلَى الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ مِنْ عِبَادِهِ. هَيْهَاتَ دِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَحْرَزُ. وَقَالَ الْمُبِيحُونَ لَهُ: لَمَّا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ دُخُولِ الْهِرِّ، وَالْكَلْبِ الْمُبَاحِ اتِّخَاذُهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْمِلْكِ: جَازَ بَيْعُهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا جَاهَرُوا فِيهِ بِالْبَاطِلِ، وَبِخِلَافِ أُصُولِهِمْ: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ ثُمَّ إنَّهُمْ يُجِيزُونَ دُخُولَ النَّحْلِ، وَدُودِ الْحَرِيرِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْكَلْبِ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَيُجِيزُونَ الْوَصِيَّةَ بِمَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَغَيْرِهَا، وَيُدْخِلُونَهُ فِي الْمِيرَاثِ. وَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَظَهَرَ تَخَاذُلُهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْبَيْع عَلَى أَنْ تربحني للدينار درهما وَلَا عَلَى أني أربح معك فِيهِ كَذَا] 1516 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ تُرْبِحَنِي لِلدِّينَارِ دِرْهَمًا، وَلَا عَلَى أَنِّي أَرْبَحُ مَعَك فِيهِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. فَلَوْ تَعَاقَدَا الْبَيْعَ دُونَ هَذَا الشَّرْطِ، لَكِنْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِأَنَّهُ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِكَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُ لَا يَرْبَحُ مَعَهُ فِيهَا إلَّا كَذَا وَكَذَا فَقَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا، فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ كَذَبَ فِيمَا قَالَ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ شَيْئًا، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، إلَّا مِنْ عَيْبٍ فِيهِ، أَوْ غَبْنٍ ظَاهِرٍ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَالْكَاذِبُ آثِمٌ فِي كَذِبِهِ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى أَنْ تُرْبِحَنِي كَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْعَقْدُ بِهِ بَاطِلٌ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، لِأَنَّهُمَا إنَّمَا تَعَاقَدَا الْبَيْعَ عَلَى أَنَّهُ

يَرْبَحُ مَعَهُ لِلدِّينَارِ دِرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ شِرَاؤُهُ دِينَارًا غَيْرَ رُبُعٍ كَانَ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ، وَالرِّبْحُ دِرْهَمًا غَيْرَ رُبُعِ دِرْهَمٍ فَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْبَيْعُ بِثَمَنٍ لَا يَدْرِي مِقْدَارَهُ. فَإِذَا سَلِمَ الْبَيْعُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ فَقَدْ وَقَعَ صَحِيحًا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكِذْبَةُ الْبَائِعِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا الْبَيْعُ، لَكِنْ كَزِنَاهُ لَوْ زَنَى، أَوْ شُرْبِهِ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَلَا فَرْقَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ " ده دوازده " مَعْنَاهُ أُرْبِحُك لِلْعَشَرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ رِبًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْعُ " ده دوازده " رِبًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ حَرَامٌ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَكَرِهَهُ مَسْرُوقٌ وَقَالَ: بَلْ أَشْتَرِيهِ بِكَذَا أَوْ أَبِيعُهُ بِكَذَا. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَجَازَهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا. وَأَجَازَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٌ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ " ده دوازده " وَتُحْسَبُ النَّفَقَةُ عَلَى الثِّيَابِ. وَلِمَنْ أَجَازَهُ تَطْوِيلٌ كَثِيرٌ فِيمَنْ ابْتَاعَ نَسِيئَةً، وَبَاعَ نَقْدًا، وَفِيمَنْ اشْتَرَى فِي نَفَاقٍ، وَبَاعَ فِي كَسَادٍ، وَمَا يُحْسَبُ كِرَاءِ الشَّدِّ وَالطَّيِّ، وَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارَةِ، وَمَا أُطْعِمَ الْحُرْفَا، وَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ، وَإِذَا ادَّعَى غَلَطًا، وَإِذَا انْكَشَفَ أَنَّهُ كَذِبٌ وَكُلُّهُ رَأْيٌ فَاسِدٌ. لَكِنْ نَقُولُ: مَنْ اُمْتُحِنَ بِالتِّجَارَةِ فِي بَلَدٍ لَا ابْتِيَاعَ فِيهِ إلَّا هَكَذَا فَلْيَقُلْ: قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَبِحَسَبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولُ: ابْتَعْته بِكَذَا، وَلَا يَحْسِبُ فِي ذَلِكَ نَفَقَةً، ثُمَّ يَقُولُ: لَكِنِّي لَا أَبِيعُهُ عَلَى شِرَائِي، تُرِيدُ أَخْذَهُ مِنِّي بَيْعًا بِكَذَا وَكَذَا، وَإِلَّا فَدَعْ فَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ «مَرَّ رَجُلٌ بِقَوْمٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ ثَوْبٌ، فَقَالَ لَهُ

مسألة البيع على الرقم أو أن يغري أحدا بما يرقم على سلعته

بَعْضُهُمْ بِكَمْ ابْتَعْتَهُ؟ فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: كَذَبْتَ وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا بِدُونِ مَا كَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَصَدَّقْ بِالْفَضْلِ» وَهُمْ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ قَدْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ بَيْعَهُ، وَلَا حَطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ. [مَسْأَلَة الْبَيْع عَلَى الرقم أَوْ أَنْ يغري أحدا بِمَا يرقم عَلَى سلعته] 1517 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى الرَّقْمِ وَلَا أَنْ يُغْرِ أَحَدًا بِمَا يُرَقِّمُ عَلَى سِلْعَتِهِ، لَكِنْ يُسَوِّمُ وَيُبَيِّنُ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَطْلُبُ عَلَى قِيمَةِ مَا يَبِيعُ، وَيَقُولُ: إنْ طَابَتْ نَفْسُك بِهَذَا، وَإِلَّا فَدَعْ. [مَسْأَلَة البيعتان فِي بيعة] 1518 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، مِثْلُ: أَبِيعُك سِلْعَتِي بِدِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي بِالدِّينَارَيْنِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. أَوْ كَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دَنَانِيرَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَدَدٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمِثْلُ: أَبِيعُك سِلْعَتِي هَذِهِ بِدِينَارَيْنِ نَقْدًا أَوْ بِثَلَاثَةٍ نَسِيئَةً. وَمِثْلِ أَبِيعُك سِلْعَتِي هَذِهِ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي سِلْعَتَك هَذِهِ بِكَذَا وَكَذَا. فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» . وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: أَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لِلْمَالِكِيِّينَ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: الْبَيْعَةُ الْأُولَى لَغْوٌ فَهَذَا الِاحْتِجَاجُ أَفْسَدُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي احْتَجُّوا لَهُ بِهِ، وَأَفْقَرُ إلَى حُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، عَلَى أَنَّهُمْ أَتَوْا بِعَظَائِمَ طَرْدًا مِنْهُمْ لِهَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ: فَأَجَازُوا بَيْعَ هَذِهِ السِّلْعَةِ بِخِنْزِيرٍ، أَوْ بِقِسْطِ خَمْرٍ، عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا بِالْخِنْزِيرِ، أَوْ الْخَمْرِ: دِينَارَيْنِ وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ، وَيَكْفِي ذِكْرُهَا عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَمَا الدَّيَّانَةُ كُلُّهَا إلَّا بِأَسْمَائِهَا وَأَعْمَالِهَا، لَا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.

وَنَحْنُ نَجِدُ الْمُسْتَقْرِضَ يَقُولُ: أَقْرِضْنِي دِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ أَرُدَّ لَك دِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ لَكَانَ قَوْلًا حَسَنًا، وَعَمَلًا صَحِيحًا، فَلَوْ قَالَ لَهُ يَعْنِي دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ لَكَانَ قَوْلًا خَبِيثًا، وَعَمَلًا فَاسِدًا، حَرَامًا، وَالْعَمَلُ وَاحِدٌ وَالصِّفَةُ وَاحِدَةٌ وَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا اللَّفْظُ. وَلَوْ قَالَ امْرُؤٌ لِآخَرَ: أَبِحْنِي وَطْءَ ابْنَتِك بِدِينَارٍ مَا شِئْت؟ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ لَكَانَ قَوْلًا حَرَامًا: وَزِنًا مُجَرَّدًا، فَلَوْ قَالَ لَهُ: زَوِّجْنِيهَا بِدِينَارٍ، لَكَانَ قَوْلًا صَحِيحًا، وَعَمَلًا صَحِيحًا، وَالصِّفَةُ وَاحِدَةٌ، وَالْعَمَلُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الِاسْمُ. وَقَوْلُهُمْ هَذَا جَمَعَ وُجُوهًا مِنْ الْبَلَاءِ، وَأَنْوَاعًا مِنْ الْحَرَامِ: مِنْهَا: تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَبَيْعُ مَا لَا يَحِلُّ وَابْتِيَاعُهُ مَعًا، وَبَيْعُ غَائِبٍ بِنَاجِزٍ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الرِّبَا وَبَيْعُ الْغَرَرِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: تَقُولُونَ فِيمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوَكْسُهُمَا أَوْ الرِّبَا» وَقَدْ أَخَذَ بِهَذَا شُرَيْحٌ: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَيَّاشُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: شَرْطَيْنِ فِي بَيْعِ أَبِيعُك إلَى شَهْرٍ بِعَشَرَةٍ، فَإِنْ حَبَسْته شَهْرًا فَتَأْخُذُ عَشَرَةً، قَالَ شُرَيْحٌ: أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ، وَأَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ أَوْ الرِّبَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَأَلْت أَبِي؟ فَقَالَ: هَذَا بَيْعٌ فَاسِدٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ فَإِنْ حَبَسْته شَهْرًا آخَرَ فَتَأْخُذُ عَشَرَةً أُخْرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَقَدْ كَانَ الرِّبَا، وَبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، وَالشُّرُوطُ فِي الْبَيْعِ: كُلُّ ذَلِكَ مُطْلَقًا غَيْرُ حَرَامٍ إلَى أَنْ حُرِّمَ كُلُّ ذَلِكَ، فَإِذْ حُرِّمَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ نُسِخَتْ الْإِبَاحَةُ بِلَا شَكٍّ، فَهَذَا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ

مسألة صفقة جمعت حلالا وحراما

بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ بِلَا شَكٍّ، فَوَجَبَ إبْطَالُهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا عَمَلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة صَفْقَة جمعت حلالا وحراما] 1519 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ صَفْقَةٍ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلَالًا فَهِيَ بَاطِلٌ كُلُّهَا، لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مَغْصُوبًا، أَوْ لَا يَحِلُّ مِلْكُهُ، أَوْ عَقْدًا فَاسِدًا وَسَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ الصَّفْقَةِ، أَوْ أَكْثَرَهَا، أَوْ أَدْنَاهَا، أَوْ أَعْلَاهَا، أَوْ أَوْسَطَهَا وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ بَطَلَتْ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا بَطَلَ الْحَرَامُ، وَصَحَّ الْحَلَالُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ احْتِجَاجُهُمْ لِذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ وَجْهَ الصَّفْقَةِ هُوَ الْمُرَادُ وَالْمَقْصُودُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْتُمْ؟ وَمَا هُوَ إلَّا قَوْلُكُمْ احْتَجَجْتُمْ لَهُ بِقَوْلِكُمْ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَصِحُّ الْحَلَالُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَبْطُلُ الْحَرَامُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَدْنَا هَذَا الْقَوْلَ يُبْطِلُهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَهَذَانِ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِبَعْضِ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا تَرَاضَيَا بِجَمِيعِهَا، فَمَنْ أَلْزَمَهُمَا بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ أَلْزَمَهُمَا مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِهِ حِينَ الْعَقْدِ، فَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَكَمَ بِأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْقُرْآنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا الْآنَ بِذَلِكَ لَمْ نَمْنَعْهُمَا، وَلَكِنْ بِعَقْدٍ مُجَرَّدٍ بِرِضَاهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ هَكَذَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ تِلْكَ الصَّفْقَةِ لَمْ يَتَعَاقَدَا صِحَّتَهُ إلَّا بِصِحَّةِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا صِحَّةَ لَهُ، وَكُلُّ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ أَبَدًا فَلَا صِحَّةَ لَهُ أَبَدًا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْحُرِّ] 1520 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْحُرِّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» قَالَ عَلِيٌّ: وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ، نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ مَا يَسَّرَ لِإِيرَادِهِ، لِيَعْلَمَ مُدَّعِي الْإِجْمَاعِ فِيمَا هُوَ أَخْفَى مِنْ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَمُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، وَقَالَ مُعَاذٌ: نَا أَبِي ثُمَّ اتَّفَقَ هِشَامٌ، وَهَمَّامٌ، كِلَاهُمَا: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ رَجُلًا بَاعَ نَفْسَهُ، فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَنَّهُ عَبْدٌ كَمَا أَقَرَّ نَفْسَهُ، وَجَعَلَ ثَمَنَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا لَفْظُ هَمَّامٍ وَأَمَّا لَفْظُ هِشَامٍ فَإِنَّهُ أَقَرَّ لِرَجُلٍ حَتَّى بَاعَهُ، وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ فِي كِلَا اللَّفْظَيْنِ وَلَا بُدَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا شَرِيكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ فَهُوَ عَبْدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ سَاقَ إلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا حُرًّا؟ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: هُوَ رَهْنٌ بِمَا جَعَلَ فِيهِ حَتَّى يَفْتَكَّ نَفْسَهُ. وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ مِنْ التَّابِعِينَ: أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا فِي دَيْنٍ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ قَوْلَةٌ غَرِيبَةٌ لَا يَعْرِفُهَا مِنْ أَصْحَابِهِ إلَّا مَنْ تَبَحَّرَ فِي الْحَدِيثِ وَالْآثَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قَضَاءُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا يَعْتَرِضُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ مُعْتَرِضٌ، فَإِنْ شَنَّعُوا هَذَا؟ قُلْنَا: يَا هَؤُلَاءِ لَا عَلَيْكُمْ، وَاَللَّهِ لَقَدْ قُلْتُمْ بِأَشْنَعَ مِنْ هَذَا وَأَشَدَّ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا. أَلَيْسَ الْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: إنْ ارْتَدَّ الْحَسَنِيُّ، أَوْ الْحُسَيْنِيُّ، أَوْ الْعَبَّاسِيُّ، أَوْ الْمَنَافِيُّ، أَوْ الْقُرَشِيُّ، فَلَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَإِنْ وُلِدَ وَلَدُهُ يُسْتَرَقُّونَ، وَإِنْ أَسْلَمُوا كَانُوا

مسألة بيع أمة حملت من سيدها

عَبِيدًا، وَأَنَّ الْقُرَشِيَّةَ إنْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ سُبِيَتْ وَأُرِقَّتْ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً تُبَاحُ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ تُرِكَتْ عَلَى كُفْرِهَا، وَجَازَ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ؟ أَوَ لَيْسَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبَ مَالِكٍ يَقُولُ: إنْ تَذَمَّمَ أَهْلُ الْحَرْبِ وَفِي أَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمُونَ، وَمُسْلِمَاتٌ أَحْرَارٌ، وَحَرَائِرُ، فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَبِيدًا لَهُمْ وَإِمَّا يَتَمَلَّكُونَهُمْ وَيَتَبَايَعُونَهُمْ، فَأُفٍّ لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَتُفٍّ، فَأَيُّهُمَا أَشْنَعُ مِمَّا لَمْ يُقَلِّدُوا فِيهِ عُمَرَ، وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَنْ صَارَ حُرًّا بِعِتْقٍ، أَوْ بِأَنْ كَانَ ابْنَ حُرٍّ مِنْ أَمَةٍ لَهُ، أَوْ بِأَنْ حَمَلَتْ بِهِ حُرَّةٌ، أَوْ بِأَنْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ الْمُعْتِقُ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ، فَلَا تَبْطُلُ عَلَيْهِ، وَلَا عَمَّنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ مِنْ الْوِلَادَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَبَدًا، لَا بِأَنْ يَرْتَدَّ، وَلَا بِأَنْ تَرْتَدَّ، وَلَا بِأَنْ يُسْبَى، وَلَا بِأَنْ يَرْتَدَّ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ وَإِنْ بَعُدَ، أَوْ جَدَّتُهُ وَإِنْ بَعُدَتْ وَلَا بِلَحَاقِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ أَحَدِ أَجْدَادِهِ، أَوْ جَدَّاتِهِ أَوْ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا: وَلَا بِإِقْرَارِهِ بِالرِّقِّ، وَلَا بِدَيْنٍ، وَلَا بِبَيْعِهِ نَفْسِهِ، وَلَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع أمة حملت مِنْ سيدها] 1521 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ أَمَةٍ حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، لِمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحُ السَّنَدِ وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلُ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ رِوَايَتِهِ، فَمَا كَانَ لِيَتْرُكَ مَا رُوِيَ إلَّا لِضَعْفِهِ عِنْدَهُ، وَلِمَا هُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ؟ قُلْنَا: لَسْنَا نُعَارَضُ - مَعْشَرَ الظَّاهِرِيِّينَ - بِهَذَا الْغُثَاءِ مِنْ الْقَوْلِ، وَلَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا عَلَيْنَا إلَّا ضِعَافُ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَنَا فِي الرِّوَايَةِ، لَا فِي الرَّأْيِ، يُعَارِضُ بِهَذَا مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَا عُورِضَ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ.

مسألة بيع الهواء

وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الَّذِينَ لَا يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ فِي ذَلِكَ، مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا، وَاَلَّذِينَ لَا يُبَالُونَ بِأَنْ يَدَّعُوا هَهُنَا الْإِجْمَاعَ ثُمَّ لَا يُبَالُونَ بِأَنْ يَجْعَلُوا: ابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، مُخَالِفِينَ لِلْإِجْمَاعِ فَهَذِهِ صِفَةُ عِلْمِهِمْ بِالسُّنَنِ، وَهَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. 1521 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا وَقَعَ مَنِيُّ السَّيِّدِ فِي فَرْجِ أَمَتِهِ فَأَمْرُهَا مُتَرَقَّبٌ، فَإِنْ بَقِيَ حَتَّى يَصِيرَ خَلْقًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَهِيَ حَرَامٌ بَيْعُهَا مِنْ حِينِ سُقُوطِ الْمَنِيِّ فِي فَرْجِهَا وَيُفْسَخُ بَيْعُهَا إنْ بِيعَتْ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلْقًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَلَمْ يَحْرُمْ بَيْعُهَا قَطُّ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسْتَحَقَّ الْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَكَانَ بَيْعُهَا حَلَالًا، لَوْ كَانَ بَيْعُهَا حَلَالًا لَحَلَّ فَرْجُهَا لِمُشْتَرِيهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمَنِيُّ وَلَدًا وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ الْمَذْكُورِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَيِّتِ إثْرَ كَوْنِ مَنِيِّهِ فِي فَرْجِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ مُتَرَقِّبٌ أَيْضًا، فَإِنْ وُلِدَ حَيًّا عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ مِيرَاثُهُ بِمَوْتِ أَبِيهِ، وَإِنْ وُلِدَ مَيِّتًا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ مِيرَاثٌ، إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَمَا حَدَثَ لَهُ حَقٌّ فِي مِيرَاثٍ قَدْ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الْهَوَاءِ] 1522 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْهَوَاءِ أَصْلًا، كَمَنْ بَاعَ مَا عَلَى سَقْفِهِ وَجُدْرَانِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يَسْتَقِرُّ فَيُضْبَطُ بِمِلْكٍ أَبَدًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَمَوِّجٌ يَمْضِي مِنْهُ شَيْءٌ وَيَأْتِي آخَرُ أَبَدًا، فَكَانَ يَكُونُ بَيْعُهُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ، فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَبَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُ، وَبَيْعُ مَجْهُولٍ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا بِيعَ الْمَكَانُ لَا الْهَوَاءُ؟ قُلْنَا: لَيْسَ هُنَاكَ مَكَانٌ أَصْلًا غَيْرَ الْهَوَاءِ، فَلَوْ كَانَ مَا قُلْتُمْ لَكَانَ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ عَدَمٌ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ حَقًّا. فَإِنَّ قِيلَ: إنَّمَا بَاعَ سَطْحَ سَقْفِهِ وَجُدْرَانِهِ؟

مسألة بيع من لا يعقل لسكر أو جنون

قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ أَيْضًا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ سَقْفِهِ، وَلَا مِنْ رُءُوسِ جُدْرَانِهِ، وَهَذَا شَرْطٌ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا - وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْقِسْمَةِ " وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ شَيْئًا وَيَمْلِكُ غَيْرُهُ الْعُلُوَّ الَّذِي عَلَيْهِ - وَمَنْ بَاعَ سَقْفَهُ فَقَطْ فَحَلَالٌ، وَيُؤْخَذُ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَةِ مَا اشْتَرَى عَنْ مَكَان مِلْكُهُ لِغَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ مَنْ لَا يَعْقِلُ لِسُكْرٍ أَوْ جُنُونٍ] 1523 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَنْ لَا يَعْقِلُ لِسُكْرٍ، أَوْ جُنُونٍ، وَلَا يَلْزَمُهُمَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] . فَشَهِدَ - عَزّ وَجَلَّ - بِأَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَالْبَيْعُ قَوْلٌ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ: مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَوْلِ مِمَّنْ بِهِ آفَةٌ مِنْ الْخَرَسِ، أَوْ بِفَمِهِ آفَةٌ، فَمَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَمْ يَبِعْ شَيْئًا وَلَا ابْتَاعَ شَيْئًا؟ وَأَجَازَهُ قَوْمٌ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: هُوَ عَصَى اللَّهَ - تَعَالَى وَعَزَّ وَجَلَّ - وَأَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَقُلْنَا نَعَمْ، وَحَقُّهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا، وَالنَّارُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبِ إلْزَامِهِ حُكْمًا زَائِدًا لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - إيَّاهُ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي سَكْرَانَ عَرْبَدَ فَوَقَعَ فَانْكَسَرَتْ سَاقُهُ، فَإِنَّ لَهُ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا كَاَلَّذِي أَصَابَهُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ إذَا جُرِحَ جِرَاحَاتٍ تَمْنَعُهُ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ سَمِجٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ تَنَاوَلَ الْبَلَاذِرَ عَمْدًا فَذَهَبَ عَقْلُهُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ الَّذِي لَمْ يُدْخِلْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ؟ قُلْنَا: وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ؟ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَحَامَقَ، وَإِنَّمَا الْقَوْلُ فِيمَنْ عُلِمَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ بِالْمُشَاهَدَةِ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ فَذَكَرَ الْمُبْتَلَى حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ» .

مسألة بيع من لم يبلغ

[مَسْأَلَة بَيْعُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، إلَّا فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ضَرُورَةً، كَطَعَامٍ لِأَكْلِهِ، وَثَوْبٍ يَطْرُدُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْبَرْدَ وَالْحَرَّ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى إذَا أَغْفَلَهُ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ وَضَيَّعُوهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا، فَإِذَا ضَيَّعَهُ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ فَاشْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِحَقِّهِ، فَقَدْ وَافَقَ الْوَاجِبَ، وَعَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ إمْضَاؤُهُ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ رَدُّ الْحَقِّ وَتَكُونُ مُبَايَعَتُهُ حِينَئِذٍ إنْ كَانَ جَائِزَ الْأَمْرِ هُوَ الَّذِي عَقَدَ ذَلِكَ الْعَقْدَ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ أَيْضًا غَيْرَ جَائِزِ الْأَمْرِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا عَمَلٌ وَافَقَ الْحَقَّ الْوَاجِبَ فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا بَيْعُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِ ذَلِكَ الْآخَرِ، وَابْتِيَاعُهُ لَهُ بِأَمْرِهِ فَهُوَ نَافِذٌ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ وَعَقْدَهُ إنَّمَا هُمَا يَدُ الْآمِرِ وَعَقْدُهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع نصف هَذِهِ الدَّار مِنْ هَذِهِ الجهة] 1525 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَا هَذَا الثَّوْبِ أَوْ هَذِهِ الْأَرْضِ، أَوْ هَذِهِ الْخَشَبَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَكَذَلِكَ ثُلُثُهَا أَوْ رُبُعُهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَلَوْ عُلِمَ مُنْتَهَى كُلِّ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بَيْعُ مَجْهُولٍ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ لَا يَقَعُ عَلَى مَجْهُولٍ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ أَرْضٍ لَا طَرِيقَ إلَيْهَا] 1526 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ أَرْضٍ لَا طَرِيقَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ طَرِيقًا لَمْ يَبِعْهُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِمَالِ الْمُشْتَرِي جَازَ ذَلِكَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى مَا اشْتَرَى فَلَا تَضْيِيعَ، فَلَوْ اُسْتُحِقَّ مَالُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ هَذَا الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا إذَا كَانَ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ. [مَسْأَلَة بَيْع جُمْلَة مَجْهُولَة الْقَدْر عَلَى أَنْ كُلّ صَاعٌ مِنْهَا بدرهم] 1527 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ جُمْلَةٍ مَجْهُولَةِ الْقَدْرِ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ رَطْلٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ ذِرَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ أَصْلٍ مِنْهَا، أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِكَذَا وَكَذَا - وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الْمَقَادِيرِ وَالْأَعْدَادِ، فَإِنْ عَلِمَا جَمِيعًا مِقْدَارَ مَا فِيهَا مِنْ الْعَدَدِ، أَوْ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ، وَعَلِمَا قَدْرَ الثَّمَنِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ: جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ بِيعَتْ الْجُمْلَةُ كَمَا هِيَ وَلَا مَزِيدَ، فَهُوَ جَائِزٌ.

مسألة بيع الولاء وهبته

وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَتْ جُمْلَةٌ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا مِنْ الْكَيْلِ، أَوْ مِنْ الْوَزْنِ، أَوْ مِنْ الذَّرْعِ، أَوْ مِنْ الْعَدَدِ، فَهُوَ جَائِزٌ - فَإِنْ وُجِدَتْ كَذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ بَيْعَهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ كَيْلٍ مَذْكُورٍ مِنْهَا بِكَذَا، أَوْ كُلَّ وَزْنٍ بِكَذَا، أَوْ كُلَّ ذَرْعٍ بِكَذَا، أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ بِكَذَا، بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَدْرِي الْبَائِعُ مَا يَجِبُ لَهُ، وَلَا الْمُشْتَرِي مَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَالتَّرَاضِي لَا يُمْكِنُ إلَّا فِي مَعْلُومٍ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَبَيْعُ غَرَرٍ. وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، فَإِذَا خَرَجَ كُلُّ ذَلِكَ إلَى حَدِّ الْعِلْمِ مِنْهُمَا مَعًا، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ حِينَ عَقْدِهِ، وَيَصِحَّ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ لَمْ يَتَعَاقَدَاهُ، وَلَا الْتَزَمَاهُ، فَإِذَا عَلِمَا جَمِيعًا قَدْرَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ فَهُوَ تَرَاضٍ صَحِيحٌ لَا غَرَرَ فِيهِ. فَإِنْ بِيعَتْ الْجُمْلَةُ هَكَذَا فَهُوَ بَيْعُ شَيْءٍ مَرْئِيٍّ مُحَاطٍ بِثَمَنٍ مَعْرُوفٍ، فَهُوَ تَرَاضٍ صَحِيحٌ لَا غَرَرَ فِيهِ، فَإِنْ بِيعَتْ الْجُمْلَةُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا بَيْعٌ بِصِفَةٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ وُجِدَ كَمَا عُقِدَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا وُجِدَ غَيْرُ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُعْقَدْ قَطُّ عَلَى الَّذِي وُجِدَ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: إذَا قُلْت: أَبْتَاعُ مِنْك مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا بَلَغَ، كُلُّ جُزْءٍ كَذَا بِكَذَا، فَهُوَ بَيْعٌ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا بَاعَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ قَفِيزًا بِدِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْهَا إلَّا قَفِيزٌ وَاحِدٌ بِدِرْهَمٍ فَقَطْ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَلْزَمُهُ كُلُّهَا كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ - وَهَذَانِ رَأْيَانِ فَاسِدَانِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَهِبَتُهُ] 1528 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَلَا هِبَتُهُ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كُلِّهِمْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ» .

مسألة بيع من أكره على البيع

وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ فِي هَذَا، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - " فِي الْعِتْقِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة بَيْعُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ] 1529 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ عَفَا لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ؛ وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَرَاضٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، إلَّا بَيْعًا أَوْجَبَهُ النَّصُّ، كَالْبَيْعِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَهُوَ غَائِبٌ، أَوْ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْإِنْصَافِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْصَافِ ذِي الْحَقِّ قِبَلَهُ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ. وَبِمَنْعِهِ مِنْ الْمَطْلِ الَّذِي هُوَ الظُّلْمُ، وَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ إلَّا بِبَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِبَيْعِهِ. وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى لِلْغَرِيمِ بِمَا يُمْكِنُ انْتِصَافُ ذِي الْحَقِّ مِنْهُ مِنْ عَيْنِ مَالِ الْمُمْتَنِعِ، أَوْ الْغَائِبِ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمَقْضِيُّ لَهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِتَوْصِيلِهِ إلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ رُدَّ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَأَصَحُّ وَأَبْعَدُ مِنْ كُلِّ اعْتِرَاضٍ - وَقَدْ وَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْبَيْعِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْمُضْطَرّ إلَى الْبَيْع] 1530 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إلَى الْبَيْعِ، كَمَنْ جَاعَ وَخَشِيَ الْمَوْتَ فَبَاعَ فِيمَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ، وَكَمَنْ لَزِمَهُ فِدَاءُ نَفْسِهِ أَوْ حَمِيمِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَمَنْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ عَلَى غُرْمِ مَالِهِ بِالضَّغْطِ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى الْبَيْعِ، لَكِنْ أَلْزَمَهُ الْمَالَ فَقَطْ، فَبَاعَ فِي أَدَاءِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ نا شَيْخٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، أَوْ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، قَالَ {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وَيَنْهَدُ الْأَشْرَارُ، وَيُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ، وَيُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُطْعَمَ» .

وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ عَنْ كَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ بَعْدَ زَمَانِكُمْ هَذَا زَمَانًا عَضُوضًا يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] وَيَنْهَدُ شِرَارُ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - يُبَايِعُونَ كُلَّ مُضْطَرٍّ، أَلَا إنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّينَ حَرَامٌ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخُونُهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيكَ وَلَا تَزِدْهُ هَلَاكًا إلَى هَلَاكِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ اسْتَنَدَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ لَقُلْنَا بِهِمَا مُسَارِعِينَ، لَكِنَّهُمَا مُرْسَلَانِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِالْمُرْسَلِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَيَقُولُ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ شَيْخٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَشَيْخٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَمْكَنُ وَأَوْضَحُ، ثُمَّ هِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مُضْطَرِبُونَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَلْنَطْلُبْ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِهِمَا -: فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ يَبْتَاعُ قُوتَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ لِلْأَكْلِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ابْتِيَاعِهِ بِلَا شَكٍّ، فَلَوْ بَطَلَ ابْتِيَاعُ هَذَا الْمُضْطَرِّ لَبَطَلَ بَيْعُ كُلِّ مَنْ لَا يُصِيبُ الْقُوتَ مِنْ ضَيْعَتِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ، وَبِضَرُورَةِ النَّقْلِ مِنْ الْكَوَافِّ وَقَدْ ابْتَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْوُعًا مِنْ شَعِيرٍ لِقُوتِ أَهْلِهِ، وَمَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي ثَمَنِهَا فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ إلَى قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ، وَبَيْعَهُ مَا يَبْتَاعُ بِهِ الْقُوتَ بَيْعٌ صَحِيحٌ لَازِمٌ، فَهُوَ أَيْضًا بَيْعُ تَرَاضٍ لَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ صَحِيحٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ بَاعَ فِي إنْقَاذِ نَفْسِهِ، أَوْ حَمِيمِهِ، مِنْ يَدِ كَافِرٍ أَوْ ظُلْمِ ظَالِمٍ -: فَوَجَدْنَا الْكَافِرَ وَالظَّالِمَ لَمْ يُكْرِهَا فَادِيَ الْأَسِيرِ، وَلَا الْأَسِيرَ، وَلَا الْمَضْغُوطَ عَلَى بَيْعِ مَا بَاعُوا فِي اسْتِنْقَاذِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مَنْ يَسْعَوْنَ لِاسْتِنْقَاذِهِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُوهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ فَقَطْ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَتَوْهُمَا بِمَالٍ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ مَا أَلْزَمُوهُمَا الْبَيْعَ - فَصَحَّ أَنَّهُ بَيْعُ تَرَاضٍ. وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ طُلِبَ بِبَاطِلٍ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنْ يُغَيِّرَ الْمُنْكَرَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ

مسألة بيع الحيوان

لَا أَنْ يُعْطِيَ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ: فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ لَهُ، وَأَنَّ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ، فَهُوَ بَاقٍ فِي مِلْكِهِ، كَمَا كَانَ يَقْضِي لَهُ بِهِ مَتَى قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَأْخُذُهُ مِنْ الظَّالِمِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ، مَتَى أَمْكَنَهُ، أَوْ مَتَى وَجَدَهُ فِي مَغْنَمٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ، مِنْ يَدِ مَنْ وَجَدَهُ فِي يَدِهِ، مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، أَوْ مِنْ يَدِ ذَلِكَ الْكَافِرِ، لَوْ تَذَمَّمَ، أَوْ أَسْلَمَ أَبَدًا - هَذَا إذَا وَجَدَ ذَلِكَ الْمَالَ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ كَمَا كَانَ، وَلَا يُطْلَبُ الْكَافِرُ بِغَيْرِهِ بَدَلًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ تَذَمَّمَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا سَلَفَ مِنْ ظُلْمٍ أَوْ قَتْلٍ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الظَّالِمُ فَيَتْبَعُهُ بِهِ أَبَدًا، أَوْ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ خَارِجِيًّا أَوْ مُحَارِبًا، أَوْ بَاغِيًا، أَوْ سُلْطَانًا، أَوْ مُتَغَلِّبًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . [مَسْأَلَة بَيْع الْحَيَوَان] 1531 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَنْفَعَةٍ، إمَّا لِأَكْلٍ، وَإِمَّا لِرُكُوبٍ، وَإِمَّا لِصَيْدٍ، وَإِمَّا لِدَوَاءٍ. فَإِنْ كَانَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ، وَلَا مِلْكُهُ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْبَائِعِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، أَوْ لِغَيْرِهِ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَنْ تَرَاضٍ، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلَيْسَ إضَاعَةَ مَالٍ، وَلَا أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْبَيْع مِنْ غَيْر تَسْمِيَة الثَّمَن] 1532 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى، كَمَنْ بَاعَ بِمَا يَبْلُغُ فِي السُّوقِ، أَوْ بِمَا اشْتَرَى فُلَانٌ، أَوْ بِالْقِيمَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ التَّرَاضِي، وَلَا يَكُونُ التَّرَاضِي إلَّا بِمَعْلُومِ الْمِقْدَارِ، وَقَدْ يَرْضَى؛ لِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَبْلُغُ ثَمَنًا مَا فَإِنْ بَلَغَ أَكْثَرَ لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ بَلَغَ أَقَلَّ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ بَاعَ بِالرِّبْحِ، أَوْ بِالْكَعْبَةِ، أَوْ بِلَا ثَمَنٍ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، فَإِنْ بَاعَ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا. وَلَا يَجُوزُ عِتْقُهُ لَهُ - وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ بَائِعِهِ - فَإِنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَمْ يُسَمِّيَاهُ، أَوْ بَاعَهُ بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ بِإِذْنِ بَائِعِهِ فَأَعْتَقَهُ: جَازَ عِتْقُهُ لَهُ.

مسألة بيع النرد

قَالَ عَلِيٌّ: مَا فِي الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. فَإِنْ قَالَ: إنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَتَمَلَّكُ الْخَمْرَ، وَالْخِنْزِيرَ - وَهُمْ الْكُفَّارُ مِنْ النَّصَارَى - قُلْنَا: إنَّهُمْ يَتَمَلَّكُونَ أَيْضًا الْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ كَذَلِكَ، وَالْمَجُوسُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ النَّرْدِ] 1533 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ النَّرْدِ؛ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فَمِلْكُهَا حَرَامٌ، وَبَيْعُهَا حَرَامٌ» . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا أَخَذَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا بَلَغَهَا أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ فِي دَارِهَا كَانُوا سُكَّانًا فِيهَا أَنَّ عِنْدَهُمْ نَرْدًا فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِمْ لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا لَأُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي، وَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِمْ. [مَسْأَلَة بَيْع اثْنَانِ سِلْعَتَيْنِ لَهُمَا مِنْ إنْسَان وَاحِد بِثَمَنِ وَاحِد] 1534 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ اثْنَانِ سِلْعَتَيْنِ مُتَمَيِّزَتَيْنِ لَهُمَا لَيْسَا فِيهِمَا شَرِيكَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ بِالْقِيمَةِ، وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَقَعُ لِسِلْعَتِهِ حِينَ الْعَقْدِ، فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا بَيْعُ الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ الشُّرَكَاءِ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَكْثَرَ، أَوْ ابْتِيَاعُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ شَرِيكَيْنِ: فَحَلَالٌ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعْلُومَةُ الثَّمَنِ، مَحْدُودَتُهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة تبين الثَّمَن] 1535 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ تَجْرِي فِيهِ سِكَكٌ كَثِيرَةٌ شَتَّى، فَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ أَيِّ سِكَّةٍ يَكُونُ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا ذَلِكَ -: فَهُوَ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ، مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ غَيْرِ تَرَاضٍ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ أَيْضًا بَيْعُ غَرَرٍ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ] 1536 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا خِدْمَةُ الْمُدَبَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.

وَأَجَازَ مَالِكٌ كِلَا الْأَمْرَيْنِ: أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَمِنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَمِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَأَجَازَ بَيْعَهُمَا جُمْلَةً: الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا تَجِبُ بِالنُّجُومِ، وَلَا تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَمَنْ بَاعَهَا فَقَدْ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ بَعْدُ، وَلَا يَدْرِي أَيَجِبُ لَهُ أَمْ لَا؟ وَأَيْضًا: فَلَيْسَتْ عَيْنًا مُعَيَّنَةً، فَلَا يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ شَيْءٍ بَاعَ مِنْ نَوْعِ مَا بَاعَ، وَلَا يَدْرِي الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى، فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَمَجْهُولُ الْعَيْنِ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَهَا؟ قُلْنَا: وَكَمْ قِصَّةٍ رُوِيَتْ عَنْ جَابِرٍ خَالَفْتُمُوهَا -: مِنْهَا: قَوْلُهُ الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَا أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ اُشْتُرِيَ كَائِنًا مَا كَانَ إلَّا حَتَّى يُقْبَضَ وَقَوْلُهُ: الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ، وَقَوْلُهُ: لَا يُحْرِمُ أَحَدٌ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالْحَجِّ وَقَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ ثَمَنُ الْهِرِّ. وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، فَالْآنَ صَارَ حُجَّةً وَهُنَالِكَ لَا؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا خِدْمَةُ الْمُدَبَّرِ فَبَيْعُهَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَخْدِمُ وَلَعَلَّهُ سَيَخْدِمُ خَمْسِينَ سَنَةً، أَوْ لَعَلَّهُ يَمُوتُ غَدًا، أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ، أَوْ يَخْرُجُ حُرًّا كَذَلِكَ - فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ الْبَحْتُ، وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَبَيْعُ الْغَرَرِ، وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عَيْنًا، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، فَقَدْ جَمَعَ كُلَّ بَلَاءٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ» رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ؟

مسألة بيع السمن المائع يقع فيه الفأر

قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ، وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ - وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُخْدِمِ أَصْلًا، لِمَا ذَكَرْنَا فِي خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ بَيْعُ السَّمْنِ الْمَائِعِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ] 1537 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ الْمَائِعِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَرْقِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَفِي " كِتَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. فَإِنْ كَانَ جَامِدًا أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَيْتَةٌ غَيْرُ الْفَأْرِ أَوْ نَجَاسَةٌ فَلَمْ تُغَيِّرْ لَوْنَهُ، وَلَا طَعْمَهُ وَلَا رِيحَهُ، أَوْ وَقَعَ الْفَأْرُ الْمَيِّتُ أَوْ الْحَيُّ، أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ، أَوْ أَيُّ مَيْتَةٍ كَانَتْ فِي مَائِعٍ غَيْرِ السَّمْنِ، فَلَمْ تُغَيِّرْ طَعْمًا وَلَا لَوْنًا وَلَا رِيحًا: فَبَيْعُهُ حَلَالٌ، وَأَكْلُهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ: جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا، كَمَا يُبَاعُ الثَّوْبُ النَّجِسُ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الطَّاهِرَ لَا يُنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ النَّجِسَ وَلَوْ أَمْكَنَنَا أَنْ نَفْصِلَهُ مِنْ الْحَرَامِ لَحَلَّ أَكْلُهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ نَصٌّ فَهُوَ مُبَاحٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، يَعْنِي مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي حَلَّتْهَا النَّجَاسَاتُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ الشَّيْءُ الَّذِي حَلَّتْهُ النَّجَاسَةُ لَا النَّجَاسَةُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الصُّوَرِ] 1538 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ الصُّوَرِ إلَّا لِلَعِبِ الصَّبَايَا فَقَطْ، فَإِنَّ اتِّخَاذَهَا لَهُنَّ حَلَالٌ حَسَنٌ، وَمَا جَازَ مِلْكُهُ جَازَ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ اتِّخَاذُ الصُّوَرِ إلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ

عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ يَعُودُهُ قَالَ: فَوَجَدَ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَأَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ بِنَزْعِ نَمَطٍ كَانَ تَحْتَهُ؟ فَقَالَ لَهُ سَهْلٌ: لِمَ نَزَعْتَهُ؟ قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ تَصَاوِيرَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَا قَدْ عَلِمْت؟ قَالَ سَهْلٌ: أَلَمْ يَقُلْ إلَّا مَا كَانَ رَقْمًا؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَرَامٌ عَلَيْنَا تَنْفِيرُ الْمَلَائِكَةِ عَنْ بُيُوتِنَا، وَهُمْ رُسُلُ اللَّهِ - عَزّ وَجَلَّ - وَالْمُتَقَرَّبُ إلَيْهِ - عَزّ وَجَلَّ - بِقُرْبِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَتَقَمَّعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ» فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ الْبَنَاتِ لِلصَّبَايَا مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الصُّوَرِ. وَأَمَّا الصُّلُبُ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُهَا فِي ثَوْبٍ، وَلَا فِي غَيْرِهِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حِطَّانَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَدَعُ فِي بَيْتِهِ ثَوْبًا فِيهِ تَصْلِيبٌ إلَّا نَقَضَهُ» . وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ السِّتْرَ الْمُعَلَّقَ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَجُعِلَتْ لَهُ مِنْهُ

مسألة البيع يوم الجمعة

وِسَادَةً فَلَمْ يُنْكِرْهَا - فَصَحَّ أَنَّ الصُّوَرَ فِي السُّتُورِ مَكْرُوهَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، وَفِي الْوَسَائِدِ، وَغَيْرِ السُّتُورِ لَيْسَتْ مَكْرُوهَةَ الِاسْتِخْدَامِ بِهَا. [مَسْأَلَة الْبَيْع يَوْم الْجُمُعَةَ] 1539 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْبَيْعُ مُذْ تَزُولُ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَى مِقْدَارِ تَمَامِ الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ، لَا لِمُؤْمِنٍ، وَلَا لِكَافِرٍ، وَلَا لِامْرَأَةٍ، وَلَا لِمَرِيضٍ، وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ فَإِلَى أَنْ تَتِمَّ صَلَاتُهُمْ لِلْجُمُعَةِ، وَكُلُّ بَيْعٍ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مَفْسُوخٌ - وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - وَأَجَازَ الْبَيْعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَمَّا النِّكَاحُ، وَالسَّلَمُ وَالْإِجَارَةُ، وَسَائِرُ الْعُقُودِ - فَجَائِزَةٌ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكُلِّ أَحَدٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ - وَلَمْ يُجِزْهَا مَالِكٌ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] فَهُمَا أَمْرَانِ مُفْتَرَضَانِ: السَّعْيُ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَتَرْكُ الْبَيْعِ، فَإِذَا سَقَطَ أَحَدُهُمَا بِنَصٍّ وَرَدَ فِيهِ كَالْمَرِيضِ، وَالْخَائِفِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَعْذُورِ، لَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ، إذْ لَمْ يُوجِبْ سُقُوطَهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَجَبَ إلْزَامُ الْكُفَّارِ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وَأَمَّا إدْخَالُ مَالِكٍ النِّكَاحَ، وَالْإِجَارَةَ فِي ذَلِكَ، فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إنَّمَا نَهَى عَنْ الْبَيْعِ، وَلَوْ أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ النِّكَاحِ، وَالْإِجَارَةِ لَمَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا كَتَمْنَا مَا أَلْزَمَنَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَتَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يَحِلُّ. وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُقَاسَ الشَّيْءُ عَلَى نَظِيرِهِ، وَلَيْسَ الْبَيْعُ نَظِيرَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ. وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ، وَالْمُتَنَاكِحَانِ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَلَا فِي النِّكَاحِ نَقْلُ مِلْكٍ، وَالْبَيْعُ نَقْلُ مِلْكٍ.

وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوَضَةٌ فِي مَنَافِعَ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ - تَعَالَى - بَعْدُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْحُرُّ نَفْسَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ، فَلَا شَبَهَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ. فَإِنْ عَلَّلَ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ بِمَا يُشَاغِلُ عَنْ السَّعْيِ: صَارَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَ مِنْ الْبَيْعِ مَا لَا تَشَاغَلَ مِنْهُ عَنْ السَّعْيِ، وَلَا قِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إلَّا عَلَى عِلَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّلْ بَطَلَ الْقِيَاسُ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ: الْبَيْعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَخِلَافٌ لِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا نَهَى عَنْ التَّشَاغُلِ عَنْ السَّعْيِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً بَاعَ فِي الصَّلَاةِ لَصَحَّ الْبَيْعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ فَاسِدَانِ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ بِذَلِكَ التَّشَاغُلَ عَنْ السَّعْيِ فَقَطْ، فَعَظِيمٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا، لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] . وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَرَادَ مَا قَالُوا لَمَا نَهَانَا عَنْ الْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَلَا عَجَزَ عَنْ بَيَانِ مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا هَهُنَا ضَرُورَةٌ تُوجِبُ فَهْمَ هَذَا وَلَا نَصٌّ، فَهُوَ بَاطِلٌ مَحْضٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ بَاعَ فِي الصَّلَاةِ لَجَازَ الْبَيْعُ: فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ بِأَوَّلِ أَخْذِهِ فِي الْكَلَامِ فِي الْمُسَاوَمَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَصَارَ غَيْرَ مُصَلٍّ - فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ جُمْلَةً. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا نَدْبٌ؟ قُلْنَا: مَا دَلِيلُكُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: افْعَلْ، فَيَقُولُونَ: مَعْنَاهُ - لَا تَفْعَلْ إنْ شِئْت؟ أَمْ كَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: لَا تَفْعَلْ، فَيَقُولُونَ: مَعْنَاهُ: افْعَلْ إنْ شِئْت؟ وَهَذَا إبْطَالُ الْحَقَائِقِ، وَنَفْسُ الْمَعْصِيَةِ، وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَجَدْنَا أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ مَعْنَاهَا: النَّدْبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ بِنَصٍّ آخَرَ بَيَّنَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا آيَاتٍ مَنْسُوخَاتٍ بِنَصٍّ آخَرَ وَلَمْ يَجِبْ

مسألة يجبر أحد على أن يبيع مع شريكه

بِذَلِكَ حَمْلُ آيَةٍ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلَا عَلَى أَنَّهَا نَدْبٌ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلَ مَا شَاءَ بِلَا دَلِيلٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي - نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ نا سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَصْلُحُ الْبَيْعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يُنَادَى لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا قُضِيَتْ فَاشْتَرِ وَبِعْ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ فَسَخَ بَيْعًا وَقَعَ بَيْنَ نِسَاءٍ وَبَيْنَ عَطَّارٍ بَعْدَ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ. 1540 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَّا مِقْدَارَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ بَعْدُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّلَاةِ، عَارِفٌ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ، فَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ: بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ، مَأْمُورٌ بِالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِذَلِكَ: جَازَ كُلُّ مَا عَمِلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لِلنَّاسِي مُمْتَدٌّ أَبَدًا. وَأَمَّا مَنْ سَهَا فَسَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ فَمَا أَنْفَذَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَمَرْدُودٌ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ، لَكِنْ عُفِيَ لَهُ عَنْ النِّسْيَانِ، فَهُوَ إنَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ بَاعَ وَلَمْ يَبِعْ؛ لِأَنَّهُ غَيَّرَ الْبَيْعَ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ، فَإِذًا هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَعَ شَرِيكِهِ] 1541 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَعَ شَرِيكِهِ لَا مَا يَنْقَسِمُ وَلَا مَا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَا عَلَى أَنْ يُقَاوِمَهُ فَيَبِيعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، لَكِنْ مَا شَاءَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ: فَلَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ، فَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَاكِمٌ أَوْ غَيْرُهُ: فُسِخَ حُكْمُهُ أَبَدًا، وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .

وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ حَقِّهِ فَلَمْ يَرْضَ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ إلَّا حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ كَالشُّفْعَةِ، وَعَلَى الْغَائِبِ، وَعَلَى الصَّغِيرِ، وَعَلَى الظَّالِمِ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِإِجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ بِخَبَرٍ رُوِيَ فِيهِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ، إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلًا، أَوْ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى - وَهُوَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ أَعْظَمَ الضِّرَارِ وَالضَّرَرِ: هُوَ الَّذِي فَعَلُوهُ مِنْ إجْبَارِهِمْ إنْسَانًا عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَبِغَيْرِ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَطُّ أَنْ يُرَاعَى رِضَا أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِإِسْخَاطِ شَرِيكِهِ فِي مَالِهِ نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوْرُ وَالظُّلْمُ الصُّرَاحُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُجَابَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إلَى قَوْلِهِ: لَا بُدَّ أَنْ يَبِيعَ شَرِيكِي مَعِي لِأَسْتَجْزِلَ الثَّمَنَ فِي حِصَّتِي، وَبَيْنَ أَنْ يُجَابَ الْآخَرُ إلَى قَوْلِهِ: لَا بُدَّ أَنْ يُمْنَعَ شَرِيكِي مَعَ بَيْعِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيَّ فِي حِصَّتِي، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ عُدْوَانٌ وَظُلْمٌ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ كِلَيْهِمَا مُمَكَّنٌ مِنْ حِصَّتِهِ، مَنْ شَاءَ بَاعَ حِصَّتَهُ وَمَنْ شَاءَ أَمْسَكَ حِصَّتَهُ. وَقَدْ مَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا أَبُو بِشْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: «أَنَّ نَخْلَةً كَانَتْ لِإِنْسَانٍ فِي حَائِطِ آخَرَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، فَأَبَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا ضَرَرَ فِي الْإِسْلَامِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ نَعَمْ، وَهَذَا مَنْعٌ مِنْ أَنْ يُجْبَرَ الْآخَرُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ شَرِيكِهِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ، أَوْ عَلَى الْبَيْعِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ -: فَهَذَانِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْعَتَكِيُّ نا حَمَّادٌ نا

مسألة بيع ما غنمه المسلمون من دار الحرب لأهل الذمة

وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: «أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ فَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ إلَى نَخْلِهِ فَيَتَأَذَّى بِهِ، فَطَلَبَ إلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَلَبَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَهُ، فَأَبَى، فَطَلَبَ إلَيْهِ يُنَاقِلُهُ، فَأَبَى قَالَ: فَهَبْهُ لَهُ وَلَكَ كَذَا وَكَذَا أَمْرًا رَغَّبَهُ فِيهِ، فَأَبَى، فَقَالَ: أَنْتَ مُضَارٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِيِّ: اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَا سَمَاعَ لَهُ مِنْ سَمُرَةَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُمْ لَا يُجْبِرُونَ غَيْرَ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ جَارِهِ، وَلَا عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ خِلَافُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي - قَلْعُ نَخْلِهِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع مَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ] 1542 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لَا مِنْ رَقِيقٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ - وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ ". وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ أُمِّ مُوسَى قَالَتْ: أَتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِآنِيَةٍ مُخَوَّصَةٍ بِالذَّهَبِ مِنْ آنِيَةِ الْعَجَمِ فَأَرَادَ أَنْ يَكْسِرَهَا وَيُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ الدَّهَاقِينَ: إنْ كَسَرْت هَذِهِ كَسَرْت ثَمَنَهَا، وَنَحْنُ نُغْلِي لَك بِهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَمْ أَكُنْ لِأَرُدَّ لَكُمْ مِلْكًا نَزَعَهُ اللَّهُ مِنْكُمْ، فَكَسَرَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مِنْ الصَّغَارِ، وَكُلُّ صَغَارٍ فَوَاجِبٌ حَمْلُهُ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الرَّقِيقُ: فَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْإِسْلَامِ وَاجِبٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَمِنْ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ كَوْنُ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ، وَمِنْ الْأَسْبَابِ الْمُبْعِدَةِ عَنْ الْإِسْلَامِ كَوْنُهُمَا عِنْدَ كَافِرٍ يُقَوِّي بَصَائِرَهُمَا فِي الْكُفْرِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

مسألة بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه

[مَسْأَلَة بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَّهَ بِهِ أَوْ فِيهِ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَّهَ بِهِ أَوْ فِيهِ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. كَبَيْعِ كُلِّ شَيْءٍ يُنْبَذُ أَوْ يُعْصَرُ مِمَّنْ يُوقَنُ بِهَا أَنَّهُ يَعْمَلُهُ خَمْرًا. وَكَبَيْعِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يُدَلِّسُ بِهَا. وَكَبَيْعِ الْغِلْمَانِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِهِمْ أَوْ يُخْصِيهِمْ، وَكَبَيْعِ الْمَمْلُوكِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يُسِيءُ مَلَكَتَهُ. أَوْ كَبَيْعِ السِّلَاحِ أَوْ الْخَيْلِ: مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَعْدُو بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. أَوْ كَبَيْعِ الْحَرِيرِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَالْبُيُوعُ الَّتِي ذَكَرْنَا تَعَاوُنٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ بِلَا تَطْوِيلٍ، وَفَسْخُهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. فَإِنْ لَمْ يُوقَنْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعِنْ عَلَى إثْمٍ، فَإِنْ عَصَى الْمُشْتَرِي اللَّهَ - تَعَالَى - بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا تَبِعْهُ مِمَّنْ يَجْعَلُهُ خَمْرًا. [مَسْأَلَة بَيْع الجزاف] 1544 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا جُزَافًا كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ أَوْ زَرْعُهُ أَوْ عَدَدُهُ، وَلَمْ يَعْرِفْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ نَهْيٌ فِي نَصٍّ أَصْلًا، وَلَا فِيهِ غِشٌّ وَلَا خَدِيعَةٌ - وَمَنَعَ مِنْهُ: طَاوُسٌ، وَمَالِكٌ - وَأَجَازَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ، أَوْ زَرْعَهُ أَوْ عَدَدَهُ، وَلَا يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، وَبَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ نَسَجَ الثَّوْبَ، وَلِمَنْ كَانَ، وَمَتَى نُسِجَ، وَأَيْنَ أُصِيبَ هَذَا الْبُرُّ، وَهَذَا التَّمْرُ؟ وَلَا يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مُخْطِئٌ وَقَائِلٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا جُزَافًا قَدْ عَلِمَ كَيْلَهُ حَتَّى يَعْلَمَ صَاحِبُهُ» وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فَاحِشُ الِانْقِطَاعِ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخُصُّونَ بِهَذَا الْحُكْمِ الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ إلَّا الطَّعَامُ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى الطَّعَامِ غَيْرَ الطَّعَامِ؟ قُلْنَا: فَهَلَّا قِسْتُمْ عَلَى الطَّعَامِ غَيْرَ الطَّعَامِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يُقْبَضَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ النَّصُّ إلَّا فِي الطَّعَامِ. قُلْنَا: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلَّا الطَّعَامُ، فَإِمَّا اتَّبِعُوا النَّصَّيْنِ مَعًا دُونَ الْقِيَاسِ، وَإِمَّا قِيسُوا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ فِي كُلِّ مَا اُبْتِيعَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ فَخَالَفُوهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. 1545 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْحِيتَانِ - الْكِبَارِ أَوْ الصِّغَارِ - أَوْ الْأُتْرُجِّ - الْكِبَارِ أَوْ الصِّغَارِ - أَوْ الدُّلَّاعِ، أَوْ الثِّيَابِ، أَوْ الْخَشَبِ، أَوْ الْحَيَوَانِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جُزَافًا: حَلَالٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكِبَارِ مِنْ الْحِيتَانِ، وَالْخَشَبِ، وَأَجَازَهُ فِي الصِّغَارِ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَهَذَا بَيْعٌ حَلَالٌ وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلٌ بِتَحْرِيمِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَاسِدٌ، إذْ لَمْ يَجِدْ الْكَبِيرَ الَّذِي مُنِعَ بِهِ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ مِنْ الصَّغِيرِ الَّذِي أَبَاحَهُ بِهِ - وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَ وَحَلَّلَ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنْ مَا الْحَرَامُ فَيَجْتَنِبُهُ مَنْ يَبِيعُهُ، وَمَا الْحَلَالُ فَيَأْتِيهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا كَبِيرَ إلَّا بِإِضَافَتِهِ إلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَلَا صَغِيرَ إلَّا بِإِضَافَتِهِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، فَالشَّابِلُ صَغِيرٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى الشَّوْلِيِّ وَكَبِيرٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى السَّرْدِينِ، وَالْمَدَارِي كِبَارٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى السِّهَامِ وَصِغَارٌ جِدًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى الصَّوَارِي، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا: بَيْعُ الضَّيَاعِ، وَفِيهَا النَّخْلُ الْكَثِيرُ، وَالشَّجَرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، بِغَيْرِ عَدَدٍ،

مسألة بيع ألبان النساء والشعور وبيع العذرة والزبل والبول

لَكِنْ جُزَافًا - وَهُوَ أَحَدُ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ هُنَالِكَ، وَيَمْنَعُهُ هَهُنَا - وَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُتَعَلِّقًا أَصْلًا، وَلَا أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ. [مَسْأَلَة بَيْع ألبان النِّسَاء والشعور وَبَيْع العذرة والزبل والبول] 1546 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ أَلْبَانِ النِّسَاءِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الشُّعُورُ، وَبَيْعُ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ لِلتَّزْبِيلِ، وَبَيْعُ الْبَوْلِ لِلصَّبَّاغِ: جَائِزٌ - وَقَدْ مَنَعَ قَوْمٌ مِنْ بَيْعِ كُلِّ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْلُبَ لَبَنَهَا فِي إنَاءٍ وَتُعْطِيَهُ لِمَنْ يَسْقِيهِ صَبِيًّا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لَهُ، وَكُلُّ مَا صَحَّ مِلْكُهُ وَانْتِقَالُ الْإِمْلَاكِ فِيهِ: حَلَّ بَيْعُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] إلَّا مَا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِ هَذَا. وَأَمَّا الشُّعُورُ، وَالْعَذِرَةُ، وَالْبَوْلُ: فَكُلُّ ذَلِكَ يُطْرَحُ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَحَدٌ: هَذَا عَمَلُ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا تُمُلِّكَ لِأَحَدٍ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا ذَكَرْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ بِشُعُورِ النَّاسِ، كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ النَّحْلِ وَدُودِ الْحَرِيرِ وَالضَّبِّ وَالضَّبُعِ] 1547 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ النَّحْلِ، وَدُودِ الْحَرِيرِ، وَالضَّبِّ، وَالضَّبُعِ: جَائِزٌ حَسَنٌ -: أَمَّا الضَّبُّ وَالضَّبُعُ: فَحَلَالٌ أَكْلُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَصَيْدٌ مِنْ الصَّيُودِ، وَمَا جَازَ تَمَلُّكُهُ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا قَدَّمْنَا. وَأَمَّا النَّحْلُ، وَدُودُ الْحَرِيرِ: فَلَهُمَا مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهُمَا مَمْلُوكَانِ: فَبَيْعُهُمَا جَائِزٌ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا، وَلَا أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ النَّحْلِ، وَدُودِ الْقَزِّ - وَأَمَّا مَا عَسَّلَتْ النَّحْلُ فِي غَيْرِ خَلَايَا مَالِكِهَا: فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضَهَا، وَلَا مُتَوَلِّدًا مِنْهَا كَالْبَيْضِ، وَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، لَكِنَّهُ كَسْبٌ لَهَا، كَصَيْدِ الْجَارِحِ، وَهُمَا غَيْرُ النَّحْلِ وَالْجَارِحِ: فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ - وَأَمَّا مَا وَضَعَتْ فِي خَلَايَا صَاحِبِهَا: فَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وَضَعَ الْخَلَايَا، فَمَا صَارَ فِيهَا فَهُوَ لَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ وَضَعَ حِبَالَةً لِلصَّيْدِ، أَوْ قُلَّةً لِلْمَاءِ، أَوْ حَظِيرًا لِلسَّمَكِ: فَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَلَّكَهُ بِوَضْعِ مَا ذَكَرْنَا لَهُ -، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ابتياع الْحَرِير] 1548 - مَسْأَلَةٌ: وَابْتِيَاعُ الْحَرِيرِ جَائِزٌ، وَقَالَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ بَعْضُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا

مسألة ابتياع ولد الزنا والزانية

مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ التِّجَارَةَ فِي الشَّابِرِيِّ الرَّقِيقِ، وَالْحَرِيرِ وَلُبْسَهُ. جَاءَ فِي ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْحَرِيرَ وَثَمَنَهُ» . وَهَذَا فِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي حُلَّةِ الْحَرِيرِ الَّتِي كَسَاهَا عُمَرَ «لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ لِتَبِيعَهَا» أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ. [مَسْأَلَة ابتياع وَلَد الزِّنَا والزانية] 1549 - مَسْأَلَةٌ: وَابْتِيَاعُ وَلَدِ الزِّنَى، وَالزَّانِيَةِ حَلَالٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَلَدُ الزِّنَى لَا تَبِعْهُ وَلَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَأْكُلْ ثَمَنَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَقَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَيْعِ الْأَمَةِ الْمَحْدُودَةِ فِي الزِّنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذَا زَنَتْ الرَّابِعَةَ. [مَسْأَلَة بَيْع جُلُود الميتات] 1550 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ كُلِّهَا حَلَالٌ إذَا دُبِغَتْ، وَكَذَلِكَ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ - وَأَمَّا شَعْرُهُ وَعَظْمُهُ فَلَا. وَلَا يَحِلُّ عِظَامُ الْمَيْتَةِ أَصْلًا - وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ بَيْعِ جُلُودِهَا وَإِنْ دُبِغَتْ - وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَبَاحَ مَالِكٌ بَيْعَ صُوفِ الْمَيْتَةِ - وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلَّا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ؟

مسألة بيع المكاتب قبل أن يؤدي شيئا من كتابته

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ إنَّهَا حَرُمَ أَكْلُهَا» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يُنْتَفَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ، وَالْبَيْعُ مَنْفَعَةٌ بِلَا شَكٍّ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّحْلِيلِ، وَخَارِجٌ عَنْ التَّحْرِيمِ إذْ لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] أَمَّا الْخِنْزِيرُ: فَحَرَامٌ كُلُّهُ، حَاشَا طَهَارَةَ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ فَقَطْ. وَمِنْ عَجَائِبِ احْتِجَاجِ الْمَالِكِيِّينَ هَهُنَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْجِلْدَ يَمُوتُ، وَكَذَلِكَ الرِّيشُ تُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ، وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَلَا يَمُوتُ - فَلَوْ عُكِسَ قَوْلُهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: بَلْ الْجُلُودُ لَا تَمُوتُ وَكَذَلِكَ الرِّيشُ، وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَتُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَنْفَصِلُونَ، وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى كَدَعْوَى؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا بَأْسَ بِرِيشِ الْمَيْتَةِ، وَأَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِعَظْمِ الْفِيلِ وَبَيْعَهُ: طَاوُسٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ] 1551 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ جَائِزٌ، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَدَّى مِنْهَا شَيْئًا حَرُمَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى، وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ، وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ، وَبَقِيَ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى حُرًّا - مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَدَّى عُشْرَ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّ عُشْرَهُ حُرٌّ - وَيَجُوزُ بَيْعُ تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ - كَثُرَ أَوْ قَلَّ - وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ دِرْهَمٌ مِنْ كِتَابَتِهِ أَوْ أَقَلُّ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَا دَامَ عَبْدًا وَتُنْتَقَضُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَهُمْ مُعْتَقٌ بِصِفَةٍ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ - وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يَأْتِ بِنَصٍّ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى رُبُعَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ حُرٌّ - وَهُوَ غَرِيمٌ يُتْبَعُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ، قَالَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيَّ يَقُولَانِ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى رُبُعَ قِيمَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ لَا يُسْتَرَقُّ. وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُرَقُّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَمِّهِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تُكَاتِبُونَ مُكَاتَبِينَ فَأَيُّهُمْ - مَا - أَدَّى الشَّطْرَ فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا: إذْ أَدَّى الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ رُبُعُ كِتَابَتِهِ وَأَدَّى سَائِرَهَا فَهُوَ غَرِيمٌ، وَلَا يَعُودُ عَبْدًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ: أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ، أَوْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ: فَهُوَ غَرِيمٌ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا إذَا أَخَذَ الصَّكَّ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَبِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ - إنْ كُنَّا مُؤْمِنِينَ - مِنْ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكَ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا؟ فَأَبَوْا وَقَالُوا: إنْ شَاءَتْ أَنْ

تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونُ لَنَا وَلَاؤُكِ؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: «دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرِينِي فَإِنَّ أَهْلِي يَبِيعُونِي فَأَعْتِقِينِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: إنَّ أَهْلِي لَا يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلَائِي؟ فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا؟ قَالَتْ فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْخَبَرِ» . فَأَمْرُ بَيْعِ بَرِيرَةَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ - عَلَى تِسْعِ أَوَاقِيَّ فِي تِسْعِ سِنِينَ، كُلَّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ، أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَدَّتْ بَعْدُ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، وَأَنَّهَا بِيعَتْ كَذَلِكَ، وَأَنَّ أَهْلَهَا عَرَضُوهَا لِلْبَيْعِ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ - بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، بَلْ أَمَرَ بِشِرَائِهَا وَعِتْقِهَا وَالْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَهَا، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ، فَبَلَّحُوا عِنْدَهَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّهَا كَانَتْ عَجَزَتْ - وَهَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ مُجَرَّدٌ، مَا رَوَى قَطُّ أَحَدٌ أَنَّهَا كَانَتْ عَجَزَتْ، وَلَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْهَا فِي الْخَبَرِ، وَأَيْنَ الْعَجْزُ مِنْهَا وَهِيَ فِي اسْتِقْبَالِ تِسْعَةِ أَعْوَامٍ، وَعَائِشَةُ بَعْدُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَائِزَةُ الْأَمْرِ تَبْتَاعُ وَتُعْتِقُ، وَلَمْ تُقِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا تِسْعَةَ أَعْوَامٍ فَقَطْ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَقُلْنَا: نَعَمْ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ لَكِنْ إذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَ عَقْدُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا يَرَوْنَ الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَحْتَجُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَلَيْسَ إجْمَاعًا فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ لَا يَرَى الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ، وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ بَيْعَ الْعَبْدِ يَقُولُ لَهُ سَيِّدُهُ: إنْ جَاءَ أَبِي فَأَنْتَ

مسألة بيع المدبر والمدبرة

حُرٌّ، وَيُبْطِلُونَ بَيْعَهُ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَلَا يُجِيزُونَ لَهُ فِي الْعَقْدِ بِغَيْرِ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَظَهَرَ عَظِيمُ تَنَاقُضِهِمْ، وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرُ الْآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» فَإِنَّهَا كُلُّهَا سَاقِطَةٌ -: أَحَدُهَا - مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ صَحِيفَةٌ، وَكَمْ خَالَفُوا هَذِهِ الطَّرِيقَ إذَا خَالَفَتْ مَذْهَبَهُمْ. وَالْآخَرُ - مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَلَا سَمَاعَ لَهُ مِنْهُ - وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِمَا إلَّا تَحْدِيدٌ: أَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ عُشْرُ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ عُشْرُ عُشْرِهَا. وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ مَكْذُوبٌ - فَسَقَطَتْ كُلُّهَا. وَأَمَّا إذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَيُورَثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَهُ إلَّا بِأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا لِأَنَّ الْمُعْتَرِضِينَ بِهَذَا يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ، أَوْ مِثْلُهُ، فَالْآنَ صَارَ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَ يَبْطُلُ، وَيَبْطُلُ بِهِ الْإِسْنَادُ مِمَّنْ أَسْنَدَهُ، وَمَا يَسْلُكُ فِي دِينِهِ هَذِهِ الطَّرِيقَ إلَّا مَنْ لَا دِينَ لَهُ، وَلَا حَيَاءَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ] 1552 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُدَبَّرَةِ، حَلَالٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلِغَيْرِ دَيْنٍ لَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِالْبَيْعِ، كَمَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِبَيْعِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَلَا فَرْقَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ - كَمَا قُلْنَا - وَلَا تُبَاعُ الْمُدَبَّرَةُ -. وَهَذَا تَفْرِيقٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا الْمُدَبَّرَةُ إلَّا فِي الدَّيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ بِيعَا فِيهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ لَمْ يُبَاعَا فِيهِ فِي حَيَاةِ الْمُدَبِّر، وَبِيعَا فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثَ الْمُدَبَّرُ، وَلَا دَيْنَ هُنَالِكَ: أُعْتِقَ مِنْهُ مَا يَحْمِلُ الثُّلُثَ وَرَقَّ سَائِرُهُ. قَالَ: فَإِنْ بِيعَ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ دَيْنٍ فَأَعْتَقَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَجَازَ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُهُ حَرَامًا فَمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لَا فِي دَيْنٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ - أُعْتِقَ أَوْ لَمْ يُعْتَقْ - كَمَا لَا تُبَاعُ أُمُّ الْوَلَدِ وَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهَا - وَإِنْ أُعْتِقَتْ - وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُهُ حَلَالًا فَمَا يَحْرُمُ مَتَى شَاءَ سَيِّدُهُ بَيْعَهُ. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ حُجَّةً لَا مِنْ نَصٍّ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ - لَا فِي دَيْنٍ وَلَا فِي غَيْرِ دَيْنٍ لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَ الْمَوْتِ -: وَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ اسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَأَجَازُوا بَيْعَهُ فِي مَوَاضِعَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فَلَمْ يَفُوا بِالْعُقُودِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَاسْتَسْعُوهُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَلَمْ يَفُوا بِالْعُقُودِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -: مِنْهَا: خَبَرٌ رَوَاهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثِقَةٌ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» .

وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْبَاقِي رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَقَدْ تُرِكَ حَدِيثُهُ، إذْ ظَهَرَ فِيهِ الْبَلَاءُ. ثُمَّ سَائِرُ مَنْ رَوَاهُ إلَى أَيُّوبَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ إنْ كَانَ هُوَ السِّنْجَارِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ قَدْ خَالَفُوهُ. وَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ: فَإِنَّ عَلَى الَّذِي دَبَّرَ نَصِيبَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ - وَهَذَا بَيْعٌ لِلْمُدَبَّرِ - فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ الْمَوْضُوعَ مَعَ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ. وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِمَّنْ يَرُدُّ حَدِيثَ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ، وَحَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ، مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيدِهَا وَانْتِشَارِهَا ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْكَذِبَةِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ بَيْعَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ: مَا لَهُمْ أَثَرٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا. وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي أَوْلَادِ الْمُدَبَّرَةِ: إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا مَا نَرَاهُمْ إلَّا أَحْرَارًا، وَوَلَدُهَا كَذَلِكَ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيعَةَ، قَالَا جَمِيعًا: إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا فِي الْأَعْرَابِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ فَبَعَثَ فِي طَلَبِ الْجَارِيَةِ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَأَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ فَأَخَذَ الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً فَجَعَلَهَا مَكَانَهَا عَلَى تَدْبِيرِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ - هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا خَبَرُ عُمَرَ: فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ، وَرَبِيعَةَ، لَمْ يُولَدَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَزِيَادَةً، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ -. وَأَيْضًا: فَفِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ خَالَفَتْهُ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَيْهَا، وَلَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهَا، وَهَذَا تَنَازُعٌ، فَالْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا يُبِيحَانِ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ الثَّمَنَ فَابْتَاعَ بِهِ جَارِيَةً فَجَعَلَهَا مُدَبَّرَةً مَكَانَهَا، وَيُعِيذُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْفَاسِدِ، الظَّاهِرِ الْعَوَارِ، إذْ يَحْرُمُ بَيْعُ مَمْلُوكَةٍ مِنْ أَجْلِ مَمْلُوكَةٍ أُخْرَى بِيعَتْ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا. وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَنْ بَاعَ حُرًّا أَنْ يَبْتَاعَ بِالثَّمَنِ عَبْدًا فَيُعْتِقَهُ مَكَانَهُ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَكَيْفَ إنْ ذَهَبَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ بِهِ رَقَبَةٌ أَوْ وُجِدَتْ بِهِ رِقَابٌ أَوْ وُجِدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ أَنْ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأُخْرَى مُدَبَّرَةً مَكَانَهَا، وَلَعَلَّ هَذِهِ تَمُوتُ مَمْلُوكَةً، فَكَيْفَ الْعَمَلُ؟ أَوْ لَعَلَّهَا تَعِيشُ وَتَمُوتُ الْمَبِيعَةُ مَمْلُوكَةً فَكَيْفَ الْعَمَلُ فِي هَذَا التَّخْلِيطِ؟ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ. وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ: فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ مُجَرَّدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهِ حُكْمُ وَلَدِهَا إنْ عَتَقَتْ هِيَ فَقَطْ. وَلَوْ كَانَ لَهُمْ حَيَاءٌ مَا مَوَّهُوا فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذَا، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ جَابِرٍ خِلَافُ قَوْلِهِمْ؟

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا يُرَقُّونَ بِرِقِّهَا، وَيُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا. وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرِهِمْ، مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - فَهَذَا جَابِرٌ يَرَى إرْقَاقَ الْمُدَبَّرَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُرْسَلٌ؟ قُلْنَا: بِالْمُرْسَلِ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْنَا فَخُذُوهُ أَوْ فَلَا تَحْتَجُّوا بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّمَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بَيَانُ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ، كَمَا رُوِّينَا بِأَصَحِّ سَنَدٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً: إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ، فَكَانَ يَطَؤُهُمَا حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ مِنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ وَطْئِهَا؟ كَذَبُوا؛ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَتَهُ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَقُلْت لَهُ: لِمَ تَكْرَهُهُ؟ فَقَالَ: لِقَوْلِ عُمَرَ: لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ. فَظَهَرَ فَسَادُ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ جَاءَ عَنْهُمْ، وَمَوَّهُوا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا فَرَّقَ بَيْنَ اسْمِ الْمُدَبَّرِ، وَاسْمِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَجَبَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ كُلُّ اسْمَيْنِ اخْتَلَفَا وَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ مَعْنَاهُمَا وَحُكْمُهُمَا إذَا وُجِدَا فِي اللُّغَةِ مُتَّفِقِي الْمَعْنَى: فَإِنَّ " الْمُحَرَّرَ، وَالْمُعْتَقَ " اسْمَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، " وَالزَّكَاةُ، وَالصَّدَقَةُ " كَذَلِكَ، " وَالزَّوَاجُ، وَالنِّكَاحُ " كَذَلِكَ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ الْفَاسِدُ لَكَانَ الْوَاجِبُ إذَا جَاءَ فِيهِمَا نَصٌّ أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ - وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي اخْتِلَافِ الِاسْمَيْنِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا وَلَا يُبَاعَ الْآخَرُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ اسْمُ: الْفَرَسِ، وَالْعَبْدِ، وَكِلَاهُمَا يُبَاعُ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا - وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَ كُلِّ مُتَمَلَّكٍ جَائِزٌ إلَّا مَا فَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَ بَيْعِهِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُدَبَّرَةِ، فَبَيْعُهُمَا حَلَالٌ. وَمِنْ السُّنَّةِ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ الْمُدَبَّرَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يَبْتَاعُهُ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ جَابِرٌ: غُلَامٌ قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، وَأَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ -: فَهَذَا أَثَرٌ مَشْهُورٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ، وَأَمْرٌ كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُلُّهُمْ مُسَلِّمٌ رَاضٍ، فَلَوْ ادَّعَى الْمُسْلِمُ هَهُنَا الْإِجْمَاعَ لَمَا أَبْعَدَ، لَا كَدَعَاوِيهِمْ الْكَاذِبَةِ؟ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَذِبِ: بَيْعٌ فِي دَيْنٍ، وَإِلَّا فَلِأَيِّ وَجْهٍ بِيعَ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَأَفَكْتُمْ، وَإِنَّمَا بِيعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمُدَبِّرِهِ مَالٌ غَيْرُهُ، فَلِهَذَا بَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَيْعُهُ مُبَاحٌ لَا وَاجِبٌ كَسَائِرِ مَنْ تَمَلَّكَ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّهُ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ قَبْل أَنْ يُدَبَّرَ، فَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُدَبَّرَ فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ الَّذِي لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ بِصِفَةٍ لَا يَدْرِي أَيُدْرِكُهَا الْمُعْتَقُ بِهَا أَمْ لَا؟ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ مَجِيءِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْمُدَبَّرُ مُوصًى بِعِتْقِهِ، كِلَاهُمَا مِنْ الثُّلُثِ فَوَاجِبٌ إنْ صَحَّ

الْقِيَاسُ أَنْ يُبَاعَ الْمُدَبَّرُ كَمَا يُبَاعُ الْآخَرَانِ، وَلَكِنْ لَا النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَا جَمِيعًا: الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، قَالَ: سَأَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ الْمُدَبَّرِ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ أَبِي فِيهِ، أَيَبِيعُهُ صَاحِبُهُ؟ فَقُلْت: كَانَ أَبِي يَقُولُ: يَبِيعُهُ إنْ احْتَاجَ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَعُودَ الرَّجُلُ فِي عَتَاقَتِهِ - قَالَ عَمْرٌو: يَعْنِي التَّدْبِيرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهِ إذَا شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: يُعَادُ فِي الْمُدَبَّرِ، وَفِي كُلِّ وَصِيَّةٍ - وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ: كَرَاهِيَةَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ يَبِيعُهُ الْجَرِيءُ، وَيَرَعُ عَنْهُ الْوَرِعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بَلْ يَبِيعُهُ الْوَرِعُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقِفُ عَنْهُ الْجَاهِلُ، وَتَاللَّهِ مَا تُخَافُ تَبِعَةٌ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي أَمْرٍ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فِي كِتَابِهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ نَخَافُ التَّبِعَةَ مِنْهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي تَحْرِيمِنَا مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ، أَوْ فِي تَوَقُّفِنَا فِيهِ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ هَذَا. قَالَ - تَعَالَى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] . وَبَيْعُ الْمُدَبَّرِ مِمَّا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَلَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى فِيهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

مسألة بيع ولد المدبرة من غير سيدها

[مَسْأَلَة بَيْعُ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا] مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا - حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ - حَلَالٌ - وَبَيْعُ مَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ أَنْ تُكَاتَبَ وَبَعْدَ أَنْ كُوتِبَتْ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا: حَلَالٌ -. وَبَيْعُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ: حَلَالٌ. هَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، إلَّا مَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ. وَأَمَّا مَا وَلَدَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ: فَحَرَامٌ بَيْعُهُ، وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ. وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - حُكْمَ مَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ بَعْدَ أَنْ تُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا فِي " كِتَابِ الْمُكَاتَبِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ الَّتِي تَحْمِلُ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ: هُوَ أَنَّهُ وَلَدُ أَمَةٍ جَائِزٌ بَيْعُهَا، فَهُوَ عَبْدٌ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ عَبْدٌ -. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا هَذَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: أَوْلَادُ الْمُدَبَّرَةِ لَا عِتْقَ لَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: وَابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَطَاءٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: أَوْلَادُ الْمُدَبَّرَةِ عَبِيدٌ، وَأَمَّا مَا حَمَلَتْ بِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْعِتْقُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ فَهُوَ حُرٌّ مَعَهَا مَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ السَّيِّدُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ: مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَهُوَ تَبَعٌ لَهَا. وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلَافَهُمْ لِطَوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، كَاَلَّذِي صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لِدَارٍ وَاشْتِرَاطَ سُكْنَاهَا مُدَّةَ عُمُرِ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا.

مسألة بيع المعتق إلى أجل أو بصفة

وَأَمَّا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا مَا - حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُمْ، لِأَنَّهَا حَرَامٌ بَيْعُهَا وَهُوَ إذَا - حَمَلَتْ بِهِ بَعْضُهَا: فَحَرَامٌ بَيْعُهُ، وَمَا حَرُمَ بَيْعُهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لَهَا. فَإِنْ ذَكَرُوا " كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا " فَهُوَ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ - ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا فِي وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ بِصِفَةٍ، وَوَلَدُ الْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِصِفَةٍ] 1554 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، أَوْ بِصِفَةٍ: حَلَالٌ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ الْعِتْقُ بِحُلُولِ تِلْكَ الصِّفَةِ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا، فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُصْبِحْ الْغَدُ، أَوْ كَمَنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا أَفَاقَ مَرِيضِي: فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُفِقْ مَرِيضُهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَذَلِكَ فِي الْمُعْتَقِ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ، وَيُمْكِنُ أَنْ لَا تَكُونَ، وَلَمْ يَقُلْهُ فِي الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ إلَّا أَنَّهُ حَتَّى الْآنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى وَاحْتِجَاجٌ لِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ [مَسْأَلَة بَيْع السِّلْعَة فِي السوق بِأَقَلّ مِنْ سعرها أَوْ بِأَكْثَر] 1555 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِمَنْ أَتَى السُّوقَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَهُ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِهَا فِي السُّوقِ، وَبِأَكْثَرَ - وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَهْلِ السُّوقِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا لِلسُّلْطَانِ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِهَا، وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ التَّرْخِيصِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُبِيحُونَ لَهُ التَّغْلِيَةَ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ. ثُمَّ زَادُوا فِي الْعَجَبِ وَاحْتَجُّوا بِاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ عَنْ سُوقِنَا.

مسألة ابتاع سلعة في السوق فأراد أهل السوق أن يشاركوه فيها

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ كَإِجْبَارِهِ بَنِي عَمٍّ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى ابْنِ عَمِّهِمْ، وَكَعِتْقِهِ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ إذَا مَلَكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ أَخْطَئُوا فِيهِ عَلَى عُمَرَ، فَتَأَوَّلُوهُ بِمَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بِذَلِكَ لَوْ صَحَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، يُرِيدُ أَنْ تَبِيعَ مِنْ الْمَكَايِيلِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبِيعُ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ - هَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ مُبَيَّنًا. كَمَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَبِيعُ الزَّبِيبَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: كَيْفَ تَبِيعُ يَا حَاطِبٌ؟ فَقَالَ: مُدَّيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَبْتَاعُونَ بِأَبْوَابِنَا، وَأَفْنِيَتِنَا، وَأَسْوَاقِنَا، تَقْطَعُونَ فِي رِقَابِنَا. ثُمَّ تَبِيعُونَ كَيْفَ شِئْتُمْ، بِعْ صَاعًا، وَإِلَّا فَلَا تَبِعْ فِي أَسْوَاقِنَا، وَإِلَّا فَسِيبُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ اجْلِبُوا ثُمَّ بِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ. فَهَذَا خَبَرُ عُمَرَ مَعَ حَاطِبٍ فِي الزَّبِيبِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ. فَإِنْ قَالُوا: فِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، بَلْ فِي قَوْلِكُمْ أَنْتُمْ الضَّرَرُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ، وَعَلَى الْمَسَاكِينِ، وَعَلَى هَذَا الْمُحْسِنِ إلَى النَّاسِ، وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ شَاءُوا أَنْ يُرَخِّصُوا كَمَا فَعَلَ هَذَا فَلْيَفْعَلُوا، وَإِلَّا فَهُمْ أَمْلَكُ بِأَمْوَالِهِمْ كَمَا هَذَا أَمْلَكُ بِمَالِهِ. وَالْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . [مَسْأَلَة ابْتَاعَ سِلْعَة فِي السوق فَأَرَادَ أَهْلُ السُّوقِ أَنْ يشاركوه فِيهَا] 1556 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُشْرِكُهُ فِيهَا أَهْلُ تِلْكَ السُّوقِ، وَهِيَ لِمُشْتَرِيهَا خَاصَّةً - وَهُوَ قَوْلُ النَّاسِ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُشْرِكُوهُ فِيهَا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرَهُمْ وَهُوَ ظُلْمٌ

مسألة البيع بالبرائة من كل عيب

ظَاهِرٌ، وَيُبْطِلُهُ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَلَمْ يَتَرَاضَ الْبَائِعُ إلَّا مَعَ هَذَا الْمُبْتَاعِ لَا مَعَ غَيْرِهِ، فَالْحُكْمُ بِهِ لِغَيْرِهِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ الْحُكْمُ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ بِهَذَا فِي غَيْرِهِمْ لَا لَهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَدِمَ الْمَدِينَةَ طَعَامٌ فَخَرَجَ أَهْلُ السُّوقِ إلَيْهِ فَابْتَاعُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: أَفِي سُوقِنَا هَذَا تَتَّجِرُونَ؟ أَشْرِكُوا النَّاسَ، أَوْ اُخْرُجُوا فَاشْتَرُوا ثُمَّ ائْتُوا فَبِيعُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ أَعْظَمُ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الصِّنَاعَةِ مِنْ السُّوقِ يَتَوَاطَئُونَ عَلَى إمَاتَةِ السِّلْعَةِ الَّتِي يَبِيعُهَا الْجَالِبُ أَوْ الْمُضْطَرُّ، وَيَتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ لَا يَزِيدُوا فِيهَا، وَيَتْرُكُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ يَسُومُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمُضْطَرُّ عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَهَذَا وَاجِبٌ مَنْعُهُمْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا» . [مَسْأَلَة الْبَيْع بالبرائة مِنْ كُلّ عَيْب] 1557 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَلَا عَلَى أَنْ لَا يُقَوَّمَ عَلَيَّ بِعَيْبٍ - وَالْبَيْعُ هَكَذَا فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَمْ يَرَ لِلْمُشْتَرِي الْقِيَامَ بِعَيْبٍ أَصْلًا - عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ. وَذَهَبَ سُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: إلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ - عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْعُيُوبِ إلَّا فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ عُيُوبِ الْحَيَوَانِ الْمَبِيعِ، وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ مِنْ عُيُوبِهِ فَكَتَمَهُ. وَلِمَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ -: أَحَدُهَا - وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ حَرْفًا حَرْفًا؛ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّأِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ إلَّا فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً، فَيَبْرَأُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ فَكَتَمَ، وَإِنَّمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ، فَلَا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ عَيْبٍ أَصْلًا.

وَالثَّالِثُ - وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْبَرَاءَةِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ - وَهُوَ بَيْعُ السُّلْطَانِ لِلْمَغْنَمِ، أَوْ عَلَى مُفْلِسٍ. وَالثَّانِي: الْعَيْبُ الْخَفِيفُ خَاصَّةً فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ. وَالثَّالِثُ: فِيمَا يُصِيبُ الرَّقِيقَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ خَاصَّةً. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ، مِنْهُمْ: عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، إلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ أَحَدٌ وَإِنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ، إلَّا مِنْ عَيْبٍ بَيَّنَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. فَأَمَّا الْقَوْلُ بِوَضْعِ الْيَدِ فَرُوِّينَاهُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: مَا رَأَيْتهمْ يُجِيزُونَ مِنْ الدَّاءِ إلَّا مَا بَيَّنْت وَوَضَعْت يَدَك عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ وَجَدَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ مِثْلَ هَذَا لَطَارُوا بِهِ كُلَّ مَطَارٍ؛ لِأَنَّ أَبَا عُثْمَانَ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ - أَوَّلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ - وَأَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ. فَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ لَقَالُوا: إنَّمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهَذَا إجْمَاعٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقْطَعُ بِالظُّنُونِ، وَلَا نَدْرِي لِوَضْعِ الْيَدِ مَعْنًى، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُؤْخَذُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُ قَلَّدَ مَا رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إنَّ أَبَاهُ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَخَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى عُثْمَانَ وَقَالَ: بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: بِعْته بِالْبَرَاءَةِ، فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِأَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْغُلَامَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا إذْ قَلَّدَ عُثْمَانَ وَلَمْ يُقَلِّدْ ابْنَ عُمَرَ جَوَازَ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ فِي الرَّقِيقِ، وَالشَّافِعِيُّ أَشَدُّ النَّاسِ إنْكَارًا لِلتَّقْلِيدِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ كَيْفَ قَلَّدَ عُثْمَانَ فِيمَا لَمْ يَقُلْهُ عُثْمَانُ قَطُّ، وَلَا صَحَّ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَلِّدْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَضَائِهِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِالنُّكُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ؟ إنَّ هَذَا هُوَ عَيْنُ الْعَجَبِ.

وَاحْتَجَّ لِتَرْجِيحِهِ رَأْيَ عُثْمَانَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ، وَأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ بِهَذَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْبَرَاءَةِ فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الْعُيُوبِ وَلَا يَنْفَعُهُ مِمَّا عَلِمَ فَكَتَمَ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ فَوَجَبَ رَفْضُ هَذَا الْقَوْلِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الدَّلَائِلِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْحُكْمَ بِمَا حَكَمَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُ تَخْصِيصُ الْحَيَوَانِ بِذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي عَبْدٍ؟ قُلْنَا: فَلَا تَتَعَدَّوْا بِذَلِكَ الْعَبِيدَ، أَوْ الرَّقِيقَ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الْحَيَوَانَ عَلَى الْعَبْدِ؟ قُلْنَا: وَلِمَ لَمْ تَقِيسُوا جَمِيعَ الْمَبِيعَاتِ عَلَى الْعَبْدِ؟ فَحَصَلُوا عَلَى خَبَالِ الْقِيَاسِ، وَعَلَى مُخَالَفَةِ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ بَاعَ سِلْعَةً كَانَتْ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخَبَرَ بِتَمَامِهِ، وَقَضَى عُثْمَانُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ: أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَبِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ الْيَمِينَ وَارْتَجَعَ السِّلْعَةَ. فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَبِيعٍ وَإِسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِي تَفْرِيقِهِمْ هَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا. وَأَمَّا أَقْوَالُ مَالِكٍ: فَشَدِيدَةُ الِاضْطِرَابِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَكَى عَنْ أَحَدِهَا - وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ مُقَلِّدِيهِ مِنْ الْحُجَجِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، وَفِي هَذَا عَجَبَانِ عَجِيبَانِ -:. أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا الْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ، وَمَا عَلِمْنَا إجْمَاعًا يَخْرُجُ مِنْهُ عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ رَجَعَ مَالِكٌ نَفْسُهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، فَلَئِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حُجَّةً لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، فَكَيْفَ اسْتَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُخَالِفَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْحَقُّ؟ فَلَقَدْ خَالَفَ الْحَقَّ وَتَرَكَهُ بَعْدَ

أَنْ عَلِمَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ حُجَّةً، وَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ، فَمَا بَالُهُمْ يُغْرُونَ الضُّعَفَاءَ بِهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ، أَمَا هَذَا عَجَبٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَرْجِعْ مَالِكٌ عَنْهُ إلَّا لِخِلَافٍ وَجَدَهُ هُنَالِكَ؟ فَقُلْنَا: فَقَدْ جَازَ الْوَهْمُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، وَوَجَدَ الْخِلَافَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا تُنْكِرُوا مِثْلَ هَذَا فِي سَائِرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، وَلَا تُنْكِرُوا وُجُودَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَهَذَا مَا لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ بَيَّنَّا فِي إبْطَالِنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بُطْلَانَهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - نَتَأَيَّدُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي: فِي تَخْصِيصِهِ الرَّقِيقَ خَاصَّةً، فَمَا نَدْرِي لَهُ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ. وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: إنَّهُ قَلَّدَ عُثْمَانَ؟ فَقُلْنَا: وَمَا بَالُ تَقْلِيدِ عُثْمَانَ دُونَ تَقْلِيدِ ابْنِ عُمَرَ وَكِلَاهُمَا صَاحِبٌ -. وَأَيْضًا: فَمَا قَلَّدَ عُثْمَانَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقُلْ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي قَضَائِهِ بِالنُّكُولِ، فَمَا حَصَلَ إلَّا عَلَى خِلَافِ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْأَدِلَّةِ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّالِثُ: الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فَأَشَدُّهَا فَسَادًا لِأَنَّهُ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُ بِقَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ: لَا صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. ثُمَّ تَخْصِيصُهُ الْبَيْعَ عَلَى الْمُفْلِسِ عَجَبٌ، وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَخْصِيصُهُ بِالْعَيْبِ الْخَفِيفِ - وَهُوَ لَمْ يُبَيِّنْ مَا الْخَفِيفُ مِنْ الثَّقِيلِ - فَحَصَلَ مُقَلِّدُوهُ فِي أَضَالِيلَ لَا يَحْكُمُونَ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - إلَّا بِالظَّنِّ. فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ وَبَرِئَ مِنْ عَيْبٍ سَمَّاهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَفْصِيلِهِ عَيْبًا عَيْبًا وَبَيْنَ إجْمَالِهِ الْعُيُوبَ، وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ قَوْلُنَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَعَلَّهُمْ يَحْتَجُّونَ «بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، فَأَمَّا «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ إلَّا الشُّرُوطَ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى إبَاحَتِهَا وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شُرُوطًا لَمْ يُبِحْهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ - وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ تَفْصِيلِ الْعُيُوبِ وَبَيْنَ إجْمَالِهَا، فَكَذَبُوا، بَلْ بَيْنَهُمَا أَعْظَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّى الْعَيْبَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَدَقَ وَبَرِئَ مِنْهُ، وَإِذَا أَجْمَلَ الْعُيُوبَ فَقَدْ كَذَبَ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْعُيُوبَ تَتَضَادُّ، فَصَارَتْ صَفْقَةً انْعَقَدَتْ عَلَى الْكَذِبِ فَهِيَ مَفْسُوخَةٌ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ فَرْقٌ بَيْنَ صَفْقَةِ صِدْقٍ وَصَفْقَةِ كَذِبٍ - وَأَمَّا الصَّحَابَةُ: فَقَدْ اخْتَلَفُوا وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلْنَذْكُرْ الْآنَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقُوَّتِهِ -: وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إنْ وُجِدَ، فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلِأَنَّهُ غِشٌّ، وَالْغِشُّ مُحَرَّمٌ. قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ: فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إنْ وُجِدَ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ هَكَذَا بَاطِلٌ أَوْ يَكُونَ أَرَادَ فِيهِ كُلَّ عَيْبٍ فَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْحُمَّى عَيْبٌ، وَهِيَ مِنْ حَرٍّ، وَالْفَالِجُ عَيْبٌ وَهُوَ مِنْ بَرْدٍ، وَهُمَا مُتَضَادَّانِ. وَكُلُّ بَيْعٍ انْعَقَدَ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا

مسألة بيع المصاحف وكتب العلوم

بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ، فَلَا صِحَّةَ لَهُ - وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ الْعُيُوبَ كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ لَا يُسَمِّيَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَمَّى عَيْبًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ وَكَذَبَ فِيهِ، فَالصَّفْقَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِانْعِقَادِهَا عَلَى الْبَاطِلِ، وَعَلَى أَنَّ بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ يَشْتَرِيهِ، فَإِذْ لَيْسَ بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ، فَلَا شِرَاءَ لَهُ فِيهِ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. فَإِنْ بَاعَ وَسَكَتَ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ عَيْبٍ أَصْلًا وَلَا شَرَطَ سَلَامَةً، فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ إنْ وُجِدَ الْعَيْبُ فَالْخِيَارُ لِوَاجِدِهِ فِي رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ، وَإِلَّا فَالْبَيْعُ لَازِمٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الْمَصَاحِف وكتب الْعُلُوم] 1558 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ كُتُبِ الْعُلُومِ - عَرَبِيُّهَا وَعَجَمِيُّهَا - لِأَنَّ الَّذِي يُبَاعُ إنَّمَا هُوَ الرَّقُّ أَوْ الْكَاغَدُ أَوْ الْقِرْطَاسُ وَالْمِدَادُ، وَالْأَدِيمُ - إنْ كَانَتْ مُجَلَّدَةً - وَحِلْيَةً إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا فَقَطْ. وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ إيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَتَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ بِالْأَرْشِ - يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَجْلَانَ - هُوَ الْأَفْطَسُ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت أَنَّ الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى الْحَرَشِيِّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: شَهِدْت فَتْحَ تُسْتَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَأَصَبْنَا دَانْيَالَ بِالسُّوسِ وَمَعَهُ رَبْعَةٌ فِيهَا كِتَابٌ، وَمَعَنَا أَجِيرٌ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَ: تَبِيعُونِي هَذِهِ الرَّبْعَةَ وَمَا فِيهَا؟ قَالُوا: إنْ كَانَ فِيهَا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ كِتَابُ اللَّهِ لَمْ نَبِعْك؟ قَالَ: فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَكَرِهُوا بَيْعَهُ، قَالَ: فَبِعْنَاهُ الرَّبْعَةَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَوَهَبْنَا لَهُ الْكِتَابَ، قَالَ قَتَادَةُ: فَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ بَيْعُ الْمَصَاحِفِ؛ لِأَنَّ الْأَشْعَرِيَّ، وَالصَّحَابَةَ كَرِهُوا بَيْعَ ذَلِكَ الْكِتَابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا كَرِهُوا الْبَيْعَ نَفْسَهُ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ نَصْرَانِيًّا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ وَهَبُوهُ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، وَمَسْرُوقًا، وَشُرَيْحًا، عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ؟ فَقَالُوا: لَا نَأْخُذُ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ ذَكَرَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمَصَاحِفِ: اشْتَرِهَا وَلَا تَبِعْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي الْمَصَاحِفِ: اشْتَرِهَا وَلَا تَبِعْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ لَيْثٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ شِرَاءَ الْمَصَاحِفِ وَبَيْعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قُلْت لِعَلْقَمَةَ: أَبِيعُ مُصْحَفًا؟ قَالَ: لَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَحْسُ الدُّبُرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يُورَثُ الْمُصْحَفُ: هُوَ لِأَهْلِ الْبَيْتِ الْقُرَّاءِ مِنْهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَابْتِيَاعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَابْتِيَاعَهَا، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا مَهْدُ بْنُ مَيْمُونٍ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ عَنْ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ بِالْأَجْرِ؟ فَقَالَ: كَرِهَ كُتَّابَهَا وَاسْتِكْتَابَهَا وَبَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ سَالِمٍ هُوَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - قَالَ: بِئْسَ التِّجَارَةُ بَيْعُ الْمَصَاحِفِ

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَشُعْبَةَ، قَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ قَالَا جَمِيعًا: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ وَلَا تَبِعْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: اشْتَرِ وَلَا تَبِعْ - يَعْنِي الْمَصَاحِفَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَفَّانَ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ؟ قَالَ: اشْتَرِهَا وَلَا تَبِعْهَا - وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ؟ فَكَرِهَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ وَلَا تَبِعْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ حَتَّى أَرْخَصَ لَهُ، فَهَؤُلَاءِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَكُلُّ مَنْ مَعَهُ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عُمَرَ: سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَسْمَائِهِمْ، ثُمَّ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ بِإِطْلَاقٍ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ. وَمِنْ التَّابِعِينَ الْمُسَمَّيْنَ: مَسْرُوقٌ، وَشُرَيْحٌ، وَمُطَرِّفُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، كُلُّهُمْ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ - وَلَا يَرَاهُ سِوَى مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ يُسَمِّ وَمَا نَعْلَمُهُ رَوَى إبَاحَةَ بَيْعِهَا إلَّا عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمَا، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَثَرَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ طَلْقِ بْنِ السَّمْحِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَمْرٍو الْأَيْلِيِّ

قَالَ: كَانَ ابْنُ مُصَبِّحٍ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ وَيَبِيعُهَا وَلَا يُنْكَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَالْآخَرُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ بُكَيْرٍ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَهَا - يَتَّخِذُهَا مَتْجَرًا - وَلَا يَرَى بَأْسًا بِمَا عَمِلَتْ يَدَاهُ مِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ سَاقِطٌ - وَابْنُ مُصَبِّحٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَطَلْقُ بْنُ السَّمْحِ: لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَمْرٍو سَاقِطٌ وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَبُكَيْر بْنُ مِسْمَارٍ ضَعِيفٌ - ثُمَّ هُمَا مُخَالِفَانِ لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مُصَبِّحٍ: أَنَّ عُثْمَانَ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْعَهَا مَتْجَرًا. فَأَيْنَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَالْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ - وَقَدْ وَافَقُوا هَهُنَا كِلَا الْأَمْرَيْنِ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْهَا: أَبْلَغَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ فِي ابْتِيَاعِهِ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَيْعِهِ إيَّاهُ مِنْ الَّتِي بَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، وَقَدْ خَالَفَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ. فَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَلَمْ يَقُولُوا هَهُنَا فِيمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ مِنْ إبَاحَةِ قَطْعِ الْأَيْدِي فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً. فَهَلَّا قَالُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنْ هَهُنَا يَلُوحُ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا تَحْكُمُوا بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثُرَ الْقَائِلُونَ بِهِ أَمْ قَلُّوا - كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَائِلُ، لَا نَتَكَهَّنُ فَنَقُولُ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَنَنْسُبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ جِهَارًا.

مسألة من باع سلعة بثمن مسمى

وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا -: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ كُلِّهَا حَلَالٌ، إذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَوْ فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَحَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - حَتَّى تَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى عِبَادِهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى] 1559 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى حَالَّةً، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ مِثْلِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ مِنْهُ، وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَبِأَقَلَّ حَالًّا، وَإِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَقْرَبَ مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ إلَيْهِ، أَوْ أَبْعَدَ وَمِثْلَهُ، كُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَهَذَانِ بَيْعَانِ فَهُمَا حَلَالَانِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلُ تَحْرِيمِهِمَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَلَيْسَا بِحَرَامٍ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» . وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَا وَقَبَضَ السِّلْعَةَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ لَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ هُوَ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ اشْتَرَاهَا هُوَ بِهِ: فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ. فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِدَنَانِيرَ، وَكَانَ هُوَ قَدْ اشْتَرَاهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ ابْتَاعَهَا بِدَنَانِيرَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا بِدَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الثَّمَنِ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا هُوَ مِنْهُ بِسِلْعَةٍ: جَازَ ذَلِكَ - كَانَ ثَمَنُهَا أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَوْ أَكْثَرَ.

فَإِنْ ابْتَاعَهَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِثَمَنٍ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ: وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ يَحْرُمُ عَلَى شَرِيكِهِ فِي التِّجَارَةِ الَّتِي تِلْكَ السِّلْعَةُ مِنْهَا، وَعَلَى وَكِيلِهِ، وَعَلَى مُدَبَّرِهِ، وَعَلَى مُكَاتَبِهِ، وَعَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ ابْتَاعَهَا هُوَ مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْأَجَلِ لَمْ يَجُزْ. فَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً لَيْسَتْ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَيْنَةِ وَقَدْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. فَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، أَوْ بِسِلْعَةٍ تُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ أَوْ مِثْلِهِ: لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ، أَوْ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ بَائِعِهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَلَا بِسِلْعَةٍ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَجَلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ أَهْلُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِمَا رُوِّينَاهُ -: مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةَ بِنْتِ أَيْفَعَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُمِّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: إنِّي بِعْت غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً إلَى الْعَطَاءِ وَاشْتَرَيْتُهُ بِسِتِّمِائَةٍ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّك قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَتُوبَ، بِئْسَمَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَمَا شَرَيْت؟ قَالَتْ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ آخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِي؟ قَالَتْ {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] فَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَلَا فِيمَا سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادُ - فَصَحَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ.

وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَيْسِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْجَرِيرَةَ إلَى رَجُلٍ فَكَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا - يَعْنِي بِدُونِ مَا بَاعَهَا. وَقَالُوا: هِيَ دَرَاهِمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَقَالُوا: هَذَانِ أَرَادَا الرِّبَا فَتَحَيَّلَا لَهُ بِهَذَا الْبَيْعِ - مَا لَهُمْ شَيْءٌ شَغَبُوا بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ. فَأَمَّا خَبَرُ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ: فَفَاسِدٌ جِدًّا؛ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي إِسْحَاقَ مَجْهُولَةُ الْحَالِ، لَمْ يَرْوِ عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ زَوْجِهَا، وَوَلَدُهَا يُونُسُ، عَلَى أَنَّ يُونُسَ قَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ بِأَقْبَحِ التَّضْعِيفِ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا، وَقَالَ فِيهِ شُعْبَةُ: أَمَا قَالَ لَكُمْ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَأَنَّ امْرَأَةَ أَبِي إِسْحَاقَ لَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَلَا وَلَدُهَا: أَنَّهَا سَمِعَتْ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا جَوَابَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا، إنَّمَا فِي حَدِيثِهَا: دَخَلْت عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا، وَأُمُّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَسَأَلَتْهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السُّؤَالُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهِ، فَوَجَدْنَا: مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ اللَّخْمِيُّ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ الْقَاضِي أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَرْوَانَ الْقَيْسَرَانِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ: أَنَّهَا بَاعَتْ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ خَادِمًا لَهَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ، فَاحْتَاجَ فَابْتَاعَتْهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَسَأَلَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا شَرَيْت وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت مِرَارًا، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ جِهَادُهُ إنْ لَمْ يَتُبْ؟ قَالَتْ: فَإِنْ لَمْ آخُذْ إلَّا رَأْسَ مَالِي قَالَتْ عَائِشَةُ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] . وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَتْ: سَمِعْت امْرَأَةَ أَبِي السَّفَرِ تَقُولُ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت: بِعْت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ خَادِمًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَتْ لَهَا

عَائِشَةُ بِئْسَ مَا شَرَيْت أَوْ بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَتُوبَ؟ قَالَتْ: أَفَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي؟ قَالَتْ: لَا بَأْسَ {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] . فَبَيَّنَ سُفْيَانُ الدَّفِينَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْهُ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا رَوَتْهُ عَنْ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ، وَهِيَ الَّتِي بَاعَتْ مِنْ زَيْدٍ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِزَيْدٍ، وَهِيَ فِي الْجَهَالَةِ أَشَدُّ وَأَقْوَى مِنْ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَصَارَتْ مَجْهُولَةً عَنْ أَشَدَّ مِنْهَا جَهَالَةً وَنَكِرَةً - فَبَطَلَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ - تَعَالَى - الْحَمْدُ. وَلَيْسَ بَيْنَ يُونُسَ، وَبَيْنَ سُفْيَانَ نِسْبَةٌ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ، فَالرِّوَايَةُ مَا رَوَى سُفْيَانُ. وَالثَّالِثُ - أَنَّ مِنْ الْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ عَلَى كَذِبِ هَذَا الْخَبَرِ وَوَضْعِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا أَصْلًا: مَا فِيهِ مِمَّا نُسِبَ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنَّهَا قَالَتْ: أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ وَزَيْدٌ لَمْ يَفُتْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا غَزْوَتَانِ فَقَطْ: بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، فَقَطْ، وَشَهِدَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَائِرَ غَزَوَاتِهِ، وَأَنْفَقَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، وَشَهِدَ بَيْعَةَ الرَّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَشَهِدَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ بِالصِّدْقِ وَبِالْجَنَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وَنَصَّ الْقُرْآنُ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ رَضِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَوَاَللَّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا كُلَّهُ ذَنْبٌ مِنْ الذُّنُوبِ غَيْرُ الرِّدَّةِ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهَا بِرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَعَاذَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ تَقُولَ هَذَا الْبَاطِلَ. وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ يُوَضِّحُ كَذِبَ هَذَا الْخَبَرِ أَيْضًا -: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ زَيْدًا أَتَى أَعْظَمَ الذُّنُوبِ مِنْ الرِّبَا الْمُصَرَّحِ - وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ حَرَامٌ - لَكَانَ مَأْجُورًا فِي ذَلِكَ أَجْرًا وَاحِدًا غَيْرَ آثِمٍ، وَلَكَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إبَاحَةِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ جِهَارًا يَدًا بِيَدٍ، وَمَا لِطَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ أَخَذَ دَنَانِيرَ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ ثُمَّ أَخَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فِي صَرْفِهَا إلَى مَجِيءِ خَازِنِهِ مِنْ الْغَابَةِ بِحَضْرَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَمَا زَادَ عُمَرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا زَادَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى لِقَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَعْلِيمِهِ. وَمَا أَبْطَلَ عُمَرُ؛ وَلَا أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْ عَمَلِ طَلْحَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ رِبًا صُرَاحٌ، وَلَا شَيْءَ فِي الرِّبَا فَوْقَهُ.

فَكَيْفَ يُظَنُّ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إبْطَالُ جِهَادِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي شَيْءٍ عَمِلَهُ مُجْتَهِدًا، لَا نَصَّ فِي الْعَالَمِ يُوجَدُ خِلَافُهُ، لَا صَحِيحٌ وَلَا مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ، هَذَا وَاَللَّهِ الْكَذِبُ الْمَحْضُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مَنْ يَنْسُبُهُ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ يُحَرِّمُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذِهِ بَرَاهِينُ أَرْبَعَةٌ فِي بُطْلَانِ هَذَا الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ خُرَافَةٌ مَكْذُوبَةٌ. ثُمَّ نَقُولُ: إنَّهُ لَوْ صَحَّ صِحَّةَ الشَّمْسِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ قَوْلٌ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا قَوْلُهَا بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ - وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهُ - إذَا تَنَازَعَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ إلَى أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَالثَّانِي - أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: كَمْ قَوْلَةٍ رَدَدْتُمُوهَا لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ كَبَيْعِهَا الْمُدَبَّرَةَ وَإِبَاحَتِهَا الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَاطَّرَحْتُمْ حُكْمَهَا وَتَعَلَّقْتُمْ بِمُخَالَفَةِ عُمَرَ لَهَا فِي الْمُدَبَّرَةِ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ: مَنْ قَدَّمَ ثِقْلَهُ مِنْ مِنًى قَبْلَ أَنْ يَنْفِرَ فَلَا حَجَّ لَهُ، وَالِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ، فَأَطْرَحْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ، وَلَمْ تَقُولُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ تَوْقِيفٌ. وَخَالَفْتُمُوهُ لِقَوْلِ ابْنِهِ: لَا أَعْرِفُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَمَرَّةً يَكُونُ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةً، وَمَرَّةً لَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَمَرَّةً تَكُونُ عَائِشَةُ حُجَّةً عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَعُمَرُ حُجَّةً عَلَى عَائِشَةَ، وَابْنُ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى عُمَرَ، وَغَيْرُ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ - وَهَذَا هُوَ التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ وَبِالْحَقَائِقِ. وَالثَّالِثُ - أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَدِدْت أَنِّي رَأَيْت الْأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَهَلَّا قُلْتُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ كَمَا قُلْتُمْ هَهُنَا؟ وَالرَّابِعُ - أَنَّ مِنْ الضَّلَالِ الْعَظِيمِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ عِنْدَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثَرًا ثُمَّ تَكْتُمُهُ فَلَا تَرْوِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَاشَا لَهَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكْتُمَ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى؟

فَمَا حَصَلُوا إلَّا عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْوِيلِهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، إذْ لَوْ قَالَهُ لَكَانَ مَحْفُوظًا بِحِفْظِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَتَّى بَلَغَ إلَى أُمَّتِهِ، وَالْكَذِبِ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْخَامِسُ - أَنَّهَا أَنْكَرَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ بِقَوْلِهَا بِئْسَ مَا شَرَيْت - وَالْمَالِكِيُّونَ يُبِيحُونَهُ بِمِثْلِ هَذَا، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ نِصْفُ كَلَامِهَا حُجَّةٌ وَنِصْفُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. ؟ وَالسَّادِسُ - أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ خَدِيجِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ خَتَنَةِ أَبِي السَّفَرِ أَنَّهَا نَذَرَتْ مَشْيًا إلَى مَكَّةَ فَعَجَزَتْ؟ فَقَالَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكِ ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا أَعْظَمُ فِي نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الطَّرِيقُ لَا حُجَّةَ فِيهَا فَهِيَ تِلْكَ نَفْسُهَا أَوْ مِثْلُهَا، بَلْ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً، فَهَذَا حُجَّةٌ، وَإِلَّا فَقَدْ حَصَلَ التَّنَاقُضُ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الِاحْتِجَاجِ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ - تَعَالَى - الْحَمْدُ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَهُوَ رَأْيٌ مِنْهُ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ذُكِرَ لِابْنِ عُمَرَ رَجُلٌ بَاعَ سَرْجًا بِنَقْدٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ بِدُونِ مَا بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِدَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَعَلَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَاعَهُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَكَمْ قِصَّةٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ خَالَفُوهُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا آنِفًا - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ إذَا قَاصَصَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا دَرَاهِمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؟ فَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ جِدًّا، وَقَدْ قُلْت لِبَعْضِهِمْ: مَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ بِدِينَارَيْنِ؟ فَقَالَ: حَلَالٌ: فَقُلْت لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارَيْنِ وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارٍ رِبًا وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ، وَلَمْ يَجِبْ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارَيْنِ: أَنْ يَكُونَ رِبًا وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ، وَهَلْ فِي الْهَوَسِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَبِيعَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ فَيَكُونَ

مسألة بيع دور مكة

رِبًا، وَيَبِيعَ مِنْهُ دِينَارَيْنِ بِدِينَارٍ فَلَا يَكُونُ رِبًا، لَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ دِينٍ وَجَدْتُمْ هَذَا؟ أَمْ فِي أَيِّ عَقْلٍ؟ فَمَا أَتَى بِفَرْقٍ، وَلَا يَأْتُونَ بِهِ أَبَدًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُمَا أَرَادَا الرِّبَا كَمَا ذَكَرْنَا فَتَحَيَّلَا بِهَذَا الْعَمَلِ؟ فَجَوَابُهُمْ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَرَادَا الرِّبَا كَمَا ذَكَرْتُمْ فَتَحَيَّلَا بِهَذَا الْعَمَلِ، فَبَارَكَ اللَّهُ فِيهِمَا، فَقَدْ أَحْسَنَا مَا شَاءَا إذْ هَرَبَا مِنْ الرِّبَا الْحَرَامِ إلَى الْبَيْعِ الْحَلَالِ، وَفَرَّا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - إلَى مَا أَحَلَّ، وَلَقَدْ أَسَاءَ مَا شَاءَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِمَا، وَأَثِمَ مَرَّتَيْنِ لِإِنْكَارِهِ إحْسَانَهُمَا، ثُمَّ لِظَنِّهِ بِهِمَا مَا لَعَلَّهُمَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِمَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . وَأَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا يَسِيرًا مِنْ تَقْسِيمِهِمَا، وَكُلُّ مَنْ تَأَمَّلَهُ يَرَى أَنَّهَا تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَالتَّنَاقُضِ، كَتَفْرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِسِلْعَةٍ وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِدَنَانِيرَ، وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ - وَكَتَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَى وَكِيلِهِ وَشَرِيكِهِ. وَكَتَفْرِيقِ مَالِكٍ بَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَ بَاعَهَا بِهِ فَيَرَاهُ حَلَالًا، وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِأَقَلَّ فَيَرَاهُ حَرَامًا، وَهَذِهِ عَجَائِبُ بِلَا دَلِيلٍ كَمَا تَرَى؟ ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْهَمَ أَنَّهُ أَخَذَ بِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ فِيمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ مَا لَمْ يَنْتَقِدْ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي خَبَرِ عَائِشَةَ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع دُور مَكَّة] 1560 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ دُورِ مَكَّةَ - أَعَزَّهَا اللَّهُ تَعَالَى - وَابْتِيَاعُهَا حَلَالٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. 1561 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْأَعْمَى، أَوْ ابْتِيَاعُهُ بِالصِّفَةِ جَائِزٌ كَالصَّحِيحِ، وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَعْمَى، وَالْبَصِيرُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

مسألة بيع العبد وابتياعه من غير أذن سيده

[مَسْأَلَة بَيْع الْعَبْد وابتياعه مِنْ غَيْر أذن سِيدَهْ] مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْعَبْدِ، وَابْتِيَاعُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جَائِزٌ، مَا لَمْ يَنْتَزِعْ سَيِّدُهُ مَالَهُ فَإِنْ انْتَزَعَهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مَالُ السَّيِّدِ، لَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَلَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ حَرَامًا لَفَصَّلَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَنَا، وَلَمَا أَلْجَأَنَا فِيهِ إلَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، وَالْآرَاءِ الْمُدَبَّرَةِ. فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ حَلَالٌ غَيْرُ حَرَامٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ صِحَّةَ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَالِهِ؛ وَأَمَّا انْتِزَاعُ السَّيِّدِ مَالَ الْعَبْدِ فَقَدْ صَحَّ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَسَأَلَ عَنْ ضَرِيبَتِهِ؟ فَأَمَرَ مَوَالِيَهِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْهَا» . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «حَجَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْرَهُ وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ» . فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَاهُ أَجْرَهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا أَعْطَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ - وَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَهُ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَهُ مَا لَمْ يَنْتَزِعْهُ سَيِّدُهُ، وَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَ كَسْبِ عَبْدِهِ لِنَفْسِهِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا ادَّانَ الْعَبْدُ بِبَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهِيَ جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ، وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ فَكُّهُ بِهَا أَوْ إسْلَامُهُ إلَى صَاحِبِ دِينِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَوَّلُ مَا يُقَالُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا؟ وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مَوْجُودًا فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ يُعْقَلُ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ هُوَ ضِدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . فَبَطَلَ أَنْ يَكْسِبَ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهُ النَّصُّ كَالْعَاقِلَةِ.

ثُمَّ وَجْهٌ آخَرُ - وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّ الْبَيْعَ وَالِابْتِيَاعَ جِنَايَةٌ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ آخَرُ، وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا تَدَايَنَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلِسَيِّدِهِ فَسْخُ الدَّيْنِ عَنْهُ - وَهَذَا بَاطِلٌ شَنِيعٌ، لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ جَزَاءَ مَا جَنَى، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ، ثُمَّ يُسْقِطُونَ الْبَيْعَ الْوَاجِبَ عَنْ الْعَبْدِ الْعَاقِلِ، ثُمَّ أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ لَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ نَعْلَمُهُ، وَلَا فِي قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَعَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنْ وُجِدَتْ السِّلْعَةُ الَّتِي اشْتَرَى الْعَبْدُ بِيَدِهِ وَجَبَ رَدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا، فَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إزَالَةُ السِّلْعَةِ عَنْ يَدِ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَجِبْ إغْرَامُهُ الثَّمَنَ عَنْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ. وَلَئِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ مَالَ الْبَائِعِ: فَإِنَّ الثَّمَنَ مَالُهُ. وَلَئِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَيْسَ هُوَ مَالَ الْبَائِعِ، فَإِنَّ السِّلْعَةَ لَيْسَتْ مَالَهُ، بَلْ قَدْ عُكِسَ الْأَمْرُ هَهُنَا أَقْبَحَ الْعَكْسِ وَأَوْضَحَهُ فَسَادًا؛ لِأَنَّهُ رَدَّ إلَى الْبَائِعِ سِلْعَةً قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهَا، وَصَحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ الثَّمَنَ الَّذِي هُوَ لَهُ بِلَا شَكٍّ - وَهَذِهِ طَوَامُّ لَا نَظِيرَ لَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ الثَّمَنُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ يَوْمًا مَا؟ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ لَازِمًا لِلْعَبْدِ فَلِأَيِّ مَعْنًى يُؤَخَّرُ بِهِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ. وَلَئِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَيْسَ لَازِمًا الْآنَ فَلَا يَجُوزُ إغْرَامُهُ إيَّاهُ إذَا أُعْتِقَ. وَلَئِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ صَحِيحًا فَإِنَّ الثَّمَنَ عَلَيْهِ الْآنَ وَاجِبٌ. وَلَئِنْ كَانَ ابْتِيَاعُهُ فَاسِدًا فَمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ فَقَطْ.

مسألة بيع المرأة البكر والثيب

فَهَذِهِ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَاخْتِلَافُهُمْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَتَيَقَّنَ كُلُّ مُوقِنٍ سُقُوطَهَا كُلَّهَا. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبَ] 1563 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمَرْأَةِ مُذْ تَبْلُغُ الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ، وَغَيْرِ ذَاتِ الْأَبِ وَالثَّيِّبِ ذَاتِ الزَّوْجِ وَاَلَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا جَائِزٌ، وَابْتِيَاعُهَا كَذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " كِتَابِ الْحَجْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. 1564 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ مَعْدِنًا لَهُ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْدِنَ ذَهَبٍ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، إذْ الذَّهَبُ مَخْلُوقٌ فِي مَعْدِنِهِ كَمَا هُوَ هُوَ، جَائِزٌ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ وَحَالًّا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ مَعْدِنَ فِضَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ أَوْ بِذَهَبٍ نَقْدًا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فِضَّةَ هُنَالِكَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِيلُ تُرَابُهُ بِالطَّبْخِ فِضَّةً. وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَقَدْ أَجَازَ بَيْعَ النَّخْلِ لَا ثَمَرَ فِيهَا بِالتَّمْرِ نَقْدًا وَحَالًّا فِي الذِّمَّةِ وَنَسِيئَةً، وَالتَّمْرُ يَخْرُجُ مِنْهَا - وَكَذَلِكَ أَبَاحَ بَيْعَ الْأَرْضِ بِالْبُرِّ، وَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الْكَلَأِ] 1565 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْكَلَأِ جَائِزٌ فِي أَرْضٍ وَبَعْدَ قَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، كَالْوَلَدِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالثَّمَرِ، وَالنَّبَاتِ وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْكَلَأِ إلَّا بَعْدَ قَلْعِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى سَاقِطَةٌ - فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ -:

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَا أَبُو خِدَاشٍ " أَنَّهُ سَمِعَ «رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ غَزَوَاتٍ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا حُرَيْزُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيِّ - وَهُوَ أَبُو خِدَاشٍ نَفْسُهُ - عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَرْنٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْجُرَيْرِيُّ قَالَ لِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا السُّحْتَ بَيْعَ الشَّجَرِ وَإِجَارَةَ الْأَمَةِ الْمُسَافِحَةِ وَثَمَنَ الْخَمْرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ أَنَا أَبِي كَهْمَسٍ عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ الْفَزَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا «سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا الَّذِي لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ؟ فَأَجَابَهُ: الْمَاءُ، وَالْمِلْحُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ لَا شَيْءَ - أَبُو خِدَاشٍ هُوَ حِبَّانُ بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ نَفْسُهُ - وَهُوَ مَجْهُولٌ -. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَوْلَى بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ النَّارِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَاءً فِي إنَاءٍ أَوْ كَلَأً فَجَمَعَهُ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُمَا وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِمَا أَحَدٌ - وَهَذَا خِلَافُ عُمُومِ الْخَبَرِ فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا عَنَى بِهِ الْكَلَأَ قَبْلَ أَنْ يُجْمَعَ؟ قُلْنَا: بَلْ الْكَلَأُ الثَّابِتُ فِي الْأَرْضِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ - وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَأْوِيلُكُمْ دَعْوَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فَمُنْقَطِعٌ، ثُمَّ الْقَوْلُ فِيهِ وَفِي خِلَافِهِمْ لَهُ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ وَلَا فَرْقَ - وَحَدِيثُ بُهَيْسَةَ مَجْهُولٌ عَنْ مَجْهُولٍ عَنْ مَجْهُولَةٍ - ثُمَّ

مسألة بيع آلات اللهو

لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْكَلَأِ أَصْلًا - وَكَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ الْأَخْذُ بِهَذِهِ الْمَرَاسِيلِ، لَكِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فَتَرَكُوهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بَيْعَ كَلَأِ أَرْضِهِ وَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَهُ لِدَوَابِّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَهْبِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: لَا تَأْكُلُوا ثَمَنَ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ سُحْتٌ - وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْكَلَأِ كُلِّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ أَنَا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي قَالَ: قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ وَالْكَلَأُ، وَالنَّارُ. فَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا بِعُمُومِ هَذِهِ الْمَرَاسِيلِ فَمَنْ ادَّعَى مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْخُصُومَ فَقَدْ كَذَبَ، وَلِهَذَا أَوْرَدْنَاهَا. [مَسْأَلَة بَيْع آلات اللَّهْو] 1566 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الشِّطْرَنْجِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالْعِيدَانِ، وَالْمَعَازِفِ، وَالطَّنَابِيرِ: حَلَالٌ كُلُّهُ، وَمَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صُورَةً مُصَوَّرَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهَا - وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَابْتِيَاعُهُنَّ. قَالَ - تَعَالَى -: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الضَّمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِآثَارٍ لَا تَصِحُّ، أَوْ يَصِحُّ بَعْضُهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَهِيَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ

شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَبَاطِلٌ، إلَّا رَمْيَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ، أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، أَوْ مُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ» . عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْأَزْرَقِ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَا أَبُو سَلَامٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ لِي عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لَهْوُ الْمُؤْمِنِ إلَّا ثَلَاثٌ» ثُمَّ ذَكَرَهُ - خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَعِيدٌ أَنَا ابْنُ حَفْصٍ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ " أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَعِبٌ، لَا يَكُونُ أَرْبَعَةً: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ» . هَذَا حَدِيثٌ مَغْشُوشٌ مُدَلَّسٌ دُلْسَةَ سُوءٍ؛ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَيْسَ هُوَ ابْنَ شِهَابٍ، لَكِنَّهُ رَجُلٌ زُهْرِيٌّ مَجْهُولٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ - هُوَ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ - وَهُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ: رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ، إلَّا أَرْبَعَةً: مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ» فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ

أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْوٌ» عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ سَهْوٌ وَلَغْوٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّورِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُغَنِّيَةَ وَبَيْعَهَا وَثَمَنَهَا وَتَعْلِيمَهَا وَالِاسْتِمَاعَ إلَيْهَا» . فِيهِ: لَيْثٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي رَزِينٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَخِيهِ، وَمَا أَدْرَاك مَا عَنْ أَخِيهِ هُوَ مَا يُعْرَفُ وَقَدْ سُمِّيَ، فَكَيْفَ أَخُوهُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ أَنَا لَاحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَقْدِسِيُّ - قَدِمَ مَرْوَ - أَنَا أَبُو الْمُرَجَّى ضِرَارُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَاضِي الْجِيلَانِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الْحِمْصِيُّ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا عَمِلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ - فَذَكَرَ مِنْهُنَّ وَاِتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ، وَالْمِعْزَفَ فَلْيَتَوَقَّعُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، وَمَسْخًا وَخَسْفًا» . لَاحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَضِرَارُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْحِمْصِيُّ - مَجْهُولُونَ -. وَفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حِمْصِيٌّ مَتْرُوكٌ، تَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا مُعَاوِيَةُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تِسْعٍ وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُنَّ الْآنَ - فَذَكَرَ فِيهِنَّ -: الْغِنَاءَ، وَالنَّوْحَ» .

مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ ضَعِيفٌ، وَكَيْسَانُ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ» عَنْ شَيْخٍ عَجَبٌ جِدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ أَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَا حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ» . مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعَازِفِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اتِّخَاذِ الْقَيْنَاتِ - وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى اسْتِحْلَالِهِمْ الْخَمْرَ بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَالدِّيَانَةُ لَا تُؤْخَذُ بِالظَّنِّ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحَضْرَمِيُّ الْقَاضِي أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْغِمْرِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ بِحِمْصَ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَنَا عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَلَبِيُّ - هُوَ ابْنُ نُعَيْمٍ - أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جَلَسَ إلَى قَيْنَةٍ فَسَمِعَ مِنْهَا صَبَّ اللَّهُ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مُرَكَّبٌ، فَضِيحَةٌ مَا عُرِفَ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلَا مِنْ جِهَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَكُلُّ مَنْ دُونَ ابْنِ الْمُبَارَكِ إلَى ابْنِ شَعْبَانَ مَجْهُولُونَ.

وَابْنُ شَعْبَانَ فِي الْمَالِكِيِّينَ نَظِيرُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ فِي الْحَنَفِيِّينَ، قَدْ تَأَمَّلْنَا حَدِيثَهُمَا فَوَجَدْنَا فِيهِ الْبَلَاءَ الْبَيِّنَ، وَالْكَذِبَ الْبَحْتَ، وَالْوَضْعَ اللَّائِحَ، وَعَظِيمَ الْفَضَائِحِ، فَإِمَّا تَغَيَّرَ ذِكْرُهُمَا، أَوْ اخْتَلَطَتْ كُتُبُهُمَا، وَإِمَّا تَعَمَّدَا الرِّوَايَةَ عَنْ كُلِّ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ كَذَّابٍ، وَمُغَفَّلٍ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ - وَهُوَ ثَالِثَةُ الْأَثَافِي: أَنْ يَكُونَ الْبَلَاءُ مِنْ قِبَلِهِمَا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَالصِّدْقَ، وَصَوَابَ الِاخْتِيَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: رَوَى هَاشِمُ بْنُ نَاصِحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِ» . هَاشِمٌ، وَعُمَرُ: مَجْهُولَانِ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ عَائِشَةَ، وَحَدِيثٌ لَا نَدْرِي لَهُ طَرِيقًا، إنَّمَا ذَكَرُوهُ هَكَذَا مُطْلَقًا، «أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَهَى عَنْ صَوْتَيْنِ مَلْعُونَيْنِ: صَوْتِ نَائِحَةٍ، وَصَوْتِ مُغَنِّيَةٍ» وَهَذَا لَا شَيْءَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّحِ بْنِ يَزِيدَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] الْآيَةَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَطُّ عَقِيرَةَ صَوْتِهِ بِغِنَاءٍ إلَّا ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَظَهْرِهِ حَتَّى يَسْكُتَ» . إسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ، وَمُطَرِّحٌ مَجْهُولٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زُحَرَ ضَعِيفٌ، وَالْقَاسِمُ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ دِمَشْقِيٌّ مُطَّرَحٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ

عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا بَيْعُهُنَّ، وَلَا اتِّخَاذُهُنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ عَقِيرَتَهُ بِالْغِنَاءِ إلَّا ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا صَدْرَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى يَسْكُتَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا: أَنَا ابْنُ مَعْبَدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ تَعْلِيمَ الْمُغَنِّيَاتِ وَشِرَاءَهُنَّ، وَبَيْعَهُنَّ، وَأَكْلَ أَثْمَانِهِنَّ» . أَمَّا الْأَوَّلُ: فَعَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْقَاسِمِ أَيْضًا، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي إبِلٌ، أَفَأَحْدُو فِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَأُغَنِّي فِيهَا؟ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُغَنِّيَ أُذُنَاهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ يُرْغِمُهُ حَتَّى يَسْكُتَ» . هَذَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو دَاوُد - هُوَ سُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ بَصْرِيٌّ - أَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُمْسَخُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، وَيَحُجُّونَ قَالُوا: فَمَا بَالُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: اتَّخَذُوا الْمَعَازِفَ وَالْقَيْنَاتِ، وَالدُّفُوفَ، وَيَشْرَبُونَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ، فَبَاتُوا عَلَى لَهْوِهِمْ، وَشَرَابِهِمْ، فَأَصْبَحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ» . هَذَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَلَمْ يُدْرَ مَنْ هُوَ؟

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَيْضًا: أَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ أَنَا فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَبِيتُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، يَكُونُ فِيهَا خَسْفٌ، وَقَذْفٌ، وَيُبْعَثُ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَائِهِمْ رِيحٌ فَتَنْسِفُهُمْ، كَمَا نَسَفَتْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِاسْتِحْلَالِهِمْ الْحَرَامَ، وَلُبْسِهِمْ الْحَرِيرَ، وَضَرْبِهِمْ الدُّفُوفَ، وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقِيَانَ» . وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ ضَعِيفٌ، نَعَمْ: وَسُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ، وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو: لَا أَعْرِفُهُمْ - فَسَقَطَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ بِيَقِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْوِ الْمَعَازِفِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالْأَوْثَانِ، وَالصُّلُبِ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ، وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَلَا تَعْلِيمُهُنَّ، وَلَا التِّجَارَةُ بِهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ» نَعْنِي الضَّوَارِبَ - الْقَاسِمُ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: أَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ الْأَشْعَرِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ - وَوَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ» . وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَصَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ - وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَبَدًا، وَكُلُّ مَا فِيهِ فَمَوْضُوعٌ، وَوَاللَّهِ لَوْ أُسْنِدَ جَمِيعُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُ فَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الْأَخْذِ بِهِ.

وَلَوْ كَانَ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ حَقًّا مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ لَوَجَبَ أَنْ يُحَدَّ مَنْ وَطِئَهُنَّ بِالشِّرَاءِ، وَأَنْ لَا يَلْحَقَ بِهِ وَلَدُهُ مِنْهَا. ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ مِلْكِهِنَّ، وَقَدْ تَكُونُ أَشْيَاءُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَيَحِلُّ مِلْكُهَا وَتَمْلِيكُهَا كَالْمَاءِ، وَالْهِرِّ، وَالْكَلْبِ -. هَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِمَّا أُضِيفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا عَمَّنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] الْآيَةَ، فَقَالَ: الْغِنَاءُ، وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: الْغِنَاءُ، وَشِرَاءُ الْمُغَنِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: الْغِنَاءُ، وَنَحْوُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْكُوفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الدُّفُّ حَرَامٌ، وَالْمَعَازِفُ حَرَامٌ: وَالْمِزْمَارُ حَرَامٌ، وَالْكُوبَةُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو وَكِيعٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَأْخُذُونَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ يَخْرِقُونَ الدُّفُوفَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] قَالَ: الْغِنَاءُ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ يُبْطِلُ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلَا خِلَافٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ - تَعَالَى - هُزُوًا. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَمَا ذَمَّ قَطُّ - عَزَّ وَجَلَّ - مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لَا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا عَنْ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ - تَعَالَى -، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالًا بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ. وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا: مِنْ الْحَقِّ الْغِنَاءُ أَمْ مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ فَقَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَمَنْ نَوَى بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ فَاسِقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً، فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الْإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لَازَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ بُطْلَانًا مُتَيَقَّنًا - وَلِلَّهِ - تَعَالَى - الْحَمْدُ؛ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ

عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالْمَيْسِرِ - يَعْنِي النَّرْدَ وَالشِّطْرَنْجَ - ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي مِثْلَ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْقَيْحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يُصَلِّي، أَفَنَقُولُ: يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاتَهُ» ؟ . هَذَا مُرْسَلٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ ضَعِيفٌ. وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ الْأَخْذُ بِهِ فَيَنْقُضُونَ الْوُضُوءَ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ، فَإِنْ تَرَكُوهُ تَنَاقَضُوا وَتَلَاعَبُوا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبَّةَ بْنِ سَلَمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الشِّطْرَنْجُ مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِهَا، وَالنَّاظِرُ إلَيْهَا كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ» . ابْنُ حَبِيبٍ لَا شَيْءَ، وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ، وَحَبَّةُ بْنُ سَلَمٍ مَجْهُولٌ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْجُذَامِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَاحِبُ الشَّاهِ الَّذِي يَقُولُ: قَتَلْتُهُ، وَاَللَّهِ أَهْلَكْتُهُ، وَاَللَّهِ اسْتَأْصَلْتُهُ، وَاَللَّهِ إفْكًا وَزُورًا وَكَذِبًا عَلَى اللَّهِ» . عَبْدُ الْمَلِكِ لَا شَيْءَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أَعْبُدَ وَثَنًا مِنْ دُونِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْعَبَ بِالشِّطْرَنْجِ - هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبٌ إنَّ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ - تَعَالَى - يَعْدِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الذُّنُوبِ، فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ أَخَفَّ مِنْهَا؟ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لَا شَيْءَ - وَأَبُو قَبِيلٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ بِالْعَدَالَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، وَأَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ رِجَالِهِمَا: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِرِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِشِطْرَنْجٍ فَقَالَ {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]

لَأَنْ يُمْسِكَ أَحَدُكُمْ جَمْرَةً حَتَّى تُطْفَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا، لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَضَرَبْت بِهَا وُجُوهَكُمْ - ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَحُبِسُوا. هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ - مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ أَهُوَ مِنْ الْحَقِّ أَمْ مِنْ الْبَاطِلِ؟ كَجَوَابِنَا فِي الْغِنَاءِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفْصِيلٌ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا صَحَّ أَنَّهُ كُلُّهُ حَلَالٌ مُطْلَقٌ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو - هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَا ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَجًّى بِثَوْبِهِ - فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجْهَهُ وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» . وَبِهِ أَيْضًا إلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ - حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ لِي: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُمَا» . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ فِيهِ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا قَدْ قَالَتْ: إنَّهُمَا كَانَتَا تُغَنِّيَانِ، فَالْغِنَاءُ مِنْهُمَا قَدْ صَحَّ، وَقَوْلُهَا " لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ " أَيْ لَيْسَتَا بِمُحْسِنَتَيْنِ. وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَوْلَهُ: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَصَحَّ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ، لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ بِلَا شَكٍّ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُدَانِيُّ أَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَنَأَى عَنْ الطَّرِيقِ وَقَالَ لِي: يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا؟ قُلْتُ: لَا، فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَقَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا وَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ هِيَ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ، وَلَوْ كَانَ الْمِزْمَارُ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ سَمَاعَهُ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ لِنَافِعٍ سَمَاعَهُ، وَلَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَسْرِهِ وَبِالسُّكُوتِ عَنْهُ، فَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا تَجَنَّبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمَاعَهُ كَتَجَنُّبِهِ أَكْثَرَ الْمُبَاحِ مِنْ أَكْثَرِ أُمُورِ الدُّنْيَا، كَتَجَنُّبِهِ الْأَكْلَ مُتَّكِئًا، وَأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ، وَأَنْ يُعَلِّقَ السُّتُرَ عَلَى سَهْوَةٍ فِي الْبَيْتِ وَالسُّتُرُ الْمُوَشَّى فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى وَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ عَنْ النَّظَرِ» وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ رَأَى أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ، وَقَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ، وَثَابِتَ بْنَ يَزِيدَ - وَهُمْ فِي عُرْسٍ وَعِنْدَهُمْ غِنَاءٌ - فَقُلْت لَهُمْ: هَذَا وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: «إنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ، وَالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ» - لَيْسَ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْغِنَاءِ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَسَلَمَةُ - هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ - دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ، كُلِّهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِجِوَارٍ فَأَتَى إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَعَرَضَهُنَّ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ جَارِيَةً مِنْهُنَّ فَأَحْدَتْ، قَالَ أَيُّوبُ: بِالدُّفِّ، وَقَالَ هِشَامٌ: بِالْعُودِ، حَتَّى ظَنَّ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:

مسألة البيع في المسجد

حَسْبُك - سَائِرَ الْيَوْمِ - مِنْ مَزْمُورِ الشَّيْطَانِ، فَسَاوَمَهُ، ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي غُبِنْتُ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَتَى ابْنُ عُمَرَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ غُبِنَ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَمَّا أَنْ تُعْطِيَهَا إيَّاهُ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ، فَقَالَ: بَلْ نُعْطِيهَا إيَّاهُ. فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ سَمِعَ الْغِنَاءَ وَسَعَى فِي بَيْعِ الْمُغَنِّيَةِ، وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ لَا تِلْكَ الْمُلَفَّقَاتُ الْمَوْضُوعَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] فَلَمْ يُنْكِرْ إلَّا التَّمَاثِيلَ فَقَطْ - وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ لَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمَكْذُوبَةُ الَّتِي رَوَاهَا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَى: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» ؟ قُلْنَا: هَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ - وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ، وَالسَّبِيعِيُّ مَجْهُولٌ، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. فَإِنْ قِيلَ: الدُّفُّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: هَذَا الْبَاطِلُ -: وَرُوِّينَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ الْجَوَارِي فِي الْمَدِينَةِ مَعَهُنَّ الدُّفُوفُ فَيُشَقِّقُونَهَا. وَقَدْ جَاءَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُمَا كَانَا يُحْسِنَانِ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ يُغَنِّي بِالْعُودِ -، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ] 1567 - مَسْأَلَةٌ: وَالْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ جَائِزٌ لَا يُرَدُّ، وَالْبَيْعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ جَائِزٌ. وَابْتِيَاعُ الْمَرْءِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ جَائِزٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَقَدْ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ لَا تَصِحُّ -:

مسألة في الاحتكار

رَوَى الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ - وَكُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ - عَنْ عَلِيٍّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ السَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ» . وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّحَلُّقِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ» - هَذِهِ صَحِيفَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعَ مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ فَأَرْبَحَ فِيهِ، فَبَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ عَلَى أَرَامِلِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَشْتَرِي بَعْدَهَا شَيْئًا إلَّا وَعِنْدِي ثَمَنُهُ» - سِمَاكٌ، وَشَرِيكٌ ضَعِيفَانِ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَنْشُدُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ يَبِيعُ فَقُولُوا لَهُ: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ» لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَلَكِنَّهَا كَرَاهِيَةٌ. [مَسْأَلَة فِي الِاحْتِكَار] 1568 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحُكْرَةُ الْمُضِرَّةُ بِالنَّاسِ حَرَامٌ - سَوَاءٌ فِي الِابْتِيَاعِ أَوْ فِي إمْسَاكِ مَا ابْتَاعَ - وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُحْتَكِرُ فِي وَقْتِ رَخَاءٍ لَيْسَ آثِمًا، بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ؛ لِأَنَّ الْجُلَّابَ إذَا أَسْرَعُوا الْبَيْعَ أَكْثَرُوا الْجَلْبَ، وَإِذَا بَارَتْ سِلْعَتُهُمْ وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا مُبْتَاعًا تَرَكُوا الْجَلْبَ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تُصَحِّحُونَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ

مسألة التجارة إلى أرض الحرب

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» ؟ . قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْبِسُ، نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَرِهِ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ» . فَهَذَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ احْتَبَسَ قُوتَ أَهْلِهِ سَنَةً، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَكْثَرَ. فَصَحَّ أَنَّ إمْسَاكَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مُبَاحٌ، وَالشِّرَاءُ مُبَاحٌ، وَالْمَذْكُورُ بِالذَّمِّ هُوَ غَيْرُ الْمُبَاحِ بِلَا شَكٍّ، فَهَذَا الِاحْتِكَارُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَكُلُّ احْتِكَارٍ فَإِنَّهُ إمْسَاكٌ، وَالِاحْتِكَارُ مَذْمُومٌ، وَلَيْسَ كُلُّ إمْسَاكٍ مَذْمُومًا، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ بِالْمَنْعِ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ الْمَذْمُومُ حِينَئِذٍ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» . وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَصْبَغَ بْنَ زَيْدٍ، وَكَثِيرَ بْنَ مُرَّةَ مَجْهُولَانِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَكَمِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَحْرَقَ طَعَامًا اُحْتُكِرَ بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ حُبَيْشٌ أَحْرَقَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيَادِرَ بِالسَّوَادِ كُنْت احْتَكَرْتهَا، لَوْ تَرَكَهَا لَرَبِحْت فِيهَا مِثْلَ عَطَاءِ الْكُوفَةِ - الْبَيَادِرُ أَنَادِرُ الطَّعَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَأْخُذَ بِهِ. [مَسْأَلَة التِّجَارَة إلَى أَرْض الْحَرْب] 1569 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ التُّجَّارُ الْمُسْلِمُونَ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ أُذِلُّوا بِهَا

مسألة اشترى سلعة على السلامة من العيوب فوجدها معيبة

وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ، فَالتِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ حَرَامٌ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَنَكْرَهُهَا فَقَطْ، وَالْبَيْعُ مِنْهُمْ جَائِزٌ إلَّا مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَصْلًا، قَالَ - تَعَالَى -: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] فَالدُّخُولُ إلَيْهِمْ بِحَيْثُ تَجْرِي عَلَى الدَّاخِلِ أَحْكَامُهُمْ وَهَنٌ وَانْسِفَالٌ وَدُعَاءٌ إلَى السَّلْمِ - وَهَذَا كُلُّهُ مُحَرَّمٌ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَتَقْوِيَتُهُمْ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ، وَيُنَكَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيُبَالَغُ فِي طُولِ حَبْسِهِ. [مَسْأَلَة اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً] 1570 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً فَهِيَ صَفْقَةٌ مَفْسُوخَةٌ كُلُّهَا، لَا خِيَارَ لَهُ فِي إمْسَاكِهَا إلَّا بِأَنْ يُجَدِّدَا فِيهَا بَيْعًا آخَرَ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ السَّالِمِ، وَهُوَ إنَّمَا اشْتَرَى سَالِمًا فَأُعْطِيَ مَعِيبًا، فَاَلَّذِي أُعْطِيَ غَيْرُ الَّذِي اشْتَرَى فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ يَشْتَرِ؛ لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، وَقَالَ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أشترى سِلْعَة وَلَمْ يَشْتَرِط السلامة مِنْ الْعُيُوب فوجدها مُعَيَّبَة] 1571 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّلَامَةَ، وَلَا بُيِّنَ لَهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَ عَيْبًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْسَاكٍ أَوْ رَدٍّ، فَإِنْ أَمْسَكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِعَيْنِ مَا اشْتَرَى فَلَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ رِضَاهُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ خَدِيعَةً وَغِشًّا وَغَبْنًا - وَالْغِشُّ، وَالْخَدِيعَةُ: حَرَامَانِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مَا اشْتَرَى، وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ تَرْكُ الرِّضَا بِمَا غُبِنَ فِيهِ فَقَطْ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ حَقًّا فِي مَالِ الْبَائِعِ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، بَلْ مَالُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْمُعَامِلِ لَهُ لَمْ تَطِبْ لَهُ بِبَعْضِ مَا بَاعَ مِنْهُ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا يَحِلُّ مَالُ أَحَدٍ إلَّا بِتَرَاضٍ، أَوْ بِنَصٍّ يُوجِبُ إحْلَالَهُ لِغَيْرِهِ - وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعِيبُ وَجْهَ الصَّفْقَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة أشترى مصراة يظنها لبونا فتبين غير ذلك

[مَسْأَلَة أشترى مصراة يَظُنّهَا لبونا فتبين غَيْر ذَلِكَ] مَسْأَلَةٌ: هَذَا حُكْمُ كُلِّ مَعِيبٍ حَاشَا الْمُصَرَّاةَ فَقَطْ، فَإِنَّ حُكْمَهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً وَهِيَ مَا كَانَ يُحْلَبُ مِنْ إنَاثِ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ يَظُنُّهَا لَبُونًا فَوَجَدَهَا قَدْ رُبِطَ ضَرْعُهَا حَتَّى اجْتَمَعَ اللَّبَنُ، فَلَمَّا حَلَبَهَا افْتَضَحَ لَهُ الْأَمْرُ: فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَا بُدَّ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ لَا يَرُدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا صَاعًا وَاحِدًا مِنْ تَمْرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَاهَا بِكَثِيرٍ أَوْ بِقَلِيلٍ، وَلَوْ بِعُشْرِ صَاعِ تَمْرٍ. فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِهَا يَوْمَ اشْتَرَاهَا حَاضِرًا رَدَّهُ كَمَا هُوَ حَلِيبًا أَوْ حَامِضًا - فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ مَعَهَا لَبَنًا مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَخَضَهُ أَوْ عَقَدَهُ رَدَّهُ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ قِيمَتِهِ لَبَنًا رَدَّ مَا بَيْنَ النَّقْصِ وَالتَّمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَبَنُ الْبَائِعِ -، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا حَدَثَ مِنْ اللَّبَنِ فِي كَوْنِهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مَالِهِ فَهُوَ لَهُ. فَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ آخَرَ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ التَّمْرِ وَلَا شَيْءٍ غَيْرِ اللَّبَنِ الَّذِي كَانَ فِي ضَرْعِهَا إذَا اشْتَرَاهَا، فَإِنْ انْقَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ، وَلَمْ يَرُدَّهَا بَعْدُ لَزِمَتْهُ، وَبَطَلَ خِيَارُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ آخَرَ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُصَرَّاةً؛ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ هِيَ الْجَمْعُ وَهَذِهِ جُمِعَ لَبَنُهَا - وَهِيَ أَيْضًا الْمُحَفَّلَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُفِّلَ لَبَنُهَا فِي ضَرْعِهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً أَوْ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ» السَّمْرَاءُ: الْبُرُّ فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ يَقْتَضِي كُلَّ مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى سَائِرِ الْأَخْبَارِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ نا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنِي زِيَادٌ قَالَ: إنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، وَثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، كَمَا أَوْرَدْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَمُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَالْأَعْرَجِ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَدَاوُد بْنُ قَيْسٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، وَمَعْمَرٌ، وَأَيُّوبُ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْ ثَابِتٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ - وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ الثِّقَاتِ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَصَارَ نَقْلَ كَافَّةٍ وَتَوَاتُرٍ لَا يَرُدُّهُ إلَّا مَحْرُومٌ غَيْرُ مُوَفَّقٍ - وَبِهَذَا يَأْخُذُ السَّلَفُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: نا أَبُو عُثْمَانَ - هُوَ النَّهْدِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ " وَهَذَا إسْنَادٌ كَاللُّؤْلُؤِ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ فُتْيَاهُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَصْحَابِهِ، إلَّا أَشْهَبَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمَا، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي لَيْلَى - وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: يَرُدُّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعَدٍّ لِحُدُودِهِ، وَالزَّائِدُ فِي الشَّيْءِ كَالنَّاقِصِ مِنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَرُدُّهَا وَقِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ - وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُؤَدِّي أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ صَاعًا مِنْ أَغْلَبِ عَيْشِهِمْ - وَهَذَا خِلَافٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ كَانَ اللَّبَنُ حَاضِرًا لَمْ يَتَغَيَّرْ رَدَّهَا وَرَدَّ اللَّبَنَ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ وَلَا شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَكَلَ اللَّبَنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا، لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ - وَهَذَا خِلَافٌ ظَاهِرٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ قَدْ أَكَلَ اللَّبَنَ رَدَّهَا وَقِيمَةَ مَا أَكَلَ مِنْ اللَّبَنِ. وَيَكْفِي مِنْ فَسَادِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُمَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ، وَأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاعْتَرَضُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ تَعَلَّلُوا فِي الْخَبَرِ بِعِلَلٍ، فَمَرَّةً قَالُوا: هُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ، بَلْ هُوَ أَصْلٌ مِنْ كِبَارِ الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ لِلْأُصُولِ قَوْلُكُمْ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً. وَقَوْلُكُمْ بِأَنَّ الْقَلْسَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَصْلًا إلَّا إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ. وَقَوْلُكُمْ فِي جُعْلِ الْآبِقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا إذَا كَانَ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ. وَقَوْلُكُمْ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبُعُ ثَمَنِهَا، وَالْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ، وَسَائِرِ تِلْكَ الطَّوَامِّ الَّتِي هِيَ بِالْمَضَاحِكِ، وَبِمَا يَأْتِي بِهِ الْمُبَرْسَمُ: أَشْبَهُ مِنْهَا بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ. وَمَرَّةً قَالُوا: لَمَّا لَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتْرُوكٌ؟ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ؛ وَهَلَّا عَارَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ، إذْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ وَالْمُعْتَقِ بِصِفَةٍ، وَإِذْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْخُبْزِ فِي الْأَكْلِ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ، وَإِذْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الْجَنِينِ يُلْقَى فَيَكُونُ فِيهِ غُرَّةٌ. وَمَرَّةً قَالُوا: هُوَ مَنْسُوخٌ بِالتَّحْرِيمِ فِي الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ طَعَامٌ مِنْ التَّمْرِ بِطَعَامٍ مِنْ اللَّبَنِ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا هُوَ لَبَنٌ بِطَعَامٍ وَلَا بِتَمْرٍ، إنَّمَا هُوَ تَمْرٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُبْتَاعِ - إنْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُصَرَّاةَ - كَمَا أَوْجَبَ الصَّدَاقَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ مُسْتَحِلَّةٌ بِذَلِكَ

النِّكَاحِ فَرْجَهُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهَا، كَمَا هُوَ مُسْتَحِلٌّ بِهِ فَرْجَهَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا وَلَا فَرْقَ. وَكَمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا نَدَبَ لَهَا. وَمَرَّةً قَالُوا: أَرَأَيْتُمْ إنْ كَانَ إنَّمَا بَاعَهَا مِنْهُ بِمُدِّ تَمْرٍ أَلَيْسَ تَرْجِعُ عَلَيْهِ وَصَاعُ تَمْرٍ، أَوْ أَرَأَيْتُمْ إنْ كَانَ لَبَنُهَا كَثِيرًا جِدًّا أَوْ قَلِيلًا جِدًّا، أَلَيْسَ صَاعُ التَّمْرِ عِوَضًا مَرَّةً عَنْ نِصْفِ صَاعِ اللَّبَنِ، وَمَرَّةً عَنْ صِيعَانٍ كَثِيرَةٍ مِنْ اللَّبَنِ؟ قُلْنَا: لَا، مَا هُوَ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ، وَأَمَّا فِي ابْتِيَاعِهِ إيَّاهَا بِمُدِّ تَمْرٍ فَنَقُولُ: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَهَلَّا عَارَضْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ إذْ قُلْتُمْ: يَغْرَمُ سَيِّدُ الْآبِقِ لِمَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا - وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ لَا يُسَاوِي إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا - وَلَا يُؤَدِّي قَاتِلُ الْأَمَةِ خَطَأً إلَّا خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ غَيْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ - وَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَاوِي مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ؟ فَهَهُنَا فِي هَذِهِ الْحَمَاقَاتِ هُوَ الِاعْتِرَاضُ، لَا عَلَى الْمُتَيَقَّنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَرَّةً قَالُوا: كَانَ هَذَا الْحُكْمُ إذْ كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ فِي الْأَمْوَالِ كَحَرْقِ رَحْلِ الْغَالِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ كَمَا كَذَبَ الشَّيْطَانُ، وَقُلْتُمْ مَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَتِلْكَ الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ مُنْقَسِمَةٌ إلَى ثَلَاثِ أَقْسَامٍ -: إمَّا خَبَرٌ بَاطِلٌ، كَحَدِيثِ أَخْذِ نِصْفِ مَالِ مَانِعِ الزَّكَاةِ، وَحَدِيثِ حَرْقِ رَحْلِ الْغَالِّ، وَحَدِيثِ وَاطِئِ أَمَةِ امْرَأَتِهِ. وَإِمَّا خَبَرٌ ثَابِتٌ، - فَحُكْمُهُ بَاقٍ كَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاطِئِ عَامِدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَالدِّيَةِ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ إذَا رَضِيَهَا أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَإِمَّا قِسْمٌ ثَبَتَ بِنَصٍّ آخَرَ نَسْخُهُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَمَا نَذْكُرُهُ فِي وَقْتِنَا هَذَا إلَّا أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ لَصَدَقَ - وَأَمَّا كُلُّ مَنْ ادَّعَى فِي خَبَرٍ ثَابِتٍ نَسْخًا فَهُوَ كَاذِبٌ آفِكٌ آثِمٌ قَائِلٌ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَمُخْبِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، قَائِلٌ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ.

وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَحَالَهُ؟ فَجَوَابُهُ: كَذَبْتَ كَذَبْتَ كَذَبْتَ، وَقُلْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَاطِلَ، وَقَوَّلْتَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ وَحَكَمْت بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَرَدَدْت الْيَقِينَ بِالظُّنُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا حَدِيثٌ مُضْطَرَبٌ فِيهِ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ لَبَنٍ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد نا أَبُو كَامِلٍ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ نا صَدَقَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ: «فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» . وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، لَا سَمْرَاءَ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا - وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا - وَرَوَاهُ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» . رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق الْبَزَّارِ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ الْأَشْعَثِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ رَدَّهَا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ نا أَبُو عَامِرٍ - هُوَ الْعَقَدِيُّ - نا قُرَّةُ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَابْنِ سِيرِينَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّهَا وَإِنَاءً مِنْ طَعَامٍ» . قَالُوا: فَهَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ؟ قُلْنَا: كَلًّا، أَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَفِيهِ: فُلَيْحِ - وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. وَأَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - هُوَ الْعَدَوِيُّ - ضَعِيفٌ مَجْهُولٌ. وَيَعْقُوبُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ - مَجْهُولٌ - فَسَقَطَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَفِيهِ صَدَقَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَجُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ - فَسَقَطَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَوْفٍ «إنَاءً مِنْ طَعَامٍ» فَمُجْمَلٌ، فَسَّرَتْهُ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْإِنَاءَ صَاعٌ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْحَجَّاجِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّنَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ الْحَجَّاجِ بِإِسْنَادِهِ، فَشَكَّ فِيهِ الْحَجَّاجُ، أَهْوَ بُرٌّ أَمْ لَا. وَرُوِّينَاهَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ فَقَالَ: صَاعُ تَمْرٍ، وَلَا يَشُكُّ. وَحَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ قَتَادَةَ ضَعِيفٌ. فَلَمْ يَبْقَ إلَّا حَدِيثُ أَشْعَثَ وَقُرَّةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُمَا صَحِيحَانِ لَا عِلَّةَ فِيهِمَا، أَحَدُهُمَا «صَاعَ تَمْرٍ، لَا سَمْرَاءَ» وَالْآخَرُ «صَاعَ طَعَامٍ، لَا سَمْرَاءَ» وَالطَّعَامُ قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّهُ الْبُرُّ نَفْسُهُ فَقَطْ إذَا أُطْلِقَ هَكَذَا. فَقَالَ قَوْمٌ: إنَّ ابْنَ سِيرِينَ هُوَ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ تَرْكُ مَا اضْطَرَبَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَالرُّجُوعُ إلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سِوَاهُ فَلَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِدْ هَذَا الْحُكْمَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا

مسألة فات المعيب بموت أو بيع أو عتق أو إيلاد أو تلف

مَعْقُولٌ، لَكِنَّا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ: إنَّ كِلَا اللَّفْظَيْنِ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَطْعِ بِالْوَهْمِ وَالْخَطَأِ عَلَى رِوَايَةِ ثِقَةٍ إلَّا بِيَقِينٍ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ. وَلَا تَخْلُو " السَّمْرَاءُ " مِنْ أَنْ تَكُونَ لَفْظَةً وَاقِعَةً عَلَى بَعْضِ أَصْنَافِ الْبُرِّ، أَوْ تَكُونَ اسْمًا وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ الْبُرِّ، فَإِنْ كَانَتْ وَاقِعَةً عَلَى جَمِيعِ الْبُرِّ، فَحَدِيثُ هَؤُلَاءِ وَهْمٌ بِلَا شَكٍّ، وَخَطَأٌ بِلَا مَحَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ بُرٍّ وَلَا مِنْ بُرٍّ. وَإِنْ كَانَتْ لَفْظَةُ " السَّمْرَاءِ " وَاقِعَةً عَلَى بَعْضِ أَصْنَافِ الْبُرِّ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُجْزِيَ فِي الْمُصَرَّاةِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ كُلِّهَا إلَّا صَاعُ تَمْرٍ فَقَطْ، إلَّا الشَّاةَ وَحْدَهَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ صَاعًا مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ الْبُرِّ أَعْطَى، حَاشَا " السَّمْرَاءَ " لَا يُجْزِي غَيْرُ التَّمْرِ، وَغَيْرُ " الْبُرِّ " فِي الشَّاةِ إنْ كَانَ كَمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّمْرُ فَقِيمَتُهُ لَوْ وُجِدَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، أَوْ تَكْلِيفُ الْمَجِيءِ بِالتَّمْرِ وَلَا بُدَّ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِرَدِّ اللَّبَنِ أَوْ تَضْمِينِهِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْخَبَرِ؟ قُلْنَا: وَلَا فِي الْخَبَرِ أَنْ لَا يَرُدَّهُ، إلَّا أَنَّ اللَّبَنَ مُشْتَرًى مَعَ الشَّاةِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَالْوَاجِبُ إمْسَاكُ الصَّفْقَةِ أَوْ رَدُّهَا كَمَا قَدَّمْنَا بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا، لَا يَتْرُكُ بَعْضُهَا الْبَعْضَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَالْحَلْبَةُ هِيَ الْفِعْلُ، وَقَدْ تَكُونُ أَيْضًا اللَّبَنَ الْمُحْتَلَبَ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ مَجَازًا، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ اللَّفْظَةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِنَصٍّ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فَاتَ الْمَعِيبُ بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إيلَادٍ أَوْ تَلَفٍ] 1573 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ فَاتَ الْمَعِيبُ بِمَوْتٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ إيلَادٍ أَوْ تَلَفٍ، فَلِلْمُشْتَرِي، أَوْ الْبَائِعِ: الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْهَنْ وَأَخَذَ الْعَيْبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْغَبْنِ فَمَالُهُ حَرَامٌ عَلَى آخِذِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى رَدِّ الصَّفْقَةِ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ بِمَا لَمْ يَرْضَ بِبَدَلِهِ مِنْ مَالِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ غُبِنَ فِي بَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْغَبْنِ وَلَا بُدَّ. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى زَرِيعَةً فَزَرَعَهَا فَلَمْ تَنْبُتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا كَمَا هِيَ

مسألة الرد بخروج المعيب

رَدِيئَةٌ وَبَيْنَ قِيمَتِهَا نَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَلِفَتْ عَيْنُهَا، فَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْغَبْنِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا نَابِتَةٌ فَالصَّفْقَةُ فَاسِدَةٌ، وَيَرُدُّ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا - إنْ لَمْ تُوجَدْ - وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الرَّدِّ بِخُرُوجِ الْمَعِيبِ] 1574 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ بِخُرُوجِ الْمَعِيبِ عَنْ مِلْكِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَلَمْ يَجِبْ لَهُ إلَّا قِيمَةُ الْغَبْنِ فَقَطْ، وَمَا سَقَطَ حُكْمُهُ بِبُرْهَانٍ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِنَصٍّ يُوجِبُ رُجُوعَهُ -، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَاتَ الَّذِي لَهُ رَدُّ المعيب قَبْلَ أَنْ يَلْفِظَ بِالرَّدِّ] 1575 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الرَّدُّ قَبْلَ أَنْ يَلْفِظَ بِالرَّدِّ، وَبِأَنَّهُ لَا يَرْضَى: فَقَدْ لَزِمَتْ الصَّفْقَةُ وَرَثَتَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يُورَثُ، إذْ لَيْسَ مَالًا؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَقْدِ، فَهُوَ عَلَى الرِّضَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] [مَسْأَلَة مَاتَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ المعيب] 1576 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَانَ لِوَاجِدِ الْعَيْبِ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ الرِّضَا أَوْ الرَّدَّ، فَلَا يُبْطِلُهُ مَوْتُ الْغَابِنِ، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْعَيْبُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ] 1577 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَيْبُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ: هُوَ مَا حَطَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أَوْ بَاعَ بِهِ مَالًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْغَبْنُ، لَا غَبْنَ غَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الشَّيْءَ بِثَمَنٍ هُوَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا، أَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ هُوَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا - وَهُوَ لَا يَدْرِي الْعَيْبَ - ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ فَلَا رَدَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْبًا. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَهُ الرَّدُّ - وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لِلْبَائِعِ، وَعِنَايَةٌ وَمُحَابَاةٌ لِلْمُشْتَرِي بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ. [مَسْأَلَة اشْتَرَى بِثَمَنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ غلى] 1578 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ حِينَ اشْتَرَاهُ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ غَلَا حَتَّى صَارَ لَا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ شَيْئًا، أَوْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِهِ، فَلَهُ الرَّدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْعَقْدِ وَقَعَ عَلَيْهِ غَبْنٌ

مسألة باع بدراهم إلى أجل فلما قبض الثمن وجد عيبا أو استحق ما أخذ

فَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِالْغَبْنِ - إذَا عَلِمَهُ - وَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَا لَهُ مِنْ الْخِيَارِ لِمَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَاعَ بِدَرَاهِم إلَى أَجَل فلما قبض الثَّمَن وجد عَيْبًا أَوْ اسْتَحَقَّ مَا أَخَذَ] 1579 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ إلَى أَجَلٍ، أَوْ سَلَمٍ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ - فَلَمَّا قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ مَا سَلَّمَ فِيهِ: وَجَدَ عَيْبًا أَوْ اسْتَحَقَّ مَا أَخَذَ أَوْ بَعْضَهُ: فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الِاسْتِبْدَالُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ - عَيْنٌ مُعَيَّنَةٌ، إنَّمَا لَهُ صِفَةٌ، فَاَلَّذِي أُعْطِيَ هُوَ غَيْرُ حَقِّهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا لَيْسَ لَهُ، وَأَنْ يَطْلُبَ مَا لَهُ -، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وَكَّلَ وَكِيلًا لِيَبْتَاعَ لَهُ شَيْئًا سَمَّاهُ فَابْتَاعَهُ لَهُ بِغَبْنٍ] 1580 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا لِيَبْتَاعَ لَهُ شَيْئًا سَمَّاهُ، فَابْتَاعَهُ لَهُ بِغَبْنٍ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، أَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا عَيْبًا يَحُطُّ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ: فَلَهُ مِنْ الرَّدِّ، أَوْ الْإِمْسَاكِ، أَوْ الِاسْتِبْدَالِ، أَوْ مِنْ فَسْخِ الصَّفْقَةِ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ سَوَاءً سَوَاءً؛ لِأَنَّ يَدَ وَكِيلِهِ هِيَ يَدُهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ الْعَيْب حدث قَبْل الْبَيْع أُمّ بَعْده] 1581 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ هَلْ الْعَيْبُ حَادِثٌ أَمْ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ؟ فَلَيْسَ عَلَى الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ: بِاَللَّهِ مَا بِعْته إيَّاهُ وَأَنَا أَدْرِي فِيهِ هَذَا الْعَيْبَ - وَيَبْرَأُ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ بِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ فَيُرَدُّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ بَيْعٌ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ، فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِالدَّعَاوَى وَلَا بِالظُّنُونِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اشْتَرَى مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ سِلْعَةً وَاحِدَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً فَوَجَدَ عَيْبًا] 1582 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ سِلْعَةً وَاحِدَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً فَوَجَدَ عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّ حِصَّةَ مَنْ شَاءَ وَيَتَمَسَّكَ بِحِصَّةِ مَنْ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ إنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكَ الْكُلَّ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ عَقْدٌ غَيْرُ عَقْدِ الْآخَرِ؛ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . [مَسْأَلَة اشْتَرَى اثْنَانِ فَصَاعِدًا سِلْعَةً مِنْ وَاحِدٍ فَوَجَدَا عَيْبًا] 1583 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ فَصَاعِدًا سِلْعَةً مِنْ وَاحِدٍ فَوَجَدَا عَيْبًا

مسألة اشترى سلعة فوجد بها عيبا وقد كان حدث عنده فيها عيب

فَأَيُّهُمَا شَاءَ أَنْ يَرُدَّ رَدَّ، وَأَيُّهُمَا شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ أَمْسَكَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ صَفْقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَفْقَةِ الْآخَرِ. فَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُحِقَّ الثَّمَنُ الَّذِي دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا، وَكَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ وَلَا يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ عَقْدُ الْآخَرِ فِي حِصَّتِهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اشْتَرَى سِلْعَة فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ كَانَ حَدَثَ عِنْدَهُ فِيهَا عَيْبٌ] 1584 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ كَانَ حَدَثَ عِنْدَهُ فِيهَا عَيْبٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ - تَعَالَى -، أَوْ مِنْ فِعْلِهِ، أَوْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ فَلَهُ الرَّدُّ، كَمَا قُلْنَا، أَوْ الْإِمْسَاكُ، وَلَا يَرُدُّ مِنْ أَجْلِ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ شَيْئًا، وَلَا مِنْ أَجْلِ مَا أَحْدَثَ هُوَ فِيهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَحَقِّهِ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَا ظَلَمَ فِيهِ أَحَدًا، وَالْغَبْنُ قَدْ تَقَدَّمَ، فَلَهُ مَا قَدْ وَجَبَ لَهُ مِنْ رَدِّ الْغَبْنِ الَّذِي ظُلِمَ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اشْتَرَى شَيْئًا فاستعمله ثُمَّ وجد بِهِ عَيْبًا] 1585 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً، أَوْ دَابَّةً، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ دَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَوَطِئَ الْجَارِيَةَ، أَوْ افْتَضَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ زَوَّجَهَا فَحَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ، وَأَنْضَى الدَّابَّةَ، وَسَكَنَ الدَّارَ، وَاسْتَعْمَلَ مَا اشْتَرَى وَاسْتَغَلَّهُ، وَطَالَ اسْتِعْمَالُهُ الْمَذْكُورُ أَوْ قَلَّ، ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا، فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ الْإِمْسَاكُ. وَلَا يَرُدُّ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَفِي مَتَاعِهِ بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] فَمَنْ لَمْ يَلُمْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَبَاحَ لَهُ فِعْلَهُ ذَلِكَ: فَهُوَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ مُحْسِنٌ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . وَإِغْرَامُ الْمَالِ سَبِيلٌ مُسَبَّلَةٌ عَلَى مَنْ كُلِّفَهَا، وَقَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْهُ ذَلِكَ - ثُمَّ هُوَ كَسَائِرِ وَاجِدِي الْغَبْنِ فِي أَنَّ لَهُ الرِّضَا، أَوْ الرَّدَّ، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اطَّلَعَ فِيمَا اشْتَرَى عَلَى عَيْبٍ يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ] 1586 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اطَّلَعَ فِيمَا اشْتَرَى عَلَى عَيْبٍ يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ سَاعَةَ يَجِدُ الْعَيْبَ، وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ ثُمَّ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ - طَالَ ذَلِكَ الْأَمَدُ أَمْ قَرُبَ. وَلَا يُسْقِطُ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ بِالْوَطْءِ، وَالِاسْتِخْدَامِ،

مسألة اشترى شيئا فوجد في عمقه عيبا كبيض

وَالرُّكُوبِ، وَاللِّبَاسِ، وَالسُّكْنَى، وَلَا مُعَانَاتِهِ إزَالَةَ الْعَيْبِ، وَلَا عَرْضِهِ إيَّاهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ، وَلَا تَعْرِيضِهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِلْبَيْعِ. وَلَا يُسْقِطُ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ إلَّا أَحَدُ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ لَا سَادِسَ لَهَا، وَهِيَ نُطْقُهُ بِالرِّضَا بِإِمْسَاكِهِ، أَوْ خُرُوجُهُ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ إيلَادُ الْأَمَةِ، أَوْ مَوْتُهُ، أَوْ ذَهَابُ عَيْنِ الشَّيْءِ أَوْ بَعْضِهَا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَغَيْرِهِ. وَمَنْ ادَّعَى سُقُوطَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ -. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: هُوَ أَنَّ الرَّدَّ قَدْ وَجَبَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْ مُخَالِفِينَا، وَبِمَا أَوْرَدْنَا مِنْ بَرَاهِينِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَإِيجَابِ النَّصِيحَةِ. فَهُوَ عَلَى مَا وَجَبَ لَهُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ إلَّا نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِمَا هَهُنَا -، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ رِضًا. وَأَمَّا سُقُوطُ الرَّدِّ بِالرِّضَا أَوْ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ أَوْ بَعْضِهِ عَنْ الْمِلْكِ أَوْ بِذَهَابِ بَعْضِ عَيْنِهِ أَوْ كُلِّهِ أَوْ بِمَوْتِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ فِي ذَهَابِ عَيْنِهِ أَوْ بَعْضِهَا مُمْتَنِعٌ مِنْهُ الرَّدُّ لِمَا اشْتَرَى، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَأَمَّا الْإِيلَادُ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ تَمْلِيكِ الْمَرْءِ أُمَّ وَلَدِهِ غَيْرَهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَ فِي عُمْقِهِ عَيْبًا كَبَيْضٍ] 1587 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَ فِي عُمْقِهِ عَيْبًا، كَبَيْضٍ، أَوْ قِثَّاءٍ، أَوْ قَرْعٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَلَهُ الرَّدُّ، أَوْ الْإِمْسَاكُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ أَوْ مِمَّا لَا يُمْكِنُ، إلَّا بِكَسْرِهِ أَوْ شَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَحِلُّ، إلَّا بِرِضَا الْمَغْبُونِ وَمَعْرِفَتِهِ بِقَدْرِ الْغَبْنِ، وَطِيبِ نَفْسِهِ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَالْبَائِعُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْصِدْ الْغِشَّ فَقَدْ حَصَلَ بِيَدِهِ مَالُ أَخِيهِ بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَلَا يُمْكِنُ وُجُودُ الرِّضَا إلَّا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِمَا يَرْضَى بِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. [مَسْأَلَة أطلع عَلَى عَيْب فرضيه] 1588 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً، فَبُيِّنَ لَهُ بِعَيْبِ الْإِبَاقِ أَوْ الصَّرْعِ،

مسألة اشترى شيئا على أن فيه كذا وكذا

فَرَضِيَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ - عَرَفَ مُدَّةَ الْإِبَاقِ، وَصِفَةَ الصَّرْعِ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ -؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْإِبَاقِ إبَاقٌ، وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الصَّرْعِ صَرْعٌ، وَقَدْ رَضِيَ بِجُمْلَةِ إطْلَاقِ ذَلِكَ. فَلَوْ قُلِّلَ لَهُ الْأَمْرُ فَوَجَدَ خِلَافَ مَا بُيِّنَ لَهُ بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا اشْتَرَى - وَلَوْ وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى مَا بُيِّنَ لَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ فِيهِ كَذَا وَكَذَا] 1589 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلًا عَلَى أَنَّ فِيهِ عَدَدًا مُسَمًّى مِنْ الثِّيَابِ، أَوْ كَذَا وَكَذَا رَطْلًا مِنْ سَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ، أَوْ كَذَا وَكَذَا تُفَّاحَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ، أَوْ كَذَا وَكَذَا مُدًّا مِمَّا يُكَالُ - أَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا قَفِيزًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ شَيْئًا عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، فَوَجَدَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ: فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ غَيْرَ مَا اشْتَرَى، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ لَا بِتِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ. وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ سَلِيمِ الْحِسِّ أَنَّ الْعِدْلَ الَّذِي فِيهِ خَمْسُونَ ثَوْبًا لَيْسَ هُوَ الْعِدْلَ الَّذِي فِيهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ثَوْبًا، وَلَا هُوَ أَيْضًا الْعِدْلَ الَّذِي فِيهِ وَاحِدٌ وَخَمْسُونَ ثَوْبًا، وَهَكَذَا أَيْضًا فِي سَائِرِ الْأَعْدَادِ، وَالْأَوْزَانِ، وَالْأَكْيَالِ، وَالذَّرْعِ. فَلَوْ لَمْ يَقَعْ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ الْمَعْهُودَ وَالْمَعْرُوفَ أَنَّ فِي تِلْكَ الْأَعْدَالِ عَدَدًا مَعْرُوفًا، وَكَذَلِكَ تِلْكَ الصُّبْرَةُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَذْرُوعَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ، أَوْ وَصَفَهُ الْبَائِعُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مَا وَجَدَ مِنْ النَّقْصِ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مَا وَجَدَ مِنْ الزِّيَادَةِ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْبَائِعُ زِيَادَةً لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا، فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدٍّ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ غَبْنٌ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَالْغَبْنُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِرِضَا الْمَغْبُونِ وَمَعْرِفَتِهِ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، لَا تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ،، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِالْحِيَاطَةِ وَالنَّظَرِ لَهُ مِنْ الْآخَرِ، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ مُتَحَكِّمٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - نَتَأَيَّدُ.

مسألة قال لمعامله هذه دراهمك وجدت فيها هذا الرديء فقال لا أدري

[مَسْأَلَة قَالَ لمعامله هَذِهِ دراهمك وجدت فِيهَا هَذَا الرَّدِيء فَقَالَ لَا أدري] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِمُعَامِلِهِ: هَذِهِ دَرَاهِمُك أَوْ دَنَانِيرُك وَجَدْت فِيهَا هَذَا الرَّدِيءَ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: هَذِهِ سِلْعَتُك وَجَدْت فِيهَا عَيْبًا؟ فَقَالَ الْآخَرُ، مَا أُمَيِّزُهَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهَا دَرَاهِمِي، أَوْ دَنَانِيرِي، أَوْ سِلْعَتِي أَمْ لَا فَإِنْ كَانَتْ لِلَّذِي يَذْكُرُ وُجُودَ الْعَيْبِ وَالرَّدِيءِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا تِلْكَ قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الَّذِي يَقُولُ: لَا أَدْرِي، الْيَمِينُ: بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، وَيَبْرَأُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ - وَالْمُدَّعِي هَهُنَا هُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الْآخَرِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ وَالثَّمَنُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ خُرُوجَ مَا بِيَدِهِ عَنْ يَدِهِ. [مَسْأَلَة رَدَّ بِعَيْبٍ وَقَدْ اغْتَلَّ الْوَلَدَ] 1591 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَدَّ بِعَيْبٍ وَقَدْ اغْتَلَّ الْوَلَدَ، وَاللَّبَنَ، وَالثَّمَرَةَ، وَالْخَرَاجَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَهُ الرَّدُّ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مَالِهِ وَفِي مِلْكِهِ، وَلَيْسَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ، فَلَا حَقَّ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدَ - وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ: أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى أَمَةً لَهَا لَبَنٌ فَاكْتَرَاهَا ظِئْرًا وَأَصَابَ مِنْ غَلَّتِهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا دَاءً كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَخَاصَمَهُ إلَى شُرَيْحٍ؟ فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ؛ رُدَّهَا بِدَائِهَا وَرُدَّ مَعَهَا مَا أَصَبْت مِنْ غَلَّتِهَا؟ قَالَ: فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا إذْ كَلَّفْتنِي أَنْ أَرُدَّ مَا أَصَبْت مِنْ غَلَّتِهَا، فَأَقْبَلُهَا بِدَائِهَا، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: لَيْسَ ذَلِكَ إلَيَّ قَدْ مَضَى قَضَائِي ذَلِكَ إلَى خَصْمِك. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ مِثْلُ قَوْلِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَنَا ذِكْرَهُ. فَمِنْ ذَلِكَ -: فَوْتُ الْمَعِيبِ بِمَوْتٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ إيلَادٍ، أَوْ تَلَفٍ، أَوْ فَوْتُ بَعْضِهِ، فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَيْسَ لَهُ الْإِمْسَاكُ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَا عُهْدَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا مَاتَتْ جَازَ عَلَيْهِ

وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا؟ قَالَ: يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ مَا رُدَّ عَلَيْهِ فِي رِقَابٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَّهَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا وَجَّهَ لِلَّهِ - تَعَالَى - الْعَبْدَ لَا مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ رَدِّ بَعْضِ مَالِهِ إلَيْهِ مِمَّا غُبِنَ فِيهِ فَهُوَ غَيْرُ الْعَبْدِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَجِّهَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ - يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ كَقَوْلِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا بَاعَهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، أَوْ وَهَبَ بَعْضَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، عَلَى مَالٍ، ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ، فَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ أَوَلَدَ الْأَمَةَ ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. قَالَ: فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ قَاضٍ رَدَّهُ هُوَ أَيْضًا عَلَى الَّذِي بَاعَهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَيْضًا هُوَ عَلَى الْبَائِعِ لَهُ مِنْهُ - سَوَاءٌ رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ مَاتَ الْعَبْدُ، أَوْ دَبَّرَهُ السَّيِّدُ، أَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِالْعَرْضِ، ثُمَّ أُطْلِعَ عَلَى عَيْبٍ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ. فَلَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَلَا رَدَّ. فَإِذَا خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ، أَوْ تَمَّتْ الْإِجَارَةُ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الرَّدُّ. وَالْهِبَةُ لِلثَّوَابِ كَالْبَيْعِ - فَإِنْ بَاعَ نِصْفَ السِّلْعَةِ قِيلَ لِلْبَائِعِ: رُدَّ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَيْبِ، أَوْ خُذْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي نِصْفِ ثَمَنٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَعْتَقَهُ، أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ، رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَلَوْ بَاعَهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ - وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: إنْ بَاعَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ - وَهُوَ قَوْلُنَا قَالَ عُثْمَانُ: فَلَوْ بَاعَهُ بِمَا كَانَ اشْتَرَاهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا نُرَاعِي الْغَبْنَ حِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ، فَلَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَالَ مَالِكٌ: لَهُ الرَّدُّ، وَيَأْخُذُ جَمِيعَ الثَّمَنِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ، وَتَمْلِيكُهُ غَيْرَهُ جَائِزٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إنَّمَا عَلَيْهِ إطْلَاقُ يَدِ مَنْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ عَلَيْهِ فَقَطْ - وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا شَيْءَ لَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآبِقُ فَيَرُدَّهُ، أَوْ يَمُوتَ فَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِمَا، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا قَائِلًا قَبْلَهُمَا - نَعْنِي تَقْسِيمَهُمَا الْمَذْكُورَ - وَأَمَّا السِّلْعَةُ الَّتِي تَتَبَعَّضُ فَيُوجَدُ بِبَعْضِهَا عَيْبٌ فَقَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، كَقَوْلِنَا إمَّا أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ وَإِمَّا أَنْ يُمْسِكَ الْجَمِيعَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْمَعِيبُ هُوَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، أَوْ الَّذِي فِيهِ الرِّبْحُ رَدَّ الْجَمِيعَ، أَوْ أَمْسَكَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ رَدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ خُفَّيْنِ، أَوْ مِصْرَاعَيْنِ، فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا رَدُّهُمَا مَعًا، أَوْ إمْسَاكُهُمَا مَعًا، فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ كَانَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِمْسَاكُ الْآخَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ وَأَحَدِ الْمِصْرَاعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، كَجَوَازِ بَيْعِ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، وَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ، وَلَا فَرْقَ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ بَاطِلٌ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَمِمَّا يُبْطِلُ رَدَّ بَعْضِ السِّلْعَةِ: أَنَّ بَاقِيَهَا الَّذِي يَحْتَبِسُ بِهِ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْسِكُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَصَارَ بَيْعًا بِقِيمَةٍ، وَالْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ. وَأَمَّا مَنْ وَطِئَ، أَوْ اسْتَغَلَّ، أَوْ اسْتَعْمَلَ ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا: إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُطَرِّفٌ - هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - الْمُغِيرَةُ - هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ - قَالَ مُطَرِّفٌ: عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ اتَّفَقَ شُرَيْحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، قَالَا جَمِيعًا: إذَا وَطِئَهَا، ثُمَّ رَأَى بِهَا عَيْبًا رَدَّهَا بِالْعَيْبِ وَرَدَّ مَعَهَا عُقْرَهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَالْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا نِصْفُ الْعُشْرِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي هِنْدٍ الْمَرْهَبِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا وَطِئَهَا فَهِيَ مِنْ مَالِهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، فَخَاصَمَ إلَى شُرَيْحٍ؛ فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَيَسُرُّك أَنْ أَقُولَ لَك: إنَّك زَنَيْت؟ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: ثُمَّ أُخْبِرْت أَنَّهُ قَضَى بِالْكُوفَةِ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَرُدَّ مَعَهَا عُقْرَهَا مِائَةً، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَجَوَّزَهَا وَيُوضَعَ عَنْهُ قَدْرُ الدَّاءِ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ قَوْلَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَرُدُّهَا، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَيْبِ - يَعْنِي فِي الَّذِي يَطَأُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا. وَالْآخَرُ - مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا جُبَيْرٌ عَنْ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا وَطِئَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى الْعَيْبَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ - وَصَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ لَا يَرُدُّهَا وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: يَرُدُّ مَعَهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ - يَعْنِي إذَا وَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ قَالَ: يَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ جَارِيَتَهُ وَلَا يَرُدُّ هَذَا

الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ عُقْرًا، وَالدُّورُ، وَالْأَرْضُونَ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ هَذَا يَكُونُ رَدُّهُ إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، كَاَلَّذِي اُسْتُحِقَّ فَاسْتُنْقِذَ مِنْ يَدَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ قَوْلُنَا - وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا وَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قَدْرُ قِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ قَبُولَهَا فَلَهُ رَدُّ ذَلِكَ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ عُشْرِ قِيمَتِهَا - وَهَذَا هُوَ عُقْرُهَا، وَوَجْهُهُ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا فَيَجْمَعَهَا ثُمَّ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا اجْتَمَعَ فَهُوَ الَّذِي يُقْضَى عَلَيْهِ بِرَدِّهِ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: إنْ لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا، فَإِنْ نَقَصَهَا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا وَطْؤُهُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَلَمْ يَرُدَّ مَعَهَا شَيْئًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ: إنْ كَانَ افْتَضَّهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَلَمْ يَرُدَّ مَعَهَا شَيْئًا. قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ مَالِكٍ لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ - عُقْرٍ وَلَا غَرَامَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَتَهُ الَّتِي لَوْ حَمَلَتْ لَحِقَهُ وَلَدُهَا، وَاَلَّتِي لَا يُلَامُ عَلَى وَطْئِهَا. وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ وَطِئَهَا وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَكَانَ زَانِيًا يُرْجَمُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُجْلَدُ الْحَدَّ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، فَأَيُّ حَقٍّ لَهُ فِي بُضْعِهَا حَتَّى يُعْطِيَ لَهُ عُقْرًا أَوْ قِيمَةً، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْإِمَاءِ مَنْ لَا يَحُطُّ الِافْتِضَاضُ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْئًا، كَخَدَمِ الْخِدْمَةِ وَيُوجَدُ مَنْ يَحُطُّهَا الْوَطْءُ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَالرَّقِيقِ الْعَالِي يَطَؤُهَا النَّذْلُ الَّذِي يُعَيَّرُ بِهِ سَيِّدُهَا وَوَلَدُهَا وَهِيَ، أَيْضًا. فَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُعَظِّمِينَ

لِخِلَافِ الصَّاحِبِ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، الْقَائِلِينَ فِيمَا وَافَقَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ أَنْ يَقُولُوا هَهُنَا بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كَمَا قَالُوا فِي تَقْوِيمِ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، وَتَقْوِيمِ الدِّيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ. وَأَمَّا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ قَضَى فِي الثَّوْبِ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ وَبِهِ الْعُوَارُ: أَنَّهُ يَرُدُّهُ إذَا كَانَ قَدْ لَبِسَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى عِمَامَةً فَقَبِلَهَا وَرَضِيَهَا وَكَوَّرَهَا عَلَى رَأْسِهِ، فَرَأَى خَيْطًا أَحْمَرَ فَرَدَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ اشْتَرَى قَمِيصًا فَلَبِسَهُ فَأَصَابَتْهُ صُفْرَةٌ مِنْ لِحْيَتِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَمْ يَرُدَّهُ مِنْ أَجْلِ الصُّفْرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ هَرَوِيَّةً فَقَطَعَهَا، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: الَّذِي أُحْدِثَ بِهَا أَشَدُّ مِنْ الَّذِي كَانَ بِهَا. قَالَ غُنْدَرٌ: نا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ عَمَّنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَوَجَدَ بِهِ عُوَارًا؟ قَالَ: يَرُدُّهُ، قَالَ شُعْبَةُ: وَسَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ مَعَهُ أَرْشَ التَّقْطِيعِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ عَنْ حَمَّادٍ: أَنَّهُ قَالَ: يُوضَعُ عَنْهُ أَرْشُ الْعُوَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: اشْتَرَى رَجُلٌ دَابَّةً فَسَافَرَ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَجَعَ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى شُرَيْحٍ؟ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَذِنْت لَهُ فِي ظَهْرِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُ الْحَكَمِ هَذَا هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ قَطَعَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ أَوْ حَدَثَ بِمَا اشْتَرَى

عَيْبٌ عِنْدَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَا رَدَّ لَهُ، لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ حَمَّادٍ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ الطَّحَاوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ، إلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ -: أَحَدُهُمَا: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ مَعَهُ قِيمَةَ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ حَمَّادٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ، وَيَرُدَّ مَعَهُ قَدْرَ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ مُفْسِدًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَرُدُّ قِيمَةَ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ خَفِيفًا رَدَّهُ وَلَمْ يَرُدَّ مَعَهُ شَيْئًا - وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ - يَعْنِي هَذَا التَّقْسِيمَ - وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ هَهُنَا خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا عَنْ الصَّحَابَةِ قَوْلًا غَيْرَهُ. وَقَدْ أَبَاحَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ اللِّبَاسِ، وَاللِّبَاسُ يُخْلِقُ الثَّوْبَ، وَلَيْسَ امْتِنَاعُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الرَّدِّ مِنْ أَجْلِ الصُّفْرَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ الرَّدَّ، وَقَدْ يَتْرُكُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا مَعَ أَنَّ الصُّفْرَةَ لَيْسَتْ عَيْبًا؛ لِأَنَّهَا تَزُولُ سَرِيعًا بِالْمَسْحِ، وَبِالْغَسْلِ لِلْقَمِيصِ. وَأَمَّا مَا عَيْبُهُ فِي جَوْفِهِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ وَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي، كَالْبَيْضِ، وَالْخَشَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: الرُّجُوعَ بِحُكْمِ مَا فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ سَلَفًا، وَلَا حُجَّةً فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ، وَمَا فِي الْعَجَبِ وَالْعَكْسِ أَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَنْ بَاعَ بَيْضًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا أَوْ خَشَبًا فَوَجَدَهُ مُسَوِّسَ الدَّاخِلِ: أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِلْبَائِعِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ - وَهُوَ قَدْ بَاعَهُ شَيْئًا فَاسِدًا، وَأَكَلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا فَمَاتَ، أَوْ قُتِلَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، أَوْ هَرَبَ فِيهِ، أَوْ اعْوَرَّتْ

عَيْنُهُ فِيهِ: فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ - وَإِنْ جُنَّ، أَوْ تَجَذَّمَ، أَوْ بَرِصَ، إلَى قَبْلِ تَمَامِ سَنَةٍ مِنْ بَعْدِ بَيْعِهِ لَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ. وَمَنْ ابْتَاعَ تَمْرًا فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ فَأَصَابَتْهُ رِيحٌ، أَوْ أَكَلَتْهُ جَرَادٌ فَمِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ، فَهُوَ يُهْنِيهِ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَهُ بِالْبَاطِلِ، وَيُغَرِّمُهُ الثَّمَنَ الَّذِي أَخَذَهُ بِالْحَقِّ - وَيَجْعَلُ مِنْ مُصِيبَةِ الْمُشْتَرِي مَا حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْ الْعُيُوبِ، وَيَجْعَلُ مِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ مَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعُيُوبِ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ أَيْمَنَ نا الْحُسَيْنُ بْنُ زَكَرِيَّا نا أَبُو ثَوْرٍ نا مُعَلَّى نا هُشَيْمٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْحَارِثِ هُوَ الْعُكْلِيُّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ اشْتَرَى لِعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ بَيْضًا مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا بِدِرْهَمٍ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ كَسَرَ وَاحِدَةً، فَإِذَا هِيَ فَاسِدَةٌ، ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً حَتَّى تَتَابَعَ مِنْهُنَّ فَاسِدَاتٌ، فَطَلَبَ الْأَعْرَابِيَّ فَخَاصَمَهُ إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَمَّا مَا كَسَرَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ، وَأَمَّا مَا بَقِيَ فَأَنْتَ يَا أَعْرَابِيُّ بِالْخِيَارِ، إنْ شِئْت كَسَرُوا فَمَا وَجَدُوا فَاسِدًا رَدُّوهُ وَمَا وَجَدُوا طَيِّبًا فَهُوَ لَهُمْ بِالسِّعْرِ الَّذِي بِعْتهمْ بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا حُكْمُ شُرَيْحٍ - فَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ لَا يَأْخُذُونَ بِهِ وَلَا نَحْنُ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لِلْمَالِكِيِّينَ بِهِ. وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ فَقَدْ رَأَى الرَّدَّ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُنَا - وَهُوَ صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ. وَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ، وَالْوَطْءُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا وَطِئَ بَعْدَ مَا رَأَى الْمَعِيبَ أَوْ عَرَضَهَا عَلَى الْبَيْعِ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ - وَهَذَا قَوْلُهُ فِي جَمِيعِ السِّلَعِ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: سُكْنَى الدَّارِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَيْبِ، وَتَقْبِيلُ الْأَمَةِ لِشَهْوَةٍ، وَوَطْؤُهَا -: رِضًا بِالْعَيْبِ.

قَالَ وَأَمَّا اسْتِخْدَامُ الْأَمَةِ، أَوْ رُكُوبُ الدَّابَّةِ، أَوْ لِبَاسُ الْقَمِيصِ؛ لِيَخْتَبِرَ كُلَّ ذَلِكَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رِضًا. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: لَيْسَ الِاسْتِخْدَامُ رِضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّنْعَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حَسَّابٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَارِيَةً، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ لَهَا زَوْجًا فَأَرْسَلَ إلَى زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ: طَلِّقْهَا، فَأَبَى، فَجَعَلَ لَهُ مِائَةً فَأَبَى، فَجَعَلَ لَهُ مِائَتَيْنِ فَأَبَى، فَجَعَلَ لَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَأَبَى، فَأَرْسَلَ إلَى مَوْلَاهُ: أَنَّهُ قَدْ أَبَى أَنْ يُطَلِّقَ فَاقْبَلُوا جَارِيَتَكُمْ. فَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ أَنَّ لَهَا زَوْجًا فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى أَرْسَلَ إلَى الزَّوْجِ وَرَاوَضَهُ عَلَى طَلَاقِهَا، وَجَعَلَ لَهُ مَالًا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ زَادَهُ، ثُمَّ زَادَهُ، فَلَمَّا يَئِسَ رَدَّ حِينَئِذٍ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنْت أَبْتَاعُ إنْ رَضِيتُ، حَتَّى سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ يَقُولُ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَرْضَى ثُمَّ يَدَعَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَكَأَنَّمَا أَيْقَظَنِي، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْتَاعُ وَيَقُولُ: إنْ أَخَذْت. فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى الرِّضَا بِالْقَلْبِ شَيْئًا حَتَّى يُظْهِرَهُ بِالْقَوْلِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَأَمَّا رَدُّ الْغَلَّةِ فِيمَا رُدَّ بِالْعَيْبِ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ مَا نَذْكُرُهُ -: فَأَمَّا زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا، فَإِنْ رَدَّهَا بِقَضَاءِ قَاضٍ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ فَأَخَذَ لَهَا مَهْرًا، أَوْ زَوَّجَهَا فَأَخَذَ مَهْرَهَا، أَوْ جُنِيَ عَلَيْهَا فَأَخَذَ لِلْجِنَايَةِ أَرْشًا - ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا، وَيَرُدُّ مَعَهَا الْمَهْرَ فِي الزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَفِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَيَرُدُّ مَعَهَا الْأَرْشَ الَّذِي أَخَذَ لَهَا.

وَكَذَلِكَ يَرُدُّ ثَمَرَ النَّخْلِ، وَالشَّجَرِ، إذَا رَدَّ الْأُصُولَ بِالْعَيْبِ، فَإِنْ أَكَلَ الثَّمَرَةَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا قِيمَةَ مَا أَكَلَ مِنْ الثَّمَرَةِ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ رَدُّهُ، فَإِنْ رَدَّهُ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ الْغَلَّةَ كُلَّهَا مَعَهُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لِلْعَبْدِ هِبَةً فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْهِبَةَ مَعَهُ أَيْضًا. وَقَالَ مَالِكٌ: الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِلْمُشْتَرِي مِنْ اللَّبَنِ، وَالثَّمَرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَاشَا الْأَوْلَادَ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُمْ مَعَ الْأُمَّهَاتِ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ، وَالْإِمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا مَنْ ابْتَاعَ شَاةً فَحَلَبَهَا، أَوْ وَلَدَتْ عِنْدَهُ، أَوْ أُصُولًا فَأَثْمَرَتْ عِنْدَهُ فَأَكَلَ ثَمَرَتَهَا، أَوْ لَمْ يَأْكُلْ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ، فَلَا رَدَّ لَهُ، لَكِنْ يَرْجِعُ بِأَرْشِ الْعَيْبِ فَقَطْ. فَلَوْ كَانَتْ دَارًا فَسَكَنَهَا، أَوْ آجَرَهَا أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ آجَرَهَا أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ آجَرَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ رَدُّ الْعَبْدِ، وَالدَّابَّةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ، وَلَا رَدُّ شَيْءٍ عَمَّا سَكَنَ وَآجَرَ، وَاسْتَخْدَمَ وَرَكِبَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَهُ وَلَا يَرُدُّهُ، وَيَرُدُّ الْأُمَّهَاتِ، - وَالْأُصُولَ، وَالشَّيْءَ الْمَعِيبَ: شُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فَظَاهِرُ الْمُنَاقَضَةِ، وَعَدِيمٌ مِنْ الدَّلِيلِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُمَا. وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ، وَزُفَرَ، فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْحُجَّةُ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ، فَإِذْ هُوَ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْمَبِيعُ الْمَعِيبُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا هُوَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ إبْطَالٌ لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَرَدِّهِ إلَى الْبَائِعِ بِالْبَرَاهِينِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَكَانَ زَانِيًا بِوَطْئِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ، ثُمَّ حَدَثَ مَا جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْخِيَارِ فِي

مسألة كان لآخر عنده حق من بيع أو سلم أو غير ذلك

إبْقَائِهِ بِهِ كَذَلِكَ، أَوْ رَدِّهِ مِنْ الْآنَ، لَا بِإِبْطَالِ الْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ لِلرَّدِّ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. وَعَهْدُنَا بِهِمْ يُصَحِّحُونَ الْخَبَرَ الْفَاسِدَ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَيَحْتَجُّونَ بِهِ فِي الْغُصُوبِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَدْ خَالَفُوهُ هَهُنَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ لِآخَرَ عِنْدَهُ حَقٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] 1592 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لِآخَرَ عِنْدَهُ حَقٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ ذَرْعٍ، فَالْوَزْنُ وَالْكَيْلُ وَالذَّرْعُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ شَيْءٌ بِصِفَةٍ مِنْ سَلَمٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَالتَّقْلِيبُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ أَنْ يُوفِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَنْ هُوَ لَهُ عَلَيْهِ وَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَمَنْ كَانَ حَقُّهُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدَدًا مَوْصُوفًا بِطِيبٍ، أَوْ بِصِفَةٍ مَا فَعَلَيْهِ إحْضَارُ مَا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ - وَلَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، إنَّمَا الْحَقُّ لَهُ وَلَا حَقَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [هود: 85] . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35] وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9] فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا هُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ عَلَى الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الْحَقُّ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى إخْسَارِ ذِي الْحَقِّ، وَعَلَى التَّطْفِيفِ، وَلَيْسَ فِي إخْبَارِهِ - تَعَالَى - بِأَنَّهُمْ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَكْتَالُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ الَّذِي لَهُمْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يَكِيلُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - إنَّمَا ذَكَرَ اسْتِيفَاءَهُمْ مَا لَهُمْ مِنْ الْكَيْلِ فَقَطْ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَكُونُ بِكَيْلِ كَائِلٍ مَا، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ - وَصَحَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ يَكِيلُ وَيَزِنُ، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْإِخْسَارِ.

مسألة من اشترى أرضا فهي له بكل ما فيها

[مَسْأَلَة مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَهِيَ لَهُ بِكُلِّ مَا فِيهَا] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَهِيَ لَهُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ قَائِمٍ، أَوْ شَجَرٍ نَابِتٍ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَبِنَاؤُهَا كُلُّهُ لَهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مُرَكَّبًا فِيهَا مِنْ بَابٍ أَوْ دَرَجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - وَهَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا لَا يَخْلُو يَوْمٌ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ بَيْعُ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ هَكَذَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ مَا كَانَ مَوْضُوعًا فِيهَا غَيْرَ مَبْنِيٍّ، كَأَبْوَابٍ، وَسُلَّمٍ، وَدَرَجٍ، وَآجُرٍّ، وَرُخَامٍ، وَخَشَبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلَا يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ الَّذِي يُقْلَعُ وَلَا يَنْبُتُ، بَلْ هُوَ لِبَائِعِهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ -. وَمَنْ ابْتَاعَ أَنْقَاضًا، أَوْ شَجَرًا، دُونَ الْأَرْضِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُقْلَعُ وَلَا بُدَّ، وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة التَّصَدُّق مِنْ التجار فِي خلال بيعهم وشرائهم] 1594 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى التُّجَّارِ أَنْ يَتَصَدَّقُوا فِي خِلَالِ بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ بِمَا طَابَتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ -: لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمِصِّيصِيُّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إنَّهُ يَشْهَدُ بَيْعَكُمْ الْحَلِفُ، وَاللَّغْوُ: شُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» . وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْضِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «شُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ وَالتَّكْرَارَ فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق.

كتاب الشفعة

[كِتَابُ الشُّفْعَةِ] [مَسْأَلَةٌ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ بِيعَ مُشَاعًا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الشُّفْعَةِ 1595 مَسْأَلَةٌ: الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ بِيعَ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ، وَمِمَّا لَا يَنْقَسِمُ: مِنْ أَرْضٍ، أَوْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَكْثَرَ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ مِنْ سَيْفٍ، أَوْ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ، أَوْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ بِيعَ: لَا يَحِلُّ لِمَنْ لَهُ ذَلِكَ الْجُزْءُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَى شَرِيكِهِ أَوْ شُرَكَائِهِ فِيهِ، فَإِنْ أَرَادَ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ الْأَخْذَ لَهُ بِمَا أَعْطَى فِيهِ غَيْرُهُ فَالشَّرِيكُ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَأْخُذَ فَقَطْ سَقَطَ حَقُّهُ، وَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ بَاعَهُ. فَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا حَتَّى بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ؟ فَمَنْ يُشْرِكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَبَيْنَ أَنْ يُبْطِلَهُ وَيَأْخُذَ ذَلِكَ الْجُزْءَ لِنَفْسِهِ بِمَا بِيعَ بِهِ. وَهَا هُنَا خِلَافٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ أَمْ لَا؟ وَالثَّانِي: هَلْ يَكُونُ فِي بَيْعِهِ شُفْعَةٌ أَمْ لَا؟ وَالثَّالِثُ: الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الشُّفْعَةُ. وَالرَّابِعُ: إنْ عَرَضَ الْبَائِعُ عَلَى مَنْ يُشْرِكُهُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ فَأَبَى شَرِيكُهُ مِنْ الْأَخْذِ هَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَاضِي الْبَصْرَةِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ، رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: رُفِعَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ رَجُلٌ بَاعَ نَصِيبًا لَهُ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَلَمْ يُجِزْهُ، فَذَكَرَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَرَآهُ غَيْرَ جَائِزٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِالشَّرِيكَيْنِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا الْمَتَاعُ أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَاسِمَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَبِعْ مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى يُقَاسِمَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لُؤْلُؤَةً أَوْ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى قِسْمَتِهِ. وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ بَيْعَ الْمُشَاعِ وَلَمْ يَرَ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْأَرْضِ فَقَطْ أَوْ فِي أَرْضٍ بِمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ نَابِتٍ فَقَطْ. قَالَ مَالِكٌ: الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأَرْضِ وَحْدَهَا، وَفِي الْأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ نَابِتٍ، أَوْ فِي الثِّمَارِ الَّتِي فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَإِنْ بِيعَتْ دُونَ الْأُصُولِ. وَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فَحْلٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فَحْلٍ وَالْأُرْفُ يَقْطَعُ كُلَّ شُفْعَةٍ. الْأُرْفُ الْحُدُودُ وَالْمَعَالِمُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَا مَحْمُودُ هُوَ ابْنُ غَيْلَانَ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» .

وَوَجَدْت فِي كِتَابِ يَحْيَى بْنِ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ بِخَطِّهِ: أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ قَالَ نا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ هُوَ الْقَرَاطِيسِيُّ أَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ» . قَالَ الطَّحَاوِيَّ: وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد نا نُعَيْمٌ أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّرِيكُ شَفِيعٌ وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَيَأْخُذُ أَوْ يَدَعُ، فَإِنْ أَبَى فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُؤْذِنَهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِكُلِّ مَا قُلْنَا، جَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ «الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ» . وَرَوَاهَا كَذَا عَنْ جَابِرٍ: أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْهُ وَعَطَاءٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَعَرَفَ النَّاسُ حُقُوقَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ بَيْنَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَنْظُورِ بْنِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ أَبَاهُ عُثْمَانَ قَالَ: لَا مُكَايَلَةَ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ. فَهَذَانِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَحْمِلَانِ قَطْعَ الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِوُقُوعِ الْحُدُودِ، وَمَعْرِفَةِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ وَلَمْ يَخُصَّا أَرْضًا دُونَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، بَلْ أَجْمَلَا ذَلِكَ، وَالْحُدُودُ تَقَعُ فِي كُلِّ جِسْمٍ مَبِيعٍ، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ كُلِّ أَحَدٍ حَقَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ مُلَيْكَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ: الْأَرْضِ وَالدَّارِ، وَالْجَارِيَةِ، وَالْخَادِمِ» . فَقَالَ عَطَاءٌ: إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: تَسْمَعُنِي لَا أُمَّ لَكَ، أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا وَإِلَى هَذَا رَجَعَ عَطَاءٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ أَنَا أَبَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الشُّفْعَةِ فِي الثَّوْبِ؟ فَقَالَ: لَهُ شُفْعَةٌ وَسَأَلْته عَنْ الْحَيَوَانِ؟ فَقَالَ: لَهُ شُفْعَةٌ وَسَأَلْته عَنْ الْعَبْدِ؟ فَقَالَ: لَهُ شُفْعَةٌ.

فَهَذَانِ: عَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَا تَخْلُو الشُّفْعَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ أَوْ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ. فَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ فَهَذِهِ النُّصُوصُ الَّتِي أَوْرَدْنَا لَا يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ الشَّرِيكِ فَالْعِلَّةُ بِذَلِكَ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَقَارِ، بَلْ أَكْثَرُ، وَفِيمَا لَا يَنْقَسِمُ، كَوُجُودِهَا فِيمَا يَنْقَسِمُ، بَلْ هِيَ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَشَدُّ ضَرَرًا. فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْمُشَاعِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَهَذَا بَيْعٌ لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلَالٌ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحَرِّمِينَ رَهْنَ الْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ، وَهِبَةَ الْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ، وَالصَّدَقَةَ بِالْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ، وَالْإِجَارَةَ لِلْجُزْءِ الْمُشَاعِ: أَنْ يَمْنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْجُزْءِ مِنْ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدَةٌ، وَالْقَبْضُ وَاجِبٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا هُوَ فِي الْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالصَّدَقَةِ وَالْإِجَارَةِ وَلَكِنَّ التَّخَاذُلَ فِي أَقْوَالِهِمْ فِي الدِّينِ أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: اتَّبَعْنَا فِي إجَازَةِ بَيْعِ الْمُشَاعِ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ؟ قُلْنَا: مَا فَعَلْتُمْ، بَلْ خَالَفْتُمُوهَا كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَقْرَبُ ذَلِكَ مُخَالَفَتُكُمْ إيَّاهَا فِي سُقُوطِ حَقِّ الشَّرِيكِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَخْذَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَمْ يَأْخُذْ، فَقُلْتُمْ: بَلْ حَقُّهُ بَاقٍ وَلَا يَسْقُطُ. وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ نَصٌّ بِهِبَةِ الْمُشَاعِ إذْ «وَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَشْعَرِيِّينَ ثَلَاثَ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَهُمْ» فَلَمْ تُجِيزُوهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ حُجَّتَهُ أَنْ يَقُولَ: خَبَرُ الشُّفْعَةِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ وَهَذَا خِلَافٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُخَالِفِينَ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حُكْمِ الْمُصَرَّاةِ،

وَمِنْ حُكْمِ مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا، وَالْقُرْعَةُ بَيْنَ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ فِي الْعِتْقِ، وَقَالُوا: هَذِهِ الْأَخْبَارُ مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا فِي خَبَرِ الشُّفْعَةِ، وَلَكِنَّ التَّنَاقُضَ أَسْهَلُ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ، وَلَا حُجَّةَ فِي نَظَرٍ مَعَ حُكْمٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْخِلَافُ فِيمَا تَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا ذَكَرَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ «فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ إلَّا هَذَا. فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، أَمَّا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي هَذَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْأَرْضِ وَالرَّبْعِ وَالْحَائِطِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ هَلْ الشُّفْعَةُ فِيمَا عَدَاهَا أَمْ لَا؟ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ مَا عَدَا هَذِهِ فِي غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ وَجَدْنَا خَبَرَ جَابِرٍ هَذَا نَفْسِهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمَا يَجْهَلُ أَنَّ عَطَاءً فَوْقَ أَبِي الزُّبَيْرِ إلَّا جَاهِلٌ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ، وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ» أَفَتَرَوْنَ هَذَا حُجَّةً فِي أَنْ لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ نَخْلٍ فَقَطْ دُونَ سَائِرِ الثِّمَارِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ؟ قُلْنَا: وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ لَنَا أَيْضًا بِزِيَادَةٍ «كُلُّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ» وَلَا فَرْقَ فَكَيْفَ وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا عَلَى حُكْمِ الْأَرْضِ، وَالْحَائِطِ، وَالْبِنَاءِ: سَائِرَ الْأَمْلَاكِ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ وَدَفْعِهِ، كَمَا قَاسُوا عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ، وَالتَّمْرِ: سَائِرَ الْأَنْوَاعِ؟ فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْمُوجِبُ لِلْقِيَاسِ هُنَالِكَ وَفِي سَائِرِ مَا قَاسُوا فِيهِ وَمُنِعَ مِنْهُ هَاهُنَا، لَا

سِيَّمَا وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ يَجْعَلُونَ الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، فَهَلَّا قَاسُوا الْبَيْعَ عَلَى الْبَيْعِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الصَّدَاقِ عَلَى الْبَيْعِ؟ وَالْمَالِكِيُّونَ يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ فِي الثَّمَرَةِ دُونَ الْأُصُولِ، فَهَلَّا قَاسُوا غَيْرَ الثَّمَرَةِ عَلَى الْعَقَارِ كَمَا قَاسُوا الثَّمَرَةَ عَلَى الْعَقَارِ، لَا سِيَّمَا مَعَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ قَبْلَهُ. ثُمَّ كُلُّهُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، فِي أَنَّهُمْ لَا يُسْقِطُونَ حَقَّ لِلشَّرِيكِ فِي الشُّفْعَةِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ أَخْذَ الشِّقْصِ بِمَا يُعْطَى فِيهِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَكَيْفَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ خَبَرٍ حُجَّةً، لَا سِيَّمَا فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً فِيمَا هُوَ فِيهِ مَنْصُوصٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْأَرْضِ، وَالْعَقَارِ، وَالْبِنَاءِ. بَلْ الْحُدُودُ وَاقِعَةٌ فِي كُلِّ مَا يَنْقَسِمُ مِنْ طَعَامٍ، وَحَيَوَانٍ، وَنَبَاتٍ، وَعُرُوضٍ، وَإِلَى كُلِّ ذَلِكَ طَرِيقُ ضَرُورَةٍ، كَمَا هُوَ إلَى الْبِنَاءِ وَإِلَى الْحَائِطِ وَلَا فَرْقَ، وَكَانَ ذِكْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْحُدُودِ وَالطُّرُقِ إعْلَامًا بِحُكْمِ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ عَلَى حَسْبِهِ، فَكَيْفَ وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ بَيَانٌ كَافٍ فِي أَنَّ الشُّفْعَةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَالٍ يُقْسَمُ، وَفِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، وَهَذَا عُمُومٌ لِجَمِيعِ الْأَمْوَالِ مَا احْتَمَلَ مِنْهَا الْقِسْمَةَ وَمَا لَمْ يَحْتَمِلْهَا. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ بِهَذَا الْحُكْمِ " الْأَرْضَ " فَقَطْ؛ ثُمَّ يُجْمِلُ هَذَا الْإِجْمَالَ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ لَا بِالْإِبْهَامِ وَالتَّلْبِيسِ هَذَا أَمْرٌ لَا يَتَشَكَّلُ فِي عَقْلِ ذِي عَقْلٍ سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ، وَقَدْ جَسَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى جَارِي عَادَتِهِ فِي الْكَذِبِ فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْأَرْضِ، وَالْبِنَاءِ، وَالْأَشْجَارِ فَقَطْ، وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى سُقُوطِ الشُّفْعَةِ فِيمَا سِوَاهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ: فَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ خِلَافَ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ تَابِعُونَ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرْنَا عُمُومَ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَالرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَطَاءٍ، وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهَذَا مَالِكٌ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ دُونَ الْأَصْلِ. وَمَا نَعْلَمُ رُوِيَ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ فِيمَا عَدَا الْأَرْضِ إلَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَشُرَيْحٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمْ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَقَدْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَرَبِيعَةَ، وَهُوَ عَنْ هَؤُلَاءِ صَحِيحٌ. أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا شُفْعَةَ فِي الْحَيَوَانِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، كَمَا لَيْسَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ عَنْ غَيْرِ الْبُرِّ وَالْفَحْلِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا جُمْلَةً. وَأَمَّا ابْنُ الْمُسَيِّبِ: فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَهُوَ عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَيَكْفِي. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عُبَيْدَةَ، وَجَرِيرُ، وَيُونُسُ، قَالَ عُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَا جَمِيعًا: لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي دَارٍ، أَوْ عَقَارٍ، وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ: لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي تُرْبَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِثْلُ عَدَدِ هَؤُلَاءِ لَا يَعُدُّهُمْ إجْمَاعًا إلَّا كَذَّابٌ، قَلِيلُ الْحَيَاءِ وَقَدْ أَوْرَدْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ مَالِكٌ، فَرَأَى الشُّفْعَةَ فِي التِّينِ، وَالْعِنَبِ، وَالزَّيْتُونِ، وَالْفَوَاكِهِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ، وَلَيْسَتْ دَارًا، وَلَا عَقَارًا، وَلَا تُرْبَةً وَرَأَى ابْنُ شُبْرُمَةَ الشُّفْعَةَ فِي الْمَاءِ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ فِي إجْبَارِهِمْ الشَّرِيكَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَعَ شَرِيكِهِ، وَلَمْ يُوجِبْ قَطُّ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا أَثَرٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ، ثُمَّ لَا يُوجِبُ لَهُ الشُّفْعَةَ، وَقَدْ جَاءَ بِهَا النَّصُّ. وَعَجَبٌ آخَرُ مِنْهُمْ، وَمِنْ الْحَنَفِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: الْمُسْنَدُ كَالْمُرْسَلِ سَوَاءٌ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: بَلْ الْمُرْسَلُ أَقْوَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا: أَحْسَنَ الْمَرَاسِيلِ بِإِيجَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْجَارِيَةِ وَفِي الْخَادِمِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي الْعَبْدِ شُفْعَةٌ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ» وَمَا نَعْلَمُ فِي الْمُرْسَلَاتِ أَقْوَى مِنْ هَذَا فَخَالَفُوهُ، وَمَا عَابُوهُ إلَّا بِإِرْسَالٍ؟ فَأَيُّ دِينٍ، أَوْ أَيُّ إحْيَاءٍ، يَبْقَى مَعَ هَذَا؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَأَمَّا سُقُوطُ حَقِّ الشَّرِيكِ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ الْأَخْذَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ حَاشَا الطَّحَاوِيَّ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، قَالُوا: لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ؟ فَتَرْكُهُ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ إذَا وَجَبَ، مَا لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا أَصْلًا. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ: أَوَّلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ بَعْدُ، فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَغَيْرَ الشُّفْعَةِ مِنْ أَحْكَامِ الدِّيَانَةِ كُلِّهَا لَا تَجِبُ إلَّا إذَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَجِئْ هَذَا الْمَجِيءَ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الدِّينِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ حَقَّ الشَّفِيعِ بِعَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَأَسْقَطَ حَقَّهُ بِتَرْكِهِ الْأَخْذَ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ حَقًّا أَصْلًا، إلَّا بِأَنْ لَا يَعْرِضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَبْقَى لَهُ الْحَقُّ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَا هَذَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلْيَأْتُونَا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ الْأَخْذَ لَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَطْ، وَهَذَا مَا لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كَثَبٍ.

وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ كَانَ الْحَنَفِيُّونَ عَنْ هَذَا النَّظَرِ حَيْثُ أَجَازُوا الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ، نَعَمْ، وَقَبْلَ دُخُولِهِ، وَالْمَالِكِيُّونَ كَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِشَهْرَيْنِ، وَالشَّافِعِيُّونَ كَذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ؟ وَأَيْنَ كَانَ الْمَالِكِيُّونَ عَنْ هَذَا النَّظَرِ حَيْثُ أَجَازُوا إذْنَ الْوَارِثِ لِلْمُوصِي فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمَالُ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بَعْدُ، وَلَا لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ وَلَعَلَّهُ هُوَ يَرِثُهُمْ أَوْ لَعَلَّهُ سَيَحْدُثُ لَهُ وَلَدٌ يَحْجُبُهُمْ؟ وَأَيْنَ كَانُوا عَنْ هَذَا النَّظَرِ فِي إجَازَتِهِمْ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَالْعِتْقَ قَبْلَ الْمِلْكِ، فَأُعْجِبُوا لِهَذِهِ التَّخَالِيطِ وَبِهِ يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الرَّجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا دَارٌ أَوْ أَرْضٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أُرِيدُ أَنْ أَبِيعَ وَلَك الشُّفْعَةُ فَاشْتَرِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ، قَدْ أَذِنْت لَك أَنْ تَبِيعَ، فَبَاعَ، ثُمَّ يَأْتِي طَالِبُ الشُّفْعَةِ فَيَقُولُ قَدْ قَامَ الثَّمَنُ وَأَنَا أَحَقُّ، قَالَ الْحَكَمُ: لَا شَيْءَ لَهُ إذَا أَذِنَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ: وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ؟ قُلْنَا: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، وَهُوَ قَدْ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ سَمَاعًا فَإِنَّهُ حَدَّثَهُ بِهِ مَنْ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ آخِرُ الْخَبَرِ حَاكِمًا عَلَى أَوَّلِهِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ، صَحَّ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ: رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»

مسألة الشفعة في غير البيع

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنَّمَا جَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ الْبَيْعِ الَّذِي لَا يَحِلُّ أَحَقَّ فَقَطْ، فَلَاحَ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ بَعْدَ الْبَيْعِ إلَى الشَّفِيعِ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ قَبْلَ الْبَيْعِ فَإِنْ أَبْطَلَهُ بَطَلَ وَإِنْ أَجَازَهُ فَحِينَئِذٍ جَازَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الشُّفْعَة فِي غَيْر الْبَيْع] 1596 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْبَيْعِ وَحْدَهُ، وَلَا شُفْعَةَ فِي صَدَاقٍ وَلَا فِي إجَارَةٍ، وَلَا فِي هِبَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا شُفْعَةَ فِي صَدَاقٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ وَالشُّفْعَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْعُكْلِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: يَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَمَالِكٌ: يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ وَأَوْجَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الشُّفْعَةَ فِي الْإِجَارَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَخَذْتُمْ بِإِيجَابِ الشُّفْعَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَضَائِهِ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ؟ قُلْنَا: لَمْ يَجُزْ مَا تَقُولُونَ؛ لِأَنَّ " الشُّفْعَةَ " لَيْسَتْ لَفْظَةً قَدِيمَةً إنَّمَا هِيَ لَفْظَةٌ شَرِيعِيَّةٌ لَمْ تَعْرِفْ الْعَرَبُ مَعْنَاهَا قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَمْ تَعْرِفْ لَفْظَةَ " الصَّلَاةِ " وَلَفْظَةَ " الزَّكَاةِ " وَلَفْظَةَ " الصِّيَامِ " وَلَفْظَةَ " الْكَفَّارَةِ " وَلَفْظَةَ " النُّسُكِ " وَلَفْظَةَ " الْحَدِّ " الْوَارِدَ كُلُّ ذَلِكَ فِي

مسألة لم يعرض على شريكه الأخذ قبل البيع حتى باع

الدِّينِ، حَتَّى بَيَّنَهَا لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ قَطُّ: مِنْ صِفَةِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَمَا يُعْطَى مِنْ الْأَمْوَالِ، وَمَا يُمْتَنَعُ مِنْهُ فِي رَمَضَانَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ " الشُّفْعَةُ " مِنْ هَذَا الْبَابِ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا الْمُرَادُ بِهَا حَتَّى بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَعَدَّى بِهَا بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الصَّدَاقَ، وَالْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ، وَالْإِجَارَةَ لَا يُشْبِهَانِ الْبَيْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنْ يُحْكَمَ لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ، وَالْبَيْعُ تَمْلِيكٌ لِلْمَبِيعِ، وَلَيْسَتْ الْإِجَارَةُ تَمْلِيكًا لِلْمُؤَاجِرِ، إنَّمَا هِيَ إبَاحَةٌ لِلْمَنَافِعِ الْحَادِثَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا الصَّدَاقُ تَمْلِيكًا لِلرَّقَبَةِ، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَالْإِجَارَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَالنِّكَاحُ يَجُوزُ بِلَا ذِكْرِ صَدَاقٍ، وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ. ثُمَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ أَبِصَدَاقِ مِثْلِهَا أَمْ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ؟ بَيَانُ أَنَّهُ رَأْيٌ فَاسِدٌ مُتَعَارِضٌ لَيْسَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ كَانُوا عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ فِي أَنْ يَقِيسُوا عَلَى الْأَرْضِينَ فِي " الشُّفْعَةِ " سَائِرَ الْأَمْوَالِ؟ وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا. فَإِنْ ذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ابْتَاعَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَوْلَى» فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ الشُّفْعَةِ فِيمَا عَدَا الْعَقَارِ. [مَسْأَلَة لَمْ يعرض عَلَى شَرِيكه الْأَخذ قَبْل الْبَيْع حَتَّى بَاعَ] 1597 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَعْرِضْ عَلَى شَرِيكِهِ الْأَخْذَ قَبْلَ الْبَيْعِ حَتَّى بَاعَ فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ لِلشَّرِيكِ، فَالشَّرِيكُ عَلَى شُفْعَتِهِ عَلِمَ بِالْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، حَضَرَهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ، أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ حَتَّى يَأْخُذَ مَتَى شَاءَ، وَلَوْ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ يَلْفِظُ بِالتَّرْكِ فَيَسْقُطُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِعَرْضِ غَيْرِ شَرِيكِهِ أَوْ رَسُولِهِ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى عَلِمَ بِالْبَيْعِ، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ

الشُّفْعَةَ، فَإِنْ طَلَبَ فِي الْوَقْتِ أَوْ أَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ آخِذٌ بِشُفْعَتِهِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَبَدًا، وَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، وَلَا طَلَبَ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَاضِرِ: أَنَّ لَهُ أَجَلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِيهَا قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ مَرَّتْ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَطْلُبْ الشُّفْعَةَ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ. وَقَالَ صَاحِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْتَفِعُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ إشْهَادُهُ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ بِحَضْرَةِ الشِّقْصِ الْمَطْلُوبِ وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ شَهْرًا وَاحِدًا لَا يَطْلُبُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. وَقَالَ بَعْضُ كِبَارِ نُظَّارِ مُقَلِّدِي أَبِي حَنِيفَةَ: لِلشَّفِيعِ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ إنْ سَكَتَ وَلَمْ يُشْهِدْ وَلَا طَلَبَ مَا لِلْمَرْأَةِ الْمُخَيَّرَةِ. وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ الْبَتِّيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، إلَّا أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ قَالَ: لَا يُمْهَلُ إلَّا سَاعَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ مَالِكٌ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: مَرَّةً قَالَ: إنْ بَلَغَهُ الْبَيْعُ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ بِالشُّفْعَةِ فَسَكَتَ، وَلَمْ يَطْلُبْ وَلَا أَشْهَدَ، فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ مَا لَمْ يَطُلْ الْأَمَدُ جِدًّا دُونَ تَحْدِيدٍ فِي ذَلِكَ. وَمَرَّةً قَالَ: إنْ قَامَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ حَتَّى مَضَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثُمَّ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ دُونَ عُذْرٍ مَانِعٍ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ طَالَ الْأَمَدُ أَوْ قَصُرَ وَهُوَ قَوْلُ مَعْمَرٍ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ لَهُ أَجَلَ يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَمِمَّنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ

عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَزْرَقِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا أَقْوَالُ مَالِكٍ كَمَا هِيَ، فَهِيَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهَا إمَّا تَحْدِيدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِمَّا إجْمَالٌ بِلَا تَحْدِيدٍ، فَلَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَا مَتَى لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ، وَلَيْسَ فِي الزَّمَانِ طَوِيلٌ إلَّا بِإِضَافَةٍ إلَى مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهُ، فَالْيَوْمُ طَوِيلٌ لِمَنْ عُذِّبَ فِيهِ، وَبِالْإِضَافَةِ إلَى سَاعَةٍ وَمِائَةِ عَامٍ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى عُمْرِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تُعْهَدْ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا يُعَضِّدُهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ سَلَفٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي تَحْدِيدِ يَوْمٍ، فَهُمَا قَوْلَانِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْدِيدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَيْسَ رَدُّ ذَلِكَ إلَى مَا جَاءَ مِنْ الْأَخْبَارِ بِخِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُرَدَّ إلَى خِيَارِ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ ارْتَجَعَ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى الطَّلَاقَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تَخَالِيطُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَتَحْدِيدُهُ بِشَهْرٍ، وَبِأَنْ لَا يَكُونَ الْإِشْهَادُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَطْلُوبِ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ الشِّقْصِ الْمَبِيعِ فَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيك بِهِ، وَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: " لَهُ مِنْ الْأَمَدِ مَا لِلْمُخَيَّرَةِ " فَأَسْخَفُ قَوْلٍ سُمِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ، وَلِلْهَوَسِ بِالْهَوَسِ، وَمَا سُمِعَ بِأَحْمَقَ مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي حُكْمِ الْمُخَيَّرَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْبَتِّيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ فَإِنَّ تَحْدِيدَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ، ثُمَّ السُّكُوتِ إنْ شَاءَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ لَهُ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ وَاجِبٌ بَعْدَ الْبَيْعِ إذَا لَمْ يُؤْذِنْهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَأَيُّ حَاجَةٍ بِهِ إلَى الْإِشْهَادِ، أَوْ مِنْ أَيْنَ أَلْزَمُوهُ إيَّاهُ وَأَسْقَطُوا حَقَّهُ بِتَرْكِهِ هَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ، وَإِسْقَاطٌ لِحَقٍّ قَدْ وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، فَمَا يُقَوِّيهِ الْإِشْهَادُ وَلَا يُضَعِّفُهُ تَرْكُهُ فَبَطَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ فَنَظَرْنَا فِيهِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُمَوِّهِينَ نَزَعَ بِقَوْلٍ مَكْذُوبٍ مَوْضُوعٍ مُضَافٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ وَالشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» .

وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ وَلَا لِصَغِيرٍ وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ مَنْ مَثَّلَ بِمَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقُوا الْحَقَّ.»

مسألة إذا أخذ الشفيع حقه

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ كُلَّ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ وَاحْتِجَاجِهِمْ بِبَعْضِهِ، فَبَعْضُهُ حَقٌّ وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ؟ أُفٍّ لِهَذِهِ الْأَدْيَانِ. وَأَمَّا «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» ، فَمَا يَحْضُرُنَا الْآنَ ذِكْرُ إسْنَادِهَا، إلَّا أَنَّهُ جُمْلَةً لَا خَيْرَ فِيهِ، وَابْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ ضَعِيفٌ مُطْرَحٌ، وَمُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ «لِمَنْ وَاثَبَهَا» فَهُوَ لَفْظٌ فَاسِدٌ، لَا يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ مِثْلُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا: مُوجِبٌ أَنْ يَلْزَمَهُ الطَّلَبُ مَعَ الْبَيْعِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاثَبَةَ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَبُهُ مَعَ الْبَيْعِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّأَنِّي فِي الْوَثْبِ لَا يُسَمَّى مُوَاثَبَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ «الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ» فَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَشْطَ الْعِقَالِ: هُوَ حَلُّ الْعِقَالِ، وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا حَلُّ مِلْكٍ عَنْ الْمَبِيعِ وَإِيجَابُهُ لِغَيْرِهِ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَقَّ الشَّفِيعِ وَاجِبًا وَجَعَلَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمُصَدَّقِ أَحَقَّ، إذَا لَمْ يُؤْذَنْ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَكُلُّ حَقٍّ ثَبَتَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَسْقُطُ أَبَدًا إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ بِسُقُوطِهِ، فَإِنْ وَقَفَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَوْ يَتْرُكَ لَزِمَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَوَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ إجْبَارُهُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ حَقَّهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَضْيِيعُهُ، فَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَخْذِهِ؛ أَوْ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَاشٌّ غَيْرُ نَاصِحٍ لِأَخِيهِ الْمُنْصِفِ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ مُنِعَ حَقُّهُ وَلَمْ يُعْطَهُ، فَلَيْسَ سُقُوطُهُ عَنْ طَلَبِهِ قَطْعًا لِحَقِّهِ وَلَوْ سَكَتَ عُمْرَهُ كُلَّهُ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ غُصِبَ مَالًا، أَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَوْ مِيرَاثٌ، أَوْ حَقٌّ مَا، فَإِنَّ سُقُوطَهُ عَنْ طَلَبِهِ لَا يُبْطِلُهُ، وَأَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ أَبَدًا فَمِنْ أَيْنَ خَصُّوا حَقَّ الشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ بِهَذِهِ التَّخَالِيطِ؟ [مَسْأَلَة إذَا أَخَذَ الشَّفِيع حَقّه] 1598 -. مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ حَقَّهُ لَزِمَ الْمُشْتَرِي رَدُّ مَا اسْتَغَلَّ وَكَانَ كُلُّ مَا أَنْفَذَ فِيهِ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ بُنْيَانٍ، أَوْ مُكَاتَبَةٍ، أَوْ مُقَاسَمَةٍ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ

مَرْدُودٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَتُقْلَعُ أَنْقَاضُهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا الْمُخَاصِمُ الْمَانِعُ، فَإِنَّ هَذَا غَاصِبٌ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ، مَانِعٌ حَقَّ غَيْرِهِ بِلَا مِرْيَةٍ، فَإِنْ تَرَكَ الشَّرِيكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ وَصَحَّ، وَلَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهُ، وَكَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ، هَذَا إذَا كَانَ إيذَانُهُ الشَّرِيكَ مُمْكِنًا لَهُ، أَوْ لِلْبَائِعِ حِينَ اشْتَرَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيذَانُ الشَّرِيكِ مُمْكِنًا لِلْبَائِعِ لِعُذْرٍ مَا، أَوْ لِتَعَذُّرِ طَرِيقٍ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لِلشَّرِيكِ مَتَى طَلَبَهَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْغَلَّةِ حِينَئِذٍ، لَكِنَّ كُلَّ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَمَفْسُوخٌ وَيُقْلَعُ بُنْيَانُهُ وَلَا بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ «لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ» فَلَا يَخْلُو بَيْعُ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ، لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا وَإِنْ صَحَّحَهُ الشَّفِيعُ بِتَرْكِهِ الشُّفْعَةَ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْغَلَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ أَوْ تَرَكَ، وَالْخَبَرُ يُوجِبُ غَيْرَ هَذَا، بَلْ يُوجِبُ أَنَّ الشَّرِيكَ أَحَقُّ، وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَ فَلَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لَاحْتَاجَ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ وَهَذَا خَطَأٌ، أَوْ يَكُونُ صَحِيحًا حَتَّى يُبْطِلَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَخْذِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَصْلُحُ» فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا مَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ، أَوْ يَكُونَ مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بَاطِلًا، وَإِنْ تَرَكَ حَقَّهُ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِبُطْلَانِ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشَّرِيكُ أَحَقُّ» فَصَحَّ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَقًّا بَعْدَ حَقِّ الشَّفِيعِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ فِي هَذَا: مَتَى كَانَ الشَّفِيعُ أَحَقَّ، أَحِينَ أَخَذَ أَمْ حِينَ رَدَّ الْبَيْعَ؟ فَإِنْ قَالُوا: مِنْ حِينِ أَخَذَ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَعَلَهُ أَحَقَّ حِينَ الْبَيْعِ، فَإِذْ هُوَ أَحَقُّ حِينَ الْبَيْعِ فَإِذَا أَخَذَ فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ إعْلَامُ الشَّرِيكِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .

فَصَحَّ بِلَا شَكٍّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيذَانِ الشَّرِيكِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْهُ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ وَحَلَّ لَهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ» يَقْتَضِي ضَرُورَةً مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إيذَانِهِ، فَخَرَجَ عَنْ هَذَا النَّصِّ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيذَانِهِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْبَيْعِ، وَعَاجِزٌ عَنْ الْإِيذَانِ فَمُبَاحٌ لَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَسَاقِطٌ عَنْهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَهَذَا إذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ شُفْعَتَهُ، فَحِينَئِذٍ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهَا غَلَّةُ مَالِهِ. وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَسَائِرُ مَا أَحْدَثَ فَقَدْ أَبْطَلَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الشَّفِيعَ أَحَقُّ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَنْفَذَ حُكْمَهُ فِيمَا غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ فَبَطَلَ أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِيمَا جَعَلَهُ تَعَالَى حَقًّا لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَا جَمِيعًا: إذَا بَنَى ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ بَعْدَهُ فَالْقِيمَةُ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يَقْلَعُ بِنَاءَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ وَبِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ يَأْخُذُ مَالِكٌ، وَالْبَتِّيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلْزَامُهُ قَلْعَ بِنَائِهِ وَاجِبٌ بِمَا ذَكَرْنَا، وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ أَنْقَاضِهِ فِي سَاحَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ غَرَامَةً فِي ابْتِيَاعِ مَا لَا يُرِيدُ ابْتِيَاعَهُ مِنْ أَنْقَاضِ بِنَاءِ الْمَخْرَجِ مِنْ الِابْتِيَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ، فَهُوَ ظُلْمٌ مُجَرَّدٌ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إلْزَامِهِ غَرَامَةً لِلْمَخْرَجِ عَنْ الْمِلْكِ وَبَيْنَ إبَاحَةِ أَنْقَاضِ الْمَخْرَجِ لِلشَّفِيعِ وَكُلُّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ مُحَرَّمٍ بِالْبَاطِلِ، بَلْ كُلُّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْمُصَرَّاةُ، وَمَنْ بَايَعَ وَقَالَ: لَا خِلَابَةَ فَهَذَانِ خِيَارُهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَقَطْ.

وَمَنْ تُلُقِّيَتْ سِلْعَتُهُ فَهَذَا لَهُ الْخِيَارُ إذَا دَخَلَ السُّوقَ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَمَنْ وَجَدَ عَيْبًا لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ بِهِ، وَلَا شَرَطَ السَّلَامَةَ مِنْهُ. وَالشَّرِيكُ يَبِيعُ مَعَ غَيْرِ شَرِيكِهِ وَلَا يُؤْذِنُهُ. فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ الْخِيَارُ بِلَا تَحْدِيدِ مُدَّةٍ إلَّا حَتَّى يُقِرُّوا بِتَرْكِ حَقِّهِمْ: فَوَجَدْنَا مُشْتَرِي الْمُصَرَّاةِ، وَمَنْ بَايَعَ عَلَى أَنْ لَا خِلَابَةَ: يَنْقَضِي خِيَارُهُمَا بِتَمَامِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَلَا يَكُونُ لَهُمَا خِيَارٌ بَعْدَهَا، وَيَلْزَمُهُمَا الشِّرَاءُ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا، إذْ لَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يَلْزَمْ أَصْلًا إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ، فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يُخَيَّرْ فِي إمْضَائِهِ أَوْ فِي رَدِّهِ، بَلْ كَانَ يَكُونُ بَاطِلًا لَا خِيَارَ لِأَحَدٍ فِي تَصْحِيحِهِ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا، ثُمَّ جَعَلَ تَعَالَى لِلْمُشْتَرِي رَدَّهُ إنْ شَاءَ. فَصَحَّ أَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ رَدَّ أَوْ أَخَذَ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مَالِهِ. وَوَجَدْنَا مَنْ تَلَقَّى السِّلَعَ فَابْتَاعَ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِلْبَائِعِ خِيَارًا إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ إلَى السُّوقِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ خِيَارًا، فَصَحَّ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ التَّلَقِّي، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الِابْتِيَاعِ؛ لِأَنَّ التَّلَقِّيَ غَيْرُ الِابْتِيَاعِ فَهُمَا فِعْلَانِ، أَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ نَهَى عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الْآخَرِ، لَكِنْ جُعِلَ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ فِي رَدِّهِ أَوْ إمْضَائِهِ وَلَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَبَطَلَ جُمْلَةً. فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ لِلْمُشْتَرِي فِي رَدِّ الْبَائِعِ الْبَيْعَ، أَوْ إجَازَتِهِ. وَوَجَدْنَا مَنْ وَجَدَ عَيْبًا لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ بِهِ، وَلَا شَرَطَ السَّلَامَةَ مِنْهُ، لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا، إذْ لَوْ وَقَعَ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ إمْضَاؤُهُ، فَوَجَبَ أَيْضًا أَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ، رَدَّ أَوْ أَخَذَ. وَبَقِيَ أَمْرُ الشَّفِيعِ فَوَجَدْنَاهُ بِخِلَافِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ جَاءَ النَّصُّ بِإِجَازَتِهَا كَمَا قَدَّمْنَا، وَبَانَ الدَّلِيلُ بِأَنَّهَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً. وَوَجَدْنَا مَنْ يُمْكِنُهُ إيذَانُ شَرِيكِهِ فَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا اللَّفْظُ وَحْدَهُ لَوَجَبَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ بِكُلِّ حَالٍ، لَكِنْ لَمَّا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّرِيكَ أَحَقَّ، وَأَبَاحَ لَهُ الْأَخْذَ أَوْ التَّرْكَ: وَجَبَ أَنَّهُ مُرَاعًى كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ أَخَذَ

مسألة من تجب له الشفعة

فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُمْضِ ذَلِكَ الْعَقْدَ، بَلْ أَبْطَلَهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَزِمَهُ رَدُّ الْغَلَّةِ، وَإِنْ تَرَكَ الْأَخْذَ فَقَدْ أَجَازَهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ انْعَقَدَ جَائِزًا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِيذَانُ فَلَمْ يَأْتِ النَّصُّ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ، إلَّا أَنَّ لِلشَّرِيكِ الْأَخْذَ أَوْ التَّرْكَ، فَإِنْ أَخَذَ فَحِينَئِذٍ بَطَلَ الْعَقْدُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي هَاهُنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِنْ تجب لَهُ الشُّفْعَة] 1599 - مَسْأَلَةٌ: وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْبَدْوِيِّ، وَلِلسَّاكِنِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ، وَلِلْغَائِبِ، وَلِلصَّغِيرِ إذَا كَبُرَ، وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ، وَلِلذِّمِّيِّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ» وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ: لَا شُفْعَةَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا شُفْعَةَ لِمَنْ لَا يَسْكُنُ الْمِصْرَ، وَلَا لِلذِّمِّيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا شُفْعَةَ لِذِمِّيٍّ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: لَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ، وَقَالَهُ أَيْضًا الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، قَالَا: إلَّا الْقَرِيبَ الْغَيْبَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا شُفْعَةَ لِصَغِيرٍ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، فَإِنْ تَرَكَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ، أَوْ الْمَجْنُونِ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمَا لَزِمَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ النَّصِيحَةِ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لَيْسَ نَظَرًا لَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا، وَلَهُمَا الْأَخْذُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ غِشِّهِمَا [مَسْأَلَة بَيْع الشِّقْص بِعَرْضِ أَوْ بعقار] 1600 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بَاعَ الشِّقْصَ بِعَرَضٍ، أَوْ بِعَقَارٍ لَمْ يَجُزْ لِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ إلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَقَارِ، أَوْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَرَضِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا فَالْمَطْلُوبُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَلْزَمَهُ قِيمَةُ الْعَرَضِ أَوْ الْعَقَارِ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الشِّقْصَ وَيَلْزَمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَقَارِ، أَوْ مِثْلُ ذَلِكَ الْعَرَضِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِذَلِكَ الْعَرَضِ أَوْ ذَلِكَ الْعَقَارِ، وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَخْذُ الشِّقْصِ إلَّا بِمَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ سَوَاءٌ عَرَضَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ أَخَذَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؛ فَلَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ لَهُ قِبَلَهُ عَرَضٌ أَوْ عَقَارٌ عَجَزَ عَنْهُ، وَقَالَ تَعَالَى:

مسألة بيع الشقص بثمن إلى أجل

{وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَلَهُ الِاقْتِصَاصُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُ حُرْمَةِ الْمَالِ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع الشِّقْص بِثَمَنِ إلَى أَجَل] 1601 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شِقْصَهُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ فَالشَّفِيعُ أَحَقُّ بِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مَلِيًّا أَخَذَ الشِّقْصَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَضَمِنَهُ مَلِيءٌ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالنَّقْدِ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لَهُ: اصْبِرْ، فَإِذَا جَاءَ الْأَجَلُ فَخُذْهَا حِينَئِذٍ. قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ ذِمَّةَ الشَّرِيكِ وَقَدْ يُعْسِرُ قَبْلَ الْأَجَلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا شَيْءَ، وَنَقُولُ لَهُمْ: إنْ كَانَ لَمْ يَرْضَ ذِمَّةَ الشَّرِيكِ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مُرَاعَاةُ رِضَاهُ وَسَخَطِهِ؟ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَرْضَ مُعَامَلَتَهُ، وَقَدْ يُعْسِرُ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ أَيْضًا، فَالْأَرْزَاقُ مَقْسُومَةٌ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَالشَّرِيكُ أَحَقُّ» مُوجِبٌ لَهُ الْأَخْذُ بِمَا يَبِيعُ بِهِ جُمْلَةً وَتَفْضِيلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَاعَ الشَّرِيك حِصَّته بَعْد بَيْع شريكة قَبْل أَنْ يُؤَذِّنهُ] 1602 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ الشَّرِيكَ بَعْدَ بَيْعِ شَرِيكِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذِنَهُ بَاعَ أَيْضًا حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عَلِمَ بِأَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَالشُّفْعَةُ لَهُ كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ بَيْعُ مَالِهِ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَة وَلَا مَال لَهُ] 1603 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ وَلَا مَالَ لَهُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُهْمَلَ، لَكِنْ يُبَاعُ ذَلِكَ الشِّقْصُ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَفَّى بِالثَّمَنِ فَذَلِكَ، وَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ دُفِعَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ اُتُّبِعَ بِالْبَاقِي، وَأُنْظِرَ فِيهِ أَنْ يُوسِرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذُو مَالٍ بِذَلِكَ الشِّقْصِ الْوَاجِبِ لَهُ. وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلَيْسَ ذَا عُسْرَةٍ، لَكِنْ يُبَاعُ مَالُهُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ فَهُوَ حِينَئِذٍ ذُو عُسْرَةٍ بِالْبَاقِي فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ حِينَئِذٍ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى.

مسألة مات الشفيع قبل أن يقول أنا آخذ شفعتي

وَقَالَ قَوْمٌ: يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ حَقِّهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَقَّ بِهِ عَنْ يَدِهِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُ شُفْعَتِي] 1604 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنَا آخُذُ شُفْعَتِي فَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْحَقَّ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ، وَالْخِيَارُ لَا يُوَرَّثُ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْنَا أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُوَرَّثُ وَلَا تُعَارُ، هِيَ لِصَاحِبِهَا الَّذِي وَقَعَتْ لَهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الشُّفْعَةُ لِوَرَثَتِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: تُوَرَّثُ الشُّفْعَةُ كَمَا يُوَرَّثُ الْعَفْوُ فِي الدَّمِ أَوْ الْقِصَاصِ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا أُوهِمُوا بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ ثُمَّ هُوَ احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَفْوَ وَالْقِصَاصَ يُوَرَّثَانِ، خَطَأٌ، بَلْ هُمَا لِمَنْ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ ذُكُورِ الْأَوْلِيَاءِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ فِي الْأَمْوَالِ، لَا فِيمَا لَيْسَ مَالًا، وَلَوْ وُرِّثَ الْخِيَارُ لَوَجَبَ أَنْ يُوَرَّثَ عِنْدَهُمْ فِيمَنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَخَيَّرَهُ فِي طَلَاقِهَا أَوْ إبْقَائِهَا، فَمَاتَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَرِثَ وَرَثَتُهُ مَا جُعِلَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا. وَنَسْأَلُهُمْ أَيْضًا: لِمَنْ يَأْخُذُونَ الْوَرَثَةَ بِالشُّفْعَةِ، أَلِلْمَيِّتِ أَمْ لِأَنْفُسِهِمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِلْمَيِّتِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. وَإِنْ قَالُوا: لِأَنْفُسِهِمْ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُمْ إنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا تُوجَدُ شُفْعَةٌ، وَلَمْ يَكُونُوا حِينَ الْبَيْعِ شُرَكَاءَ، فَلَمْ تَجِبْ لَهُمْ شُفْعَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ، وَخَالَفُوا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ

مسألة باع شقصا أو سلعة معه صفقة واحدة فجاء الشفيع يطلب

أَحَدَ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِي لَهُمْ الْعَفْوُ أَوْ الْقِصَاصُ إنْ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَبَنَاتٍ لَمْ يَرِثْنَ الْخِيَارَ الَّذِي لَهُ. وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ يُوَرِّثُونَ الْعَفْوَ وَالْقِصَاصَ وَلَا يُوَرِّثُونَ الْخِيَارَ هَاهُنَا، فَأَمَّا إذَا بَلَغَ الشَّرِيكَ أَمْرُ الْبَيْعِ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ مَاتَ فَقَدْ صَحَّتْ لَهُ، وَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ حِينَئِذٍ، وَلِوَرَثَتِهِ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَالٌ قَدْ تَمَّ لَهُ. وَلَا مَعْنَى لِلطَّلَبِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا لِحُكْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا جُعِلَ الْقَاضِي لِيُجْبِرَ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْحَقِّ فَقَطْ وَلَا مَزِيدَ، وَلَوْ تَعَاطَى النَّاسُ الْحُقُوقَ بَيْنَهُمْ مَا اُحْتِيجَ إلَى قَاضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَاعَ شِقْصًا أَوْ سِلْعَةً مَعَهُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَاءَ الشَّفِيعُ يَطْلُبُ] 1605 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا أَوْ سِلْعَةً مَعَهُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَاءَ الشَّفِيعُ يَطْلُبُ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ الْكُلَّ وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِيَيْنِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طَرِيقٍ خَامِلَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشُّفْعَةِ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَلَا يُقْطَعُ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ بِالنَّصِّ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ لِلشَّفِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ إلَّا مَا كَانَ لَهُ إذَا أَذِنَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَالنَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ قَدْ بَيَّنَّا بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إلَّا مَا رَضِيَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، قَالَ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَالْبَائِعُ لَمْ يَرْضَ بِبَيْعِ الشِّقْصِ وَحْدَهُ دُونَ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَلَا يَجُوزُ إجْبَارُهُ عَلَى بَيْعِ مَا لَا يَرْضَى بَيْعَهُ بِغَيْرِ نَصٍّ. وَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ التَّرْكُ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ حَضَرَ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مَا كَانَ حَقَّهُ لَوْ أَخَذَهُ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْعَرْضِ قَبْلَ الْبَيْعِ تَبْعِيضُ مَا لَا يُرِيدُ الْبَائِعُ تَبْعِيضَهُ، فَإِنَّمَا لَهُ الْآنَ مَا كَانَ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَا مَزِيدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ وَأَيْضًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ صَفْقَةٍ لَمْ يَرْضَ قَطُّ تَبْعِيضَهَا، وَلَا أَنْ

مسألة كان له شركاء فباع من أحدهم

يَفْسَخَ عَنْ الْبَائِعِ بَيْعًا وَقَعَ صَحِيحًا إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ، وَلَا نَصَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ. فَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِ الشِّقْصِ وَحْدَهُ فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ كَرِضَا الْبَائِعِ بِذَلِكَ حِينَ الْإِيذَانِ. وَالْأَوْلَى عِنْدَنَا: أَنَّ الشَّرِيكَ أَحَقُّ بِجَمِيعِ الصَّفْقَةِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَقْدٌ وَاحِدٌ، إمَّا تَصِحُّ فَتَصِحُّ كُلُّهَا، وَإِمَّا تَفْسُدُ فَتَفْسُدُ كُلُّهَا، وَلَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُ عَقْدٍ وَاحِدٍ بِتَصْحِيحِ بَعْضِهِ وَإِفْسَادِ بَعْضِهِ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَة كَانَ لَهُ شُرَكَاءُ فَبَاعَ مِنْ أَحَدِهِمْ] 1606 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ شُرَكَاءُ فَبَاعَ مِنْ أَحَدِهِمْ كَانَ لِلشُّرَكَاءِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حِصَّتِهِ مِمَّا اشْتَرَى كَأَحَدِهِمْ، لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَهُمْ شُرَكَاءُ، فَهُوَ دَاخِلٌ مَعَهُمْ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ» وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: لَا حِصَّةَ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا بَاعَ مِنْ أَحَدِ شُرَكَائِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِينَ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ أَيْضًا. [مَسْأَلَة كَانَ بَعْض الشُّرَكَاء غَائِبًا فَاشْتَرَى أَحَدهمْ] 1607 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ غُيَّبًا فَاشْتَرَى أَحَدُهُمْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَقُولَ: لَا آخُذُ إلَّا حِصَّتِي لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَرْضَى بِبَيْعِ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِيمَنْ بَاعَ شِقْصًا وَسِلْعَةً. فَلَوْ بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَحَضَرَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا حِصَّتَهُ فَقَطْ فِي قَوْلِ قَوْمٍ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِينَ الْإِيذَانِ إلَّا ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ أَحَقُّ بِمَا كَانَ حَقَّهُ حِينَ الْإِيذَانِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَاعَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فممن يَأْخُذ الشَّرِيك حِصَّته] 1608 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بَاعَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ حِصَّةٍ شَاءَ وَيَدَعَ أَيَّهَا شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ

مسألة شركاء في شيء بعضهم بميراث وبعضهم ببيع

الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهَا عُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَعَقْدُ زَيْدٍ غَيْرُ عَقْدِ عَمْرٍو. وَلَوْ اسْتَحَقَّ الثَّمَنَ الَّذِي أَعْطَى أَحَدُهُمَا فَانْفَسَخَ عَقْدُهُ لَمْ يَكْدَحْ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ شُرَكَاءُ فِي شَيْءٍ بَعْضُهُمْ بِمِيرَاثٍ وَبَعْضُهُمْ بِبَيْعٍ] 1609 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ شُرَكَاءُ فِي شَيْءٍ بَعْضُهُمْ بِمِيرَاثٍ، وَبَعْضُهُمْ بِبَيْعٍ، وَبَعْضُهُمْ بِهِبَةٍ، وَفِيهِمْ إخْوَةٌ وَرِثُوا أَبَاهُمْ مَا كَانَ أَبُوهُمْ وَرِثَهُ مَعَ أَعْمَامِهِمْ، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ فَالْجَمِيعُ شُفَعَاءُ عَلَى عَدَدِهِمْ، لَيْسَ الْأَخُ أَوْلَى بِحِصَّةِ أَخِيهِ مِنْ عَمِّهِ، وَلَا مِنْ امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَلَا مِنْ امْرَأَةِ جَدِّهِ، وَلَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ» وَكُلُّهُمْ شَرِيكُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ إخْوَةُ الْأُمِّ وَزَوْجَاتٌ وَبَنَاتٌ وَأَخَوَاتٌ وَعَصَبَةٌ فَبَاعَ أَحَدُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فَسَائِرُ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَى الزَّوْجَاتِ فَسَائِرُهُنَّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَحَدُ الْبَنَاتِ فَسَائِرُهُنَّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَى الْأَخَوَاتِ فَسَائِرُهُنَّ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: لَوْ بَاعَ أَحَدُ الْعُصْبَةِ لَمْ يَكُنْ سَائِرُ الْعُصْبَةِ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ، بَلْ يَأْخُذُهَا مَعَهُمْ الْبَنَاتُ، وَالزَّوْجَاتُ، وَالْأَخَوَاتُ، وَالْإِخْوَةُ لِأُمٍّ. قَالَ: فَلَوْ اشْتَرَى بَنَاتُ إنْسَانٍ شِقْصًا وَاشْتَرَى أَخَوَاتُهُ شِقْصًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَاشْتَرَى أَجْنَبِيُّونَ شِقْصًا ثَالِثًا مِنْهُ فَبَاعَ إحْدَى الْبَنَاتِ أَوْ إحْدَى الْأَخَوَاتِ لَمْ يَكُنْ أَخَوَاتُهَا أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ عَمَّتِهَا، وَلَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ وَرَثَةٌ وَمُشْتَرُونَ فِي شَيْءٍ فَبَاعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ مَعَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي إيرَادُهُ عَنْ تَكَلُّفِ إفْسَادِهِ لِفُحْشِ تَنَاقُضِهِ، وَظُهُورِ فَسَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَاعَ شِقْصًا وَلَهُ شُرَكَاء مختلفة أنصبائهم] 1610 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شِقْصًا وَلَهُ شُرَكَاءُ لِأَحَدِهِمْ مِائَةُ سَهْمٍ، وَلِآخَرَ عِشْرُونَ،

مسألة لا شفعة إلا بتمام البيع بالتفريق أو التخيير

وَلِآخَرَ عُشْرُ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ: فَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَيَقْتَسِمُونَ مَا أَخَذُوا بِالسَّوَاءِ، وَلَا مَعْنَى لِتَفَاضُلِ حِصَصِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَشَرِيكٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَشْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عُبَيْدَةَ: وَأَشْعَثَ قَالَ عُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَأَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: الشُّفْعَةُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَبِهِ كَانَ يَقْضِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ: وَابْنِ سِيرِينَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَشَرِيكُهُ» تَسْوِيَةٌ بَيْنَ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ وَلَوْ كَانَ هُنَالِكَ مُفَاضَلَةً لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُجْمِلْ الْأَمْرَ: فَبَطَلَتْ الْمُفَاضَلَةُ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ، فَإِنَّهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ وَلَا يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى حِصَصِ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوهَا بِكَوْنِهِمْ مِنْ الْوَرَثَةِ. [مَسْأَلَة لَا شُفْعَةَ إلَّا بِتَمَامِ الْبَيْعِ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ التَّخْيِيرِ] 1611 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا شُفْعَةَ إلَّا بِتَمَامِ الْبَيْعِ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ التَّخْيِيرِ لِأَنَّهَا لَيْسَ بَيْعًا قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِتَفَرُّقِ الْأَبَدَانِ. [مَسْأَلَة مَا يَقْطَع الشُّفْعَة] 1612 - مَسْأَلَةٌ: وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْأَجْزَاءُ مَقْسُومَةً إذَا كَانَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا وَاحِدًا مُتَمَلَّكًا نَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ لَهُمْ، فَإِنْ قُسِّمَ الطَّرِيقُ أَوْ كَانَ نَافِذًا غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ لَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ حِينَئِذٍ كَانَ مُلَاصِقًا أَوْ لَمْ يَكُنْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» فَلَمْ يَقْطَعْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وُقُوعُ الْحُدُودِ، وَصَرْفُ الطُّرُقِ، لَا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. وَلَا يَقْطَعُ الشُّفْعَةَ قِسْمَةٌ فَاسِدَةٌ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قِسْمَةً.

وَلَا يَقْطَعُهَا قِسْمَةٌ صَحِيحَةٌ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ وَجَبَ قَبْلَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ: الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ، فَإِنْ تَرَكَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ، فَلِشَرِيكِهِ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ أَوْ الدَّارُ قَدْ قُسِّمَتْ، فَإِنْ تَرَكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قَدْ وَقَعَتْ وَالطَّرِيقُ غَيْرُ الطَّرِيقِ، وَلَا شُفْعَةَ لِجَارٍ غَيْرِ مُلَاصِقٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ فَقَطْ. وَقَالَ آخَرُونَ: الشُّفْعَةُ لِكُلِّ جَارٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، وَرُوِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ آثَارٌ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا قُسِّمَتْ الْأَرْضُ وَحُدِّدَتْ فَلَا شُفْعَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ، وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: إذَا ضُرِبَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِينَ، وَالدُّورِ، وَلَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَخْرُجُ كُلُّ هَذَا عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ مَعَ الْقِسْمَةِ إذَا بَقِيَ الطَّرِيقُ مُتَمَلَّكًا غَيْرَ مَقْسُومٍ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَمْ تُضْرَبْ بَعْدُ وَالْقِسْمَةَ لَمْ تَتِمَّ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بَيَّنَّا، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَا «عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي رَافِعٍ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلَا تَأْمُرُ هَذَا يَعْنِي سَعْدًا فَيَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتَيَّ اللَّذَيْنِ فِي دَارِهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ مُقَطَّعَةً أَوْ قَالَ مُنَجَّمَةً، فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: إنْ كُنْتُ

لَأَمْنَعُهُمَا مِنْ خَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ نَقْدًا، وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا بِعْتُكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ يَقْضِي بِالْجِوَارِ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِهِ إلَّا مَا كَانَ بَيْنَ جَارَيْنِ مُخْتَلِطَيْنِ أَوْ دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهَا بَابٌ وَاحِدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ مُوسَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: إذَا قُسِّمَتْ الْأَرْضُ وَحُدَّتْ وَصُرِّفَتْ طُرُقُهَا فَلَا شُفْعَةَ فَهَذَا كُلُّهُ قَوْلٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا أَبَا رَافِعٍ فِي رُؤْيَتِهِ الشُّفْعَةَ فِي الْمَقْسُومِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاحِدًا مُتَمَلَّكًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ شُرَيْحٌ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اقْضِ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ زَادَ بَعْضُهُمْ: الْمُلَازِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ كَانَ يَقْضِي بِالْجِوَارِ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرِو عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْخَلِيطُ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِّينَا مِثْلَهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَحَمَّادٍ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: لَا شُفْعَةَ لِجَارٍ غَيْرِ مُلَاصِقٍ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ غَيْرُ مُتَمَلَّكَةٍ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذَا قُسِّمَتْ الْأَرْضُ فَلَا شُفْعَةَ فَقَالَ: لَا، الْجَارُ أَحَقُّ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ عَسْكَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ فِي الْجَارِ: الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ يَعْنِي فِي الشُّفْعَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ مُطْلَقًا بَعْدَ الشَّرِيكِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْجَارُ الَّذِي تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ أَرْبَعُونَ دَارًا حَوْلَ الدَّارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الدَّارِ أَرْبَعُونَ دَارًا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كُلُّ مَنْ صَلَّى مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ جِيرَانُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا أَبُو الْعَيْزَارِ سَمِعْت أَبَا قِلَابَةَ يَقُولُ: الْجِوَارُ أَرْبَعُونَ دَارًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَنَا أَبِي قَالَ: نا الْوَلِيدُ سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ: أَرْبَعُونَ دَارًا هَاهُنَا وَأَرْبَعُونَ دَارًا هِيَ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ أَرْبَعُونَ أَرْبَعُونَ أَرْبَعُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ خَالِي نا عَلَيَّ بْن الْمَدِينِيّ نا ابْن أَبِي زَائِدَة عَنْ إِسْحَاق بْن فائد سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَنْ جَارُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ الْغَدَاةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَحْضُرُنَا الْآنَ ذِكْرُ اسْمِ مَنْ قَالَ: هُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَّا أَنَّهُ قَوْلٌ قَدْ قِيلَ.

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَنْ حَدَّ بِأَرْبَعِينَ دَارًا، أَوْ بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ، أَوْ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِالْخَبَرِ «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» إلَّا أَنَّ تَحْدِيدَ الْأَرْبَعِينَ؛ وَصَلَاةَ الْغَدَاةِ، لَا وَجْهَ لَهُ، فَنَظَرْنَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ هَؤُلَاءِ فَوَجَدْنَا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَرْوَزِيِّ نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ وَالْجِوَارِ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا يَنْتَظِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ أَرْضًا إلَى جَنْبِ أَرْضِ رَجُلٍ فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا؟ فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ فِي أَرْضِي طَرِيقٌ وَلَا حَقٌّ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ أَحَقُّ بِهَا فَقَضَى لَهُ بِالْجِوَارِ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ أَيْضًا نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالَا جَمِيعًا: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجِوَارِ» . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَبِالْأَرْضِ» يَعْنِي فِي الشُّفْعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ حُبَابٍ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حُبَابٍ، أَخْطَأَ فِيهِ عِيسَى إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْحَسَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ نا أَبُو الْمُعَلَّى نا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ الْيَمَامِيُّ عَنْ الْفَضْلِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِ أَرْضِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ «عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْد عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضٌ لَيْسَ فِيهَا لِأَحَدٍ قَسْمٌ وَلَا شِرْكٌ إلَّا الْجِوَارُ؟ قَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا كَانَ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ عَنْ دَلَالَ بِنْتِ أَبِي الْعَدْلِ عَنْ الصهفاق «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الْجِوَارِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ دَارًا» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّفِيعُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ وَالْجَارُ أَوْلَى مِنْ الْجَنْبِ» وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْجِوَارِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّرِيكُ أَوْلَى بِشُفْعَتِهِ» . هَذَا كُلُّ مَا جَاءَ لَهُمْ مِمَّا يَتَعَلَّقُونَ بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ كُلُّهُ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَا إلَّا إمَّا الْجَارُ أَحَقُّ عَلَى الْعُمُومِ، فَهِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى الشُّفْعَةَ لِكُلِّ جَارٍ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَهَا لِكُلِّ جَارٍ، لَكِنْ لِلْمُلَاصِقِ وَحْدَهُ، أَوْ لِلَّذِي طَرِيقُهُمَا وَاحِدٌ مُتَمَلَّكٌ فَقَطْ وَإِمَّا الْجَارُ الَّذِي طَرِيقُهُمَا وَاحِدٌ فَقَطْ: وَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ، وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ

الْأَخْبَارِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُ الْحَنَفِيِّينَ بِهَا جُمْلَةً، وَحَصَلَ قَوْلُهُمْ عَارِيًّا مِنْ مُوَافَقَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ. ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ فِيهَا حُجَّةٌ لِمَنْ يَرَى الشُّفْعَةَ لِكُلِّ جَارٍ: فَبَدَأْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، وَلَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ، لَكِنْ لَا يُدْرَى مِمَّنْ هُوَ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّنَا لَوْ شَهِدْنَا جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُحَدِّثُ بِهِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ نَصَّهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشُّفْعَةِ وَالْجِوَارِ» فَأَمَّا الشُّفْعَةُ فَقَدْ عَرَفْنَا مَا هِيَ مِنْ أَخْبَارٍ أُخَرَ. وَأَمَّا الْجِوَارُ فَمَا نَدْرِي مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَصْلًا. وَمَنْ فَسَّرَ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَقْلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَوِّلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْ وَقَوْلُ الْقَائِلِ: قَضَى بِالْجِوَارِ، لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشُّفْعَةِ وَلَعَلَّهُ الْبِرُّ لِلْجَارِ مِنْ أَجْلِ الْجِوَارِ، فَهَذَا أَبْيَنُ بِصِحَّةِ وُجُوبِهِ بِالْقُرْآنِ، وَبِالسُّنَنِ الصِّحَاحِ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا، وَلَكِنَّا لَا نَحْتَجُّ بِمَا لَا نُصَحِّحُهُ وَإِنْ وَافَقْنَا، لَا كَمَا يَصْنَعُ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَزَالُ يَحْتَجُّ بِمَا وَافَقَهُ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ صَحِيحًا، وَيَرُدُّ الضَّعِيفَ، وَالصَّحِيحَ إذَا لَمْ يُوَافِقْ تَقْلِيدَهُ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ رِوَايَةُ عَبْدَةَ وَأَحْمَدَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْعَرْزَمِيِّ جَاءَتْ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد وَهِيَ كَوْنُ الطَّرِيقِ وَاحِدًا فَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ الْعَرْزَمِيِّ لَكَانَ الْأَخْذُ بِزِيَادَةِ الْعَدْلَيْنِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ فِي أَرْضِي طَرِيقٌ، لَا نُخَالِفُ الْقَوْلَ إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُرْعَاةَ إنَّمَا هِيَ إلَى الْأَرْضِ، لَا كَوْنُهَا فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فَوَجَدْنَاهُ مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّ الْحَكَمَ لَمْ يُدْرِكْهُمَا وَلَا سَمَّى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْهُمَا: فَبَطَلَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا

فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى بِالْجِوَارِ وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الشُّفْعَةِ أَصْلًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ سَمُرَةَ فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَوَجَدْنَا نَصَّهُ «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» فَكَانَ هَذَا رُبَّمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِمَنْ جَعَلَ الشُّفْعَةَ لِكُلِّ جَارٍ لَوْلَا مَا نَذْكُرُهُ إذَا أَتْمَمْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا وَمَا نَرَى سَمَاعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ كَانَ مِنْ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ، وَحَسْبُك أَنَّ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِشُفْعَةٍ أَصْلًا، وَالتَّكَهُّنُ لَا يَحِلُّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِبِرِّ أَهْلِ الدَّارِ وَرِفْدِهِمْ، فَهَذَا أَحْسَنُ وَأَوْلَى لِصِحَّةِ وُرُودِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] وَقَدْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَارِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الشُّفْعَةَ، وَكَانَ قَوْلُهُمْ هَذَا كَهَانَةً وَظَنًّا، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَوَجَدْنَاهُ فِي نِهَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ الْيَمَامِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ عَنْ الْفَضْلِ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ دَلْهَمٍ فَهُوَ سَاقِطٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ، ثُمَّ لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَطُّ كَلِمَةً، وَلَا اجْتَمَعَ مَعَهُ فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِ أَرْضِهِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَوَجَدْنَاهُ أَسْقَطَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ عَنْ دَلَالَ بِنْتِ أَبِي المدل وَلَا يُدْرَى مَنْ هِيَ عَمَّنْ: لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا بَيَانُ أَنَّهُ فِي الشُّفْعَةِ. لَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُتَكَهِّنِينَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنْ يَأْخُذُوهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهَا وَلَا فَرْقَ، كَهَانَةٌ بِكَهَانَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ فَوَجَدْنَاهُ لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، ثُمَّ هُوَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ الْحَسَنِ فَوَجَدْنَاهُ مُرْسَلًا، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى بِالْجِوَارِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مِنْ الشُّفْعَةِ أَثَرٌ وَلَا عِثْيَرٌ وَلَا إشَارَةٌ وَكَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُرْسَلًا، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الشَّرِيكُ أَوْلَى بِصَقَبِهِ، وَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ، بَلْ نَقُولُ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ فَوَجَدْنَاهُ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ لِلشُّفْعَةِ ذِكْرٌ وَلَا أَثَرٌ. وَقَدْ حَدَّثَنَا حُمَامُ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبُغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن يَعْلَى بْن كَعْبٍ الثَّقَفِيّ قَالَ: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ يُحَدِّثُ عَنْ الشَّرِيدِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَرْءُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِصَقَبِهِ قُلْتُ لِعَمْرٍو: مَا صَقَبُهُ؟ قَالَ: الشُّفْعَةُ، قُلْت: زَعَمَ النَّاسُ أَنَّهَا الْجِوَارُ؟ قَالَ: النَّاسُ يَقُولُونَ ذَلِكَ» فَهَذَا رَاوِي الْحَدِيثِ عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ، وَلَا يَرَى لَفْظَ مَا رُوِيَ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ لَكَانَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلُهُ، وَقَضَاؤُهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» يَقْضِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَيَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، فَكَيْفَ وَلَا بَيَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَكْثَرُهَا لَا يَصِحُّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِهَا لِسُقُوطِ طُرُقِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَظِيمِ إقْدَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي زَمَانِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا؟ وَمَنْ أَخْبَرَهُمْ بِهِ؟ وَالْقَوْمُ قَدْ رَزَقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ اسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ فِي الدِّينِ حَظًّا وَافِرًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ. وَقَالُوا فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ نا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ عَنْهُمْ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قُسِّمَتْ الْأَرْضُ وَحُدَّتْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا.» قَالُوا: نَعَمْ لَيْسَتْ الْقِسْمَةُ وَلَا التَّحْدِيدُ مُوجِبَيْنِ فِيهَا شُفْعَةً، إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ

بِالْبَيْعِ، فَكَانَ هَذَا بُرْهَانًا قَوِيًّا عَلَى عَدَمِ الْحَيَاءِ مِنْ وَجْهِ قَائِلِهِ فَقَطْ وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالسُّخْفِ وَبِمَا لَا مَعْنَى لَهُ. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقِسْمَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي أَرْضٍ قُسِّمَتْ؟ أَتَرَى أَحَدَهُمَا يَأْخُذُ مَالَ صَاحِبِهِ مُصَادَمَةً؟ هَذَا مُحَالٌ. فَكَيْفَ وَهُوَ خَبَرٌ مُسْنَدٌ، مَرَّةً ذَكَرَ الثِّقَاتُ هَذَا اللَّفْظَ وَحْدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَرَّةً أَضَافُوهُ إلَى لَفْظٍ آخَرَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ نا أَبُو إبْرَاهِيمَ يَحْيَى بْنُ أَبِي قَتِيلَةَ الْمَدَنِيُّ نا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» . فَظَهَرَ فَسَادُ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ، فَأَشَدُّهَا فَسَادًا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ جَمِيعَ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ لَا بِخَبَرٍ صَحِيحٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، بَلْ خَالَفَ كُلَّ رِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ عَنْ صَاحِبٍ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ أَنَّ الْحُدُودَ تَقْطَعُ الشُّفْعَةَ. وَرِوَايَةً عَنْ عُمَرَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْمُلَازِقِ، وَلَا تُعْرَفُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ، وَحَتَّى لَوْ صَحَّتْ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ لِلْجَارِ جُمْلَةً، فَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُلَازِقِ. وَعَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي رَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرَا أَنْ لَا شُفْعَةَ لِجَارٍ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ غَيْرُ مُتَمَلَّكٍ، لَا عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهَذَا الْخَبَرِ وَبِمِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» ؟ فَقُلْنَا: إنَّ حَدِيثَ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ فِيهِ «إذَا وَقَعَتْ

الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» فَكَانَ هَذَا بَيَانًا زَائِدًا لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ وَزِيَادَةَ عَدْلٍ أَخْذُهَا وَاجِبٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا قُسِّمَتْ الْأَرْضُ فَلَا شُفْعَةَ» يُوجِبُ قَوْلَنَا لَا قَوْلَهُمْ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ زِيَادَةُ مَعْمَرٍ، لِأَنَّهُ وَإِنْ قُسِّمَتْ الْأَرْضُ وَالدَّارُ، وَكَانَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا مُتَمَلَّكًا لِأَهْلِهَا فَلَمْ يُقَسِّمُوهُ فَلَمْ تُقَسَّمْ تِلْكَ الْأَرْضُ بَعْدُ، لَكِنْ قُسِّمَ بَعْضُهَا وَحُدَّ بَعْضُهَا، وَلَمْ يُبْطِلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ الشُّفْعَةَ بِقِسْمَةِ الْبَعْضِ، لَكِنْ بِقِسْمَةِ الْكُلِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب السلم

[كِتَابُ السَّلَمِ] [مَسْأَلَةٌ السَّلَم لَيْسَ بَيْعًا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ السَّلَمِ 1613 مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: السَّلَمُ لَيْسَ بَيْعًا؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الدِّيَانَاتِ لَيْسَتْ إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَفَ، أَوْ التَّسْلِيفَ، أَوْ السَّلَمَ. وَالْبَيْعُ يَجُوزُ بِالدَّنَانِيرِ وَبِالدَّرَاهِمِ حَالًّا وَفِي الذِّمَّةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ. وَالسَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَلَا بُدَّ وَالْبَيْعُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مُتَمَلَّكٍ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ. وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَقَطْ. وَلَا يَجُوزُ فِي حَيَوَانٍ وَلَا مَذْرُوعٍ وَلَا مَعْدُودٍ وَلَا فِي شَيْءٍ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا. وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ فِيمَا لَيْسَ عِنْدَك. وَالسَّلَمُ يَجُوزُ فِيمَا لَيْسَ عِنْدَك. وَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ. وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِي كِتَابِي عَنْ ابْنِ نَامِي، وَفِي كِتَابِ غَيْرِي عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ شَيْبَانُ نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَبْدُ الْوَارِثِ وَالْآخَرُ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ حَدَّثَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَفَ فَلَا يُسْلِفْ إلَّا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ» . فَهَذَا مَنْعُ السَّلَفِ وَتَحْرِيمُهُ أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَفِي هَذَا إيجَابُ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ. وَقَدْ صَحَّ «نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك» فَصَحَّ مَا قُلْنَا نَصًّا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَدْ فَرَّقَ الْأَوْزَاعِيِّ، وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَأَصْحَابِنَا الظَّاهِرِيِّينَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَا كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ جَازَ حَالًّا، وَمَا كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَجَلٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: مَا كَانَ أَجَلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَهُوَ بَيْعٌ، وَمَا كَانَ أَجَلُهُ أَكْثَرَ فَهُوَ سَلَمٌ. قَالَ الْقُمِّيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْحَنَفِيِّينَ: السَّلَمُ لَيْسَ بَيْعًا، وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ:

فَطَائِفَةٌ كَرِهَتْ السَّلَمَ جُمْلَةً: كَمَا رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى نا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ السَّلَمَ كُلَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نُهِيَ عَنْ الْعِينَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ الْعِينَةَ فَقَالَ: نُبِّئْت أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ وَبَيْنَهُمَا جَرِيرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: الْعِينَةُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَرِهَا الْعِينَةَ، وَمَا دَخَلَ النَّاسُ فِيهِ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ أَبِي جَنَابٍ، وَزَيْدِ بْنِ مَرْدَانُبَةَ قَالَا: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ: انْهَ مَنْ قِبَلَك عَنْ الْعِينَةِ، فَإِنَّهَا أُخْتُ الرِّبَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْعَيِّنَةُ هِيَ السَّلَمُ نَفْسُهُ، أَوْ بَيْعُ سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، فَبَقِيَ السَّلَمُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَاحَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ السَّلَمَ فِي الْمَعْدُودِ، وَالْمَذْرُوعِ مِنْ الثِّيَابِ بِغَيْرِ ذِكْرِ وَزْنِهِ وَمَنَعَا مِنْ السَّلَفِ حَالًّا، فَكَانَ هَذَا عَجَبًا مِنْ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» مَانِعًا مِنْ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ حَالًّا، أَوْ نَقْدًا، فَإِنَّ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُسَلِّفَ إلَّا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ أَشَدُّ فِي التَّحْرِيمِ وَأَوْكَدُ فِي الْمَنْعِ مِنْ السَّلَمِ فِي غَيْرِ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَلَئِنْ كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَذْرُوعِ، وَالْمَعْدُودِ جَائِزًا فَإِنَّ قِيَاسَ جَوَازِ الْحُلُولِ وَالنَّقْدِ عَلَى جَوَازِ الْأَجَلِ أَوْلَى، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمَا بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، بَلْ الْمَنْعُ مِنْ السَّلَفِ فِي غَيْرِ

الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْضَحُ، لِأَنَّهُ جَاءَ بِلَفْظِ النَّهْيِ، وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إذَا خَالَفَ النَّصَّ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَأَجَازَ السَّلَمَ حَالًّا قِيَاسًا عَلَى جَوَازِهِ إلَى أَجَلٍ، وَأَجَازَ السَّلَمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَانْتَظَمَ خِلَافُ الْخَبَرِ فِي كُلِّ مَا جَاءَ فِيهِ، وَكَانَ أَطْرَدَهُمْ لِلْقِيَاسِ وَأَفْحَشَهُمْ خَطَأً. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ اُسْتُثْنِيَ مِنْ جُمْلَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْسَ كُلُّ مَا عُوِّضَ فِيهِ بِآخَرَ بَيْعًا، فَهَذَا الْقَرْضُ مَالٌ بِمَالٍ، وَلَيْسَ بَيْعًا بِلَا خِلَافٍ. وَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَمَا نَعْلَمُ لِتَخْصِيصِهِمْ الْحَيَوَانَ بِالْمَنْعِ مِنْ - السَّلَمِ فِيهِ دُونَ سَائِرِ مَا أَبَاحُوا السَّلَمَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ: حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ مَوَّهَ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ الرِّبَا مَا لَا يَكَادُ يَخْفَى كَالسَّلَمِ فِي سِنٍّ. قَالُوا: وَعُمَرُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَلَا يَقُولُ مِثْلَ هَذَا إلَّا بِتَوْقِيفٍ. فَقُلْنَا لَهُ: هَذَا لَا يُسْنَدُ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ، وَهِيَ مُغَضَّفَةٌ لَمَّا تَطِبْ بَعْدُ، وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَهُ عَلَى الْقَطْعِ فَمَرَّةً عُمَرُ حُجَّةٌ، وَمَرَّةً لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: مِنْ الرِّبَا أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ وَهِيَ مُغَضَّفَةٌ لَمَّا تَطِبْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ ابْنِ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الرَّهْنِ فِي السَّلَفِ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا الْمَضْمُونُ، وَهُمْ يُجِيزُونَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ إنَّهُ الرِّبَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ حُجَّةً فِي أَنَّهُ رِبًا مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَاعُ الْبَعِيرَ بِالْقَلُوصَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَمْرِهِ»

وَهَذَا حَدِيثٌ فِي غَايَةِ فَسَادِ الْإِسْنَادِ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ كَثِيرٍ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ الدِّينَوَرِيِّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ الزُّبَيْدِيِّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَمَرَّةً قُلِبَ الْإِسْنَادُ؛ فَجُعِلَ أَوَّلُهُ آخِرَهُ وَآخِرُهُ أَوَّلَهُ: فَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ جُبَيْرٍ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْشٍ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ إلَّا مُجَاهِرٌ بِالْبَاطِلِ أَوْ جَاهِلٌ أَعْمَى. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: لِأَنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ إلَى الصَّدَقَةِ لَا يَجُوزُ، فَقَدْ خَالَفُوهُ، وَمَجِيءُ إبِلِ الصَّدَقَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا عَظِيمًا مِنْهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ كَبَلِيٍّ وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْهُ عَلَى عِشْرِينَ يَوْمًا كَتَمِيمٍ، وطيئ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ سَلَمَ الْإِبِلِ فِي الْإِبِلِ إلَّا بِشَرْطِ اخْتِلَافِهَا فِي الرِّحْلَةِ وَالنَّجَابَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. فَإِنْ قَالُوا: نَحْمِلُهُ عَلَى هَذَا؟ قُلْنَا: إنْ فَعَلْتُمْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَبْتُمْ وَزِدْتُمْ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يُرْوَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِكُلِّ بَلِيَّةٍ، كَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ: أَنْ يَأْخُذُوا بِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقُلْنَا: هَذَا عَجَبٌ يَكُونُ قَوْلُ عُمَرَ " مِنْ الرِّبَا السَّلَمُ فِي سِنٍّ " مُضَافًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَيَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ بِغَيْرِ عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي نَصِّهِ: «فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ آخُذَ فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَكُنْتُ أَبْتَاعُ الْبَعِيرَ بِالْقَلُوصَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَتْ الصَّدَقَةُ قَضَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُفٍّ أُفٍّ لِعَدَمِ الْحَيَاءِ»

وَلَا تُمَوِّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكْرٌ فَقَضَاهُ، فَإِنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ قَرْضًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْقَرْضِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَكَذَلِكَ «ابْتِيَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَبْدَ الَّذِي هَاجَرَ إلَيْهِ بِعَبْدَيْنِ وَصَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ» : فَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ نَقْدًا. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِخَبَرِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ، وَبِتِلْكَ الْمَرَاسِيلِ وَالْبَلَايَا أَنْ يَقُولُوا: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَيَوَانُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسَاءٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ فَخَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ جُمْلَةً. وَأَجَازُوا الْحَيَوَانَ كُلَّهُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ نَسِيئَةً. وَأَجَازُوهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذَا اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهُ بِتَخَالِيطَ لَا تُعْقَلُ. وَنَسِيَ الْحَنَفِيُّونَ قَوْلَهُمْ: إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّكَاةُ فِي السَّائِمَةِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا، فَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا: نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْعُرُوضِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ. وَأَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ الْمُكَاتَبَةَ عَلَى الْوُصَفَاءِ، وَإِصْدَاقَ الْوُصَفَاءِ فِي الذِّمَّةِ وَمَنَعُوا مِنْ السَّلَمِ فِي الْوُصَفَاءِ فَقَالُوا: النِّكَاحُ يَجُوزُ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ؟ قُلْنَا: وَالسَّرِقَةُ حُكْمُهَا غَيْرُ حُكْمِ النِّكَاحِ، وَقَدْ قِسْتُمْ مَا يَكُونُ صَدَاقًا عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ، وَمَا فِي حُكْمٍ إلَّا، وَهُوَ يُخَالِفُ سَائِرَ الْأَحْكَامِ ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْكُمْ ذَلِكَ مِنْ قِيَاسِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ حَيْثُ اشْتَهَيْتُمْ.

مسألة الأجل في السلم

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ نُبَيْحًا الْعَنَزِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: السَّلَمُ بِالسِّعْرِ، وَلَكِنْ اسْتَكْثِرْ بِدَرَاهِمِك أَوْ بِدَنَانِيرِك إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] فِي السَّلَفِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا عِيسَى الْحَنَّاطُ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كَيْلٌ مَعْلُومٌ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. عَنْ ابْنِ عُمَرَ إبَاحَةُ السَّلَمِ فِي الْكَرَابِيسِ وَهِيَ ثِيَابٌ وَفِي الْحَرِيرِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السَّبَائِبِ وَهُوَ الْكَتَّانُ وَكُلُّ ذَلِكَ يُمْكِنُ وَزْنُهُ، وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إجَازَةَ سَلَمٍ حَالٍّ، وَلَا فِي غَيْرِ مَكِيلٍ، وَلَا مَوْزُونٍ إلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ: فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا أَيْضًا: إبَاحَتَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِاسْتِدْلَالٍ لَا بِنَصٍّ. وَرُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ صَحِيحًا، وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ] 1614 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَجَلُ فِي السَّلَمِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ أَجَلٍ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَحُدَّ أَجَلًا مِنْ أَجَلٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَالْأَجَلُ سَاعَةٌ فَمَا فَوْقَهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ: لَا يَكُونُ الْأَجَلُ فِي ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَحْدِيدٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: مَا تَتَغَيَّرُ إلَيْهِ الْأَسْوَاقُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ

مسألة الثمن في السلم

تَحْدِيدٌ بِلَا بُرْهَانٍ ثُمَّ إنَّ الْأَسْوَاقَ قَدْ تَتَغَيَّرُ مِنْ يَوْمِهَا، وَقَدْ لَا تَتَغَيَّرُ شُهُورًا وَكِلَاهُمَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَى التَّحْدِيدِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [مَسْأَلَة الثَّمَن فِي السَّلَم] 1615 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي السَّلَمِ إلَّا مَقْبُوضًا فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ تَمَامِ قَبْضِ جَمِيعِهِ بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِأَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . " وَالتَّسْلِيفُ " فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هُوَ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا فِي شَيْءٍ، فَمَنْ لَمْ يَدْفَعْ مَا أُسْلِفَ فَلَمْ يُسَلَّفْ شَيْئًا، لَكِنْ وَعَدَ بِأَنْ يُسَلِّفَ. فَلَوْ دَفَعَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ سَوَاءٌ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ فَهِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَقْدٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّ عَقْدٍ وَاحِدٍ جَمَعَ فَاسِدًا وَجَائِزًا فَهُوَ كُلُّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَالتَّرَاضِي مِنْهُمَا لَمْ يَقَعْ حِينَ الْعَقْدِ إلَّا عَلَى الْجَمِيعِ، لَا عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، فَلَا يَحِلُّ إلْزَامُهُمَا مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا جَمِيعًا عَلَيْهِ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، لَا عَنْ تَرَاضٍ. وَالسَّلَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا فَهُوَ دَيْنٌ تَدَايَنَاهُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَتِجَارَةٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَّا عَنْ تَرَاضٍ وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِيمَا قُبِضَ وَيَبْطُلُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ تَأَخَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَكْثَرَ أَوْ بِأَجَلٍ بَطَلَ الْكُلُّ. وَهَذَانِ قَوْلَانِ فَاسِدَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، لَا سِيَّمَا قَوْلَ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ مُتَنَاقِضٌ مَعَ فَسَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إذَا وجد بِثَمَنِ السَّلَم عَيْبًا] 1616 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَجَدَ بِالثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ عَيْبًا، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ السَّلَامَةَ بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي أُعْطِيَ غَيْرَ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ، فَصَارَ عَقْدَ سَلَمٍ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّلَامَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْبِسَ مَا أَخَذَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَرُدَّ وَتُنْقَضُ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ رَدَّ الْمَعِيبَ صَارَ سَلَمًا لَمْ يَسْتَوْفِ ثَمَنَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

مسألة ما يشترط في السلم

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْتَبْدِلُ الزَّائِفَ، وَيُبْطِلُ مِنْ الصَّفْقَةِ بِقَدْرِ مَا وَجَدَ مِنْ السَّتُّوقِ، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي. وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْتَبْدِلُ كُلَّ ذَلِكَ وَالْحُجَّةُ فِي هَذِهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا وَلَا فَرْقَ. [مَسْأَلَة مَا يَشْتَرِط فِي السَّلَم] 1617 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا فِي السَّلَمِ دَفْعَهُ فِي مَكَان بِعَيْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَا فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَكُلَّمَا قُلْنَا أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ فَاسِدٌ، فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» لَكِنَّ حَقَّ السَّلَمِ قِبَلَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ فَحَيْثُ مَا لَقِيَهُ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَلَهُ أَخْذُهُ، يَدْفَعُ حَقَّهُ إلَيْهِ، فَإِنْ غَابَ أَنْصَفَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ إنْ وُجِدَ لَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ أَمَانَتِهِ حَيْثُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَيُسْأَلُهَا. وَالْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّلَمَ يَبْطُلُ إنْ لَمْ يُذْكَرْ مَكَانُ الْإِيفَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: مَالُهُ مُؤْنَةٌ وَحِمْلٌ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ، إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مَوْضِعَ الدَّفْعِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ حِمْلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ فَالسَّلَمُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مَوْضِعَ الدَّفْعِ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا، فَهِيَ فَاسِدَةٌ. [مَسْأَلَة الشَّرْط فِي السَّلَم] 1618 - مَسْأَلَةٌ: وَاشْتِرَاطُ الْكَفِيلِ فِي السَّلَمِ يَفْسُدُ بِهِ السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِيهِ فَجَائِزٌ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الرَّهْنِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَمِمَّنْ أَبْطَلَ بِهِ الْعَقْدَ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمَا. [مَسْأَلَة السَّلَم فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير] 1619 - مَسْأَلَةٌ: وَالسَّلَمُ جَائِزٌ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ إذَا سُلِّمَ فِيهِمَا عَرَضًا؛ لِأَنَّهُمَا وَزْنٌ مَعْلُومٌ، فَهُوَ حَلَالٌ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا. وَمِنْ السَّلَمِ الْجَائِزِ: أَنْ يُسَلَّمَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ وَتَمْلِيكُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ

بَيْعُهُ، أَوْ جَازَ بَيْعُهُ فِي لَحْمٍ مِنْ صِنْفِهِ إنْ كَانَ يَحِلُّ أَكْلُ لَحْمِهِ، أَوْ فِي لَحْمٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ كَتَسْلِيمِ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ كَلْبٍ، أَوْ سِنَّوْرٍ، أَوْ كَبْشٍ؛ أَوْ تَيْسٍ، أَوْ بَعِيرٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ أُيَّلٍ، أَوْ دَجَاجٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي لَحْمِ كَبْشٍ، أَوْ لَحْمِ ثَوْرٍ، أَوْ لَحْمِ تَيْسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ سَلَفٌ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. وَلَا يَجُوزُ السَّلَفُ فِي الْحَيَوَانِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ. وَجَائِزٌ أَنْ يُسَلَّمَ الْبُرُّ فِي دَقِيقِ الْبُرِّ، وَدَقِيقُ الْبُرِّ فِي الْبُرِّ، مُتَفَاضِلًا وَكَيْفَ أَحَبَّا وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ فِي الزَّيْتُونِ وَالزَّيْتُونُ فِي الزَّيْتِ وَاللَّبَنُ فِي اللَّبَنِ، وَكُلُّ شَيْءٍ حَاشَا مَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الرِّبَا " وَهُوَ الذَّهَبُ فِي الْفِضَّةِ أَوْ الْفِضَّةُ فِي الذَّهَبِ فَلَا يَحِلُّ أَصْلًا أَوْ التَّمْرُ، وَالشَّعِيرُ، وَالْبُرُّ، وَالْمِلْحُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُسَلَّفَ صِنْفٌ مِنْهَا، لَا فِي صِنْفِهِ وَلَا فِي غَيْرِ صِنْفِهِ مِنْهَا خَاصَّةً، وَكُلُّهَا يُسَلَّفُ فِيمَا لَيْسَ مِنْهَا مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَحَاشَ الزَّرْعَ أَيُّ زَرْعٍ كَانَ، فَلَا يَجُوزُ تَسْلِيفُهُ فِي الْقَمْحِ أَصْلًا، وَحَاشَا الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ فَلَا يَجُوزُ تَسْلِيفُ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ كَيْلًا، وَيَجُوزُ تَسْلِيفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ وَزْنًا لِمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي " كِتَابِ الرِّبَا " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَمِمَّا يَجْمَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَلَمْ يَسْتَثْنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، حَاشَا الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فَقَطْ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فَمَنْ حَرَّمَ مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ شَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وَمَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ أَوْ أَضَافَ إلَيْهِ مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا: فَأَبُو حَنِيفَةَ يُجِيزُ أَنْ يُسَلَّمَ كُلُّ مَا يُكَالُ فِي كُلِّ مَا يُوزَنُ، فَيُجِيزُ هُوَ وَسُفْيَانُ تَسْلِيمَ الْقَمْحِ فِي اللَّحْمِ، وَاللَّحْمِ فِي الْقَمْحِ.

فصل السلم حالا في الذمة إلى غير أجل

وَيُجِيزُ مَالِكٌ تَسْلِيمَ الْحَدِيدِ فِي النُّحَاسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُحَرِّمُ ذَلِكَ وَيَجْعَلُهُ رِبًا {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَالشَّافِعِيُّ يُجِيزُ تَسْلِيمَ الْفُلُوسِ فِي الْفُلُوسِ. وَسُفْيَانُ يُجِيزُ الْخُبْزَ فِي الدَّقِيقِ مِنْ جِنْسِهِ. [فَصْلٌ السَّلَمَ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ] فَصْلٌ اسْتَدْرَكْنَا شَيْئًا يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّونَ فِي إجَازَتِهِمْ السَّلَمَ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَهُمَا خَبَرَانِ: أَحَدُهُمَا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَزُورًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيرَةِ وَهِيَ الْعَجْوَةُ فَجَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَنْزِلِهِ، فَالْتَمَسَ التَّمْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيرَةِ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ عِنْدَنَا، فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ؟ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاغَدْرَاهُ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ وَقَالُوا: أَتَقُولُ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، ثُمَّ أَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَلَامَ ثَانِيَةً كَمَا أَوْرَدْنَا، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاغَدْرَاهُ، قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَفْهَمْ عَنْهُ الْأَعْرَابِيُّ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أُمِّ حَكِيمٍ: أَقْرِضِينَا وَسْقًا مِنْ تَمْرِ الذَّخِيرَةِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَنَا فَنَقْضِيَكَ؟ فَقَالَتْ: أَرْسِلْ رَسُولًا يَأْتِي يَأْخُذُهُ، فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: انْطَلِقْ مَعَهُ حَتَّى يُوفِيَكَ» وَذُكِرَ بَاقِي الْخَبَرِ. فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَمَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ تَمَّ بَعْدُ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْأَعْرَابِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَفَرَّقَا. هَكَذَا نَصَّ الْحَدِيثُ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ إنَّا كُنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ بَعِيرًا بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيرَةِ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ عِنْدَنَا، فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ»

وَقَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْهَمْ عَنْهُ الْأَعْرَابِيُّ اسْتَقْرَضَ مِنْ أُمِّ حَكِيمٍ فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَئِذٍ أَمْضَى مَعَهُ الْعَقْدَ الْمَحْدُودَ وَتَمَّ الْبَيْعُ بِحُضُورِ الثَّمَنِ وَقَبَضَ الْأَعْرَابِيُّ. هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْبَيْعَ يَتِمُّ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا صَدَقَةُ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ، وَالثَّلَاثَ فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ مِنْ كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَكَانَ خَبَرُ عَائِشَةَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ كَانَ تَمَّ بَيْنَهُمَا. قُلْنَا: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ: إنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَاحِبُ حَقٍّ، إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا فَقَطْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحَاشَا اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الْأَعْرَابِيُّ صَاحِبَ حَقٍّ وَهُوَ يَصِفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَدْرِ؟ وَالْخَبَرُ الثَّانِي: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ نا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ: قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا، وَأَبُو لَهَبٍ يَتْبَعُهُ بِالْحِجَارَةِ قَدْ أَدْمَى كَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ، فَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْبَلْنَا مِنْ الرَّبَذَةِ حَتَّى نَزَلْنَا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا، فَأَتَانَا رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمَعَنَا جَمَلٌ لَنَا، فَقَالَ: أَتَبِيعُونَ الْجَمَلَ؟ فَقُلْنَا نَعَمْ، قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْنَا: بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ ثُمَّ أَخَذَ بِرَأْسِ الْجَمَلِ حَيْثُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَتَلَاوَمْنَا وَقُلْنَا: أَعْطَيْتُمْ جَمَلَكُمْ رَجُلًا لَا تَعْرِفُونَهُ؟ فَقَالَتْ الظَّعِينَةُ: لَا تَلَاوَمُوا فَلَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهًا مَا كَانَ لِيَخْفِرَكُمْ مَا رَأَيْتُ وَجْهًا أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ أَتَانَا رَجُلٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إلَيْكُمْ

مسألة إذا أسلم في صنفين ولم يبين مقدار كل صنف

وَإِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا حَتَّى تَشْبَعُوا وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا، فَفَعَلْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ» وَذُكِرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي اشْتَرَى الْجَمَلَ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَنَّهُ عَلِمَ بِصِفَةِ ابْتِيَاعِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ غَيْرَهُ كَانَ الْمُبْتَاعَ بِدَلِيلِ قَوْلِ طَارِقٍ بِأَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِذِي الْمَجَازِ وَمَرَّةً عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، فَلَوْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الَّذِي ابْتَاعَ الْجَمَلَ لَكَانَ قَدْ رَآهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهَذَا خِلَافُ الْخَبَرِ. فَصَحَّ أَنَّهُ كَانَ غَيْرَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي عَمَلِ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَمَالُ الْبَارِعُ، وَالْوَسَامَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ الْجَمِيلَةُ. وَقَدْ اشْتَرَى بِلَالٌ وَمَا يُقْطَعُ بِفَضْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِصَاعَيْ تَمْرٍ، وَقَدْ يَكُونُ مُشْتَرِي الْجَمَلِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ إلَى الْقَوْمِ ثَمَنَ الْجَمَلِ فَفَعَلَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَنَّهُ عَلِمَ الْأَمْرَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ لَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الْأَجَلِ زَائِدًا عَلَيْهِ زِيَادَةً يَلْزَمُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُهَا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَلْيَعْلَمْ مَنْ قَرَأَ كِتَابَنَا هَذَا أَنَّهُمَا صَحِيحَانِ لَا دَاخِلَةَ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إذَا أَسْلَمَ فِي صِنْفَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّن مِقْدَار كُلّ صنف] 1620 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَسْلَمَ فِي صِنْفَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ، مِثْلُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي قَفِيزَيْنِ مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَكُونُ مِنْهُمَا قَمْحًا، وَكَمْ يَكُونُ شَعِيرًا، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَوْ أَسْلَمَ اثْنَانِ إلَى وَاحِدٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالسَّلَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا فِي الثَّمَنِ الَّذِي يَدْفَعَانِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَسْلَمَا فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِإِزَاءِ الثَّمَنِ بِلَا خِلَافٍ. فَلَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ إلَى اثْنَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَهُمَا فِيمَا قَبَضَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ

مسألة وصف ما يسلم

فِيهِ، وَأَخَذَاهُ مَعًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ إلَّا بِأَنْ يَتَبَيَّنَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّ لِهَذَا ثُلُثَهُ وَلِهَذَا ثُلُثَيْهِ، أَوْ كَمَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وصف مَا يسلم] 1621 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ مَا يُسْلِمُ فِيهِ بِصِفَاتِهِ الضَّابِطَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ تِجَارَةً عَنْ غَيْرِ تَرَاضٍ، إذْ لَا يَدْرِي الْمُسَلِّمُ مَا يُعْطِيهِ الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ وَلَا يَدْرِي الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ مَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُسَلِّمُ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَالتَّرَاضِي لَا يَجُوزُ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا فِي مَعْلُومٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة مَا يَجُوز فِيهِ السَّلَم] 1622 - مَسْأَلَةٌ: وَالسَّلَمُ جَائِزٌ فِيمَا لَا يُوجَدُ حِينَ عَقْدِ السَّلَمِ، وَفِيمَا يُوجَدُ، وَإِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِلَى مَنْ عِنْدَهُ. وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا لَا يُوجَدُ حِينَ حُلُولِ أَجَلِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالسَّلَمِ كَمَا ذَكَرْنَا " وَبَيَّنَ فِي الْكَيْلِ " وَفِي الْوَزْنِ، وَإِلَى أَجَلٍ، فَلَوْ كَانَ كَوْنُ السَّلَمِ فِي الشَّيْءِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي حَالِ وُجُودِهِ، أَوْ إلَى مَنْ عِنْدَهُ مَا سُلِّمَ إلَيْهِ فِيهِ لَمَا أَغْفَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَ ذَلِكَ حَتَّى يَكِلَنَا إلَى غَيْرِهِ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَأَمَّا السَّلَمُ فِيمَا لَا يُوجَدُ حِينَ حُلُولِ أَجَلِهِ فَهُوَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، وَهَذَا بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَهُوَ عَقْدٌ عَلَى بَاطِلٍ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَوْلُنَا فِي هَذَا كُلِّهِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَلَمْ يُجِزْ السَّلَمَ فِي شَيْءٍ لَا يُوجَدُ حِينَ السَّلَمِ فِيهِ: سُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حِينِ السَّلَمِ إلَى حِينِ أَجَلِهِ لَا يَنْقَطِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ - وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ يَنْقَطِعُ، وَلَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ السَّنَةِ - وَلَا يُعْلَمُ أَيْضًا هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ هَذَا «بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَشْتَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ.»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ السَّلَمَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَهُمَا بَعْدُ سُنْبُلٌ لَمْ يَشْتَدَّ وَأَمَّا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ وَعِنْدَنَا لَيْسَ بَيْعًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ جُمْلَةً. وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا حَلَّ، «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» لَا لِمَنْ هُوَ عِنْدَهُ حِينَ السَّلَمِ - فَإِنْ خَصُّوا السَّلَمَ مِنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: فَخَصُّوهُ مِنْ جُمْلَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ وَإِلَّا فَقَدْ تَحَكَّمْتُمْ فِي الْبَاطِلِ. وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ نَجْرَانِيٍّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسْلِفُوا فِي النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» . وَحَدَّثَنَا حُمَامُ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبُغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي نا أَبُو حُذَيْفَةَ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ النَّجْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُسْلَفَ فِي ثَمَرَةِ نَخْلٍ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» النَّجْرَانِيُّ عَجَبٌ مَا كَانَ لِيَعْدُوَهُمْ حَدِيثُ النَّجْرَانِيِّ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ثَمَرُ النَّخْلِ خَاصَّةً. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا عَلَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ؟ قُلْنَا: وَهَلَّا قِسْتُمْ عَلَى السَّائِمَةِ غَيْرَ السَّائِمَةِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ مَا قَالُوهُ مِنْ تَمَادِي وُجُودِهِ إلَى حِينِ أَجَلِهِ. وَأَمَّا السَّلَمُ إلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ شَيْئًا إلَى أَجَلٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلُهُ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا، وَكَرِهَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعِكْرِمَةُ، وَطَاوُسٌ، وَابْنُ سِيرِينَ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرو هُوَ ابْنُ مُرَّةَ - عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ؟ فَقَالَ: " نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ وَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ؟ فَقَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ»

مسألة سلم في شيء فضيع قبضه أو اشتغل حتى فات وقته وعدم

وَمِنْ الْبُخَارِيِّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ؟ فَقَالَ: نَهَى عُمَرُ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ حَتَّى يَصْلُحَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسْلِمَ الرَّجُلُ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نا مُعَلَّى نا أَبُو الْأَحْوَصِ نا طَارِقٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا تُسْلِمُوا فِي فِرَاخٍ حَتَّى تَبْلُغَ - وَذَكَرُوا كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ عَنْ الْأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمَ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ إنَّمَا نَهَوْا عَنْ ذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ فِي زَرْعٍ بِعَيْنِهِ أَوْ فِي ثَمَرِ نَخْلٍ بِعَيْنِهِ - وَنَصُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا رَأَيَا السَّلَمَ بَيْعًا، وَالْحَنَفِيُّونَ لَا يَرَوْنَهُ بَيْعًا - وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا حُجَّةً فِي شَيْءٍ غَيْرَ حُجَّةٍ فِي شَيْءٍ آخَرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة سلم فِي شَيْءٍ فَضَيَّعَ قَبْضَهُ أَوْ اشْتَغَلَ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ وَعَدِمَ] 1623 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَلَمَ فِي شَيْءٍ فَضَيَّعَ قَبْضَهُ أَوْ اشْتَغَلَ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ وَعَدِمَ فَصَاحِبُ الْحَقِّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُوجَدَ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ لَوْ وُجِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَحُرْمَةُ حَقِّ صَاحِبِ السَّلَمِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَيْنِ حَقِّهِ كَحُرْمَةِ مِثْلِهَا - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ ". [مَسْأَلَةٌ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ] 1624 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ وَقَدْ صَحَّ «نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَعَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ» ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ لَكِنْ يُبْرِئُهُ مِمَّا شَاءَ مِنْهُ فَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَبِنَاؤُهَا كُلُّهُ لَهُ] 1625 - مَسْأَلَةٌ: مُسْتَدْرَكَةٌ مِنْ الْبُيُوعِ -: مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَهِيَ لَهُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ قَائِمٍ أَوْ شَجَرٍ ثَابِتٍ. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَبِنَاؤُهَا كُلُّهُ لَهُ وَكُلُّ مَا يَكُونُ مُرَكَّبًا فِيهَا مِنْ بَابٍ أَوْ دُرْجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - وَهَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ

وَمَا زَالَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا لَا يَخْلُو يَوْمٌ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ بَيْعُ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ هَكَذَا وَلَا يَكُونُ لَهُ مَا كَانَ مَوْضُوعًا فِيهَا غَيْرَ مَبْنِيٍّ كَأَبْوَابٍ، وَسُلَّمٍ، وَدُرْجٍ، وَآجُرٍّ، وَرُخَامٍ: وَخَشَبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ لَهُ الزَّرْعُ الَّذِي يُقْلَعُ وَلَا يَنْبُتُ، بَلْ هُوَ لِبَائِعِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ ابْتَاعَ أَنْقَاضًا أَوْ شَجَرًا دُونَ الْأَرْضِ فَكُلُّ ذَلِكَ يُقْلَعُ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ كِتَابُ السَّلَمِ

كتاب الهبات

[كِتَابُ الْهِبَاتِ] [مَسْأَلَةٌ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا فِي مَوْجُودٍ مَعْلُومٍ مَعْرُوفِ الْقَدْرِ وَالصِّفَاتِ وَالْقِيمَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كِتَابُ الْهِبَاتِ 1626 - مَسْأَلَةٌ: لَا تَجُوزُ هِبَةٌ إلَّا فِي مَوْجُودٍ، مَعْلُومٍ، مَعْرُوفِ الْقَدْرِ، وَالصِّفَاتِ، وَالْقِيمَةِ، وَإِلَّا فَهِيَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ. وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ كَمَنْ وَهَبَ مَا تَلِدُ أَمَتُهُ، أَوْ شَاتُه، أَوْ سَائِرُ حَيَوَانِهِ، أَوْ مَا يَحْمِلُ شَجَرُهُ الْعَامَ - وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ شَيْئًا لَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ وَالْأَشْيَاءَ مَعَهُ - وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ. وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَطِيَّةُ يَقْتَضِي كُلُّ ذَلِكَ مَوْهُوبًا وَمُتَصَدَّقًا، فَمَنْ أَعْطَى مَعْدُومًا أَوْ تَصَدَّقَ بِمَعْدُومٍ فَلَمْ يُعْطِ شَيْئًا، وَلَا وَهَبَ شَيْئًا، وَلَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ. وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمٌ - وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْوَالَ النَّاسِ إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَطِيبَ النَّفْسُ عَلَى مَا لَا تَعْرِفُ صِفَاتِهِ وَلَا مَا هُوَ، وَلَا مَا قَدْرُهُ، وَلَا مَا يُسَاوِي، وَقَدْ تَطِيبُ نَفْسُ الْمَرْءِ غَايَةَ الطِّيبِ عَلَى بَذْلِ الشَّيْءِ وَبَيْعِهِ، وَلَوْ عَلِمَ صِفَاتِهِ وَقَدْرِهِ وَمَا يُسَاوِي لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ - فَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْطَى أَوْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ بِرِطْلٍ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ، أَوْ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا الْبُرِّ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ صَدَقَتَهُ، وَلَا هِبَتَهُ، عَلَى مَكِيلٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا مَوْزُونٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا مَعْدُودٍ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَهَبْ وَلَا تَصَدَّقَ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَدْرِي، وَلَا لِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا الْحَبْسُ فَبِخِلَافِ هَذَا كُلِّهِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمُهُ الْوَارِدُ فِيهِ بِالنَّصِّ. فَإِنْ ذَكَرُوا الْحَدِيثَ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ دِحْيَةُ يَوْمَ خَيْبَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ؟ قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ بِنْتَ حُيَيِّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَمَا تَصْلُحُ إلَّا لَكَ، قَالَ: اُدْعُهُ بِهَا، قَالَ: فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا - وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.» قُلْنَا: هَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَوْ تَمَّتْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَحَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الْمَثَلُ السَّوْءُ، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» لَكِنَّ أَخْذَهَا وَتَمَامَ مِلْكِهِ لَهَا، وَكَمَالَ عَطِيَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ، إذْ عَرَفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَيْنَهَا، أَوْ صِفَتَهَا، أَوْ قَدْرَهَا، وَمَنْ هِيَ؟ ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْ دِحْيَةَ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ» . قُلْنَا: كِلَا الْخَبَرَيْنِ عَنْ أَنَسٍ صَحِيحٌ، وَتَأْلِيفُهُمَا ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ " إنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ، إنَّمَا مَعْنَاهُ بِأَخْذِهِ إيَّاهَا إذْ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ؟ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً - وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَقَدْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ. وَقَوْلُهُ «اشْتَرَاهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ» يُخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَوَّضَهُ مِنْهَا فَسَمَّى أَنَسٌ ذَلِكَ الْفِعْلَ شِرَاءً. وَالثَّانِي - «أَنَّ دِحْيَةَ إذْ أَتَى بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: خُذْ غَيْرَهَا، قَدْ سَأَلَهُ إيَّاهَا» وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا، فَصَحَّتْ لَهُ، وَصَحَّ وُقُوعُهَا فِي سَهْمِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ. وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْخَبَرَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِصِحَّتِهِمَا، إلَّا كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَا لَا شَكَّ فِيهِ فَلَا شَكَّ فِيمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

مسألة كان له عند آخر حق في الذمة فقال له قد وهبت لك ما لي عندك

فَإِنْ ذَكَرُوا «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِجَابِرٍ: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» . قُلْنَا: هَذِهِ عِدَةٌ لَا عَطِيَّةٌ، وَقَدْ أَنْفَذَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ الْعِدَّةَ بَعْد مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ حَقٌّ فِي الذِّمَّةِ فَقَالَ لَهُ قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَك] 1627 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ حَقٌّ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَوْ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَك، أَوْ قَالَ: قَدْ أَعْطَيْتُكَ مَا لِي عِنْدَك، أَوْ قَالَ لِآخَرَ: قَدْ وَهَبْتُ لَك مَا لِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ: أَعْطَيْتُك مَا لِي عِنْدَ فُلَانٍ -: فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي ذَلِكَ الْحَقَّ الَّذِي لَهُ عِنْدَ فُلَانٍ فِي أَيِّ جَوَانِبِ الدُّنْيَا هُوَ، وَلَعَلَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ الْآنَ - وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا بِلَفْظِ: الْإِبْرَاءِ، أَوْ الْعَفْوِ، أَوْ الْإِسْقَاطِ، أَوْ الْوَضْعِ. وَيَجُوزُ أَيْضًا بِلَفْظِ " الصَّدَقَةِ " لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ نا لَيْثٌ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ بُكَيْرٍ هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ» - فَهَذَا عُمُومٌ لِلْغُرَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] . قُلْنَا: أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِبَاتُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا أَفْعَالُ خَلْقِهِ وَلَا هِبَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا آمِرَ فَوْقَهُ، وَلَا شَرْعَ يَلْزَمُهُ، بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ فَكَيْفَ وَذَلِكَ الْغُلَامُ الْمَوْهُوبُ مَخْلُوقٌ مُرَكَّبٌ مِنْ نَفْسٍ مَوْجُودَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ خَلْقُهَا، وَمِنْ تُرَابٍ، وَمَا تَتَغَذَّى بِهِ أُمُّهُ، قَدْ تَقَدَّمَ خَلْقُ كُلِّ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْهَوَاءُ، وَقَدْ أَحَاطَ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمًا بِأَعْيَانِ كُلِّ ذَلِكَ، بِخِلَافِ خَلْقِهِ، وَالْكُلُّ مِلْكُهُ بِخِلَافِ خَلْقِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ فَرَّقَ مُخَالِفُونَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ -: فَبَعْضُهُمْ أَجَازَ الصَّدَقَةَ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ، وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ إلَّا مَقْبُوضَةً.

مسألة الهبة بشرط

وَبَعْضُهُمْ أَجَازَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الصَّدَقَةِ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ، وَيَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَعَلَى آلِهِ، وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِمَا الْعَطَايَا وَلَا الْهِبَاتُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْهِبَة بِشَرْطِ] 1628 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ بِشَرْطٍ أَصْلًا، كَمَنْ وَهَبَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا الْمَوْهُوبُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُوَلِّدَهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ -: فَالْهِبَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَكُلُّ مَا لَا يُعْقَدُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ عَقْدٌ بِهِ. [مَسْأَلَة الْهِبَة بِشَرْطِ الثَّوَاب] 1629 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهَا الثَّوَابُ أَصْلًا، وَهِيَ فَاسِدَةٌ مَرْدُودَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، بَلْ فِي الْقُرْآنِ الْمَنْعُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نا يَحْيَى الْجَبَّانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم: 39] قَالَ: هُوَ هَدِيَّةُ الرَّجُلِ، أَوْ هِبَةُ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا إذَا أَرَادَهُ بِقَلْبِهِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَهُ فَعَيْنُ الْبَاطِلِ وَالْإِثْمِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْعَوْفِيُّ نا أَبِي سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] قَالَ: لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتُثَابَ أَفْضَلَ مِنْهُ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَهُ طَاوُسٍ أَيْضًا - وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَمْنُنْ عَطِيَّتَك، وَلَا عَمَلَك، وَلَا تَسْتَكْثِرْ. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ هَارُونَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] قَالَ: لَا تُعْطِ مَالًا مُصَانَعَةً رَجَاءَ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنْ الثَّوَابِ مِنْ الدُّنْيَا.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ هُوَ عَارِمٌ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ سَمِعْت عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] قَالَ: لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: لَا تُعْطِ شَيْئًا لِتُصِيبَ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نا الْهَرَوِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ نا الزِّبْرِقَانُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39] قَالَ: مَا أَعْطَيْتَ مِنْ شَيْءٍ تُرِيدُ بِهِ عَرَضَ الدُّنْيَا، أَوْ تُثَابُ عَلَيْهِ لَمْ يَصْعَدْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 39] قَالَ: مَا أَعْطَيْتَ مِنْ هَدِيَّةٍ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي يَصْعَدُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ} [الروم: 39] قَالَ: يُعْطِي الْعَطِيَّةَ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا. وَبِهِ إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو بَكْرٍ النَّرْسِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا إسْرَائِيلُ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: لَا تُعْطِ الْأَغْنِيَاءَ لِتُصِيبَ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَبِهِ إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ فَرَجٍ نا الْهَرَوِيُّ نا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ نا نَافِعٌ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: لَا تُعْطِ شَيْئًا تَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَبِإِبْطَالِ هِبَةِ الثَّوَابِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَأَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمَا رَوَيَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إجَازَتَهَا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٍ، وَرَبِيعَةَ، وَشُرَيْحٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ - وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَالِكٌ: فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ، وَهَؤُلَاءِ يُجِيزُونَ ذَلِكَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَمُخَالِفٌ لَهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا إلَّا فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَقَدْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَقَدْ تَقَدَّمَ إبْطَالُنَا لِهَذَا الِاحْتِجَاجِ الْفَاسِدِ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَافٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ كَلَامٌ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رَوَاهُ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ رِوَايَةِ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ - أَوْ مُرْسَلٌ. وَالثَّانِي - أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ مَنْ شَرَطَ لِآخَرَ أَنْ يُغَنِّيَ لَهُ، أَوْ أَنْ يَزْفِنَ لَهُ، أَوْ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ إلَى الْبُسْتَانِ، أَوْ أَنْ يَصْبُغَ قَمِيصَ نَفْسِهِ أَحْمَرَ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ. وَقَدْ أَبْطَلُوا كَثِيرًا مِنْ الْعُقُودِ بِكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوطِ، فَأَبْطَلُوا احْتِجَاجَهُمْ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَصَحَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَيْسُوا عِنْدَ شُرُوطِهِمْ عَلَى الْجُمْلَةِ. فَإِذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ، فَقَدْ أَفْصَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ «كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، فَصَحَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَشْتَرِطُوا شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالثَّالِثُ - أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشُّرُوطِ فَيُقَالُ: شُرُوطُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا فِي الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ، لَا فِي الشُّرُوطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. وَقَدْ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَإِبْطَالِهِ إيَّاهُ إذَا وَقَعَ - فَصَحَّ أَنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا هِيَ الشُّرُوطُ الْمَنْصُوصَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْمُفْتَرَضِ اتِّبَاعُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ جَوَازَ شَرْطٍ إلَّا بِوُرُودِ النَّصِّ بِجَوَازِهِ، وَإِلَّا فَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ

بِإِبْطَالِ كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَضَحَ الْأَمْرُ فِي بُطْلَانِ هِبَةِ الثَّوَابِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ مَنْ أَجَازَهَا: هِيَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مَذْكُورٍ، وَلَا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَهِبَةُ الثَّوَابِ لَمْ يُذْكَرْ ثَوَابُهَا، وَلَا عُرِفَ، فَهِيَ إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَهِيَ بَيْعٌ فَاسِدٌ حَرَامٌ خَبِيثٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْعًا فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُهُمْ لَهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَلَهُمْ هَاهُنَا تَخَالِيطُ شَنِيعَةٌ -: مِنْهَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: كُلُّ هِبَةٍ وَقَعَتْ عَلَى اشْتِرَاطِ عِوَضٍ مَعْلُومٍ فَهِيَ وَعِوَضُهَا فِي حُكْمِ الْهِبَةِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا الْهِبَةَ وَعِوَضَهَا. وَلَا تَجُوزُ فِي مُشَاعٍ فَإِذَا تَقَابَضَا ذَلِكَ حَلَّا مَحَلَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمَا بَعْدَ التَّقَابُضِ - فَهَلَّا سُمِعَ بِأَفْسَدَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ تَكُونَ هِبَةٌ تَنْقَلِبُ بَيْعًا هَكَذَا مُطَارَفَةً بِشَرْعِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَأَجَازُوا هَذِهِ الْهِبَةَ وَهَذَا الشَّرْطَ. ثُمَّ قَالُوا: مَنْ وَهَبَ لِآخَر هِبَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ بَعْضَهَا - أَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَهَا أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُمَا، فَقَبَضَهَا فَالْهِبَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. فَمَرَّةً جَازَ الشَّرْطُ وَالْهِبَةُ، وَمَرَّةً جَازَتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ - فَهَلْ فِي التَّحَكُّمِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: الْهِبَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ -: أَحَدُهُمَا - هِبَةٌ لِذِي رَحِمٍ عَلَى الصِّلَةِ، وَهِبَةُ الْوَالِدَيْنِ لِلْوَلَدِ، وَهِبَةٌ لِلثَّوَابِ. فَهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فِيهَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ بِصِحَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1630 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً سَالِمَةً مِنْ شَرْطِ الثَّوَابِ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَعْطَى عَطِيَّةً كَذَلِكَ، أَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةِ كَذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّتْ بِاللَّفْظِ - وَلَا مَعْنَى لِحِيَازَتِهَا، وَلَا لِقَبْضِهَا - وَلَا يُبْطِلُهَا تَمَلُّكُ الْوَاهِبِ لَهَا، أَوْ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا.

وَسَوَاءٌ بِإِذْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ أَمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، سَوَاءٌ تَمَلَّكَهَا إلَى أَنْ مَاتَ، أَوْ مُدَّةً يَسِيرَةً أَوْ كَثِيرَةً - عَلَى وَلَدٍ صَغِيرٍ كَانَتْ أَوْ عَلَى كَبِيرٍ، أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ - إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا اسْتَغَلَّ مِنْهَا كَالْغَصْبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، أَوْ قَرِيبٍ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ - وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ - فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ هِبَةٍ، وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ، وَلَا إلَى الَّذِي وَهَبَهَا لَهُ، فَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ مُخْتَارًا، فَحِينَئِذٍ تَمَّتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَصَحَّ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ لَمْ يَصِحَّ لَهُ بِذَلِكَ مِلْكٌ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّهَا إلَى الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ إلَّا الصَّغِيرَ، فَإِنَّ أَبَاهُ أَوْ وَصِيَّهُ يَقْبِضَانِ لَهُ. قَالَ: فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمُتَصَدِّقُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ -: بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ - وَهُوَ الْحَائِزُ لِلصَّغِيرِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَلِلْأُنْثَى تُنْكَحُ وَتَرْشُدُ. فَإِنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدٍ كَبِيرٍ، أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ -: أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا فَإِنْ قَبَضَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ قَبْضٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ، وَالْهِبَةُ أَوْ الصَّدَقَةُ فِي يَدِهِ وَاعْتِمَارِهِ -: بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَعَادَتْ مِيرَاثًا - فَإِنْ دَفَعَ الْبَعْضَ وَاعْتَمَرَ الْبَعْضَ - فَإِنْ كَانَ الَّذِي اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ -: بَطَلَ الْجَمِيعُ - وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ فَأَقَلُّ -: صَحَّتْ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي الْجَمِيعِ فِيمَا اعْتَمَرَ وَفِيمَا لَمْ يَعْتَمِرْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْهِبَاتِ وَالْعَطَايَا وَالصَّدَقَاتِ الْمُطْلَقَةِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْأَحْبَاسِ - فَقَطْ - بِالْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ، وَالصَّدَقَةَ إلَّا بِالْقَبْضِ -: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ.»

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ قَتَادَةَ «عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1] وَيَقُولُ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ.» قَالُوا: فَشَرَطَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ الْإِمْضَاءَ، وَهُوَ الْإِقْبَاضُ - وَقَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْقَرْضِ، وَالْعَارِيَّةِ، فَلَا يَصِحَّانِ إلَّا مَقْبُوضَيْنِ، بِعِلَّةِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ، وَعَلَى الْوَصِيَّةِ، فَلَا تَصِحُّ بِاللَّفْظِ وَحْدَهُ، لَكِنْ بِمَعْنًى آخَرَ مُقْتَرِنٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَوْتُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهَا: إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك فَإِذْ لَمْ تَفْعَلِي فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ: أَنَّهَا قَالَتْ " وَاَللَّهِ يَا أَبَتِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَرَدَدْته ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا بَكْرٍ الْوَفَاةُ، قَالَ لَهَا: إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْضِي الَّتِي بِالْغَابَةِ، وَإِنَّك لَوْ كُنْتِ احْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك، فَإِذَا لَمْ تَفْعَلِي، فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْقَارِي: أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَنْحَلُونَ أَوْلَادَهُمْ فَإِذْ مَاتَ الِابْنُ قَالَ الْأَبُ: مَالِي وَفِي يَدِي، وَإِذَا مَاتَ الْأَبُ قَالَ: قَدْ كُنْتُ نَحَلْتُ ابْنِي كَذَا وَكَذَا؛ لَا نَحْلَ إلَّا لِمَنْ حَازَهُ وَقَبَضَهُ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ شُكِيَ ذَلِكَ إلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: نَظَرْنَا فِي هَذِهِ النُّحُولِ فَرَأَيْنَا أَحَقَّ مَنْ يَحُوزُ عَلَى الصَّبِيِّ أَبُوهُ - فَهَذِهِ أَصَحُّ رِوَايَةٍ فِي هَذَا، وَصَحَّ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نُحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا، فَإِنْ مَاتَ

ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ: مَالِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا، وَإِنْ مَاتَ قَالَ: لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إيَّاهُ، مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً لَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى تَكُونَ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ فَهِيَ بَاطِلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَحَلَ وَلَدًا صَغِيرًا لَهُ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَةً فَأَعْلَنَ بِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَشُرَيْحٍ، وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَبُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ: مِنْ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ الْعَرْزَمِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ عَمْرٌو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، ثُمَّ اتَّفَقَ سَعِيدٌ وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، قَالُوا: لَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ حَتَّى تُقْبَضَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لَا يُجِيزُ الصَّدَقَةَ حَتَّى تُقْبَضَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ بِإِسْنَادِهِ، وَزَادَ فِيهِ: إلَّا الصَّبِيَّ بَيْنَ أَبَوَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ شُرَيْحًا وَمَسْرُوقًا، كَانَا لَا يُجِيزَانِ صَدَقَةً إلَّا مَقْبُوضَةً - وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقْضِي بِذَلِكَ. قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا كَانَتْ فِي يَدِهِ فَإِذَا أَمْضَاهَا فَقُبِضَتْ، فَهِيَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، فَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ: «إلَّا مَا تَصَدَّقْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ» فَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إنَّ الْإِمْضَاءَ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ التَّصَدُّقِ، وَالْإِعْطَاءِ، وَلَا جَاءَ ذَلِكَ قَطُّ فِي لُغَةٍ، بَلْ كُلُّ تَصَدُّقٍ وَإِعْطَاءٍ إعْطَاءٌ، فَاللَّفْظُ بِهِمَا إمْضَاءٌ لَهُمَا، وَإِخْرَاجٌ لَهُمَا عَنْ مِلْكِهِ، كَمَا أَنَّ الْأَكْلَ نَفْسَهُ هُوَ الْإِفْنَاءُ، وَاللِّبَاسُ هُوَ الْإِبْلَاءُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ لُبْسَةٍ حَظُّهَا مِنْ الْإِبْلَاءِ، فَإِذَا تَرَدَّدَ اللِّبَاسُ ظَهَرَ الْإِبْلَاءُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّ مَنْ قَالَ: مَا لِي هَذَا صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ قَالَ: قَدْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذَا الشَّيْءِ، أَوْ قَالَ: مَالِي هَذَا هِبَةٌ لِفُلَانٍ، أَوْ قَالَ: قَدْ وَهَبْتُهُ لِفُلَانٍ -: فَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِمَّنْ يُحْسِنُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ فِي أَنَّهُ يُقَالُ: قَدْ تَصَدَّقَ فُلَانٌ بِكَذَا عَلَى فُلَانٍ، وَقَدْ وَهَبَ لَهُ كَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ كَامِلَةً تَامَّةً بِاللَّفْظِ، لَكَانَ الْمُخْبِرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَصَدَّقَ، أَوْ وَهَبَ كَاذِبًا - فَوَجَبَ حَمْلُ الْحُكْمِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ اللُّغَةُ، مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِحُكْمٍ زَائِدٍ لَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ وَيُعْمَلُ بِهِ. وَيُسْأَلُ الْمَالِكِيُّونَ خَاصَّةً عَمَّنْ قَالَ: قَدْ وَهَبْتُ هَذَا الشَّيْءَ لَك، أَوْ قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ هِبَةٌ لَك، أَوْ قَالَ: قَدْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِهَذَا، أَوْ قَالَ: هَذَا صَدَقَةٌ عَلَيْك - أَتَصَدَّقُ، وَوَهَبَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَمْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَا وَهَبَهُ؟ وَلَا ثَالِثَ لِهَذَا التَّقْسِيمِ. فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ وَوَهَبَهُ؟ قُلْنَا: فَإِذْ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ وَوَهَبَهُ فَقَدْ تَمَّتْ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَصَحَّتْ، فَمَا يَضُرُّهُمَا تَرْكُ الْحِيَازَةِ وَالْقَبْضِ، إذَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَهَبْ وَلَا تَصَدَّقَ؟ قُلْنَا: فَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ إجْبَارَهُ وَالْحُكْمَ عَلَيْهِ بِدَفْعِ مَالٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُتَصَدَّقْ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا وَهَبَهُ إلَى مَنْ لَمْ يَهَبْهُ لَهُ وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ؟ هَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ، وَلَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَأَمَّا مَنْ دُونَ الصَّحَابَةِ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، لَا سِيَّمَا وَالْخِلَافُ قَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَأَيْضًا - فَأَكْثَرُ تِلْكَ الْأَخْبَارِ إمَّا لَا تَصِحُّ، وَإِمَّا قَدْ جَاءَتْ بِخِلَافِ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ أَلْفَاظِهَا، وَإِمَّا قَدْ خَالَفُوا أُولَئِكَ الصَّحَابَةَ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ، كَمَجِيءِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ بِأَصَحَّ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الْهِبَةَ، وَالصَّدَقَةَ عَلَى الْقَرْضِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْعَارِيَّةِ -: فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ -: أَمَّا الْقَرْضُ: فَقَدْ أَبْطَلُوا - وَهُوَ لَازِمٌ بِاللَّفْظِ وَمَحْكُومٌ بِهِ وَلَا بُدَّ - إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِخِلَافِ هَذَا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْ الْقَرْضِ بِعَدَمِ الْإِقْبَاضِ مِثْلُ مَا يَبْطُلُ مِنْ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ،

سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَقْرَضْتُكَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ مَالِي، أَوْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ مَالِي، أَوْ وَهَبْتُكَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ مَالِي -: فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَلْزَمُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ: مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، إلَّا فِي مُعَيَّنٍ، وَإِلَّا فَلَيْسَ وَاهِبًا لِشَيْءٍ، وَلَا مُتَصَدِّقًا بِشَيْءٍ، وَلَا مُقْرِضًا لِشَيْءٍ. وَالْقَوْلُ فِي الْعَارِيَّةِ كَالْقَوْلِ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْقِيَاسُ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْقَرْضَ يَرْجِعُ فِيهِ مَتَى أَحَبَّ، وَالْعَارِيَّةَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ عِنْدَنَا فِي الْهِبَةِ وَلَا فِي الصَّدَقَةِ، وَأَيْضًا - فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْقَرْضَ تَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ بِعِوَضٍ، وَالْعَارِيَّةَ لَيْسَتْ تَمْلِيكًا لِلرَّقَبَةِ أَصْلًا -: فَبَطَلَ قِيَاسُ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا. وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: اتِّفَاقُ جَمِيعِهَا فِي أَنَّهَا بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ فَأَنَا أَقِيسُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ افْتِرَاقُهَا فِي أَحْكَامِهَا يُوجِبُ أَنْ لَا يُقَاسَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَإِذَا كَانَ الِاتِّفَاقُ يُوجِبُ الْقِيَاسَ، فَالِافْتِرَاقُ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ، وَإِلَّا فَقَدْ تَحَكَّمُوا بِالدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا قِسْتُمْ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى النَّذْرِ الْوَاجِبِ عِنْدَكُمْ بِاللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ؟ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ: فَقَدْ كَفَوْنَا مُؤْنَةَ قِيَاسِهِمْ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ فِيهَا الصِّحَّةَ بِالْقَبْضِ أَصْلًا، بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ بِالْمَوْتِ فَقَطْ. وَقَوْلُهُمْ: لَا تَجِبُ بِاللَّفْظِ دُونَ مَعْنًى آخَرَ - وَهُوَ الْمَوْتُ - فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يُوجِبْ الْوَصِيَّةَ قَطُّ بِلَفْظِهِ، بَلْ إنَّمَا أَوْجَبَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَحِينَئِذٍ وَجَبَتْ بِمَا أَوْجَبَهَا بِهِ فَقَطْ دُونَ مَعْنًى آخَرَ -: فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَبَرْدُهُ وَغَثَاثَتُهُ، وَمُخَالَفَتُهُ لِلْحَقِّ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَنَبْدَأُ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -:

لَمَّا نَصَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَخْلًا تَجِدُّ مِنْهَا عِشْرِينَ وَسْقًا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَمْرًا يَكُونُ عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَإِنَّمَا هِيَ عِدَةٌ؟ وَلَا يَلْزَمُ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ النَّخْلِ، وَلَا مُعَيَّنٍ مِنْ التَّمْرِ، وَقَدْ تَجِدُّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً، وَقَدْ تَجِدُّ مِنْ مِائَتَيْ نَخْلَةٍ، وَقَدْ لَا تَجِدُّ مِنْ نَخْلَةٍ بِالْغَابَةِ عِشْرِينَ وَسْقًا لِعَاهَةٍ تُصِيبَ الثَّمَرَةَ، فَهَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا حَتَّى يُعَيِّنَ النَّخْلَ أَوْ الْأَوْسَاقَ فِي نَخْلَةٍ، فَيَتِمُّ حِينَئِذٍ بِالْجِدَادِ وَالْحِيَازَةِ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ الْهِبَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْمَحْدُودَةِ، وَلَا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يُوهِمُونَ فِي الْأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا. وَأَيْضًا - فَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ عُرْوَةَ، وَآخَرُ هُوَ مِثْلُ عُرْوَةَ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: يَا بُنَيَّةُ، إنِّي نَحَلْتُك نَخْلًا مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي أَخَاف أَنْ أَكُونَ آثَرْتُكِ عَلَى وَلَدِي، وَأَنَّكِ لَمْ تَكُونِي احْتَزْتِيهِ فَرُدِّيهِ عَلَى وَلَدِي؟ فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، لَوْ كَانَتْ لِي خَيْبَرُ بِجِدَادِهَا لَرَدَدْتهَا. فَالْقَاسِمُ لَيْسَ دُونَ عُرْوَةَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ لَيْسَ دُونَ ابْنِ شِهَابٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ لَمْ يَأْخُذْ الزُّهْرِيُّ عَنْهُمْ، كَأَسْمَاءِ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا - وَابْنُ جُرَيْجٍ لَيْسَ دُونَ مَالِكٍ. وَهَذِهِ السِّيَاقَةُ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ. فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مَا رَوَوْهُ مِمَّا لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ، بَلْ يُخَالِفُهُ: حُجَّةً لِمَا لَا يُوَافِقُهُ، وَلَا يَكُونُ مَا رُوِّينَاهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا: حُجَّةً لِمَا يُوَافِقُهُ هَذِهِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ مِمَّنْ أَطْلَقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ نا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ - نا أَبِي عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ حِين أُحْضِرَ: إنِّي قَدْ كُنْتُ أَبَنْتُكِ بِنُحْلٍ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذِي مِنْهُ قِطَاعًا أَوْ قِطَاعَيْنِ ثُمَّ تَرُدِّينَهُ إلَى الْمِيرَاثِ؟ قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ.

وَلَا خِلَافَ مِنْ أَنَّ مَسْرُوقًا أَجَلُّ مِنْ عُرْوَةَ؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَانَ أَخَصَّ النَّاسِ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - وَشَقِيقٌ أَجَلُّ مِنْ الزُّهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرَهُ، وَصَحِبَ الصَّحَابَةَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَكَابِرَ الْأَكَابِرَ. وَالْأَعْمَشُ إنَّمَا يُعَارَضُ بِهِ شُيُوخَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ أَنَسًا وَرَآهُ، فَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْ الْقَرْنِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا فِيهِ كَمَا تَرَى بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَرَدَّهُ بِإِذْنِهَا، لَا بِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِاللَّفْظِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُرْسَلًا كَذَلِكَ، مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ جُمْلَةً وَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ، وَصَحَّ أَنَّهُمَا رَأَيَا الْهِبَةَ جَائِزَةً بِغَيْرِ قَبْضٍ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: لَا تَجُوزُ صَدَقَةٌ حَتَّى تُقْبَضَ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ - وَهُوَ هَالِكٌ مُطْرَحٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ الْمُوَافِقَةُ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ فَلَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ ابْنَ وَهْبٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهَا - وَالرِّوَايَةُ عَنْ مُعَاذٍ فِيهَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَهِيَ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا -: فَعُمَرُ عَمَّ كُلَّ مَوْهُوبٍ، وَعُثْمَانُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ صِغَارَ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا هِيَ رَأْيٌ مِنْ رَأْيِهِمَا اخْتَلَفَا فِيهِ، لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةَ خِلَافُ ذَلِكَ، كَمَا أَوْرَدْنَا. وَأَيْضًا - فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ فِي النُّحْلِ خَاصَّةً، لَا فِي الصَّدَقَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ، قُبِضَتْ أَوْ لَمْ تُقْبَضْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: يُجِيزَانِ الصَّدَقَةَ - وَإِنْ لَمْ تُقْبَضْ - فَهَذَا إسْنَادٌ كَإِسْنَادِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَتِلْكَ الْمُنْقَطِعَاتُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ

النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: نَحَلَنِي أَبِي نِصْفَ دَارِهِ، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إنْ سَرَّك أَنْ تَحُوزَ ذَلِكَ فَاقْبِضْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْأَنْحَالِ: مَا قُبِضَ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ فَهُوَ مِيرَاثٌ - فَهَذَا أَنَسٌ بِأَصَحِّ سَنَدٍ لَا يَرَى الْحِرْزَ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ قَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهَا. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، كَقَضَائِهِمَا بِوَلَدِ الْمُسْتَحَقَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ، وَقَضَائِهِمَا فِي وَلَدِ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْأَمَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَإِبَاحَتِهِمَا الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ. وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، مِنْ إبْطَالِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ. وَكَكَلَامِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْخُطْبَةِ بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، إذْ ذَكَرَ لَهُ عُمَرُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَكَإِيجَابِهِمَا الْقِصَاصَ مِنْ الْوَكْزَةِ وَاللَّطْمَةِ، وَسُجُودِهِمَا فِي الْخُطْبَةِ، إذْ قَرَآ السَّجْدَةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ دُونَ مُخَالِفٍ وَقَوْلُهُمَا: مَنْ أَشْعَرَ لَزِمَتْهُ الْحُدُودُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَتَخْيِيرِهِمَا الْمَفْقُودَ إذَا قَدِمَ امْرَأَتَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ - وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، فَمَرَّةً هُمَا حُجَّةٌ وَمَرَّةً لَيْسَا حُجَّةً. وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فِيمَنْ اعْتَمَرَ مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ وَهَبَ الثُّلُثَ فَمَا فَوْقَهُ، أَوْ مَا دُونَ الثُّلُثِ، فَقَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ مَعَ تَنَاقُضِهِ هَاهُنَا، فَجَعَلَ الثُّلُثَ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ، وَجَعَلَهُ فِيمَا تَحْكُمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا مَعَ أَنَّهُ خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَفْظَةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ إمَّا مُبْطِلٌ لِلْهِبَةِ فِيمَا لَمْ يَجُزْ جُمْلَةً، أَوْ فِي الصَّدَقَةِ كَذَلِكَ، أَوْ مُجِيزٌ لَهُ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ فَلَيْسَ قَبْضًا - فَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ. وَعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَقُولَا حَتَّى يَقْبِضَ بِإِذْنِهِ، لَكِنْ قَالَا: حَتَّى يَقْبِضَ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا حُجَّةً وَإِجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ الْحُجَّةَ وَالْإِجْمَاعَ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا حُجَّةً وَلَا إجْمَاعًا فَلَا مَعْنَى لِاحْتِجَاجِهِمْ بِهِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِكُلِّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ.

مسألة الرجوع في الهبة

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَإِنَّنَا رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصَّدَقَةَ جُمْلَةٌ تَتِمُّ بِلَا حِيَازَةٍ - وَاحْتَجُّوا: بِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ بَاطِلٌ، فَلَوْ عَمِلْنَا ذَلِكَ لَمَا أَجَزْنَاهَا، إذْ كُلُّ عَمَلٍ عُمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَنُبْطِلُ قَوْلَهُ فِي الْهِبَةِ بِمَا أَبْطَلْنَا بِهِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: بِأَنَّ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ الْمُطْلَقَةِ يَمْلِكُهَا أَرْبَابُهَا، فَاحْتَاجُوا إلَى الْقَبْضِ - وَأَمَّا الْحُبَسُ فَلَا مَالِكَ لَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي قَبْضَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا قَابِضَ لَهَا دُونَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: الْأَرْضُ كُلُّهَا وَكُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ عَنْ مِلْكِهِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ، وَقَدْ بَطَلَ قَوْلُهُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذَا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، فَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، وَهَذَا مَكَانُ الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لَا حَيْثُ احْتَجُّوا بِهَا مِمَّا بَيَّنَتْ السُّنَنُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهَا. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] . وَمَنْ تَلَفَّظَ بِالْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا، وَعَقَدَ عَقْدًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إبْطَالُهُ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي إبْطَالِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الرُّجُوع فِي الْهِبَة] 1631 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً صَحِيحَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا أَصْلًا مُذْ يَلْفِظُ بِهَا إلَّا الْوَالِدَ، وَالْأُمَّ فِيمَا أَعْطَيَا، أَوْ أَحَدُهُمَا لِوَلَدِهِمَا فَلَهُمَا الرُّجُوعُ فِيهِ أَبَدًا - الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ. وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ الِابْنَةُ عَلَى تِلْكَ الْعَطِيَّةِ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجَا، دَايَنَا عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُدَايِنَا، فَإِنْ فَاتَ عَيْنُهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُمَا بِشَيْءٍ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمَا بِالْغَلَّةِ وَلَا بِالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْهِبَةِ، فَإِنْ فَاتَ الْبَعْضُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ كَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ أَوْ لِوَلَدٍ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا أَوْ وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا فَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِيمَا وَهَبَ. وَمَنْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِمَوْلًى، أَوْ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ: هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا، فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ مِنْ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ - وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ - مَا لَمْ تَزِدْ الْهِبَةُ فِي بَدَنِهَا، أَوْ مَا لَمْ يُخْرِجْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ، أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، أَوْ مَا لَمْ يُعَوِّضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْهُ الْوَاهِبَ عِوَضًا يَقْبَلُهُ الْوَاهِبُ، فَأَيُّ هَذِهِ الْأَسْبَابِ كَانَ فَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ. وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَحَبَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ كَرِهَ - قَالَ: فَلَوْ وَهَبَ آخَرُ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ وَالْخَيْرَ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَأَدَّاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْهَا، أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً فَأَسْلَمَتْ فَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيهَا. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُتَصَدِّقِ فِيهَا - لِأَجْنَبِيٍّ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ أَجْنَبِيٍّ - بِخِلَافِ الْهِبَةِ - وَقَالَ مَالِكٌ: لَا رُجُوعَ لِوَاهِبٍ وَلَا لِمُتَصَدِّقٍ فِي هِبَتِهِ أَصْلًا، لَا لِأَجْنَبِيٍّ وَلَا لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، إلَّا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَقَطْ، وَفِيمَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ أَوْ ابْنَتِهِ الْكَبِيرَيْنِ أَوْ الصَّغِيرَيْنِ، مَا لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى - فَإِنْ قَالَ هَذَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا وَهَبَ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ، مَا لَمْ يُدَايِنْ الْوَلَدَ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ، أَوْ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ الِابْنُ أَوْ الِابْنَةُ عَلَيْهَا، أَوْ مَا لَمْ يَثِبْ الْوَلَدُ أَوْ الِابْنَةُ أَبَاهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ فَقَدْ بَطَلَ رُجُوعُ الْأَبِ فِي الْهِبَةِ. وَتَرْجِعُ الْأُمُّ كَذَلِكَ فِيمَا وَهَبَتْ الْأُمُّ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ خَاصَّةً مَا دَامَ أَبُوهُمْ حَيًّا، فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ، فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ فَلَا رُجُوعَ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهَا فِيمَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا الْكِبَارِ، كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ: وَهِبَةُ الثَّوَابِ صَاحِبُهَا الْوَاهِبُ لَهَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا، فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ. فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا -: أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَالْآخَرُ - أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ مَا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الثَّوَابِ، وَلَا ثَوَابَ عِنْدَهُمْ فِيمَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَلَا لِلْفَقِيرِ فِيمَا أَهْدَى إلَى الْغَنِيِّ يَقْدُمُ

مِنْ سَفَرٍ؛ كَالْمَوْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - قَالَ: وَلَا رُجُوعَ فِي صَدَقَةٍ أَصْلًا، لَا لِوَالِدٍ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقَاوِيلُ لَا تُعْقَلُ، وَفِيهَا مِنْ التَّضَادِّ، وَالدَّعَاوَى بِلَا دَلِيلٍ مَا يَكْفِي سَمَاعُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْفَقِيرِ يُهْدِي إلَى الْغَنِيِّ يُقَدِّمُ الْمَوْزَ وَنَحْوَهُ مِنْ طَلَبِ الثَّوَابِ، وَمَا أَحَدٌ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْهُ، وَإِطْلَاقُهُمْ الْغَنِيَّ عَلَى طَلَبِ الثَّوَابِ، وَمَنْعُهُمْ الْأُمَّ مِنْ الرُّجُوعِ إذَا مَاتَ أَبُو وَلَدِهَا، وَإِبَاحَتُهُمْ لَهَا الرُّجُوعَ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا، وَإِبَاحَتُهُمْ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَ لِيَتِيمٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُكْمِ الْوَالِدِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ تَخْصِيصُهُمْ إذَا تَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ الِابْنَةُ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ بِالْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ. وَكَذَلِكَ أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، إذْ رَأَى الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْكُفْرِ خَيْرًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَمْ يَرَ تَعَلُّمَ الْقُرْآنِ خَيْرًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَإِذَا رَأَى أَدَاءَ دَيْنِ الْعَبْدِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَمْ يَرَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَإِذَا لَمْ يَرَ الرُّجُوعَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ هَذَا عَجَبٌ جِدًّا، وَلَئِنْ كَانَ الرُّجُوعُ حَقًّا فَمَا بَالُهُ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْحَاكِمِ، وَلَئِنْ كَانَ غَيْرَ حَقٍّ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ؟ وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ فِي إبْطَالِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ رُجُوعِ بَائِعِ السِّلْعَةِ فِيهَا إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَ مُفْلِسٍ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَهَا مَلَكَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ صَارَتْ عِنْدَهُ، وَفِي جُمْلَةِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى مَالِهِ - فَهَاهُنَا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ صَحِيحًا لَا هُنَاكَ - وَهَا هُنَا لَا يَخْلُو الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ مَا وَهَبَ لَهُ أَمْ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ وَالْأَكْلُ، وَالْبَيْعُ، وَالتَّصَرُّفُ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ وَرِثْث عَنْهُ إنْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ، فَلَا سَبِيلَ لِلْوَاهِبِ عَلَى مَالِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى الرُّجُوعَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا -: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَلَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا إلَّا لِذِي رَحِمٍ. وَمِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا حَنْظَلَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ - عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ رَدَّ الْهِبَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ غَرِيمَهُ مَاتَ وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنُ أَبْزَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: الْمَوَاهِبُ ثَلَاثَةٌ: مَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ النَّاسِ، وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ - فَمَوْهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فِيهَا صَاحِبُهَا إذَا لَمْ يُثَبْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا - يَعْنِي الْهِبَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ فِي بَازٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: وَهَبْتُ لَهُ بَازِي رَجَاءَ أَنْ يُثِيبَنِي فَأَخَذَ بَازِي وَلَمْ يُثِبْنِي فَقَالَ الْآخَرُ: وَهَبَ لِي بَازِيَهُ مَا سَأَلْتُهُ وَلَا تَعَرَّضْت لَهُ، فَقَالَ فَضَالَةُ: رُدَّ عَلَيْهِ بَازِيَهُ أَوْ أَثِبْهُ مِنْهُ، فَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْمَوَاهِبِ النِّسَاءُ وَشِرَارُ الْأَقْوَامِ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: الْمَوَاهِبُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ وَهَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَوْهَبَ، فَهِيَ كَسَبِيلِ الصَّدَقَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي صَدَقَتِهِ، وَرَجُلٌ اُسْتُوْهِبَ فَوَهَبَ فَلَهُ الثَّوَابُ، فَإِنْ قَبِلَ عَلَى مَوْهِبَتِهِ ثَوَابًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ، وَرَجُلٌ وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ. فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ حَتَّى يُثَابَ مِنْهَا مَا يَرْضَى، فَإِنْ نَمَتْ عِنْدَ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ فَلَيْسَ لِمَنْ وَهَبَهَا إلَّا هِيَ بِعَيْنِهَا لَيْسَ لَهُ مِنْ النَّمَاءِ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ هِبَةً لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَ مَنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يُتْلِفْهَا أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلْيَرْجِعْ فِيهَا عَلَانِيَةً غَيْرَ سِرٍّ، ثُمَّ تُرَدُّ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَهَبَ شَيْئًا مُثْبَتًا فَحَسُنَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَلْيَقْضِ لَهُ بِشَرْوَاهُ يَوْمَ وَهَبَهَا لَهُ، إلَّا مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، أَوْ الزَّوْجَيْنِ، أَيُّهُمَا أَعْطَى صَاحِبَهُ شَيْئًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مَنْصُورٌ وَيُونُسُ، وَابْنُ عَوْنٍ، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: مَنْ أَعْطَى فِي صِلَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَجَزْنَا عَطِيَّتَهُ، وَالْجَانِبُ الْمُسْتَغْزِرُ يُثَابُ عَلَى هِبَتِهِ أَوْ تُرَدُّ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يُثِبْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ وَهَبَ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ، فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ - وَقَدْ رُوِّينَاهُ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ: فَرَضِيَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ: أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّهِ بِخَادِمٍ لَهُ وَتَزَوَّجَ فَسَاقَ الْخَادِمَ إلَى امْرَأَتِهِ فَقَبَضَتْهَا امْرَأَتُهُ فَخَاصَمَتْهَا الْأُمُّ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لَهَا شُرَيْحٌ: إنَّ ابْنَك لَمْ يَهَبْك صَدَقَتَهُ وَأَجَازَهَا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهَا. قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ أَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ

أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي اسْتَرَدَّ مَا وَهَبَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ فَيَأْكُلُ قَيْئَهُ» . فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ فَلْيُوقَفْ فَلْيُعَرَّفْ مَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ لِيُدْفَعْ إلَيْهِ مَا وَهَبَ؛ وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا أَبُو عُبَيْدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ أَخْبَرَنِي أَبُو حُذَيْفَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ الْهَدِيَّةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ.» قَالُوا: فَعَلَى هَذَا لَهُ مَا ابْتَغَى إذْ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «وَهَبَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِبَةً فَأَثَابَهُ فَلَمْ يَرْضَ فَزَادَهُ فَلَمْ يَرْضَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هِبَةً» . وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ «أَنْ لَا أَتَّهِبَ إلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ» وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْأَدْنَى وَهُوَ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّنَا لَمْ نُنْكِرْ إثَابَةَ الْمَوْهُوبِ، بَلْ هُوَ فِعْلٌ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا وُجُوبَهُ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا أَنْكَرْنَا أَنْ يُوجِبَ فِي النَّاسِ الطَّمَعَ الَّذِي لَا يُقْنِعُهُ تَطَوُّعُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَهُ.

وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِمَّا أَنْكَرْنَا مَعْنًى وَلَا إشَارَةً، وَإِنَّمَا فِيهِ مَا لَا نُنْكِرُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَمَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ هِبَةً إلَّا مِمَّنْ ذَكَرَ - وَلَوْ أَنْفَذَ ذَلِكَ لَكَانَ مُبَاحًا فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَلَيْسَ مِنْ الْمَحْذُورِ عَلَيْهِ خِلَافُهُ، فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَا هَمَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ هِبَةِ الثَّوَابِ، وَلَا أَنَّ تِلْكَ الْهِبَةَ اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ وَلَا فِيهِ إجَازَةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَصْلًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ: فَوَجَدْنَاهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، فِيهِ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ سَمَاعٌ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ. وَفِيهِ أَيْضًا: أَبُو حُذَيْفَةَ، فَإِنْ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ بَشِيرٍ النَّجَّارِيُّ فَهُوَ هَالِكٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ - فَسَقَطَ جُمْلَةً، وَلَمْ يَحِلَّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِهِبَةِ الثَّوَابِ أَصْلًا - وَلَا لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْهَدِيَّةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " لَهُ مَا ابْتَغَى " فَجُنُونٌ، نَاهِيكَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ ابْتَغَى قَضَاءَ حَاجَتِهِ، وَمَنْ لَهُ بِذَلِكَ؟ وَقَدْ تُقْضَى وَلَا تُقْضَى، لَيْسَ لِلْمَرْءِ مَا نَوَى فِي الدُّنْيَا: إنَّمَا هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فِي الْجَزَاءِ فَقَطْ. ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ صَانَ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُصَوِّبَ أَنْ يُجِيزَ أَكْلَ هَدِيَّةٍ لَمْ يَبْتَغِ بِهَا مُهْدِيهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَصَدَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ فَقَطْ وَوَجْهَ الرَّسُولِ، وَهَذِهِ هِيَ الرِّشْوَةُ الْمَلْعُونُ قَابِلُهَا وَمُعْطِيهَا فِي الْبَاطِلِ، فَلَاحَ - مَعَ تَعَرِّي هَذَا الْخَبَرِ - عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ، مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ سُوءٍ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَدَأْنَا فِيهِ: فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. الثَّانِي - أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ أَصْلًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا أَدْرَكَهُ بِعَقْلِهِ

أَصْلًا، وَأَعَلَّا مَنْ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ بَعْدَ السَّبْعِينَ، كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرٍ، وَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَبْلَ السِّتِّينَ، فَسَقَطَ جُمْلَةً. ثُمَّ إنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ نَصَّهُ «الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» فَلَمْ يَخُصَّ ذَا رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا هِبَةً اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا ثَوَابًا قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ - وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ حَقًّا فَقَدْ خَالَفُوا الْحَقَّ بِإِقْرَارِهِمْ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَلَا حُجَّةَ فِي الْبَاطِلِ، وَهُمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةَ أَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالْأُصُولِ، وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ هَاهُنَا فَخِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالْأُصُولِ. وَأَمَّا خَبَرُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -: فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا، ثُمَّ هُوَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ ذِي رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا زَوْجٍ لِزَوْجَةٍ وَلَا أَدَايَنَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُدَايِنْ، وَلَا شَيْءٍ مِمَّا خَصَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَلَا هِبَةَ ثَوَابٍ مِنْ غَيْرِهَا، بَلْ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ هِبَةٍ، فَمَنْ خَصَّهَا فَقَدْ كَذَبَ بِإِقْرَارِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ حَدِيثًا بِأَسْرِهِ وَمَنْ خَالَفَ بَعْضَهُ وَأَقَرَّ بِبَعْضِهِ، لَا سِيَّمَا مِثْلُهُمْ وَمِثْلُنَا، فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ مَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حَقٌّ، وَأَنَّهُ حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، فَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالدَّمَارِ وَالْبَوَارِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُخَالِفُ إلَّا مَا لَا يَصِحُّ، كَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذِي عَقْلٍ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نُخَالِفَ خَبَرًا نُصَحِّحُهُ إلَّا بِنَسْخٍ بِنَصٍّ آخَرَ، أَوْ بِتَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِلَا حَيَاءٍ: إنَّ الْمَنْصُوصَ فِي خَبَرِ الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ «إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي، فَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا فِي هَذِهِ الْمُنَاقَضَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَكْذُوبِ بِلَا شَكٍّ: مِنْ أَنَّهُ يُوقَفُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا اسْتَرَدَّ، لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، بِلَا شَكٍّ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ، إذْ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُخْبِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ مُسْتَرِدَّ الْهِبَةِ كَالْكَلْبِ فِي أَقْبَحِ أَحْوَالِهِ مِنْ أَكْلِ قَيْئِهِ، وَاَلَّذِي ضَرَبَ اللَّه تَعَالَى بِهِ الْمَثَلَ لِلْكَافِرِ فَقَالَ تَعَالَى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176]

ثُمَّ يَنْفُذُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحُكْمُ بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ. بَلْ لَوْ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ مُحْتَجٌّ بِهَذَا الْخَبَرِ لَكَانَ أَقْوَى تَشْغِيبًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ: أَنَّ الْوَاهِبَ إذَا اسْتَرَدَّ مَا وَهَبَ وُقِفَ وَعُرِفَ مَا اسْتَرَدَّ، ثُمَّ لِيُدْفَعْ إلَيْهِ مَا وَهَبَ، فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى مَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَا يُتْرَكُ عِنْدَ الْمُسْتَرِدِّ، وَاحْتِمَالٌ بِاحْتِمَالٍ، وَدَعْوَى بِدَعْوَى. وَالْعَجَبُ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ - كَمَا بَيَّنَّا، وَصَارَتْ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَاهُنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حُجَّةً، وَهُمْ يَرُدُّونَ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَيْسَتْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَحْسَنَ مِنْهَا -: كَرِوَايَتِنَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، وَحَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا» . وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ نَا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ نَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ.» وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا لَمْ يَرُدُّوهُ إلَّا بِأَنَّهُ صَحِيفَةٌ، فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا، أَوْ أَيُّ عَمَلٍ يَرْتَفِعُ مَعَهُ، وَهَذَا هُوَ التَّلْبِيسُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ. وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إذْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ.

ثُمَّ لَوْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرٍ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَرْضَى مِنْهَا فَلَمْ يَخُصَّ رَحِمًا مَحْرَمَةً مِنْ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ - وَلَا خَصَّ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ كَمَا خَصُّوا، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ: أَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - فَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [هود: 19] . يَا لِلْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، فَكَيْفَ اسْتَحَلُّوا خِلَافَهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِمَا يُمَوِّهُونَ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا أَبُو جَنَابٍ هُوَ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ - عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ - عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: تَرْجِعُ فِيمَا أَعْطَتْهُ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنَّ النِّسَاءَ يُعْطِينَ أَزْوَاجَهُنَّ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْتَصِرَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ، وَصَحَّ الْقَضَاءُ بِهَا عَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، حَتَّى أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى لَهَا بِالرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَتْ. لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَةَ عَنْ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ الْقُضَاةُ إلَّا يُقِيلُونَ الْمَرْأَةَ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا، وَلَا يُقِيلُونَ الزَّوْج فِيمَا وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ وَصَارَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَلَاحَ أَنَّ قَوْلَهُمْ خِلَافُ قَوْلِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ عُثْمَانَ - فَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ رَأْيٌ مُحْدَثٌ؛ لِأَنَّ فِي نَصِّهِ " أَنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ الْهِبَةَ عُثْمَانَ " وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ.

ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ رَدَّ الْهِبَةِ جُمْلَةً بِلَا تَخْصِيصِ ذِي رَحِمٍ وَلَا أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ - فَصَارُوا مُخَالِفِينَ لَهُ - وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيٍّ - فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَ طَرِيقَيْهِ فِيهَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَفِي الْآخَرِ ابْنُ لَهِيعَةَ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا «الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» دُونَ تَخْصِيصِ ذِي رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ - وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا، وَفِي الْأُخْرَى أَيْضًا كَذَلِكَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ جُمْلَةً - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - فَصَحِيحٌ عَنْهُ، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عُثْمَانَ مِنْ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ «أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ» وَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا تَخْصِيصُ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ - فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا خَبَرُ فَضَالَةَ - فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَا رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا تَخْصِيصُ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَظَاهِرُ إبْطَالِ هِبَةِ الثَّوَابِ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ - فَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ. فَعَادَتْ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا خِلَافًا لَهُمْ، فَإِنْ كَانَتْ إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ وَإِنْ كَانَتْ

حُجَّةَ حَقٍّ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّةَ الْحَقِّ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً وَلَا إجْمَاعًا فَالْإِيهَامُ بِإِيرَادِهَا لَا يَجُوزُ. وَقَدْ رُوِّينَا خِلَافَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَضَاءِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ بَيْنَ أَهْلِهَا قَضَى: أَنَّهُ أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا عَلَى أَنَّكَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ؟ فَسَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ، فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ كَذَا وَكَذَا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَهُوَ لِلْوَاهِبِ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: لَا يُعَادُ فِي الْهِبَةِ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا يَعُودُ الرَّجُلُ فِي الْهِبَةِ. فَهَذَا مُعَاذٌ، وَالْحَسَنُ، وَطَاوُسٌ يَقُولُونَ بِقَوْلِنَا سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَصْنَا ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُمْ مَجْرَى الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ» قَالُوا: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الصَّدَقَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا لَهُمْ: وَالْهِبَةُ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ وَلِغَيْرِ الزَّوْجَةِ أَيْضًا صَدَقَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» فَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ هِبَةٍ لِمُسْلِمٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ، فَإِذْ قَدْ صَحَّ إجْمَاعٌ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنْ لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ، فَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا الْهِبَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَهِيَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهَا؟ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ قِيَاسًا وَلَا يَتَّبِعُونَ نَصًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:

{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، فَهَذَا مَوْضِعُ الِاحْتِجَاجِ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَا حَيْثُ احْتَجُّوا بِهِمَا حَيْثُ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِمَا وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. وَأَيْضًا - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - وَشُعْبَةُ، قَالَا جَمِيعًا نا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ نا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ نَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ يُعْطِيَ وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَالْكَلْبِ، أَكَلَ حَتَّى إذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فَرَجَعَ فِي قَيْئِهِ» .

فَهَذِهِ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا، وَلَا الْخُرُوجُ عَنْهَا وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَثَلُ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُكْمُ فِي الْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ، وَفِي الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ سَوَاءٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مُخْطِئٌ، وَالْعَجَبُ كُلُّهُ قَوْلُهُمْ " إنَّمَا شَبَّهَهُ بِالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، وَالْكَلْبُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا فَهَذَا مِثْلُهُ " فَهَنِيئًا لَهُمْ هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي أَبَاحُوا لِأَنْفُسِهِمْ الدُّخُولَ فِيهِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْبِرُ أَنَّهُ مَثَلُ السَّوْءِ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ، وَالْقَيْءُ عِنْدَهُمْ حَرَامٌ لَا نَدْرِي بِمَاذَا؟ وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَبِهَذَا النَّصِّ. وَأَطَمُّ شَيْءٍ قَوْلُ بَعْضِهِمْ " لَا يَمْنَعُ كَوْنُهُ حَرَامًا مِنْ جَوَازِهِ " وَهَذَا هَتْكُ الْإِسْلَامِ جِهَارًا. وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ يُعْطِي وَلَدَهُ» أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا احْتَاجَ الْوَالِدُ فَيَأْخُذُ نَفَقَتَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهُمْ سَهْلٌ خَفِيفٌ، وَهَلْ فَهِمَ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ عَلِمَ الْجَمِيعُ أَنَّ الْأَبَ إذَا احْتَاجَ لَمْ يَكُنْ حَقُّهُ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَأَمَّا جَعْلُنَا لِلْجَدِّ وَلِلْأُمِّ الرُّجُوعَ فِيمَا أَعْطَيَا لِابْنِ الِابْنِ وَلِلِابْنِ عُمُومًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] . وَقَالَ تَعَالَى: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] فَجَعَلَ تَعَالَى الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ أَبَوَيْنِ، وَالْأُمَّ وَالِدَةً تَقَعُ عَلَى الْجِنْسِ، وَهِيَ فِيهِ اسْمُ الْوَالِدِ.

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ - نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعْتَصِرُ الرَّجُلُ مِنْ وَلَدِهِ مَا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَمُتْ، أَوْ يَسْتَهْلِك، أَوْ يَقَعُ فِيهِ دَيْنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ ني ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُوسَى بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ سَعْدًا مَوْلَى الزُّبَيْرِ نَحَلَ ابْنَتَهُ جَارِيَةً فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ الْوَالِدَ يَعْتَصِرُ مَا دَامَ يَرَى مَالَهُ، مَا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهَا فَتَقَعُ فِي مِيرَاثٍ أَوْ تَكُونُ امْرَأَةً تُنْكَحُ، ثُمَّ تَلَاهُ عُثْمَانُ عَلَى ذَلِكَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَهَبَ لِابْنِهِ نَاقَةً فَرَجَعَ فِيهَا، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهَا، وَجَعَلَ نَمَاهَا لِابْنِهِ. قَالُوا: فَهَذَا عَمَلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، بِأَصَحَّ مِنْ هَذَا السَّنَدِ رُجُوعُ الْمَرْءِ فِيمَا وَهَبَ مَا لَمْ يُثَبْ إلَّا لِذِي رَحِمٍ. وَعَنْ عُثْمَانَ مِثْلُهُ فَمَا الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَوْلَى مِنْ تِلْكَ؟ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّمَا لِلْأَبِ الِارْتِجَاعُ فِي ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَيَقُولُونَ: لَيْسَ لِلْأَبِ الِارْتِجَاعُ فِيمَا وَهَبَ ابْنَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَحَاشَا لَهُمَا: أَنْ يُجِيزَا هِبَةً لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ فَهِيَ لِلشَّيْطَانِ. فَحَصَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، لَا حُجَّةَ لَهُمَا أَصْلًا، وَمُخَالِفًا لِكُلِّ مَا أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. 1632 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْهِبَةُ عِنْدَ الْوَلَدِ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهَا الِاسْمُ، أَوْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ مَاتَ، أَوْ صَارَتْ لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا فَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا تَغَيَّرَتْ فَهِيَ غَيْرُ مَا جَعَلَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّجُوعَ فِيهِ، وَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ مَاتَ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَنْ

مسألة لا تنفذ هبة ولا صدقة لأحد إلا فيما أبقى له ولعياله غنى

لَمْ يَجْعَلْ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّجُوعَ عَلَيْهِ - وَإِذَا بَطَلَ تَمَلُّكُهَا، فَلَا تَمَلُّكَ لِلْأَبِ فِيهَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة لَا تَنْفُذُ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ لِأَحَدٍ إلَّا فِيمَا أَبْقَى لَهُ وَلِعِيَالِهِ غِنًى] 1633 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَنْفُذُ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ لِأَحَدٍ إلَّا فِيمَا أَبْقَى لَهُ وَلِعِيَالِهِ غِنًى، فَإِنْ أَعْطَى مَا لَا يَبْقَى لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بَعْدَهُ غِنًى فُسِخَ كُلَّهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ نَبِيُّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ نا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . وَرُوِّينَا مَعْنَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . فَإِذًا كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ وَخَيْرُهَا مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، فَبِلَا شَكٍّ وَبِالضَّرُورَةِ: أَنَّ مَا زَادَ فِي الصَّدَقَةِ وَنَقَصَ مِنْ الْخَيْرِ، وَالْأَفْضَلِ فَلَا أَجْرَ فِيهِ، وَلَا خَيْرَ

فِيهِ، وَلَا فَضْلَ فِيهِ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - فَهَذَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَكَهَذَا وَهَكَذَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الطَّاهِرِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ - أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي «عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِك فَهُوَ خَيْرٌ لَك؟ فَقُلْتُ: إنِّي أُمْسِكَ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا أَبِي وَعَمِّي سَعْدٌ، وَيَعْقُوبُ ابْنًا إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْتَاعَهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ» . حَدَّثَنَا حُمَامُ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبُغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ نا مُسَدَّدٌ نا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ صَدَقَةٌ مَا تَرَكْتُ لِي مَالًا غَيْرَهَا، فَحَذَفَهُ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ أَصَابَهُ لَأَوْجَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَنْخَلِعُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَصِيرُ عِيَالًا عَلَى النَّاسِ» . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا، فَطَرَحُوا، فَأَمَرَ لَهُ بِثَوْبَيْنِ، ثُمَّ حَثَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الصَّدَقَةِ، فَجَاءَ فَطَرَحَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ، فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ ثَوْبَكَ» . فَهَذَا «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَدَّ الْعِتْقَ، وَالتَّدْبِيرَ، وَالصَّدَقَةَ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ، وَصَدَقَةَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَلَمْ يُجِزْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا» . وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .

وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ: أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَمَعَ حَرَامًا وَحَلَالًا فَهُوَ عَقْدٌ مَفْسُوخٌ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا تَمَيَّزَ حَلَالُهُ مِنْ حَرَامِهِ، فَهُوَ عَقْدٌ لَمْ يَكُنْ قَطُّ صَحِيحًا عَمَلُهُ. وَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ. وَرُوِّينَا أَيْضًا مَعْنَاهَا عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحًا. وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ -: مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] . وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] . وقَوْله تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا السَّلَفُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ الْهَادِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنِّي رَأَيْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا تَخْرُجُ مِنْ مَالِك كُلِّهِ، وَلَكِنْ تَصَدَّقْ وَأَمْسِكْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ الْمَرْءُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ فِي حَيَاتِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ

تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ عَلَى بَعْضِ وَلَدِهِ بِجَمِيعِ مَالِهِ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا فَأَمْضَى لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ الثُّلُثَ، أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَحُدُّ الثُّلُثَ وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ إنَّمَا هُوَ مَا أَبْقَى غِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كُلُّ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ قَدْ بَلَغَ لَا بَأْسَ بِعَقْلِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ بِهِ جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَهُ غِنًى فَيَتَصَدَّقُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ سَرَفًا، فَتَرُدُّ الْوُلَاةُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِقَدْرِ رَأْيِهِمْ فِيهِ، وَيُجِيزُونَ السَّدَادَ، عَلَى هَذَا جَرَى أَمْرُ الْقُضَاةِ. فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُرْوَةُ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَالْقُضَاةُ جُمْلَةً لَا يُجِيزُونَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ الْمَالِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْغِنَى هُوَ مَا يَقُومُ بِقُوتِ الْمَرْءِ وَأَهْلِهِ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ قُوتِ مِثْلِهِ، وَبِكِسْوَتِهِمْ كَذَلِكَ وَسُكْنَاهُمْ، وَبِمِثْلِ حَالٍ مِنْ مَرْكَبٍ وَزِيٍّ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَهَذَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اسْمُ غِنًى، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ النَّاسِ، فَمَا زَادَ فَهُوَ وَفْرٌ وَدَثْرٌ وَيَسَارٌ، وَفَضْلٌ إلَى الْإِكْثَارِ، وَمَا نَقَصَ فَلَيْسَ غِنًى، وَلَكِنَّهُ حَاجَةٌ وَعُسْرَةٌ وَضِيقَةٌ، إلَّا أَنْ يَنْزِلَ إلَى الْمَسْكَنَةِ، وَالْفَاقَةِ، وَالْفَقْرِ، وَالْإِدْقَاعِ، وَالضَّرُورَةِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى وَالْمَالِ. فَإِنْ ذَكَرَ الْمُخَالِفُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 261] وقَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] : وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا فَيُحَامِلُ فَيَجِيءُ بِالْمُدِّ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ، كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ فَتَصَدَّقَ أَجْوَدَهُمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيِّ عَنْ حَجَّاجٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيٍّ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ - عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ الصَّنْعَانِيِّ الْخَثْعَمِيِّ " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدُ الْمُقِلِّ» . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي بُرْدَةَ هُوَ سَعِيدٌ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْهَا؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ نا وَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: نَوِّمِي الصِّبْيَةَ، وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَك - فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] » . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بَلَغَنَا: «أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ صَدَقَةً - وَهُوَ مَالُهُ كُلُّهُ - ثُمَّ وَرِثَهُمَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ كُلُّهُ لَكَ حَلَالٌ» .

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ نا الْعَلَاءُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا فِي صَدْرِهِ بِخِلَالٍ إذْ هَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي أَرَى أَبَا بَكْرٍ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا بِخِلَالٍ؟ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكَ: اقْرَأْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ السَّلَامَ، وَقَالَ لَهُ: أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي يَا أَبَا بَكْرٍ فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ذَلِكَ؟ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَسْخَطُ عَلَى رَبِّي، أَنَا عَنْ رَبِّي رَاضٍ وَكَرَّرَهَا ثَلَاثًا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَبْقَيْتُ لِأَهْلِكَ؟ فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرُسُلَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ عُمَرَ، قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ فَقُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرُوهُ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ وَلَكِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 261] فَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا. وَمَنْ أَنْفَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ أَنْفَقَ ثَلَاثَةً بِالْعَدَدِ كَذَلِكَ: فَقَدْ أَنْفَقَ أَمْوَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَقَلَّ، فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَالِهِ وَإِنْ قَلَّ يُسَمَّى مَالَهُ. ثُمَّ بَيَانُ مَا يَجُوزُ إنْفَاقُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي قَدَّمْنَا، وَلَا يَجُوزُ

أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِتِلْكَ وَمُبِيحَةٌ لِبَسْطِ يَدِهِ كُلَّ الْبَسْطِ، وَلِلتَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ، فَيَكُونُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ سُئِلَ عَنْ «أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ» فَإِنَّ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ بَيَّنَهُمَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق أَبِي دَاوُد نا قُتَيْبَةُ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدُ الْمُقِلِّ، وَأَبْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ، وَخَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ إنَّمَا هُمَا فِي جُهْدِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقِلًّا مِنْ الْمَالِ غَيْرَ مُكْثِرٍ إذَا أَبْقَى لِمَنْ يَعُولُ غِنًى وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] فَحَقٌّ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِهِ خَصَاصَةٌ وَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَجْهُودٍ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ تَضْيِيعُ نَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ هُوَ أَغْنَى مِنْهُ. وَأَمَّا «حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يُحَامِلُ فَيَأْتِي بِالْمُدِّ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ» فَهَذَا حَسَنٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غِنًى وَلِأَهْلِهِ، وَلَا فَضْلَ عِنْدَهُ فَيَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيُصِيبُ مُدًّا هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى فَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى «ابْدَأْ بِمِنْ تَعُولُ» - «وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» «، وَرَدُّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ» . وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» تَصْحِيحٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ غِنًى، وَفَضَلَ لَهُ دِرْهَمَانِ فَقَطْ فَتَصَدَّقَ بِأَجْوَدِهِمَا، وَكَانَتْ نِسْبَةُ الدِّرْهَمِ مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِسْبَةِ الْمِائَةِ الْأَلْفِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى سِوَاهُمَا.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى يَعْتَمِلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ فَبَيِّنٌ كَقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُفْرِدْ الصَّدَقَةَ دُونَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، بَلْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي بَاتَ بِهِ الضَّيْفُ فَقَدْ رُوِّينَاهُ بِبَيَانٍ لَائِحٍ، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ نا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ - هُوَ فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُضِيفَهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا لِضَيْفِهِ فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو طَلْحَةَ، فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى رَحْلِهِ» ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، كَمَا رَوَاهُ جَرِيرٌ، وَوَكِيعٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ - فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ أَبَا طَلْحَةَ وَهُوَ مُوسِرٌ مِنْ مَيَاسِيرِ الْأَنْصَارِ. وَرُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَقَدْ لَا يَحْضُرُ الْمُوسِرَ أَكْلٌ حَاضِرٌ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ فَمُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا السَّنَدِ بَيَانًا، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو الْوَلِيدِ الْأَنْطَاكِيُّ نا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي صَدَقَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ، فَأَتَى أَبُوهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا كَانَ لَنَا عَيْشٌ غَيْرُهَا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ - يَعْنِي عَلَى الْأَبِ - فَمَاتَ فَوَرِثَهَا - يَعْنِي الِابْنُ عَنْ أَبِيهِ -» فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ السَّنَدِ - وَفِيهِ رَدُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتِلْكَ الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ لَا عَيْشَ لِأَبِيهِ إلَّا مِنْهَا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الِابْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى غَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ إحْدَى طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَالثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْفَرْوِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إبَاحَةُ الصَّدَقَةِ مَا لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ تَحْرِيمِهَا فَكَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَكَانَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَارِدًا بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الصَّدَقَةِ، فَهُوَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ نَاسِخٌ لِمَا يَقْدُمُهُ، وَمَنْ ادَّعَى فِيمَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ، فَقَدْ كَذَبَ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَرَامَ إبْطَالَ الْيَقِينِ بِالظَّنِّ الْإِفْكِ.

مسألة الهبة أو الصدقة لأحد الأولاد

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي فِيهِ «أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ» فَلَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَمْرٍو الْحَنَفِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ مُطْرَحٌ - ثُمَّ التَّوْلِيدُ فِيهِ لَائِحٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَصًّا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِعَامَيْنِ، وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ سَهْمِهِ مَالٌ وَاسِعٌ مَشْهُورٌ. وَمَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَانَ قَدْ خَالَفَ تِلْكَ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، وَكَانَ مَنْ أَخَذَ بِتِلْكَ قَدْ أَخَذَ بِهَذِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْلِيفِ مَا صَحَّ مِنْ تِلْكَ الْأَخْبَارِ، وَضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ. وَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: رَأَيْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ، فَمِنْ الْعَجَبِ الِاحْتِجَاجُ فِي الدِّينِ بِأَحْلَامِ نَائِمٍ، هَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ أَبُوهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تِلْكَ الرُّؤْيَا فَلَمْ يَعْبَأْ بِهَا. فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبَقِيَ كُلُّ مَا أَوْرَدْنَا بِحَسْبِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا: مَنْعُ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ صَاحِبُ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ وَمِائَةِ عَبْدٍ - وَقَدْ حَضَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ - ثُمَّ يُجِيزُونَ لَهُ إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ لَا يُغْبَنَ فِي الْبَيْعِ فَأَطْلَقَهُ الْقَاضِي عَلَى مَالِهِ، وَمَا أَدْرَاك مَا الْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَ مَالِهِ لِشَاعِرٍ سَفِيهٍ، أَوْ لِنَدِيمِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَبْقَى هُوَ وَأَطْفَالُهُ وَعِيَالُهُ يَسْأَلُونَ عَلَى الْأَبْوَابِ وَيَمُوتُونَ جُوعًا وَبَرْدًا، وَاَللَّهِ مَا كَانَ قَطُّ هَذَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، مَا هُوَ إلَّا مِنْ حُكْمِ الشَّيْطَانِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَة الْهِبَة أَوْ الصَّدَقَة لِأَحَدِ الْأَوْلَاد] 1634 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ، وَلَا أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِهِ إلَّا حَتَّى يُعْطِيَ أَوْ يَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُفَضِّلَ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى، وَلَا أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا وَلَا بُدَّ، وَإِنَّمَا هَذَا فِي التَّطَوُّعِ - وَأَمَّا فِي النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ فَلَا، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ الْوَاجِبَةُ. لَكِنْ يُنْفِقُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ بِحَسْبِ حَاجَتِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْهُمْ دُونَ الْغَنِيِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرْنَا فِي وَلَدِ الْوَلَدِ، وَلَا فِي أُمَّهَاتِهِمْ، وَلَا فِي نِسَائِهِمْ، وَلَا فِي

رَقِيقِهِمْ، وَلَا فِي غَيْرِ وَلَدٍ، بَلْ لَهُ أَنْ يُفَضِّلَ بِمَالِهِ كُلَّ مَنْ أَحَبَّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَمَا أَعْطَاهُمْ، أَوْ يُشْرِكَهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَيْنُ الْعَطِيَّةِ - مَا لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمْ - فَيَصِيرُ مَالُهُ لِغَيْرِهِ، فَعَلَى الْأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطِيَ هَذَا الْوَلَدَ، كَمَا أَعْطَى غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُعْطِيَ مِمَّا تَرَكَ أَبُوهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ فِي حَيَاتِهِ فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ فَلَقِيَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: مَا نِمْت اللَّيْلَةَ مِنْ أَجْلِ ابْنِ سَعْدٍ هَذَا الْمَوْلُودُ لَمْ يُتْرَكْ لَهُ شَيْءٌ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا وَاَللَّهِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ نُكَلِّمُهُ فِي أَخِيهِ، فَأَتَيْنَاهُ فَكَلَّمْنَاهُ فَقَالَ قَيْسٌ: أَمَّا شَيْءٌ أَمْضَاهُ سَعْدٌ فَلَا أَرُدُّهُ أَبَدًا، وَلَكِنْ أُشْهِدُكُمَا أَنَّ نَصِيبِي لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ زَادَ قَيْسٌ عَلَى حَقِّهِ، وَإِقْرَارُ أَبِي بَكْرٍ لِتِلْكَ الْقِسْمَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ اعْتِدَالِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: يَا بُنَيَّةُ، إنِّي نَحَلْتُك نَخْلًا مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ آثَرْتُك عَلَى وَلَدِي، وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي احْتَزْتِيهِ، فَرُدِّيهِ عَلَى وَلَدِي؟ فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، لَوْ كَانَتْ لِي خَيْبَرُ بِجِدَادِهَا ذَهَبًا لَرَدَدْتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ نا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ حَكِيم بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَيْدَةَ كَانَ لَهُ بَنُونَ لِعَلَّاتٍ أَصَاغِرُ وَلَدِهِ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَجَعَلَهُ لِبَنِي عَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَخَرَجَ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَخَيَّرَ عُثْمَانُ الشَّيْخَ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُوَزِّعَهُ بَيْنَهُمْ؟ فَارْتَدَّ مَالُهُ، فَلَمَّا مَاتَ تَرَكَهُ الْأَكَابِرُ لِإِخْوَتِهِمْ. وَبِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ

حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ نُحْلًا دُونَ بَنِيهِ فَمَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ الْحَيِّ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ مِنْ وَصِيَّتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي الْوَلَدِ: لَا يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ بِشَعْرَةٍ، النُّحْلُ بَاطِلٌ، هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، اعْدِلْ بَيْنَهُمْ كِبَارًا وَأَبِنْهُمْ بِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لَهُ: هَلَكَ بَعْضُ نُحْلِهِمْ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُمْ؟ قَالَ: لِلَّذِي نَحَلَهُ مِثْلُهُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْت: أَرَدْت أَنْ أُفَضِّلَ بَعْضَ وَلَدِي فِي نُحْلٍ أَنْحَلُهُ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَبَى إبَاءً شَدِيدًا وَقَالَ: سَوِّ بَيْنَهُمْ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: يَنْحَلُ وَلَدَهُ أَيُسَوَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبٍ وَزَوْجَةٍ؟ قَالَ: لَمْ يُذْكَرْ إلَّا الْوَلَدَ، لَمْ أَسْمَعْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَؤُلَاءِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، ثُمَّ مُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَعُرْوَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ - وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ شُرَيْحٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، الْعَدْلُ أَنْ يُعْطِيَ الذَّكَرَ حَظَّيْنِ، وَالْأُنْثَى حَظًّا - وَقَالَ غَيْرُهُمْ: بِالسَّوِيَّةِ فِي ذَلِكَ. وَرُوِّينَا خِلَافَ ذَلِكَ، وَإِجَازَةُ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْوَلَدِ عَلَى بَعْضٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمَا - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.

وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَجَازَهُ إنْ وَقَعَ. وَكَرِهَ مَالِكٌ: أَنْ يَنْحَلَ بَعْضَ وَلَدِهِ مَالَهُ كُلَّهُ - وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قِصَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ، وَقَوْلَ عُمَرَ مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ ثَلَاثَةَ أَرْؤُسٍ أَوْ أَرْبَعَةً لِبَعْضِ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ، قَالَ بُكَيْر: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ إذْ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: هَذِهِ الْأَرْضُ لِابْنِي وَاقِدٍ، فَإِنَّهُ مِسْكِينٌ، نَحَلَهُ إيَّاهَا دُونَ وَلَدِهِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ نَحَلَ ابْنَتَهُ مِنْ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ ذِي مَالٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ» وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا. وَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا يَحْتَجُّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَقُتَيْبَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ يَحْيَى: نا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ، وَابْنُ رُمْحٍ، كِلَاهُمَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ حَرْمَلَةُ: نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَقَالَ عَبْد نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ إبْرَاهِيمُ، وَسُفْيَانُ، وَاللَّيْثُ وَيُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كِلَاهُمَا «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَتَى بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: أَكُلُّ بَنِيكَ نَحَلْتَ؟ قَالَ: لَا، فَارْدُدْهُ -» هَذَا لَفْظُ إبْرَاهِيمَ، وَيُونُسَ، وَمَعْمَرٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ، وَاللَّيْثُ: «أَكُلُّ وَلَدِك نَحَلْتَ» ؟ وَاتَّفَقُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.

مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا؟ فَقَالَ: أَكُلُّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْهُ» . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا نَصًّا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ". وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، كُلُّهُمْ يَقُولُ فِيهِ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «رُدَّهُ، أَوْ اُرْدُدْهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ الشَّعْبِيِّ سَمِعْتُ «النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَعْطَيْت ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ؟ ارْجِعْ فَرُدَّ عَطِيَّتَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟

قَالَ: لَا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ - فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نا أَبُو حَيَّانَ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ - عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَلَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» . فَكَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ مُتَوَاتِرَةً مُتَظَاهِرَةً: الشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُلُّهُمْ سَمِعَهُ مِنْ النُّعْمَانِ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْحُفَلَاءُ مِنْ الْأَئِمَّةِ كُلِّهِمْ مُتَّفِقٌ عَلَى أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَسْخِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَرَدِّهَا، وَبَيَّنَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا رُدَّتْ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَ أَنَّهَا جَوْرٌ، وَالْجَوْرُ لَا يَحِلُّ إمْضَاؤُهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ إمْضَاءُ كُلِّ جَوْرٍ وَكُلِّ ظُلْمٍ، وَهَذَا هَدْمُ الْإِسْلَامِ جِهَارًا. فَوَجَدْنَا الْمُخَالِفِينَ قَدْ تَعَلَّلُوا بِهَذَا فِي هَذَا بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ وَهَبَهُ جَمِيعَ مَالِهِ. فَقُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ فِي نَصِّ الْحَدِيثِ " بَعْضَ مَالِهِ " وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ " بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ ". وَقَالَ آخَرُونَ: رَوَى هَذَا الْخَبَرَ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَشِيرٍ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا أُولَئِكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءٌ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا إذًا» . وَرَوَاهُ الْمُغِيرَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ، وَقَالَ فِيهِ «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» ؟ فَقُلْنَا: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " فَلَا إذًا " نَهْيٌ صَحِيحٌ كَافٍ لِمَنْ عَقَلَ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» لَوْ لَمْ يَأْتِ إلَّا هَذَا اللَّفْظُ لَمَا كَانَ لَكُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ. وَأَمَّا وَقَدْ رَوَى مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ الْمُغِيرَةِ وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ الزِّيَادَةَ الثَّابِتَةَ الَّتِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْخُرُوجُ عَنْهَا مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَدِّ تِلْكَ الصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَارْتِجَاعِهَا -

فَصَحَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَبِإِخْبَارِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ جَوْرٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ «أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» إنَّمَا هُوَ الْوَعِيدُ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150] لَيْسَ عَلَى إبَاحَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَوْرِ وَالْبَاطِلِ، لَكِنْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] . وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وَ {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات: 46] وَحَاشَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُبِيحَ لِأَحَدٍ الشَّهَادَةَ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ هُوَ أَنَّهُ جَوْرٌ، وَأَنْ يُمْضِيَهُ وَلَا يَرُدَّهُ، هَذَا مَا لَا يُجِيزُهُ مُسْلِمٌ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنْ نَقُولَ: تِلْكَ الْعَطِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ أَحَقٌّ جَائِزٌ هِيَ أَمْ بَاطِلٌ غَيْرُ جَائِزٍ. وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: حَقٌّ جَائِزٌ؟ أَعْظَمُوا الْفِرْيَةَ، إذْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْحَقِّ - وَهُوَ الَّذِي أَتَانَا عَنْ رَبِّنَا تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] وَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا بَاطِلٌ غَيْرُ جَائِزٍ؟ أَعْظَمُوا الْفِرْيَةَ، إذْ أَخْبَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْبَاطِلِ، وَأَنْفَذَ الْجَوْرَ، وَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى عَقْدِهِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُخْرِجٌ إلَى الْكُفْرِ بِلَا مِرْيَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَزَادَ بَعْضُهُمْ ضَلَالًا وَفِرْيَةً فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» أَيْ إنِّي إمَامٌ وَالْإِمَامُ لَا يَشْهَدُ، فَجَمَعُوا فِرْيَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْوِيلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَنْ أَطْلَقَ هَذَا مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْإِمَامَ لَا يَشْهَدُ، فَقَدْ كَذَبُوا وَأَفِكُوا فِي ذَلِكَ، بَلْ الْإِمَامُ يَشْهَدُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ الْمُخَاطَبِينَ بِأَنْ لَا يَأْبَوْا إذَا دُعُوا، وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فَهَذَا أَمْرٌ لِلْأَئِمَّةِ بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ قِلَّةِ حَيَاءِ هَذَا الْقَائِلِ، وَمِنْ قَوْلِهِ وَمَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا شَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ مِنْ حُكَّامِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشْهَدَ لَمَا جَازَتْ شَهَادَتُهُ. ثُمَّ أَتَى بَعْضُهُمْ بِمَا كَانَ الْخَرَسُ أَوْلَى بِهِ فَقَالَ: لَعَلَّ النُّعْمَانَ كَانَ كَبِيرًا وَلَمْ يَكُنْ قَبَضَ النُّحْلَ - وَقَائِلُ هَذَا إمَّا فِي نِصَابِ التُّيُوسِ جَهْلًا، وَإِمَّا مَنْزُوعُ الْحَيَاءِ وَالدِّينِ؛ لِأَنَّ

صِغَرَ النُّعْمَانِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَأَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ، " وَأَنَا يَوْمِئِذٍ غُلَامٌ " وَلَا تُطْلَقُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى رَجُلٍ بَالِغٍ أَصْلًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَكُنْ النُّحْلُ تَمَّ إنَّمَا كَانَ اسْتِشَارَةً وَمَوَّهُوا بِرِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ «عَنْ النُّعْمَانِ، نَحَلَنِي أَبِي غُلَامًا ثُمَّ جَاءَ بِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَإِنْ أَذِنْتَ لِي أَنْ أُجِيزَهُ أَجَزْتُهُ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْلَا عَمَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَضَلَالِهِمْ مَا تَمَكَّنَ الْهَوَى مِنْهُمْ هَذَا التَّمَكُّنُ، هُمْ يَسْمَعُونَ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ " نَحَلَنِي أَبِي غُلَامًا " وَفِي وَسَطِهِ " يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحَلْت ابْنِي هَذَا غُلَامًا " وَيَقُولُونَ: لَمْ يَتِمَّ النُّحْلُ. وَقَوْلُ بَشِيرٍ " فَإِنْ أَذِنْت لِي أَنْ أُجِيزَهُ أَجَزْته " قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَقَوْلُ مُؤْمِنٍ لَا يَعْمَلُ إلَّا مَا أَبَاحَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ظَاهِرِهِ بِلَا تَأْوِيلٍ، نَعَمْ، إنْ أَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَهُ بَشِيرٌ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَدَّهُ بَشِيرٌ وَلَمْ يُجِزْهُ كَمَا فَعَلَ. وَذَكَرُوا أَيْضًا - رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ لِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: نَحَلَنِي أَبِي نُحْلًا ثُمَّ أَتَى بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ فَقَالَ: أَكُلُّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَهُ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَلَيْسَ تُرِيدُ مِنْهُمْ الْبِرَّ مِثْلَ مَا تُرِيدُ مِنْ ذَا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ» قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: إنَّمَا حَدَّثَنَا أَنَّهُ قَالَ: «قَارِبُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقَوْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ أَعْظَمُ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا لِمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشْهَدُ عَلَى بَاطِلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ، إذْ لَمْ يَسْتَجِزْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ - وَهَكَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، وَفِيهِ «لَا أَشْهَدُ» . وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ: قَارِبُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ، فَمُنْقَطِعٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْمُقَارَبَةِ وَنَهَى عَنْ خِلَافِهَا، وَهُمْ يُجِيزُونَ خِلَافَ الْمُقَارَبَةِ، وَلَا يُوجِبُونَ الْمُقَارَبَةَ، فَمَنْ أَضَلُّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْرُومِينَ.

وَالْمُقَارَبَةُ: هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي التَّعْدِيلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] فَصَحَّ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ إنْ لَمْ يُصَادِفْ حَقِيقَةَ التَّعْدِيلِ كَانَ مُقَارِبًا، إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِرِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ لِهَذَا الْخَبَرِ «قَالَ جَابِرٌ: قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ: انْحَلْ ابْنِي غُلَامَكَ هَذَا، أَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَهُ إخْوَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكُلُّهُمْ أَعْطَيْتَهُ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، أَلَا وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي أَوَّلِهِ «لَيْسَ يَصْلُحُ» وَفِي آخِرِهِ «إنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا، وَإِذْ لَيْسَ حَقًّا فَهُوَ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ» فِي حَدِيثِ الشُّفْعَةِ، ثُمَّ أَجَزْتُمُوهُ إذَا أَجَازَهُ الشَّفِيعُ وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ النَّذْرِ، ثُمَّ أَوْجَبْتُمُوهُ إذَا وَقَعَ. قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَفِي تَرْكِهِ إقْرَارُ ذَلِكَ الْبَيْعِ، فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ. وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ النَّذْرِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ «يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ، فَبَانُونَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْضَاهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ سَامِعٍ وَمُطِيعٍ، وَذَلِكَ مَا لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا. وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ هُوَ أَبُو الضُّحَى - سَمِعْتُ «النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُول: ذَهَبَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ فَقَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَصَفَّ بِيَدِهِ أَجْمَعَ كُلِّهِ كَذَا، أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ.»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مَنْ عَارَضَ رِوَايَةَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا بِرِوَايَةِ فِطْرٍ لَمَخْذُولٌ، وَفِطْرٌ ضَعِيفٌ، وَلَوْلَا أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ النُّعْمَانِ مَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ زَائِدَةٌ - حُكْمًا وَلَفْظًا - عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ فِطْرٍ هَذَا مِنْ طَرِيقِ مَنْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ - وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ فِطْرٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ سَمِعْتُ «النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ يَقُولُ: جَاءَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ عَلَى عَطِيَّةٍ أَعْطَانِيهَا؟ فَقَالَ: هَلْ لَكَ بَنُونَ سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: سَوِّ بَيْنَهُمْ» فَهَذَا إيجَابٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ. وَقَدْ حَمَلَ الْمَالِكِيُّونَ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْفَرْضِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، وَحَمَلَ الْحَنَفِيُّونَ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِعَادَةِ مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الْإِمَامِ عَلَى الْفَرْضِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ. وَمَا زَالُوا يَهْجُمُونَ عَلَى وُجُوهِ السُّخْفِ مُعَارَضَةً لِلْحَقِّ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِخَرَزٍ فَقَسَمَهُ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَرُدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ وَالْعَطِيَّةَ، وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهَا جَوْرٌ لَوْ عَقَلُوا: فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الْخَبَرُ «كُلُّ ذِي مَالٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ» فَصَحِيحٌ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وَقَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] فَاَلَّذِي حَكَمَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَفَسَخَ أَجْرَ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانَ الْكَاهِنِ، وَبَيْعَ الْخَمْرِ، وَبَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَبَيْعَ الرِّبَا، هُوَ الَّذِي فَسَخَ الصَّدَقَةَ وَالْعَطِيَّةَ الْمُفَضَّلَ فِيهَا بَعْضُ الْوَلَدِ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ أَنَّهُمْ اعْتَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي إبْطَالِهِمْ النُّحْلَ وَالصَّدَقَةَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ لَكَانَ أَصَحَّ وَأَثْبَتَ، وَلَكِنَّهُمْ كَالسُّكَارَى يَخْبِطُونَ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ فَقُلْنَا: عَمَلُ النَّاسِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ. وَقَالَ أَنَسٌ: مَا أَعْرِفُ مِمَّا أَدْرَكْت النَّاسَ عَلَيْهِ إلَّا الصَّلَاةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا جَازَتْ مُفَاضَلَةُ الْإِخْوَةِ جَازَتْ مُفَاضَلَةُ الْأَوْلَادِ؟

قُلْنَا: هَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ؟ وَهَلَّا قُلْتُمْ: لَمَّا جَازَ الْقَوَدُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ جَازَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَوَلَدِهِ؟ فَكَانَ أَصَحَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَا مَوَّهُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدُوهُ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، مَنْ نَحَلَ وَلَدَهُ نُحْلًا، فَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ نُحْلَ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا الْمُفَاضَلَةَ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إبَاحَةُ الْمُفَاضَلَةِ، كَمَا لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُمَا الْمَنْعُ مِنْهَا، كَمَا أَوْرَدْنَا. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَنْحَلْ الْآخَرِينَ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ فِيهَا أَنَّهُ قَالَ: وَاقِدٌ ابْنِي مِسْكِينٌ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَحَلَهُ بَعْدُ كَمَا نَحَلَ إخْوَتَهُ، فَأَلْحَقهُ بِهِمْ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ، عَلَى أَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ أَيْضًا مُنْقَطِعَةٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يُسَوِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ بَيْنَهُمْ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا النَّفَقَاتُ الْوَاجِبَاتُ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» إيجَابٌ لَأَنْ يُنْفِقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا لَا قَوَامَ لَهُ إلَّا بِهِ، وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمْ. وَكَذَلِكَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيجَابٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَوَارِيثِ فِي شَيْءٍ، وَلِكُلِّ نَصٍّ حُكْمُهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ، إذَا لَمْ يَأْتِ النَّصُّ إلَّا فِيهِمْ. وَأَمَّا وَلَدُ الْوَلَدِ: فَلَا خِلَافَ فِيهِمْ، وَقَدْ كَانَ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنُو بَنِينَ وَبَنُو بَنَاتٍ فَلَمْ يُوجِبْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إعْطَاءَهُمْ وَلَا الْعَدْلَ فِيهِمْ. وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ أَنْ وُهِبَ هِبَةً لَا مُحَابَاةَ فِيهَا فَقَدْ صَارَتْ لِوَرَثَتِهِ وَبَطَلَ أَمْرُ الْأَبِ

مسألة الهبة والصدقة بمشاع لا ينقسم

فِيهَا، وَأَمَّا إنْ مَاتَ الْوَالِدُ فَالتَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِمُشَاعٍ لَا يَنْقَسِمُ] 1635 - مَسْأَلَةٌ: وَهِبَةُ جُزْءٍ مُسَمًّى مَنْسُوبٍ مِنْ الْجَمِيعِ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُشَاعِ وَالصَّدَقَةُ بِهِ جَائِزَةٌ حَسَنَةٌ لِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَلِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لَا يَنْقَسِمُ، كَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ. وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَمَعْمَرِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ؛ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَلَا الصَّدَقَةُ بِهِ - لَا لِلشَّرِيكِ وَلَا لِغَيْرِهِ، لَا عَلَى فَقِيرٍ وَلَا عَلَى غَنِيٍّ - وَتَجُوزُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِمُشَاعٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَلِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِهِ. وَاَلَّذِي يَنْقَسِمُ عِنْدَهُ: الدُّورُ، وَالْأَرَضُونَ، وَالْمَكِيلَاتُ، وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ، وَالْمَذْرُوعَاتُ - وَاَلَّذِي لَا يَنْقَسِمُ عِنْدَهُ الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالْحَمَامُ، وَالسَّيْفُ، وَاللُّؤْلُؤَةُ، وَالثَّوْبُ، وَالطَّرِيقُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ: وَالْإِجَارَةُ بِمُشَاعٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَمِمَّا لَا يَنْقَسِمُ لَا تَجُوزُ أَلْبَتَّةَ، إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ وَحْدَهُ - قَالَ: وَرَهْنُ الْمُشَاعِ الَّذِي يَنْقَسِمُ وَاَلَّذِي لَا يَنْقَسِمُ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ، لَا مِنْ الشَّرِيكِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ: وَبَيْعُ الْمُشَاعِ وَإِصْدَاقِهِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ - مِمَّا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ -: جَائِزٌ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَكَذَلِكَ عِتْقُ الْمُشَاعِ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ التَّقَاسِيمِ الَّتِي لَا تَعْقِلُ، وَلَا لَهَا فِي الدَّيَّانَةِ أَصْلٌ بِالْمَنْعِ خَاصَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَنْقَسِمُ: كَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ضَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ كُرِّ طَعَامٍ، أَوْ قِنْطَارِ حَدِيدٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لِغَنِيَّيْنِ لَا يَجُوزُ - وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ بِذَلِكَ عَلَى فَقِيرَيْنِ، أَوْ هِبَةِ ذَلِكَ لِفَقِيرَيْنِ، فَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْهِبَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّهَا تَجُوزُ لِلْفَقِيرَيْنِ - وَفِي الْأَصْلِ: أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْفَقِيرَيْنِ كَذَلِكَ، أَنَّهَا تَجُوزُ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ مُبْهَمَةٍ غَيْرِ مُبَيِّنَةٍ أَجْمَلَ فِيهَا الْمَنْعَ فَقَطْ.

وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ وَهَبَ دَارًا لِاثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ وَهَبَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِمَا مَعًا -: جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَى الْوَاحِدِ ثُمَّ إلَى الْآخَرِ -: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَمَنَعَ سُفْيَانُ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ، إلَّا أَنَّهُ أَجَازَ هِبَةَ وَاحِدٍ دَارًا لِاثْنَيْنِ، وَهِبَةَ الِاثْنَيْنِ دَارًا لِوَاحِدٍ - وَمَنَعَ ابْنُ شُبْرُمَةَ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ، وَمِنْ هِبَةِ وَاحِدٍ دَارًا لِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَأَجَازَ هِبَةَ اثْنَيْنِ دَارًا لِوَاحِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا مَوَّهُوا بِهِ إلَّا إنْ قَالُوا: قَبْضُ الْمُشَاعَ لَا يُمْكِنُ. فَقُلْنَا لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ، وَهَبْكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلِمَ أَجَزْتُمْ بَيْعَهُ، وَالْبَيْعُ عِنْدَكُمْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ، وَلِمَ أَجَزْتُمْ إصْدَاقَهُ، وَالصَّدَاقُ وَاجِبٌ فِيهِ الْإِقْبَاضُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] : وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] وَلِمَ أَجَزْتُمْ الْوَصِيَّةَ بِهِ؟ وَلِمَ أَجَزْتُمْ إجَارَةَ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ، وَمَنَعْتُمْ الرَّهْنَ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكِ، وَمَنَعْتُمْ الْهِبَةَ مِنْ الشَّرِيكِ - وَأَقْرَبُ ذَلِكَ لِمَ أَجَزْتُمْ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ. فَهَلْ فِي التَّلَاعُبِ وَالسَّخَافَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُك جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِ الْغَابَةِ فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك، هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَفَاحِشُ الْقُبْحِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ كَمْ قَوْلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَدْ خَالَفْتُمُوهُمَا فِيهَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الزَّكَاةِ إنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتَ مَخَاضٍ فَابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَكَتَرْكِهِ التَّضْحِيَةَ وَهُوَ غَنِيٌّ، وَكَصِيَامِ عَائِشَةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَقَوْلِهَا: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا. وَثَالِثُهَا - أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ قَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَرَابِعُهَا - أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ جِهَارًا بَلْ فِيهِ إجَازَةُ هِبَةِ جُزْءٍ

مِنْ الْمُشَاعِ لِغَنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ. وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَحَلَهَا مِنْ تِلْكَ النَّخْلِ مَا تَجِدُّ مِنْهَا عِشْرِينَ وَسْقًا، أَوْ نَحَلَهَا عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً، فَهِيَ إمَّا عِدَةٌ بِأَنْ يَنْحَلَهَا ذَلِكَ - وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ وَإِمَّا أَنَّهُ نَحَلَهَا وَأَمْضَى لَهَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ، وَهُوَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالْعَدَدِ وَالْعَيْنِ فِي مُشَاعٍ، فَرَأَيَاهُ مَعًا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ جَائِزًا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْهُمْ، وَلَمْ يُبْطِلْهُ أَبُو بَكْرٍ لِذَلِكَ. فَكَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ صُرَاحًا، وَإِنَّمَا أَبْطَلَهُ أَبُو بَكْرٍ بِنَصِّ قَوْلِهِ " لِأَنَّهَا لَمْ تَحُزْهُ " فَقَطْ، وَلَوْ جَدَدْته وَحَازَتْهُ لَكَانَ نَافِذًا، فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ» . فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَعُدْنَا إلَى قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَضَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ، وَالْفَضْلِ، وَكَانَتْ الْهِبَةُ فِعْلَ خَيْرٍ، وَقَدْ عَلِمَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ فِي أَمْوَالِ الْمَحْضُوضِينَ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مُشَاعًا وَغَيْرَ مُشَاعٍ، فَلَوْ كَانَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَهُمْ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ فِي الْمُشَاعِ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ، وَلَمَا كَتَمَهُ عَنْهُمْ، وَمَنْ حَرَّمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَوْجَبَ مَا لَمْ يَنُصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِيجَابِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالتَّبْلِيغِ، وَالْبَيَانِ -: فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَافْتَرَى عَلَيْهِ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ وَالصَّدَقَةَ بِهِ، وَإِجَارَتَهُ وَرَهْنَهُ -: جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ - فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ - لِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِهِ، وَلِلْغَنِيِّ وَلِلْفَقِيرِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نا شَرِيكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ " قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكُبَّةِ شَعْرٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْهَا لِي، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نُعَالِجُ الشَّعْرَ. فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نَصِيبِي مِنْهَا لَكَ» وَهُمْ

يَحْتَجُّونَ بِالْمُرْسَلِ، وَبِرِوَايَةِ شَرِيكٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ فَمَا صَرَفَهُمْ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ؟ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: إنِّي وَرِثْت عَنْ أُخْتِي عَائِشَةَ مَالًا بِالْغَابَةِ، وَقَدْ أَعْطَانِي مُعَاوِيَةُ بِهَا مِائَةَ أَلْفٍ، فَهُوَ لَكُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرِثَا مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا إنَّمَا وَرِثَا أَسْمَاءَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - فَهَذِهِ هِبَةٌ لِغَنِيَّيْنِ مُكْثِرَيْنِ مُشَاعَةً، وَفِعْلُ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا يُعْرَفُ لَهَا مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَصَدَقَاتُ الصَّحَابَةِ عَلَى بَنِيهِمْ وَبَنِي بَنِيهِمْ بِغَلَّةِ أَوْقَافِهِمْ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ صَدَقَةً أَوْ هِبَةً لِأَغْنِيَاءَ بِمُشَاعٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَذَكَرَ قِصَّةَ حُنَيْنٍ وَطَلَبَ هَوَازِنَ عِيَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ: وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَهَذِهِ هِبَةُ مُشَاعٍ وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ إذَا وَافَقَتْ تَقْلِيدَهُمْ. وَالْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ فَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً» فَهَذِهِ عَطِيَّةُ تَمْرٍ مُشَاعَةٍ. وَالْحُجَّةُ تَقُومُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى» وَذَكَرَ الْخَبَرَ - فَهَذِهِ هِبَةُ مُشَاعٍ لَمْ يَنْقَسِمْ.

مسألة أعطى شيئا غير معين من جملة

وَأَمَّا مِنْ النَّظَرِ: فَلَيْسَ إلَّا مِلْكٌ صَحِيحٌ، ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيمَا صَحَّ الْمِلْكُ فِيهِ وَلَا مَزِيدَ، فَتَمَلُّكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ بِالْجُزْءِ الْمُشَاعِ كَمَا مَلَكَهُ الْوَاهِبُ وَالْمُتَصَدِّقُ، وَلَا فَرْقَ أَلْبَتَّةَ - وَيَتَصَرَّفُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَالْمُتَصَدِّقُ؛ وَالْمُكْتَرِي، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْوَاهِبُ، وَالْمُتَصَدِّقُ، وَالْمُكْتَرِي، وَوُكَلَاؤُهُمْ وَلَا فَرْقَ، وَتَكُونُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ عَلَيْهِ يَدُ الرَّاهِنِ وَوَكِيلُهُ وَلَا فَرْقَ - وَهَذَا لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَعْطَى شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةٍ] 1636 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا إذَا أَعْطَى شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةٍ، أَوْ عَدَدًا كَذَلِكَ، أَوْ ذَرْعًا كَذَلِكَ، أَوْ وَزْنًا كَذَلِكَ، أَوْ كَيْلًا كَذَلِكَ، فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، مِثْلُ: أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ، أَوْ دَابَّةً مِنْ هَذِهِ الدَّوَابِّ أَوْ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ مِنْ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ، أَوْ رِطْلًا مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ، أَوْ صَاعًا مِنْ هَذَا التَّمْرِ، أَوْ ذِرَاعًا مِنْ هَذَا الثَّوْبِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالصَّدَقَةُ بِكُلِّ هَذَا، وَالْهِبَةُ وَالْإِصْدَاقُ، وَالْبَيْعُ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِجَارَةُ، بَاطِلٌ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَبْعَاضُهُ أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ - لَا لِشَرِيكٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَلَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِفَقِيرٍ - لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الْهِبَةَ وَلَا الصَّدَقَةَ، وَلَا الْإِصْدَاقَ، وَلَا الرَّهْنَ، وَلَا الْإِجَارَةَ عَلَى شَيْءٍ أَبَانَهُ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ أَوْقَعَ فِيهِ حُكْمَ الرَّهْنِ، أَوْ الْإِجَارَةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا أَوْقَعَ فِيهِ حُكْمًا -: فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْمُسَمَّى مُتَيَقَّنٌ أَنَّهُ لَا جُزْءَ إلَّا وَفِيهِ حَظٌّ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ الْمُصَدِّقِ، أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ شَرِيكًا لِأَبِيهِ فَيَقُولُ لَهُ أَبُوهُ: لَك مِائَةُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَك؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، حَتَّى يَحُوزَهُ مِنْ الْمَالِ وَيَعْزِلَهُ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ النَّحْلِ، إلَّا مَا أُفْرِدَ، وَعُزِلَ، وَأُعْلِمَ. [مَسْأَلَة مَنْ أُعْطِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ] 1637 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُعْطِي شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، فَفَرَضَ عَلَيْهِ قَبُولَهُ، وَلَهُ أَنْ يَهَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ - إنْ شَاءَ - لِلَّذِي وَهَبَهُ لَهُ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الصَّدَقَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَسَائِرِ وُجُوهِ النَّفْعِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى عَنْ ابْنِ السَّاعِدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ، فَاقْبَلْهُ» لَا نَعْلَمُ حَدِيثًا رَوَاهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي نَسْقِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ إلَّا هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو الطَّاهِرِ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي عُمَرَ الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ - وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ -: فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» . قَالَ سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيهِ ". نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامُ الدِّينَوَرِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ نَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ جَاءَهُ مِنْ أَخِيهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ» .

فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَأَخَذَ بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَأَبُوهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ نَافِعٍ - هُوَ أَبُو الْيَمَانِ - نَا شُعَيْبٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِي فِي خِلَافَتِهِ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّك تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالًا فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعِمَالَةَ كَرِهْتهَا. قُلْت: إنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا وَأَنَا بِخَيْرٍ، فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عِمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: فَلَا تَفْعَلْ - ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ خَبَرَهُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ - فَهَذَا عُمَرُ يَنْهَى عَنْ رَدِّ مَا أُعْطِيَ الْمَرْءُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا أَحَدٌ يُهْدِي إلَيَّ هَدِيَّةً إلَّا قِبْلَتُهَا، فَأَمَّا أَنْ أَسْأَلَ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَسْأَلَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ نَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافٍ، فَلْيَأْكُلْهُ، وَلْيَتَمَوَّلْهُ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد - هُوَ الْخُرَيْبِيُّ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: رَأَيْت هَدَايَا الْمُخْتَارِ تَأْتِي ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ فَيَقْبَلَانِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: خُذْ مِنْ السُّلْطَانِ مَا أَعْطَاك. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مَنْ أَعْطَاهُ: سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُ سُلْطَانٍ، كَائِنًا مَنْ كَانَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ ظَالِمٍ، مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا رَابِعَ لَهَا -: إمَّا أَنْ يُوقِنَ الْمُعْطَى أَنَّ الَّذِي أُعْطِي حَرَامٌ، وَإِمَّا أَنْ يُوقِنَ أَنَّهُ حَلَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يَشُكَّ فَلَا يَدْرِي أَحَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ؟

ثُمَّ يَنْقَسِمُ هَذَا الْقِسْمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ أَغْلَبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ حَرَامٌ، أَوْ يَكُونَ أَغْلَبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ حَلَالٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُمْكِنًا عَلَى السَّوَاءِ. فَإِنْ كَانَ مُوقِنًا أَنَّهُ حَرَامٌ وَظُلْمٌ وَغَصْبٌ، فَإِنْ رَدَّهُ فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى ظَالِمٌ؛ لِأَنَّهُ يُعِينُ بِهِ ظَالِمًا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ بِإِبْقَائِهِ عِنْدَهُ، وَلَا يُعِينُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي انْتِزَاعِهِ مِنْهُ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِخِلَافِ مَا فَعَلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ صَاحِبَهُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ. فَهُنَا زَادَ فِسْقُهُ، وَتَضَاعَفَ ظُلْمُهُ، وَأَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ، وَصَارَ أَظْلَمَ مِنْ ذَلِكَ الظَّالِمِ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْمَظْلِمَةِ إلَى صَاحِبِهَا وَعَلَى إزَالَتِهَا عَنْ الظَّالِمِ فَلَمْ يَفْعَلْ، بَلْ أَعَانَ الظَّالِمَ، وَأَيَّدَهُ وَقَوَّاهُ، وَأَعَانَ عَلَى الْمَظْلُومِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ صَاحِبَهُ فَكُلُّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَالْقَوْلِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، إذْ مَنَعَ الْمَسَاكِينَ وَالْفُقَرَاءَ وَالضُّعَفَاءَ حَقَّهُمْ، وَأَعَانَ عَلَى هَلَاكِهِمْ، وَقَوَّى الظَّالِمَ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَ يُوقِنُ أَنَّهُ حَلَالٌ فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ مُكْتَسِبٌ بِذَلِكَ حَسَنَاتٍ جَمَّةٍ بِلَا شَكٍّ، فَهُوَ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهُ غَيْرُ نَاصِحٍ، لَهُ، إذْ مَنْعُهُ الْحَسَنَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» فَمَنْ لَمْ يَنْصَحْ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي دِينِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ إنْ رَدَّهُ لَا يَحْضُرُ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ بِنِيَّةٍ أُخْرَى فِي بَذْلِهِ، فَيَكُونُ قَدْ حَرَمَهُ الْأَجْرَ وَصَدَّ عَنْ سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَحَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ؟ فَهَذِهِ صِفَةُ كُلِّ مَا يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ إلَّا فِي الْيَسِيرِ الَّذِي يُوقِنُ فِيهِ أَنَّهُ حَلَالٌ، أَوْ أَنَّهُ حَرَامٌ، فَلَوْ حَرُمَ أَخْذُ هَذَا لَحَرُمَتْ الْمُعَامَلَاتُ كُلُّهَا إلَّا فِي النَّادِرِ الْقَلِيلِ جِدًّا.

وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِقَاتٌ وَمُعَامَلَاتٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، فَمَا حَرَّمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطُّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَخْذَ مَالٍ يَتَعَامَلُ بِهِ النَّاسُ، إلَّا أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ اتَّقُوا مَا الْأَغْلَبُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ حَرَامٌ، فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ وُجُوبِ النَّصِيحَةِ بِأَخْذِهِ، فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ عَلَيْهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ اتَّقَاهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ فَيُؤْجَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهَذَا بُرْهَانٌ ظَاهِرٌ لَائِحٌ. وَبُرْهَانٌ آخَرُ -: وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْجَهْلِ الْمُفْرِطِ، وَالْعَمَلِ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ يَسْتَسْهِلُ بِلَا مُؤْنَةٍ أَخْذَ مَالِ زَيْدٍ فِي بَيْعٍ يَبِيعُهُ مِنْهُ، أَوْ فِي إجَارَةٍ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، لَهُ، ثُمَّ يَتَجَنَّبُ أَخْذَ مَالِ ذَلِكَ الزَّيْدِ نَفْسِهِ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِهِ، فَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ، لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوَرَعِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتَّقِي كَوْنَ ذَلِكَ الْمَالِ خَبِيثًا فَقَدْ أَخَذَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَهَذَا يَكَادُ يَكُونُ رِيَاءً مَشُوبًا بِجَهْلٍ. فَإِنَّ قِيلَ: يَكْرَهُ الْمَرْءُ أَخْذَهُ؟ قِيلَ: هَذَا خِلَافُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّغْبَةُ عَنْ سُنَّتِهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ فَمَا وُفِّقَ لِخَيْرٍ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرُدَّانِ مَا أُعْطِيَا، وَلَا يَسْأَلَانِ أَحَدًا شَيْئًا، فَإِنْ احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ «إذْ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارَ وَحْشٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هِبَةً إلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَالرَّازِيُّ نَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «وَاَيْمُ اللَّهِ لَا أَقْبَلُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مُهَاجِرِيٍّ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ» . وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ نَا الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ فِيهِ، وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ بَعْدَكَ أَحَدًا شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا» ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ - فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ شَيْئًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تُوُفِّيَ ". وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَقَدْ سَأَلَهُ الْأَحْنَفُ عَنْ الْعَطَاءِ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: خُذْهُ، فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً، فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدِينِك فَلَا تَأْخُذْهُ. فَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا حَدِيثُ «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هِبَةً» فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْمَعْهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَإِنْ كَانَ

سَمِعَهُ فَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَمَّ بِذَلِكَ، لَا أَنَّهُ أَنْفَذَهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ أَنَّ الْمُعْطَى مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ. وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَارِدٌ بِإِبْطَالِ الْحَالِ الْأَوَّلِ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَبُولِ مَا جَاءَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْهَمَّ قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُوقَنَ نَسْخُهُ قَدْ دَعَا وَنَسَخَ النَّاسِخُ، فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، وَمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَحَاشَ اللَّهِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الدِّينِ، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا عَلِمْنَا صَحِيحَ الدِّينِ مِنْ سَقِيمِهِ فِيهِ وَلَا مَا يَلْزَمُنَا مِمَّا لَا يَلْزَمُنَا، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَأَمَّا الْآخَرُ «لَا أَقْبَلُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً» فَرِوَايَةُ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ الْأَبْرَشِ - وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً. وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ رَدَّهُ وَهُوَ كَوْنُهُمْ مُحْرِمِينَ، وَهَذَا بَعْضُ الْأَحْوَالِ الَّتِي عَمَّهَا حَدِيثُ عُمَرَ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْهُ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أُهْدِي لَهُ صَيْدٌ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ، وَهَكَذَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْبَلَانِ الْهَدَايَا وَيَرُدَّانِ الصَّيْدَ إنْ أُهْدِي لَهُمَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمٍ - فَبَيِّنٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِيمَنْ أَخَذَ الْمَالَ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ مَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ «لَا يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ» وَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْإِشْرَافَ إلَى الْمَالِ لَمْ يَسْتَجِزْ أَخْذَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَخْذُهُ مَنْ كَانَ غَيْرُ مُشْرِفِ النَّفْسِ إلَيْهِ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ -: إخْبَارُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ - كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حَتَّى خَاطَبَهُ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَطَاءً فَاسْتَقَلَّهُ، فَزَادَهُ» ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَهَذَا غَايَةُ إشْرَافِ النَّفْسِ؛

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَلْحَفْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا أَنْكَرَ مَسْأَلَتَكَ يَا حَكِيمُ إنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَهَذَا بَيَانٌ لَائِحٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِحَكِيمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَيْرُ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ فَصَحِيحٌ؛ لِأَنَّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ وَطَلَبَ عِوَضًا مِنْهُ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَخْذُ مَا أُعْطِي دُونَ شَرْطٍ فَاسِدٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: لِي جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْعُونِي. فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: مُهَنَّاهُ لَك، وَإِثْمُهُ عَلَيْك، قَالَ سُفْيَانُ: إنْ عَرَفَتْهُ بِعَيْنِهِ فَلَا تَأْكُلُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَدَقَ سُفْيَانُ الْأَكْلُ غَيْرُ الْأَخْذِ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ عَيْنَهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ فِي أَخْذِهِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ فِيهِ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ إيصَالِهِ إلَى أَهْلِهِ وَإِزَالَتِهِ عَنْ الْمَظَالِمِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَكْلِ، فَفَرَضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ أَكْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الزُّبَيْرِ - هُوَ ابْنُ الْخِرِّيتِ - عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ لَك صَدِيقٌ عَامِلٌ، أَوْ جَارٌ عَامِلٌ، أَوْ ذُو قَرَابَةٍ عَامِلٌ، فَدَعَاك إلَى طَعَامٍ فَاقْبَلْهُ، فَإِنَّهُ مُهَنَّاهُ لَك وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ - هُوَ عَامِلُ الْبَصْرَةِ - يَبْعَثُ إلَى الْحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ بِجِفَانِ ثَرِيدٍ فَيَأْكُلُ الْحَسَنُ مِنْهَا وَيُطْعِمُ أَصْحَابَهُ قَالَ: وَبَعَثَ عَدِيٌّ إلَى الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، فَقَبِلَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَرَدَّ ابْنُ سِيرِينَ. قَالَ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ طَعَامِ الصَّيَارِفَةِ؟ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الرِّبَا وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: عَرِيفٌ لَنَا يَهْمِطُ وَيُصِيبُ مِنْ الظُّلْمِ فَيَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُهُ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: الشَّيْطَانُ عَرَضَ بِهَذَا لِيُوقِعَ عَدَاوَةً،

مسألة الرشوة وحكمها

وَقَدْ كَانَ الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ، قُلْت لَهُ: نَزَلْتُ بِعَامِلٍ فَنَزَلَنِي وَأَجَازَنِي، قَالَ: اقْبَلْ، قُلْت: فَصَاحِبُ رِبًا؟ فَقَالَ: اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَكَذَا أَدْرَكْنَا مَنْ يَوْثُقُ بِعِلْمِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الرشوة وَحُكْمهَا] 1638 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الرِّشْوَةُ: وَهِيَ مَا أَعْطَاهُ الْمَرْءُ لِيُحْكَمَ لَهُ بِبَاطِلٍ، أَوْ لِيُوَلِّيَ وِلَايَةً، أَوْ لِيُظْلَمَ لَهُ إنْسَانٌ - فَهَذَا يَأْثَمُ الْمُعْطِي وَالْآخِذُ. فَأَمَّا مَنْ مُنِعَ مِنْ حَقِّهِ فَأَعْطَى لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الظُّلْمَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْمُعْطِي، وَأَمَّا الْآخِذُ فَآثِمٌ، وَفِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَالْمَالُ الْمُعْطَى بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ كَمَا كَانَ، كَالْغَصْبِ وَلَا فَرْقَ - وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا مَا أُعْطِيهِ أَهْلَ دَارِ الْكُفْرِ فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى، وَفِي كُلِّ ضَرُورَةٍ، وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إلَّا مِلْكَ أَهْلِ دَارِ الْكُفْرِ مَا أَخَذُوهُ فِي فِدَاءِ الْأَسِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: قَدْ مَلَكُوهُ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ، وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفْنَا: أَبِحَقٍّ أَخَذَ الْكُفَّارُ مَا أَخَذُوا مِنَّا فِي الْفِدَاءِ وَغَيْرِهِ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: بِالْبَاطِلِ، وَلَوْ قَالُوا غَيْرَ ذَلِكَ كَفَرُوا، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَلِلُزُومِ الدِّينِ لَهُمْ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَبَحْتُمْ إعْطَاءَ الْمَالِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: فَهُوَ فِي النَّارِ» . وَبِالْخَبَرِ الْمَأْثُورِ «لَعَنْ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: خَبَرُ لَعْنِهِ الرَّاشِي إنَّمَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْمُعْطِيَ فِي ضَرُورَةِ دَفْعِ الظُّلْمِ لَيْسَ رَاشِيًا. وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي الْمُقَاتَلَةِ فَهَكَذَا نَقُولُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إعْطَاءُ فَلْسٍ فَمَا فَوْقَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْمُقَاتَلَةِ وَالدِّفَاعِ، وَصَارَ فِي حَدِّ الْإِكْرَاهِ عَلَى مَا أَعْطَى فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ» وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ عَانٍ عِنْدَ كُلِّ كَافِرٍ أَوْ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ قَالَ: مَعْمَرٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ، قَالَا جَمِيعًا: مَا أَعْطَيْت مُصَانَعَةً عَلَى مَالِك وَدَمِك، فَإِنَّك فِيهِ مَأْجُورٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1639 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ نَصَرَ آخَرَ فِي حَقٍّ، أَوْ دَفَعَ عَنْهُ ظُلْمًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عَطَاءً، فَأَهْدَى إلَيْهِ مُكَافَأَةً، فَهَذَا حَسَنٌ لَا نَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ، وَهَدِيَّةٌ بِطِيبِ نَفْسٍ، وَمَا نَعْلَمُ قُرْآنًا وَلَا سُنَّةً فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ - وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ الْمَنْعَ مِنْ هَذَا، وَلَا نَعْلَمُ بُرْهَانًا يَمْنَعُ مِنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة السؤال تكثرا

[مَسْأَلَة السُّؤَال تكثرا] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ السُّؤَالُ تَكَثُّرًا إلَّا لِضَرُورَةِ فَاقَةٍ، أَوْ لِمَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَالْمُضْطَرُّ فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ مَا يَقُوتُهُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، مِنْ: أَكْلٍ، وَسُكْنَى، وَكِسْوَةٍ، وَمَعُونَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ ظَالِمٌ، فَإِنْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ. وَأَمَّا مَنْ طَلَبَ غَيْرَ مُتَكَثِّرٍ فَلَيْسَ مَكْرُوهًا. وَكَذَلِكَ مَنْ سَأَلَ سُلْطَانًا فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو كُرَيْبٍ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُوتَ ثَلَاثَةً مِنْ ذَوِي الْحَجِّ مِنْ قَوْمِهِ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: نا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ

مسألة إعطاء الكافر الهبة

عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَسْأَلَةُ كَدٌّ يَكُدُّ الرَّجُلُ بِهَا وَجْهَهُ، إلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ، أَوْ فِي الْأَمْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ» . فَهَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا حَرْفًا بِحَرْفٍ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ: أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وُجُوبَ قِيَامِ ذَوِي الْفَضْلِ مِنْ الْمَالِ بِمَنْ لَا مَالَ مَعَهُ، يَقُومُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمُحْتَاجُ إنَّمَا يَسْأَلُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ، وَدَيْنَهُ اللَّازِمَ، الَّذِي عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِهِ، وَلَهُ أَخْذُهُ كَيْفَ قَدَرَ إنْ مَنَعَهُ، فَلَا غَضَاضَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا السُّلْطَانُ فَلَيْسَ يُسْأَلُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، إنَّمَا بِيَدِهِ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا حَرَجَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُوَ أَحَدُهُمْ. وَأَمَّا سُؤَالُ غَيْرِ الْمُتَكَثِّرِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي قَتَادَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْحِمَارِ الَّذِي عَقَرُوهُ: مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ: فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَثَى نَفَذَهَا، وَهُوَ مُحْرِمٌ.» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي رَقِيَ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ: «اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ» [مَسْأَلَةٌ إعْطَاءُ الْكَافِرِ الْهِبَةَ] 1641 - مَسْأَلَةٌ: وَإِعْطَاءُ الْكَافِرِ مُبَاحٌ، وَقَبُولُ مَا أَعْطَى هُوَ كَقَبُولِ مَا أَعْطَى الْمُسْلِمُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارَ نَا وُهَيْبٍ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبُوكَ وَأَهْدَى مَلِكُ آيِلَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ

مسألة الصدقة من مال حرام

عَنْ «أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي عَلَيَّ - وَهِيَ مُشْرِكَةٌ - فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صِلِي أُمَّكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَمِيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» . فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَمَّا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ «أَنَّهُ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً، فَقَالَ: أَسْلَمْتَ؟ قُلْتُ لَا، قَالَ: إنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ مِثْلُهُ، وَقَالَ: فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا - قَالَ الْحَسَنُ: زَبْدُ الْمُشْرِكِينَ رِفْدُهُمْ؟ قُلْنَا: هَذَا مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ أَبِي حُمَيْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَبُوكَ، وَكَانَ إسْلَامُ عِيَاضٍ قَبْلَ تَبُوكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الصَّدَقَة مِنْ مَال حرام] 1642 - مَسْأَلَةٌ: لَا تُقْبَلُ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ بَلْ يَكْتَسِبُ بِذَلِكَ إثْمًا زَائِدًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

مسألة هل يحل لأحد أن يمن بما فعل من خير

فَكُلَّمَا تَصَرَّفَ فِي الْحَرَامِ فَقَدْ زَادَ مَعْصِيَةً وَإِذَا زَادَ مَعْصِيَةً زَادَ إثْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] . [مَسْأَلَة هَلْ يَحِلّ لِأَحَدِ أَنْ يمن بِمَا فعل مِنْ خير] 1643 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنَّ يَمُنَّ بِمَا فَعَلَ مِنْ خَيْرٍ إلَّا مَنْ كَثُرَ إحْسَانُهُ وَعُومِلَ بِالْمُسَاءَةِ، فَلَهُ أَنْ يُعَدِّدَ إحْسَانَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ سَمِعْت سُلَيْمَانَ - هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى، وَالْمُسْبِلُ إزَارَهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبَةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شُرَيْحٌ بْنُ يُونُسَ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا قَسَّمَ الْغَنَائِمَ فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّ الْأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي، وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمْ اللَّهُ بِي؟ وَيَقُولُونَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ؟ فَقَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي، أَمَا إنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا، وَكَانَ مِنْ الْأَمْرِ كَذَا» - أَشْيَاءُ ذَكَرَ عَمْرٌو أَنَّهُ لَا يَحْفَظُهَا - فَهَذَا مَوْضِعُ إبَاحَةِ تَعْدِيدِ الْإِحْسَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هِبَة الْمَرْأَة واليتيم وَالْعَبْد والمخدوع فِي الْبَيْع والمريض وصدقاتهم] 1644 - مَسْأَلَةٌ: وَهِبَةُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ، وَالْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ، وَالْيَتِيمَةِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَخْدُوعِ فِي الْبُيُوعِ، وَالْمَرِيضِ مَرَضَ مَوْتِهِ، أَوْ مَرَضَ غَيْرَ مَوْتِهِ، وَصَدَقَاتِهِمْ: كَهِبَاتِ الْأَحْرَارِ، وَاَللَّوَاتِي لَا أَزْوَاجَ لَهُنَّ، وَلَا آبَاءَ كَهِبَاتِ الصَّحِيحِ وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَدَبَ جَمِيعَ الْبَالِغِينَ الْمُمَيِّزِينَ إلَى الصَّدَقَةِ، وَفِعْلِ

مسألة صدقة التطوع على الغني

الْخَيْرِ، وَإِنْقَاذِ نَفْسِهِ مِنْ النَّارِ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مُتَوَعَّدٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ " فَلَا يَحِلُّ مَنْعُهُمْ مِنْ الْقُرْبِ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة صَدَقَة التَّطَوُّع عَلَى الغني] 1645 - مَسْأَلَةٌ: وَالصَّدَقَةُ لِلتَّطَوُّعِ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَعَلَى الْفَقِيرِ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَالْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَا لِمَوَالِيهِمْ، حَاشَ " الْحَبْسِ " فَهُوَ حَلَالٌ لَهُمْ، وَلَا تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى مَنْ أُمُّهُ مِنْهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ مِنْهُمْ. وَأَمَّا الْهِبَةُ، وَالْهَدِيَّةُ، وَالْعَطِيَّةُ، وَالْإِبَاحَةُ، وَالْمِنْحَةُ، وَالْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى: فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَالْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهمْ - هَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ حَاشَ دُخُولِ بَنِي الْمُطَّلِبِ فِيهِمْ، وَحَاشَ دُخُولِ الْمَوَالِي فِيهِمْ، وَحَاشَ جَوَازِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا أَجَازُوهَا لَهُمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا شُعْبَةُ نَا الْحَكَمُ - هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ - هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ - عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَرَادَ أَبُو رَافِعٍ أَنْ يَتْبَعَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ صَدَقَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُسَدَّدٌ نَا هُشَيْمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ فَامْنَعُوهُمْ مِنْ كُلِّ بِرٍّ - وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَلَا أَنْتُمْ، وَإِلَّا فَلَا تَمْنَعُوهُمْ إلَّا مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَهُوَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ فَقَطْ. قُلْنَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» قَدْ خَصَّهُ عَطَاؤُهُ لِبَنِي هَاشِمٍ،

كَالْبَعِيرِ الَّذِي أَعْطَى عَلِيًّا مِنْ النَّفْلِ مِنْ الْخُمْسِ، وَمِنْ الْمَغْنَمِ، وَسَائِرِ هِبَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمْ، فَوَجَبَ خُرُوجُ ذَلِكَ بِدَلِيلِهِ. وَوَجَدْنَا كُلَّ مَعْرُوفٍ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَدَقَةٍ فَلَهُ اسْمٌ آخَرُ يَخُصُّهُ: كَالْقَرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَالْحَمَالَةِ، وَالضِّيَافَةِ، وَالْمِنْحَةِ، وَسَائِرِ أَسْمَاءِ وُجُوهِ الْبِرِّ. وَوَجَدْنَا الصَّدَقَةَ التَّطَوُّعَ لَيْسَ لَهَا اسْمٌ غَيْرَ " الصَّدَقَةِ " وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمَوَالِيهمْ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ التَّطَوُّعُ حَرَامًا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الصَّدَقَةُ الَّتِي لَا اسْمَ لَهَا غَيْرَ " الصَّدَقَةِ " وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ الزَّكَاةُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي إبِلٍ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَةِ» . قُلْنَا: هَذَا صَحِيحٌ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُعْطِي لِتِلْكَ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَةٍ لَازِمَةٍ لَهُ، فَبَعَثَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا إلَى حَيْثُ يَجْمَعُ إبِلَ الصَّدَقَةِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَعْطَى تِلْكَ الْإِبِلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ - لَكَانَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ هُوَ الرَّافِعُ الْمَعْهُودُ الْأَصْلِ وَلِلْحَالِ الْأَوَّلِ بِلَا شَكٍّ مِنْ إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَمَنْ ادَّعَى عَوْدَ الْمَنْسُوخِ نَاسِخًا فَقَدْ كَذَبَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ نَصٌّ بَيِّنٌ بِذَلِكَ. وَأَمَّا الْغَنِيُّ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَأَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: إنَّ شِئْتُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» . قُلْنَا: هَذَا الْخَبَرُ وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى " الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ " الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ إلَّا مَنْ خَصَّهُ النَّصُّ مِنْهُمْ: مِنْ {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَقَطْ.

مسألة العبد يتصدق من مال سيده بما لا يفسد

بُرْهَانُ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ نَا شُعَيْبٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ «قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُك فَقَدْ تُقُبِّلَتْ» - وَذَكَرَ الْخَبَرَ. فَهَذَا بَيَانٌ فِي جَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ، وَالصَّالِحِ، وَالطَّالِحِ. [مَسْأَلَة الْعَبْد يتصدق مِنْ مَال سِيدَهْ بِمَا لَا يفسد] 1646 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ بِمَا لَا يُفْسِدُ، وَاسْتَدْرَكْنَا فِي تَصَدُّقِ الْعَبْدِ الْخَبَرَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا قُتَيْبَةُ نَا حَاتِمٌ - هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَيْرًا مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: «أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْتُهُ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهُ فَقَالَ: لِمَ ضَرَبْتَهُ؟ فَقَالَ: يُطْعِمُ طَعَامِي بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ كُلُّهُمْ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ «كُنْتُ مَمْلُوكًا فَسَأَلْتُ

الإباحة

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْلُو مَالُ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، أَوْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِنْ كَانَ مَالٌ فَصَدَقَةُ الْمَرْءِ مِنْ مَالِهِ فِعْلٌ حَسَنٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِسَيِّدِهِ فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِإِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُ مِنْهُ - فَلْيُعْضَدُوا بِالْجَنْدَلِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] لَيْسَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّنَا نَرَاهُمْ لَا يَعْجِزُونَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ الْحُرُّ - فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا عَنَى بَعْضَ الْعَبِيدِ مِمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 76] وَلَيْسَ كُلُّ أَبْكَمَ كَذَلِكَ، فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ الْبُكْمِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ - وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلَاةَ، وَالْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ، وَالصِّيَامَ، إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ. فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ أَعْمَالُ أَبَدَانً. قُلْنَا: قَدْ تَرَكْتُمْ احْتِجَاجَكُمْ بِظَاهِرِ الْآيَةِ بَعْدُ وَأَتَيْتُمْ بِدَعْوَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَعْمَالِ الْأَبَدَانِ وَأَعْمَالِ الْأَمْوَالِ بِلَا بُرْهَانٍ وَالْحَجُّ عَمَلُ بَدَنٍ فَأَلْزِمُوهُ إيَّاهُ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يُجْبَرُ بِالْمَالِ. قُلْنَا فَأَسْقِطُوا عَنْهُ الصَّوْمَ بِهَذَا الدَّلِيلِ السَّخِيفِ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ بِالْمَالِ مِنْ عِتْقِ الْمُكَفِّرِ وَإِطْعَامِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الْإِبَاحَةُ] [مَسْأَلَةٌ الْإِبَاحَةُ فِي الْمَجْهُولِ] الْإِبَاحَةُ 1647 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِبَاحَةُ جَائِزَةٌ فِي الْمَجْهُولِ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ، وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى، وَالْحَبْسُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ كَطَعَامٍ يُدْعَى إلَيْهِ قَوْمٌ يُبَاحُ لَهُمْ أَكْلُهُ، وَلَا يُدْرَى كَمْ يَأْكُلُ كُلُّ وَاحِدٍ. وَهَذَا مَنْصُوصٌ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُهُ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَالْأَكْلِ فِيهَا وَكَأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَاءَ أَنْ يَقْتَطِعَ إذْ نَحَرَ الْهَدْيَ.

مسألة المرء يأكل من بيت والده ووالدته وأبنه وغير ذلك

وَكَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُرْسَلَ بِالْهَدْيِ إذَا عَطِبَ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَنَحْوُ هَذَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْمَرْء يَأْكُل مِنْ بَيْت والده ووالدته وأبنه وَغَيْر ذَلِكَ] 1648 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ بَيْتِ وَالِدِهِ، وَوَالِدَتِهِ، وَابْنِهِ، وَابْنَتِهِ، وَأَخِيهِ، وَأُخْتِهِ، شَقِيقَتَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَجَدِّهِ، وَجَدَّتِهِ، كَيْفَ كَانَا، وَعَمِّهِ، وَعَمَّتِهِ، كَيْفَ كَانَا، وَخَالِهِ، وَخَالَتِهِ، كَيْفَ كَانَا، وَصَدِيقِهِ، وَمَا مَلَكَ مَفَاتِحَهُ، سَوَاءٌ رَضِيَ مَنْ ذَكَرْنَا أَوْ سَخِطَ، أَذِنُوا، أَوْ لَمْ يَأْذَنُوا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْكُلَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: 61] نَصُّ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ - وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ وَلَدَ أَحَدِكُمْ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مِنْ كَسْبِهِ» . [الْمِنْحَةُ] [مَسْأَلَةٌ الْمِنْحَةُ جَائِزَةٌ فِي الْمُحْتَلَبَاتِ فَقَطْ] الْمِنْحَةُ 1649 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمِنْحَةُ جَائِزَةٌ، وَهِيَ فِي الْمُحْتَلَبَاتِ فَقَطْ، يَمْنَحُ الْمَرْءُ مَا يَشَاءُ مِنْ إنَاثِ حَيَوَانِهِ مَنْ شَاءَ لِلْحَلْبِ. وَكَدَارٍ يُبِيحُ سُكْنَاهَا، وَدَابَّةٍ يَمْنَحُ رُكُوبَهَا، وَأَرْضٍ يَمْنَحُ ازْدِرَاعَهَا، وَعَبْدٍ يَخْدُمُهُ، فَمَا حَازَهُ الْمَمْنُوحُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، لَا طَلَبَ لِلْمَانِحِ فِيهَا، وَلِلْمَانِحِ أَنْ يَسْتَرِدَّ عَيْنَ مَا مَنَحَ مَتَى شَاءَ - سَوَاءٌ عَيَّنَ مُدَّةً أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ، أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ أَحَدٍ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي هَذَا، وَتَعْيِينُهُ الْمُدَّةَ: عِدَّةٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ " الْوَعْدَ " لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي " بَابِ النُّذُورِ، وَالْأَيْمَانِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَالْإِزْرَاعُ، وَالْإِسْكَانُ، وَالْإِفْقَارُ، وَالْإِمْتَاعُ، وَالْإِطْرَاقُ، وَالْإِخْدَامُ، وَالْإِعْرَاءُ، وَالتَّصْيِيرُ: حُكْمُ مَا وَقَعَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كَحُكْمِ الْمِنْحَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَلَا فَرْقَ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. فَالْإِزْرَاعُ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ، يَجْعَلُ الْمَرْءُ لِآخَرَ أَنْ يَزْرَعَ هَذِهِ الْأَرْضَ مُدَّةً يُسَمِّيهَا، أَوْ طُولَ حَيَاتِهِ - وَالْإِسْكَانُ يَكُونُ فِي الْبُيُوتِ، وَفِي الدُّورِ، وَالدَّكَاكِينِ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَالْإِفْقَارُ: يَكُونُ فِي الدَّوَابِّ الَّتِي تُرْكَبُ. وَالْإِطْرَاقُ: يَكُونُ فِي الْفُحُولِ تُحْمَلُ عَلَى الْإِنَاثِ. وَالْإِخْدَامُ: يَكُونُ فِي الرَّقِيقِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. وَالْإِمْتَاعُ: يَكُونُ فِي الْأَشْجَارِ ذَوَاتِ الْحَمْلِ، وَفِي الثِّيَابِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَثَاثِ، وَكَذَلِكَ التَّصْيِيرُ. وَكَذَلِكَ الْجُعْلُ - وَالْإِعْرَاءُ: يَكُونُ فِي حَمْلِ النَّخْلِ، فَكُلُّ هَذَا مَا قَبَضَهُ الْمَجْعُولُ لَهُ ذَلِكَ، فَلَا رُجُوعَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمَجْعُولُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ، فَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ اسْتِرْجَاعُ رَقَبَةِ مَالِهِ، وَمَنْعُ الْمَجْعُولِ لَهُ مِمَّا جَعَلَ لَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَرُوحُ بِإِنَاءٍ وَتَغْدُو بِإِنَاءٍ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ، وَكَانَ الْأَنْصَارُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ، فَقَاسَمَهُمْ الْأَنْصَارُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ، وَيَكْفُوهُمْ الْعَمَلَ وَالْمُؤْنَةَ. «وَكَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَعْطَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِذَاقًا فَأَعْطَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاتَهُ أُمَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَيْبَرَ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَرَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى أُمِّ سُلَيْمٍ عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ» . وَأَمَّا الِارْتِجَاعُ مَتَى شَاءَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَهَبْ الْأَصْلَ، وَلَا الرَّقَبَةَ، فَلَا يَجُوزُ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا

العمرى والرقبى

طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، فَمَا دَامَ طَيِّبَ النَّفْسِ فِيمَا يُحْدِثُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَالِهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا فِي مَالِهِ لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسُهُ فَهُوَ مَالُهُ، حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَإِنَّمَا طِيبُ النَّفْسِ حِينَ وُجُودِ الشَّيْءِ، لَا قَبْلَ خَلْقِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى] [مَسْأَلَةٌ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى هِبَةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ] الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى 1650 - مَسْأَلَةٌ: الْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى: هِبَةٌ صَحِيحَةٌ تَامَّةٌ، يَمْلِكُهَا الْمُعْمِرُ وَالْمُرْقِبُ، كَسَائِرِ مَالِهِ، يَبِيعُهَا إنْ شَاءَ، وَتُورَثُ عَنْهُ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُعْمَرِ وَلَا إلَى وَرَثَتِهِ - سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ - وَشَرْطُهُ لِذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَالْعُمْرَى هِيَ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الدَّارُ، وَهَذِهِ الْأَرْضُ، أَوْ هَذَا الشَّيْءُ عُمْرَى لَك، أَوْ قَدْ أَعْمَرْتُكَ إيَّاهَا، أَوْ هِيَ لَك عُمْرُك - أَوْ قَالَ: حَيَاتُك، أَوْ قَالَ: رُقْبَى لَك، أَوْ قَدْ أَرْقَبْتُكهَا - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِمْ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْعُمْرَى بَتَاتٌ، وَمِنْ خُيِّرَ فَقَدْ طَلَّقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ أَعْطَى ابْنًا لَهُ بَعِيرًا حَيَاتَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ لَهُ حَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ ابْنِ نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ

وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَبَدًا - وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا هُشَيْمٌ نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَمَّنْ أَسْكَنَ آخَرَ دَارًا حَيَاتَهُ فَمَاتَ الْمُسْكِنُ وَالْمُسْكَنُ قَالَ: تَرْجِعُ إلَى وَرَثَةِ الْمُسْكِنِ فَقُلْت: أَلَيْسَ يُقَالُ: مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعُمْرَى وَأَمَّا السُّكْنَى وَالْغَلَّةُ، وَالْخِدْمَةُ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَوَكِيعٍ؛ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ، إلَّا أَنَّ عَطَاءً، وَالزُّهْرِيَّ قَالَا: إنْ جَعَلَ الْعُمْرَى بَعْدَ الْمُعَمَّرِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، أَوْ لِإِنْسَانٍ آخَرَ غَيْرَ نَفْسِهِ: نَفَذَ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعُمْرَى: هِبَةٌ صَحِيحَةٌ إذَا أَعْمَرَهَا لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ: لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ الْمُعَمِّرُ - وَهُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعُمْرَى رَاجِعَةٌ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ قَالَ: أَعْمَرْتُكَ هَذَا بِشَيْءٍ لَك وَلِعَقِبِك: كَانَتْ كَذَلِكَ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُعَمِّرُ وَعَقِبُهُ: رَجَعَتْ إلَى الْمُعَمِّرِ، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ - وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [مريم: 40] قَالُوا: فَكَانَ كَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى وَذَكَرُوا الْخَبَرَ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ»

وَادَّعُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَعْمُرُ بَنِي أَخِيهَا حَيَاتَهُمْ، فَإِذَا انْقَرَضَ أَحَدُهُمْ قَبَضَتْ مَسْكَنَهُ، فَوِرْثنَا نَحْنُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْيَوْمَ عَنْهَا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَبَاطِلٌ، وَهَذِهِ آفَةُ الْمُرْسَلِ، وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، وَأَبَاهُ الْقَاسِمَ، وَجَدَّهُ مُحَمَّدًا، لَمْ يَرِثُوا عَائِشَةَ، وَلَا صَارَ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ عَنْهَا قِيمَةُ خَرْدَلَةٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قُتِلَ فِي حَيَاتِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِنَحْوِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَإِنَّمَا وَرِثَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنَ شَقِيقِهَا، فَحَجَبَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي " بَابِ هِبَةِ الْمُشَاعِ " قَبْلَ هَذَا الْبَابِ بِأَوْرَاقٍ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهَا لَكَانَ قَدْ خَالَفَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَلِيُّ بْن أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وَأَمَّا «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَخَبَرٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَإِمَّا مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُبْطِلُونَ مِنْ شُرُوطِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَرْطٍ: كَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيلَهُ إلَى يَوْمَيْنِ. وَكَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا. وَكَمَنْ بَاعَ بِخِيَارٍ إلَى عِشْرِينَ سَنَةً. وَكَمَنْ نَكَحَ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ هِيَ عَلَيْهِ - وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَكَيْفَ وَهَذَا الشَّرْطُ - يَعْنِي رُجُوعَ الْعُمْرَى إلَى الْمُعَمِّرِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ -: شَرْطٌ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ نَصًّا بِإِبْطَالِهِ، كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَاحْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ هَاهُنَا أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ التَّوْفِيقِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُمْ قَاسُوا حُكْمَ النَّاسِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْتُلُ النَّاسَ وَلَا مَلَامَةَ عَلَيْهِ، وَيُجِيعُهُمْ، وَيُعَذِّبُهُمْ بِالْمَرَضِ، وَلَا مَلَامَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ قِيَاسُ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُمْ مَوَّهُوا وَقَلَبُوا لَنَا الْآيَةَ، لِأَنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِيمَنْ أَعْمَرَ آخَرَ مَالًا لَهُ وَلَمْ

يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْمَرْتُكُمْ الْأَرْضَ إنَّمَا قَالَ: إنَّهُ اسْتَعْمَرْنَا فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَمَّرَنَا بِالْبَقَاءِ فِيهَا مُدَّةً، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْعُمْرَى فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ. وَثَالِثُهَا - أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَوْ جَعَلْنَاهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لَكَانَ ذَلِكَ أَوْضَحَ مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى - بِلَا شَكٍّ - أَبَاحَ لَنَا بَيْعَ مَا مَلَكْنَا مِنْ الْأَرْضِ، وَجَعَلَهَا لِوَرَثَتِنَا بَعْدَنَا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا فِي الْعُمْرَى لَا قَوْلُهُمْ، فَظَهَرَ فَسَادُ مَا يَأْتُونَ بِهِ عَلَانِيَةً، وَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ يَقِينًا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ مَا صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَمُرْسَلَاتٍ كَثِيرَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك، فَأَمَّا إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ الْمُسْنَدَ مِنْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ «أَنَّ الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ» وَأَمَّا بَاقِي لَفْظِ الْخَبَرِ فَمِنْ كَلَامِ جَابِرٍ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفَ جَابِرًا هَاهُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ حُكْمُ الْعُمْرَى إذَا قَالَ الْمُعَمِّرُ: " هِيَ لَك وَلِعَقِبِك " فَقَطْ وَبَقِيَ حُكْمُهُ إذَا لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلَامُ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا -: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَهِيَ لَهُ بَتْلَةٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ وَلَا ثُنْيَا» قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ، فَقَطَعَتْ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ نا الْوَلِيدُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - عَنْ

الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثُهُ مِنْ عَقِبِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا عُمْرَى فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِثْلَهُ مُرْسَلًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا النُّفَيْلِيِّ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ: قَرَأْت عَلَى مَعْقِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ حُجْرٌ الْمَدَرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ سَبِيلُهُ» . قَالَ عَلِيٌّ: هَكَذَا رُوِّينَاهُ بِضَمِّ الْمِيم الْأُولَى مِنْ " مُعْمَرٍ " وَفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُرْقِبُوا وَلَا تَعْمُرُوا فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعُمْرَى لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى لِمَنْ أُرْقِبَهَا وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» .

فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ، زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا فِي الْإِعْمَارِ وَالْإِرْقَابِ كَمَا جَاءَ النَّصُّ. وَأَمَّا الْإِسْكَانُ فَيُخْرِجُهُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ فِيمَا لَمْ يُجْزِهِ مِنْ السُّكْنَى بَعْدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

العارية

[الْعَارِيَّةُ] [مَسْأَلَةٌ الْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ] ُ 1651 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ، وَفِعْلٌ حَسَنٌ، وَهِيَ فَرْضٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَهِيَ إبَاحَةُ مَنَافِعِ بَعْضِ الشَّيْءِ، كَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَالثَّوْبِ لِلِّبَاسِ، وَالْفَأْسِ لِلْقَطْعِ، وَالْقِدْرِ لِلطَّبْخِ، وَالْمِقْلَى لِلْقَلْوِ، وَالدَّلْوِ، وَالْحَبْلِ، وَالرَّحَى لِلطَّحْنِ، وَالْإِبْرَةِ لِلْخِيَاطَةِ، وَسَائِرِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ - وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَجْلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ يَأْخُذُ مَا أَعَارَ مَتَى شَاءَ، وَمَنْ سَأَلَهَا إيَّاهُ مُحْتَاجًا: فَفَرَضَ عَلَيْهِ إعَارَتَهُ إيَّاهُ إذَا وَثِقَ بِوَفَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْهُ عَلَى إضَاعَةِ مَا يَسْتَعِيرُ أَوْ عَلَى جَحْدِهِ فَلَا يُعِرْهُ شَيْئًا. أَمَّا كَوْنُهَا فَرْضًا كَمَا ذَكَرْنَا، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4] {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] فَتَوَعَّدَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ مَنَعَ الْمَاعُون بِالْوَيْلِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] قَالَ: هُوَ الْعَوَارِيُّ: الْقِدْرُ، وَالدَّلْوُ، وَالْمِيزَانُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْمَاعُونُ مَا تَعَاوَرَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ: الْفَأْسُ، وَالْقِدْرُ، وَأَشْبَاهُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَرَاحِيلَ قَالَتْ:

قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: اذْهَبِي إلَى فُلَانَةَ فَأَقْرِئِيهَا السَّلَامَ وَقَوْلِي لَهَا: إنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ تُوصِيك بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَمْنَعِي الْمَاعُونَ قَالَتْ: فَقُلْت: مَا الْمَاعُونُ؟ فَقَالَتْ لِي: هَبِلْتِ، هِيَ الْمِهْنَةُ يَتَعَاطَاهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَيْضًا، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى: عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِيَاضِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: الْمَاعُونُ مَنْعُ الْقِدْرِ وَالْفَأْسِ، وَالدَّلْوِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ {الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي رِوَايَتِهِ: مَتَاعُ الْبَيْتِ، وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ: هِيَ الْعَارِيَّةُ - وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: هُوَ الْمَالُ يُمْنَعُ حَقُّهُ - وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا - وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافًا لِهَذَا فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا الزَّكَاةُ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ - ثُمَّ قَدْ جَاءَ عَنْهُ، أَنَّهَا الْعَارِيَّةُ. فَوَجَبَ جَمْعُ قَوْلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ " مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ " أَيْ إنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَتَبَاذَلُونَ وَلَا يَمْنَعُونَ وَسَيَأْتِي زَمَانٌ يَمْنَعُونَهُ، وَلَا يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا هَذَا الْوَجْهَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْعُ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ؛ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فِيهَا، أَوْ حَائِطًا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ بِهَدْمِ بِنَائِهِ مَتَى أَحَبَّ بِلَا تَكْلِيفِ عِوَضٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَأَنَّ مَنْ أَضَاعَ مَا يَسْتَعِيرُ أَوْ جَحَدَهُ وَلَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلَا يَجُوزُ عَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة العارية غير مضمونة إن تلفت من غير تعدي المستعير

[مَسْأَلَةٌ الْعَارِيَّةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْدِي الْمُسْتَعِيرِ] مَسْأَلَةٌ: وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْدِي الْمُسْتَعِيرِ، وَسَوَاءٌ مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَمَا لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ مِنْهَا. فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَدَّى، أَوْ أَضَاعَهَا حَتَّى تَلِفَتْ، أَوْ عَرَضَ فِيهَا عَارِضٌ، فَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ: ضَمِنَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَلَا أَقَرَّ -: لَزِمَتْهُ الْعَيْنُ وَبَرِئَ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا تَضْمِينُهَا: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِأَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعِيرُ ضَمَانَهَا فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ - يَعْنِي الْمُتَّهَمَ -. وَقَالَ قَائِلٌ: أَمَّا مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَضْمَنُ جُمْلَةً - وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ. وَأَمَّا مَا ظَهَرَ كَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ: فَلَا ضَمَانَ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَدَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِيهِ سَلَفًا إلَّا عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ وَحْدَهُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: نَتَّهِمُ الْمُسْتَعِيرَ فِيمَا غَابَ. فَقُلْنَا: لَيْسَ بِالتُّهْمَةِ تُسْتَحَلُّ أَمْوَالُ النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا ظَنٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَنْكَرَ اتِّبَاعَ الظَّنِّ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . وَيَلْزَمُكُمْ إذَا أَعْمَلْتُمْ الظَّنَّ أَنْ تُضَمِّنُوا الْمُتَّهَمَ، وَلَا تُضَمِّنُوا مِنْ لَا يُتَّهَمُ، كَمَا يَقُولُ شُرَيْحٌ. وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُضَمِّنُوا الْوَدِيعَةَ أَيْضًا بِهَذِهِ التُّهْمَةِ - وَفَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّفَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْرَدْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْنَاهُ عَلَى الرَّهْنِ. فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَحُجَّةٌ لِقَوْلِكُمْ بِقَوْلِكُمْ، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَضْمِينِ الْعَارِيَّةِ تَوَسَّطْنَا قَوْلَهُمْ قُلْنَا لَهُمْ: وَمِنْ هَذَا سَأَلْنَاكُمْ مِنْ أَيْنَ فَعَلْتُمْ هَذَا؟ وَمِلْتُمْ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ - وَلَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، فَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْت هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالَ: الْمُغِلُّ: الْمُتَّهَمُ - وَهُوَ يَبْطُلُ بِمَا بَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى التُّهْمَةِ، وَهُوَ ظَنٌّ فَاسِدٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ الْمُجِيزِينَ لِلشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِالْخَبَرِ الْمَكْذُوبِ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ قَتَادَةَ هَاهُنَا، وَلَكِنْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّنَاقُضِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ ضَمِنَهَا جُمْلَةً، أَوْ قَوْلُنَا -: فَنَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ ضَمِنَهَا جُمْلَةً. فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ عُيَيْنَةَ - هُوَ سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا جَمِيعًا: الْعَارِيَّةُ تُغْرَمُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي قَضِيَّةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ. وَكَانَ شُرَيْحٌ يُضَمِّنُ الْعَارِيَّةَ، وَضَمَّنَهَا الْحَسَنُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَيْضًا، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.

وَذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَذَكَرَا: أَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِهِمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا بِهِ وَكَانُوا يَقْضُونَ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَيَّارٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَجْمَعَ رَأْيُ الْقُضَاةِ عَلَى ذَلِكَ، إذْ رَأَوْا شُرُورَ النَّاسِ - وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] . فَقُلْنَا لَهُمْ: فَضَمَّنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ ضَمَّنَهَا عُمَرُ، وَغَيْرُهُ، وَنَعَمْ، هُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهَا مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَإِذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَدَاؤُهَا فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَضْمِينٌ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْغَرَامَةِ هُوَ غَيْرُ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَلَا مُتَعَلَّقَ لَكُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَدَاءُ غَيْرِهَا، وَلَا ضَمَانُهَا، وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي أَدْرَاعِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَبِمَا رُوِيَ «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَكِلَاهُمَا: لَا يَصِحُّ -: أَمَّا خَبَرُ دُرُوعِ صَفْوَانَ، فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا شَرِيكٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرَاعًا؛ فَقَالَ: غَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» شَرِيكٌ مُدَلِّسٌ لِلْمُنْكَرَاتِ إلَى الثِّقَاتِ، وَقَدْ رَوَى الْبَلَايَا وَالْكَذِبَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ عَنْ الثِّقَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ نا نَافِعٌ عَنْ «صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ اسْتَعَارَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِلَاحًا فَقَالَ: مَضْمُونَةٌ؟ قَالَ: مَضْمُونَةٌ» . الْحَارِثِ مَتْرُوكٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ لَمْ يُدْرِكْ نَافِعًا، وَأَعْلَى مَنْ عِنْدَهُ شُعْبَةُ، وَلَا نَعْلَمُ لِنَافِعٍ سَمَاعًا مِنْ صَفْوَانَ أَصْلًا، وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: فَإِنَّ صَفْوَانَ مَاتَ أَيَّامَ عُثْمَانَ قَبْلَ الْفِتْنَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَعَارَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِلَاحًا فَقَالَ: أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ فَقَالَ: بَلْ

عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» - هَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يُدْرِكْ صَفْوَانَ وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَهْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ نا أَبُو الْأَحْوَصِ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ آلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ «اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَفْوَانَ سِلَاحًا، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَعَارِيَّةٌ أَمْ غَصْبٌ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ، فَفَقَدُوا مِنْهَا دِرْعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْت غَرِمْنَاهَا لَكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ فِي قَلْبِي مِنْ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ» هَذَا عَنْ نَاسٍ لَمْ يُسَمُّوا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا إسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دُرُوعًا فَهَلَكَ بَعْضُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ» إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ شِئْتَ غَرِمْنَاهَا لَكَ» لَوْ صَحَّ بَيَانٌ بِوُجُوبٍ غَرِمَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا غَيْرَ هَذَا اللَّفْظِ، وَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِإِبَاحَتِهَا بِغَيْرِ بَيَانٍ جَلِيٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَيُونُسَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ رَبِيعَةَ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَذَكَر دُرُوعَ صَفْوَانَ، «وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: بَلْ طَوْعًا، وَهِيَ عَلَيْنَا ضَامِنَةٌ» - هَذَا مُرْسَلٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ فِي شَرْطِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ كَوْنٌ أَوْ حَدَثٌ أَنْ يُعْطُوا رُسُلَ الْيَمَنِ: ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ دِرْعًا؛ وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا» هَذَا مُرَدَّدٌ فِي الضَّعْفِ مُنْقَطِعٌ، وَعَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ سَاقِطٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: «شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ عَارِيَّةً: ثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ دِرْعًا، وَثَلَاثِينَ رُمْحًا، فَإِنْ ضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى رُسُلِهِ» ، شَهِدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ - هَذَا مُنْقَطِعٌ، لَمْ يُدْرِكْ عَمْرٌو مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدًا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ مُرْسَلٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ إيَاسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ حُنَيْنًا قَالَ لِصَفْوَانَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ سِلَاحٍ؟ قَالَ: عَارِيَّةً أَمْ غَصْبًا؟ قَالَ: لَا، بَلْ عَارِيَّةٌ، فَأَعَارَهُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ دِرْعًا، فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ جُمِعَتْ دُرُوعُ صَفْوَانَ، فَفُقِدَ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا قَدْ فَقَدْنَا مِنْ أَدْرَاعِكَ أَدْرَاعًا، فَهَلْ نَغْرَمُ لَك؟ فَقَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فِي قَلْبِي الْيَوْمَ مَا لَمْ يَكُنْ» فَهَذَا مُرْسَلٌ كَتِلْكَ، وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي الْحُكْمِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ

سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ قَالَ «سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ. وَرُوِّينَا أَيْضًا «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّبَّاحِ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْت الْحَجَّاجَ بْنَ الْفُرَافِصَةِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّاجُ بْنُ الْفُرَافِصَةِ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ نا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ الطَّائِيُّ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيَّانَ اللَّيْثِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» ابْنُ لَهِيعَةَ لَا شَيْءَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» الْفَرْوِيُّ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ - ضَعِيفٌ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَمَا كَانَ فِيهَا إلَّا أَنَّهَا مُؤَدَّاةٌ، وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ أَدَاءَهَا فَرْضٌ، وَالتَّضْمِينُ غَيْرُ الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ أَصْلًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُدْرِكْ سَمُرَةَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَدَاءُ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَالْأَدَاءُ غَيْرُ الضَّمَانِ فِي اللُّغَةِ وَالْحُكْمِ، وَيَلْزَمُهُمْ إذَا حَمَلُوا هَذَا اللَّفْظَ عَلَى الضَّمَانِ أَنْ يُضَمِّنُوا بِذَلِكَ الْمَرْهُونَ وَالْوَدَائِعَ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا قَبَضَتْ الْيَدُ، وَكُلُّ هَذَا قَدْ قَالَ بِتَضْمِينِهِ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ نا حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى نا قَتَادَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَتَتْكَ رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَمْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ» فَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ فِي الْعَارِيَّةِ خَبَرٌ يَصِحُّ غَيْرُهُ، وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلَا يُسَاوِي الِاشْتِغَالَ بِهِ وَقَدْ فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الضَّمَانِ، وَالْأَدَاءِ، وَأَوْجَبَ فِي الْعَارِيَّةِ الْأَدَاءَ فَقَطْ دُونَ الضَّمَانِ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ النُّصُوصِ. وَقَالُوا: وَجَدْنَا كُلَّ مَا يَقْبِضُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْأَمْوَالِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ -: أَحَدُهَا - قِسْمُ مَنْفَعَةٍ لِلدَّافِعِ دُونَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، كَالْوَدِيعَةِ، وَالْوَكَالَةِ - فَهَذَا غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ وَثَانِيهَا - قِسْمٌ مَنْفَعَتُهُ لِلدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَعًا، كَالْقِرَاضِ، وَقَدْ أَتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ. وَثَالِثُهَا - مَا مَنْفَعَتُهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ دُونَ الدَّافِعِ كَالْقَرْضِ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَارِيَّةُ وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ الْمَلِيحِ الْمُمَوَّهِ مِنْ مَقَايِيسِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، وَيُبِيحُونَ الْفُرُوجَ، وَالْأَمْوَالَ وَالْأَبْشَارَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا، كَقِيَاسِهِمْ فِي الصَّدَاقِ، وَفِي جَلْدِ الشَّارِبِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْقَوَدِ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِ، وَفَاعِلُ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَسَائِرِ قِيَاسِهِمْ، إلَّا أَنَّنَا نُعَارِضُ هَذَا الْقِيَاسَ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ دَفْعُ مَالٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْوَدِيعَةِ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ مَا يَلِي فِي اللِّبَاسِ وَفِيمَا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ فَنَقَصَ مِنْهَا بِلَا تَعَدٍّ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ سَائِرُ النَّقْصِ - وَهَذَا كُلُّهُ وَسَاوِسُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَقِيَ قَوْلُنَا، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بَيْعًا وَلَا مَضْمُونَةً إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ فَيَضْمَنَ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْعَارِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَلَا ضَمَانَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْمُسْتَعِيرِ مُحَرَّمٌ إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَمْ يُوجِبْهُ قَطُّ نَصٌّ مِنْهُمَا - وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] : وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] . وَالْمُسْتَعِيرُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ وَلَا ضَيَّعَ: مُحْسِنٌ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْغُرْمُ سَبِيلٌ بِيَقِينٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الضيافة

[الضِّيَافَةُ] [مَسْأَلَةُ الضِّيَافَةِ فَرْضٌ عَلَى الْبَدْوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ وَالْفَقِيهِ وَالْجَاهِلِ] ُ 1653 - مَسْأَلَةُ: الضِّيَافَةِ فَرْضٌ عَلَى الْبَدْوِيِّ، وَالْحَضَرِيِّ، وَالْفَقِيهِ، وَالْجَاهِلِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ: مَبَرَّةٌ وَإِتْحَافٌ، ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ: ضِيَافَةٌ وَلَا مَزِيدَ، فَإِنْ زَادَ فَلَيْسَ قِرَاهُ لَازِمًا، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى قِرَاهُ: فَحَسَنٌ - فَإِنْ مَنَعَ الضِّيَافَةَ الْوَاجِبَةَ فَلَهُ أَخْذُهَا مُغَالَبَةً، وَكَيْف أَمْكَنَهُ، وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلِيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ» . قَالَ أَبُو دَاوُد عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» -: قَالَ مَالِكٌ: يُتْحِفُهُ وَيُكْرِمُهُ وَيَخُصُّهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ نا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْمُقَدَّمُ أَبِي كَرِيمَةَ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، إنْ شَاءَ اقْتَضَى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ «عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ - هُوَ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ الْجُشَمِيُّ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ نَزَلْتُ بِهِ فَلَمْ يُكْرِمْنِي وَلَمْ يُضِفْنِي وَلَمْ يَقْرِنِي ثُمَّ نَزَلَ بِي أُجْزِيهِ؟ قَالَ: بَلْ أَقْرِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَطَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا الْمُعْتَمِرُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ نا أَبُو عُثْمَانَ - هُوَ النَّهْدِيُّ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ خَمْسَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بِسَادِسٍ، أَوْ كَمَا قَالَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَشْرَةٍ» . فَهَذَا نَصُّ إيجَابِ الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَاضِرَةِ، وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالِفَتُهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عَوْفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى " أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَافَرُوا فَأَرْمَلُوا فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَسَأَلُوهُمْ الْقِرَى فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُمْ الشِّرَاءَ فَأَبَوْا فَضَبَطُوهُمْ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ فَأَتَتْ الْأَعْرَابُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَشْفَقَتْ الْأَنْصَارُ، فَقَالَ عُمَرُ تَمْنَعُونَ ابْنَ السَّبِيلِ؟ مَا يَخْلُفُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ضُرُوعِ الْإِبِلِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، ابْنُ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ مِنْ الثَّاوِي عَلَيْهِ " فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَحُكْمُ عُمَرَ بِحَضْرَتِهِمْ، لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ: لَا ضِيَافَةَ عَلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ، وَلَا عَلَى الْفُقَهَاءِ - وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

الأحباس

[الْأَحْبَاسُ] [مَسْأَلَةٌ أَحْكَام الْوَقْفُ] ُ 1654 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّحْبِيسُ - وَهُوَ الْوَقْفُ - جَائِزٌ فِي الْأُصُولِ مِنْ الدُّور وَالْأَرْضِينَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ إنْ كَانَتْ فِيهَا، وَفِي الْأَرْحَاءِ، وَفِي الْمَصَاحِفِ، وَالدَّفَاتِرِ. وَيَجُوزُ أَيْضًا فِي الْعَبِيدِ، وَالسِّلَاحِ، وَالْخَيْلِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ فَقَطْ، لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ - وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا أَصْلًا، وَلَا فِي بِنَاءٍ دُونَ الْقَاعَةِ. وَجَائِزٌ لِلْمَرْءِ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى مَنْ أَحَبَّ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ عَلَى مَنْ شَاءَ - وَخَالَفْنَا فِي هَذَا قَوْمٌ -: فَطَائِفَةٌ أَبْطَلَتْ الْحَبْسَ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَا حَبْسَ إلَّا فِي سِلَاحٍ، أَوْ كُرَاعٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ الْحَبْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الثِّيَابِ، وَالْعَبِيدِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَأَتَى أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ كُلَّ مَنْ تَقَدَّمَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ فَقَالَ: الْحَبْسُ جَائِزٌ فِي الصِّحَّةِ، وَفِي الْمَرَضِ، إلَّا أَنَّ لِلْمُحْبِسِ إبْطَالُهُ مَتَى شَاءَ، وَبَيْعُهُ وَارْتِجَاعُهُ بِنَقْضِ الْحَبْسِ الَّذِي عَقَدَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا، وَهَذَا أَشْهَرُ أَقْوَالِهِ - وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَنْهُ أَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ إبْطَالُهُ - وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ - أَمْ لَا يَجُوزُ؟ وَهَذَا قَوْلٌ يَكْفِي إيرَادُهُ مِنْ فَسَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ، وَلَا أَيَّدَهُ قِيَاسٌ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ - فَسَقَطَ جُمْلَةً. وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ

مِنْهُمْ -: أَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْقَاسِمِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَبْسَ إلَّا فِي سِلَاحٍ أَوْ كُرَاعٍ - وَهَذِهِ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ؛ وَلِأَنَّ وَالِدَ الْقَاسِمِ لَا يَحْفَظُ عَنْ أَبِيهِ كَلِمَةً، وَكَانَ لَهُ إذْ مَاتَ أَبُوهُ سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ وَلَدَهُ؟ وَلَا نَعْرِفُهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصْلًا، وَلَا عَنْ عَلِيٍّ، بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ إيقَافَهُ يَنْبُعَ، وَغَيْرَهَا: أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَالْكَذِبُ كَثِيرٌ، وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَيُقَالُ: نَعَمْ، وَإِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إيقَافُ غَيْرِ الْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ -: وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ أَيْضًا، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، فَبَطَلَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ الْحَبْسَ جُمْلَةً: فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ الْوَاقِدِيِّ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَقَدْ أَوْقَفَ وَحَبَسَ أَرْضًا، إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحَبْسَ - وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَخْبَاثٍ فَإِنَّهَا زَادَتْ مَا جَاءَتْ فِيهِ ضَعْفًا وَلَعَلَّهُ قَبْلَهُ كَانَ أَقْوَى. وَأَمَّا مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ قَاسُوا عَلَى مَا جَاءَ فِيهِ النَّصُّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ إيقَافَ الشَّيْءِ لِغَيْرِ مَالِكٍ مِنْ النَّاسِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُورَثَ، أَوْ يُبَاعَ، أَوْ يُوهَبَ: شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَّا مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَوَازِهِ فَقَطْ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]

لَا سِيَّمَا الدَّنَانِيرُ، وَالدَّرَاهِمُ، وَكُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهِ، أَوْ إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، فَهَذَا هُوَ نَقْضُ الْوَقْفِ وَإِبْطَالُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجُّوا بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعْنِ بِهَا إلَّا مَا أَجَازَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ، لَا كُلَّ مَا يَظُنُّهُ الْمَرْءُ صَدَقَةً، كَمَنْ تَصَدَّقَ بِمُحَرَّمٍ، أَوْ شَرَطَ فِي صَدَقَتِهِ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَصَحَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ، الْبَاقِي أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ -: إمَّا صَدَقَةٌ مُطْلَقَةٌ فِيمَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِهِ مِمَّا صَحَّ مِلْكُ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا شَرْطًا مُفْسِدًا. وَإِمَّا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ فِيمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ فِيهِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ فِيمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ، أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ لَمْ يُجِزْهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَكَمَنْ تَصَدَّقَ فِي وَصِيَّتِهِ عَلَى وَارِثٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَلَا بِمُحَرَّمٍ: كَمَنْ تَصَدَّقَ بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ. وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ الْجَائِزَةَ الْمُتَقَبَّلَةَ يَبْقَى أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَطْ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً لِتَعَرِّيه مِنْ الْأَدِلَّةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْحَبْسَ جُمْلَةً: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ - قَالَ: قَالَ لِي شُرَيْحٌ: جَاءَ مُحَمَّدٌ بِإِطْلَاقِ - الْحَبْسِ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ شُرَيْحًا وَسُئِلَ فِيمَنْ مَاتَ وَجَعَلَ دَارِهِ حَبْسًا فَقَالَ: لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، بَلْ الصَّحِيحُ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِإِثْبَاتِ الْحَبْسِ نَصًّا - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَيْفَ، وَهَذَا

اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْحَبْسُ، وَقَدْ جَاءَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِإِبْطَالِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ يُعْلَمُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَعْرِفْ فِي جَاهِلِيَّتِهَا الْحَبْسَ الَّذِي اخْتَلَفَا فِيهِ، إنَّمَا هُوَ اسْمٌ شَرِيعِيٌّ، وَشَرْعٌ إسْلَامِيٌّ: جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا جَاءَ بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَلَوْلَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا عَرَفْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِعِ، وَلَا غَيْرِهَا، فَبَطَلَ هَذَا الْكَلَامُ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ " فَقَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلُّ هَذِهِ مُسْقِطَةٌ لِفَرَائِضِ الْوَرَثَةِ عَمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ لَوَرِثُوهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَجِبُ بِهَذَا الْقَوْلِ إبْطَالُ كُلِّ هِبَةٍ، وَكُلِّ وَصِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَوَارِيثِ. فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ شَرَائِعُ جَاءَ بِهَا النَّصُّ؟ قُلْنَا: وَالْحَبْسُ شَرِيعَةٌ جَاءَ بِهَا النَّصُّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ نا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَأَخُوهُ مِثْلُهُ - وَبَيَانُ وَضْعِهِ: أَنَّ " سُورَةَ النِّسَاءِ " أَوْ بَعْضَهَا نَزَلَتْ بَعْدَ أُحُدٍ - يَعْنِي آيَةَ الْمَوَارِيثِ - وَحَبَسَ الصَّحَابَةُ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ خَيْبَرَ وَبَعْدَ نُزُولِ الْمَوَارِيثِ فِي " سُورَةِ النِّسَاءِ ". وَهَذَا أَمْرٌ مُتَوَاتِرٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِاتِّصَالِ الْحَبْسِ بِعِلْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى أَنْ مَاتَ. وَذَكَرُوا أَيْضًا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي هَذَا صَدَقَةٌ وَهُوَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ أَبَوَاهُ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ قِوَامُ

عَيْشِنَا فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَاتَا فَوِرْثَهُمَا ابْنُهُمَا» زَادَ بَعْضُهُمْ " مَوْقُوفَةٌ " وَهِيَ زِيَادَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ قَطُّ. وَالثَّانِي - أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ قِوَامُ عَيْشِهِمْ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِوَامِ عَيْشِهِ، بَلْ هُوَ مَفْسُوخٌ إنْ فَعَلَهُ، فَهَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ وَمُوَافِقًا لِقَوْلِنَا، وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الصَّدَقَةَ بِمَا لَا يَبْقَى لِلْمَرْءِ بَعْدَهُ غِنًى. وَالثَّالِثُ - أَنَّ لَفْظَةَ " مَوْقُوفَةٌ " إنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَمَوَّهُوا بِأَخْبَارٍ نَحْوِ هَذَا، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا فِيهَا " صَدَقَةٌ " وَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ كَانَ شُرَيْحٌ لَا يَعْرِفُ الْحَبْسَ - وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَقْضِيَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ اسْتَحْيَا قَائِلُ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَهَلَّا قَالُوا هَذَا فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ شُرَيْحًا، وَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي جَهْلِ شُرَيْحٍ سُنَّةً وَأَلْفَ سُنَّةً، وَاَللَّهِ لَقَدْ غَابَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ التَّطْبِيقِ، وَلَقَدْ غَابَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ، وَلَقَدْ غَابَ عَنْ عُمَرَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ سِنِينَ، وَإِجْلَاءُ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ عَامٍ مِنْ خِلَافَتِهِ، وَبِمِثْلِ هَذَا لَوْ تُتُبِّعَ لَبَلَغَ أَزِيدَ مِنْ أَلْفِ سُنَّةٍ غَابَتْ عَمَّنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ شُرَيْحٍ. وَلَوْ لَمْ يُسْتَقْضَ إلَّا مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ سُنَّةٌ، وَلَا تَغِيبُ عَنْ ذِكْرِهِ سَاعَةً مِنْ دَهْرِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ -: مَا اسْتَقْصَى أَحَدٌ، وَلَا قَضَى وَلَا أَفْتَى: أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ مَنْ جَهِلَ عُذِرَ وَمِنْ عَلِمَ غُبِطَ. وَقَالُوا: الصَّدَقَةُ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ مِنْ الْحَبْسِ يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ، فَذَلِكَ فِي الْأَصْلِ أَوْلَى. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إيقَافِ الْأَصْلِ وَحَبْسِهِ وَتَسْبِيلِ الثَّمَرَةِ، فَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنْهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَلَى غَيْرِهِ، وَالْقَوْمُ مَخَاذِيلُ.

وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الْأَحْبَاسُ تُخْرَجُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ: بَطَلَ ذَلِكَ، كَمَنْ قَالَ: أَخْرَجْتُ دَارِي عَنْ مِلْكِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَيْسَ إخْرَاجًا إلَى غَيْرِ مَالِك، بَلْ إلَى أَجْلِ الْمَالِكِينَ - وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى - كَعِتْقِ الْعَبْدِ وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ قَدْ تَنَاقَضُوا فَأَجَازُوا تَحْبِيسَ الْمَسْجِدِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَإِخْرَاجَهُمَا إلَى غَيْرِ مَالِكٍ، وَأَجَازُوا الْحَبْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَشْهَرِ أَقْوَالِهِمْ، فَبَلَّحُوا عِنْدَ هَذِهِ فَقَالُوا: الْمَسْجِدُ إخْرَاجٌ إلَى الْمُصَلِّينَ فِيهِ. فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ بِذَلِكَ، وَصَلَاتُهُمْ فِيهِ كَصَلَاتِهِمْ فِي طَرِيقِهِمْ فِي فَضَاءٍ مُتَمَلَّكٍ وَلَا فَرْقَ. وَقَالُوا: إنَّمَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِي إلَى غَيْرِ مَالِكٍ وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلُ نَظِيرُ الْحَبْسِ عِنْدَكُمْ فِي الْحَيَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَظِيرُهُ فِي الْمَوْتِ وَلَا فَرْقَ. وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الصَّدَقَاتُ لَا تَجُوزُ إلَّا حَتَّى تُحَازَ، وَكَانَ الْحَبْسُ لَا مَالِكَ لَهُ: وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ. فَقُلْنَا: هَذَا احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَا قَوْلَكُمْ: أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى تُقْبَضَ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا فِيهِ، كَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَكَيْفَ وَالْحَبْسُ خَارِجٌ إلَى قَبْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، الَّذِي هُوَ وَارِثُ الْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا وَكُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ. وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ لِلَّهِ تَعَالَى دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مُتَصَدَّقًا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَجْعَلَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الْمُخْزِيَةِ لَهُمْ: احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ الْهَدْيَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَقَلَّدَهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ، ثُمَّ صَرَفَهَا عَمَّا أَوْجَبَهَا لَهُ وَجَعَلَهَا لِلْإِحْصَارِ، وَلِذَلِكَ أَبْدَلَهَا عَامًا ثَانِيًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَوَّلُ ذَلِكَ كَذِبُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَهُ لَهُ وَمَا اقْتَضَى

ذَلِكَ قَطُّ إيجَابَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ التَّطَوُّعُ بِذَلِكَ وَاجِبًا، بَلْ أَبَاحَ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ الْمُقَلَّدَةِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لِوَجْهٍ مَا خَارِجَةً بِذَلِكَ عَنْ مَالِهِ بَاقِيَةً فِي مَالِهِ. ثُمَّ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْدَلَهُ مِنْ قَابِلٍ. فَمَا صَحَّ هَذَا قَطُّ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُبَدِّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَدْيًا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فِي وَاجِبٍ ثُمَّ أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَدْيِ تَطَوُّعٍ يُنْحَرُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الْإِحْصَارِ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَعَنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِي حَبْسٍ. أَمَا يَسْتَحْيِ مِنْ هَذَا مِقْدَارَ عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ثُمَّ يَفْسَخَهُ، وَقِسْتُمُوهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ، فَأَخْبِرُونَا: هَلْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ أَنْ يُوجِبَهُ فَيَبِيعَهُ هَكَذَا بِلَا سَبَبٍ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، فَنَقُولُ لَهُمْ: فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ إذْ أَجَزْتُمْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِلَا سَبَبٍ، وَظَهَرَ هَوَسُ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ الْبَارِدِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا قَسَّمْتُمُوهُ عَلَى التَّدْبِيرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الرُّجُوعُ عِنْدَكُمْ، أَوْ هَلَّا قِسْتُمْ قَوْلَكُمْ فِي التَّدْبِيرِ عَلَى قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ، لَكِنْ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ إلَّا خِلَافَ الْحَقِّ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا فَإِنَّمَا مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ لَا يَرَى الْحَبْسَ جُمْلَةً وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَكُلُّ هَذَا خِلَافٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ الْحَبْسَ، ثُمَّ يُجِيزُ نَقْضَهُ الْمُحْبَسَ، وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، وَيُجِيزُ إمْضَاءَهُ وَهَذَا لَا يُعْقَلُ، وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِ «الْمُسْلِمِ عِنْدَ شَرْطِهِ» وَ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُ بِهِ؟ فَقَالَ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا

عُمَرُ: أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا» وَلَا تُورَثُ -: فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الْمِائَةَ سَهْمٍ الَّتِي بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهَا، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَفِيهِ «احْبِسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ» . وَحَبَسَ عُثْمَانُ بِئْرَ رُومَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُلُ ذَلِكَ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ، جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِالْمَدِينَةِ. وَكَذَلِكَ صَدَقَاتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمَدِينَةِ مَشْهُورَةٌ كَذَلِكَ. وَقَدْ تَصَدَّقَ عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ بِثَمْغٍ، وَهِيَ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَانَ يَغُلُّ مِائَةَ وَسْقٍ بِوَادِي الْقُرَى كُلُّ ذَلِكَ حَبْسًا، وَقْفًا، لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى، أَسْنَدَهُ إلَى حَفْصَةَ، ثُمَّ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهِ. وَحَبَسَ عُثْمَانُ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: دُورَهُمْ عَلَى بَنِيهِمْ، وَضَيَاعًا مَوْقُوفَةً.

وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةُ صَدَقَاتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، لَا يَجْهَلُهَا أَحَدٌ. وَأَوْقَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " الْوَهْطَ " عَلَى بَنِيهِ. اخْتَصَرْنَا الْأَسَانِيدَ لِاشْتِهَارِ الْأَمْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ نا وَرْقَاءُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فِي حَدِيثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ الْبَصْرِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ نا شَبَابَةُ - هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ - عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فِي حَدِيثٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَعْتَادُ جَمْعُ عَتِدٍ - وَهُوَ الْفَرَسُ - قَالَ الْقَائِلُ رَاحُوا بَصَائِرُهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ ... وَبَصِيرَتِي تَعْدُو بِهَا عَتِدٌ وَأَى وَالْأَعْبُدُ جَمْعُ عَبْدٍ، وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ صَحِيحٌ، فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مَالِكِ بْن أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَمَا بَقِيَ يَجْعَلُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . الْكُرَاعُ: الْخَيْلُ فَقَطْ. وَالسِّلَاحُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: السُّيُوفُ، وَالرِّمَاحُ، وَالْقِسِيُّ، وَالنَّبْلُ، وَالدُّرُوعُ، وَالْجَوَاشِنُ، وَمَا يُدَافَعُ بِهِ: كَالطَّبَرْزِينِ، وَالدَّبُّوسِ، وَالْخِنْجَرِ، وَالسَّيْفِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، وَالدَّرَقِ، وَالتِّرَاسِ.

وَلَا يَقَعُ اسْمُ السِّلَاحِ عَلَى سَرْجٍ، وَلَا لِجَامٍ، وَلَا مِهْمَازٍ. وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَكْتُبُ إلَى الْوُلَاةِ وَالْأَشْرَافِ إذَا أَسْلَمُوا بِكُتُبٍ فِيهَا السُّنَنُ وَالْقُرْآنُ بِلَا شَكٍّ، فَتِلْكَ الصُّحُفُ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِأَحَدٍ، لَكِنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً يَتَدَارَسُونَهَا مَوْقُوفَةً لِذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْحَبْسُ فَقَطْ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ فَلَا يَجُوزُ تَحْبِيسُهُ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى: أَنَّ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُورَثُ وَأَنَّ صَدَقَاتِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَرُدُّوهَا، وَأَنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى رُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي ذَكَرْتُ صَدَقَتِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتُهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ صَدَقَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ - فَقَدْ كَذَبُوا؛ بَلْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهَا صَدَقَةً، فَلِذَلِكَ صَارَتْ صَدَقَةً هَكَذَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ نا أَبُو الْأَحْوَصِ - هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ - هُوَ أَخُو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - قَالَ «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا أَمَةً، إلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً» . وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُورَثَ - فَنَعَمْ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ بِأَرْضِهِ، بَلْ تُبَاعُ فَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ -: فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا جَازَتْ صَدَقَاتُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَجَازُوهَا - فَقَدْ كَذَبُوا، وَلَقَدْ تَرَكَ عُمَرُ ابْنَيْهِ زَيْدًا وَأُخْتَه صَغِيرَيْنِ جِدًّا، وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، فَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ غَيْرَ جَائِزٍ لَمَا حَلَّ تَرْكُ أَنْصِبَاءِ الصِّغَارِ تَمْضِي حَبْسًا. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ عَنْ مَالِكٍ - فَمُنْكَرٌ وَبَلِيَّةٌ مِنْ الْبَلَايَا، وَكَذِبٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَا نَدْرِي مَنْ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ وَلَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَهَبْكَ لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ

مسألة لا يبطل الحبس ترك الحيازة

لَمَا وَجَبَ أَنْ يُتَشَاغَلَ بِهِ وَلَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِمَّنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، كَسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، وَضُرَبَائِهِ. وَنَحْنُ نَبُتُّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَنْدَمْ عَلَى قَبُولِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا اخْتَارَهُ لَهُ فِي تَحْبِيسِ أَرْضِهِ وَتَسْبِيلِ ثَمَرَتِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] . وَلَيْتَ شِعْرِي إلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَصْرِفُ عُمَرُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ لَوْ تَرَكَ مَا أَمَرَهُ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا. حَاشَ لِعُمَرَ مِنْ هَذَا. وَزَادُوا طَامَّةً، وَهِيَ أَنْ شَبَّهُوا هَذَا بِتَنَدُّمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إذْ لَمْ يَقْبَلْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ عُقُولُهُمْ؟ وَهَلْ يَنْدَمُ عَبْدُ اللَّهِ إلَّا عَلَى مَا يَحِقُّ التَّنَدُّمَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِهِ الْأَمْرَ الَّذِي أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ مَرَّةٍ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَشُورَةِ الْأَخِيرَةِ - وَهَذَا ضِدُّ مَا نَسَبُوا إلَى عُمَرَ مِمَّا وَضَعَهُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُسْعِدُ اللَّهَ جَدَّهُ مِنْ رَغْبَتِهِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جُمْلَةً لَا نَدْرِي إلَى مَاذَا؟ فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمَحْرُومِينَ جُمْلَةً - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: جَائِزٌ أَنْ يُسَبِّلَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ شَاءَ، فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا» . وَقَالَ لِعُمَرَ «تَصَدَّقْ بِالثَّمَرَةِ» فَصَحَّ بِهَذَا جَوَازُ صَدَقَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى مَنْ شَاءَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَغَيْرُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة لَا يُبْطِلُ الْحَبْسَ تَرْكُ الْحِيَازَةِ] 1655 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُبْطِلُ الْحَبْسَ تَرْكُ الْحِيَازَةِ، فَإِنْ اسْتَغَلَّهُ الْمُحْبِسُ وَلَمْ يَكُنْ سَبَّلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، كَالْغَصْبِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا فِيمَا أَبْقَى غِنًى وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِ الْمُشَاعِ - فِيمَا يَنْقَسِمُ وَفِيمَا لَا يَنْقَسِمُ - وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كَلَامِنَا فِي " الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا. [مَسْأَلَة التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ فَرْضٌ فِي الْحَبْسِ] 1656 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ فَرْضٌ فِي الْحَبْسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ» فَإِنْ خَصَّ بِهِ بَعْضَ بَنِيهِ، فَالْحَبْسُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ سَائِرُ الْوَلَدِ فِي الْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى مَعَ الَّذِي خَصَّهُ.

مسألة حبس داره أو أرضه ولم يسبل على أحد

بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ بِنَصِّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَحَدُهُمَا - تَحْبِيسُ الْأَصْلِ، فَبِاللَّفْظِ تَحْبِيسُهُ يَصِحُّ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَنَّنَا عَنْ مَالِ الْمُحْبِسِ. وَالثَّانِي - التَّسْبِيلُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا حِيفَ رُدَّ وَلَمْ يَبْطُلْ خُرُوجُ الْأَصْلِ مُحْبِسًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَامَ الْوَلَدُ أَحْيَاءَ، فَإِذَا مَاتَ الْمَخْصُوصُ بِالْحَبْسِ رَجَعَ إلَى مَنْ عَقِبَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَخَرَجَ سَائِرُ الْوَلَدِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ قَدْ بَطَلَتْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة حَبَسَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ وَلَمْ يُسَبِّلْ عَلَى أَحَدٍ] 1657 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ، وَلَمْ يُسَبِّلْ عَلَى أَحَدٍ، فَلَهُ أَنْ يُسَبِّلَ الْغَلَّةَ مَا دَامَ حَيًّا عَلَى مَنْ شَاءَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ» فَلَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَفْعَلْ كَانَتْ الْغَلَّةُ لِأَقَارِبِهِ وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ حِينَ مَوْتِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَّلَ وَحَبَسَ عَلَى مُنْقَطِعٍ فَإِذَا مَاتَ الْمُسَبَّلُ عَلَيْهِ عَادَ الْحَبْسُ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْبَرَ أَنْصَارِي الْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءُ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَرْجُو بِرَّهَا، وَزَهْوَهَا، عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاك اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي كَلَامٍ ثُمَّ إنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ - فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ» [مَسْأَلَة حَبَسَ عَلَى عَقِبِهِ وَعَلَى عَقِبِ عَقِبِهِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَعَقِبِهِ] 1658 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ عَلَى عَقِبِهِ وَعَلَى عَقِبِ عَقِبِهِ، أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَعَقِبِهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْبَنَاتُ وَالْبَنُونَ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَنُو الْبَنَاتِ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا يَخْرُجُ بِنَسَبِ آبَائِهِ إلَى الْمُحَبِّسِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» وَأَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى: وَلَمْ يُعْطِ عُثْمَانَ، وَلَا غَيْرَهُ - وَجَدَّةُ عُثْمَانَ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - فَلَمْ يَدْخُلْ فِي بَنِي هَاشِمٍ، إذْ لَمْ يَخْرُجْ بِنَسَبِ أَبِيهِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَارِجًا بِنَسَبِ أُمِّهِ إلَيْهِ - وَهِيَ أَرْوَى بِنْتُ الْبَيْضَاءِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - أَعْطَى الْعَبَّاسَ وَأُمَّهُ نُمَرِيَّةُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة حبس وشرط أن يباع إن احتيج

[مَسْأَلَة حَبَسَ وَشَرَطَ أَنْ يُبَاعَ إنْ اُحْتِيجَ] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَبَسَ وَشَرَطَ أَنْ يُبَاعَ إنْ اُحْتِيجَ صَحَّ الْحَبْسُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُمَا فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: لَا أَحْبِسُ هَذَا الْحَبْسَ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُبَاعَ -: فَهَذَا لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ كُلَّ حَبْسٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى بَاطِلٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب العتق وأمهات الأولاد

[كِتَابُ الْعِتْقِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ] [مَسْأَلَةٌ الْعِتْقُ فِعْلٌ حَسَنٌ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ إلَّا لِلَّهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْعِتْقِ، وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ 1660 - مَسْأَلَةٌ: الْعِتْقُ فِعْلٌ حَسَنٌ، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. 1661 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا لِغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالٍ عَلَى الْعِتْقِ، إلَّا فِي الْكِتَابَةِ خَاصَّةً، لِمَجِيءِ النَّصِّ بِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لِلشَّيْطَانِ -: نَفَذَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْعِتْقُ عِبَادَةٌ فَإِذَا كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصَةً جَازَتْ، وَإِذَا كَانَتْ لِشَرِيكٍ مَعَهُ تَعَالَى أَوْ لِغَيْرِهِ مَحْضًا: بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَوَجَبَ رَدُّ هَذَا الْعِتْقِ وَإِبْطَالِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَقُولُ: " أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَلْيَلْتَمِسْ ثَوَابَهُ مِنْهُ» . [مَسْأَلَة الْعِتْق فِي مَالًا يَمْلِك] 1662 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ

حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ لِسِوَاهُ أَوْ أَمَةٍ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ، أَوْ اشْتَرَاهُمَا " أَوْ بَاعَهُمَا: لَمْ يُعْتَقَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا بُطْلَانُ ذَلِكَ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ، وَأَمَةِ غَيْرِهِ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نا أَيُّوبُ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» . وَأَمَّا بُطْلَانُ ذَلِكَ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ؛ فَلِأَنَّهُ إذْ بَاعَهُمَا فَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُمَا، وَلَا وَفَاءَ لِعَقْدِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا زِيَادٌ الْأَعْلَمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إنْ بِعْت غُلَامِي هَذَا مِنْك فَهُوَ حُرٌّ فَبَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ بِحُرٍّ - ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ: إنْ اشْتَرَيْته مِنْك فَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحُرٍّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا - وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِكَ -: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَالَ إنْ بِعْت غُلَامِي فَهُوَ حُرٌّ، فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ. فَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت غُلَامَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ فَلَيْسَ بِحُرٍّ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لِقَوْلِهِ هَذَا بِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ فَهُوَ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَلِذَلِكَ عَتَقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا» فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ بَعْدُ، فَإِذَا تَفَرَّقَا فَحِينَئِذٍ بَاعَهُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ بِعَكْسِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُمَا قَالَا: إنْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ. فَبَاعَهُ، لَمْ يَكُنْ حُرًّا بِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ. فَاشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ.

مسألة العتق بشرط أو بمال

وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ. فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ - وَإِنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ. فَاشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ. فَلَوْ قَالَ: إنْ بِعْت عَبْدِي فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ اشْتَرَيْت عَبْدَ فُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ. ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ أَيْضًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُهُ عِتْقُهُ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِمَا، فَقَالَ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ: هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِ الْبَائِعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ؛ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ الْحَنَفِيُّ فَيَقُولُ: بَلْ هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي - وَيُعَارِضُهُ آخَرُ فَيَقُولُ: بَلْ هُوَ مُرْتَهِنٌ بِيَمِينِهِمَا جَمِيعًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يُعْتَقُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيَشْتَرِي الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ عَبْدًا فَيَعْتِقُهُ - وَهَذَا عَجَبٌ عَجِيبٌ لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُهُ لِمَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ ثُمَّ يَلْزَمُهُ عِتْقًا فِيمَا لَمْ يُنْذَرْ عِتْقُهُ، وَهَذِهِ صِفَةُ الرَّأْي فِي الدِّينِ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ. [مَسْأَلَة الْعِتْق بِشَرْطِ أَوْ بِمَالِ] 1663 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقٌ بِشَرْطٍ أَصْلًا، وَلَا بِإِعْطَاءِ مَالٍ إلَّا فِي " الْكِتَابَةِ " فَقَطْ، وَلَا بِشَرْطِ خِدْمَةٍ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ» . فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ نا سَفِينَةُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " قَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ: أُرِيد أَنْ أُعْتِقَكَ وَأَشْتَرِطَ عَلَيْك أَنْ تَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا عِشْت قُلْت: إنْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ لَمْ أُفَارِقْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَمُوتَ، قَالَ: فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ أَخْدِمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا عَاشَ ". وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ، فَسَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، بَلْ مَذْكُورٌ أَنَّهُ لَا يَقُومُ حَدِيثُهُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ

فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: لَا يُجِيزُونَ الْعِتْقَ بِشَرْطِ أَنْ يَخْدُمَ فُلَانًا مَا عَاشَ - فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْتَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَقِيقِ الْإِمَارَةِ، وَاشْتَرَطَ عَلَى بَعْضِهِمْ خِدْمَةَ مَنْ بَعْدَهُ إنْ أَحَبَّ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ صَلَّى مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَبَتَّ عِتْقَهُمْ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ: أَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الْخَلِيفَةَ بَعْدِي ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ، وَشَرَطَ لَهُمْ: أَنَّهُ يَصْحَبُكُمْ بِمِثْلِ مَا كُنْتُ أَصْحَبُكُمْ بِهِ - فَابْتَاعَ الْخِيَارُ خَدَمَتْهُ تِلْكَ الثَّلَاثَ سَنَوَاتٍ مِنْ عُثْمَانَ بِأَبِي فَرْوَةَ وَخَلَّى سَبِيلَ الْخِيَارِ، وَقَبَضَ أَبَا فَرْوَةَ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَمَلَهُ سَنَتَيْنِ، فَعَمِلَ لَهُ بَعْضَ سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: قَدْ تَرَكْت لَك الَّذِي اشْتَرَطْت عَلَيْك فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَيْسَ عَلَيْك عَمَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ تَصَدَّقَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْضٍ لَهُ، وَأَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقِهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهَا خَمْسَ سِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْأَخْرَمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي أَعْتَقْت أَمَتِي هَذِهِ وَاشْتَرَطْت عَلَيْهَا أَنْ تَلِيَ مِنِّي مَا تَلِي الْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا إلَّا الْفَرْجَ، فَلَمَّا غَلُظَتْ رَقَبَتُهَا قَالَتْ: إنِّي حُرَّةٌ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا، خُذْ بِرَقَبَتِهَا فَانْطَلِقْ بِهَا فَلَكَ مَا اشْتَرَطْت عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: مُخَالِفُونَ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْآثَارِ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِهَا الْعِتْقَ بِشَرْطِ الْخِدْمَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ - وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ هَذَا؛ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ

رَأْيَهُمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ عَتَقَ وَبَطَلَ شَرْطُهُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُرَيْحٍ مِثْلَهُ. وَأَجَازُوا الْعِتْقَ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ، وَلَا يُحْفَظُ هَذَا فِيمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابَةِ. قُلْنَا: نَاقَضْتُمْ، لِأَنَّكُمْ لَا تُجِيزُونَ فِي الْكِتَابَةِ الضَّمَانَ وَلَا الْأَدَاءَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَتُجِيزُونَ كُلَّ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ. وَلَا تُجِيزُونَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ أَمَدُ أَدَاءِ الْمَالِ مَجْهُولًا، وَتُجِيزُونَ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ - فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ قِيَاسَكُمْ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ . ثُمَّ لَهُمْ فِي هَذَا غَرَائِبُ -: فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ، فَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. فَمَرَّةً قَالَ: فِي مَالِهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: فِي مَالِهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَالْخِيَارُ لِلْعَبْدِ فِي قَبُولِ ذَلِكَ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ حُرٌّ، وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَا عِتْقَ لَهُ وَلَا مَالَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَهُوَ حُرٌّ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ: لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدَ أَدَاؤُهَا وَلَا حُرِّيَّةَ لَهُ إلَّا بِأَدَائِهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَهُوَ حُرٌّ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ: إنْ جِئْتَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمَتَى مَا جِئْتنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ

مسألة العتق بالنذر

حُرٌّ -: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَتَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ وَلَا يُنَجِّمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَجَّزَهُ السُّلْطَانُ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ: فَهُوَ حُرٌّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ - قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ: هُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْحُرِّيَّةَ بِالْغُرْمِ، بَلْ أَمْضَاهَا بَتْلَةً بِغَيْرِ شَرْطٍ، ثُمَّ أَلْزَمَهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ. وَلَكِنْ لَيْتَ شِعْرِي كَمْ يَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ، أَسَاعَةً أَمْ سَاعَتَيْنِ أَمْ يَوْمًا أَمْ يَوْمَيْنِ أَمْ جُمُعَةً أَمْ جُمُعَتَيْنِ أَمْ حَوْلًا أَمْ حَوْلَيْنِ؟ وَكُلُّ حَدٍّ فِي هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ - وَالْقَوْلُ فِي هَذَا: أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَمَتَى مَا جَاءَهُ بِمَا قَالَ فَهُوَ حُرٌّ لَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ، وَلِلسَّيِّدِ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا تُحْفَظُ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَجَعَلَ خِيَارًا لِلْعَبْدِ حَيْثُ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْعِتْق بالنذر] 1664 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ: لَزِمَتْهُ وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ أَمْرُ كَذَا - مِمَّا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ - فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ، فَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ النُّذُورِ ". وَأَمَّا مَنْ نَذَرَ رَقَبَةً فَهُوَ نَذْرٌ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، فَهُوَ لَازِمٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ النُّذُورِ " وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا نَصٌّ وَهُوَ «قَوْلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ عَلَيَّ لِلَّهِ رَقَبَةً أَفَأُعْتِقُهَا؟ فَسَأَلَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هِيَ مُؤْمِنَةٌ، فَأَعْتِقْهَا» فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى لُزُومِ الرَّقَبَةِ لِمَنْ الْتَزَمَهَا لِلَّهِ تَعَالَى - وَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة عِتْق الْجَنِين دُون أُمِّهِ] 1665 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ أُمُّهُ، وَلَا هِبَتُهُ دُونَهَا. وَيَجُوزُ عِتْقُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ وَتَكُونُ أُمُّهُ بِذَلِكَ الْعِتْقِ حُرَّةً وَإِنْ لَمْ يُرِدْ عِتْقَهَا، وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ أَصْلًا دُونَهَا.

فَإِنْ أَعْتَقَهَا - وَهِيَ حَامِلٌ - فَإِنْ كَانَ جَنِينُهَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، فَهُوَ حُرٌّ، إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ فَإِنْ اسْتَثْنَاهُ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَهُوَ غَيْرُ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنْ أَتْبَعَهَا إيَّاهُ إذْ أَعْتَقَهَا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهَا إيَّاهُ، أَوْ اسْتَثْنَاهُ: فَهِيَ حُرَّةٌ، وَهُوَ غَيْرُ حُرٍّ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْهِبَةِ إذَا وَهَبَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ. وَحَدُّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ: تَمَامُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَمْلِهَا. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا أَبُو تَوْبَةَ - هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ - نا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ نا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ: أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَهُ " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ نا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَعَمَلَهُ وَأَجَلَهُ ثُمَّ يَكْتُبُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

فَهَذِهِ النُّصُوصُ تُوجِبُ كُلَّ مَا قُلْنَا - فَصَحَّ أَنَّهُ إلَى تَمَامِ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لَيْلَةً مَاءً مِنْ مَاءِ أُمِّهِ وَلَحْمَةً وَمُضْغَةً مِنْ حَشْوَتِهَا كَسَائِرِ مَا فِي جَوْفِهَا، فَهُوَ تَبَعٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا وَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ يُزَايِلُهَا كَمَا يُزَايِلُهَا اللَّبَنُ. وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَإِذَا أُعْتِقَ فَقَدْ أُعْتِقَ بَعْضُهَا، فَوَجَبَ بِذَلِكَ عِتْقُ جَمِيعِهَا، لِمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يَجُوزُ هِبَتُهُ دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ الْمَجْهُولِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْهِبَاتِ ". وَأَمَّا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ {خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] وَهُوَ حِينَئِذٍ قَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى، وَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَيَكُونُ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ وَهِيَ بِخِلَافِهِ فِي خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ، وَفِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَلَا عِتْقُهُ دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِمَا تَطِيبُ النَّفْسُ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ طَيِّبَ النَّفْسِ إلَّا فِي مَعْلُومِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا فَلَا عِتْقَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهَا فَإِنْ وَهَبَهَا فَكَذَلِكَ، فَإِنْ أَتْبَعَهَا حَمَلَهَا فِي الْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ: جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِعِلْمِهِ وَبَعْدَهُ يَعْتِقُونَ الْحَوَامِلَ وَيَنْفُذُونَ عِتْقَ حَمْلِهَا وَيَهَبُونَ كَذَلِكَ وَيَبِيعُونَهَا كَذَلِكَ، وَيَمْتَلِكُونَهَا بِالْقِسْمَةِ كَذَلِكَ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَيُهْدُونَ وَيُضَحُّونَ بِإِنَاثِ الْحَيَوَانِ فَيَتَّبِعُونَ أَحْمَالَهَا لَهَا فَتَكُونُ فِي حُكْمِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا قُرَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَمَةً لَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا. وَبِهِ يَقُولُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - هَذَا إسْنَادٌ كَالشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَعْتِقُ أَمَتَهُ وَيَسْتَثْنِي مَا فِي بَطْنِهَا قَالَ: ذَلِكَ لَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا قَالَ: لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نا أَسْبَاطُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلَهُ ثَنَيَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَذَلِكَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ نا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ ذَلِكَ؟ - يَعْنِي: عَمَّنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا - فَقَالَا جَمِيعًا: ذَلِكَ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَرَبِيعَةُ: إذَا أَعْتَقَهَا فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ دُونَهَا فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ وَلَدَتْهُ فَعَسَى أَنْ يُعْتَقَ، وَلَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ، وَتُرَقَّ هِيَ وَمَا وَلَدَتْ، وَيَبْطُلُ عِتْقُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ: فَهِيَ وَمَا فِي بَطْنِهَا رَقِيقٌ لَا عِتْقَ لَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ غُرَمَاؤُهُ بِيعَتْ وَكَانَ مَا فِي بَطْنِهَا رَقِيقًا وَلَا عِتْقَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تُبَعْ حَتَّى وَضَعَتْ فَهُوَ حُرٌّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا يُرَقُّ أَبَدًا.

مسألة عتق عضو أو عشر أو جزء العبد

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ ابْنَ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، فَفِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، وَلَا يَخْلُو عِتْقُهُ لِجَنِينِ أَمَتِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِتْقًا أَوْ لَا يَكُونَ عِتْقًا، فَإِنْ كَانَ عِتْقًا لَا يَحِلُّ اسْتِرْقَاقُهُ - بِيعَتْ أُمُّهُ أَوْ لَمْ تُبَعْ - وَإِنْ كَانَ لَيْسَ عِتْقًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ لَهُ عِتْقٌ وَإِنْ وَضَعَتْهُ بِقَوْلٍ " لَيْسَ عِتْقًا " وَنَسُوا هَاهُنَا احْتِجَاجَهُمْ بِ «الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» وَبِ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَلَا غَيْرُهُمَا، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَعَهِدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِشَيْءٍ لَا يُعْرَفُ مَخْرَجُهُ " كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا " وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا، فَيَقُولُونَ فِي وَلَدِ الْغَارَةِ، وَالْمُسْتَحَقَّةِ: هِيَ أَمَةٌ وَوَلَدُهَا حُرٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ نَجِدْ قَطُّ امْرَأَةً حُرَّةً يَكُونُ جَنِينُهَا مَمْلُوكًا. فَقُلْنَا: وَلَا وَجَدْتُمْ قَطُّ امْرَأَةً مَمْلُوكَةً وَوَلَدُهَا حُرٌّ، وَقَدْ قَضَيْتُمْ بِذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، وَلَا وَجَدَ الْحَنَفِيُّونَ قَطُّ حُكْمَ الْآبِقِ، وَجَعْلَهُ فِي غَيْرِ الْآبِقِ، وَلَا وَجَدَ الْمَالِكِيُّونَ قَطُّ امْرَأَةً مُتَزَوِّجَةً بِزَيْدٍ تَرِثُ عُمَرًا بِالزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَيْدٍ، وَلَا وَجَدَ الشَّافِعِيُّونَ قَطُّ حُكْمَ الْمُصَرَّاةِ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِتْق عُضْو أَوْ عَشْر أَوْ جُزْء الْعَبْد] 1666 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ عُضْوًا أَيَّ عُضْوٍ كَانَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ، أَوْ أَعْتَقَ عُشْرَهُمَا، أَوْ جُزْءًا مُسَمًّى كَذَلِكَ: عَتَقَ الْعَبْدُ كُلُّهُ وَالْأَمَةُ كُلُّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ نا سُوَيْد نا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شَيْئًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ نَصِيبُهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو الْوَلِيدِ - وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا هَمَّامُ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ

مسألة عتق العبد المشترك

أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ مَمْلُوكٍ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عِتْقَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» ، وَهَذَانِ إسْنَادَانِ صَحِيحَانِ وَوَجَبَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ جَنِينَ أَمَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ عَتَقَتْ هِيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهَا وَشَيْءٌ مِنْهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ نا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِخَادِمِهِ: فَرْجُك حُرٌّ قَالَ: هِيَ حُرَّةٌ أَعْتَقَ مِنْهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَهِيَ حُرَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا أَعْتَقَ مِنْ غُلَامِهِ شَعْرَةً، أَوْ أُصْبُعًا: فَقَدْ عَتَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أُصْبُعُك حُرٌّ أَوْ ظُفْرُك أَوْ عُضْوٌ مِنْك حُرٌّ: عَتَقَ كُلُّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ مِنْ عَبْدِهِ عُضْوًا: عَتَقَ كُلُّهُ، مِيرَاثُهُ مِيرَاثُ حُرٍّ، وَشَهَادَتُهُ شَهَادَةُ حُرٍّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا - نَاقَضَ فَقَالَ: إنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ مِنْ عَبْدِهِ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ: عَتَقَ مَا سَمَّى، وَلَا يُعْتَقُ بِذَلِكَ سَائِرُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ حَاشَ زُفَرَ: لَا يَجِبُ الْعِتْقُ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلَّا فِي ذِكْرِهِ عِتْقَ الرَّقَبَةِ، أَوْ الْوَجْهِ، أَوْ الرَّوْحِ، أَوْ النَّفْسِ، أَوْ الْجَسَدِ، أَوْ الْبَدَنِ، فَأَيُّ هَذِهِ أَعْتَقَ أُعْتِقَ جَمِيعُهُ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي عِتْقِهِ: الرَّأْسَ، أَوْ الْفَرْجَ، أَيُعْتَقُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ أَلْفَاظٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ، قَالَ: لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ " بِالْوَجْهِ " عَنْ الْجَمِيعِ فِي اللُّغَةِ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ، وَصَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ، وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مُتَقَدِّمًا قَبْلَهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: إنْ قَالَ: ظُفْرُك حُرٌّ، لَمْ يَجِبْ الْعِتْقُ بِذَلِكَ، لَا لِأَنَّهُ يُبَايِنُ حَامِلَهُ - وَكُلُّ هَذَا لَا شَيْءَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِتْق الْعَبْد الْمُشْتَرَك] 1667 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ كُلَّهُ، أَوْ

بَعْضَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ كُلَّهُ: عَتَقَ جَمِيعُهُ حِينَ يَلْفِظُ بِذَلِكَ - فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ يُشْرِكُهُ حِينَ لَفَظَ بِعِتْقِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ أَدَّاهَا إلَى مَنْ يُشْرِكُهُ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِذَلِكَ كُلِّفَ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ، لَا شَيْءَ لِلشَّرِيكِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا لَهُ، أَنْ يَعْتِقَ، وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي أَعْتَقَ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا يَقُومُ كُلُّهُ ثُمَّ يَعْرِفُ مِقْدَارَ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا سَعَى فِيهِ - حَدَثَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَحْدُثْ - وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلًا -: قَالَ رَبِيعَةُ: مَنْ أَعْتَقَ حِصَّةً لَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ -: حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونَ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ يُونُسُ سَأَلْته عَنْ عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَقَالَ رَبِيعَةُ: عِتْقُهُ مَرْدُودٌ لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُ الطَّحَاوِيَّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ بُكَيْر بْنُ الْأَشَجِّ فِي اثْنَيْنِ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يُكَاتِبَ: فَإِنَّمَا يَتَقَاوَمَانِهِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَنْفُذُ عِتْقُ مَنْ أَعْتَقَ، وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى نَصِيبِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ وَأُمِّنَا غُلَامٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَأَبْلَى فِيهَا فَأَرَادُوا عِتْقَهُ وَكُنْتُ صَغِيرًا فَذَكَرَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ لِعُمَرَ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا أَنْتُمْ وَيَكُونُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى نَصِيبِهِ حَتَّى يَرْغَبَ فِي مِثْلِ مَا رَغِبْتُمْ فِيهِ أَوْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ؟ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَكَانَ " أَعْتِقُوا أَنْتُمْ ": " أَعْتِقُوا إنْ شِئْتُمْ " لَمْ يَخْتَلِفَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا إسْنَادٌ كَالذَّهَبِ الْمَحْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ لِي وَلِإِخْوَتِي غُلَامٌ أَبْلَى يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَأَرَدْت عِتْقَهُ لِمَا صَنَعَ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ

فَقَالَ: أَتُفْسِدُ عَلَيْهِمْ نَصِيبَهُمْ؟ حَتَّى يَبْلُغُوا، فَإِنْ رَغِبُوا فِيمَا رَغِبْت فِيهِ وَإِلَّا لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ نَصِيبَهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ رَأَى التَّضْمِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إفْسَادًا لِنَصِيبِهِمْ -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ فِي عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ الْعَبْدِ، وَقَالَ الْعَبْدُ: نا أَقْضِي قِيمَتِي فَقَالَ عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِمَا بَقِيَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرُ بَعْدُ: فَوَلَاؤُهُ وَمِيرَاثُهُ بَيْنَهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا، قَالَ مَعْمَرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ رَبِيعَةَ فِي عَبْدٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ: أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، وَكَاتَبَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ، وَتَمَسَّك الْآخَرُ بِالرِّقِّ - ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ، فَإِنَّ الَّذِي كَاتَبَ يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا تَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي تَمَسَّك بِالرِّقِّ يَقْتَسِمَانِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَنْفُذُ عِتْقُ الَّذِي أَعْتَقَ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِشَرِيكِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً رَائِعَةً إنَّمَا تُلْتَمَسُ لِلْوَطْءِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلضَّرَرِ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكِهِ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ -: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: شَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتِقُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ النَّخَعِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَلَهُ شُرَكَاءُ يَتَامَى؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَنْتَظِرُ بِهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَعْتِقُوا أَعْتَقُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يُضْمَنَ لَهُمْ ضُمِنَ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، إنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ مَيْمُونٍ - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. ثُمَّ مُنْقَطِعَةٌ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَشَرِيكُهُ بَيْنَ خِيَارَيْنِ: إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ حِصَّتِهِ، فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا - سَوَاءٌ كَانَ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَلَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا خِيَارٌ فِي وَجْهٍ ثَالِثٍ -: وَهُوَ إنْ شَاءَ ضَمِنَ لِلْمُعْتِقِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ وَيَرْجِعُ الْمُعْتِقُ

الْمُضَمِّنُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَهُ شَرِيكُهُ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ، فَإِذَا أَدَّاهَا الْعَبْدُ عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً لِلَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ فَقَطْ. قَالَ: فَإِنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ، وَلَا عَلَيْهِ أَيْضًا مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ مُعْسِرًا. قَالَ: فَإِنْ دَبَّرَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ احْتَبَسَ نَصِيبَهُ رَقِيقًا كَمَا هُوَ، وَيَكُونُ نَصِيبُ شَرِيكِهِ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ نَصِيبَهُ أَيْضًا وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْعَبْدُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْهُ مُدَبَّرًا، وَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ، وَضَمِنَ الشَّرِيكُ الَّذِي دَبَّرَ الْعَبْدَ أَيْضًا قِيمَةَ حِصَّتِهِ مُدَبَّرًا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى شَرِيكِهِ فِي تَضْمِينٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ لِشَرِيكِهِ الَّذِي دَبَّرَ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّرِيكَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مُدَبَّرًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ، وَلَا إلَى هَذِهِ الْوَسَاوِسِ وَأَعْجَبُهَا: أُمُّ وَلَدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ، إلَّا الْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَزْمَانِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَةَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجٍ - هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ إخْوَتِي غُلَامٌ فَأَرَدْت أَنْ أَعْتِقْهُ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَتِهِ: فَأَتَيْت ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ: لَا تُفْسِدُ عَلَى شُرَكَائِك فَتَضْمَنُ، وَلَكِنْ تَرَبَّصْ حَتَّى يَشِبُّوا، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ فِي رِوَايَتِهِ مَكَانَ " ابْنِ مَسْعُودٍ ": " عُمَرَ " وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ أَعْلَى الْقِيمَةِ - وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ هَالِكٌ، وَالْآخَرَ مُرْسَلٌ، إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُبَشِّرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ سَوَاءً كَانَ الْمُعْتِقُ

مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: إنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ أُقِيمَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، ثُمَّ عَتَقَ فِي مَالِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، ثُمَّ اسْتَسْعَى هَذَا الْعَبْدُ بِمَا غَرِمَ فِيمَا أَعْتَقَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ فَقُلْت لَهُ: يَسْتَسْعِي الْعَبْدُ كَانَ مُفْلِسًا أَوْ غَنِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ، زَعَمُوا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هَذَا أَوَّلُ قَوْلِ عَطَاءٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْت عَنْهُ قَبْلُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ - وَهُوَ مُفْلِسٌ - فَأَرَادَ الْعَبْدُ أَخْذَ نَفْسِهِ بِقِيمَتِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ إنْ نَفَّذَ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَوْلُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ: أَنَّ بَاقِيهِ يُعْتَقُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ -: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَصُ شُرَكَائِهِ وَأَغْرَمَهَا لَهُمْ، وَأُعْتِقَ كُلُّهُ بَعْدَ التَّقْوِيمِ لَا قَبْلَهُ، وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ أَنْ يَعْتِقَ حِصَّتَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ رَقِيقًا، وَلَا أَنْ يُكَاتِبَهُ، وَلَا أَنْ يَبِيعَهُ، وَلَا أَنْ يُدَبِّرَهُ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْ التَّقْوِيمِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْتِقُ أَوْ الْعَبْدُ بَطَلَ التَّقْوِيمُ، وَمَالُهُ كُلُّهُ لِمَنْ تَمَسَّك بِالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ وَالْبَاقِي رَقِيقٌ يَبِيعُهُ الَّذِي هُوَ لَهُ إنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكُهُ رَقِيقًا، أَوْ يُكَاتِبُهُ، أَوْ يَهَبُهُ، أَوْ يُدَبِّرُهُ، وَسَوَاءٌ أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَوْ لَمْ يُوسِرْ. فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُعْتِقِ وَبَقِيَ بِحَسَبِهِ، فَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ أَوَّلًا فَقَطْ، فَلَوْ أَعْتَقَ الِاثْنَانِ مَعًا وَكَانَا غَنِيَّيْنِ قُوِّمَتْ حِصَّةُ الْبَاقِينَ عَلَيْهِمَا، فَمَرَّةً قَالَ: بِنِصْفَيْنِ، وَمَرَّةً قَالَ: عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَمْ يُنْتَظَرْ، لَكِنْ يُقَوَّمُ عَلَى الْحَاضِرِ - وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الَّذِي أَعْتَقَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ شِرْكِهِ وَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ حِينَ عَتَقَ الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَلَيْسَ لِمَنْ يُشْرِكُهُ أَنْ يَعْتِقُوا وَلَا أَنْ يُمْسِكُوا، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَالِكُهُ كَمَا يَشَاءُ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ

الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ بَاقِي قِيمَتِهِ، لَا يُبَاعُ لَهُ فِي ذَلِكَ دَارُهُ، قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَا خَادِمُهُ - وَسَكَتَا عَنْ الْمُعْسِرِ، فَمَا سَمِعْنَا عَنْهُمَا فِيهِ لَفَظَّةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ شِرْكِهِ وَعَتَقَ كُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ حِصَّةِ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ وَعَتَقَ كُلُّهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ: أَيَكُونُ حُرًّا مُذْ يَعْتِقُ الْأَوَّلُ نَصِيبَهُ وَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ تَصَرُّفٌ بِعِتْقٍ وَلَا بِغَيْرِهِ؟ أَمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ؟ وَلِمَنْ يَكُونُ وَلَاؤُهُ إنْ أُعْتِقَ بِاسْتِسْعَائِهِ؟ وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ بَعْضَهُ أَوَّلًا بِمَا سَعَى فِيهِ أَمْ لَا؟ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَعَلَى الَّذِي أَعْتَقَ أَنْصِبَاءُ شُرَكَائِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا حَجَّاجٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْن الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ ثَلَاثُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَمِّنُونَ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَيَسْتَسْعَوْنَهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: سُئِلَ أَبُو الزِّنَادِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَمَّنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ؟ فَذَكَرَا تَضْمِينَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، أَوْ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، فَقَالَا: سَمِعْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَكَلَّمَ بِبَعْضِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ نا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقُلْت لِسُلَيْمَانَ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا؟ قَالَ: كَذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: مِنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ

يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي بَقِيَّتِهِ، قَالَ أُسَامَةُ: فَقُلْت لِسُلَيْمَانَ: عَمَّنْ؟ قَالَ: جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْن الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ: يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ قَالَ: يَضْمَنُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ تَمَامُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ فَمَا فَوْقَهُ سَعَى الْعَبْدُ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتِقِ ضَمَانٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ أَنْصِبَاءَ أَصْحَابِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ وَلَا يَتْبَعُهُ السَّيِّدُ بِمَا غَرِمَ عَنْهُ وَالْعَبْدُ غَيْرُ مُعْتَقٍ حَتَّى يُتِمَّ أَدَاءَ مَا اسْتَسْعَى فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: يَسْتَسْعِي الْعَبْدَ وَلَا بُدَّ، إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُعْسِرًا، وَلَا يَسْتَسْعِي إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيُعْتَقُ كُلُّهُ - يَعْنِي عَلَى الَّذِي أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: يَقُومُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي مَالِ الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّهُمَا قَالَا فِي عَبْدٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَعْتَقَ اثْنَانِ نَصِيبَهُمَا مِنْهُ؟ فَقَالَا: نَرَى أَنْ يَضْمَنَا عَتَاقَهُ جَمِيعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَسَعَى الْعَبْدُ فِيهَا فَأَدَّاهَا. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَبَعْضُهُ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: وَهُوَ السُّنَّةُ، وَقَالَهُ

سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَحَمَّادٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَأَمَّا هَلْ يَكُونُ حُرًّا حِينَ يَعْتِقُ الْأَوَّلُ بَعْضَهُ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ قَالُوا: هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يَلْفِظُ بِعِتْقِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ، هُوَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتِقْ حَقَّهُ. وَأَمَّا مَنْ يَكُونُ وَلَاؤُهُ: فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، كِلَاهُمَا قَالَ: إنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ فَضَمِنَهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ عَتَقَ بِالِاسْتِسْعَاءِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَكُلُّ مَنْ قَالَ: هُوَ حُرٌّ حِينَ عَتَقَ بَعْضُهُ: أَنَّ وَلَاءَهُ كُلَّهُ لِلَّذِي أَعْتَقَ بَعْضَهُ: عَتَقَ عَلَيْهِ، أَوْ بِالِاسْتِسْعَاءِ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ، أَوْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ: فَإِنَّ ابْنَ لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْعَبْدِ، وَيَرْجِعُ الْعَبْدُ إذَا اسْتَسْعَى بِمَا أَدَّى عَلَى الَّذِي ابْتَدَأَ عِتْقَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَغَيْرُهُ: لَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ. فَوَجَدْنَا قَوْلَ رَبِيعَةَ يُشْبِهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِ مِنْ هِبَةِ الْمُشَاعِ وَمِنْ الصَّدَقَةِ بِالْمُشَاعِ، وَمِنْ إجَارَةِ الْمُشَاعِ، وَرَهْنِ الْمُشَاعِ. وَقَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى الْقَاضِي فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمُشَاعِ، وَرَهْنِ الْمُشَاعِ، وَيَحْتَجُّ لَهُ بِمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَكَرْنَا. وَلَيْسَ كُلُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَالنَّظَرَ يُخَالِفُ كُلَّ ذَلِكَ -: أَمَّا النَّصُّ: فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا النَّظَرُ: فَكُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ نَصٌّ، وَقَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَأَمَرَنَا بِالرَّهْنِ، وَأَبَاحَ الْبَيْعَ، وَالْإِجَارَةَ، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَمْنَعْ النَّصُّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِذَلِكَ: بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ.

فَقُلْنَا: وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: كَمَا لَا تَكُونُ امْرَأَةٌ بَعْضُهَا مُطَلَّقَةٌ، وَبَعْضُهَا زَوْجَةٌ. فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولُوا: إذَا وَقَعَ هَذَا أُعْتِقَ كُلُّهُ، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَ بَعْضَهَا. وَقَالُوا: هَذَا ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ، وَقَدْ جَاءَ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ". فَقُلْنَا: افْتِرَاقُ الْمِلْكِ أَيْضًا ضَرَرٌ فَامْنَعُوا مِنْهُ، وَأَعْظَمُ الضَّرَرِ مَنْعُ الْمُؤْمِنِ مِنْ عِتْقِ حِصَّتِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّقَاوُمِ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى إخْرَاجِ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ نَصٌّ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَرَبِيعَةَ -: فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَجِهِمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ كَانَ لَهُمْ غُلَامٌ فَأَعْتَقُوهُ كُلُّهُمْ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَشْفِعُ بِهِ عَلَى الرَّجُلِ فَوَهَبَ الرَّجُلُ نَصِيبَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُ، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْمُهُ رَافِعُ أَبُو الْبَهَاءِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى مَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِمَالِهِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُعْتَقَ عَلَى الْمُوسِرِ وَيُسْتَسْعَى إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا - فَبَطَلَ بِهَذَا الْحُكْمِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ. وَقَالُوا: هُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ. فَقُلْنَا: عَارَضُوا بِهَذَا الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ السُّنَنَ لِأَقَلَّ مِنْ هَذَا، كَمَا فَعَلُوا فِي " الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " وَفِي عِتْقِ صَفِيَّةَ وَجَعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَتَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ

نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ - هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَنْبَرِيُّ - عَنْ ابْنِ الثَّلْبِ عَنْ أَبِيهِ " رَجُلًا أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَهَذَا عَنْ ابْنِ الثَّلْبِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِتْقِ نَصِيبِهِ وَبَيْنَ بَيْعِ نَصِيبِهِ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى أَنْ تُتَّبَعَ، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَقَدْ حَكَمْتُمْ بِالْعَاقِلَةِ وَلَمْ تُبْطِلُوهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَحَكَمْتُمْ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ تَقُولُوا: كُلُّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِحَقِّهِ. وَقَالُوا: لَوْ ابْتَدَأَ عِتْقُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَمْ يَنْفُذْ، فَكَذَلِكَ، بَلْ أَحْرَى أَنْ لَا يَنْفُذَ إذَا لَمْ يَعْتِقْهُ، لَكِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَ نَفْسِهِ، وَقَدْ جَاءَ لَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ. فَقُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ كَمَا ذَكَرْتُمْ، وَكُلُّهُ لَا يُعَارَضُ بِهِ النَّصُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُضْرَبُ السُّنَنُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. وَقَالُوا: لَوْ أَعْتَقَا مَعًا لَجَازَ، فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَمْلَكُ بِحَقِّهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُشْبِهٍ لِعِتْقِهِ بَعْدَ عِتْقِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَعَ عِتْقِ شَرِيكِهِ مَعًا، وَأَنْ يَهَبَ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَبِيعَ بَعْدَ عِتْقِ شَرِيكِهِ، وَلَا أَنْ يَهَبَ، وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَكُلُّ هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُشْغَبَ بِهِ لَوْ لَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَأَمَّا وَقَدْ جَاءَ مَا يَخُصُّ هَذَا كُلَّهُ فَلَا يَحِلُّ خِلَافُ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَخَالَفُوا صَاحِبًا لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَخَالَفُوا أَثَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ، وَهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ، وَخَالَفُوا الْقِيَاسَ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ أَصْلًا. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَتَعَلَّقَ بِحَدِيثٍ نَاقِصٍ عَنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَاءَ غَيْرُهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ فِي تَخْصِيصِهِ الْجَارِيَةَ الرَّائِعَةَ، فَقَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلًا

وَاسْتِدْلَالُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الدَّاخِلَ عَلَيْهِمْ بِالشَّرِكَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْوَطْءِ هُوَ بِعَيْنِهِ وَلَا زِيَادَةَ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِمْ فِي عِتْقِ بَعْضِهَا وَلَا فَرْقَ، وَكِلْتَاهُمَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا فَرْقَ، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ: فَإِنَّ الْحُجَّةَ لَهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ نَافِعٌ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَةٍ لِمَا أَسَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يَحْيَى بْنُ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي عَبْدٍ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكْمِلَ عِتْقَهُ بِقِيمَةِ عَدْلٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَوَّلُ - إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ مَنْ لَهُ وَفَاءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَنْ لَا وَفَاءَ عِنْدَهُ - وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غَيْلَانَ - وَلَا نَعْرِفُهُ - وَأَخْلَقَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا؟ قَالَ: يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ» . وَأَمَّا الثَّانِي، وَالثَّالِثُ - فَصَحِيحَانِ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا، فَأَخْذُ الزِّيَادَةِ أَوْلَى وَلَوْ لَمْ يَأْتِ إلَّا هَذَانِ الْخَبَرَانِ لَمَا تَعَدَّيْنَاهُمَا. وَقَالُوا: جَنَى عَلَى شُرَكَائِهِ فَوَجَبَ تَضْمِينُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا جَنَى شَيْئًا، بَلْ أَحْسَنَ وَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنْ عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَجْعَلُونَ خَبَرَ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ حُجَّةً لِقَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي أَنَّ الْمُعْتَدِيَ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةَ مَا أَفْسَدَ، لَا مِثْلَ مَا أَفْسَدَ، فَإِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ إفْسَادٌ - وَهُمْ أَصْحَابُ تَعْلِيلٍ وَقِيَاسٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ زُفَرَ هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ أَبْطَلُوا تَعْلِيلَهُمْ، وَنَقَضُوا قِيَاسَهُمْ، وَأَفْسَدُوا احْتِجَاجَهُمْ وَتَرَكُوا مَا أَصَّلُوا، وَهَذِهِ صِفَاتٌ شَائِعَةٌ فِي أَكْثَرِ أَقْوَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ، وَلَا احْتِيَاطٍ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ. وَمَا وَجَدْنَاهُمْ مَوَّهُوا إلَّا بِكَذِبٍ فَاضِحٍ مِنْ دَعْوَاهُمْ: أَنَّ قَوْلَهُمْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَكَذَبُوا كَمَا يَرَى كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِمَّا أَوْرَدْنَا. وَحَكَمُوا بِالِاسْتِسْعَاءِ، وَخَالَفُوا حَدِيثَ الِاسْتِسْعَاءِ فِي إجَازَتِهِمْ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ أَنْ يَعْتِقَ، وَأَنْ يَضْمَنَ فِي حَالِ إعْسَارِ الشَّرِيكِ، وَأَجَازُوا لَهُ أَنْ يَعْتِقَ، وَمَنَعُوهُ أَنْ يَحْتَبِسَ. ثُمَّ أَتَوْا بِمَقَايِيسَ سَخِيفَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَهُمْ قَدْ يَعْجِزُ فَيُرَقُّ، وَلَا يُرَقُّ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَسْعَى، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُفَارِقُوا فِيهِ الْكَذِبَ الْبَارِدَ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ كُلَّ فَصْلٍ مِنْ قَوْلِنَا مَوْجُودٌ فِي حَدِيثٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ. قُلْنَا: وَمَوْجُودٌ أَيْضًا خِلَافُهُ بِعَيْنِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتُمْ مَا أَخَذْتُمْ وَتَرَكْتُمْ مَا تَرَكْتُمْ هَكَذَا مُطَارَفَةً؟ وَأَيْضًا - فَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ خِيَارٌ فِي تَضْمِينِ الْمُوسِرِ أَوْ تَرْكِ تَضْمِينِهِ، وَلَا رُجُوعَ الْمُوسِرِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا تَضْمِينَ الْعَبْدِ فِي حَالِ يَسَارِ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ لَا مُتَعَلَّقَ لَهَا أَصْلًا وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا وَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا، وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ «وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ» وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا، لَا ثِقَةٌ وَلَا ضَعِيفٌ، وَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْمُعْسِرِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَدْ " عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " وَبَقِيَ حُكْمُ الْمُعْسِرِ فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ لَفْظَةَ «وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ، وَلَسْنَا نَلْتَفِتُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، لَكِنْ يَنْبَغِي طَلَبُ الزِّيَادَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ صَحِيحَةً وَجَبَ الْأَخْذُ بِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا - فَوَجَدْنَا الْحُجَّةَ لَهُ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسْلِمٌ - هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ الْكَشِّيُّ - نا أَبَانُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - نا قَتَادَةُ نا النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، وَأَبُو النُّعْمَانِ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - قَالَ أَحْمَدُ: نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ قَتَادَةَ، وَقَالَ أَبُو النُّعْمَانِ: نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي عَبْدٍ عَتَقَ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَقَدْ سَمِعَ قَتَادَةُ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ.

مسألة عتق بعض العبد

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ نا أَبُو هِشَامٍ نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ نا قَتَادَةُ نا النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ بَقِيَّتَهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرُ: شُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ فَلَمْ يَذْكُرُوا مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ثِقَةٌ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، وَأَبَانُ، وَهُمَا ثِقَتَانِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ هَمَّامًا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ؟ قُلْنَا: صَدَقَ هَمَّامٌ، قَالَ قَتَادَةُ مُفْتِيًا بِمَا رَوَى، وَصَدَقَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَجَرِيرٌ، وَأَبَانُ، وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ، وَغَيْرُهُمْ، فَأَسْنَدُوهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُ قَتَادَةَ هَذَا لَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِالتَّضْمِينِ: جُمْلَةً زَائِدَةً عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ، فَكَانَ يَكُونُ الْقَوْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَهَذَا لَا مُخَلِّصَ لَهُ عَنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ حُرٌّ سَاعَةَ يُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَإِنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ " ثُمَّ يُعْتَقُ " وَكَانَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ الَّتِي ذَكَرْنَا " عَتَقَ كُلُّهُ " فَكَانَتْ هَذِهِ زِيَادَةً لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، فَإِذْ قَدْ عَتَقَ كُلُّهُ فَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا رُجُوعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ - فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْزَمَ الْغَرَامَةَ لِلْمُعْتِقِ فِي يَسَارِهِ وَأَلْزَمَهَا الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ فِي إعْسَارِ الْمُعْتِقِ وَلَمْ يَذْكُرْ رُجُوعًا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْقَضَاءُ بِرُجُوعٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدُ فَلَا غَرَامَةَ عَلَى الْمُعْتِقِ لَكِنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَهَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ. وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِتْق بَعْض الْعَبْد] 1668 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ بِلَا اسْتِسْعَاءٍ، وَلَوْ أَوْصَى

مسألة من ملك ذا رحم محرم منه

بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدِهِ أَعْتَقَ مَا أَوْصَى بِهِ وَأَعْتَقَ بَاقِيهِ وَاسْتُسْعِيَ فِي قِيمَةِ مَا زَادَ عَلَى مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ ثُلُثُهُ أُعْتِقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ، وَأُعْتِقَ بَاقِيهِ وَاسْتُسْعِيَ لِوَرَثَتِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُعْتَقُ فِي ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ، فَالْوَرَثَةُ شُرَكَاؤُهُ فِيمَا أَعْتَقَ - وَلَا مَالَ لِلْمَيِّتِ -: فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَسْعَى لَهُمْ -: رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: مَنْ أَعْتَقَ ثُلُثَ مَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ عَتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَكَمِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ فَمِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ اُسْتُسْعِيَ لِلْوَرَثَةِ وَعَتَقَ كُلُّهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ فِي صِحَّتِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ وَاسْتُسْعِيَ لَهُ فِي بَاقِيهِ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِهِ عَتَقَ مِنْهُ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَسَعَى لِلْوَرَثَةِ فِي الْبَاقِي، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ - وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ جُمْلَةً. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ فِي صِحَّتِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ كُلَّهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أُعْتِقَ عَلَيْهِ بَاقِيه مَا حُمِلَ مِنْهُ الثُّلُثُ وَيَبْقَى الْبَاقِي رَقِيقًا، فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ بَعْضِ عَبْدِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إلَّا مَا أَوْصَى بِهِ فَقَطْ - وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يُعْتِقُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ غُلَامِهِ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَة مِنْ مُلْك ذَا رَحِم محرم مِنْهُ] 1669 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يَمْلِكُهُ، فَإِنْ مَلَكَ بَعْضَهُ

لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ، إلَّا الْوَالِدَيْنِ خَاصَّةً، وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ فَقَطْ، فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ كُلُّهُمْ - إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَحْمِلُ قِيمَتَهُمْ اسْتُسْعُوا. وَهُمْ كُلُّ مَنْ: وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ أَبٍ. وَكُلُّ مَنْ: وَلَدَهُ هُوَ مِنْ جِهَةِ وَلَدٍ أَوْ ابْنَةٍ، وَالْأَعْمَامُ، وَالْعَمَّاتُ - وَإِنْ عَلَوْا كَيْفَ كَانُوا لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَالْأَخَوَاتُ وَالْإِخْوَةُ كَذَلِكَ. وَمَنْ نَالَتْهُ وِلَادَةُ أَخٍ أَوْ أُخْتٍ بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ أُجْبِرَ عَلَى ابْتِيَاعِهِمْ بِأَغْلَى قِيمَتِهِمْ وَعِتْقِهِمْ إذَا أَرَادَ سَيِّدُهُمْ بَيْعَهُمْ، فَإِنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ أَوْ مَلَكَ ذَا مَحْرَمٍ بِغَيْرِ رَحِمٍ - لَكِنْ بِصِهْرٍ أَوْ وَطْءِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ - لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهُمْ وَلَهُ بَيْعُهُمْ إنْ شَاءَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَعْتِقُ إلَّا مَنْ وَلَدَهُ، مِنْ جِهَةِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، أَوْ مَنْ وَلَدَهُ هُوَ كَذَلِكَ، أَوْ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَقَطْ. وَلَا يَعْتِقُ الْعَمُّ وَلَا الْعَمَّةُ، وَلَا الْخَالُ وَلَا الْخَالَةُ، وَلَا مَنْ وَلَدَ الْأَخُ أَوْ الْأُخْتُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ، وَلَا رُوِيَ عَنْهُمْ: أَنَّ مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ لَا يَعْتِقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَعْتِقُ إلَّا مَنْ وَلَدَهُ مِنْ جِهَةِ أَبٍ أَوْ أُمٍّ، وَمَنْ وَلَدُهُ هُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَعْتِقُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، لَا أَخٌ وَغَيْرُهُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: يَعْتِقُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمَةٍ حَتَّى ابْنُ الْعَمِّ وَابْنُ الْخَالِ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ عَلَيْهِ وَيَسْتَسْعِيهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، فَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدَ عَتَقَ.

قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ " إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ الْوَلَدَ عَتَقَ " أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُعْتِقُ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إلَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ فَمَا يُحْفَظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عِشْرِينَ مِنْ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ - وَهُمْ أُلُوفٌ - فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] قُلْنَا: أَتِمُّوا الْآيَةَ {وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوَالِدَيْنِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] . قَالُوا: وَلَا يُمْكِنُ خَفْضُ الْجُنَاحِ وَالذُّلِّ لَهُمَا مَعَ اسْتِرْقَاقِهِمَا. قَالُوا: وَأَمَّا الْوَلَدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] . قَالُوا: فَوَجَبَ أَنَّ الرِّقَّ، وَالْوِلَادَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ. قَالُوا: وَأَمَّا الْأَخُ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: 25] . قَالُوا: فَكَمَا لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ كَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ أَخَاهُ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ - هُوَ الْقَارِئُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلًى يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ اشْتَرَى أَخًا لَهُ مَمْلُوكًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ عَتَقَ حِينَ مَلَكْتَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَثَرٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ حَفْصَ بْنَ سُلَيْمَانَ سَاقِطٌ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى سِيءُ الْحِفْظِ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إرْقَاقُ مَنْ عَدَا الْأَخِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: 25] فَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَخْلِيطٌ سَمِجٌ. وَلَوْ كَانَ هَذَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْأَخَ يُمْلَكُ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ

إثْبَاتُ الْمِلْكِ عَلَى الْأَخِ وَالنَّفْسِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ لِأَحَدٍ مِلْكُ رِقٍّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُحَالًا مِلْكُ أَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْأَخِ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ فِي الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَصْرِفُ أَخَاهُ كَذَلِكَ وَلَا يُطِيعُهُ، فَفَسَدَ هَذَا الْقِيَاسُ الْبَارِدُ الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِأَسْخَفَ مِنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُسْتَدَلَّ مِنْ هَذَا عَلَى عِتْقِ الِابْنِ وَلَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لَا أَوْلَادٌ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَوَجَبَ عِتْقُ الزَّوْجَةِ وَالشَّرِيكِ - إذَا مُلِكَا - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى انْتَفَى عَنْ الْوَلَدِ سَوَاءً سَوَاءً، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكُلَّ عَبِيدُهُ وَلَا فَرْقَ فَسَقَطَ احْتِجَاجُهُمْ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] فَافْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرَ الْأَبَوَيْنِ وَجَزَاؤُهُمَا هُوَ مِنْ شُكْرِهِمَا، فَجَزَاؤُهُمَا فَرْضٌ، فَإِذْ هُوَ فَرْضٌ، وَجَزَاؤُهُمَا لَا يَكُون إلَّا بِالْعِتْقِ فَعِتْقُهُمَا فَرْضٌ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ نَظَرْنَا: فِيمَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيِّ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ فُرِضَ إلَى الْعَبِيدِ، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ عِتْقَهُمْ فَرْضًا، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ فِي ابْنِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْخَال لَوَجَبَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِهَذَا ابْنَ الْعَمِّ، وَابْنَ الْخَالِ: دُونَ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ ابْنِ الْخَالِ، وَهَكَذَا صَعَدًا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا

عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ - وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ» فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ كُلُّ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ - وَقَدْ تَعَلَّلَ فِيهِ الطَّوَائِفُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنَّ ضَمْرَةَ انْفَرَدَ بِهِ وَأَخْطَأَ فِيهِ. فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا إذَا انْفَرَدَ بِهِ؟ وَمَتَى لَحِقْتُمْ بِالْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنْ لَا تَقْبَلُوا مَا رَوَاهُ الْوَاحِدُ عَنْ الْوَاحِدِ، وَكَمْ خَبَرٌ انْفَرَدَ بِهِ رَاوِيهِ فَقَبِلْتُمُوهُ، وَلَيْتَكُمْ لَا تَقْبَلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، كَابْنِ لَهِيعَةَ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَغَيْرِهِ. فَأَمَّا دَعْوَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَهَذَا مَوْضِعٌ قَبِلَهُ الْحَنَفِيُّونَ وَقَالُوا بِهِ، وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِهِ عِلَّةً، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ، إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ السَّيِّدُ» فَقَالُوا انْفَرَدَ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَخْطَأَ فِيهِ، فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَى الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحًا وَعَمِلُوا بِهِ، وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ فِيهِ حُجَّةٌ فِي رَدِّهِ وَتَرْكِهِ، وَرَأَى الْحَنَفِيُّونَ انْفِرَادَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهَذَا الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ وَرَدِّهِ، وَلَمْ يَرَوْا انْفِرَادَ ضَمْرَةَ بِذَلِكَ الْخَبَرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِهِ وَرَدِّهِ، فَهَلْ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى التَّلَاعُبِ بِالدَّيْنِ وَقِلَّةِ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ بِاتِّبَاعِ الْهَوَى. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ وَقَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ» فَصَحَّحَ الْحَنَفِيُّونَ هَذَا الْخَبَرَ وَرَأَوْهُ حُجَّةً وَقَالُوا: لَا يَضُرُّهُ مَا قِيلَ: أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَالْمُنْقَطِعُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مُرْسَلٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثٌ» فَقَالُوا: لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةً. وَقَلَبَ الْمَالِكِيُّونَ هَذَا الْعَمَلَ فَرَأَوْا رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ حُجَّةً لَا يَضُرُّهُ مَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ، وَالْمُنْقَطِعُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَرَوْا

خَبَرَ عِتْقِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ حُجَّةً؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا، وَالْمُنْقَطِعُ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَنَصَحَ نَفْسَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَتْ الْأَقْوَالُ إلَّا قَوْلُنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا أَبُو عَاصِمٍ - هُوَ الضَّحَّاكُ ابْنُ مَخْلَدٍ - نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ. وَبِهِ إلَى بِنْدَارَ نا غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ شُعْبَةُ عَنْ غَيْلَانَ وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ - هُوَ ابْنُ الْأَحْنَفِ - أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّ عَمِّي زَوَّجَنِي جَارِيَةً لَهُ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَرِقَّ وَلَدِي؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَهُوَ حُرٌّ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَا جَمِيعًا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ عَتَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا مُلِكَ الْأَخُ، وَالْأُخْتُ، وَالْعَمَّةُ، وَالْخَالَةُ عَتَقُوا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَا جَمِيعًا: كُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ عَتَقَ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَصَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ: مَنْ مَلَكَ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَتَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَقَتَ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً لَهُ أَرْضَعَتْ وَلَدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا حُجَّةً إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ: أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقِيسُوا الْأُمَّ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالْأَبَ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالْأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ: عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ كُلِّ قِيَاسٍ قَالُوا بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ قَالُوا: إنَّ السُّنَّةَ تُوجِبُ أَنْ يُعْتَقَ ذَوُو الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْضًا وَلَا بُدَّ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامٌ نا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ» . وَوَجَدْنَا " يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ، وَمِنْ النَّسَبِ " تَمَادِي مِلْكِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ وَذِي نَسَبٍ مَحْرَمٍ، فَوَجَبَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَحْرُمَ تَمَادِي الْمِلْكِ فِيمَنْ يَمُتُّ بِالرَّضَاعَةِ كَذَلِكَ وَلَا بُدَّ. فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ فَوَجَدْنَاهُ شَغَبِيًّا -: أَوَّلُ ذَلِكَ - أَنَّ مِلْكَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لَيْسَ حَرَامًا، بَلْ هُوَ صَحِيحٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ» فَأَوْقَعَ الْمِلْكَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَلْزَمَ الْعِتْقَ، وَلَوْلَا صِحَّةَ مِلْكِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ.

مسألة عتق من هو محتاج إلى ثمن مملوكه أو غلته أو خدمته

ثُمَّ وَجَدْنَا قَوْلَهُمْ: إنَّ تَمَادِيَ مِلْكِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ يَحْرُمُ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا إلَّا تَحْرِيمَ تَمَادِي الْمِلْكِ لَكَانَ الْعِتْقُ لَا يَجِبُ وَلَا بُدَّ، بَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَهَبَهُ فَيَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ، أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَيَبْطُلُ بِهَذَا مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَمَادِيَ الْمِلْكِ يَحْرُمُ، وَكَانَ الْحَقُّ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ عَقِيبَ الْمِلْكِ بِلَا فَصْلٍ وَلَا مُهْلَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّهُ يَجِبُ فِي الرَّضَاعِ مَا يَجِبُ فِي النَّسَبِ، وَمَا يَجِبُ فِي الرَّحِمِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا لَوَجَبَ الْعِتْقُ كَمَا قَالُوا وَإِنَّمَا قَالَ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ وَمِنْ الرَّحِمِ» فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ وَالتَّلَذُّذُ فَقَطْ، فَهُوَ حَرَامٌ فِيهِمَا مَعًا، وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ بَعْضَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ فَلَمْ يَمْلِكْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ، إذْ لَمْ يُوجِبْ النَّصُّ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْوَالِدَيْنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا جَرِيرُ - هُوَ ابْنُ حَازِمٍ - عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالِدَهُ " وَاتَّفَقَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَيْهِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ» . وَاسْمُ " الْوَالِدِ " يَقَعُ عَلَى الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، مَا لَمْ يَخُصَّهُمَا نَصٌّ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَا يَشْتَرِي بِهِ الرَّقَبَةَ الْوَاجِبَةَ لِلْعِتْقِ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ» فَوَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ عَلَى أَبِيهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْيَتِيمُ أُمُّهُ مُحْتَاجَةٌ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً أَتُعْتَقُ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يُكْرَهُ عَلَى إعْتَاقِهَا إنْ لَمْ يَتَمَتَّعُوا بِهَا وَيَحْتَاجُوهُ. [مَسْأَلَة عِتْقُ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِ مَمْلُوكِهِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ] 1670 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِ مَمْلُوكِهِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ، إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ كَمَا

مسألة عتق من لا يبلغ والسكران والمجنون والمكره وغير ذلك

ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا، غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، وَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ بِحُكْمِ السُّلْطَانِ وَبِغَيْرِ حُكْمِ السُّلْطَانِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ» . فَإِنْ قِيلَ: هَذَا حَدِيثُ الْمُدَبَّرِ نَفْسَهُ، رَوَاهُ: عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهُ قُلْنَا: لَوْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ لَكَانَ مَا قُلْتُمْ حَقًّا، وَأَمَّا إذْ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَا خَبَرَيْنِ فِي عَبْدَيْنِ يَبْتَاعُهُمَا مَعًا نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ، فَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمَا خَبَرٌ وَاحِدٌ، فَيَكُونُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَاذِبًا، قَافِيًا مَا لَا عَلِمَ لَهُ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، فَمَا يُبَالِي أَعْتَقَهُ أَوْ لَمْ يَعْتِقْهُ، وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ، بَلْ هُوَ حُرٌّ وَلَا بُدَّ. وَمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَلَا غِنًى بِهِ عَنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَلَمْ يَعْتِقْهُ، فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ؛ مَنْ أَعْتَقَ وَالِدَيْنِ مُحِيطٌ بِمَالِهِ رُدَّ عِتْقُهُ - وَلَا نَصَّ لَهُ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَة عِتْق مِنْ لَا يَبْلُغ والسكران وَالْمَجْنُون والمكره وَغَيْر ذَلِكَ] 1671 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ لَا يَبْلُغُ وَلَا عِتْقُ مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْ سَكْرَانَ أَوْ مَجْنُونٍ، وَلَا عِتْقَ مُكْرَهٍ، وَلَا مَنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ، لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الدَّعْوَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَمَنْ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى لَوْ كَفَرَ بِكَلَامٍ لَا يَدْرِي مَا هُوَ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ وَالْمُكْرَهُ لَا نِيَّةَ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ، وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ أَخْلَصَ لِلَّهِ الدِّينَ بِمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الْعِتْقِ، فَهُوَ بَاطِلٌ.

وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» . وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: عِتْقُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ - وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ؟ وَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ حَارَبَ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ فَأَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ فِي رَأْسِهِ خَبَلَتْ عَقْلَهُ، أَتُجِيزُونَ عَتَاقَهُ؟ وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَذَا، وَهُوَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَمَّنْ تَزَنَّك عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطَعَ لَحْمَ سَاقَيْهِ وَكَوَى ذِرَاعَيْهِ عَبَثًا أَتُجِيزُونَ لَهُ الصَّلَاةُ جَالِسًا أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ بِالْمَعْصِيَةِ وَعَمَّنْ سَافَرَ فِي قَطَعَ الطَّرِيقَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَخَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ أَيَتَيَمَّمُ أَمْ لَا؟ وَكُلُّ هَذَا يَنْقُضُونَ فِيهِ هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عِتْقُ الْمُكْرَهِ جَائِزٌ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ - وَمَا نَعْلَمُ لِلْحَنَفِيِّينَ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا آثَارًا فَاسِدَةً فِي الطَّلَاقِ خَاصَّةً وَلَيْسَ الْعَتَاقُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ «بِثَلَاثِ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ» فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَتَاقَ - وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّنَا لَسْنَا مَعَهُمْ فِيمَنْ هَزَلَ فَأَعْتَقَ، إنَّمَا نَحْنُ مَعَهُمْ فِيمَنْ أُكْرِهَ فَأَعْتَقَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ - عَلَى نَحْسِهِ وَوَضْعِهِ - ذِكْرُ إكْرَاهٍ - ثُمَّ لَا يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ، وَلَا إقْرَارَهُ، وَلَا هِبَتَهُ -: وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَتَمَامُهَا فِي الَّتِي بَعْدَهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة العتق إلى أجل

[مَسْأَلَة الْعِتْق إلَى أَجَل] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى - قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ - مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا، أَوْ إلَى سَنَةٍ، أَوْ إلَى بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا جَاءَ أَبِي، أَوْ إذَا أَفَاقَ فُلَانٌ، أَوْ إذَا نَزَلَ الْمَطَرُ، أَوْ نَحْوُ هَذَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الْأَجَلُ، فَإِنْ بَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِلْكِهِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْعَقْدُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي عَقْدِهِ ذَلِكَ أَصْلًا، إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعِتْقَ إمَّا وَصِيَّةٌ، وَإِمَّا نَذْرٌ، وَكِلَاهُمَا عَقْدٌ صَحِيحٌ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْوَفَاءِ بِهِمَا، فَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ طَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةَ: لَمْ يَجُزْ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَتَّى يَقُولَ: لِلَّهِ، وَهَذَا حَقٌّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبِرٌّ وَقُرْبَةٌ إلَيْهِ تَعَالَى، فَكُلُّ عِبَادَةٍ وَقُرْبَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ بِهَا فَهِيَ بَاطِلٌ مَرْدُودَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ فَاسِدَةٌ -: مِنْهَا «مَنْ أَعْتَقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ» وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَرْبَعٌ مُقْفَلَاتٌ لَا يَجُوزُ فِيهِنَّ الْهَزْلُ: الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقَةُ، وَالنَّذْرُ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ سَعِيدٌ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ خِلَافُ قَوْلِهِمْ، بَلْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَا يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّذْرِ، فَإِذْ لَا يَجُوزُ فِيهَا فَهِيَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ بِهِ، هَذَا مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَمَا يُرِيدُونَ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَمْرٍو - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ

وَهُوَ غَيْرُ ثِقَةٍ - عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ: ثَلَاثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ وَالْجَادُّ سَوَاءٌ الطَّلَاقُ، وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ. ثُمَّ هُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ صَدَقَةَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا - فَبَعْضُ كَلَامٍ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ حُجَّةً، وَبَعْضُهُ لَيْسَ حُجَّةً، هَذَا اللَّعِبُ بِالدِّينِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -: ثَلَاثٌ اللَّاعِبُ فِيهِنَّ كَالْجَادِّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ - هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ الْحَسَنُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ -: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، - جَابِرٌ كَذَّابٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَاهِرُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ، وَهُوَ إبْطَالُ اللَّعِبِ فِيهِنَّ فَإِذًا بَطَلَ مَا وَقَعَ مِنْهَا بِاللَّعِبِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بَلَغَنِي أَنَّ مَرْوَانَ أَخَذَ مِنْ عَلِيٍّ: أَرْبَعٌ لَا رُجُوعَ فِيهِنَّ إلَّا بِالْوَفَاءِ -: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنَّذْرُ وَنَعَمْ، كُلُّ هَذِهِ إذَا وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَالْوَفَاءُ بِهَا فَرْضٌ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ كَمَا أَمَرَ إبْلِيسُ، فَلَا وَلَا كَرَامَةَ لِلْآمِرِ وَالْمُطِيعِ - ثُمَّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرٌ لِلْإِكْرَاهِ عَلَى الْعِتْقِ وَجَوَازُهُ، فَوَضَحَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَأْتِ الْأَجَلُ، فَلِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحُرِّيَّةَ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْآجَالِ الْمَذْكُورَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ ذَلِكَ الْأَجَلُ وَالْعَبْدُ مَيِّتٌ، أَوْ السَّيِّدُ مَيِّتٌ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ بِمَجِيءِ ذَلِكَ الْأَجَلِ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَكُلُّ شَيْءٍ بَطَلَ بِحَقٍّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِعَوْدَتِهِ وَلَا نَصَّ فِي عَوْدَةِ هَذَا الْعَقْدِ بَعْدَ بُطْلَانِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا رُجُوعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ، إلَّا بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ فَقَطْ؛ فَلِأَنَّهَا كُلَّهَا عُقُودٌ صِحَاحٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إبْطَالُهُ،

مسألة عتق العبد الكتابي

إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِكَيْفِيَّةِ إبْطَالِهِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ عَقْدٍ صَحِيحٍ أَصْلًا، إلَّا حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ بِذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة عِتْق الْعَبْد الْكِتَابِيّ] 1673 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ عِتْقُ عَبْدِهِ الْكِتَابِيِّ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَأَرْضِ الْحَرْبِ - مَلِكَهُ هُنَالِكَ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ - لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» . وَلِحَضِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْعِتْقِ جُمْلَةً، إلَّا أَنَّ عِتْقَ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ أَجْرًا، وَكَذَلِكَ عِتْقُ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ جَائِزٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا «قَوْلَ حَكِيمٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» فَجَعَلَ عِتْقَ الْعَبْدِ الْكَافِرِ خَيْرًا. فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ سَيِّدُهُ الْمُسْلِمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ عُمُومًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا لَمْ يَتَوَارَثَا، لِاخْتِلَافِ الدِّينِ. [مَسْأَلَة إسلام الْعَبْد] 1674 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ أَوْ الْحَرْبِيِّ عَبْدٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَا مَعًا فَهُوَ عَبْدُهُ، كَمَا كَانَ، فَلَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ سَيِّدِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَهُوَ حُرٌّ سَاعَةَ يُسْلِمُ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَالرِّقُّ أَعْظَمُ السَّبِيلِ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ، وَمَا نَدْرِي لِلْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ حُكْمًا، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِنَظَرٍ. فَإِنْ قِيلَ: أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْكُفَّارِ.

مسألة عتق ولد الزنا

قُلْنَا: هَذِهِ حُجَّتُنَا، وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ بِالْخُرُوجِ أَعْتَقَهُ - وَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطُّ ذَلِكَ. ثُمَّ يَقُولُونَ: إنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْكَافِرِ بِيعَ عَلَيْهِ؟ فَقُلْنَا: لِمَاذَا تَبِيعُونَهُ؟ أَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِلْكُهُ لَهُ؟ أَمْ لِنَصٍّ وَرَدَ فِي بَيْعِهِ - وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ مِلْكَهُ لَهُ لَا يَجُوزُ. قُلْنَا: فَإِذْ لَا يَحِلُّ مِلْكُهُ لَهُ فَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِلَا شَكٍّ، وَإِلَّا فَكَلَامُكُمْ مُخْتَلِطٌ مُتَنَاقِضٌ، وَإِذْ قَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَعْدُ مِلْكٍ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِلَا شَكٍّ حُرٌّ، إذْ هَذِهِ صِفَةُ الْحُرِّ. وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ لَهُ جَائِزًا فَبَيْعُكُمْ إيَّاهُ ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ وَجَوْرٌ. وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا قَضَيْتُمْ بِهِ مِنْ إبْقَائِهِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ حَتَّى يُبَاعَ؟ وَلَعَلَّهُ لَا يَسْتَبِيعُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ - وَبَيْنَ مَنْعِكُمْ مِنْ مِلْكِهِ مُتَمَادِيًا؟ وَهَذَا مَا لَا سَبِيل لَهُ إلَى وُجُودِ فَرْقٍ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ - وَأَمَّا سُقُوطُ الْوَلَاءِ عَنْهُ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ، وَلَا وَلَاءَ إلَّا لِلْمُعْتِقِ، أَوْ لِمَنْ أَوْجَبَهُ النَّصُّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِتْق وَلَد الزِّنَا] 1675 - مَسْأَلَةٌ: وَعِتْقُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ مَمْلُوكَةٌ، وَقَدْ جَاءَتْ أَخْبَارٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ -: مِنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى؟ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، فَعْلَانِ أُجَاهِدُ بِهِمَا - أَوْ قَالَ أُجَهِّزُ بِهِمَا - أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ وَلَدَ الزِّنَى» إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ، وَأَبُو يَزِيدَ الضَّبِّيُّ لَا أَعْرِفُهُ.

مسألة قال السيد أحد عبدي هذين حر

وَعَنْ الصَّحَابَةِ مُرْسَلَةٌ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ هَاهُنَا. [مَسْأَلَة قَالَ السَّيِّد أَحَد عبدي هَذيْنِ حُرّ] 1676 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ حُرٌّ. فَلَيْسَ مِنْهُمَا حُرٌّ وَكِلَاهُمَا عَبْدٌ كَمَا كَانَ، وَلَا يُكَلَّفُ عِتْقَ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ هَذَا بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ حُرًّا، إذْ لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، وَلَا أَعْتَقَ هَذَا الْآخَرَ أَيْضًا بِعَيْنِهِ، فَلَيْسَ أَيْضًا حُرًّا، إذْ لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، فَكِلَاهُمَا لَمْ يَعْتِقْهُ سَيِّدُهُ، فَكِلَاهُمَا عَبْدٌ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ مِلْكِهِ عَنْ يَدِهِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ [مَسْأَلَة مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ] 1677 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَطَمَ خَدَّ عَبْدِهِ أَوْ خَدَّ أَمَتِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ فَهُمَا حُرَّانِ سَاعَتَئِذٍ إذَا كَانَ اللَّاطِمُ بَالِغًا مُمَيِّزًا. وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهُمَا أَوْ حَدَّهُمَا حَدًّا لَمْ يَأْتِيَاهُ فَهُمَا حُرَّانِ بِذَلِكَ. وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَمْلُوكٌ لَا بِمُثْلَةٍ وَلَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ كَانَ اللَّاطِمُ مُحْتَاجًا إلَى خِدْمَةِ الْمَمْلُوكِ الْمَلْطُومِ أَوْ الْأَمَةِ كَذَلِكَ، وَلَا غِنَى لَهُ عَنْهُ أَوْ عَنْهَا - اسْتَخْدَمَهُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا - فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ أَوْ عَنْهَا - فَهِيَ أَوْ هُوَ حُرَّانِ حِينَئِذٍ. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ غُنْدَرٌ: نا شُعْبَةُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ فِرَاسِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ - هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ - يُحَدِّثُ عَنْ زَاذَانَ أَبِي عُمَرَ قَالَ: «دَعَا ابْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ فَرَأَى بِظَهْرِهِ أَثَرًا فَقَالَ لَهُ: أَوْجَعْتُكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَنْتَ عَتِيقٌ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ، فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ» .

اللَّطْمُ لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إلَّا بِبَاطِنِ الْكَفِّ عَلَى الْخَدِّ فَقَطْ، وَهُوَ فِي الْقَفَا الصَّفْعُ. وَحَدِيثُ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ «عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْد بْنِ مُقْرِنٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا بَنِي مُقْرِنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَنَا إلَّا خَادِمٌ وَاحِدٌ فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُهَا، قَالَ: فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا» فَهَذَا أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ فَقَالَ لَهُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ» . قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذَا أَمْرٌ بِعِتْقِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَتَى ذَنْبًا بِضَرْبِهِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ النَّارَ، فَلَمَّا أَعْتَقَهُ كَانَتْ حَسَنَةً أَذْهَبَتْ تِلْكَ السَّيِّئَةِ، كَمَا لَوْ فَعَلَ حَسَنَةً أُخْرَى تُوَازِيهَا أَوْ تُرْبِي عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . وَأَمَّا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعِتْقِهِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] . فَمَنْ لَزِمَهُ أَمْرٌ فَلَمْ يُنَفِّذْهُ وَجَبَ إنْفَاذُهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] . وَقَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ بِالْمُثْلَةِ، وَقَالَهُ اللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا رَأَى وَلَاءَهُ لِسَيِّدِهِ الْمُمَثِّلِ بِهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا وَلَاء لَهُ، لَكِنْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ - وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا

عَنْ رَبِيعَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ - وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَمَةً أُقْعِدَتْ عَلَى مَقْلَى فَأَحْرَقَتْ عَجُزَهَا - وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ - لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنَّ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ، فَالْأَوَّلُ: مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ أَبَا قِلَابَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. وَالثَّانِي: مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ ضَعِيفٍ، وَعَنْ مَجْهُولٍ. وَالثَّالِثُ: مُنْقَطِعٌ، أَيْنَ مَالِكٌ مِنْ عُمَرَ؟ وَالرَّابِعُ: مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ، لِأَنَّ مَخْرَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا، وَسُلَيْمَانُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. وَقَدْ صَحَّ خِلَافُ هَذَا عَنْ غَيْرِ عُمَرَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلَ حَيَّانُ الْعَبْدِيُّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَمَّنْ شَجَّ عَبْدَهُ أَوْ كَسَرَهُ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: لِيَكْسُهُ ثَوْبًا أَوْ لِيُعْطِهِ شَيْئًا، فَقَالَ حَيَّانُ: هَكَذَا أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ - وَهُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدِهِ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْتِقَهُ، فَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْعِتْقَ بِالْمُثْلَةِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: «أَنَّ زِنْبَاعًا خَصَى عَبْدًا لَهُ وَجَدَعَ أُذُنَيْهِ وَأَنْفَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ مُثِّلَ بِهِ أَوْ حُرِّقَ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» . وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: كَانَ زِنْبَاعٌ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا - وَهَذَا مَمْلُوءٌ مِمَّا

لَا خَيْرَ فِيهِ: يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، ثُمَّ هُوَ صَحِيفَةٌ - وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ. وَمِنْ طَرِيقٍ جَيِّدَةٍ إلَى مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا جَبَّ عَبْدَهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ» وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ، وَلَا لِصَغِيرٍ، وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ - مَنْ مَثَّلَ بِمَمْلُوكِهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ - وَالنَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقُوا الْحَقَّ» وَابْنُ الْبَيْلَمَانِيّ ضَعِيفٌ مُطْرَحٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُ الْمَالِكِيِّينَ لِصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذِهِ فِي عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ، وَهُوَ قَدْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ إذْ جَعَلَ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ بَلْ أُعْتِقَ عَلَيْهِ عَلَى رَغْمِهِ، وَنَصُّ الْخَبَرِ «أَنَّهُ مَوْلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ» . وَجَعَلُوا الشُّفْعَةَ لِلْغَائِبِ، فَصَارَ حُجَّةً فِيمَا اشْتَهُوا وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِيمَا لَمْ يَشْتَهُوا، وَاحْتَجُّوا مِنْ خَبَرِ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيّ بِعِتْقِ مَنْ مَثَّلَ بِمَمْلُوكِهِ وَخَالَفُوهُ فِي الشُّفْعَةِ وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيُّونَ، وَلَا الشَّافِعِيُّونَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَاهُنَا حُجَّةً إذْ خَالَفَهُ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِذَا وَافَقَهُمْ صَارَ حِينَئِذٍ صَحِيحًا وَحُجَّةً. كَرِوَايَتِهِ فِي أُمِّ الصَّغِيرِ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي. وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَرَدُّ شَهَادَةِ ذِي الْغَمْرِ لِأَخِيهِ، وَشَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَإِجَازَتُهَا لِغَيْرِهِمْ. وَقَدْ رَدَّ الْمَالِكِيُّونَ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَثِيرًا إذَا خَالَفَتْ رَأْيَ مَالِكٍ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا اللَّعِبِ بِالدِّينِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ الْحَنَفِيِّينَ إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا عَلَى النَّدْبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ؛ لِأَنَّ فِي الْخَبَرِ «أَنْتَ حُرٌّ، مَنْ مُثِّلَ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ»

وَهَلَّا قُلْتُمْ مِثْلَ هَذَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ» وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ. وَقَالُوا: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ؟ قُلْنَا: هَبْكُمْ قَدْ صَحَّ لَكُمْ ذَلِكَ - وَهُوَ الْكَذِبُ بِلَا شَكٍّ - فَأَعْتِقُوهُ ثُمَّ أَعْطُوهُ قِيمَتَهُ، بَلْ هَذَا خِلَافٌ آخَرُ جَدِيدٌ مِنْكُمْ لِمَا صَحَّحْتُمْ وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ عَلَى الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَ: أَنَّهُ بَلَغَهُ مِنْ عَدَدِ تَكْبِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَمْزَةَ، وَبَعْثَتِهِ لِقَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُمَا حِكَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ ذَكَرَهُمَا أَصْحَابُ الْمَغَازِي، وَلَمْ تَعِيبُوا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ هَذِهِ الْكِذْبَةَ الَّتِي لَمْ يُشَارِكُّمْ فِيهَا أَحَدٌ، ثُمَّ عَمَلهَا أَيْضًا بَارِدَةً عَلَيْهِ لَا لَهُ. وَقَالُوا: لَعَلَّ عُمَرَ أَعْتَقَهُ لِغَيْرِ الْمُثْلَةِ. فَمُجَاهَرَةٌ قَبِيحَةٌ، لِأَنَّ نَصَّ الْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهَا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ أَحْرَقَهَا فَأَعْتَقَهَا وَجَلَدَهُ، وَقَالَ لَهُ: وَيْحَك أَمَا وَجَدْتَ عُقُوبَةً إلَّا أَنْ تُعَذِّبَهَا بِعَذَابِ اللَّهِ ". وَذَكَرُوا أَيْضًا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَشْعَلَ رَجُلٌ وَجْهَ عَبْدِهِ نَارًا فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ أُتِيَ عُمَرُ بِسَبْيٍ فَأَعْطَاهُ عَبْدًا، قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يُعْتِقُونَ وَيُعَاقِبُونَ - يَعْنِي يُعْطِيه لِمَا أَعْتَقَهُ عَقَبَةَ مَكَانِهِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا مَكْسُورٌ فِي مَوْضِعَيْنِ. رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُولَدْ إلَّا قَبْلَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ، ثُمَّ هَبْك أَنَّهُ صَحَّ فَافْعَلُوا كَذَلِكَ، وَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَكُونُ مَا احْتَجُّوا فِيهِ بِعُمَرَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ حَدًّا، وَأَنَّهُ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْخَيْلِ، وَوَرَّثَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ: حُجَّةً، وَلَا يَكُونُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ مِنْ عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ حُجَّةً هَذَا التَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيَجْعَلُ الْمَالِكِيُّونَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا حُجَّةً، وَلَا يَجْعَلُونَ حُكْمَهُ فِي حَدِيثِ الضَّحَّاكِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَائِرِ مَا خَالَفُوهُ فِيهِ حُجَّةً. وَذَكَرْنَا أَيْضًا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ لَقِيطٍ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَنْدَرٍ

حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِزِنْبَاعِ بْنِ سَلَامَةَ وَأَنَّهُ خَصَاهُ وَجَدَعَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ فَأَغْلَظَ الْقَوْلَ لِزِنْبَاعٍ وَأَعْتَقَهُ» - فَابْنُ لَهِيعَةَ لَا شَيْءَ، وَالْآنَ صَارَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ ضَعِيفًا، وَكَانَ ثِقَةً فِي رِوَايَةِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، أَلَا تَبًّا لِمَنْ لَا يَسْتَحْيِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عِيسَى الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَاءَتْ جَارِيَةٌ إلَى عُمَرَ وَقَدْ أَحْرَقَ سَيِّدُهَا فَرْجَهَا فَقَالَتْ: إنَّ سَيِّدِي اتَّهَمَنِي فَأَقْعَدَنِي عَلَى النَّارِ حَتَّى أَحْرَقَ فَرْجِي فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: هَلْ رَأَى ذَلِكَ عَلَيْك؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَاعْتَرَفْت لَهُ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ عُمَرُ: عَلَيَّ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يُقَادُ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكٍ وَلَا وَلَدٌ مِنْ وَالِدٍ» لَأَقَدْتُهَا مِنْك، ثُمَّ بَرَزَهُ فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْتِ مَوْلَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ حُرِّقَ بِالنَّارِ، أَوْ مُثِّلَ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ -» عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ضَعِيفٌ، وَعَمْرُو بْنُ عِيسَى مَجْهُولٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ فِي عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ، وَفِي أَنْ لَا يُقَادَ مَمْلُوكٌ مِنْ مَالِكٍ، وَرَأَوْهُ حَقًّا فِي ذَلِكَ، وَخَالَفُوهُ فِي الْقَوَدِ مِنْ الْحَرْقِ بِالنَّارِ، وَقَدْ رَآهُ عُمَرُ حَقًّا إلَّا فِي السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ، وَالْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَفِي أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِ الْمُمَثَّلِ. وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ رَأَوْهُ حُجَّةً فِي أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُقَادُ لَهُ مِنْ وَالِدِهِ، وَالْعَبْدَ لَا يُقَادُ لَهُ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يُجِيزُوا خِلَافَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرَوْهُ حُجَّةً فِي جَلْدِهِ فِي التَّعْزِير مِائَةً، وَلَا فِي عِتْقِ الْمُمَثَّلِ بِهِ، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ، أَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا الْعَمَلِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ: أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ رَأَوْا مَا رُوِيَ فِي خَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ إذْ عَقَرَ الْحِمَارَ وَهُوَ مُحِلٌّ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفِيكُمْ مَنْ أَشَارَ إلَيْهِ، أَوْ أَعَانَهُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا» حُجَّةً فِي مَنْعِ أَكْلِ مَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يَرَوْا قَوْلَ عُمَرَ هَاهُنَا " هَلْ رَأَى ذَلِكَ عَلَيْكِ؟ أَوْ اعْتَرَفْتِ لَهُ؟ " حُجَّةً فِي أَنْ لَا يُعْتَقَ الْمُمَثَّلُ بِهِ إذَا عُرِفَ زِنَاهُ بِإِقْرَارٍ

مسألة أعتق عبدا وله مال

أَوْ مُعَايَنَةٍ، وَلَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ لَكَانَ قَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا كَمَا تَرَى بِهَذِهِ الْعُفُونَاتِ الْفَاسِدَةِ وَتَرَكُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ نا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ» فَالْآنَ صَارَ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ صَحِيفَةً، وَلَمْ يَصِرْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كَوْنَهُ صَحِيفَةً إذَا اشْتَهَوْا مَا فِيهَا. وَقَدْ رَأَى الْمَالِكِيُّونَ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ حُجَّةً فِي الْعُهْدَةِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا شَيْءٌ كَانَ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِتْقُهُ، إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وَإِذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] . وَإِذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ] 1678 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ إيَّاهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لِلسَّيِّدِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا غُنْدَرٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لِامْرَأَةٍ سَأَلَتْهَا وَقَدْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا: إذَا أَعْتَقْتِيهِ وَلَمْ تَشْتَرِطِي مَالَهُ فَمَالُهُ لَهُ. وَمِثْلُهُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ: فِي عَبْدٍ كَاتَبَهُ مَوْلَاهُ وَلَهُ مَالٌ وَوَلَدٌ مِنْ سُرِّيَّةٍ لَهُ، أَنَّ مَالَهُ وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ، وَوَلَدَهُ أَحْرَارٌ، وَالْعَبْدُ إذَا أُعْتِقَ كَذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ زِيَادٌ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ قَيْسٌ: عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ فَمَالُهُ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ يَتْبَعُهُ مَالُهُ.

وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي وَمَكْحُولٍ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ يَحْيَى: عَلَى هَذَا أَدْرَكْت النَّاسَ، وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَأَبُو الزِّنَادِ، سَوَاءٌ عَلِمَ سَيِّدُهُ مَالَهُ أَوْ جَهِلَهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لَهُ، وَأَمَّا أَوْلَادُهُ فَلِسَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ حَمْلُ أُمِّ وَلَدِهِ - وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَرَادَ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَقْدِرْ لِأَنَّ حَمْلَهَا رَقِيقٌ. وَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا، أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُعْتِقَ يَتْبَعُهُ مَالُهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ وَلَدُهُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ إذَا فَلَّسَا أَوْ جُرِحَا أُخِذَ مَالُهُمَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِمَا، وَلَمْ يُؤْخَذْ أَوْلَادُهُمَا، وَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ وَاشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ مَالَهُ كَانَ لَهُ، وَلَمْ يَدْخُلْ وَلَدُهُ فِي الشَّرْطِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا رَأَيْنَا حُجَّةً أَفْقَرَ إلَى حُجَّةٍ مِنْ هَذِهِ، وَإِنَّ الْعَجَبَ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةُ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا رَاوٍ مِنْ النَّاسِ، لَا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ. وَالْخِلَافُ فِيهَا أَشْهَرُ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، بَلْ إنَّمَا رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالنَّخَعِيِّ. وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَمَالِكٌ مَعَهُمْ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ: عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ أُمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ الصَّحِيحَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ حُرٌّ، وَالْفَاسِدَةِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ حُرٌّ، وَعَلَى أَبِيهِ قِيمَتُهُ أَوْ فِدَاؤُهُ. وَلَا تَخْلُو أُمُّ وَلَدِ الْعَبْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ، فَوَلَدُهَا لَهُ إمَّا حُرٌّ، وَإِمَّا مَمْلُوكٌ فَتُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، أَوْ لَا تُعْتَقُ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ وَطْءُ أَمَةِ غَيْرِهِ إلَّا بِالزَّوَاجِ، وَإِلَّا فَهُوَ زِنًا، وَالْوَلَدُ غَيْرُ لَاحِقٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةُ غَيْرِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ، وَلَيْسَ فِي الْبَاطِلِ، وَالْكَلَامُ الْمُتَنَاقِضُ الَّذِي يُفْسِدُ بَعْضُهُ بَعْضًا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَمَةً لِلْعَبْدِ لَا يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا إلَّا أَنْ يَنْتَزِعَهَا، وَيَكُونُ وَلَدُهَا لِسَيِّدِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا، هَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ - وَلَا أَصْلَ لَهُ. فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِظُهُورِ فَسَادِهِ. وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَنْعُهُ عِتْقَ أُمِّ وَلَدِهِ وَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أَمَتُهُ مِنْ أَجْلِ جَنِينِهَا، وَهُمْ يُجِيزُونَ عِتْقَ الْجَنِينِ دُونَ أُمِّهِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ عِتْقِ أُمِّهِ دُونَهُ وَهُمَا لِاثْنَيْنِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: كُلُّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ أُمَّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهَا إذَا مَاتَ لَا يُعَدُّ مِنْ الثُّلُثِ، وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فَهُوَ لِلْعَبْدِ، وَمَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - وَسُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: الْمُكَاتَبُ، وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْمُعْتَقُ، وَالْمَوْهُوبُ، وَالْمُتَصَدَّقُ بِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ يَمُوتُ سَيِّدُهَا: فَمَالُهُمْ كُلُّهُمْ لِلْمُعْتَقِ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَالُ الْمُعْتَقِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: مَالُ الْمُعْتَقِ - وَأُمِّ الْوَلَدِ: لِلسَّيِّدِ وَلِوَرَثَتِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ - وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِابْنِ مَسْعُودٍ فَأَعْتَقَهُ، وَقَالَ: أَمَا إنَّ مَالَك لِي، ثُمَّ قَالَ: هُوَ لَك. وَصَحَّ نَحْوُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: مَالُ الْمُعْتَقِ لِسَيِّدِهِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ حَدَّثَنِي «عِمْرَانُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ: أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَكَ وَأَدَعَ مَالَكَ فَأَخْبِرْنِي بِمَالِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِمْرَانَ الْمَسْعُودِيُّ مَوْلَاهُمْ سَمِعَ عَمَّهُ يُونُسَ بْنَ عِمْرَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ» .

هَذَانِ لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْأَعْلَى بْنَ أَبِي الْمُسَاوِرِ ضَعِيفٌ جِدًّا - وَالْآخَرَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ الْقَاسِمَ لَا يَحْفَظُ أَبُوهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ شَيْئًا فَكَيْفَ هُوَ. وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بِيعَ فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَعِتْقُهُ كَذَلِكَ، وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكٍ فَلَا يُشْبِهُ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ جُمْلَةً، وَالْقِيَاسُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا يُشْبِهُهُ لَا عَلَى مَا لَا يُشْبِهُهُ. وَقَالُوا: مَالُ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ. فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مَا هُوَ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، إلَّا أَنْ يَنْتَزِعَهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْحُجَّةَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: فِي الْإِمَاءِ {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] فَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِطَابِ: الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ. وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] . فَصَحَّ أَنَّ صَدَاقَ الْأَمَةِ لَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْفَعُهُ إلَيْهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِإِيتَاءِ الصَّدَاقِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا كُلِّفَ ذَلِكَ، وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِصَدَاقٍ، إنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ فَبَعْدَ الْعَقْدِ، وَوَعَدَهُمْ اللَّهُ بِالْغِنَى فَهُمْ كَسَائِرِ النَّاسِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ مَالُهُ لَهُ فَهُوَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ. ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا ابْنُ وَهْبٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ» . فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قِيلَ: إنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْطَأَ فِيهِ؟ قُلْنَا: إنَّمَا أَخْطَأَ مَنْ ادَّعَى الْخَطَأَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا دَلِيلٍ.

مسألة عتق عبد الولد الصغير واليتيم من قبل الأب أو الوصي

وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا قَوْلَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ " أَخْطَأَ ضَمْرَةُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ سُفْيَانَ: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ ". وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِيَ الْخَطَأَ عَلَى الثِّقَةِ بِلَا بُرْهَانٍ ثُمَّ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ أُولَئِكَ أَنْفُسِهِمْ هَاهُنَا أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَتَعَلَّقَ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِهِمْ: أَخْطَأَ ضَمْرَةُ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى قَوْلِهِمْ: أَخْطَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ، فَهَلْ فِي التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ: فَرَدُّوا الْخَبَرَيْنِ مَعًا، وَأَخَذُوا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِالْخَطَأِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِتْق عَبْد الْوَلَد الصَّغِير واليتيم مِنْ قَبْل الْأَب أَوْ الْوَصِيّ] 1679 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ عِتْقُ عَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَلَا لِلْوَصِيِّ عِتْقُ عَبْدِ يَتِيمِهِ أَصْلًا - وَهُوَ مَرْدُودٌ إنْ فَعَلَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] ، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ لِلْأَبِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ دُونَ الْكَبِيرِ قَدْرَ ذَرَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُعْتِقُ عَبْدَ صَغِيرٍ وَلَا يُعْتِقُ عَبْدَ كَبِيرٍ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِتْقُ الْعَبْدِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِعَبْدِهِمَا] 1680 - مَسْأَلَةٌ: وَعِتْقُ الْعَبْدِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، لِعَبْدِهِمَا جَائِزٌ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، يَدُورُ مَعَهُمَا حَيْثُ دَارَا، وَمِيرَاثُ الْعِتْقِ لِأَوْلَى النَّاسِ بِالْعَبْدِ مِنْ أَحْرَارِ عَصَبَتِهِ، أَوْ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا أُعْتِقَ فَإِنْ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لَهُ، أَوْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ، أَوْ لِعَصَبَتِهِمَا؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا صِحَّةَ الْمِلْكِ لِلْعَبْدِ وَإِذْ هُوَ مَالِكٌ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَنَصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَرِثُ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ الْمَوَارِيثِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي " الْمُكَاتَبِ " بَعْدَ هَذَا - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ، فَهُوَ

مسألة وطئ أمة له حاملا من غيره

لِلْحُرِّ مِنْ عَصَبَتِهِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِهِ، فَإِذَا عَتَقَ صَحَّ الْمِيرَاثُ لَهُ، أَوْ لِمَنْ يَجِبُ لَهُ مِنْ أَجْلِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وَطِئَ أَمَةً لَهُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ] 1681 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ فَجَنِينُهَا حُرٌّ - أَمْنَى فِيهَا أَوْ لَمْ يُمْنِ - لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حِمْيَرٍ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلَّ صَاحِبَ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ يُلِمُّ بِهَا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ» . وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ، فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ فَهُوَ حُرٌّ بِلَا شَكٍّ، وَهُوَ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ، وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ جُبَيْرٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ فَإِنْ هُوَ فَعَلَ ذَلِكَ وَغَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَيْهِ فَلْيُعْتِقْهُ، وَلْيُوصِ لَهُ مِنْ مَالِهِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ غَوْثِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيِّ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ الْأَمَةِ الْحَامِلِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا؟ قَالَ: رَأَتْ الْوُلَاةُ أَنْ يَعْتِقَ ذَلِكَ الْحَمْلُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: وَإِنِّي أَرَى ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَبَعْضِ الشَّافِعِيِّينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ قَاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالشَّامِ، وَغَوْثُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَاضِي مِصْرَ - وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ - وَالْحَنَفِيُّونَ، وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيِّينَ: صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. [مَسْأَلَة عِتْق مِنْ أحاط الدِّين بماله] 1682 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غِنًى عَنْ مَمْلُوكِهِ جَازَ عِتْقُهُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ

مسألة بيع المدبر والمدبرة والهبة لهما

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالشَّافِعِيُّ بِقَوْلِنَا، إلَّا أَنَّهُمَا أَجَازَا عِتْقَهُ بِكُلِّ حَالٍ، بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا. أَنَّ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَاسْتَقْرَضَ مَالًا - فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُ، وَأَنْ يَبْتَاعَ جَارِيَةً يَطَؤُهَا، فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ مَا اسْتَقْرَضَ، وَأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهُ بِمَا يَبْقَى لَهُ بَعْدَهُ غِنًى، وَالْعِتْقُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ، وَقَدْ يَرْزُقُ اللَّهُ عِبَادَهُ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَرْزُقْهُ إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقْرِضُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْع المدبر والمدبرة وَالْهِبَة لَهُمَا] 1683 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُدَبَّرُ عَبْدٌ مُوصَى بِعِتْقِهِ، وَالْمُدَبَّرَةُ كَذَلِكَ، وَبَيْعُهُمَا حَلَالٌ، وَالْهِبَةُ لَهُمَا كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ قَدْ بَيَّنَّا عِلَّتَهُ هُنَالِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَأَسْقَطَتْ شَيْئًا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدَتْهُ] 1684 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَأَسْقَطَتْ شَيْئًا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدَتْهُ: فَقَدْ حَرُمَ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا وَقَرْضُهَا، وَلِسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَكُلُّ مَالِهَا فَلَهَا إذَا عَتَقَتْ، وَلِسَيِّدِهَا انْتِزَاعُهُ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِزِنًا، أَوْ إكْرَاهٍ، أَوْ نِكَاحٍ بِجَهْلٍ: فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا إذَا أُعْتِقَتْ عَتَقُوا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ: شَاوَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ أَنْ أُعْتِقَهُنَّ - فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت أَنْ أَرِقَّهُنَّ، قَالَ عَبِيدَةُ: فَرَأْيُ عُمَرُ، وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ أَحَبَّ إلَى عَبِيدَةُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَبَّ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنَّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لَبَوْنًا بَائِنًا، فَأَيْنَ الْمُحْتَجُّونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الْمُشْتَهِرِ الْمُنْتَشِرِ وَأَنَّهُ إجْمَاعٌ، أَفَيَكُونُ اشْتِهَارًا أَعْظَمَ، وَانْتِشَارًا أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بَاقِي خِلَافَتِهِ، وَعُثْمَانَ جَمِيعَ خِلَافَتِهِ، فِي أَمْرٍ فَاشٍ عَامٍّ، ظَاهِرٍ مُطْبَقٍ، وَعَلِيٌّ مُوَافِقٌ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: بَاعَ عُمَرُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ثُمَّ رَدَّهُنَّ حَتَّى رَدَّهُنَّ حَبَالَى مِنْ تَسَتُّرٍ - فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَفْشُوَ حُكْمٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْفَشْوِ بِمِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ الْمُعْلَنِ وَالْأَسَانِيدِ الْمُثِيرَةِ، ثُمَّ لَمْ يَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَلِكَ إجْمَاعًا، بَلْ خَالَفَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا فَعَلَى أُصُولِ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ قَدْ خَالَفَ عَلِيٌّ الْإِجْمَاعَ. وَحَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ عَالِمًا بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ كَافِرٌ، ثُمَّ لَا يَسْتَحِبُّونَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ فَرَضَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ حَدًّا وَالْخِلَافُ فِيهِ مِنْ عُمَرَ وَمِمَّنْ بَعْدَ عُمَرَ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ فِينَا - لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْوَلِيدِ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي إمَارَتِهِ وَعُمَرُ فِي نِصْفِ إمَارَتِهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَتَبَ فِي عَهْدِهِ: إنِّي تَرَكْت تِسْعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً فَأَيَّتُهُنَّ مَا كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ قُوِّمَتْ فِي حِصَّةِ وَلَدِهَا بِمِيرَاثِهِ مِنِّي وَأَيَّتُهُنَّ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ وَلَدٍ فَهِيَ حُرَّةٌ؟ فَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَذَلِكَ فِي عَهْدِ عَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْخُشَنِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: انْطَلَقْت إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَسْأَلُهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ؟ قَالَ: مَالُك، إنْ شِئْت بِعْت وَإِنْ شِئْت وَهَبْت. ثُمَّ انْطَلَقْت إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِذَا مَعَهُ رَجُلَانِ فَسَأَلَاهُ؟ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا مَنْ أَقْرَأَك؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا أَبُو عَمْرَةَ، وَأَبُو حَكِيمٍ الْمُزَنِيّ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَقْرَأَنِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَبَكَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ: أَقْرَأكُمَا؟ أَقْرَأَك عُمَرُ؟ فَإِنَّهُ كَانَ حِصْنًا حَصِينًا يَدْخُلُ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ؟ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ انْثَلَمَ الْحِصْنُ، فَخَرَجَ النَّاسُ مِنْ الْإِسْلَامِ قَالَ زَيْدٌ: وَسَأَلْته عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ؟ فَقَالَ: تُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَبَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ كَمَا تَرَى، فَأَيْنَ مُدَّعُو الْإِجْمَاعِ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا؟ نَعَمْ، وَفِيمَا لَا خَيْرَ فِيهِ مِمَّا لَا يَصِحُّ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ نا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَقَامَ أُمَّ حُيَيِّ أُمَّ وَلَدِ مُحَمَّدِ بْنِ صُهَيْبٍ يُقَالُ لِابْنِهَا: خَالِدٌ، فَأَقَامَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَالِ وَلَدِهَا وَجَعَلَهَا فِي نَصِيبِهِ. قَالَ عَطَاءٌ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُعْتَقُ أُمُّ الْوَلَدِ حَتَّى يَلْفِظَ سَيِّدُهَا بِعِتْقِهَا - وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَعَنْ عُمَرَ قَوْلٌ آخَرُ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ هَرِمِ بْنِ نَسِيبٍ، وَمَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْهَمْدَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ؟ قَالَ: إذَا عَفَتْ وَأَسْلَمَتْ عَتَقَتْ، وَإِنْ كَفَرَتْ وَفَجَرَتْ أُرِقَّتْ. وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدٍ ارْتَدَّتْ - وَتَوَقَّفَ فِيهَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُغَلِّسِ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَرُوِيَ إبْطَالُ بَيْعِهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالَار، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَايَةً فِي صِحَّةِ السَّنَدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ - وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَرَى مُسْنَدًا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «كُنَّا نُخْرِجُ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا وَرَسُولُ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ نَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ نَتْرُكُ فَلَا نُفَاضِلُ - وَيَرَى هَذَا حُجَّةً. أَنْ يَرَى قَوْلَ جَابِرٍ هَذَا حُجَّةً، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَلَاعِبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَنَظَرْنَا: هَلْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ مَنْعٌ فَنَقِفُ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا؟ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الرَّقِّيِّ - عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَهَذَا خَبَرٌ جَيِّدُ السَّنَدِ كُلُّ رُوَاتِهِ ثِقَةٌ. وَسَمِعْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان: 2] وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِّينَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ فِي صَدْرِ " كِتَابِ الْعِتْقِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَنِيِّ أَبِيهِ وَمَنِيِّ أُمِّهِ، فَصَحَّ أَنَّهُ بَعْضُهَا وَبَعْضُ أَبِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ - نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ - هُوَ أَبُو أُسَامَةَ بْنُ عُمَيْرٍ - قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» . وَلَمَّا كَانَ الْوَلَدُ بَعْضَ أَبِيهِ وَبَعْضَ أُمِّهِ، وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ» فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ عَلَى أَبِيهِ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَهُ أَحَدٌ، فَلِمَا وَجَبَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنَّ بَعْضَهَا حُرٌّ، وَإِذْ بَعْضُهَا حُرٌّ فَكُلُّهَا حُرٌّ. وَلَمَّا لَمْ يُبِنْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمَّ إبْرَاهِيمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَزَلْ يَسْتَبِيحُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ صَحَّ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَالتَّصَرُّفِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] .

وَصَحَّ أَنَّ الْعِتْقَ الْمَذْكُورَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَمْنَعُ إلَّا مِنْ إخْرَاجِهَا عَنْ الْمِلْكِ فَقَطْ، وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ قَاطِعٌ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَوِّغُ لِلْحَنَفِيَّيْنِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ: أَنَّ مَنْ رَوَى خَبَرًا ثُمَّ خَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ - وَابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ رَاوِي خَبَرِ أُمِّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - وَهُوَ يَرَى بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. فَقَدْ تَرَكَ مَا رَوَى، وَمَا يَثْبُتُ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ بَعْد عُمَرَ: أَبَاحُوا بَيْعَهُنَّ، وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ هَاهُنَا فَكَذِبٌ ابْتَدَعُوهُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهَا يَحْرُمُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، مِمَّا يُدْرَى أَنَّهُ وَلَدٌ، فَإِنَّ النَّصَّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَرَدَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَكُونُ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا مَكْسُوَّةً لَحْمًا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. وَالنُّطْفَةُ: اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْمَاءِ، فَالنُّطْفَةُ لَيْسَتْ وَلَدًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَخُرُوجِهَا إثْرَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ خُرُوجِهَا كَذَلِكَ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا - مَا دَامَتْ نُطْفَةً - فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ نُطْفَةً إلَى أَنْ تَكُونَ عَلَقَةً، فَهِيَ حِينَئِذٍ وَلَدٌ مُخَلَّقٌ. وَقَالَ تَعَالَى {مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] فَغَيْرُ " الْمُخَلَّقَةِ " هِيَ الَّتِي لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ أَنْ تَكُونَ نُطْفَةً، وَلَا خُلِقَ مِنْهَا وَلَدٌ بَعْدُ، " وَالْمُخَلَّقَةُ " هِيَ الْمُنْتَقِلَةُ عَنْ اسْمِ " النُّطْفَةِ " وَحَدِّهَا وَصِفَتِهَا إلَى أَنْ خَلَقَهَا عَزَّ وَجَلَّ " عَلَقَةً " كَمَا فِي الْقُرْآنِ، فَهِيَ حِينَئِذٍ وَلَدٌ مُخَلَّقٌ، فَهِيَ بِسُقُوطِهِ أَوْ بِبَقَائِهِ: أَوْ وَلَدٌ - وَهَذَا نَصٌّ بَيِّنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا انْتِزَاعُهُ مَالَهَا - صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا - فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] وَأُمُّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ زَوْجَةً بِلَا خِلَافٍ، فَهِيَ ضَرُورَةً مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا، فَلَنَا أَخْذُ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ مُعْتَقَةٌ حُرَّةٌ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا؟ قُلْنَا: كَمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ، لَا كَمَا اشْتَهَتْ الْعُقُولُ الْفَاسِدَةُ، وَالشَّارِعَةُ بِآرَائِهَا الزَّائِفَةِ، وَلَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ قُلْتُمْ: إنَّ الْمُكَاتَبَ لَا عَبْدٌ فَيَبْتَاعُ وَيُسْتَخْدَمُ، وَلَا تُوطَأُ الْمُكَاتَبَةُ، وَعَبْدٌ فِي

مسألة عتق الجنين قبل نفخ الروح فيه

جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، وَلَا حُرَّةَ فَتَطْلُقُ، وَحُرَّةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهَا وَوَطْئِهَا، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا قُلْتُمُوهُ بِآرَائِكُمْ فَجَوَّزْتُمُوهُ، فَلَمَّا وَجَدْتُمُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْكَرْتُمُوهُ، أَلَا هَذَا هُوَ الْهَوَسُ الْمُهْلِكُ فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ؟ وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا فَهُوَ كَمَا قُلْنَا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بَعْضُهَا، فَحُكْمُهُ كَحُكْمِهَا، وَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا يَحْرُمُ بَيْعُهَا إلَّا بِأَنْ تَكُونَ فِي حِينِ أَوَّلِ حَمْلِهَا فِي مِلْكِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُ وَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ مَلَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْوَلَدُ حَيًّا، فَإِنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَمَّا لَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا مَنْ نُفِخَ الرُّوحُ فِيهِ، فَصَارَ غَيْرَهَا، فَلَمْ يَكُنْ بَعْضَهَا حُرًّا قَطُّ، فَلَا حُرِّيَّةَ لَهَا، وَلَهُ بَيْعُهَا، فَلَوْ بَاعَهَا وَاَلَّذِي فِي رَحِمِهَا نُطْفَةٌ بَعْدُ فَإِنَّهُ إنْ خَرَجَتْ عَنْ رَحِمِهَا - وَهِيَ نُطْفَةٌ بَعْدُ - فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا نُطْفَةٌ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ، فَإِنْ صَارَتْ مُضْغَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهَا وَبَعْضُهَا مُضْغَةٌ مُخَلَّقَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، فَهِيَ مِنْ أَوَّلِ وُقُوعِهَا إلَى خُرُوجِهَا وَلَدٌ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عِتْق الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ] 1685 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أَنَّ حُرًّا تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَعَتَقَ الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ لَمْ يَرِث أَبَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَكَانَ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ مَمْلُوكًا لَا يَرِثُ، فَلَوْ مَاتَ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ مَنْ يَرِثُهُ بِرَحِمٍ أَوْ وَلَاءٍ وَرِثَهُ إنْ خَرَجَ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ حُرًّا. فَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلًا فَأَسْلَمَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ أَوْ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ: فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ، وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ وَيُورَثُ لَهُ أَوْ لَا يَرِثُ بِهِ وَلَا يُورَثُ بِهِ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، فَخَرَجَ إلَى الدُّنْيَا مُسْلِمًا عَلَى غَيْرِ دِينِ أَبِيهِ، وَعَلَى غَيْرِ حُكْمِ الدِّينِ الَّذِي لَوْ تَمَادَى عَلَيْهِ لَوَرِثَ أَبَاهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ حَامِلًا قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَتَمَلَّكَهَا نَصْرَانِيٌّ آخَرُ فَاسْتَرَقَّهَا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَرِثْ أَبَاهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الدُّنْيَا إلَّا مَمْلُوكًا لَا يَرِثُ - وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجَنِينُ الْمِيرَاثَ بِبَقَائِهِ حُرًّا عَلَى دِينِ مَوْرُوثِهِ مِنْ حِينِ يَمُوتُ الْمَوْرُوثُ إلَى أَنْ يُولَدَ حَيًّا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَأً تَرَكَ أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلًا فَاسْتُحِقَّتْ بَعْدَهُ ثُمَّ أُعْتِقَ الْجَنِينُ بِعِتْقِهَا،

فَإِنَّ نَسَبَهُ لَاحِقٌ، وَلَا يَرِثُ أَبَاهُ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ حُرًّا وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَالِ الَّتِي يُورَثُ بِهَا وَيَرِثُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَوْ مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ بَعْدَ أَنْ عَتَقَ وَرِثَهُ إنْ وُلِدَ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الكتابة

[كِتَابُ الْكِتَابَةِ] [مَسْأَلَةٌ مَنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَدَعَا أَوْ دَعَتْ إلَى الْكِتَابَةِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كِتَابُ الْكِتَابَةِ 1686 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَدَعَا أَوْ دَعَتْ إلَى الْكِتَابَةِ فُرِضَ عَلَى السَّيِّدِ الْإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يُدْرَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ يُطِيقُهُ مِمَّا لَا حَيْفَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ، لَكِنْ مِمَّا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُمَا - وَلَا يَجُوزُ كِتَابَةُ عَبْدٍ كَافِرٍ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] . وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَيْرِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَالُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الدِّينُ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَوْضُوعَ كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي بِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ الْمَالَ لَقَالَ: إنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ خَيْرًا، أَوْ عِنْدَهُمْ خَيْرًا، أَوْ مَعَهُمْ خَيْرًا، لِأَنَّ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ يُضَافُ الْمَالُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَا يُقَالُ أَصْلًا فِي فُلَانٍ مَالٌ، فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَرِدْ " الْمَالَ "، فَصَحَّ أَنَّهُ " الدِّينُ " وَلَا خَيْرَ فِي دِينِ الْكَافِرِ - وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ الْخَيْرَ بِقَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ لَا دِينَ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْرِ، وَكُلُّ خَيْرٍ بَعْدَ هَذَا فَتَابِعٌ لِهَذَا - وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ سَأَلَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَأُكَاتِبُ وَلَيْسَ لِي مَالٌ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: نَعَمْ، فَصَحَّ أَنَّ الْخَيْرَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ " الْمَالَ ".

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قَالَ: إنْ أَقَامُوا الصَّلَاةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قَالَ: دِينٌ وَأَمَانَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: الْإِسْلَامُ وَالْوَفَاءُ - وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ الْمَالُ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي رَزِينٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَخِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ نَاقَضَ فِي مَسَائِلِهِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: فَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ هَاهُنَا مُلْغًى، لَا مَعْنَى لَهُ، فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ شَرْطَهُ عِنْدَهُمْ ضَائِعًا، وَشُرُوطَهُمْ الْفَاسِدَةَ عِنْدَهُمْ لَازِمَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُبِيحُونَ كِتَابَةَ الْكَافِرِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَهُوَ بِلَا شَكٍّ خَارِجٌ عَنْ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ أَصْلًا، وَخَارِجٌ عَنْ قَوْلِ كُلِّ مَنْ سَلَفَ، وَهَذَا مِمَّا فَارَقُوا فِيهِ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ طَرَائِفِ الدُّنْيَا: احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنْ قَالَ: قِسْنَا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ عَلَى مَنْ فِيهِ خَيْرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ؟ وَإِنَّمَا قَالُوا بِالْقِيَاسِ فِيمَا يُشْبِهُ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَا يُشْبِهُهُ. وَهَلَّا قَاسُوا مَنْ يَسْتَطِيعُ " الطَّوْلَ " فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَطِيعُهُ؟

وَهَلَّا قَاسُوا بِهِ غَيْرَ السَّائِمَةِ فِي الزَّكَاةِ عَلَى السَّائِمَةِ؟ وَهَلَّا قَاسُوا غَيْرَ السَّارِقِ عَلَى السَّارِقِ، وَغَيْرَ الْقَاتِلِ عَلَى الْقَاتِلِ؟ وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ لَا نَظِيرَ لَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ إلَّا مَنْ فِيهِ خَيْرٌ، وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَأَجَزْنَا كِتَابَتَهُ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْكِتَابَةِ جُمْلَةً؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَأَبِيحُوا بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ أَكْلَ كُلِّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 60] وَهَذَا بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا كِتَابَةَ الْمَجْنُونِ، وَالصَّغِيرِ: بِعُمُومِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا إلَّا مَنْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبَتَهُ أَوْ أَمَرَ بِهَا. وَأَيْضًا: فَلَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثَرٌ قَطُّ فِي الْمُكَاتَبِ إلَّا وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ مُسْلِمٌ - وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُكَاتَبَةِ وَبِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ فَرْضٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى: افْعَلْ أَمْرًا كَذَا، فَيَقُولُ هُوَ: لَا أَفْعَلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ تَعَالَى: إنْ شِئْت فَافْعَلْ وَإِلَّا فَلَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا غُنْدَرٌ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَهُ الْمُكَاتَبَةَ؟ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاَللَّهِ لَتُكَاتِبْنَهُ، وَتَنَاوَلَهُ بِالدِّرَّةِ، فَكَاتَبَهُ. وَبِهِ إلَى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إذَا عَلِمْت لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا وَاجِبًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْكِتَابَةَ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِأَنَسٍ: كَاتِبْهُ؟ فَأَبَى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: كَاتِبْهُ، وَيَتْلُو {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ. وَبِهِ إلَى ابْنِ الْمَدِينِيِّ نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ نا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدٍ كَانَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ: أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِالزُّبَيْرِ فَدَخَلَ مَعَهُ عَلَى

عُثْمَانَ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فُلَانٌ كَاتَبَهُ؟ فَقَطَّبَ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ. وَلَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْت ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَبَرَ وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: مُكَاتَبَتُهُ وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا، وَأَخْشَى أَنْ يَأْثَمَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ - وَبِإِيجَابِ ذَلِكَ، وَجَبْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. فَهَذَا عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يَرَيَانِهَا وَاجِبَةً، وَيُجْبِرُ عُمَرُ عَلَيْهَا وَيَضْرِبُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ، وَالزُّبَيْرِ يَسْمَعُ حَمَلَ عُثْمَانُ الْآيَةَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَا يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا ذُكِّرَ بِالْآيَةِ سَارَعَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْمُكَاتَبَةِ وَتَرَكَ امْتِنَاعَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَخَالَفَ ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَقَالُوا لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِتَشْغِيبَاتٍ، مِنْهَا: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى النَّدْبِ مِثْلَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] . وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا نُصُوصٌ أُخَرُ جَاءَتْ لَكَانَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ فَرْضًا، لَكِنْ لَمَّا حَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَلَمْ يَصْطَدْ صَارَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ نَدْبًا - وَلَمَّا حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقُعُودِ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَرَغَّبَ فِي ذَلِكَ كَانَ الِانْتِشَارُ نَدْبًا. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ نَصٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ نَدْبٌ صِرْنَا إلَيْهِمْ؟ وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ مُحَرِّفُ الْقُرْآنِ عَنْ مَوْضِعِ كَلِمَاتِهِ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ أَمْرٌ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا أَوْ مَخْصُوصًا. وَقَالُوا: لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِهَا نَدْبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ، نَعَمْ، وَلَهُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَاتَبَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ، وَلَهُ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ. وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ قَدِمَ أَبُوهُ: أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ أَبُوهُ - وَفِي ذَلِكَ بُطْلَانُ نَذْرِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لَوْ لَمْ أَبِعْهُ. وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى عَقْدٍ فِيمَا يَمْلِكُ؟

فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَلَا وَجَدْتُمْ قَطُّ فِي الْأُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ بَيْعِ أَمَتِهِ، وَتَخْرُجُ حُرَّةً مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ، وَقَدْ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ. وَلَا وَجَدْتُمْ قَطُّ صَوْمَ شَهْرٍ مُفْرَدٍ إلَّا رَمَضَانَ، فَأَبْطَلُوا صَوْمَهُ بِذَلِكَ؟ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ: لَا آخُذُ بِشَرِيعَةٍ - حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرًا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَا آخُذُ بِهَا حَتَّى أَجِدَ لَهَا نَظِيرَيْنِ. وَقَدْ وَجَدْنَا: الْمُفْلِسَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ. وَوَجَدْنَا: الشَّفِيعَ يُجْبِرُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى تَصْيِيرِ مِلْكِهِ إلَيْهِ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى السَّيِّدِ إذَا طَلَبَهُ الْعَبْدُ لَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهُ السَّيِّدُ - وَهَذَا أَسْخَفُ مَا أَتَوْا بِهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِذَلِكَ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا إذَا طَلَبَهَا السَّيِّدُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ قِيَاسًا صَحِيحًا فَلْيَقُولُوا: إنَّهُ لَمَّا كَانَ الزَّوْجُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ طَلَاقَهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهُ. وَلَمَّا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ وَإِنْ كَرِهَ الْمُشْتَرِي - كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا إلْزَامُهُ إيَّاهُ - وَإِنْ كَرِهَ الشَّفِيعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ سَخِرَ الشَّيْطَانُ بِهِمْ فِيهَا، وَشَوَاذُّ سَبَّبَ لَهُمْ مِثْلَ هَذِهِ الْمَضَاحِكِ فِي الدِّينِ، فَاتَّبَعُوهُ عَلَيْهَا، وَلَا نَدْرِي بِأَيِّ نَصٍّ أَمْ بِأَيِّ عَقْلٍ وَجَبَ هَذَا الَّذِي يَهْذِرُونَ بِهِ؟ وَقَالُوا: كَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَسَبِيلُهُ إذْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ - أَنْ يَكُونَ نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ مِنْ حَظْرٍ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ بَلْ الْأَصْلُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ حَتَّى يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا، يَعْصِي مَنْ أَبَى قَبُولَهُ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ الْعُقُولُ فِيهِ، وَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ وَلَا مَعْقُولٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ لَا يَكُونُ إلَّا نَدْبًا، بَلْ قَدْ كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرْضًا، وَإِلَى الْكَعْبَةِ مَحْظُورَةً مُحَرَّمَةً، ثُمَّ جَاءَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ، فَكَانَ فَرْضًا. وَقَالُوا: لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَرَادَهَا الْعَبْدُ بِدِرْهَمٍ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ قَطُّ بِإِجَابَةِ الْعَبْدِ إلَى مَا

مسألة ما تجوز عليه الكتابة

أَرَادَ أَنْ يُكَاتَبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِجَابَتِهِ إلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُكَاتَبَةَ مُجْمَلَةً بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، وَقَالَ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَوَجَبَ أَنْ لَا يُكَلِّفَ الْعَبْدَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُكَلِّفَ السَّيِّدَ إضَاعَةَ مَالِهِ. وَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ: أَنَّ اللَّازِمَ لَهُمَا مَا أَطَاقَهُ الْعَبْدُ بِلَا حَرَجٍ، وَمَا لَا غَبْنَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ، وَلَا إضَاعَةَ لِمَالِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفَ عَبْدِهِ الْخَرَاجَ وَإِجْبَارَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُجِيزًا أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطِيقُ، وَلَا إجَابَةُ الْعَبْدِ إلَى أَدَاءِ مَا لَا يَرْضَى السَّيِّدُ بِهِ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ بِلَا مَشَقَّةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْكِتَابَةِ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَا تُعْطَى بِرَأْيِهَا، وَلَا يُعْطِي هُوَ بِرَأْيِهِ. وَقَدْ رَأَى الْحَنَفِيُّونَ الِاسْتِسْعَاءَ وَالْقَضَاءَ بِهِ وَاجِبًا، فَهَلَّا عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَقَالُوا: إنْ قَالَ الْعَبْدُ: لَا أُؤَدِّي إلَّا دِرْهَمًا فِي سِتِّينَ سَنَةٍ، وَقَالَ الْمُسْتَسْعَى لَهُ: لَا تُؤَدِّي إلَّا مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ يَوْمِهِ. وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيُّونَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ فَرْضًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنُوا مَا هُوَ وَلَا مِقْدَارَهُ. وَكَمْ قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّونَ بِإِيجَابِ فَرْضٍ حَيْثُ لَا يَحُدُّونَ مِقْدَارَهُ، كَقَوْلِهِمْ: الصَّلَاةُ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَلَا تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ، فَهَذَا فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ. وَأَوْجَبُوا الْمُتْعَةَ فَرْضًا ثُمَّ لَمْ يَحُدُّوا فِيهَا حَدًّا، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَا تَجُوز عَلَيْهِ الْكِتَابَة] 1687 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَالٍ جَائِزٍ تَمَلُّكُهُ، وَعَلَى عَمَلٍ فِيهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ حَالًّا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَعَلَى نَجْمٍ وَنَجْمَيْنِ وَأَكْثَرَ.

وَكُنَّا قَبْلُ نَقُولُ: لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا حَتَّى وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ: نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ نا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نا ابْنُ إدْرِيسَ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ - هُوَ ابْنُ النُّعْمَانَ الظَّفَرِيُّ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، وَفِيهِ: فَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَابْتَاعَنِي، ثُمَّ ذَكَرَ خَبَرًا وَفِيهِ: فَأَسْلَمْتُ وَشَغَلَنِي الرِّقُّ حَتَّى فَاتَتْنِي بَدْرٌ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَاتِبْ؟ فَسَأَلْتُ صَاحِبِي ذَلِكَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أُحْيِيَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ: فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ؟ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَضَعَهَا فَلَا تَضَعْهَا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَتُؤْذِنَنِي فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي؟ قَالَ: فَقُمْت بِتَفْقِيرِي وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى فَقَرْتُ لَهَا سَرَبَهَا ثَلَاثَمِائَةِ سَرْبَةٍ، وَجَاءَ كُلُّ رَجُلٍ بِمَا أَعَانَنِي بِهِ مِنْ النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَضَعُهُ بِيَدِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهَا تُرَابَهَا وَيُبَرِّكُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَةٌ، وَبَقِيَتْ الذَّهَبُ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَصَابَهَا مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمِسْكِينُ الْمُكَاتَبُ؟ اُدْعُوهُ لِي؟ فَدُعِيتُ فَجِئْتُ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ فَأَدِّهَا بِمَا عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ؟ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ مَا عَلَيْكَ مِنْ الْمَالِ، قَالَ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ وَزَنْتُ لَهُ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً حَتَّى أَوْفَيْتُهُ الَّذِي عَلَيَّ، قَالَ: فَأُعْتِقَ سَلْمَانُ، وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ، وَبَقِيَّةَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ إلَّا عَلَى نَجْمَيْنِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِهَا كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حَظَّ لِلنَّظَرِ مَعَ صِحَّةِ الْخَبَرِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ فَهُوَ حُرٌّ - وَهَذَا سَلْمَانُ أَسْلَمَ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ وَلَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ؟ قُلْنَا: لَمْ نَقُلْ بِهَذَا إلَّا لِعِتْقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141]

مسألة كتابة مملوك لم يبلغ

وَالطَّائِفُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِدَهْرٍ، وَقِصَّةُ سَلْمَانَ، مُوَافِقَةٌ لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ فَصَحَّ بِنُزُولِ الْآيَةِ نَسْخُ جَوَازِ تَمَلُّكِ الْكَافِرِ لِلْمُؤْمِنِ، وَبَقِيَ سَائِرُ الْخَبَرِ عَلَى مَا فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة كِتَابَة مَمْلُوك لَمْ يَبْلُغ] 1688 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَبْلُغْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كِتَابَتُهُ جَائِزَةٌ، وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَلَا يَجُوزُ عَمَلُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ، إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ. وَلَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الْوَصِيِّ غُلَامَ يَتِيمِهِ، وَلَا مُكَاتَبَةُ الْأَبِ غُلَامَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُخَاطَبِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ، إذْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِ كَسْبِهِ بِغَيْرِ إخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ. [مَسْأَلَة مُكَاتَبَة عَبْد لَمْ يؤد شَيْئًا] 1689 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا، فَإِذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَقَدْ شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقَ، وَالْحُرِّيَّةَ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَبَقِيَ سَائِرُهُ مَمْلُوكًا، وَكَانَ لِمَا عَتَقَ مِنْهُ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحُدُودِ، وَالْمَوَارِيثِ، وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ فِي الدِّيَاتِ، وَالْمَوَارِيثِ، وَالْحُدُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِتَمَامِ أَدَائِهِ. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، كِلَاهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ نا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ - هُوَ ابْنُ أَبِي عُثْمَانَ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

«قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُكَاتَبِ يَقْتُلُ يُودِي مَا أَدَّى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِيَةَ الْحُرِّ، وَمِمَّا بَقِيَ دِيَةَ الْمَمْلُوكِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمٍ الْبَلْخِيّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سُلَيْمَانُ: نا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ مُعَاذٌ، وَالنَّضْرُ، كِلَاهُمَا يَقُولُ: نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ وَبِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ الْعَبْدِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ نا أَبُو هِشَامٍ - هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ - نا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى» وَهَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ لَا يَضُرُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ، بَلْ هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا عَيْبُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ لَهُ بِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ أَرْسَلَهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ رَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: يُودِي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى - فَأَوْقَفَهُ عَلَى عَلِيٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا يَكُونُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ عِنْدَ كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، وَلَا فَرْقَ، فَإِذَا وَجَدُوا مُسْنَدًا يُخَالِفُ هَوَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَأْيَ مَالِكٍ: جَعَلُوا إرْسَالَ مَنْ أَرْسَلَهُ عَيْبًا يَسْقُطُ بِهِ إسْنَادُ مَنْ أَسْنَدَهُ، وَيَكُونُ الشَّافِعِيُّونَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْمُسْنَدَ لَا يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ، فَإِذَا وَجَدُوا مَا يُخَالِفُ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ أَشَدَّ الضَّرَرِ، أَيَرَوْنَ اللَّهَ غَافِلًا عَنْ هَذَا الْعَمَلِ فِي الدِّينِ؟ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَقَتَادَةُ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ حَمَّادٍ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ؟ فَكَيْفَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا

الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا نا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ؛ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ مُكَاتَبًا قُتِلَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُودِيَ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا لَا دِيَةَ الْمَمْلُوكِ» . وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إيقَافِ ابْنِ عُلَيَّةَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ فَهُوَ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ فُتْيَا مِنْ عَلِيٍّ بِمَا رَوَى، وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لِمَنْ وَقَعَ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا أَسْنَدَ الْخَبَرَ عَنْ مِثْلِهِ، وَأَوْقَفَهُ آخَرُ، أَوْ أَرْسَلَهُ آخَرُ: أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ فِي الْحَدِيثِ - وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ نَصٌّ وَلَا نَظَرٌ وَلَا مَعْقُولٌ، وَالْبُرْهَانُ قَدْ صَحَّ بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ لِلْمُسْنَدِ دُونَ شَرْطٍ، فَبَطَلَ مَا عَدَا هَذَا - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَقَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ الْمَمْلُوكِ، وَهَذَا تَرْكٌ مِنْهُمَا لِمَا رَوَيَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: هَبْكَ أَنَّهُمَا تَرَكَا مَا رَوَيَا، فَكَانَ مَاذَا؟ إنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا رَوَيَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي قَوْلِهِمَا. وَقَدْ أَفْرَدْنَا جُزْءًا ضَخْمًا لِمَا تَنَاقَضُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَأَيْضًا: فَإِنْ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ الْوَهَنَ فِيمَا رَوَيَا، فَانْفَصَلُوا مِمَّنْ عَكَسَ ذَلِكَ، فَقَالَ: بَلْ ذَلِكَ يُوجِبُ الْوَهَنَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِمَّا هُوَ خِلَافٌ لِمَا رَوَيَا وَحَاشَا لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَيْفَ وَقَدْ يَتَأَوَّلُ الرَّاوِي فِيمَا رَوَى وَقَدْ يَنْسَاهُ؟ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافٌ لِمَا رَوَيَاهُ. أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ: إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَهُوَ غَرِيمٌ، فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ مِنْ تَوْرِيثِ مَنْ بَعْضَهُ حُرٌّ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ - وَلَا لِمَا رُوِيَ مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: لَيْسَ بَاقِيهِ عَبْدًا، وَلَا قَالَ فِيهِ: لَيْسَ مَا قَابَلَ مَا أَدَّى حُرًّا، لَكِنْ أَخْبَرَ: أَنَّهُ لَا يَعْجِزُ، لَكِنْ يُتْبَعُ بِبَاقِي الْكِتَابَةِ فَقَطْ، فَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِمَا رَوَى.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ مَمْلُوكٍ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، وَمَا قَابَلَ مِنْهُ، إذَا أَدَّى الْبَعْضَ مَا لَمْ يُؤَدِّ - فَهَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَقُولُ، فَبَطَلَ هَذْرُهُمْ، وَدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةُ: أَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خَالَفَا مَا رَوَيَا، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَدْحٌ فِي الْخَبَرِ. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ - فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ، وَجَابِرٍ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ - وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ - وَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ - ثُمَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ مُرْسَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَاَلَّتِي عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: هُوَ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ قَيْسِ بْنِ سَنْدَلٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَهُوَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُكَاتَبُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ: صَحَّ ذَلِكَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ حُرٌّ سَاعَةَ الْعَقْدِ بِالْكِتَابَةِ. وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ إسْنَادًا إلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى نِصْفَ مُكَاتَبَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الشَّطْرَ فَهُوَ غَرِيمٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَفْسِهِ، قَالَ عُمَرُ: إذَا أَدَّى الشَّطْرَ فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا قَوْلَ عَلِيٍّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهُمَا إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ النِّصْفَ فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الثُّلُثَ فَهُوَ غَرِيمٌ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الرُّبُعَ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ رَأْيِهِ قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ. رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ شُرَيْحٍ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ؛ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ صَحِبَ شُرَيْحًا، وَشُرَيْحٌ صَحِبَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا رُوِيَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا، إذَا أَدَّى نِصْفَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَعًا، وَلَا يَتَمَانَعَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ يَرَى إنْ أَدَّى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ مِنْ نِصْفِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ غَرِيمٌ، أَيَّهُمَا أَدَّى فَهُوَ غَرِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ النَّخَعِيِّ: إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ ثَمَنَ رَقَبَتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِقُّوهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ خَمْسُ أَوَاقٍ أَوْ خَمْسُ ذَوْدٍ أَوْ

خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَهُوَ غَرِيمٌ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ضَعِيفٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُكَاتَبِ: يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: تُجْزِي الْعَتَاقَةُ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْ أَوَّلِ نَجْمٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةً، إلَّا أَنَّهَا كُلَّهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَقْوَى مِنْ تَحْدِيدِ مَالِكٍ مَا أَبَاحَ لِذَاتِ الزَّوْجِ الصَّدَقَةَ بِهِ، وَمَا أَسْقَطَ مِنْ الْجَائِحَةِ، وَمَا لَمْ يُسْقِطْ. وَمِنْ تَحْدِيدِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مِمَّا يَنْكَشِفُ مِنْ رَأْسِ الْحُرَّةِ، أَوْ مِنْ بَطْنِهَا، أَوْ مِنْ فَخِذِهَا مِنْ رُبُعِ كُلِّ ذَلِكَ. وَمِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَحْتَجُّونَ لَهَا " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " فَلَيْسَتْ أَضْعَفَ، بَلْ لِهَذِهِ مَزِيَّةٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إلَّا أَنَّ مَنْ قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ - رَاوِي الْكَذِبِ - عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ

عَنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» . وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، لَمْ يُعْرَفْ قَطُّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَلَا مِنْ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، إنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَحَادِيثُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَلَا نَدْرِي مَنْ مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا أَيْضًا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَصَحِيفَةٌ، عَلَى أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ فِيهِ. قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ - نا هَمَّامٌ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - نا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ، وَأَيُّمَا عَبْدٌ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَبْدٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَنْ كَاتَبَ مُكَاتَبًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَهُوَ عَبْدٌ، أَوْ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَقَضَاهَا إلَّا أُوقِيَّةً فَهُوَ عَبْدٌ. عَطَاءٌ هَذَا - الْخُرَاسَانِيُّ - لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ شَيْئًا، وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، إلَّا مِنْ أَنَسٍ وَحْدَهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُعَلِّلُ خَبَرَ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ - بِأَنَّهُ اضْطَرَبَ فِيهِ - وَقَدْ كَذَبَ - ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهَا كَمَا تَرَى فَإِنْ قَالُوا: هُوَ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لِيَهْتِكَ سِتْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدُخُولِ مَنْ لَا يَحِلُّ دُخُولُهُ عَلَى أَزْوَاجِهِ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِنَّ دُخُولَ الْأَحْرَارِ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ، وَالْمُكَاتَبُ مَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَهُوَ عَبْدٌ، وَمَا دَامَ يَبْقَى عَلَيْهِ فَلْسٌ فَلَيْسَ حُرًّا، لَكِنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ عَبْدٌ، وَلَمْ يُنْهَيْنَ قَطُّ عَمَّنْ هَذِهِ صِفَتُهُ.

مسألة مكاتبة مملوكين معا كتابة واحدة

فَإِنْ قِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفْتُمْ فِيهَا الْجُمْهُورَ؟ نَعَمْ، وَأَتَيْتُمْ بِقَوْلٍ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلُ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ. وَهَذَا الشَّافِعِيُّ خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَفِي تَحْدِيدِ الْقُلَّتَيْنِ، وَفِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ بِمَا يَمُوتُ فِيهِ مِنْ الذُّبَابِ، وَفِي نَجَاسَةِ الشَّعْرِ، وَفِي أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُغَيِّرُ الزَّكَاةَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ فِي وَضْعِهِ فِي الذَّهَبِ أَوْقَاصًا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ - وَفِي أَزْيَدَ مِنْ أَلْفِ قَضِيَّةٍ. وَهَذَا مَالِكٌ خَالَفَ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَفِي الْحَامِلِ، وَالْمُرْضِعِ تُفْطِرَانِ، وَفِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ - وَفِي مِئِينَ مِنْ الْقَضَايَا، فَالْآنَ صَارَ أَكْثَرُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ - وَلَا يَبْلُغُونَ عَشَرَةً حُجَّةً لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، وَقَدْ خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَحَدِيثِهِ «لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا، وَلَا عَطِيَّةٌ، إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا» وَأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ، وَفِي إحْرَاقِ رَحْلِ الْغَالِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ - وَهَذَا لَعِبٌ وَعَبَثٌ فِي الدِّينِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ عَبْدًا فَهُوَ كَذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِخِلَافِ هَذَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلَافِ هَذَا، وَبِشُرُوعِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِبَيْعِ بَرِيرَةَ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ وَبِهَذَا نَقُولُ، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ وَصَحَّ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا. [مَسْأَلَة مُكَاتَبَة مملوكين مَعًا كِتَابَة وَاحِدَة] 1690 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ كِتَابَةُ مَمْلُوكَيْنِ مَعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ أَوْ ذَوَيْ رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ.

مسألة بيع المكاتب والمكاتبة

بُرْهَانُ ذَلِكَ. أَنَّهَا مَجْهُولَةٌ لَا يُدْرَى مَا يَلْزَمُ مِنْهَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ وَهَذَا بَاطِلٌ - وَأَيْضًا: فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُعْتَقَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلَّا بِأَدَاءِ الْآخَرِ، وَعِتْقُهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَصَحَّ أَنَّهُ عَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَقَعُ بِهِ عِتْقٌ أَصْلًا - أَدَّيَا أَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. [مَسْأَلَة بَيْع الْمُكَاتَب وَالْمُكَاتَبَة] 1691 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِمَا جَائِزٌ مَتَى شَاءَ السَّيِّدُ، وَكَذَلِكَ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ جَائِزٌ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا، فَإِذَا بِيعَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَلَا كِتَابَةَ لَهُمَا إلَّا بِعَقْدٍ مُحَدَّدٍ - إنْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ - فَإِنْ أَدَّيَا شَيْئًا مِنْ الْكِتَابَةِ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - حَرُمَ وَطْؤُهَا جُمْلَةً، وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّيَا. فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ الْجُزْءَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ خَاصَّةً وَصَحَّ الْعِتْقُ فِيمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا، فَإِنْ عَادَ الْجُزْءُ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ يَوْمًا مَا لَمْ تَعُدْ فِيهِ الْكِتَابَةُ وَلَا الرُّجُوعُ فِي الْكِتَابَةِ أَصْلًا، بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِلْكِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ فَإِنَّ مَا قَابَلَ مِمَّا أَدَّيَا حُرٌّ وَمَا بَقِيَ رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ قَدْ بَطَلَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ، فَإِنْ كَانَا لَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا بَعْدُ فَقَدْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ كُلُّهَا، وَهُمَا رَقِيقٌ لِلْوَرَثَةِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَمْ يَكُونَا أَدَّيَا شَيْئًا، فَقَدْ مَاتَا مَمْلُوكَيْنِ، وَمَالُهُمَا كُلُّهُ لِلسَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَا قَدْ أَدَّيَا مِنْ الْكِتَابَةِ فَمَا قَابَلَ مِنْهُمَا مَا أَدَّيَا فَهُوَ حُرٌّ، وَيَكُونُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِمَّا تَرَكَا مِيرَاثًا لِلْأَحْرَارِ مِنْ وَرَثَتِهِمَا، وَيَكُونُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا مِمَّا تَرَكَا لِلسَّيِّدِ، وَقَدْ بَطَلَ بَاقِي الْكِتَابَةِ، وَمَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا، إلَى أَنْ يَتِمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً مُذْ حَمَلَتْ بِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ، فَمَا عَتَقَ مِنْهَا بِالْأَدَاءِ عَتَقَ مِنْهُ. فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَقَدْ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ وَلَا يَزِيدُ قِيمَةُ الْعِتْقِ فِيهِ بَعْدُ بِأَدَائِهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُرَقُّ بِقَدْرِ مَا لَمْ يُؤَدِّ فَهَذَا يُوجِبُ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا، وَإِذْ هُوَ عَبْدٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ، فَبَيْعُ الْمَرْءِ عَبْدَهُ وَوَطْؤُهُ أَمَتَهُ حَلَالٌ لَهُ، وَمَا عَلِمْنَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مَمْلُوكًا مَمْنُوعًا مِنْ بَيْعِهِ.

وَمَنَعَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْوَطْءِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، بَلْ قَوْلُهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ كُلِّهِ، لَا سِيَّمَا احْتِجَاجُهُمْ لِقَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ بِمَا لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَإِذْ هُوَ عَبْدٌ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ بَيْعِهِ، وَإِذْ هِيَ أَمَةٌ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ وَطْئِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] فَلَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَوَطْؤُهَا لَهُ حَلَالٌ، أَوْ مِمَّا لَا تَمْلِكُ يَمِينُهُ، فَهِيَ إمَّا حُرَّةٌ وَإِمَّا أَمَةٌ لِغَيْرِهِ، لَا يُعْقَلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي طَبِيعَةِ الْعُقُولِ إلَّا هَذَا. وَلَوْ أَنَّهُمْ اعْتَرَضُوا بِهَذَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَكَانَ اعْتِرَاضِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَزَوُّجِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَقَالُوا: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَهَذَا نِكَاحٌ بِلَا صَدَاقٍ، لَكَانَ أَسْلَمَ لَهُمْ مِنْ الْإِثْمِ فِي الْأُخْرَى، وَمِنْ السُّخْرِيَةِ بِهَذَا الْقَوْلِ السَّخِيفِ فِي الْأُولَى. وَجَوَابُهُمْ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا تَزَوَّجَهَا إلَّا وَهِيَ حُرَّةٌ بِصَدَاقٍ صَحِيحٍ، قَدْ حَصَلَتْ عَلَيْهِ وَآتَاهَا إيَّاهُ، كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ عِتْقُهَا التَّامُّ قَبْلَ الزَّوَاجِ إنْ تَزَوَّجَتْهُ. وَلَا يَخْلُو الْمُكَاتَبُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ لَا خَامِسَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ حُرًّا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ كَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - أَوْ يَكُونَ عَبْدًا كَمَا يَقُولُونَ أَوْ يَكُونَ عَبْدًا مَا لَمْ يُؤَدِّ فَإِذَا أَدَّى شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقُ فَكَانَ بَعْضُهُ حُرًّا وَبَعْضُهُ مَمْلُوكًا - كَمَا نَقُولُ نَحْنُ - أَوْ يَكُونَ لَا حُرًّا وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعْضُهُ حُرٌّ، وَلَا بَعْضُهُ عَبْدٌ، وَهَذَا مُحَالٌ لَا يُعْقَلُ. فَإِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ عَبْدٌ فَبَيْعُ الْعَبْدِ وَوَطْءُ الْأَمَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ هَاهُنَا مَانِعًا مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا، بَلْ قَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ، وَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا: إنْ

شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكَ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَتْ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا بَالُ النَّاسِ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ. شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا أَبُو أُسَامَةَ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ - يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ - أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إنَّ أَهْلِي كَاتَبُونِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي تِسْعِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي؟ فَقَالَتْ لَهَا: إنْ شَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكَ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَهْلِهَا فَقَالُوا: لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ؟ قَالَتْ: فَأَتَتْنِي فَذَكَرَتْ ذَلِكَ فَانْتَهَرْتَهَا فَقُلْتُ: لَاهَا اللَّهِ إذًا، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ؟ فَفَعَلْتُ، ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشِيَّةً فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي «أَبِي أَيْمَنُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْتُ لَهَا: كُنْتُ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَمَاتَ وَوَرِثَهُ بَنُوهُ وَإِنَّهُمْ بَاعُونِي مِنْ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو الْمَخْزُومِيِّ فَأَعْتَقَنِي وَاشْتَرَطَ بَنُو عُتْبَةَ الْوَلَاءَ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةٌ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: اشْتَرِينِي فَاعْتِقِينِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: لَا يَبِيعُونَنِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلَائِي، فَقُلْت: لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ لِعَائِشَةَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا» فَذَكَرْت الْخَبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ خَالِدٍ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ مُغِيثًا كَانَ عَبْدًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ

اشْفَعْ إلَيْهَا؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا بَرِيرَةُ اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ، فَكَانَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَبُغْضِهَا إيَّاهُ؟» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ رَأَيْتُ زَوْجَهَا يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَكَلَّمَ لَهُ الْعَبَّاسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَطْلُبَ إلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَوْجُك وَأَبُو وَلَدِكِ فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ، فَقَالَتْ فَإِنْ كُنْت شَافِعًا فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْمُغِيثُ، وَكَانَ عَبْدًا لِآلِ الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ بُغْضِ بَرِيرَةَ لِزَوْجِهَا وَمِنْ شِدَّةِ حُبِّ زَوْجِهَا لَهَا؟» فَهَذَا خَبَرٌ ظَاهِرٌ فَاشٍ، رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَرِيرَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةُ، وَعَنْ بَرِيرَةَ عُرْوَةُ، وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةُ، وَأَيْمَنُ. وَرَوَاهُ عَنْ أَيْمَنَ ابْنُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَعَنْ عَمْرَةَ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَعَنْ الْقَاسِمِ: ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ عُرْوَةَ: الزُّهْرِيُّ، وَهِشَامٌ ابْنُهُ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ النَّاسُ، وَالْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ، فَصَارَ نَقْلَ كَافَّةٍ وَتَوَاتُرٍ لَا تَسَعُ مُخَالَفَتُهُ - وَهَذَا بَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا. وَلَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صَفْقَةٌ جَرَتْ بَيْنَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ مَوَالِي بَرِيرَةَ. ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ بَيْعِهَا خُطْبَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخُطْبَةِ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ أَشْهَرَ مِنْ هَذَا. ثُمَّ كَانَ مِنْ مَشْيِ زَوْجِهَا يَبْكِي خَلْفَهَا فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ مَا زَادَ الْأَمْرَ شُهْرَةً عِنْدَ

الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ، فَلَاحَ يَقِينًا أَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، إذْ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُظَنَّ بِصَاحِبٍ خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَكَّدَ فِيهِ هَذَا التَّأْكِيدَ. وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ لَا إعْطَاءُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ صَدَقَةً فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَلَا جَلْدُ عُمَرَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً زَائِدَةً عَلَى سَبِيلِ التَّعْزِيرِ فِي الْخَمْرِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُهَا، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ. وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَنْ يُوجِدُونَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا تِلْكَ الْقَوْلَةَ الْخَامِلَةَ الَّتِي لَا نَعْلَمُ لَهَا سَنَدًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَلَّحُوا عِنْدَ هَذِهِ، فَقَالَتْ مِنْهُمْ عُصْبَةٌ: إنَّمَا بِيعَتْ كِتَابَتُهَا. فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ كَذِبًا مُفْتَعَلًا لِلْوَقْتِ، وَفِي الْخَبَرِ تَكْذِيبُكُمْ بِأَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقَتْهَا، وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا عَجَزَتْ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ كَذِبًا مُفْتَعَلًا مِنْ وَقْتِهِ، وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَالْعَبَّاسُ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بِهَا، وَأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ لِتِسْعِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بَعْدُ أَدَّتْ شَيْئًا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ، وَعَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَدْخُلَا الْمَدِينَةَ وَلَا سَكَنَاهَا، إلَّا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَعِشْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُذْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَّا عَامَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَأَيْنَ عَجْزُهَا وَأَيْنَ حُلُولُ نُجُومِهَا؟ تَبَارَكَ اللَّهُ مَا أَسْهَلَ الْكَذِبَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي الدِّينِ. نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: غُلَامٌ كَاتَبْتَهُ فَبِعْته رَقَبَةً أَوْ كَاتَبْته فَعَجَزَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي ابْتَاعَهُ. وَقَالَهُ أَيْضًا: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: فَقَضَى كِتَابَتَهُ فَعَتَقَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ مَوْلَى لِلَّذِي ابْتَاعَهُ؟ قُلْت لِعَطَاءٍ: كَيْفَ وَالْكِتَابَةُ عِتْقٌ؟ قَالَ عَطَاءٌ: كَلًّا، لَيْسَتْ عِتْقًا، إنَّمَا يُقَالُ فِي الْمُكَاتَبِ يُورَثُ فَلَا يَبِيعُهُ الَّذِي وَرِثَهُ إلَّا بِإِذْنِ عَصَبَةِ الَّذِي كَاتَبَهُ. وَقَالَهُ أَيْضًا: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَذِنَ لِي فِي بَيْعِهِ إخْوَتِي

بَنُو أَبِي وَلَمْ يَأْذَنْ بَنُو جَدِّيّ؟ قَالَ عَطَاءٌ: حَسْبُك أَنْ يَأْذَنَ لَك وَارِثُهُ مِنْ عَصَبَتِهِ يَوْمَئِذٍ، قَالَ عَطَاءٌ: وَأَمَّا مُكَاتَبٌ أَنْتَ كَاتَبْته فَبِعْته رَقَبَةً وَاَلَّذِي عَلَيْهِ: فَلَا تَسْتَأْذِنْ فِيهِ أَحَدًا، فَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ لِلَّذِي ابْتَاعَهُ، وَإِنْ عَتَقَ فَهُوَ مَوْلَى الَّذِي ابْتَاعَهُ. فَهَذَا عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: يُجِيزَانِ بَيْعَ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ بِلَا عَجْزٍ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمَا ابْنُ جُرَيْجٍ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إجَازَةِ بَعْضِهِمْ بَيْعَ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ - وَهُوَ حَرَامٌ - لِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِ رَقَبَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ - وَهُوَ حَلَالٌ طَلْقٌ -. ثُمَّ قَالُوا: إنْ أَدَّى فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِبَائِعِ كِتَابَتِهِ، وَإِنْ عَجَزَ فَهُوَ رَقِيقٌ لِلْمُشْتَرِي كِتَابَتُهُ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، لَا بَيْعٌ وَتَمْلِيكٌ لِلرَّقَبَةِ لِمَنْ لَمْ يَشْتَرِهَا - وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ تَعْجِيزَهُ إنْ عَجَزَ، وَإِبْطَالَ كِتَابَتِهِ، وَنَسَوْا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . فَقَالُوا: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ؟ فَقُلْنَا: فَأَجِيزُوا شَرْطَهُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَطِئَهَا، كَمَا فَعَلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ، فَقَالُوا: هَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقُلْنَا: وَالتَّعْجِيزُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِتْقَ غُلَامِهِ هَذَا - إنْ أَفَاقَ أَبُوهُ أَوْ قَدِمَ غَائِبُهُ - فَإِنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ الْغَائِبُ، وَمَا لَمْ يُفِقْ الْأَبُ فَهَلَّا مَنَعُوا مِنْ هَذَا بِ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . فَإِنْ قَالُوا: قَدْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ الْأَبِ الْمَرِيضِ، وَالْغَائِبِ؟ قُلْنَا: وَقَدْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُكَاتَبُ الْعِتْقَ عِنْدَكُمْ بِالْعَجْزِ وَلَا فَرْقَ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] مَانِعًا مِنْ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُبْطِلَ عَقْدَهُ قَاصِدًا إلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ، فَقَطْ. وَأَمَّا وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَاشْتَرَطَ أَنْ يَغْشَاهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ مُكَاتَبَتَهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ.

وَالْعَجَبُ: أَنَّ الْمَانِعِينَ مِنْ وَطْئِهَا اخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: إنْ حَمَلَتْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُجْلَدُ مِائَةً، فَإِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُجْلَدُ مِائَةً فِي وَطْئِهِ مَنْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ إنْ حَمَلَتْ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِرَاشٌ أَوْ عِهْرٌ وَلَا ثَالِثَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُجْلَدُ مِائَةَ سَوْطٍ غَيْرَ سَوْطٍ، وَهِيَ كَذَلِكَ إنْ طَاوَعَتْهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَهَا وَلَا عَلَيْهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّمَادِي عَلَى الْكِتَابَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ وَتُبْطِلُ الْكِتَابَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، كَقَوْلِ سُفْيَانَ، إلَّا أَنَّهُ زَادَ " إنْ تَمَادَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ مِنْهُ مَهْرَ مِثْلِهَا فَاسْتَعَانَتْ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا " إلَّا أَنَّ مَالِكًا زَادَ " أَنَّهُ يُؤَدَّبُ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي لِأَيِّ مَعْنًى تَأْخُذُ مِنْهُ مَهْرًا أَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ هَذَا الْبَاطِلِ أَمْ هِيَ بَغْيٌ؟ فَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْرَ الْبَغْيِ، أَمْ هِيَ مِلْكُ يَمِينِهِ فَهِيَ حَلَالٌ وَلَا مَهْرَ لَهَا؟ أَمْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ بِصِفَةٍ، كَالْحَائِضِ، أَوْ الصَّائِمَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَتَخْلِيطٌ لَا يُعْقَلُ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعَزَّرَانِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِي الْمَنْعِ مِنْ وَطْئِهَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ وَصَارَتْ فِي يَدِ نَفْسِهَا، كَالْمَرْهُونَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَذِبٌ، مَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ، وَلَا عَنْ مِلْكِهِ، إلَّا بِالْأَدَاءِ فَقَطْ، وَالدَّعْوَى لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَالْمَرْهُونَةُ حَلَالٌ لِسَيِّدِهَا، وَالْمَانِعُ مِنْ وَطْئِهَا مُخْطِئٌ - وَهَذَا احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ، وَلِلدَّعْوَى بِالدَّعْوَى، وَلِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ. وَقَالُوا: قَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ مَنَافِعِهَا وَوَطْؤُهَا مِنْ مَنَافِعِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ، بَلْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ رَقَبَتِهَا، وَمِلْكُ رَقَبَتِهَا مِنْ مَنَافِعِهَا، وَإِنَّمَا الْحَقُّ هَاهُنَا أَنَّ مَنَافِعَهَا لَهُ بِلَا خِلَافٍ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ مِنْهُمَا إلَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ، وَلَا نَصَّ فِي مَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا مَا لَمْ تُؤَدِّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَطْؤُهَا كَإِتْلَافِ بَعْضِهَا - وَهَذَا غَايَةُ السُّخْفِ - وَلَئِنْ كَانَ كَإِتْلَافِ بَعْضِهَا إنَّهُ لَحَرَامٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُ بَعْضِهَا وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ تَعُدْ الْكِتَابَةُ " فَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ بَطَلَ بِحَقٍّ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدِهِ، أَوْ بِأَنْ يُوجِبَ عَوْدَتَهُ بَعْدَ بُطْلَانِهِ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ هَاهُنَا. وَأَمَّا إذَا أَدَّيَا شَيْئًا فَقَدْ شُرِعَ الْعِتْقُ فِيهِمَا بِمِقْدَارِ مَا أَدَّيَا، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ حُرٍّ وَلَا بَيْعُ جُزْءِ حُرٍّ، وَلَا وَطْءُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ يَمِينِهِ حِينَئِذٍ، بَلْ بَعْضُهَا مِلْكُ يَمِينِهِ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مِلْكِ يَمِينِهِ وَالْوَطْءُ لَا يَنْقَسِمُ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءٌ حَرَامٌ أَصْلًا، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ زَانٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَالْوَلَدُ غَيْرُ لَاحِقٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - وَلَهُ بَيْعُ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْهُمَا، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمَرْءِ حِصَّتَهُ الَّتِي فِي مِلْكِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ مَاتَ السَّيِّدُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ، أَوْ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ مِنْهُ " فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - شُرُوعُ الْعِتْقِ فِي الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ، وَبَقَاءُ سَائِرِهِ رَقِيقًا، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ حُرٌّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ رَقِيقًا، وَمَا بَقِيَ رَقِيقًا فَقَدْ مَلَكَهُ: الْوَرَثَةُ، وَالْمُوصَى لَهُمْ، أَوْ الْغُرَمَاءُ. وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَيِّتِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ الشَّعْبِيِّ لَيْسَ لِمَيِّتٍ شَرْطٌ وَقَالَ هَؤُلَاءِ: إنَّمَا يَرِثُونَ الْكِتَابَةَ - وَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ دَيْنًا وَلَا مَالًا مُسْتَقِرًّا وَاجِبًا، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ: إنَّهَا تُورَثُ. وَأَمَّا مَوْتُ الْمُكَاتَبِ: فَفِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ، وَحَدِيثٌ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ، رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ، وَلَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ: أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَرَثَةٌ: إنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِيمَا تَرَكَ

الْمُكَاتَبُ: هُوَ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ - وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: غَيْرَ هَذَا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ حَمَّادٌ: نا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسِ بْنِ مُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ عَلِيٍّ فِي مُكَاتَبٍ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ قَالَ: يُؤَدِّي مِمَّا تَرَكَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَيَصِيرُ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِوَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا: أَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ، وَمَا فَضَلَ رُدَّ عَلَى وَلَدِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ - وَبِهِ كَانَ يَقْضِي شُرَيْحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ فِي مُكَاتَبٍ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ وَمَالٌ: أَنْ يُعْطَى سَيِّدُهُ بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِوَلَدِهِ الْأَحْرَارِ - وَبِهِ يَقُولُ مَعْبَدٌ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: إنَّ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ - وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَوْلَادٌ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ، وَأَوْلَادٌ لَيْسُوا مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ: فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ وَلَدُهُ جَمِيعًا مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: غَيْرَ هَذَا، كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ وَمَنْ قَلَّدَهُ: أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنْ كَانَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ أُمُّهُ وَأَبُوهُ وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَبَنُوهُ وَبَنَاتُهُ، وَبَنُو بَنِيهِ وَبَنُو بَنَاتِهِ، وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ، وَزَوْجَاتُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَقَدْ كَانَ كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ ذَكَرْنَا كِتَابَةً وَاحِدَةً، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أَحْرَارٌ، وَإِخْوَةٌ أَحْرَارٌ، وَأَبَوَانِ حُرَّانِ، فَمَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَيَرِثُ مَنْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مَا بَقِيَ عَلَى قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ.

وَلَا يَرِثُهُ أَبٌ حُرٌّ، وَلَا أُمٌّ حُرَّةٌ، وَلَا أَوْلَادٌ أَحْرَارٌ، وَلَا إخْوَةٌ أَحْرَارٌ، أَصْلًا، كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مَنْ لَا يُعْتَقُ عَلَى الْمَرْءِ إذَا مَلَكَهُ، كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْأَخِ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَالْمَالُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ: فَمَرَّةً قَالَ: يَرِثَانِ إذَا كَانَا مَعَهُ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ - وَمَرَّةً قَالَ: لَا يَرِثَانِهِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ: أَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ إذَا لَمْ يَكُونَا مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ - وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ، وَهَذِهِ فَرِيضَةُ مَا سُمِعَ بِأَطَمَّ مِنْهَا، وَهِيَ خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَعْقُولِ، وَقَوْلُ كُلِّ أَحَدٍ يُعْرَفُ قَوْلُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: الْمُكَاتَبُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُحْجَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ: إنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُجْلَدُ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيَكُونُ دَيْنُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُكَاتَبِ؟ فَقَالَ: إذَا أَدَّى قِيمَةَ رَقَبَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ، وَإِنْ مَاتَ أَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةَ مُكَاتَبَتِهِ، وَوَرِثَ وَلَدُهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَوَرِثَ مَوَالِيهُ بِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَخَاذُلُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِ، وَيَكْفِي مِنْهُ أَنْ لَا يُعْرَفَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا يُعْقَلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا كَانَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ، وَلَا حُكْمِ الْأَحْرَارِ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِمِيرَاثِهِ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرَ حُكْمِ الْعَبِيدِ فِي مِيرَاثِهِمْ، وَغَيْرَ حُكْمِ الْأَحْرَارِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا: فَقُولُوا هَكَذَا فِي حُدُودِهِ، وَأَخْرِجُوا لَهُ حُدُودًا طَرِيفَةً، وَقُولُوا

كَذَلِكَ فِي دِيَتِهِ، وَقُولُوا بِمِثْلِ هَذَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَكَيْفَ وَأَصْلُكُمْ هَذَا بَاطِلٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَكُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ، إلَّا أَنَّ سَيِّدَهُ، لَا يَنْتَزِعُ مَالَهُ، وَلَا يَسْتَخْدِمُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالتَّكَسُّبِ فَقَطْ، كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَمَةِ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُبَاعُ أَبَدًا، وَلَا تُوهَبُ أَبَدًا، وَلَا تَعُودُ إلَى حُكْمِ الرِّقِّ أَبَدًا. وَقَالُوا أَيْضًا: هَذَا الْمَالُ كَانَ مَوْقُوفًا لِعِتْقِ جَمِيعِهِمْ، فَكَانَ كَأَنَّهُ لَهُمْ؟ فَقُلْنَا: فَاجْعَلُوهُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ بِهَذَا الدَّلِيلِ، وَلَا تَقْسِمُوهُ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ، وَأَدْخِلُوا فِيهِ كُلَّ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا نَدْرِي كَيْفَ انْشَرَحَتْ نَفْسُ أَحَدٍ لِقَبُولِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى شِدَّةِ فَسَادِهِ، مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ فَاسِدٌ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتَبَ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا مَاتَ عَبْدًا، وَإِذَا مَاتَ عَبْدًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْحُرِّيَّةُ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا، فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِدَقِيقَةٍ، فَإِنَّهُ مَاتَ عَبْدًا، وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَمَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ، فَإِنَّمَا بَنَوْا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ - وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَهُ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَشْرَعُ فِيهِ الْعِتْقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّ لِذَلِكَ الْبَعْضِ حُكْمَ الْحُرِّ وَلِبَاقِيهِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي الْمِيرَاثِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَمْلُ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ مَا لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ بَعْضُهَا كَمَا قَدَّمْنَا فَلَهُ حُكْمُهَا وَأَمَّا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُهَا قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] وَهُوَ عِنْدَ ذَلِكَ ذَكَرٌ وَهِيَ أُنْثَى، أَوْ أُنْثَى غَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لَهَا حُكْمُ الْأُمِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَجَزْتُمْ عِتْقَ جَمِيعِ الْمُكَاتَبِ إذْ بَعْضُهُ حُرٌّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ عَتَقَ كُلُّهُ» وَأَوْجَبْتُمْ الِاسْتِسْعَاءَ بِذَلِكَ الْخَبَرِ؟

مسألة الكتابة على شرط خدمة فقط

قُلْنَا: لَا يَحِلُّ ضَرْبُ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلَا أَنْ يُتْرَكَ حُكْمُهُ بِحُكْمٍ لَهُ آخَرَ، بَلْ كُلُّ أَحْكَامِهِ فَرْضٌ اتِّبَاعُهَا، وَكُلُّ كَلَامِهِ حَقٌّ مَسْمُوعٌ لَهُ وَمُطَاعٌ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ بِعِتْقِ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ، إمَّا عَلَى مُعْتِقِ بَعْضِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِمَّا بِالِاسْتِسْعَاءِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَصَّ الْمُكَاتَبَ بِحُكْمٍ آخَرَ - وَهُوَ عِتْقُ بَعْضِهِ وَبَقَاءُ بَعْضِهِ رَقِيقًا - فَقَبِلْنَا كُلَّ مَا أُمِرْنَا بِهِ، وَلَمْ نُعَارِضْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ، وَمَنْ تَعَاطَى تَعْلِيمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّينَ فَهُوَ أَحْمَقُ، وَكِلَا هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ قَدْ صَحَّ فِيهِمَا اخْتِلَافُ مَنْ سَلَفَ وَخَلَفَ، وَكِلَاهُمَا نَقْلُ الْآحَادِ الثِّقَاتِ، فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ بَعْضٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْكِتَابَة عَلَى شَرْط خدمة فَقَطْ] 1692 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الْكِتَابَةُ عَلَى شَرْطِ خِدْمَةٍ فَقَطْ، وَلَا عَلَى عَمَلٍ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ أَصْلًا، وَالْكِتَابَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . [مَسْأَلَة الْكِتَابَة إلَى غَيْر أَجَل مُسَمَّى] 1693 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كُوتِبَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى فَهُوَ عَلَى كِتَابَتِهِ مَا عَاشَ السَّيِّدُ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ السَّيِّدِ فَمَتَى أَدَّى مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ كِتَابَتِهِ وَعَقْدِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَمَنْ كُوتِبَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى نَجْمٍ وَاحِدٍ أَوْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، فَحَلَّ وَقْتُ النَّجْمِ وَلَمْ يُؤَدِّ، فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي صَدْرًا مِنْ كِتَابَتِهِ ثُمَّ يَعْجِزُ؟ قَالَ: يُرَدُّ عَبْدًا، سَيِّدُهُ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ الَّذِي شَرَطَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ. يَعْنِي أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا لَهُ فِي الرِّقِّ، إذْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ أَدَّى نِصْفَ كِتَابَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَأَدْخَلَ نَجْمًا فِي نَجْمٍ رُدَّ فِي الرِّقِّ.

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَاتَبَ أَفْلَحَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَأَلَهُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ دُونَ أَنْ يَعْجِزَ؟ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ بَتْلًا. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ: تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ جَائِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ دُونَ السُّلْطَانِ، إلَّا أَنَّ لِمَالِكٍ قَوْلًا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيزُ إلَّا بِحُكْمِ السُّلْطَانِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَعْجِيزِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَلَاصِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى حَوْلَيْنِ - زَادَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَإِنْ أَدَّى، وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ - وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ - وَلَمْ يَقُلْ جَابِرٌ، وَلَا ابْنُ عُمَرَ بِالتَّلَوُّمِ، بَلْ أَرَقَّهُ ابْنُ عُمَرَ سَاعَةَ ذَكَرَ أَنَّهُ عَجَزَ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَعْجِزُ: إنَّهُ يُعْتَقُ بِالْحِسَابِ - يَعْنِي بِحِسَابِ مَا أَدَّى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُرَقُّ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لَا يُؤَدِّيهِمَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إذَا عَجَزَ اُسْتُوْفِيَ بِهِ شَهْرَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إذَا عَجَزَ اسْتَوْفَى بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ ثُمَّ يُرَقُّ - وَقَالَ مَالِكٌ: يَتَلَوَّمُ لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَسْعَى، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَشُرَيْحٍ إذَا أَدَّى النِّصْفَ فَلَا رِقَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَرِيمٌ - وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُمْ. وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى ثُلُثَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ إبْرَاهِيمَ: إذَا أَدَّى رُبُعَ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ. وَقَوْلَ عَطَاءٍ: إذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ كِتَابَتِهِ فَهُوَ غَرِيمٌ.

وَقَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ: إذَا أَدَّى قِيمَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ - وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ حُجَّةً، وَأَعْجَبُهَا قَوْلُ مَنْ حَدَّ التَّلَوُّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ بِشَهْرَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَفَرَأَيْت إنْ لَمْ يَتَلَوَّمْ لَهُ السُّلْطَانُ إلَّا سَاعَةً، إذْ رَأَى أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ خَمْسِينَ عَامًا. ثُمَّ نَقُولُ لِجَمِيعِهِمْ: لَا تَخْلُو الْكِتَابَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا لَازِمًا، أَوْ تَكُونَ عِتْقًا بِصِفَةٍ لَا دَيْنًا، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ أَصْلًا، لَا فِي الدِّيَانَةِ وَلَا فِي الْمَعْقُولِ. فَإِنْ كَانَتْ عِتْقًا بِصِفَةٍ فَالْوَاجِبُ أَنَّهُ سَاعَةَ يَحِلُّ الْأَجَلُ فَلَا يُؤَدِّيهِ، فَلَمْ يَأْتِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لَا عِتْقَ لَهُ إلَّا بِهَا - فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ وَلَا عِتْقَ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ التَّلَوُّمُ عَلَيْهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، كَمَنْ قَالَ لِغُلَامِهِ: إنْ قَدِمَ أَبِي يَوْمِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدِمَ أَبُوهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا عِتْقَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا - وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ، وَمَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ - وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا -. فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ عِتْقًا بِصِفَةٍ، أَوْ يَكُونَ دَيْنًا وَاجِبًا، فَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِشُرُوعِ الْعِتْقِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا دَيْنٌ وَاجِبٌ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عِتْقًا بِصِفَةٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ بَعْضِ الْكِتَابَةِ لَيْسَ هُوَ الصِّفَةَ الَّتِي تَعَاقَدَا الْعِتْقَ عَلَيْهَا، فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ أَصْلًا - وَوَجَبَتْ النَّظِرَةُ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَلَا بُدَّ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذْ هِيَ دَيْنٌ كَمَا تَقُولُ، فَهَلَّا حَكَمْتُمْ بِهِ - وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ السَّيِّدُ، أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ - كَمَا حَكَمْتُمْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؟ قُلْنَا: لَمْ نَفْعَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ دَيْنًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ دَيْنٌ يَصِحُّ بِثَبَاتِ الْمِلْكِ، وَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لِلسَّيِّدِ بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى الْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنْ

مسألة تحديد عدد وصفة الشيء المكاتب عليه

يَكُونَ بِأَدَائِهِ حُرًّا فَقَطْ - بِهَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَفَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُ الْمُعْتِقِ، فَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ عَنْ الْعَبْدِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَمَامِهِ أَبَدًا. وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَقَدْ بَطَلَ وُجُودُهُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ الْعِتْقِ، فَبَطَلَ دَيْنُ السَّيِّدِ، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الدَّيْنَ إلَّا بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا قَدْ بَطَلَ عِتْقُهُ فِي عَبْدِ غَيْرِهِ، فَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ مِمَّا لَا يَجِبُ لَهُ إلَّا بِمَا قَدْ بَطَلَ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة تَحْدِيد عَدَد وصفة الشَّيْءِ الْمُكَاتَب عَلَيْهِ] 1694 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ عِتْقًا إلَّا حَتَّى يَلْفِظَ سَيِّدُهُ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ. [مَسْأَلَة الْكِتَابَة عَلَى مجهول الْعَدَد] 1965 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْكِتَابَةُ عَلَى مَجْهُولِ الْعَدَدِ، وَلَا عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ، وَلَا بِمَا لَا يَحِلُّ مِلْكُهُ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِتْقٌ أَصْلًا، وَلَا بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَرَرٌ مُحَرَّمٌ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي تَمْيِيزٍ صَحِيحٍ أَنَّ مَا عَقَدَا لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ فَلَا صِحَّةَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ تُفْسَخُ مَا لَمْ يُؤَدِّهَا فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَيْنُ الْفَسَادِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ الْبَاطِلُ بِتَمَامِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: 8] .

مسألة الكتابة بما لا يحل بيعه

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا عُقِدَتْ الْكِتَابَةُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتْ الْكِتَابَةُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا غَايَةُ الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ يُلْزِمُهُمَا عَقْدًا لَمْ يَلْتَزِمَاهُ قَطُّ، وَلَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلْزَامِهِمَا إيَّاهُ، وَإِنَّمَا تَرَاضَيَا الْكِتَابَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَإِلَّا فَلَا كِتَابَةَ بَيْنَهُمَا، فَإِمَّا أَنْ يَصِحَّ شَرْطُهُمَا فَتَصِحَّ كِتَابَتُهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ فَلَا كِتَابَةَ هَاهُنَا أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ كَاتَبَ عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ أَوْ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ، أَوْ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ لَهُ مِقْدَارٌ، فَهِيَ كِتَابَةُ بَاطِلٍ، وَلَا عِتْقَ لَهُ وَإِنْ أَدَّى، وَإِنْ كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ مَحْدُودَةٍ، أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ مَوْصُوفٍ، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ عَتَقَ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَوْلَاهُ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا سُمِعَ بِأَنْتَنَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ، وَلَا بِأَفْسَدَ مِنْهُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ الثَّمَنَ وَلَا عَرَفَاهُ، فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ وَهِيَ مَعَهُ وَأَعْتَقَهُ - جَازَ عِتْقُهُ. وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ هَاهُنَا أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الْعُقُودُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ جَائِزَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَلَقَدْ أَنْزَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُنْزِلْهُمْ مِنْ الِائْتِسَاءِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْكُفَّارِ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَهْلَ الْكُفْرِ أُسْوَةً، وَلَا قُدْوَةً، وَإِنَّ فِي هَذِهِ لِدَلَائِلَ سُوءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ، فَكَيْفَ وَمَا أَحَلَّ ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُذْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ سَلَفًا وَلَا لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِشَيْءٍ؟ [مَسْأَلَة الْكِتَابَة بِمَا لَا يَحِلّ بَيْعه] 1696 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ بِمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إذَا حَلَّ مِلْكُهُ، كَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالْمَاءِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَالسُّنْبُلِ الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مَالٌ حَلَالٌ تَمَلُّكُهُ، وَهِبَتُهُ، وَإِصْدَاقُهُ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ بَيْعًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة نزع السَّيِّد شَيْئًا مِنْ مَال مُكَاتَبه] 1697 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ مُكَاتَبِهِ مُذْ يُكَاتِبُهُ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ؛ أَوْ بَاعَ مِنْهُ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إذَا بَاعَهُ كُلَّهُ، وَأَمَّا فِي بَيْعِ بَعْضِهِ فَمَالُهُ لَهُ وَمَعَهُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ، وَقَيْسٍ، قَالَ زِيَادٌ: عَنْ الْحَسَنِ،

مسألة ولد المكاتب من أمته حر

وَقَالَ قَيْسٌ: عَنْ عَطَاءٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَاتَبَهُ مَوْلَاهُ وَلَهُ مَالٌ وَسُرِّيَّةٌ وَوَلَدٌ: أَنَّ مَالَهُ لَهُ، وَسُرِّيَّتَهُ لَهُ، وَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ - وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا: مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَالُهُ لِسَيِّدِهِ - وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمَالُ لِلسَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُكَاتَبُ - وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: مَا عَرَفَهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ فَهُوَ لِلْعَبْدِ، وَمَا لَمْ يَعْرِفْهُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَالُ الْعَبْدِ لَهُ، وَجَائِزٌ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ بِالنَّصِّ، فَإِذَا كُوتِبَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ كَسْبَهُ لَهُ، لَا لِلسَّيِّدِ - وَلَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ لَمْ يَتِمَّ عِتْقُهُ أَبَدًا. فَصَحَّ أَنَّ حَالَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ حَالِهِ قَبْلَهَا، وَكَانَ مَالُهُ كُلُّهُ حُكْمًا وَاحِدًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ نَصٌّ. [مَسْأَلَة وَلَد الْمُكَاتَب مِنْ أمته حُرّ] 1698 - مَسْأَلَةٌ: وَوَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ أَوْ يُعْتِقَ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا - وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مُكَاتَبًا مِنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ضمان نجوم الْكِتَابَة] 1699 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا حَلَّ النَّجْمُ، أَوْ الْكِتَابَةُ وَوَجَبَتْ، فَضَمَانُهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَائِزٌ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ قَدْ صَحَّ وُجُوبُهُ لِلسَّيِّدِ، وَهُوَ دَيْنٌ لَازِمٌ، فَضَمَانُهُ جَائِزٌ. وَلَوْ بِيعَ مِنْ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُؤَدِّ كَانَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدُ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ - وَلَعَلَّهُ يَمُوتَ قَبْلَ وُجُوبِهِ، أَوْ يَمُوتُ السَّيِّدُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ. [مَسْأَلَة مقاطعة الْمُكَاتَب والوضع عَنْهُ بِشَرْطِ] 1700 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ، وَلَا أَنْ يُوضَعَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ؛ لِأَنَّهُمَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَمَا لَا يَدْرِي أَهُوَ فِي الْعَالَمِ أَمْ لَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: وَأَبُو حَنِيفَةَ: مُقَاطَعَةُ الْمُكَاتَبِ جَائِزَةٌ بِبَعْضِ مَا عَلَيْهِ، وَبِالْعُرُوضِ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُقَاطَعَتُهُ إلَّا بِالْعُرُوضِ. فَخَالَفَا ابْنَ عُمَرَ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.

مسألة مكاتبة بعض عبد

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي نَصٍّ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة مُكَاتَبَة بَعْض عَبْد] 1701 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِ عَبْدٍ وَلَا كِتَابَةُ شِقْصٍ لَهُ فِي عَبْدٍ مَعَ غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَلَيْسَ بَعْضُ الْعَبْدِ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُ مَالِك بَعْضِهِ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ مِلْكُ يَمِينِهِ أَصْلًا، وَلَا أَنَّهُ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ بِيَقِينٍ. فَلَوْ اتَّفَقَ الشَّرِيكَانِ مَعًا عَلَى كِتَابَةِ عَبْدِهِمَا أَوْ أَمَتِهِمَا مَعًا بِلَا فَصْلٍ جَازَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مُخَاطَبُونَ بِالْآيَةِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِسَادَاتِ الْمُشْتَرَكِ - وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً: هَذَا الْعَبْدُ مِلْكُ يَمِينِكُمْ، وَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَكَانَ فِعْلُهُمَا هَذَا دَاخِلًا فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ صِحَّةِ خَبَرِ بَرِيرَةَ وَأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لِجَمَاعَةٍ، هَكَذَا فِي نَصِّ الْخَبَرِ. [مَسْأَلَة تَعْجِيل نجوم الْكِتَابَة] 1702 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ، فَأَرَادَ الْعَبْدُ تَعْجِيلَهَا كُلَّهَا، أَوْ تَعْجِيلَ بَعْضِهَا قَبْلَ أَجَلِهِ: لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُ ذَلِكَ، وَلَا عِتْقَ الْعَبْدِ، وَهِيَ إلَى أَجَلِهَا، وَكُلُّ نَجْمٍ مِنْهَا إلَى أَجَلِهِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ مَنْ خَالَفَنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . وَقَالَ مَالِكٌ: يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَتَعْجِيلِ الْعِتْقِ لِلْمُكَاتَبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا، وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا لَمْ يُجْبَرْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ فِي تَأْجِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ خَوْفٍ لَحِقَهُ أَوْ رَجَاءِ ارْتِفَاعِ سِعْرٍ لِدَيْنِهِ مِنْهُمَا، كَمَا فِي الْعُرُوضِ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ أَوْهَمُوا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا الْوَزَّانُ نا عَلِيٌّ نا مُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْد بْنِ مَنْجُوفٍ نا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ

مسألة على السيد أن يعطي المكاتب مالا من عند نفسه

قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، فَكُنْت فِي مِفْتَحِ تُسْتَرَ فَاشْتَرَيْت رَثَّةً فَرَبِحْت فِيهَا، فَأَتَيْت أَنَسًا بِجَمِيعِ مُكَاتَبَتِي، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إلَّا نُجُومًا، فَأَتَيْت عُمَرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ: أَرَادَ أَنَسٌ الْمِيرَاثَ، وَكَتَبَ إلَى أَنَسٍ: أَنْ اقْبَلْهَا، فَقَبِلَهَا. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَسَائِرُهَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَتِهِ أَتَاهُ الْعَبْدُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَأَبَى الْحَارِثُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَقَالَ: لِي شَرْطِي، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: هَلُمَّ الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتُعْطِيه مِنْهُ فِي كُلِّ حِلٍّ مَا يَحِلُّ، فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَجِيبٌ جِدًّا إذْ رَأَى عُمَرُ، وَعُثْمَانُ إجَابَةَ السَّيِّدِ إلَى كِتَابَةِ عَبْدِهِ إذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ، وَخَالَفَهُ أَنَسٌ، وَاحْتَجَّ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ بِالْقُرْآنِ كَانَ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً، وَكَانَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِذَا وَافَقَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَأْيَ مَالِكٍ، خَالَفَهُمَا أَنَسٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَهُمَا صَاحِبَانِ، وَالْقُرْآنُ: صَارَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ حُجَّةً، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَنَسٍ حُجَّةً " إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ". فَإِنْ مَوَّهُوا بِتَعْظِيمِ أَمْرِ الْعِتْقِ؟ قُلْنَا: أَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ؟ إذْ لَمْ تُوجِبُوا الْكِتَابَةَ فَرْضًا لِعِتْقِ الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهَا؟ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَغَيْرُهُمَا. وَأَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا التَّعْظِيمِ إذْ رَدَدْتُمْ الْمُكَاتَبَ رَقِيقًا مِنْ أَجْلِ دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ بَقِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ؟ فَبَادَرْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ كُلَّ مَا أَعْطَى وَلَمْ تُؤَجِّلُوهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَبَعْضُكُمْ أَيْضًا: أَمْرًا يَسِيرًا، وَأَنْتُمْ بِزَعْمِكُمْ أَصْحَابُ نَظَرٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ طَلَبِ الْعَبْدِ تَعْجِيلَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لِيَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ وَالسَّيِّدُ يَأْبَى إلَّا شَرْطَهُ الْجَائِزَ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ: فَتُجْبِرُونَ السَّيِّدَ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ، وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ السَّيِّدُ تَعْجِيلَ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا لِيَتَعَجَّلَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ يَأْبَى إلَّا الْجَرْيَ عَلَى نُجُومِهِ فَلَا تُجْبِرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ فِي التَّخَاذُلِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ وَالْمُنَاقَضَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ . [مَسْأَلَةٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُكَاتَبَ مَالًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ] 1703 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُكَاتَبَ مَالًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَا

طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، مِمَّا يُسَمَّى مَالًا فِي أَوَّلِ عَقْدٍ لِلْكِتَابَةِ، وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ كُلِّفَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ الْغُرَمَاءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَنَاقَضَ، فَرَأَى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] عَلَى النَّدْبِ - وَرَأَى وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] عَلَى الْوُجُوبِ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَجِدْ فِيهِ عَدَدًا مَا أَحَدُهُمَا: مَوْكُولٌ إلَى السَّيِّدِ، وَالْآخَرُ: مَوْكُولٌ إلَيْهِ وَإِلَى الْعَبْدِ بِالْمَعْرُوفِ، مِمَّا لَا حَيْفَ فِيهِ وَلَا مَشَقَّةَ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ نَدْبٌ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَلِغَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَطَأٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ " كِلَا الْأَمْرَيْنِ نَدْبٌ " فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَحْمِلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: افْعَلُوا، عَلَى: لَا تَفْعَلُوا إنْ شِئْتُمْ - وَلَا يَفْهَمُ هَذَا الْمَعْنَى أَحَدٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ - وَهَذِهِ إحَالَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ وَرَدَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّهُ أَمْرٌ لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ " فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] . فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالْكِتَابَةِ لَهُمْ: هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِتْيَانِهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ، لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ غَيْرَ هَذَا - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَحَكُّمُهُمْ بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ: أَنَّهُ حَثَّ عَلَيْهِ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَرَ بِذَلِكَ السَّيِّدَ وَغَيْرَهُ، فَهَؤُلَاءِ رَأَوْهُ وَاجِبًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ، وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ اتَّفَقَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْلَاهُ وَالنَّاسَ أَنْ يُعِينُوا الْمُكَاتَبَ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَشَهِدْته كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَحَطَّ عَنْهُ أَلْفًا فِي آخِرِ نُجُومِهِ - ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] الرُّبُعَ مِمَّا تُكَاتِبُوهُمْ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ - وَرُوِّينَا أَيْضًا فِي أَنَّهُ عُشْرُ الْكِتَابَةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ: هُوَ الْعُشْرُ يُتْرَكُ لَهُ مِنْ كِتَابَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا أَبُو شَبِيبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَاتَبَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَيَّةَ، فَجَاءَهُ بِنَجْمِهِ حِينَ هَلَّ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ نَجْمٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لِعَلِيٍّ لَا أُدْرِكُهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّيّ عَنْ أَبِي عَنْ جَدِّي عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَحْدَرِيِّ قَالَ الْمُبَارَكُ: وَحَدَّثَنِي مَيْمُونُ بْنُ جَابَانَ عَنْ عَمِّي عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَأَلْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْمُكَاتَبَةَ؟ قَالَ لِي: كَمْ تَعْرِضُ؟ قُلْت: مِائَةَ أُوقِيَّةٍ، قَالَ: فَمَا اسْتَزَادَنِي، قَالَ: فَكَاتِبْنِي وَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كَاتَبْت غُلَامِي، وَأَرَدْت أَنْ أُعَجِّلَ لَهُ طَائِفَةً مِنْ مَالِي فَأَرْسِلِي إلَيَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى أَنْ يَأْتِيَنِي شَيْءٌ؟ فَأَرْسَلَتْ بِهَا إلَيْهِ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ بِيَمِينِهِ وَقَرَأَ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] خُذْهَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَقَدْ كَانَ أَشْبَهَ بِأُمُورِ الدِّينِ، وَأَدْخَلَ فِي السَّلَامَةِ أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنْ يَقُولُوا: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ مِنْهُمْ، حَيْثُ يَقُولُونَ مَا

يُضْحِكُ الثَّكَالَى، وَيُبْعِدُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ الْمَعْقُولِ: أَنَّهُ إنْ انْكَشَفَ فِي فَخِذِ الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ مِنْ السَّاقِ، أَوْ مِنْ الْبَطْنِ، أَوْ مِنْ الذِّرَاعِ، أَوْ مِنْ الرَّأْسِ الرُّبُعُ: بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، فَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَبِيبٍ - هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ - أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ» ، قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قِيلَ: فَلَمْ لَمْ تَأْخُذُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِ عَطَاءٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا أَبُو النُّعْمَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ: تَغَيَّرَ حِفْظُ ابْنِ السَّائِبِ بَعْدُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا عَلِيٌّ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يَرْوِي حَدِيثَ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إلَّا عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ اخْتِلَاطُهُ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُحْتَجَّ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا بِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْهُ إلَّا مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَمَّا هُمْ فَإِذَا وَافَقَ الْخَبَرُ رَأْيَهُمْ لَمْ يُعَلِّلُوهُ - وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا - فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ فَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ بِحَدِيثِ كِتَابَةِ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ

أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَسْتَعِينُهُ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَقْضِ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ» قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إيتَاءَ مَالِ الْمُكَاتَبِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. أَمَّا خَبَرُ سَلْمَانَ فَإِنَّ مَالِكَهُ كَانَ يَهُودِيًّا غَيْرَ ذِمِّيٍّ، بَلْ مُنَابِذٌ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ مِنْ إيتَاءِ الْمَالِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهُ فِيمَا أَجَازَهُ فِيهِ نَصًّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إحْيَاءِ ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، وَلَا مَقْبُوضَةً، وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَسُبْحَانَ مَنْ أَطْلَقَ أَلْسِنَتَهُمْ بِهَذِهِ الْعَظَائِمِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الْحَيَاءُ، وَأَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الدِّينُ. وَأَمَّا خَبَرُ جُوَيْرِيَةَ: فَلَيْسَ فِيهِ عَلَى مَاذَا كَاتَبَهَا، وَلَا هَلْ كَاتَبَ إلَى أَجَلٍ أَمْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي إجَازَةِ الْكِتَابَةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَكُلُّ كِتَابَةٍ أَفْسَدُوهَا إذْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا إيتَاءَ الْمَالِ، فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهَا لَمْ تُؤْتِ الْمَالَ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ، فَكَيْفَ وَهِيَ كِتَابَةٌ لَمْ تَتِمَّ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ مَوْلَاةً لِثَابِتٍ، وَلَا لِابْنِ عَمِّهِ، بَلْ قَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» . فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ مَحْدُودَ الْقَدْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا؟ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا عَطَاءً يَكِلُهُ إلَى اخْتِيَارِنَا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْطَيْنَاهُ كُنَّا قَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا. وَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا فِي الْمُتْعَةِ الَّتِي رَآهَا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فَرْضًا - وَهِيَ غَيْرُ مَحْدُودَةِ الْقَدْرِ؟ وَهَلَّا قَالَ هَذَا الْمَالِكِيُّونَ فِي الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ عَنْوَةً - وَهُوَ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ؟

وَكَمَا قَالُوا فِيمَا أَوْجَبُوا فِيهِ الْحُكُومَةَ فَرْضًا مِنْ الْخَرَاجِ - وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ؟ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ لَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ وَفِي ظَنِّهِمْ: أَنْ يَتَعَقَّبُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى حُكْمَهُ بِمَا لَا يَتَعَقَّبُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا يُشَرِّعُونَهُ فِي الدِّينِ بِآرَائِهِمْ -. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. تَمَّ كِتَابُ الْكِتَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كتاب صحبة ملك اليمين

[كِتَابُ صُحْبَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَقُولُ السَّيِّدِ لِغُلَامِهِ هَذَا عَبْدِي وَلَا لِمَمْلُوكَتِهِ هَذِهِ أَمَتِي] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ كِتَابُ صُحْبَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ 1704 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِغُلَامِهِ: هَذَا عَبْدِي، وَلَا لِمَمْلُوكَتِهِ: هَذِهِ أَمَتِي، لَكِنْ يَقُولُ: غُلَامِي، وَفَتَايَ، وَمَمْلُوكِي، وَمَمْلُوكَتِي وَخَادِمِي، وَفَتَاتِي. وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا رَبِّي، أَوْ مَوْلَايَ، أَوْ رَبَّتِي. وَلَا يَقُلْ أَحَدٌ لِمَمْلُوكٍ: هَذَا رَبُّك، وَلَا رَبَّتُك، لَكِنْ يَقُولُ: سَيِّدِي. وَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ الْمَرْءُ لِآخَرَ: هَذَا عَبْدُك، وَهَذَا عَبْدُ فُلَانٍ، وَأَمَةُ فُلَانٍ، وَمَوْلَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَا فَقَطْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ: هَؤُلَاءِ عَبِيدُك، وَعِبَادُك، وَإِمَاؤُك. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، وَأَمَتِي، وَلَا يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ: رَبِّي، وَرَبَّتِي، وَلْيَقُلْ الْمَالِكُ: فَتَايَ، وَفَتَاتِي، وَلْيَقُلْ الْمَمْلُوكُ: سَيِّدِي، وَسَيِّدَتِي، فَإِنَّكُمْ: الْمَمْلُوكُونَ، وَالرَّبُّ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ

مسألة كسوة المملوك وطعامه

رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ - اسْقِ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: رَبِّي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي، وَلَا يَقُلْ: مَوْلَايَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ، فَتَاتِي، غُلَامِي» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَلَا يَقُلْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: مَوْلَايَ، فَإِنَّ مَوْلَاكُمْ اللَّهُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةُ النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ: مَوْلَايَ، وَالنَّهْيُ هُوَ الزَّائِدُ، وَالْوَارِدُ بِرَفْعِ الْإِبَاحَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا ابْنُ السَّرْحِ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو - هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ، فَأَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالِدُ الْعَلَاءِ - وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ فُتْيَاهُ: أَبُو يُونُسَ غُلَامُهُ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: 23] وَقَوْلِهِ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] فَتِلْكَ شَرِيعَةٌ، وَهَذِهِ أُخْرَى، وَتِلْكَ لُغَةٌ، وَهَذِهِ أُخْرَى، وَقَدْ كَانَ هَذَا مُبَاحًا عِنْدَنَا وَفِي شَرِيعَتِنَا حَتَّى نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] وَقَدْ نُهِينَا عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ. [مَسْأَلَة كِسْوَة المملوك وطعامه] 1705 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَكْسُوَ مَمْلُوكَهُ، وَمَمْلُوكَتَهُ، مِمَّا يَلْبَسُ - وَلَوْ شَيْئًا - وَأَنْ يُطْعِمَهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلَوْ لُقْمَةً - وَأَنْ يُشْبِعَهُ وَيَكْسُوَهُ بِالْمَعْرُوفِ، مِثْلَ مَا يُكْسَى وَيُطْعَمُ مِثْلُهُ، أَوْ مِثْلُهَا، وَأَنْ لَا يُكَلِّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ.

مسألة تسمية الغلام والأولاد

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ نا شُعْبَةُ نا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ سَمِعْتُ «الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْد قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ أَيْدِيَكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ «عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْيَسْرِ وَقَدْ لَقِيَهُ وَعَلَيْهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، فَقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْيُسْرِ: بَصَرَ عَيْنَايَ هَاتَانِ، وَسَمِعَ أُذُنَايَ هَاتَانِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَكْسُونَ» . قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: فَكَانَ إذَا أَعْطَيْته مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَرُوِّينَا مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَصْلًا. [مَسْأَلَة تَسْمِيَة الْغُلَام والأولاد] 1706 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ غُلَامَهُ: أَفْلَحَ، وَلَا يَسَارَ، وَلَا نَافِعَ، وَلَا نَجِيحَ، وَلَا رَبَاحَ - وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ أَوْلَادَهُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ. وَلَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَمَالِيكَهُ بِسَائِرِ الْأَسْمَاءِ، مِثْلِ: نَجَاحٍ، وَمُنَجَّحٍ، وَنُفَيْعٍ، وَرُبَيْحٍ، وَيَسِيرٍ، وَفُلَيْحٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَا تُحَاشِ شَيْئًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَنَّهُ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ الرُّكَيْنَ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءَ: أَفْلَحَ، وَرَبَاحَ، وَيَسَارَ، وَنَافِعَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ عُمَيْلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَك يَسَارًا، وَلَا رَبَاحًا، وَلَا نَجِيحًا، وَلَا أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَيَقُولُ: لَا إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ، فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَخَالَفَ قَوْمٌ هَذَا وَدَفَعُوهُ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ يَقِينًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَرَادَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى بِ يَعْلَى وَبَرَكَةٍ، وَأَفْلَحَ وَنَافِعٍ، وَيَسَارٍ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ - ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا، ثُمَّ قُبِضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ» ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ، جَابِرٌ يَقُولُ مَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ النَّهْيَ، وَسَمُرَةُ يَقُولُ مَا عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّهْيَ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى مِنْ النَّافِي؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا زَائِدًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ جَابِرٍ، وَلَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ إلَّا بِتَكْذِيبِ سَمُرَةَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، فَكَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَابِرٌ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا أَصْلًا؟ فَصَحَّ أَنَّ حَدِيثَ سَمُرَةَ لَيْسَ مُخَالِفًا لِأَكْثَرِ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ؛ لِأَنَّ جَابِرًا ذَكَرَ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنْهَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَ، وَصَدَقَ - وَذَكَرَ سَمُرَةُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَعْضِهَا، وَصَدَقَ. وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ غُلَامٌ أَسْوَدُ اسْمُهُ: رَبَاحٌ، يَأْذَنُ عَلَيْهِ - وَقَدْ غَابَ عَنْ عُمَرَ أَمْرُ جِزْيَةِ الْمَجُوسِ - وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَغِيبَ عَنْ جَابِرٍ، وَطَائِفَةٍ مَعَهُ: النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَقَدْ غَابَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ كَرْيِ الْأَرْضِ - ثُمَّ بَلَغَهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ - وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا تَسْمِيَةُ غُلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَبَاحًا: فَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ

وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَكَانَ النَّهْيُ شَرْعًا زَائِدًا لَا يَحِلُّ الْخُرُوجُ عَنْهُ؟ وَقَالُوا: قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " فَإِنَّك تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَيَقُولُ: لَا " بَيَانٌ بِالْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ عِلَّةٌ مَوْجُودَةٌ فِي: خِيرَةَ وَخَيْرٍ، وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ، وَمَحْمُودٍ، وَأَسْمَاءَ كَثِيرَةٍ: فَيَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهَا عِنْدَكُمْ أَيْضًا؟ قُلْنَا: هَذَا أَصْلُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، لَا أَصْلُنَا، وَإِنَّمَا نَجْعَلُ نَحْنُ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَقَطْ، لَا نَتَعَدَّاهُ إلَى مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ بُرْهَانُنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عِلَّةً فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ لَمَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِأَخْصَرَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي أَتَى بِهِ: فَهَذَا حُكْمُ الْبَيَانِ، وَاَلَّذِي يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فَتَكَلَّفَ ذِكْرَ بَعْضِهَا، وَعَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَأَخْبَرَ بِالسَّبَبِ فِي ذَلِكَ، وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ: هُوَ حُكْمُ التَّلْيِيسِ، وَعَدَمِ التَّبْلِيغِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا. وَلَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاكُمْ إلَّا الدَّعْوَى فَقَطْ، وَالظَّنُّ الْكَاذِبُ. وَقَالُوا: قَدْ سَمَّى ابْنُ عُمَرَ غُلَامَهُ: نَافِعًا، وَسَمَّى أَبُو أَيُّوبَ غُلَامَهُ: أَفْلَحَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ؟ قُلْنَا: قَدْ غَابَ بِإِقْرَارِكُمْ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ الْإِيلَاجِ، وَغَابَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حُكْمُ كَرْيِ الْأَرْضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَيُّمَا أَشْنَعُ؟ مَغِيبُ مِثْلِ هَذَا، أَوْ مَغِيبُ النَّهْيِ عَنْ اسْمٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. تَمَّ كِتَابُ صُحْبَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

كتاب المواريث

[كِتَابُ الْمَوَارِيثِ] [مَسْأَلَةٌ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. كِتَابُ الْمَوَارِيثِ 1707 - مَسْأَلَةٌ: أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ: دَيْنُ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ كُفِّنَ مِنْهُ الْمَيِّتُ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْجَنَائِزِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَعُمْدَةُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَأَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَكُفِّنَ فِيهِ، وَلِأَنَّ تَكْلِيفَ الْغُرَمَاءِ خَاصَّةً أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ نَاقِصًا مِنْ حُقُوقِهِمْ: ظُلْمٌ لَهُمْ - وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْغُرَمَاءُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ. [مَسْأَلَة فَضَلَتْ فَضْلَةٌ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ] 1708 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ مِنْ الْمَالِ: كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الثُّلُثَ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي " كِتَابِ الْوَصَايَا " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ لِلْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] [مَسْأَلَة مِنْ يَرِث مِنْ الرجال] 1709 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا الْأَبُ، وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ، وَأَبُو الْجَدِّ الْمَذْكُورِ، وَهَكَذَا مَا وُجِدَ. وَلَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ جَدٌّ، وَلَا مَعَ الْجَدِّ أَبُو جَدٍّ، وَلَا مَعَ أَبِي الْجَدِّ جَدُّ جَدٍّ - وَلَا يَرِثُ جَدٌّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَلَا جَدٌّ مِنْ قِبَلِ جَدَّةٍ، وَلَا الْأَخُ الشَّقِيقُ أَوْ لِلْأَبِ فَقَطْ، أَوْ لِلْأُمِّ فَقَطْ، وَابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ.

وَلَا يَرِثُ ابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ، وَالِابْنُ، وَابْنُ الِابْنِ، وَابْنُ ابْنِ الِابْنِ، وَهَكَذَا مَا وُجِدَ، وَالْعَمُّ شَقِيقُ الْأَبِ، وَأَخُو الْأَبِ لِأَبِيهِ. وَلَا يَرِثُ أَخُو الْأَبِ لِأُمِّهِ، وَابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ، وَابْنُ الْعَمِّ أَخُو الْأَبِ لِأَبِيهِ، وَعَمُّ الْأَبِ الشَّقِيقِ، أَوْ الْأَبِ وَهَكَذَا مَا عَلَا، وَأَبْنَاؤُهُمْ الذُّكُورُ وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ وَمُعْتِقُ الْمُعْتَقِ، وَهَكَذَا مَا عَلَا، لَا يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا - وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ يَرِثُونَ. وَلَا يَرِثُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا الْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالِابْنَةُ، وَابْنَةُ الِابْنِ، وَابْنَةُ ابْنِ الِابْنِ، وَهَكَذَا مَا وُجِدَتْ. وَلَا تَرِثُ ابْنَةُ ابْنَةٍ، وَلَا ابْنُ ابْنَةٍ، وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ، أَوْ لِلْأَبِ، أَوْ لِلْأُمِّ، وَالزَّوْجَةُ، وَالْمُعْتِقَةُ، وَمُعْتَقَةُ الْمُعْتِقَةِ، وَهَكَذَا مَا عَلَا. وَلَا يَرِثُ ابْنُ أُخْتٍ، وَلَا بِنْتُ أُخْتٍ، وَلَا ابْنَةُ أَخٍ، وَلَا ابْنَةُ عَمٍّ، وَلَا عَمَّةٌ، وَلَا خَالَةٌ، وَلَا خَالٌ، وَلَا جَدٌّ لِأُمٍّ، وَلَا ابْنَةُ ابْنَةٍ، وَلَا ابْنُ ابْنَةٍ، وَلَا بِنْتُ أَخٍ لِأُمٍّ، وَلَا ابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ ذَكَرْنَا لَا يَرِثُ، وَلَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ جَدٌّ، وَلَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ جَدَّةٌ، وَلَا يَرِثُ أَخٌ، وَلَا أُخْتٌ مَعَ ابْنٍ ذَكَرٍ، وَلَا مَعَ أَبٍ. وَلَا يَرِثُ ابْنُ أَخٍ مَعَ أَخٍ شَقِيقٍ، أَوْ لِأَبٍ، وَلَا يَرِثُ أَخٌ لِأُمٍّ مَعَ أَبٍ، وَلَا مَعَ ابْنٍ، وَلَا مَعَ ابْنَةٍ، وَلَا مَعَ جَدٍّ. وَلَا يَرِثُ عَمٌّ مَعَ أَبٍ، وَلَا مَعَ جَدٍّ، وَلَا مَعَ أَخٍ شَقِيقٍ، أَوْ لِأَبٍ، وَلَا مَعَ ابْنِ أَخٍ شَقِيقٍ، أَوْ لِأَبٍ - وَإِنْ سَفَلَ. بُرْهَانُ هَذَا كُلِّهِ. نُصُوصُ الْقُرْآنِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَصْحَابِهَا، فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا أَيْضًا: فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَصْلًا، وَأَخَّرْنَا الَّذِي فِيهِ اخْتِلَافٌ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبْوَابِهِ.

مسألة أول ما يخرج مما تركه الميت

[مَسْأَلَة أَوَّلُ مَا يُخْرَجُ مِمَّا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ] ُ إنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ: دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى، إنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ: كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ أُخْرِجَ مِنْهُ دُيُونُ الْغُرَمَاءِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كُفِّنَ مِنْهُ الْمَيِّتُ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ الْغُرَمَاءِ، أَوْ غَيْرِهِمْ - فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الْكَفَنِ شَيْءٌ: نَفَذَتْ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى، اقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» ) وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ فَالْآيَةُ تَعُمُّ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونَ الْخَلْقِ، وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ بَيَّنَتْ أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمٌ عَلَى دُيُونِ الْخَلْقِ. وَأَمَّا الْكَفَنُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَصَحَّ " أَنَّ حَمْزَةَ، وَالْمُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَمْ يُوجَدْ لَهُمَا شَيْءٌ، إلَّا شَمْلَةٌ شَمْلَةٌ فَكُفِّنَا فِيهِمَا ". وَقَالَ قَوْمٌ: الْكَفَنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الدُّيُونِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِتَقْدِيمِ الدَّيْنِ كَمَا تَلَوْنَا، فَإِذْ قَدْ صَارَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْغُرَمَاءِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَمِنْ الظُّلْمِ أَنْ يُخَصَّ الْغُرَمَاءُ بِإِخْرَاجِ الْكَفَنِ مِنْ مَالِهِمْ دُونَ مَالِ سَائِرِ مَنْ حَضَرَ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ، وَلَا احْتِيَاطٌ، لَكِنَّ حُكْمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا أَصْلًا، وَمَنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَكَفَنُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ كَفَنَ أَخِيهِ أَنْ يُحْسِنَهُ» فَصَارَ إحْسَانُ الْكَفَنِ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَ الْمَيِّتَ، فَهَذَا عُمُومٌ لِلْغُرَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ حَضَرَ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا بَعْدَ انْتِصَافِ الْغُرَمَاءِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

مسألة ميراث البنتين والأختين

«إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَمَالُ الْمَيِّتِ قَدْ صَارَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِلْغُرَمَاءِ بِمَوْتِهِ - كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ - فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي مَالِهِ الَّذِي يَتَخَلَّفُ، فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيمَا يَبْقَى بَعْدَ الدَّيْنِ. [مَسْأَلَة مِيرَاث البنتين والأختين] 1711 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أُخْتَيْنِ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا، وَلَا أَخًا شَقِيقًا، وَلَا لِأَبٍ، وَلَا مَنْ يَحُطُّهُنَّ مِمَّا نَذْكُرُ فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ أَوْ لَهُنَّ - عَلَى السَّوَاءِ -. وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا ذَكَرًا وَلَا مَنْ يَحُطُّهُنَّ: فَلَهُمَا أَوْ لَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ أَيْضًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ - هُوَ الْهُجَيْمِيُّ - نا هِشَامٌ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - نا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «اشْتَكَيْت وَعِنْدِي سَبْعُ أَخَوَاتٍ لِي فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَنَفَخَ فِي وَجْهِي فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أُوصِي لِأَخَوَاتِي بِالثُّلُثَيْنِ - ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَنِي، ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ فَقَالَ: إنِّي لَا أَرَاك مَيِّتًا مِنْ وَجَعِكَ هَذَا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فَبَيَّنَ الَّذِي لِأَخَوَاتِكَ: فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ - فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] » وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الْبِنْتَانِ فَلَا خِلَافَ فِي الثَّلَاثِ فَصَاعِدًا، وَلَا وَلَدَ لِلْمَيِّتِ ذَكَرًا فِي أَنَّ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ

إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَنْ يَحُطُّهُنَّ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى، {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وَأَمَّا الْبِنْتَانِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا النِّصْفُ كَمَا لِلْوَاحِدَةِ - وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ نا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى جِئْنَا امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْأَسْوَاقِ - وَهِيَ جَدَّةُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ: فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ بِابْنَتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ اسْتَقَى عَمُّهُمَا مَالَهُمَا فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا إلَّا أَخَذَهُ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ لَا يَنْكِحَانِ أَبَدًا إلَّا وَلَهُمَا مَالٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُدْعُوَا لِي الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا فَقَالَ لِعَمِّهِمَا: أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَلَكَ» . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الِابْنَةَ النِّصْفَ، وَابْنَةَ الِابْنِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَقَدْ ادَّعَى أَصْحَابُ الْقِيَاسِ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْبِنْتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْأُخْتَيْنِ، قَالُوا: وَالْبِنْتَانِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْأُخْتَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبِنْتَيْنِ أَحَقُّ مِنْ الْأُخْتَيْنِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَزِيدُوهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا أَوْلَى وَأَقْرَبُ، فَيُخَالِفُوا الْقُرْآنَ، أَوْ يُبْطِلُوا قِيَاسَهُمْ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ - نَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْقِيَاسِ - لَا يَخْتَلِفُونَ فِي عَشْرِ بَنَاتٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ: أَنَّ لِلْأُخْتِ الثُّلُثَ كَامِلًا، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَنَاتِ خُمُسُ الثُّلُثِ - فَقَدْ أَعْطُوا الْأُخْتَ الْوَاحِدَةَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطُوا أَرْبَعَ بَنَاتٍ، فَأَيْنَ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْبَنَاتِ أَحَقُّ مِنْ الْأَخَوَاتِ؟ وَهَذَا مِنْهُمْ تَخْلِيطٌ فِي الدِّينِ، وَلَيْسَتْ الْمَوَارِيثُ عَلَى قَدْرِ التَّفَاضُلِ فِي الْقَرَابَةِ، إنَّمَا هِيَ كَمَا جَاءَتْ النُّصُوصُ فَقَطْ. وَلَا خِلَافَ فِيمَنْ تَرَكَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ، وَابْنَ بِنْتِهِ، وَبِنْتَ أَخِيهِ، وَابْنَ أُخْتِهِ، وَخَالَهُ وَخَالَتَهُ، وَعَمَّتَهُ وَابْنَ عَمٍّ لَهُ لَا يَلْتَقِي مَعَهُ إلَّا إلَى عِشْرِينَ جَدًّا: أَنَّ هَذَا الْمَالَ كُلَّهُ لِهَذَا

الِابْنِ الْعَمِّ الْبَعِيدِ، وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، وَأَيْنَ قَرَابَتُهُ مِنْ قَرَابَتِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1712 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأُخْتًا وَاحِدَةً لِلْأَبِ أَوْ اثْنَتَيْنِ لِلْأَبِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ: فَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ، وَلِلَّتِي لِلْأَبِ، أَوْ اللَّوَاتِي، لِلْأَبِ: السُّدُسُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَى الْأُخْتَ النِّصْفَ، وَأَعْطَى الْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَيْنِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَخَوَاتِ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ، أَوْ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ وَالْأُمِّ - وَإِنْ كَثُرْنَ - إلَّا الثُّلُثَانِ فَقَطْ، وَإِذَا وَجَبَ لِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ فِي أَنْ لَا يُشَارِكَهَا فِيهِ الَّتِي لَيْسَتْ شَقِيقَةً، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ، فَهُوَ لِلَّتِي لِلْأَبِ، أَوْ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ. 1713 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَرِثُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَلَا غَيْرُ شَقِيقَةٍ مَعَ ابْنٍ ذَكَرٍ وَلَا مَعَ ابْنَةٍ أُنْثَى، وَلَا مَعَ ابْنِ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا مَعَ بِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَتْ، وَالْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ لِلْعَصَبَةِ كَالْأَخِ، وَابْنِ الْأَخِ، وَالْعَمِّ، وَابْنِ الْعَمِّ، وَالْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ عَاصِبٌ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَا بَقِيَ لِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، أَوْ لِلَّتِي لِلْأَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ شَقِيقَةً، وَلِلْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ - وَبِهِ نَأْخُذُ. وَهُنَا قَوْلَانِ غَيْرَ هَذَا. أَحَدُهُمَا - أَنَّ الْأَخَوَاتِ عَصَبَةُ الْبَنَاتِ، وَأَنَّ الْأُخْتَ الْمَذْكُورَةَ أَوْ الْأَخَوَاتِ الْمَذْكُورَاتِ يَأْخُذْنَ مَا فَضَلَ عَنْ الِابْنَةِ، أَوْ بِنْتِ الِابْنِ، أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ الْبِنْتَيْنِ أَوْ بِنْتَيْ الِابْنِ فَصَاعِدًا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَا. وَصَحَّ فِي الْأُخْتِ وَالْبِنْتِ عَنْ مُعَاذٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَسَلْمَانَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَذَلِكَ أَيْضًا. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَا تَرِثُ أُخْتٌ أَصْلًا مَعَ ابْنَةٍ، وَلَا مَعَ ابْنَةِ ابْنٍ - وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُوَ أَوَّلُ قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْأَخَوَاتِ عَصَبَةَ الْبَنَاتِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ - عَنْ الْهُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ؟ فَقَالَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ - «فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ

وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى؟ فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ أُخْتًا مَعَ ابْنَةٍ وَلَا مَعَ ابْنَةِ ابْنٍ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وَاسْمُ الْوَلَدِ يَقَعُ عَلَى الِابْنَةِ، وَبِنْتِ الِابْنِ، كَمَا يَقَعُ عَلَى الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ فِي اللُّغَةِ وَفِي الْقُرْآنِ - وَالْعَجَبُ مِنْ مُجَاهَرَةِ بَعْضِ الْقَائِلِينَ هَاهُنَا: إنَّمَا عَنَى وَلَدًا ذَكَرًا - وَهَذَا إقْدَامٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ، وَقَوْلٌ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْلَمُ، بَلْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] وقَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: 12] وقَوْله تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْآيَاتِ: أَنَّ الْوَلَدَ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ وَلَدَ الْوَلَدِ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ. ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي مِيرَاثِ الْأُخْتِ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الذَّكَرَ وَ {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19] {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150] . وَاحْتَجَّ أَيْضًا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ أُخْتًا مَعَ ابْنَةٍ، وَلَا مَعَ ابْنَةِ ابْنٍ: بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَصْحَابِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ تَوْرِيثَهُمْ الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ، وَبِنْتَ الِابْنِ إنَّمَا هُوَ بِالتَّعْصِيبِ، لَا بِفَرْضٍ مُسَمًّى، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي بِنْتٍ، وَزَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ، أَوْ أَخَوَاتٍ كَذَلِكَ: إنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعَ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَلَيْسَ لِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ - إلَّا نِصْفُ السُّدُسِ.

فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَكَانَتْ ابْنَتَانِ: لَمْ تَرِثْ الْأُخْتُ وَلَا الْأَخَوَاتُ شَيْئًا -: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ تَرَكَ ابْنَتَهُ، وَأُخْتَه لِأَبِيهِ، وَأُمِّهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِابْنَتِهِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلَيْسَ لِأُخْتِهِ شَيْءٌ مِمَّا بَقِيَ، وَهُوَ لِعَصَبَتِهِ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: إنَّ عُمَرَ قَضَى بِغَيْرِ ذَلِكَ، جَعَلَ لِلِابْنَةِ النِّصْفَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ طَاوُسٍ قَالَ لِي ابْنُ طَاوُسٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَسَتَجِدُونَهُ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ: مِيرَاثُ الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يُرِيَك أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ مَا فَشَا فِي النَّاسِ وَاشْتَهَرَ فِيهِمْ حُجَّةً، وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْقَوْلَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا فِي أَبِي قَيْسٍ. قَالَ عَلِيٌّ: أَبُو قَيْسٍ ثِقَةٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَرَحَهُ بِجُرْحَةٍ يَجِبُ بِهَا إسْقَاطُ رِوَايَتِهِ، فَالْوَاجِبُ الْأَخْذُ بِمَا رَوَى - وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُسْنَدِ الَّذِي ذَكَرْنَا. فَوَجَبَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ عَاصِبٌ أَنْ يَكُونَ مَا فَضَلَ عَنْ فَرِيضَةِ الِابْنَةِ، أَوْ الْبِنْتَيْنِ، أَوْ بِنْتِ الِابْنِ، أَوْ بِنْتَيْ الِابْنِ لِلْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ، وَلَيْسَتْ الْأُخْتُ هَاهُنَا مِنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِإِلْحَاقِ فَرَائِضِهِمْ بِهِمْ - وَهَذَا وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ رَجُلٌ عَاصِبٌ أَصْلًا أَخَذْنَا بِحَدِيثِ أَبِي قَيْسٍ وَجَعَلْنَا الْأُخْتَ عَصَبَةً كَمَا فِي نَصِّهِ وَلَمْ نُخَالِفْ شَيْئًا مِنْ النُّصُوصِ. وَالْمُعْتَقُ، وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ عَصَبَتِهِ مِنْ الذُّكُورِ هُمْ بِلَا شَكٍّ مِنْ الرِّجَالِ الذُّكُورِ: فَهُمْ أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ ابْنَةٌ أَوْ ابْنَةُ ابْنٍ

مسألة ميراث الأم

قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ: أَنَّهُمْ وَرَّثُوا الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ مَعَ وُجُودِ عَاصِبٍ ذَكَرٍ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ فِي شَيْءٍ مِنْهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الْأُمّ] 1714 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأُمُّ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى، أَوْ ابْنِ الِابْنِ، أَوْ بِنْتِ الِابْنِ - وَإِنْ سَفَلَ: السُّدُسُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1715 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَخٌ، أَوْ أَخَوَانِ، أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُخْتٌ، أَوْ أَخٌ، وَأُخْتٌ - وَلَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ ذَكَرٍ. فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ. فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْإِخْوَةِ ذُكُورٍ أَوْ إنَاثٍ، أَوْ بَعْضُهُمْ ذَكَرٌ، وَبَعْضُهُمْ أُنْثَى: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ تُرَدُّ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تُرَدُّ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِأَخٍ وَاحِدٍ، وَلَا بِأُخْتٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا فِي أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى السُّدُسِ بِثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِخْوَةِ - كَمَا ذَكَرْنَا - إنَّمَا الْخِلَافُ فِي رَدِّهَا إلَى السُّدُسِ بِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ. حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ قَالَ: نا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَمْرُوسٍ الْأَسْتَجِيُّ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ السَّعِيدِيّ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِيٍّ الْعَلَّافُ نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ نا الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ - هُوَ أَبُو الْحَارِثِ - عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ، إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِك لَيْسُوا بِإِخْوَةٍ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي، تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ وَقَّفَ عُثْمَانَ عَلَى الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عُثْمَانُ ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ حُجَّةٌ مِنْ اللُّغَةِ لَعَارَضَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِهَا مَا فَعَلَ، بَلْ تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ كَانَ قَبْلَهُ، تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَمَضَى فِي

الْأَمْصَارِ، فَعُثْمَانُ رَأَى هَذَا حُجَّةً، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَهُ حُجَّةً، وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، وَنَصُّهُمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُثْمَانَ، وَعُمَرَ: كَتَقْوِيمِهِمَا الدِّيَةَ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَالْحُلَلِ، وَإِضْعَافِهَا فِي الْحَرَمِ - وَالْقَضَاءِ بِوَلَدِ الْغَارَةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ فِي كَثِيرٍ جِدًّا. وَمَنْ ادَّعَى مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا - وَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ - عِنْدَهُمْ كَافِرٌ: فَابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى قَوْلِهِمْ كَافِرٌ، إذْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ مُكَفِّرُهُ أَحَقُّ بِالْكُفْرِ وَأَوْلَى. وَأَمَّا الْخَطَأُ مَعَ قَصْدِ الْحَقِّ فَلَا يُرْفَعُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَخَوَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ إخْوَةٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ: حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَبِنْيَةُ اللُّغَةِ مُكَذِّبَةٌ لِهَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ بِنْيَةَ التَّثْنِيَةِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَيْرُ بِنْيَةِ الْجَمْعِ بِالثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: الرَّجُلَانِ قَامُوا، وَلَا الْمَرْأَتَانِ قُمْنَ. وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَيْنِ، وَالْوَاجِبُ قَطْعُهُمَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُخْبَرُ عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، قَالَ الرَّاجِزُ: وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ ... ظَهْرَاهُمَا مِثْلَ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ فَهَذَا بَابٌ مَضْبُوطٌ لَا يُتَعَدَّى وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] إلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: 23] وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا نُكْرَةَ فِي دُخُولِهِمَا وَمَعَهُمَا غَيْرُهُمَا. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: 83] وَهَذَا عَلَيْهِمْ، لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً: يُوسُفُ، وَأَخُوهُ الْأَصْغَرُ الْمُحْتَبَسُ عَنْ الصُّوَاعِ، وَكَبِيرُهُمْ الَّذِي قَالَ {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: 80] .

وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِآخَرَ بِدَرَاهِمَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِثَلَاثَةٍ، لَا بِدِرْهَمَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] قَالَ: وَالْحُكْمُ فِي الْأُخْتِ، وَالْأَخِ هَكَذَا، فَصَحَّ أَنَّ الْأَخَ وَالْأُخْتَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] كَذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْآيَتَانِ فَحَقٌّ، وَأَمَّا هَذَا الِاسْتِدْلَال فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] وَهَذَا جَلِيٌّ مِنْ النَّصِّ فِي حُكْمِ الْأَخِ، وَالْأُخْتِ فَقَطْ. فَإِنْ أَوْجَدْنَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي حَجْبِ الْأُمِّ فَهُوَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُبْطَلٌ مُدَّعًى بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَدْنَا كُلَّ مَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ حُكْمُ الْفَرْضِ فِيمَا بَعْدَ الْوَاحِدِ يَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ، مَا زَادَ عَلَيْهِمَا كَالْبِنْتَيْنِ مِيرَاثُهُمَا كَمِيرَاثِ الثَّلَاثِ، وَكَالْأُخْتَيْنِ مِيرَاثُهُمَا كَمِيرَاثِ الثَّلَاثِ، وَكَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ إنَّمَا هُوَ الثُّلُثُ لِلِاثْنَيْنِ كَمَا هُوَ لِلثَّلَاثِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَجْبُ الْأُمِّ بِالِاثْنَيْنِ كَحَجْبِهَا بِالثَّلَاثِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا: مَا وَجَبَ هَذَا قَطُّ كَمَا تَقُولُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْك لَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَحَقٌّ، وَكُلُّ مَا قُلْت أَنْتَ مِمَّا لَمْ يَقُلْهُ عَزَّ وَجَلَّ فَكَذِبٌ، وَبَاطِلٌ، فَهَاتِ بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ تَشْبِيهِك هَذَا؟ وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ وَجَبَ لِلْأُمِّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ: الثُّلُثُ وَلَمْ يَحُطَّهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَى السُّدُسِ إلَّا بِوَلَدٍ لِلْمَيِّتِ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ إخْوَةٌ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهَا مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، إلَّا بِيَقِينٍ مِنْ سُنَّةٍ وَارِدَةٍ؟ وَلَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1716 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَبَوَيْنِ، أَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ: فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَامِلًا - وَلِلْأَبِ مِنْ ابْنَتِهِ السُّدُسُ، وَمِنْ ابْنِهِ الثُّلُثُ، وَرُبُعُ الثُّلُثِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لِلْأُمِّ فِي كِلْتَيْهِمَا إلَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ مِيرَاثِ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ - وَهَذَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ صَحِيحًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ، وَالزَّوْجِ وَالْأَبَوَيْنِ - وَصَحَّ عَنْ زَيْدٍ، وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَالْحَسَنِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَهَا هُنَا قَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ قَالَ فِي رَجُلٍ تَرَكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ: لِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ وَقَالَ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأَبَوَيْهَا: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ - قَالَ: إذَا فَضَلَ الْأَبُ الْأُمَّ بِشَيْءٍ فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَا بِهِ: فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لِلْأُمِّ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ. فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ، وَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَرَانِي أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْعَقِيمِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَهْلَ الصَّلَاةِ فِي زَوْجٍ، وَأَبَوَيْنِ. وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] أَيْ مِمَّا يَرِثُهُ أَبَوَاهُ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نُكْرَةَ فِي تَفْضِيلِ

الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صُحْبَتِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ» فَفَضَّلَ الْأُمَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَبِ فِي حُسْنِ الصُّحْبَةِ - وَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِإِجْمَاعِنَا وَإِجْمَاعِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ فَ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] فَمِنْ أَيْنَ تَمْنَعُونَ مِنْ تَفْضِيلِهَا عَلَيْهِ إذَا أَوْجَبَ ذَلِكَ نَصٌّ؟ . ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يُفَضِّلَانِ أُمًّا عَلَى جَدٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْمُمَوِّهُونَ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا يُخَالِفُونَهُ، وَيُخَالِفُونَ عُمَرَ، فَيُفَضِّلُونَ الْأُمَّ عَلَى الْجَدِّ، وَهُمْ يُفَضِّلُونَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِيثِ. فَيَقُولُونَ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا، وَأُمَّهَا، وَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ، وَأُخْتَهَا لِأُمٍّ: إنَّ لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسَ كَامِلًا، وَلِلذَّكَرَيْنِ الْأَخَوَيْنِ الشَّقِيقَيْنِ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ السُّدُسِ. وَيَقُولُونَ بِآرَائِهِمْ فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا، أَوْ أُخْتَهَا شَقِيقَتَهَا وَأَخًا لِأَبٍ: إنَّ الْأَخَ لَا يَرِثُ شَيْئًا - فَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ أُخْتٌ: فَلَهَا السُّدُسُ، يُعَالُ لَهَا بِهِ، فَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ ثُمَّ يُمَوِّهُونَ بِتَشْنِيعِ تَفْضِيلِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ: خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَهْلَ الصَّلَاةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خِلَافُ أَهْلِ الصَّلَاةِ كُفْرًا أَوْ فِسْقًا فَلْيَنْظُرُوا فِيمَا يَدْخُلُونَ؟ وَالْمُعَرِّضُ بِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا أَحَقُّ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هَذَا إبْرَاهِيمُ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. مُوَافَقَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا؟

مسألة ميراث الزوجين

وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَ الْمُخَالِفِينَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ زَيْدٍ وَحْدَهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا - وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ - وَلَيْسَ يُقَالُ فِي إضْعَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ: خَالَفَ أَهْلَ الصَّلَاةِ - فَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ هَذَا - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] أَيْ مِمَّا يَرِثُهُ أَبَوَاهُ: فَبَاطِلٌ، وَزِيَادَةٌ فِي الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَسْأَلُهُ عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ؟ فَقَالَ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَقُولُهُ بِرَأْيِك أَمْ تَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ زَيْدٌ: أَقُولُهُ بِرَأْيِي، وَلَا أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ بِالْآيَةِ مُتَعَلَّقٌ مَا قَالَ: أَقُولُهُ بِرَأْيِي لَا أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ، وَلَقَالَ: بَلْ أَقُولُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ الرَّأْيُ حُجَّةً، وَنَصُّ الْقُرْآنِ يُوجِبُ صِحَّةَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] أَنَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لَا مِمَّا يَرِثُهُ الْأَبَوَانِ، ثُمَّ يَقُولُونَ هَاهُنَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَرِثُ الْأَبَوَانِ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الْقُرْآنِ وَإِقْدَامٌ عَلَى تَقْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ: فَأَصَابَ فِي الْوَاحِدَةِ وَأَخْطَأَ فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ النَّصِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ مَجِيئًا وَاحِدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الزَّوْجَيْنِ] 1717 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنْ وَلَدٍ ذَكَرٍ وَإِنْ سَفَلَ - سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

مسألة لا عول في شيء من مواريث الفرائض

فَإِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ ابْنٌ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، أَوْ ابْنُ ابْنٍ ذَكَرٍ، أَوْ بِنْتُ ابْنٍ ذَكَرٍ - وَإِنْ سَفَلَ كَمَا ذَكَرْنَا. فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إلَّا الرُّبُعُ. وَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ ابْنٌ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَلَا ابْنُ ابْنٍ ذَكَرٍ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ ذَكَرٍ، أَوْ بِنْتُ ابْنِ ابْنٍ ذَكَرٍ وَإِنْ سَفَلَ مَنْ ذَكَرْنَا - سَوَاءٌ مِنْ تِلْكَ الزَّوْجَةِ كَانَ الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. فَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ ذَكَرٍ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ إلَّا الثُّمُنُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ اثْنَتَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ، أَوْ أَرْبَعٌ: هُنَّ شُرَكَاءُ فِي الرُّبُعِ، أَوْ الثُّمُنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ نَصُّ الْقُرْآنِ الْمَحْفُوظِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا أَصْلًا، وَلَا حُكْمَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمْوَاتٌ تَرَكُوا بَنِي بَنَاتٍ، فَاتَّسَقَ نَقْلُ الْجَمِيعِ - عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ أَنَّهُمْ لَمْ يَرِثُوا، وَلَا حُجِبُوا، بَلْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا، بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ الْمَنْقُولِ - عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ - بِلَا خِلَافٍ أَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي بَنِي الْبَنَاتِ، وَبَنِي الْبَنِينَ، وَبِخِلَافِ وُجُوبِ الْحَقِّ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّفَقَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْهُ النُّصُوصُ. [مَسْأَلَة لَا عَوْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَوَارِيثِ الْفَرَائِضِ] 1718 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا عَوْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَوَارِيثِ الْفَرَائِضِ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْمِيرَاثِ ذَوُو فَرَائِضَ مُسَمَّاةٍ لَا يَحْتَمِلُهَا الْمِيرَاثُ، مِثْلُ: زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ، أَوْ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، أَوْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَةٍ، أَوْ ابْنَتَيْنِ فَإِنَّ هَذِهِ فَرَائِضَ ظَاهِرُهَا أَنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ وَالثُّلُثُ، أَوْ نِصْفٌ وَنِصْفٌ وَثُلُثَانِ، أَوْ نِصْفٌ وَنِصْفٌ وَسُدُسٌ، وَنَحْوُ هَذَا. فَاخْتَلَفَ النَّاسُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحُطُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ فَرْضِهِ شَيْئًا حَتَّى يَنْقَسِمَ الْمَالُ عَلَيْهِمْ، وَرَتَّبُوا ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَجْمَعُوا سِهَامَهُمْ كَامِلَةً، ثُمَّ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا اجْتَمَعَ، مِثْلُ: زَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، فَهَذِهِ: ثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ وَسُدُسٌ - وَلَا يَصِحُّ هَذَا فِي بِنْيَةِ الْعَالَمِ. قَالُوا: فَيُجْعَلُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سِتَّةٍ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةٍ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ سِهَامٍ،

وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَهُمَا أَرْبَعَةٌ مِنْ سِتَّةٍ، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَهُوَ اثْنَانِ مِنْ سِتَّةٍ - فَهَذِهِ عَشَرَةٌ، يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ، فَلِلزَّوْجِ الَّذِي لَهُ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ. وَلِلْأُمِّ الَّتِي لَهَا السُّدُسُ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ وَهُوَ الْعُشْرُ. وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَهُمَا الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَذَلِكَ خُمُسَانِ. وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ اللَّتَيْنِ لَهُمَا الثُّلُثُ اثْنَانِ مِنْ عَشَرَةٍ، فَهُوَ الْخُمُسُ - وَهَكَذَا فِي سَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَهُوَ قَوْلٌ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَحَّ عَنْهُ هَذَا، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ غَيْرَ مُسْنَدٍ، وَذُكِرَ عَنْ الْعَبَّاسِ وَلَمْ يَصِحَّ، وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَنَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ يَسِيرٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ كَانَ أَسْهَلُ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ مُؤْنَةٌ مِنْ دَعْوَى: أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّ خِلَافَهُ شُذُوذٌ، وَأَنَّ خُصُومَهُمْ لَيَرْثُونَ لَهُمْ مِنْ تَوَرُّطِهِمْ فِي هَذِهِ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهَا. وَأَيْمُ اللَّهِ لَا أَقْدَمُ عَلَى أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَحَدٍ قَوْلٌ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَرْءَ قَالَهُ إلَّا مُسْتَسْهِلُ الْكَذِبِ، مَقْدِمٌ عَلَيْهِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنْ صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ إنْسَانٍ أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا نَسَبْنَاهُ إلَيْهِ، وَإِنْ رُوِّينَاهُ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا، قُلْنَا: رُوِيَ عَنْ فُلَانٍ، فَإِنْ لَمْ يُرْوَ لَنَا عَنْهُ قَوْلٌ لَمْ نَنْسُبْ إلَيْهِ قَوْلًا لَمْ يَبْلُغْنَا عَنْهُ، وَلَا نَتَكَثَّرُ بِالْكَذِبِ، وَلَمْ نَذْكُرْهُ لَا عَلَيْنَا وَلَا لَنَا. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ عَالَ فِي الْفَرَائِضِ، وَأَكْثَرُ مَا بَلَغَ بِالْعَوْلِ مِثْلُ ثُلُثَيْ رَأْسِ الْفَرِيضَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَكْفِي مِنْ إبْطَالِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ مُحْدَثٌ لَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ مِمَّنْ رَآهُ مِنْ السَّلَفِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، قَصَدُوا بِهِ الْخَيْرَ.

وَقَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْفَرَائِضَ لَا تَعُولُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَعُولُ فَرِيضَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَرَوْنَ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا جَعَلَ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا، إنَّمَا هُوَ نِصْفَانِ، وَثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ، وَأَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَرَجْت أَنَا، وَزُفَرُ بْنُ أَوْسٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَحَدَّثْنَا عِنْدَهُ حَتَّى عَرَضَ ذِكْرُ فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ أَتَرَوْنَ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا جَعَلَ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا: النِّصْفَانِ قَدْ ذَهَبَا بِالْمَالِ، أَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ؟ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ: يَا ابْنَ الْعَبَّاسِ مَنْ أَوَّلُ مَنْ أَعَالَ الْفَرَائِضَ؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، لَمَّا الْتَقَتْ عِنْدَهُ الْفَرَائِضُ، وَدَافَعَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَكَانَ امْرَأً وَرِعًا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي أَيُّكُمْ قَدَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَيُّكُمْ أَخَّرَ، فَمَا أَجِدُ شَيْئًا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ أَنْ أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ هَذَا الْمَالَ بِالْحِصَصِ، فَأَدْخَلَ عَلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوْلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ؟ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ: وَأَيُّهَا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَدَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ يُهْبِطْهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ فَرِيضَةٍ إلَّا إلَى فَرِيضَةٍ، فَهَذَا مَا قَدَّمَ، وَأَمَّا مَا أَخَّرَ فَكُلُّ فَرِيضَةٍ إذَا زَالَتْ عَنْ فَرْضِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا مَا بَقِيَ، فَذَلِكَ الَّذِي أَخَّرَ.

فَأَمَّا الَّذِي قَدَّمَ، فَالزَّوْجُ لَهُ النِّصْفُ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَا يُزِيلُهُ رَجَعَ إلَى الرُّبُعِ لَا يُزَايِلُهُ عَنْهُ شَيْءٌ. وَالزَّوْجَةُ لَهَا الرُّبُعُ، فَإِنْ زَالَتْ عَنْهُ صَارَتْ إلَى الثُّمُنِ لَا يُزَايِلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ. وَالْأُمُّ لَهَا الثُّلُثُ فَإِنْ زَالَتْ عَنْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَدَخَلَ عَلَيْهَا صَارَتْ إلَى السُّدُسِ لَا يُزَايِلُهَا عَنْهُ شَيْءٌ، فَهَذِهِ الْفَرَائِضُ الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَاَلَّتِي أَخَّرَ: فَرِيضَةُ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ لَهُنَّ النِّصْفُ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَالثُّلُثَانِ، فَإِذَا أَزَالَتْهُنَّ الْفَرَائِضُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ إلَّا مَا يَبْقَى. فَإِذَا اجْتَمَعَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا أَخَّرَ: بُدِئَ بِمَنْ قَدَّمَ وَأُعْطِيَ حَقَّهُ كَمَلًا، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِمَنْ أَخَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ: فَمَا مَنَعَك يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَنْ تُشِيرَ عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّأْيِ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِبَتُهُ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ إمَامٌ عَادِلٌ لَكَانَ أَمْرُهُ عَلَى الْوَرَعِ فَأَمْضَى أَمْرًا مَضَى مَا اخْتَلَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اثْنَانِ فِيمَا قَالَ. وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا يَقُولُ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْعَوْلِ فَوَجَدْنَا مَا ذَكَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا مَنْ أَخَّرَ. زَادَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ أَنْ قَالُوا: لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِالْحَطِيطَةِ مِنْ بَعْضٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونُوا كَالْغُرَمَاءِ، وَالْمُوصَى لَهُمْ، يَضِيقُ الْمَالُ عَنْ حُقُوقِهِمْ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعَمُّوا بِالْحَطِيطَةِ، وَادَّعَوْا عَلَى مَنْ أَبْطَلَ الْعَوْلَ تَنَاقُضًا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فَقَطْ: مَا لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَا أَدْرِي أَيُّهُمْ قَدَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَيُّهُمْ أَخَّرَ " فَصَدَقَ:، وَمِثْلُهُ لَمْ يَدَعْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ، إلَّا أَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ وَثَلْجٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ

يُكَلِّفْنَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَنَا، فَإِنْ كَانَ خَفِيَ عَلَى عُمَرَ فَلَمْ يَخْفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ مَغِيبُ الْحُكْمِ عَمَّنْ غَابَ عَنْهُ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَهُ، وَقَدْ غَابَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِلْمُ جَوَازِ كَثْرَةِ الصَّدَاقِ، وَمَوْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا الْكَلَالَةُ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، فَمَا كَدَحَ ذَلِكَ فِي عِلْمِ مَنْ عَلِمَهَا. وَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ ذَلِكَ بِالْغُرَمَاءِ وَالْمُوصَى لَهُمْ، فَبَاطِلٌ وَتَشْبِيهٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَوْ اتَّسَعَ عَلَى مَا هَوَّلُوا وَسِعَ الْغُرَمَاءَ وَالْمُوصَى لَهُمْ، وَلَوُجِدَ بَعْدَ التَّحَاصِّ مَالُ الْغَرِيمِ يُقْسَمُ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَالْمُوصَى لَهُمْ أَبَدًا، حَتَّى يَسَعَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمْرُ الْعَوْلِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْعَرْشِ لَا يَتَّسِعُ لِأَكْثَرَ مِنْ: نِصْفَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَثْلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَرْبَاعٍ، أَوْ سِتَّةِ أَسْدَاسٍ، أَوْ ثَمَانِيَةِ أَثْمَانٍ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُحَالَ وَمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُكَلِّفَنَا مِنْ الْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُخَلِّصِ مِنْهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَنَّا كَيْفَ نَعْمَلُ فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِالْحَطِيطَةِ مِنْ بَعْضٍ " فَكَلَامٌ صَحِيحٌ إنْ زِيدَ فِيهِ مَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُوجِبَ حَطَّ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ نَصٌّ أَوْ ضَرُورَةٌ. وَيُقَالُ لَهُمْ هَاهُنَا أَيْضًا: وَلَا لَكُمْ أَنْ تَحُطُّوا أَحَدًا مِنْ الْوَرَثَةِ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِاحْتِيَاطِك وَظَنِّك، لَكِنْ بِنَصٍّ أَوْ ضَرُورَةٍ. وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ التَّنَاقُضِ مِنْ الْمَانِعِينَ بِالْعَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوا فَسَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَتَنَاقَضُوا فِيهَا أَصْلًا. فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُبْطِلُونَ لِلْعَوْلِ. فَوَجَدْنَا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ قَدْ انْتَظَمَ بِالْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الِاعْتِرَاضِ فِيهِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ إخْبَارُهُ بِأَنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ عَالَ الْفَرَائِضَ بِاعْتِرَافِهِ؛ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ سُنَّةٌ - وَهَذَا يَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ وَصَفَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ، فَهُوَ الْحَقُّ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَوْلِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي فَرِيضَةٍ فِيهَا أَبَوَانِ وَزَوْجٌ وَزَوْجَةٌ وَأَخَوَاتٌ وَبَنَاتٌ فَقَطْ، أَوْ بَعْضُهُمْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَشُكُّ ذُو مُسْكَةِ عَقْلٍ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ إعْطَاءَ فَرَائِضَ لَا يَسَعُهَا الْمَالُ، وَوَجَدْنَا ثَلَاثَ حُجَجٍ قَاطِعَةٍ مُوجِبَةٍ صِحَّةَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. إحْدَاهَا - الَّتِي ذَكَرَ مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ لَمْ يَحُطَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عَنْ فَرْضٍ مُسَمًّى، عَلَى مَنْ حَطَّهُ عَنْ الْفَرْضِ الْمُسَمَّى إلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إلَّا مَا بَقِيَ. وَالثَّانِيَةُ - أَنَّهُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ عَرَفْنَا أَنَّ تَقْدِيمَ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِيرَاثَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ مَانِعٌ أَصْلًا، إذَا كَانَ هُوَ وَالْمَيِّتُ حُرَّيْنِ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، عَلَى مَنْ قَدْ يَرِثُ وَقَدْ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ مِنْ الْمِيرَاثِ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَكُلُّ مَنْ قَدْ يَرِثُ وَقَدْ لَا يَرِثُ، فَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لَا يَرِثُ إلَّا بَعْدَ مَنْ يَرِثُ وَلَا بُدَّ. وَوَجَدْنَا الزَّوْجَيْنِ وَالْأَبَوَيْنِ يَرِثُونَ أَبَدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَوَجَدْنَا الْأَخَوَاتِ قَدْ يَرِثْنَ وَقَدْ لَا يَرِثْنَ. وَوَجَدْنَا الْبَنَاتِ لَا يَرِثْنَ إلَّا بَعْدَ مِيرَاثِ مَنْ يَرِثُ مَعَهُنَّ. وَالثَّالِثَةُ - أَنْ نَنْظُرَ فِيمَنْ ذَكَرْنَا فَإِنْ وَجَدْنَا الْمَالَ يَتَّسِعُ لِفَرَائِضِهِنَّ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَهُمْ فِي تِلْكَ الْفَرِيضَةِ نَفْسِهَا بِمَا سُمِّيَ لَهُمْ فِيهَا فِي الْقُرْآنِ، وَإِنْ وَجَدْنَا الْمَالَ لَا يَتَّسِعُ لِفَرَائِضِهِمْ نَظَرْنَا فِيهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، فَمَنْ وَجَدْنَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَدْ اتَّفَقَ جَمِيعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا مَقْطُوعًا بِهِ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي تِلْكَ الْفَرِيضَةِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ أَيْقَنَّا قَطْعًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْهُ قَطُّ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَلَمْ نُعْطِهِ إلَّا مَا اُتُّفِقَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُتَّفَقْ لَهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ نُعْطِهِ شَيْئًا، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُ فِي النُّصُوصِ فِي الْقُرْآنِ. وَمَنْ وَجَدْنَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَدْ اخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْقُرْآنِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لَهُ إلَّا بَعْضُ الْمُسَمَّى فِي الْقُرْآنِ، وَجَبَ وَلَا بُدَّ يَقِينًا أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالْمَنْصُوصِ فِي الْقُرْآنِ، وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِ النَّصِّ، إذْ لَمْ يَأْتِ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَاهُ بِنَصٍّ آخَرَ. وَهَذَا غَايَةُ الْبَيَانِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى شُذُوذِ شَيْءٍ عَنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ،

وَالزَّوْجَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ كُلِّهَا يَقُولُ الْمُبْطِلُونَ لِلْعَوْلِ: إنَّ الْوَاجِبَ لَهُمْ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي الْقُرْآنِ - وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِالْعَوْلِ: لَيْسَ لَهُمْ إلَّا بَعْضُهُ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لَا بِقَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ. وَأَمَّا الْأَخَوَاتُ وَالْبَنَاتُ: فَقَدْ أَجْمَعَ الْقَائِلُونَ بِالْعَوْلِ وَالْمُبْطِلُونَ لِلْعَوْلِ، وَلَيْسَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِهَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ ثَالِثٌ لَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ لَهُمَا ثَالِثٌ، إذْ لَيْسَ فِي الْمُمْكِنِ إلَّا إثْبَاتٌ أَوْ نَفْيٌ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْعَوْلِ لَهُنَّ مَا جَاءَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ، لَكِنْ إمَّا بَعْضُ ذَلِكَ، وَإِمَّا لَا شَيْءَ فَكَانَ إجْمَاعُهُمْ حَقًّا بِلَا شَكٍّ، وَكَانَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، فَوَجَبَ إذْ لَا حَقَّ لَهُنَّ بِالنَّصِّ أَنْ لَا يُعْطُوا إلَّا مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ لَهُنَّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْمَعْ لَهُنَّ عَلَى شَيْءٍ وَقَدْ خَرَجْنَ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالضَّرُورَةِ عَنْ النَّصِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِينَ شَيْئًا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ - وَهَذَا بَيَانٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ادَّعَوْا عَلَيْنَا فِيهَا التَّنَاقُضَ، فَهِيَ: زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَأُخْتَانِ لِأَبٍ، وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ - وَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى ادَّعَوْا فِيهَا التَّنَاقُضَ عَلَى بَعْضِنَا دُونَ بَعْضٍ، وَهِيَ: زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ، فَقَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلُّ هَؤُلَاءِ أُولُو فَرْضٍ مُسَمًّى، لَا يَرِثُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِغَيْرِ الْفَرْضِ الْمُسَمَّى فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا مَنْ يَرِثُ مَرَّةً بِفَرْضٍ مُسَمًّى فَتُقَدِّمُوهُ، وَمَرَّةً مَا بَقِيَ فَتُسْقِطُوهُ أَوْ تُؤَخِّرُوهُ. وَقَالُوا فِي الْأُمِّ وَالْأَخَوَاتِ الشَّقَائِقِ، أَوْ لِلْأَبِ فَقَطْ، أَوْ لِلْأُمِّ فَقَطْ، مِمَّنْ قَدْ يَرِثُ وَقَدْ لَا يَرِثُ شَيْئًا: فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ إسْقَاطُ بَعْضٍ وَإِثْبَاتُ بَعْضٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَسْأَلَةُ: الزَّوْجِ، وَالْأُمِّ، وَالْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ، وَالْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ. فَلَا تَنَاقُضَ فِيهَا أَصْلًا، لِأَنَّ الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ قَدْ يَرِثَانِ بِفَرْضٍ مُسَمًّى مَرَّةً، وَقَدْ لَا يَرِثَانِ إلَّا مَا بَقِيَ - إنْ بَقِيَ شَيْءٌ -: فَلَا يُعْطَيَانِ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ لَهُمَا، وَلَا اتِّفَاقٌ. وَلَيْسَ لِلْأُمِّ هَاهُنَا إلَّا السُّدُسُ؛ لِأَنَّ لِلْمَيِّتِ إخْوَةً، فَوَجَبَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ بِالنَّصِّ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالنَّصِّ، فَذَلِكَ الثُّلُثَانِ، وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ بِالنَّصِّ. وَأَيْضًا: فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُجْمَعٌ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، وَمُخْتَلَفٌ فِي حَطِّهِمْ فَوَجَبَ تَوْرِيثُهُمْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَبَطَلَ حَطُّهُمْ بِالدَّعْوَى الْمُخَالِفَةِ

مسألة ميراث الأخ أو الأخوة لأم

لِلنَّصِّ، وَصَحَّ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعْطِ الْأُخْتَيْنِ لِلْأَبِ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَا نَصَّ لَهُمَا بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُجْمَعْ لَهُمَا عَلَى شَيْءٍ يُعْطَيَانِهِ، فَإِذْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا بِالنَّصِّ وَلَا بِالْإِجْمَاعِ: فَلَا يَجُوزُ تَوْرِيثُهُمَا أَصْلًا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ: الزَّوْجِ، وَالْأُمِّ، وَالْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ: فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُ أَبَا سُلَيْمَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّنْ يَحُطُّ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنْ لَا يَحُطَّ إلَى السُّدُسِ إلَّا بِثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا؟ فَجَوَابُنَا فِيهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَنَّ الزَّوْجَ وَالْأُمَّ يَرِثَانِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَفِي كُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا الْأُخْتَانِ لِلْأُمِّ، فَقَدْ يَرِثَانِ وَقَدْ لَا يَرِثَانِ، فَلَا يَجُوزُ مَنْعُ مَنْ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لَهُ الْمِيرَاثَ فِي كُلِّ حَالٍ وَأَبَدًا، وَلَا يَجُوزُ تَوْرِيثُ مَنْ قَدْ يَرِثُ وَقَدْ لَا يَرِثُ إلَّا بَعْدَ تَوْرِيثِ مَنْ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُجُوبِ تَوْرِيثِهِ وَبَعْدَ اسْتِيفَائِهِ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ الَّذِي قَدْ لَا يَرِثُ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِ إلَّا هَذَا، أَوْ مُخَالَفَةُ الْقُرْآنِ بِالدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ: فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ بِالْقُرْآنِ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ بِالْقُرْآنِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ، فَلَيْسَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ غَيْرُهُ، إذْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ سِوَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الأخ أَوْ الْأُخُوَّة لِأُمّ] 1719 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ ذَكَرٍ كَذَلِكَ، أَوْ تَرَكَ أَبًا أَوْ جَدًّا لِأَبٍ، وَتَرَكَ أَخًا لِأُمٍّ، أَوْ أُخْتًا لِأُمٍّ، أَوْ أَخًا لِأُمٍّ، أَوْ إخْوَةً لِأُمٍّ: فَلَا مِيرَاثَ لِوَلَدِ الْأُمِّ أَصْلًا، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرْنَا: فَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ فَقَطْ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ أُخْتًا وَأَخًا لِأُمٍّ: فَلَهُمَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، لَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى، وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً: فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ شَرْعًا سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ إنْ وَجَبَ لَهُمْ السُّدُسُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] .

وَهَذَا قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، إلَّا رِوَايَتَيْنِ رُوِيَتَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يَقْسِمُونَ الثُّلُثَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ وَالْأُخْتَ لِلْأُمِّ يَرِثَانِ مَعَ الْأَبِ. فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَلَا نَقُولُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الْقَوْلَةِ قِيَاسًا عَلَى مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، أَوْ الْأَشِقَّاءِ، وَبِاَللَّهِ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ لَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ كُلِّ مَا حَكَمُوا فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَيْنَ هَذَا الْقِيَاسُ مِنْ قِيَاسِهِمْ مِيرَاثَ الْبِنْتَيْنِ عَلَى مِيرَاثِ الْأُخْتَيْنِ، وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ؟ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَلَمْ تَصِحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا فِي السُّدُسِ الَّذِي حَطَّهُ الْإِخْوَةُ مِنْ مِيرَاثِ الْأُمِّ فَرَدُّوهَا إلَى السُّدُسِ عَنْ الثُّلُثِ فَقَطْ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلَافُهَا - وَلَمْ نَقُلْ بِهَا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى هَذَا التَّوْرِيثَ " كَلَالَةً " فَوَجَبَ أَنْ تَعْرِفَ مَا " الْكَلَالَةُ " وَمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبَرَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَإِلَّا فَهُوَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَوَجَدْنَا: مَنْ يَرِثُهُ إخْوَةٌ أَوْ أَخَوَانِ أَوْ أَخٌ: إمَّا شَقِيقٌ، وَإِمَّا لِأَبٍ، وَإِمَّا لِأُمٍّ - وَلَا وَلَدَ لَهُ وَلَا ابْنَةَ، وَلَا وَلَدَ ابْنِ ذَكَرٍ - وَإِنْ سَفَلَ - وَلَا أَبَ وَلَا جَدَّ لِأَبٍ - وَإِنْ عَلَا - فَهُوَ كَلَالَةٌ، مِيرَاثُهُ كَلَالَةٌ بِإِجْمَاعٍ مَقْطُوعٍ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ. وَوَجَدْنَا أَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ شَيْءٌ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ: أَهُوَ كَلَالَةٌ أَمْ لَا؟ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْطَعَ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الثَّابِتِ - إذَا لَمْ نَجِدْ نَصًّا مُفَسِّرًا - فَوَجَبَ بِهَذَا أَنْ لَا يَرِثَ الْإِخْوَةُ كَيْفَ كَانُوا، إلَّا حَيْثُ يُعْدَمُ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ يُوجِبَ مِيرَاثَ بَعْضِهِمْ نَصٌّ صَحِيحٌ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ فَقَطْ: وَهُوَ الْأَخُ الشَّقِيقُ، أَوْ لِلْأَبِ مَعَ الِابْنَةِ فَصَاعِدًا، وَأُخْتٌ مِثْلُهُ مَعَهُ فَصَاعِدًا، مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْبَنَاتُ

مسألة ميراث الذكر

الثُّلُثَيْنِ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: الْأُخْتُ كَذَلِكَ مَعَ الْبِنْتِ، أَوْ الْبَنَاتِ حَيْثُ لَا عَاصِبَ لِلْمَيِّتِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الذَّكَرَ] 1720 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً، أَوْ ابْنًا وَابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ ابْنَةً وَابْنًا فَأَكْثَرَ، أَوْ اثْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ: فَلِلذَّكَرِ سَهْمَانِ، وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ. هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. 1721 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَخُ، وَالْأُخْتُ الْأَشِقَّاءُ أَوْ لِلْأَبِ فَقَطْ فَصَاعِدًا - كَذَلِكَ أَيْضًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ - وَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الْأُخُوَّة الْأَشِقَّاء والأخوة لِأَب] 1722 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ أَخٌ شَقِيقٌ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ، وَمَعَهُ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فَأَكْثَرُ، أَوْ لَا أُخْتَ مَعَهُ: لَمْ يَرِثْ هَاهُنَا الْأَخُ لِلْأَبِ، وَلَا الْأُخْتُ لِلْأَبِ شَيْئًا. وَهَذَا نَصُّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ أَيْضًا، وَالْأَقْرَبُ بِالْأُمِّ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَبِ أَوْلَى مِمَّنْ لَمْ يَقْرُبْ بِالْأُمِّ بِضَرُورَةِ الْحِسِّ. 1723 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأَخًا لِأَبٍ، أَوْ إخْوَةً ذُكُورًا لِأَبٍ: فَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ، وَلِلْأَخِ لِلْأَبِ أَوْ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ: مَا بَقِيَ - وَإِنْ كَثُرُوا - وَهَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَنَصُّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. فَإِنْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ أَخًا، أَوْ إخْوَةً لِأَبٍ: فَلِلشَّقِيقَتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ: فَلِلْأَخِ، أَوْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، كَمَا قُلْنَا. 1724 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأُخْتًا لِأَبٍ، أَوْ أَخَوَاتٍ لِلْأَبِ: فَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ، وَلِلَّتِي لِلْأَبِ أَوْ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ: السُّدُسُ فَقَطْ - وَإِنْ كَثُرْنَ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] فَلَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى لِلْأَخَوَاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ إلَّا الثُّلُثَيْنِ. فَإِنْ تَرَكَ أَيْضًا أُخْتًا لِأُمٍّ: كَانَ لَهَا سُدُسٌ خَامِسٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَخًا لِأُمٍّ. فَإِنْ كَانَ أَخَوَانِ لِأُمٍّ، أَوْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ، أَوْ أَخًا، أَوْ أُخْتًا، أَوْ إخْوَةً كَثِيرًا لِأُمٍّ: فَالثُّلُثُ الْبَاقِي لَهُمَا أَوْ لَهُمْ أَوْ لَهُنَّ - وَهَذَا نَصٌّ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ.

فَإِنْ تَرَكَ شَقِيقَتَيْنِ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَابْنَ عَمٍّ أَوْ عَمًّا، فَلِلشَّقِيقَتَيْنِ: الثُّلُثَانِ " وَلِلْعَمِّ، أَوْ لِابْنِ الْعَمِّ مَا بَقِيَ، وَلَا شَيْءَ لِلَّوَاتِي لِلْأَبِ - وَهَذَا دَلِيلُ النَّصِّ وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ إلَّا شَيْئًا ذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ الثُّلُثَ الْبَاقِي لِلَّوَاتِي لِلْأَبِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَيْثُ يُوجَدُ عَاصِبٌ ذَكَرٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ، وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، وَأَخَوَاتٍ أَوْ أُخْتًا لِأَبٍ، أَوْ إخْوَةً لِأَبٍ، فَلِلشَّقِيقَتَيْنِ فَصَاعِدًا: الثُّلُثَانِ، وَلِلْبِنْتَيْنِ لِلْأُمِّ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ - وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ، وَلَا لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ، وَلَا لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ - وَهَذَا دَلِيلُ النَّصِّ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ. 1725 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ لِلْأَبِ، فَلِلشَّقِيقَةِ: النِّصْفُ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ، مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ مَا يَجِبُ لِلْأَخَوَاتِ السُّدُسُ وَلَا يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ أَصْلًا، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلذَّكَرِ وَحْدَهُ. فَإِنْ كَانَتَا شَقِيقَتَيْنِ، وَأُخْتًا أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَأَخًا لِأَبٍ: فَالثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ، وَالْبَاقِي لِلْأَخِ الذَّكَرِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبِ، وَلَا لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو شِهَابٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى - هُوَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ - عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ: لِلْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ: الثُّلُثَانِ، وَسَائِرُ الْمَالِ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ. وَبِهِ إلَى، سَعِيدٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ: فَجَعَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَخَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَ وَهُوَ يَرَى أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ: مَا رَدُّك عَنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، أَلَقِيت أَحَدًا هُوَ أَثْبَتُ فِي نَفْسِك مِنْهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَقِيت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدْته فِي الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي أُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ: إنَّ لِلَّتَيْنِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ: الثُّلُثَيْنِ، فَمَا

بَقِيَ فَلِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ - وَأَنَّ عَائِشَةَ شَرَّكَتْ بَيْنَهُمْ، فَجَعَلَتْ مَا بَقِيَ بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: قَالَ مَسْرُوقٌ رَأَيْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ يُشْرِكُونَ بَيْنَهُمْ، قَالَ الْأَعْمَشُ: وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأَبٍ: لِهَذِهِ النِّصْفُ، ثُمَّ يَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَ إذَا قَاسَمَ بِهَا الذُّكُورَ أَصَابَهَا أَكْثَرُ مِنْ السُّدُسِ لَمْ يُزِدْهَا عَلَى السُّدُسِ، وَإِذَا أَصَابَهَا أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ: قَاسَمَ بِهَا - وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: لِهَذِهِ النِّصْفُ، وَمَا بَقِيَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا: هَذَا مِنْ قَضَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْ يَرِثَ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ: بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ عَلْقَمَةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ خَالَفَ ابْنَ مَسْعُودٍ بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ سَائِرِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ مِنْ قَضَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ قَضَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَوْرِيثِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْأَخِ: دُونَ الْعَمَّةِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ، وَبِنْتِ الْأَخِ - فَهَلْ هَذَا مِنْ قَضَاءِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْمَشِ: إنَّ سَائِرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافِ هَذَا. فَنَقُولُ لِلْمُحْتَجِّ بِهَذَا: هَبْكَ صَحَّ لَك ذَلِكَ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - عَنْ سِتَّةٍ مِنْهُمْ، أَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَك؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ أَمْ لِمَاذَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ إجْمَاعًا، قُلْنَا لَهُ: فَمَا لَيْسَ إجْمَاعًا وَلَا نَصًّا: فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ إجْمَاعًا؟ قُلْنَا: فَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ: كَافِرٌ أَوْ فَاسِقٌ، فَانْظُرْ فِيمَ تَدْخُلُ، وَبِمَاذَا

مسألة ميراث الأبن وأبن الأبن

تَصِفُ ابْنَ مَسْعُودٍ؟ وَاَللَّهِ إنَّ الْمُعَرِّضَ بِهِ فِي ذَلِكَ لَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، لَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْمَقْطُوعُ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَالْعِلْمِ، وَالدِّينِ، وَالْإِيمَانِ. وَأَمَّا الْآيَةُ: فَهِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِيمَا يَرِثُهُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ بِالتَّعْصِيبِ، لَا فِيمَا وَرِثَهُ الْأَخَوَاتُ بِالْفَرْضِ الْمُسَمَّى، وَالنَّصُّ قَدْ صَحَّ بِأَنْ لَا يَرِثَ الْأَخَوَاتُ بِالْفَرْضِ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا: عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَعَشْرَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَعَمًّا أَوْ ابْنَ عَمٍّ، أَوْ ابْنَ أَخٍ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إلَّا السُّدُسُ فَقَطْ، وَالْبَاقِي لِمَنْ ذَكَرْنَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ، وَعَشْرَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ، وَعَمًّا أَوْ ابْنَ عَمٍّ، أَوْ ابْنَ أَخٍ: أَنَّ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ لَا يَرِثْنَ شَيْئًا أَصْلًا، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَرِثْنَ مَعَ الْأَخِ، وَلَا يَرِثْنَ مَعَ الْعَمِّ، وَلَا مَعَ ابْنِ الْعَمِّ، وَلَا مَعَ ابْنِ الْأَخِ؟ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَصْحَابِهَا، فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَالْفَرَائِضُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ النِّصْفُ لِلشَّقِيقَةِ، أَوْ الثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ، أَوْ النِّصْفُ لِلشَّقِيقَةِ، وَالسُّدُسُ لِلَّتِي لِلْأَبِ أَوْ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ فَقَطْ، فَصَحَّ أَنَّ الْبَاقِيَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الأبن وأبن الأبن] 1726 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ الذَّكَرِ أَحَدٌ إلَّا الْبَنَاتُ، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ، وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ، فَقَطْ. وَوَلَدُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ فِي الْمِيرَاثِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدِ أَبِيهِ، وَكَانَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً لِغَيْرِ أَبِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عُمُومُ الْقُرْآنِ وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. 1727 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَرِثُ بَنُو الِابْنِ مَعَ الِابْنِ الذَّكَرِ شَيْئًا - أَبَاهُمْ كَانَ أَوْ عَمَّهُمْ.

وَلَا يَرِثُ بَنُو الْأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لِلْأَبِ مَعَ أَخٍ شَقِيقٍ أَوْ لِأَبٍ - وَهَذَا نَصُّ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: «فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. 1728 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ ابْنَةً، وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا: فَلِابْنَتِهِ النِّصْفُ وَلِبَنِي الِابْنِ الذُّكُورِ مَا بَقِيَ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ فَلِبَنِي الِابْنِ - فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ ابْنَةً، وَلَا وَلَدًا، وَتَرَكَ بِنْتَ ابْنٍ، فَلَهَا النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ، فَإِنْ تَرَكَ بَنَاتِ ابْنٍ وَبَنِي ابْنٍ: فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةً وَابْنَةَ ابْنٍ، أَوْ بِنْتَيْ ابْنٍ، أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ: فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ، أَوْ لَبِنْتَيْ الِابْنِ، أَوْ لِبَنَاتِ الِابْنِ: السُّدُسُ فَقَطْ - وَإِنْ كَثُرْنَ - وَالْبَاقِي لِلْعَاصِبِ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَبَنَاتِ ابْنٍ وَعَمًّا وَابْنَ عَمٍّ، أَوْ أَخًا، أَوْ ابْنَ أَخٍ: فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ لِلْعَمِّ، أَوْ لِابْنِ الْعَمِّ، أَوْ لِلْأَخِ، أَوْ لِابْنِ الْأَخِ - وَلَا شَيْءَ لِبَنَاتِ الِابْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصٌّ وَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْآنَ. 1729 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَرَكَ ابْنَةً وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا وَإِنَاثًا: فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ - ثُمَّ يَنْظُرُ: فَإِنْ وَقَعَ لِبَنَاتِ الِابْنِ بِالْمُقَاسَمَةِ السُّدُسُ فَأَقَلُّ قَاسَمْنَ، وَإِنْ وَقَعَ لَهُنَّ أَكْثَرُ لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَبَنِي ابْنٍ ذُكُورًا وَإِنَاثًا: فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لِذُكُورِ وَلَدِ الْوَلَدِ دُونَ الْإِنَاثِ. فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةً، وَبِنْتَ ابْنٍ، وَبَنِي ابْنِ ابْنٍ: فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كُنَّ أَكْثَرَ - وَالْبَاقِي لِذُكُورِ وَلَدِ الْوَلَدِ دُونَ الْإِنَاثِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ: وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُقَاسِمُ الذَّكَرُ مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ الْإِنَاثِ وَيُقَاسِمُ أَيْضًا وَلَدُ الْوَلَدِ عَمَّاتِهِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

مسألة ميراث الجدة

وَهَذَا خَطَأٌ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ كَالْحُجَّةِ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مَعَ الْأُخْتِ وَالْأَخَوَاتِ الشَّقَائِقِ، سَوَاءً سَوَاءً، حَرْفًا حَرْفًا -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الْجَدَّة] 1730 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجَدَّةُ تَرِثُ الثُّلُثَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمٌّ حَيْثُ تَرِثُ الْأُمُّ الثُّلُثَ، وَتَرِثُ السُّدُسَ حَيْثُ تَرِثُ الْأُمُّ السُّدُسَ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أُمٌّ. وَتَرِثُ الْجَدَّةُ وَابْنُهَا أَبُو الْمَيِّتِ حَيٌّ، كَمَا تَرِثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا. وَكُلُّ جَدَّةٍ تَرِثُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَقْرَبُ مِنْهَا فَإِنْ اسْتَوَيْنَ فِي الدَّرَجَةِ اشْتَرَكْنَ فِي الْمِيرَاثِ الْمَذْكُورِ. وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ أُمِّ الْأُمِّ، وَأُمُّ أُمِّ الْأَبِ، وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ، وَأُمُّ أَبِي الْأُمِّ، وَهَكَذَا أَبَدًا. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْ إلَّا جَدَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ فَقَطْ - وَرُوِيَ عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ، تَوْرِيثُ جَدَّتَيْنِ فَقَطْ، وَهُمَا: أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا، وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِتَوْرِيثِ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ، وَهُمَا اللَّتَانِ ذَكَرْنَا، وَأُمُّ أَبٍ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا - وَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ: تَوْرِيثُ كُلِّ جَدَّةٍ إلَّا جَدَّةً مِنْ قِبَلِ أَبِي أُمٍّ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَبِي جَدَّةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَرِثُ الْجَدَّةُ وَالْجَدَّتَانِ وَالْأَكْثَرُ إلَّا السُّدُسَ فَقَطْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَقْرَبَ انْفَرَدَتْ بِالسُّدُسِ وَلَمْ تَرِثْ مَعَهَا الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مُسَاوِيَةً لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَبْعَدَ اشْتَرَكَتَا فِي السُّدُسِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَرِثُ الْجَدَّةُ مَا دَامَ ابْنُهَا الَّذِي صَارَتْ بِهِ جَدَّةً حَيًّا. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَقَالَ تَعَالَى: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] فَجَعَلَ آدَمَ وَامْرَأَتَهُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - أَبَوَيْنَا، فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ جَسَرَ قَوْمٌ عَلَى الْكَذِبِ هَاهُنَا فَادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ لَيْسَ لِلْجَدَّةِ إلَّا السُّدُسُ -

وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الْجَسْرَاتِ - كَتَبَ إلَيَّ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّبْرِيزِيُّ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: نا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ اللَّبَّانِ نا دِعْلِجُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْجَارُودِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْجَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ - وَقَالَ طَاوُسٌ: الْجَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ تَرِثُ مَا تَرِثُ الْأُمُّ - وَمَا وَجَدْنَا إيجَابَ السُّدُسِ لِلْجَدَّةِ إلَّا مُرْسَلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ: خَمْسَةٌ فَقَطْ، فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا سِيَّمَا مَنْ وَرَّثَ الْجَدَّ مِيرَاثَ الْأَبِ فَإِنَّهُ نَاقَضَ، إذْ لَمْ يُوَرِّثْ الْجَدَّةَ مِيرَاثَ الْأُمِّ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ خَبَرَ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ «أَطْعَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ جَدَّاتٍ السُّدُسَ» رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ. وَخَبَرُ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ شَهِدَا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ» . وَخَبَرُ ابْنِ وَهْبٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَ جَدَّتَيْنِ السُّدُسَ، إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ، أَوْ شَيْءٌ دُونَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ إلَّا وَاحِدَةٌ: فَلَهَا السُّدُسُ» . وَخَبَرُ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُزْمَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي نا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ» . وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالُوا: وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُخَالِفُهُ. قُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ. حَدِيثُ قَبِيصَةَ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ، وَلَا سَمِعَهُ مِنْ الْمُغِيرَةِ وَلَا مُحَمَّدٍ، وَخَبَرُ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلٌ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّنَا نَقُولُ بِتَوْرِيثِهَا السُّدُسَ مِنْ حَيْثُ تَرِثُ الْأُمُّ السُّدُسَ مَعَ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ. وَأَمَّا خَبَرُ بُرَيْدَةَ فَعَبْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ مَجْهُولٌ. وَخَبَرُ عَلِيٍّ أَفْسَدَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّ ابْنَ وَهْبٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَأَيْضًا فَعَبْدُ الْوَهَّابِ هَالِكٌ سَاقِطٌ. وَأَيْضًا فَلَا سَمَاعَ يَصِحُّ لِمُجَاهِدٍ مِنْ عَلِيٍّ وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُعْرَفُ مَخْرَجُهَا، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ لَهَا السُّدُسَ حَيْثُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ. وَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا بِقَوْلِهِمْ الْمَعْهُودِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَتْرُكْ مَا رُوِيَ إلَّا لِأَمْرٍ هُوَ أَقْوَى فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ هَاهُنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمٌ بِخِلَافِ قَوْلِنَا لَقُلْنَا بِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَصْلًا. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ الْمَذْكُورِ: جَاءَتْ الْجَدَّةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: إنَّ ابْنَ ابْنِي، أَوْ ابْنَ ابْنَتِي مَاتَ، وَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّ لِي فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقًّا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَجِدُ لَك فِي الْكِتَابِ حَقًّا، وَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي لَك بِشَيْءٍ وَسَأَسْأَلُ النَّاسَ؟ قُلْنَا: إنَّمَا أَخْبَرَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ وُجُودِهِ وَسَمَاعِهِ وَصَدَقَ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ سَمِعَا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَسْمَعْ، فَرَجَعَ هُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى مَا سَمِعَا مِمَّا لَمْ يَسْمَعْ هُوَ؟ فَأَيُّ غَرِيبَةٍ فِي أَنْ لَا يَجِدَ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ فِي ذِكْرِهِ حِينَئِذٍ مَا يَجِدُ غَيْرُهُ وَقَدْ مَنَعَ عُمَرُ مِنْ التَّزَيُّدِ عَلَى مِقْدَارِ مَا فِي الصَّدَاقِ، فَلَمَّا ذُكِّرَ بِالْقُرْآنِ رَجَعَ، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ. وَقَدْ وَجَدْنَا نَصًّا: أَنَّ الْجَدَّةَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، وَمِيرَاثُ الْأَبَوَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، فَمِيرَاثُهَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ مَا فِي حِفْظِهِ، وَنَسِيَ آدَم، فَنَسِيَ بَنُوهُ، فَهَذَا مِيرَاثُ الْجَدَّةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ؟ وَلَيْسَ لِمُخَالِفِنَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا، لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا نَظَرٍ؟ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] وَلَا مَعْنَى لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ وَقِلَّتِهِمْ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا أَجْزَاءَ ضَخْمَةً فِيمَا خَالَفَ فِيهِ

أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ، وَفِيمَا قَالَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِمَّا لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَ بِهِ قَبْلَهُ، وَقَطَعَهُ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الْمَقْطُوعَ بِهِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا نَظَرٌ صَحِيحٌ بِتَرْجِيحِ مَا كَثُرَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلَى مَا قَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ. فَهَذَا مِيرَاثُ الْجَدَّةِ. وَأَمَّا: كَمْ جَدَّةً تَرِثُ؟ فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: لَا تَرِثُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَتَرَكَ جَدَّتَيْهِ: أُمَّ أُمِّهِ، وَأُمَّ أَبِيهِ، فَأَتَوْا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَأَعْطَى أُمَّ أُمِّهِ السُّدُسَ دُونَ أُمِّ الْأَبِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - لَقَدْ وَرَّثْتَ الَّتِي لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ مَا وَرِثَ مِنْهَا شَيْئًا، وَتَرَكَتْ امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ وَرِثَ مَالَهَا كُلَّهُ، فَأَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَدَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَرَّثَ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ السُّدُسَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَاءَتْهُ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ، فَقَالَ لَهَا: مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَسَوْفَ أَسْأَلُ لَك النَّاسَ؟ قَالَ: فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُهُ شَيْئًا؟ فَقَالَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ: لِمَ لَا تُوَرِّثُهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَرِثَهَا، وَهَذِهِ لَوْ تَرَكَتْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ يَرِثْهَا ابْنُ ابْنَتِهَا، فَوَرَّثَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَيَجْعَلُ فِي الْجَدَّاتِ خَيْرًا كَثِيرًا. فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ: جَعَلَا الْمِيرَاثَ لِلْجَدَّةِ الَّتِي لِلْأُمِّ دُونَ أُمِّ الْأَبِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: قَدْ قَالَا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، فَلَا إجْمَاعَ مُتَيَقَّنٌ مَعَكُمْ أَصْلًا - وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ كَمَا تَرَوْنَ. وَهَذَا عَلِيٌّ يُخْبِرُ بِأَنَّ عُمَرَ قَضَى مُدَّةَ حَيَاتِهِ بِمَنْعِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَعَلِيٌّ مَعَهُ يُوَافِقُهُ، وَعُثْمَانُ أَيْضًا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا وَلِي عَلِيٌّ خَالَفَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ مَا سَلَفَ مِمَّا ذَكَرْنَا إجْمَاعًا -

فَهَذَا أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا، وَالْكَذِبُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ أَشَدُّ عَارًا وَإِثْمًا مِنْ الْكَذِبِ عَلَى وَاحِدٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَالْقَوْلُ بِالظَّنِّ كَذِبٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَرِثُ إلَّا جَدَّتَانِ فَقَطْ: أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّهَا، وَأُمُّ أُمِّهَا؛ وَأُمُّ أُمِّ أُمِّهَا، وَهَكَذَا أَبَدًا: أُمًّا فَأُمًّا فَقَطْ. وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمُّهَا، وَأُمُّ أُمِّهَا، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّهَا، وَهَكَذَا: أُمًّا فَأُمًّا فَقَطْ، وَلَا يُوَرِّثُونَ أُمَّ جَدٍّ أَصْلًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَرِثُ ثَلَاثُ جَدَّاتٍ فَقَطْ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَتَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ أُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ، وَأَنْتَ تُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ؟ أَفَلَا تُوَرِّثُ حَوَّاءُ امْرَأَةَ آدَمَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، وَمَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ مَسْلَمَةُ: عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، كِلَاهُمَا: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ خَارِجَةُ، وَمَكْحُولٌ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ: اثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، وَحُمَيْدٍ، قَالَا جَمِيعًا: إنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: يَرِثْنَ ثَلَاثُ جَدَّاتٍ: جَدَّتَا الْأَبِ، وَجَدَّةُ الْأُمِّ لِأُمِّهَا - وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُوَرِّثُونَ مِنْ الْجَدَّاتِ ثَلَاثًا: جَدَّتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جِئْنَ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ إلَى مَسْرُوقٍ، فَوَرَّثَ ثَلَاثًا، وَأَلْغَى أُمَّ أَبِي الْأُمِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: إذَا كُنَّ الْجَدَّاتُ أَرْبَعًا: طُرِحَتْ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ، وَوَرِثَ الثَّلَاثُ السُّدُسَ أَثْلَاثًا بَيْنَهُنَّ - وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَرِثُ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُ الْجَدَّاتِ الْأَرْبَعِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُمَا كَانَا يُوَرِّثَانِ أَرْبَعَ جَدَّاتٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَرِثُ كُلُّ جَدَّةٍ إلَّا جَدَّةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَبُو أُمٍّ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنَّمَا طُرِحَتْ أُمُّ أَبِي الْأُمِّ، لِأَنَّ أَبَا الْأُمِّ لَا يَرِثُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَرِثُ كُلُّ جَدَّةٍ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ، وَأَبِي سَهْلٍ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ - كِلَاهُمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثُ مَا قَرُبَ مِنْ الْجَدَّاتِ وَمَا بَعُدَ - وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ نا الشَّعْبِيُّ قَالَ: جِئْنَ إلَى مَسْرُوقٍ أَرْبَعُ جَدَّاتٍ يَتَسَاءَلْنَ؟ فَأَلْغَى أُمَّ أَبِي الْأُمِّ، قَالَ أَشْعَثُ: فَأَخْبَرْت بِذَلِكَ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: أَوْهَمَ أَبُو عَائِشَةَ، يُوَرَّثْنَ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو عَائِشَةَ: كُنْيَةُ مَسْرُوقٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ رُوِيَ عَنْهُمْ تَوْرِيثُ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ، وَغَيْرِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إلَّا جَدَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّهَا ثُمَّ أُمُّهَا، هَكَذَا فَقَطْ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْمُجْتَمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهَا - وَلَا يَصِحُّ أَثَرٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَعُمَرُ قَدْ قَالَ بِهِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَجَعَ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ إذَا وُجِدَ الْخِلَافُ، وَوَسِعَ الْآخَرَ مَا وَسِعَ الْأَوَّلَ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَلَيْسَتْ الْحُجَّةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

بِمُوجَبِهِ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ أُمَّ الْأُمِّ تَرِثُ وَلَا تُورَثُ بِلَا خِلَافٍ، وَالْعَمَّةُ تُورَثُ وَلَا تَرِثُ بِلَا خِلَافٍ. وَهَذَا عُمَرُ قَدْ رَجَعَ عَنْ تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى نَاكِحِهَا فِي الْأَبَدِ، وَأَبَاحَ لَهُ نِكَاحَهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لِرُجُوعِ عُمَرَ عَنْهُ. وَهَذَا عَلِيٌّ قَدْ رَجَعَ عَنْ مَنْعِهِ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلَمْ يَرْجِعْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لِرُجُوعِهِ، وَلَيْسَ رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ حُجَّةً، كَمَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَيْسَ حُجَّةً، إلَّا أَنْ يُصَحِّحَ الْقَوْلَ أَوْ الرُّجُوعَ حُجَّةً. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ الْأَجْدَادِ إلَّا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَبٌ الْأَبِ، وَأَبُوهُ، وَأَبُو أَبِيهِ - هَكَذَا فَقَطْ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَرِثَ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّهَا وَأُمُّ أُمِّهَا، وَهَكَذَا فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَاتَانِ حُجَّتَانِ لَازِمَتَانِ لِأَهْلِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى كَثِيرًا مَا يَحْتَجُّونَ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ أَصَحُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يَتَعَلَّقُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونُهَا أُمٌّ، بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْأُمِّ الَّتِي دُونَهَا، فَلَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا إلَّا جَدَّةً تَكُونُ دُونَهَا أُمٌّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ آنِفًا وَعِلَّتَهُ وَلَا يَلْزَمَانِنَا؛ لِأَنَّنَا لَا نَمْنَعُ مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ إذَا أَوْجَبَهُ بُرْهَانٌ، بَلْ نُوجِبُ الْأَخْذَ بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَوْلَا الْبُرْهَانُ الْمُوجِبُ لِتَوْرِيثِ كُلِّ جَدَّةٍ لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِسِوَاهُ، لِأَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَمَا عَدَاهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِالْقِيَاسِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إلَّا جَدَّتَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ - وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا أَوْرَدْنَا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِخَبَرِ مُجَاهِدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَ جَدَّتَيْنِ السُّدُسَ. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَعَ مِنْ تَوْرِيثِ أَكْثَرَ - وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ أَحْسَنُ مِنْهُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ. وَلَيْسَ قَوْلُ سَعْدٍ: أَلَا تُوَرِّثُ حَوَّاءَ امْرَأَةَ آدَمَ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ

تَوْرِيثِ حَوَّاءَ امْرَأَةِ آدَمَ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً، وَلَمْ تَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ وَلَا جَدَّةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ فِي الْعَالَمِ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَهُ أُمٌّ، وَلِأُمِّهِ أُمٌّ، وَلِأُمِّ أُمِّهِ أُمٌّ، هَكَذَا قَطْعًا بِيَقِينٍ إلَى بِنْتِ حَوَّاءَ، فَهِيَ جَدَّةٌ مِنْ قِبَلِ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا بِيَقِينٍ، فَبَطَلَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ، وَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ: مِنْ أَنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ، فِي أَقْوَالِهِمَا فِي الْفَرَائِضِ مُقَلِّدِينَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدٌ يُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ فَخَالَفُوهُ بِلَا مَعْنَى، وَلَيْسَ إنْكَارُ سَعْدٍ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ تَوْرِيثَ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ مُوجِبًا أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُوَرِّثُ جَدَّتَيْنِ، بَلْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَا يُوَرِّثُ إلَّا جَدَّةً وَاحِدَةً، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إلَّا ثَلَاثَ جَدَّاتٍ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلَّا خَبَرُ إبْرَاهِيمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ السُّدُسَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَعَ مِنْ تَوْرِيثٍ أَكْثَرَ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ، وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ إلَّا أَرْبَعَ جَدَّاتٍ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا أَصْلًا، فَبَطَلَ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْحُجَّةِ. وَأَمَّا مَنْ وَرَّثَ كُلَّ جَدَّةٍ إلَّا جَدَّةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَبُو أُمٍّ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا، إلَّا مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: مِنْ أَنَّ الَّذِي تُدْلِي بِهِ لَا يَرِثُ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: فَكَانَ مَاذَا؟ هَذَا الْمُسْلِمُ يَمُوتُ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ، وَجَدٌّ مُسْلِمٌ، أَوْ عَمٌّ مُسْلِمٌ، أَوْ ابْنُ عَمٍّ مُسْلِمٌ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَرِثُ، وَأَنَّ الَّذِي يُدْلِي بِهِ لَا يَرِثُ. إنَّمَا الْمَوَارِيثُ بِالنُّصُوصِ لَا بِالْقُرْبِ، وَلَا بِالْإِدْلَاءِ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمُعْتَقَةُ لَا تَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ، وَلَا الْمَجْنُونُ، فَلَا يَنْكِحَانِ، وَعَاصِبُهُمَا يَنْكِحُ مَوْلَاتَهَا، وَعَاصِبُ الْمَجْنُونِ يَنْكِحُ ابْنَتَهُ وَأُخْتَه، وَاَلَّذِي يُدْلِيَانِ بِهِ لَا يَنْكِحُ. وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَدَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى مَا يَقُولُونَ مِنْ مَنْعِ الْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي الْأُمِّ الْمِيرَاثَ، فَمَا هَذَا بِبِدْعٍ مِنْ جَسْرَاتِهِمْ، فَقَدْ رَأَيْنَا كَذِبَهُمْ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْحُجَّةِ. وَأَمَّا مَنْ وَرَّثَ كُلَّ جَدَّةٍ، فَإِنَّ حُجَّتَهُ مَا صَدَّرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمٌّ، وَأَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَمِيرَاثُ الْأَبَوَيْنِ مُبَيَّنٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْرَمَ الْأَبَوَانِ الْمِيرَاثَ إلَّا

بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، فَصَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِنَقْلِ كَوَافِّ الْأَعْصَارِ، عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوَرِّثْ قَطُّ مِنْ ابْنِ بِنْتٍ بِالْبُنُوَّةِ، وَلَا ابْنِ بِنْتٍ بِالْبُنُوَّةِ، فَسَقَطَ مِيرَاثُ كُلِّ جَدٍّ يَكُونُ الْمَيِّتُ مِنْهُ ابْنَ بِنْتٍ، وَبَقِيَ مِيرَاثُ الْجَدِّ الَّذِي هُوَ أَبٌ وَأَبُو أَبٍ فَقَطْ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِمَنْعِ الْجَدَّةِ مِنْ الْمِيرَاثِ بِذَلِكَ، فَبَقِيَ مِيرَاثُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاجِبًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَوَجَدْنَا خَبَرَ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ» مُوَافِقًا لِهَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ عَمَّ، وَلَمْ يَخُصَّ جَدَّةً مِنْ جَدَّةٍ، فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ سَائِرِ الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْتَمِدُ إلَّا عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَقَطْ، وَبَطَلَتْ سَائِرُ الْأَقْوَالِ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، لِتَعَرِّيهَا مِنْ حُجَّةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَفَاضُلُ الْجَدَّاتِ فِي الْقُرْبِ فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: لَا نُبَالِي أَيُّ الْجَدَّاتِ أَقْرَبُ، وَلَا أَيَّتُهُنَّ أَبْعَدُ فِي الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُسَاوِي بَيْنَ الْجَدَّتَيْنِ - كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ أَوْ لَمْ تَكُنْ أَقْرَبَ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: لَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ إلَّا الْأُمُّ، وَيَرِثْنَ - وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ - إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُنَّ أُمَّ الْأُخْرَى فَتَرِثُ الِابْنَةُ دُونَ أُمِّهَا. وَقَوْلٌ آخَرُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثُ مَا قَرُبَ مِنْ الْجَدَّاتِ وَمَا بَعُدَ مِنْهُنَّ، جَعَلَ لَهُنَّ السُّدُسَ إذَا كُنَّ مِنْ مَكَانَيْنِ شَتَّى، فَإِذَا كُنَّ مِنْ مَكَان وَاحِدٍ وَرَّثَ الْقُرْبَى. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَهُوَ إنْ كَانَتْ إحْدَى الْجَدَّتَيْنِ جَدَّةً مِنْ جِهَتَيْنِ، وَكَانَتْ الْأُخْرَى جَدَّةً مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ: فَلِلَّتِي مِنْ جِهَتَيْنِ ثُلُثَا السُّدُسِ، وَلِلَّتِي مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ثُلُثُ السُّدُسِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: امْرَأَةٌ تَزَوَّجَ ابْنُ ابْنِهَا ابْنَةَ ابْنَتِهَا فَوُلِدَ لَهُمَا وَلَدٌ، فَمَاتَ أَبَوَاهُ وَجَدَّتَاهُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ أُمُّ أَبِي أَبِيهِ وَأُمُّ أُمِّ أُمِّهِ، فَهِيَ جَدَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ - وَجَدَّةٌ أُخْرَى هِيَ أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ، فَهِيَ جَدَّةٌ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَبْعَدَ مِنْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ اشْتَرَكَتَا فِي الْمِيرَاثِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا سَوَاءً، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَقْرَبَ مِنْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ: كَانَ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَلَا شَيْءَ لِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَقْرَبَ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ فَهُمَا سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَحُمَيْدَ عَنْ (أَهْلِ الْمَدِينَةِ) ، قَالُوا: إذَا كَانَتْ جَدَّتَانِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَمِنْ قِبَلِ الْأَبِ، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَقْرَبَ فَهِيَ أَحَقُّ بِالسُّدُسِ، وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَقْرَبَ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: أَدْرَكْت خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَطَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، يَقُولُونَ: إذَا كَانَتْ جَدَّتَانِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَقْرَبَ فَهِيَ أَحَقُّ بِالسُّدُسِ، وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ: فَهُمَا سَوَاءٌ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَيَّتُهُنَّ كَانَتْ أَقْرَبَ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، وَمَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، فَذَكَرَ تَوْرِيثَ أَبِي بَكْرٍ لِلْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ جَاءَتْ الْجَدَّةُ الَّتِي يُخَالِفُهَا، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّمَا كَانَ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِك، وَلَكِنْ إذَا اجْتَمَعْتُمَا فَالسُّدُسُ بَيْنَكُمَا، وَأَيُّكُمَا خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُ الْقُرْبَى مِنْ الْجَدَّاتِ.

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَجْعَلَانِ السُّدُسَ لِلْقُرْبَى مِنْهُمَا - يَعْنِي الْجَدَّتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي الْجَدَّاتِ قَالَ: إنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَالسُّدُسُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَالسُّدُسُ بَيْنَهُنَّ، وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا فَالسُّدُسُ بَيْنَهُنَّ، وَأَيَّتُهُنَّ كَانَتْ أَقْرَبَ فَهِيَ أَحَقُّ، إنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ. وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَشَرِيكٌ، وَدَاوُد - وَهُوَ أَشْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ زُفَرَ، وَالرَّابِعُ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ: فَأَقْوَالٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا: لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِفَ لَهُ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ نَظَرٍ، وَلَا قِيَاسٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَقْلِيدِ الْمَالِكِيِّينَ لِقَوْلِ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ دُونَ قَوْلِ زَيْدٍ الثَّانِي، فَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا الْآخَرُ. فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ: الْجَدَّةُ أُمٌّ، فَكُلُّهُنَّ أُمٌّ، وَكُلُّهُنَّ وَارِثَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَوَجَدْنَا حُجَّةَ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ مِيرَاثَ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ صَحَّ بِالْقُرْآنِ، فَأَوَّلُ أُمٍّ تُوجَدُ، وَأَوَّلُ أَبٍ يُوجَدُ، فَمِيرَاثُهُمَا وَاجِبٌ، وَلَا تَجُوزُ تَعَدِّيهِمَا إلَى أُمٍّ وَلَا إلَى أَبٍ أَبْعَدَ مِنْهُمَا، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ أَصْلًا - وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا هَلْ تَرِثُ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ وَالْأَبُ حَيٌّ؟ فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَا تَرِثُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يُوَرِّثَانِ الْجَدَّةَ مَعَ ابْنِهَا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ لَمْ يُوَرِّثْ الْجَدَّةَ إنْ كَانَ ابْنُهَا حَيًّا - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالنَّاسُ عَلَيْهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأَبِ وَابْنُهَا حَيٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْجَدَّةِ وَابْنُهَا حَيٌّ: مَنَعَهَا الَّذِي بِهِ تَمُتُّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: يَحْجُبُ الرَّجُلُ أُمَّهُ كَمَا تَحْجُبُ الْأُمُّ أُمَّهَا مِنْ السُّدُسِ - كَثِيرٌ لَا شَيْءَ - وَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ مُرْسَلٌ - وَرُوِيَ هَذَا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ - وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ وَالشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ دَاوُد. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَرِثُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ أَوَّلَ جَدَّةٍ وَرِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ مَعَ ابْنِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَقَلُّ مَا فِي هَذَا أَنْ يُرَادَ خِلَافُ أَبِي بَكْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَاتَ ابْنٌ لِحَسَكَةَ الْحَبَطِيِّ فَتَرَكَ حَسَكَةَ وَأُمًّا لِحَسَكَةَ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إلَى عُمَرَ فِي ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: وَرِّثْهَا مَعَ ابْنِهَا السُّدُسَ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّةَ مَعَ ابْنِهَا، قَالَ وَكِيعٌ: وَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ إلَّا الْأُمُّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ: أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ مَاتَ وَتَرَكَ أُمَّ أَبِيهِ، وَأُمَّ أُمِّهِ، وَأَبُوهُ حَيٌّ فَوُلِّيت تَرِكَتَهُ، فَأَعْطَيْت السُّدُسَ أُمَّ أُمِّهِ، وَتَرَكْت أُمَّ أَبِيهِ؟ فَقِيلَ لِي: كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تُشَرِّكَ بَيْنَهُمَا؟ فَأَتَيْت عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَسَأَلْته؟ فَقَالَ: أَشْرِكْ بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ؟ فَفَعَلْت وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَرَّثَ أُمَّ حَسَكَةَ مِنْ ابْنِ حَسَكَةَ وَحَسَكَةُ حَيٌّ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَانَ يُوَرِّثُ الْجَدَّةَ مَعَ ابْنِهَا - وَقَضَى بِذَلِكَ بِلَالٌ - وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ - وَهُوَ قَوْلُ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَمَعْمَرٌ، قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَسٌ، وَمُحَمَّدٌ: عَلَى أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُوَرِّثُ الْجَدَّةَ مَعَ ابْنِهَا وَهُوَ حَيٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ ابْنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا خَالِدٌ، وَمَنْصُورٌ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: شَهِدْت شُرَيْحًا أَتَى فِي رَجُلٍ تَرَكَ جَدَّتَيْهِ: أُمَّ أُمِّهِ، وَأُمَّ أَبِيهِ، وَأَبُوهُ حَيٌّ: فَأَشْرَكَ بَيْنَ جَدَّتَيْهِ فِي السُّدُسِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ فِي الْجَدَّةِ: أَنَّهُمَا كَانَا يُوَرِّثَانِهَا مَعَ ابْنِهَا، فَهُمْ كَمَا تَرَى: خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَعَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ. وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْمُسَيِّبِ، وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَفُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ - وَرُوِيَ عَنْ دَاوُد أَيْضًا. فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَحْتَجُّونَ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَ جَدَّتَيْنِ السُّدُسَ إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ، أَوْ شَيْءٌ دُونَهُمَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرُ سُوءٍ مُنْقَطِعٌ مَا بَيْنَ ابْنِ وَهْبٍ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ، ثُمَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعٌ مِنْ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِذِكْرِ الْأَبِ. وَقَالُوا أَيْضًا: لَمَّا حَجَبَ أَبَاهُ وَجَبَ أَنْ يَحْجُبَ أُمَّهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ غَايَةَ الْفَسَادِ،

لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْجُبُ أَبَاهُ بِأَنَّهُ عَاصِبٌ أَوْلَى مِنْهُ، وَالْجَدَّةُ لَا تَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ إنَّمَا تَرِثُ بِالسَّهْمِ، فَبَابُهُ غَيْرُ بَابِهَا. ثُمَّ يُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: كَمَا لَا تُحْجَبُ الْأُمُّ كَذَلِكَ لَا تُحْجَبُ الْجَدَّةُ، وَكَمَا لَا تُحْجَبُ أُمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ لَا تُحْجَبُ أُمُّ نَفْسِهِ. وَقَالُوا: كَمَا تَحْجُبُ الْأُمُّ أُمَّهَا كَذَلِكَ يَحْجُبُ الْأَبُ أُمَّهُ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنَّمَا حَجَبَتْ أُمَّهَا لِأَنَّهَا أُمٌّ أَقْرَبُ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْأَبُ كَذَلِكَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: كَمَا لَا تَحْجُبُ الْأُمُّ الْجَدَّ - وَإِنَّمَا تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ - كَذَلِكَ لَا يَحْجُبُ الْأَبُ الْجَدَّاتِ، وَإِنَّمَا يَحْجُبُ الْجَدَّ فَقَطْ. وَقَالُوا: حَجَبَهَا الَّذِي تُدْلِي بِهِ - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَقَدْ وَجَدْنَا الْجَدَّةَ مِنْ الْأَبِ يَكُونُ الْأَبُ عَبْدًا فَلَا يَحْجُبُهَا عِنْدَهُمْ وَهِيَ تُدْلِي بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا يَحْجُبُهَا إذَا وَرِثَ؟ قُلْنَا: هَذِهِ زِيَادَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا بُرْهَانُ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَهِيَ لَا شَيْءَ، إنَّمَا هِيَ دَعْوَى لَا نُوَافِقُكُمْ عَلَيْهَا، فَهِيَ سَاقِطَةٌ مَا لَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ. وَقَالُوا: مِيرَاثُهَا مَعَ وُجُودِ الْأَب مُخْتَلَفٌ فِيهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ مِيرَاثَهَا بُرْهَانٌ، وَإِلَّا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، إذْ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَبَقِيَ أَنْ نُثْبِتَ صِحَّةَ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَدْ جَاءَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِإِيجَابِ مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ سَوَاءً، فَوَجَبَ بِالْقُرْآنِ مِيرَاثُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَأَبِي الْجَدِّ، وَجَدِّ الْجَدِّ مَعَ الْأُمِّ، لِأَنَّهُمْ أَبَوَانِ، وَوَجَبَ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ مَعَ الْجَدَّةِ كَمَا قُلْنَا، وَمَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمَا أَبَوَانِ، فَلَيْسَ مِيرَاثُ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ مِيرَاثِ الْأُمِّ وَأُمُّهَا أُمُّهُ - وَهَذَا نَصٌّ لَا يَسَعُ خِلَافُهُ. وَكَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّبْرِيزِيُّ نا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ اللَّبَّانِ نا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ شَجَرَةَ الْقَاضِي نا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ

فصل في الحجب

نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَرَّثَ جَدَّةً وَابْنُهَا حَيٌّ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَشْعَثِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: «أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمُّ أَبٍ مَعَ ابْنِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو يَحْيَى بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّرِيرُ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: «أَوَّلُ جَدَّةٍ أُطْعِمَتْ السُّدُسَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنُهَا حَيٌّ» . قَالَ عَلِيٌّ: عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: الْمُسْنَدُ وَالْمُرْسَلُ سَوَاءٌ، وَهَذَانِ مُرْسَلَانِ وَمُسْنَدٌ صَالِحٌ، فَلْيَأْخُذُوا بِهِمَا. فَإِنْ قَالُوا: لَعَلَّ ابْنَهَا كَانَ عَمَّ الْمَيِّتِ؟ قُلْنَا: لَا يَرِدُ الدِّينُ بِ " لَعَلَّ " لَكِنَّ ابْنَهَا هُوَ الْأَبُ وَالْعَمُّ، أَيُّهُمَا كَانَتْ وَرِثَتْ مَعَهُ، وَتَخْصِيصُ الْعَمِّ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَقَطْعٌ بِالظَّنِّ، وَتَفْسِيرٌ بَارِدٌ لِلْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ هَاهُنَا فِي حَيَاةِ الْعَمِّ وَلَا فِي مَوْتِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [فَصَلِّ فِي الحجب] فَصْلٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يَحْجُبُ أُمَّ الْأُمِّ، وَلَا أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ فَصَاعِدًا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: إنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ يَحْجُبُ جَدَّةَ الْأَبِ أُمَّ أُمِّهِ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1731 - مَسْأَلَةٌ وَلَا تَرِثُ الْإِخْوَةُ الذُّكُورُ وَلَا الْإِنَاثُ، أَشِقَّاءَ كَانُوا أَوْ لِأَبٍ، أَوْ لِأُمٍّ مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ، وَلَا مَعَ أَبِي الْجَدِّ الْمَذْكُورِ، وَلَا مَعَ جَدِّ جَدِّهِ، وَالْجَدُّ الْمَذْكُورُ أَبٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْجُبُ أَبَاهُ. وَلِلنَّاسِ فِي الْجَدِّ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، فَطَائِفَةٌ تَوَقَّفَتْ فِيهِ -: كَمَا رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ إلَى شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ التَّيْمِيِّ - تَيْمِ الرَّبَابِ - قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: ثَلَاثٌ وَدِدْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَنَا فِيهِنَّ أَمْرًا يُنْتَهَى إلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ مَغِيبُ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُرْآنِ أَوْ بِسُنَّتِهِ لِحُكْمِ: الْجَدِّ، وَالْكَلَالَةِ، وَالرِّبَا، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمُوجِبٍ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيَانَ غَابَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ فِي الدِّينِ افْتَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ، ثُمَّ غَابَ بَيَانُهُ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، إذَا كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا مِنْ الدِّينِ قَدْ بَطَلَ، وَشَرِيعَةً لَازِمَةً قَدْ سَقَطَتْ، وَلَكَانَ الدِّينُ نَاقِصًا - وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ قَلَّدَهُ - الْمُشَنِّعُونَ بِمِثْلِ هَذَا - دِينَهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ إلَّا وَهُمْ قَالُوا: بِأَنَّ حُكْمَ الْجَدِّ، وَالرِّبَا، وَالْكَلَالَةِ، قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ: إمَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ نَظَرٍ أَوْ قِيَاسٍ. فَإِنْ أَنْكَرَ هَذَا مُنْكِرٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْكَارِ أَقْوَالِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ لَا عَنْ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ لَهُمْ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَمُوا فِي الدِّينِ بِالْهَوَى، وَنَحْنُ نُجِلُّهُمْ عَنْ هَذَا - وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ فَرِيضَةٍ فِيهَا جَدٌّ؟ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ إلَى هَذَا - أَوْ تُرِيدُ إلَى هَذَا - إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا يَجْتَرِئُ عَلَى الْجَدِّ مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَى النَّارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، كُلُّهُمْ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: احْفَظُوا عَنِّي ثَلَاثًا -: إنِّي لَمْ أَقْضِ فِي الْجَدِّ شَيْئًا، وَلَمْ أَقُلْ فِي الْكَلَالَةِ شَيْئًا، وَلَمْ أَسْتَخْلِفْ أَحَدًا - فَهَذَا قَوْلُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرٍو الْخَارِقِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ فَرِيضَةٍ؟ فَقَالَ: هَاتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَدٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَجْرَؤُكُمْ عَلَى جَرَاثِيمِ جَهَنَّمَ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْجَدِّ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ شُرَيْحًا عَنْ فَرِيضَةٍ فِيهَا جَدٌّ وَأَخٌ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ فِيهَا بِشَيْءٍ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةً، وَقَالَ لَهُ: الَّذِي يَقِفُ عَلَى رَأْسِهِ: إنَّهُ لَا يَقُولُ فِي الْجَدِّ شَيْئًا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْتَحِمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقْضِ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ. فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَشُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، تَوَقَّفُوا فِي الْجَدِّ جُمْلَةً بِأَسَانِيدَ ثَابِتَةٍ - وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي آخِرِ أَقْوَالِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لِلْجَدِّ شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَعَ الْإِخْوَةِ، إنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْضِي فِيهِ الْخَلِيفَةُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنَّ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ مَعَهُ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبِ لَمْ يَكُنْ يَقْضِي بَيْنَهُمْ إلَّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، يَكْثُرُ الْإِخْوَةُ حِينًا وَيَقِلُّونَ حِينًا، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ فَرِيضَةٌ نَعْلَمُهَا مَفْرُوضَةً إلَّا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ إذَا أُتِيَ يُسْتَفْتَى فِيهِمْ، يُفْتِي بَيْنَهُمْ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَرَى فِيهِمْ، عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ الْإِخْوَةِ وَقِلَّتِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ أَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ بَدْرٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ الضَّبِّيِّ قَالَ: أَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ فِي فَرِيضَةٍ فِيهَا جَدٌّ وَإِخْوَةٌ فَذَكَرَ اخْتِلَافَ حُكْمِهِ فِيهَا، قَالَ - فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّمَا نَقْضِي بِقَضَاءِ أَئِمَّتِنَا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ لِي عُمَرُ: إنِّي قَدْ رَأَيْت فِي الْجَدِّ رَأْيًا، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَتَّبِعُوهُ فَاتَّبِعُوهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: إنْ نَتَّبِعْ رَأْيَك فَإِنَّهُ رُشْدٌ، وَإِنْ نَتَّبِعْ رَأْيَ الشَّيْخِ قَبْلَك فَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ كَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ قَوْلَ عُثْمَانَ هَذَا لِعُمَرَ كَانَ بَعْدَ أَنْ طُعِنَ عُمَرُ.

فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَقْطَعُونَ فِيهِ بِشَيْءٍ. أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَأَمَّا عَنْ زَيْدٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُوجَدَ عَنْهُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ فِي شَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْجَدِّ إلَّا قَوْلُهُ فِي " الْخَرْقَاءِ " فِي أُخْتٍ، وَأُمٍّ وَجَدَّانِ: لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمٌ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْهُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مِيرَاثٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ لَمَّا اسْتَشَارَ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ، وَالْإِخْوَةِ؟ قَالَ زَيْدٌ: وَكَانَ رَأْيِي يَوْمئِذٍ أَنَّ الْإِخْوَةَ أَحَقُّ بِمِيرَاثِ أَخِيهِمْ مِنْ الْجَدِّ - وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَاكَرَهُ الْجَدَّ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ إنَّ دُونَ الْجَدِّ شَجَرَةً أُخْرَى، فَمَا خَرَجَ مِنْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ - يَعْنِي الْأَبَ - وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا يُوجِبُ أَنَّ الْإِخْوَةَ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْجَدِّ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ، فَيَكُونُ هُوَ ثَالِثَ عَشَرَ لَهُمْ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى سَبْعَةِ إخْوَةٍ فَيَكُونُ لَهُ الثُّمُنُ مَعَهُمْ: كَمَا كَتَبَ إلَيَّ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّبْرِيزِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ اللَّبَّانِ أَنَا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ شَجَرَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ الْبَصْرَةَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي سَبْعَةِ إخْوَةٍ وَجَدٍّ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ اقْسِمْ الْمَالَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً، وَامْحُ كِتَابِي وَلَا تُخَلِّدْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى سِتَّةٍ، فَيَكُونُ لَهُ السُّبْعُ مَعَهُمْ -: رُوِّينَا ذَلِكَ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا قَبْلَهُ إلَى قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ،

قَالَ كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى عَلِيٍّ فِي سِتَّةِ إخْوَةٍ وَجَدٍّ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ: أَنْ أَعْطِهِ سُبْعًا، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى عَلِيٍّ فِي سِتَّةِ إخْوَةٍ وَجَدٍّ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ: اجْعَلْهُ كَأَحَدِهِمْ، وَامْحُ كِتَابِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى السُّدُسِ ثُمَّ لَا يَنْقُصُ مِنْ السُّدُسِ وَإِنْ كَثُرُوا -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ - أَنَا عَوْفٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عَامِلٍ لَهُ أَنْ أَعْطِ الْجَدَّ مَعَ الْأَخِ الشَّطْرَ، وَمَعَ الْأَخَوَيْنِ الثُّلُثَ، وَمَعَ الثَّلَاثَةِ الرُّبُعَ، وَمَعَ الْأَرْبَعَةِ الْخُمُسَ، وَمَعَ الْخَمْسَةِ السُّدُسَ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَنْقُصْهُ مِنْ السُّدُسِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُقَاسِمَانِ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ السُّدُسُ خَيْرًا لَهُ مِنْ مُقَاسَمَةِ الْإِخْوَةِ - وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُوَرِّثُ الْجَدَّ مَعَ خَمْسَةِ إخْوَةٍ السُّدُسَ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ السُّدُسُ لَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نا أَبُو دَاوُد - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَخًا حَتَّى يَكُونَ سَادِسًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُعْطِي كُلَّ صَاحِبِ فَرِيضَةٍ فَرِيضَتَهُ، وَلَا يُوَرِّثُ أُخْتًا لِأُمٍّ، وَلَا أَخًا لِأُمٍّ، مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا، وَلَا يُقَاسِمُ بِالْأَخِ لِأَبٍ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ، وَالْأُمِّ، وَالْجَدِّ شَيْئًا - وَإِذَا كَانَتْ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخٌ لِأَبٍ، وَجَدٍّ: أَعْطَى الْأُخْتَ النِّصْفَ، وَمَا بَقِيَ أَعْطَاهُ الْجَدَّ وَالْأَخَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ، فَإِنْ كَثُرَ الْإِخْوَةُ شَرَكَهُ مَعَهُمْ حَتَّى يَكُونَ السُّدُسُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ، فَإِنْ كَانَ السُّدُسُ خَيْرًا لَهُ أَعْطَاهُ السُّدُسَ -: وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ هَذَا يَقُولُ الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْقَاضِي، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ؛

وَشَرِيكٌ الْقَاضِي، وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيًّا شَاوَرَهُ عُمَرُ فِي الْجَدِّ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَهُ الثُّلُثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُقَاسِمُ بِالْجَدِّ الْإِخْوَةَ إلَى الثُّلُثِ وَيُعْطِي كُلَّ صَاحِبِ فَرِيضَةٍ فَرِيضَتَهُ، وَلَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا، وَلَا يُقَاسِمُ بِالْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ - وَإِذَا كَانَتْ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخٌ لِأَبٍ، وَجَدٍّ: أَعْطَى الْأُخْتَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفَ، وَالْجَدَّ النِّصْفَ - وَبِهِ يَقُولُ مَسْرُوقٌ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ - هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - حَدَّثَهُمَا: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجَدِّ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّك كَتَبْت إلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ الْجَدِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَقْضِي فِيهِ إلَّا الْأُمَرَاءُ - يَعْنِي الْخُلَفَاءَ - وَقَدْ حَضَرْت الْخَلِيفَتَيْنِ قَبْلَك يُعْطِيَانِهِ: النِّصْفَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ، وَالثُّلُثَ مَعَ الِاثْنَيْنِ، فَإِنْ كَثُرَ الْإِخْوَةُ لَمْ يُنْقِصَاهُ مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ: إنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ نَكُونَ قَدْ أَجْحَفْنَا بِالْجَدِّ فَأَعْطِهِ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ؟ فَأَعْطَاهُ - وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَهُشَيْمٍ عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى الْعَطَّارِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ عَلْقَمَةُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ فِي الثُّلُثِ، وَقَالَ لِي عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى السُّدُسِ، قَالَ إبْرَاهِيمُ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُبَيْدَةَ بْنِ نُضَيْلَةَ؟ فَقَالَ: صَدَقَا جَمِيعًا، إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، وَعُمَرُ يَقُولُ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى السُّدُسِ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ بِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى عُمَرَ، فَإِذَا عُمَرُ قَدْ رَجَعَ، فَقَالَ: يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى الثُّلُثِ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ - هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ - عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ بَدْرٍ الْأَسَدِيِّ أَخْبَرَنِي شُعْبَةُ بْنُ التَّوْأَمِ قَالَ: تُوُفِّيَ أَخٌ لَنَا فِي عَهْدِ عُمَرَ وَتَرَكَ إخْوَتَهُ وَجَدَّهُ؟ فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ: فَأَعْطَى الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ السُّدُسَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَخٌ لَنَا آخَرُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ وَتَرَكَ إخْوَتَهُ وَجَدَّهُ؟ فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ: فَأَعْطَى الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ الثُّلُثَ؟ فَقُلْنَا لَهُ: إنَّك أَعْطَيْت جَدَّنَا فِي أَخِينَا الْأَوَّلِ السُّدُسَ، وَأَعْطَيْته الْآنَ الثُّلُثَ؟ فَقَالَ: إنَّمَا نَقْضِي بِقَضَاءِ أَئِمَّتِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُطَرِّفُ - هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: إنَّا كُنَّا أَعْطَيْنَا الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ السُّدُسَ - وَلَا أَحْسَبُنَا إلَّا قَدْ أَجْحَفْنَا بِهِ - فَإِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَعْطِ الْجَدَّ مَعَ الْأَخِ الشَّطْرَ، وَمَعَ الْأَخَوَيْنِ الثُّلُثَ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تُنْقِصْهُ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى: أَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، فَإِنْ كَثُرَ الْإِخْوَةُ أَعْطَى الْجَدَّ الثُّلُثَ، وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْإِخْوَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنَّ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ بَنِي الْأَبِ ذُكُورِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، غَيْرَ أَنَّ بَنِي الْأَبِ يُقَاسِمُونَ الْجَدَّ وَبَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ لِبَنِي الْأَبِ شَيْءٌ مَعَ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَنُو الْأَبِ يَرُدُّونَ عَلَى بَنَاتِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ فَرَائِضِ بَنَاتِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَهُوَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يُشْرِكُ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إلَى الثُّلُثِ، فَإِذَا بَلَغَ الثُّلُثَ أَعْطَاهُ الثُّلُثَ، وَكَانَ لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَا بَقِيَ، وَيُقَاسِمُ الْأَخَ لِلْأَبِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى أَخِيهِ، وَيُقَاسِمُ بِالْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ أَوْ الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبِ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ - وَلَا يُوَرِّثُهُمْ شَيْئًا، فَإِذَا كَانَ الْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَعْطَاهُ النِّصْفَ، وَإِذَا كَانَ أَخَوَاتٌ وَجَدٌّ أَعْطَاهُ مَعَ الْأَخَوَاتِ الثُّلُثَ، وَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ - وَإِنْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ أَعْطَاهُمَا النِّصْفَ وَلَهُ النِّصْفُ، وَلَا يُعْطِي أَخًا لِأُمٍّ مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ كَمَا تَسْمَعُونَ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدٍ -: وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنُ اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ - ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى التَّوْقِيفِ جُمْلَةً، وَرَجَعَ اللُّؤْلُؤِيُّ إلَى الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ - وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا إلَى أَنْ يُنْقَصَ الْجَدُّ عَنْ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ نا عَبْدُ الْوَارِثِ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْد: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عِيَاضٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: دَخَلْت عَلَى عُمَرَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا فَقُلْت لَهُ: إنِّي رَأَيْت أَنْ أَنْتَقِصَ الْجَدَّ - وَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَأَمَّا عُثْمَانُ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، فَلَيْسَ عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاسِمَ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ إلَى الثُّلُثِ فَقَطْ، وَلَا يُحَطُّ مِنْ الثُّلُثِ - وَلَيْسَ عَنْهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَاتُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَرِثُ مَعَ الْجَدِّ أَخٌ شَيْئًا، لَا شَقِيقٌ، وَلَا لِأَبٍ، وَلَا لِأُمٍّ - وَمِيرَاثُ الْجَدِّ كَمِيرَاثِ الْأَبِ، سَوَاءً سَوَاءً، إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ أَبٌ وَارِثٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: إنَّ عُمَرَ قَالَ لِي: إنِّي قَدْ رَأَيْت فِي الْجَدِّ رَأْيًا فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَتَّبِعُوهُ فَاتَّبِعُوهُ: فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إنْ نَتَّبِعْ رَأْيَك فَإِنَّهُ رُشْدٌ، وَإِنْ نَتَّبِعْ رَأْيَ الشَّيْخِ قَبْلَك فَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ كَانَ قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْعَلُهُ أَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو مَعْمَرٍ نا عَبْدُ الْوَارِثِ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - نا أَيُّوبُ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَاِتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا وَلَكِنَّ خُلَّةَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ أَوْ قَالَ: خَيْرٌ» ، فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا، أَوْ قَالَ: قَضَاهُ أَبًا " يَعْنِي الْجَدَّ فِي الْمِيرَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ

نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ كُرْدُوسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ سِوَى اللَّهِ، لَاِتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا - فَكَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اجْعَلْ الْجَدَّ أَبًا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانُوا يَجْعَلُونَ الْجَدَّ أَبًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي ابْنُ ابْنِي دُونَ أَخِي وَلَا أَرِثُ ابْنَ ابْنِي دُونَ أَخِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجَدُّ أَبٌ، وَقَرَأَ: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] . وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا اسْتَشَارَ فِي مِيرَاثٍ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَعُمَرُ يَرَى يَوْمَئِذٍ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِمِيرَاثِ ابْنِ ابْنِهِ مِنْ إخْوَتِهِ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْد: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عِيَاضٍ: أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: إنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: إنِّي قَدْ رَأَيْت أَنْ أَنْتَقِصَ الْجَدَّ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ كُنْت مُنْتَقِصًا أَحَدًا لِأَحَدٍ لَانْتَقَصْت الْإِخْوَةَ لِلْجَدِّ، أَلَيْسَ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَرِثُونَنِي دُونَ إخْوَتِي، فَمَا بَالِي لَا أَرِثُهُمْ دُونَ إخْوَتِهِمْ، لَئِنْ أَصْبَحْت لَأَقُولَنَّ فِيهِ؟ قَالَ: فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ. فَهَذَا آخِرُ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالَا جَمِيعًا: الْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَسَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ قَالَ: سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ: لَوْ وُلِّيت مِنْ أَمْرِ النَّاسِ لَأَنْزَلْت الْجَدَّ أَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ الْجَدَّ أَبٌ. فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ. وَرُوِيَ أَيْضًا - عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: طَاوُسٍ، وَعَطَاءٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَتَادَةُ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ. وَمِنْ بَعْدِهِمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَغَيْرُهُمْ -.

مسألة الخرقاء وهي أم وأخت وجد

وَثَبَتَتْ الْأَسَانِيدُ الَّتِي ذَكَرْنَا بِلَا شَكٍّ. وَرَوَاهُ عَنْ عُمَرَ: أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ إسْنَادٌ ثَابِتٌ - وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: عِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ - كُلُّ ذَلِكَ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ بِأَسَانِيدَ هِيَ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ - وَعَنْ زَيْدٍ مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمُخَالِفُونَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَجَاءَتْ مَسْأَلَتَانِ لَهُمْ فِيهَا أَقْوَالٌ يَجِبُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا. [مَسْأَلَةٌ الْخَرْقَاءُ وَهِيَ أُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ] 1732 - مَسْأَلَةٌ وَهِيَ " الْخَرْقَاءُ " وَهِيَ: أُمٌّ، وَأُخْتٌ، وَجَدٌّ -: وَرُوِّينَا عَنْ الْبَزَّارِ نا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ الْبَزَّارُ: يُقَالُ: لَيْسَ بِمِصْرَ أَوْثَقُ وَأَصْدَقُ مِنْهُ نا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: بَعَثَ إلَيَّ الْحَجَّاجُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي جَدٍّ، وَأُمٍّ، وَأُخْتٍ؟ قُلْت: اخْتَلَفَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ الْحَجَّاجُ: فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - إنْ كَانَ لَمُتْقَنًا -؟ قُلْت: جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا، وَلَمْ يُعْطِ الْأُخْتَ شَيْئًا، وَأَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ؟ قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا ابْنُ مَسْعُودٍ؟ قُلْت: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ: أَعْطَى الْأُخْتَ ثَلَاثَةً، وَأَعْطَى الْجَدَّ اثْنَيْنِ، وَأَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ، قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي عُثْمَانَ -؟ قُلْت: جَعَلَهَا أَثْلَاثًا، قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا أَبُو تُرَابٍ يَعْنِي عَلِيًّا قُلْت: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ: أَعْطَى الْأُخْتَ ثَلَاثَةً، وَأَعْطَى الْأُمَّ اثْنَيْنِ، وَأَعْطَى الْجَدَّ سَهْمًا، قَالَ: فَمَا قَالَ فِيهَا زَيْدٌ؟ قُلْت: جَعَلَهَا مِنْ تِسْعَةٍ: أَعْطَى الْأُمَّ ثَلَاثَةً، وَأَعْطَى الْجَدَّ أَرْبَعَةً، وَأَعْطَى الْأُخْتَ: اثْنَيْنِ قَالَ الْحَجَّاجُ: مُرْ الْقَاضِي يُمْضِيهَا عَلَى مَا أَمْضَاهَا عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - يَعْنِي عُثْمَانَ -. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أُخْتٍ، وَأُمٍّ، وَجَدٍّ، قَالَ: لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْجَدِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

مسألة الأكدرية

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَرْسَلَ إلَيَّ الْحَجَّاجُ فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ فِي فَرِيضَةٍ أُتِيت بِهَا: أُمٌّ، وَجَدٌّ، وَأُخْتٌ؟ فَقُلْت: مَا قَالَ فِيهَا الْأَمِيرُ؟ فَأَخْبَرَنِي بِقَوْلِهِ، فَقُلْت: هَذَا قَضَاءُ أَبِي تُرَابٍ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - وَقَالَ فِيهَا سَبْعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ، وَقَالَ عَلِيٌّ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَقَالَ زَيْدٌ: لِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ مَا بَقِيَ، وَلَيْسَ لِلْأُخْتِ شَيْءٌ. [مَسْأَلَة الْأَكْدَرِيَّة] 1733 - مَسْأَلَةٌ " وَالْأَكْدَرِيَّةُ " وَهِيَ أُمٌّ، وَجَدٌّ، وَأُخْتٌ، وَزَوْجٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، تَضْرِبُ جَمِيعَ السِّهَامِ فِي ثَلَاثَةٍ فَتَكُونُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ سَهْمًا: لِلزَّوْجِ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ، تَبْقَى اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا: لِلْجَدِّ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ مَا بَقِيَ، وَلَيْسَ لِلْأُخْتِ شَيْءٌ.

مسألة في جد وابنة وأخت أو أخوة

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثُونِي عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي رَاوِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - يَعْنِي قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ - أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي " الْأَكْدَرِيَّةِ " شَيْئًا - يَعْنِي زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -. وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ نا شُعْبَةُ سَمِعْت أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ يَقُولُ: أَتَيْنَا عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ فِي زَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَجَدٍّ، وَأُخْتٍ؟ فَقَالَ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ السُّدُسُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ. [مَسْأَلَة فِي جَدّ وابنة وأخت أَوْ أخوة] 1734 - مَسْأَلَةٌ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي جَدٍّ، وَابْنَةٍ، وَأُخْتٍ: هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: لِلْبِنْتِ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمٌ - فَإِنْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ فَمِنْ ثَمَانِيَةٍ: لِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِلْأُخْتَيْنِ بَيْنَهُمَا سَهْمَانِ - فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثَةَ أَخَوَاتٍ، فَمِنْ عَشْرَةٍ: لِلْبِنْتِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِلْأَخَوَاتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمِ بَيْنَهُنَّ. [مَسْأَلَة نُزُول بَنِي الأخ منازل أبائهم مَعَ الْجَدّ] 1735 - مَسْأَلَةٌ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُنْزِلُ بَنِي الْأَخِ مَعَ الْجَدِّ مَنَازِلَهُمْ - يَعْنِي مَنَازِلَ آبَائِهِمْ - وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُهُ غَيْرَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِتَلُوحَ مُنَاقَضَتُهَا لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلَهَا، وَلِنُرِيَ الْمُقَلِّدَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْجَدِّ] ِّ 1736 - مَسْأَلَةٌ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، وَسُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - هُوَ ابْنُ الطَّبَّاعِ - نا هُشَيْمٌ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارٍ الْعَنْبَرِيُّ نا وُهَيْبٍ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ هُشَيْمٌ، وَوُهَيْبٌ، كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّ السُّدُسَ» قَالَ مُعَاوِيَةُ فِي حَدِيثِهِ: لَا نَدْرِي مَعَ مَنْ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ الْبَلْخِيّ: أَنَا النَّضْرُ - هُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ - أَخْبَرَنِي يُونُسُ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِ

الْجَدِّ فَنَشَدَهُمْ: مَنْ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَدِّ شَيْئًا؟ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ الْمُزَنِيّ: سَمِعْت «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِفَرِيضَةٍ فِيهَا جَدٌّ، فَأَعْطَى ثُلُثًا أَوْ سُدُسًا» ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا الْفَرِيضَةُ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي - وَذَكَرَ الْخَبَرَ. . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ قَالَ: السُّدُسُ، فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ، فَقَالَ: لَك سُدُسٌ آخَرُ، فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ، فَقَالَ: إنَّ السُّدُسَ الْآخَرَ طُعْمَةٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ كَلَامٌ - وَهَذَا يَخْرُجُ أَحْسَنَ خُرُوجٍ فِي ابْنَتَيْنِ وَجَدٍّ: فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ فَرِيضَةً مُسَمَّاةً، وَلِلْجَدِّ مَعَ الْوَلَدِ عُمُومًا السُّدُسُ فَرْضًا مُسَمًّى، وَلَهُ السُّدُسُ الْآخَرُ بِالتَّعْصِيبِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذُكِرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عِيسَى - هُوَ ابْنُ عِيسَى الْحَنَّاطُ - عَنْ الشَّعْبِيِّ: «أَنَّ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ فِي الْجَدِّ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ الثُّلُثَ، قَالَ: مَنْ مَعَهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ رَجُلٌ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ السُّدُسَ» ، قَالَ: مَنْ مَعَهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطِ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ النَّاسَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْجَدِّ شَيْئًا؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَعْطَاهُ سُدُسَ مَالِهِ، وَقَالَ آخَرُ: أَعْطَاهُ ثُلُثَ مَالِهِ، وَقَالَ آخَرُ: أَعْطَاهُ نِصْفَ مَالِهِ، وَقَالَ آخَرُ: أَعْطَاهُ الْمَالَ كُلَّهُ» - لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ يَدْرِي مَعَ مَنْ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَجْرَؤُكُمْ عَلَى قَسْمِ الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَارِئُ مِنْ بَنِي الْهَوْنِ بْنِ خُزَيْمَةَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ ثِقَةٌ ابْنُ ثِقَةٍ مَا نَعْلَمُ الْآنَ فِي الْجَدِّ أَثَرًا غَيْرَ هَذِهِ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا سُدُسٌ، وَثُلُثٌ، وَنِصْفٌ، وَكُلٌّ، وَبِهَا نَقُولُ: فَلِلْجَدِّ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ السُّدُسُ، وَمَعَ

الْبَنَاتِ الثُّلُثُ، وَمَعَ الْبِنْتِ النِّصْفُ - وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، وَلَا أُمٌّ، وَلَا جَدَّةٌ، وَلَا زَوْجٌ، وَلَا زَوْجَةٌ، وَلَا أَبٌ: فَلَهُ الْكُلُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي حُجَّةِ كُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ، فَوَجَدْنَا مَنْ تَوَقَّفَ فِي مِيرَاثِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجَّ بِمُرْسَلِ سَعِيدٍ الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلَ هَذَا الْمَكَانِ بِثَلَاثَةِ أَسْطَارٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَهُوَ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْبَيَانِ لَا يُبَيِّنُ مَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ ثُمَّ يَتَوَعَّدُ فِيهَا بِأَنَّهُ جَرِيءٌ عَلَى النَّارِ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْهُ عَلَيْنَا فَلَا يَلْزَمُنَا أَصْلًا، وَكُلُّ مَا أَلْزَمَنَا فَقَدْ بَيَّنَهُ عَلَيْنَا، وَإِذَا قُلْنَا مَا بَيَّنَهُ عَلَيْنَا فَمَا اجْتَرَأْنَا عَلَى النَّارِ، بَلْ سَلَكْنَا فِي طَرِيقِ الْجَنَّةِ. وَلَا يَخْلُو الْجَدُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِيرَاثٌ، أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ مِيرَاثٌ، فَإِنْ كَانَ لَا مِيرَاثَ لَهُ، فَمَانِعُهُ مُحْسِنٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِيرَاثٌ فَإِعْطَاؤُهُ حَقَّهُ فَرْضٌ، لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَالْجُرْأَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَرْضٌ وَاجِبٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعْطَائِهِ أَوْ مِنْ مَنْعِهِ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجُرْأَةُ فِي حُكْمِهِ فِي الْمِيرَاثِ فَرْضًا، يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى مَنْ تَرَكَهَا، ثُمَّ يَتَوَعَّدُ عَلَى فِعْلِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِالنَّارِ، وَلَكِنَّ هَذَا عَيْبُ الْمُرْسَلِ، وَاَللَّهِ - قَطْعًا - مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ يَتْلُو كَلَامَ رَبِّهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] . وَ {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] . وَلَكِنْ سَعِيدٌ إذْ أَضَافَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْهَمَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ وَعَنْ عُمَرَ، وَصَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ، أَوْ وَهْمٌ مِنْ دُونِ سَعِيدٍ فَأَضَافَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ عَنْ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ أَوْ سَمِعَهُ سَعِيدٌ مِمَّنْ وَهَمَ فِيهِ، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ - اللَّذَيْنِ مَنَعَاهُ الْمِيرَاثَ مَعَ الْإِخْوَةِ - فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا: وَجَدْنَا مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ مَنْصُوصًا فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ نَجِدْ لِلْجَدِّ مِيرَاثًا فِي الْقُرْآنِ، وَوَجَدْنَا الْجَدَّ يُدْلِي بِوِلَادَتِهِ لِأَبِي الْمَيِّتِ، وَوَجَدْنَا الْإِخْوَةَ يُدْلُونَ بِوِلَادَةِ أَبِي الْمَيِّتِ: فَهُمْ أَقْرَبُ مِنْهُ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطِ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ زَيْدًا عَنْ الْجَدِّ؟ فَضَرَبَ لَهُ زَيْدٌ مَثَلًا: شَجَرَةً خَرَجَتْ لَهَا أَغْصَانٌ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ، فَجَعَلَ لَهُ الثُّلُثَ، قَالَ سُفْيَانُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَجَرَةٌ أَنْبَتَتْ كَالشُّعَبِ مِنْهَا غُصْنٌ، فَالشُّعَبُ مِنْ الْغُصْنِ غُصْنَانِ، فَمَا جُعِلَ الْغُصْنُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ الْغُصْنِ الثَّانِي - وَقَدْ خَرَجَ الْغُصْنَانِ جَمِيعًا مِنْ الْغُصْنِ الْأَوَّلِ؟ ثُمَّ سَأَلَ عَلِيًّا؟ فَضَرَبَ لَهُ مَثَلًا: وَادِيًا سَالَ فِيهِ سَيْلٌ، فَجَعَلَهُ أَخًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سِتَّةٍ: فَأَعْطَاهُ السُّدُسَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا اسْتَشَارَ فِي مِيرَاثٍ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ؟ قَالَ زَيْدٌ: وَكَانَ رَأْيِي يَوْمَئِذٍ أَنَّ الْإِخْوَةَ أَحَقُّ بِمِيرَاثِ أَخِيهِمْ مِنْ الْجَدِّ؟ وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ يَرَى الْجَدَّ أَوْلَى بِمِيرَاثِ ابْنِ ابْنِهِ مِنْ إخْوَتِهِ فَتَحَاوَرْت - أَنَا وَعُمَرُ مُحَاوَرَةً شَدِيدَةً، فَضَرَبْت لَهُ فِي ذَلِكَ مَثَلًا، فَقُلْت: لَوْ أَنَّ شَجَرَةً تَشَعَّبَ مِنْ أَصْلِهَا غُصْنٌ، ثُمَّ تَشَعَّبَ مِنْ ذَلِكَ الْغُصْنِ خُوطَانِ ذَلِكَ الْغُصْنُ يَجْمَعُ الْخُوطَيْنِ دُونَ الْأَصْلِ وَيَغْذُوهُمَا، أَلَا تَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَحَدَ الْخُوطَيْنِ أَقْرَبُ إلَى أَخِيهِ مِنْهُ إلَى الْأَصْلِ؟ قَالَ زَيْدٌ: فَأَنَا أُعِيدُ لَهُ، وَأَضْرِبُ لَهُ هَذِهِ الْأَمْثَالَ، وَهُوَ يَأْبَى إلَّا أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي قَضَيْته لِبَعْضِهِمْ لَقَضَيْت بِهِ لِلْجَدِّ كُلِّهِ، وَلَكِنِّي لَعَلِّي لَا أُخَيِّبُ سَهْمَ أَحَدٍ، وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ ذَوِي حَقٍّ، وَضَرَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَئِذٍ لِعُمَرَ مَثَلًا، مَعْنَاهُ: لَوْ أَنَّ سَيْلًا سَالَ فَخَلَجَ مِنْهُ خَلِيجٌ، ثُمَّ خَلَجَ مِنْ ذَلِكَ الْخَلِيجِ شُعْبَتَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مِيرَاثُ الْإِخْوَةِ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَيْسَ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَنْصُوصًا فِي الْقُرْآنِ فَبَاطِلٌ، بَلْ مِيرَاثُ الْجَدِّ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] فَجَعَلَنَا بَنِينَ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَجَعَلَهُ أَبًا لَنَا - وَهُوَ أَبْعَدُ جَدٍّ لَنَا - فَالْجَدُّ أَبٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] .

وَأَمَّا كَوْنُ الْجَدِّ يُدْلِي بِوِلَادَتِهِ لِأَبِي الْمَيِّتِ، وَكَوْنُ الْإِخْوَةِ يُدْلُونَ بِوِلَادَةِ أَبِي الْمَيِّتِ لَهُمْ وَلِلْمَيِّتِ، فَهُمْ أَقْرَبُ، فَلَيْسَتْ الْمَوَارِيثُ بِالْقُرْبِ وَلَا بِالْبُعْدِ، فَهَذَا ابْنُ الْبِنْتِ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الْعَمِّ الَّذِي لَا يَلْتَقِي مَعَ الْمَيِّتِ إلَّا إلَى أَزْيَدَ مِنْ عِشْرِينَ أَبًا، وَهُوَ لَا يَرِثُ مَعَ ابْنِ الْعَمِّ الْمَذْكُورِ شَيْئًا، وَهَذِهِ الْعَمَّةُ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الْعَمِّ، وَلَا تَرِثُ مَعَهُ شَيْئًا، فَكَيْفَ وَالْجَدُّ أَقْرَبُ، لِأَنَّ وِلَادَتَهُ لِأَبِي الْمَيِّتِ كَانَتْ قَبْلَ وِلَادَةِ أَبِي الْمَيِّتِ لِإِخْوَةِ الْمَيِّتِ، فَوَلَدُ الِابْنِ هُوَ بَعْضُ الْجَدِّ، فَالْجَدُّ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَخِيهِ -: فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا التَّنْظِيرُ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ، وَهَذَا التَّمْثِيلُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ وَهَذَا الْقِيَاسُ بِهِ يَحْتَجُّ أَهْلُ الْقِيَاسِ فِي إثْبَاتِ الْقِيَاسِ، فَانْظُرُوا وَاعْتَبِرُوا، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَقُولَ زَيْدٌ، أَوْ عَلِيٌّ، أَوْ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هَذِهِ الْفَضَائِحَ. وَهَلْ رَأَى قَطُّ ذُو مَسْكَةِ عَقْلٍ أَنَّ غُصْنَيْنِ تَفَرَّعَا مِنْ غُصْنٍ مِنْ شَجَرَةٍ، أَوْ جَدْوَلَيْنِ تَشَعَّبَا مِنْ خَلِيجٍ مِنْ نَهْرٍ يُوجِبُ حُكْمًا فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ بِانْفِرَادِهِ دُونَهُمْ، أَوْ بِانْفِرَادِهِمْ دُونَهُ، فَكَيْفَ إنْ صِرْنَا إلَى إيجَابِ سُدُسٍ، أَوْ رُبْعٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ مُعَادَةٍ، أَوْ مُقَاسَمَةٍ، وَاَللَّهِ مَا قَالَ قَطُّ زَيْدٌ، وَلَا عَلِيٌّ، وَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ: شَيْئًا مِنْ هَذِهِ التَّخَالِيطِ، وَهَذَا آفَةُ الْمُرْسَلِ، وَرِوَايَةُ الضُّعَفَاءِ سُفْيَانُ: أَنَّ زَيْدًا، وَعَلِيًّا، قَالَا لِعُمَرَ؟ بِاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَطَفْرَةٌ وَاسِعَةٌ، وَعِيسَى الْحَنَّاطُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ: هُمَا وَاَللَّهِ المرءان يُرْغَبُ عَنْ رِوَايَتِهِمَا، وَلَا يُقْبَلَانِ إلَّا مَعَ عَدْلٍ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ لِلْجَدِّ فَرْضٌ مَعْلُومٌ، إنَّمَا هُوَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى حَسَبِ قِلَّةِ الْإِخْوَةِ وَكَثْرَتِهِمْ، فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْجَدِّ فَرْضٌ لَازِمٌ، فَحَرَامٌ أَخْذُ مَالِ الْإِخْوَةِ وَإِعْطَاؤُهُ إيَّاهُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِمْ الصَّغِيرُ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْكَارِهُ، وَالْغَائِبُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَالَ تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] .

فَإِذْ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبٌ مَفْرُوضٌ - مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - فَحَرَامٌ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِعْطَاؤُهُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا الَّتِي سَلَفَتْ قَبْلُ مِمَّا قَدْ أَبْطَلْنَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْأَقْوَالِ الْبَاقِيَةِ مِنْ مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ الْإِخْوَةَ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ، أَوْ إلَى ثَمَانِيَةٍ، أَوْ إلَى سَبْعَةٍ، أَوْ إلَى سِتَّةٍ، أَوْ إلَى ثَلَاثَةٍ -: فَوَجَدْنَاهَا كُلَّهَا عَارِيَّةً مِنْ الدَّلِيلِ، لَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْهَا، لَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلَا دَلِيلُ إجْمَاعٍ، وَلَا نَظَرٍ، وَلَا قِيَاسٍ. ثُمَّ وَجَدْنَا أَكْثَرَهَا لَا يَصِحُّ - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عِمْرَانَ، وَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَغَيْرُ مَعْرُوفَةٍ - يَعْنِي فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ اثْنَيْ عَشَرَ أَخًا لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ إلَى سَبْعَةٍ فَيَكُونُ لَهُ الثُّمُنُ، فَفِيهَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمُقَاسَمَةِ بَيْنَ الْجَدِّ وَسِتَّةِ إخْوَةٍ فَيَكُونُ لَهُ السُّبْعُ فَصَحِيحَةٌ إلَى الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ لِلشَّعْبِيِّ سَمَاعٌ مِنْ عَلِيٍّ أَصْلًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ الْإِخْوَةَ إلَى خَمْسَةٍ، فَيَكُونُ لَهُ السُّدُسُ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْهُمْ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ لِلْجَدِّ الثُّلُثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيًّا، وَقَتَادَةَ: لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأُمًّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: بِمُقَاسَمَةِ الْجَدِّ الْإِخْوَةَ إلَى الثُّلُثِ، فَإِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَأَنَّ زَيْدًا كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ - وَلَمْ يُدْرِكْ يَحْيَى أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ: أَنَّ عُمَرَ - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُعَلَّى الْعَطَّارِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَعُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ التَّوْأَمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ - وَجَابِرٌ سَاقِطٌ - وَالْهَيْثَمُ بْنُ بَدْرٍ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا أَبُو الْمُعَلَّى الْعَطَّارُ، فَهُوَ يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ مِصْرِيٌّ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَهِيَ مِنْ طَرِيقِ جَيِّدَةٍ، وَإِلَيْهَا رَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعُمَرُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ بِالتَّفْصِيلِ الطَّوِيلِ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فَلَا تَصِحُّ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ عُمَرَ، إنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عُمَرَ - وَلَا يَصِحُّ سَمَاعٌ لِعُبَيْدِ اللَّهِ وَلَا لِقَبِيصَةَ مِنْ عُمَرَ أَصْلًا، وَلَا لِسَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ، إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ، مَاتَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِسَعِيدٍ ثَمَانِ سِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ: أَنَّ زَيْدًا - وَلَمْ يَلْقَ إبْرَاهِيمُ قَطُّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - وَلَا أَخْبَرَ مِمَّنْ سَمِعَهُ، أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدٍ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَالتَّرْكِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُوجَدَ عَنْ زَيْدٍ مِنْ غَيْرِ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ إلَّا مَنْ أُسْقِطَ مِنْهُمَا - إنْ وُجِدَتْ - وَلَا يَصِحُّ عَنْ زَيْدٍ فِي هَذَا شَيْءٌ، إلَّا قَوْلُهُ فِي أُمٍّ، وَجَدٍّ، وَأُخْتٍ، فَقَطْ، لِأَنَّهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ، وَالشَّعْبِيُّ قَدْ لَقِيَهُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُلْ فِي " الْأَكْدَرِيَّةِ " شَيْئًا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، وَهِشَامِ بْنِ حُسَامٍ، قَالَ سُفْيَانُ، وَمَعْمَرٌ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَأَلْت عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ فَرِيضَةٍ فِيهَا جَدٌّ؟ فَقَالَ عَبِيدَةُ لَقَدْ حَفِظْت عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيهَا مِائَةَ قَضِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَقُلْت لِعُبَيْدَةَ عَنْ عُمَرَ؟ قَالَ: عَنْ عُمَرَ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ إسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا

وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ وَيُنْكِرُهُ، وَيَقُولُ: مُحَالٌ أَنْ يَقْضِيَ فِيهَا مِائَةَ قَضِيَّةٍ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ هَذَا مُحَالًا، إذْ قَدْ يَرْجِعُ مِنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ، ثُمَّ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى الثَّانِي مِرَارًا، فَهِيَ كُلُّهَا قَضَايَا مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا قَوْلَيْنِ، ثُمَّ يُصَحَّحُ الْبَاطِلُ الْمُحَالُ الَّذِي لَا يُعْقَلُ مِنْ إيجَابِ الْمُقَاسَمَةِ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ إلَى سِتَّةٍ، أَوْ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ أَجْلِ غُصْنَيْنِ تَشَعَّبَا مِنْ غُصْنٍ مِنْ شَجَرَةٍ - أَوْ مِنْ أَجْلِ جَدْوَلَيْنِ مِنْ خَلِيجٍ مِنْ نَهْرٍ. فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْمَصَائِبِ، وَلِهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ عَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الدِّينِ، وَاعْجَبُوا لِإِنْكَارِ الْحَقِّ، وَتَحْقِيقِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا خَفَاءَ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ قَوْلَ زَيْدٍ مَنْقُولٌ عَنْهُ نَقْلَ التَّوَاتُرِ كَذَبُوا، وَإِنَّمَا اشْتَهَرَتْ تِلْكَ الْمَقَالَةُ لَمَّا اتَّفَقَ أَنْ قَالَ بِهَا مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ - اشْتَهَرَتْ عِنْدَ مَنْ قَلَّدَهُمْ فَانْتَشَرَتْ عَنْ مُقَلِّدِيهِمْ، وَأَصْلُهَا وَاهٍ، وَمَخْرَجُهَا سَاقِطٌ، وَمَنْبَعُهَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخَذُوا بِهَذِهِ الْقَوْلَةِ كَانُوا يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ، حَاشَ الشَّافِعِيَّ، فَقَدْ أَقَرَّ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ فَارَقَ أَصْلَهُ فِي الْفَرَائِضِ، فَقَلَّدَ مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ، وَأَقْوَالُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَلِيلَ الْبَصَرِ بِالْفَرَائِضِ، وَإِلَّا فَلْيَأْتُونَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ بِهَا كَمَا وَجَدْنَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: قَدْ رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: أَفْرَضُ أُمَّتِهِ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ» ؟ قُلْنَا: هَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَصِحُّ، إنَّمَا جَاءَتْ إمَّا مُرْسَلَةً، وَإِمَّا مِمَّا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ، قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ عَيْسُونَ الْمُرَادِيُّ، وَأَبُو الْوَفَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشِّيرَازِيُّ -: قَالَ مَكِّيٌّ: نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الْهَرَوِيُّ نا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَسْنَوَيْهِ الْمُقْرِي بِنَيْسَابُورَ نا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ نا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: «وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ» . وَقَالَ أَبُو الْوَفَا: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ السَّقَطِيُّ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارُ

نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: «وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ» . قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ: ونا الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ السَّمْحِ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ الْكَوْثَرِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: «وَإِنَّ أَقْرَأَهَا لَأُبَيٌّ، وَإِنَّ أَفْرَضَهَا لَزَيْدٌ، وَإِنَّ أَقْضَاهَا لَعَلِيٌّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَسَانِيدُ مُظْلِمَةٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ، وَأَبَا حَامِدِ بْنِ حَسْنَوَيْهِ مَجْهُولَانِ - وَإِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ مِثْلُهُمَا، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ - إنْ كَانَ غُلَامَ خَلِيلٍ فَهُوَ هَالِكٌ مُتَّهَمٌ - وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ. وَالْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، وَالْكَوْثَرُ: مَجْهُولُونَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ «أَفْرَضَهُمْ» أَنْ يُقَلَّدَ قَوْلُهُ، كَمَا لَمْ يَجِبْ عِنْدَهُمْ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَقْرَؤُهُمْ، وَعَلِيًّا أَقْضَاهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيٍّ دُونَ سَائِرِ الْقِرَاءَاتِ، وَلَا عَلَى أَقْضِيَةِ عَلِيٍّ دُونَ أَقْضِيَةِ غَيْرِهِ - وَهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ الصَّحَابَةَ خَالَفُوا زَيْدًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. ثُمَّ الْمَالِكِيُّونَ قَدْ خَالَفُوهُ فِي فَرَائِضِ الْجَدَّةِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَتِهِمْ عَنْ زَيْدٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا: أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ، وَهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ إلَّا جَدَّتَيْنِ، فَمَرَّةً يَكُونُ زَيْدٌ حُجَّةً، وَمَرَّةً لَا يَكُونُ حُجَّةً - هَذَا هُوَ التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ الْوَاهِيَاتِ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا بَيَانًا جَلِيًّا بِأَنَّ زَيْدًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ لَا عَنْ سُنَّةٍ عِنْدَهُ، فَلَوْ صَحَّتْ عَنْهُ لَمَا كَانَ رَأْيُهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِ، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إنْكَارِ هَذَا أَصْلًا، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ الِاخْتِلَافُ عَنْ زَيْدٍ كَمَا أَوْرَدْنَا بِأَقْوَالٍ عَنْهُ مُخْتَلِفَةٍ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهَا بَاطِلٌ، وَأَنَّ قَوْلَتَهُمْ الَّتِي قَلَّدُوا فِيهَا زَيْدًا لَا تَصِحُّ عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نُعِيذُ اللَّهَ زَيْدًا وَعُمَرَ مِنْ أَنْ يَقُولَا تِلْكَ الْقَوْلَةَ الَّتِي لَا نَعْلَمُ فِي الْأَقْوَالِ أَشَدَّ تَخَاذُلًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمُوتُ وَتَتْرُكُ: زَوْجًا، وَأُمًّا، وَأُخْتًا شَقِيقَةً، وَجَدًّا: أَنَّ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةً مِنْ سِتَّةٍ، وَلِلْأُمِّ اثْنَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ، وَلِلْجَدِّ وَاحِدًا مِنْ سِتَّةٍ، ثُمَّ يُعَالُ لِلْأُخْتِ بِثَلَاثَةٍ مِنْ سِتَّةٍ: صَارَتْ تِسْعَةً فَيَأْخُذُ الْجَدُّ السُّدُسَ الَّذِي وَجَبَ لَهُ، ثُمَّ يَضُمُّهُ إلَى

النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لِلْأُخْتِ فَيَخْلِطَانِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْجَدُّ ثُلُثَيْ مَا اجْتَمَعَ، وَالْأُخْتُ ثُلُثَ مَا اجْتَمَعَ. فَيَا لَلْعَجَبِ إنْ كَانَتْ الْأَسْهُمُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي عِيلَ بِهَا لِلْأُخْتِ قَدْ وَجَبَتْ لِلْأُخْتِ، فَلَمْ يُعْطَ الْجَدُّ مِنْهَا فَلْسًا، وَكَيْفَ يُنْتَزَعُ حَقُّ الْأُخْتِ وَيُعْطَى لِمَنْ لَا يَجِبُ لَهُ - وَهُوَ الْجَدُّ - وَلَعَلَّهَا صَغِيرَةٌ، أَوْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ غَائِبَةٌ، أَوْ كَارِهَةٌ؟ فَهُوَ ظُلْمٌ وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَإِنْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَسْهُمِ الَّتِي عِيلَ بِهَا لِلْأُخْتِ لَمْ تَجِبْ لَهَا فَلِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذُوهَا مِنْ يَدِ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ؟ وَقَالُوا: هَذَا سَهْمُ الْأُخْتِ وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ، فَلَا شَكَّ أَنْ يَقُولُوا: هُوَ سَهْمُهَا وَلَيْسَ هُوَ سَهْمَهَا؟ وَهَذَا ظُلْمٌ لِلزَّوْجِ وَلِلْأُمِّ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي أُخْتٍ شَقِيقَةٍ، وَأَخٍ لِأَبٍ، وَجَدٍّ: أَنَّ الشَّقِيقَةَ تَقُولُ لِلْجَدِّ: هَذَا أَخِي؟ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْتَسِمَ الْمَالَ مَعِي وَمَعَك، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؟ فَيَقُولُ الْجَدُّ: كَلًّا، إنَّمَا هُوَ أَخٌ لِلْمَيِّتِ لِأَبٍ، لَا يُقَاسِمُك أَصْلًا، إمَّا أَنْت ذَاتُ فَرْضٍ مُسَمًّى؟ فَتَقُولُ لَهُ الْأُخْتُ: مَا عَلَيْك مِنْ هَذَا هُوَ أَخُونَا؟ فَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْجَدِّ، لَهُ الْخُمُسَانِ، وَلِلْأَخِ لِلْأَبِ الْخُمُسَانِ، وَلِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ الْخَمْسُ - فَإِذَا أَخَذَ الْجَدُّ سَهْمَهُ وَوَلَّى خَاسِئًا قَالَتْ الْأُخْتُ لِأَخِيهَا: مَكَانَك، خَلِّ يَدَك عَنْ الْمَالِ، إنَّمَا أَقَمْتُك لِأُزِيلَ عَنْ يَدِ جَدِّنَا مَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ، وَأَنَا أَوْلَى بِهَذَا مِنْك؟ فَيُنْتَزَعُ مِنْ يَدِ الْأَخِ مِمَّا أَعْطَوْهُ عَلَى أَنَّهُ حَظُّهُ مِنْ الْمِيرَاثِ خُمْسًا وَنِصْفَ خَمْسٍ، فَتَأْخُذُهُ الْأُخْتُ، فَيَحْصُلُ لَهَا النِّصْفُ، وَلِلْجَدِّ الْخُمُسَانِ، وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ نِصْفُ الْخَمْسِ، فَإِنْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ، وَأَخًا لِأَبٍ، وَجَدًّا؟ فَعَلْنَا كَذَلِكَ، فَإِذَا وُلِّيَ الْجَدُّ انْتَزَعَ مَا بِيَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ كُلِّهِ، وَأَخَذَهُ الْأُخْتَانِ. فَانْظُرُوا فِي هَذِهِ الْأُعْجُوبَةِ لَئِنْ كَانَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ حَقٌّ وَاجِبٌ فَمَا يَحِلُّ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ - وَإِنْ كَانَ لَا حَقَّ لَهُ - فَمَا يَحِلُّ أَنْ يُقَامَ وَلِيجَةً لِيُعْطِيَ بِالِاسْمِ مَا لَا يَأْخُذُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ غَيْرُهُ. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي ابْنَتَيْنِ، وَزَوْجٍ، وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ أَوْ أُخْتٍ شَقِيقَةٍ، أَوْ أَخٍ شَقِيقٍ، وَجَدٍّ: أَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ وَلِلزَّوْجِ الرُّبْعَ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ، يُعَالُ لَهُ بِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ، وَلَا لِلْأُخْتِ، وَلَا لِلْإِخْوَةِ، وَلَا لِلْأَخَوَاتِ.

فَمَرَّةً يَحْتَاطُونَ لِلْجَدِّ فَيَنْتَزِعُونَ مِنْ يَدِ الْأُخْتِ مَا يَقُولُونَ أَنَّهُ فَرْضُهَا، وَيَرُدُّونَ أَكْثَرَهُ عَلَى الْجَدِّ. وَمَرَّةً يُوَرِّثُونَ الْجَدَّ وَيَمْنَعُونَ الْإِخْوَةَ جُمْلَةً. وَمَرَّةً يَحْتَاطُونَ لِلْأُخْتِ فَيُقِيمُونَ وَلِيجَةً يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُوَرِّثُونَهُ وَهُمْ لَا يُوَرِّثُونَهُ، إنَّمَا يُعْطُونَهُ لِلْأُخْتِ وَيَحْرِمُونَ الْجَدَّ. هَذِهِ مُخَاتَلَاتٌ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى زَيْدًا عَنْهَا، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَّ زَيْدًا مَا قَالَهَا قَطُّ، وَلَا عُمَرُ، كَانَ - وَاَللَّهِ - زَيْدٌ، وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَخْوَفَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَعْلَمَ مِنْ أَنْ يَقُولَا هَذَا -. وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ؟ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَبٌ لَا يَرِثُ مَعَهُ مَنْ لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَجَاءَتْ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ بِأَسَانِيدَ إنْ لَمْ تَكُنْ أَحْسَنَ مِنْ أَسَانِيدِ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ: لَمْ تَكُنْ دُونَهَا. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ تَرَكَ رِوَايَةً صَحَّتْ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَرُوِيَتْ عَنْ جُمْهُورِهِمْ، وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ لِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ عَنْ بَعْضِهِمْ بِاخْتِلَافٍ عَنْ الَّذِي رُوِيَتْ عَنْهُ أَيْضًا نَفْسِهِ، وَرُجُوعٍ مِنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ تَشْنِيعٍ بِاتِّبَاعِ الْجُمْهُورِ، وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا الْجُمْهُورَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يُعْطَى الْجَدُّ مَعَ الْبَنِينَ الذُّكُورِ، وَالْبَنَاتِ مَا يُعْطَى الْأَبُ مَعَهُمْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْبَنِينَ الذُّكُورِ، وَعَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يَرِثُونَ مَعَهُ هُنَالِكَ شَيْئًا.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُوَرِّثُوا الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا، كَمَا لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ - وَلَيْسَ هَذَا إجْمَاعًا فِي الْأَصْلِ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَوْرِيثُهُمْ مَعَ الْأَبِ وَمَعَ الْجَدِّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُوَرِّثُوا بَنِي الْأَخِ مَعَ الْجَدِّ، كَمَا لَا يُوَرِّثُونَهُمْ مَعَ الْأَبِ - وَلَيْسَ هَذَا إجْمَاعًا فِي الْأَصْلِ: فَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ تَوْرِيثُهُمْ مَعَ الْجَدِّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُوَرِّثُوا الْأَعْمَامَ مَعَ الْجَدِّ، كَمَا لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى ابْنِ الِابْنِ أَنَّهُ يَرِثُ مِيرَاثَ الِابْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ابْنٌ، وَلَا يَرِثُ إخْوَةُ الْجَدِّ مِنْهُ شَيْئًا مَعَهُمْ - ثُمَّ لَمْ يَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا تَوْرِيثَ الْجَدِّ مِنْ ابْنِ ابْنِهِ دُونَ إخْوَتِهِ، وَلَا قَاسُوهُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَبٌ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ أَبٌ فِي تَحْرِيمِ مَا نَكَحَ، وَفِي تَحْرِيمِ الْقَرَائِبِ، فَلَا الْقِيَاسَ أَحْسَنُوا، وَلَا التَّقْلِيدَ اتَّبَعُوا، وَلَا النَّظَرَ الْتَزَمُوا، وَلَا بِالنَّصِّ أَخَذُوا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] . وقَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] فَصَحَّ أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ، وَأَنَّ ابْنَ الِابْنِ ابْنٌ، فَلَهُ مِيرَاثُ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ، وَلِابْنِ الِابْنِ مِيرَاثُ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ ابْنٌ وَكَفَى - وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَعْظُمُ مِمَّنْ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَتَى بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ قَالَ: لَيْسَ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَعَلَ الْجَدَّ أَبًا: بَيَانَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَا خَالَفَهُ عُمَرُ عَلَى تَعْظِيمِهِ أَبَا بَكْرٍ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ نا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ فِي " الْكَلَالَةِ " أَقْضِي فِيهَا؟ فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ مِنْهُ بَرِيءٌ: هُوَ مَا دُونَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، أَيْنَ الشَّعْبِيُّ مِنْ عُمَرَ؟ وَاَللَّهِ مَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ - ثُمَّ إنَّهَا رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ مُخَالَفَةَ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ تَعْظِيمُهُ إيَّاهُ بِمُوجِبٍ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ -: وَأَوَّلُ ذَلِكَ: الْخَبَرُ الَّذِي أَوْرَدْنَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ: إنِّي قَدْ رَأَيْت فِي الْجَدِّ رَأْيًا، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إنْ نَتَّبِعْ رَأْيَك فَإِنَّهُ رَأْيُ رُشْدٍ، وَإِنْ نَتَّبِعْ رَأْيَ الشَّيْخِ قَبْلَك، فَنِعْمَ ذَوِي الرَّأْيِ كَانَ قَالَ عُثْمَانُ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْعَلُهُ أَبًا فَاعْجَبُوا لِهَذَا الْعَمَى، وَلِعِبَادَةِ الْهَوَى وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْكَذِبِ، وَانْظُرُوا هَلْ يَحْتَمِلُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ عُثْمَانَ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا فِي الْمِيرَاثِ. وَقَدْ صَحَّ خِلَافُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي " الْكَلَالَةِ " نَفْسِهَا، وَفِي تَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ وَفِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ جِدًّا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ مَا قَالَ لَكَانَ لَمْ يُخَالِفْهُ عُمَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ: الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجَدَّ أَبٌ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَلَمْ يُخَالِفْ أَبَا بَكْرٍ إذَا وَافَقَهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ آخِرُ قَوْلٍ قَالَهُ - وَإِلَيْهِ رَجَعَ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَهُوَ أَوَّلُ أَقْوَالِ عُمَرَ وَآخِرُ أَقْوَالِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ بَرَاهِينِنَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا مِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ إلَّا فِي آيَتَيْ " الْكَلَالَةِ " فَوَجَبَ ضَرُورَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يَرِثَ أَخٌ، وَلَا أُخْتٌ، إلَّا فِي مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ، وَوَجَبَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِيرَاثُ الْكَلَالَةِ، إلَّا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ رَاجِعٍ إلَى النَّصِّ -: فَوَجَدْنَا مَنْ وَرِثَهُ إخْوَةٌ ذُكُورٌ أَوْ إنَاثٌ، أَوْ كِلَاهُمَا - أَشِقَّاءُ، أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ - وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ ذَكَرٌ، وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ ذَكَرٌ، وَلَا ابْنَةٌ، وَلَا أَبٌ، وَجَدٌّ لِأَبٍ، فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، عَلَى أَنَّهُ مِيرَاثُ كَلَالَةٍ. وَوَجَدْنَا السَّلَفَ مُخْتَلِفِينَ - إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا - فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مِيرَاثُ كَلَالَةٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَيْسَ مِيرَاثَ كَلَالَةٍ، فَوَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، وَتَرْكُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، إذْ لَا نَصَّ عِنْدَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا مِيرَاثَ أَلْبَتَّةَ لِأَخٍ،

مسألة الأولى بالميراث

وَلَا لِأُخْتٍ - مَا دَامَ لِلْمَيِّتِ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا - إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا النَّصِّ الْآخَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَخِ الذَّكَرِ الشَّقِيقِ، أَوْ لِلْأَبِ مَعَ الِابْنَةِ وَالْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَفِي الْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ وَالْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا - إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عَاصِبٌ ذَكَرٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة الْأُولَى بِالْمِيرَاثِ] 1737 - مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ: أَخًا لِأَبٍ، وَابْنَ أَخٍ شَقِيقٍ: فَالْأَخُ لِلْأَبِ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذُكِرَ، وَابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ، لِأَنَّهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذُكِرَ بِلَا خِلَافٍ. فَلَوْ تَرَكَ: ابْنَ عَمٍّ، وَعَمًّا، فَالْعَمُّ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْعَمِّ، وَابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ - فَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا: كَانَ أَبُوهُ شَقِيقَ أَبِي الْمَيِّتِ، وَالْآخَرُ: كَانَ أَبُوهُ أَخَا أَبِي الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ، إلَّا أَنَّ هَذَا هُوَ أَخُو الْمَيِّتِ لِأُمِّهِ، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِلْأُمِّ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا فِي ابْنَيْ عَمَّيْنِ، أَحَدُهُمَا: ابْنُ شَقِيقِ أَبِي الْمَيِّتِ، وَالْآخَرُ: ابْنُ أَخِي أَبِي الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ: أَنَّ ابْنَ شَقِيقِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْلَى، لِاسْتِوَائِهِ مَعَ أَبِي الْمَيِّتِ فِي وِلَادَةِ جَدِّ الْمَيِّتِ، دُونَ ابْنِ الْعَمِّ الْآخَرِ، وَبِالْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي وِلَادَةِ جَدِّ الْمَيِّتِ أَبِي أَبِيهِ، وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِوِلَادَةِ جَدِّ الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَأَبِي الْمَيِّتِ، وَانْفَرَدَ الْآخَرُ بِوِلَادَةِ أُمِّ الْمَيِّتِ لَهُ، وَلَا يُخَيَّلُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ وِلَادَةَ الْأُمِّ أَقْرَبُ مِنْ وِلَادَةِ الْجَدَّةِ، فَهُوَ أَوْلَى رَجُلٍ ذُكِرَ - فَإِنْ تَرَكَتْ: ابْنَيْ عَمٍّ، أَحَدُهُمَا: زَوْجٌ، فَالنِّصْفُ لِلزَّوْجِ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَمَا بَقِيَ فَبَيْنَ الِابْنَيْ عَمٍّ سَوَاءً؟ . [مَسْأَلَة مِيرَاث المعتق] 1738 - مَسْأَلَةٌ وَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً: وَرِثَ مَالَ الْمُعْتَقِ إنْ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَحُطُّ بِمِيرَاثِهِ، أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي السِّهَامِ. وَكَذَلِكَ يَرِثُ مَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ مِنْ نَسْلِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَعَمَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ. «وَأَعْتَقَتْ ابْنَةُ حَمْزَةَ عَبْدًا فَمَاتَ وَتَخَلَّفَ ابْنَةً، فَأَعْطَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَبِنْتَ حَمْزَةَ النِّصْفَ» - وَكَذَلِكَ يَرِثُ مَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَتْ - وَهَكَذَا مَنْ سَفَلَ. 1739 - مَسْأَلَةٌ وَمَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَتْ، وَلَهَا بَنُونَ وَعُصْبَةٌ مِنْ إخْوَةٍ، أَوْ بَنِي

إخْوَةٍ - وَإِنْ سَفَلُوا - أَوْ أَعْمَامٍ، أَوْ بَنِي أَعْمَامٍ - وَإِنْ بَعُدُوا وَسَفَلُوا -: فَمِيرَاثُ مَنْ أَعْتَقَتْ لِعُصْبَتِهَا لَا لِوَلَدِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا عُصْبَتَهَا، كَأَوْلَادِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا، أَوْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي عَمِّهَا لَا أَحَدَ مِنْ بَنِي جَدِّهَا، وَلَا مِنْ بَنِي أَبِيهَا: أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ الْمِيرَاثُ لِوَلَدِهَا، وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ: اخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ فِي مَوْلَى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَضَى عُمَرُ بِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ، وَبِالْمِيرَاثِ لِلزُّبَيْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ النَّسَبِ، مَنْ أَحْرَزَ الْوَلَاءَ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَحَقُّهُمْ بِالْوَلَاءِ أَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ. قَالَ عَلِيٌّ: الْأَحَقُّ بِالْوَلَاءِ هُمْ عُصْبَتُهَا الَّذِينَ إلَيْهِمْ يَنْتَمِي الْمَوَالِي، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ مَوَالِي بَنِي أَسَدٍ إنْ كَانَتْ هِيَ أَسْدِيَةً، وَلَا يَنْتَمُونَ إلَى بَنِي تَمِيمٍ إنْ كَانَ وَلَدُهَا مِنْ تَمِيمٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بِقَوْلِ عَلِيٍّ هَاهُنَا نَقُولُ، وَقَالَ بِقَوْلِ عُمَرَ: الشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةُ قَوْلِنَا -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مُضَرَ وَبَنُوهَا مِنْ الْيَمَنِ: فَمَوَالِيهَا مِنْ مُضَرَ، بِلَا شَكٍّ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَرِثُ مُضَرِّيًا بِالتَّعْصِيبِ، بَلْ يَرِثُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يَمَانِيٌّ أَوْلَى بِرَجُلٍ مُضَرِيٍّ.

وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنْ انْقَرَضَ وَلَدُهَا عَادَ مِيرَاثُهُمْ إلَى عُصْبَةِ أُمِّهِمْ مِنْ مُضَرَ، لَا إلَى عُصْبَةِ أَبْنَاءِ الْمُعْتَقَةِ، فَهَلْ سُمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا؟ وَكَيْفَ يَرِثُونَ عَنْ أُمِّهِمْ وَلَاءً لَا يَرِثُهُ عَنْهُمْ عُصْبَتُهُمْ، إنَّ هَذَا الْمُحَالَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَمْ يُورَثُ عَنْهُمْ آخِرًا فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَرِثُوهُ هُمْ أَوَّلًا. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: كَمَا يَرِثُونَ مَالَ أُمِّهِمْ كَذَلِكَ يَرِثُونَ وَلَاءَ مَوْلَاهَا الَّذِي لَوْ كَانَتْ حَيَّةً لَوَرِثَتْهُ هِيَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ لَيْسَ مَنْ يَرِثُ الْمَالَ يَرِثُ الْوَلَاءَ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي أَنَّ امْرَأَةً لَوْ مَاتَتْ وَلَهَا مَالٌ وَمَوَالٍ، وَتَرَكَتْ: زَوْجَهَا، وَأُخْتَهَا، وَبَنِي عَمِّهَا: فَإِنَّ جَمِيعَ مِيرَاثِهَا لِزَوْجِهَا وَأُخْتِهَا، وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِي وَلَاءِ مَوَالِيهَا، وَأَنَّ وَلَاءَ مَوَالِيهَا لِبَنِي عَمِّهَا الَّذِينَ لَا يَأْخُذُونَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا. وَكَذَلِكَ: امْرَأَةٌ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ: زَوْجًا، وَبِنْتَيْنِ، وَأُمًّا، وَبَنِي ابْنٍ -: فَإِنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلزَّوْجِ وَالْبِنْتَيْنِ وَالْأُمِّ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ بَنُو الِابْنِ شَيْئًا، وَأَنَّ وَلَاءَ مَوَالِيهَا عِنْدَهُمْ لِبَنِي الِابْنِ، وَلَا يَرِثُ مِنْهُ الَّذِينَ وَرِثُوا الْمَالَ شَيْئًا -: فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ، وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ، إذْ عُرِّيَ مِنْ بُرْهَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ مَوَّهُوا بِقَضَاءِ عُمَرَ: فَقَدْ قَضَى عُمَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِأَنَّ عُصْبَةَ وَلَدِهَا يَرِثُونَ وَلَاءَ مَوَالِيهَا عَنْ وَلَدِهَا، وَلَا يَرِثُهُ إخْوَتُهَا -: فَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي ذَلِكَ تَحَكُّمًا بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1740 - مَسْأَلَةٌ وَمَا وُلِدَ لِلْمَمْلُوكِ مِنْ حُرَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَرِثُ الْمَرْءُ مَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ مِنْ حَمْلٍ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهَذَا الْمَوْلُودُ خُلِقَ حُرًّا، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ عَلَيْهِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ وَلَاءٌ لِمَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ قَبْلُ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ.

مسألة العبد لا يرث ولا يورث

وَأَمَّا مَنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدَ ثَبَاتِ الْوَلَاءِ عَلَى أَبِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَوْجُودًا إلَّا وَالْوَلَاءُ عَلَيْهِ ثَابِتٌ - فَمِيرَاثُهُ لِمَوْلَاهُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا وَلَاءَ إلَّا لِذِي نِعْمَةٍ. 1741 - مَسْأَلَةٌ وَمَا وُلِدَ لِمَوْلًى مِنْ مَوْلَاةٍ لِآخَرِينَ فَوَلَاؤُهُ لِمَنْ أَعْتَقَ، أَبَاهُ، أَوْ أَجْدَادَهُ - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَمَا وَلَدَتْ الْمَوْلَاةُ مِنْ عَرَبِيٍّ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَمَا وَلَدَتْ الْمَوْلَاةُ مِنْ زَوْجٍ مَمْلُوكٍ، أَوْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ، أَوْ حَرْبِيٍّ، أَوْ لَاعَنَتْ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ - وَلَا نَقُولُ بِهَذَا، بَلْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْوَلَاءِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى أُمِّهِ إنْ كَانَ أَبُوهُ مَوْلًى، أَوْ عَرَبِيًّا - فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْعَبْدُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ] 1742 - مَسْأَلَةٌ وَالْعَبْدُ لَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ: مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ جَاءَ بِهِ نَصٌّ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُ يُبَاعُ فَيُعْتَقُ فَيَرِثُ - وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الْمُكَاتَب] 1743 - مَسْأَلَةٌ وَالْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ مُكَاتَبَتِهِ فَمَاتَ، أَوْ مَاتَ لَهُ مُورِثٌ وَرِثَ مِنْهُ وَرَثَتُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَقَطْ، وَوَرِثَ هُوَ أَيْضًا بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى فَقَطْ، وَيَكُونُ مَا فَضَلَ عَمَّا وَرِثَ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَيَكُونُ مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهِ لِسَيِّدِهِ. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْمُكَاتَبِ " وَذَكَرْنَا مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَمَنْ مَاتَ وَبَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ: فَلِلَّذِي لَهُ الْوَلَاءُ مِمَّا تَرَكَ بِمِقْدَارِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْوَلَاءِ وَالْبَاقِي لِلَّذِي لَهُ الرِّقُّ - سَوَاءٌ كَانَ يَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ كَسْبِهِ. فِي حَيَاتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُهُ - لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ مَا كَانَ يَأْخُذُ: مِلْكٌ لِجَمِيعِ الْمُكَاتَبِ يَأْكُلُهُ، وَيَتَزَوَّجُ فِيهِ، وَيَتَسَرَّى، وَيَقْضِي مِنْهُ دُيُونَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَهُوَ مَالُهُ - وَهُوَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ الَّذِي لَهُ فِيهِ

مسألة ميراث ولد الزنا

بَقِيَّةٌ - فَإِذَا مَاتَ فَهُوَ مَالٌ يُخَلِّفُهُ، لَيْسَ لِلَّذِي تَمَسَّكَ بِالرِّقِّ أَنْ يَأْخُذَهُ الْآنَ، إذْ قَدْ وَجَبَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّذِي لَهُ فِيهِ بَعْضُ الْوَلَاءِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ مَالِكٌ: مَالُهُ كُلُّهُ لِلَّذِي لَهُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مِيرَاثُهُ كُلُّهُ لِلَّذِي لَهُ فِيهِ شُعْبَةُ الْعِتْقِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُؤَدِّي مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَيَرِثُ الْبَاقِيَ وَرَثَتُهُ - وَإِنْ لَمْ يُرَقَّ بِذَلِكَ: فَمَالُهُ كُلُّهُ لِلْمُتَمَسِّكِ بِالرِّقِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: مَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: إنَّهُ يُورَثُ بِمِقْدَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ، وَلَا يَرِثُ هُوَ بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ. وَقَوْلُنَا فِي ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ. [مَسْأَلَة مِيرَاث وَلَد الزِّنَا] 1744 - مَسْأَلَةٌ وَوَلَدُ الزِّنَى يَرِثُ أُمَّهُ، وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَلَهَا عَلَيْهِ حَقُّ الْأُمُومِيَّةِ مِنْ: الْبِرِّ، وَالنَّفَقَةِ، وَالتَّحْرِيمِ، وَسَائِرِ حُكْمِ الْأُمَّهَاتِ -: وَلَا يَرِثُهُ الَّذِي تَخَلَّقَ مِنْ نُطْفَتِهِ، وَلَا يَرِثُهُ هُوَ، وَلَا لَهُ عَلَيْهِ حَقُّ الْأُبُوَّةِ لَا فِي بِرٍّ، وَلَا فِي نَفَقَةٍ، وَلَا فِي تَحْرِيمٍ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْهُ أَجْنَبِيٌّ وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إلَّا فِي التَّحْرِيمِ فَقَطْ. بُرْهَانُ صِحَّةِ مَا قُلْنَا -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْضًا «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْفِرَاشِ - وَهِيَ الْأُمُّ - وَبِصَاحِبِهِ - وَهُوَ الزَّوْجُ، أَوْ السَّيِّدُ - وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَاهِرِ إلَّا الْحَجَرَ.

مسألة ميراث المولدون في أرض الشرك

وَمَنْ جَعَلَ تَحْرِيمًا بِمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي الْأُبُوَّةِ فَقَدْ نَاقَضَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث المولدون فِي أَرْض الشِّرْك] 1745 - مَسْأَلَةٌ وَالْمَوْلُودُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ يَتَوَارَثُونَ كَمَا يَتَوَارَثُ مَنْ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهِمْ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ - سَوَاءٌ أَسْلَمُوا وَأَقَرُّوا مَكَانَهُمْ، أَوْ تَحَمَّلُوا، أَوْ سُبُوا فَأُعْتِقُوا. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ: أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدٌ بِوِلَادَةِ الشِّرْكِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَدْرَكْت الصَّالِحِينَ يَذْكُرُونَ: أَنَّ فِي السُّنَّةِ: أَنَّ وِلَادَةَ الْعَجَمِ مِمَّنْ وُلِدَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ ثُمَّ تَحَمَّلَ: أَنْ لَا يَتَوَارَثُوا. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: لَا يُورَثُ أَحَدٌ بِوِلَادَةِ الْأَعَاجِمِ إلَّا أَحَدٌ وُلِدَ فِي الْعَرَبِ. وَلَا نَعْلَمُ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ: شَيْءٌ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ. .. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ: أَنَّ عُمَرَ - وَلَمْ يُدْرِكْ أَبَانُ عُمَرَ - وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ: أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ - وَهَذَا أَبْعَدُ - وَالزُّهْرِيُّ: أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ - وَمَا وَرِثَ عُمَرُ وَلَدُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَأُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ إلَّا بِوِلَادَةِ الشِّرْكِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ لَا يُوَرِّثَ الْحَمِيلَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ: أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ لَا يَتَوَارَثَ الْحُمَلَاءُ فِي وِلَادَةِ الْكُفْرِ؟ فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَقَالُوا: مَا شَأْنُهُمْ أَنْ لَا يَتَوَارَثُوا إذَا عُوفُوا وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، قَالَا جَمِيعًا: إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ وَرِثَ الْحَمِيلُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يُورَثُ الْحَمِيلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَوَارَثُ الْحُمَلَاءُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُلُّ نَسَبٍ يُتَوَاصَلُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ وَارِثٌ مَوْرُوثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَا جَمِيعًا: الْحَمِيلُ يُورَثُ. وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَمِيلِ: إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ مِنْهُ مَا يَصِلُ مِنْ أَخِيهِ، وَيَحْرِمُ مِنْهُ مَا يَحْرِمُ مِنْ أَخِيهِ: وَرِثَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ: كَانَ أَبِي حَمِيلًا فَوَرَّثَهُ مَسْرُوقٌ - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ أَنَّهُ وَرَّثَ حَمِيلًا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهُ - وَبِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا سَمِعَتْهُ يَقُولُ: هُوَ أَخِي. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ: أَنَّهُ قَالَ: خَاصَمْت إلَى شُرَيْحٍ فِي مَوْلَاةٍ لِلْحَيِّ مَاتَتْ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَخَاصَمَ مَوَالِيَهَا، وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: أَخِي؟ فَوَرَّثَهُ شُرَيْحٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ وَرِثَ الْحَمِيلُ - كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا إقْرَارٌ فَقَطْ وَرِثَ بِهِ مَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُورَثُ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرِثُ الْحَمِيلُ بِبَيِّنَةٍ أَصْلًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَدِينَةٍ أَسْلَمُوا فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِمَا يُوجِبُ الْمِيرَاثَ فَإِنَّهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ.

مسألة ميراث المسلم الكافر والكافر المسلم

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ - فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمَا قَسَّمَ هَذَا التَّقْسِيمَ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُخَالِفَانِ لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْأُصُولِ، فِي إسْقَاطِ مَالِكٍ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةِ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. وَتَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ وَبَيْنَ مَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُسْلِمُونَ، أَوْ يُسْبَوْنَ فَيُسْلِمُوا، وَوَجَدْنَا الْإِقْرَارَ بِالْمَوَالِيدِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَوَارِيثِ: لَا نَعْلَمُ أَلْبَتَّةَ صِحَّةَ الْمَوَالِيدِ إلَّا بِهِ، فَمَا تَصِحُّ بُنُوَّةُ أَحَدٍ إلَّا بِإِقْرَارِ الْآبَاءِ أَنَّهُ وُلِدَ، أَوْ بِإِقْرَارِ أَخَوَيْنِ يَقْدُمَانِ مُسَافِرَيْنِ وَيَجِبُ مِيرَاثُهُمَا. وَبِهَذَا الْإِقْرَارِ يَتَوَارَثُ أَهْلُ الْكُفْرِ إذَا أَسْلَمُوا عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ، وَبِالْإِقْرَارِ تَوَارَثَ الْمُهَاجِرُونَ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا خَفَاءَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الْمُسْلِم الْكَافِر والكافر الْمُسْلِم] 1746 - مَسْأَلَةٌ وَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ - الْمُرْتَدُّ وَغَيْرُ الْمُرْتَدِّ سَوَاءٌ - إلَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ مُذْ يَرْتَدُّ فَكُلُّ مَا ظَفِرَ بِهِ مِنْ مَالِهِ فَلِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ - رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا، أَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ - وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ مِنْ مَالِهِ حَتَّى قُتِلَ أَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا: فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ لَهُ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ مَاتَ مُسْلِمًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنْ مَاتَ عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ يَهُودِيٌّ - وَسَيِّدُهُ مُسْلِمٌ - فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَا بِالْمِيرَاثِ، لَكِنْ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالْعَبْدُ لَا يُورَثُ بِالْخَبَرِ الَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِيرَاثِ الْمُكَاتَبِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْجُزْءِ الْمَمْلُوكِ مِيرَاثًا - لَا لَهُ وَلَا مِنْهُ -. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي بَعْضِ هَذَا -:

فَرُوِّينَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمَسْرُوقٍ: تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ -: وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ عَنْ مُعَاوِيَةَ ثَابِتٌ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ، وَلَا يُوَرِّثُ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ. قَالَ مَسْرُوقٌ: مَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ قَضَاءٌ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْهُ؟ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمٌ أَعْتَقَ كَافِرًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ - وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا لَمْ يَقُلْ " سَمِعْت، أَوْ أَنَا، أَوْ أَرِنَا " تَدْلِيسٌ، وَلَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ: إلَّا عَبْدُهُ، أَوْ أَمَتُهُ، وَلَا يُسَمَّى الْمُعْتَقُ، وَلَا الْمُعْتَقَةُ: عَبْدًا، وَلَا أَمَةً. وَاخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ: فَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَعَلَ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَصِحَّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْمُرْتَدِّ هَلْ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ بَنُوهُ؟ فَقَالَ: نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَنَا، قَالَ: وَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، فَإِنْ قُتِلَ: فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُطَيِّبُونَ مِيرَاثَ الْمُرْتَدِّ لِأَهْلِهِ إذَا قُتِلَ. وَرُوِيَ تَوْرِيثُ مَالِ الْمَقْتُولِ عَلَى الرِّدَّةِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا كَانَ مِنْ مَالِهِ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ ارْتَدَّ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ،

وَمَا كَسَبَ بَعْدَ رِدَّتِهِ فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَمَالُهُ فَإِنْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَمَا كَسَبَ بَعْدَ الرِّدَّةِ فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْضِي الْقَاضِي بِعِتْقِ مُدَبِّرِيهِ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا أَخَذَ مَا وَجَدَ مِنْ مَالِهِ بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ؛ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَكَلُوهُ، أَوْ أَتْلَفُوهُ، وَكُلُّ مَا حَمَلَ مِنْ مَالِهِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إذَا ظُفِرَ بِهِ، لَا لِوَرَثَتِهِ، فَلَوْ رَجَعَ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ إلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَ مَالًا مِنْ مَالِهِ فَنَهَضَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ فَظُفِرَ بِهِ، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَتَانِ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةٌ، وَالْأُخْرَى كَافِرَةٌ، فَوَلَدَتَا مِنْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ - مُذْ ارْتَدَّ - فَأَقَرَّ بِهِمَا لَحِقَا بِهِ جَمِيعًا، وَوَرِثَهُ ابْنُ الْمُسْلِمَةِ، وَلَمْ يَرِثْهُ ابْنُ الذِّمِّيَّةِ. قَالَ: وَلَا يَرِثُ الْمُرْتَدُّ - مُذْ يَرْتَدُّ - إلَى أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَمُوتَ، أَوْ يُسْلِمَ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا الْكُفَّارِ أَصْلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ: - كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَبِهِ يَقُولُ رَبِيعَةُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قُتِلَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَمَالُهُ لَهُ، فَإِنْ ارْتَدَّ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ اُتُّهِمَ: إنَّمَا ارْتَدَّ لِيَمْنَعَ وَرَثَتَهُ؟ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ - هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ مَنْ ارْتَدَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَرِثْهُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَرْتَدُّ لِيَمْنَعَ أَخْذَ الْمِيرَاثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ إنْ قُتِلَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: مَالُ الْمُرْتَدِّ - مُذْ يَرْتَدُّ - لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَظَاهِرُ الِاضْطِرَابِ وَالتَّنَاقُضِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَحُكْمٌ بِالتُّهْمَةِ؟ وَهُوَ الظَّنُّ الْكَاذِبُ الَّذِي حَرَّمَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْحُكْمَ بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ: فَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - فَوَسَاوِسُ كَثِيرَةٌ فَاحِشَةٌ -:

مِنْهَا: تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُرْتَدِّ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ. وَمِنْهَا: تَوْرِيثُهُ وَرَثَتَهُ عَلَى حُكْمِ الْمَوَارِيثِ وَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ. وَمِنْهَا: قَضَاؤُهُ لَهُ إنْ رَجَعَ بِمَا وَجَدَ، لَا بِمَا اسْتَهْلَكُوا - وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ وَجَبَ لِلْوَرَثَةِ مَا قَضَوْا لَهُمْ بِهِ، أَوْ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ. فَإِنْ كَانَ وَجَبَ لَهُمْ؟ فَلِأَيِّ شَيْءٍ يَنْتَزِعُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ - وَهَذَا ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ وَجَوْرٌ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ؟ فَلِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَلُّوا أَنْ يَقْضُوا لَهُمْ بِهِ حَتَّى أَكَلُوهُ، وَوُرِثَ عَنْهُمْ، وَتَحَكَّمُوا فِيهِ، وَلَئِنْ كَانَ رَجَعَ إلَى الْمُرَاجِعِ إلَى الْإِسْلَامِ؟ فَمَا الَّذِي خُصَّ بِرُجُوعِهِ إلَيْهِ مَا وَجَدَ دُونَ مَا لَمْ يَجِدْ؟ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَضَوْا لَهُ بِهِ؟ إنَّ هَذَا لَضَلَالٌ لَا خَفَاءَ بِهِ وَأَعْجَبُ شَيْءٍ اعْتِرَاضُ هَؤُلَاءِ النَّوْكَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِكَاحِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةَ، وَجَعْلِهِ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا بِقَوْلِهِمْ السَّخِيفِ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ أَمَةٌ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، أَوْ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ مُعْتَقَةٌ - فَهَذَا نِكَاحٌ بِلَا صَدَاقٍ، مَعَ إجَازَتِهِمْ لِأَبِي حَنِيفَةَ هَذِهِ الْحَمَاقَاتِ، وَالْمُنَاقَضَاتِ، وَمَا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَّا وَهِيَ حُرَّةٌ مُعْتَقَةٌ بِصَدَاقٍ قَدْ صَحَّ لَهَا وَتَمَّ، وَهُوَ عِتْقُهُ لَهَا. ثُمَّ تَفْرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ مَالٍ تَرَكَهُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، أَوْ مَالٍ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفْرِ، وَمَالٍ تَرَكَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ فَحَمَلَهُ - فَهَذَا مِنْ الْمُضَاعَفِ نَسْجُهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّخْلِيطِ - مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الْفَاسِدَةَ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ قَبْلَ مَنْ ضَلَّ بِتَقْلِيدِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: بِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ فَلَا حُجَّةَ لِهَذَا الْقَوْلِ إلَّا التَّعَلُّقُ بِظَاهِرِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ مُؤْمِنًا مِنْ كَافِرٍ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: لَقَدْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ ذَلِكَ، وَأَنْتُمْ قَدْ مَنَعْتُمْ الْمُكَاتَبَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْقُرْآنُ يُوجِبُهُ لَهُ، وَالسُّنَّةُ كَذَلِكَ، وَمَنَعْتُمْ الْقَاتِلَ بِرِوَايَةٍ لَا تَصِحُّ، وَمَنَعْتُمْ سَائِرَ الْكُفَّارِ مِنْ أَنْ يَرِثَهُمْ الْمُسْلِمُونَ؟ وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ؟ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا وَجْهَ لَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ فَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، بُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ -: أَنَّ كُلَّ

مَا ظُفِرَ بِهِ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مَالُ كَافِرٍ، لَا ذِمَّةَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27] وَلَا يُحَرَّمُ مَالُ كَافِرٍ إلَّا بِالذِّمَّةِ، وَهَذَا لَا ذِمَّةَ لَهُ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَّا وَقَدْ بَطَلَ مِلْكُهُ لَهُ، أَوْ عَنْهُ، وَوَجَبَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ إلَّا كَأَحَدِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا مَا لَمْ يُظْفَرْ بِهِ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ مِنْ مِلْكِهِ لَهُ مَا لَمْ يَظْفَرْ الْمُسْلِمُونَ بِهِ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لَا ذِمَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ خَاصَّةً، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَآيَاتُ الْمَوَارِيثِ الْعَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِهَا إلَّا مَا أَخْرَجَهُ نَصُّ سُنَّةٍ صَحِيحٌ. فَإِنْ كَانُوا ذِمَّةً سَلَّمَ إلَيْهِمْ مَنْ ظَفِرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوهُ بِالْمِيرَاثِ. وَإِنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ أُخِذَ لِلْمُسْلِمِينَ مَتَى ظُفِرَ بِهِ. فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ لَهُ يَرِثُهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا حُكْمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، وَمُوجَبُ الْإِجْمَاعِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 1747 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ مَاتَ لَهُ مَوْرُوثٌ وَهُمَا كَافِرَانِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَيُّ أُخِذَ مِيرَاثُهُ عَلَى سُنَّةِ الْإِسْلَامِ - وَلَا تُقَسَّمُ مَوَارِيثُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا عَلَى قَسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوَارِيثَ فِي الْقُرْآنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] . وقَوْله تَعَالَى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} [المائدة: 50] . وَلَا أَعْجَبُ مِمَّنْ يَدَعُ حُكْمَ الْقُرْآنِ - وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى - وَيَحْكُمُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ - وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ حُكْمُ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَأَنَّهُ الضَّلَالُ الْمُبِينُ، وَاَلَّذِي لَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِهِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ

حَدَّثَهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إنَّ ابْنِي هَلَكَ، فَزَعَمَتْ الْيَهُودُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِي فِي مِيرَاثِهِ؟ فَدَعَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَا تُعْطُونَ هَذِهِ حَقَّهَا؟ فَقَالُوا: لَا نَجِدُ لَهَا حَقًّا فِي كِتَابِنَا؟ فَقَالَ: أَفِي التَّوْرَاةِ؟ قَالُوا: بَلَى، فِي الْمُثَنَّاةِ قَالَ: وَمَا الْمُثَنَّاةُ؟ قَالُوا: كِتَابٌ كَتَبَهُ أَقْوَامٌ عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ؟ فَسَبَّهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبُوا فَأَعْطُوهَا حَقَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى حَيَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ: أَنْ اجْعَلْ مَوَارِيثَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَوَارِيثُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَقْسُومَةٌ عَلَى أَحْكَامِ دِينِهِمْ، إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: تَقْسِيمُ مَوَارِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى حُكْمِ دِينِهِمْ - سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ - وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ مَا أَخَذَ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ: قَسَمَ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ الَّذِي ذُكِرَ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا دَلِيلٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا وَافَقَهُ فِيهِ مَالِكٌ: فَقَدْ ذَكَرْنَا إبْطَالَهُ، وَمَا فِي الشُّنْعَةِ أَعْظَمُ مِنْ تَحْكِيمِ الْكُفْرِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى مُسْلِمٍ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ وَمَا عَهِدْنَا قَوْلَهُمْ فِي حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ إلَّا أَنَّهُ يُحْكَمُ فِيهِ وَلَا بُدَّ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ إلَّا هَاهُنَا، فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِحُكْمِ الشَّيْطَانِ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لَا سِيَّمَا إنْ أَسْلَمَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ، فَلَعَمْرِي إنَّ اقْتِسَامَهُمْ مِيرَاثَهُمْ بِقَوْلِ " دكريز الْقُوطِيِّ " " وَهِلَالٍ الْيَهُودِيِّ " لَعَجَبٌ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرَانِ يَحْتَجُّونَ بِأَضْعَفَ مِنْهُمَا، وَبِإِسْنَادِهِمَا نَفْسِهِ، إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ - وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا حَجَّاجُ بْنُ يَعْقُوبَ نا مُوسَى بْنُ دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ مَا أَدْرَكَ إسْلَامٌ وَلَمْ يُقْسَمْ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» .

مسألة ميراث المولود

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ كُلَّ مَا قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّ مَا أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يُقْسَمْ فَهُوَ عَلَى قِسْمَةِ الْإِسْلَامِ» . قَالَ عَلِيٌّ: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِي مُرْسَلٌ، وَلَا نَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا، إنَّمَا حُجَّتُنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاث الْمَوْلُود] 1748 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ فَخَرَجَ حَيًّا كُلُّهُ - أَوْ بَعْضُهُ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ - ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ خُرُوجِهِ - عَطَسَ أَوْ لَمْ يَعْطِسْ - وَصَحَّتْ حَيَاتُهُ بِيَقِينٍ بِحَرَكَةِ عَيْنٍ، أَوْ يَدٍ، أَوْ نَفْسٍ، أَوْ بِأَيِّ شَيْءٍ صَحَّتْ، فَإِنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِهْلَالِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] . وَهَذَا وَلَدٌ بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا وَرَّثْتُمُوهُ وَإِنْ وُلِدَ مَيِّتًا بِحَيَاتِهِ فِي الْبَطْنِ؟ قُلْنَا: لَوْ أَيْقَنَّا حَيَاتَهُ لَوَرَّثْنَاهُ، وَقَدْ تَكُونُ لِحَرَكَةِ رِيحٍ - وَالْجَنِينُ مَيِّتٌ - وَقَدْ يَنْفُشُ الْحَمْلُ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلًا وَإِنَّمَا كَانَ عِلَّةً، فَإِنَّمَا نُوقِنُ حَيَاتَهُ إذَا شَاهَدْنَاهُ حَيًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا كُلَّهُ. وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَإِنْ رَضَعَ وَأَكَلَ مَا لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَفْرِضُ لِلصَّبِيِّ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: إذَا صَاحَ صُلِّيَ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَوُرِّثَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمَنْفُوسِ: يَرِثُ إذَا سُمِعَ صَوْتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: مَتَى يَجِبُ سَهْمُ الْمَوْلُودِ؟ قَالَ: إذَا اسْتَهَلَّ.

وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَجَبَ عَقْلُهُ وَمِيرَاثُهُ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ هَذَأ الْقَوْلَ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إلَّا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «صِيَاحُ الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودِ وَرِثَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيّ نا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ نا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصَّبِيُّ إذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي طَلْقٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَجَبَتْ دِيَتُهُ وَمِيرَاثُهُ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ» . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَحَدَّثَنِيهِ أَيْضًا: مُطَرِّفٌ عَنْ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ وَالْحُسَيْنِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: سِتَّةٌ

مِنْ الصَّحَابَةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ -: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ إمَّا لَا شَيْءَ وَإِمَّا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ تَمْوِيهِهِمْ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ؟ هَلْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ الْمِيرَاثِ بِنَصٍّ أَوْ بِدَلِيلٍ؟ أَمَّا هَذَا تَقْوِيلٌ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ؟ وَهَلْ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ إلَّا أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْخُسُهُ؟ وَهَذَا حَقٌّ نُؤْمِنُ بِهِ، وَمَا خُولِفُوا قَطُّ فِي هَذَا، ثُمَّ فِيهِ «أَنَّهُ يَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ» هَذَا فَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا عَنِي بِذَلِكَ مَنْ اسْتَهَلَّ مِنْهُمْ، وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا أَيُوجَدُ مَوْلُودٌ يَخْرُجُ حَيًّا وَلَا يَسْتَهِلُّ؟ أَمْ لَا يُوجَدُ أَصْلًا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا يُوجَدُ أَصْلًا كَابَرُوا الْعِيَانَ وَأَنْكَرُوا الْمُشَاهَدَةَ، فَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ لَا يَسْتَهِلُّ إلَّا بَعْدَ أَزْيَدَ مِنْ سَاعَةٍ زَمَانِيَّةٍ، وَرُبَّمَا لَمْ يَسْتَهِلَّ حَتَّى يَمُوتَ؟ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: فَإِذْ لَا يُوجَدُ هَذَا أَبَدًا فَكَلَامُكُمْ وَكَلَامُنَا فِيهَا عَنَاءٌ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِيمَنْ يُولَدُ مِنْ الْفَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَحَالِّ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَدْ يُوجَدُ هَذَا؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَأَخْبِرُونَا الْآنَ أَتَقُولُونَ: إنَّهُ لَيْسَ مَوْلُودًا؟ فَهَذِهِ حَمَاقَةٌ وَمُكَابَرَةٌ لِلْعَيَانِ، أَمْ تَقُولُونَ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَنْخُسْهُ، فَتُكَذِّبُوا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ؟ أَمْ تَقُولُونَ: إنَّهُ نَخَسَهُ فَلَمْ يَسْتَهِلَّ؟ فَهَذَا قَوْلُنَا، وَرَجَعْتُمْ إلَى الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: مَنْ يَسْتَهِلُّ دُونَ مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثِ، إلَّا أَنَّهُ بِكُلِّ حَالٍ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْمَوَارِيثِ، فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ - وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا: أَنَّهُ إذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ، وَهَكَذَا نَقُولُ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يَرِثْ، فَإِقْحَامُهُ فِيهِ: كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ لَفْظَةَ " الِاسْتِهْلَالِ " فِي اللُّغَةِ هُوَ الظُّهُورُ، تَقُولُ اسْتَهَلَّ الْهِلَالُ بِمَعْنَى ظَهَرَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: إذَا ظَهَرَ الْمَوْلُودُ وَرِثَ، وَهُوَ قَوْلُنَا.

مسألة حضور قرابة الميت الميراث

وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، فَلَمْ يَقُلْ أَبُو الزُّبَيْرِ: إنَّهُ سَمِعَهُ، فَهُوَ مُدَلِّسٌ. وَفِي حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ: بَقِيَّةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثَا: عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ مُرْسَلَانِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ - هَالِكٌ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَمْ قِصَّةً مِثْلَ هَذِهِ قَدْ خَالَفُوا فِيهَا طَوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، كَالْقِصَاصِ فِي اللَّطْمَةِ، وَإِمَامَةِ الْجَالِسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا: فَالْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ إنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ إذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ - وَلَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهَا إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُورَثْ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ فَلَمْ يَسْتَهِلَّ، إلَّا أَنَّهُ تَحَرَّكَ، وَرَضَعَ، وَطَرَفَ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَاتِلٌ عَمْدًا، أَيَجِبُ فِيهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ أَمْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا غُرَّةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: فِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ: نَقَضُوا قَوْلَهُمْ، وَأَوْجَبُوا أَنَّهُ وَلَدٌ حَيٌّ فَلِمَ مَنَعُوهُ الْمِيرَاثَ؟ وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ فِيهِ إلَّا غُرَّةٌ تَرَكُوا قَوْلَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة حُضُور قَرَابَة الْمَيِّت الْمِيرَاث] 1749 - مَسْأَلَةٌ وَإِذَا قُسِّمَ الْمِيرَاثُ فَحَضَرَ قَرَابَةٌ لِلْمَيِّتِ، أَوْ لِلْوَرَثَةِ، أَوْ يَتَامَى، أَوْ مَسَاكِينُ: فَفُرِضَ عَلَى الْوَرَثَةِ الْبَالِغِينَ، وَعَلَى وَصِيِّ الصِّغَارِ، وَعَلَى وَكِيلِ الْغَائِبِ: أَنْ يُعْطُوا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا لَا يُجْحِفُ بِالْوَرَثَةِ، وَيُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَبَوْا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: 8] وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ - وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ: مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَسَمَ لِي بِهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8] الْآيَةَ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو النُّعْمَانِ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَزْعُمُونَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} [النساء: 8] فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَسَخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَا، هُمَا وَالِيَانِ: وَالٍ يَرِثُ، وَذَاكَ الَّذِي يُرْزَقُ، وَوَالٍ لَا يَرِثُ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، يَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَك أَنْ أُعْطِيَك. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ نا حَجَّاجُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] قَالَ: هِيَ وَاجِبَةٌ يُعْمَلُ بِهَا وَقَدْ أَعْطَيْت بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نا أَبُو عَاصِمٍ - هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ - نا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَسَمَ مِيرَاثَ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ حَيَّةٌ، فَلَمْ يَدَعْ فِي الدَّارِ مِسْكِينًا، وَلَا ذَا قَرَابَةٍ إلَّا أَعْطَاهُمْ، وَتَلَا: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِيَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا، بَلْ هُوَ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، وَمَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ: افْعَلْ -: إنْ شِئْت فَلَا تَفْعَلْ. وَلَيْسَ وُجُودُنَا آيَاتٍ قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، أَوْ مَخْصُوصَةٌ، أَوْ أَنَّهَا نَدْبٌ، بِمُوجِبِ أَنْ يُقَالَ فِيمَا لَا دَلِيلَ بِذَلِكَ فِيهِ: هَذَا نَدْبٌ، أَوْ هَذَا مَنْسُوخٌ، أَوْ هَذَا مَخْصُوصٌ، فَيَكُونُ قَوْلًا بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ميراث الخال

وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ تَمَّ كِتَابُ الْفَرَائِضِ. [مَسْأَلَةٌ مِيرَاثِ الْخَالِ] 1750 - مَسْأَلَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ: وَلَا يَصِحُّ نَصٌّ فِي مِيرَاثِ الْخَالِ، فَمَا فَضَلَ عَنْ سَهْمِ ذَوِي السِّهَامِ، وَذَوِي الْفَرَائِضِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عَاصِبٌ، وَلَا مُعْتَقٌ وَلَا عَاصِبٌ مُعْتَقٌ: فَفِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ذِي سَهْمٍ، وَلَا عَلَى غَيْرِ ذِي سَهْمٍ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ. فَإِنْ كَانَ ذَوُو الْأَرْحَامِ فُقَرَاءَ أُعْطُوا عَلَى قَدْرِ فَقْرِهِمْ، وَالْبَاقِي فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.

كتاب الوصايا

[كِتَابُ الْوَصَايَا] [مَسْأَلَةٌ الْوَصِيَّةُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَرَكَ مَالًا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْوَصَايَا 1751 - مَسْأَلَةٌ الْوَصِيَّةُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَرَكَ مَالًا، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُذْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ إلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي. وَرُوِّينَا إيجَابَ الْوَصِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ يُشَدِّدَانِ فِي الْوَصِيَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَطَلْحَةَ بْنِ مُطَرِّفٍ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَغَيْرِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.

وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَتْ فَرْضًا، وَاحْتَجُّوا: بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ «لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» . قَالُوا: فَرَدَّ الْأَمْرَ إلَى إرَادَتِهِ؟ وَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوصِ، وَرَوَوْا: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَهُوَ رَاوِي الْخَبَرِ - لَمْ يُوصِ، وَأَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ بِحَضْرَةِ عُمَرَ لَمْ يُوصِ، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِيمَنْ تَرَكَ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ: قَلِيلٌ، لَيْسَ فِيهَا وَصِيَّةٌ، وَأَنَّ عَلِيًّا نَهَى مَنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا مِنْ السَّبْعِمِائَةِ إلَى التِّسْعِمِائَةِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَأَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فِيمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ: فِي هَذَا فَضْلٌ عَنْ وَلَدِهِ. وَعَنْ النَّخَعِيِّ لَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ فَرْضًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ -: أَمَّا مَنْ زَادَ فِي رِوَايَتِهِ " يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ " فَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رَوَاهُ كَمَا أَوْرَدْنَا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، لَكِنْ بِلَفْظِ الْإِيجَابِ فَقَطْ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَيُونُسُ عَنْ نَافِعٍ - وَكِلَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ. فَإِذْ هُمَا صَحِيحَانِ فَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُرِيدَهَا وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة مات ولم يوص

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوصِ فَقَدْ كَانَتْ تَقَدَّمَتْ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَا تَرَكَ بِقَوْلِهِ الثَّابِتِ يَقِينًا «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرَّثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ أَوْصَى بِصَدَقَةِ كُلِّ مَا يَتْرُكُ إذَا مَاتَ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْأَثَرُ بِنَفْيِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الرَّافِضَةُ إلَى عَلِيٍّ فَقَطْ. وَأَمَّا مَا رَوَوْا مِنْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُوصِ، فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَشْهَلَ بْنِ حَاتِمٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ -. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ - وَهُوَ لَا شَيْءَ - وَالثَّابِتُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْ إيجَابِهِ الْوَصِيَّةَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبِتْ لَيْلَتَهُ مُذْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَاطِبٍ وَعُمَرَ: فَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهِيَ أَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهَا. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ -. وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ حَدُّ الْقَلِيلِ بِمَا بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ إلَى التِّسْعِمِائَةِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا - وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بَيَانٌ بِمَا ادَّعَوْا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَارَضَهُمْ صَحَابَةٌ، كَمَا أَوْرَدْنَا، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ طَائِفَةٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أُخْرَى، وَالْفَرْضُ حِينَئِذٍ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا السُّنَّةُ: فَكَمَا أَوْرَدْنَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ: فَكَمَا نُورِدُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ [مَسْأَلَة مَاتَ وَلَمْ يُوصِ] 1752 - مَسْأَلَةٌ فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ: فَفُرِضَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِمَا تَيَسَّرَ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ وَاجِبٌ، كَمَا أَوْرَدْنَا، فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَمَّا وَجَبَ إخْرَاجُهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا رَآهُ الْوَرَثَةُ، أَوْ الْوَصِيُّ مِمَّا لَا إجْحَافَ فِيهِ عَلَى الْوَرَثَةِ - وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَقَدْ صَحَّ بِهِ أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَإِنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا يَا

رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَعَمْ، فَتَصَدَّقَ عَنْهَا» فَهَذَا إيجَابُ الصَّدَقَةِ عَمَّنْ لَمْ يُوصِ، وَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَرْضٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا قُتَيْبَةُ نا إسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نَعَمْ» . فَهَذَا إيجَابٌ لِلْوَصِيَّةِ، وَلَأَنْ يُتَصَدَّقَ عَمَّنْ لَمْ يُوصِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذَنْبٍ، فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنَّ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ يَحْتَاجُ فَاعِلُهُ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ، وَهَذَا مَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي مَنَامٍ لَهُ فَأَعْتَقَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تِلَادًا مِنْ تِلَادِهِ. فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: فَرْضٌ، وَأَنَّ الْبِرَّ عَمَّنْ لَمْ يُوصِ: فَرْضٌ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ مَا أَخْرَجَتْ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِإِخْرَاجِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَمْ يُوصِ إلَّا وَأَهْلُهُ أَحَقُّ، أَوْ مُحِقُّونَ أَنْ يُوصُوا عَنْهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَعَرَضْت عَلَى ابْنِ طَاوُسٍ هَذَا وَقُلْت: أَكَذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانَ، وَمَعْمَرٍ، كُلُّهُمْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ، أَفَأُوصِي عَنْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ "

مسألة الوصية للأقارب

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَلَمْ تُوصِ وَلِيدَةً وَتَصَدَّقَ عَنْهَا بِمَتَاعٍ» . وَلَا مُرْسَلَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَيْنِ؟ فَخَالَفُوهُمَا، لِرَأْيِهِمَا الْفَاسِدِ [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ] 1753 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، إمَّا لِرِقٍّ، وَإِمَّا لِكُفْرٍ، وَإِمَّا لِأَنَّ هُنَالِكَ مَنْ يَحْجُبُهُمْ عَنْ الْمِيرَاثِ أَوْ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ فَيُوصِي لَهُمْ بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُعْطُوا وَلَا بُدَّ مَا رَآهُ الْوَرَثَةُ، أَوْ الْوَصِيُّ. فَإِنْ كَانَ وَالِدَاهُ، أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْكُفْرِ، أَوْ مَمْلُوكًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُوصِيَ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْآخَرُ كَذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أُعْطِيَ، أَوْ أُعْطِيَا مِنْ الْمَالِ وَلَا بُدَّ، ثُمَّ يُوصِي فِيمَا شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ أَوْصَى لِثَلَاثَةٍ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمَذْكُورِينَ أَجْزَأَهُ. وَالْأَقْرَبُونَ: هُمْ مَنْ يَجْتَمِعُونَ مَعَ الْمَيِّتِ فِي الْأَبِ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ إذَا نُسِبَ، وَمِنْ جِهَةِ أُمِّهِ كَذَلِكَ أَيْضًا: هُوَ مَنْ يَجْتَمِعُ مَعَ أُمِّهِ فِي الْأَبِ الَّذِي يُعْرَفُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فِي اللُّغَةِ أَقَارِبُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقَعَ عَلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ اسْمُ أَقَارِبَ بِلَا بُرْهَانٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ - فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 180 - 181] فَهَذَا فَرْضٌ كَمَا تَسْمَعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْوَالِدَانِ، وَالْأَقْرَبُونَ الْوَارِثُونَ، وَبَقِيَ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ. وَإِذْ هُوَ حَقٌّ لَهُمْ وَاجِبٌ فَقَدْ وَجَبَ لَهُمْ مِنْ مَالِهِ جُزْءٌ مَفْرُوضٌ إخْرَاجُهُ لِمَنْ وَجَبَ لَهُ إنْ ظُلِمَ هُوَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِخْرَاجِهِ، وَإِذَا أَوْصَى لِمَنْ أَمَرَ بِهِ فَلَمْ يَنْهَ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِمْ، فَقَدْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ - وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ. وَمَنْ أَوْصَى لِثَلَاثَةِ أَقْرَبِينَ فَقَدْ أَوْصَى لِلْأَقْرَبِينَ - وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ وَسَمَّاهُمْ وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِهِ فُقَرَاءُ فَلِأَهْلِ الْفَقْرِ مَنْ كَانُوا.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: إذَا أَوْصَى فِي غَيْرِ أَقَارِبِهِ بِالثُّلُثِ: جَازَ لَهُمْ ثُلُثُ الثُّلُثِ، وَرُدَّ عَلَى قَرَابَتِهِ: ثُلُثَا الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى لِثَلَاثَةٍ فِي غَيْرِ قَرَابَتِهِ، فَقَالَ: لِلْقَرَابَةِ الثُّلُثَانِ، وَلِمَنْ أَوْصَى لَهُ الثُّلُثُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ نا الْأَعْمَشُ عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ فَأَحْسَنَ الْقِسْمَةَ، وَإِنَّهُ مَنْ يَرْغَبُ بِرَأْيِهِ عَنْ رَأْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَضِلُّ، أَوْصِ لِقَرَابَتِك مِمَّنْ لَا يَرِثُ، ثُمَّ دَعْ الْمَالَ عَلَى مَا قَسَمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ يَسَارٍ، وَالْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فَدَعَوَا بِالْمُصْحَفِ فَقَرَآ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَا: هِيَ لِلْقَرَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ يُوصِي لِغَيْرِ ذِي الْقُرْبَى وَلَهُ ذُو قَرَابَةٍ مِمَّنْ لَا يَرِثُهُ: أَنَّهُ يُجْعَلُ ثُلُثَا الثُّلُثِ لِذَوِي الْقَرَابَةِ وَثُلُثُ الثُّلُثِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] قَالَ: نُسِخَ مِنْهَا الْوَالِدَانِ، وَتُرِكَ الْأَقَارِبُ مِمَّنْ لَا يَرِثُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: هِيَ لِلْقَرَابَةِ - يَعْنِي الْوَصِيَّةَ -. وَبِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ يَقُولُ إِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا، بَلْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لِغَيْرِ ذِي قَرَابَتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الَّذِي أَوْصَى بِعِتْقِ السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَقَالُوا: هَذِهِ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ الْأَقَارِبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَنَحْنُ لَا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ قَبْلَ نُزُولِهَا كَانَ لِلْمَرْءِ أَنْ يُوصِيَ لِمَنْ شَاءَ، فَهَذَا الْخَبَرُ مُوَافِقٌ لِلْحَالِ الْمَنْسُوخَةِ الْمُرْتَفِعَةِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ قَطْعًا - فَحُكْمُ هَذَا الْخَبَرِ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ وَالْآيَةُ رَافِعَةٌ لِحُكْمِهِ نَاسِخَةٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ. وَمَنْ ادَّعَى فِي النَّاسِخِ أَنَّهُ عَادَ مَنْسُوخًا، وَفِي الْمَنْسُوخِ أَنَّهُ عَادَ نَاسِخًا بِغَيْرِ نَصٍّ ثَابِتٍ وَارِدٍ بِذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَعْلَمُ وَتَرَكَ الْيَقِينَ وَحَكَمَ بِالظُّنُونِ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] فَنَحْنُ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ وَنَشْهَدُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى نَسْخِ نَاسِخٍ، وَرَدِّ حُكْمٍ مَنْسُوخٍ دُونَ بَيَانٍ وَارِدٍ لَنَا بِذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا لَكُنَّا مِنْ دِينِنَا فِي لَبْسٍ، وَلَكُنَّا لَا نَدْرِي مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِمَّا نَهَانَا عَنْهُ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا - فَظَهَرَ لَنَا بُطْلَانُ تَمْوِيهِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ صَلِيبَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ لَهُ قَرَابَةٌ لَا يَرِثُونَ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ حَلِيفًا أَتِيًّا لَا قَرَابَةَ لَهُ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِالظَّنِّ، وَلَا تَرْكُ الْيَقِينِ لَهُ. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِحَدِيقَةٍ بِيعَتْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ - وَلِأَهْلِ بَدْرٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، مِائَةُ دِينَارٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ - وَأَنَّ عُمَرَ أَوْصَى لِكُلِّ أُمٍّ وَلَدٍ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ - وَأَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَتْ لِآلِ أَبِي يُونُسَ مَوْلَاهَا بِمَتَاعِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ هَذَا لَمِنْ قَبِيحِ التَّدْلِيسِ فِي الدِّينِ، وَلَيْتَ شِعْرِي: أَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُبِيحُ أَنْ لَا يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ؟ وَهَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُوصُوا لِقَرَابَتِهِمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِيهِ؟ قُلْنَا: وَلَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُمْ أَوْصَوْا بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَلَعَلَّهُمْ

مسألة الوصية لوارث

أَوْصَوْا بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ - وَهَذِهِ كُلُّهَا فَضَائِحُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهَا - وَنَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لوارث] 1754 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ أَصْلًا، فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ وَارِثٍ فَصَارَ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، فَإِنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ ثُمَّ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ لَمْ تَجُزْ لَهُ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهَا إذْ عَقَدَهَا كَانَتْ بَاطِلًا، وَسَوَاءٌ جَوَّزَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُجَوِّزُوا؛ لِأَنَّ الْكَوَافَّ نَقَلَتْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . فَإِذْ قَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُجِيزُوا مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَبْتَدِئُوا هِبَةً لِذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، فَهُوَ مَالُهُمْ - وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمْعَانَ، وَعَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ حُمَيْدٍ الْيَحْصُبِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَعَمْرِو بْنِ قَيْسٍ سَنْدَلٍ، قَالَ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ: عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ: أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَامَ الْفَتْحِ فِي خُطْبَتِهِ: لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» - زَادَ عَطَاءٌ فِي حَدِيثِهِ: «وَإِنْ أَجَازُوا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا» ؟ قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ، ثُمَّ هُوَ مِنْ الْمُرْسَلِ فَضِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ ابْنُ وَهْبٍ كُلُّهُمْ مُطَّرَحٌ، وَإِنَّ فِي اجْتِمَاعِهِمْ لَأُعْجُوبَةً. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَالْمُسْنَدَ كَالْمُرْسَلِ، وَلَا يُبَالُونَ بِضَعِيفٍ، فَهَلَّا أَخَذُوا بِهَذَا الْمُرْسَلِ؟ وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا رُجُوعَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي كَفَالَتِهِ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث] 1755 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ - كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، أَجَازَ الْوَرَثَةُ، أَوْ لَمْ يُجِيزُوا -: صَحَّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ: «عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

فَقُلْت: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» . وَالْخَبَرُ بِأَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِعِتْقِ سِتَّةِ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ زَادَتْ وَصِيَّتُهُ عَنْ الثُّلُثِ بِيَسِيرٍ كَالدِّرْهَمَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَهَذَا خِلَافُ الْخَبَرِ، وَخَطَأٌ فِي تَحْدِيدِهِ مَا ذُكِرَ دُونَ مَا زَادَ وَمَا نَقَصَ، وَلَا تَخْلُو تِلْكَ الزِّيَادَةُ - قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ - مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ حَقِّ الْمُوصِي أَوْ حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ الْمُوصِي فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ حَقِّهِ أَيْضًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَفَّذَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُوصِي أَنْ يَحْكُمَ فِي مَالِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ. صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّكُمْ مِنْ أَحْرَى حَيٍّ بِالْكُوفَةِ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَدَعُ عَصَبَةً وَلَا رَحِمًا فَلَا يَمْنَعُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ مَوْلَى عَتَاقَةٍ: أَنَّهُ يَضَعُ مَالَهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ

قَالَ: إذَا مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدٌ لِأَحَدٍ وَلَا عَصَبَةَ يَرِثُونَ فَإِنَّهُ يُوصِي بِمَالِهِ كُلِّهِ حَيْثُ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا الْعَالِيَةَ الرِّيَاحِيَّ أَعْتَقَتْهُ مَوْلَاتُه سَائِبَةً، فَلَمَّا اُحْتُضِرَ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ لِغَيْرِهَا، فَخَاصَمَتْ فِي ذَلِكَ؟ فَقُضِيَ لَهَا بِالْمِيرَاثِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَشَرِيكٍ الْقَاضِي، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ - كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدٍ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . قَالُوا: فَإِنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلَّةَ فِي أَنْ لَا يُتَجَاوَزَ الثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يُغْنِيَ الْوَرَثَةَ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْعِلَّةُ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا شَاءَ؟ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ وَقَالُوا: فَلَمَّا كَانَ مَالُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ رَبٌّ، فَإِذْ هُوَ هَكَذَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ لِأَحَدٍ حَقٌّ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَضَعَهُ حَيْثُ شَاءَ؟ وَقَالُوا: كَمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ شَاءَ فَكَذَلِكَ لِصَاحِبِهِ؟ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ غَيْرَ هَذَا وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي أَنْ لَا يُتَجَاوَزَ الثُّلُثُ غِنَى الْوَرَثَةِ فَبَاطِلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ؟ مَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطُّ إنَّ أَمْرِي بِأَنْ لَا يُتَجَاوَزَ الثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ؟ إنَّمَا هُوَ لِغِنَى الْوَرَثَةِ؟ إنَّمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» ؟ فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَحُكْمُ فَصْلٍ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا بَعْدَهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضِيَّةً أُخْرَى مُبْتَدَأَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا، غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا، فَقَالَ «إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . بُرْهَانُ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ -: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَلَّلَ عِلَّةً فَاسِدَةً مُنْكَرَةً حَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.

وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْ لَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ فُقَرَاءُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا فَإِنَّ لَهُ بِإِقْرَارِهِمْ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ، وَلَا يَتْرُكُ لَهُمْ مَا يُغْنِيهِمْ مِنْ جُوعٍ غَدَاءً وَاحِدًا، وَلَا عَشَاءً وَاحِدًا. وَنَحْنُ نَجِدُ مَنْ لَا يَتْرُكُ وَارِثًا إلَّا وَاحِدًا غَنِيًّا مُوسِرًا مُكْثِرًا وَلَا يُخَلِّفُ إلَّا دِرْهَمًا وَاحِدًا، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَنَا أَنْ يُوصِيَ إلَّا بِثُلُثِهِ، وَلَيْسَ لَهُ غِنًى فِيمَا يَدَعُ لَهُ؟ وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرُوا لَكَانَ مَنْ تَرَكَ ابْنًا وَاحِدًا، وَتَرَكَ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيمَا يَبْقَى غِنَى الْأَبَدِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ غِنَى الْوَرَثَةِ لَرُوعِيَ مَا يُغْنِيهِمْ عَلَى حَسَبِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي قَالُوا بَاطِلٌ، وَأَنَّ الشَّرِيعَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ تَحْدِيدُ الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ فَقَطْ - قَلَّ الْمَالُ أَوْ كَثُرَ، كَانَ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ غِنًى أَوْ لَمْ يَكُنْ -. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؛ فَلَعَلَّهُمْ يَقْرَعُونَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِهَا، وَيُورِدُونَهَا عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ وَيَتَقَاذَفُونَ لَهَا أَبَدًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَرَى حُجَّةً إلَّا فِي نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا يَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ مَالَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا رَبَّ لَهُ، فَإِذْ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِمَوْتِهِ أَحَدٌ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ؛ فَمَا زَادُونَا عَلَى تَكْرَارِ قَوْلِهِمْ، وَأَنْ جَعَلُوا دَعْوَاهُمْ حُجَّةً لِدَعْوَاهُمْ، وَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ، وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، لَكِنْ نَحْنُ وَأَمْوَالُنَا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ، وَلَا فِي مَالٍ إلَّا بِمَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيهِ مَالِكُهُ، وَمَالُك مَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ. وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ أَيْدِيَنَا عَلَى أَمْوَالِنَا فِيمَا شَاءَ لَمَا جَازَ لَنَا فِيهَا حُكْمٌ، كَمَا لَا يَجُوزُ لَنَا فِيهَا حُكْمٌ، حَيْثُ لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا التَّصَرُّفَ فِيهَا. وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَنَا فِي الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمَا جَازَ لَنَا أَنْ نُوصِيَ بِشَيْءٍ، فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا وَلَمْ يُبِحْ أَكْثَرَ فَهُوَ غَيْرُ مُبَاحٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ كَمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَصَاحِبُهُ أَوْلَى؟ فَكَلَامٌ بَارِدٌ، وَقِيَاسٌ

فَاسِدٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَلَمْ يَتْرُكْ ذَا رَحِمٍ وَلَا مَوْلًى وَلَا عَاصِبًا: أَنَّ الرُّبْعَ لِلزَّوْجَةِ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ يَضَعُهَا الْإِمَامُ حَيْثُ يَشَاءُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. فَهَلَّا قَاسُوا هَاهُنَا كَمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَ الثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ حَيْثُ يَشَاءُ، فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ - وَلَكِنَّ هَذَا مِقْدَارُ قِيَاسِهِمْ فَتَأَمَّلُوهُ. وَأَمَّا إذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ فَإِنَّ عَطَاءً، وَالْحَسَنَ، وَالزُّهْرِيَّ، وَرَبِيعَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى، وَمُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ قَالُوا: إذَا أَذِنَ الْوَرَثَةُ فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ، وَلَمْ يَخُصُّوا إذْنًا فِي صِحَّةِ مَنْ أَذِنَ فِي مَرَضٍ. وَقَالَ شُرَيْحٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إذَا أَذِنُوا لَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ: بِأَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ، وَلَهُمْ الرُّجُوعُ إذَا مَاتَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ أَصْلًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ - هُوَ أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْمَرَ وَرَثَتَهُ فِي أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؟ فَأَذِنُوا لَهُ، فَلَمَّا مَاتَ رَجَعُوا، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّكِرَةُ لَا يَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الضِّرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا «أَنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإِذَا أَوْصَى جَارَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ - وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ» - ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: 229]- إلَى قَوْلِهِ - {عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة: 90]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: يَرُدُّ عَنْ حَيْفِ النَّاحِلِ الْحَيُّ مَا يَرُدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ فِي وَصِيَّتِهِ، فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ أَبْطَلُوا مَا خَالَفَ السُّنَّةَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يُجِيزُوهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا رِضَا الْوَرَثَةِ - وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي صِحَّتِهِ فَأَذِنُوا لَهُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ إذَا مَاتَ، وَإِنْ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَأَذِنُوا لَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ وَنَفَقَتِهِ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا - وَلَا يَخْلُو الْمَالُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِهِ فِي صِحَّتِهِ وَفِي مَرَضِهِ، أَوْ يَكُونَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لِوَرَثَتِهِ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ لِصَاحِبِهِ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ فَلَا إذْنَ لِلْوَرَثَةِ فِيهِ - وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ جَوَازُ إذْنِهِمْ فِيمَا لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ، وَفِيمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَوْ سَرَقُوا مِنْهُ دِينَارًا لَوَجَبَ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَهُ مِنْهُمْ - وَقَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ فَيَرِثُهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ: إنَّ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ إذْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَهَذَا عَقْدٌ قَدْ الْتَزَمُوهُ فَعَلَيْهِمْ الْوَفَاءُ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ أَجَازَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَالطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ: أَنْ يَقُولَ بِإِلْزَامِهِمْ هَذَا الْإِذْنَ، وَلَكِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: كُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ بِالْأَمْرِ بِهِ أَوْ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا نَصًّا أَوْ أَبَاحَهَا نَصًّا. وَأَمَّا مَنْ عَقَدَ مَعْصِيَةً فَمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي الْوَفَاءِ بِهَا، بَلْ حَرَّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزْنِيَ، أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ - وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ مَعْصِيَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، فَالْعَقْدُ فِي الْإِذْنِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.

مسألة أوصى بأكثر من ثلث ماله ثم حدث له مال

وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، فَحُكْمُ الْمُوصِي فِيمَا اسْتَحَقُّوهُ بِالْمِيرَاثِ بَاطِلٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَيْسَ لَهُمْ إجَازَةُ الْبَاطِلِ، لَكِنْ إنْ أَحَبُّوا أَنْ يُنَفِّذُوا ذَلِكَ مِنْ مَالِهِمْ بِاخْتِيَارِهِمْ فَلَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَجْعَلُوا الْأَجْرَ لِمَنْ شَاءُوا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ ثَلَاثَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ. [مَسْأَلَةٌ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مَالٌ] 1756 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَجُزْ مِنْ وَصِيَّتِهِ إلَّا مِقْدَارُ ثُلُثِ مَا كَانَ لَهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَهُ عَقْدًا حَرَامًا لَا يَحِلُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَمَا كَانَ بَاطِلًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ فِي ثَانٍ، إذْ لَمْ يُعْقَدْ وَلَا مُحَالَ أَكْثَرُ مِنْ عَقْدٍ لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ إذْ عُقِدَ، ثُمَّ يَصِحُّ حُكْمُهُ إذْ لَمْ يُعْقَدْ. فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فَأَقَلَّ، ثُمَّ نَقَصَ مَالُهُ حَتَّى لَمْ يَحْتَمِلْ وَصِيَّتَهُ، ثُمَّ زَادَ لَمْ يُنَفَّذْ مِنْ وَصِيَّتِهِ إلَّا مِقْدَارُ ثُلُثِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بِمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالُهُ قَدْ بَطَلَتْ، وَمَا بَطَلَ فَلَا سَبِيلَ إلَى عَوْدَتِهِ دُونَ أَنْ تَبْتَدِئَ إعَادَتُهُ بِعَقْدٍ آخَرَ، إذْ قَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ. فَلَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عَامِدًا وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يُنَفَّذْ إلَّا فِي مِقْدَارِ ثُلُثِ مَا عَلِمَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَقْدَ مَعْصِيَةٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ مَالًا فَإِنِّي أُوصِي مِنْهُ بِكَذَا، أَوْ قَالَ أُوصِي إذَا مَاتَ أَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ ثُلُثُ مَا يَتَخَلَّفُ، أَوْ جُزْءًا مُشَاعًا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ - أَوْ قَالَ: فَيَخْرُجُ مِمَّا يَتَخَلَّفُ كَذَا وَكَذَا: فَهَذَا جَائِزٌ وَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ مِنْ كُلِّ مَا كَسَبَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ، بِأَيِّ وَجْهٍ كَسَبَهُ، أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ صَحِيحٍ مَلَكَهُ، بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَقْدًا صَحِيحًا فِيمَا يَتَخَلَّفُهُ، وَلَمْ يَخُصَّ بِوَصِيَّتِهِ مَا يَمْلِكُ حِينَ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ عَقَدَ وَصِيَّتَهُ عَقْدًا صَحِيحًا لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ وَصِيَّةٌ صَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا. فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ - وَمَالُهُ يَحْتَمِلُهُ - وَلَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، ثُمَّ نَقَصَ مَالُهُ الَّذِي عَلِمَ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ، فَوَصِيَّتُهُ نَافِذَةٌ فِيمَا عَلِمَ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَقْدًا صَحِيحًا تَامًّا

مِنْ حِينِ عَقَدَهُ إلَى حِينِ مَاتَ، وَلَا تَدْخُلُ دِيَتُهُ إنْ قُتِلَ خَطَأً فِيمَا تُنَفَّذُ مِنْهُ وَصَايَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ لَهُ قَطُّ، وَلَا مَلَكَهَا قَطُّ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَزِيَادٍ الْأَعْلَمِ، قَالَ الْحَجَّاجُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ زِيَادٌ الْأَعْلَمُ: عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَالْحَسَنُ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ قُتِلَ خَطَأً: أَنَّهُ يَدْخُلُ ثُلُثُ دِيَتِهِ فِي ثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَفَادَ مَالًا وَلَمْ يَكُنْ شَعَرَ بِهِ: دَخَلَ ثُلُثُهُ فِي وَصِيَّتِهِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ - وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، حَاشَ الدِّيَةِ فَلَا تَدْخُلُ وَصِيَّتُهُ فِيهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَدْخُلُ وَصِيَّتُهُ إلَّا فِيمَا عَلِمَ مِنْ مَالِهِ، لَا فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ - رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ كَذَلِكَ، إلَّا فِيمَا رَجَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ، كَرِبْحِ مَالٍ يَنْتَظِرُهُ، أَوْ غَلَّةٍ لَا يَدْرِي مَبْلَغَهَا، فَإِنَّ وَصَايَاهُ تَدْخُلُ فِيهَا - وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّقْسِيمَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ الْمِيرَاثَ فِي كُلِّ مَا عَلِمَ بِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَأَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ وَالدَّيْنَ مُقَدَّمَيْنِ كَذَلِكَ عَلَى الْمَوَارِيثِ، فَالْمُفَرَّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْ الْوَصِيَّةِ مَا قَصَدَ بِهِ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَطْ، وَمَا نَعْلَمُ لِمُخَالِفِينَا حُجَّةً أَصْلًا - وَقَدْ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ صَاحِبًا لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِيهَا الْحَجَّاجَ، وَالْحَارِثَ؟ قُلْنَا: وَالرِّوَايَةُ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ لِأَنَّهَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَلَا تَصِحُّ عَنْ مَكْحُولٍ؛ لِأَنَّهَا عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَا عَنْ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ لِأَنَّهَا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الوصية لميت

[مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لميت] مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، فَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ. فَإِنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَلِمَيِّتٍ جَازَ نِصْفُهَا لِلْحَيِّ وَبَطَلَ نِصْفُ الْمَيِّتِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِحَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَازَ لِلْحَيِّ فِي النِّصْفِ وَبَطَلَتْ حِصَّةُ الْمَيِّتِ - وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ عَلِمَ الْمُوصِي بِأَنَّ الَّذِي أَوْصَى لَهُ مَيِّتٌ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ -: فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَوْصَى لَهُ وَهُوَ مَيِّتٌ فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِوَرَثَتِهِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَصِيَّةَ لِوَرَثَتِهِ لَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، فَتَقْوِيلُهُ مَا لَمْ يَقُلْ حُكْمٌ بِالظَّنِّ، وَالْحُكْمُ بِالظَّنِّ لَا يَحِلُّ. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لِلذِّمِّيِّ] 1758 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ جَائِزَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» . [مَسْأَلَة الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا يُنَفَّذُ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا] 1759 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا يُنَفَّذُ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا، أَوْ فِيمَا أَوْصَى بِهِ سَاعَةَ مَوْتِ الْمُوصِي -: مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ بِنَفَقَةٍ عَلَى إنْسَانٍ مُدَّةً مُسَمَّاةً، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ بَعْدَ أَنْ يَخْدُمَ فُلَانًا مُدَّةً مُسَمَّاةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، أَوْ يَحْمِلُ بُسْتَانَه فِي الْمُسْتَأْنَفِ، أَوْ بَغْلَةَ دَارِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ: فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يُنَفَّذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِغَنَمٍ حَيَاتَهُ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَيَكُونُ لِلْمُوصِي لَهُ مِنْ الْغَنَمِ أَلْبَانُهَا وَأَصْوَافُهَا وَأَوْلَادُهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا إلَّا بِقَدْرِ مَا كَانَ رَبُّهَا يَأْكُلُ مِنْ عُرُوضِهَا، وَكَذَلِكَ يُصِيبُ مِنْ أَوْلَادِهَا مَا يُصِيبُ مِنْ أُمَّهَاتِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ، أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنْ جَعَلَ لَهُ أَصْوَافَهَا وَأَلْبَانَهَا وَأَوْلَادَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ عَلَيْهَا فَهَذِهِ إجَارَةٌ إذًا، وَالْإِجَارَةُ بِمَجْهُولٍ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ

بَاطِلٌ لَا يَحِلُّ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ - ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَعْيَانِ الْغَنَمِ إلَّا مَا كَانَ يَأْكُلُ الْمُوصِي مِنْهَا، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا الْكَثِيرَ فِي الْعَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا قَلِيلًا - فَهَذَا أَيْضًا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ كَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَبِيعَهَا؛ وَيَهَبَهَا، وَيَبِيعَ مِنْهَا، فَهَلَّا جَعَلَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا، وَأَنْ يَهَبَ كَمَا كَانَ لِلْمُوصِي، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ بِالْأَكْلِ وَبَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ الْغَنَمَ الَّتِي أَوْصَى لَهُ بِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ -: فَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا كُلَّهَا أَوْ مَا شَاءَ مِنْهَا وَأَنْ يَهَبَهَا كَذَلِكَ، وَأَنْ يَأْكُلَهَا كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا مِنْ أَصْوَافِهَا وَلَا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَوْلَادِهَا؛ لِأَنَّهَا مَالُ غَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَلَا شَكَّ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - فِي أَنَّ مَا يُخَلِّفُهُ الْمَيِّتُ مِمَّا لَمْ يُوصَى بِهِ قَطْعًا فَهُوَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ، وَإِذْ هُوَ مِلْكُهُمْ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُوصِي حُكْمٌ فِي مَالِ الْوَرَثَةِ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فِيمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنَفَقَتِهِ حَتَّى يَمُوتَ: أَنَّهُ يُوقَفُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ نِصْفُ الثُّلُثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعِيشُ إلَّا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ، وَقَدْ يَعِيشُ عَشْرَاتِ أَعْوَامٍ - فَهَذَا مَجْهُولٌ، فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ بِمَاذَا أَوْصَى لَهُ. وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ؟ فَلَمْ يُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ، فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُكَاتَبَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَصِيَّةٌ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمُكَاتَبَةِ جُمْلَةً بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ بِمَوْتِ

الْمُوصِي إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ فَوَصِيَّتُهُ بِمُكَاتَبَةِ عَبْدِ الْوَرَثَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْوَرَثَةِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ وَعَبْدٌ فَأَوْصَى بِأَنْ يَخْدُمَ ذَلِكَ الْعَبْدُ وَاحِدًا مِنْ أَوْلَادِهِ - سَمَّاهُ وَعَيَّنَهُ - سَنَةً ثُمَّ الْعَبْدُ حُرٌّ: فَإِنَّهُ يَخْدُمُ أَوْلَادَهُ كُلَّهُمْ سَنَةً ثُمَّ هُوَ حُرٌّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِغَيْرِ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي، فَلَا هُوَ أَنْفَذَ وَصِيَّتَهُ وَلَا هُوَ أَبْطَلَهَا، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً، فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَقَدْ أَبْطَلَ الصَّحِيحَ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَقَدْ أَجَازَ الْفَاسِدَ. فَإِنْ قَالَ: جَمَعَتْ فَسَادًا وَصِحَّةً فَأَجَزْت الصَّحِيحَ وَأَبْطَلْت الْفَاسِدَ؟ قُلْنَا لَهُ: بَلْ أَجَزْت الْفَاسِدَ - وَهُوَ عِتْقُهُ مِلْكَ بَنِيهِ وَعَبْدَهُمْ - وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ - وَقَالَ فِيمَنْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِثُلُثِهِ، وَلِآخَرَ بِالنَّفَقَةِ مَا عَاشَ: أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي إلَى غَيْرِ مَا أَوْصَى بِهِ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ بِمَا قَالَ اللَّيْثُ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِيمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَفَقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ، وَلِعَمْرٍو بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ شَهْرٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ، وَيُضْرَبُ بِمِائَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِمِائَةٍ، وَيُضْرَبُ بِعَشَرَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِعَشَرَةٍ فَيُعْطَى حِصَّتَهُ، وَيُعْطَى الْبَاقِيَ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْمِائَةِ، فَإِذَا كَانَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي ضَرَبَ الْمُوصَى لَهُ بِعَشَرَةٍ بِعِشْرِينَ، وَضَرَبَ صَاحِبُ الْمِائَةِ بِمِائَةٍ، وَحَسَبَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ بِعَشَرَةٍ، وَحُسِبَ لَهُ مَا أَخَذَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كُلَّ شَهْرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ وَلَا يُدْرَى مُنْبَعِثُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ فُلَانًا سَنَةً ثُمَّ يُعْتَقُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ: فَإِنَّهُ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ، فَإِذَا مَضَتْ لَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ هَكَذَا أُعْتِقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَرَى أَنَّهُ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَوْلُهُ هَذَا فَاسِدٌ. قَالَ: وَمَنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِسُكْنَى دَارِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا سَكَنَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الدَّارِ وَسَكَنَ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا، وَلَا أَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ، وَلَا أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى بَلَدِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ عَهْدَ الْمَيِّتِ فِي الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إلَّا سُكْنَى ثُلُثِهَا فَقَطْ، وَقِيمَةُ سُكْنَى ثُلُثِ الدَّارِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ مَالٌ تَخَلَّفَهُ، فَإِذْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ جَائِزَةٌ، فَهَلَّا أَنْفَذَ لَهُ جَمِيعَهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ بِلَا شَكٍّ. وَأَيْضًا: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَبَيْنَ رَحِيلِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلْمُوصِي فَلِلْمُوصَى لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ هُوَ لِلْمُوصِي فَالْوَصِيَّةُ بِخِدْمَتِهِ بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَنْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ لِزَيْدٍ وَفِيهِ غَلَّةٌ ظَاهِرَةٌ إذْ مَاتَ الْمُوصِي فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا تِلْكَ الْغَلَّةُ بِعَيْنِهَا فَقَطْ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَلَّةٌ إذْ مَاتَ فَلَهُ ثُلُثُهَا أَبَدًا مَا عَاشَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا، وَفَرْقٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَلَّا جَعَلُوا لَهُ أَوَّلَ غَلَّةٍ تَظْهَرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَقَطْ، ثُمَّ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ كَمَا قَالُوا فِي الْغَلَّةِ الظَّاهِرَةِ. فَإِنْ قَالُوا: حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَهَلَّا حَمَلْتُمْ وَصِيَّتَهُ أَيْضًا عَلَى الْعُمُومِ إذَا مَاتَ وَفِي الْبُسْتَانِ غَلَّةٌ وَلَوْ أَنَّ عَاكِسًا عَكَسَ قَوْلَهُمْ فَأَعْطَاهُ غَلَّةَ الْبُسْتَانِ أَبَدًا إذَا مَاتَ وَفِيهِ غَلَّةٌ ظَاهِرَةٌ، وَلَمْ يُعْطِهِ إذَا مَاتَ وَلَا غَلَّةَ فِي الْبُسْتَانِ إلَّا أَوَّلُ غَلَّةٍ تَظْهَرُ: مَا كَانَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِالْبَاطِلِ فَرْقٌ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ، إذَا أَوْصَى بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ - قَالَ: فَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي الْمُصِيبَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ إنْ أَوْصَى لِكَافِرٍ أَوْ لِفَاسِقٍ: جَازَ، فَإِنْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ - أُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالنَّفَقَةِ مَا عَاشَ؟ فَإِنْ جَوَّزَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ وُقِفَ لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ كُلِّهِ، وَتَحَاصَّ هُوَ وَسَائِرُ الْمُوصَى لَهُمْ، إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوصَى لَهُمْ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ، فَيُوقَفَ لَهُ الثُّلُثُ خَاصَّةً، وَيُحَاصُّ أَيْضًا الْمُوصَى لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْعَلُ لَهُ عُمْرُ مِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ يُوقَفُ لَهُ الثُّلُثُ خَاصَّةً مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، فَإِنْ عَاشَ أَكْثَرَ أُعْطِيَ النَّفَقَةَ أَيْضًا حَتَّى يَفْرُغَ الثُّلُثُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لَا تُعْقَلُ، وَالْأَسْعَارُ تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا، فَكَيْفَ يُقْدَرُ عَلَى هَذَا الْجُنُونِ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُوصِيَ لِإِنْسَانٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ مَا عَاشَ، وَلِآخَرَ بِرَقَبَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ، وَرَأَى النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ عَلَى الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَرَأَى مَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ لِلَّذِي لَهُ الرَّقَبَةُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا، وَمِنْ أَيْنَ أَسْتَحِلُّ أَنْ يُلْزِمَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ نَفَقَةَ غَيْرِ عَبْدِهِ وَكِسْوَتَهُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَمَاتَ وَمَضَى شَهْرٌ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا بِتَجْدِيدِ عِتْقٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى جِنَايَةً قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُسَلِّمُوهُ بِجِنَايَتِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ مَلَّكَهُ لِلْوَرَثَةِ كَمَا قَالَ، فَكَيْفَ يُعْتَقُ عَبْدُهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ، أَوْ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ، أَوْ بِسُكْنَى دَارِهِ، أَوْ بِنَفَقَتِهِ عَلَى إنْسَانٍ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، فَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ مَا عَاشَ لِزَيْدٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِعَمْرٍو فَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ: فَلَوْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَهَبَ لِذَلِكَ الْعَبْدِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ: عَتَقَ الْعَبْدُ سَاعَتئِذٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافُ أَقْوَالِهِ الْمَعْهُودَةِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا لَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصَى لَهُ بِهَا رَجَعَتْ مِيرَاثًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْ قَوْلِهِ.

وَهُوَ أَيْضًا - خِلَافُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَرَثَةُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُمْ، فَأَبْطَلَ عِتْقَ مَالِكِيهِ بِإِقْرَارِهِ، وَأَجَازَ عِتْقَهُ بِخِلَافِ وَصِيَّةِ الْمُوصِي بِعِتْقِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لِلْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ بِسُكْنَى الدَّارِ: أَنْ يُؤَاجِرَهَا، قَالَ: إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَخْدُمَ ابْنَهُ مَا عَاشَ، ثُمَّ هُوَ حُرٌّ - فَهَذَا لَا يُؤَاجَرُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَصْدَ الْحَضَانَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَخِلَافُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي مِنْ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَيْسَ لِلْمُوصِي مَالٌ غَيْرُهُ، فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ خِدْمَةَ الْعَبْدِ سَنَةً ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ ثُلُثَ جَمِيعِ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي مِلْكًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خِلَافُ الْوَصِيَّةِ جِهَارًا. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ مَا عَاشَ: حُسِبَ لَهُ عُمْرُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَوُقِفَ لَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ إلَى تَمَامِ السَّبْعِينَ، فَمَا فَضَلَ رُدَّ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا أَوْ عَلَى الْوَرَثَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ -: أَوَّلُ ذَلِكَ تَخْصِيصُهُ سَبْعِينَ سَنَةً. ثُمَّ قَوْلُ: يُوقَفُ لَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ إلَى تَمَامِ سَبْعِينَ، وَالْأَسْعَارُ تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا. ثُمَّ النَّفَقَةُ أَيْضًا - شَيْءٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي النَّفَقَةِ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ كَالتَّوَابِلِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلَا قِيَاسٍ وَلَا مَعْقُولٍ، بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِكُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَبِسُكْنَى الدَّارِ، وَبِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ وَالْأَرْضِ، وَأَجَازَ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا - وَهَذَا تَبْدِيلٌ لِلْوَصِيَّةِ. وَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ لِزَيْدٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِعَمْرٍو. وَقَالَ فِيمَنْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَا مَالَ لِلْمُوصِي غَيْرُ ذَلِكَ الْعَبْدِ: أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَمَلَ الثُّلُثَ فَقَطْ.

مسألة الوصية بمتاع البيت

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: بِجَوَازِ كُلِّ ذَلِكَ، وَأَنَّ لِلْوَرَثَةِ بَيْعَ الْعَبْدِ، وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَمَامُ الْخِدْمَةِ لِلْمُوصِي بِهَا، وَأَنْ يُخْرِجَهُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ إلَى أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاتَّفَقَ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَغَلَّةِ الْبُسْتَانِ، وَسُكْنَى الدَّارِ - وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيَّانِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَمَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ فِي مَنَافِعِ كُلِّ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِمَنَافِعِ كُلِّ ذَلِكَ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا مَلَكَ الْمُؤَاجِرُ رَقَبَتَهُ، لَا فِيمَا لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَالدَّارُ، وَالْعَبْدُ، وَالْبُسْتَانُ مُتَنَقِّلَةٌ بِمَوْتِ الْمَالِكِ لَهَا إلَى مَا أَوْصَى فِيهِ بِكُلِّ ذَلِكَ، أَوْ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَهَذَا بِإِقْرَارِهِمْ مُنْتَقِلٌ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَوَصِيَّةُ الْمَرْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ، لَا تَحِلُّ كَمَا أَنَّ إجَارَتَهُ لِمِلْكِ غَيْرِهِ لَا تَحِلُّ، وَالْإِجَارَةُ إنَّمَا هِيَ مَنَافِعُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ، وَالْوَصِيَّةُ هِيَ فِي مَنَافِعَ تَحْدُثُ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُوصِي، وَهَذَا حَرَامٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَلَمْ يَجْعَلْ عَزَّ وَجَلَّ لِلْوَرَثَةِ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ -. فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي فَلَمْ يَقَعْ قَطُّ عَلَيْهِ مِلْكُ الْوَرَثَةِ لَكِنْ خَرَجَ بِمَوْتِ الْمُوصِي إلَى الْوَصِيَّةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ مَا مَلَكَهُ الْوَرَثَةُ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ فِيهِ لِلْمُوصِي أَصْلًا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَا مَلَكَهُ الْوَرَثَةُ فَقَطْ سَقَطَ عَنْهُ مِلْكُ الْمَيِّتِ، وَإِذْ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ فَوَصَايَاهُ فِيهِ بِعِتْقٍ أَوْ بِنَفَقَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَاطِلٌ، مَرْدُودٌ مَفْسُوخٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بمتاع الْبَيْت] 1760 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِمَتَاعِ بَيْتِهِ لِأُمِّ وَلَدِهِ، أَوْ لِغَيْرِهَا، فَإِنَّمَا لِلْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ مَا

مسألة الوصية بمعصية

الْمَعْهُودُ أَنْ يُضَافَ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْفُرُشِ الْمَبْسُوطَةِ فِيهِ، وَالْمُعَلَّقِ، وَالْفِرَاشِ الَّذِي يُقْعَدُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يُنَامُ عَلَيْهِ وَبِمَا يَتَغَطَّى فِيهِ، وَيَتَوَسَّدُهُ، وَالْآنِيَةِ الَّتِي يُشْرَبُ فِيهَا وَيُؤْكَلُ، وَالْمَائِدَةِ، وَالْمَسَامِيرِ الْمُسَمَّرَةِ فِيهِ، وَالْمَنَادِيلِ، وَالطَّسْتِ، وَالْإِبْرِيقِ. وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لَا يُضَافُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ ثِيَابِ اللِّبَاسِ، وَالْمَرْفُوعَةِ، وَالتُّخُوتِ، وَوِطَاءٍ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ، وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَحُلِيٍّ، وَخِزَانَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ مَا يُفْهَمُ مِنْ لُغَةِ الْمُوصِي -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بمعصية] 1761 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ وَصِيَّةٌ فِي مَعْصِيَةٍ - لَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ كَافِرٍ - كَمَنْ أَوْصَى بِبُنْيَانِ كَنِيسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَمَنْ تَرَكَهُمْ يُنَفِّذُونَ خِلَافَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِمْ فَقَدْ أَعَانَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. [مَسْأَلَةٌ وَصِيَّةُ الْمَرْأَةِ] 1762 - مَسْأَلَةٌ: وَوَصِيَّةُ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ، وَذَاتِ الزَّوْجِ الْبَالِغَةِ، وَالثَّيِّبِ ذَاتِ الزَّوْجِ: جَائِزَةٌ، كَوَصِيَّةِ الرَّجُلِ، أَحَبَّ الْأَبُ أَوْ الزَّوْجُ أَوْ كَرِهَا. وَلَا مَعْنَى لِإِذْنِهِمَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَصِيَّةِ جَاءَ عَامًّا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ يَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ أَحَدًا مِنْ أَحَدٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَمَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا مِنْ أَحَدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لِلْعَبْدِ] 1763 - مَسْأَلَةٌ: وَوَصِيَّةُ الْمَرْءِ لِعَبْدِهِ بِمَالٍ مُسَمًّى أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ: جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لِعَبْدِ وَارِثِهِ، وَلَا يُعْتَقُ عَبْدُ الْمُوصِي بِذَلِكَ، وَلِوَارِثِ الْمُوصِي أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْ عَبْدِهِ نَفْسِهِ مَا أَوْصَى لَهُ فَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِرَقَبَتِهِ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلٌ، وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِذَلِكَ - وَلَا شَيْءَ لَهُ - فَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أُعْطِيَ ثُلُثَ سَائِرِ مَا يَبْقَى مِنْ مَالِ الْمُوصِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْعَبْدِ عَنْ مَالِهِ، وَلَا يُعْتَقُ بِذَلِكَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ،

وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أُعْتِقَ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ أُعْطِيَهُ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مَشَاعٍ فِي مَالِهِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَيُعْتَقُ، وَيُعْطَى مَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا - إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ - فَقَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَقُ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ، ثُمَّ يُعْتَقُ بَاقِيهِ، وَيَسْتَسْعِي فِي قِيمَةِ مَا فَضَلَ مِنْهُ عَنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُعْتَقُ مِنْهُ مَا يَحْمِلُ الثُّلُثُ وَيَبْقَى سَائِرُهُ رَقِيقًا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ ذَكَرْنَا إنْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ -: فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بِمَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ، أَوْ مَعْدُودٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ قَالُوا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلٌ - وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْوَصِيَّةُ نَافِذَةٌ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَنْتَزِعَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ بَاطِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قُلْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ جَوَّزَ الْوَصِيَّةَ لِلْمَمْلُوكِ بِرَقَبَتِهِ فَبَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَجَازَ أَنْ يُوهِبَ لِلْمَمْلُوكِ نَفْسَهُ، أَوْ رَقَبَتَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِهَا، أَوْ أَنْ يُمَلِّكَهَا، وَأَوْجَبَ لَهُ الْعِتْقَ بِذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ قَطُّ بِأَنَّ الْمَرْءَ يَمْلِكُ رِقَّ نَفْسِهِ، فَإِذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَهُوَ فِي الْعَقْلِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقْتَضِي مَالِكًا وَمَمْلُوكًا وَقَدْ جَاءَتْ النُّصُوصُ بِإِبَاحَةِ فَرْجِ الْمَمْلُوكَةِ، وَبِحُسْنِ الْوَصَاةِ بِمَا مَلَكْنَا - فَصَحَّ أَنَّ الْمَمْلُوكَ غَيْرُ الْمَالِكِ بِيَقِينٍ. وَأَيْضًا - فَلَوْ أَنَّ الْمَمْلُوكَ جَازَ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ لَكَانَ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يُعْتِقَ بِمِلْكِهِ لَهُ نَفْسَهُ وَإِمَّا أَنْ لَا يُعْتِقَ بِذَلِكَ.

فَإِنْ قَالُوا: يُعْتَقُ وَلَا بُدَّ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: قِيَاسًا عَلَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي افْتِرَاقِ حُكْمِ الْمَرْءِ فِي نَفْسِهِ، وَحُكْمِهِ فِي ذَوِي رَحِمِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي نَفْسِهِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِي ذَوِي رَحِمِهِ، فَلِلْمَرْءِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ ذَا رَحِمِهِ لِلْخِدْمَةِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. ثُمَّ لَوْ وَجَبَ عِتْقُهُ بِذَلِكَ لَكَانَ بِلَا شَكٍّ إذْ مَلَكَ رِقَّ نَفْسِهِ فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَنْهُ جُمْلَةً، وَصَارَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُعْتِقُ لِنَفْسِهِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ فِي ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أُعْتِقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ. وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يُعْتَقُ بِذَلِكَ؟ لَزِمَكُمْ أَنْ تُجِيزُوا لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا - فَوَضَحَ تَنَاقُضُ قَوْلِكُمْ وَفَسَادُهُ بِلَا شَكٍّ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُصَوِّبًا لَهُ أَنَّهُ: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: 25] قُلْنَا: صَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَدَقَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَبَ مَنْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعْنِ قَطُّ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ مِلْكَ رِقِّ نَفْسِهِ وَرِقِّ أَخِيهِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ وَسَخُفَ وَتَوَقَّحَ مَا شَاءَ، وَإِنَّمَا عَنَى بِلَا شَكٍّ وَلَا خِلَافٍ: مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِي أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذَا حَقٌّ لَا يُنْكِرُهُ ذُو عَقْلٍ، فَمَنْ أَضْعَفُ قَوْلًا وَأَفْحَشُ جَهْلًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِآيَةٍ فِي خِلَافِ نَصِّهَا وَمَعْنَاهَا، إنَّ هَذَا لَأَمْرٌ عَظِيمٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ. فَإِذْ قَدْ بَطَلَ أَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ رِقَّ نَفْسِهِ فَقَدْ بَطَلَ تَمْلِيكُهُ ذَلِكَ، وَإِذْ بَطَلَ تَمْلِيكُهُ ذَلِكَ

فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ نَافِذٌ غَيْرُ الْإِنْكَارِ وَالْإِبْطَالِ، وَصَحَّ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا إبْطَالُ الْأَوْزَاعِيِّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَبْدِ جُمْلَةً فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْوَصِيَّةِ جُمْلَةً وَلَمْ يَخُصَّ الْعَبْدَ مِنْ الْحُرِّ. قَالَ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَكُلُّ وَصِيَّةٍ جَائِزَةٌ إلَّا وَصِيَّةٌ مَنَعَ مِنْهَا نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» . فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ؟ قُلْنَا: بَلْ يَمْلِكُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَازَ لِلْعَبْدِ النِّكَاحَ، وَأَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْإِمَاءِ وَكَلَّفَ النَّاكِحَ جُمْلَةً النَّفَقَةَ وَالْإِسْكَانَ وَالصَّدَاقَ، وَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ إلَّا مَالِكٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ نَاكِحٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] فَأَمَرَ تَعَالَى بِإِعْطَاءِ الْأَمَةِ مَهْرَهَا - فَصَحَّ أَنَّهُ لَهَا مِلْكٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] وَهَذَا نَصٌّ ظَاهِرٌ. فَصَحَّ أَنَّ مِلْكَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ لِلْمَالِ وَكَوْنَهُمْ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ كَالْأَحْرَارِ. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] . قُلْنَا: لَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ مَمْلُوكٍ، إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 76] أَفَتَرَوْنَ كُلَّ أَبْكَمَ؟ فَوَاجِبٌ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ أَصْلًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّصَّيْنِ؟ وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَ مَالًا، إنَّمَا قَالَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ وَنَحْنُ نَرَى الْعَبِيدَ يَقْدِرُونَ عَلَى أَشْيَاءَ كَقُدْرَةِ الْأَحْرَارِ، أَوْ أَكْثَرَ، فَيَقْدِرُونَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالطَّهَارَةِ، وَالْجِمَاعِ، وَالْحَرَكَةِ، وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ، وَالْقِتَالِ، وَالْغَزْوِ. فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَعْنِ قَطُّ بِتِلْكَ الْآيَةِ: مِلْكَ الْمَالِ، وَإِنَّمَا عَنَى عَبْدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لِضَعْفِ جِسْمِهِ جُمْلَةً - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة وصية من لم يبلغ من الرجال والنساء

وَمِنْ الْعَجَائِبِ إبْطَالُهُمْ مِلْكَ الْعَبْدِ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ، ثُمَّ مَلَّكُوهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَهُوَ رَقَبَتُهُ. وَأَمَّا إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَصِيَّةَ لِلْمَمْلُوكِ بِالْجُزْءِ الْمَشَاعِ فِي الْمَالِ وَإِبْطَالُهُ الْوَصِيَّةَ لَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمَكِيلِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، أَوْ الْمَعْدُودِ: فَخَطَأٌ، لَا خَفَاءَ بِهِ، وَفَرْقٌ لَا بُرْهَانَ لَهُ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ: أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ هُوَ غَيْرُ الْإِنْسَانِ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ مِنْ رَقَبَتِهِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ لَا تَدْخُلُ فِيهِ رَقَبَتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ: فَخَطَأٌ فَاحِشٌ، وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَقَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا انْتَزَعَهُ مِنْهُ صَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، مَا صَارَتْ قَطُّ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، لَكِنْ هِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا الْوَارِثُ بِحَوْلِهِ، كَمَا يُجِيزُ مَالِكٌ: الْوَصِيَّةَ لِزَوْجِ الِابْنَةِ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ تَأْخُذُهُ الْوَارِثَةُ فِي صَدَاقِهَا، وَفِي نَفَقَتِهَا، وَكِسْوَتِهَا. وَكَمَا أَجَازَ أَيْضًا - الْوَصِيَّةَ لِغَرِيمِ الْوَارِثِ الْعَدِيمِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ فِي دَيْنِهِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وَصِيَّة مِنْ لَمْ يَبْلُغ مِنْ الرجال وَالنِّسَاء] 1764 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَصْلًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أُمِّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجَازَ لَهَا وَصِيَّةَ غُلَامٍ لَمْ يَحْتَلِمْ بِبِئْرِ جُشَمَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ: فَبِعْتهَا أَنَا بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّبِيِّ، وَقَالَ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ أَجَزْنَا، وَرُوِيَ - وَلَمْ يَصِحَّ - عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ: أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ جَارِيَةٍ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ بِالثُّلُثِ.

وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: مَنْ أَصَابَ الْحَقَّ - مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ - أَجَزْنَا وَصِيَّتَهُ. وَعَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: إذَا عَرَفَ الصَّلَاةَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ - الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ سَوَاءٌ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إجَازَةُ وَصِيَّةِ الصَّغِيرَيْنِ إذَا أَصَابَا الْحَقَّ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَأَجَازَ مَالِكٌ وَصِيَّةَ مَنْ بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ فَصَاعِدًا. وَقَوْلٌ آخَرُ - صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَجُوزُ فِي قُرْبِ الثُّلُثِ، وَلَا نَرَى أَنْ تَبْلُغَ الثُّلُثَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَ الْقَاضِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ: وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرَانِ سِنًّا مِنْ وَسَطِ مَا يَحْتَلِمُ لَهُ الْغِلْمَانُ: جَازَتْ وَصِيَّتُهُمَا. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ وَصِيَّةَ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ لَا تَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَا لَمْ تَحْتَلِمْ أَوْ تَحِضْ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ - وَصَحَّ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَيْضًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَحْدِيدُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بِبُلُوغِ مَنْ هِيَ وَسَطُ مَا يَحْتَلِمُ لَهَا الْغِلْمَانُ - وَمَنْعُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ بُلُوغِ الثُّلُثِ، وَإِجَازَتُهُ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ - وَتَخْصِيصُ مَالِكٍ ابْنَ تِسْعٍ فَصَاعِدًا -: فَأَقْوَالٌ لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَدَّ ذَلِكَ قَبْلَ مَالِكٍ. وَلَعَلَّ بَعْضَ مُقَلِّدِيهِ يَقُولُ: صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» ؟

فَنَقُولُ لَهُ: نَعَمْ، وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ سِنِينَ، فَأَجِيزُوا وَصِيَّةَ ابْنِ سِتِّ سِنِينَ بِذَلِكَ -. وَهَذَا كُلُّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَصْلًا. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ وَصِيَّةَ الصَّغِيرَيْنِ إذَا أَصَابَا الْحَقَّ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] . قَالُوا: وَهَذَا عُمُومٌ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَهَذَا عُمُومٌ، وَبِالثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ «سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ عَنْ الصَّغِيرِ أَلَهُ حَجٌّ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نَعَمْ، وَلَكَ أَجْرٌ» وَوَجَدْنَاهُ يَحُضُّ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَالْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ. وَقَالُوا: السَّفِيهُ، وَالصَّغِيرُ مَمْنُوعَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا فِي حَيَاتِهِمَا، وَوَصِيَّةُ السَّفِيهِ: جَائِزَةٌ، فَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ؟ وَقَالُوا: هَذَا حُكْمُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَنْ هَالِكِينَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ - مَا لَهُمْ شُبْهَةٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا -. وَكُلُّ ذَلِكَ لَا مُتَعَلِّقَ لِمَالِكٍ وَمَنْ قَلَّدَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ خَصُّوا مَنْ دُونَ التِّسْعِ بِلَا؛ بُرْهَانٍ، فَخَالَفُوا كُلَّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ -: أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] . وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] . فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ، لَا بِفَرْضٍ وَلَا بِتَحْرِيمٍ وَلَا بِنَدْبٍ، وَلَا دَاخِلًا فِي هَذَا الْخِطَابِ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِقَبُولِ أَعْمَالِهِ الَّتِي هِيَ أَعْمَالُ الْبِرِّ بِبَدَنِهِ دُونَ أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَبَطَلَ التَّعْلِيقُ بِالْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّغِيرِ لَهُ حَجٌّ؟ فَنَعَمْ، هُوَ حَقٌّ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالْمَالِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ، لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا فِي وَصِيَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِيسُوا الصَّدَقَةَ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الصَّغِيرِ عَلَى الْحَجِّ مِنْهُ، فَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ يُحَضُّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ - فَبَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ قِيَاسٌ فَاسِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ، وَالسَّفِيهَ مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا، وَوَصِيَّةُ السَّفِيهِ جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ - فَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ مَا شَغَبُوا بِهِ، لِأَنَّنَا لَا نُسَاعِدُهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْلِمًا يَعْقِلُ يَكُونُ سَفِيهًا أَصْلًا، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا السَّفِيهُ الْكَافِرُ، أَوْ الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ - لَكِنْ نَقُولُ لَهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ وَالْأَحْمَقَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ: مَمْنُوعَانِ مِنْ مَالِهِمَا، وَوَصِيَّةُ الْأَحْمَقِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ لَا تَجُوزُ، فَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ - فَهَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ فِعْلُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ؟ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ إنَّهَا لَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَلَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لِأَنَّ أُمَّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ مَجْهُولَةٌ، وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، وَلَا يُدْرَى مَنْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ فِي ذَلِكَ لَا تَصِحُّ. وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِيهَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَمَّا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: 5] {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]

مسألة وصية العبد

فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الْمَجْنُونَ، وَالصَّغِيرَ: مَمْنُوعَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا حَتَّى يَعْقِلَ الْأَحْمَقُ، وَيَبْلُغَ الصَّغِيرُ - فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا حُكْمٌ فِي أَمْوَالِهِمَا أَصْلًا، وَتَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ. وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّغِيرَ حَتَّى يَبْلُغَ - فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وَصِيَّة الْعَبْد] 1765 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ أَصْلًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ الْمَوَارِيثُ وَالْعَبْدُ لَا يُورَثُ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَنْ أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي وَصِيَّةٍ " مَنْ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ " وَلَيْسَ لِأَحَدٍ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ إلَّا مَنْ أَبَاحَ لَهُ النَّصُّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، إنَّمَا لَهُ شَيْءٌ إذَا مَاتَ صَارَ لِسَيِّدِهِ لَا يُورَثُ عَنْهُ. فَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَوَصِيَّتُهُ كَوَصِيَّةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ يُورَثُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْمَأْمُورِينَ بِالْوَصِيَّةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِمَا لَا يتحمله الثُّلُث] 1766 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِمَا لَا يَحْمِلُهُ ثُلُثُهُ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ، فَإِذَا تَمَّ بَطَلَ سَائِرُ الْوَصِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ أَجْمَلَ الْأَمْرَ تَحَاصُّوا فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ. وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ: أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا. وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنَّمَا يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً، فَالنَّسَمَةُ وَسَائِرُ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ.

وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: نا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ هُشَيْمٌ: وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ يَقُولَانِهِ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ تَتَحَاصُّ الْوَصَايَا، الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: أَنَا قَيْسٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَابْنُ سِيرِينَ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ وَأَشْيَاءَ، فَزَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ: أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُطَرِّفٌ - هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: يُبْدَأُ بِالْعَتَاقَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بِالْحِصَصِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: بِالْحِصَصِ - وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَزَادَ: أَنَّهُ يَسْتَسْعِي فِي الْعِتْقِ فِيمَا فَضَلَ عَنْ الْوَصِيَّةِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَإِنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: يُبْدَأُ بِالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَتْلًا فِي الْمَرَضِ وَيَتَحَاصَّانِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُمَا الثُّلُثُ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمَا بِمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ يُتَحَاصُّ الْعِتْقُ الْمُوصَى بِهِ جُمْلَةً مَعَ سَائِرِ الْوَصَايَا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُبْدَأُ بِالْمُعْتَقِ بَتْلًا فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ الْعِتْقُ وَسَائِرُ الْوَصَايَا سَوَاءٌ، يُتَحَاصُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ بَتْلًا فِي الْمَرَضِ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بَعْدَ الْمُحَابَاةِ، فَإِنْ أُعْتِقَ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ حَابَى تَحَاصَّا جَمِيعًا، فَإِنْ حَابَى فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ، ثُمَّ حَابَى، فَلِلْبَائِعِ الْمُحَابِي أَوَّلًا نِصْفُ الثُّلُثِ، وَيَكُونُ نِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُعْتَقِ فِي الْمَرَضِ بَتْلًا وَبَيْنَ الْمُحَابِي فِي الْمَرَضِ آخِرًا - فَهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ قُدِّمَ فِي ذَلِكَ فِي الذِّكْرِ أَوْ آخِرِهِ. فَإِنْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِحَجٍّ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصَايَا لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ: قُسِمَ الثُّلُثُ، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَبَيْنَ سَائِرِ الْقُرَبِ، فَمَا وَقَعَ لِلْمُوصَى لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ

دَفَعَ إلَيْهِمْ وَتَحَاصُّوا فِيهِ، وَمَا وَقَعَ لِسَائِرِ الْقُرَبِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ، فَإِذَا تَمَّ فَلَا شَيْءَ لِمَا بَقِيَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ أَبَدًا عَلَى الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ ثُمَّ الْمُحَابَاةُ. فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ مُطْلَقٍ، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ فِي مِلْكِهِ، وَبِمَالٍ مُسَمًّى فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِصَدَقَةٍ، وَفِي الْحَجِّ، وَلِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ: تَحَاصَّ كُلُّ ذَلِكَ، فَمَا وَقَعَ لِلْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ، وَسَائِرُ ذَلِكَ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُوصِي بِذِكْرِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ فَلَا شَيْءَ لِمَا بَقِيَ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: إنْ أُعْتِقَ بَتْلًا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ حَابَى فِي مَرَضِهِ بُدِئَ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ حَابَى فِي مَرَضِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ بُدِئَ بِالْمُحَابَاةِ، ثُمَّ سَائِرُ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَمَا أَوْصَى بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ: كُلُّ ذَلِكَ بِالْحِصَصِ، لَا يُقَدَّمُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، ثُمَّ بِالْعِتْقِ بَتْلًا فِي الْمَرَضِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الصِّحَّةِ، وَيَتَحَاصَّانِ، ثُمَّ عِتْقِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَعِتْقِ مَنْ سَمَّاهُ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبْتَاعَ فَيُعْتَقَ بِعَيْنِهِ، وَيَتَحَاصَّانِ، ثُمَّ سَائِرُ الْوَصَايَا، وَيَتَحَاصُّ مَعَ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَبْدَأُ أَبَدًا عَلَى الْعِتْقِ بَتْلًا فِي الْمَرَضِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَعْتَقَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا بَتْلًا بُدِئَ بِمَنْ أَعْتَقَ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَلَا يَتَحَاصُّونَ فِي ذَلِكَ، وَيُرَقُّ مَنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، أَوْ يُرَقُّ مِنْهُ مَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ. وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ مُبَدَّاةٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: يَتَحَاصُّ فِي الْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ وَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى السَّوَاءِ، قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ فِي الْمَرَضِ مَفْسُوخٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى غَرَرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: فَظَاهِرَةُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهَا دَعَاوَى وَآرَاءٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ، وَلَا قِيَاسٍ وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ.

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُمَوِّهَ هَاهُنَا بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُخْتَلِفُونَ كَمَا تَرَى، وَأَفْسَدُهَا كُلِّهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَوْلُ مَالِكٍ لِكَثْرَةِ تَنَاقُضِهِمَا، وَتَفَاسُدِ أَقْسَامِهِمَا، وَهِيَ أَقْوَالٌ تُؤَدِّي إلَى تَبْدِيلِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَا سَمِعْت، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. ثُمَّ نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - قَوْلًا جَامِعًا فِي إبْطَالِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُونَ مِنْ تَبْدِيَةِ الْعِتْقِ بَتْلًا فِي الْمَرَضِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ، فَنَقُولُ لَهُمْ: يَا هَؤُلَاءِ أَخْبِرُونَا عَنْ قَضَاءِ الْمَرِيضِ فِي عِتْقِهِ، وَهِبَتِهِ، وَمُحَابَاتِهِ فِي بَيْعِهِ، أَهُوَ كُلُّهُ وَصِيَّةٌ، أَمْ لَيْسَ وَصِيَّةً؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ وَصِيَّةً؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الثُّلُثِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْنَدَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَصَايَا، فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ إذْ جَعَلْتُمْ ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ؟ قُلْنَا لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ تَبْدِيَةُ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِبْطَالُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمُ، وَتَبْدِيلُهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُمُوهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181] وَاعْلَمُوا: أَنَّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَنْ رُوِيَ عَنْهُ تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَسْرُوقٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ - ثُمَّ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ فِي الثُّلُثِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمَرَضِ فِي الثُّلُثِ، عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، إنَّمَا جَاءَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا تَبْدِيَةُ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا. وَعَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا: تَبْدِيَةُ عِتْقِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ بِاسْمِهِ وَعَيَّنَهُ - وَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُوصِي - عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا - فَقَدْ خَالَفَ الْمَذْكُورُونَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا بِآرَاءٍ مُخْتَرَعَةٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. فَإِنْ قَالُوا: وَقَعَ ذَلِكَ لَنَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ، وَالْمُحَابَاةَ فِي الْمَرَضِ: أَوْكَدُ مِنْ سَائِرِ الْوَصَايَا؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ دَعْوَى كَاذِبَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا،

وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةُ النَّصْرَانِيِّ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ حَرِيرٍ، أَوْ لِخَلِيعٍ مَاجِنٍ فِي بَيْعِ تُفَّاحٍ لِنَقْلِهِ: أَوْكَدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ثُغُورٍ مُهِمَّةٍ، وَمِنْ فَكِّ مُسْلِمٍ فَاضِلٍ، أَوْ مُسْلِمَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ صِغَارٍ مُسْلِمِينَ مِنْ أَسْرِ الْعَدُوِّ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ، وَالْفَضِيحَةَ فِي النَّفْسِ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ؟ وَدَعَاوَى فَاحِشَةٌ مَفْضُوحَةٌ بِالْكَذِبِ؟ فَإِنْ قَالُوا: الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الْمُعْتَقُ، وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ؟ قُلْنَا: فَإِنْ كَانَا قَدْ اسْتَحَقَّاهُ فَلِمَ تَرُدَّانِهِمَا إلَى الثُّلُثِ إذًا، وَمَا هَذَا التَّخْلِيطُ؟ تَارَةً يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَتَارَةً لَا يَسْتَحِقُّ - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ فِي فَسَادِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْفَسَادِ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْلِيصِهِ إيَّانَا مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ، وَعَلَى عِبَادِهِ. وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْعِتْقِ جُمْلَةً عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا؟ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ، وَإِسْحَاقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ، حَتَّى فَرْجُهُ بِفَرْجِهِ» . وَقَالُوا: مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْكِيدِ الْعِتْقِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفَذَ عِتْقَ الشَّرِيكِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ» - وَذَكَرُوا خَبَرًا رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ حَيْوَةِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ؟ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِتْقُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَنَّ امْرَأً أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَبَاعَهُ آخَرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ السَّيِّدَ، فَأَجَازَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ - وَلَوْ أَنَّ امْرَأً وَكَّلَ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ، وَوَكَّلَ آخَرَ بِبَيْعِهِ فَوَقَعَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ مِنْ الْوَكِيلِينَ مَعًا: أَنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ، وَالْبَيْعَ بَاطِلٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا هَاتَانِ الْقَضِيَّتَانِ - فَهُوَ نَصْرٌ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ بِالضَّلَالِ، وَلِلْوَهْمِ

بِالْبَاطِلِ، بَلْ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجَازَةُ عِتْقٍ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا إجَازَةُ بَيْعٍ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَمَنْ أَحَلَّ الْحَرَامَ فَتَحْلِيلُهُ بَاطِلٌ، وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ، لَكِنْ إنْ أَحَبَّ إنْفَاذَ عِتْقِ عَبْدِهِ فَلْيُعْتِقْهُ هُوَ بِلَفْظِهِ مُبْتَدِئًا وَإِنْ أَحَبَّ بَيْعَهُ فَلْيَبِعْهُ كَذَلِكَ مُبْتَدِئًا وَلَا بُدَّ. وَالتَّوْكِيلُ فِي الْعِتْقِ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِجَازَتِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ. وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ: فَجَائِزٌ بِالسُّنَّةِ، فَمَنْ وَكَّلَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَمْ يُنَفَّذْ عِتْقُهُ أَصْلًا، وَمَنْ وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ: جَازَ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْعِتْقُ لَا يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ يَلْحَقُهَا فَسْخٌ: فَقَدْ كَذَبُوا، وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَعَ صَحِيحًا فَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِإِيجَابِ فَسْخِهِ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ، وَالْعِتْقُ الصَّحِيحُ قَدْ يُفْسَخُ، وَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْعَبْدَ النَّصْرَانِيَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَبَى وَقَسَمَ، فَإِنَّ عِتْقَهُ الْأَوَّلَ يُفْسَخُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ كُلُّهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، فَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ لَيْسَ دُونَهُمْ، كَعَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَلَيْسَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَّا إلَى كَلَامِهِ، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا إلَى كَلَامِ صَاحِبٍ وَلَا غَيْرِهِ، فَمَنْ رَدَّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى غَيْرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَهَذَا

غَيْرُ مُسْنَدٍ، وَلَا مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَمَنْ أَضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ هَذَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَلَمْ يَقُلْ سَعِيدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُكْمُهُ وَقَدْ يَقُولُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ: مِثْلَ هَذَا فِي قَوْلِ صَاحِبٍ. وَمِنْ أَعْجَبْ مِمَّنْ لَا يَرَى قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ إلَيْهِ فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنَّهَا السُّنَّةُ حُجَّةً، ثُمَّ يَرَى قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِذَلِكَ: حُجَّةً، وَحَتَّى لَوْ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: إنَّ هَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ لَكَانَ مُرْسَلًا، لَا حُجَّةَ فِيهِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ فِي تَأْكِيدِ الْعِتْقِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً، وَإِنْفَاذُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِتْقَ الشَّرِيكِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ: فَهُمَا سُنَّتَا حَقٍّ بِلَا شَكٍّ، وَلَيْسَ فِيهِمَا إلَّا فَضْلُ الْعِتْقِ وَالْحُكْمُ فِيهِ فَقَطْ، وَلَمْ يُخَالِفُونَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: أَنَّ الْعِتْقَ أَوْكَدُ مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْقُرَبِ أَصْلًا، وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيهِمَا فَقَدْ كَذَبَ وَقَالَ الْبَاطِلَ، بَلْ قَدْ جَاءَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ لِمِسْكِينٍ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] وَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ، وَهَذِهِ كَفَّارَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْحَجِّ لِمَنْ بِهِ أَذًى مِنْهُ لَوْ أَعْتَقَ فِيهِ أَلْفَ رَقَبَةٍ مَا أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا يُجْزِيهِ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ نُسُكٌ، أَفَتَرَى هَذَا دَلِيلًا عَلَى فَضْلِ النُّسُكِ عَلَى الْعِتْقِ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا؟ إنَّمَا هِيَ أَحْكَامٌ يُطَاعُ لَهَا وَلَا يُزَادُ فِيهَا مَا لَيْسَ فِيهَا - ثُمَّ قَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّحِيحُ بِأَنَّ بَعْضَ الْقُرَبِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ بِبَيَانٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ يُكَذِّبُ دَعْوَاهُمْ فِي تَأْكِيدِ الْعِتْقِ عَلَى سَائِرِ الْقُرَبِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْوَزِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ - هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - أَنَّهُ سَمِعَ كُرَيْبًا مَوْلَى بْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْت مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ - هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - تَقُولُ: «أَعْتَقْتُ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَوْ أَعْطَيْتِ أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ» ". فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ يُغْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ تَقَحُّمِ الْكَذِبِ وَتَكَلُّفِ الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ قُرْبَةٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إبْطَالُ سَائِرِ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْمُوصِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إيثَارًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ؟ وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يَجُوزُ، وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا أَنْ يَقُولَ بِمَا صَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوْصَى إنْسَانٌ فِي أَمْرٍ فَرَأَيْتُ غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ؟ قَالَ: فَافْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مَا لَمْ يُسَمِّ إنْسَانًا بِاسْمِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ثُمَّ رَجَعَ عَطَاءٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لِيُنَفِّذَ قَوْلَهُ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ أَبْطَلَ شَيْئًا مِمَّا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمُ إيثَارًا لِلْعِتْقِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ قَوْلِ عَطَاءٍ الْأَوَّلِ، وَقَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ، إلَّا أَنَّهُمْ جَمَعُوا إلَى ذَلِكَ تَنَاقُضًا قَبِيحًا زَائِدًا. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ يَرَى تَبْدِيَةَ بَعْضِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، أَوْ قَوْلُ مَنْ رَأَى التَّحَاصَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَدْ خَالَفَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي أَيْضًا بِغَيْرِ نَصٍّ، مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ. فَإِنْ قَالُوا: وَأَنْتُمْ قَدْ خَالَفْتُمْ أَيْضًا مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي؟ قُلْنَا: خِلَافُنَا لِمَا أَوْصَى غَيْرُ خِلَافِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ قَدْ خَالَفْتُمُوهُ بِغَيْرِ نَصٍّ، مِنْ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَنَحْنُ خَالَفْنَاهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا عُرِّيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا مِنْ الْبُرْهَانِ لَزِمَنَا أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجِزْ الْوَصِيَّةَ إلَّا بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فَأَقَلَّ: أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ إنْفَاذُ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَوَجَدْنَا مَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ عَلَى عِلْمٍ وَقَصْدٍ، وَإِمَّا مُخْطِئًا مَعْفُوًّا عَنْهُ الْإِثْمُ إنْ كَانَ جَهِلَ ذَلِكَ، وَفِعْلُهُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يَحِلُّ إنْفَاذُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا إمْضَاءُ الْخَطَأِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: 8] . وَوَجَدْنَا الْمُوصِيَ إذَا أَوْصَى فِي وَجْهٍ مَا بِمِقْدَارٍ مَا دُونَ الثُّلُثِ فَقَدْ وَجَبَ إنْفَاذُ كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ، كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَاطِلًا لَا يَحِلُّ إنْفَاذُهُ - فَصَحَّ نَصُّ قَوْلِنَا حَرْفًا حَرْفًا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَنْ قَالَ هَذَا قَبْلَكُمْ؟ قُلْنَا لَهُ: إنْ كَانَ حَنِيفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا وَمَنْ قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِأَقْوَالِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ أَقْوَالَهُمَا لَا يُوَافِقُهُمَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ، وَقَوْلُنَا هُوَ نَفْسُ مَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ عَشَرَاتُ أُلُوفٍ، فَأَيْنَ أَقْوَالُ سَائِرِهِمْ؟ فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ بِتَبْدِيَةِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْمُوصِي أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِمَا، وَمَا نَقُولُ هَذَا مُتَكَثِّرِينَ بِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُسْتَوْحِشِينَ إلَى سِوَاهُ، وَلَكِنْ لِنُرِيَ الْمُخَالِفَ فَسَادَ اعْتِرَاضِهِ، وَفَاحِشَ انْتِقَاضِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ الْمُوصِي بِشَيْءٍ، لَكِنْ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ: يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ ذَلِكَ، فَهَاهُنَا يَتَحَاصُّونَ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الثُّلُثُ فَيَجُوزُ لَهُمْ مَا أَجَازَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَبْطُلُ لَهُمْ مَا أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْقُرَبِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فصل فيمن مات وقد فرط في زكاة أو في حج

[فَصَلِّ فِيمَنْ مَاتَ وَقَدْ فرط فِي زَكَاة أَوْ فِي حَجّ] فَصْلٌ 1767 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَفِي " كِتَابِ الْحَجِّ " مِنْهُ، وَفِي " كِتَابِ التَّفْلِيسِ " مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ وَقَدْ فَرَّطَ: فِي زَكَاةٍ، أَوْ فِي حَجِّ الْإِسْلَامِ، أَوْ عُمْرَتِهِ، أَوْ فِي نَذْرٍ، أَوْ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ، أَوْ قَتْلٍ، أَوْ يَمِينٍ، أَوْ تَعَمَّدَ وَطْءً فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ بَعْضَ لَوَازِمِ الْحَجِّ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَا شَيْءَ لِلْغُرَمَاءِ حَتَّى يَقْضِيَ دُيُونَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا، ثُمَّ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْغُرَمَاءِ، ثُمَّ الْوَصِيَّةُ، ثُمَّ الْمِيرَاثُ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَرْنَا الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «اقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ قَوْلَ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ عَنْهُمَا: أَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَزَكَاةَ الْمَالِ هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ. وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَيِّتِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَاجِبٌ فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّ الْحَجَّ وَالنَّذْرَ يُقْضَيَانِ عَنْ الْمَيِّتِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الْحَجِّ عَمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَوْتَى. وَكَذَلِكَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ مَرَّةً قَالَ: تَتَحَاصَّ دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُيُونُ النَّاسِ، وَمَرَّةً قَالَ كَمَا قُلْنَا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِأَنْ لَا تَخْرُجَ الزَّكَاةُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ التَّابِعِينَ، إلَّا رَبِيعَةُ. وَبَقِيَ أَنْ نَذْكُرَ أَقْوَالَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِوَصَايَا: مِنْهَا زَكَاةٌ وَاجِبَةٌ، وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يُبْدَأُ فِي الثُّلُثِ بِهَذِهِ الْفُرُوضِ - سَوَاءٌ ذَكَرَهَا أَوَّلًا أَوْ آخِرًا - وَتَتَحَاصَّ الْفُرُوضُ الْمَذْكُورَةُ، ثُمَّ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِهِ فِي الْوَصَايَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبْدَأُ بِالزَّكَاةِ، ثُمَّ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَمَرَّةً قَالَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ الزَّكَاةِ وَالْحَجَّةِ الْمَفْرُوضَةِ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَكَفَّارَةِ جَزَاءِ صَيْدٍ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى: يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ بِذِكْرِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي وَصِيَّتِهِ، ثُمَّ التَّطَوُّعِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُبْدَأُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ الزَّكَاةِ بِمَا بَدَأَ الْمُوصِي بِذِكْرِهِ فِي وَصِيَّتِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ الْبَتِّ فِي الْمَرَضِ، وَالتَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا، ثُمَّ عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى فَيُعْتَقَ، ثُمَّ الْكِتَابَةِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ، ثُمَّ الْحَجِّ، ثُمَّ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ بِهِ. قَالَ: وَيُبْدَأُ بِالزَّكَاةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ عَنْ ظِهَارٍ، أَوْ قَتْلٍ خَطَإٍ، أَوْ يَتَحَاصُّ رَقَبَةَ الظِّهَارِ مَعَ رَقَبَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ، ثُمَّ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ - قَالَ: وَيُبْدَأُ بِالْإِطْعَامِ عَمَّا أَوْصَى بِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى النَّذْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِبْرَةٌ لِمَنْ اعْتَبَرَ، وَآيَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ -: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَطْرَدُهَا لِخَطَئِهِ، وَأَقَلُّهَا تَنَاقُضًا، لَكِنْ يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَسَائِرُ الْفُرُوضِ، إذَا فَرَّطَ فِيهَا وَتَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ -: يَجْرِي كُلُّ ذَلِكَ مَجْرَى الْوَصَايَا، فَلِأَيِّ شَيْءٍ قَدَّمْتهَا عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّهَا أَوْكَدُ، قِيلَ لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ صَارَتْ أَوْكَدَ عِنْدَك وَأَنْتَ قَدْ أَخْرَجْتهَا عَنْ حُكْمِ الْفَرْضِ الَّذِي لَا يَحِلُّ إضَاعَتُهُ إلَى حُكْمِ الْوَصَايَا - فَبَطَلَ التَّأْكِيدُ عَلَى قَوْلِك الْفَاسِدِ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَلَا فَرْقَ، وَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الْوَصَايَا، وَبَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الْفَرْضِ الَّذِي لَا يَسَعُ تَعْطِيلُهُ، فَلِمَ جَعَلْتهَا مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِهَا أَيْضًا؟ وَمَا هَذَا الْخَبْطُ وَالتَّخْلِيطُ بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: فَآبِدَةٌ فِي تَقْدِيمِهِ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَجِّ؟ فَإِنْ قَالَ: الزَّكَاةُ حَقٌّ فِي الْمَالِ، وَالْحَجُّ عَلَى الْبَدَنِ؟ قِيلَ: فَلِمَ أَدْخَلْته فِي الْوَصَايَا إذًا؟ وَهَلَّا مَنَعْت مِنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ كَمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالنَّخَعِيُّ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ.

فَإِنْ قِيلَ: لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ: فَذَلِكَ النَّصُّ يُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ - وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِك الْفَاسِدِ - وَهَذَا نَفْسُهُ يَدْخُلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي تَقْدِيمِهِ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا؟ وَأَمَّا قَوْلُ مَالك: فَأَفْحَشُهَا تَنَاقُضًا، وَأَوْحَشُهَا وَأَشَدُّهَا فَسَادًا؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ بَعْضَ الْفَرَائِضِ عَلَى بَعْضٍ بِلَا بُرْهَانٍ، فَقَدَّمَ بَعْضَ التَّطَوُّعِ عَلَى بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَصَارَ كُلُّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْأَدِلَّةِ أَصْلًا، مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ؟ نَعْنِي: ذَلِكَ التَّرْتِيبَ الَّذِي رَتَّبَ - وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُهُ " إقْرَارُهُ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ إقْرَارُهُ " فَكَيْفَ يَجُوزُ مَا هُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ مَالَهُ إلَّا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَضَعَ فُرُوضَهُ، ثُمَّ يُوصِيَ بِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ؟ قُلْنَا لَهُ: إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إثْمُهُ، وَلَا تُسْقِطُ عَنْهُ مَعْصِيَتُهُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى؛ إذْ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ حُقُوقِهِ مِنْ أَجْلِ مَا ذَكَرْتُمْ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: هَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِهَذَا الِاحْتِجَاجِ نَفْسِهِ إذْ قُلْتُمْ: إنَّ دُيُونَ النَّاسِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؟ فَنَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَحْرِمَ وَرَثَتَهُ إلَّا أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ لِمَنْ شَاءَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ مَالَهُ، ثُمَّ يَظْهَرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا فَرْقَ. وَيُقَالُ لَكُمْ أَيْضًا: لَوْ كَانَ قَوْلُكُمْ لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يُبْطِلَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ؟ وَيُهِنِّي ذَلِكَ وَرَثَتَهُ إلَّا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ؟ ثُمَّ إنَّ اعْتِرَاضَهُمْ بِذَلِكَ الْمَذْكُورِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَائِضِهِ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا أَعْرِفَنَّ امْرَأً بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُدَغْدِغُ مَالَهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا» ؟ قُلْنَا: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنَدْ قَطُّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُقُوطُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ بُخْلِهِ بِهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؟ إنَّمَا فِيهِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَى

مسألة هل للموصي أن يرجع في كل ما أوصى به

مَنْ فَعَلَهُ فَقَطْ، وَنَعَمْ، فَهُوَ مُنْكَرٌ بِلَا شَكٍّ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى نَافِذَةٌ فِي مَالِهِ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ للموصي أَنْ يرجع فِي كُلّ مَا أَوْصَى بِهِ] 1768 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّ مَا أَوْصَى بِهِ إلَّا الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ يَمْلِكُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ أَصْلًا إلَّا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ عَنْ مِلْكِهِ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّمْلِيكِ. وَأَمَّا مَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةً فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يُحْدِثُ اللَّهُ فِي وَصِيَّتِهِ مَا شَاءَ، وَمَلَاكُ الْوَصِيَّةِ آخِرُهَا. وَصَحَّ عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ -. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بِخِلَافِ ذَلِكَ -: رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى إنْ مَاتَ أَنْ يُعْتَقَ غُلَامٌ لَهُ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ، وَلَيْسَ الْعِتْقُ كَسَائِرِ الْوَصِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُلُّ صَاحِبِ وَصِيَّةٍ يَرْجِعُ فِيهَا إلَّا الْعَتَاقَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالُوا: كُلُّ صَاحِبِ وَصِيَّةٍ يَرْجِعُ فِيهَا إلَّا الْعَتَاقَةَ - وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِلرُّجُوعِ فِي الْعِتْقِ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهُ قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبِأَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا - مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا تَعَلَّقُوا بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ؟ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ

مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِهِ فِي الْيَرْبُوعِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِجَدْيٍ وَسَائِرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَلَا بَيْعَ الْمُدَبَّرِ، وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ لِمَا لَا يَجِبُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ وَهَذِهِ صِفَةُ سَائِرِ الْوَصَايَا. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ تَبْدِيئُهُمْ الْعِتْقَ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا وَتَأْكِيدُهُمْ إيَّاهُ، وَتَغْلِيظُهُمْ فِيهِ، ثُمَّ سَوَّوْهُ هَاهُنَا بِسَائِرِ الْوَصَايَا؟ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْآرَاءِ وَهَذِهِ الْمَقَايِيسِ؟ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَهُوَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَقِيَاسُ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ، وَكُلُّهُمْ لَا يُجِيزُ الرُّجُوعَ فِي الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ الْبَتَّةِ وَالْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَعَادَ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ قَوْلُهُمْ فَعَلَيْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا. فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَكَانَ عَهْدُهُ بِعِتْقِهِ عَبْدَهُ إنْ مَاتَ عَقْدًا مَأْمُورًا بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَمَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَا يَحِلُّ الرُّجُوعُ فِيهِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْوَصَايَا فَإِنَّمَا هِيَ مَوَاعِيدُ، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ إنْفَاذُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " بَابِ النَّذْرِ " مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ رَقَبَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ وَهَمٌّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يُنَفِّذْهَا؟ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَقْدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ، فَإِذْ صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ بَطَلَ عَقْدُهُ فِيهِ: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مَا بَطَلَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِنَصٍّ وَلَا نَصَّ

مسألة الوصية لأم الولد

فِي عَوْدَتِهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ عَنْ مِلْكِهِ، بَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَبَقِيَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ فِي مِلْكِهِ. [مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لِأُمّ الْوَلَد] 1769 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ مَا لَمْ تُنْكَحْ فَهُوَ بَاطِلٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يُوقِفُ عَلَيْهَا وَقْفًا مِنْ عَقَارِهِ، فَإِنْ نَكَحَتْ فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ، لَكِنْ يَعُودُ الْوَقْفُ إلَى وَجْهٍ آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، فَهَذَا جَائِزٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بِأَرْضٍ يَأْكُلْنَهَا فَإِنْ نَكَحْنَ فَهِيَ لِلْوَرَثَةِ؟ قَالَ: تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ عَلَى شَرْطِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِمَالٍ سَمَّاهُ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ أَبَدًا؟ قَالَ: إنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا شَيْءَ لَهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ أَمْ لَا إلَّا بِمَوْتِهَا، وَهِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا وَلَا تَسْتَحِقُّهُ. وَأَيْضًا - فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مَلَكَتْ مَا أَوْصَى لَهَا بِهِ أَوْ لَمْ تَمْلِكْهُ؟ فَإِنْ كَانَتْ مَلَكَتْهُ فَلَا يَجُوزُ إزَالَةُ مِلْكِهَا عَنْ يَدِهَا بَعْدَ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَمْلِكْهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ تُعْطَى مَا لَيْسَ لَهَا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَأَمَّا إدْخَالُهَا فِي الْوَقْفِ بِصِفَةٍ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ تَسْبِيلُ وُقُوفٍ فِيهِ عِنْدَ حَدِّ الْمُسَبَّلِ، وَلَيْسَ تَمْلِيكًا لِرَقَبَةِ الْوَقْفِ -. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْهُ، فَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِذَلِكَ بَاطِلًا.

مسألة الوصية بالعتق

[مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِالْعِتْقِ] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقٍ لَهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ، أَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ؟ لَمْ يُنَفَّذْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ صَحَّ فِيهِ الْعِتْقُ، سَوَاءٌ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ، أَوْ عَاشَ إلَى حِينِ الْقُرْعَةِ. وَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الرِّقِّ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ عَاشَ إلَيْهَا؟ فَإِنْ شَرَعَ السَّهْمُ فِي بَعْضِ مَمْلُوكٍ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ بِلَا اسْتِسْعَاءٍ، وَعَتَقَ بَاقِيهِ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ الثُّلُثِ. فَلَوْ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ بُدِئَ بِاَلَّذِي سَمَّى أَوَّلًا فَأَوَّلًا، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ - فَلَوْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ مَمْلُوكٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ مِنْهُ عَلَى الثُّلُثِ، فَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا مُسَمًّى مِنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ أُعْتِقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ - إنْ كَانَ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ - وَأُعْتِقَ بَاقِيهِمْ، وَاسْتَسْعُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِمَّا هُوَ دُونَ الثُّلُثِ. فَإِنْ أَعْتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ أَوْ جُمْلَةً أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ إنْ أَجْمَلَهُمْ فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ إلَّا أَنْ يَشْرَعَ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُعْتَقُ وَيَسْتَسْعِي فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَيُبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ - إنْ سَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ - فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ، إلَّا مَنْ شَرَعَ فِيهِ الْعِتْقُ، فَإِنَّهُ يَسْتَسْعِي فِيمَا زَادَ مِنْهُ عَلَى الثُّلُثِ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ فِي وَصِيَّتِهِ الثُّلُثَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَقَلَّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ فَيُنَفَّذُ قَوْلُهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْعِتْقِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا بِإِسْنَادِهِ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَإِنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ وَيَسْتَسْعِي فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَالْوَرَثَةُ هَاهُنَا شُرَكَاءُ لِلْمُوصِي، فَقَدْ عَتَقَ الْمَمَالِيكُ كُلُّهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَسْتَسْعُونَ فِي حِصَّةِ الْوَرَثَةِ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ فِي وَصِيَّتِهِ جَمِيعَهُمْ وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، أَوْ أَعْتَقَ فِي وَصِيَّتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ؟ فَالْيَقِينُ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سُمِّيَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي ذَلِكَ، وَلَا خَالَفَ الْحَقَّ، بَلْ أَوْصَى كَمَا أُبِيحَ لَهُ فَهِيَ وَصِيَّةُ بِرٍّ

وَتَقْوَى، وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ، فَوَجَبَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ لِصِحَّتِهَا، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ الْمُعْتَقُونَ فِي حِصَصِ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ هُمْ شُرَكَاءُ الْمُوصِي حِينَ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يُعْتِقُوا حِصَصَهُمْ. وَكَانَ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ مُبْطِلًا عَاصِيًا، مُخَالِفًا لِلْحَقِّ إنْ كَانَ عَالِمًا، أَوْ مُخْطِئًا مُخَالِفًا لِلْحَقِّ فَقَطْ، مَعْفُوًّا عَنْهُ إنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ، وَالْبَاطِلُ عُدْوَانٌ فَقَطْ، أَوْ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ سَاقِطٌ لَا يَحِلُّ إنْفَاذُهُ - قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَوَجَبَ إبْطَالُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا أَجْمَلَ فِي وَصِيَّتِهِ عِتْقَهُمْ، أَوْ أَجْمَلَ عِتْقَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَصِيَّتِهِ، فَبِالضَّرُورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّهُ خَلَطَ الْوَصِيَّةَ بِعِتْقِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ، مَعَ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ، وَلَا يَدْرِي غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَيُّهُمْ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ، وَأَيُّهُمْ لَا، فَصَارُوا جُمْلَةً فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَحْرَارٍ، أَوْ فِي حُرٍّ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَفِيهَا حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ فِي رَقِيقٍ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ لِيُمَيَّزَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْأَنْصِبَاءِ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِالْقُرْعَةِ؛ فَوَجَبَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمْ، فَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلِمْنَا أَنَّهُ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي، وَأَنَّهُ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ - مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ لَمْ يَمُتْ - وَأَيُّهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُوصِ فِيهِ الْمُوصِي وَصِيَّةً جَائِزَةً، وَأَنَّهُ هُوَ حَقُّ الْوَرَثَةِ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ قَدْ مَلَكُوهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي - مَاتَ قَبْلَ الْقُرْعَةِ أَوْ لَمْ يَمُتْ. فَإِنْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي مَمْلُوكٍ أُعْتِقَ وَاسْتَسْعَى فِيمَا زَادَ مِنْهُ عَلَى مَا عَتَقَ بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ شُرَكَاءُ الْمُوصِي فِيهِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا أَوْصَى فِيهِ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ عَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ حَقِّ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْدِيلِ الْقِيمَةِ وَالْقُرْعَةِ، وَقَدْ جَاءَ أَيْضًا فِي هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ، يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ لَكَانَ الْحُكْمُ مَا وَصَفْنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ تَمْيِيزِ حَقِّ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَقِّ الْوَرَثَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَابْنُ أَبِي عُمَرَ،

كِلَاهُمَا عَنْ الثَّقَفِيِّ - هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَا بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا» . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، وَنَقُولُ -: إنَّنَا لَمْ نَجِدْ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْئًا، إلَّا لِعَطَاءٍ وَحْدَهُ: فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِ عَبْدٍ لَهُ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَيَسْتَسْعِي لِلْوَرَثَةِ فِي قِيمَةِ ثُلُثَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ سَعَى فِيمَا زَادَ - وَهُوَ قَوْلُنَا - وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَإِنَّمَا وَجَدْنَا عَنْهُمْ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَنَحْنُ مَنْ لَا يُعْطِي نُصُوصَ الرِّوَايَاتِ نَصًّا مِمَّا يُحَرِّفُهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا - وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ كَثِيرًا. وَقَدْ يُمْكِنُ لَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ قَوْلٌ غَيْرُ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَقَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَأَوْقَع نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَاسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ وَالْقَطْعَ بِالظَّنِّ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُورِدُ إلَّا مَا رُوِّينَا، وَلَا نَحْكِي مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلَا نُخْبِرُ بِمَا لَمْ يَبْلُغْنَا وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا الرُّتْبَةِ الْمُهْلِكَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَسَنَذْكُرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي بَلَغَتْنَا فِي ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إثْرَ تَمَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " فِي مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فِي مَالِهِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِنَذْكُرَ مَا وَجَدْنَا عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَرِّحِينَ بِمَا قَالُوا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقٍ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمَالِيكَ لَهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أُعْتِقُوا كُلُّهُمْ، وَاسْتَسْعُوا جَمِيعُهُمْ فِيمَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ ثُلُثِ الْمُوصِي.

وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ جُزْءٍ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إلَّا مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ مِنْهُ فَقَطْ وَرَقَّ بَاقِيهِ - سَوَاءٌ حَمَلَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ أَوْ قَصُرَ عَنْهُ -. فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ مَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ إلَّا مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِمَّا أَوْصَى بِعِتْقِهِ مِنْهُ وَرَقَّ سَائِرُهُ. فَإِنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبِيدِهِ أَوْ دَبَّرَهُمْ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ فَقَطْ وَيُرَقُّ سَائِرُهُ. فَلَوْ دَبَّرَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ عَلَى رُتْبَةِ تَدْبِيرِهِ لَهُمْ، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ رَقَّ الْبَاقُونَ وَرَقَّ بَاقِي مَنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقٍ لَهُ لَا يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ قُوِّمُوا ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ مِنْهُمْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَرَقَّ سَائِرُهُمْ، وَيُرَقُّ بَاقِي مَنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - فَاقْتَصَرَ عَلَى خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَتَرَكَ خَبَرَ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الْعِتْقِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمُخَالِفٌ لِجَمِيعِ السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ لَا بِحَدِيثِ الْقُرْعَةِ الَّذِي رَوَاهُ عِمْرَانُ أَخَذَ، وَلَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَخَذَ، وَالْمُوصِي شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أُعْتِقَ، وَفِي الِاسْتِسْعَاءِ - وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَاقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ الِاسْتِسْعَاءِ وَخَالَفَ خَبَرَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ. وَاعْتَلُّوا فِي رَدِّ خَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بِأَشْيَاءَ فَاسِدَةٍ -: مِنْهَا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ تُسْتَعْمَلُ كَمَا قَضَى بِهَا عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ فِي الْوَلَدِ الَّذِي ادَّعَاهُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ فَأَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ - ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَذَبُوا، مَا نُسِخَ ذَلِكَ قَطُّ، وَكَيْفَ يُجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِهِ

وَقَدْ قَضَى بِهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْيَمَنِ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلِمَهُ، وَمَاتَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؟ فَمَنْ ذَا الَّذِي نَسَخَ ذَلِكَ؟ وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ إجْمَاعٍ يَخْرُجُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمَا وَجَدْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ إنْكَارًا لِفِعْلِ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ وَحُكْمِهِ، فَمَنْ أَكْذَبُ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الدَّعَاوَى؟ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي مُخَالَفَتِهِمْ حُكْمَ عَلِيٍّ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ثَابِتٌ صَحِيحٌ وَأَخْذُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ لَا تَصِحُّ، نُسِبَتْ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ إلْحَاقِهِ الْوَلَدَ بِأَبَوَيْنِ - وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ يُبْطِلُ ذَلِكَ. وَقَالُوا: إنَّ مَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي الْقُرْعَةِ قَدْ خَالَفَهُ فِيمَنْ بَدَأَ بِعِتْقِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فِي وَصِيَّتِهِ، فَكَذَبُوا، مَا خَالَفْنَا خَبَرَ عِمْرَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي خَبَرِ عِمْرَانَ: أَنَّهُ بَدَأَ بِالْوَصِيَّةِ بِأَسْمَائِهِمْ اسْمًا اسْمًا، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ أَنَّهُ يَقْتَضِي عِتْقَهُ لَهُمْ بِالْوَصِيَّةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً؟ فَلَمْ نَتَعَدَّ لَفْظَ الْخَبَرِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ. وَقَالُوا: وَجَدْنَا حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مُضْطَرِبًا فِيهِ، فَمَرَّةً رَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا يَتَعَلَّلُ بِهَذَا إلَّا قَلِيلُ الْحَيَاءِ -: رَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - فَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فَأُسْنِدَ وَثَبَتَ، فَأَخَذْنَا بِهِ. وَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَبَرًا وَاحِدًا مِنْ عَشْرِ طُرُقٍ، مِنْهَا صَحِيحٌ وَمِنْهَا مَدْخُولٌ، وَكُلُّ خَبَرٍ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُهُ الثِّقَةُ وَغَيْرُ الثِّقَةِ، فَيُؤْخَذُ نَقْلُ الثِّقَةِ وَيُتْرَكُ مَا عَدَاهُ. وَقَالُوا: وَجَدْنَا مُعْتِقَ عَبِيدِهِ بِالْوَصِيَّةِ قَدْ كَانَ مَالِكًا لِثُلُثِ جَمِيعِهِمْ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ عَتَقَ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْحَقِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَقَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ؟

فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمُوصِيَ بِعِتْقِ جَمِيعِهِمْ، لَمْ يُعْتِقْ قَطُّ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، إنَّمَا أَعْتَقَهُمْ جُمْلَةً، فَكَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ جَامِعًا لِبَاطِلٍ وَحَقٍّ، فَلَمْ يُمْكِنْ إنْفَاذُ ذَلِكَ وَمَعْرِفَتُهُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَمَا وَقَعَ الْعِتْقُ قَطُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ، لَكِنْ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْقُرْعَةِ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ. وَنَسْأَلُهُمْ هَاهُنَا: عَمَّنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ غَنَمِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ بِجَمِيعِ خَيْلِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ بِجَمِيعِ عَبِيدِهِ فِي أَهْلِ الْجِهَادِ فِي الثُّغُورِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، أَيُنَفِّذُونَ ذَلِكَ بِرَغْمِ الْوَرَثَةِ فَيَنْسَلِخُوا عَنْ الْإِسْلَامِ؟ أَمْ يُبْطِلُونَ وَصِيَّتَهُ فَيَفْسُقُوا؟ أَمْ يَقْسِمُونَ الثُّلُثَ لِلْوَصِيَّةِ وَالثُّلُثَيْنِ لِوَرَثَتِهِ بِالْقُرْعَةِ؟ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرُوا. وَقَالُوا: لَمَّا تَسَاوَوْا كُلُّهُمْ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِتْقِ دُونَ تَفَاضُلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَابِيَ بِإِنْفَاذِهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا اسْتَوَوْا قَطُّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ هُوَ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهِمْ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي بَعْضِهِمْ بِحَقٍّ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ، وَفِي بَعْضِهِمْ بِحَرَامٍ لَا يَحِلُّ تَنْفِيذُهُ - وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ - فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي تَمْيِيزِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْعَةِ. وَقَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عِمْرَانَ «فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ» أَيْ شَائِعَيْنِ فِي الْجَمِيعِ، كَمَا يَقُولُ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» يَعْنِي شَائِعَةً فِي الْجَمِيعِ - وَذَكَرُوا أَخْبَارًا لَا تَصِحُّ فِيهَا - فَأَعْتَقَ الثُّلُثَ؟ فَقُلْنَا: جَمَعْتُمْ فِي هَذَا الْكَذِبَ وَالْمُجَاهَرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ «وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» فَبَطَلَ مَا رُمْتُمْ إقْحَامَهُ فِي الْخَبَرِ - وَمَا كَانَتْ الشَّاةُ قَطُّ شَائِعَةً فِي الْأَرْبَعِينَ، بَلْ وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، أَيُّهَا أَعْطَى مِمَّا فِيهِ وَفَاءٌ: فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ. وَقَالُوا: هَذَا قَضَاءٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ عُمُومَ اسْمٍ يَتَنَاوَلُ مَا تَحْتَهُ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: هَلَّا قُلْتُمْ هَذَا لِأَنْفُسِكُمْ إذْ جَعَلْتُمْ الْخُطْبَةَ فَرْضًا فِي الْجُمُعَةِ - وَهُوَ فِعْلٌ لَا عُمُومُ اسْمٍ - وَإِذْ قَضَيْتُمْ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ فِي خَبَرٍ مَكْذُوبٍ ثُمَّ هُوَ فِعْلٌ وَلَيْسَ عُمُومَ اسْمٍ - لَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُمْ هَذَا إلَّا تَجْوِيرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ. وَقَالُوا: هَذَا مِنْ بَابِ الْقِمَارِ، وَالْمَيْسِرِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُفْرٌ مَكْشُوفٌ مُجَرَّدٌ مَنْ نَسَبَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَكَمَ بِالْقِمَارِ، وَالْمَيْسِرِ، وَنَحْنُ بَرَاءٌ مِنْهُ وَكَفَى؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] فَنَحْنُ حَكَّمْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا شَجَرَ بَيْنَنَا، ثُمَّ لَمْ نَجِدْ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِمَّا قَضَى وَسَلَّمْنَا تَسْلِيمًا، وَهُمْ لَمْ يُحَكِّمُوهُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ الْحَرَجَ مِمَّا قَضَى، وَلَمْ يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا - فَتَبًّا لَهُمْ وَسُحْقًا. وَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الْأُصُولِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا أَبْرَدُ مِمَّا أَتَيْتُمْ بِهِ، وَمَا عَلِمْنَا فِي الدِّينِ أُصُولًا إلَّا الْقُرْآنَ وَبَيَانَهُ، مِمَّا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ بِنَقْلِ ثِقَةٍ عَنْ مِثْلِهِ مُسْنَدًا، أَوْ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ - وَأَمَّا فَرْقُكُمْ فَضَلَالٌ وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَإِفْكٌ مُطَّرَحٌ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 1771 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ كُلِّهِ: بَطَلَ كُلُّ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْعِتْقِ جُمْلَةً، وَبِيعُوا فِي الدَّيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمُوصِي، وَأَنَّ لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ. فَصَحَّ ضَرُورَةً: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَاجِبًا لِلْغُرَمَاءِ - فَصَحَّ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِجَمِيعِ مَا تَرَكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ مَا لَا يُوصِي فِيهِ، وَأَنَّ مَا تَخَلَّفَهُ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْغُرَمَاءِ إثْرَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ غَيْرِهِ: فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَيَعْتِقُ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَمَوَّهُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيَّةِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَبْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ» وَهَذَا خَبَرٌ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ مَنْ أَعْتَقَ فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الْأَمْرُ سَوَاءٌ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَبَيْنَ فِعْلِ الْحَيِّ عِلَّةً تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَيْفَ وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ لَا يَصِحُّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَهَذَا فِيهِ أَرْبَعُ فَضَائِحَ -: إحْدَاهَا يَكْفِي -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُطْرَحٌ. وَثَالِثُهَا: عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ وَهُوَ هَالِكٌ مَتْرُوكٌ. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ - وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُحِيطُ بِمَا تَرَكَ - وَكَانَ يَفْضُلُ مِنْ الْمَمْلُوكِ فَضْلَةٌ عَنْ الدَّيْنِ - وَإِنْ قَلَّتْ - أُعْتِقَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَيَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ، ثُمَّ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِلَا اسْتِسْعَاءٍ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي حَقِّهِمْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِنْفَاذِ عِتْقِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ الْمَمْلُوكُ الْمُعْتَقُ لِشَرِيكِ مُعْتِقِهِ، وَهَذَا الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لِلْمُوصِي فِيهِ حَقٌّ - وَقَدْ شَرِكَهُ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ - فَيُعْتَقُ وَيَسْعَى.

فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَ لِلدَّيْنِ رَقَّ، وَمَنْ خَرَجَ لِلْوَصِيَّةِ عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ، إلَّا أَنْ يَشْرَعَ بَيْنَهُمْ لِلْعِتْقِ فِي مَمْلُوكٍ فَيُعْتَقَ مَا بَقِيَ مِنْهُ بِالِاسْتِسْعَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْوَصَايَا " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ

كتاب فعل المريض أو الموقوف للقتل أو الحامل أو المسافر في أموالهم

[كِتَابُ فِعْلِ الْمَرِيضِ أَوْ الْمَوْقُوفِ لِلْقَتْلِ أَوْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُسَافِرِ فِي أَمْوَالِهِمْ] كِتَابُ فِعْلِ الْمَرِيضِ مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ أَوْ الْمَوْقُوفِ لِلْقَتْلِ، أَوْ الْحَامِلِ، أَوْ الْمُسَافِرِ فِي أَمْوَالِهِمْ 1772 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَكُلُّ مَا أَنَفَذُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ هَدِيَّةٍ - أَوْ إقْرَارٍ: كَانَ كُلُّ ذَلِكَ لِوَارِثٍ، أَوْ لِغَيْرِ وَارِثٍ، أَوْ إقْرَارٍ بِوَارِثٍ، أَوْ عِتْقٍ - أَوْ قَضَاءِ بَعْضِ غَرَائِمِهِ دُونَ بَعْضٍ - كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - فَكُلُّهُ نَافِذٌ مِنْ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْأَصِحَّاءِ الْآمِنِينَ الْمُقِيمِينَ، وَلَا فَرْقَ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَوَصَايَاهُمْ كَوَصَايَا الْأَصِحَّاءِ وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَحَضُّهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِحْلَالُهُ الْبَيْعَ وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ صَحِيحًا مِنْ مَرِيضٍ، وَلَا حَامِلًا مِنْ حَائِلٍ، وَلَا آمِنًا مِنْ خَائِفٍ، وَلَا مُقِيمًا مِنْ مُسَافِرٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الصَّادِقَةِ: إنَّهُ تَعَالَى مَا أَرَادَ قَطُّ تَخْصِيصَ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَحَلَهَا جَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لَهَا: إنِّي كُنْت نَحَلْتُك جَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْغَابَةِ، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَحُزْتِيهِ كَانَ لَك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ مَالُ الْوَارِثِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ: يُعْتَقُ ثُلُثُهُ - وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجٍ - هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ جَارِيَةً لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرُهَا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تَسْعَى فِي ثَمَنِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ، فَجَاءَ الَّذِينَ بَاعُوهَا يَطْلُبُونَ ثَمَنَهَا، فَلَمْ يَجِدُوا لَهَا مَالًا، فَرَفَعُوا ذَلِكَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ لَهَا: اسْعَيْ فِي ثَمَنِك. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالَ: يُعْتَقُ وَيَسْعَى فِي الْقِيمَةِ. وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي ثَمَنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ اسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ ثَمَنِهِ - وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ مَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ ثُلُثَ عَبْدٍ لَهُ أُقِيمَ فِي ثُلُثِهِ وَعَتَقَ كُلُّهُ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَ عَبْدِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ نَفَذَ وَاسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ - وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، أَنَّهُ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ،

وَيَسْتَسْعِي فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ - وَعَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا - وَعَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَقَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ: إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُعْتَقِ دَيْنٌ أُعْتِقَ الثُّلُثُ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَمْلُوكِ الْمُعْتَقِ بِيعَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَمَا سِوَاهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَتْ السِّعَايَةُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي دَاوُد بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا غُلَامٌ فَأَعْتَقَهُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: إنَّمَا لَهُ ثُلُثُهُ؛ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ قِيمَتَهُ، فَيُسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ، فَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ يَوْمٌ وَلَهُمْ يَوْمَانِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَدْرَكْت مَوْلًى لِسَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ أَعْتَقَ ثُلُثَ رَقِيقٍ لَهُ نَحْوَ عِشْرِينَ، فَرَفَعَ أَمْرَهُمْ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَسَّمَهُمْ أَثْلَاثًا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَهُمْ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَتْقُ ثُلُثِهِمْ بِالْقُرْعَةِ وَالْقِيمَةِ. وَعَنْ مَكْحُولٍ عِتْقُ ثُلُثِهِمْ بِالْقُرْعَةِ بِالْعَدَدِ دُونَ تَقْوِيمٍ - وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي الْعِتْقِ أَقَلُّهُمْ قِيمَةً أَوْ أَكْثَرُهُمْ - يَنْفُذُ عِتْقُهُ. فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرَى الْقُرْعَةَ أَصْلًا، وَلَا الْإِرْقَاقَ، لَكِنْ يُعْتَقُ الثُّلُثُ بِلَا اسْتِسْعَاءٍ، وَيُعْتَقُ الثُّلُثَانِ بِالِاسْتِسْعَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ بَتًّا أَعْتَقَ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ وَالْقِيمَةِ، وَرَقَّ الثُّلُثَانِ، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ بِأَسْمَائِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ عَبِيدًا لَهُ بَتْلًا - وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ - فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا -: أَعْتَقَ مَنْ سَمَّى أَوَّلًا فَأَوَّلًا، فَإِذَا تَمَّ الثُّلُثُ بِالْقِيمَةِ رَقَّ الْبَاقُونَ، وَإِنْ شَرَعَ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ كَانَ بَاقِيهِ رَقِيقًا - وَإِنْ كَانَ أَعْتَقَهُمْ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُوِّمُوا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ الثُّلُثُ وَرَقَّ الثُّلُثَانِ، كَمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا فَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ. وَأَمَّا مَا سِوَى الْعِتْقِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَهُوَ مَرِيضٌ قَالَ: هُوَ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ مَكَثَ عَشْرَ سِنِينَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَكَانَ يَرَى مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا وَصِيَّةً مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ، وَجَرِيرٌ، كِلَاهُمَا عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ جَرِيرٌ فِي رِوَايَتِهِ: إذَا أَعْطَى الرَّجُلُ الْعَطِيَّةَ حِينَ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِلسَّفَرِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مِنْ السَّفَرِ، وَقَالَ هُشَيْمٌ فِي رِوَايَتِهِ: إذَا وَضَعَ الْمُسَافِرُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ فَمَا صَنَعَ فِي شَيْءٍ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَطَاءٌ: مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ. قُلْت لِعَطَاءٍ: أَرَأْيٌ أَمْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمِعْنَاهُ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: مَا أَعْطَتْ الْحَامِلُ فَثُلُثُهُ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِبَعْضِ مَنْ يَرِثُهَا فِي غَيْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً. وَبِهِ إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ جَابِرٌ: لِلْحَامِلِ مَا أَعْطَتْ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا. قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ: يَجُوزُ عَطَاؤُهَا مَا لَمْ تَثْقُلْ أَوْ يَحْضُرْهَا نِفَاسٌ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْخَوْلَانِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَسْجُونٍ فِي قَتْلٍ أَوْ فِي جُرْحٍ أَوْ خَرَجَ إلَى صَفٍّ أَوْ يُعَذَّبُ. أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ لِلْمُوصِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْحَامِلُ إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ فَوَصِيَّتُهَا - يَعْنِي أَنَّ فِعْلَهَا - مِنْ الثُّلُثِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَمَكْحُولٍ: أَنَّ فِعْلَ الْحَامِلِ مِنْ رَأْسِ مَالِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا أَعْطَاهُ الْغَازِي فَمِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَا لَمْ تَقَعْ الْمُسَايَفَةُ. وَعَنْ الْحَسَنِ فِي الْمَحْبُوسِ: أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ الطَّاعُونُ: إنَّ عَطِيَّتَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَقَالَ مَكْحُولٌ كَذَلِكَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ الْبَحْرُ. فَهَذِهِ أَقْوَالُ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ. أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَرُوِيَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا - عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْعِتْقِ فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُسَافِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَفِي الْغَازِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَخَالَفَهُمَا إبْرَاهِيمُ، وَمَكْحُولٌ مَا لَمْ تَقَعْ الْمُسَايَفَةُ. وَفِي الْمَرِيضِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَفِي الْحَامِلِ عَنْ عَطَاءٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ - وَخَالَفَهُمْ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ - وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ.

وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ مَا لَمْ تَثْقُلْ، وَفِي الْمَسْجُونِ عَنْ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَخَالَفَهُمَا إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَنْ مَكْحُولٍ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ إذَا هَالَ الْبَحْرُ. وَرُوِيَ خِلَافُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِي مَنَامِهَا فِيمَا يَرَى النَّائِمُ: أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقْبَلَتْ عَلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَتَعَلَّمَتْهُ، وَشَذَّبَتْ مَالَهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَخَلَتْ عَلَى جَارَاتِهَا فَجَعَلَتْ تَقُولُ: يَا فُلَانَةُ اسْتَوْدَعْتُك اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ فَجَعَلْنَ يَقُلْنَ لَهَا: لَا تَمُوتِينَ الْيَوْمَ، لَا تَمُوتِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ فَسَأَلَ زَوْجُهَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَيُّ امْرَأَةٍ كَانَتْ امْرَأَتُك؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحْرَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مِنْهَا إلَّا الشَّهِيدَ، وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هِيَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ وَهِيَ صَحِيحَةٌ؟ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَبُو مُوسَى. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلًا رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ: أَنَّهُ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَطَلَّقَ نِسَاءَهُ تَطْلِيقَةً تَطْلِيقَةً، وَقَسَّمَ مَالَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَجَاءَك الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِك فَأَخْبَرَك أَنَّك تَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَطَلَّقْت نِسَاءَك وَقَسَمْت مَالَك رُدَّهُ وَلَوْ مِتّ لَرَجَمْت قَبْرَك كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالَ؟ فَرَدَّ مَالَهُ وَنِسَاءَهُ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاك تَلْبَثُ إلَّا يَسِيرًا؟ قَالَ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِلَّهِ فِي مَرَضِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: أُجِيزُهُ، شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لَا أَرُدُّهُ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: أُجِيزُ ثُلُثَهُ وَاسْتَسْعِيهِ فِي ثُلُثَيْهِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ مَسْرُوقٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْفُتْيَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْقَضَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ إذَا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فَلَا أَحَدَ أَحَقَّ بِمَالِهِ مِنْهُ، وَإِذَا أَعْطَى الْوَرَثَةَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ

طَعَنَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَالَ: إذَا أَبْرَأَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَرَضِهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا يَجُوزُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُجِيزُ فِعْلَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ فِي أَشَدِّ حَالٍ مِنْ الْمَرِيضِ - هِيَ أَيْضًا ذَاتُ زَوْجٍ غَيْرِ رَاضٍ بِمَا فَعَلَتْ فِي مَالِهَا كُلِّهِ. وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَدَّ فِعْلَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يُجِزْ مِثْلَهُ لَا ثُلُثًا وَلَا غَيْرَهُ - وَهَذَا مَسْرُوقٌ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ يُنَفِّذُ مَا فَعَلَهُ الْمَرِيضُ فِي مَالِهِ كُلِّهِ مُتَقَرِّبًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّعْبِيُّ فِي الْفُتْيَا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ جَوَازُ فِعْلِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ -: فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ غُرَمَاءَهُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ - وَأَمَّا مُحَابَاتُهُ فِي الْبَيْعِ، وَهِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ، وَعِتْقُهُ - كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَقَ يُسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، قَالَ: فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ: جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إذَا ضَرَبَهَا وَجَعُ الطَّلْقِ وَمَا لَمْ يَضْرِبْهَا: فَكَالصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهَا، وَالْوَاقِفُ فِي الصَّفِّ فَكَالصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ قُتِلَ أَوْ عَاشَ، قَالَ: وَاَلَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ فِي زِنًى كَالْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ - قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ؟ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ لَمْ يَرِثْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: بَلْ يَرِثُهُ إلَّا أَنَّهُ يَسْعَى فِيمَا يَقَعُ مِنْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُونَهُ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ الْمُخِيفِ، كَحُمَّى الصَّالِبِ، وَالْبِرْسَامِ، وَالْبَطْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - وَأَمَّا الْجُذَامُ، وَحُمَّى الرُّبْعِ، وَالسُّلُّ، وَمَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي مَرَضِهِ فَأَفْعَالُهُ كَالصَّحِيحِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ. قَالُوا: وَالْحَامِلُ مَا لَمْ تَتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَكَالصَّحِيحِ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا، فَأَفْعَالُهَا فِي مَالِهَا مِنْ الثُّلُثِ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. قَالَ: وَالْمَرِيضُ، وَالزَّاحِفُ فِي الْقِتَالِ - صَدَقَتُهُمَا، وَمُحَابَاتُهُمَا فِي الْبَيْعِ

وَهِبَتُهُمَا، وَعِتْقُهُمَا فِي الثُّلُثِ - وَقَالَ فِيمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ وَفِي صِفَةِ الْمَرَضِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ غُرَمَاءَهُ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَقَالَا جَمِيعًا فِي الْحَامِلِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَفْعَالِ الْمَرِيضِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَكَذَلِكَ فِي صِفَةِ الْمَرِيضِ. وَقَالَ فِي الْأَسِيرِ يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ، وَالْمُقْتَحِمِ فِي الْقِتَالِ، وَمَنْ كَانَ فِي أَيْدِي قَوْمٍ يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى مَرَّةً أَنَّهُمْ كَالْمَرِيضِ، وَمَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُمْ كَالصَّحِيحِ، إذْ قَدْ يَسْلَمُونَ مِنْ الْقَتْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالثَّوْرِيُّ: إذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ فَأَفْعَالُهُمْ كَالْمَرِيضِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: أَفْعَالُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: أَفْعَالُ الْمَرِيضِ كُلُّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ كَالصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا - حَاشَ عِتْقِ الْمَرِيضِ وَحْدَهُ - فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ أَفَاقَ أَوْ مَاتَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: فِيمَنْ يَشْتَرِي ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ فَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُمَا، بَلْ قَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ مَالِ أَبِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَرِثُ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ - وَإِنَّ فِي قَوْلِهِمَا هَذَا لَأُعْجُوبَةً، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو شِرَاؤُهُ لِابْنِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ لَا يَكُونَ وَصِيَّةً، فَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً فَلَا يَجِبُ أَنْ يَرِثَ أَصْلًا حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَصِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَلَا فَرْقَ، وَإِنَّ قَوْلَهُمَا هَاهُنَا لَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ - فِي الْحَامِلِ فَقَوْلٌ أَيْضًا لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} [الأعراف: 189] . فَقُلْنَا: يَا هَؤُلَاءِ، وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ الْإِثْقَالَ هُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ إثْقَالٌ، لَا مَا قَبْلَهُ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ مَنْعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهَا إذَا أَثْقَلَتْ؟

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَمْرَاضِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ صَاحِبٍ وَلَا تَابِعٍ أَصْلًا، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ، فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُ أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا نَظَرٍ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً ادَّعَى عَلَيْهِمْ خِلَافَ إجْمَاعِ كُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَكَانَ أَقْرَبَ إلَى الصِّدْقِ مِنْ دَعْوَاهُمْ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ فِيمَا قَدْ صَحَّ فِيهِ الْخِلَافُ، كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ. فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ سَوَاءٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الثُّلُثِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا مِنْ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ سَوَاءً، فَهَذَا قِيَاسٌ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِمْ. وَقَالُوا: نَتَّهِمُهُ بِالْفِرَارِ بِمَالِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ. فَقُلْنَا: الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ يَمُوتُ الْوَارِثُ قَبْلَهُ فَيَرِثُهُ الْمَرِيضُ فَهَذَا مُمْكِنٌ - وَأَيْضًا: فَإِذْ لَيْسَ إلَّا التُّهْمَةُ فَامْنَعُوا الصَّحِيحَ أَيْضًا مِنْ أَكْثَرِ ثُلُثِ مَالِهِ، وَاتَّهِمُوهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَفِرُّ بِمَالِهِ عَنْ وَرَثَتِهِ، فَجَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ وَيَرِثُوهُ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَرِيضِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَمُوتَ الْوَارِثُ فَيَرِثَهُ الْمَرِيضُ كَمَا يَرِثُهُ الصَّحِيحُ وَلَا فَرْقَ، وَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ يَمُوتُ قَبْلَ مَرِيضٍ. وَأَيْضًا: فَاتَّهِمُوا الشَّيْخَ الَّذِي قَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ وَامْنَعُوهُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لِئَلَّا يَفِرَّ بِمَالِهِ عَنْ وَرَثَتِهِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: قَدْ يَعِيشُ أَعْوَامًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَبْرَأُ الْمَرِيضُ فَيَعِيشُ عَشَرَاتِ أَعْوَامٍ، وَإِذْ لَيْسَ إلَّا التُّهْمَةُ، فَلَا تَتَّهِمُوا مَنْ يَرِثُهُ وَلَدُهُ فَاجْعَلُوا فِعْلَهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَاتَّهِمُوا مَنْ يَرِثُهُ عَصَبَتُهُ فَلَا تُطْلِقُوا لَهُ الثُّلُثَ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا خِلَافُ النَّصِّ؟ قُلْنَا: وَفِعْلُكُمْ خِلَافُ النَّصِّ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يُحِبُّهُ الْمَرْءُ مِنْ مَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254] وَقَالَ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] . وَالْمَرِيضُ أَحْوَجُ مَا كَانَ إلَى ذَلِكَ.

«وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: جُهْدُ الْمُقِلِّ» . فَإِنْ قَالُوا: قَدْ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى لَا أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ؟» . قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَقٌّ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَفَاضُلُ الصَّدَقَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ مَرَضٍ، وَأَيْقَنَ بِالْمَوْتِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ، وَلَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَنْ مَالِ الْمَرِيضِ لِمَنْ أَلَهُ أَمْ لِلْوَرَثَةِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ لَهُ كَمَا هُوَ لِلصَّحِيحِ. قُلْنَا: فَلِمَ تَمْنَعُونَهُ مَالَهُ دُونَ أَنْ تَمْنَعُوا الصَّحِيحَ، وَهَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ. وَلَوْ قَالُوا: بَلْ هُوَ لِلْوَرَثَةِ. لَقَالُوا الْبَاطِلَ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا لَقُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْمَرِيضِ لَحُدَّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا حَلَّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ هُوَ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَرَثَةِ. وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَطْلَقُوا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ، وَيَلْبَسَ مَا شَاءَ؛ وَيُنْفِقَ عَلَى مَنْ إلَيْهِ مِنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ. وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَنَعُوهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً وَتَعَرِّيهِ عَنْ أَنْ يُوجَدَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ عَنْ نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ، وَقَدْ خَالَفُوا بَعْضَهُمْ فِي قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، كَخِلَافِهِمْ لِلشَّعْبِيِّ فِي فِعْلِ الْمُسَافِرِ فِي مَالِهِ وَغَيْرِ

ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الشَّعْبِيَّ أَقْوَى حُجَّةً مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» . وَرُوِيَ أَيْضًا «الْمُسَافِرُ وَرَحْلُهُ عَلَى قَلَتٍ إلَّا مَا وَقَى اللَّهُ» . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَوَجَدْنَاهُمْ يُشَنِّعُونَ بِآثَارٍ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى -: مِنْهَا - الْأَثَرُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ فِي بَابِ تَبْدِئَةِ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ «لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُدَغْدِغُ مَالَهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا» ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالْحَقِّ فِي الْمَالِ. وَمِنْهَا: مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ رَحْمَةً لَكُمْ وَزِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ وَحَسَنَاتِكُمْ» . نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِالثُّلُثِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ» .

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: سَمِعْت " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَعَلْتُ لَكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى: جَعَلْتُ لَكَ طَائِفَةً مِنْ مَالِكَ عِنْدَ مَوْتِكَ أَرْحَمُكَ بِهِ» ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَصْلًا -: أَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ: فَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الشَّامِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَمِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَالْآخَرَانِ مُرْسَلَانِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا عِنْدَ مَوْتِنَا ثُلُثَ أَمْوَالِنَا، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ بِلَا شَكٍّ الْوَصِيَّةُ الَّتِي لَا تُنَفَّذُ أَلْبَتَّةَ إلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ ذِكْرٌ لِلْمَرَضِ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَا. وَنَسْأَلُهُمْ: عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِثُلُثَيْ مَالِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَاتَ بَغْتَةً إثْرَ ذَلِكَ. أَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَ مَمَالِيكِهِ كَذَلِكَ أَيْضًا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. فَنَقُولُ لَهُمْ: قَدْ خَالَفْتُمْ جَمِيعَ هَذِهِ الْآثَارِ لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ أَنَّهُ أَيْقَنَ بِأَنَّهُ يَمُوتُ إذَا أَعْتَقَ أَعْبُدَهُ، إنَّمَا فِيهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ - فَظَهَرَ خِلَافُهُمْ لِلْآثَارِ كُلِّهَا. وَمِنْهَا - الْخَبَرُ الصَّحِيحُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ «عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا، قُلْت: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:

الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِسَعْدٍ يَوْمَئِذٍ وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلِّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ. وَبِلَفْظَةِ " الصَّدَقَةِ " فَقَالُوا: فَقَدْ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّدَقَةِ فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ «قَالَ سَعْدٌ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَبِشَطْرِ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَبِثُلُثِ مَالِي؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ قَالَ: نا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ " قَالَ: «قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأُوصِي بِالشَّطْرِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ أُوصِي؟ قَالَ: الثُّلُثُ: وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ سَعْدٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ عَنْ مَقَامٍ وَاحِدٍ - فَصَحَّ أَنَّ لَفْظَةَ " الصَّدَقَةِ " الَّتِي رَوَاهَا: مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا مَعْنَاهَا الْوَصِيَّةُ. كَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ - وَمَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ دُون مَالِكٍ - وَسُفْيَانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَ مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَلَى لَفْظَةِ " أُوصِي " وَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَمَاعَةُ الْإِثْبَاتِ. كَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ

عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَعَنْ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، كُلِّهِمْ عَنْ سَعْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، كُلُّهُمْ يَذْكُرُ نَصًّا: أَنَّ سَعْدًا إنَّمَا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يُوصِي بِهِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّهُمْ إنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ صَاحِبُهُ، لَا الَّذِي يَبْرَأُ مِنْهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّ سَعْدًا سَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ " قَالَ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إلَّا أَخْبَرَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ هُوَ هَزَمَ عَسَاكِرَ الْفُرْسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَافْتَتَحَ

مَدِينَةِ كِسْرَى فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ مِنْ أَكْبَرِ ذَلِكَ وَأَهَمِّهِ وَأَعَمِّهِ فَتْحًا فِي الْإِسْلَامِ. وَهَذَا قَدْ أَنْذَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذْ قَالَ لَهُ: لَعَلَّك سَتُخَلِّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِي نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا الْآنَ إسْنَادُهُ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ يَوْمَئِذٍ: إنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَرِيضِ - مَاتَ أَوْ عَاشَ - فَثَبَتَ يَقِينًا ضَرُورِيًّا: أَنَّ صَدَقَةَ الْمَرِيضِ خَارِجَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، لَا مِنْ ثُلُثِهِ بِنَصِّ حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَطَلَ مَا خَالَفَ هَذَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَأَوْضَحَ حُجَّةً لِقَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْلِهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِيرَادُهُمْ إيَّاهُ فَضِيحَةُ الدَّهْرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ هِبَةِ الْمَرِيضِ ذِكْرٌ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا كَانَ نَحَلَهَا ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ جِدَادُهَا لِذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَغِبَ إلَيْهَا فِي رَدِّ تِلْكَ النِّحْلَةِ بِرِضَاهَا. فَكَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَ وَعْدًا بِمَجْهُولٍ لَا يُدْرَى مِنْ كَمْ مِنْ نَخْلَةٍ تَجِدُ الْعِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَا مِنْ أَيِّ تِلْكَ النَّخْلِ تَجِدُ؟ فَسَقَطَتْ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إلَّا الْعِتْقَ فَإِنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا. فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الصَّحِيحَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كِلَاهُمَا: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ

مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، كُلِّهِمْ: عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَسَمَاعُ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ صَحِيحٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَلَا لِلْمَالِكِيِّينَ - وَلَا لِلشَّافِعِيِّينَ: الْحُجَّةُ بِهِ أَصْلًا، فِيمَا عَدَا الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ كُلُّهُ. كَمَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ خَاصَّةً: لَا إلَى صَدَقَةٍ، وَلَا إلَى إنْفَاقٍ، وَلَا إلَى إصْدَاقٍ، وَلَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ قَدْ خَالَفُوا نَصَّهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ أَثَرٌ، وَهَذَا عَارٌ جِدًّا. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا: فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مَرِيضًا، وَإِنَّمَا فِيهِ «عِنْدَ مَوْتِهِ» وَقَدْ يَفْجَأُ الْمَوْتُ الصَّحِيحَ فَيُوقِنُ بِهِ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَرَضِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لِلسِّتَّةِ الْأَعْبُدِ إنَّمَا كَانَ وَصِيَّةً -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: هُوَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخَبَرَ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا حَقًّا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ عِتْقٌ فِي عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، يُنَفَّذُ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقِ مَا وَقَعَ فِيمَنْ بِهِ عَنْهُ غِنًى، وَيَبْطُلُ فِي مِقْدَارِ مَا لَا غِنًى بِهِ عَنْهُ. فَلَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لَكَانَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَحَقَّ بِظَاهِرِهِ، وَأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجَازَ لِلْمَرِيضِ ثُلُثَ مَالِهِ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ - عَلَى هَذَا أَصْلًا.

فَبَطَلَ تَعَلُّقُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً، وَصَحَّ قَوْلُنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ السَّاقِطُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَ مِنْهُ الثُّلُثَ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ» ، فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ - وَلَوْ صَحَّ - كَالْقَوْلِ فِي خَبَرِ عِمْرَانَ، فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَعَنْ مَجْهُولٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فَبَاطِلٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ لِأَبِيهِ إذْ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ ابْنُهُ؟ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - أَوْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ: فَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - ثُمَّ هِيَ مُرْسَلَةٌ، لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً - فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُ قَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

مسألة المسلم يبيت ليلتين ليس في عنقه للإمام بيعة

[مَسْأَلَة الْمُسْلِم يبيت ليلتين لَيْسَ فِي عنقه للإمام بيعة] كِتَابُ الْإِمَامَةِ 1773 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ لِإِمَامٍ بَيْعَةٌ لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نا أَبِي قَالَ: نا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَاتَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَ الْخِلَافَةَ شُورَى فِي سِتَّةِ نَفَرٍ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَشَاوَرُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَيِّهِمْ يُوَلَّى. قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَخْلَفَ أَحَدَهُمْ - وَهُوَ الَّذِي يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ - فَعُثْمَانُ هُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ حِينِ مَوْتِ عُمَرَ وَالنَّاسُ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَعُدَ عَنْ بَلَدِ الْخَلِيفَةِ فَلَمْ يَعْلَمْهُ بِاسْمِهِ وَلَا بِعَيْنِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَهُوَ مُعْتَقِدٌ لِإِمَامَتِهِ وَبَيْعَتِهِ - وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِاسْمِهِ وَلَا بِنَسَبِهِ وَلَا بِعَيْنِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة لَا تَحِلُّ الْخِلَافَةُ إلَّا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ] 1774 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَحِلُّ الْخِلَافَةُ إلَّا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ صَلِيبَةً، مِنْ وَلَدِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ.

وَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِ بَالِغٍ - وَإِنْ كَانَ قُرَشِيًّا - وَلَا لِحَلِيفٍ لَهُمْ، وَلَا لِمَوْلًى لَهُمْ، وَلَا لِمَنْ أُمُّهُ مِنْهُمْ وَأَبُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: نا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبُ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إلَّا أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ - وَإِنْ كَانَا بِلَفْظِ الْخَبَرِ - فَهُمَا أَمْرٌ صَحِيحٌ مُؤَكَّدٌ، إذْ لَوْ جَازَ أَنْ يُوجَدَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ لَكَانَ تَكْذِيبًا لِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ تَسَمَّى بِالْأَمْرِ وَالْخِلَافَةِ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فَلَيْسَ خَلِيفَةً، وَلَا إمَامًا وَلَا مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، وَلَا أَمْرَ لَهُ -: فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، هُوَ وَكُلُّ مَنْ سَاعَدَهُ أَوْ رَضِيَ أَمْرَهُ، لِتَعَدِّيهِمْ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَنْ كَانَ حَلِيفًا أَوْ مَوْلًى أَوْ أَبُوهُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ: فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ بِيَقِينِ الْحِسِّ وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِمْ لِاسْتِضَافَتِهِ إلَيْهِمْ، وَإِذْ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا عَلَى جِهَةٍ، وَلَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْأَمْرِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَالْمَرْأَةُ، فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ «الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ» . وَلِأَنَّ عُقُودَ الْإِسْلَامِ إلَى الْخَلِيفَةِ - وَلَا عَقْدَ لِغُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ وَلَا عَقْدَ عَلَيْهِ. وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا وُهَيْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ

مسألة لا يحل أن يكون في الدنيا إلا إمام واحد

عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ» " [مَسْأَلَة لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إلَّا إمَامٌ وَاحِدٌ] 1775 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إلَّا إمَامٌ وَاحِدٌ، وَالْأَمْرُ لِلْأَوَّلِ بَيْعَةٌ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا سَمِعَ جَرِيرًا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ " إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطْعِمْهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَرْفَجَةَ - هُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

«إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتِهِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» . وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» . [مَسْأَلَة الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ] 1776 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إنْ قَدَرَ بِيَدِهِ فَبِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ وَلَا بُدَّ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا إيمَانَ لَهُ. وَمَنْ خَافَ الْقَتْلَ أَوْ الضَّرْبَ، أَوْ ذَهَابَ الْمَالِ، فَهُوَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ بِقَلْبِهِ فَقَطْ وَيَسْكُتَ عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَطْ. وَلَا يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ: الْعَوْنُ بِلِسَانٍ، أَوْ بِيَدٍ عَلَى تَصْوِيبِ الْمُنْكَرِ أَصْلًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات: 9] . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلَمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا الْأَعْمَشُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ طَارِقٌ، وَرَجَاءٌ، كِلَاهُمَا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالُوا كُلُّهُمْ: نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ الْحَارِثِ هُوَ ابْنُ الْفُضَيْلِ الْخِطْمِيُّ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ يَحْدُثُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» . نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» . وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ

مسألة صفة الإمام

نا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ رَهْطِهِ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً فَسَلَحْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ سَيْفًا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَوْ رَأَيْتَ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَعْجَزْتُمْ إذْ بَعَثْتُ رَجُلًا فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي» ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عُقْبَةُ صَحِيحُ الصُّحْبَةِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْهُ صَاحِبٌ - وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ - فَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ، فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ صُحْبَتِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَالَتِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] . قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلِّ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَكُلِّ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَكُلِّ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ - وَكُلِّ مَنْ قَامَ فِي الْحَرَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا الْأَحَادِيثُ نَاسِخَةٌ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا خِلَافُ هَذَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ مُوَافِقَةٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّينُ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ بَاقٍ مُفْتَرَضٌ لَمْ يُنْسَخْ، فَهُوَ النَّاسِخُ لِخِلَافِهِ بِلَا شَكٍّ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ الْإِمَامِ] 1777 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ، مُسْتَتِرًا بِالصَّغَائِرِ، عَالِمًا بِمَا يَخُصُّهُ، حَسَنُ السِّيَاسَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي كُلِّفَ - وَلَا مَعْنَى لَأَنْ يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ غَايَةَ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، فَإِنْ قَامَ عَلَى الْإِمَامِ الْقُرَشِيِّ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ، أَوْ دُونَهُ: قُوتِلُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِزًا.

فَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَقَامَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ دُونُهُ: قُوتِلَ مَعَهُ الْقَائِمُ، لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ زَائِدٌ ظَهَرَ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ أَعْدَلُ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يُقَاتَلَ مَعَ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ مُنْكَرٍ. وَأَمَّا الْجَوَرَةُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَاتَلَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ مُنْكَرٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ أَقَلَّ جَوْرًا فَيُقَاتَلُ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَجْوَرُ مِنْهُ، لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الأقضية

[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ الْحُكْمُ إلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى] ِ 1778 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْحُكْمُ إلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْحَقُّ وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ لَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ وَيُفْسَخُ أَبَدًا إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَقَالَ تَعَالَى: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 2] وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَالظُّلْمُ لَا يَحِلُّ إقْرَارُهُ، وَالْخَطَأُ لَا يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ. [مَسْأَلَة مَا يَجِب فِيمَنْ يلي الْقَضَاء] 1779 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَالْحُكْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ: إلَّا مُسْلِمٌ، بَالِغٌ، عَاقِلٌ، عَالِمٌ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَاسِخِ كُلِّ ذَلِكَ، وَمَنْسُوخِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ النُّصُوصِ مَخْصُوصًا بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ.

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ إلَّا بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِجَهْلِهِ بِالْحُكْمِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ يُشَاوِرَ مَنْ يَرَى أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا ثُمَّ يَحْكُمَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَفْتَاهُ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] فَمَنْ أَخَذَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَقَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَعَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

مسألة فيما يجب الحكم به

وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ مِنْ الْعَامَّةِ تَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ فَيَسْأَلُ مَنْ يُوصِفُ لَهُ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَنَّ الْعَامِّيَّ مُكَلَّفٌ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ عَمَلًا مَا قَدْ افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْسَحْ لَهُ فِي إهْمَالِهِ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغَ فِي ذَلِكَ حَيْثُ بَلَغَ وُسْعُهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَبِضِدِّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ مَا لَا يَدْرِي مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. [مَسْأَلَة فِيمَا يَجِب الْحُكْمِ بِهِ] 1780 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِقِيَاسٍ، وَلَا بِالرَّأْيِ وَلَا بِالِاسْتِحْسَانِ وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَنْ يُوَافِقَ قُرْآنًا أَوْ سُنَّةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُكْمٌ بِغَالِبِ الظَّنِّ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ فِي أَخْذِكُمْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُتَّبِعُونَ لِلظَّنِّ. قُلْنَا: كَلًّا، بَلْ لِلْحَقِّ الْمُتَيَقَّنِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ فِي الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ حَاكِمُونَ بِالظَّنِّ. قُلْنَا: كَلًّا، بَلْ بِيَقِينٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِذَلِكَ نَصًّا وَمَا عَلَيْنَا مِنْ مَغِيبِ الْأَمْرِ شَيْءٌ إذْ لَمْ نُكَلَّفْهُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مَا أَوْجَبَهُ الْقِيَاسُ، أَوْ مَا قِيلَ بِرَأْيٍ أَوْ اسْتِحْسَانٍ أَوْ تَقْلِيدِ قَائِلٍ مِنْ أَحَدِ، أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ لَا رَابِعَ لَهَا ضَرُورَةً -: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِقُرْآنٍ أَوْ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا إنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالسُّنَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِطَلَبِ قِيَاسٍ، أَوْ رَأْيٍ، أَوْ قَوْلِ قَائِلٍ مُوَافِقٍ لِذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا حَتَّى يُوَافِقَ ذَلِكَ قِيَاسٌ، أَوْ رَأْيٌ، أَوْ قَوْلُ قَائِلٍ فَقَدْ انْسَلَخَ عَنْ الْإِيمَانِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَهَذَا الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا شَجَرَ عِنْدَهُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ إلَّا حَتَّى وَافَقَهُ قِيَاسٌ أَوْ رَأْيٌ، أَوْ قَوْلُ قَائِلٍ فَلَمْ يُحَكِّمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا سَلَّمَ لَهُ تَسْلِيمًا، بَلْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَوَرَبِّنَا مَا آمَنَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ أَوْ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا الضَّلَالُ الْمُتَيَقَّنُ، وَخِلَافُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَا نَحْتَاجُ أَنْ نُطَوِّلَ فِي هَذَا مَعَ مُسْلِمٍ. قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] . وَإِمَّا أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يُوَافِقُهُ نَصًّا وَلَا مَا يُخَالِفُهُ، فَهَذَا مَعْدُومٌ مِنْ الْعَالِمِ وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ. قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] . وَقَالَ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعُونِي مَا تَرَكَتْكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ

مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاتْرُكُوهُ» . فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ حُكْمٌ أَبَدًا عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ فَرْضًا مَا اسْتَطَعْنَا مِنْهُ أَوْ يَنْهَى عَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ حَرَامًا، أَوْ لَا يَكُونُ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ فَهُوَ مُبَاحٌ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، وَبَطَلَ أَنْ تَنْزِلَ نَازِلَةٌ فِي الدِّينِ لَا حُكْمَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ - وَلَوْ وُجِدَتْ - وَقَدْ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُوجَدَ -: لَكَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُشَرِّعَ فِيهَا حُكْمًا دَاخِلًا فِي الدِّينِ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى إذْ قَوْله تَعَالَى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] . فَإِنْ قَالُوا: نَحْكُمُ فَهَا بِحُكْمٍ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؟ قُلْنَا: وَأَيْنَ أَمَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا؟ وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ فِي الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، اعْتَبِرُوا مَعْنَاهُ اعْجَبُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} [النحل: 66] ، وَمَا فَهِمَ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ " {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] اُحْكُمُوا لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ، وَهَذَا هُوَ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَمْ يَقُلْهُ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] . قُلْنَا: نَعَمْ، فِيمَا أُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، لَا فِي شَرْعِ الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي إسْقَاطِ فَرْضٍ فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي إبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي إيجَابِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7] . فَصَحَّ أَنَّ الْأَخْذَ بِرَأْيِهِمْ لَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ إلَّا حَيْثُ صَحَّحَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّمَا صَحَّ طَاعَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا اتِّبَاعًا لِمَنْ أَشَارَ بِهِ - ثُمَّ كُلُّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنْ آيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فِيهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِي أَمْرِ كَذَا بِكَذَا مِنْ أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، أَوْ كَمَا حَكَمَ فِي أَمْرِ كَذَا.

قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ كَمَا هُوَ. وَكُلَّمَا أَرَدْتُمْ أَنْ تُشَرِّعُوا أَنْتُمْ فِيهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِحُكْمٍ آخَرَ دُونَ نَصٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ بَحْتٌ لَا يَحِلُّ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ أَشْيَاءَ أُخَرَ، وَلَا أَنْ يُوجِبَ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ أَشْيَاءَ أُخَرَ -: فَهَذَا كُلُّهُ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ ادَّعَوْا فِي جَوَازِ ذَلِكَ إجْمَاعًا. قُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ وَالْبَهْتُ، بَلْ الْإِجْمَاعُ قَدْ صَحَّ عَلَى بُطْلَانِ كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى تَصْدِيقِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] . وَعَلَى تَصْدِيقِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] . وَفِي هَذَا بُطْلَانُ الْحُكْمِ بِمَا عَدَا الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةَ. ثُمَّ نَقَضَ مَنْ نَقَضَ فَأَخْطَأَ قَاصِدًا إلَى الْخَيْرِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ أَلْبَتَّةَ إلَى وُجُودِ حُكْمٍ طُولَ مُدَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِيَاسٍ أَصْلًا، وَلَا بِرَأْيٍ أَلْبَتَّةَ، وَكُلُّ شَرْعٍ حَدَثَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ هُوَ بِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ أَلْبَتَّةَ، قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَمَا كَمُلَ فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُزَادَ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَا سَبِيلَ أَلْبَتَّةَ إلَى أَنْ يُوجَدَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْأَمْرُ بِالْقِيَاسِ فِي الدِّينِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَبَدًا. وَأَيْضًا - فَمُدَّعِي الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا لَا يَتَيَقَّنُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَقَدْ عَرَفَهُ وَقَالَ بِهِ: كَاذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ آمَنُوا، وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ صَحَابَةٌ وَفُضَلَاءُ، فَمَنْ لِهَذَا الْمُدَّعِي بِالْبَاطِلِ بِإِجْمَاعِ أُولَئِكَ، فَكَيْفَ وَإِحْصَاءُ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا تُحْصَرُ إلَّا حَيْثُ لَا يُشَكُّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَقَدْ عَرَفَهُ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، وَمَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ -:

مسألة قضاء القاضي وهو غضبان

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ: حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ حُمَامٌ: نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، وَقَالَ يَحْيَى: نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ، وَعَبَّاسٌ، قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ أَبِي فَذَكَرَهُ [مَسْأَلَة قَضَاء الْقَاضِي وَهُوَ غضبان] . 1781 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» . [مَسْأَلَة الْوَكَالَة عِنْد الْحُكْمِ] 1782 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا عَلَى جَلْبِ الْبَيِّنَةِ، وَعَلَى طَلَبِ الْحَقِّ، وَعَلَى تَقَاضِيهِ، وَعَلَى تَقَاضِي الْيَمِينِ -: لِأَنَّ كُلَّ هَذَا بِيَدِ الْوَكِيلِ مَقَامُ يَدِ الْمُوَكِّلِ. وَقَدْ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ لِقَبْضِ حَقِّ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ» ، وَقَالَ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَمِنْ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ طَلَبُ حَقِّ كُلِّ ذِي حَقٍّ. [مَسْأَلَة التَّوْكِيلُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ] 1783 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ أَصْلًا، وَلَا يُقْبَلُ إنْكَارُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا إقْرَارُ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ نَفْسِهِ أَوْ إنْكَارِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنْ لَا يُصَدَّقَ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا عَلَى حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَقَطْ، ثُمَّ نَقَضَ مَنْ نَقَضَ فَأَنْفَذَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَأَخَذَهُ بِهِ فِي الدَّمِ، وَالْمَالِ، وَالْفَرْجِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُوقَنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ، وَلَا جَازَ وَلَا عُرِفَ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ

مسألة القضاء على الغائب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي عَصْرِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ حَقًّا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَخِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ] 1784 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ كَمَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْأَرْضِينَ، وَالدُّورِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا غَيْبَةً طَوِيلَةً - قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَمَا بَيْنَ مِصْرَ وَالْأَنْدَلُسِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ عَقَارِ غَيْرِهِ إلَّا كَاَلَّذِي حَرَّمَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ وَلَا فَرْقَ، بَلْ الْعَقَارُ كَانَ أَوْلَى فِي الرَّأْيِ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ وَلَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يَفُوتُ، بَلْ يُسْتَدْرَكُ الْخَطَأُ فِيهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَمْوَالِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْغَائِبِ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَغَيْبَةً غَيْرَ طَوِيلَةٍ، فَهَذَا قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ غَيْبَةٌ إلَّا وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهَا فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَهِيَ أَيْضًا قَصِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَطْوَلُ مِنْهَا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَمَنْ غَابَ عَامَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ فَقَدْ غَابَ غَيْبَةً طَوِيلَةً بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ نِصْفَ عَامٍ إلَى مِصْرَ، وَقَدْ غَابَ غَيْبَةً قَصِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ إلَى الْهِنْدِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَان. ثُمَّ تَحْدِيدُ ابْنِ الْقَاسِمِ خَطَأٌ ثَالِثٌ: وَهَذَا قَوْلٌ مَا نَعْلَمُهُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ مَالِكٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ - فَفَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ فَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ - وَلَوْ أَنَّهُ فِي رَحْبَةِ بَابِ دَارِ الْحَاكِمِ - فَعَلَى هَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَى أَحَدٍ أَبَدًا - وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا تَرَى.

فَإِنْ قَالُوا: يَبْعَثُ فِيهِ؟ قُلْنَا: وَابْعَثُوا أَيْضًا فِي كُلِّ غَائِبٍ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ تَتَعَذَّرُ الْبَعْثَةُ فِيهِ. قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُ إلَى جَانِبِ حَائِطِ الْحَاكِمِ، وَتَتَعَذَّرُ الْبَعْثَةُ فِيهِ أَيْضًا لِتَعَذُّرِهِ أَوْ لِبَعْضِ الْوُجُوهِ، ثُمَّ قَدْ فَحُشَ تَنَاقُضُهُمْ هَاهُنَا، فَقَالُوا: مَنْ غَابَ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ، فَإِنَّهُ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَصَاغِرِ وَلَدِهِ، وَعَلَى أَكَابِرِ وَلَدِهِ - إنْ كَانُوا زَمْنَى - وَعَلَى بَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ - وَإِنْ كُنَّ بَالِغَاتٍ غَيْرَ زَمِنَاتٍ - وَعَلَى أَبَوَيْهِ - الْفَقِيرَيْنِ الزَّمِنَيْنِ - مِنْ طَعَامِهِ وَزَيْتِهِ وَثِيَابِهِ الَّذِي تَشَاكَلَ لِبَاسُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَمِنْ دَرَاهِمِهِ وَدَنَانِيرِهِ، وَلَا يُبَاعُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ عَقَارٌ، وَلَا عُرُوضٌ، وَلَا حَيَوَانٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الطَّعَامِ وَالزَّيْتِ وَالنَّاضِّ وَالثِّيَابِ - وَدِيعَةً عِنْدَ مُقِرٍّ أَوْ غَيْرِ مُقِرٍّ، أَوْ فِي مَنْزِلِ الْغَائِبِ -. وَهَذَا كَلَامٌ جَمَعَ مِنْ السُّخْفِ وُجُوهًا عَظِيمَةً، وَهُوَ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَتُحْكَمُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، إلَى تَخَالِيطَ لَهُمْ هَاهُنَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَقَضَوْا عَلَى الْمُرْتَدِّ إذَا لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ بِأَنَّهُ مَيِّتٌ - وَهُوَ حَيٌّ - وَقَسَمُوا مَا لِلَّهِ عَلَى وَرَثَتِهِ - وَهَذَا قَضَاءٌ بِالْبَاطِلِ عَلَى غَائِبٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَقِّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي النَّفَقَةِ وَبَيْنَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الدُّيُونِ، وَحَقِّ الْمَغْصُوبِينَ فِيمَا غُصِبَ مِنْهُمْ، وَتَقَاسِيمُ لَا تُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ - وَهِيَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ - نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ أَنَّهَا عَلَيْهِمْ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. وَأَمَّا مَنْ أَجْمَلَ أَنْ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ كَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ لَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ» ، قَالَ: فَمَا زِلْت قَاضِيًا وَمَا شَكَكْت فِي قَضَاءٍ بَعْدُ. وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إذَا قَعَدَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ حُجَّةَ الْآخَرِ» . وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ النَّحَّاسُ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا سَهْلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ نا الْقَاسِمُ بْنُ عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ الطَّائِيُّ نا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ فِي حَدِيثٍ «فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَثْبُتَ لَكَ الْقَضَاءُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا فِي كِتَابِي عَنْ الرَّازِيّ عَنْ " جُحَيْفَةَ " وَالصَّوَابُ جُحَيْفَةُ. وَذَكَرُوا عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ عَنْ الْحُذَافِيِّ نا عَبْدُ الْمَلِكِ الذِّمَارِيُّ نا مُحَمَّدٌ الْغِفَارِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ الْجُهَنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَجُلٌ قَدْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُحْضِرُ خَصْمَك فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا بِك مِنْ الْغَضَبِ إلَّا مَا أَرَى فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَلَعَلَّك قَدْ فَقَأْت عَيْنَيْ خَصْمِك مَعًا، فَحَضَرَ خَصْمُهُ قَدْ فُقِئَتْ عَيْنَاهُ مَعًا، فَقَالَ عُمَرُ: إذَا سَمِعْت حُجَّةَ الْآخَرِ بَانَ الْقَضَاءُ -. قَالُوا: وَلَا يُعْلَمُ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحُذَافِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ لُقْمَانُ: إذَا جَاءَك الرَّجُلُ وَقَدْ سَقَطَتْ عَيْنَاهُ فِي يَدِهِ فَلَا تَقْضِ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَ خَصْمُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ: لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْجَعْدِ بْنِ ذَكْوَانَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ شُرَيْحًا عَنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لَا أُغْرِي حَاضِرًا بِغَائِبٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، أَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّ شَرِيكًا مُدَلِّسٌ، وَسِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، وَحَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ سَاقِطٌ مُطَّرَحٌ.

وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْأُخْرَى، فَالْقَاسِمُ بْنُ عِيسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ الطَّائِيُّ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ: أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا أَبُو كَامِلٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدِمَ الْيَمَنَ فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي أَسَدٍ سَقَطَ فِي بِئْرٍ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إلَيْهَا، فَسَقَطَ فِيهَا رَجُلٌ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ؛ وَتَعَلَّقَ الْآخَرُ بِثَالِثٍ وَتَعَلَّقَ الثَّالِثُ بِرَابِعٍ فَسَقَطُوا كُلُّهُمْ، فَطُلِبَتْ دِيَاتُهُمْ مِنْ الْأَوَّلِ، فَقَضَى فِي ذَلِكَ بِدِيَتَيْنِ وَسُدُسٍ عَلَى مَنْ حَضَرَ الْبِئْرَ مِنْ النَّاسِ: فَلِلْأَوَّلِ رُبْعُ دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ اثْنَانِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ دِيَةِ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ، وَلِلرَّابِعِ دِيَةٌ - فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَضَاءِ عَلِيٍّ «فَقَالَ: هُوَ مَا قَضَى بَيْنَكُمْ» - وَهُمْ يُخَالِفُونَ هَذَا وَلَا يَقُولُونَ بِهِ، فَمَرَّةً تَكُونُ رِوَايَةُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَنَشٍ حُجَّةً إذَا ظَنُّوا أَنَّ تَمْوِيهَهُمْ بِهَا يَجُوزُ لَهُمْ، وَمَرَّةً لَا تَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُمَوِّهُوا بِهَا - وَمَا أَدْرِي أَيَّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ الْأَخْبَارُ الَّتِي قَدَّمْنَا لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا: أَنْ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ، بَلْ فِيهَا: أَنْ لَا يُقْضَى عَلَى حَاضِرٍ بِدَعْوَى خَصْمِهِ دُونَ سَمَاعِ حُجَّتِهِ - وَهَذَا شَيْءٌ لَا نُخَالِفُهُمْ فِيهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى عَلَى حَاضِرٍ وَلَا غَائِبٍ بِقَوْلِ خَصْمِهِ، وَلَكِنْ بِاَلَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ فَقَطْ، فَظَهَرَ عَظِيمُ تَمْوِيهِهِمْ بِالْبَاطِلِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ: أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الْآثَارَ الَّتِي مَوَّهُوا بِهَا فِي مَكَان آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَضَوْا عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ - وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَصْلًا. وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِعُمَرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ الْغِفَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْجُهَنِيُّ - وَلَا يُدْرَى مَنْ هُمَا فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ عُمَرَ - وَلَمْ يُولَدْ عَمْرٌو إلَّا لَيْلَةَ مَوْتِ عُمَرَ. وَأَيْضًا - فَكَمْ قَضِيَّةٍ لِعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، قَدْ خَالَفُوهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا. وَأَيْضًا - فَلَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنْ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بِدَعْوَى خَصْمِهِ - وَهَذَا حَقٌّ لَا نُنْكِرُهُ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّ الصَّحِيحَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ: الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا صَحَّ الْحَقُّ قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ. وَأَمَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّمَا ذَكَرَ عَنْ لُقْمَانَ كَلَامًا، وَأَيْنَ لُقْمَانُ مِنْ أَيَّامِ عُمَرَ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بِدَعْوَى خَصْمِهِ فَقَطْ - وَهَكَذَا نَقُولُ. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهِمَا قَضَاءَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا شُرَيْحٌ - فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ مُجَالِدٍ، وَمُجَالِدٌ ضَعِيفٌ وَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى: إنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ خَصْمًا فَقَطْ - وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ - فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ لِتَعَرِّيه مِنْ الْبُرْهَانِ. وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حَاضِرًا مِنْ غَائِبٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حَاضِرًا مِنْ غَائِبٍ. فَصَحَّ وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا هُوَ عَلَى الْحَاضِرِ. وَمَا نَدْرِي فِي الضَّلَالِ أَعْظَمَ مِنْ فِعْلِ حَاكِمٍ شَهِدَ عِنْدَهُ الْعُدُولُ بِأَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ قَتَلَ زَيْدًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً، أَوْ أَنَّهُ غَصَبَ هَذِهِ الْحُرَّةَ أَوْ تَمَلَّكَهَا، أَوْ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، أَوْ أَنَّهُ غَصَبَ هَذِهِ الْأَمَةَ مِنْ هَذَا، أَوْ تَمَلَّكَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً، فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى كُلِّ ذَلِكَ وَتَبْقَى فِي مِلْكِهِ الْحُرَّةُ وَالْفَرْجُ الْحَرَامُ، وَالْمَالُ الْحَرَامُ، أَلَا إنَّ هَذَا هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ، وَالْجَوْرُ الْمُتَيَقَّنُ، وَالْفِسْقُ الْمَتِينُ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا حَكَمَ عَلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ وَسَمَلُوا أَعْيُنَهُمْ وَفَرُّوا، فَأَتْبَعَهُمْ بِقَائِفٍ - وَهُمْ غُيَّبٌ - حَتَّى أُدْرِكُوا وَاقْتَصَّ مِنْهُمْ. وَعَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ - وَهُمْ غُيَّبٌ - بِأَنْ يُقِيمَ الْحَارِثِيُّونَ أَوْلِيَاءُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَيِّنَةَ أَوْ يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْهُمْ عَلَى قَاتِلِهِ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ وَيُسَلَّمُ إلَيْهِمْ أَوْ يُؤَدُّوا دِيَتَهُ، أَوْ يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْ يَهُودَ أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ وَيَبْرَءُونَ.

وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا: عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَبَنِي، أَفَآخُذُ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَهَذَا حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حَكَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَبِي سُفْيَانَ لِعِلْمِهِ بِصِحَّةِ مَا ذَكَرَتْ لَهُ هِنْدُ. قُلْنَا: إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَهِدْنَا بِكُمْ تَجْعَلُونَ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ عِلْمِ الْحَاكِمِ فِي مَوَاضِعَ، مِنْهَا: مَا عُلِمَ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْحُكْمَ، وَمِنْهَا: الْحُدُودُ فِي الزِّنَى، وَالْقَطْعُ، وَالْخَمْرُ، فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنْ يُحْكَمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا تُجِيزُونَ أَنْ يَحْكُمَ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ بَعْدَ وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ، فَمَرَّةً يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْعِلْمِ عِنْدَكُمْ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَمَرَّةً تَكُونُ الْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ الْعِلْمِ فَكَمْ هَذَا الْخَبْطِ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ، وَالتَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ. وَكُلُّ مَا لَزِمَ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ فَلَازِمٌ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَكُلُّ مَا لَزِمَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] . وَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَانَ ذَا صَوْتٍ وَنِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ فَغَنِمُوا فَأَعْطَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَعْضَ سَهْمِهِ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ إلَّا جَمِيعًا، فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا وَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَجَمَعَ شَعْرَهُ وَرَحَلَ إلَى عُمَرَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَأَنَا أَقْرَبُ النَّاسِ مَجْلِسًا مِنْ عُمَرَ، فَأَخْرَجَ شَعْرَهُ فَضَرَبَ بِهِ صَدْرَ عُمَرَ، وَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْلَا فَقَالَ عُمَرُ: لَوْلَا مَاذَا؟ صَدَقَ وَاَللَّهِ لَوْلَا النَّارُ؟ فَقَالَ: كُنْت ذَا صَوْتٍ وَنِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ، ثُمَّ قَصَّ قِصَّتَهُ عَلَى عُمَرَ. فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى

مسألة قضي عليه ببينة عدل بغرامة أو غيرها ثم أتى هو ببينة عدل

أَبِي مُوسَى: إنَّ فُلَانًا قَدِمَ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِكَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ بِهِ فَعَزَمْت عَلَيْك إنْ كُنْت فَعَلْت بِهِ ذَلِكَ فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ، فَعَزَمْت عَلَيْك لَمَا جَلَسْت لَهُ فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْك، وَإِنْ كُنْت فَعَلْت بِهِ ذَلِكَ فِي خَلَاءٍ لَمَا جَلَسْت لَهُ فِي خَلَاءٍ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْك فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: اُعْفُ عَنْهُ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أَدَعُهُ لِأَحَدٍ، فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو مُوسَى لِلْقِصَاصِ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى سَعِيدٌ الْقَطَّانُ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ نا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ اتَّخَذَ بَابًا وَقَالَ: انْقَطَعَ الصَّوْتُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ فَحَرَقَهُ، وَأَرْسَلَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأَخَذَ بِيَدِ سَعْدٍ وَأَخْرَجَهُ وَأَجْلَسَهُ وَقَالَ: هُنَا اجْلِسْ لِلنَّاسِ، فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ سَعْدٌ وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا تَكَلَّمَ بِذَلِكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نَاسًا مِنْ قِبَلِك دَعَوْا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ: يَا آلَ ضَبَّةَ، فَإِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْهِكْهُمْ عُقُوبَةً فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَجْسَامِهِمْ حَتَّى يُفَرِّقُوا، إذْ لَمْ يَفْقَهُوا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْمَفْقُودِ: أَنَّ امْرَأَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ -. وَهَذَا كُلُّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ. وَلَوْ تَتَبَّعَ ذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ بَعْدَمَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَكَثُرَ جِدًّا - وَاَلَّذِي أَوْرَدْنَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ صَحِيحٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ أَبَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ بِغَرَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ أَتَى هُوَ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ] 1785 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ بِغَرَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ أَتَى هُوَ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ: أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَدَّى ذَلِكَ الْحَقَّ أَوْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ: رُدَّ عَلَيْهِ مَا كَانَ غَرِمَ، وَفُسِخَ

مسألة ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه فكلف المدعي البينة

عَنْهُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ظَهَرَ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ أَوَّلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ] 1786 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، أَوْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ لِنَفْسِي بَيِّنَةً، أَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَدَعْ تَحْلِيفَهُ حَتَّى تُحْضِرَ بَيِّنَتَك أَوْ لَعَلَّك تَجِدُ بَيِّنَةً، وَإِنْ شِئْت حَلَفْته وَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَتِك الْغَائِبَةِ جُمْلَةً، فَلَا يُقْضَى لَك بِهَا أَبَدًا، وَسَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَةٍ تَأْتِي بِهَا بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِ، لَيْسَ لَك إلَّا هَذَا فَقَطْ، فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ اخْتَارَ قُضِيَ لَهُ بِهِ - وَلَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ إلَى بَيِّنَةٍ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى بَعْدَهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ تَوَاتُرٌ يُوجِبُ صِحَّةَ الْعِلْمِ وَيَقِينَهُ: أَنَّهُ حَلَفَ كَاذِبًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَوْ يُقِرُّ بَعْدَ أَنْ حَلَفَ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَسْتَحْلِفُ الرَّجُلَ مَعَ بَيِّنَتِهِ وَيَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَيَقُولُ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَبِالْحُكْمِ عَلَى الْحَالِفِ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ عَرَفَ الطَّالِبُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فَاخْتَارَ تَحْلِيفَ الْمَطْلُوبِ فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَتِهِ وَلَا يُقْضَى بِهَا لَهُ إنْ جَاءَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فَاخْتَارَ تَحْلِيفَ الْمَطْلُوبِ فَحَلَفَ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ الطَّالِبُ: إنَّ لَهُ بَيِّنَةً بَعِيدَةً وَلَكِنْ أَحْلِفْهُ لِي الْآنَ، ثُمَّ إنْ حَضَرَتْ بَيِّنَتِي أَتَيْت بِهَا. فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ وَيَحْلِفُ لَهُ الْمَطْلُوبُ، ثُمَّ يُقْضَى لَهُ بِبَيِّنَتِهِ إذَا أَحْضَرَهَا -. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَ بِقَوْلِنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا مُتَعَلِّقَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بِشُرَيْحٍ؛ لِأَنَّهُمْ

قَدْ خَالَفُوهُ فِي تَحْلِيفِهِ مُقِيمَ الْبَيِّنَةِ مَعَ بَيِّنَتِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ شُرَيْحٍ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ وَغَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَرَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ عِلْمِ الطَّالِبِ بِأَنَّ لَهُ بَيِّنَةً وَبَيْنَ جَهْلِهِ بِذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا قِيَاسٌ. فَإِنْ قَالُوا: إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً ثُمَّ أَحْلَفَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ بَيِّنَتَهُ. فَقُلْنَا: مَا فَعَلَ وَلَا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَسْقَطَهَا. وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فَأَحْلَفَ خَصْمَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ بَيِّنَتَهُ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، فِي قَضَائِهِمْ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، فَقَوْلٌ صَحِيحٌ لَوْ أَيْقَنَّا أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَادِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ يَمِينَ الْحَالِفِ فَاجِرَةٌ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوقِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ صَادِقَةٌ، وَلَا أَنَّ الْيَمِينَ فَاجِرَةٌ، فَلَيْسَتْ الشَّهَادَةُ أَوْلَى مِنْ الْيَمِينِ، إذْ الصِّدْقُ فِي كِلَيْهِمَا مُمْكِنٌ وَالْكَذِبُ فِي كِلَيْهِمَا مُمْكِنٌ، إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ تَأْمُرُنَا بِإِنْفَاذِ الْبَيِّنَةِ؛ وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ وَلَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ أَصْلًا - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ، بَلْ وَجَدْنَا النَّصَّ بِمِثْلِ قَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - جَمِيعًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ «عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي أَرْضٍ فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلطَّالِبِ: بَيِّنَتُكَ؟ قَالَ: لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ، قَالَ: يَمِينُهُ قَالَ: إذَا يَذْهَبُ بِهَا - يَعْنِي بِمَا لِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» " فَنَصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ إلَّا بَيِّنَتُهُ أَوْ يَمِينُ الْمَطْلُوبِ - فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا أَحَدُهُمَا لَا كِلَاهُمَا وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ بِيَقِينٍ فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ تَحْكُمُونَ لِلطَّالِبِ بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ بِالتَّوَاتُرِ، وَبِعِلْمِ الْحَاكِمِ وَبِإِقْرَارِهِ. قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ بِبَيِّنَةٍ، لَكِنَّهُ بِيَقِينِ الْحَقِّ، وَيَقِينُ الْحَقِّ فُرِضَ إنْفَاذُهُ، وَلَيْسَتْ شَهَادَةُ الْعُدُولِ كَذَلِكَ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ، أَوْ مُغَفَّلِينَ، وَلَوْلَا النَّصُّ بِقَبُولِهِمْ وَبِالْيَمِينِ مَا حَكَمْنَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ يَقِينِ الْعِلْمِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

مسألة لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين

[مَسْأَلَة لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ وَأَبَى الْمَطْلُوبُ مِنْ الْيَمِينِ] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ وَأَبَى الْمَطْلُوبُ مِنْ الْيَمِينِ: أُجْبِرَ عَلَيْهَا - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - بِالْأَدَبِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَصْلًا، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ أَلْبَتَّةَ. وَلَا تَرُدُّ يَمِينٌ أَصْلًا، إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فَقَطْ -: وَهِيَ الْقَسَامَةُ: فِيمَنْ وُجِدَ مَقْتُولًا، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لِأَوْلِيَائِهِ بَيِّنَةٌ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ، وَاسْتَحَقُّوا الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ، فَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَبَرِئُوا، فَإِنْ نَكَلُوا أُجْبِرُوا عَلَى الْيَمِينِ أَبَدًا - وَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الطَّالِبُونَ، فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّ عَلَى الْمَطْلُوبِينَ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: الْوَصِيَّةُ فِي السَّفَرِ، لَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا إلَّا كُفَّارٌ، وَأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يَحْلِفَانِ مَعَ شَهَادَتِهَا، فَإِنْ نَكَلَا لَمْ يُقْضَ بِشَهَادَتِهَا، فَإِنْ قَامَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِ حَلَفَ اثْنَانِ مِنْهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِمَا، وَحُكِمَ بِهَا، وَفُسِخَ مَا شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلَانِ، فَإِنْ نَكَلَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهَا، وَبَقِيَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ كَمَا حُكِمَ بِهِ - فَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الشُّهُودُ لَا الطَّالِبُ وَلَا الْمَطْلُوبُ. وَالْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: مَنْ قَامَ لَهُ بِدَعْوَاهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ امْرَأَتَانِ عَدْلَتَانِ، فَيَحْلِفُ وَيُقْضَى لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ أُجْبِرَ عَلَى الْيَمِينِ أَبَدًا، فَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الطَّالِبُ فَإِنْ نَكَلَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ. وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافٌ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الطَّالِبِ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ إلَّا حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، فَيُقْضَى لَهُ حِينَئِذٍ، فَالْقَائِلُونَ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِنُكُولِهِ دُونَ أَنْ تُرَدَّ الْيَمِينُ -. فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ نا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ هَارُونَ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ خَاصَمَ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: احْلِفْ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْته وَمَا بِهِ مِنْ دَاءٍ عَلِمْته فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ

ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَمَرَ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ امْرَأَةً فَأَبَتْ أَنْ تَحْلِفَ، فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الْحَارِثِ، قَالَ: نَكَلَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ عَنْ الْيَمِينِ، فَقَضَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: قَدْ مَضَى قَضَائِي. وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْضَى عَلَى النَّاكِلِ عَنْ الْيَمِينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ، وَالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، حَاشَا الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ فَلَا يُقْضَى فِيهِ بِنُكُولِ الْمَطْلُوبِ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، لَكِنْ يُسْجَنُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ. وَقَالَ زُفَرُ: أَقْضِي فِي النُّكُولِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا. وَقَالَا مَرَّةً أُخْرَى: يُقْضَى بِالنُّكُولِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَاشَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْأَرْشُ وَالدِّيَةُ بِالنُّكُولِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَلَا يُقَصُّ مِنْهُ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ مَا فِيهِ الْقَطْعُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ: حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْمَالَ وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ حَتَّى يَدْعُوَهُ إلَى الْيَمِينِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَإِنْ أَبَى وَتَمَادَى قُضِيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ قَتْلَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ: حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ، فَإِنْ نَكَلُوا قُتِلُوا قِصَاصًا. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ مَالٍ عَلَى مُنْكِرٍ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ احْلِفْ فَتَبْرَأْ. فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ طَالِبِهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ: أَنَا أَتَّهِمُ فُلَانًا بِأَنَّهُ أَخَذَ لِي مَالًا ذَكَرَ عَدَدَهُ - وَلَا أُحَقِّقُ ذَلِكَ. قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ: احْلِفْ وَتَبْرَأْ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُتَّهَمُ دُونَ رَدِّ يَمِينٍ.

قَالَ: مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَتَهُ صِغَارًا فَأَقَامَ وَصِيُّهُمْ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا بِدَيْنٍ لِمَوْرُوثِهِمْ عَلَى إنْسَانٍ: قِيلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ حَتَّى تَبْلُغَ الصِّغَارُ فَيَحْلِفُوا مَعَ شَاهِدِهِمْ، وَيُقْضَى لَهُمْ، فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ حَتَّى يَبْلُغُوا وَيَحْلِفُوا وَيُقْضَى لَهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ. وَقَالَ فِيمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا، أَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَمَتُهُ أَوْ عَبْدُهُ عَتَاقًا، وَقَامَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ: إنَّهُ يُقَالُ لَهُ: احْلِفْ مَا طَلَّقْت، وَلَا أَعْتَقْت وَتَبَرَّأْ. فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يُسْجَنُ حَتَّى يَطُولَ أَمْرُهُ، وَحَدَّ ذَلِكَ بِسَنَةٍ، ثُمَّ يُطَلِّقُ - وَمَرَّةً قَالَ: يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ: مَرَّةً يَقْضِي بِالنُّكُولِ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَفِي سَائِرِ الدَّعَاوَى لَا يَقْضِي بِهِ، وَهَذِهِ فُرُوقٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَّقَ بِهَا قَبْلَهُ وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى تَفْرِيقِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا قِيَاسٍ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِفُرُوقِهِ - فَسَقَطَ هَذِهِ الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ أَيْضًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَى تِلْكَ الْفُرُوقِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا إلَى تَرْدِيدِ دُعَائِهِ إلَى الْيَمِينِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَا صَحَّحَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلَا قِيَاسٌ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِفُرُوقِهِمْ. وَلَا يَخْلُو الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقًّا وَاجِبًا أَوْ بَاطِلًا، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحُكْمُ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان وَاجِبٌ -: كَمَا قَالَ زُفَرُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا - إذْ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا جُمْلَةً، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ قَطُّ الِاحْتِيَاطَ لِلدَّمِ بِأَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ، وَالْمَالِ، وَالْبَشَرَةِ، بَلْ الْحَرَامُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ

كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» . بَلْ قَدْ وَجَدْنَا الدَّمَ يُبَاحُ بِشَاهِدَيْنِ، وَجَلْدِ مِائَةٍ فِي الزِّنَى أَوْ خَمْسِينَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ عُدُولٍ - فَصَحَّ أَنَّهُ التَّسْلِيمُ لِلنُّصُوصِ فَقَطْ. وَلَمْ يَبْقَ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ إلَّا قَوْلُ زُفَرَ الَّذِي وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَاهُ، فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ: أَنَّهُ ذَكَرَ آيَةَ اللِّعَانِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الزَّوْجَ إنْ نَكَلَ عَنْ الْأَيْمَانِ، أَوْ نَكَلَتْ هِيَ، فَإِنَّ عَلَى النَّاكِلِ حُكْمًا مَا يَلْزَمُهُ بِنُكُولِ النَّاكِلِ الْمَذْكُورِ إمَّا السِّجْنُ وَإِمَّا الْحَدُّ - فَهَذَا قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ. فَقُلْنَا: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الزَّوْجَ قَاذِفٌ، فَجَاءَ النَّصُّ بِإِزَالَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ بِأَيْمَانِهِ الْأَرْبَعِ وَلَعَنَتْهُ الْخَامِسَةُ فَلَزِمَتْ الطَّاعَةُ لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَالْحَدُّ بَاقٍ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ - وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْعَذَابَ، إلَّا أَنْ تَحْلِفَ، فَإِنْ حَلَفَتْ دُرِئَ عَنْهَا الْعَذَابُ بِأَيْمَانِهَا الْأَرْبَعِ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا فِي الْخَامِسَةِ بِالنَّصِّ، وَإِنْ نَكَلَتْ فَالْعَذَابُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الدَّعَاوَى، بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ حُكْمًا مَا يَلْزَمُهَا بِالنُّكُولِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ السِّجْنُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ نُكُولَ النَّاكِلِ عَنْ الْيَمِينِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يُوجِبُ أَيْضًا عَلَيْهِ حُكْمًا مَا وَهُوَ الْأَدَبُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ مَنْ أَتَى مُنْكَرًا قَدَرْنَا عَلَى تَغْيِيرِهِ بِالْيَدِ - وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا فَوَجَبَ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِالْآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ لِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكْمًا مُوجِبًا لِلْمُدَّعِي حَقًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ رَدُّ الْيَمِينِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ السِّجْنُ وَالْأَدَبُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ إنْفَاذُ الْحُكْمِ عَلَى النَّاكِلِ، فَبَطَلَ رَدُّ الْيَمِينِ، وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُدَّعِي فِي سِجْنِ الْمَطْلُوبِ النَّاكِلِ وَتَأْدِيبِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِنُكُولِهِ. فَقُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ زِدْتُمْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَلَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَالْحُكْمِ، إلَّا الْغَرَامَةُ إنْ أَقَرَّ أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِيَقِينِ الْحَاكِمِ، أَوْ الْيَمِينُ إنْ أَنْكَرَ فَقَطْ، فَلَمَّا لَمْ يُقِرَّ، وَلَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا تَيَقَّنَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الْمُدَّعِي: سَقَطَتْ الْغَرَامَةُ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهُوَ حَقُّهُ قِبَلَ الْمَطْلُوبِ، فَوَجَبَ أَخْذُهُ بِهِ وَلَا بُدَّ، لَا بِمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ - سَوَاءٌ كَانَ لِلطَّالِبِ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - لِأَنَّ مُرَاعَاةَ فَائِدَتِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ دُونَ مُرَاعَاةِ فَائِدَةِ الْمَطْلُوبِ. وَقَالَ: إنَّ قَطْعَ الْخُصُومَةِ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَانْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، فَإِذْ نَكَلَ فَقَدْ لَزِمَهُ قَطْعُ الْخُصُومَةِ، وَهِيَ لَا تَنْقَطِعُ بِسَجْنِهِ وَلَا بِأَدَبِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَطْعُهَا بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ الطَّالِبُ، وَكَانَ فِي سَجْنِهِ قَطْعٌ لَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَتَقِفُ الْخُصُومَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ. فَقُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَخِلَافُ قَوْلِكُمْ -: أَمَّا خِلَافُ قَوْلِكُمْ: لَوْ حَلَفَ لَانْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ، بَلْ مَتَى أَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَادَتْ الْخُصُومَةُ - وَسَائِرُ قَوْلِكُمْ بَاطِلٌ. وَمَا عَلَيْهِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ أَصْلًا إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا بِالْإِقْرَارِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقًا. وَإِمَّا بِالْيَمِينِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا، وَعَلَى الْحَاكِمِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بِالْقَضَاءِ بِمَا تُوجِبُهُ الْبَيِّنَةُ، أَوْ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَطْ - وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَإِمَّا غَرَامَةً - بِأَنْ لَا يُوجِبَهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، فَهِيَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ: أَنَّكُمْ بَعْدَ قَضَائِكُمْ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ تَسْجُنُونَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ، قَدْ عُدْتُمْ إلَى السِّجْنِ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ. وَهَذَا تَلَوُّثٌ وَسَخَافَةٌ نَاهِيكَ بِهَا. وَقَالَ: هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى، فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ خِلَافُ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ مِنْهُمْ.

فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا عُثْمَانَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ بِالْبَرَاءَةِ إلَّا فِي عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْبَائِعُ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ عُثْمَانَ بَعْضُهُ حُجَّةٌ وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، هَذَا عَلَى أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ فِيهِ، عَنْ أَبِيهِ: فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ أَنْ يَرْتَجِعَ الْعَبْدَ، فَرَدَّهُ إلَيْهِ عُثْمَانُ بِرِضَاهُ -. فَبَطَلَ بِهَذَا أَنْ يَصِحَّ عَنْ عُثْمَانَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي مُوسَى فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ أَوْ يُدْرَى مَخْرَجُهَا. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ: أَنَّهُ رَأَى الْحُكْمَ بِالنُّكُولِ جَائِزًا، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ حُكْمُ عُثْمَانُ، وَأَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَكُمْ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَلْزَمَ الْغَرَامَةَ بِالنُّكُولِ، إنَّمَا فِيهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا فَأَبَتْ، فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ - وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى الْيَمِينِ، إذْ لَيْسَ لِلْغَرَامَةِ فِي الْخَبَرِ ذِكْرٌ أَصْلًا، فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، لَا لِقَوْلِكُمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ رَوَى عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسَدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ هَذَا الْخَبَرَ، فَذَكَرَ فِيهِ: فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَضَمِّنْهَا. قِيلَ لَهُ: إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسَدِيُّ مَجْهُولٌ - لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ - وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيُّ - مَتْرُوكٌ مُطَرَّحٌ. فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي هَذَا شَيْءٌ عَنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا. فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِأَنْ يُقْضَى بِالْغَرَامَةِ عَلَى النَّاكِلِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اسْتَسْلَفَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا قَضَاهُ أَتَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّهَا سَبْعَةُ آلَافٍ فَقَالَ الْمِقْدَادُ: مَا كَانَتْ إلَّا أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَارْتَفَعَا إلَى عُمَرَ،

فَقَالَ الْمِقْدَادُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِيَحْلِفْ أَنَّهَا كَمَا يَقُولُ، وَيَأْخُذْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْصَفَك، احْلِفْ أَنَّهَا كَمَا تَقُولُ وَخُذْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ بْنِ أَبِي ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذَا كَانَ قَدْ خَالَطَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَضَى بِالْيَمِينِ فَرَدَّهَا عَلَى الطَّالِبِ فَلَمْ يَحْلِفْ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَسْتَحْلِفْ الْآخَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَبْدُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إذَا قَضَى بِالْيَمِينِ فَرَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَا أُعْطِيك مَا لَا تَحْلِفُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ: أَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَقْضِ لِلطَّالِبِ إنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ إلَّا حَتَّى يَحْلِفَ الطَّالِبُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا الشَّيْبَانِيُّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ - وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَرَى ذَلِكَ. وَقَالَ هُشَيْمٌ نا عُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الْيَمِينَ وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّينَ الْقَاضِيَيْنِ - هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ إِسْحَاقَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَوْلَانِ -: أَحَدُهُمَا: رَدُّ الْيَمِينِ جُمْلَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا رُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ - وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَلْزَمَ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ أَبَدًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ قَطُّ الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ الْيَمِينُ فِي الْأَمْوَالِ - وَلَا يَرَى رَدَّهَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَا فِي الْعِتْقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ: تُرَدُّ الْيَمِينُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، وَفِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ - فَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ الطَّلَاقَ، وَعَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ الْعَتَاقَ - وَمَنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَتِهِ النِّكَاحَ أَوْ ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ وَلَا شَاهِدَ لَهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ: لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ: أَنَّهُ مَا طَلَّقَ، وَلَا أَعْتَقَ، وَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ: أَنَّهُ مَا أَنْكَحَهَا، أَوْ لَزِمَتْهَا الْيَمِينُ كَذَلِكَ، فَأَيُّهُمَا نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي - وَصَحَّ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَظَاهِرُ الْخَطَأِ لِتَنَاقُضِهِ، وَلَئِنْ كَانَ رَدُّ الْيَمِينِ حَقًّا فِي مَوْضِعٍ، فَإِنَّهُ لَحَقٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَئِنْ كَانَ بَاطِلًا فِي مَكَان، فَإِنَّهُ لَبَاطِلٌ فِي كُلِّ مَكَان، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِإِيجَابِهِ فِي مَكَان دُونَ مَكَان: قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ بِذَلِكَ أَصْلًا - فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ، إذْ لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ قَبْلَهُ وَلَا قِيَاسٌ. فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي الْأَمْوَالِ. قُلْنَا: بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ جُمْلَةً، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَالْمِقْدَادِ فِي الدَّرَاهِمِ فِي الدَّيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ، وَسَائِرَ الدَّعَاوَى مِنْ الْغُصُوبِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَقِيسُوا عَلَيْهِ كُلَّ دَعْوَى، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي رَدِّهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُتَّهَمِ، فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْكَاذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس، وَعَلَى الْمَشْهُورِينَ بِالْكَذِبِ، وَالْفِسْقِ، إلَّا الَّذِي جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] وَفِي هَذَا إبْطَالُ كُلِّ رَأْيٍ، وَكُلِّ قِيَاسٍ، وَكُلِّ احْتِيَاطٍ فِي الدِّينِ، مِمَّا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ لَوْ أَنْصَفُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِآيَةِ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} [المائدة: 106] {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 107] {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا} [المائدة: 108] . وَذَكَرُوا خَبَرَ الْقَسَامَةِ إذْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَنِي حَارِثَةَ فِي دَعْوَاهُمْ دَمَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ، قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالَ: فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» . وَذَكَرُوا وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ أَجْلِ شَاهِدِهِ، فَكَانَ الشَّاهِدُ سَبَبًا لِرَدِّ الْيَمِينِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا سَبَبًا لِرَدِّ الْيَمِينِ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهِ يَمِينَهُ، فَيَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ آخَرَ، كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالنُّكُولِ حَتَّى يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ يَمِينَهُ فَيَكُونَ نُكُولُ الْمَطْلُوبِ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَيَمِينُ الطَّالِبِ مَقَامَ شَاهِدٍ آخَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا آيَةُ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، وَإِنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا لَفَضِيحَةُ الدَّهْرِ عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ كَافِيَةٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِهَا فِيمَا جَاءَتْ فِيهِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ الِاحْتِجَاجَ بِآيَةٍ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا؟ وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِنْ تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي كَلِمَةٌ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ، إنَّمَا فِيهَا تَحْلِيفُ الشُّهُودِ أَوَّلًا، وَتَحْلِيفُ الشَّاهِدِ وَالشَّاهِدَيْنِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ، فَكَيْفَ سَهُلَ عَلَيْهِمْ إبْطَالُ نَصِّ الْآيَةِ، وَأَنْ يَحْكُمُوا مِنْهَا بِمَا لَيْسَ فِيهَا عَلَيْهِ، لَا دَلِيلٌ وَلَا نَصٌّ. إنَّ هَذِهِ لَمُصِيبَةٌ. وَلَوْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَرَى تَحْلِيفَ الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لَكَانَ أَشْبَهَ فِي التَّمْوِيهِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَغَيْرِهِمَا - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ الْقَاضِي بِقُرْطُبَةَ أَنَّهُ أَحْلَفَ شُهُودًا فِي تَزَكِّيهِ: بِاَللَّهِ إنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَحَقٌّ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرَى لِفَسَادِ النَّاسِ أَنْ يُحَلِّفَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ، ذَكَرَ ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِهِ فِي " أَخْبَارِ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ " فَلَوْ احْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَكَانُوا أَوْلَى بِهَا مِمَّنْ احْتَجَّ فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ، لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي نَصِّهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] وَلَكِنْ يُبْطِلُ هَذَا أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ أَقْوَى قِيَاسٍ فِي الْأَرْضِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْقَسَامَةِ فَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ أَيْضًا إحْدَى فَضَائِحِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ -: فَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَخَالَفُوهُ جُمْلَةً. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ: فَخَالَفُوا مَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ الْقَوَدِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ الِاحْتِجَاجَ بِحَدِيثٍ قَدْ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلَافُهُ فِيمَا فِيهِ وَأَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ تَثْبِيتَ الْبَاطِلِ الَّذِي لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مِنْهُ أَثَرٌ أَصْلًا. وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِينَ أَوَّلًا خَمْسِينَ يَمِينًا - بِخِلَافِ جَمِيعِ الدَّعَاوَى - ثُمَّ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ - بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ - فَمِنْ أَيْنَ رَأَوْا أَنْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ ضِدَّهُ مِنْ تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ فِي تَبْدِيَةِ الْمُدَّعِي فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَأَنْ يَجْعَلُوا الْأَيْمَانَ فِي كُلِّ دَعْوَى خَمْسِينَ يَمِينًا، فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ، وَخِلَافِ السُّنَنِ، وَعَكْسِ الْقِيَاسِ وَضَعْفِ النَّظَرِ: أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَأَمَّا خَبَرُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ: فَحَقٌّ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدِ: بَاطِلٌ، لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَقَدْ يَنْكُلُ الْمَرْءُ عَنْ الْيَمِينِ تَصَاوُنًا وَخَوْفَ الشُّهْرَةِ، وَإِلَّا فَمَنْ اسْتَجَازَ أَكْلَ الْمَالِ الْحَرَامِ بِالْبَاطِلِ فَلَا يُنْكَرُ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ كَاذِبًا. وَإِنَّمَا الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ عَلَى الْمُنْكِرِ يَمِينٌ، فَلَمَّا أَتَى الْمُدَّعِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ: كَانَ بَعْدُ حُكْمِ طَلَبِهِ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ يَمِينٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَحَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلطَّالِبِ بِيَمِينِهِ ابْتِدَاءً لَا رَدًّا لِلْيَمِينِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَقَدْ أَسْقَطَ حُكْمَ شَاهِدِهِ، وَإِذَا أَسْقَطَ حُكْمَ شَاهِدِهِ فَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، وَإِذْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ: فَالْآنَ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لَا أَنَّ هَاهُنَا رَدَّ يَمِينٍ أَصْلًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً هَالِكَةً: رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةِ بْنِ شُرَيْحِ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ غَيْلَانَ التُّجِيبِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ طَلِبَةٌ عِنْدَ أَخِيهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ» وَالْمَطْلُوبُ أَوْلَى بِالْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَأَخَذَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ رَدِّ الْيَمِينِ فِي كُلِّ طَلِبَةِ طَالِبٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَوَّلَهُ فِي كُلِّ دَعْوَى مِنْ دَم، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَتَخْصِيصُهُمْ آخِرَهُ فِي الْأَمْوَالِ بَاطِلٌ وَتَنَاقُضٌ، وَخِلَافٌ لِلْخَبَرِ الَّذِي مَوَّهُوا بِهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا. وَقَالَ مَالك فِي " مُوَطَّئِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ " أَرَأَيْت رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ: مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ - فَهَذَا مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَا فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا؟ أَمْ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ؟ فَإِذَا أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقِرَّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ نَاهِيكَ بِهِ عَجَبًا فِي الْغَفْلَةِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي رَدِّ الْيَمِينِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَا فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ - فَلَئِنْ كَانَ خَفِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالنُّكُولِ فَإِنَّهُ لَعَجَبٌ. ثُمَّ قَوْلُهُ: إذَا أَقَرَّ بِرَدِّ الْيَمِينِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيُقِرَّ - بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - فَهَذَا أَيْضًا عَجَبٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] . وَأَمَّا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ - فَمَا كَانَ قَطُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ، كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَإِذَا وَجَبَ الْأَخْذُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَبْ فِي لَفْظِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَمَا

وَجَبَ قَطُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ بِمَا لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الْيَمِينِ وَأَحْلَفَ الْحَاكِمُ الطَّالِبَ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ لَهُ بِتِلْكَ الدَّعْوَى مَا لَمْ يَحْلِفْ الطَّالِبُ فَلَمْ نَتَّفِقْ عَلَى الْقَضَاءِ لَهُ بِتِلْكَ الدَّعْوَى فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِمَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يُقْضَى عَلَى أَحَدٍ بِاخْتِلَافٍ لَا نَصَّ مَعَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَرِوَايَاتٌ سَاقِطَةٌ لَا تَصِحُّ أَسَانِيدُهَا، ثُمَّ بِظُنُونٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ عَلَى سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفِينَ مِمَّا يَقُولُ: إنَّهُ إجْمَاعٌ إلَّا مَنْ لَا يَدْرِي مَا الْإِجْمَاعُ. وَلَيْسَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: حُجَّةً عَلَى مَنْ لَا يُقَلِّدُهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] فَلَمْ يَأْمُرْ عَزَّ وَجَلَّ بِرَدِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَمَنْ رَدَّ إلَيْهِمْ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ: بِعُمَرَ، وَالْمِقْدَادِ، وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَالشَّعْبِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ وَلَا الْمِقْدَادَ فَكَيْفَ عُمَرُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَسَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ - وَهُوَ مَتْرُوكٌ ابْنُ مَتْرُوكٍ - لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِرِوَايَتِهِ - فَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَلِمَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُنَا -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ بَيْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُنَازَعَةٌ وَخُصُومَةٌ فِي حَائِطٍ فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَك زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَضَرَبَا عَلَيْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا أَرْسَلْتَ إلَيَّ حَتَّى آتِيَك؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ، فَأَخْرَجَ زَيْدٌ وِسَادَةً فَأَلْقَاهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَذَا أَوَّلُ جَوْرِك وَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا، فَتَكَلَّمَا فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: بَيِّنَتُك؟ وَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْفِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْيَمِينِ فَأَعْفِهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: تَقْضِي عَلَيَّ بِالْيَمِينِ وَلَا أَحْلِفُ؟ فَحَلَفَ -. فَهَذَا زَيْدٌ لَمْ يَذْكُرْ رَدَّ يَمِينٍ وَلَا حُكْمًا بِنُكُولٍ، بَلْ أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ قَطْعًا

إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا الطَّالِبُ، وَهَذَا عُمَرُ يُنْكِرُ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِالْيَمِينِ وَلَا يُحَلِّفَ الْمُنْكِرَ - وَهُوَ قَوْلُنَا نَصًّا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي رِسَالَةٍ ذَكَرَهَا: الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ - فَلَمْ يَذْكُرْ نُكُولًا وَلَا رَدَّ يَمِينٍ. حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْكَرْمَانِيُّ نا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبْت إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تُحْرِزَانِ حَرِيزًا فِي بَيْتٍ، وَفِي الْحُجْرَةِ حِدَاثٌ، فَأَخْرَجَتْ إحْدَاهُمَا يَدَهَا تَشْخَبُ دَمًا فَقَالَتْ: أَصَابَتْنِي هَذِهِ، وَأَنْكَرَتْ الْأُخْرَى، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيَّ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاس أُعْطُوا بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ» ، اُدْعُهَا فَاقْرَأْ عَلَيْهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ فَقَرَأْت عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ ". فَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُفْتِ إلَّا بِإِيجَابِ الْيَمِينِ فَقَطْ، وَأَبْطَلَ أَنْ يُعْطَى الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي ذَلِكَ نُكُولَ الْمَطْلُوبِ وَلَا رَدَّ الْيَمِينِ أَصْلًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: لَا أَرُدُّ الْيَمِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ عَنْ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: كَانَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ لَا يَرَيَانِ الْيَمِينَ - يَعْنِي لَا يَرَيَانِ رَدَّهَا - عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّمِ يَأْبَى عَنْ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لَكِنْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا وَأَمَتُهُ أَوْ عَبْدُهُ عَتَاقًا وَأَقَامُوا شَاهِدًا

وَاحِدًا عَدْلًا بِذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، وَأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَا بِرَدِّ الْيَمِينِ، لَكِنْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ -. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا: فِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّكُمْ رَدَدْتُمْ الرِّوَايَةَ فِي رَدِّ الْيَمِينِ بِأَنَّهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَلَا الْمِقْدَادَ، وَلَا عُمَرُ - ثُمَّ ذَكَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ رِوَايَةَ حُكُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَ عُمَرَ، وَأُبَيُّ. قُلْنَا: لَمْ نُورِدْ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ احْتِجَاجًا لِأَنْفُسِنَا فِي تَصْحِيحِ مَا قُلْنَاهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ نَرَى فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً فِي الدِّينِ، وَلَكِنْ تَكْذِيبًا لِمَنْ قَدْ سَهَّلَ الشَّيْطَانُ لَهُ الْكَذِبَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مُجَاهَرَةً، حَيْثُ لَا يَجِدُ إلَّا رِوَايَاتٍ كُلَّهَا هَالِكَةً، بِظُنُونٍ كَاذِبَةٍ، عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ رُوِيَ مِثْلُهَا بِخِلَافِهَا عَنْ ثَلَاثَةٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ، فَأَرَيْنَاهُمْ لِأَنْفُسِنَا مِثْلَهَا، بَلْ أَحْسَنَ مِنْهَا عَنْ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا مِنْهُمْ أَوْ أَرْبَعَةٍ، إلَّا أَنَّ الْمُوَافَقَةَ لِقَوْلِنَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي ذِكْرِ قَضِيَّةٍ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيٍّ قَضَى فِيهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بَيْنَهُمَا وَالشَّعْبِيُّ: قَدْ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَصَحِبَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ كَثِيرًا - فَهَذِهِ أَقْرَبُ بِلَا شَكٍّ إلَى أَنْ تَكُونَ مُسْنَدَةً مِنْ تِلْكَ الَّتِي لَمْ يَلْقَ الشَّعْبِيَّ أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ وَلَا أَدْرَكَهُ بِعَقْلِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُجَوِّزَ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ، وَلَا بِرَدِّ الْيَمِينِ، لَكِنْ بِالْأَخْذِ بِالْيَمِينِ وَلَا بُدَّ فِي بَعْضِ الدَّعَاوَى دُونَ بَعْضٍ بِرَأْيِهِ - وَيُجَوِّزَ مِثْلَ ذَلِكَ لِمَالِكٍ فِي دَعْوَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَا يُجَوِّزَ لِمَنْ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، وَالْقَوْلُ بِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ، لِتَعَرِّي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ دَلِيلٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ السُّنَّةِ - وَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ صَحَّ مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ «لَوْ أَعْطَى النَّاسَ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ

وَأَمْوَالَهُمْ» ، وَمَا قَدْ أَتَيْنَا بِهِ قَبْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ» . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ دُونَ بَيِّنَةٍ، فَبَطَلَ بِهَذَا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا بِنُكُولِ خَصْمِهِ أَوْ بِيَمِينِهِ إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ؛ لِأَنَّهُ أُعْطِيَ بِالدَّعْوَى. وَصَحَّ أَنَّ الْيَمِينَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْطَى الْمُدَّعِي يَمِينًا أَصْلًا إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ يُعْطَاهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ فِي الْمُسْلِمِ يُوجَدُ مَقْتُولًا، وَفِي الْمُدَّعِي يُقِيمُ شَاهِدًا عَدْلًا فَقَطْ، وَكَانَ مَنْ أَعْطَى الْمُدَّعِيَ بِنُكُولِ خَصْمِهِ فَقَطْ أَوْ بِيَمِينِهِ إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ قَدْ أَخْطَأَ كَثِيرًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، وَأَعْطَاهُ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَأَسْقَطَ الْيَمِينَ عَمَّنْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُزِلْهَا عَنْهُ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا الَّذِي هِيَ لَهُ - وَهُوَ الطَّالِبُ - الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْبَيِّنَةَ فَيَأْخُذُ أَوْ يَمِينَ مَطْلُوبِهِ، فَإِذْ هِيَ لَهُ فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ - إنْ شَاءَ - فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِنَا يَقِينًا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . فَمَنْ أَطْلَقَ لِلْمَطْلُوبِ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْيَمِينِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ بِهَا - وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ - فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَعَلَى تَرْكِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إلْزَامَهُ إيَّاهُ وَأَخْذَهُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كَلَامِنَا " فِي الْإِمَامَةِ " قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» فَوَجَدْنَا الْمُمْتَنِعَ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْذَهُ بِهِ مِنْ الْيَمِينِ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا بِيَقِينٍ، فَوَجَبَ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّغْيِيرُ بِالْيَدِ: هُوَ الضَّرْبُ فِيمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ، أَوْ بِالسِّلَاحِ فِي الْمُدَافِعِ بِيَدِهِ، الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَخْذِهِ بِالْحَقِّ فَوَجَبَ ضَرْبُهُ أَبَدًا حَتَّى يُحْيِيَهُ الْحَقُّ مِنْ إقْرَارِهِ، أَوْ يَمِينِهِ، أَوْ يَقْتُلَهُ الْحَقُّ، مِنْ تَغْيِيرِ مَا أَعْلَنَ بِهِ مِنْ الْمُنْكَرِ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ. وَأَمَّا السِّجْنُ: فَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطُّ سِجْنٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ليس على من وجبت عليه يمين أن يحلف إلا بالله تعالى

وَقَدْ لَاحَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَنَا ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَة لَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى] 1788 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَقَطْ، كَيْفَمَا شَاءَ مِنْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَلَا يُبَالِي إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَجْهُهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ أَنْ يُوَافِيَهُ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ، فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ الرَّجُلُ - وَعُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ - فَقَالَ لِعُمَرَ: أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْشُدُك بِرَبِّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ مَا أَرَدْت بِقَوْلِك " حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ " الْفِرَاقَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَوْ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُك؟ أَرَدْت بِذَلِكَ الْفِرَاقَ قَالَ عُمَرُ: هُوَ مَا أَرَدْتَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَقَالَ: أَرَدْت الطَّلَاقَ ثَلَاثًا، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ بِأَنْ يُوَافِيَهُ بِالْمَوْسِمِ، فَوَافَاهُ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ عَنْ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: اسْتَحْلَفَ مُعَاوِيَةُ فِي دَمٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْكَرَ التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ إلَّا فِي دَمٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ. وَأَمَّا فِعْلُ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورُ: فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَحْلَفَ مُصْعَبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،

وَمُعَاذَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَعُقْبَةَ بْنَ جَعْوَنَةَ بْنِ شَعُوبٍ اللَّيْثِيُّ فِي دَمِ إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ - وَهَؤُلَاءِ مَدَنِيُّونَ اسْتَجْلَبَهُمْ إلَى مَكَّةَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: يُسْتَحْلَفُ أَهْلَ الْكِتَابِ " بِاَللَّهِ " حَيْثُ يَكْرَهُونَ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ أَدْخَلَ يَهُودِيًّا الْكَنِيسَةَ وَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَى رَأْسِهِ وَاسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ كَانَ يُحَلِّفُ أَهْلَ الْكِتَابِ - يَعْنِي النَّصَارَى - يَضَعُ الْإِنْجِيلَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَأْتِي بِهِ إلَى الْمَذْبَحِ فَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي مسيرة قَالَ: اخْتَصَمَ إلَى الشَّعْبِيِّ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: لَا، يَا خَبِيثُ قَدْ فَرَّطْت فِي اللَّهِ، وَلَكِنْ اذْهَبْ إلَى الْبَيْعَةِ فَاسْتَحْلَفَهُ بِمَا يُسْتَحْلَفُ بِهِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يَقُولُ: اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مُطِيعٍ إلَى مَرْوَانَ فِي دَارٍ، فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي؟ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لَا، وَاَللَّهِ إلَّا فِي مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ، وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْ زَيْدٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَحْلَفَ عُمَّالَ سُلَيْمَانَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ عَنْ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَحْلَفَ يَهُودِيًّا بِاَللَّهِ تَعَالَى: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَدْخَلَهُ الْكَنِيسَةَ.

فَهَذَا يُوضِحُ أَنَّ أَبَا مُوسَى لَمْ يُدْخِلْهُ الْكَنِيسَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ وَصِيَّ رَجُلٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِصَكٍّ قَدْ دَرَسَتْ أَسْمَاءُ شُهُودِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا نَافِعٌ اذْهَبْ بِهِ إلَى الْمِنْبَرِ فَاسْتَحْلِفْهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرِيدُ أَنْ تُسْمِعَ فِي الَّذِي يَسْمَعُنِي، ثُمَّ يَسْمَعُنِي هَاهُنَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ فَاسْتَحْلَفَهُ، وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الصَّكُّ بَرَاءَةً مِنْ حَقٍّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَحَقُّهُ الْيَمِينُ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْبَرَاءَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي الْهَيَّاجِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَعَثَ أَبَا الْهَيَّاجِ قَاضِيًا إلَى السَّوَادِ، وَأَمَرَ أَنْ يُحَلِّفَهُمْ بِاَللَّهِ. فَفِي هَذَا: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: جُلِبَ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ إلَى مَكَّةَ لِلْحُكْمِ وَإِحْلَافِهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَاسْتِحْلَافُ مُعَاوِيَةَ فِي دَمٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَإِنْكَارُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الِاسْتِحْلَافَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، إلَّا فِي دَمٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ: اسْتِحْلَافُ الْكُفَّارِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ وَكَذَلِكَ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ - وَزَادَ: وَضْعَ التَّوْرَاةِ عَلَى رَأْسِ الْيَهُودِيِّ، وَالْإِنْجِيلِ عَلَى رَأْسِ النَّصْرَانِيِّ. وَعَنْ مَرْوَانَ: أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتِحْلَافُ الْعُمَّالِ عِنْدَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: الِاسْتِحْلَافُ " بِاَللَّهِ " فَقَطْ حَيْثُ كَانَ مِنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ -. وَهُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ - وَكَذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا بِمَاذَا يَحْلِفُونَ - فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا فِي " بَابِ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ " تَحْلِيفَ عُثْمَانَ لِابْنِ عُمَرَ " بِاَللَّهِ " فَقَطْ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ. وَذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي مُوسَى اسْتِحْلَافَ الْكُفَّارِ " بِاَللَّهِ " فَقَطْ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْحَلِفُ " بِاَللَّهِ " فَقَطْ - وَهُوَ عَنْهُ، وَعَنْ عُثْمَانَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يُسْتَحْلَفُوا " بِاَللَّهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ: إنْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ فَيَمِينُهُ " بِاَللَّهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: كُنْت مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَاضٍ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ: مُسْلِمٌ، وَنَصْرَانِيٌّ، فَقَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى النَّصْرَانِيِّ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ: اسْتَحْلِفْهُ لِي فِي الْبَيْعَةِ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: اسْتَحْلِفْهُ " بِاَللَّهِ " وَخَلِّ سَبِيلَهُ - وَنَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: اسْتِحْلَافُهُمْ بِاَللَّهِ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: يُسْتَحْلَفُونَ " بِاَللَّهِ " وَيُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ. وَعَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحْلِفُهُمْ بِدِينِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يُسْتَحْلَفُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَيُسْتَحْلَفُ " بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الطَّالِبُ الْغَالِبُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ ". وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ". وَيُسْتَحْلَفُ النَّصْرَانِيُّ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ". وَيُسْتَحْلَفُ الْمَجُوسِيُّ " بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ ". وَكُلُّ هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّحْلِيفِ الطَّالِبَ الْغَالِبَ - وَرَأَى أَنْ يُحَلَّفَ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ عِنْدَ الْمَقَامِ بِمَكَّةَ، وَعِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، وَأَنْ يُحَلَّفَ سَائِرُ أَهْلِ الْبِلَادِ فِي جَوَامِعِهِمْ. وَأَمَّا مَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. وَرَأَى أَنْ يُحَلَّفَ الْكُفَّارُ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُحَلَّفُونَ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فِي مَكَّةَ عِنْدَ الْمَقَامِ، وَفِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْبِلَادِ فَحَيْثُ يُعَظَّمُ مِنْ الْجَوَامِعِ - وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ الْمَسْتُورَةُ لِذَلِكَ لَيْلًا. وَأَمَّا مَا دُونَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَفِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. وَيُحَلَّفُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ " بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ". وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُحَلَّفُ الْمُسْلِمُ " بِاَللَّهِ " فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فِي الْمُصْحَفِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِمْ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَمَا رُوِّينَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ، نا دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ " وَيَمِينُك بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " يَعْنِي عَلَى الْمَطْلُوبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا يُسْتَحْلَفُ بِهِ الْمُسْلِمُ فَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَاهُ، وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهِ بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُلْنَا عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ فِي الْيَمِينِ. قُلْنَا: مَا هَذَا بِتَأْكِيدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا ذُكِرَ بِاسْمِهِ اقْتَضَى الْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَاقْتَضَى كُلَّ مَا يُخْبَرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْلُكُوا مَسْلَكَ الدُّعَاءِ وَالتَّعَبُّدِ فَكَانَ أَوْلَى بِكُمْ أَنْ تَزِيدُوا مَا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23] الْآيَةَ، فَزِيدُوا هَكَذَا حَتَّى تَفْنَى أَعْمَارُكُمْ، وَتَنْقَطِعَ أَنْفَاسُكُمْ، وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي مَكَانِ حُكْمٍ لَا فِي تَفَرُّغٍ لِذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ. ثُمَّ أَغْرَبُ شَيْءٍ زِيَادَةُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: " الطَّالِبَ الْغَالِبَ " فَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَا نُدِبَ إلَيْهِ -: كَثُرَ خَطَؤُهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. فَإِنْ قَالُوا: قَصَدْنَا بِذَلِكَ التَّغْلِيظَ قُلْنَا: فَاجْلُبُوهُمْ مِنْ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا إلَى مَكَّةَ فَهُوَ أَشَدُّ تَغْلِيظًا كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَوْ حَلِّفُوهُمْ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَهُوَ

أَشَدُّ تَغْلِيظًا، وَحَلِّفُوهُمْ بِمَا تَرَوْنَهُ أَيْمَانًا مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ، فَهُوَ عِنْدَكُمْ أَغْلَظُ وَأَوْكَدُ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ قَالُوا رُدَّ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الزِّيَادَاتِ الَّتِي زَادُوهَا وَلَا فَرْقَ. أَوْ نَقُولُ: حَلِّفُوهُمْ بِ " عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ كَاذِبًا " قِيَاسًا عَلَى الْمُلَاعِنِ، أَوْ رُدُّوا عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَنْ يُحَلَّفَ النَّصْرَانِيُّ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى " فَعَجَبٌ، وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَاهُ، فَمَا فِي الْأَمْرِ لَهُمْ بِهَذِهِ الْيَمِينِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلًا. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ جَهْلُ مَنْ يُحَلِّفُهُمْ بِهَذَا، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يُقِرُّونَ بِهِ، وَلَا قَالَ نَصْرَانِيٌّ قَطُّ: إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَإِنَّمَا الْإِنْجِيلُ عِنْدَ جَمِيعِ النَّصَارَى - لَا نُحَاشِي مِنْهُمْ أَحَدًا - أَرْبَعَةُ تَوَارِيخَ -: أَلَّفَ أَحَدَهَا: مَتَّى - وَأَلَّفَ الْآخَرَ: يُوحَنَّا - وَهُمَا عِنْدَهُمْ حَوَارِيَّانِ. وَأَلَّفَ الثَّالِثَ: مُرْقُسُ - وَأَلَّفَ الرَّابِعَ: لُوقَا، وَهُمَا تِلْمِيذَانِ لِبَعْضِ الْحَوَارِيِّينَ عِنْدَ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ تَأْلِيفَهَا كَانَ عَلَى سِنِينَ مِنْ رَفْعِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَإِنْ قَالُوا: حَلَّفْنَاهُمْ بِمَا هُوَ الْحَقُّ قُلْنَا: فَحَلِّفُوهُمْ " بِالْقُرْآنِ " فَهُوَ حَقٌّ. فَإِنْ قَالُوا: هُمْ لَا يُقِرُّونَ بِهِ. قُلْنَا: وَهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ الْإِنْجِيلَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا تَحْلِيفُهُمْ الْيَهُودَ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى " فَإِنَّهُمْ مَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: مِنْ طَرِيقِ الْبَرَاءِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَيْهِ يَهُودِيٌّ مُحَمَّمٌ مَجْلُودٌ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ أَنْشَدْتَنِي بِهَذَا مَا أَخْبَرْتُكَ بِحَدِّ الرَّجْمِ» .

وَالْآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْيَهُودِيِّ أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ قَالُوا: يُحَمَّمُ وَيُجَبَّهُ، وَشَابٌّ مِنْهُمْ سَكَتَ -» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّحْلِيفَ لَمْ يَكُنْ فِي خُصُومَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي مُنَاشَدَةٍ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ الْمُنَاشِدَ أَنْ يَنْشُدَ بِمَا شَاءَ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَيْسَ فِيهِمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُحَلَّفَ هَكَذَا فَكَانَ مَنْ أَلْزَمَ ذَلِكَ فِي التَّحْلِيفِ شَارِعًا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ يُسْتَحْلَفُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ " بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " فَإِنَّهُمْ عَوَّلُوا فِي ذَلِكَ عَلَى خَبَرٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا أَبُو الْأَحْوَصِ نا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ أَحْلَفَهُ احْلِفْ: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا لَهُ عِنْدَكَ شَيْءٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَنْ أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ مِصْدَعٌ الْأَعْرَجُ - وَهُوَ مُجَرَّحٌ قُطِعَتْ عُرْقُوبَاهُ فِي التَّشَيُّعِ. وَالثَّانِي - أَنَّ أَبَا الْأَحْوَصِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إلَّا بَعْدَ اخْتِلَاطِ عَطَاءٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْأَكَابِرُ الْمَعْرُوفُونَ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " قَالَ: «جَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِلْمُدَّعِي: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ يُقِمْ، وَقَالَ لِلْآخَرِ: احْلِفْ، فَحَلَفَ - بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادْفَعْ حَقَّهُ وَسَتُكَفِّرُ عَنْكَ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا صَنَعْتَ» . فَسُفْيَانُ الَّذِي صَحَّ سَمَاعُهُ مِنْ عَطَاءٍ يَذْكُرُ أَنَّ الرَّجُلَ حَلَفَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ كَذَلِكَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَبُو يَحْيَى لَا شَيْءٌ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ خِلَافًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ.

ثُمَّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مَكْذُوبٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُهُ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدْرِي أَنَّهُ كَاذِبٌ فَيَأْمُرُهُ بِالْكَذِبِ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَعَلَى خَبَرٍ آخَرَ: مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ كَاذِبًا فَغُفِرَ لَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، وَلَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَلِفِ بِذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ أَصْلًا، بَلْ هُوَ ضِدُّ قَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ زَادُوا ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَتَعْظِيمًا فَعَلَى هَذَا الْخَبَرِ مَا هِيَ إلَّا زِيَادَةُ تَخْفِيفٍ مُوجِبَةٌ لِلْمَغْفِرَةِ لِلْكَاذِبِ فِي يَمِينِهِ، مُسَهِّلَةٌ عَلَى الْفُسَّاقِ أَنْ يَحْلِفُوا بِهَا كَاذِبِينَ. وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْحِيدُ لَهُ يُوَازِنُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوَازِنَهُ مِنْ الْمَعَاصِي فَيُذْهِبُهَا. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . وَذَكَرُوا حَدِيثًا آخَرَ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي نا إبْرَاهِيمُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ أَسَرَقْتَ فَقَالَ: لَا، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْتُ بَصَرِي» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْلِفَ كَذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ - ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ فَشَرِيعَةُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَلْزَمُنَا، إنَّمَا يَلْزَمُنَا مَا أَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ «أَنَّهُ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، قُلْت: آللَّهِ

الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، قَالَ: آللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ؟ قُلْتُ: آللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ قَالَ: انْطَلِقْ فَاسْتَثْبِتْ؟ فَانْطَلَقْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنْ جَاءَكُمْ يَسْعَى مِثْلَ الطَّيْرِ يَضْحَكُ فَقَدْ صَدَقَ، فَانْطَلَقْتُ فَاسْتَثْبَتُّ ثُمَّ جِئْتُ وَأَنَا أَسْعَى مِثْلَ الطَّيْرِ أَضْحَكُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: انْطَلِقْ فَأَرِنِي مَكَانَهُ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَأَرَيْتُهُ مَكَانَهُ؟ فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلًا، لِوُجُوهٍ -: مِنْهَا - أَنَّهُ إسْنَادٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ إنَّمَا قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ ابْنَا عَفْرَاءَ. ثُمَّ إنَّهَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةً، إنَّمَا كَانَتْ مُنَاشَدَةً. ثُمَّ إنْ كَانَتْ مُنَاشَدَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ تُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ التَّحْلِيفُ فِي الْحُقُوقِ إلَّا كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَكْرَارَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنَاشَدَتَهُ يُوجِبُ أَنْ تَتَكَرَّرَ الْيَمِينُ عَلَى الْحَالِفِ فِي الْحُقُوقِ، وَهَذَا بَاطِلٌ - فَبَطَلَ مَا تَعَلَّقْتُمْ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا فِي إيجَابِهِمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي التَّحْلِيفِ. فَإِنْ قَالُوا: هِيَ زِيَادَةُ خَيْرٍ. قُلْنَا: نَعَمْ فَأَلْزِمُوهُ الصَّدَقَةَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ زِيَادَةُ خَيْرٍ - وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَ آخَرَ فِعْلَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الذِّكْرِ وَالْبِرِّ إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ يُوجِبُ نَصُّهُمَا ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْمُوجِبُ مَا لَا نَصَّ فِي إيجَابِهِ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا مِنْ النُّصُوصِ -: فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ} [المائدة: 106] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: 53] .

فَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَحَدًا بِأَنْ يَزِيدَ فِي الْحَلِفِ عَلَى " بِاَللَّهِ " شَيْئًا، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مُوجِبًا لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ نا أَبِي عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا أَبُو عُبَيْدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ - هُوَ الْمُقْرِي - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» . وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى إبْطَالِ زِيَادَتِهِمْ وَإِيجَابِهِمْ مِنْ ذَلِكَ خِلَافَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ -. وَصَحَّ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَحْلِفُ: لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» . فَصَحَّ: أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا يَحْلِفُ الْحَالِفُ بِأَيِّهَا شَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مِمَّا صَحَّ عَنْهُمَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَعَلِيٍّ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَعَنْ شُرَيْحٍ وَحْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: مِنْ حَيْثُ يَحْلِفُ النَّاسُ، فَقَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَقَلَّدُوا فِيهَا مَرْوَانَ. وَخَالَفُوا: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَخَالَفُوا: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي جَلْبِهِ رَجُلًا مِنْ الْعِرَاقِ لِيَحْلِفَ بِمَكَّةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ بِالْعِرَاقِ، وَالْحِجَازِ، وَمُعَاوِيَةَ فِي جَلْبِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ - وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ تَعَلَّقُوا بِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ شَغَبُوا بِأَخْبَارٍ نَذْكُرُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ نا أَبُو أُمَامَةَ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَحِلُّ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ عَدْلًا وَلَا صَرْفًا» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْضٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ قَالَ: فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نا حِبَّانُ - هُوَ ابْنُ هِلَالٍ - نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ - هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ - عَنْ عَلْقَمَةَ - هُوَ ابْنُ وَائِلٍ - عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ " أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِلْمُدَّعِي فِي أَرْضٍ: بَيِّنَتُكَ قَالَ: لَيْسَ لِي، قَالَ: يَمِينُهُ، قَالَ: إذًا يَذْهَبُ بِمَالِي قَالَ: لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ، فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ -: فَأَمَّا خَبَرُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ: فَإِنَّ رَاوِيَ لَفْظَةِ " انْطَلَقَ ": سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ - ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ انْطَلَقَ إلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ يُرِيدُ انْطَلَقَ فِي كَلَامِهِ لِيَحْلِفَ، وَلَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالِانْطِلَاقِ، وَلَا بِالْقِيَامِ، وَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَمَّا الْخَبَرَانِ الْأَوَّلَانِ: فَلَيْسَ فِيهِمَا إلَّا تَعْظِيمُ الْيَمِينِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِمَا: أَنَّهُ أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ لَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ إلَّا عِنْدَهُ، وَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي هَذَا. وَلَوْ كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ يُوجِبَانِ أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ إلَّا عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، قَدْ خَالَفَهَا فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَا يُحَلِّفَانِ عِنْدَهُ إلَّا فِي مِقْدَارٍ مَا مِنْ الْمَالِ لَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدَا هَذَا؟ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ عِنْدَهُ فِي عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ، بَلْ فِيهِ نَصُّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ذَلِكَ -: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نِسْطَاسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ إلَّا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . فَظَهَرَ خِلَافُهُمْ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ. وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ: أَنَّهُمَا يُحَلِّفَانِ مَنْ بَعُدَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَامِعِ، فَقَدْ خَالَفَا هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا، وَلَئِنْ جَازَ أَنْ لَا يُحَلَّفَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ عَلَيْهِ إنَّهُ لَجَائِزٌ فِيمَا قَرُبَ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ، وَلَيْسَ لِلْبُعْدِ وَالْقُرْبِ حَدٌّ فِي الشَّرِيعَةِ، إلَّا أَنْ يَحُدَّ حَادٌّ بِرَأْيِهِ فَيَزِيدُ فِي الْبَلَاءِ وَالشَّرْعِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ نَجِدُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ لِضَعْفِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ خَمْسِينَ مِيلًا، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ النَّارَ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثًا» .

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَ فِيهِمْ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ كَانَ تَعْظِيمُ الْحَلِفِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُوجِبًا لَأَنْ لَا يُحَلَّفَ الْمَطْلُوبُونَ إلَّا عِنْدَهُ؛ فَإِنَّ تَعْظِيمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَلِفَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مُوجِبٌ أَيْضًا: أَنْ لَا يُحَلَّفَ الْمَطْلُوبُونَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ قِيَاسُهُمْ سَائِرَ الْجَوَامِعِ عَلَى مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِجَامِعٍ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَسْجِدٌ آخَرُ جَامِعًا وَتُرِكَ التَّجْمِيعُ فِي الْجَامِعِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ أَصْلًا وَلَا كَرَاهَةٌ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ هَذِهِ الْقِيَاسَاتُ الْفَاسِدَةُ. فَإِنْ قَالُوا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَزْدَجِرَ الْمُبْطِلُ؟ قُلْنَا: فَافْعَلُوا ذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّ الْوَعِيدَ جَاءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءً، حَتَّى فِي قَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ، إلَّا إنْ كَانَ الْقَلِيلُ عِنْدَكُمْ خَفِيفًا - فَهَذَا مَذْهَبُ النَّظَّامِ، وَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ، وَبِشْرِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَهُمْ الْقَوْمُ لَا يُتَكَثَّرُ بِهِمْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُحِقَّ قَدْ يَخْشَى السُّمْعَةَ وَالشُّهْرَةَ فِي حَمْلِهِ إلَى الْجَامِعِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ، فَقَدْ حَصَلْتُمْ بِنَظَرِكُمْ عَلَى إبْطَالِ الْحُقُوقِ، وَأُفٍّ لِهَذَا نَظَرًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الْيَمِينُ فِي مَكَان دُونَ مَكَان، وَفِي حَالٍ دُونَ حَالٍ: لَبَيَّنَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَلَا يُخَصُّ بِالْيَمِينِ مَكَانٌ دُونَ مَكَان، وَلَا حَالٌ دُونَ حَالٍ. وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَرَى فِيهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: التَّحْلِيفَ فِي الْجَوَامِعِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْكَرَ التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ إلَّا فِي دَمٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهَا رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ لَا يُدْرَى لَهَا أَصْلٌ وَلَا مُنْبَعَثٌ وَلَا مَخْرَجٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛

ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَاتَ زَمَنَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَوَالِي مَكَّةَ يَوْمئِذٍ كَانَ بِلَا شَكٍّ مِنْ الصَّحَابَةِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ، فَلَيْسَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ. ثُمَّ لَمْ يَحُدَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي كَثِيرِ الْمَالِ مَا حَدَّهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ مَالِكًا إلَى تَحْدِيدِ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا مَنْ سَبَقَ الشَّافِعِيِّ إلَى تَحْدِيدِهِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ تُقْطَعُ الْيَدُ فِيهَا. قُلْنَا: وَمَنْ حَدَّ ذَلِكَ، إنَّمَا حَدَّ قَوْمٌ بِرُبُعِ دِينَارٍ، وَأَمَّا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَلَا - وَيُعَارِضُ هَذَا تَحْدِيدُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ عِشْرِينَ دِينَارًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَخْصِيصُ ذَلِكَ دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ الَّتِي صَحَّ فِيهَا النَّصُّ. أَوْ يُعَارِضُهُمْ آخَرُونَ بِمِقْدَارِ الدِّيَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لَا مَعْنَى لَهُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ مَا دُونَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ أَيُتَسَاهَلُ فِي ظُلْمِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَقَدْ وَجَدْنَا أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ تُؤْخَذُ غَصْبًا فَلَا يَجِبُ فِيهَا قَطْعٌ، وَالْغَصْبُ وَالسَّرِقَةُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا ظُلْمٌ، وَأَخْذُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَلَعَلَّ الْغَاصِبَ أَعْظَمُ إثْمًا، لِاهْتِضَامِهِ الْمُسْلِمَ عَلَانِيَةً، بَلْ لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ غَاصِبَ دِينَارٍ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ سَارِقِ رُبُعِ دِينَارٍ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ الدِّرْهَمُ عِنْدَهُ عَظِيمٌ لِفَقْرِهِ، وَفِيهِمْ مَنْ أَلْفُ دِينَارٍ عِنْدَهُ قَلِيلٌ لِيَسَارِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كتاب الشهادات

[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الشَّهَادَاتِ 1789 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا عَدْلٌ رَضِيٌّ. وَالْعَدْلُ: هُوَ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ كَبِيرَةٌ، وَلَا مُجَاهَرَةٌ بِصَغِيرَةٍ. وَالْكَبِيرَةُ: هِيَ مَا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِيرَةً، أَوْ مَا جَاءَ فِيهِ الْوَعِيدُ. وَالصَّغِيرَةُ: مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ وَعِيدٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] . وَلَيْسَ إلَّا فَاسِقٌ أَوْ غَيْرُ فَاسِقٍ، فَالْفَاسِقُ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْفِسْقُ، وَالْكَبَائِرُ كُلُّهَا فُسُوقٌ - فَسَقَطَ قَبُولُ خَبَرِ الْفَاسِقِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَدْلُ: وَهُوَ مَنْ لَيْسَ بِفَاسِقٍ. وَأَمَّا الصَّغَائِرُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] . فَصَحَّ: أَنَّ مَا دُونَ الْكَبَائِرِ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَمَا كَفَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَسْقَطَهُ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَذُمَّ بِهِ صَاحِبَهُ وَلَا أَنْ يَصِفَهُ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ تَابَ مِنْ الْكُفْرِ فَمَا دُونَهُ فَإِنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ مَا تَابَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَذُمَّهُ بِمَا سَقَطَ عَنْهُ، وَلَا أَنْ يَصِفَهُ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ عَدْلٌ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: نا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: نا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ، أَوْ قَرَابَةٍ. وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا: أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ قَالَ: نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ قَالَ: نا أَبُو ذَرٍّ: نا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي السِّجِسْتَانِيُّ نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى فَذَكَرَهُ كَمَا هُوَ - وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ: نا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَرْخِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَّافُ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ نا سُفْيَانُ عَنْ إدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ " وَقِسْ الْأُمُورَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ " وَفِي بَعْضِهَا " وَاعْرِفْ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ " وَعَلَيْهَا عَوَّلَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فِي الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ لَمْ يُبَالُوا بِخِلَافِهَا فِي أَنَّ " الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلَّا مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ، أَوْ قَرَابَةٍ ". فَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: مُجَاهِرُونَ بِخِلَافِ هَذَا، وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُمْ عَلَى الرَّدِّ حَتَّى تَصِحَّ الْعَدَالَةُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِي الشَّاهِدِ فَإِذَا طَعَنَ فِيهِ الْخَصْمُ تَوَقَّفَ فِي شَهَادَتِهِ حَتَّى تَثْبُتَ لَهُ الْعَدَالَةُ. فَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ قَوْلِ عُمَرَ، فَمَرَّةً قَوْلُهُ حُجَّةٌ، وَمَرَّةً قَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْعَدْلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ - هُوَ أَبُو الْيَمَانِ - نا شُعَيْبُ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ

عَنْ الزُّهْرِيِّ نا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَهُوَ عَدْلٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَرٌّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ قِيلَ لَهُ: إنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ قَدْ فَشَتْ؟ فَقَالَ: لَا يُوسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ: مَعْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ: أَنَّ الْعُدُولَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ إلَّا مَنْ صَحَّتْ عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ حُمَامٌ عَنْ الْبَاجِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَّا لَا يُوسَرُ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ بِشُهُودِ الزُّورِ، فَإِنَّا لَا نَقْبَلُ إلَّا الْعُدُولَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يُصِبْ حُرًّا أَوْ تُعْلَمْ عَلَيْهِ خَرَبَةٌ فِي دِينِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ عَوْفٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ صَلَّى إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْخَصْمُ بِمَا يُجَرِّحُهُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ لَا يَجُوزُ فِي الطَّلَاقِ شَهَادَةُ ظَنِينٍ وَلَا مُتَّهَمٍ. قُلْنَا: قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ الطَّلَاقَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَلَمْ يَجُزْ فِي الطَّلَاقِ بِالنَّصِّ إلَّا مَنْ عُرِفَ لَا مَنْ يُتَّهَمُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ حَتَّى تَصِحَّ الْجُرْحَةُ: بِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ جُرْحَةٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مُسْلِمًا، فَالْإِسْلَامُ خَيْرٌ، بَلْ هُوَ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فَقَدْ صَحَّ مِنْهُ الْخَيْرُ، فَهُوَ عَدْلٌ حَتَّى يُوقَنَ مِنْهُ بِضِدِّ ذَلِكَ.

فَقُلْنَا: إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُ فَقَدْ صَارَ فِي نِصَابِ مَنْ يُكْتَبُ لَهُ الْخَيْرُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ الشَّرُّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ سَلِمَ مِنْ ذَنْبٍ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] . فَصَحَّ: أَنَّهُ لَا أَحَدَ إلَّا وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَاكْتَسَبَ إثْمًا، فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا وَلَا بُدَّ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ حَتَّى يُعْلَمَ أَيْنَ أَحَلَّتْهُ ذُنُوبُهُ فِي جُمْلَةِ الْفَاسِقِينَ: فَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] أَمْ فِي جُمْلَةِ الْمَغْفُورِ لَهُمْ مَا أَذْنَبُوا، وَمَا ظَلَمُوا فِيهِ أَنْفُسَهُمْ، وَمَا كَسَبُوا مِنْ إثْمٍ بِالتَّوْبَةِ، أَوْ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَالتَّسَتُّرِ بِالصَّغَائِرِ: بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ سَلِمَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْحُدُودُ وَمَا يُشْبِهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْعَظَائِمِ، وَكَانَ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ، وَأَخْلَاقُ الْبِرِّ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَعَاصِي: قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَبْدٌ مِنْ ذَنْبٍ. وَإِنْ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ مِنْ أَخْلَاقِ الْبِرِّ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ. وَلَا نُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَيُقَامِرُ عَلَيْهَا. وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُطَيِّرُهَا. وَلَا مَنْ يُكْثِرُ الْحَلِفَ بِالْكَذِبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى كَثْرَةِ الْخَيْرِ وَكَثْرَةِ الشَّرِّ - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ زِنًى مَرَّةً فَهُوَ فَاسِقٌ حَتَّى يَتُوبَ. ثُمَّ رَدَّ الشَّهَادَةَ بِاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ - وَمَا نَدْرِي ذَلِكَ مُحَرَّمًا مَا لَمْ يَسْرِقْ حَمَامَ النَّاسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ وَالْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَخِلَافَ الْمُرُوءَةِ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا ذِكْرُهُ الْمُرُوءَةَ هَاهُنَا فَفُضُولٌ مِنْ الْقَوْلِ وَفَسَادٌ فِي الْقَضِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاعَةِ فَالطَّاعَةُ تُغْنِي

مسألة ما يقبل في شهادة الزنا

عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ الطَّاعَةِ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا فِي أُمُورِ الدِّيَانَةِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ: مَنْ كَانَ أَكْثَرُ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى كَبِيرَةٍ فَهُوَ عَدْلٌ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا بَيَّنَّا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَا يَقْبَل فِي شَهَادَة الزِّنَا] 1790 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الزِّنَى أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ، أَوْ مَكَانَ كُلِّ رَجُلٍ امْرَأَتَانِ مُسْلِمَتَانِ عَدْلَتَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ، أَوْ رَجُلًا وَاحِدًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ، أَوْ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَقَطْ. وَلَا يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ، وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَالنِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالْأَمْوَالُ، إلَّا رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ عَدْلَانِ؛ أَوْ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كَذَلِكَ، أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَذَلِكَ - وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ - حَاشَا الْحُدُودَ - رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَتَانِ كَذَلِكَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ. وَيُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ وَحْدَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ. فَأَمَّا وُجُوبُ قَبُولِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَى فَبِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . وَأَمَّا قَبُولُ رَجُلَيْنِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] إلَى قَوْلِهِ - {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلَى قَوْلِهِ -: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]

وَادَّعَى قَوْمٌ: أَنَّ قَبُولَ عَدْلَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ قِيَاسًا عَلَى نَصِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَفِي قَبُولِهِنَّ مَعَ رَجُلٍ فِيمَا عَدَا الدُّيُونَ الْمُؤَجَّلَةَ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ فِي كَمْ يُقْبَلُ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ؟ فَقَالَ زُفَرُ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ قَبُولُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ دُونَ رَجُلٍ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، لَا فِي وِلَادَةٍ وَلَا فِي رَضَاعٍ، وَلَا فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ - وَأَجَازَهُنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْعِتْقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُرْدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِي الدَّيْنِ. وَرُوِّينَا ضِدَّ هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مِنْ الشَّهَادَاتِ شَهَادَةٌ لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا شَهَادَاتُ النِّسَاءِ.

وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ - وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْقَعْقَاعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ إلَّا عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَحَمْلِهِنَّ وَحَيْضِهِنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ ابْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَحْتًا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُهُ صَحَّ عَنْهُمَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: لَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ إلَّا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ الْحَكَمُ: عَنْ عَلِيٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ: عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ؛ وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الدِّمَاءِ، وَلَا الْحُدُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الْحُدُودِ - وَأَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْعِتْقِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالدَّيْنِ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَلَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا مَعَ رَجُلٍ وَلَا دُونَهُ، وَأَنَّهَا جَائِزَةٌ فِي جِرَاحِ الْخَطَأِ، وَفِي الْوَصَايَا، وَفِي الدُّيُونِ مَعَ رَجُلٍ، وَفِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ: فِي قَتْلٍ، وَلَا فِي حَدٍّ، وَلَا فِي طَلَاقٍ، وَلَا نِكَاحٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ: فِي طَلَاقٍ، وَلَا فِي نِكَاحٍ.

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ: فِي حَدٍّ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا نِكَاحٍ وَلَا عِتْقٍ - وَأَجَازَهَا: فِي الْوَصَايَا فِي الدُّيُونِ، وَفِي الْقَتْلِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي طَلَاقٍ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا حَدٍّ، وَلَا عِتْقٍ - وَتَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، وَفِي كُلِّ حَقٍّ يَتَرَاضَوْنَ فِيهِ، وَيَتَعَاطَوْنَ الْمَعْرُوفَ عَلَيْهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الدِّيَةِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَتَاقَةٍ مَعَ رَجُلٍ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: قَبُولُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ، وَجِرَاحِ الْخَطَأِ، وَلَمْ يُجِزْ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي جِرَاحِ عَمْدٍ، وَلَا فِي حَدٍّ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: قَبُولُ النِّسَاءِ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ. وَصَحَّ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: قَبُولُ امْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ فِي الْحُدُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عَلَى رَجُلٍ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَمَّنْ يَرْضَى - كَأَنَّهُ يُرِيدُ طَاوُسًا - قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَعَ الرِّجَالِ، إلَّا الزِّنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ هَارُونَ - عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ قَالَ: إنَّ سَكْرَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حِرَاشِ بْنِ مَالِكٍ الْجَهْضَمِيِّ نا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ عُمَانَ تَمَلَّأَ مِنْ الشَّرَابِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ

ثَلَاثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَأَبَتَّ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا أَبُو طَلْقٍ عَنْ امْرَأَةٍ: أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ صَبِيًّا فَقَتَلَتْهُ، فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَأَجَازَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَهَادَتَهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي طَلْقٍ عَنْ أُخْتِهِ هِنْدَ بِنْتِ طَلْقٍ قَالَتْ: كُنْت فِي نِسْوَةٍ وَصَبِيٌّ مُسَجًّى، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَمَرَّتْ فَوَطِئَتْهُ، فَقَالَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ: قَتَلْتِهِ وَاَللَّهِ، فَشَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَشْرُ نِسْوَةٍ - أَنَا عَاشِرَتُهُنَّ - فَقَضَى عَلِيٌّ عَلَيْهَا بِالدِّيَةِ وَأَعَانَهَا بِأَلْفَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَجَازَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ: فِي الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاء فِي النِّكَاحِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا أَبُو مُعَاوِيَةَ - وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: لَوْ شَهِدَ عِنْدِي ثَمَانِي نِسْوَةٍ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى لَرَجَمْتهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ - وَتَجُوزُ عَلَى الزِّنَى امْرَأَتَانِ وَثَلَاثَةُ رِجَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى مَتَاعَ الْبَيْتِ، فَجَاءَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ فَقُلْنَ: دَفَعْنَا إلَيْهِ الصَّدَاقَ وَقُلْنَا: جَهِّزْهَا؟ فَقَضَى شُرَيْحٌ عَلَيْهِ بِالْمَتَاعِ وَقَالَ لَهُ: إنَّ عُقْرَهَا مِنْ مَالِكَ - هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: تُقْبَلُ الْمَرْأَتَانِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْقِصَاصِ، وَفِي الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَكُلِّ شَيْءٍ - حَاشَ الْحُدُودَ - وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ.

وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسُفْيَانَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَكُلِّ شَيْءٍ - حَاشَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصَ - وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاء مَعَ رَجُلٍ فِي الْحُدُودِ، وَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا فِي الْوِلَادَةِ: أَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ، وَيُلْحَقُ نَسَبُهُ - وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهَا بِذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ رَجُلَانِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَلَا يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ: لَا فِي قِصَاصٍ، وَلَا حَدٍّ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا نِكَاحٍ - وَتَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ فِي الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا، حَاشَ الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ - وَيُقْبَلْنَ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مَعَ رَجُلٍ - وَلَا يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ: لَا فِي الرَّضَاعِ، وَلَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلَادَةِ، وَلَا فِي الِاسْتِهْلَالِ لَكِنْ مَعَ رَجُلٍ - وَيُقْبَلْنَ فِي الْوِلَادَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلَادَةِ، وَفِي الِاسْتِهْلَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ وَلَا دُونَهُ: فِي قِصَاصٍ، وَلَا حَدٍّ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا رَجْعَةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا نَسَبٍ، وَلَا وَلَاءٍ، وَلَا إحْصَانٍ. وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الدُّيُونِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي لَا عِتْقَ فِيهَا - وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ: فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَالْوِلَادَةِ، وَالرَّضَاعِ وَالِاسْتِهْلَالِ - وَحَيْثُ يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينُ الطَّالِبِ، فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ، وَيُقْضَى بِامْرَأَتَيْنِ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا، وَفِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ

مَالٌ، وَفِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ - وَلَا يُقْبَلْنَ فِي أَصْلِ الْوَصِيَّةِ لَا مَعَ رَجُلٍ وَلَا دُونَهُ - وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي عَدَدِ مَا يُقْبَلُ مِنْهُنَّ حَيْثُ يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ. فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَكَانَ كُلِّ شَاهِدٍ رَجُلٌ امْرَأَتَانِ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ إلَّا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ جُمْلَةً، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لَا يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ إلَّا ثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَا أَقَلُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْبَلُ امْرَأَتَانِ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ إلَّا فِي الِاسْتِهْلَالِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ فِيهِ الْقَابِلَةُ وَحْدَهَا. وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ امْرَأَتَانِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْبَلُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَأَنَّ عُمَرَ وَرَّثَ بِذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً كُلُّ ذَلِكَ قَالُوهُ فِي الِاسْتِهْلَالِ، إلَّا الشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادًا فَقَالَا: فِي كُلِّ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُقْبَلُ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ - وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ،

وَعَلِيٌّ - أَمِيرَيْ الْمُؤْمِنِينَ - وَابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ - وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ: الْحُكْمُ فِي الرَّضَاعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَنَّ عُثْمَانَ فَرَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَنِسَائِهِمْ - وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ - وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْقَضَاءِ جُمْلَةً - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ مَعَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ قَضَى فِي دَارٍ بِشَهَادَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَمْ يُشْهِدْ بِذَلِكَ غَيْرَهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: أُفْتِي فِي ذَلِكَ بِالْفُرْقَةِ - وَلَا أَقْضِي بِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إلَّا فَعَلَتْ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: أَقْضِي بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، قَبْلَ النِّكَاحِ، وَأَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَا أُفَرِّقُ بِشَهَادَتِهِمَا بَعْدَ النِّكَاحِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يَرَ قَبُولَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَلَا قَبُولَ امْرَأَةٍ مَعَ رَجُلٍ إلَّا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَقَطْ، أَنْ قَالُوا: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّنَى بِقَبُولِ أَرْبَعَةٍ، وَفِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِرَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ بِاثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِاثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ يَحْلِفَانِ مَعَ شَهَادَتِهِمَا، وَفِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ بِذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّدَاعِي فِي أَرْضٍ «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَدَدَ الشُّهُودِ وَصِفَتَهُمْ إلَّا

فِي هَذِهِ النُّصُوصِ فَقَطْ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا، وَأَنْ لَا تَتَعَدَّى، وَأَنْ لَا يُقْبَلَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إلَّا مَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ يُخَالِفُنَا اتَّبَعَ فِي أَقْوَالِهِ فِي الشَّهَادَاتِ النُّصُوصَ الثَّابِتَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا مِنْ السُّنَنِ، وَلَا مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَلَا مِنْ الْقِيَاسِ، وَلَا مِنْ الِاحْتِيَاطِ، وَلَا مِنْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكُلُّ أَقْوَالٍ كَانَتْ هَكَذَا فَهِيَ مُتَخَاذِلَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ بَاطِلٌ، لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَفُرُوجِهِمْ، وَأَبْشَارِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّنَا هَبْكَ أَمْسَكْنَا الْآنَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى احْتِجَاجِهِمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنْ لِنُرِيَهُمْ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ - مُخَالَفَتَهُمْ لَهَا جِهَارًا -: أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ مَعَ رَجُلٍ، وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ، بَلْ فِيهَا: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَرَى خَبَرَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ خِلَافًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَلَا يَرَى قَوْلَهُ بِإِجَازَةِ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ خِلَافًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . فَإِنْ قَالُوا: إنَّ امْرَأَةً عَدْلَةً وَرَجُلًا عَدْلًا يَقَعُ عَلَيْهِمَا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا؟ قُلْنَا: وَشَهَادَةُ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الزِّنَى يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ قَبِلُوا شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا فِي الرَّضَاعِ حَيْثُ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِقَبُولِهَا - وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ

قُلْنَا: فَقِيسُوا الْحُدُودَ فِي ذَلِكَ وَالْقِصَاصَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وَلَا فَرْقَ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى أَنْ لَا يُقْبَلْنَ فِي الْحُدُودِ أَكْذَبَهُمْ عَطَاءٌ. فَإِنْ قَالُوا: خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ: قُلْنَا: وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ فِي أَنْ لَا يُقْبَلْنَ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَقَاسَ بَعْضَ الْأَمْوَالِ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهَا الْعِتْقَ - وَقَبِلَ امْرَأَتَيْنِ لَا رَجُلَ مَعَهُمَا مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ فِي الْأَمْوَالِ وَالْقَسَامَةِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ. وَخَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الِاسْتِهْلَالِ. وَفِي قَبُولِ امْرَأَتَيْنِ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَقَاسَ الْأَمْوَالَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَلَّا قِسْت سَائِرَ الْأَحْكَامِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: أَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ حُكْمٍ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمٌ، وَبَيْنَ قَوْلِك أَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَمَالٌ، وَهَلْ هَاهُنَا إلَّا التَّحَكُّمُ؟ فَهَذَا خِلَافُهُمْ لِلنُّصُوصِ، وَلِلْقِيَاسِ، وَلِقَوْلِ السَّلَفِ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَاعَى الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ. وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ نا أَبِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا أَبُو عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ أَرْبَعَةٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى. وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ قَاسُوا الْقَتْلَ، وَالْقِصَاصَ، وَالْحُدُودَ عَلَى مَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ فَقَطْ دُونَ أَنْ يَقِيسُوهَا عَلَى الزِّنَى الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَحَدٌّ، وَدَمٌ وَدَمٌ - أَوْ عَلَى مَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمٌ، وَشَهَادَةٌ وَشَهَادَةٌ؟ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ. فَإِذًا قَدْ سَقَطَتْ الْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّ وَجْهَ الْكَلَامِ وَالصَّدْعِ بِالْحَقِّ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا عِنْدَ التَّبَايُعِ بِالْإِشْهَادِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] . وَأَمَرَنَا إذَا تَدَايَنَّا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ أَنْ نَكْتُبَهُ، وَأَنْ نُشْهِدَ شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِنَا، أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ مَرْضِيَّتَيْنِ.

وَأَمَرَنَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَالْمُرَاجَعَةِ بِإِشْهَادِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ ذِكْرُ مَا نَحْكُمُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي ذَلِكَ وَالْخِصَامِ مِنْ عَدَدِ الشُّهُودِ، إذْ قَدْ يَمُوتُ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَنْسَيَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَتَغَيَّرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا أَوْ أَضَلُّ سَبِيلًا مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ جِهَارًا فَقَالَ: إذَا تَبَايَعْتُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْهِدُوا؟ وَإِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلَا تَكْتُبُوهُ إنْ شِئْتُمْ. وَلَا تُشْهِدُوا عَلَيْهِ أَحَدًا إنْ أَرَدْتُمْ؟ ثُمَّ أَرَادَ التَّمْوِيهَ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَخَالَفَ الْآيَةَ فِيمَا فِيهَا وَادَّعَى عَلَيْهَا مَا لَيْسَ فِيهَا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَوَّلُ مَنْ يَضُمُّ إلَى هَذَا النَّصِّ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيُجِيزُونَ فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَقَطْ، فَقَدْ زَادُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ بِقِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا نَحْنُ: فَطَرِيقُنَا فِي ذَلِكَ غَيْرُ طَرِيقِهِمْ، لَكِنْ نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ -: قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَالْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ «أَنَّ الْأَشْعَثَ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُحَدِّثُهُمْ بِنُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] فَقَالَ الْأَشْعَثُ: فِي نَزَلَتْ، وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَلْيَحْلِفْ» . فَوَجَدْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ كَلَّفَ الْمُدَّعِيَ مَرَّةً شَاهِدَيْنِ؛ وَمَرَّةً بَيِّنَةً مُطْلَقَةً، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ كُلَّ مَا قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّهُ بَيِّنَةٌ.

وَوَجَدْنَا الشَّاهِدَيْنِ الْعَدْلَيْنِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ بَيِّنَةٍ، فَوَجَبَ قَبُولُهُمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَاشَ حَيْثُ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعَةً فَقَطْ. وَوَجَدْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ الْهَادِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ «فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ - هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَقَطَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً: أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حَيْثُ يُقْبَلُ رَجُلٌ لَوْ شَهِدَ إلَّا امْرَأَتَانِ، وَهَكَذَا مَا زَادَ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قَبِلْتُمْ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ رَجُلًا وَاحِدًا، فَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ، وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَوْ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ قَبِلَهَا مُعَاوِيَةُ؟ قُلْنَا: مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَلَوْ جَازَ قَبُولُ وَاحِدٍ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَتْ الْيَمِينُ فُضُولًا، وَحَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَصَحَّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا فِي الْهِلَالِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " فَقَطْ وَفِي الرَّضَاعِ. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْبَلْخِيّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالَا جَمِيعًا: نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَلَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ، قَالَ: «تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا؟ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا - وَهِيَ كَاذِبَةٌ - فَأَعْرَضَ

عَنِّي، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْتُ: إنَّهَا كَاذِبَةٌ، فَقَالَ: كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْكُمَا؟ دَعْهَا عَنْكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمٌ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ إلَى أَهْلِ ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ تَنَاكَحُوا فَقَالَتْ: هُمْ بَنِيَّ وَبَنَاتِي، فَفَرَّقَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَهُمْ. وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَالنَّاسُ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ فِي الْمُرْضِعَاتِ إذَا لَمْ يُتَّهَمْنَ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا فِي الْحُدُودِ: فَبَلِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ " لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إلَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ " فَهُوَ عَنْ الْحَارِثِ الْغَنَوِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - أَنَّ عُمَرَ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ بَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ قَوْلُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ لَا يَشَاءَ رَجُلَانِ قَتْلَ رَجُلٍ وَإِعْطَاءَ مَالِهِ لِآخَرَ، وَتَفْرِيقَ امْرَأَتِهِ عَنْهُ إلَّا قَدَرَا عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبَيْنَ رَجُلٍ، وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، وَبَيْنَ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ، وَبَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فِي جَوَازِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَالتَّوَاطُؤِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْغَفْلَةُ - وَلَوْ حِينًا - إلَى هَذَا، لَكِنَّ النَّفْسَ أَطْيَبُ عَلَى شَهَادَةِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ مِنْهَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ.

وَهَذَا كُلُّهُ لَا مَعْنَى لَهُ، إنَّمَا هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَلَا مَزِيدَ. وَأَمَّا مَنْ احْتَجَّ بِتَخْصِيصِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ الرِّجَالُ فَبَاطِلٌ، وَمَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ النَّظَرِ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ إلَّا كَاَلَّذِي يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ، كَنَظَرِهِمْ إلَى عَوْرَةِ الزَّانِيَيْنِ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ: فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَخْبَرَنِي ضَمْرَةُ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَقَضَى بِهَا عَلِيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَضَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَحْلَفَهُ مَعَ شَاهِدِهِ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَعَنْ شُرَيْحٍ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ: مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بْنُ مَعْمَرٍ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَغَيْرُهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَقْضِيَانِ بِذَلِكَ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ. وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ؛ وَيَقْضِي بِهِ مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَا يَقْضِي بِهِ فِي الْعِتْقِ، وَالشَّافِعِيُّ يَقْضِي بِهِ فِي الْعِتْقِ. وَرُوِّينَا إنْكَارَ الْحَكَمِ بِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةُ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ عَطَاءٌ: أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَأَشَارَ إلَى إنْكَارِهِ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الرُّجُوعُ إلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى خِلَافِهِ، وَمَنَعَ مِنْهُ: ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ التَّعَلُّقِ فِي رَدِّ هَذَا الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ بِالتَّعَلُّقِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] .

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. وَكَذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَسَائِرُ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ أَهْذَارٌ، وَالْعَجَبُ اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، وَهُمْ قَدْ أَخَذُوا بِقِيمَةٍ أَحْدَثَهَا مُعَاوِيَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ» -: نا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ نا مُسَدَّدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالُوا كُلُّهُمْ: نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَبُو الْمُصْعَبِ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَزَادَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ: أَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ - وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدِي - أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيَّاهُ وَلَا أَحْفَظُهُ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَدْ كَانَتْ أَصَابَتْ سُهَيْلًا عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ، فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ لَا يَحِلُّ التَّرْكُ لَهَا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِذَلِكَ فِي الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْأَمْوَالِ، حَاشَا الْحُدُودَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُمُومُ الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ مَنْعٌ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْحُدُودُ: فَلَا طَالِبَ لَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا حَقَّ لِلْمَقْذُوفِ فِي إثْبَاتِهَا، وَلَا فِي

مسألة شهادة الكافر

إسْقَاطِهَا، وَلَا فِي طَلَبِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَالْمَزْنِيُّ بِامْرَأَتِهِ أَوْ حَرِيمَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ -: فَلَيْسَ لِذَلِكَ كُلِّهِ طَالِبٌ بِلَا يَمِينٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ فِي بَعْضِ الْآثَارِ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ - وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُونَ دَهْرَهُمْ كُلَّهُ: الْمُرْسَلُ، وَالْمُسْنَدُ: سَوَاءٌ، فِي كُلِّ بَلِيَّةٍ يَقُولُونَ بِهَا، ثُمَّ يَرُدُّونَ خَبَرَ جَابِرٍ هَذَا: بِأَنَّ غَيْرَ الثَّقَفِيِّ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّهُ رُوِيَ مُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَغَيْرِهِ، فَاعْجَبُوا لِعَدَمِ الْحَيَاءِ وَرِقَّةِ الدِّينِ. وَعَجَبٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ بِالنُّكُولِ فِي الدِّمَاءِ، وَالْأَمْوَالِ، فَيُعْطُونَ الْمُدَّعِيَ بِلَا شَاهِدٍ وَلَا يَمِينٍ، لَكِنْ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ - وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا - بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ، وَيَرُدُّونَ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ، وَيَقْضُونَ بِالْعَظَائِمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ دُونَ يَمِينِ الطَّالِبِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَاخْتِيَارِهِمْ الْمُهْلِكِ، وَيُنْكِرُونَ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَيُنْكِرُونَ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَهُمْ يَقْضُونَ بِشَهَادَةِ يَهُودِيَّيْنِ، أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَيُضَعِّفُونَ سَيْفَ بْنَ سُلَيْمَانَ - وَهُوَ ثِقَةٌ -. وَهُمْ آخَذُ النَّاسِ بِرِوَايَةِ كُلِّ كَذَّابٍ، كَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِمَغِيبِ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَدْ غَابَ عَنْهُمَا حُكْمُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَزَكَاةِ الْبَقَرِ، أَوْ عَلِمَاهُ وَرَأَيَاهُ مَنْسُوخًا، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا هُنَالِكَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَقَلَّدُوهُمَا هَاهُنَا، وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَاقِبَةَ وَرَأَى مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: أَنْ لَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ، إلَّا فِي الْأَمْوَالِ. قَالَ مَالِكٌ: وَفِي الْقَسَامَةِ - وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْخَبَرِ بِلَا دَلِيلٍ. [مَسْأَلَة شَهَادَة الْكَافِر] 1791 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ كَافِرٌ أَصْلًا، لَا عَلَى كَافِرٍ، وَلَا عَلَى مُسْلِمٍ حَاشَ الْوَصِيَّةَ فِي السَّفَرِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ مُسْلِمَانِ، أَوْ كَافِرَانِ - مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَا - أَوْ كَافِرٌ وَكَافِرَتَانِ، أَوْ أَرْبَعُ كَوَافِرَ. وَيُحَلَّفُ الْكُفَّارُ هَاهُنَا مَعَ شَهَادَتِهِمْ وَلَا بُدَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ - أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَنَّهَا

الْعَصْرُ - لَكَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا {بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} [المائدة: 106] ثُمَّ يُحْكَمُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ، فَإِنْ جَاءَتْ بَيِّنَةٌ مُسْلِمُونَ: بِأَنَّ الْكُفَّارَ كَذَبُوا: حَلَفَ الْمُسْلِمَانِ الشَّاهِدَانِ، أَوْ الْمُسْلِمُ وَالْمَرْأَتَانِ، أَوْ الْأَرْبَعُ نِسْوَةٍ {بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 107] ثُمَّ يُفْسَخُ مَا شَهِدَ بِهِ الْكُفَّارُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَالْكَافِرُ فَاسِقٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ -. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 106] الْآيَةَ فَوَجَبَ أَخْذُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى كُلِّهِ، وَأَنْ يَسْتَثْنِيَ الْأَخَصَّ مِنْ الْأَعَمِّ، لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى طَاعَةِ الْجَمِيعِ، وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا الطَّرِيقَ فَقَدْ خَالَفَ بَعْضَ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهَذَا لَا يَحِلُّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] الْآيَةَ، قَالَ: بَرِئَ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرِي، وَغَيْرَ عَدِيِّ بْنِ بُدَاءٍ، وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إلَى الشَّامِ، فَأَتَيَا إلَى الشَّامِ، وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا بُدَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ مَوْلَى بَنِي سَهْمٍ، وَمَعَهُ جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَلِكَ هُوَ عُظْمُ تِجَارَتِهِ، فَمَرِضَ؛ فَأَوْصَى إلَيْهَا، قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا مَاتَ أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَامَ فَبِعْنَاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ اقْتَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيُّ بْنُ بُدَاءٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا دَفَعْنَاهُ إلَى أَهْلِهِ، فَسَأَلُوا عَنْ الْجَامِ؟ فَقُلْنَا: مَا دَفَعَ إلَيْنَا غَيْرَ هَذَا، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَرَ، وَأَدَّيْتُ إلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخْبَرْتُهُمْ: أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِي مِثْلَهَا، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَةَ؟ فَلَمْ يَجِدُوا، فَأَحْلَفَهُ بِمَا يُعْظَمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ فَحَلَفَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106] الْآيَةَ، فَحَلَفَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَنُزِعَتْ الْخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَدِيِّ بْنِ بُدَاءٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ، وَعَدِيُّ بْنُ بُدَاءٍ: يَخْتَلِفَانِ إلَى مَكَّةَ

لِلتِّجَارَةِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَتُوُفِّيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَأَوْصَى إلَيْهِمَا، فَدَفَعَا تَرِكَتَهُ إلَى أَهْلِهِ وَحَبَسَا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ، مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَفَقَدَهُ أَوْلِيَاؤُهُ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَتَمْنَا، وَلَا اطَّلَعْنَا، ثُمَّ عُرِفَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ، وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَجَامُ السَّهْمِيِّ، {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 107] فَأَخَذَا الْجَامَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» . وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ جَهْوَرُ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَلَالًا فَحَلِّلُوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَرَامًا فَحَرِّمُوهُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمَائِدَةِ - فَبَطَلَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَصَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 106] فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اُرْتِيبَ بِشَهَادَتِهِمَا اُسْتُحْلِفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا فَإِذَا اطَّلَعَ الْأَوَّلِيَّانِ عَلَى الْكَافِرَيْنِ كَذِبًا حَلَفَا: بِاَللَّهِ إنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلٌ، وَإِنَّا لَمْ نَغْدِرْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَزِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَا جَمِيعًا: نا هُشَيْمٌ نا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ " بِدَقُوقَا " فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَتَيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ " بِاَللَّهِ مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا، وَلَا غَيَّبَا، وَأَنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ " فَأَمْضَى أَبُو مُوسَى شَهَادَتَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ

أَبِي مَيْسَرَةَ هُوَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ - قَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ - شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا فِي وَصِيَّةٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، إلَّا فِي السَّفَرِ، وَلَا تَجُوزُ فِي السَّفَرِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا فَأَشْهَدَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ شَاهِدَيْنِ، فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلَافِ ذَلِكَ أُخِذَ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمَيْنِ وَتُرِكَتْ شَهَادَتُهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ نا أَبُو بِشْرٍ - هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: إذَا كَانَ بِأَرْضِ الشِّرْكِ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا يُحَلَّفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِنْ اُطُّلِعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَاسْتَحَقُّوا.

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ نا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ الشَّعْبِيِّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ أَيْضًا نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ نا هُشَيْمٌ نا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ نا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ نا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ الْحَجَّاجُ: نا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ، وَقَالَ عُثْمَانُ: نا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالَ: مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. فَهَؤُلَاءِ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - وَرُوِيَ أَيْضًا نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ التَّابِعِينَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَشُرَيْحٌ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَغَيْرُهُمْ، كَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ، {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ.

وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ هَذَا، وَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ - وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ عِكْرِمَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا دَعْوَى النَّسْخِ فَبَاطِلٌ، لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ فِي آيَةٍ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لَا تَحِلُّ طَاعَتُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ ضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَمَا عَجَزَ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَالْبُطْلَانِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ خِطَابٌ لِقَبِيلَةٍ دُونَ قَبِيلَةٍ إنَّمَا أَوَّلُهَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 106] وَلَا يَشُكُّ مُنْصِفٌ فِي أَنَّ غَيْرَ الَّذِينَ آمَنُوا هُمْ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَكِنَّهَا مِنْ الْحَسَنِ زَلَّةُ عَالِمٍ لَمْ يَتَدَبَّرْهَا. وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: نَحْنُ نُهِينَا عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ، وَالْكَافِرُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ؟ فَقُلْنَا: الَّذِي نَهَانَا عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ هُوَ الَّذِي أَمَرَنَا بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَنَقِفُ عِنْدَ أَمْرَيْهِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ الْآخَرِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا: أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا هُمْ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ. فَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ: فَأَجَازُوا شَهَادَةَ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي نَهْيِهِ عَنْ قَبُولِ نَبَأِ الْفَاسِقِ ثُمَّ خَالَفُوهُ فِي قَبُولِ الْكُفَّارِ فِي السَّفَرِ؟ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ، وَالْمُضَادَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَأَجَازُوا شَهَادَةَ طَبِيبَيْنِ كَافِرَيْنِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَصِيَّةُ يَكُونُ فِيهَا إقْرَارٌ بِدَيْنٍ فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ دَلَّ عَلَى نَسْخِ سَائِرِ ذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى - قَطُّ - الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ

الثُّلُثِ، وَالْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا دَخَلَ - قَطُّ - الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا نُسِخَ مِنْ الْآيَةِ شَيْءٌ - ثُمَّ لَهُمْ بَعْدَ هَذَا أَهْذَارٌ يُشْبِهُ تَخْلِيطَ الْمُبَرْسَمِينَ لَا مَعْنَى لَهَا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ. وَذَكَرُوا خَبَرًا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْيَمَامِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا مِلَّةُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ سَاقِطٌ، وَهَذَا خَبَرُ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَمَالِكٌ، فَإِنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ الْأَطِبَّاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ - وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْصِيصُ لِلْأَطِبَّاءِ دُونَ سَائِرِ مَنْ يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْعِتْقِ؟ وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَطَائِفَةٌ: مَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً - وَهُوَ قَوْلُنَا. وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْهَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَمْ يُرَاعُوا اخْتِلَافَ مِلَلِهِمْ. وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ شَهَادَةَ كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا وَلَمْ تُجِزْهَا عَلَى غَيْرِ مِثْلِهَا. فَأَمَّا قَوْلُنَا فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ نَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيٍّ، أَوْ مَجُوسِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَالْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ - هُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ. وَصَحَّ أَيْضًا هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عَوْنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ

قَالَ: سَأَلْت نَافِعًا هُوَ مَوْلَى بْنِ عُمَرَ - عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: تَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَوَكِيعٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَالثَّالِثُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَالْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ: أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلَا شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَلَا النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَتْ الْمِلَلُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَلَا النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ، وَلَا مِلَّةٍ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِهَا إلَّا الْمُسْلِمِينَ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ نا حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ إلَّا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهَا: الْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا الْمُسْلِمِينَ - قَالَ وَكِيعٌ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَرُوِيَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ - وَرُوِيَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَنْ نَافِعٍ. وَرُوِيَ الثَّانِي: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ - قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَلَمْ يُرْوَ - لَا صَحِيحًا وَلَا سَقِيمًا - عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ خِلَافٌ لِكُلِّ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَخَالَفَ شُيُوخَهُ الْمَدَنِيِّينَ: أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَافِعًا، وَالزُّهْرِيَّ؛ وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ - وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ: نا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيّ نا

مسألة شهادة العبد والأمة

مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ فِي حَدِيثِ «الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا لِلْيَهُودِ: ائْتُونِي بِالشُّهُودِ؟ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَرَجَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مُجَالِدٌ هَالِكٌ؛ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شِئْت أَنْ يَجْعَلَهَا لِي مُجَالِدٌ كُلَّهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَفَعَلَ. وَعَنْ شُعْبَةَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَأُدَمِّرُ عَلَى مُجَالِدٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إنَّ مُجَالِدًا يَزِيدُ فِي الْإِسْنَادِ. وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ: مُجَالِدٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} [المائدة: 106] وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ - وَقَالُوا ظَاهِرُهَا جَوَازُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ نُسِخَتْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، فَبَقِيَتْ عَلَى الْكُفَّارِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَجْلِيحٌ مِنْهُمْ بِالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا مِرَارًا. إحْدَاهَا - دَعْوَى النَّسْخِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَالثَّانِيَةُ - قَوْلُهُمْ: إنَّ ظَاهِرَهَا جَوَازُ شَهَادَتِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إلَّا عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَقَطْ، ثُمَّ تَحْلِيفُهُمَا، ثُمَّ تَحْلِيفُ الْمُسْلِمَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا، فَمَا رَأَيْت أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْكَذِبِ عَلَى الْقُرْآنِ. وَالثَّالِثَةُ - قَوْلُهُمْ: نُسِخَتْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَبَقِيَتْ عَلَى الْكُفَّارِ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ وَاحِدٌ عَلَيْنَا وَعَلَى الْكُفَّارِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ وَلَا لَهُمْ، إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَنَا وَعَلَيْنَا، إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة شَهَادَة الْعَبْد والأمة] 1792 - مَسْأَلَةٌ: وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مَقْبُولَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِسَيِّدِهِمَا وَلِغَيْرِهِ كَشَهَادَةِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَصَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي الصَّغِيرِ يَشْهَدُ بَعْدَ كِبَرِهِ، وَالنَّصْرَانِيِّ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَالْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ: أَنَّهَا جَائِزَةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ -. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ.

وَرُوِّينَا ذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ حَسَّانَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَا جَمِيعًا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] قَالَ: مِنْ الْأَحْرَارِ - قَالَ وَكِيعٌ: وَلَا يُجِيزُ سُفْيَانُ شَهَادَةَ عَبْدٍ - وَهُوَ قَوْلُ وَكِيعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَوَكِيعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ عِيسَى: عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ: عَنْ أَشْعَثَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: فِي الْعَبْدِ يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ فَتُرَدُّ ثُمَّ يُعْتَقُ فَيَشْهَدُ بِهَا: أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، إلَّا الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ فَإِنَّهُمَا قَالَا: إنَّهَا تَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: لَا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَرِثُ

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: إذَا شَهِدَ الْعَبْدُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَشَهِدَ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ - وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ شَهَادَةَ الْعَبْدِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَرَدَّتْهَا فِي بَعْضٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ، قَالَ عَلِيٌّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: عَنْ هِشَامٍ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ: إنَّهُمْ ثَلَاثَتَهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَتَجُوزُ لِغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ. وَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ شَهَادَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَالْحُرِّ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَكِنَّا نُجِيزُهَا، فَكَانَ شُرَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُجِيزُهَا إلَّا لِسَيِّدِهِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ؟ فَقَالَ: جَائِزَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ: شَهِدْت شُرَيْحًا شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدٌ عَلَى دَارٍ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ فَقِيلَ: إنَّهُ عَبْدٌ؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلُّنَا عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِشَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ بَأْسًا إذَا كَانَ عَدْلًا وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ نا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: شَهَادَةُ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ. كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ: نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: سُئِلَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ؟ قَالَ: أَنَا أَرُدُّ شَهَادَةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَلَى الْإِنْكَارِ لِرَدِّهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ خَالَفُوهُمَا فِي الصَّبِيِّ يَشْهَدُ فَيُرَدُّ، ثُمَّ يَبْلُغُ فَيَشْهَدُ. فَقَالُوا: يُقْبَلُ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حُجَّةً، وَبَعْضُهُ غَيْرَ حَجَّةٍ، وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ مِمَّنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ - وَهُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إلَّا ابْنَ عُمَرَ، وَقَدْ صَحَّ خِلَافُهُ عَنْ أَنَسٍ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآثَارِ، وَبَقِيَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمَنْ اتَّبَعَهُ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] مِنْ الْأَحْرَارِ، فَبَاطِلٌ وَزَلَّةُ عَالِمٍ، وَتَخْصِيصٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ: أَنَّ الْعَبِيدَ رِجَالٌ مِنْ رِجَالِنَا، وَأَنَّ الْإِمَاءَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِنَا، قَالَ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ - بِلَا خِلَافٍ - الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الَّذِينَ آمَنُوا: وَالْعَبِيدُ، بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ، فَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْمُدَايَنَةِ، وَالْإِشْهَادِ وَالشَّهَادَةِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَحْرِيفُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوَاضِعِهِ مُهْلِكٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،

وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: إنَّ كُلَّ عَبْدٍ فَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، إنَّمَا ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَثَلَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَمَنْ نَسَبَ غَيْرَ هَذَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ جِهَارًا، وَأَتَى بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا، وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْ الْعَبِيدِ أَقْدَرَ عَلَى الْأَشْيَاءِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْرَارِ. وَنَقُولُ لَهُمْ: هَلْ يَلْزَمُ الْعَبِيدَ الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالطَّهَارَةُ، وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَآكِلِ، وَالْمَشَارِبِ، وَالْفُرُوجِ، كُلُّ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الْأَحْرَارِ، فَمَنْ قَوْلُهُمْ: نَعَمْ، فَقَدْ أَكَذَبُوا أَنْفُسَهُمْ، وَشَهِدُوا بِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ وَتَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالُوا: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . قَالُوا: وَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ خِدْمَةَ سَيِّدِهِ. فَقُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَى النُّهُوضِ إلَى مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدِّينِ. وَلَوْ سَقَطَ عَنْ الْعَبْدِ الْقِيَامُ بِالشَّهَادَةِ لِشُغْلِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ لَسَقَطَ أَيْضًا عَنْ الْحُرَّةِ ذَاتِ الزَّوْجِ لِشُغْلِهَا بِمُلَازَمَةِ زَوْجِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ وَكَيْفَ تَشْهَدُ سِلْعَةٌ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ تَشْهَدُ السِّلْعَةُ، كَمَا يَلْزَمُ السِّلْعَةَ الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْقَوْلُ بِالْحَقِّ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَعَلَّقًا، لَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا نَظَرٍ وَلَا مَعْقُولٍ، وَلَا قِيَاسٍ، إلَّا بِتَخَالِيطَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَأَهْذَارٍ بَارِدَةٍ - وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ نَصٍّ فِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ فَكُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا، إذْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَخْصِيصَ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ فِي ذَلِكَ لَكَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] قَالَ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7] {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: 8] .

مسألة شهادة الأقارب

فَلَمْ يَخْتَلِفْ مُسْلِمَانِ قَطُّ فِي أَنَّ هَذَا خَيْرٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ كَدُخُولِ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ، وَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَرْضَى عَمَّنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُ، فَإِذْ قَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْعَامِلِ بِالصَّالِحَاتِ، فَفُرِضَ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى عَنْهُ، وَإِذْ فُرِضَ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى عَنْهُ، فَفُرِضَ عَلَيْنَا قَبُولُ شَهَادَتِهِ. وَأَمَّا مَنْ رَدَّهَا لِسَيِّدِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَدْ يُجْبِرُهُ سَيِّدُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَهُ. قُلْنَا: لَوْ كَانَ هَذَا مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ لَكَانَ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِلْإِمَامِ إذَا شَهِدَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَقْدَرُ عَلَى رَعِيَّتِهِ مِنْ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تُعْدِيهِ جَمِيعُ الْحُكَّامِ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا تَظَلَّمَ مِنْهُ وَيَحُولُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَاهُ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالرَّجُلِ مِنْ رَعِيَّتِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مُخَالِفِينَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَة شَهَادَة الْأَقَارِب] 1793 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ عَدْلٍ فَهُوَ مَقْبُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَعَلَيْهِ، كَالْأَبِ وَالْأُمِّ لِابْنَيْهِمَا، وَلِأَبِيهِمَا وَالِابْنِ وَالِابْنَةِ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ، وَالْجَدِّ، وَالْجَدَّةِ لِبَنِي بَنِيهِمَا، وَالزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ، وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كَالْأَبَاعِدِ وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ لِصَدِيقِهِ، وَالْأَجِيرُ لِمُسْتَأْجِرِهِ، وَالْمَكْفُولُ لِكَافِلِهِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لِأَجِيرِهِ، وَالْكَافِلُ لِمَكْفُولِهِ، وَالْوَصِيُّ لِيَتِيمِهِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْأَبُ لِابْنِهِ، وَلَا الِابْنُ لِأَبِيهِ، وَلَا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. وَصَحَّ هَذَا كُلُّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا فِي الْأَبِ، وَالِابْنِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ يُقْبَلُ لِأَبِيهِ، وَلَا يُقْبَلُ الْأَبُ لِابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ مَتَى شَاءَ، وَأَنَّ الزَّوْجَ يُقْبَلُ لِامْرَأَتِهِ وَلَا تُقْبَلُ هِيَ لَهُ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.

وَلَمْ يُجِزْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْأَبَ لِلِابْنِ، وَلَا الِابْنَ لِلْأَبِ. وَأَجَازُوا الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ لِأَوْلَادِ بَنِيهِمَا، وَأَوْلَادَ بَنِيهِمَا لَهُمَا. وَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ. وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إجَازَةُ كُلِّ ذَلِكَ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَالْأَخِ لِأَخِيهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ هَذَا. وَرُوِيَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَهِدَ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ شَهِدَ مَعَك رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَقَضَيْت لَهَا بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَتَّهِمُ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحُ شَهَادَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَا الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ - ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُورٌ حَمَلَتْ الْوُلَاةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ، فَتُرِكَتْ شَهَادَةُ مَنْ يُتَّهَمُ إذَا كَانَتْ مِنْ قَرَابَةٍ وَصَارَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ، وَالْأَخِ، وَالزَّوْجِ، وَالْمَرْأَةِ، لَمْ يُتَّهَمْ إلَّا هَؤُلَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا الْحَسَنُ بْنُ عَازِبٍ عَنْ جَدِّهِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ شُرَيْحٍ، فَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ، وَامْرَأَةٌ وَخَصْمٌ لَهَا، فَشَهِدَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ - وَهُوَ زَوْجُهَا - وَشَهِدَ لَهَا أَبُوهَا، فَأَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَتَهُمَا، فَقَالَ الْخَصْمُ: هَذَا أَبُوهَا، وَهَذَا زَوْجُهَا. فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: هَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا تُجَرِّحُ بِهِ شَهَادَتَهُمَا؟ كُلُّ مُسْلِمٍ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْت شُرَيْحًا: أَجَازَ لِامْرَأَةٍ شَهَادَةَ أَبِيهَا وَزَوْجِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّهُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا. فَقَالَ شُرَيْحٌ: فَمَنْ يَشْهَدُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا أَبُوهَا وَزَوْجُهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا شَبَابَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: شَهِدْت لِأُمِّي عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَضَى بِشَهَادَتِي. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَجَازَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَهَادَةَ الِابْنِ لِأَبِيهِ إذَا كَانَ عَدْلًا. فَهَؤُلَاءِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ، وَشُرَيْحٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَرَأَى الشَّافِعِيُّ: وَأَصْحَابُهُ: قَبُولَ شَهَادَةِ الزَّوْجَيْنِ: كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَرَأَى الْأَوْزَاعِيِّ: أَنْ لَا يُقْبَلُ الْأَخُ لِأَخِيهِ. وَذَكَرَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْوُلَاةِ الَّذِينَ رَدُّوا الْأَبَ لِابْنِهِ وَالِابْنَ لِأَبِيهِ، وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: الْأَخَ لِأَخِيهِ. وَأَجَازَ مَالِكٌ لِأَخِيهِ إلَّا فِي النَّسَبِ خَاصَّةً. وَرَدَّ مَالِكٌ شَهَادَةَ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ لِصِدِّيقِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ لَنَا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: أَحْسَبُهُ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، وَلَا مَجْلُودٍ فِي حَدٍّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَنْ يَزِيدَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - فَإِنْ كَانَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ فَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأَبِ، وَبَيْنَ الْعَمِّ وَابْنِ الْأَخِ، وَبَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ - وَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ - إذْ هُمْ مُتَقَارِبُونَ فِي التُّهْمَةِ بِالْقَرَابَةِ.

وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهُ - وَهَذَا خِلَافُ الْخَبَرِ -. وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَجْلُودَ فِي الْحَدِّ إذَا تَابَ - وَهُوَ خِلَافُ هَذَا الْخَبَرِ - فَمَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا، أَوْ أَفْسَدُ دَلِيلًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ. وَذَكَرُوا: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ، أَوْ فِي قَرَابَةٍ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ قَدْ خَالَفُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً وَالْأَثْبَتُ عَنْ عُمَرَ: قَبُولُ الْأَبِ لِابْنِهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . وَمِنْ «أَمْرِهِ هِنْدًا بِأَخْذِ قُوتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا» . وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُصَحِّحُهُمَا، وَنَقُولُ: لَيْسَ فِيهِمَا مَنْعٌ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبَوَيْهِ، وَلَا مِنْ قَبُولِ الْأَبَوَيْنِ لَهُ - وَإِنْ كَانَ هُوَ وَمَالُهُ لَهُمَا - فَكَانَ مَاذَا؟ وَنَحْنُ كُلُّنَا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمْوَالُنَا وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَشْهَدَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] وَكُلُّ ذِي حَقٍّ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَخْذِ حَقِّهِ مِمَّنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَقَدَرَ عَلَى تَغْيِيرِ مُنْكَرٍ فَلَمْ يَفْعَلْ بَلْ أَقَرَّ الْمُنْكَرَ وَالْبَاطِلَ وَالْحَرَامَ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ أَغْرَبِ مَا وَقَعَ: احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ فِي هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا بَعْدَ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْحَقِّ، وَلَيْسَ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْبَاطِلِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] فَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ، فَيَلْزَمُ مَنْ اتَّهَمَهُ لِذَلِكَ فِي الْوَالِدَيْنِ، وَفِي بَعْضِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ، وَمَا

مَلَكَتْ يَمِينُهُ: أَنْ يَتَّهِمَهُ فِي سَائِرِهِمْ، فَلَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ أَحَدِهِمْ لِقَرِيبٍ جُمْلَةً، وَلَا لِجَارٍ، وَلَا لِابْنِ سَبِيلٍ، وَلَا لِيَتِيمٍ، وَلَا لِمِسْكِينٍ، وَإِلَّا فَقَدْ تَلَوَّثُوا فِي التَّخْلِيطِ بِالْبَاطِلِ مَا شَاءُوا، فَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهمْ إلَّا التُّهْمَةُ، وَالتُّهْمَةُ لَا تَحِلُّ. وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ مَنْ حَمَلَتْهُ قَرَابَةُ أَبَوَيْهِ وَبَنِيهِ وَامْرَأَتِهِ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ بِالْبَاطِلِ فَمَضْمُونٌ مَنْعُهُ قَطْعًا أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ يَرْشُوهُ مِنْ الْأَبَاعِدِ لَا فَرْقَ. وَلَيْسَ لِلتُّهْمَةِ فِي الْإِسْلَامِ مَدْخَلٌ - وَنَحْنُ نَسْأَلُهُمْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لَوْ ادَّعَيَا عَلَى يَهُودِيٍّ بِدِرْهَمٍ بِحَقٍّ، أَتَقْضُونَ لَهُمَا بِدَعْوَاهُمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ الْمُتَيَقَّنَ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ. وَإِنْ قَالُوا: لَا، قُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ مُسْلِمٌ يَتَّهِمُ أَبَا ذَرٍّ، وَأُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، فَكَيْفَ فِي دِرْهَمٍ عَلَى يَهُودِيٍّ؟ ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ أَتُبَرِّئُونَ الْيَهُودِيَّ الْكَذَّابَ الْمَشْهُورَ بِالْفِسْقِ بِيَمِينِهِ مِنْ دَعْوَاهُمَا؟ فَمَنْ قَوْلُهُمْ: نَعَمْ، قُلْنَا لَهُمْ: وَهَلْ مَقَرُّ التُّهْمَةِ، وَالظِّنَّةِ، إلَّا فِي الْكُفَّارِ الْمُتَيَقَّنِ كَذِبُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؟ . وَالْعَجَبُ كُلُّهُ: مِنْ إعْطَاءِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: الْمُدَّعِيَ الْمَالَ الْعَظِيمَ بِدَعْوَاهُ وَيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ أَشْهَرُ فِي الْكَذِبِ وَالْمُجُونِ مِنْ حَاتِمٍ فِي الْجُودِ، إذَا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ، وَإِعْطَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ إيَّاهُ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ، وَلَا يَتَّهِمُونَهُ بِرَأْيِهِمْ: لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ، ثُمَّ يَتَّهِمُونَ النَّاسِكَ الْفَاضِلَ الْبَرَّ التَّقِيَّ فِي شَهَادَتِهِ لِابْنِهِ، أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِأَبِيهِ بِدِرْهَمٍ - نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي لَا شَيْءَ أَفْسَدُ مِنْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَقَدْ خَالَفُوهُ هَاهُنَا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. ثُمَّ قَدْ حَكَى الزُّهْرِيُّ: أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فِي قَبُولِ الْأَبِ لِابْنِهِ وَالزَّوْجَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَالْقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَتَّى دَخَلَتْ فِي النَّاسِ الدَّاخِلَةُ - وَهَذَا إخْبَارٌ

مسألة الشهادة على العدو

عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا خِلَافَهُمْ لِظَنٍّ فَاسِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي: مَا الَّذِي حَدَثَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنَافِقُونَ - الَّذِينَ هُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَالْكُفَّارُ، وَالزُّنَاةُ، وَالسُّرَّاقُ، وَالْكَذَّابُونَ، فَمَا نَدْرِي مَا الَّذِي حَدَثَ، وَحَاشَ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ بِغَيْرِ الشَّرِيعَةِ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يُقْبَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ لَبَيَّنَهُ وَمَا أَغْفَلَهُ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مُخَالِفِينَا بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ أَجَازُوا الْأَخَ لِأَخِيهِ وَالزُّهْرِيُّ يَحْكِي عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اتِّهَامَهُمْ لَهُ، فَقَدْ خَالَفُوا مَنْ تَقَدَّمَ وَمَنْ تَأَخَّرَ، وَكَفَى بِهَذَا شُنْعَةً -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الشَّهَادَة عَلَى الْعَدُوّ] 1794 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ شَهِدَ عَلَى عَدُوِّهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ تُخْرِجُهُ عَدَاوَتُهُ لَهُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ فَهِيَ جُرْحَةٌ فِيهِ تَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ - وَإِنْ كَانَ لَا تُخْرِجُهُ عَدَاوَتُهُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ فَهُوَ عَدْلٌ يُقْبَلُ عَلَيْهِ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ خَاصَّةً، وَتَجُوزُ لَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَكَذَلِكَ قَالُوا: فِي الْوَكِيلِ سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ مُنْضَافًا إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ، وَلَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْخَصْمِ، لَا لِلَّذِي وَكَّلَهُ، وَلَا لِلَّذِي وُكِّلَ عَلَى أَنْ يُخَاصِمَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفُقَرَاءِ وَالسُّؤَّالِ

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَقِيرٍ - وَأَشَارَ شَرِيكٌ إلَى ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي هَؤُلَاءِ مَقْبُولُونَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَلَا فَرْقَ. وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِمَا رُوِّينَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الظِّنَّةِ، وَلَا الْإِحْنَةِ وَلَا شَهَادَةُ خَصْمٍ، وَلَا ظَنِينٍ، وَلَا الْقَانِعِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لَهُمْ» . وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: لَا تَجُوزُ عَلَيْك شَهَادَةُ الْخَصْمِ، وَلَا الشَّرِيكِ، وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يَصِحَّ - لَا أُجِيزُ شَهَادَةَ وَصِيٍّ، وَلَا وَلِيٍّ، لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَتَجُوزُ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَعَنْ شُرَيْحٍ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ - وَهُوَ كَذَّابٌ - لَمْ يَكُنْ السَّلَفُ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْقَانِعِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقَانِعُ السَّائِلُ، وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْخَصْمِ، وَالظَّنِينِ فِي خَلَائِقِهِ، وَشَكْلِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ الْعُدُولَ فِي سِيرَتِهِ - وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ - وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. هَذَا كُلُّ مَا يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ عَمَّنْ سَلَفَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْآثَارُ فِي ذَلِكَ فَكُلُّهَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا مَرْوِيٌّ مُنْقَطِعٌ، وَمِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنَ رَاشِدٍ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ -. أَوْ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَصَفَهُ بِذَلِكَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - وَهِيَ صَحِيفَةٌ.

أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ. أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ - وَلَا يُدْرَى مَنْ هُمَا فِي النَّاسِ. أَوْ مُرْسَلَانِ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ، وَقَدْ كَذَّبَهُمَا مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الْجَزَرِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - فَإِنْ كَانَ ابْنُ سِنَانٍ - فَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَكُلُّ هَذَا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُخَالِفَةً لَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ ذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ مُطْلَقًا عَامًّا - وَهُوَ قَوْلُنَا - وَهُمْ يَمْنَعُونَهَا مِنْ الْقَبُولِ عَلَى عَدُوِّهِ فَقَطْ، وَيُجِيزُونَهَا عَلَى غَيْرِهِ - وَهَذَا خِلَافٌ لِتِلْكَ الْآثَارِ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْخَصْمِ: فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لِنَفْسِهِ الْمُخَاصِمَ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ بِلَا شَكٍّ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِتِلْكَ الْآثَارِ لَوْ صَحَّتْ، فَكَيْفَ وَهِيَ لَا تَصِحُّ. ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] فَأَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعَدْلِ عَلَى أَعْدَائِنَا. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِالْعَدْلِ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ لَهُمَا، أَوْ شَهِدَ - وَهُوَ عَدْلٌ - عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ لَهُمَا، فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَحُكْمُهُ نَافِذٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ مَالِكًا إلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ شَهَادَةِ الصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ. وَأَمَّا مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْفَقِيرِ فَعَظِيمَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر: 8]- إلَى قَوْلِهِ -: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] فَمَنْ رَدَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ لَخَاسِرٌ، وَإِنَّ مَنْ خَصَّهُمْ دُونَ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ لَمُتَنَاقِضٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَصْلًا. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُ رَبِيعَةَ: تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ خَالَفَ الْعُدُولَ فِي سِيرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ

مسألة شهادة من لم يبلغ من الصبيان

مِنْهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ -: فَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا، لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَطْلَقَهُ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. [مَسْأَلَة شَهَادَة مِنْ لَمْ يَبْلُغ مِنْ الصَّبِيَّانِ] 1795 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الصِّبْيَانِ، لَا ذُكُورِهِمْ وَلَا إنَاثِهِمْ، وَلَا بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ، لَا فِي نَفْسٍ وَلَا جِرَاحَةٍ، وَلَا فِي مَالٍ، وَلَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَا قَبْلَ افْتِرَاقِهِمْ وَلَا بَعْدَ افْتِرَاقِهِمْ - وَفِي هَذَا خِلَافٌ كَثِيرٌ -: فَصَحَّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جِيءَ بِهِمْ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَأَخَذَ الْقُضَاةُ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ شَهَادَتَهُمْ فِي خَاصٍّ مِنْ الْأَمْرِ، لَا فِي كُلِّ شَيْءٍ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: شَهَادَةُ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ جَائِزَةٌ، وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ جَائِزَةٌ. قَالَ الْحَسَنُ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ جَائِزَةٌ، مَا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ فَيُعَلَّمُوا - وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّ سِتَّةَ غِلْمَانٍ ذَهَبُوا يَسْبَحُونَ، فَغَرِقَ أَحَدُهُمْ، فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ، وَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ -: فَقَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ خُمُسَيْ الدِّيَةِ، وَعَلَى الِاثْنَيْنِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا نَحْوَ هَذَا عَنْ مَسْرُوقٍ. وَرُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّ ثَلَاثَةَ غِلْمَانٍ شَهِدُوا عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَشَهِدَ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، فَجَعَلَ مَسْرُوقٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ: جَوَازَ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بِقَوْلِهِمْ - مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِي - مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا، وَأَنَّهُ قَضَى بِمِثْلِ مَا قَضَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي دِيَةِ ضِرْسٍ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ: السُّنَّةُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ.

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ الْمُتَقَارِبَةِ، فَإِذَا بَلَغَتْ النُّفُوسَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ أَيْمَانِ الطَّالِبِينَ. وَعَنْ رَبِيعَةَ: جَوَازُ شَهَادَةِ بَعْضِ الصِّبْيَانِ عَلَى بَعْضٍ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا. وَعَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تُقْبَلُ إذَا اتَّفَقُوا، وَلَا تُقْبَلُ إذَا اخْتَلَفُوا، وَأَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ صِبْيَانٍ فِي مَأْمُومَةٍ. وَعَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: قَبُولُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ: كَانُوا يُجِيزُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ فَقَطْ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى صَغِيرٍ أَنَّهُ جَرَحَ كَبِيرًا، وَلَا عَلَى كَبِيرٍ أَنَّهُ جَرَحَ صَغِيرًا، وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْجِرَاحِ خَاصَّةً، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصَّبَايَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَبْدًا، فَإِنْ اخْتَلَفُوا لَمْ يُلْتَفَتْ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقُضِيَ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِالدِّيَةِ سَوَاءً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَرْقًا بَيْنَ صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ وَلَا بَيْنَ عَبْدٍ مِنْهُمْ مِنْ حُرٍّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ فِي الصَّغِيرِ يَشْهَدُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ يَبْلُغُ فَيَشْهَدُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي شَيْءٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ حَتَّى يَكْبَرُوا - وَعَنْ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ عَطَاءٍ. وَعَنْ الْحَسَنِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ عَلَى الْغِلْمَانِ.

وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ: أَنَّهُمَا كَانَا يَقْبَلَانِهَا إذَا ثَبَتُوا عَلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي غِلْمَانٍ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِكَسْرِ يَدِ صَبِيٍّ مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ تُقْبَلُ - وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِذَلِكَ مَرْوَانُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ مَكْحُولٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا نَظَرٍ، وَلَا احْتِيَاطٍ، بَلْ هُوَ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ، لِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى كَبِيرٍ أَوْ لِكَبِيرٍ، وَبَيْنَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ لِصَغِيرٍ. وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يُجِزْهَا فِي تَخْرِيقِ ثَوْبٍ يُسَاوِي رُبُعَ دِرْهَمٍ، وَأَجَازَهَا فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّبَايَا وَالصِّبْيَانِ - وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ، وَخَطَأٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَأَقْوَالٌ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ، وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلَيْسَ الصِّبْيَانُ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلَا يَرْضَاهُمْ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ» . وَلَيْسَ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ رَدِّ شَهَادَةِ عَبْدٍ فَاضِلٍ، صَالِحٍ عَدْلٍ، رَضِيٍّ - وَتُقْبَلُ شَهَادَةِ صَبِيَّيْنِ لَا عَقْلَ لَهُمَا، وَلَا دِينَ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة حكم القاضي لا يحل حراما ولا يحرم حلالا

[مَسْأَلَة حُكْم الْقَاضِي لَا يَحِلّ حراما وَلَا يحرم حلالا] مَسْأَلَةٌ: وَحُكْمُ الْقَاضِي لَا يُحِلُّ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَ قَضَائِهِ، وَلَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ حَلَالًا قَبْلَ قَضَائِهِ، إنَّمَا الْقَاضِي مُنَفِّذٌ عَلَى الْمُمْتَنِعِ فَقَطْ - لَا مَزِيَّةَ لَهُ سِوَى هَذَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ امْرَأً رَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِزُورٍ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ، وَأَعْتَقَ أَمَتَهُ فُلَانَةَ - وَهُمَا كَاذِبَانِ مُتَعَمِّدَانِ - وَأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَضِيَتَا بِفُلَانٍ زَوْجًا، فَقَضَى الْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ وَطْءَ تَيْنِكَ الْمَرْأَتَيْنِ: حَلَالٌ لِلْفَاسِقِ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ بِالزُّورِ، وَحَرَامٌ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ أَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ بِرِضَاهَا - وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَرْضَهُ قَطُّ، وَلَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ أَبُوهَا - فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، فَوَطْؤُهُ لَهَا حَلَالٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا قَبْلَهُ أَتَى بِهَذِهِ الطَّوَامِّ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَا زُورٍ فِي أُمِّهِ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِهِ زَوْجًا، أَوْ عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ؟ وَمَا عُلِمَ مُسْلِمٌ قَطُّ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ وَأَظُنُّهُ صَادِقًا فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا» فَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَضَاؤُهُ لَا يُحِلُّ لِأَحَدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا فَكَيْفَ الْقَوْلُ فِي قَضَاءِ أَحَدٍ بَعْدَهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْخِذْلَانِ.

مسألة التأني في أنفاذ الحكم إذا ظهر

[مَسْأَلَة التأني فِي أنفاذ الْحُكْمِ إذَا ظَهْرِ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ التَّأَنِّي فِي إنْفَاذِ الْحُكْمِ إذَا ظَهَرَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طَمِعَ الْقَاضِي أَنْ يَصْطَلِحَ الْخَصْمَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرُدَّهُمَا الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي ذَلِكَ فَصَلَ الْقَضَاءَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْخُصُومِ، ثُمَّ رَأَى أَنْ يُجْعَلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً غَائِبَةً: أَجَلٌ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَلْزَمُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا - لَا يُعَدُّ فِي الثَّمَانِيَةِ يَوْمُ تَأْجِيلِ الْحَاكِمِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْدِيدِ مَرَّتَيْنِ وَتَرْدِيدِ ثَلَاثِ مِرَارٍ أَوْ أَرْبَعٍ، وَهَكَذَا مَا زَادَ إلَى انْقِضَاءِ الْعُمْرِ، وَإِلَّا فَ {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ مَعَ عَظِيمِ فَسَادِهِ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَأْجِيلِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَبَيْنَ تَأْجِيلِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ عَامٍ، أَوْ عَامَيْنِ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ - وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى بَيِّنَةً عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ وَبَيْنَ مَنْ ادَّعَاهَا بِخُرَاسَانَ، وَهُوَ بِالْأَنْدَلُسِ أَوْ ادَّعَاهَا بِالْأَنْدَلُسِ، وَهُوَ بِخُرَاسَانَ، وَهَلْ هُوَ إلَّا التَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِالرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ: رَدِّدُوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّ أَحْسَنَ طُرُقِهِ: مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ أَنَّ عُمَرَ - وَمُحَارِبٌ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ -. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هَذَا عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمَنْعَ جُمْلَةً مِنْ إنْفَاذِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ تَوْرِيثِ الضَّغَائِنِ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ أَبَدًا، فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى وَجَبَ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُرَاعَى فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَالَفُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ شَهْرًا وَلَا شَهْرَيْنِ. وَفِي الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ عَنْ عُمَرَ: اجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ

مسألة إذا تداعى الزوجان في متاع البيت

فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَمَدِ: أَخَذْت لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِلَّا أَوْجَبْت عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ لِلْعُذْرِ وَأَجْلَى لِلْعَمَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ شَهْرًا - وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ - وَهَذَا كُلُّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَدَّ خُصُومًا بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْحَقُّ بَلْ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّالِبِ، وَأَلْزَمَ الْمُنْكِرَ الْيَمِينَ فِي الْوَقْتِ وَأَمَرَ الْمُقِرَّ بِالْقَضَاءِ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] . فَمَنْ حَكَمَ بِالْحَقِّ حِينَ يَبْدُو إلَيْهِ فَقَدْ قَامَ بِالْقِسْطِ، وَأَعَانَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَسَارَعَ إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُسَارِعْ إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَلَا قَامَ بِالْقِسْطِ، وَلَا أَعَانَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. [مَسْأَلَة إذَا تداعى الزَّوْجَانِ فِي مَتَاع الْبَيْت] 1798 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا تَدَاعَى الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، أَوْ تَدَاعَى الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَهُوَ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ الْأَيْمَانِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلرِّجَالِ كَالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ، أَوْ مِمَّا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ كَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْكُلِّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا كَثِيرًا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: الْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ إلَّا مَا عُرِفَ لِلرَّجُلِ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَلِلْمَرْأَةِ مَا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ إلَّا سِلَاحُهُ وَثِيَابُ جِلْدِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ فَلِلرَّجُلِ إلَّا مَا كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الثِّيَابِ، وَالدِّرْعِ، وَالْخِمَارِ.

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ فَلِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ، وَمَا صَلَحَ لَهُمَا فَهُوَ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا فِي الْفُرْقَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْأَيْمَانِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْحُرِّ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَذَلِكَ، إلَّا فِي الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَعَ الْيَمِينِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا كَانَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْهُ لِلْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا، إلَّا زَوْجَهَا وَالْبَاقِي مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ - الْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَزُفَرُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ مَا صَلَحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا صَلَحَ لِلنِّسَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَمَا صَلَحَ لَهُمَا فَبَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا صَلَحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا صَلَحَ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا، وَمَا صَلَحَ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ الْمَوْتُ وَالْفُرْقَةُ سَوَاءٌ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذِهِ آرَاءٌ يَكْفِي مِنْ فَسَادِهَا تَخَاذُلُهَا، وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ إلَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ. قَالَ عَلِيٌّ: إذَا وَجَبَ عِنْدَهُمْ الْقَضَاءُ بِمَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلرِّجَالِ لِلرَّجُلِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِلْأَيْمَانِ فِي ذَلِكَ، إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لِمَنْ قَضَوْا لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْدُ، فَمَا أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَشَرِيكٌ، وَزُفَرُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُمَا، كَمَا قُلْنَا نَحْنُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْبَيْتُ بِأَيْدِيهِمَا فَصَحَّ أَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بِيَدِهِ، وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْآخَرِ فِيمَا ادَّعَى مِمَّا بِيَدِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَخٍ وَأُخْتٍ تَنَازَعَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، أَوْ أُمٍّ وَابْنِهَا: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا

مسألة يحكم على اليهود والنصارى والمجوس بحكم أهل الإسلام

بِأَيْمَانِهِمَا، وَلَا اخْتَلَفُوا فِي أَخَوَيْنِ سَاكِنَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، أَحَدُهُمَا: دَبَّاغٌ، وَالْآخَرُ: عَطَّارٌ، فَتَدَاعَيَا فِيمَا فِي الْبَيْتِ، وَالدَّارِ فَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا بِأَيْمَانِهِمَا، وَلَمْ يَقْضُوا لِلدَّبَّاغِ بِآلَاتِ الدِّبَاغِ، وَلَا لِلْعَطَّارِ بِمَتَاعِ الْعِطْرِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة يَحْكُم عَلَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس بحكم أَهْل الْإِسْلَام] 1799 - مَسْأَلَةٌ: وَيُحْكَمُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ شَيْءٍ - رَضُوا أَمْ سَخِطُوا، أَتَوْنَا أَوْ لَمْ يَأْتُونَا - وَلَا يَحِلُّ رَدُّهُمْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ، وَلَا إلَى حُكَّامِهِمْ أَصْلًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت بَجَالَةَ التَّمِيمِيَّ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، وَانْهَوْهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا فِينَا فَحَدُّهُمْ كَحَدِّ الْمُسْلِمِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْمَوَارِيثِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَرُوِّينَا غَيْرَ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَتَبَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَتُرَدُّ النَّصْرَانِيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ - وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ - وَقَابُوسُ بْنُ الْمُخَارِقِ وَأَبُوهُ - مَجْهُولَانِ - فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ مَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ. وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] فَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حُكْمِ دِينِهِمْ فَقَدْ أُكْرِهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ. فَقُلْنَا: إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تُوجِبُ أَنْ لَا يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حُكْمِ دِينِهِمْ فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهَا فَأَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِخِلَافِ الْحَقِّ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا؛ لِأَنَّكُمْ تَقْطَعُونَهُمْ فِي السَّرِقَةِ بِحُكْمِ دِينِنَا، لَا بِحُكْمِ دِينِهِمْ، وَتَحُدُّونَهُمْ فِي الْقَذْفِ بِحُكْمِ دِينِنَا لَا بِحُكْمِ

دِينِهِمْ، وَتَمْنَعُونَهُمْ مِنْ إنْفَاذِ حُكْمِ دِينِهِمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْخَطَأِ، وَبَيْعِ الْأَحْرَارِ، فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا ظُلْمٌ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ. فَقُلْنَا لَهُمْ: وَكُلُّ مَا خَالَفُوا فِيهِ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَهُوَ ظُلْمٌ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] فَقُلْنَا: هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَقَالُوا: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى ذَلِكَ. قُلْنَا: نَعَمْ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نُسِخَتْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ آيَتَانِ -: آيَةُ: الْقَلَائِدَ وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَرَدَّهُمْ إلَى أَحْكَامِهِمْ، فَنَزَلَتْ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُسْنَدٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ بِنُزُولِ الْآيَةِ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وَالدِّينُ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ يَكُونُ الشَّرِيعَةَ، وَيَكُونُ الْحُكْمَ، وَيَكُونُ الْجَزَاءَ، فَالْجَزَاءُ فِي الْآخِرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَيْنَا. وَالشَّرِيعَةُ قَدْ صَحَّ أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ إذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، فَبَقِيَ الْحُكْمُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ حُكْمَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ. فَإِنْ قَالُوا: فَاحْكُمُوا عَلَيْهِمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَالزَّكَاةِ. قُلْنَا:

قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُلْزِمْهُمْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَخَرَجَ بِنَصِّهِ وَبَقِيَ سَائِرُ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ. وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ يَهُودِيًّا قَوَدًا بِصَبِيَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَرَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا» وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَهِيَ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا أَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجْمَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: 44] . فَقُلْنَا: هَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ، إذْ جَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنَفِّذًا لِحُكْمِ الْيَهُودِ، تَارِكًا لِتَنْفِيذِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَهَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ فَارْجُمُوهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَوَّرْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْآيَةُ: فَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّينَ السَّالِفِينَ فِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا لَنَا نَبِيِّينَ، إنَّمَا لَنَا نَبِيٌّ وَاحِدٌ - فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهَذِهِ الْآيَةِ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ أَحْكَامِ دِينِهِمْ أَحَقٌّ - هِيَ إلَى الْيَوْمِ - مُحْكَمٌ أَمْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا -: فَإِنْ قَالُوا: حَقٌّ مُحْكَمٌ كَفَرُوا جِهَارًا، وَإِنْ قَالُوا بَلْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَأَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ رَدَدْتُمُوهُمْ إلَى الْبَاطِلِ الْمَنْسُوخِ الْحَرَامِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ تَرْكُهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ أَوْ بِحُكْمٍ قَدْ أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ حَرَّمَ الْقَوْلَ بِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَمِنْ رَدَّهُمْ إلَى حُكْمِ الْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ وَالْأَمْرِ الْمَنْسُوخِ الْمُحَرَّمِ، فَلَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، بَلْ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

مسألة على الحاكم أن يحكم بعلمة

وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَالصَّغَارُ هُوَ جَرْيُ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا مَا تُرِكُوا يَحْكُمُونَ بِكُفْرِهِمْ فَمَا أَصْغَرْنَاهُمْ بَلْ هُمْ أَصْغَرُونَا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. [مَسْأَلَة عَلَى الْحَاكِم أَنْ يَحْكُم بعلمة] 1800 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالْفُرُوجِ، وَالْحُدُودِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَ وِلَايَتِهِ، وَأَقْوَى مَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقِينُ الْحَقِّ، ثُمَّ بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ بِالْبَيِّنَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لَوْ رَأَيْت رَجُلًا عَلَى حَدٍّ لَمْ أَدْعُ لَهُ غَيْرِي حَتَّى يَكُونَ مَعِي شَاهِدٌ غَيْرِي، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَرَأَيْت لَوْ رَأَيْت رَجُلًا قَتَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ زَنَى؟ قَالَ: شَهَادَتُك شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْت - وَأَنَّهُ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عُمَرَ اُخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ يَعْرِفُهُ فَقَالَ لِلطَّالِبِ: إنْ شِئْت شَهِدْت وَلَمْ أَقْضِ، وَإِنْ شِئْت قَضَيْت وَلَمْ أَشْهَدْ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ اثْنَانِ فَأَتَاهُ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدٍ، فَقَالَ لِشُرَيْحٍ وَأَنْتَ شَاهِدِي أَيْضًا، فَقَضَى لَهُ شُرَيْحٌ مَعَ شَاهِدِهِ بِيَمِينِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي الزِّنَى. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا أَكُونُ شَاهِدًا وَقَاضِيًا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَأَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ بِالِاعْتِرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً -. وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ -: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ، إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ أَصْلًا وَأَمَّا مَا عَلِمَهُ بَعْدَ وِلَايَتِهِ

الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إلَّا فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الطَّالِبُ شَاهِدًا وَاحِدًا فِي حُقُوقِ النَّاسِ خَاصَّةً، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ بِعِلْمِهِ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: كُلُّ مَا عَلِمَ قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ بِعِلْمِهِ، وَمَا عَلِمَ بَعْدَ وِلَايَتِهِ حَكَمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، وَذَلِكَ فِي حُقُوقِ النَّاسِ - وَأَمَّا الزِّنَا: فَإِنْ شَهِدَ بِهِ ثَلَاثَةٌ وَالْقَاضِي يَعْرِفُ صِحَّةَ ذَلِكَ حَكَمَ فِيهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ مَعَ عِلْمِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إنْ أَقَامَ الْمَقْذُوفُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا وَعَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَدَّ الْقَاذِفَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ كَمَا قُلْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا عَلِمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَا عَلِمَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا اُعْتُرِفَ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ وَبَيْنَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمَهُ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إنَّمَا جَلَسَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَهُ كُلُّ مَا عَلِمَ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عِنْدَهُ أَحَدٌ -: فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا كَالْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، لِأَنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إنَّمَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُنَا -. وَأَمَّا حَاكِمٌ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثَلَاثَةٍ فِي الزِّنَى، فَهَذَا لَا يَجُوزُ -.

وَأَمَّا شَاهِدٌ حَاكِمٌ مَعًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِتَصْوِيبِ هَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ ذَكَرُوا «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» . قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مَا صَحَّ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ يَحْكُمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ - وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ -: فَوَجَدْنَا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ يَقُولُ: هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَقُلْنَا: هُمْ مُخَالِفُونَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: إنَّهُ لَا يُثِيرُهُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا يُوَافِقُ مَنْ رَأَى أَنْ يَحْكُمَ فِي الزِّنَى بِثَلَاثَةٍ هُوَ رَابِعُهُمْ، وَبِوَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. وَأَيْضًا - فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَيْضًا - فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَمِنْ ضَرْبَةِ السَّوْطِ، وَمِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ - وَهُوَ عَنْهُمْ أَصَحُّ مِمَّا رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ هَاهُنَا -. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ، فَجَعَلُوا لَهُ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ مَعَ نُكُولِ خَصْمِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ. وَجَعَلَ لَهُ الْحَنَفِيُّونَ الْحُكْمَ بِالنُّكُولِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ. وَأَمَرُوهُ بِالْحُكْمِ بِعِلْمِهِ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي فِيهَا جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ. فَقَدْ خَالَفُوهُ جِهَارًا وَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ.

فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ بِرَأْيِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَمِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا بَيِّنَةَ أَبْيَنُ مِنْهَا صِحَّةُ عِلْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ حَقِّهِ، فَهُوَ فِي جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ. وَاحْتَجُّوا بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلًّا وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت نَفْسِي» - فَقَالُوا: فَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ يَلْزَمُنَا شَرْعُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ يُخَرَّجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْرِقُ أَيْ يَأْخُذُ الشَّيْءَ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ، فَلَمَّا قَرَّرَهُ حَلَفَ، وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا، لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ ظَالِمٍ لَهُ. وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا» - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْحَاكِمِ أَبْيَنُ بَيِّنَةٍ وَأَعْدَلُهَا وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] . وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ أَنْ يَتْرُكَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ لَا يُغَيِّرُهُ. وَأَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ يُعْلِنُ الْكُفْرَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، وَالْإِقْرَارَ بِالظُّلْمِ، وَالطَّلَاقِ، ثُمَّ يَكُونُ الْحَاكِمُ يُقِرُّهُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَيَحْكُمُ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، فَيَظْلِمُ أَهْلَ الْمِيرَاثِ حَقَّهُمْ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إنْ عَلِمَ بِجُرْحَةِ الشُّهُودِ - وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ غَيْرُهُ، أَوْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُجَرِّحِينَ لَهُمْ - فَإِنَّهُ يَحْكُمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ - فَقَدْ تَنَاقَضُوا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» وَالْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ مَا رَأَى مِنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى تَأْتِيَ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة رجوع الشاهد عن شهادته

فَصَحَّ أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يُغَيِّرَ كُلَّ مُنْكَرٍ عَلِمَهُ بِيَدِهِ، وَأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ ظَالِمٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة رُجُوع الشَّاهِد عَنْ شَهَادَته] 1801 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا فُسِخَ مَا حَكَمَ بِهَا فِيهِ، فَلَوْ مَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ تَغَيَّرَ - بَعْدَ أَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا - نَفَذَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَمْ تُرَدَّ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَوْتُهُ وَجُنُونُهُ وَتَغَيُّرُهُ فَقَدْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةً، وَلَمْ يُوجِبْ فَسْخَهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ عَنْ شَهَادَتِهِ: فَلَوْ أَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا بِجُرْحَتِهِ حِينَ شَهِدَ لَوَجَبَ رَدُّ مَا شَهِدَ بِهِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ أَوْ الْغَفْلَةِ أَثْبَتُ عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ -. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. [مَسْأَلَة حُكْم أَدَاء الشَّهَادَة] 1802 - مَسْأَلَةٌ: وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي ذَلِكَ لِبُعْدِ مَشَقَّةٍ، أَوْ لِتَضْيِيعِ مَالٍ، أَوْ لِضَعْفٍ فِي جِسْمِهِ، فَلْيُعْلِنْهَا فَقَطْ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ إذَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ، أَوْ دُعُوا لِأَدَائِهَا. وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَائِلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ. [مَسْأَلَة إذَا لَمْ يَعْرِف الْحَاكِم الشُّهُود] 1803 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ سَأَلَ عَنْهُمْ، وَأَخْبَرَ الْمَشْهُودَ بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَكَلَّفَ الْمَشْهُودَ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِعَدَالَتِهِمْ. وَقَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ: اُطْلُبْ مَا تَرُدُّ بِهِ شَهَادَتَهُمْ عَنْ نَفْسِك، فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمْ قَضَى بِهِمْ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَإِنْ جُرِّحُوا قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ جُرِّحُوا عِنْدَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَسَخَ مَا حَكَمَ بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ رَدُّ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَإِنْفَاذُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ وَالتَّبَيُّنُ فِيمَا لَا يُدْرَى حَتَّى يُدْرَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة تولي الْمَرْأَة الْحُكْمِ] 1804 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْحُكْمَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ وَلَّى الشِّفَاءَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ السُّوقَ.

مسألة تولي العبد القضاء

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ» . قُلْنَا: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ الْخِلَافَةُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» . وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً وَوَكِيلَةً وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ مَنْعِهَا أَنْ تَلِيَ بَعْضَ الْأُمُورِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة تولي الْعَبْد الْقَضَاء] 1805 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَلِيَ الْعَبْدُ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] . وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ بِعُمُومِهِ إلَى الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ وَاحِدٌ، إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ، وَبَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ فَيُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ مِنْ عُمُومِ إجْمَالِ الدِّينِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْعَبْدِ الْقَضَاءَ، وَمَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا - وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ نا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ «أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الرَّبَذَةِ - وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ - فَإِذَا عَبْدٌ يَؤُمُّهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَوْصَانِي خَلِيلِي - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ» . فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى وِلَايَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ فِعْلُ عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَطِعْ الْإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعًا. فَهَذَا عُمَرُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

مسألة شهادة ولد الزنا

[مَسْأَلَة شَهَادَة وَلَد الزِّنَا] مَسْأَلَةٌ: وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ، وَيَلِي الْقَضَاءَ، وَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَيُقْبَلَ، فَيَكُونَ كَسَائِرِ الْعُدُولِ، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا يُقْبَلَ فِي شَيْءٍ أَصْلًا. وَلَا نَصَّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيِّ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ: يُقْبَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الزِّنَى - وَهَذَا فَرْقٌ لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَإِذَا كَانُوا إخْوَانَنَا فِي الدِّينِ فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ " وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ ". فَقُلْنَا: هَذَا عَلَيْكُمْ لِأَنَّكُمْ تَقْبَلُونَهُ فِيمَا عَدَا الزِّنَى، وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَنَا: أَنَّهُ فِي إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ لِلْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ، وَمَنْ لَا يَعْدِلُهُ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ، مِنْ حِينِ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة شَهَادَة مِنْ حُدَّ فِي زنا أَوْ قَذف أَوْ خَمْر أَوْ سَرِقَة ثُمَّ تاب] 1807 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حُدَّ فِي زِنًى، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ خَمْرٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، ثُمَّ تَابَ وَصَلَحَتْ حَالُهُ، فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَلَا يَجُوزُ رَدُّ شَهَادَتِهِ لِغَيْرِهِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ وَلَا نَعْلَمُهُ إلَّا فِي الْبَدَوِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْقَرْيَةِ فَقَطْ، أَوْ لَا يَكُونُ عَدْلًا فَلَا يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ وَتَحَكُّمٌ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ بِلَا قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مَعْقُولٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ خَاصَّةً: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا - وَإِنْ تَابَ - فِي شَيْءٍ أَصْلًا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ حُدَّ فِي خَمْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلًا. فَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ

بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا حَدًّا أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ " وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَدْ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَصَّ فِي رَدِّ شَهَادَةِ مَنْ ذَكَرْنَا. فَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَخْصِيصِ مَنْ حُدَّ فِي الْقَذْفِ، فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: شَهَادَةُ الْقَاذِفِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ تَابَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا أَبُو الْوَلِيدِ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا قَيْسٌ عَنْ سَالِمٍ - هُوَ الْأَفْطَسُ - عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: كَانَ أَبُو بَكْرَةَ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ يُشْهِدُهُ قَالَ لَهُ: أَشْهِدْ غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ فَسَّقُونِي. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَمَسْرُوقٍ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَعِكْرِمَةَ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: أَنَّ الْقَاذِفَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ. وَعَنْ شُرَيْحٍ: الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ -: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَتَابَهُمْ - يَعْنِي أَبَا بَكْرَةَ وَاَلَّذِينَ شَهِدُوا مَعَهُ - فَتَابَ اثْنَانِ وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوبَ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا تُقْبَلُ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَنَافِعًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَلَى قَذْفِهِمْ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ تَابَ مِنْكُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَى فَجَلَدَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ لَهُمْ: تُوبُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْقَاذِفُ إذَا تَابَ فَشَهَادَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ تُقْبَلُ.

وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ، وَابْنِ قُسَيْطٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَشُرَيْحٍ. وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الْفَرْقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - فَلَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي قَوْلٍ إلَّا شُرَيْحًا وَحْدَهُ، وَخَالَفَ سَائِرَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا مَحْدُودًا مِنْ غَيْرِ مَحْدُودٍ، فَقَدْ خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ - وَإِنْ تَابَ -: بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ، فِيهِ «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ إذْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، قَالَتْ الْأَنْصَارُ: الْآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ» . وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ يَحْيَى الْقَطَّانُ: بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَحْفَظُ وَلَمْ يَرْضَهُ - وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ إنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَنَحْنُ لَا نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ الْقَاذِفَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَأَيْضًا - فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْهُمْ ظَنٌّ لَمْ يَصِحَّ، فَمَا ضُرِبَ هِلَالٌ، وَلَا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ

مسألة شهادة الأعمى

أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ صَحِيفَةٌ وَحَجَّاجٌ هَالِكٌ - ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الْأَبَوَيْنِ لِابْنَيْهِمَا، وَلَا الِابْنَ لِأَبَوَيْهِ، وَلَا أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَا الْعَبْدَ وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَيْضًا - فَقَدْ يُضَافُ إلَى هَذَا الْخَبَرِ " إلَّا إنْ تَابَ " بِنُصُوصٍ أُخَرَ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قَالُوا: فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِلَا دَلِيلٍ بَلْ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ مِنْ أَجْلِ فِسْقِهِمْ، وَإِلَى الْفِسْقِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ. قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ - أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قَبُولُهَا، إلَّا الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ فَقَطْ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفَةٌ، وَالْأَظْهَرُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ " إنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي " فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ، مَا سَمِعْنَا أَنَّ مُسْلِمًا فَسَّقَ أَبَا بَكْرَةَ، وَلَا امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحْكَامِ الدِّينِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة شَهَادَة الْأَعْمَى] 1808 - مَسْأَلَةٌ: وَشَهَادَةُ الْأَعْمَى مَقْبُولَةٌ كَالصَّحِيحِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ الْحَسَنِ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا عَرَفَ بَعْدَ الْعَمَى - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْأَعْمَى فِي الشَّيْءِ الْخَفِيفِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، إلَّا فِي الْأَنْسَابِ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَعْرِفُ أَصْحَابُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْبَلُ جُمْلَةً - رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ: أَنَّهُمَا كَرِهَا شَهَادَةَ الْأَعْمَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، لَا فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلَا فِيمَا عَرَفَ بَعْدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا مَا حَرَّمَ مِنْ الْقَلِيلِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ مَالَ مُسْلِمٍ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ» . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ كَثِيرٌ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ - فَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعْقَلُ فَسَقَطَ. وَأَمَّا مَنْ قَبِلَهُ فِي الْأَنْسَابِ فَقَطْ فَقِسْمَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَنْسَابَ إلَّا مِنْ حَيْثُ يَعْرِفُ الْمُخَبِّرِينَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُشْهِدِينَ لَهُ مِنْهُمْ فَقَطْ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ لَا فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى وَلَا بَعْدَهُ، فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا عَرَفَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَبَيْنَ مَا عَرَفَهُ الصَّحِيحُ وَتَمَادَتْ صِحَّتُهُ وَبَصَرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ، مَا جَاءَ قَطُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى - وَمَا عُرِفَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ.

مسألة لزوم الشهادة بلفظ أشهد

وَأَيْضًا - فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَوْ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِيمَا عَلِمَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلَمْ يُجِزْهُ فِيمَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَمَى، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ؟ فَقَالَ: أَلَا تَرَى الشَّمْسَ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَقَالُوا: الْأَصْوَاتُ قَدْ تَشْتَبِهُ، وَالْأَعْمَى كَمَنْ أُشْهِدَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ خَلْفَ حَائِطٍ - مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَتْ الْأَصْوَاتُ تَشْتَبِهُ فَالصُّوَرُ أَيْضًا قَدْ تَشْتَبِهُ، وَمَا يَجُوزُ لِمُبْصِرٍ وَلَا أَعْمَى أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا يُوقِنُ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ. وَمَنْ أُشْهِدَ خَلْفَ حَائِطٍ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَأَيْقَنَ بِلَا شَكٍّ بِمَنْ أَشْهَدَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ الْأَعْمَى بِصِحَّةِ الْيَقِينِ عَلَى مَنْ يُكَلِّمُهُ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ، إذْ لَعَلَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَلَا يُعْطِيَ أَحَدًا دَيْنًا عَلَيْهِ، إذْ لَعَلَّهُ غَيْرُهُ، وَلَا أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَحَدٍ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ. وَقَدْ قَبِلَ النَّاسُ كَلَامَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ خَلْفِ الْحِجَابِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ امْرَأَتِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، كَمَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فِي دُخُولِهَا عَلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا. قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهَا الَّتِي تَزَوَّجَ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَعْمَى مِنْ مُبْصِرٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمَا نَعْلَمُ فِي الضَّلَالَةِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْكَبَائِرِ أَكْبَرَ مِمَّنْ دَانَ اللَّهَ بِرَدِّ شَهَادَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ -. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَة لُزُوم الشَّهَادَة بلفظ أَشْهَد] 1809 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُخْبِرُ بِحَقٍّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ إخْبَارًا صَحِيحًا تَامًّا لَمْ يَصِلْهُ بِمَا يُبْطِلُهُ، أَوْ بِأَنَّهُ قَدْ وَهَبَ أَمْرًا كَذَا لِفُلَانٍ، أَوْ أَنَّهُ أَنْكَحَ زَيْدًا، أَوْ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ،

مسألة الحكم بالقافة في لحاق الولد

فَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اشْهَدْ بِهَذَا عَلَيَّ أَوْ أَنَا أُشْهِدُك أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُخَاطِبْهُ أَصْلًا، لَكِنْ خَاطَبَ غَيْرَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ: لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ فَلَسْت أُشْهِدُك - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ ذَلِكَ. وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ قَبُولُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا قِيَاسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: اشْهَدْ عَلَيْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي: أَنَا أُخْبِرُك، أَوْ أَنَا أَقُولُ لَك، أَوْ أَنَا أُعْلِمُك، أَوْ لَمْ يَقُلْ: أَنَا أَشْهَدُ - فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَكُلُّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ فُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا مَعْقُولٌ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةَ وَرَدَا بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ شَهَادَةً. قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَقُولَ: أَنَا أَشْهَدُ فَقَدْ جَعَلْنَا مُعْتَمَدَنَا وَجَعَلْتُمْ مُعْتَمَدَكُمْ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] . - فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ نَبَأٌ، وَكُلَّ نَبَأٍ شَهَادَةٌ وَكِلَاهُمَا خَبَرٌ، وَكِلَاهَا قَوْلٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ حِكَايَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ فِي لحاق الْوَلَد] 1810 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحُكْمُ بِالْقَافَةِ فِي لِحَاقِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ، وَلَا يُحْكَمُ بِهِ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْكَمُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ إذْ رَأَى أَقْدَامَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَابْنَهُ أُسَامَةَ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» - وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُسَرُّ بِبَاطِلٍ، وَلَا يُسَرُّ إلَّا بِحَقٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ.

مسألة لا يجوز الحكم إلا ممن ولاه الإمام القرشي الواجبة طاعته

فَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَ عَنْهُ وَيُنْكِرُ عِلْمًا صَحِيحًا مَعْرُوفَ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَرَى أَنْ يُلْحِقَ الْوَلَدَ بِأَبَوَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبُوهُ، وَبِامْرَأَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمُّهُ - فَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَا يُعْقَلُ، وَلَا جَاءَ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ. وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ إذْ يَحْتَجُّ بِخَبَرِ مُجَزِّزٍ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ يُخَالِفُهُ، لِأَنَّ مُجَزِّزًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي ابْنِ حُرَّةٍ لَا فِي ابْنِ أَمَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ إلَّا مِمَّنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْقُرَشِيُّ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ] 1811 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ إلَّا مِمَّنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْقُرَشِيُّ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَنْفَذَ حَقًّا فَهُوَ نَافِذٌ، وَمَنْ أَنْفَذَ بَاطِلًا فَهُوَ مَرْدُودٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ قَبْلُ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَقَالَ تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ حَكَمَ فَهُوَ نَافِذٌ حُكْمُهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنْفِذُوا حُكْمَ أَحَدٍ إلَّا مَنْ أَوْجَبَ الْقُرْآنُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَاذَ حُكْمِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الِارْتِزَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ] 1812 - مَسْأَلَةٌ: وَالِارْتِزَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ جَائِزٌ لِلثَّابِتِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَتَاهُ مَالٌ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أَوْ إشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَأْخُذْهُ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ للإمام عَزْل الْقَاضِي مَتَى شَاءَ] 1813 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ مَتَى شَاءَ عَنْ غَيْرِ خَرِبَةٍ، قَدْ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، ثُمَّ صَرَفَهُ حِينَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْيَمَنِ بَعْدَهَا» . [مَسْأَلَة قَالَ لَهُ قَاضٍ قَدْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا الصَّلْبُ أَوْ الْقَتْلُ وَغَيْر ذَلِكَ] 1814 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لَهُ قَاضٍ: قَدْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا: الصَّلْبُ، أَوْ الْقَتْلُ، أَوْ الْقَطْعُ، أَوْ الْجَلْدُ، أَوْ أَخْذُ مَالٍ مِقْدَارُهُ كَذَا مِنْهُ، فَأَنْفِذْ ذَلِكَ عَلَيْهِ -: فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - إنْ كَانَ الْآمِرُ لَهُ جَاهِلًا، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ - إلَّا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ إنْفَاذُهُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَيْضًا إنْفَاذُ أَمْرِهِ إلَّا حَتَّى يَسْأَلَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟ فَإِذَا أَخْبَرَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَزِمَهُ إنْفَاذُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِخَبَرِ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُهُ فِيمَا رَأَى أَنَّهُ فِيهِ مُخْطِئٌ. وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ إنْفَاذُ أَمْرِ مَنْ لَيْسَ عَالِمًا فَاضِلًا. فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلًا سَأَلَهُ: أَوْجَبَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ

مسألة ادعى شيئا في يد غيره

لَزِمَهُ إنْفَاذُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ قَوْلِ أَحَدٍ بِلَا بُرْهَانٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ] 1815 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَةَ، أَوْ أَقَامَ كِلَاهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي لَيْسَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَيِّنَةٍ مَنْ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ بَيَانٌ زَائِدٌ بِانْتِقَالِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَيْهِ، أَوْ يُلَوِّحُ بِتَكْذِيبِ بَيِّنَةِ الْآخَرِ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِهِ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ قَدْ تَكَاذَبَتْ الْبَيِّنَتَانِ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ بَيِّنَةٌ مَنْ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُمْ بِبَيِّنَةٍ، إنَّمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ» . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1816 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ كِلَاهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، فَأَقَامَا فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ لَمْ يُقِيمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَنَّهُ لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا. وَأَمَّا إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ لَا تُسْمَعُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَقَدْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَتُهُ بِمَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 1817 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَدَاعَيَاهُ، وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا -: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْيَمِينِ، فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ - وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَدَاعَيَا فِيهِ مِمَّا يُوقِنُ بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا جَمِيعًا، كَدَابَّةٍ يُوقِنُ أَنَّهَا نِتَاجُ إحْدَى دَابَّتَيْهِمَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ

عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي مُوسَى: «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا أَوْ دَابَّةً فَأَتَيَا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهَا» . وَبِهِ إلَى قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فِي مَتَاعٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ» مَا كَانَ - أَحَبَّا ذَلِكَ أَمْ كَرِهَا - وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَابَّةً وَلَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَهُمَا بِظَاهِرِ الْيَدِ، وَالْقُرْعَةِ حَيْثُ لَا حَقَّ لَهُمَا، وَلَا لِأَحَدِهِمَا، وَلَا لِغَيْرِهِمَا فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْمُضَاءِ قَاضِي الْمِصِّيصَةِ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَابَّةً وَجَدَاهَا عِنْدَ رَجُلٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا دَابَّتُهُ فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ» . فَهَذَا نَصٌّ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا - لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا فَهُوَ بِلَا شَكٍّ لَهُمْ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ شَهِدَ بِهِ لَهُمَا، وَلَيْسَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَالْوَاجِبُ قِسْمَتُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَمْ يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِيهِ الْبَيِّنَةَ، وَلَا كِلَاهُمَا، فَهُمَا مُدَّعِيَانِ وَلَيْسَ لَهُمَا أَصْلًا وَلَا لِمُدَّعًى عَلَيْهِ سِوَاهُمَا. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَا تَجُوزُ الْبَيِّنَةُ أَنْ تَكُونَ لَهُمَا جَمِيعًا لَكِنْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ

لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ غَيْرِهِمَا، وَلَا فِي أَيْدِيهِمَا، أَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا، فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُقْرَعُ عَلَى الْيَمِينِ، وَلَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا مَقْطُوعًا بِهِ، وَقَضِيَّةَ جَوْرٍ بِلَا شَكٍّ فِيهَا، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَالْجَوْرُ الْمُتَيَقَّنُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ - فَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: هُوَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً وَالشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مُدَّعِيَ لَهُ سِوَاهُمَا، فَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي حَلَفَ. فَإِنْ وَقَّتَتْ كِلْتَا الْبَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَلَمْ تُوَقِّتْ الْأُخْرَى قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي وَقَّتَتْ بَيِّنَتُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: بَلْ لِلَّذِي لَمْ تُوَقِّتْ بَيِّنَتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا خَالَفَ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَوْرَدْنَا فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ - وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ بُرْهَانُ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُؤَيِّدُهُ قِيَاسٌ، وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا عَدَالَةَ الشُّهُودِ فَقَطْ، وَلَا فَضْلَ فِي ذَلِكَ لِأَعْدَلِ الْبَرِيَّةِ عَلَى عَدْلٍ، وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِطَلَاقٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ، فَلَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ قُضِيَ بِهِ. وَأَيْنَ تَرْجِيحُ أَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؟ وَهَذَا قَوْلٌ خَالَفَ فِيهِ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظَةً مِنْ الصَّحَابَةِ إنَّمَا رُوِيَ الْقَوْلُ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ: فَإِنْ تَكَافَأَتْ فِي الْعَدَالَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَجَاءَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَغْلِيبُ أَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَدَدًا - وَقَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيِّ إذَا تَكَافَأَ عَدَدُهُمَا.

مسألة الشهادة على الشهادة

وَاضْطَرَبَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ -: فَمَرَّةً قَالَ: يُوقَفُ الشَّيْءُ. وَمَرَّةً قَالَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا. وَمَرَّةً قَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: إذَا ادَّعَى اثْنَانِ شَيْئًا لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ الْعَدْلَةَ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَقُضِيَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، وَلَا مَعْنَى لِأَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَا لِأَعْدَلِهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَوَى الشُّهُودُ أُقْرِعَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ» فَهُوَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ الْإِقْرَاعَ، وَلَا يَقُولُونَ بِهِ. [مَسْأَلَة الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ] 1818 - مَسْأَلَةٌ: الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ عَلَى وَاحِدٍ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا، وَلَمْ يَحُدَّ عَنْهُ مِقْدَارَ الْمَسَافَةِ الَّتِي إذَا كَانَ الشَّاهِدُ بَعِيدًا عَلَى قَدْرِهَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى مِقْدَارٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ -: حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ سَلَفَ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، لَا سِيَّمَا هَذِهِ الْحُدُودُ الْفَاسِدَةُ. وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى، بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ شَهَادَةُ عُدُولٍ، فَقَبُولُهَا وَاجِبٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَعُدَتْ جِدًّا وَلَا فَرْقَ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي كَمْ تُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ الْعُدُولِ؟ فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ - وَهُوَ مُطَّرِحٌ - أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ

إلَّا اثْنَانِ، وَعَنْ رَبِيعَةَ مِثْلُهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ ذَيْنِكَ الِاثْنَيْنِ أَيْضًا عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْآخَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ أُخْرَى عَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ، فَلَا يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ إلَّا أَرْبَعَةٌ، وَلَا يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَى إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ عَدْلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مِثْلَ قَوْلِنَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ رُزَيْقٍ قَالَ قَرَأْت فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي: أَنْ أَجِزْ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَذَلِكَ فِي كَسْرِ سِنٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ، وَمَعْمَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ - وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ: إنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ، وَيَقُولُ لَهُ: أَشْهِدْنِي ذَوَيْ عَدْلٍ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالْقُضَاةِ قَبْلَهُ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَاحِدٍ وَبَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَبْيِينِ الْحَقِّ بِذَلِكَ، كِلَاهُمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْوَاحِدِ، فَكُلَّمَا قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ بَيِّنَةٌ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ - وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ يُؤْخَذُ مِنْ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ - وَهُوَ تَالِفٌ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ نَعْيِهِ

النُّعْمَانُ، قَالَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ، وَلَا فِي دَمٍ وَلَا فِي طَلَاقٍ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا عِتْقٍ، إلَّا فِي الْمَالِ وَحْدَهُ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَخْصِيصُ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ - هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب النكاح

[كِتَابُ النِّكَاحِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كِتَابُ النِّكَاحِ 1819 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ مِنْ أَيْنَ يَتَزَوَّجُ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا وَلَا بُدَّ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ نا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا حُجَيْنٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلٍ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ

سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: «أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -» وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ نا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ نا حُصَيْنُ بْنُ نَافِعٍ الْمَازِنِيُّ قَالَ: ني الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ التَّبَتُّلِ؟ فَقَالَتْ: لَا تَفْعَلْ أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] فَلَا تَتَبَتَّلْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: لِتَتَزَوَّجَنَّ أَوْ لَأَقُولَنَّ لَك مَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُك مِنْ النِّكَاحِ إلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ. وَقَدْ احْتَجَّ قَوْمٌ فِي الْخِلَافِ هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَأْمُرْ الْحَصُورَ بِاتِّخَاذِ النِّسَاءِ، إنَّمَا أَمَرْنَا بِذَلِكَ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجِمَاعِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُكُمْ فِي الْمِائَتَيْنِ الْخَفِيفُ الْحَاذِ الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ» . وَالْآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ «إذَا كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ فَلَأَنْ يُرَبِّيَ أَحَدُكُمْ جَرْوَ كَلْبٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُرَبِّيَ وَلَدًا» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ خَبَرَانِ مَوْضُوعَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عِصَامٍ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْعَسْقَلَانِيِّ - وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَبَيَانُ وَضْعِهِمَا: أَنَّهُ لَوْ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ مَا فِيهِمَا مِنْ تَرْكِ النَّسْلِ لَبَطَلَ الْإِسْلَامُ، وَالْجِهَادُ، وَالدِّينُ، وَغَلَبَ أَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إبَاحَةِ تَرْبِيَةِ الْكِلَابِ، فَظَهَرَ فَسَادُ كَذِبِ رَوَّادٍ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟

مسألة التزوج من أكثر من أربعة نسوة

قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى النِّسَاءِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] . وَلِلْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَكَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا: وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهِيَ الَّتِي تَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا، وَاَلَّتِي تَمُوتُ بِكْرًا لَمْ تُطْمَثْ. [مَسْأَلَة التَّزَوُّج مِنْ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة نِسْوَة] 1820 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ إمَاءٍ أَوْ حَرَائِرَ، أَوْ بَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ. وَيَتَسَرَّى الْعَبْدُ وَالْحُرُّ مَا أَمْكَنَهُمَا، الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، بِضَرُورَةٍ وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَالصَّبْرُ عَنْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ لِلْحُرِّ أَفْضَلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] . نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ نا مُسَدَّدٌ نا يَزِيدُ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» .

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَسْنَدَهُ؟ قُلْنَا: مَعْمَرٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ بِذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَأَيْضًا -: فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ زَوَاجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ لَا يَصِحُّ لَهُمْ عَقْدُ الْإِسْلَامِ. وَبَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ، وَكَمْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ، وَهَلْ يَتَسَرَّى الْعَبْدُ؟ فَأَمَّا نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -: فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - وَلَمْ يَصِحَّ -: لَا يَنْبَغِي لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً، فَإِنْ فَعَلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ مَلَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا -: مَا إنْ يَخَفْ نِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الزِّنَا إلَّا قَلِيلًا. وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلَا يَنْكِحُ أَمَةً، وَلَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ يَعْلَى بْنُ مُنَبِّهٍ فِي رَجُلٍ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ، وَأَمَتَانِ مَمْلُوكَتَانِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: فَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَتَيْنِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ تُنْكَحَ أَمَةٌ عَلَى حُرَّةٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إلَّا الْمَمْلُوكُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ طَلَاقُ الْمَمْلُوكَةِ - وَبِهِ يَقُولُ الشَّعْبِيُّ. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مِمَّا وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا -. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: سَأَلْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَرَ عَلِيٌّ بِهِ بَأْسًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: جَائِزٌ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَاجِدِ الطَّوْلِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَا الْأَمَةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ كِتَابِيَّةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَلْبَتَّةَ - لَا بِإِذْنِ الْحُرَّةِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهَا - فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ نِكَاحُ الْأَمَةِ - وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَقَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا، أَوْ أَقَلَّ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَجَائِزٌ عِنْدَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالْجَمِيعِ أَرْبَعًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةٍ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَجِدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ، وَأَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرَّةٍ فُسِخَ نِكَاحُ الْأَمَةِ. ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَأَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ خَاصَّةً لِلْفَقِيرِ وَلِلْمُوسِرِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ.

قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَيْهَا: خُيِّرَتْ الْحُرَّةُ، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ. قَالَ: فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا تَمَامَ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِمَاءِ إنْ شَاءَ، وَلَا خِيَارَ لِلْحُرَّةِ بَعْدُ. قَالَ: وَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرِّ الْوَاجِدِ صَدَاقَ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ لِأَمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ - وَخَشِيَ مَعَ ذَلِكَ الْعَنَتَ - فَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا أَكْثَرَ. وَقَالَ مَرَّةً: إنْ لَمْ يَجِدْ صَدَاقَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَوَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ، فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ عَارٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ فِي بَعْضِهِ بَعْضَ السَّلَفِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ سَائِرِهِمْ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيَانِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْآخَرُ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِالْقُرْآنِ، وَأَمَّا قَوْلَاهُمَا الْمَشْهُورَانِ عَنْهُمَا، فَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي مَنْعِ الْحُرِّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِبَاحَتُهُ لَهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا لِطَوْلٍ يَنْكِحُ بِهِ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ لَيْسَ تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ أَصْلًا، وَلَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ قَطُّ، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ هُوَ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» فَهَذَا مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ هَالِكٌ. وَأَيْضًا - فَلَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرُ الْحُرَّةِ كَمَا ذَكَرَ مَالِكٌ. وَأَمَّا تَخْيِيرُهُ الْحُرَّةَ فِي الْبَقَاءِ تَحْتَ زَوْجِهَا الْحُرِّ، أَوْ فِرَاقِهِ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا مَنْعُ الشَّافِعِيِّ مَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَقَوْلٌ لَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ - فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا، إذْ لَيْسَتْ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ، وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هُوَ الْقُرْآنُ،

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: 25] . فَنَظَرْنَا فِي مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ، فَوَجَدْنَا فِيهَا حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَخَشِيَ الْعَنَتَ، فَأَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ لَهُ، وَأَنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ لَنَا، فَقُلْنَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فَنَظَرْنَا فِي حُكْمِ مَنْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَفِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ فَلَمْ نَجِدْهُ فِيهِ أَصْلًا، لَا بِإِبَاحَةٍ، وَلَا بِمَنْعٍ، وَلَا بِكَرَاهَةٍ، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِيهَا جُمْلَةً، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ لَهُ مِنْهَا بِحُكْمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَخَشِيَ الْعَنَتَ، وَبِحُكْمِ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ لَهُ مِنْهَا بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ لِحُكْمِ مَنْ لَا يَجِدُ الطَّوْلَ وَيَخْشَى الْعَنَتَ، وَبِحُكْمِ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ، وَكِلَاهُمَا تَعَدٍّ لِمَا فِي الْآيَةِ وَإِقْحَامٌ فِيهَا لِمَا لَيْسَ فِيهَا، فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ وَلَا يَخْشَى الْعَنَتَ -: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] . وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] . فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ جَلِيٌّ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ جُمْلَةً لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ. وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى إبَاحَةُ نِكَاحِ الْعَبِيدِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا، لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ، وَإِبَاحَةُ إنْكَاحِ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. فَكَانَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بَيَانُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ عُمُومًا،

بِكُلِّ حَالٍ لِلْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَلِلْكِتَابِيَّةِ، وَلِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي سُنَّةٍ، وَلَا فِي قُرْآنٍ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا كَرَاهَةٌ: - فَصَحَّ وَلَنَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إبَاحَةُ مَالِكٍ نِكَاحَ الْحُرِّ وَاجِدِ الطَّوْلِ غَيْرِ خَائِفِ الْعَنَتِ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَمَنْعُهُ إيَّاهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي التَّعَلُّقِ بِالْآيَةِ لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ إبَاحَتُهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِلْعَبْدِ، وَمَنْعُهُ الْحُرَّ مِنْ ذَلِكَ - وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - فَقَدْ أَتَى عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَتَرَكَ الْفَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا كَمْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ -: فَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَيْنِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ فِي النَّاسِ كَمْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ؟ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى اثْنَيْنِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَا: نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجْمَعُ مِنْ النِّسَاءِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرِهِمْ -. وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يَصِحُّ عَنْهُ - وَعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ - وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.

مسألة نكاح الكتابية

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَحَابَةً لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ - وَهَذَا مِمَّا يُعَظِّمُونَهُ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ دُونَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] فَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَسَرِّي الْعَبْدِ -: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى مَمَالِيكَهُ يَتَسَرَّوْنَ وَلَا يَنْهَاهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ فِي جَارِيَةٍ لَهُ: اسْتَحِلَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لِهَذَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ - وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ مِنْ تَابِعٍ، إلَّا رِوَايَةً غَيْرَ مَشْهُورَةٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرِوَايَةً صَحِيحَةً عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى كَرَاهِيَةً، لَا مَنْعًا - وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِيمَا خَلَا مِنْ كِتَابِنَا عَلَى صِحَّةِ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَالِهِ فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة نِكَاح الْكِتَابِيَّة] 1821 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ، وَهِيَ الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَالْمَجُوسِيَّةُ، بِالزَّوَاجِ. وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا نِكَاحُ كَافِرَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ أَصْلًا.

قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: تَحْرِيمَ نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ جُمْلَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ الْإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ " رَبُّهَا عِيسَى " وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَوَطْءَ الْأَمَةِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَحَرَّمُوا نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ جُمْلَةً، وَوَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا حَرَّمَ زَوَاجَ الْأَمَةِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَأَبَاحَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - وَأَبَاحَ إجْبَارَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] فَلَوْ لَمْ تَأْتِ إلَّا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] فَكَانَ الْوَاجِبُ الطَّاعَةَ لِكِلْتَا الْآيَتَيْنِ، وَأَنْ لَا تُتْرَكَ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى. وَوَجَدْنَا مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ خَالَفَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا سَبِيلَ إلَى الطَّاعَةِ لَهُمَا إلَّا بِأَنْ يُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ، فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ إبَاحَةِ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالزَّوَاجِ مِنْ جُمْلَةِ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ، وَيَبْقَى سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا. وَوَجَدْنَا تَحْرِيمَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةَ بِالزَّوَاجِ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ

جُمْلَةِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] لِأَنَّ الْإِحْصَانَ: الْحُرِّيَّةُ، وَالْإِحْصَانَ: الْعِفَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12] أَيْ عَفَّتْ فَرْجَهَا. وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] الْحَرَائِرَ دُونَ الْعَفَائِفِ مِنْ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَائِلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَشَارِعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَمُدَّعِيًا بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] . فَمَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَلَا صِحَّةَ لِقَوْلِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّ تَعَلُّقَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إنَّمَا فِيهِ إبَاحَةُ نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ نِكَاحِ الْفَتَاةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَلَا إبَاحَةٌ لَهَا، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْآيَةِ وَلَا بُدَّ. وَوَجَدْنَا إبَاحَتَهُمْ وَطْءَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إقْحَامًا فِي الْآيَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا بِآرَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى تَعَالَى فِي الْآيَةِ إبَاحَةَ الْكِتَابِيَّاتِ بِالزَّوَاجِ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] وَأَبْقَى مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ بِنَهْيِهِ تَعَالَى عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ كِتَابِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَهُمْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مُخْرِجُونَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا فِيهَا مِنْ إبَاحَةِ زَوَاجِ الْعَفَائِفِ مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ جُمْلَةً لَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَيُقْحِمُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ فِيهَا، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ، كَمَا رُوِّينَا قَبْلُ عَنْهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْكَوَافِرِ وَغَيْرِهِنَّ جُمْلَةً، فَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ مَا أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ بِالزَّوَاجِ، وَبَقِيَ سَائِرُ قَوْلِهِ عَلَى الصِّحَّةِ. وَفِيهِ تَحْرِيمُ الْأَمَةِ بِلَا شَكٍّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ الْمُشْرِكَةَ حَتَّى تُسْلِمَ.

نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ هُوَ مُرَّةُ الطَّبِيبُ صَاحِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -: أَصَبْت الْأَمَةَ مِنْ السَّبْيِ فَقَالَا جَمِيعًا: لَا تَغْشَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ مَمْلُوكَةً أَكْرَهُ غَشَيَانَهُنَّ: أَمَتُك وَأُمُّهَا، وَأَمَتُك وَأُخْتُهَا، وَأَمَتُك وَطِئَهَا أَبُوك، وَأَمَتُك وَطِئَهَا ابْنُك، وَأَمَتُك عَمَّتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَةٌ خَالَتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَتُك وَقَدْ زَنَتْ، وَأَمَتُك وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، وَأَمَتُك وَهِيَ حُبْلَى مِنْ غَيْرِك. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَصَابَ الْجَارِيَةَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْفَيْءِ فَأَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا أَمَرَهَا فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا، ثُمَّ عَلَّمَهَا الْإِسْلَامَ، وَأَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ، وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ أَصَابَهَا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مُشْرِكَةً أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلَ غَيْرِ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ» . فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَقْطَعُهُمَا - أَنَّ سَبْيَ أَوْطَاسٍ كَانُوا وَثَنِيِّينَ لَا كِتَابِيِّينَ، لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ، وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا أَنَّ وَطْءَ الْوَثَنِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تُسْلِمَ - فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ - لَوْ صَحَّ إعْلَامُهُمْ - أَنَّ عِصْمَتَهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قَدْ انْقَطَعَتْ إذَا أَسْلَمْنَ - وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَرْ هَاهُنَا الْإِسْلَامُ - لَكِنْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَوَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا، فَقَالَ -: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - عَنْ سَعِيدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ: أَنْ أَبَا عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيَّ حَدَّثَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً» بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. فَصَحَّ أَنَّ أَبَا الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عَلْقَمَةَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ فَقُلْنَا: هَبْكَ كَانَ كَمَا تَزْعُمُونَ فَكَانَ مَاذَا؟ وَلَا وَجَدْنَا فِي الْفَرَائِضِ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ غَيْرَ الْمَغْرِبِ؛ وَلَا وَجَدْنَا فِي الْأَمْوَالِ شَيْئًا يُزَكَّى مِنْ غَيْرِهِ إلَّا الْإِبِلَ؟ فَلَا أَبْرَدَ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ السَّخِيفِ الْمُعْتَرَضِ بِهِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَيْفَ وَالْحَرَائِرُ كُلُّهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِالزَّوَاجِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، فَدَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِيَّةُ. فَقُلْنَا: فَأَدْخَلُوا بِهَذَا الْعُمُومِ فِي الْإِبَاحَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَطْءَ الْحَائِضِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأُمِّ الزَّوْجَةِ؛ وَاَلَّتِي وَطِئَهَا الْأَبُ، وَالْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ خَصَّ ذَلِكَ آيَاتٌ أُخَرُ؟ قُلْنَا: وَقَدْ خَصَّ الْكِتَابِيَّةَ آيَةٌ أُخْرَى. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا أَكْذَبَهُمْ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ - بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَمَّا نِكَاحُ الْكَافِرَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ: فَلَا يُخَالِفُنَا الْحَاضِرُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِزَوَاجٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ - فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " وَ " كِتَابِ التَّذْكِيَةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَإِذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ بِالزَّوَاجِ حَلَالٌ. وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فَلَمْ يُبِحْ لَنَا تَرْكَ قَتْلِهِمْ إلَّا بِأَنْ يُسْلِمُوا فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَاسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً بِإِعْفَائِهِمْ مِنْ الْقَتْلِ بِغُرْمِ الْجِزْيَةِ مَعَ الصِّغَارِ مِنْ جُمْلَةِ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَحِلُّ إعْفَاؤُهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» . وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَ رَبِّهِ إلَّا لَوْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ، فَكُنَّا نَدْرِي حِينَئِذٍ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلَمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ وَمَنْ أَبَى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَنْ لَا تُؤْكَلَ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحَ لَهُمْ امْرَأَةٌ» . فَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.

وَثَانِيَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ قَوْلَهُ «لَا تُؤْكَلَ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحَ لَهُمْ امْرَأَةٌ» هُوَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى نا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا جَعْفَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبْزَى قَالَ: لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْأَسْفِيذَارَ انْصَرَفُوا فَجَاءَهُمْ - يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَجْمَعُوا فَقَالُوا: بِأَيِّ شَيْءٍ تُجْرِي فِي الْمَجُوسِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلَيْسُوا بِمُشْرِكِينَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَتُجْرِي فِيهِمْ الْأَحْكَامَ الَّتِي أَجْرَيْت فِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَلْ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ - وَذَكَرَ الْخَبَرَ بِطُولِهِ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ قَالَ: سَمِعْت مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ يُحَدِّثُ الْحَسَنَ أَنَّ امْرَأَةَ حُذَيْفَةَ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً، فَجَعَلَ الْحَسَنُ يَقُولُ: مَهْلًا، فَقَالَ: أَنَا وَاَللَّهِ دَخَلْت عَلَيْهَا حَتَّى كَلَّمْتهَا، فَقَالَ لَهَا: شابر دخت، قَالَ: فَحَدَّثَ بِهِ الْحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ التَّمِيمِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَسَدِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ، وَأَبِي حَرَّةَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجِ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، وَقَالَ أَبُو حُرَّةَ: عَنْ الْحَسَنِ، قَالَا جَمِيعًا: كَانَتْ امْرَأَةُ حُذَيْفَةَ مَجُوسِيَّةً. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: يُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَبَتْ، فَلْيُصِبْهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً - وَلَكِنْ يُكْرِهُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ.

مسألة نكاح المسلمة غير المسلم

وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ التَّذْكِيَةِ " إبَاحَةَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَنَحْنُ - وَإِنْ كُنَّا نُخَالِفُ سَعِيدًا، وَطَاوُسًا فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ -: فَإِنَّمَا أَتَيْنَا بِهِمَا لِإِبَاحَتِهِمَا نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّاتِ. وَمِمَّنْ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ أَبُو ثَوْرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ أَبْيَنِ الْخَطَأِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ جِزْيَةٌ مِنْ مُشْرِكٍ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا أَنْ تُنْكَحَ مُشْرِكَةٌ إلَّا الْكِتَابِيَّةُ وَأَنْ لَا تُؤْكَلَ ذَبِيحَةُ مُشْرِكٍ إلَّا كِتَابِيٌّ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ، فَيُمْنَعُ مِنْ بَعْضِهَا وَيُبِيحُ بَعْضَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة نِكَاح المسلمة غَيْر الْمُسْلِم] 1822 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ غَيْرِ مُسْلِمٍ أَصْلًا، وَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ أَنْ يَمْلِكَ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَلَا مُسْلِمَةً أَمَةً أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالرِّقُّ أَعْظَمُ السَّبِيلِ وَقَدْ قَطَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جُمْلَةً عَلَى الْعُمُومِ، وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا بِبَيْعِهِمَا إذَا أَسْلَمَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ، فَنَقُولُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ طُولَ مُدَّةِ تَعْرِيضِكُمْ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ لِلْبَيْعِ إذَا أَسْلَمَا عِنْدَ الْكَافِرِ، وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَّةُ سَاعَةً، وَتَكُونُ سَنَةً، أَفِي مِلْكِ الْكَافِرِ هُمَا أَمْ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ -: فَإِنْ كَانَا فِي مِلْكِهِ، فَلِمَ تَمْنَعُونَهُ مِنْ اتِّصَالِ مِلْكِهِ عَلَيْهِمَا - وَقَدْ أَبَحْتُمُوهُ مُدَّةً - مَا - وَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الْفَاسِدِ؟ وَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَا فِي ذَلِكَ وَلَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: هَذِهِ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا إحْدَاثُ مِلْكٍ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّا نَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي تَبِيعُونَهُ لِضَرَرٍ أَضَرَّ بِهِ، أَوْ فِي حَقِّ مَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: هُوَ فِي مِلْكِ الَّذِي يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِلْكُهُ لَهُ حَرَامًا لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَ ضَرَرُهُ عَنْهُ لَمْ

مسألة الوليمة في النكاح

يُبَعْ عَلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ لَمْ يُبَاعَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَكُمْ مِنْ تَمَلُّكِ الْمُسْلِمِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الْكُفْرِ فَتَخْصِيصُكُمْ بِذَلِكَ مَنْ خَرَجَ إلَيْنَا مِنْهُمْ تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ: إنَّمَا أُعْتِقُكُمْ لِخُرُوجِكُمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كَافِرٍ بَعْدَ إسْلَامِهِ؟ قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَنْكَحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنْتَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ - وَهُوَ كَافِرٌ - وَمِنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ، وَالْأَمَةَ إذَا أَسْلَمَا - وَهُمَا فِي مِلْكِ كَافِرٍ - فَإِنَّهُمَا حُرَّانِ فِي حِينِ تَمَامِ إسْلَامِهِمَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْوَلِيمَة فِي النِّكَاح] 1823 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَزَوَّجَ أَنْ يُولِمَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَأَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ نِكَاحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ أَنَسٌ: «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ نا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أَمَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: «أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» .

مسألة من دعي إلى وليمة أو طعام

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. [مَسْأَلَة مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ] 1824 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ أَنْ يُجِيبَ - إلَّا مِنْ عُذْرٍ - فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ اللَّهَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ حَرِيرٌ مَبْسُوط، أَوْ كَانَتْ الدَّارُ مَغْصُوبَةً، أَوْ كَانَ الطَّعَامُ مَغْصُوبًا، أَوْ كَانَ هُنَاكَ خَمْرٌ ظَاهِرٌ: فَلْيَرْجِعْ وَلَا يَجْلِسْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَيْلِيُّ نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ لَهَا» .

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْهُ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ» . ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَسَدٍ الْكَازَرُونِيُّ نا أَبُو يَعْقُوبَ الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ دُعِيَ يَوْمًا إلَى طَعَامٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَمَّا أَنَا فَأَعْفِنِي؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لَا عَافِيَةَ لَك مِنْ هَذَا، فَقُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» . وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ الْآثَارُ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِيهَا زِيَادَةً غَيْرَ الْعُرْسِ مَعَ الْعُرْسِ، وَزِيَادَةَ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ

مسألة لا يحل للمرأة نكاح إلا بأذن وليها

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» .؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، وَلَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ وَقَّفَ أَبَا الزُّبَيْرِ عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ اللَّيْثُ: فَأَعْلَمُ لِي عَلَى مَا أَخَذْته عَنْهُ - وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا أَعْلَمُ لَهُ عَلَيْهِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ إيجَابُ الْأَكْلِ زَائِدًا عَلَى هَذَا، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ إيجَابِ الدَّعْوَةِ. [مَسْأَلَة لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحٌ إلَّا بأذن وليها] 1825 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحٌ - ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا - إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا الْأَبِ، أَوْ الْإِخْوَةِ، أَوْ الْجَدِّ، أَوْ الْأَعْمَامِ، أَوْ بَنِي الْأَعْمَامِ - وَإِنْ بَعُدُوا - وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَوْلَى. وَلَيْسَ وَلَدُ الْمَرْأَةِ وَلِيًّا لَهَا إلَّا إنْ كَانَ ابْنَ عَمِّهَا، لَا يَكُونُ فِي الْقَوْمِ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ -: أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الزَّوَاجِ، فَإِنْ أَبَى أَوْلِيَاؤُهَا مِنْ الْإِذْنِ لَهَا: زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ جَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]

وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] وَهَذَا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ لَا لِلنِّسَاءِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ وَلِيِّهَا فَإِنْ نُكِحَتْ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . وَمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا أَبُو كَامِلٍ نا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» . وَبِهِ إلَى الْبَزَّازِ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ - هُوَ أَبُو مُوسَى - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» .

فَاعْتَرَضَ قَوْمٌ عَلَى حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا بِأَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ رَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ - قَالُوا: وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْهَا - وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا - عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهِيَ بِكْرٌ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِالشَّامِ قَرِيبُ الْأَوْبَةِ - بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَمْ يُمْضِهِ، بَلْ أَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ، فَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِذَلِكَ النِّكَاحِ، بَلْ قَالَتْ لِلَّذِي زَوَّجَتْهَا مِنْهُ - وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ -: اجْعَلْ أَمْرَهَا إلَيْهِ، فَفَعَلَ، فَأَنْفَذَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ -. قَالُوا: وَالزُّهْرِيُّ هُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْخَبَرُ.

قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَدَلَّ خِلَافُ عَائِشَةَ الَّتِي رَوَتْهُ، وَالزُّهْرِيُّ الَّذِي رَوَاهُ لِمَا فِيهِ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِهِ؟ فَقُلْنَا: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّ الزُّهْرِيَّ سَأَلَهُ عَنْهُ ابْنُ جُرَيْحٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ؟ فَإِنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنَ بَابْشَاذَ بْنِ دَاوُد بْنِ سُلَيْمَانَ كَتَبَ إلَيَّ: نا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ الْحَافِظُ نا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ: نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُد عِمْرَانُ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا مَا حَدَثْنَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا غَيْلَانُ نا عَبَّاسٌ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: حَدِيثُ ابْنِ جَرِيرٍ هَذَا - قَالَ عَبَّاسٌ: فَقُلْت لَهُ: إنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لِسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى؟ فَقَالَ: نَسِيت بَعْدَهُ، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ يَقُولُ هَذَا إلَّا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَرَضَ كُتُبَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ فَأَصْلَحَهَا لَهُ؟ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا إلَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ سَمَاعَ ابْنِ عُلَيَّةَ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَدْخُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهُ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى نَسِيَهُ -: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ، «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا» . نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نَا وَهْبُ بْنُ مَيْسَرَةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْفَجْرَ فَأَغْفَلَ آيَةً،

فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ؟ فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغْفَلْتَ آيَةَ كَذَا، أَوَنُسِخَتْ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: بَلْ أُنْسِيتُهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَسِيَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَمَنْ الزُّهْرِيُّ، وَمَنْ سُلَيْمَانُ، وَمَنْ يَحْيَى حَتَّى لَا يَنْسَى؟ وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115] . لَكِنْ ابْنُ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ، فَإِذَا رَوَى لَنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى - وَهُوَ ثِقَةٌ - أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِخَبَرٍ مُسْنَدٍ، فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّة بِهِ، سَوَاءٌ نَسَوْهُ بَعْدَ أَنْ بَلَّغُوهُ وَحَدَّثُوا بِهِ، أَوْ لَمْ يَنْسَوْهُ. وَقَدْ نَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ لَا عَدْوَى. وَنَسِيَ الْحَسَنُ حَدِيثَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ. وَنَسِيَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ حَدَّثُوا بِهَا، فَكَانَ مَاذَا؟ لَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا إلَّا جَاهِلٌ، أَوْ مُدَافِعٌ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَلَا نَدْرِي فِي أَيِّ الْقُرْآنِ، أَمْ فِي أَيِّ السُّنَنِ، أَمْ فِي أَيِّ حُكْمِ الْعُقُولِ وَجَدُوا؟ أَنَّ مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ ثُمَّ نَسِيَهُ: أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ يَبْطُلُ، مَا هُمْ إلَّا فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ بِلَا بُرْهَانٍ؟ وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا خَالَفَا مَا رَوَيَا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ مَاذَا؟ إنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَتْ حُجَّةُ الْعَقْلِ بِوُجُوبِ قَبُولِ مَا صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَبِسُقُوطِ اتِّبَاعِ قَوْلٍ مِنْ دُونِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَلَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا: أَنَّ مَنْ خَالَفَ - بِاجْتِهَادِهِ مُخْطِئًا مُتَأَوِّلًا - مَا رَوَاهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا رَوَاهُ، ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ أَصْلَهُمْ هَذَا الْفَاسِدَ، فَنَقُولُ: إذَا صَحَّ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَيَا هَذَا الْخَبَرَ، وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا خَالَفَاهُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُمَا خَالَفَاهُ، بَلْ بَلْ الظَّنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يُخَالِفَانِ مَا رَوَيَاهُ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ تَرْكَنَا مَا لَا يَلْزَمُنَا مِنْ قَوْلِهِمَا لِمَا يَلْزَمُنَا مِنْ رِوَايَتِهِمَا هُوَ الْوَاجِبُ، لَا تَرْكَ مَا يَلْزَمُنَا مِمَّا رَوَيَاهُ لِمَا لَا يَلْزَمُنَا مِنْ رَأْيِهِمَا.

فَكَيْفَ وَقَدْ كَتَبَ إلَيَّ دَاوُد بْنُ بَابْشَاذَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ نا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَنْكَحَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَخِيهَا جَارِيَةً مِنْ بَنِي أَخِيهَا، فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ سِتْرًا، ثُمَّ تَكَلَّمَتْ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا النِّكَاحُ أَمَرَتْ رَجُلًا فَأَنْكَحَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَيْسَ إلَى النِّسَاءِ النِّكَاحُ - فَصَحَّ يَقِينًا بِهَذَا رُجُوعُهَا عَنْ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ إلَى مَا نَبَّهَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ نِكَاحَ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ. وَاعْتَرَضُوا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ قَوْمًا أَرْسَلُوهُ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا، إذَا صَحَّ الْخَبَرُ مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ، وَلَزِمَنَا قَبُولُهُ فَرْضًا، وَلَا مَعْنَى لِمَنْ أَرْسَلَهُ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرْوِهِ أَصْلًا، أَوْ لِمَنْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ؟ كُلُّ هَذَا كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِمَّنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا، أَوْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ الطَّرِيقَ جَمَعَ رَكْبًا، فَجَعَلَتْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ أَمْرَهَا إلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ غَيْرِ وَلِيٍّ فَأَنْكَحَهَا رَجُلًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَجَلَدَ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْعَقْدِ شَيْءٌ، لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ تُنْكِحُ نَفْسَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبَغَايَا اللَّاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَالَهُ وَبَنَاتَهُ وَنِكَاحَهُنَّ فَكَانَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا أَرَادَتْ أَنْ تُزَوِّجَ امْرَأَةً أَمَرَتْ أَخَاهَا عَبْدَ اللَّهِ فَيُزَوِّجُ. وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَرُوِّينَا: عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ؟ فَقُلْت: سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ عَنْ امْرَأَةٍ خَطَبَهَا رَجُلٌ وَوَلِيُّهَا غَائِبٌ بِسِجِسْتَانَ، وَلِوَلِيِّهَا هَاهُنَا وَلِيٌّ، أَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ وَلِيِّهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ اُكْتُبُوا إلَيْهِ، قُلْت لَهُ: إنَّ الْخَاطِبَ لَا يَصْبِرُ؟ قَالَ: فَلْيَصْبِرْ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إلَى مَتَى يَصْبِرُ؟ قَالَ الْحَسَنُ: يَصْبِرُ كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الْكَهْفِ. وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَكْحُولٍ -. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَدِيمٌ، وَحَدِيثٌ -: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ نا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: بَحْرِيَّةُ، زَوَّجَتْهَا أُمُّهَا، وَكَانَ أَبُوهَا غَائِبًا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُوهَا أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ فَأَجَازَ ذَلِكَ -. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَيْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - قَالَ: سَمِعْت الْقَعْقَاعَ، قَالَ: إنَّهُ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنَّا يُقَالُ لَهَا: بَحْرِيَّةُ، زَوَّجَتْهَا إيَّاهُ أُمُّهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَاخْتَصَمَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَجَازَهُ. وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ

مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الْمُنْذِرُ أَمْرَهَا إلَيْهِ فَأَجَازَهُ. وَرُوِّينَا أَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ، وَأُمَّهَا زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَتْ تَحْتَ عَلِيٍّ، فَدَعَتْ بِالْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ فَأَنْكَحَهَا نَفْسَهُ، فَغَضِبَ مَرْوَانُ، وَكَتَبَ ذَلِكَ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: دَعْهُ وَإِيَّاهَا. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِي امْرَأَةٍ لَا وَلِيَّ لَهَا، فَوَلَّتْ رَجُلًا أَمْرَهَا، فَزَوَّجَهَا، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وُلَاتِهَا - وَهُمْ حَاضِرُونَ، فَقَالَ أَمَّا امْرَأَةٌ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا إذَا كَانَ بِشُهَدَاءَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوُلَاةِ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا بِغَيْرِ إذْنِ أَوْلِيَائِهَا، قَالَ: إنْ أَجَازَ الْوُلَاةُ ذَلِكَ إذَا عَلِمُوا، فَهَذَا جَائِزٌ - وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَلَهَا مِنْ أَمْرِهَا نَصِيبٌ، وَدَخَلَ بِهَا، لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَلَا أَنْ تُزَوِّجَهَا امْرَأَةٌ وَلَكِنْ إنْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ جَازَ، الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: أَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا وَلِيُّهَا، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَتُوَلِّي أَمْرَهَا مَنْ شَاءَتْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُزَوِّجُهَا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الدَّنِيئَةُ، كَالسَّوْدَاءِ، أَوْ الَّتِي أَسْلَمْت، أَوْ الْفَقِيرَةُ، أَوْ النَّبَطِيَّةُ، أَوْ الْمُوَلَّاةُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْجَارُ وَغَيْرُهُ - مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ لَهَا بِوَلِيٍّ - فَهُوَ جَائِزٌ - وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا الْمَوْضِعُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ وَلِيِّهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ، أَوْ السُّلْطَانُ: جَازَ، فَإِنْ تَقَادَمَ أَمْرُهَا وَلَمْ يُفْسَخْ، وَوَلَدَتْ لَهُ الْأَوْلَادَ: لَمْ نَفْسَخْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، جَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا كُفُؤًا، وَلَا اعْتِرَاضَ لِوَلِيِّهَا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَيْرَ كُفْءٍ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا حَطَّتْ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُجِيزَ وَالزَّوْجُ كُفُؤٌ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَكُونُ جَائِزًا إلَّا حَتَّى يُجِيزَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَلِيُّ اسْتَأْنَفَ الْقَاضِي فِيهِ عَقْدًا جَدِيدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ: فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ، لِأَنَّهُمَا نَقَضَا قَوْلِهِمَا " لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ " إذْ أَجَازَا لِلْوَلِيِّ إجَازَةَ مَا أَخْبَرَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ أَجَازَ لِلْمَرْأَةِ إنْكَاحَ نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ أَجَازَ لِلْوَلِيِّ فَسْخَ الْعَقْدِ الْجَائِزِ، فَهِيَ أَقْوَالٌ لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ لَا صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِمَعْقُولٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ - وَهَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إلَّا عَنْ الْوَحْيِ مِنْ الْخَالِقِ، الَّذِي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ دِينٌ جَدِيدٌ، يُعَذِّبُ اللَّهُ بِهِ فِي الْحَشْرِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّنِيَّةِ وَغَيْرِ الدَّنِيَّةِ، وَمَا عَلِمْنَا الدَّنَاءَةَ إلَّا مَعَاصِيَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا السَّوْدَاءُ، وَالْمَوْلَاةُ: فَقَدْ كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَوْدَاءَ وَمَوْلَاةً، وَوَاللَّهِ مَا بَعْدَ أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ امْرَأَةٌ أَعْلَى قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِمْ مِنْهَا. وَأَمَّا الْفَقِيرَةُ: فَمَا الْفَقْرُ دَنَاءَةٌ، فَقَدْ كَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْفَقِيرُ الَّذِي أَهْلَكَهُ الْفَقْرُ - وَهُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ حَقًّا - وَقَدْ كَانَ قَارُونُ، وَفِرْعَوْنُ، وَهَامَانُ: مِنْ الْغِنَى بِحَيْثُ عُرِفَ - وَهُمْ أَهْلُ الدَّنَاءَةِ وَالرَّذَالَةِ حَقًّا -. وَأَمَّا النَّبَطِيَّةُ: فَرُبَّ نَبَطِيَّةٍ لَا يَطْمَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَسَارِهَا، وَعُلُوِّ حَالِهَا فِي الدُّنْيَا، وَرُبَّ بِنْتِ خَلِيفَةٍ هَلَكَتْ فَاقَةً وَجَهْدًا وَضَيَاعًا.

ثُمَّ قَوْلُهُ " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ الْأَوْلَادَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا " فَهَذَا عَيْنُ الْخَطَأِ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ الْحَقِّ إثْرَ عَقْدِهِ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَالْبَاطِلُ مَرْدُودٌ أَبَدًا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَ مَالِكٍ هَذَا قَالَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا غَيْرُهُ، إلَّا مَنْ قَلَّدَهُ، وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا بِأَثَرٍ سَاقِطٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْرَفُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ: فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ كُلَّ مُسْلِمٍ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ اشْتِجَارِ جَمِيعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ النَّاسِ مُحَالٌ، وَحَاشَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَأْمُرَ بِمُرَاعَاةِ مُحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنَى قَوْمًا خَاصَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَجِرُوا فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ، لَا حَقَّ لِغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» بَيَانٌ جَلِيٌّ بِمَا قُلْنَا إذْ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ قَوْلُهُ: «مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» مُحَالًا بَاطِلًا، وَحَاشَ لَهُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ، فَصَحَّ: أَنَّهُمْ الْعَصَبَةُ الَّذِينَ يُوجَدُونَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ وَلَا يُوجَدُونَ لِبَعْضِهِنَّ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِنَّمَا عُوِّلَ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، لَكِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» عُمُومٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ.

وَبَيَانُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فِيهَا أَمْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا تَنْكِحُ إلَّا مَنْ شَاءَتْ، فَإِذَا أَرَادَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، فَإِنْ أَبَى أَنْكَحَهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْوَلِيِّ الْآبِيِّ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ لِلْوَلِيِّ مَعْنًى فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 234] . وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] بَيَانٌ فِي أَنَّ نِكَاحَهُنَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فَهَذَا خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» . وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الزَّائِدُ عَلَى مَعْهُودِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ - بِلَا شَكٍّ - أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ مَنْ شَاءَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، فَالشَّرْعُ الزَّائِدُ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، لِأَنَّهُ شَرِيعَةٌ وَارِدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَالصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَالزَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ، وَلَا فَرْقَ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ فِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ زَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ سَوَاءً سَوَاءً، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ، هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْتَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَقْدِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ.

وَيَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا كُلِّهِ مَا حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمِ بْنِ خَلِيلٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَارِمٌ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] قَالَ: فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهْلُوكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ. فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ مُبَيِّنٌ أَنَّ جَمِيعَ نِسَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا زَوَّجَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ حَاشَ زَيْنَبَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَصَحَّ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أُمِّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَهَا أَيْ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَكَانَ الْعَقْدُ بِحَضْرَتِهِ، قَدْ كَانَ هُنَالِكَ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعَمْرٌو، وَخَالِدٌ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَكَيْفَ يُزَوِّجُهَا النَّجَاشِيُّ - بِمَعْنَى يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا - وَهَؤُلَاءِ حُضُورٌ رَاضُونَ مَسْرُورُونَ آذِنُونَ فِي ذَلِكَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ؟ . وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَرْأَةَ بِتَعْلِيمِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلًا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْيَقِينِ بِالشُّكُوكِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ذَكَرُوهُ، كَخَبَرِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبَّاسِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَنِكَاحِ أَبِي طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَطْ، أَنْكَحَهَا إيَّاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ صَغِيرٌ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ. فَهَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ بِإِبْطَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا أَنَّ نِسَاءً أُنْكِحْنَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِنَّ، فَرَدَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نِكَاحَهُنَّ وَجَعَلَ إلَيْهِنَّ إجَازَةَ ذَلِكَ إنْ شِئْنَ - فَكُلُّهَا أَخْبَارٌ لَا تَصِحُّ إمَّا مُرْسَلَةٌ، وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْأَبْعَدِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، فَلِأَنَّ النَّاسَ

مسألة إنكاح الأب ابنته الصغيرة

كُلَّهُمْ يَلْتَقُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَا شَكٍّ، فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ لَجَازَ إنْكَاحُ كُلِّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَلْقَاهَا بِلَا شَكٍّ فِي بَعْضِ آبَائِهَا، فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كُلِّفُوا الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا حَقَّ مَعَ الْأَقْرَبِ لِلْأَبْعَدِ، ثُمَّ إنْ عُدِمَ فَمَنْ فَوْقَهُ بَابٌ هَكَذَا أَبَدًا مَا دَامَ يُعْلَمُ لَهَا وَلِيٌّ عَاصِبٌ، كَالْمِيرَاثِ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ انْتِظَارِهِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا؟ قُلْنَا: الضَّرُورَةُ لَا تُبِيحُ الْفُرُوجَ - وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ الْغَائِبِ مَالٌ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ - وَإِنْ أَضَرَّتْ غَيْبَتُهُ بِهَا فِي فَقْدِ الْجِمَاعِ وَضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهَا - وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ فِي أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ أَضَرَّ مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ الَّتِي يَنْتَظِرُونَ الْوَلِيَّ فِيهَا مِنْ الْغَيْبَةِ الَّتِي لَا يَنْتَظِرُونَهُ فِيهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ إلَّا بِفَضِيحَةٍ، وَبِقَوْلٍ لَا يُعْقَلُ وَجْهُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَة إنْكَاحُ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ] 1826 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ - مَا لَمْ تَبْلُغْ - بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مِنْ زَوْجٍ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَبْلُغَ، وَلَا إذْنَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ. وَإِذَا بَلَغَتْ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. فَأَمَّا الثَّيِّبُ فَتَنْكِحُ مَنْ شَاءَتْ، وَإِنْ كَرِهَ الْأَبُ. وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا نِكَاحٌ إلَّا بِاجْتِمَاعِ إذْنِهَا وَإِذْنِ أَبِيهَا. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِحَهَا لَا مِنْ ضَرُورَةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ، وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِحَ مَجْنُونَةً حَتَّى تُفِيقَ وَتَأْذَنَ، إلَّا الْأَبَ فِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَطْ. وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ إلَّا حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ، وَرَأَى أَمْرَ

عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، كَالْمَوْهُوبَةِ، وَنِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إنْكَاحُ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ الثَّيِّبَ، وَالْبِكْرَ - وَإِنْ كَرِهَتَا - جَائِزٌ عَلَيْهِمَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَعُبَيْدَةُ، قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا جَمِيعًا: إنَّ نِكَاحَ الْأَبِ ابْنَتَهُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا جَائِزٌ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلًا آخَرَ -: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْبِكْرُ لَا يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ إنْ كَانَتْ فِي عِيَالٍ اسْتَأْمَرَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْبِكْرُ فَلَا يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا - بَلَغَتْ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ، عَنَسَتْ أَوْ لَمْ تَعْنِسْ - وَيَنْفُذُ إنْكَاحُهُ لَهَا وَإِنْ كَرِهَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ بَقِيَتْ مَعَهُ سَنَةً وَشَهِدَتْ الْمَشَاهِدَ لَمْ تَجُزْ لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهَا - وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا لَمْ يَطَأْهَا. قَالَ: وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْأَبِ وَلَا غَيْرِهِ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِهَا. قَالَ: وَالْجَدُّ بِخِلَافِ الْأَبِ فِيمَا ذَكَرْنَا، لَا يُزَوِّجْ الْبِكْرَ وَلَا غَيْرَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا فَأَجَازَ إنْكَاحَ الْأَخِ لَهَا إذَا كَانَ نَظَرًا لَهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَنْ مَنَعَهُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ يُنْكِحُ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ مَا لَمْ تَبْلُغْ - بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا - فَإِذَا بَلَغَتْ نَكَحَتْ مَنْ شَاءَتْ وَلَا إذْنَ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُهُ لَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا - بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالْجَدُّ كَالْأَبِ فِي كُلِّ ذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُزَوِّجُ الْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ إنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ مَاتَ: الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ وَلَا إذْنَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ. وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ، سَوَاءٌ بِإِكْرَاهٍ ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا أَوْ بِرِضًا، بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ. وَأَمَّا الثَّيِّبُ الْكَبِيرَةُ فَلَا يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَلَا الْجَدُّ وَلَا غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهَا، وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ إذَا كَانَتْ بَالِغًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُجَّةُ فِي إجَازَةِ إنْكَاحِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ إنْكَاحُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ غَنِيٌّ عَنْ إيرَادِ الْإِسْنَادِ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21] فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِهِ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ لَهُ خُصُوصٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ هَذَا فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَيْسَ قَوْلًا، فَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ الْبِكْرَ دُونَ الثَّيِّبِ، وَالصَّغِيرَةَ دُونَ الْكَبِيرَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أُصُولِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، إنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُخْبِرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . فَخَرَجَتْ الثَّيِّبُ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِعُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ، وَخَرَجَتْ الْبِكْرُ الْبَالِغُ بِهِ أَيْضًا، لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ لِلْأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ «الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ» فَخَرَجَ الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ ذَاتُ الْأَبِ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تُجِيزُوا إنْكَاحَ الْجَدِّ لَهَا كَالْأَبِ؟

قُلْنَا: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَبُ الْأَدْنَى، وَبِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّتِي بَقِيَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ - وَلَمْ يَطَأْهَا - أَنَّ أَبَاهَا يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، فَإِنْ أَتَمَّتْ مَعَ زَوْجِهَا سَنَةً وَشَهِدَتْ الْمَشَاهِدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا. فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ لَا يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُ جُمْلَةً، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَأَمَّا إلْحَاقُ الشَّافِعِيِّ الصَّغِيرَةَ الْمَوْطُوءَةَ بِحَرَامٍ بِالثَّيِّبِ، فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّنَا نَسْأَلُهُمْ إنْ بَلَغَتْ فَزَنَتْ: أَبِكْرٌ هِيَ فِي الْحَدِّ أَمْ ثَيِّبٌ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهَا بِكْرٌ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَصَحَّ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبِكْرِ. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ لِلثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ - وَإِنْ كَرِهَ أَبُوهَا - وَمَنْ جَعَلَ لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا - وَإِنْ كَرِهَتْ - فَكِلَاهُمَا خَطَأٌ بَيِّنٌ، لِلْأَثَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا» . فَفَرَّقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فَجَعَلَ لِلثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا أَمْرَ لِلْأَبِ فِي إنْكَاحِهَا، وَأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَجَعَلَ الْبِكْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ: إذْنُهَا، وَاسْتِئْذَانُ أَبِيهَا، وَلَا يَصِحُّ لَهَا نِكَاحٌ وَلَا عَلَيْهَا إلَّا بِهِمَا جَمِيعًا. وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] مُوجِبٌ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى الْبَالِغَةِ الْبِكْرِ إنْكَاحُ أَبِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَقَدْ جَاءَتْ بِهَذَا آثَارٌ صِحَاحٌ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَزِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ نا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى نا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ الْأَشْعَرِيُّ - ثِقَةٌ مَأْمُونٌ - لَيْسَ هُوَ الْأَنْدَلُسِيَّ الْحَضْرَمِيَّ، ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ قَدِيمٌ. وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ نا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي - وَهِيَ كَارِهَةٌ - فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَهَا» . نا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا عِمْرَانُ نا دُحَيْمٌ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِكْرًا فَكَرِهَتْ فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهَا» . نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ نَا هِشَامٌ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ

حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْآثَارُ هَاهُنَا كَثِيرَةٌ، وَفِيهِ ذَكَرْنَا كِفَايَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي رَدِّ نِكَاحِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ إذْنِهَا حَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «زَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنَاتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُنَّ» . فَقُلْنَا: هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، بَلْ قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ مُرْسَلَةٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَأْمِرُهُنَّ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " مَا اعْتَرَضَ بِهِ مَنْ لَا يُبَالِي مِمَّا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فِي الْآثَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ النَّاسِ لَهَا بِلَفْظٍ مُخَالِفٍ لِلَّفْظِ الَّذِي رُوِّينَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ عِلَّةً فِي الْحَدِيثِ، بَلْ إنْ كَانَ رَوَى جَمِيعَهَا الثِّقَاتُ وَجَبَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ كُلُّهَا، وَيُحْكَمَ بِمَا اقْتَضَاهُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِجَمِيعِهَا وَطَاعَةَ كُلِّ مَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرْضٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَمُخَالَفَةَ شَيْءٍ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانَ رَوَى بَعْضَهَا ضَعِيفٌ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ ضَلَالٌ. وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ قَوْلِنَا عَنْ السَّلَفِ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ إحْدَى بَنَاتِهِ قَعَدَ إلَى خِدْرِهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّ فُلَانًا يَخْطُبُهَا. نا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَأْمِرُ بَنَاتِهِ فِي نِكَاحِهِنَّ.

مسألة أنكاح الأب أبنه الصغير

وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ -. قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: الرِّجَالُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ لَا يُكْرَهُونَ وَأَشَدُّ شَأْنًا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَسْتَأْمِرُ الْأَبُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَجَازَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ إنْكَاحَ أَبِيهَا لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا مُتَعَلِّقًا أَصْلًا، إلَّا أَنْ قَالُوا: قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ إنْكَاحِهِ لَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْكِبَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّ النَّصَّ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ - فَذَكَرَ: الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ» . وَالثَّانِي - أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ، وَإِذْ صَحَّحُوا قِيَاسَ الْبَالِغَةِ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغَةِ فَلْيَلْزَمْهُمْ أَنْ يَقِيسُوا الْجَدَّ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، وَسَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْأَبِ أَيْضًا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي قِيَاسِهِمْ، وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ النُّصُوصُ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِي رَدِّ إنْكَاحِ الْبِكْرِ بِغَيْرِ إذْنِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِذَا بَلَغَتْ الْمَجْنُونَةُ - وَهِيَ ذَاهِبَةُ الْعَقْلِ - فَلَا إذْنَ لَهَا وَلَا أَمْرَ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُنْكِحُهَا الْأَبُ وَلَا غَيْرُهُ حَتَّى يُمْكِنَ اسْتِئْذَانُهَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة أنكاح الْأَب أبنه الصَّغِير] 1827 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ - لَا حُجَّةَ لَهُمْ إلَّا قِيَاسُهُ عَلَى الصَّغِيرَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قَدْ عَارَضَ هَذَا الْقِيَاسَ قِيَاسٌ آخَرُ مِثْلُهُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَرَ إذَا بَلَغَ لَا مَدْخَلَ لِأَبِيهِ وَلَا لِغَيْرِهِ فِي إنْكَاحِهِ أَصْلًا، وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأُنْثَى الَّتِي لَهُ فِيهَا مَدْخَلٌ: إمَّا بِإِذْنٍ، وَإِمَّا بِإِنْكَاحٍ، وَإِمَّا بِمُرَاعَاةِ الْكُفْءِ - فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ الْبُلُوغِ.

مسألة إذا أسلمت البكر ولم يسلم أبوها أو كان مجنونا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ عَقْدِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَ إنْفَاذَ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا نَصَّ، وَلَا سُنَّةَ فِي جَوَازِ إنْكَاحِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ - وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّغِيرَيْنِ أَبَوَاهُمَا فَهُمَا بِالْخِيَارِ إذَا كَبَرَا، وَلَا يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّبِيَّيْنِ أَبَوَاهُمَا فَمَاتَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَا فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَعْمَرٌ: سَوَاءٌ أَنْكَحَهُمَا أَبَوَاهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إذَا أَسْلَمَتْ الْبِكْرُ وَلَمْ يُسْلِمْ أَبُوهَا أَوْ كَانَ مَجْنُونًا] : 1828 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْبِكْرُ وَلَمْ يُسْلِمْ أَبُوهَا، أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَهِيَ فِي حُكْمِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . وَصَحَّ فِي الْمَجْنُونِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» فَذَكَرَ مِنْهُمْ «الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» . وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِاسْتِئْمَارِهَا وَلَا بِإِنْكَاحِهَا، وَإِنَّمَا خَاطَبَ عَزَّ وَجَلَّ أُولِي الْأَلْبَابِ، فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ بِإِذْنِ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَوْ السُّلْطَانِ. وَكَذَلِكَ الَّتِي أَسْلَمَ أَبُوهَا وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ عَقَلَ: رَجَعَتْ إلَى حُكْمِ ذَاتِ الْأَبِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَمْرِ بِإِنْكَاحِهَا وَاسْتِئْذَانِهَا. وَالْأَمَةُ الصَّغِيرَةُ - بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا - لَيْسَ لَهَا أَبٌ فَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إنْكَاحُهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَبِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِأَبِيهَا وَإِنْ كَانَ حُرًّا إنْكَاحُهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ كَاسِبٌ عَلَى سَيِّدِهَا، إذْ هِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَالْبُرْهَانُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إنْكَاحُ أَمَتِهِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ

مسألة إذن الوصي في النكاح

وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَالصَّغِيرُ لَا يُوصَفُ بِصَلَاحٍ فِي دِينِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الصَّالِحِينَ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ مِنْ الصَّالِحِينَ بِقَوْلِ: لَا إلَه إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة إذْن الْوَصِيّ فِي النِّكَاح] 1829 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا إذْنَ لِلْوَصِيِّ فِي إنْكَاحٍ أَصْلًا، لَا لِرَجُلٍ، وَلَا لِامْرَأَةٍ: صَغِيرَيْنِ كَانَا، أَوْ كَبِيرَيْنِ، لِأَنَّ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الذَّكَرَ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهُ أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ وَأَنَّ الْأُنْثَى مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهَا إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا الْكَبِيرَانِ فَلَا يَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ عَاقِلَيْنِ. فَإِنْ كَانَا مَجْنُونَيْنِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُنْكِحُهَا أَحَدٌ، لَا أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ. وَأَمَّا الْعَاقِلَانِ الْبَالِغَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا وَصِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْحَجْرِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا مَدْخَلَ لِلْوَصِيِّ فِي الْإِنْكَاحِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ - فَإِنْ مَوَّهَ مُمَوِّهٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَنَعَ يَتِيمًا لَهُ النِّكَاحَ فَزَنَى فَالْإِثْمُ بَيْنَهُمَا» ؟ قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ -. وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيِّ ذِكْرٌ - وَقَدْ يَكُونُ أَرَادَ سَيِّدَ الْعَشِيرَةِ يَمْنَعُ يَتِيمًا مِنْ قَوْمِهِ النِّكَاحَ ظُلْمًا. [مَسْأَلَة أَوْصَى إذَا مَاتَ أَنْ تُزَوَّجَ ابْنَتُهُ الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ أَوْ الْبَالِغُ] 1830 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى إذَا مَاتَ أَنْ تُزَوَّجَ ابْنَتُهُ الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ أَوْ الْبَالِغُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ فَاسِدَةٌ لَا يَجُوزُ إنْفَاذُهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا مَاتَ أَبُوهَا صَارَتْ يَتِيمَةً وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لَا تُنْكَحَ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلَيْسَ لِأَبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَكَيْفَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَلَيْسَ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثِ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.

مسألة النكاح بلفظ الهبة وغيرها

[مَسْأَلَة النِّكَاح بلفظ الْهِبَة وَغَيْرهَا] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا بِاسْمِ الزَّوَاجِ أَوْ النِّكَاحِ، أَوْ التَّمْلِيكِ، أَوْ الْإِمْكَانِ. وَلَا يَجُوزُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَبِلَفْظٍ غَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، أَوْ بِلَفْظِ الْأَعْجَمِيَّةِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ وَيُحْسِنُهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] . وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا أَبُو غَسَّانَ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ الْمَدَنِيُّ - حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَدْ أَنْكَحْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَكِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلرَّجُلِ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ فِيهِ «فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ فَقَالَ فِيهِ «قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا» . وَرَوَاهُ: زَائِدَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ، فَقَالُوا فِيهِ «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ مَوْطِنٌ وَاحِدٌ، وَرَجُلٌ وَاحِدٌ، وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ.

مسألة لا يتم النكاح إلا بإشهاد عدلين فصاعدا أو بإعلان عام

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدَةُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ الصَّفَّارُ - نا عَبْدُ الصَّمَدِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى نَا ثُمَامَةُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ» فَصَحَّ أَنَّهَا أَلْفَاظٌ كُلُّهَا قَالَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُعَلِّمًا لَنَا مَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: إنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] فَصَحَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " بَاطِلٌ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْعَجَبُ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْهِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ إنَّمَا هِيَ إذَا كَانَتْ بِلَا صَدَاقٍ، فَكَانَ هَذَا زَائِدًا فِي الضَّلَالِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْكَذِبِ، وَالدَّعَاوَى فِي الدِّينِ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ أَتَوْا إلَى الْمَوْهُوبَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهَا لِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلُوهُ عُمُومًا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إبَاحَةِ النِّكَاحِ بِخَاتَمٍ حَدِيدٍ، وَبِتَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَجَعَلُوهُ خُصُوصًا لَهُ - فَلَوْ عَكَسُوا أَقْوَالَهُمْ لَأَصَابُوا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. [مَسْأَلَة لَا يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ بِإِعْلَانٍ عَامٍّ] 1832 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَتِمُّ النِّكَاحُ إلَّا بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ بِإِعْلَانٍ عَامٍّ، فَإِنْ اسْتَكْتَمَ الشَّاهِدَانِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ شَيْئًا. نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْمُطَّوِّعِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الْإِمَامَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ الْحَاكِمُ: ثُمَّ سَأَلْت أَبَا عَلِيٍّ فَحَدَّثَنِي قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الرَّقِّيُّ نا أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَجَّاجَ الرَّقِّيُّ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، غَيْرُ هَذَا السَّنَدِ - يَعْنِي ذِكْرَ شَاهِدَيْ عَدْلٍ - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِصِحَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ النِّكَاحَ بِالْإِعْلَانِ الْفَاشِي، وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ، وَبِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ؟ قُلْنَا: أَمَّا الْإِعْلَانُ: فَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ فِي خَبَرٍ فَهُوَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ عَدْلٌ صَادِقٌ بِلَا شَكٍّ، فَإِذَا أُعْلِنَ النِّكَاحُ، فَالْمُعْلِنَانِ لَهُ بِهِ بِلَا شَكٍّ صَادِقَانِ عَدْلَانِ فِيهِ فَصَاعِدًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيهِمَا شَاهِدَا عَدْلٍ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا أُخْبِرَ عَنْهُمَا غَلَبَ التَّذْكِيرُ. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ النِّسْوَةِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ بِنِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ". وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إذَا اُسْتُكْتِمَ الشَّاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَهْيٌ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلَانِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ سِرًّا مَا عَلِمَهُ خَمْسَةٌ: النَّاكِحُ، وَالْمُنْكِحُ، وَالْمُنْكَحَةُ، وَالشَّاهِدَانِ - قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا كُلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اثْنَيْنِ شَائِعٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: السِّرُّ يَكْتُمُهُ الِاثْنَانِ بَيْنَهُمَا ... وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الِاثْنَيْنِ مُنْتَشِرُ

مسألة النكاح بغير ذكر صداق

وَمَنْ أَبَاحَ النِّكَاحَ الَّذِي يُسْتَكْتَمُ فِيهِ الشَّاهِدَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ؛ وَأَصْحَابُهُمْ. [مَسْأَلَة النِّكَاح بِغَيْرِ ذِكْر صَدَاق] 1833 - مَسْأَلَةٌ: وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ، لَكِنْ بِأَنْ يَسْكُتَ جُمْلَةً فَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا صَدَاقَ عَلَيْهِ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] . فَصَحَّحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النِّكَاحَ الَّذِي لَمْ يُفْرَضْ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ شَيْءٌ، إذْ صَحَّحَ فِيهِ الطَّلَاقَ، وَالطَّلَاقُ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ. وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا صَدَاقَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. بَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إبْطَالُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَالنِّكَاحُ الْمَذْكُورُ لَمْ تَنْعَقِدْ صِحَّتُهُ إلَّا عَلَى تَصْحِيحِ مَا لَا يَصِحُّ، فَهُوَ نِكَاحٌ لَا صِحَّةَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إذَا طَلَبَتْ الْمُنْكَحَةُ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا صَدَاقٌ] 1834 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا طَلَبَتْ الْمُنْكَحَةُ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا صَدَاقٌ قُضِيَ لَهَا بِهِ، فَإِنْ تَرَاضَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا بِشَيْءٍ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، فَهُوَ صَدَاقٌ، لَا صَدَاقَ لَهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ اُخْتُلِفَ قُضِيَ لَهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا - أَحَبَّ هُوَ أَوْ هِيَ، أَوْ كَرِهَتْ هِيَ أَوْ هُوَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْمٌ فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُمْ سَاقِطٌ نُبَيِّنُهُ بَعْدُ، بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا الصَّدَاقَ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى لَهَا بِهِ إذَا طَلَبَتْهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ مَا طَلَبَتْهُ هِيَ، إذْ قَدْ تَطْلُبُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُلْزَمَ هِيَ مَا أَعْطَاهَا، إذْ قَدْ يُعْطِيهَا فَلْسًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِلْزَامِهَا

مسألة التزويج بأقل من مهر المثل

ذَلِكَ، وَلَا بِإِلْزَامِهِ مَا طَلَبَتْ، فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صَدَاقُ مِثْلِهَا، فَهُوَ الَّذِي يُقْضَى لَهَا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة التَّزْوِيج بِأَقَلّ مِنْ مَهْر الْمِثْل] 1835 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا حُكْمُ أَبِيهَا فِي ذَلِكَ وَتَبْلُغُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَا بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فَإِذْ هُوَ حَقٌّ لَهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ مَالِهَا، فَلَا حُكْمَ لِأَبِيهَا فِي مَالِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى بِتَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى أَبِيهَا إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ مُخْتَارًا لِذَلِكَ فِي مَالِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَالصَّدَاقُ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَى الْأَبِ، فَالْقَضَاءُ بِهِ عَلَى الْأَبِ فِي مَالِهِ قَضَاءُ ظُلْمٍ وَجَوْرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ لَا يَحِلُّ. وَقَوْلُنَا فِي ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - وَأَجَازَ ذَلِكَ عَلَيْهَا: أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ. [مَسْأَلَة نِكَاح الْعَبْد أَوْ الْأَمَة بِغَيْرِ إذْن السَّيِّد] 1836 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ وَلَا لِلْأَمَةِ أَنْ يَنْكِحَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِمَا، فَأَيُّهُمَا نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَهُوَ زَانٍ، وَهِيَ زَانِيَةٌ، وَلَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - كِلَاهُمَا عَنْ وَكِيعٍ نا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» .

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» . وَاسْمُ " الْعَبْدِ " وَاقِعٌ عَلَى الْجِنْسِ، فَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الرَّقِيقِ دَاخِلُونَ تَحْتَ هَذَا الِاسْمِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَالْأَمَةُ مَالٌ لِسَيِّدِهَا فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا بِإِنْكَاحِهَا إيَّاهُ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَنِكَاحُهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى إنْكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ زِنًى، وَيَرَى عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَعَلَى الَّتِي نَكَحَ إذَا أَصَابَهَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَيُعَاقَبُ الَّذِينَ أَنْكَحُوهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ، وَضَرَبَهُ حَدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جُلِدَ الْحَدَّ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَرُدَّ الْمَهْرُ إلَى مَوْلَاهُ وَعُزِّرَ الشُّهُودُ الَّذِينَ زَوَّجُوهُ وَهَذَا مُسْنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نَا مُغِيرَةُ، وَعُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ: إذَا فَرَّقَ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا فَمَا وَجَدَ عِنْدَهَا مِنْ عَيْنِ مَالِ غُلَامِهِ فَهُوَ لَهُ، وَمَا اسْتَهْلَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَقَالَ عُبَيْدَةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ؛ وَمَا اسْتَهْلَكَتْ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهَا، قَالَ هُشَيْمٌ: وَهُوَ الْقَوْلُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُنْتَزَعُ الصَّدَاقُ مِنْهَا، وَمَا اسْتَهْلَكَتْهُ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا لَمْ تَسْتَهْلِكْهُ وَمَا اسْتَهْلَكَتْ فَلَا شَيْءَ. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ، وَلَا إجَازَةَ فِيهِ لِلسَّيِّدِ لَوْ أَجَازَهُ - الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: إنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَيْسَ زِنًى، بَلْ إنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ. وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْخَبَرَ الَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ أَنَّهُ عَاهِرٌ لَيْسَ فِيهِ: إذَا وَطِئَهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إذَا لَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ عَاهِرًا؟ قُلْنَا: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْخَبَرُ بِلَفْظِ " إذَا نَكَحَ " كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا وَنَكَحَ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَخَاطَبَنَا بِهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَيَقَعُ عَلَى الْوَطْءِ " فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الْآخَرِ - فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا جَعَلَهُ زَانِيًا إذَا تَزَوَّجَ وَنَكَحَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا تَفْرِيقَ السَّيِّدِ - إنْ فَرَّقَ - طَلَاقًا، وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ مِنْ

وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَقْدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَا خِيَارَ لِلسَّيِّدِ فِي إبْطَالِ عَقْدٍ صَحِيحٍ. وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ تَصْحِيحُ الْبَاطِلِ. وَمَا عَدَا هَذَا فَتَخْلِيطٌ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ فَيُوقَفَ عِنْدَهُ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا - أَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْ صِحَّتَهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَلَا تَصِحُّ فِي هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ الَّتِي رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ لَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَدْ خَالَفُوهَا أَيْضًا وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ وَاهِيَةٍ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - لِئَلَّا يُمَوِّهُ بِهَا مُمَوِّهٌ، وَهِيَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ، وَإِذَا نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ قَالَ: نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَجَّاجُ - هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - وَالْمُغِيرَةُ - هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ - وَيُونُسُ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - وَالْحُصَيْنُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَجَّاجُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْحَجَّاجُ أَيْضًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ الْحُصَيْنُ، وَإِسْمَاعِيلُ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عُمَرَ، وَشُرَيْحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إذَا تَزَوَّجَ بِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَالطَّلَاقُ بِيَدِهِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْأَمْرُ إلَى السَّيِّدِ إنْ شَاءَ جَمَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ -: الْعُمَرِيُّ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ ضَعِيفٌ - وَالْحَجَّاجُ هَالِكٌ. وَمِنْ السُّقُوطِ وَالْبَاطِلِ أَنْ تُعَارَضَ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ رِوَايَةُ مِثْلِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ شُرَيْحٍ سَاقِطَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ.

مسألة نكاح المرأة أمتها أو عبدها

وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، فَالرِّوَايَةُ عَنْهُمَا صَحِيحَةٌ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا خَالَفَاهُمَا فِي قَوْلِهِمَا فِي الْمَهْرِ، فَمَا نَعْلَمُهُمْ تَعَلَّقُوا إلَّا بِالْحَسَنِ وَحْدَهُ. [مَسْأَلَة نِكَاح الْمَرْأَة أمتها أَوْ عبدها] 1837 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ أَرَادَتْ إنْكَاحَ أَمَتِهَا أَوْ عَبْدِهَا أَمَرَتْ أَقْرَبَ الرِّجَالِ إلَيْهَا مِنْ عَصَبَتِهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاصِبٌ فَالسُّلْطَانُ يَأْذَنُ لَهَا فِي النِّكَاحِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِإِنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِنْكَاحِ الْأَيَامَى، لِأَنَّ الْخِطَابَ وَاحِدٌ، وَنَصَّ الْآيَةِ يُوجِبُ أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ الرِّجَالُ فِي إنْكَاحِ الْأَيَامَى وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ وَلِيًّا فِي إنْكَاحِ أَحَدٍ أَصْلًا، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] . [مَسْأَلَة إجْبَار الْعَبْد أَوْ الْأَمَة عَلَى النِّكَاح] 1838 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ أَمَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ، لَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَلَا أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ - فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ نِكَاحًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ «لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يُزَوِّجْ السَّيِّدُ عَبْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.

وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُزَوِّجُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَرِهَا جَمِيعًا - وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرِهُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَعَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا يُنْكِحْ أَمَتَهُ إلَّا بِمَهْرٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهَا فَيَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَهَا، وَلَا يُزَوِّجْ أَمَتَهُ الْفَارِهَةَ مِنْ عَبْدِهِ الْأَسْوَدِ لَا مَنْظَرَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالصَّلَاحِ يُرِيدُ بِهِ عِفَّةَ الْغُلَامِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ بِالْجَارِيَةِ لَمْ يَجُزْ. قَالَ: وَيُكْرِهُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ الْمُعْتَقَةَ إلَى سِنِينَ عَلَى النِّكَاحِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهُ أَجَازَ إكْرَاهَ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ، وَمَنَعَ مِنْ إنْكَاحِهَا الْأَسْوَدَ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا، وَأَجَازَهُ إنْ كَانَ وَكِيلَهُ وَأَرَادَ عِفَّتَهُ بِذَلِكَ -: فَأَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهَا دَعَاوَى بِلَا بُرْهَانٍ. ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ فِي مَنْعِهِ إنْكَاحَهَا إيَّاهُ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا، وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَلِمَ خَصَّ الْأَسْوَدَ لَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَهُ، إذْ لَوْ رَاعَى الضَّرَرَ فَقَطْ لَاسْتَوَى إنْكَاحُهَا مِنْ قُرَشِيٍّ أَبْيَضَ وَمِنْ أَسْوَدَ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ إجَاعَةٍ غَيْرِ الْكَرَاهَةِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ إكْرَاهِ الْأَمَةِ فَأَجَازَهُ، وَبَيْنَ إكْرَاهِ الْعَبْدِ فَلَمْ يُجِزْهُ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ النِّكَاحُ إلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ لِلسَّيِّدِ احْتِبَاسُ بُضْعِ الْأَمَةِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ بُضْعَهَا غَيْرَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهُ لَكَانَ هَذَا أَسْخَفَ قِيَاسٍ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوَافِقُوا عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ، بَلْ جَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا يَقُولَانِ: الطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ لَا بِيَدِ الْعَبْدِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ تَمْلِيكَ بُضْعِ الْأَمَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا لِنَفْسِهِ فَسُخْفٌ مُضَاعَفٌ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلرَّجُلِ احْتِبَاسَ بُضْعِ زَوْجَتِهِ لِنَفْسِهِ أَفَتَرَاهُمْ يَقِيسُونَ عَلَى ذَلِكَ تَمْلِيكَ بُضْعِهَا لِغَيْرِهِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.

مسألة إذن المرأة في النكاح

وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ إكْرَاهَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ سَوَاءً عَلَى النِّكَاحِ، احْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضًا. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ: لِسَيِّدِهِمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يُكْرِهُونَ الْمَمْلُوكَ عَلَى النِّكَاحِ وَيُدْخِلُونَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ الْبَيْتَ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمَا الْبَابَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْله تَعَالَى: فِي إنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ فَإِنَّهُ عَطَفَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَمْرِهِ بِالنِّكَاحِ الْأَيَامَى مِنَّا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِنَّ رِضَاهُنَّ، فَلْيَلْزَمْهُمْ أَنْ يُجِيزُوا بِذَلِكَ إنْكَاحَ الْحُرَّةِ الثَّيِّبِ وَإِنْ كَرِهَتْ إنْ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ الْفَاسِدَ. فَإِنْ شَغَبُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25] وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُنَّ؟ قُلْنَا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُنَّ، وَكُلُّ هَذَا قَدْ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ لَا تُنْكَحَ بِكْرٌ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا ثَيِّبٌ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ مَمْلُوكَةٍ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَهَذَا هُوَ الْبَيَانُ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ، لَا كَالْآرَاءِ الْمُتَخَاذِلَةِ وَالدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ: فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسَيِّدِهِمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقَ فَقَوْلٌ صَحِيحٌ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَهَبَهَا لَهُ وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَنْتَزِعَهَا مِنْهُ كَمَا يَنْتَزِعُ سَائِرَ مَالِهِ وَكَسْبِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ: فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة إذْن الْمَرْأَة فِي النِّكَاح] 1839 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ ثَيِّبٍ فَإِذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِكَلَامِهَا بِمَا يُعْرَفُ بِهِ رِضَاهَا، وَكُلُّ بِكْرٍ فَلَا يَكُونُ إذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا إلَّا بِسُكُوتِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ وَلَزِمَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ تَكَلَّمَتْ بِالرِّضَا أَوْ بِالْمَنْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَذَا نِكَاحٌ عَلَيْهَا.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبِكْرِ «إذْنُهَا صُمَاتُهَا» ، وَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نا هِشَامٌ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ نَا أَبُو سَلَمَةَ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - نا أَبُو هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ الْخَوَالِفِ إلَى أَنَّ الْبِكْرَ إنْ تَكَلَّمَتْ بِالرِّضَا فَإِنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِذَلِكَ خِلَافًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَسُبْحَانَ الَّذِي أَوْهَمَهُمْ أَنَّهُمْ أَصَحُّ أَذْهَانًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى فَهْمٍ وَبَيَانٍ غَابَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا. فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَبْطَلَ النِّكَاحَ كَمَا تَسْمَعُونَ عَنْ الْبِكْرِ مَا لَمْ تُسْتَأْذَنْ فَتَسْكُتَ، وَأَجَازَهُ إذَا اُسْتُأْذِنَتْ فَسَكَتَتْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنَّهُمْ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ آنِفًا لَمْ يَعْرِفُوا مَا إذْنُ الْبِكْرِ حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، وَإِلَّا فَكَانَ سُؤَالُهُمْ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فُضُولًا، وَحَاشَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَتَنَبَّهَ هَؤُلَاءِ لِمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَبَّهَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ. وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ كَلَامَ الْبِكْرِ يَكُونُ رِضًا، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ إذْنَهَا هُوَ السُّكُوتُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الْعَانِسَ الْبِكْرَ لَا يَكُونُ إذْنُهَا إلَّا بِالْكَلَامِ - وَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فَرْضًا عَلَى الْعَانِسِ مَا أَسْقَطَهُ عَنْ غَيْرِهَا فَلَوَدِدْنَا أَنْ يُعَرِّفُونَا الْحَدَّ الَّذِي إذَا بَلَغَتْهُ الْمَرْأَةُ انْتَقَلَ فَرْضُهَا إلَى مَا ذُكِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الصداق والنفقة والكسوة مقضي بها للمرأة على زوجها

[مَسْأَلَة الصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ مَقْضِيٌّ بِهَا لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا] مَسْأَلَةٌ: وَالصَّدَاقُ، وَالنَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ مَقْضِيٌّ بِهَا لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْمَمْلُوكِ كَمَا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْحُرِّ وَلَا فَرْقَ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَالصَّدَاقُ لِلْأَمَةِ إلَّا أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ كَسَائِرِ مَالِهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] . وقَوْله تَعَالَى فِي الْأَيَامَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] . فَخَاطَبَ تَعَالَى الْأَزْوَاجَ عُمُومًا، لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَأَوْجَبَ بِنَصِّ كَلَامِهِ - الَّذِي لَا يُعَارِضُهُ إلَّا مَخْذُولٌ - إيتَاءَ الصَّدَاقِ لِلْأَمَةِ لَا لِغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْإِسْكَانَ عَلَى الْأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ، فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ أَوْ الْحُرُّ عَنْ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ، وَعَنْ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ أَوْ بَعْضِهَا، فَالصَّدَاقُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، وَيُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ وَمِنْ سَائِرِ كَسْبِهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الشَّيْبَانِيُّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَبْدَأُ الْعَبْدُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الَّذِي عَلَيْهِ لِمَوَالِيهِ - يَعْنِي نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ بَيْعُهُ فِي الصَّدَاقِ وَفِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ لِلْمَرْأَةِ وَجَبَتْ رَقَبَتُهُ لِلْمَرْأَةِ مِلْكًا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ. قَالُوا: فَلَوْ أَنْكَحَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى صَدَاقٍ أَصْلًا لَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إنْ وُهِبَ لَهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وُهِبَ لَهُ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إذَا أُعْتِقَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: السَّيِّدُ ضَامِنٌ لِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فَضْلُ مَالٍ أُخِذَتْ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَالٍ عَنْ خَرَاجِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.

مسألة كون المسلم وليا للكافرة والكافر وليا للمسلمة

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الصَّدَاقُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تَخْصِيصُ الشَّافِعِيِّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ يَكْسِبُ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ، لَكِنْ بِعَمَلٍ أَوْ مِنْ صَنِيعَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ عَنْ خَرَاجِهِ فَضْلٌ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ لَهُ فَضْلٌ عَنْ خَرَاجِهِ مِمَّنْ لَا فَضْلَ لَهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْخَرَاجَ لِلسَّيِّدِ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ فَقَدْ صَارَ النِّكَاحُ لَغْوًا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْفَسْخَ يَتْلُوهُ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ مَالِكٍ أَنْ تُؤْخَذَ النَّفَقَةُ وَالصَّدَاقُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ، فَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَسَائِرِ كَسْبِ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ فِيهِ حَقٌّ أَصْلًا، إلَّا حَتَّى يَصِحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ بِإِجَازَتِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَمْلِكْ قَطُّ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ فَلْسًا قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لِلْعَبْدِ بِعِلْمِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَارَ لِلْعَبْدِ فَلَيْسَ السَّيِّدُ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَائِرِ مَنْ لَهُ عِنْدَ الْعَبْدِ حَقٌّ، كَالزَّوْجَةِ وَالْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ أَجَازَ نِكَاحًا بِلَا صَدَاقٍ - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا ثُمَّ جَعَلَ نِكَاحَهُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِرِضَا سَيِّدِهِ وَوَطْأَهُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى وَطْأَهُ لَهَا وَيَأْجُرُهُ عَلَيْهِ جِنَايَةً وَدَيْنًا يُبَاعُ فِيهِ أَوْ تُسَلَّمُ رَقَبَتُهُ - وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَبَاحَ لَهَا مَالَ السَّيِّدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا؟ وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي سَمَاعُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ الَّذِي أَوْرَدَ هَذَا الْخَبَرَ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا عَنَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَهْرٍ، وَهَذَا جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ طَلَبَهُ وَرَثَتُهَا قُضِيَ لَهَا أَوْ لَهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ. [مَسْأَلَة كون الْمُسْلِم وليا للكافرة والكافر وليا للمسلمة] 1841 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِلْمُسْلِمَةِ، وَلَا الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِلْكَافِرَةِ، الْأَبُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَالْكَافِرُ وَلِيٌّ لِلْكَافِرَةِ الَّتِي هِيَ وَلِيَّتُهُ يُنْكِحُهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]

مسألة هل لولي المرأة أن ينكحها من نفسه

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] . وَهُوَ قَوْلُ مَنْ حَفِظْنَا قَوْلَهُ، إلَّا ابْنَ وَهْبٍ صَاحِبَ مَالِكٍ قَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ يَكُونُ وَلِيًّا لِابْنَتِهِ الْكَافِرَةِ فِي إنْكَاحِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ أَوْ مِنْ الْكَافِرِ - وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ لولي الْمَرْأَة أَنْ ينكحها مِنْ نَفْسه] 1842 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يُنْكِحَهَا مِنْ نَفْسِهِ إذَا رَضِيَتْ بِهِ زَوْجًا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ إلَى أَنْ لَا يُنْكِحَهَا هُوَ مِنْ نَفْسِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى نَاكِحٍ وَمُنْكِحٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحُ -. وَقَالَ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ مِنْهُمْ: كَمَا لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ كَذَلِكَ لَا يُنْكِحُ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ بِنْتَ عَمِّهِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا؟ فَقَالَ: مَا كُنْت لِأَفْعَلَ، أَنْتَ أَمِيرُ الْبَلَدِ، وَابْنُ عَمِّهَا؟ فَأَرْسَلَ الْمُغِيرَةُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمُغِيرَةُ - هُوَ ابْنُ شُعْبَةَ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُغِيثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ. وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مُغِيثٍ الْمَذْكُورُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَقِيلِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مُغِيثٍ الْمَذْكُورُ. وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ - لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُمْ إلَّا فِي ثَقِيفٍ، لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ جُشَمَ بْنِ ثَقِيفٍ. ونا بِهَذَا أَيْضًا: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: إنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً - الْمُغِيرَةُ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى نَاكِحٍ وَمُنْكِحٍ - فَنَعَمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحَ - فَفِي هَذَا نَازَعْنَاهُمْ، بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحَ، فَدَعْوَى كَدَعْوَى. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ، فَهِيَ جُمْلَةٌ لَا تَصِحُّ كَمَا ذَكَرُوا، بَلْ جَائِزٌ إنْ وُكِّلَ بِبَيْعِ شَيْءٍ أَنْ يَبْتَاعَهُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يُحَابِهَا بِشَيْءٍ. وَأَمَّا خَبَرُ الْمُغِيرَةِ فَلَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَبَقِيَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ مَوْلَاتَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» فَمَنْ أَنْكَحَ وَلِيَّتَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِهَا فَقَدْ نُكِحَتْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فَهُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ غَيْرَ النَّاكِحِ وَلَا بُدَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُفَصِّلْ عَلَيْنَا تَحْرِيمَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] فَمَنْ أَنْكَحَ أَيِّمَةً مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَاهَا فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَمْ يَمْنَعْ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِحُ لِأَيِّمَةٍ هُوَ النَّاكِحَ لَهَا - فَصَحَّ أَنَّهُ الْوَاجِبُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة نكاح الزانية

[مَسْأَلَة نِكَاح الزَّانِيَة] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلزَّانِيَةِ أَنْ تَنْكِحَ أَحَدًا، لَا زَانِيًا وَلَا عَفِيفًا حَتَّى تَتُوبَ، فَإِذَا تَابَتْ حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ مِنْ عَفِيفٍ حِينَئِذٍ. وَلَا يَحِلُّ لِلزَّانِي الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً لَا زَانِيَةً وَلَا عَفِيفَةً حَتَّى يَتُوبَ، فَإِذَا تَابَ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ حِينَئِذٍ. وَلِلزَّانِي الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ كِتَابِيَّةً عَفِيفَةً وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، فَإِنْ نَكَحَ عَفِيفٌ عَفِيفَةً ثُمَّ زَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّدَائِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ لِي ابْنَةَ عَمٍّ أَهْوَاهَا، وَقَدْ كُنْت نِلْت مِنْهَا؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ شَيْئًا بَاطِنًا - يَعْنِي الْجِمَاعَ - فَلَا، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا ظَاهِرًا - يَعْنِي الْقُبْلَةَ - فَلَا بَأْسَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ ابْنِ سَابِطٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِمَحْدُودٍ تَزَوَّجَ غَيْرَ مَحْدُودَةٍ؟ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا شُعْبَةُ نا قَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ أَنْ زَنَى بِهَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ. وَبِهِ إلَى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: نا مَعْمَرٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَمَعْمَرٌ، قَالَا جَمِيعًا: نا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَنْكِحُهَا؟ فَقَالَ سَالِمٌ: سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] الْآيَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقَوْلَانِ مِنْهُ مُتَّفِقَانِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ مَا اصْطَحَبَا - يَعْنِي: الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً زَنَى بِهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَسْبَاطٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يُرِيدُ نِكَاحَهَا قَالَ: لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ أَبَدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إذَا تَابَا وَأَصْلَحَا فَلَا بَأْسَ - يَعْنِي الرَّجُلَ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يُرِيدُ نِكَاحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ أَيَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: إنْ تَابَا وَأَصْلَحَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا جَمِيعًا: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَا يَنْكِحُ الْمَجْلُودُ إلَّا مَجْلُودَةً. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا أَبُو هِلَالٍ نا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لَا أَدَعَ أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَةً فِي الْإِسْلَامِ يَتَزَوَّجُ مُحْصَنَةً، فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يُقْبَلُ مِنْهُ إذَا تَابَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: 3] قَالَ: هُوَ حُكْمٌ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَصِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ وَعَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ قُسَيْطٍ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمْ - وَقَدْ جَاءَ إبَاحَةُ نِكَاحِهِمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] . فَقَالَ قَوْمٌ: رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالْآيَةِ الَّتِي

بَعْدَهَا {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ إلَّا بِيَقِينٍ يَقْطَعُ بِهِ، لَا بِظَنٍّ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا. فَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] . وقَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} [النساء: 3] إلَّا مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِنَّ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَنِكَاحُ الزَّانِيَةِ وَنِكَاحُ الزَّانِي لِمُؤْمِنَةٍ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْنَا، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِلَا شَكٍّ كَاسْتِثْنَاءِ سَائِرِ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى يَنْكِحُ هَهُنَا: يَطَأُ، لَيْسَ مَعْنَاهُ: يَتَزَوَّجُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذِهِ دَعْوَى أُخْرَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَحُرِّمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ إذَا زَنَتْ وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا بِالزِّنَا فَقَطْ؟ قُلْنَا: وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّخْصِيصِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَهَذَا لَا يَحِلُّ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ كَاذِبٌ بِيَقِينِ، لِأَنَّنَا قَدْ نَجِدُ الزَّانِيَ يَسْتَكْرِهُ الْعَفِيفَةَ الْمُسْلِمَةَ فَيَكُونُ زَانِيًا بِغَيْرِ زَانِيَةٍ وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ نَقُولَ مَا يَدْفَعُهُ الْعِيَانُ. وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَكَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَاثَ عَلَيْهِ لَوْثًا مِنْ كَلَامٍ - وَهُوَ دَهِشٌ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: قُمْ فَانْظُرْ فِي شَأْنِهِ، فَإِنَّ لَهُ شَأْنًا. فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ ضَيْفًا ضَافَنِي فَزَنَى بِابْنَتِهِ؟ فَضَرَبَ عُمَرُ فِي صَدْرَهُ، وَقَالَ لَهُ: قَبَّحَك اللَّهُ، أَلَا سَتَرْت عَلَى ابْنَتِك، فَأَمَرَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ فَضُرِبَا الْحَدَّ، ثُمَّ زَوَّجَ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا أَنْ يُغَرَّبَا حَوْلًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَرَّبَهُمَا حَوْلًا، وَالْحَنَفِيُّونَ لَا يَرَوْنَ تَغْرِيبًا فِي الزِّنَا جُمْلَةً. وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَرَوْنَ تَغْرِيبَ الْمَرْأَةِ فِي الزِّنَا. فَهَذَا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِخِلَافِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا حَبِيبٌ - هُوَ الْمُعَلِّمُ - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ الْحَسَنِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَجْلُودَ الزَّانِيَ لَا يَنْكِحُ إلَّا مِثْلَهُ، يَتَأَوَّلُ بِذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: وَمَا تَعْجَبُ؟ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إلَّا مِثْلَهُ» . وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُنَادِي بِهِ نِدَاءً -: نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرٌ - هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ - نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ - قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ أَوْ ذَكَرَ لَهُ أَمْرَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، فَأُنْزِلَتْ {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] » . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا أَبَانُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ: «وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يُسَمَّى فِي الدَّيَّانَةِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ أُجْرَةُ الزِّنَا مَهْرًا، إنَّمَا الْمَهْرُ فِي الزَّوَاجِ، فَإِذَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْرَهَا فَقَدْ حَرَّمَ زَوَاجَهَا، إذْ لَا بُدَّ فِي الزَّوَاجِ مِنْ مَهْرٍ ضَرُورَةً، هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، فَإِذَا تَابَتْ فَلَيْسَ مَهْرُهَا مَهْرَ بَغِيٍّ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ

هَذَا، فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَفِيفٌ وَهِيَ عَفِيفَةٌ ثُمَّ زَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، فَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُفْسَخُ نِكَاحُهُمَا؟ لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا هَارُونُ بْنُ رِئَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ تَحْتِي امْرَأَةً جَمِيلَةً لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ؟ قَالَ طَلِّقْهَا، قَالَ: إنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهَا؟ قَالَ: فَأَمْسِكْهَا» . وَقَدْ أَقَرَّ مَاعِزٌ بِالزِّنَا - وَهُوَ مُحْصَنٌ - فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ فَقِيلَ لَهُ: بَلْ ثَيِّبٌ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ: - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْبِكْرِ إذَا زَنَى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِأَهْلِهِ: جَلْدُ الْحَدِّ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ زَنَتْ هِيَ جُلِدَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا صَدَاقَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الْبِكْرُ إذَا زَنَتْ جُلِدَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ - وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ فَلَا يَقْرَبَنَّهَا - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ،

مسألة خطبة المرأة المعتدة

وَطَاوُسٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَاهُنَا خَبَرٌ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بَصْرَةَ بْنِ أَكْثَمَ «أَنَّ امْرَأَةً زَنَتْ؛ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَدَهَا عَبْدًا لِزَوْجِهَا» وَلَا نَعْلَمُ لِسَعِيدٍ سَمَاعًا مِنْ بَصْرَةَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَضْرَةَ. [مَسْأَلَة خِطْبَة الْمَرْأَة الْمُعْتَدَّة] 1844 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ فُسِخَ أَبَدًا - دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، طَالَتْ مَدَّتُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ تَطُلْ - وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا صَدَاقَ وَلَا مَهْرَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا مِنْ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ، وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَا جَمِيعًا، وَلَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا. وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَاهِلًا، فَلَا حَدَّ عَلَى الْجَاهِلِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْجَاهِلَ فَالْوَلَدُ بِهِ لَاحِقٌ، فَإِذَا فُسِخَ النِّكَاحُ وَتَمَّتْ عِدَّتُهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقَ ثَلَاثٍ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الْأَمَةُ وَيَدْخُلُ بِهَا فَتَعْتِقُ فَتُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ فَتَعْتَدُّ بِحَمْلٍ أَوْ بِالْأَطْهَارِ أَوْ بِالشُّهُورِ، فَلَهُ - وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ - أَنْ يَخْطُبَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَهُ نِكَاحُهَا وَوَطْؤُهَا. بُرْهَانُ مَا قُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235] . وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا تَوَارُثَ، وَلَا نَفَقَةَ، وَلَا كِسْوَةَ، وَلَا صَدَاقَ بِكُلِّ حَالٍ جَهْلًا أَوْ عِلْمًا، فَلِأَنَّهُ لَيْسَ نِكَاحَهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ النِّكَاحَ وَلَمْ يُحِلَّ هَذَا الْعَقْدَ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، فَإِذْ لَيْسَ نِكَاحًا فَلَا تَوَارُثَ، وَلَا كِسْوَةَ، وَلَا نَفَقَةَ، إلَّا فِي نِكَاحٍ.

وَأَمَّا إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالرَّجُلِ الْجَاهِلِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْعَالِمِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] . وَهَذِهِ لَيْسَتْ زَوْجًا وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ فَهُوَ عَاهِرٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . فَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا فِرَاشًا أَوْ عِهْرًا، وَهَذِهِ لَيْسَتْ فِرَاشًا فَهُوَ عِهْرٌ، وَالْعِهْرُ الزِّنَا، وَعَلَى الزَّانِي الْحَدُّ: وَلَا حَدَّ عَلَى الْجَاهِلِ الْمُخْطِئِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وَهَذَا لَمْ يَبْلُغْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ تُخَيَّرُ: فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا «لَوْ رَاجَعْتِيهِ» وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ النَّاكِحَ فِي الْعِدَّةِ الْوَاطِئَ فِيهَا جَاهِلًا كَانَ أَوْ عَالِمًا فَحُدَّ وَكَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَلَمْ تُحَدَّ هِيَ لِجَهْلِهَا أَوْ لَمْ تُرْجَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا الَّتِي تَزَوَّجَهَا فِيهَا، فَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ لَنَا كُلَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا الْمَنْكُوحَةَ فِي الْعِدَّةِ الْمَدْخُولَ بِهَا فِيهَا فِي جُمْلَةِ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فِيهَا بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا، فَإِذْ لَمْ يَذْكُرْهَا تَعَالَى، لَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ نَصًّا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ: وَلَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَمَا لِمَنْ قَالَ هَذَا حُجَّةٌ أَصْلًا إلَّا شَغْبَتَانِ -: إحْدَاهُمَا - أَنَّهُمْ قَالُوا: تَعَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فِي الْأَبَدِ كَالْقَاتِلِ الْعَامِدِ يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ قَوْلٍ يُسْمَعُ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ أَيْنَ وَضَحَ لَهُمْ تَحْرِيمُ الْمِيرَاثِ عَلَى الْقَاتِلِ؟ وَلَا نَصَّ يَصِحُّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ - قَدْ أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ لِقَاتِلِ الْعَمْدِ: الزُّهْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمَا. ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ مَنْ تَعَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أَبَدًا؟ وَأَيُّ نَصٍّ جَاءَ بِهَذَا؟ أَوْ أَيُّ عَقْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ الْقَاتِلَ يُمْنَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِتَعَجُّلِهِ إيَّاهُ قَبْلَ وَقْتِهِ؟ وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ وَظَنٌّ فَاسِدٌ وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَيَلْزَمُهُمْ إنْ طَرَدُوا هَذَا الدَّلِيلَ السَّخِيفَ أَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ غَصَبَ مَالَ مُوَرِّثِهِ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فِي الْأَبَدِ، لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ. وَأَنْ يَقُولُوا فِي امْرَأَةٍ سَافَرَتْ فِي عِدَّتِهَا: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهَا السَّفَرُ أَبَدًا. وَمَنْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ الطِّيبُ أَبَدًا. وَأَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ اشْتَهَى شَيْئًا وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَأَكَلَهُ؛ أَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ - وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ - أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ فِي الْأَبَدِ، وَتُحَرَّمَ تِلْكَ الْأَمَةُ أَوْ امْرَأَتُهُ فِي الْأَبَدِ، لِأَنَّهُ تَعَجَّلَ كُلَّ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَالثَّانِيَةُ - رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُنْقَطِعَةٌ -: مِنْهَا: مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً فَجَاءَ آخَرُ فَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا؟ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا

الْأُولَى، وَتَأْتَنِفُ مِنْ هَذِهِ عِدَّةً جَدِيدَةً، وَيُجْعَلُ صَدَاقُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا وَيَصِيرُ الْأَوَّلُ خَاطِبًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الْأُولَى، وَتَسْتَقْبِلُ مِنْ هَذَا عِدَّةً جَدِيدَةً وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَيَصِيرُ كِلَاهُمَا خَاطِبَيْنِ - قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِقَوْلِ هَذَيْنِ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِرَأْيٍ فَبُلْ عَلَيْهِ. وَجَاءَ هَذَا عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَتَّصِلُ، وَرُوِيَ خِلَافُهَا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ تَعَلُّقِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِرِوَايَاتٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ عُمَرَ قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ فِيهَا، فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِلَا بُرْهَانٍ؟ وَثَانِيَةٌ - أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ يَقِينًا مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إذْ جَعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ امْرَأَةً نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ، وَجَعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالَ: نِكَاحُهَا حَرَامٌ، وَمَهْرُهَا حَرَامٌ. نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ نا أُبَيٌّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ نا يَزِيدُ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، أَوْ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ - شَكَّ دَاوُد فِي أَحَدِهِمَا - وَقَالَ: رُفِعَ إلَى عُمَرَ امْرَأَةٌ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَقَالَ: لَوْ أَنَّكُمَا عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا، فَضَرَبَهُمَا أَسْوَاطًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ الْمَهْرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ: لَا أُجِيزُ مَهْرًا لَا أُجِيزُ نِكَاحَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عُبَيْدُ بْنُ نَضْلَةَ إمَامٌ ثِقَةٌ. وَمَسْرُوقٌ كَذَلِكَ، فَلَا نُبَالِي عَنْ أَيِّهِمَا رَوَاهُ - وَقَدْ ثَبَتَ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَلَى أَنَّهُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِلَا شَكٍّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَخَالَفُوهُ فِي جَعْلِ مَهْرِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ، فَهَانَ عَلَيْهِمْ خِلَافُهُ فِي الْحَقِّ، وَاتَّبَعُوهُ فِيمَا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَثَالِثَةٌ - وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ

الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ - يَعْنِي الَّتِي نُكِحَتْ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الَّذِي نَكَحَهَا. - وَقَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي أَشْعَثُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَ لَهَا مَهْرَهَا، وَجَعَلَهُمَا يَجْتَمِعَانِ. فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ مِنْ تَمَادِيهِمَا عَلَى خِلَافِ عُمَرَ فِي الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِهِ قَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَنْهَا - وَكَفَى بِهِمَا خَطَأً. وَرَابِعَةٌ - أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ نَكَحَتْ عَبْدَهَا فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا وَقَالَ لَهَا: لَا يَحِلُّ لَك مُسْلِمٌ بَعْدَهُ. فَهَذَا أَصَحُّ سَنَدٍ عَنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ وَلَجُّوا فِي الْخَطَأِ تَقْلِيدًا لِخَطَأِ مَالِكٍ بَعْدَ رُجُوعِ عُمَرَ عَنْهُ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُهُمْ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فَمَاتَ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا، فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَلَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَقَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا زَوْجَ لَهَا فَدَخَلَ بِهَا فَوَطِئَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ مِنْ زِنًى أَوْ مِنْ غَصْبٍ كَانَ بِهَا قَبْلَ نِكَاحِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، مَا نَدْرِي لِمَاذَا؟ وَقَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً أُعْتِقَتْ قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ حَيْضَةً بَعْدَ عِتْقِهَا فَدَخَلَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الْأَبَدِ - فَلَجُّوا هَذَا اللَّجَاجَ الْفَاسِدَ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ قَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ قَائِمٌ حَيٌّ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يَظُنَّانِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أَوْ يُوقِنَانِ بِحَيَاتِهِ، فَدَخَلَ بِهَا فَوَطِئَهَا: أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ فِي الْأَبَدِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ. وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَعْجِلُ قَبْلَ الْوَقْتِ بِلَا شَكٍّ. وَقَالُوا: مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ فِي الْأَبَدِ، فَرَأَوْا الزِّنَا أَخَفَّ مِنْ زَوَاجِ

مسألة من أنفسخ نكاحها بعد صحته بما يوجب فسخه

الْجَاهِلِ فِي الْعِدَّةِ - وَرَأَوْا مَا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا إثْمَ لِلْجَهَالَةِ أَغْلَظَ مِنْ الْحَرَامِ الْمُتَيَقَّنِ - فَهَلْ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. [مَسْأَلَة مِنْ أنفسخ نِكَاحهَا بَعْد صِحَّته بِمَا يُوجِبُ فسخه] 1845 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِمَا يُوجِبُ فَسْخَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فَالصَّدَاقُ وَاجِبٌ لَهَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ - وَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ - فَإِذَا انْفَسَخَ فَحَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ بَاقٍ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَا فَرْقَ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِي الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِنَّمَا قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِعْلُ الْمُطَلِّقِ، وَالْفَسْخَ لَيْسَ فِعْلَهُ، فَلَا تَشَابُهَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ، بَلْ الْفَسْخُ بِالْمَوْتِ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْقَطَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ فِي بَعْضِ وُجُوهِ الْفَسْخِ إذَا جَاءَ الْفَسْخُ مِنْ قِبَلِهَا - فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَا بُرْهَانٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إذَا طَلَّقَتْ الْمَرْأَة قَبْل الدُّخُول] 1846 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا - وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَطَأْهَا - طَالَ مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ - هَذَا فِي كُلِّ مَهْرٍ كَانَ بِصِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَعَدَدٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ كَيْلٍ، أَوْ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ، أَوْ فِي مَكَان بِعَيْنِهِ إنْ وُجِدَ صَحِيحًا، وَسَوَاءٌ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِصَدَاقٍ مُسَمًّى فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَرَاضَيَا، فَقُضِيَ لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] الْآيَةَ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ فِي دُخُولِهِ بِهَا وَلَمْ يَطَأْهَا، وَفِي ضَيَاعِ الْمَهْرِ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الصَّدَاقِ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ الْحُكْمِ لَهَا بِهِ عَلَيْهِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الصَّدَاقِ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ، وَبَيْنَ تَرَاضِيهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ الْحُكْمِ لَهَا بِهِ عَلَيْهِ

فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: إنَّمَا يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مَفْرُوضًا لَهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ - وَأَمَّا إنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَهَاهُنَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: لَهَا النِّصْفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] عُمُومٌ لِكُلِّ صَدَاقٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَرَضَهُ النَّاكِحُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ - وَالزَّائِدُ لِهَذَا الْحُكْمِ مُخْطِئٌ مُبْطِلٌ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الَّذِي فَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَى مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] مُوجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا أَحَدَ وَجْهَيْنِ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَرُورَةً: إمَّا مَا رَضِيَتْ، وَإِمَّا مَهْرُ مِثْلِهَا، فَأَيُّهُمَا لَزِمَهُ بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ حَقٍّ فَقَدْ فَرَضَهُ لَهَا، إذْ عَقَدَ نِكَاحَهَا يَقِينًا فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ وَجَبَ لَهَا فِي مَالِهِ - وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلًا. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فِي نَفْسِ الْعَقْدِ خَاصَّةً لَبَيَّنَهُ لَنَا وَلَمْ يُهْمِلْهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَا هُنَالِكَ. فَإِذًا لَا شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ يَطَأْهَا - طَالَ - مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ - فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ: أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: إذَا أَرْخَى السِّتْرَ، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا أَرْخَيْت السِّتْرَ وَغَلَّقْت الْأَبْوَابَ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ - وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ هَارُونَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا جَمِيعًا: إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ وَأُرْخِيَ السِّتْرُ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ الْحَكَمِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ عِنْدَهَا، ثُمَّ رَاحَ وَفَارَقَهَا، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ زَيْدٌ: لَهَا الصَّدَاقُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إنَّهُ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَرَأَيْت لَوْ حَمَلَتْ أَكُنْت تَرْجُمُهَا؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ زَيْدٌ: بَلَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو النَّضْرِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلَهُ - وَفِي آخِرِهِ: فَلِذَلِكَ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَنْظَلَةَ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَضَى فِي امْرَأَةِ عِنِّينٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يَطَأْهَا: إنَّ الصَّدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا.

وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَصَحَّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَضَى بِهِ فِي عِنِّينٍ. وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ وَزَادَ: وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا. وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ عَبْدِ الْكَرِيمِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، إلَّا أَنْ تَكُونَ " رَتْقَاءَ " فَلَا يَجِبُ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ قَوْلًا آخَرَ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي رَجُلٍ اخْتَلَى بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يُخَالِطْهَا بِالصَّدَاقِ كَامِلًا، يَقُولُ: إذَا خَلَا بِهَا وَلَمْ يُغْلِقْ بَابًا وَلَا أَرْخَى سِتْرًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ يُقَالُ: إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَهَا الصَّدَاقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا خَلَا بِهَا فِي بَيْتِهَا - وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ - فَالْمَهْرُ كُلُّهُ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا، أَوْ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا، أَوْ كَانَتْ هِيَ حَائِضًا، أَوْ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ، فَلَيْسَ لَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ - فَلَوْ خَلَا بِهَا وَهُوَ صَائِمٌ صِيَامَ فَرْضٍ فِي ظِهَارٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَلَوْ خَلَا بِهَا فِي صَحْرَاءَ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ فِي سَطْحٍ لَا حُجْرَةَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقْوَالٌ لَمْ تَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلَا جَاءَ بِهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا خَلَا بِهَا فَقَبَّلَهَا أَوْ كَشَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ حَتَّى أَخْلَقَ ثِيَابَهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَمْ حَدُّ هَذَا التَّطَاوُلِ النَّاقِلِ عَنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَمَا حَدُّ الْإِخْلَاقِ لِهَذِهِ الثِّيَابِ.

وَهَاهُنَا قَوْلٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ جَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا هُشَيْمٌ نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ - عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي لَيْثٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَجِبُ الصَّدَاقُ وَافِيًا حَتَّى يُجَامِعَهَا وَلَهَا نِصْفُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ بَابًا وَلَا سِتْرًا إذَا زَعَمَ أَنْ لَمْ يَمَسَّهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ نَافِعٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ قَدْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا، وَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَرِبَهَا، فَخَاصَمَتْهُ إلَى شُرَيْحٍ، فَقَضَى شُرَيْحٌ بِيَمِينِ عَمْرٍو " بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَرِبْتُهَا " وَقَضَى عَلَيْهِ لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَتْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ بِنْتَ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُعَاذٌ - هُوَ مُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى إغْلَاقَ الْبَابِ وَلَا إرْخَاءَ السِّتْرِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ - يَعْنِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا - وَلَمْ يَقُلْ: أَنَّهُ مَسَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا يَجِبُ الصَّدَاقُ وَافِيًا حَتَّى يُجَامِعَهَا، إنْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا الْبَابَ، قُلْت لَهُ: فَإِذَا وَجَبَ الصَّدَاقُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ، قَالَ: أَوَ يَقُولُ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِكَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: لَا يَجِبُ الصَّدَاقُ وَالْعِدَّةُ إلَّا بِالْمُلَامَسَةِ الْبَيِّنَةِ: تَزَوَّجَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَأَرَادَ سَفَرًا فَأَتَاهَا فِي بَيْتِهَا مُخْلِيَةً لَيْسَ عِنْدَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخَذَهَا فَعَالَجَهَا، فَمَنَعَتْ نَفْسَهَا، فَصَبَّ الْمَاءَ وَلَمْ يَفْتَرِعْهَا،

فَسَاغَ الْمَاءُ فِيهَا، فَاسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ، فَثَقُلَتْ بِغُلَامٍ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا فَسَأَلَهُ؟ فَصَدَّقَهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: مَنْ أَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ أَرْخَى السِّتْرَ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ، وَكَمُلَتْ الْعِدَّةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: فَمُخَالِفَانِ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً أَصْلًا وَلَا سَلَفًا فِي قَوْلِهِمَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنْ أَغْلَقَ بَابًا، أَوْ أَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ فَوَجَدْنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] . قَالُوا: فَالصَّدَاقُ كُلُّهُ وَاجِبٌ لَهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ نا إسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: «فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا لَا أَرَاك تُحَدِّثُهُ؟ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي؟ قَالَ: قِيلَ: لَا مَالَ لَك إنْ كُنْت صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْت بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهَذَا، فَحَصَلَ مُرْسَلًا، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا فِيهِ قَالَ: قِيلَ: وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ - فَسَقَطَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ - وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا اللَّفْظَ لَكِنْ كَمَا نا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي مَالِي، قَالَ: لَا مَالَ لَكَ، إنْ كُنْت صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالُوا: فَالدُّخُولُ بِهَا اسْتِحْلَالٌ لِفَرْجِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَمْوِيهٌ، بَلْ حِينَ الْعَقْدِ لِلنِّكَاحِ يَصِحُّ اسْتِحْلَالُهُ لِفَرْجِهَا فَلَوْلَا

نَصُّ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَنِصْفُ الصَّدَاقِ فَقَطْ لَكَانَ الْكُلُّ لَهَا، كَمَا هُوَ لَهَا إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأُخْرَى خَصَّتْهَا، فَلَمْ يُوجِبْ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْمَسِّ إلَّا نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَشَغَبُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ يَزِيدَ الطَّائِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا فَقَالَ: الْبَسِي عَلَيْكِ ثِيَابَكَ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ» . زَادَ الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ: وَأَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ كَامِلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ سَاقِطٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ غَيْرُ ثِقَةٍ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ لَهَا وَاجِبٌ، بَلْ هُوَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] كَمَا لَوْ تَفَضَّلَتْ هِيَ فَأَسْقَطَتْ عَنْهُ جَمِيعَ حَقِّهَا لَأَحْسَنَتْ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ آخَرَ سَاقِطٍ: رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُد، قَالَ سَعِيدٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَقَالَ عَبْدُ الْغَفَّارِ: عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ

مسألة عدمت المرأة الصداق بعد قبضها له

صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَشَفَ امْرَأَةً فَنَظَرَ إلَى عَوْرَتِهَا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ» . وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَابْنِ لَهِيعَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لِلدُّخُولِ ذِكْرٌ وَلَا أَثَرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ كَشْفُهَا وَالنَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا، وَقَدْ يَفْعَلُ هَذَا بِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَقَدْ لَا يَفْعَلُهُ فِي مَدْخُولٍ بِهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جَمِيعِهِمْ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا: بَيَانُ أَنَّهُ فِي الْمُتَزَوِّجَةِ فَقَطْ، بَلْ ظَاهِرُهُ عُمُومٌ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ وَغَيْرِهَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِأَنَّهَا لَوْ حَمَلَتْ لُحِقَ الْوَلَدُ وَلَمْ تُحَدَّ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَصْلًا، وَلَا عُرِفَ أَنَّهُ خَلَا بِهَا، لَكِنْ كَانَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا سِرًّا مُمْكِنًا، فَحَمَلَتْ، فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ حَلَالًا مُذْ يَقَعُ الْعَقْدُ، لَا مَعْنَى لِلدُّخُولِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، وَقَدْ تَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ، لَكِنْ بِتَشْفِيرٍ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ فَقَطْ - وَكُلُّ هَذَا لَا يُسَمَّى مَسًّا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَنْ جَاءَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَوَجَدْنَا الْقُرْآنَ لَمْ يُوجِبْ لَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ إلَّا نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عدمت الْمَرْأَة الصَّدَاق بَعْد قبضها لَهُ] 1847 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ عُدِمَ الصَّدَاقُ بَعْدَ قَبْضِهَا لَهُ - بِأَيِّ وَجْهٍ - كَأَنْ تَلِفَ، أَوْ

أَنْفَقَتْهُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ: فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ. قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ الْمَهْرُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ فَمَنَعَهَا فَهُوَ غَاصِبٌ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ كُلُّهُ لَهَا، أَوْ ضَمَانُ نِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْهَا إيَّاهُ فَهُوَ تَالِفٌ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِ، وَلَا فِي نِصْفِهِ، وَطِئَهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ. وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَصِفُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ لِنِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ قَبَضَتْهُ، فَسَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِصِفَةٍ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهَا فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الزَّوْجِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] . فَإِنَّمَا أَوْجَبَ لَهُ الرُّجُوعَ إنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهَا بِنِصْفِ مَا دَفَعَ، لَا بِنِصْفِ شَيْءٍ غَيْرِهِ، وَاَلَّذِي دَفَعَ إلَيْهَا هُوَ الَّذِي فَرَضَ لَهَا، سَوَاءٌ كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَوْ شَيْئًا بِصِفَةٍ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهَا هُوَ الَّذِي فَرَضَ لَهَا لَكَانَ لَا يَبْرَأُ أَبَدًا مِمَّا عَلَيْهِ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهَا غَيْرَ مَا فَرَضَ لَهَا، أَوْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَقَدَ مَعَهَا فَقَدْ دَفَعَ إلَيْهَا مَا فَرَضَ لَهَا بِلَا شَكٍّ. وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهَا مَا فَرَضَ لَهَا فَقَدْ قَبَضَتْ حَقَّهَا، فَإِنْ تَلِفَ فَلَمْ تَتَعَدَّ وَلَا ظَلَمَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فَإِنْ أَكَلَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ أَوْ لَبِسَتْهُ فَأَفْنَتْ أَوْ أَعْتَقَتْهُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَلَمْ تَتَعَدَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَلْ أَحْسَنَتْ. وَقَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا حَكَمَتْ فِي مَالِهَا وَحَقِّهَا، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَكَلَ بِالْبَاطِلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ بَقِيَ عِنْدَهَا النِّصْفُ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَقِيَ بِيَدِهِ النِّصْفُ فَهُوَ لَهَا، فَلَوْ تَعَدَّتْ أَوْ تَعَدَّى عَلَيْهِ ضَمِنَ أَوْ ضَمِنَتْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالشَّافِعِيُّ، فِي كُلِّ مَا هَلَكَ بِيَدِهَا مِنْ الصَّدَاقِ بِفِعْلِهَا أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ قِيمَةَ نِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ - وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ غَيْرِ الَّذِي فَرَضَ لَهَا، وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهَا لَمْ تَعْتَدَّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا.

مسألة هل للزوج أن يدخل على الزوجة قبل أن يرسل إليها صداقها

وَقَالَ مَالِكٌ: مَا تَلِفَ بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ: فَلَوْ أَكَلَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ، أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: ضَمِنَتْ لَهُ نِصْفَ مَا أَخَذَتْ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ ابْتَاعَتْ بِذَلِكَ شُورَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الشَّيْءِ الَّذِي اشْتَرَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَكَلَتْ وَوَهَبَتْ وَأَعْتَقَتْ، وَبَيْنَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ، وَلَا ظَالِمَةٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَعْتَقَتْ وَأَكَلَتْ وَوَهَبَتْ، وَبَيْنَ مَا اشْتَرَتْ بِهِ شُورَةً - وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ بُرْهَانٌ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ. وَادَّعَوْا فِي ذَلِكَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَمَلَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيُعِيذُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ لَا يَأْمُرُوا بِالْحَقِّ عُمَّالَهُمْ بِالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَسَائِرِ الْبِلَادِ - وَهَذَا بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِمَّنْ ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ فَعَلُوا فَبَدَّلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ كَانَتْ دَعْوَى فَاسِدَةً، وَلَمْ يَكُنْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَوْلَى بِالتَّبْدِيلِ مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ. وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَصَدَتْ بِهِ الْخَيْرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْخُل عَلَى الزَّوْجَة قَبْل أَنْ يرسل إلَيْهَا صَدَاقهَا] 1848 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ فَسَمَّى صَدَاقًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ: فَلَهُ الدُّخُولُ بِهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - وَيُقْضَى لَهَا بِمَا سَمَّى لَهَا - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - وَلَا يُمْنَعْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا، لَكِنْ يُقْضَى لَهُ عَاجِلًا بِالدُّخُولِ، وَيُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ حَسْبَمَا يُوجَدُ عِنْدَهُ بِالصَّدَاقِ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ - وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا نَكَحَ الْمَرْأَةَ وَسَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا فَلِيُلْقِ إلَيْهَا رِدَاءَهُ، أَوْ خَاتَمًا إنْ كَانَ مَعَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ زَوْجِهِ حَتَّى يُقَدِّمَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهَا مَا رَضِيَتْ بِهِ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ عَطَاءٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَمْرٌو هُوَ بْنُ دِينَارٍ - لَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُرْسِلَ إلَيْهَا بِصَدَاقٍ أَوْ فَرِيضَةٍ. قَالَ عَطَاءٌ، وَعَمْرٌو: إنْ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِكَرَامَةٍ لَهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ إلَى أَهْلِهَا فَحَسْبُهُ هُوَ يُحِلُّهَا لَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَعْطِهَا وَلَوْ خِمَارًا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنَا فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِامْرَأَةٍ حَتَّى يُقَدِّمَ نَفَقَةً أَوْ يَكْسُوَ كِسْوَةً، ذَلِكَ مِمَّا عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا الْحَالَّ، فَإِنْ وَهَبَتْهُ لَهُ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْرِضَ لَهَا شَيْئًا آخَرَ وَلَا بُدَّ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى إبَاحَةِ دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ - هُوَ أَبُو الْخَيْرِ - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِرِضَاهُمَا فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ مَنْ شَهِدَهَا لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ، فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَنِي فُلَانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَأَخَذَتْهُ فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ» .

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ، قَالَ سَعِيدٌ: وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ - يَعْنِي دُخُولَ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَ وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ؛ وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيُسَمِّي لَهَا صَدَاقًا هَلْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] فَإِذَا فَرَضَ الصَّدَاقَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُقَدَّمَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ ثنا حَجَّاجٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّ كُرَيْبَ بْنَ أَبِي مُسْلِمٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ - تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا - وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: إنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ مَهْرُهَا مُؤَجَّلًا فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ - فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَيْهَا، فَلَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ حَتَّى يُوَفِّيَهَا جَمِيعَ صَدَاقِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ: لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَامَنِ سُنَّةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ أَبَاحَ دُخُولَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا أَوْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ. فَنَظَرْنَا فِي حُجَّةِ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثٍ فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَلِيًّا أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ، أَوْ فِيهَا مَجْهُولٌ، أَوْ ضَعِيفٌ - وَقَدْ تَقَصَّيْنَا طُرُقَهَا وَعِلَلَهَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " إلَّا أَنَّ صِفَتَهَا كُلَّهَا مَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا، لَا يَصِحُّ شَيْءٌ إلَّا خَبَرٌ -: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِ لِي؟ فَقَالَ: أَعْطِهَا شَيْئًا: فَقُلْتُ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ؟ قُلْتُ: هُوَ عِنْدِي، قَالَ: فَأَعْطِهَا إيَّاهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَدَاقُهَا، لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ إلَّا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُبَيَّنًا -: كَمَا نا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ: نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ نا يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ قِدَمِي فِي الْإِسْلَامِ وَمُنَاصَحَتِي وَإِنِّي وَإِنِّي؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا عَلِيٌّ؟ قَالَ: تُزَوِّجُنِي فَاطِمَةَ؟ قَالَ: مَا عِنْدَكَ؟ قُلْتُ: عِنْدِي فَرَسِي وَدِرْعِي، قَالَ: أَمَّا فَرَسُكَ فَلَا بُدَّ لَكَ مِنْهَا، وَأَمَّا دِرْعُكَ فَبِعْهَا، قَالَ: فَبِعْتُهَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَبَضَ مِنْهَا قَبْضَةً وَقَالَ: يَا بِلَالُ أَبْغِنَا بِهَا طِيبًا» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ - فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّ الدِّرْعَ إنَّمَا ذُكِرَتْ فِي الصَّدَاقِ لَا مِنْ أَجْلِ الدُّخُولِ، لِأَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا شَكٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَهَّزَهَا إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ شَيْئًا» . قَالَ عَلِيٌّ: خَيْثَمَةُ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَصَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ مِنْ حِينِ يُعْقَدُ

مسألة نكاح عقد على شرط فاسد أو على صداق فاسد

الزَّوَاجُ فَإِنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ " فَهُوَ حَلَالٌ لَهَا وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ، فَمَنْ مَنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا الصَّدَاقَ أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِلَا نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ الْحَقَّ مَا قُلْنَا أَنْ لَا يُمْنَعَ حَقَّهُ مِنْهَا، وَلَا تُمْنَعَ هِيَ حَقَّهَا مِنْ صَدَاقِهَا، لَكِنْ يُطْلَقُ عَلَى الدُّخُولِ عَلَيْهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - وَيُؤْخَذُ مِمَّا يُوجَدُ لَهُ صَدَاقُهَا - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَصْوِيبُ قَوْلِ الْقَائِلِ «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة نِكَاح عَقْدِ عَلَى شَرْط فاسد أَوْ عَلَى صَدَاق فاسد] 1849 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ نِكَاحٍ عُقِدَ عَلَى صَدَاقٍ فَاسِدٍ، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، مِثْلُ أَنْ يُؤَجَّلَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ غَيْرِ مُسَمًّى، أَوْ بَعْضُهُ إلَى أَجَلٍ كَذَلِكَ، أَوْ عَلَى خَمْرٍ، أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى مَا يَحِلُّ مِلْكُهُ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لَا يُرَحِّلَهَا عَنْ بَلَدِهَا، أَوْ عَنْ دَارِهَا، أَوْ أَنْ لَا يَغِيبَ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أُمَّ وَلَدِهِ فُلَانَةَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ - فَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا وَإِنْ وَلَدَتْ لَهُ الْأَوْلَادَ، وَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ نَفَقَةٌ، وَلَا صَدَاقٌ وَلَا عِدَّةٌ. وَهَكَذَا كُلُّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، حَاشَا الَّتِي تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا جَاهِلَةً فَوَطِئَهَا، فَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلَهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ الْفَاسِدُ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ إنَّمَا تَعَاقَدَاهَا بَعْدَ صِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ خَالِيًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ تَامٌّ، وَيُفْسَخُ الصَّدَاقُ، وَيُقْضَى لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَتَبْطُلُ الشُّرُوطُ كُلُّهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَكَذَلِكَ تَأْجِيلُ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فَمَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤْتِيَهَا صَدَاقَهَا أَوْ بَعْضَهُ - مُدَّةً مَا - فَقَدْ اشْتَرَطَ خِلَافَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .

وَالْخَبَرَانِ صَحِيحَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا بِأَسَانِيدِهِمَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا - وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، يَدْرِي كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّ كُلَّ مَا عُقِدَتْ صِحَّتُهُ بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَكُلُّ نِكَاحٍ عُقِدَ عَلَى أَنْ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا صِحَّةَ لَهُ فَإِذْ لَا صِحَّةَ لَهُ فَلَيْسَتْ زَوْجَةً، وَإِذْ لَيْسَتْ زَوْجَةً -: فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَلَيْسَ إلَّا فِرَاشٌ أَوْ عِهْرٌ، فَإِذْ لَيْسَتْ فِرَاشًا فَهُوَ عِهْرٌ، وَالْعِهْرُ لَا يُلْحَقُ فِيهِ وَلَدٌ، وَالْحَدُّ فِيهِ وَاجِبٌ. فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِالْحَقِّ، وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ يُسْلِمُونَ وَفِي نِكَاحِهِمْ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَنِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَامْرَأَةِ الْأَبِ، فَفَسَخَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّ ذَلِكَ وَأُلْحِقَ فِيهِ الْأَوْلَادُ، فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِالْجَاهِلِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا اسْتِثْنَاؤُنَا الَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَلِلْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا» وَصَحَّ أَيْضًا «فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا» . فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَالْمَهْرُ لَهَا» تَعْرِيفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلَهَا مَهْرُهَا» إضَافَةُ الْمَهْرِ إلَيْهَا، فَهَذَانِ اللَّفْظَانِ يُوجِبَانِ لَهَا الْمَهْرَ الْمَعْهُودَ الْمُسَمَّى وَمَهْرًا يَكُونُ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَهْرٌ مُسَمًّى وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَذَا لِكُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لِأَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ مَالَهُ حَرَامٌ عَلَيْهَا إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .

وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَهْرًا لَبَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، وَلَمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ وَحْدِهَا دُونَ غَيْرِهَا تَلَبُّسًا عَلَى عِبَادِهِ، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اعْتِدَاءٌ وَحُرْمَةٌ مُنْتَهَكَةٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَدَىَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي مَالِهِ؟ قُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ، وَإِنْتَاجُكُمْ مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْمُعْتَدِي، وَيُقَصَّ مِنْهُ حُرْمَتُهُ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ فِي حُرْمَتِهِ، وَلَيْسَ الْمَالُ مِثْلًا لِلْفَرْجِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَوَجَبَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ آخَرَ أَوْ شَتَمَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ مَالِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَنْ يُعْتَدَىَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوَجَبَ أَيْضًا عَلَى مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ مَهْرُ مِثْلِهَا أَوْ غَرَامَةٌ مَا، وَهَذِهِ أَحْكَامُ الشَّيْطَانِ، وَطُغَاةِ الْعُمَّالِ، وَفُسَّاقِ الشُّرَطِ، لَيْسَ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَحْكَامَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُتَعَدَّى حُدُودُهُ، فَإِذَا حَكَمَ بِغَرَامَةِ مَالٍ حَكَمْنَا بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهَا لَمْ نَحْكُمْ بِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ نا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ " إنْ كَانَ النِّكَاحُ حَرَامًا فَالصَّدَاقُ حَرَامٌ ". وَذَكَرْنَا فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي إبْطَالِهِ صَدَاقَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَبْدُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا تَزَوَّجَ عَبْدُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَلَدَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: أَبَحْت فَرْجَك؟ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا.

وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ فِي الْحُرَّةِ الَّتِي تَتَزَوَّجُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: أَبَاحَتْ فَرْجَهَا، لَا شَيْءَ لَهَا. وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُلُّ فَرْجٍ لَا يُحَلُّ فَلَا مَهْرَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ فُقَهَائِهِمْ فِي الَّتِي يَنْكِحُهَا الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؟ قَالَ: يَأْخُذُ السَّيِّدُ مِنْهَا مَا أَصْدَقَهَا غُلَامُهُ؟ عَجَّلَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الَّتِي تَنْكِحُ فِي عِدَّتِهَا: مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا مَا أَخَذَتْ. وَنَحْوُ هَذَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِنَّهُ فَرَّقَ هَاهُنَا فُرُوقًا لَا تُفْهَمُ -: فَمِنْهَا: نِكَاحَاتٌ هِيَ عِنْدَهُ فَاسِدَةٌ تُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَصِحُّ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَمِنْهَا: مَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ قُرْبٍ فَإِذَا طَالَ بَقَاؤُهُ مَعَهَا لَمْ يَفْسَخْهُ. وَمِنْهَا: مَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِنْ طَالَ بَقَاؤُهُ مَعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ لَهُ أَوْلَادًا، فَإِنْ وَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا لَمْ يَفْسَخْهُ. وَمِنْهَا: مَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ طَالَ بَقَاؤُهُ مَعَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ الْأَوْلَادَ. وَهَذِهِ عَجَائِبُ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ أَيْنَ قَالَهَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ وَلَا مَعَهُ إلَّا مِنْ قَلَّدَهُ مَنْ الْمُنْتَمِينَ إلَيْهِ، وَلَا يَخْلُو كُلُّ نِكَاحٍ فِي الْعَالَمِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَالصَّحِيحُ صَحِيحٌ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُوجِبَ فَسْخَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَيُفْسَخُ بَعْدَ صِحَّتِهِ مَتَى وَقَعَتْ الْحَالُ الَّتِي جَاءَ النَّصُّ بِفَسْخِهِ مَعَهَا.

مسألة كل ما جاز أن يتملك بالهبة أو بالميراث جاز أن يكون صداقا

وَأَمَّا الَّذِي لَيْسَ صَحِيحًا فَلَا يَصِحُّ أَبَدًا، لِأَنَّ الْفَرْجَ الْحَرَامَ لَا يُحِلُّهُ الدُّخُولُ بِهِ وَطْؤُهُ، وَلَا طُولُ الْبَقَاءِ عَلَى اسْتِحْلَالِهِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا وِلَادَةُ الْأَوْلَادِ مِنْهُ، بَلْ هُوَ حَرَامٌ أَبَدًا. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ بِحَرَامٍ؟ قُلْنَا: فَلِمَ فَسَخْتُمْ الْعَقْدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذًا وَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرُ حَرَامٍ؟ وَهَذِهِ أُمُورٌ لَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ قَلْبُ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ لِاعْتِقَادِهَا، أَوْ كَيْفَ يَنْطَلِقُ لِسَانُهُ بِنَصْرِهَا؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا كُلُّ عَقْدٍ صَحَّ ثُمَّ لَمَّا صَحَّ تَعَاقَدَا شُرُوطًا فَاسِدَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لَازِمٌ، وَإِذْ هُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْطَلَ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ - وَمُحَرِّمُ الْحَلَالِ كَمُحَلِّلِ الْحَرَامِ، وَلَا فَرْقَ، لَكِنْ تَبْطُلُ تِلْكَ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ أَبَدًا وَيُفْسَخُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ بِإِمْضَائِهَا، وَالْحَقُّ حَقٌّ، وَالْبَاطِلُ بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [يونس: 82] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُتَمَلَّكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ جَازَ أَنْ يَكُون صَدَاقًا] 1850 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُتَمَلَّكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُون صَدَاقًا وَأَنْ يُخَالَعَ بِهِ وَأَنْ يُؤَاجَرَ بِهِ سَوَاءٌ حَلَّ بَيْعُهُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ كَالْمَاءِ، وَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَالسُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بَيْعًا، هَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْغَافِلِينَ: لَا يَحِلُّ الصَّدَاقُ بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا حُكْمٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا بَاعَ أَوْ مَاذَا اشْتَرَى أَرَقَبَتَهَا؟ فَبَيْعُ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ أَمْ فَرْجَهَا؟ فَهَذَا أَبْيَنُ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ قَدْ اسْتَحَلَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْجَهَا الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا اسْتَحَلَّتْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْجَهُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَفَرْجٌ بِفَرْجٍ وَبَشَرَةٌ بِبَشَرَةٍ، وَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ الصَّدَاقَ لَهَا زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْلَالِهَا فَرْجَهُ، وَلَيْسَ الْبَيْعُ هَكَذَا إنَّمَا هُوَ جِسْمٌ يُبَادَلُ بِجِسْمٍ، أَحَدُهُمَا ثَمَنٌ وَالْآخَرُ مَبِيعٌ مَثْمُونٌ لَا زِيَادَةَ هَاهُنَا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَوَضَحَ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ شَبَّهَ النِّكَاحَ بِالْبَيْعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَيْعَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ لَا يَحِلُّ وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ حَلَالٌ صَحِيحٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ النِّكَاحَ بِصَدَاقِ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ أَجَازُوا النِّكَاحَ بِوَصِيفٍ وَبَيْتٍ وَخَادِمٍ، وَهَكَذَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ بَيْعُ

مسألة كل ما له نصف قل أو كثر جاز أن يكون صداقا

وَصَيْفٍ وَلَا بَيْعُ بَيْتٍ وَلَا بَيْعُ خَادِمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مَوْصُوفٍ وَهَذَا كَمَا تَرَى - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّهَوُّكِ فِي الْخَطَأِ فِي الدِّينِ. [مَسْأَلَة كُلُّ مَا لَهُ نِصْفٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا] 1851 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا كُلُّ مَا لَهُ نِصْفٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ أَنَّهُ حَبَّةُ بُرٍّ أَوْ حَبَّةُ شَعِيرٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ حَلَالٍ مَوْصُوفٍ، كَتَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْخِيَاطَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ - وَوَرَدَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا يَكُونُ صَدَاقٌ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ حَسَنٍ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ -: وَبِهِ إلَى حَسَنٍ الْمَذْكُورِ أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مِثْلَ أَجْرِ الْبَغِيِّ، وَلَكِنْ الْعَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْعِشْرُونَ " وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ رِوَايَتَانِ غَيْرُ هَذِهِ صَحِيحَتَانِ -: إحْدَاهُمَا: رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ. وَالْأُخْرَى: رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: السُّنَّةُ فِي النِّكَاحِ الرَّطْلُ مِنْ الْفِضَّةِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْكُوفِيِّ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوَاقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا حُسَامُ بْنُ الْمِصَكِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ فَسَاقِطَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْكُوفِيِّ - وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ هِيَ وَالرِّوَايَتَانِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْأَرْبَعِينَ: إمَّا دِرْهَمًا، وَإِمَّا أُوقِيَّةً، وَإِمَّا دِينَارًا. وَالرِّوَايَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِالْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَسَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ حَسَنٍ صَاحِبِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاطِلٌ، لِأَنَّهَا عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الْأَوْدِيِّ - وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، كَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُ: إذَا رَأَى اخْتِلَاطَهُ لَا تَمُوتُ حَتَّى تَكُونَ فِي رَأْسِك ثَلَاثُ كَيَّاتٍ، قَالَ الرَّاوِي: فَمَا مَاتَ حَتَّى كُوِيَ فِي رَأْسِهِ ثَلَاثَ كَيَّاتٍ. ثُمَّ هِيَ مُرْسَلَةٌ، لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ قَطُّ حَدِيثًا. وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا الْفَاسِدِ بِخَبَرَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ ابْنِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا صَدَاقَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . وَالْآخَرُ - عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . وَقَالُوا: النِّكَاحُ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ - وَهُوَ عُضْوٌ مِنْهَا - فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بِمَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ - وَقَدْ احْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِهَذِهِ التَّشْعِيبَةِ السَّاقِطَةِ أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ مَكْذُوبَانِ بِلَا شَكٍّ - أَحَدُهُمَا: مِنْ طَرِيقِ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ - وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ - لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ - وَالْآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَلَبِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ سَاقِطٌ - وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ، لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ النِّكَاحَ عَلَى دِينَارٍ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. فَبَطَلَ كُلُّ ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ؟ فَهُوَ أَسْخَفُ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ، لِأَنَّهُ لَا شَبَهَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسَّرِقَةِ - وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْيَدَ تُقْطَعُ أَلْبَتَّةَ وَالْفَرْجَ لَا يُقْطَعُ، وَالنِّكَاحَ طَاعَةٌ، وَالسَّرِقَةَ مَعْصِيَةٌ، وَلَوْ قَاسُوا إبَاحَةَ الْفَرْجِ عَلَى إبَاحَةِ الظَّهْرِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، لَكَانَ

أَدْخَلَ فِي مَخَازِي الْقِيَاسِ وَسَخَافَاتِهِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عُضْوٌ مَسْتُورٌ لَا يُقْطَعُ، وَقَبْلُ وَبَعْدُ فَمَا صَحَّ قَطُّ أَنْ لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَهُوَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى بَاطِلٍ، وَخَطَأٌ مُشَبَّهٌ بِخَطَأٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَقَاسُوهُ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي سُقُوطِ هَذَا الْقَوْلِ آنِفًا. وَمَا جَاءَ نَصٌّ قَطُّ بِأَنْ لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، إنَّمَا صَحَّ النَّصُّ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» ، وَهُمْ لَا يُرَاعُونَ فِي الْقَطْعِ وَلَا فِي الصَّدَاقِ رُبْعَ دِينَارٍ فِي الْقِيمَةِ أَصْلًا، فَلَاحَ بُطْلَانُ كُلِّ مَا قَالُوهُ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَمَوَّهَ الْمَالِكِيُّونَ أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] . قَالُوا: فَلَوْ جَازَ الصَّدَاقُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ وَاجِدَ الطَّوْلِ لِحُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَدْرِي عَلَى مَا نَحْمِلُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ قَائِلِهِ، إلَّا أَنَّنَا لَا نَشُكُّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ فِيهِ مِنْ الْوَرَعِ وَتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى حَاضِرٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ، فَكَيْفَ يُفَرَّقُونَ بَعْدَ هَذَا بَيْنَ وُجُودِ الطَّوْلِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ، وَبَيْنَ وُجُودِ الطَّوْلِ لِنِكَاحِ أَمَةٍ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّمْوِيهِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا نَدْرِي أَنَّهُ بَاطِلٌ قَاصِدِينَ إلَيْهِ عَمْدًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ فِي الطَّلَاقِ إلَّا مَحْدُودَةً؟ قُلْنَا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ فِي الصَّدَاقِ حَدًّا إلَّا مَا تَرَاضَيَا بِهِ، وَحَدَّ فِي الْمُتْعَةِ فِي الطَّلَاقِ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَوْضَحُ مِنْ الشَّمْسِ عِنْدَ مَنْ لَا يَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَعْجَبُ شَيْءٍ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَظَّمَ أَمْرَ الصَّدَاقِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا؟ قُلْنَا: هَذَا الْعَجَبُ حَقًّا إنَّمَا عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ الصَّدَاقِ فِي إيجَابِ أَدَائِهِ، وَتَحْرِيمِ أَخْذِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كُلِّ حَقٍّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] .

وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» وَلَا عَظِيمَ أَعْظَمُ مِنْ اتِّقَاءِ النَّارِ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي بِيَمِينٍ آثِمَةٍ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» ثُمَّ أَغْرَبُ شَيْءٍ مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَثِيرٌ، وَأَنَّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ غَيْرُ حَبَّةٍ قَلِيلٌ؟ وَتَخْلِيطُ هَذِهِ الطَّوَائِفِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهُ إلَّا مُحْصِي أَنْفَاسِهِمْ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُ أَقْوَالِهِمْ لَا سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَهُ، فَلْنُورِدْ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] . فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابِهِ الصَّدَاقَ فَجَعَلَ فِيهِ حَدًّا بَلْ أَجْمَلَهُ إجْمَالًا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ لِلصَّدَاقِ حَدًّا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ لَمَا أَهْمَلَهُ وَلَا أَغْفَلَهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَالسُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ؟ قَالَ: هَلْ عِنْدَك شَيْءٌ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا؟ قَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، قَالَ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ؟ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ: أَمَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ

شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، قَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا يَحْيَى نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَاصْنَعْ فِي مَا شِئْتَ؟ فَقَالَ لَهُ شَابٌّ عِنْدَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا؟ قَالَ: أَوَعِنْدَكَ شَيْءٌ تُعْطِيهَا إيَّاهُ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَاطْلُبْ فَلَعَلَّكَ تَجِدُ شَيْئًا، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ؟ فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا إلَّا إزَارِي هَذَا، قَالَ: إزَارُكَ هَذَا إنْ أَعْطَيْتَهَا إيَّاهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْك شَيْءٌ، قَالَ: أَتَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ» . نا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ رَجُلًا مِنْ امْرَأَةٍ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ وَمَنْقُولٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ -: رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِي، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَعْمَرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، وَفُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاعْتَرَضَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا اسْتَحْيَا مِنْ الْكَذِبِ فِي هَذَا فَقَالَ: إنَّمَا كَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ مُزَيَّنًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ فِضَّةٍ، أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ - فَقَوْلٌ يُضْحِكُ الثَّكْلَى وَيُسِيءُ الظَّنَّ بِقَائِلِهِ؛ لِأَنَّهَا مُجَاهَرَةٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ قَطُّ، وَلَا خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ فِي الْعَالَمِ أَنْ تَكُونَ حَلْقَةً مِنْ حَدِيدٍ وَزْنُهَا دِرْهَمَانِ تُسَاوِي مَا ذَكَرُوا وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَدِينَةِ " وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حَظٍّ مِنْ التَّمْيِيزِ أَنَّ مُرُورَهُمْ وَمَسَاحِيَهُمْ لِحَفِيرِ الْأَرْضِ، وَشَوَافِرَهُمْ وَفُؤُوسَهُمْ لِقَطْعِ الْحَطَبِ، وَمَنَاجِلَهُمْ لِعَمَلِ النَّخْلِ، وَحَصَادِ الزَّرْعِ، وَسِكَكَهُمْ لِلْحَرْثِ، وَمَزَابِرَهُمْ لِلزَّرْجُونِ، وَدُرُوعَهُمْ وَرِمَاحَهُمْ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ حَدِيدٍ فَمِنْ أَيْنَ اسْتَحَلُّوا أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْكِذْبَةِ السَّخِيفَةِ؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَإِنَّ مَنْ لَجَأَ إلَى الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ فِي نَصْرِ بَاطِلِهِ، لَقَدْ يَدُلُّ فِعْلُهُ هَذَا عَلَى صِفَاتِ سُوءٍ فِي الدِّينِ، وَالْحَيَاءِ وَالْعَقْلِ. وَاعْتَرَضُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي سَلَامٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ وَلَا تَجْفُوَا عَنْهُ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ» . وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ «أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إلَيْهِ فَرَسًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَ اللَّهَ فِي عُنُقِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارٌ» . وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «إنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» وَفِي بَعْضِهَا «جَمْرَةً بَيْنَ كَتِفَيْكَ تُقَلَّدُ بِهَا أَوْ تُعَلِّقُهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ آثَارٌ وَاهِيَةٌ لَا تَصِحُّ -: أَمَّا حَدِيثُ «لَا تَأْكُلُوا بِهِ» فَرِوَايَةُ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بِهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْأَكْلَ أَكَلَانِ: أَكْلٌ بِحَقٍّ، وَأَكْلٌ بِبَاطِلٍ، فَالْأَكْلُ بِحَقٍّ حَسَنٌ،

وَقَدْ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ إلَى الْمَدِينَةِ - كَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ - يُعَلِّمُونَ الْأَنْصَارَ الْقُرْآنَ وَالدِّينَ، وَيُنْفِقُ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7] فَأَنْكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ نَهَاهُمْ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ النَّكِيرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: فَإِنَّ أَحَدَ طُرُقِهِ فِي رِوَايَتِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَالْأُخْرَى: مِنْ طَرِيقِ أَبِي زَيْدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَالثَّالِثَةُ: مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَسَقَطَتْ كُلُّهَا. وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ ضِدُّ هَذَا، وَهُوَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا سَيْدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ الْبَاهِلِيُّ نا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَاءُ - هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آخُذُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نا أَبِي نا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عَمِّهِ «أَنَّهُ رَقَى مَجْنُونًا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَأَعْطَاهُ أَهْلُهُ شَيْئًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلْ، فَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ» . فَصَحَّ أَنَّ الْأَكْلَ بِالْقُرْآنِ فِي الْحَقِّ وَفِي تَعْلِيمِهِ حَقٌّ، وَأَنَّ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَأْكُلَ بِهِ رِيَاءً، أَوْ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَوَّهُوا بِالْخَبَرِ السَّاقِطِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا أَبُو عَرْفَجَةَ الْفَاشِيُّ

عَنْ أَبِي النُّعْمَانَ الْأَزْدِيُّ قَالَ «زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ مَهْرًا» . فَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ، فِيهِ ثَلَاثُ عُيُوبٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، إذْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ. وَالثَّانِي - أَنَّ أَبَا عَرْفَجَةَ الْفَاشِيَّ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ. وَالثَّالِثُ - أَنَّ أَبَا النُّعْمَانَ الْأَزْدِيُّ مَجْهُولٌ أَيْضًا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ تَزَوَّجَ أُمَّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى أَنْ يُسْلِمَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ غَيْرُهُ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدَّةٍ، لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ، مِنْ أَوَّلِ الْأَنْصَارِ إسْلَامًا، وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ إيجَابُ إيتَاءِ النِّسَاءِ صَدُقَاتِهِنَّ بِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ ذَلِكَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ - بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْفَضْلُ لَنَا وَالْأَجْرُ وَالْإِحْسَانُ فِي أَنْ نَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ ائْتِسَاءً بِهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ مُخْطِئٌ، وَالرَّاغِبُ عَنْ سُنَّتِهِ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ هَالِكٌ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ بِأَنَّهُ خُصُوصِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ حِينَئِذٍ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْتُونَ إلَى مَا عَمِلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يُخْبِرْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ خَاصٌّ لَهُ فَيَقُولُونَ: هُوَ خَاصٌّ لَهُ ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى نِكَاحِ الْمَوْهُوبَةِ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهَا خَالِصَةٌ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُونَ: هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا اُبْتُلُوا بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَأَيْت إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؟ فَقُلْنَا: إنْ كَانَ قَدْ عَلَّمَهَا السُّورَةَ الَّتِي أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهَا فَقَدْ اسْتَوْفَتْ صَدَاقَهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَرَضٌ قَدْ انْقَضَى - وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعَلِّمْهَا إيَّاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا نِصْفَهَا

فَقَطْ، وَهَذَا لَا يُحَرَّمُ عَلَى أَحَدٍ - يَعْنِي تَعْلِيمَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ - وَقَدْ كَلَّمَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ النَّاسَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بِقَوْلِنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ رَضِيَتْ بِسِوَاكٍ مِنْ أَرَاكٍ لَكَانَ مَهْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِقَلِيلِ مَالِهِ أَوْ كَثِيرِهِ إذَا اسْتَشْهَدُوا وَتَرَاضَوْا ". وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُومَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ حَفْنَةٍ مِنْ سَوِيقٍ أَوْ تَمْرٍ فَقَدْ اسْتَحَلَّ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمْ سُقْتَ إلَيْهَا؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَذَلِكَ دَانِقَانِ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الدَّانِقُ: سُدْسُ الدِّرْهَمِ الطَّبَرِيِّ - وَهُوَ الْأَنْدَلُسِيُّ - فَالدَّانِقَانِ وَزْنُ ثُلُثِ دِرْهَمٍ أَنْدَلُسِيٍّ، وَهُوَ سُدْسُ الْمِثْقَالِ مِنْ الذَّهَبِ. وَهَذَا خَبَرٌ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ نا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي النَّوَاةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا قُوِّمَتْ بِثَلَاثِ دَرَاهِمَ؟ قُلْنَا: حَجَّاجٌ سَاقِطٌ وَلَا يُعَارَضُ بِرِوَايَتِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّدَاقِ: أَدْنَى مَا يَكْفِي: خَاتَمُهُ، أَوْ ثَوْبٌ يُرْسِلُهُ.

مسألة أعتق أمته على أن يتزوجها وجعل عتقها صداقها

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ: أَدْنَى الصَّدَاقِ مَا تَرَاضَوْا بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا حَلَّتْ لَهُ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ ابْنَ أَخِيهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَصْدَقَ؟ فَقَالَ: دِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الصَّدَاقِ: هُوَ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَا يُؤَقِّتُ شَيْئًا. قَالَ سَعِيدٌ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ الطَّحَّانُ - عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: مَا تَرَاضَوْا بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ صَدَاقٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَحْنُونَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يُحِلُّ الْمَرْأَةَ مَا رَضِيَتْ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنِ قُسَيْطٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الصَّدَاقِ دِرْهَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ وَهْبٍ صَاحِبِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَجُمْلَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ سَلَفَ وَخَلَفَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا] 1852 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا - لَا صَدَاقَ لَهَا غَيْرُهُ -: فَهُوَ صَدَاقٌ صَحِيحٌ، وَنِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَسُنَّةٌ فَاضِلَةٌ. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، فَلَوْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بَطَلَ عِتْقُهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ كَمَا كَانَتْ.

وَفِي هَذَا خِلَافٌ مُتَأَخِّرٌ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَاللَّيْثُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِتْقُ الْأَمَةِ صَدَاقَهَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَمُحَمَّدٌ، وَمَالِكٌ: إنْ فَعَلَ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا إنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ -: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: تَسْعَى لَهُ فِي قِيمَتِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَزُفَرُ: لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ عَلِيٌّ: الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ: الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ الثَّابِتُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى كَثِيرَةٍ -: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثنا قُتَيْبَةُ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ثَابِتٌ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» قَالَ قَتَادَةُ فِي رِوَايَتِهِ: «ثُمَّ جَعَلَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاعْتَرَضَ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ بِأَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، أَوْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهَا فَهَذَا نِكَاحٌ بِلَا صَدَاقٍ؟ . قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَحْمَقُ كَلَامٍ سُمِعَ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا انْسِلَاخٌ مِنْ الْإِسْلَامِ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ مُمَوَّهٌ سَاقِطٌ، لِأَنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: مَا تَزَوَّجَهَا إلَّا وَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ صِحَّةِ الْعِتْقِ لَهَا، وَذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي صَحَّ لَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِهِ وَهُوَ صَدَاقُهَا، قَدْ أَتَاهَا

إيَّاهُ، وَاسْتَوْفَتْهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ أَعْطَى امْرَأَةً دَرَاهِمَ ثُمَّ خَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لَهُ عِنْدَهَا، وَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ هَذَا. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمْ لَوْ سَأَلُوا أَنْفُسَهُمْ هَذَا السُّؤَالَ فِي أَقْوَالِهِمْ الْفَاسِدَةِ لَأَصَابُوا؟ مِثْلُ تَوْرِيثِهِمْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونُوا وَرَّثْتُمُوهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ، أَوْ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قَسَمٍ ثَالِثٍ -: فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ فَقَدْ كَانَ تَلَذُّذُهُ بِمُبَاشَرَتِهَا، وَنَظَرُهُ إلَى فَرْجِهَا حَلَالٌ لَهُ مَا دَامَ يَجْرِي فِيهِ الرُّوحُ، وَأَنْتُمْ تُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَتْلًا قَطْعًا. وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ زَوْجًا لَهُ، وَلَا أُمًّا لَهُ، وَلَا بِنْتًا لَهُ، وَلَا جَدَّةً لَهُ، وَلَا بِنْتَ ابْنٍ لَهُ، وَلَا أُخْتًا، وَلَا مُعْتَقَةً، وَلَا ذَاتَ رَحِمٍ، فَهَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ، وَإِعْطَاءُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ ادَّعَوْا اتِّبَاعَ الصَّحَابَةِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَبِوُضُوحِ الْعُذْرِ، وَبِتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْنَا، إذْ إنَّمَا اتَّبَعْنَا هَاهُنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةَ أَيْضًا، وَالتَّابِعِينَ زِيَادَةً، فَكَيْفَ وَقَدْ كَذَبْتُمْ فِي دَعَوَاكُمْ اتِّبَاعَ الصَّحَابَةِ فِي تَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ؟ وَأَقْرَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ عُمَرَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يُعِدَّهُ طَلَاقًا، وَفِي قَوْلِهِمْ فِي وَلَدِ الْمُسْتَحَقَّةِ: إنَّهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُمْ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا، فَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَثَمَنُ الْحُرِّ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَبَيْعُ الْعَبِيدِ مِنْ غَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِمْ حَرَامٌ إلَّا بِنَصٍّ - وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِتْقُ لَيْسَ مَالًا، فَهُوَ كَالطَّلَاقِ فِي أَنَّ الْعِتْقَ يَبْطُلُ بِهِ الرِّقُّ فَقَطْ، وَالطَّلَاقُ يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ فَقَطْ، فَلَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا مَهْرًا لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْعِتْقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالسَّخَافَةِ، لِأَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ قِيَاسَ أَصْلٍ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ

عِنْدَهُمْ، وَلَا شَبَهَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ الرِّقَّ كَمَا قَالُوا، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُبْطِلُ النِّكَاحَ، بَلْ لِلْمُطَلِّقِ الَّذِي وَطِئَهَا دُونَ الثَّلَاثِ أَنْ يَرْتَجِعَهَا - فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ ارْتِجَاعُهُ فِي الرِّقِّ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجٌ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ؟ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ الْبَارِدُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فَكُلُّ فِعْلٍ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَنَا الْفَضْلُ فِي الِائْتِسَاءِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ خُصُوصٌ فَنَقِفُ عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالُوا هَذَا لِأَنْفُسِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الْمَوْهُوبَةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوَفَّقُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رَوَيْتُمْ فِي ذَلِكَ مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْكُمْ دَاوُد بْنُ بَابْشَاذَ قَالَ: نا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ نا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، نا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَهُوَ ابْنُ كَاسِبٍ - قَالَ: نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ نَافِعٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ جُوَيْرِيَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ» قَالُوا: وَابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ، فَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكَ مَا رَوَى إلَّا لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ: مِنْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَبِاتِّبَاعِهَا، إنَّمَا هِيَ مَا رَوَوْهُ لَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا مَا رَوَاهُ مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بِرَأْيٍ اجْتَهَدَ فِيهِ وَأَصَابَ: إنْ وَافَقَ النَّصَّ فَلَهُ أَجْرَانِ، أَوْ أَخْطَأَ إنْ خَالَفَ النَّصَّ غَيْرَ قَاصِدٍ إلَى خِلَافِهِ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ أَفْرَدْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِ " الْإِعْرَابُ فِي كَشْفِ الِالْتِبَاسِ " بَابًا ضَخْمًا لِكُلِّ

وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فِيمَا تَنَاقَضُوا فِيهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَأَخَذُوا بِرِوَايَةِ الصَّاحِبِ وَخَالَفُوا رَأْيَهُ الَّذِي خَالَفَ بِهِ مَا رَوَى. وَاَلَّذِي نَعْرِفُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ، وَجَرِيرٌ كِلَاهُمَا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ " قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَكَانَ أَعْجَبُ ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِنَا أَنْ يَجْعَلُوا عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَإِنَّمَا كَرِهَ ابْنُ عُمَرَ زَوَاجَ الْمَرْءِ مَنْ أَعْتَقَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ -. فَبَطَلَ كَيْدُهُمْ الضَّعِيفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَتَبَ بِهِ إلَى دَاوُد بْنِ بَابْشَاذَ قَالَ: نَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ رَوَى هَذَا ابْنُ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْ بَعْدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّهُ يُجَدِّدُ لَهَا صَدَاقًا -: نا بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ نا الْخَصِيبُ - هُوَ ابْنُ نَاصِحٍ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا نَصُّ كَلَامِ الطَّحَاوِيَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ كَيْفَ كَانَ، وَلَعَلَّهُ لَوْ أَوْرَدَهُ لَكَانَ خِلَافًا لِظَنِّ الطَّحَاوِيَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مِمَّا رَوَاهُ أَصْحَابُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الثِّقَاتُ عَنْهُ، وَالْخَصِيبُ لَا يُدْرِي حَالُهُ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ فِي أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَهُوَ أَمْرٌ ضَعِيفٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لَا مِنْ جُوَيْرِيَةَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا: الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا

وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ، وَإِنَّهَا كَاتَبَتْهُ وَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، وَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا: أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، أَقْضِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ» قَالُوا: وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَةَ مُكَاتَبَةٍ لِغَيْرِهِ وَيَتَزَوَّجَهَا بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، إنَّمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ. وَالْآخَرُ - مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا يَخْلُو أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ وَهَبَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَرَفَ رَغْبَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا، وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا بَعْدُ شَيْئًا، فَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِثَابِتٍ أَوْ بِصَاحِبٍ غَيْرِ هَذَا أَصْلًا. وَأَيْضًا - فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَتَمَادَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا حَتَّى عَتَقَتْ بِأَدَائِهَا أَوْ بِأَدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا عَنْهَا لَكَانَتْ مَوْلَاةَ ثَابِتٍ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطْعًا، وَلَا اخْتَلَفَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْلَاةَ ثَابِتٍ أَصْلًا فَوَضَحَ سُقُوطُ مَا رَوَاهُ أَسَدٌ، وَزِيَادٌ، وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْمُلَفَّقَاتِ الَّتِي لَا تُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا. وَمَوَّهُوا أَيْضًا: بِمَا حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ نا أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرِئٍ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ جَدِيدٍ فَلَهُ أَجْرَانِ» .

فَهَذَا لَفْظُ سُوءٍ انْفَرَدَ بِهِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْخَبَرُ مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ لَيْسَ فِيهِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ أَصْلًا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا إلَّا بِمَهْرٍ جَدِيدٍ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا مَهْرًا آخَرَ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ - وَهَذَا الْخَبَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ -: مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ اثْنَانِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا مُطَرِّفٌ - هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّذِي يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ» لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَهْرٌ جَدِيدٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى مُسْلِمٍ قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نا هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا مِنْ خُرَاسَانَ يَسْأَلُ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو إنَّ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: فَهُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ؟ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ - هُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ - هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَ بِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ» ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُرَاسَانِيِّ: خُذْ هَذَا الْخَبَرَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ مُسْلِمٌ: وَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ، وَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: نا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، إنَّمَا هُوَ أَبَاطِيلُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا مِنْ السَّلَفِ طَائِفَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا؟ قَالَ: " لَهُ أَجْرَانِ " وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ. وَمِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يَحْيَى بْنُ الْأَنْصَارِيِّ، وَالْمُغِيرَةُ وَيُونُسُ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - وَجَابِرٌ، قَالَ يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ جَابِرٌ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، قَالَ هُشَيْمٌ: وَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ قَدْ أَعْتَقْتُك وَتَزَوَّجْتُك فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقْتُك وَأَتَزَوَّجُك فَأَعْتَقَهَا: إنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ ". وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ غَيْرَ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يَرَوْنَ بَأْسًا أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ قَالَ يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: عَنْ أَبِيهِ، قَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، قَالَ طَاوُسٍ: ذَلِكَ حَسَنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَيَتَزَوَّجُهَا وَيَجْعَلُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا -

مسألة لا تجبر المرأة على أن تتجهز للزوج بشيء

وَابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: إنْ طَلَّقَهَا سَعَتْ لَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَؤُلَاءِ: عَلِيٌّ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ، وَمَنْ لَقِيَهُ إبْرَاهِيمُ مِنْ شُيُوخِهِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَطَاوُسٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي - خَالَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَهُ وَوَفَّقَ - وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَمَا نَعْلَمْ لِلْمُخَالِفِينَ، سَلَفًا إلَّا تِلْكَ الرِّوَايَةُ السَّاقِطَةُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا كَيْفَ كَانَ لَفْظُهُ؟ وَلَا كَيْفَ كَانَ لَفْظُ نَافِعٍ الَّذِي ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَشَيْئًا رُبَّمَا ذَكَرُوهُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ عِتْقِهَا شَيْئًا مَا كَانَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا هَذَا اسْتِحْبَابٌ مِنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِلَّا فَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الَّذِي فَرَضَ لَهَا هُوَ عِتْقُهَا - وَهُوَ شَيْءٌ قَدْ تَمَّ فَلَا يُسْتَدْرَكُ - وَتَكْلِيفُ الْغَرَامَةِ هُوَ إيجَابُ غَيْرِ نِصْفِ مَا فَرَضَ لَهَا فَلَا يَجُوزُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ فَإِنْ عَتَقَ لَمْ يَتِمَّ؛ إنَّمَا هُوَ عِتْقٌ بِشَرْطِ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَيَكُونُ صَدَاقُهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ فَلَا صَدَاقَ لِنِكَاحٍ لَمْ يَتِمَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَتْهُ فَقَدْ تَمَّ النِّكَاحُ، وَصَحَّ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا تُجْبَرَ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنْ تَتَجَهَّزَ لِلزَّوْجِ بِشَيْءٍ] 1853 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْبَرَ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنْ تَتَجَهَّزَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا، لَا مِنْ صَدَاقِهَا الَّذِي أَصْدَقَهَا، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ مَالِهَا، وَالصَّدَاقُ كُلُّهُ لَهَا تَفْعَلُ فِيهِ كُلِّهِ مَا شَاءَتْ، لَا إذْنَ لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ، وَلَا اعْتِرَاضَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَصْدَقَهَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أُجْبِرَتْ عَلَى أَنْ تَبْتَاعَ بِكُلِّ ذَلِكَ شُورَةً مِنْ ثِيَابٍ وَوِطَاءٍ وَحُلِيٍّ تَتَجَمَّلُ بِهِ لَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ تَقْضِيَ مِنْهَا دَيْنًا عَلَيْهَا إلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ

فَأَقَلَّ، فَإِنْ أَصْدَقَهَا نِقَارَ ذَهَبٍ أَوْ نِقَارَ فِضَّةٍ فَهُوَ لَهَا، وَلَا تُجْبَرُ عَلَى أَنْ تَبْتَاعَ بِهَا شُورَةً أَصْلًا. فَإِنْ أَصْدَقَهَا حُلِيًّا أُجْبِرَتْ أَنْ تَتَحَلَّى بِهِ لَهُ، فَإِنْ أَصْدَقَهَا ثِيَابًا وَوِطَاءً أُجْبِرَتْ عَلَى أَنْ تَلْبَسَهَا بِحَضْرَتِهِ، وَلَمْ تَجِبْ لَهَا عَلَيْهِ كِسْوَةٌ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ تَخْلَقُ فِيهَا تِلْكَ الثِّيَابُ. فَإِنْ أَصْدَقَهَا خَادِمًا أُنْثَى أُجْبِرَتْ عَلَى أَنْ تَخْدُمَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بَيْعُهَا. وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَتْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَلَوْ أَصْدَقَهَا دَابَّةً، أَوْ مَاشِيَةً، أَوْ ضَيْعَةً، أَوْ دَارًا، أَوْ طَعَامًا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ فِي كُلِّ ذَلِكَ رَأْيٌ، وَهُوَ لَهَا تَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَتْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهَا إنْ شَاءَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا يَكْفِي مِنْ فَسَادِهِ عَظِيمُ تَنَاقُضِهِ، وَفَرَّقَهُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ مِنْ ذَلِكَ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ إبَاحَتُهُ لَهَا قَضَاءَ الثَّلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَالدِّينَارَيْنِ فِي دَيْنِهَا فَقَطْ، لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَيْتَ شِعْرِي إنْ كَانَ صَدَاقُهَا أَلْفَيْ دِينَارٍ، أَوْ كَانَ صَدَاقُهَا دِينَارًا وَاحِدًا كَيْفَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ إنَّ هَذَا الْعَجَبُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] فَافْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُعْطُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، وَلَمْ يُبِحْ لِلرِّجَالِ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِ النِّسَاءِ، فَأَيُّ بَيَانٍ بَعْدَ هَذَا نَرْغَبُ؟ أَمْ كَيْفَ تَطِيبُ نَفْسُ مُسْلِمٍ عَلَى مُخَالَفَةِ هَذَا الْكَلَامِ لِرَأْيٍ فَاسِدٍ مُتَخَاذِلٍ مُتَنَافِرٍ لَا يُعْرَفُ لِقَائِلِهِ فِيهِ سَلَفٌ. وَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْجَبَ لِلْمَرْأَةِ حُقُوقًا فِي مَالِ زَوْجِهَا - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - وَهِيَ الصَّدَاقُ، وَالنَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ، وَالْإِسْكَانُ، مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا - وَلَمْ يَجْعَلْ لِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا حَقًّا أَصْلًا، لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ.

وَلَا شَيْءَ أَطْرَفُ مِنْ إسْقَاطِهِمْ عَنْ الزَّوْجِ الْكِسْوَةَ مَا دَامَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَكْتَسِيَ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ النَّفَقَةُ مَا دَامَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ صَدَاقِهَا؟ فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْقَطَ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ الْفَاسِدِ؟ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] ؟ فَقُلْنَا: صَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَحِلُّ تَحْرِيفُ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ يَقُلْ، فَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرٌ لِقِيَامِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا، وَلَا لِلْحُكْمِ بِرَأْيِهِ، وَلَا لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ. وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ قَائِمٌ عَلَيْهَا يُسْكِنُهَا حَيْثُ يَسْكُنُ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَيُرَحِّلُهَا حَيْثُ يَرْحَلُ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ لِمَا ادَّعَيْتُمْ لَكُنْتُمْ أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهَا، لِأَنَّكُمْ خَصَّصْتُمْ بَعْضَ الصَّدَقَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَدُونَ سَائِرِ مَالِهَا، كُلُّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَشَغَبُوا أَيْضًا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِحُسْنِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، وَدِينِهَا - فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» . وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا لَا نَظِيرَ لَهُ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ أَنْ تُنْكَحَ لِمَالِهَا، وَلَا نَدَبَ إلَى ذَلِكَ، وَلَا صَوَّبَهُ، بَلْ إنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ فِعْلِ النَّاسِ فَقَطْ، وَهَذِهِ أَفْعَالُ الطَّمَّاعِينَ الْمَذْمُومِ فِعْلُهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ الْإِنْكَارُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ» فَلَمْ يَأْمُرْ بِأَنْ تُنْكَحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِلدِّينِ خَاصَّةً، لَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ لِمَالِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لَهَا الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ.

وَقَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا -: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ الْقَاضِي نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيِّ نا الْبَزَّارُ نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَنْكِحُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَلَعَلَّ حُسْنَهُنَّ يُرْدِيهِنَّ، وَلَا تَنْكِحُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَلَعَلَّ أَمْوَالَهُنَّ يُطْغِيهِنَّ، وَأَنْكِحُوهُنَّ لِلدِّينِ، وَلَأَمَةٌ سَوْدَاءُ خَرْمَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» . ثُمَّ إنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لِمَا مَوَّهُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ لِمَالِهَا - لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ أَوْ نُدِبَ إلَيْهِ - شَيْءٌ مِمَّا أَتَوْا بِهِ مِنْ التَّخْلِيطِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ صَدَاقِ فِضَّةٍ مَضْرُوبَةٍ، وَذَهَبٍ مَضْرُوبٍ، وَبَيْنَ سَبَائِكِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إصْدَاقِ ثِيَابٍ، وَوِطَاءٍ، وَجَوْهَرٍ، وَخَادِمٍ، وَبَيْنَ إصْدَاقِ حَرِيرٍ، وَقُطْنٍ، وَكَتَّانٍ، وَصُوفٍ، وَدَابَّةٍ، وَمَاشِيَةٍ، وَعَبْدٍ، وَطَعَامٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ ثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَيْنِهَا فَأَقَلَّ، وَبَيْنَ قَضَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - فَوَضَحَ عَظِيمُ فَسَادِ تَخْلِيطِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُبَّمَا يُمَوِّهُونَ بِمَا نَذْكُرُهُ مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى نا قَتَادَةُ عَنْ جَلَالِ بْنِ أَبِي الْجَلَالِ الْعَتَكِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ إلَى رَجُلٍ ابْنَتَهُ مِنْ امْرَأَةٍ عَرَبِيَّةٍ فَأَنْكَحَهَا إيَّاهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ بِابْنَةٍ لَهُ أُخْرَى أُمُّهَا أَعْجَمِيَّةٌ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَتَى مُعَاوِيَةَ فَقَصَّ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: مُعْضِلَةٌ وَلَا أَبَا حَسَنٍ - وَكَانَ عَلِيٌّ حَرْبًا لِمُعَاوِيَةَ - فَقَالَ الرَّجُلُ لِمُعَاوِيَةَ فَأْذَنْ لِي أَنْ آتِيَهُ؟ فَأَذِنَ لَهُ مُعَاوِيَةُ، فَأَتَى الرَّجُلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا عَلِيٌّ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ؟ فَقَضَى عَلِيٌّ عَلَى أَبِي الْجَارِيَةِ بِأَنْ يُجَهِّزَ ابْنَتَهُ الَّتِي أَنْكَحَهَا إيَّاهُ بِمِثْلِ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ مِنْهَا لِأُخْتِهَا بِمَا أَصَابَ مِنْ فَرْجِهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَمَسَّ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا. قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ: وَأَخْبَرَنِي هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لِلَّتِي دَخَلَ بِهَا الصَّدَاقُ الَّذِي سَاقَ، وَعَلَى الَّذِي غَرَّهُ أَنْ يَزِفَّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ بِمِثْلِ صَدَاقِهَا.

مسألة على الزوج كسوة الزوجة

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ حَقًّا وَلَا أَرَبًا، إنَّمَا فِيهِمَا أَنْ يَضْمَنَ لِلَّتِي زُوِّجَتْ مِنْهُ وَزُفَّ إلَيْهِ غَيْرُهَا صَدَاقَهَا الَّذِي اسْتَهْلَكَ لَهَا وَأُعْطِيَ لِغَيْرِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ - وَهَكَذَا نَقُولُ. ثُمَّ هُمْ يُخَالِفُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ جَعَلَ لِلَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ الصَّدَاقَ الَّذِي سُمِّيَ لِأُخْتِهَا، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، بَلْ إنَّمَا يَقْضُونَ لَهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا. وَالْمَوْضُوعُ الثَّانِي - أَمْرُ عَلِيٍّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهُ مَعَهَا إلَّا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأُخْرَى الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. فَمِنْ الْمَقْتِ وَالْعَارِ وَالْإِثْمِ تَمْوِيهُ مَنْ يُوهِمُ أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِأَثَرٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ - هَذَا مَعَ أَنَّ الْجَلَالَ بْنَ أَبِي الْجَلَالِ غَيْرُ مَشْهُورٍ. وَبِمَا أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ خِطْبَةَ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «وَأَنَّ عَلِيًّا بَاعَ دِرْعَهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ قَالَ: فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعْتُهَا فِي حِجْرِهِ فَقَبَضَ مِنْهَا قَبْضَةً فَقَالَ: يَا بِلَالٌ أَبْغِنَا بِهَا طِيبًا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَهِّزُوهَا» قَالَ: فَجُعِلَ لَنَا سَرِيرٌ مَشْرُوطٌ بِالشَّرْطِ وَوِسَادَةٌ مِنْ أُدْمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَمِلْءُ الْبَيْتِ كَثِيبًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ لَا تَبْلُغُ قَبْضَةٌ فِي طِيبٍ، وَسَرِيرٌ مَشْرُوطٌ بِالشَّرِيطِ، وَوِسَادَةٌ مِنْ أُدْمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ: عُشْرَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [مَسْأَلَةٌ عَلَى الزَّوْجِ كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ] 1854 - مَسْأَلَةٌ: وَعَلَى الزَّوْجِ كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ - مُذْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ - وَنَفَقَتُهَا، وَمَا تَتَوَطَّاهُ وَتَتَغَطَّاهُ وَتَفْتَرِشُهُ، وَإِسْكَانُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا - صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً - ذَاتَ أَبٍ أَوْ

يَتِيمَةً - غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً - دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يُدْعَ نَشَزَتْ أَوْ لَمْ تَنْشِزْ - حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً - بُوِّئَتْ مَعَهُ بَيْتًا أَوْ لَمْ تُبَوَّأْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا أَبُو قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ " عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْتُ وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتُ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو قَزَعَةَ هَذَا - هُوَ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ - ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَابْنُهُ قَزَعَةُ، وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا الْحَجَّاجُ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» . فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ النِّسَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ نَاشِزًا مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، وَلَا أَمَةً مُبَوَّأَةً بَيْتًا مِنْ غَيْرِهَا {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ اُنْظُرُوا إلَى

مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةٍ أَوْ يَرْجِعُوا - وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ، فَلَمْ يَسْتَثْنِ عُمَرُ امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَاضِبَةً هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا عَنْ نَحْوِ خَمْسَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: لَا نَفَقَةَ لِنَاشِزٍ - وَهَذَا قَوْلٌ خَطَأٌ مَا نَعْلَمُ لِقَائِلِهِ حُجَّةً. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ النَّفَقَةَ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ، وَالطَّاعَةِ؟ قُلْنَا: لَا، بَلْ هَذَا الْقَوْلُ كَذِبٌ، وَأَوَّلُ مَنْ يُبْطِلُهُ أَنْتُمْ، أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فَيُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَلَا جِمَاعَ هُنَالِكَ وَلَا طَاعَةَ. وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى " الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ " وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَرِيضَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَلَى النَّاشِزِ فَقَالَ: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] . فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاشِزِ إلَّا الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ، وَلَمْ يُسْقِطْ عَزَّ وَجَلَّ نَفَقَتَهَا وَلَا كِسْوَتَهَا - فَعَاقَبْتُمُوهُنَّ أَنْتُمْ بِمَنْعِهَا حَقَّهَا، وَهَذَا شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا ظَالِمَةٌ بِنُشُوزِهَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَحِلُّ مَنْعُهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ؛ هَذَا حُكْمُ الشَّيْطَانِ، وَظُلْمَةُ الْعُمَّالِ وَالشَّرْطِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ لَا يُسْقِطُونَ قَرْضًا أَقْرَضَتْهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِ نُشُوزِهَا؟ فَمَا ذَنْبُ نَفَقَتِهَا تَسْقُطُ دُونَ سَائِرِ حُقُوقِهَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ؟ وَقَالَ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَسْقَطَهَا حُجَّةً أَصْلًا، فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

مسألة طلقها قبل أن يطأ وقد سمى لها صداقا رضيته

{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا حَتَّى يُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْحُكْمُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ صَحِيحٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ جَاءَتْ بِخِلَافِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأ وَقَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا رَضِيَتْهُ] 1855 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَبِ الْبِكْرِ - صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً - أَوْ الثَّيِّبِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْقَرَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ: حُكْمٌ فِي شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِ الِابْنَةِ، أَوْ الْقَرِيبَةِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنْ يَهَبَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، لَا لِلزَّوْجِ - طَلَّقَ أَوْ أَمْسَكَ - وَلَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا. وَلَهَا أَنْ تَهَبَ صَدَاقَهَا أَوْ بَعْضَهُ لِمَنْ شَاءَتْ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَبٍ وَلَا لِزَوْجٍ فِي ذَلِكَ - هَذَا إذْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً بَقِيَ لَهَا بَعْدَهُ غِنًى وَإِلَّا فَلَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا - وَقَدْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا رَضِيَتْهُ - فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، إلَّا أَنْ تَعْفُوَ هِيَ فَلَا تَأْخُذُ مِنْ زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْهُ وَتَهَبُ لَهُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ لَهَا، أَوْ يَعْفُوَ الزَّوْجُ فَيُعْطِيهَا الْجَمِيعَ، فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ كَمَا قُلْنَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْت عِيسَى بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ: سَمِعْت شُرَيْحًا يَقُولُ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] ؟ فَقُلْت: هُوَ الْوَلِيُّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ هُوَ الزَّوْجُ. مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا فَأَكْمَلَ لَهَا الصَّدَاقَ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:

{الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] يَعْنِي الزَّوْجَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: هُوَ الزَّوْجُ. نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ نا مَكِّيُّ بْنُ عَيْسُونَ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُزَيْقٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطَّهْرَانِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَا جَمِيعًا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٌ: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] هُوَ الزَّوْجُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: هُوَ الْوَلِيُّ، قَالَ: فَأَخْبَرْتهمْ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَرَجَعُوا عَنْ قَوْلِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ - هُوَ جَعْفَرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى غَفْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ: هُوَ الزَّوْجُ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ الْوَلِيُّ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إنْ عَفَا وَلِيُّهَا {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَضَنَّتْ جَازَ، وَإِنْ أَبَتْ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ كَانَ يَقُولُ: أَوْ يَعْفُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا إنْ كَانَ وُصُولًا وَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلًا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ وَلِيُّ الْبِكْرِ جُمْلَةً - وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ الْأَبُ جُمْلَةً. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ السَّيِّدُ يَعْفُو عَنْ صَدَاقِ أَمَتِهِ، وَالْأَبُ خَاصَّةً فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ خَاصَّةً: يَجُوزُ عَقْدُهُ عَنْ صَدَاقِهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ -: فَوَجَدْنَا قَوْلَ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمَالِكٍ أَظْهَرَهَا فَسَادًا وَأَبْعَدَهَا عَنْ مُقْتَضَى الْآيَةِ جُمْلَةً وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] سَيِّدَ الْأَمَةِ وَوَالِدَ الْبِكْرِ خَاصَّةً لَمَا سَتَرَهُ وَلَا كَتَمَهُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ: هَذَانِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالْبِكْرِ إلَّا بِعَقْدِهِمَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ وَإِلَّا فَلَا، فَلَهُ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي لِلسَّيِّدِ، وَلِلْأَبِ سَوَاءً سَوَاءً، فَمَنْ جَعَلَهُمَا أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ بِأَيْدِيهِمَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ مِنْ الزَّوْجِ مَعَ تَخْصِيصِ الْآيَةِ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ؛ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ؟ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّهُ الْأَبُ أَيْضًا جُمْلَةً - وَكَذَلِكَ سَقَطَ أَيْضًا الْقَوْلُ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ وَلِيُّ الْبِكْرِ جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْوَلِيُّ -: فَوَجَدْنَا الْأَوْلِيَاءَ قِسْمَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبِ الْبِكْرِ، وَسَيِّدِ الْأَمَةِ، فَكَانَ حَظُّ هَذَيْنِ فِي كَوْنِ عُقْدَةِ

مسألة نكاح الشغار

النِّكَاحِ بِأَيْدِيهِمَا كَحَظِّ الزَّوْجِ فِي كَوْنِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ بِيَدِهِ سَوَاءً سَوَاءً، وَقَدْ يَسْقُطُ حُكْمُ الْأَبِ فِي الْبِكْرِ بِأَنْ يَكُونَ كَافِرًا - وَهِيَ مُؤْمِنَةٌ أَوْ هُوَ مُؤْمِنٌ وَهِيَ كَافِرَةٌ - أَوْ بِأَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا - وَيَسْقُطُ أَيْضًا حُكْمُ السَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ، لَكِنْ إنْ أَبَوْا أُخْرِجَ الْأَمْرُ عَنْ أَيْدِيهِمْ وَعَقَدَ السُّلْطَانُ نِكَاحَهَا، فَهَؤُلَاءِ حَظُّ الزَّوْجِ فِي كَوْنِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ بِيَدِهِ أَكْمَلُ مِنْ حَظِّ الْأَوْلِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ. فَوَجَدْنَا أَمَدَ الْأَوْلِيَاءِ مُضْطَرِبًا كَمَا تَرَى، ثُمَّ إنَّمَا هُوَ الْعَقْدُ فَقَطْ، ثُمَّ لَا شَيْءَ بِأَيْدِيهِمْ جُمْلَةً مِنْ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، بَلْ هِيَ إلَى الزَّوْجِ إنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَلَّهَا بِالطَّلَاقِ. وَوَجَدْنَا أَمَرَ الزَّوْجِ ثَابِتًا فِي أَنَّ عُقْدَةَ كُلِّ نِكَاحٍ بِيَدِهِ، وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِإِرَادَتِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا تَحِلُّ إلَّا بِإِرَادَتِهِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِإِطْلَاقِ هَذِهِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَكَانَ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ مَالِ وَلِيِّهِ كَسْبًا عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَحُكْمًا فِي مَالِ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ - فَصَحَّ أَنَّهُ الزَّوْجُ الَّذِي يَفْعَلُ فِي مَالِ نَفْسِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ عَفْوٍ أَوْ يَقْضِي بِحَقِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نِكَاحُ الشِّغَارِ] 1856 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الشِّغَارِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذَا وَلِيَّةَ هَذَا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ أَيْضًا، سَوَاءٌ ذَكَرَا فِي كُلِّ ذَلِكَ صَدَاقًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَاقًا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ يُفْسَخُ أَبَدًا، وَلَا نَفَقَةَ فِيهِ؛ وَلَا مِيرَاثَ، وَلَا صَدَاقَ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا عِدَّةَ. فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَامِلًا، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ لَهُ لَاحِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ عَالِمَةً بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -:

فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ وَيُفْسَخُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أُزَوِّجُك ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُفْسَخُ، هَذَا إنْ دَخَلَ بِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْسَخُ هَذَا النِّكَاحُ إذَا لَمْ يُسَمَّ فِي ذَلِكَ مَهْرٌ، فَإِنْ سَمَّيَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا، أَوْ لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ثَبَتَ النِّكَاحَانِ مَعًا، وَبَطَلَ الْمَهْرُ الَّذِي سَمَّيَا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ، أَوْ وَطِئَهَا، أَوْ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَقَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: هُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ذَكَرَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا، أَوْ لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا صَدَاقًا أَصْلًا، أَوْ اشْتِرَاطًا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا صَدَاقَ فِي ذَلِكَ، قَالُوا: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي هَذَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّهُمَا إنْ سَمَّيَا صَدَاقًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا إلَّا الْمُسَمَّى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي قُلْنَا بِهِ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَوَجَدْنَا فِي ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي» وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ، فَكَانَ هَذَا تَحْرِيمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ سِوَاهُ. فَنَظَرْنَا فِي أَقْوَالِ مَنْ خَالَفَ -:

فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَوْلٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَبْيِينُنَا لِفَسَادِهِ وَتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ جُمْلَةً. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا فَسَدَ هَذَا النِّكَاحُ لِفَسَادِ صَدَاقِهِ فَقَطْ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا -: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّدَاقُ الْفَاسِدُ يَفْسَخُ، فَكَانَ نِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى، فَهُمَا مَفْسُوخَانِ - قَالَ: فَإِنْ سَمَّيَا لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا صَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ، وَصَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى لِصِحَّةِ صَدَاقِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا قَوْلًا فَاسِدًا، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي سُمِّيَ فِيهِ الصَّدَاقُ صَحِيحًا فَهُوَ صَدَاقٌ صَحِيحٌ، فَلَا مَعْنَى لِفَسْخِهِ وَإِصْلَاحِهِ بِصَدَاقٍ آخَرَ إذًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: بَلْ هُوَ فَاسِدٌ؟ قُلْنَا: فَقُلْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يُجِيزُ كُلَّ ذَلِكَ وَيُصْلِحُ الصَّدَاقَ، وَإِلَّا فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَةِ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَارًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَدَعْوَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الشِّغَارِ لِفَسَادِ الصَّدَاقِ فِي كِلَيْهِمَا دَعْوَى كَاذِبَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَقْوِيلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ - وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» . وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَآخَرَ مَعَهُ - هُوَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ - عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُبَدِّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أُخْتَهُ بِأُخْتِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.

قُلْنَا: أَمَّا هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَهُمَا خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، كَاَلَّذِي قَدَّمْنَا وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِمَا صَدَاقٌ أَوْ لِإِحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ يُبْطِلُ ذَلِكَ الصَّدَاقَ جُمْلَةً بِكُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ هَذَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مَا فِيهِمَا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ - وَهُوَ الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ - وَهُوَ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إنَّمَا فِيهِمَا تَحْرِيمُ الشِّغَارِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الصَّدَاقُ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشِّغَارِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الصَّدَاقُ - لَا بِتَحْرِيمٍ وَلَا بِإِجَازَةٍ - وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ ادَّعَى الْكَذِبَ وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ الشِّغَارِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الصَّدَاقُ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: فَوَجَدْنَا خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ قَدْ وَرَدَا بِعُمُومِ الشِّغَارِ، وَبَيَانِ أَنَّهُ الزَّوَاجُ بِالزَّوَاجِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِمَا ذِكْرُ صَدَاقٍ وَلَا السُّكُوتُ عَنْهُ، فَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدًا عَلَى خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَخَبَرُ أَنَسٍ زِيَادَةُ عُمُومٍ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَوَجَدْنَا الشِّغَارَ - ذُكِرَ فِيهِ صَدَاقٌ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ - قَدْ اشْتَرَطَا فِيهِ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ قَالَ: «إنَّ الْعَبَّاسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْكَحَ ابْنَتَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ

ابْنَتَهُ: وَكَانَا جَعَلَا صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا مُعَاوِيَةُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ يَفْسَخُ هَذَا النِّكَاحَ - وَإِنْ ذَكَرَا فِيهِ الصَّدَاقَ - وَيَقُولُ: إنَّهُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَشْنِيعِ الْحَنَفِيِّينَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ الَّذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَدَعْوَاهُمْ ذَلِكَ فِي نَزْحِ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا فَنَزَحَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتُوا هَاهُنَا إلَى مَا عَظَّمُوهُ وَحَرَّمُوهُ هُنَالِكَ. وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَشَاهَدَ هَذَا الْحُكْمَ بِالْمَدِينَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي أُمَيَّةَ يَأْتِي بِهِ الْبَرِيدُ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ، هَذَا مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِهَا وَالصَّحَابَةُ يَوْمَئِذٍ بِالشَّامِ وَالْمَدِينَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ الَّذِينَ كَانُوا أَحْيَاءً أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِلَا شَكٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ رَجُلَيْنِ أَنْكَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُخْتَهُ بِأَنْ يُجَهِّزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِهَازٍ يَسِيرٍ لَوْ شَاءَ أَخَذَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، نُهِيَ عَنْ الشِّغَارِ: فَقُلْت لَهُ: إنَّهُ قَدْ أَصْدَقَهَا كِلَاهُمَا؟ قَالَ: لَا، قَدْ أَرْخَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ؟ فَقُلْت لِعَطَاءٍ: يُنْكِحُ هَذَا ابْنَتَهُ بِكَذَا وَهَذَا ابْنَتَهُ بِكَذَا بِصَدَاقٍ كِلَاهُمَا يُسَمِّي صَدَاقَهُ، وَكِلَاهُمَا أَرْخَصَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ؟ قَالَ: إذَا سَمَّيَا صَدَاقًا فَلَا بَأْسَ، فَإِنْ قَالَ: جَهِّزْ وَأُجَهِّزُ؟ فَلَا ذَلِكَ الشِّغَارُ، قُلْت: فَإِنْ فَرَضَ هَذَا وَفَرَضَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَفَرَّقَ عَطَاءٌ بَيْنَ النِّكَاحَيْنِ يُعْقَدُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ - ذَكَرَا صَدَاقًا أَوْ

مسألة نكاح على شرط

لَمْ يَذْكُرَا - فَأَبْطَلَهُ، وَبَيْنَ النِّكَاحَيْنِ لَا يَعْقِدُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَأَجَازَهُ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلَافًا لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ خَطَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَزَوَّجَهُ، ثُمَّ خَطَبَ الْآخَرُ إلَيْهِ فَزَوَّجَهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُزَوِّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ - فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ الْبَاطِلُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِأَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يُعْقَدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ مَفْسُوخٍ بَاطِلٌ أَبَدًا، لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى أَنْ لَا صِحَّةَ لِذَلِكَ الْعَقْدِ إلَّا بِذَلِكَ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ الْمَهْرُ بَاطِلٌ، فَاَلَّذِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِصِحَّةِ بَاطِلٍ بَاطِلٌ، بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ نِكَاحٌ عَلَى شَرْطٍ] 1857 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَصِحُّ نِكَاحٌ عَلَى شَرْطٍ أَصْلًا، حَاشَا الصَّدَاقَ الْمَوْصُوفَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْمَدْفُوعَ، أَوْ الْمُعَيَّنَ، وَعَلَى أَنْ لَا يَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا: إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَأَمَّا بِشَرْطِ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لَا يُرَحِّلَهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ عَقْدٌ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلٌ، سَوَاءٌ عَقَدَهَا بِعِتْقٍ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِأَنْ أَمَرَهَا بِيَدِهَا، أَوْ أَنَّهَا بِالْخِيَارِ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا، أَوْ عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ فَاسِدٌ - وَقَدْ أَجَازَ بَعْضَ ذَلِكَ قَوْمٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ الْأَشْعَثَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ، فَجَعَلَ لَهَا عُمَرُ صَدَاقَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى حُكْمِهِ: إنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الزَّوْجُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: إنْ اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، قَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَحْتَكِمَ هِيَ بِجَمِيعِ مَا فِي الْعَالَمِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَكِمَ هُوَ بِلَا شَيْءٍ، فَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالنِّكَاحُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ. فَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَا ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَوْلُ مَالِكٍ يُفْسَخُ النِّكَاحُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا: خَطَأٌ، لِأَنَّهُ فَسْخُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» فَمَنْ اشْتَرَطَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ، وَإِنْ عُقِدَ عَلَيْهِ نِكَاحٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ لَهَا أَنْ لَا يُرَحِّلَهَا فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ رَجُلٌ أَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: هَلَكَتْ الرِّجَالُ إذْ لَا تَشَاءُ امْرَأَةٌ تُطَلِّقُ زَوْجَهَا إلَّا طَلَّقَتْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ عِنْدَ مَقَاطِعِ حُقُوقِهِمْ. وَبِهِ إلَى سَعِيدٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - نَا عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ:

أَنَّ مُعَاوِيَةَ أُتِيَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَشَارَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ؟ فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا - وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ - وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَ آخَرُونَ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا، فَوَضَعَ عُمَرُ عَنْهُ الشَّرْطَ وَقَالَ: الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا؟ فَقَالَ: شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ نا مُغِيرَةُ، وَيُونُسُ، قَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، قَالَا جَمِيعًا: يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِطَلَاقٍ أَوْ بِعَتَاقٍ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَوْ بِتَخْيِيرِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ خِلَافٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِإِلْزَامِ هَذِهِ الشُّرُوطِ -: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ زُغْبَةُ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا، وَلَا مُسْلِمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ: فِي أَنَّهُ إنْ شَرَطَ لَهَا أَنْ تَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَ

الْخِنْزِيرِ، أَوْ أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ، أَوْ أَنْ تَدَعَ صَوْمَ رَمَضَانَ، أَوْ أَنْ يُغَنِّيَ لَهَا، أَوْ أَنْ يَزْفِنَ لَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ. فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ قَطُّ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَرْطًا فِيهِ تَحْرِيمُ حَلَالٍ، أَوْ تَحْلِيلُ حَرَامٍ، أَوْ إسْقَاطُ فَرْضٍ، أَوْ إيجَابُ غَيْرِ فَرْضٍ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ خِلَافٌ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَوَامِرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَاشْتِرَاطُ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ، أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى، أَوْ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْهَا أَوْ أَنْ لَا يُرَحِّلَهَا عَنْ دَارِهَا - كُلُّ ذَلِكَ تَحْرِيمُ حَلَالٍ، وَهُوَ وَتَحْلِيلُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ سَوَاءٌ، فِي أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ خِلَافٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَرَادَ شَرْطَ الصَّدَاقِ الْجَائِزِ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ الْفَرْجَ لَا مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا تَعْلِيقُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِطَلَاقٍ، أَوْ بِعَتَاقٍ، أَوْ تَخْيِيرِهَا، أَوْ تَمْلِيكِهَا أَمْرَهَا فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» . فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ حَالِفًا، وَلَا هِيَ يَمِينًا، وَهُوَ بَاطِلٌ لَيْسَ فِيهِ إلَّا اسْتِغْفَارُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْبَةُ فَقَطْ، وَلِمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ أَنَّ تَخْيِيرَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، أَوْ تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا أَمْرَهَا: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَمَلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ خِيَارٌ فِي فِرَاقِ زَوْجِهَا أَوْ الْبَقَاءِ مَعَهُ إلَّا حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعْتَقَةِ، وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ أَمْرَ نَفْسِهَا أَبَدًا - فَسَقَطَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ وَصَيْفًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، أَوْ خَادِمًا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، أَوْ بَيْتًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ وَلَا مَحْدُودٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ النِّكَاحَ إنْ عَقَدَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يَعْرِفُ مَا هُوَ، فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ مَعْرُوفٍ، بَلْ عَلَى مَالِهَا أَنْ تَقُولَ: قِيمَةُ كُلِّ ذَلِكَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَيَقُولَ هُوَ: بَلْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ تَعَاقَدَا ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ،

مسألة نكاح المتعة

فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَالصَّدَاقُ فَاسِدٌ، وَيَقْضِي لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ -: رُوِّينَا إجَازَةَ ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى وَصَيْفٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَرَبِيٌّ وَهِنْدِيٌّ، وَحَبَشِيٌّ، وَتُجْمَعُ الْقِيَمُ وَيَقْضِي لَهَا بِمِثْلِهَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا فِي الْوَصِيفِ الْأَبْيَضِ خَمْسُونَ مِثْقَالًا، فَإِنْ أَعْطَاهَا وَصَيْفًا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِتَمَامِ خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ، وَيَقْضِي لَهَا فِي الْبَيْتِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِي الْخَادِمِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَجَبٌ يُغْنِي إيرَادُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّحَكُّمِ الْبَارِدِ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَمْ هَذَا الْوَسَطُ؟ وَمِنْ الْوُصَفَاءِ مَا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُسَاوِي عِشْرِينَ دِينَارًا، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الْآرَاءِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ] 1858 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ، وَكَانَ حَلَالًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسْخًا بَاتًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْلِيلِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَلَمَةُ، وَمَعْبَدٌ ابْنَا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ مُدَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ إلَى قُرْبِ آخَرِ خِلَافَةِ عُمَرَ. وَاخْتُلِفَ فِي إبَاحَتِهَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ فِيهَا تَوَقُّفٌ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَهَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا عَدْلَانِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللَّهُ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِ " الْإِيصَالُ " وَصَحَّ تَحْرِيمُهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا: عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِتَحْرِيمِهَا وَفَسْخِ عَقْدِهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.

مسألة حكم نكاح الأم والجدة

وَقَالَ زُفَرُ: يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ الشِّغَارِ، وَالْمَوْهُوبَةِ، فَأَبَاحُوهَا، وَهِيَ فِي التَّحْرِيمِ أَبْيَنُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ. وَنَقْتَصِرُ مِنْ الْحُجَّةِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى خَبَرِ ثَابِتٍ - وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: «مَنْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ فَلْيُعْطِهَا مَا سَمَّى لَهَا، وَلَا يَسْتَرْجِعْ مِمَّا أَعْطَاهَا شَيْئًا، وَيُفَارِقْهَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا حَرَّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ أَمِنَّا نَسْخَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ إلَّا عَلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَمَنْ أَبْطَلَ هَذَا الشَّرْطَ وَأَجَازَ الْعَقْدَ، فَإِنَّهُ أَلْزَمَهُمَا عَقْدًا لَمْ يَتَعَاقَدَاهُ قَطُّ، وَلَا الْتَزَمَاهُ قَطُّ، لِأَنَّ كُلَّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ يَدْرِي بِلَا شَكٍّ أَنَّ الْعَقْدَ الْمَعْقُودَ إلَى أَجَلٍ هُوَ غَيْرُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ. فَمِنْ الْبَاطِلِ إبْطَالُ عَقْدٍ تَعَاقَدَاهُ وَإِلْزَامُهُمَا عَقْدًا لَمْ يَتَعَاقَدَاهُ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، لَا أَحَدَ دُونَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ نِكَاحِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ] 1859 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأُمِّ، وَلَا الْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَإِنْ بَعُدَتَا. وَلَا الْبِنْتِ، وَلَا بِنْتٍ مِنْ قِبَلِ الْبِنْتِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَتَا. وَلَا نِكَاحُ الْأُخْتِ كَيْفَ كَانَتْ، وَلَا نِكَاحُ بِنْتِ أَخٍ، أَوْ بِنْتِ أُخْتٍ، وَإِنْ سَفُلَتَا. وَلَا نِكَاحُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَإِنْ بَعُدَتَا. وَلَا نِكَاحُ أُمِّ الزَّوْجِ، وَلَا جَدَّتِهَا، وَإِنْ بَعُدَتْ. وَلَا أُمِّ الْأَمَةِ الَّتِي حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا نِكَاحُ جَدَّتِهَا وَإِنْ بَعُدَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23]

مسألة كل ما حرم من الأنساب حرم من الرضاع

إلَى قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] . قَالَ عَلِيٌّ: وَالْجَدَّةُ كَيْفَ كَانَتْ أُمَّ أَبٍ، أَوْ أُمَّ جَدٍّ، أَوْ أُمَّ جَدِّ جَدٍّ، أَوْ أُمَّ أُمِّ جَدٍّ، أَوْ جَدَّةَ أُمٍّ، أَوْ أُمَّ أُمٍّ. كُلُّ هَؤُلَاءِ " أُمٌّ " قَالَ تَعَالَى: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] وَالْأُخْتُ تَكُونُ شَقِيقَةً، وَتَكُونُ لِأَبٍ، وَتَكُونُ لِأُمٍّ. وَبِنْتُ الْبِنْتِ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَبِنْتُ ابْنِ الْبِنْتِ، وَبِنْتُ بِنْتِ الِابْنِ. وَهَكَذَا كَيْفَ كَانَتْ، كُلُّ هَؤُلَاءِ " بِنْتٌ " قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 27] «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَيْضِ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» . وَبِنْتُ بِنْتِ الْأَخِ، وَبِنْتُ ابْنِ الْأَخِ، كُلُّهُنَّ بَنَاتُ أَخٍ. وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ، وَبِنْتُ ابْنِ الْأُخْتِ، كُلُّ هَؤُلَاءِ بِنْتُ أُخْتٍ. وَأُخْتُ الْجَدِّ مِنْ الْأَبِ، وَأُخْتُ جَدِّ الْجَدِّ مِنْ الْأَبِ، كُلُّهُنَّ عَمَّةٌ. وَأُخْتُ الْجَدِّ مِنْ الْأُمِّ، وَأُخْتُ الْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، كُلُّهُنَّ خَالَةٌ. وَالزَّوْجَةُ، وَالْأَمَةُ الَّتِي حَلَّ وَطْؤُهَا لِلرَّجُلِ، كُلُّهُنَّ مِنْ نِسَائِهِ. وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا الْأَمَةَ وَابْنَتَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنَّ قَوْمًا أَحَلُّوهُمَا. [مَسْأَلَةٌ كُلُّ مَا حَرُمَ مِنْ الْأَنْسَابِ حرم مِنْ الرَّضَاع] 1860 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا حَرُمَ مِنْ الْأَنْسَابِ، وَالْحُرُمُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تُرْضِعُ الرَّجُلَ فَهِيَ أُمُّهُ، وَأُمُّهَا جَدَّتُهُ، وَجَدَّاتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا كُلُّهُنَّ أُمٌّ لَهُ. وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهُ فَهُنَّ أَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهُ. وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُمْ فَهُنَّ بَنَاتُ إخْوَتِهِ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ. وَعَمَّاتُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ وَخَالَاتُهَا خَالَاتُهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَعَمَّاتُ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَمَّاتُهُ - وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا حَرَّمَتْهُ الْوِلَادَةُ حَرَّمَهُ الرَّضَاعُ» .

مسألة الجمع في استباحة الوطء بين الأختين

[مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْجَمْعُ فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ وِلَادَةٍ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ كَمَا ذَكَرْنَا لَا بِزَوَاجٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَا إحْدَاهُمَا بِزَوَاجٍ، وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَا بَيْنَ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَلَا بَيْنَ الْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا، كَمَا قُلْنَا فِي الْأُخْتَيْنِ سَوَاءً سَوَاءً. فَمَنْ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ أُخْتَانِ، أَوْ عَمَّةٌ وَبِنْتُ أَخِيهَا، أَوْ خَالَةٌ وَبِنْتُ أُخْتِهَا، فَهُمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ حَرَامٌ، حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ، أَوْ حَتَّى تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِأَيِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ: حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ. فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى مِلْكِهِ الْأُخْرَى رَجَعَتْ حَرَامًا كَمَا كَانَتْ، وَبَقِيَتْ الْأُولَى حَلَالًا كَمَا كَانَتْ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ أَوْ زَوَّجَهَا أَوْ مَاتَتْ: حَلَّتْ لَهُ الَّتِي كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ: حَلَّ لَهُ زَوَاجُ الْأُخْرَى. وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَتَمَّتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى غَفَرَ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَبْقَاهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِالزَّوَاجِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَطَائِفَةٌ أَحَلَّتْهُمَا، وَطَائِفَةٌ تَوَقَّفَتْ فِي ذَلِكَ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: يَطَأُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، فَإِذَا وَطِئَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى. فَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا - يَعْنِي بِمِلْكِ الْيَمِينِ -. وَأَخْبَرَهُ عِكْرِمَةُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: لَا تُحَرِّمُهُنَّ عَلَيْك قَرَابَةٌ بَيْنَهُنَّ، إنَّمَا يُحَرِّمُهُنَّ عَلَيْك الْقَرَابَةُ بَيْنَك وَبَيْنَهُنَّ.

قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ: حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَيَقُولُ: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] هِيَ مُرْسَلَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَحَلَّهُمَا، وَقَوْلُ عَلِيٍّ فِي التَّوَقُّفِ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " سُئِلَ عُمَرُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ أُمٍّ وَابْنَتِهَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أُحِبُّ أَنْ يُجِيزَهُمَا جَمِيعًا ". وَقَالَ ابْنُ عُتْبَةَ: فَوَدِدْتُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ أَشَدَّ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ أَدْرَكَ عُمَرَ - وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّ نِيَارًا الْأَسْلَمِيَّ اسْتَفْتَى عُثْمَانَ فِي امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ أُخْرَى، وَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا التَّوَقُّفَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ " سَأَلْت ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ؟ فَقَالَ: حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَا بِهِ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا؟ قَالَ لَا، حَتَّى يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّهُمْ قَالُوا: إذَا زَوَّجَهَا فَلَا بَأْسَ بِأُخْتِهَا - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ زَوَّجَهَا. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إنَّ ابْنَ عَامِرٍ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يَقْرَبَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا.

وَبِهِ إلَى الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مَمْلُوكَتَانِ أُخْتَانِ فَلَا يَغْشَيَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُخْرِجَ الْأُخْرَى عَنْ مِلْكِهِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: مَنْ عِنْدَهُ أُخْتَانِ مَمْلُوكَتَانِ لَا يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَلَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَمَةٍ لَهُ قَدْ كَبُرَتْ وَكَانَ يَطَؤُهَا وَلَهَا ابْنَةٌ، أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَغْشَاهَا؟ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْهَاك عَنْهَا وَمَنْ أَطَاعَنِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قُلْت لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَك مُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: يَحْرُمُ مِنْ الْإِمَاءِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْحَرَائِرِ إلَّا الْعَدَدَ؟ قَالَ سُفْيَانُ: نَعَمْ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ تَوَقَّفَ فَلَمْ يَلُحْ لَهُ الْبَيَانُ فَحُكْمُهُ التَّوَقُّفُ، وَأَمَّا مَنْ أَحَلَّهُمَا، فَإِنَّهُ غَلَّبَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَخَصَّ مِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ هَذَا النَّهْيِ، وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] . وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ هَذَا -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا النَّصَّيْنِ لَا بُدَّ مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ -: أَمَّا كَمَا قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. وَأَمَّا كَمَا قُلْنَا نَحْنُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَا أُخْتَيْنِ، أَوْ أُمَّ امْرَأَةٍ حَلَّتْ لَكُمْ، أَوْ عَمَّةً وَبِنْتَ أَخِيهَا، أَوْ خَالَةً وَبِنْتَ أُخْتِهَا، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا بِبُرْهَانٍ ضَرُورِيٍّ، وَأَمَّا بِالدَّعْوَى فَلَا، فَطَلَبُنَا، هَلْ لِلْمُغَلِّبِينَ الْمُسْتَثْنِينَ مِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ تَحْرِيمِ: الْأُخْتَيْنِ، وَالْأُمِّ وَابْنَتِهَا، وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَالْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا بُرْهَانٌ؟ فَلَمْ نَجِدْهُ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَنْهَنَا قَطُّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَمُحَالٌ أَنْ يُخَاطِبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُحَالِ، أَوْ أَنْ يَنْهَانَا عَنْ الْمُحَالِ.

فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا نَهَانَا عَنْ مَعْنًى يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِيهِ، وَلَيْسَ إلَّا الزَّوَاجُ لِأَنَّ جَمْعَهُمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ جَائِزٌ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ؟ فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَنْهَانَا عَنْ الْمُحَالِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ، وَأَخْطَأْتُمْ فِي تَخْصِيصِكُمْ بِنَهْيِهِ الزَّوَاجَ فَقَطْ، لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِلَا بُرْهَانٍ، بَلْ نَهَانَا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالزَّوَاجِ، وَبِاسْتِحْلَالِ وَطْءِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَبِالتَّلَذُّذِ مِنْهُمَا مَعًا، فَهَذَا مُمْكِنٌ، فَهَلُمُّوا دَلِيلًا عَلَى تَخْصِيصِكُمْ الزَّوَاجَ دُونَ مَا ذَكَرْنَا؟ فَلَمْ نَجِدْهُ عِنْدَهُمْ أَصْلًا، فَلَزِمْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَائِنَا وَإِلَّا فَهِيَ دَعْوَى وَدَعْوَى -: فَوَجَدْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا - قَطْعًا مُتَيَقَّنًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ. بَلْ كُلُّهُمْ مُجْمِعٌ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْغُلَامَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَهُوَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ. وَأَنَّ الْأُمَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَكِلْتَاهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا، أَوْ الْأَمَةَ يَمْلِكُهَا الرَّجُلُ قَدْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ وَوَطِئَهَا، وَوَلَدَ لَهُ مِنْهَا: حَرَامٌ عَلَى الِابْنِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] . {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] . {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] . لَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ حَاشَا زَوَاجَ الْكِتَابِيَّاتِ فَقَطْ، فَلَا يَحِلُّ تَخْصِيصُ نَصٍّ لَا بُرْهَانَ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِ مَا هَذِهِ صِفَتُهَا، أَوْ تَخْصِيصُ نَصٍّ آخَرَ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، فَتَخْصِيصُ الْمَخْصُوصِ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. وَبِهَذِهِ الْحُجَّةِ احْتَجَّ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَمْ يَزَالُوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

حَتَّى أَغْضَبُوهُ - يَعْنِي فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ حَمْلَك مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَهُ شَاءَ، وَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الَّتِي لَمْ يَطَأْ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا حَرَامٌ جَمِيعًا - فَهَذَا قَوْلُنَا، أَوْ إنَّهُمَا جَمِيعًا حِينَئِذٍ حَلَالٌ، فَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ، أَوْ يَقُولُ: إنَّ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا حَلَالٌ لَهُ وَالْأُخْرَى حَرَامٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] فَمُحَالٌ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا قَدْ فَصَّلَهُ لَنَا - وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ إحْدَاهُمَا حَرَامٌ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - إنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ أَيْضًا بَاطِلٌ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ يُبِيحُونَ لَهُ وَطْءَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْلِيلَهُمَا جَمِيعًا، لَا تَحْرِيمَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ تَخْيِيرُ أَحَدٍ فِي حَرَامٍ وَحَلَالٍ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ بِذَلِكَ، فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ فَلَا. فَصَحَّ قَوْلُنَا يَقِينًا وَبَطَلَ مَا سِوَاهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ «لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ النَّاسِ، إلَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَإِنَّهُ أَبَاحَهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا» .

مسألة تزوج امرأة أخيه التي مات أخوه عنها

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: وَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ الَّتِي مَاتَ أَخُوهُ عَنْهَا] 1862 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْأَخِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ الَّتِي مَاتَ أَخُوهُ عَنْهَا، أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَوْ إثْرَ طَلَاقِ الْأَخِ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا. وَكَذَلِكَ لِلْعَمِّ وَلِلْخَالِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّهُمَا كَانَ: امْرَأَةً مَاتَ عَنْهَا ابْنُ الْأَخِ أَوْ ابْنُ الْأُخْتِ، أَوْ طَلَّقَاهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ، أَوْ إثْرَ طَلَاقٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ وَطْءٌ. وَكَذَلِكَ لِابْنِ الْأَخِ، وَلِابْنِ الْأُخْتِ أَنْ يَتَزَوَّجَا امْرَأَةَ الْعَمِّ، أَوْ الْخَالِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ طَلَاقِهِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَوْ إثْرَ طَلَاقٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ وَطْءٌ. هَذَا لَا نَصَّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلَالٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] بَعْدَ ذِكْرِهِ تَعَالَى مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ زَوَاجُ امْرَأَةِ أَبِيهِ] 1863 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ زَوَاجُ امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَلَا مَنْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَبُوهُ وَحَلَّتْ لَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ التَّلَذُّذُ مِنْهَا بِزَوَاجٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَهُ تَمَلُّكُهَا، إلَّا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ زَوَاجُ امْرَأَةٍ وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ حَلَّ لِوَلَدِهِ وَطْؤُهَا أَوْ التَّلَذُّذُ مِنْهَا بِزَوَاجٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَصْلًا. وَالْجَدُّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا - وَإِنْ عَلَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ - كَالْأَبِ وَلَا فَرْقَ. وَابْنُ الِابْنِ وَابْنُ الِابْنَةِ - وَإِنْ سَفُلَا - كَالِابْنِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَا فَرْقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ عَقَدَ فِيهَا الرَّجُلُ زَوَاجًا فَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهَا فِي الْأَبَدِ عَلَى أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ، وَعَلَى بَنِيهِ وَعَلَى مَنْ تَنَاسَلَ مِنْ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ أَبَدًا. وَأَمَّا مَنْ حَلَّتْ لِلرَّجُلِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ وَلَدَ، وَعَلَى مَنْ وَلَدَهُ - وَفِيمَا لَمْ يَطَأْهَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - مَا تَيَسَّرَ لَنَا ذِكْرُهُ مِنْ ذَلِكَ -:

ذَكَرَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى وَلَدِهِ وَآبَائِهِ بِتَجْرِيدِهِ لَهَا فَقَطْ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: جَرَّدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَارِيَةً فَنَظَرَ إلَيْهَا ثُمَّ نَهَى بَعْضَ وَلَدِهِ أَنْ يَقْرَبَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى جَارِيَةً فَجَرَّدَهَا وَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: أَعْطِنِيهَا، فَقَالَ: إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَك، إنَّمَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْك النَّظَرُ وَالتَّجْرِيدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا فُضَيْلٍ عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إنْ جَرَّدَهَا الْأَبُ حَرَّمَهَا عَلَى الِابْنِ، وَإِنْ جَرَّدَهَا الِابْنُ حَرَّمَهَا عَلَى الْأَبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ - وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُهَا إلَّا اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: إنَّ جَارِيَتِي هَذِهِ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْكُمْ إلَّا اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ قَالَ سَعِيدٌ: وَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ: لَمْ أُصِبْ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهَا عَلَى وَلَدِي اللَّمْسَ وَالنَّظَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يُحَرِّمُ الْوَالِدُ عَلَى وَلَدِهِ، وَالْوَلَدُ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَرْجِهَا، أَوْ فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ يُحَرِّمُ: الْأُمَّ وَالْبِنْتَ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُحَرِّمُهَا عَلَى الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ النَّظَرُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا بَنُوهُ وَقَالَ: لَمْ أُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنِّي نَظَرْتُ مَنْظَرًا أَكْرَهُ أَنْ يَنْظُرُوهُ مِنْهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا وَهْمٌ مِنْ أَبِي شِهَابٍ، إنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ كَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى -: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ - ابْنَيْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - وَكَانَ أَبُوهُمَا بَدْرِيًّا - أَنَّهُ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لَهُ أَنْ يَبِيعُوهَا وَلَا يَقْرَبُوهَا كَأَنَّهُ اطَّلَعَ مِنْهَا مُطَّلَعًا كَرِهَ أَنْ يَطَّلِعُوا مِنْهَا عَلَى مِثْلِ مَا اطَّلَعَ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى أَنَّ اللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ، أَوْ النَّظَرَ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ يُحَرِّمُهَا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " إذَا قَبَّلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَبِيهِ، وَلَا لِابْنِهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ مِنْ شَهْوَةٍ لَمْ تَحِلَّ لِأَبِيهِ، وَلَا لِابْنِهِ - وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا نَظَرَ إلَى شَيْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهَا لِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ فِي الْأَبَدِ عَلَى الْوَلَدِ، كَالسَّاقِ، وَالشَّعْرِ، وَالصَّدْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا حَرُمَتْ عَلَى وَلَدِهِ. وَقَالَ طَائِفَةٌ: مِثْلُ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: أَيُّهُمَا مَلَكَ عُقْدَتَهَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَى الْآخَرِ - يَعْنِي الْأَبَ وَالِابْنَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ قَالَ: إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْمَرْأَةِ حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ مَلَكَ الرَّقَبَةَ فَقَدْ مَلَكَ الْعُقْدَةَ. وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ:

مسألة تزوج امرأة ولها ابنة أو ملكها ولها ابنة

سَمِعْت لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ يَقُولُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً مَلَكَهَا أَبُوهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ فَرْجُهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُهَا عَلَى الْوَلَدِ إلَّا الْوَطْءُ فَقَطْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِمْ إلَّا الْوَطْءُ - يَعْنِيَانِ إمَاءَ الْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ حَرَّمَهَا بِالْمَسِّ لِلشَّهْوَةِ دُونَ مَا دُونَ ذَلِكَ، أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ خَاصَّةً دُونَ مَا دُونَ ذَلِكَ، أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى مَحَاسِنِهَا لِشَهْوَةٍ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ، فَأَقْوَالٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، إنَّمَا هِيَ آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يُؤَيِّدُهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ. وَأَمَّا صِحَّةُ قَوْلِنَا -: فَلِلْخَبَرِ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ، قَالَ: نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَقِيَنِي عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَمَةُ الْحَلَالُ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ لَهُ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا، نَظَرَ إلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهَا، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَالْحَلَائِلُ جَمْعُ حَلِيلَةٍ، وَالْحَلِيلَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ الْحَلَالِ، فَكُلُّ امْرَأَةٍ حَلَّتْ لِرَجُلٍ فَهِيَ حَلِيلَةٌ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ أَوْ مَلَكَهَا وَلَهَا ابْنَةٌ] 1864 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ أَوْ مَلَكَهَا وَلَهَا ابْنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الِابْنَةُ فِي حِجْرِهِ وَدَخَلَ بِالْأُمِّ مَعَ ذَلِكَ وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ، لَكِنْ خَلَا بِهَا بِالتَّلَذُّذِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ ابْنَتُهَا أَبَدًا، فَإِنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ وَلَمْ تَكُنِ الِابْنَةُ فِي حِجْرِهِ، أَوْ كَانَتْ الِابْنَةُ فِي حِجْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ، فَزَوَاجُ الِابْنَةِ لَهُ حَلَالٌ. وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا أُمٌّ أَوْ مَلَكَ أَمَةً تَحِلُّ لَهُ وَلَهَا أُمٌّ فَالْأُمُّ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَبَدَ الْأَبَدِ - وَطِئَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الِابْنَةَ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23]

فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّبِيبَةَ بِنْتَ الزَّوْجَةِ أَوْ الْأَمَةِ إلَّا بِالدُّخُولِ بِهَا، وَأَنْ تَكُونَ هِيَ فِي حِجْرِهِ، فَلَا تَحْرُمُ إلَّا بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] . {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَكَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: سُكْنَاهَا مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَكَوْنُهُ كَافِلًا لَهَا. وَالثَّانِي: نَظَرُهُ إلَى أُمُورِهَا نَحْوَ الْوِلَايَةِ لَا بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَقَعُ بِهِ عَلَيْهَا كَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ. وَأَمَّا أُمُّهَا فَيُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ جُمْلَةً: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَأَجْمَلَهَا عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ -: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْأُمَّ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ بِالِابْنَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: هُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا إنْ طَلَّقَ الِابْنَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ - هُوَ قَاضِي صَنْعَاءَ - قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: الرَّبِيبَةُ، وَالْأُمُّ سَوَاءٌ لَا بَأْسَ بِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُوَيْمِرٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ كِنَانَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَنْكَحَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً بِالطَّائِفِ، قَالَ فَلَمْ أَمَسَّهَا حَتَّى تُوُفِّيَ عَمِّي عَنْ أُمِّهَا - وَأُمُّهَا ذَاتُ مَالٍ كَثِيرٍ - فَقَالَ لِي أَبِي: هَلْ لَك فِي أُمِّهَا؟ قَالَ: فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَخْبَرْته الْخَبَرَ؟ فَقَالَ: انْكِحْ أُمَّهَا - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ.

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْأَجْدَعِ تَزَوَّجَ جَارِيَةً شَابَّةً فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَخَطَبَ أُمَّهَا؟ فَقَالَتْ لَهُ: نَعَمْ، إنْ كُنْتُ أَحِلُّ لَك، فَجَاءَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي شَمْخِ بْنِ فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ فَاسْتَفْتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَأَفْتَاهُ أَنْ يُفَارِقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ عَلَى مَا نُورِدُهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ يَقُولُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ أُمِّ الزَّوْجَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إذَا طَلَّقَ الِابْنَةَ وَلَمْ يُبِحْهُ إنْ مَاتَتْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا؟ قَالَ: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إنْ طَلَّقَ الِابْنَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهَا. وَطَائِفَةٌ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْأُمِّ وَالِابْنَةِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَطَائِفَةٌ تَوَقَّفَتْ فِي كُلِّ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْأَجْدَعِ تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَخَطَبَ أُمَّهَا فَقَالَتْ: نَعَمْ، إنْ كُنْتُ أَحِلُّ لَك؟ فَسَأَلَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَزَمَ فِي الْأُمِّ وَأَرْخَصَ فِي

الرَّبِيبَةِ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ إرْخَاصَ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَنَهْيَ مَنْ نَهَاهُ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: قَدْ جَاءَنِي كِتَابُك وَفَهِمْت الَّذِي فِيهِ، وَإِنِّي لَا أُحِلُّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْك مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك، وَلَعَمْرِي إنَّ النِّسَاءَ كَثِيرٌ - وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَجَاءَ بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ فَقَرَأَهُ الَّذِي سَأَلَهُمْ؟ فَكُلُّهُمْ قَالَ: صَدَقَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا حَرَّمَ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ - وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] نَعْتٌ لِلرَّبَائِبِ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ. وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] مِنْ صِلَةِ الرَّبَائِبِ لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، إذْ لَوْ كَانَ رَاجِعًا إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] لَكَانَ مَوْضِعُهُ أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ - وَهَذَا مُحَالٌ فِي الْكَلَامِ. فَصَحَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي " الرَّبَائِبِ " خَاصَّةً، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى " أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي " الرَّبِيبَةِ " فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا دَخَلَ بِأُمِّهَا فَقَدْ حَرُمَتْ الْبِنْتُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ -: رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا نَكَحَ ابْنَتَهَا إنْ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ فَقَالَ عِمْرَانُ: لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا - دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا - فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ قَالَ: كَانَ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَتُوُفِّيَتْ، فَوَجَدْت عَلَيْهَا، فَلَقِيت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ لِي: مَالَك؟ قُلْت: تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ، قَالَ: أَلَهَا ابْنَةٌ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِك؟ قُلْت: لَا، هِيَ فِي الطَّائِفِ، قَالَ: فَانْكِحْهَا؟ قُلْت: وَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]

قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَوْأَةَ يُقَالُ لَهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدٍ - أَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا - أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْجَدَهُ نَكَحَ امْرَأَةً ذَاتَ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَاصْطَحَبَا مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ نَكَحَ امْرَأَةً شَابَّةً، فَقَالَ لَهُ أَحَدُ بَنِيِّ الْأُولَى: قَدْ نَكَحْت عَلَى أُمِّنَا وَكَبُرَتْ فَاسْتَغْنَيْتُ عَنْهَا بِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ فَطَلِّقْهَا؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ إلَّا أَنْ تُنْكِحَنِي ابْنَتَك؟ قَالَ: فَطَلَّقَهَا وَأَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ، وَلَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ وَلَا أَبُوهَا ابْنَ الْعَجُوزِ الْمُطَلَّقَةِ، قَالَ: فَجِئْت سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْت لَهُ: اسْتَفْتِ لِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: لِتَجِيءَ مَعِي؟ فَأَدْخَلَنِي عَلَى عُمَرَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَاذْهَبْ فَسَلْ فُلَانًا ثُمَّ تَعَالَ فَأَخْبِرْنِي؟ قَالَ: وَلَا أَرَاهُ إلَّا عَلِيًّا - قَالَ: فَسَأَلْته؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ نَصٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: قَوْله تَعَالَى: {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] إنَّمَا عَنَى الْجِمَاعَ - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْقُبْلَةَ لِلْأُمِّ الَّتِي تَتَزَوَّجُ تُحَرِّمُ ابْنَتَهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ - وَصَحَّ عَنْهُ - أَنَّ الدُّخُولَ: هُوَ أَنْ يَكْشِفَ، وَيُفَتِّشَ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا؟ قَالَ: فَلَوْ غَمَزَ وَلَمْ يَكْشِفْ لَمْ تُحَرَّمْ ابْنَتُهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا: أَنَّهُ الدُّخُولُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَشَغَبَ الْمُخَالِفُونَ الَّذِينَ لَا يُرَاعُونَ كَوْنَ الرَّبِيبَةِ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا مَعَ دُخُولٍ بِهَا بِآثَارٍ فَاسِدَةٍ. مِنْهَا: خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلْيَنْكِحْهَا» .

وَهَذَا هَالِكٌ مُنْقَطِعٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَالْمُثَنَّى: ضَعِيفَانِ. وَبِخَبَرٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا " مَنْ كَشَفَ عَنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا فَهُوَ مَلْعُونٌ " وَهَذَا طَرِيفٌ جِدًّا. وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرْت عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَنَيْت بِامْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَأَنْكِحُ ابْنَتَهَا؟ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَا يَصْلُحُ لَك أَنْ تَنْكِحَ امْرَأَةً تَطَّلِعُ مِنْ ابْنَتِهَا عَلَى مَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا» وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَغْمِزُهَا لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا» وَهَذَا أَشَدُّ انْقِطَاعًا. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ «أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي فِي الرَّضَاعَةِ» . قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ كَوْنَهَا فِي حِجْرِهِ؟ فَقُلْنَا: وَلَا ذَكَرَ دُخُولَهُ بِهَا أَيْضًا، إنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ كَوْنُهَا رَبِيبَةً لَهُ فَقَطْ وَبِعَقْدِ النِّكَاحِ تَكُونُ رَبِيبَتَهُ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَكَيْفَ وَهَذَا خَبَرٌ هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَرَوَاهُ مَنْ لَيْسَ دُونَ هِشَامٍ فَزَادَ بَيَانًا -: كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ «أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَخْطُبُ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَأَثْبَتُوا فِيهِ ذِكْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَوْنَهَا فِي حِجْرِهِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا

مسألة الجمع بين امرأة وزوجة أبيها وزوجة ابنها وابنة عمها

شُعَيْبُ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْخَبَرِ، وَفِيهِ «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي» وَلَا شَكَّ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ أَسْقَطَ بَعْضُ الرُّوَاةِ لَفْظَةً أَثْبَتَهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ فِي الْحِفْظِ، فَلَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِالْأَنْقَصِ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْقُرْآنِ. وَمَوَّهُوا بِحَمَاقَاتٍ -: مِثْلُ أَنْ قَالُوا: أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: {فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] عَلَى الْأَغْلَبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِخْبَارٌ عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْبَاطِلِ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ اللَّاتِي لَمْ يُؤْتِهِنَّ أُجُورَهُنَّ؟ . فَقُلْنَا: لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِإِحْلَالِ الْمَوْهُوبَةِ وَاَلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا فَرِيضَةٌ لَمَا حَلَّتْ إلَّا اللَّاتِي يُؤْتِيهِنَّ أُجُورَهُنَّ، وَأَنْتُمْ لَا نَصَّ فِي أَيْدِيكُمْ يُحَرِّمُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ مِنْ الرَّبَائِبِ. وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ: كُلُّ تَحْرِيمٍ لَهُ سَبَبَانِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا انْفَرَدَ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، بَلْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ دُونَ اجْتِمَاعِهِ فِي السَّبَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مَعَهُ. وَادَّعَوْا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عُبَيْدٍ الَّذِي رَوَى عَنْ عَلِيٍّ إبَاحَةَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: بَلْ كَذَبُوا، هُوَ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ، رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ. فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا وَزَوْجَةِ ابْنِهَا وَابْنَةِ عَمِّهَا] 1865 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا، وَزَوْجَةِ ابْنِهَا وَابْنَةِ عَمِّهَا لَحًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَكَذَلِكَ تَحِلُّ لَهُ امْرَأَةُ زَوْجِ أُمِّهِ، وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ الْآنَ.

مسألة لا يحرم وطء حرام نكاحا حلالا إلا في موضع واحد

وَكَذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُ: الْخَصِيِّ، وَالْعَقِيمِ، وَالْعَاقِرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِنَهْيٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُحَرَّمُ وَطْءُ حَرَامٍ نِكَاحًا حَلَالًا إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ] 1866 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُحَرَّمُ وَطْءُ حَرَامٍ نِكَاحًا حَلَالًا إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: وَهُوَ أَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ، فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِأَحَدٍ مِمَّنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ أَبَدًا. وَأَمَّا لَوْ زَنَى الِابْنُ بِهَا ثُمَّ تَابَتْ لَمْ يَحْرُمْ بِذَلِكَ نِكَاحُهَا عَلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ. وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ إذَا تَابَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، أَوْ ابْنَتَهَا - وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَالزِّنَا فِي هَذَا كُلِّهِ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ يَقَعُ عَلَى شَيْئَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - الْوَطْءُ، كَيْفَ كَانَ بِحَرَامٍ أَوْ بِحَلَالٍ. وَالْآخَرُ - الْعَقْدُ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْآيَةِ بِدَعْوَى بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَيُّ نِكَاحٍ نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ - حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ - فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى وَلَدِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 27] . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ نِكَاحٍ حَلَالٍ مِنْ أَجْلِ وَطْءٍ حَرَامٍ، فَالْقَوْلُ بِهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّ وَطْءَ الْحَرَامِ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ -: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ لَهُ سَبْعَةَ رِجَالٍ كُلُّهُمْ صَارَ رَجُلًا يَحْمِلُ السِّلَاحَ، لِأَنَّهُ كَانَ أَصَابَ مِنْ أُمِّهَا مَا لَا يَحِلُّ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: لَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إذَا كَانَ الْحَلَالُ يُحَرِّمُ الْحَرَامَ فَالْحَرَامُ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. وَعَنْ

ابْنُ مَعْقِلٍ: هِيَ لَا تَحِلُّ فِي الْحَلَالِ فَكَيْفَ تَحِلُّ لَهُ فِي الْحَرَامِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيع عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا قَبَّلَهَا أَوْ لَامَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا مِنْ شَهْوَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسِيحٍ قَالَ: سَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أُمَّهَا أَوْ يَتَزَوَّجَهَا؟ فَكَرِهَ ذَلِكَ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ جَارِيَةً أَرْضَعَتْهَا هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مَا كَانَ فِي الْحَلَالِ حَرَامًا فَهُوَ فِي الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِيمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا أَبَدًا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؟ نَعَمْ، وَلَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: يُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَا جَمِيعًا: مَنْ أَوْلَجَ فِي صَبِيٍّ فَلَا يَتَزَوَّجُ أُمَّهُ - وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ حَتَّى أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَاطَ بِغُلَامٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْفَاعِلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ الْمَفْعُولِ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، إذَا لَمَسَ لِشَهْوَةٍ حَرَامًا، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا وَلَا ابْنَتِهَا، وَحُرِّمَ نِكَاحُهَا عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ أَبَدًا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ فِيهِ إلَّا بِالْوَطْءِ فَقَطْ. وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ: فَلَمْ يُحَرِّمُوا بِوَطْءٍ حَرَامٍ نِكَاحًا حَلَالًا - رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ قَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْقَطَّانُ - نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا جَمِيعًا: الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ؟ فَقَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ - وَهُوَ

أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَان، وَأَصْحَابِهِمَا، وَأَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] . وَبِمُرْسَلَيْنِ -: فِي أَحَدِهِمَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرْت عَنْ ابْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ امْرَأَةٍ كَانَ زَنَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيَنْكِحُ الْآنَ ابْنَتَهَا؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا أَرَى ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ لَكَ أَنْ تَنْكِحَ امْرَأَةً تَطَّلِعُ مِنْ ابْنَتِهَا عَلَى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا» . وَالْآخَرُ - فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي هَانِئٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْآيَةِ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الْخَبَرَانِ - فَمُرْسَلَانِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، لَا سِيَّمَا وَفِي أَحَدِهِمَا: انْقِطَاعٌ آخَرُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ مَجْهُولٌ - وَفِي الْآخَرِ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ أَبِي هَانِئٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقَدْ عَارَضَهُمَا خَبَرٌ آخَرُ - لَا نُورِدُهُ احْتِجَاجًا بِهِ، لَكِنْ مُعَارَضَةً لِلْفَاسِدِ بِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْسَنَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّنْ اتَّبَعَ امْرَأَةً حَرَامًا أَيَنْكِحُ ابْنَتَهَا أَوْ أُمَّهَا؟ فَقَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ، وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ نِكَاحًا حَلَالًا» . وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، أَوْ امْرَأَتَهُ حَائِضًا، أَوْ إحْدَاهُمَا: مُحْرِمٌ، أَوْ مُعْتَكِفٌ، أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ أَمَتَهُ الْوَثَنِيَّةَ، أَوْ ذِمِّيَّةً، عَمْدًا، ذَاكِرًا، فَإِنَّهُ وَطِئَ حَرَامًا - وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرِّمٌ لِأُمِّهَا وَابْنَتِهَا، وَمُحَرِّمٌ لَهَا عَلَى آبَائِهِ، وَبَنِيهِ، فَكَذَلِكَ كُلُّ وَطْءٍ حَرَامٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ وَطِئَ فِرَاشًا حَلَالًا، وَإِنَّمَا حُرِّمَ لِعِلَّةٍ لَوْ

ارْتَفَعَتْ حَلَّ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حِلَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْ إلَّا زَوْجَتَهُ، أَوْ مِلْكَ يَمِينٍ صَحِيحٍ، فَلَاحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: مَنْ وَطِئَ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ - بِجَهْلٍ أَوْ بِغَيْرِهِ - فَهُوَ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ يُحَرِّمُ أُمَّهَا وَابْنَتَهَا، وَيُحَرِّمُهَا عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا حُجَّةَ فِي سِوَاهُمَا - وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا حَلَالٌ لِوَلَدِهِ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَحَلَالٌ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا وَابْنَتِهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا، وَلَا ابْنَتُهَا، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَى وَالِدِهِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حَلَائِلِ ابْنِهِ، وَلَا مِنْ نِسَائِهِ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمَا حَلَّ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ مِنْهَا، وَلَتَوَارَثَا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ صَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَإِنَّمَا تُحَرَّمُ عَلَى الِابْنِ فَقَطْ، لِأَنَّهَا مِمَّا نَكَحَ أَبُوهُ إنْ كَانَ وَطِئَهَا، وَإِلَّا فَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: مَنْ وَطِئَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَهُوَ وَطْءٌ حَرَامٌ، وَهِيَ تُحَرَّمُ بِذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ زِنًى مَحْضٌ وَمَا وَجَدْنَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى: امْرَأَةً تَحِلُّ أَنْ يَتَدَاوَلَهَا رَجُلَانِ، هَذِهِ أَخْلَاقُ الْكِلَابِ، وَمِلَّةُ الشَّيْطَانِ، لَا أَخْلَاقُ النَّاسِ، وَلَا دِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أُمُّهَا، وَلَا ابْنَتُهَا، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَى ابْنِهِ إنَّمَا تُحَرَّمُ عَلَى الْأَبِ فَقَطْ، لِمَا قَدَّمْنَا -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَوَّهُوا بِأَنْ قَالُوا: إذَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ غُلِبَ الْحَرَامُ، فَقَوْلٌ لَا يَصِحُّ، وَلَا جَاءَ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ قَطُّ - وَيَلْزَمُ مَنْ صَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا أَبَدًا، لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا حَرَامٌ وَحَلَالٌ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ، وَأَمَرَ سَوْدَةَ بِأَنْ تَحْتَجِبَ عَنْهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ رُمْنَا أَنْ نَفْهَمَ وَجْهَ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فَمَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَهِيَ شَغِيبَةٌ بَارِدَةٌ مُمَوِّهَةٌ - وَالْخَبَرُ صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْوَجْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ بِظَاهِرِ وِلَادَتِهِ عَلَى فِرَاشِ زَمْعَةَ، وَأَفْتَى أُخْتَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِأَنْ لَا يَرَاهَا، خَوْفَ أَنْ

مسألة لا يحرم على ابن من زنجية لغية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي

يَكُونَ مِنْ غَيْرِ نُطْفَةِ أَبِيهَا، وَاحْتِجَابُ الْمَرْأَةِ عَنْ أَخِيهَا شَقِيقِهَا مُبَاحٌ إذَا لَمْ تَقْطَعْ رَحِمَهُ وَلَا مَنَعَتْهُ رِفْدَهَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - فَلْنَأْتِ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَصَّلَ لَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ الْمَنَاكِحِ إلَى أَنْ أَتَمَّ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَحَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَشَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُحَرَّمُ عَلَى ابْنٍ مِنْ زِنْجِيَّةٍ لِغِيَّةٍ نِكَاحُ ابْنَةِ الْخَلِيفَةِ الْهَاشِمِيِّ] 1867 - (1875 فِي النُّسَخِ الْأُخْرَى) - مَسْأَلَةٌ: وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ كُلُّهُمْ إخْوَةٌ لَا يُحَرَّمُ عَلَى ابْنٍ مِنْ زِنْجِيَّةٍ لِغِيَّةٍ نِكَاحُ ابْنَةِ الْخَلِيفَةِ الْهَاشِمِيِّ. وَالْفَاسِقُ - الَّذِي بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ الْفِسْقِ - الْمُسْلِمُ - مَا لَمْ يَكُنْ زَانِيًا - كُفُؤٌ لِلْمُسْلِمَةِ الْفَاضِلَةِ. وَكَذَلِكَ الْفَاضِلُ الْمُسْلِمُ كُفُؤٌ لِلْمُسْلِمَةِ الْفَاسِقَةِ مَا لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً؟ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ فَنِكَاحُ الْأَقَارِبِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ - صَاحِبُ مَالِكٍ - وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَوْلَى لِلْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ رَضِيَتْ الْقُرَشِيَّةُ بِالْمَوْلَى وَوَفَّاهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا أَمَرَ الْوَلِيُّ أَنْ يَنْكِحَهَا فَإِنْ أَبَى أَنْكَحَهَا الْقَاضِي. وَقَالَ مَالِكٌ: وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا.

مسألة تزويج المريض الموقن بالموت أو غير الموقن

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِآثَارٍ سَاقِطَةٍ، وَالْحُجَّةُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] . وقَوْله تَعَالَى مُخَاطِبًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] . وَذَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] . وَقَدْ أَنْكَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْدًا مَوْلَاهُ. وَأَنْكَحَ الْمِقْدَادَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا نِكَاحَ الْأَقَارِبِ، لِأَنَّهُ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِحْ بَنَاتَهِ إلَّا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْفَاسِقِ، وَالْفَاسِقَةِ، فَيَلْزَمُ مَنْ خَالَفَنَا أَنْ لَا يُجِيزَ لِلْفَاسِقِ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا فَاسِقَةً، وَأَنْ لَا يُجِيزَ لِلْفَاسِقَةِ أَنْ يَنْكِحَهَا إلَّا فَاسِقٌ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ تَزْوِيجُ الْمَرِيضِ الْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ أَوْ غَيْرِ الْمُوقِنِ] 1868 - مَسْأَلَةٌ: وَتَزْوِيجُ الْمَرِيضِ الْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ، أَوْ غَيْرِ الْمُوقِنِ: مَرِيضَةً كَذَلِكَ أَوْ صَحِيحَةً جَائِزٌ، وَيَرِثُهَا وَتَرِثُهُ: مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ. وَكَذَلِكَ لِلْمَرِيضَةِ الْمُوقِنَةِ وَغَيْرِ الْمُوقِنَةِ: أَنْ تَتَزَوَّجَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا، وَلَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى كَالصَّحِيحَيْنِ وَلَا فَرْقَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فِي ثُلُثِ مَالِهِ، بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ أَلْبَتَّةَ. قَالَ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا

قَالَ: فَإِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ - وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا - فَأَرَى أَنْ يُفَارِقَهَا وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: إنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ النِّكَاحُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا يَرِثَهَا الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا - دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ - وَلَهَا الصَّدَاقُ عَلَيْهِ إنْ دَخَلَ بِهَا. قَالَ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ حَامِلٌ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إذَا أَتَمَّتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ -: عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ ذَلِكَ النِّكَاحُ. وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: صَدَاقُ الَّتِي تَتَزَوَّجُ الْمَرِيضَ فِي ثُلُثِهِ. وَاخْتَلَفَ عَنْ رَبِيعَةَ -: فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ سَمْعَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - أَنَّ صَدَاقَهَا فِي ثُلُثِهِ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا - قَالَ ابْنُ سَمْعَانَ: وَقَضَى بِهَذَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ فِي نِكَاحِ بِنْتِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ عِيَاضٍ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ مَعْمَرٍ - وَهُوَ ثِقَةٌ - أَنَّ صَدَاقَهَا وَمِيرَاثَهَا فِي ثُلُثِهِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَرَاعَى آخَرُونَ الْمُضَارَّةَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ تَزْوِيجِ الْمَرِيضِ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: إنْ لَمْ يَكُنْ مُضَارًّا جَازَ تَزْوِيجُهُ - وَإِنْ كَانَ مُضَارًّا لَمْ يَجُزْ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، قَالَا: فَإِنْ خَلَا بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ مِنْ الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيُّ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ الْإِضْرَارُ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَلَا نَرَى أَنْ تَرِثَهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضِرَارًا. قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: إنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا مِنْ حَاجَةٍ إلَيْهَا فِي خِدْمَتِهِ، أَوْ فِي قِيَامٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ

الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشْرَةُ أَيَّامٍ أَنْ أَمُوتَ فِي آخِرِهَا يَوْمًا لِي فِيهِنَّ طَوْلٌ لِلنِّكَاحِ لَتَزَوَّجْت مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زَوِّجُونِي، إنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَزَبًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَا جَمِيعًا: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ الضَّرِيرُ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ الزُّبَيْرِ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ يَعُودُهُ فَبَشَّرَ الزُّبَيْرُ بِجَارِيَةٍ وَهُوَ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ لَهُ قُدَامَةُ: زَوِّجْنِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: وَمَا تَصْنَعُ بِجَارِيَةٍ صَغِيرَةٍ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ لَهُ قُدَامَةُ: إنْ أَنَا عِشْت فَابْنَةُ الزُّبَيْرِ، وَإِنْ مِتُّ فَأَحَقُّ مَنْ وَرِثَتْنِي، قَالَ عُرْوَةُ: فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِنْتَ عَمٍّ لَهُ فِي مَرَضِهِ لِتَرِثَهُ، فَمَاتَ فَوَرِثَتْهُ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنِيّ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ بِنْتَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَمِّهِ - وَهُوَ مَرِيضٌ - لِتُشْرِكَ نِسَاءَهُ فِي الْمِيرَاثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللَّهِ لَهُ صُحْبَةٌ صَحِيحَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَا جَمِيعًا: نا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ سَعِيدٌ فِي رِوَايَتِهِ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: تَزْوِيجُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ، وَشِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: نِكَاحُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: نِكَاحُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا وَكُلُّهُمْ يَرَى الصَّدَاقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَرَأَى الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: أَنَّ لَهَا الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى لَهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَتَزَوَّجَ شَيْخُنَا أَبُو الْخِيَارِ مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعِ لَيَالٍ، وَهُوَ مَرِيضٌ يَائِسٌ مِنْ الْحَيَاةِ وَدَخَلَ بِهَا إحْيَاءً لِلسُّنَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: مُخَالِفٌ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَالزُّبَيْرَ، وَقُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الْأَحْيَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَفِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّكَاحَ، وَلَمْ يَخُصَّ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ: صَحِيحًا وَصَحِيحَةً مِنْ مَرِيضٍ وَمَرِيضَةٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ يُعْقَلُ، غَيْرُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَنْ يُشْرِكُهُمْ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ: إنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - وَهُوَ مُوقِنٌ بِالْمَوْتِ - بِابْنِ أَمَةٍ لَهُ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ: إنَّهُ عَبْدُهُ - فَأَقَرَّ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ نَافِذٌ، وَيَرِثُ مَالَهُ - فَأَجَازُوا أَنْ يُدْخِلَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَنْ يَحْرِمُهُمْ الْكُلَّ، وَمَنَعُوهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَحُطُّهُمْ الْيَسِيرَ، وَهَذَا غَايَةُ التَّخْلِيطِ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا يَائِسًا مِنْ الْفَاقَةِ وَالْعَيْشِ ابْتَاعَ جَارِيَةً وَأَشْهَدَ النَّاسَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْتَاعُهَا لِيَطْلُبَ مِنْهَا الْوَلَدَ، لِيَمْنَعَ بِذَلِكَ وَرَثَتَهُ الْمِيرَاثَ، فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُبَاحٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا قَدْ تَحْمِلُ وَقَدْ لَا تَحْمِلُ؟

مسألة حملت المرأة من زنى أو من نكاح فاسد مفسوخ

قُلْنَا: وَاَلَّتِي تَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ قَدْ تَمُوتُ هِيَ قَبْلَهُ فَيَرِثُهَا فَيَزِيدُ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ فِي مِيرَاثِهِمْ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيَمْنَعُونَ الْمُسْلِمَ الْمَرِيضَ مِنْ زَوَاجِ مَمْلُوكَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ لَا يَرِثَانِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَمْنَعُونَ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الزَّوَاجِ؟ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَرْكِ أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ ضَرُورَةً أَوْ التَّنَاقُضُ. وَقَالُوا: قِسْنَا نِكَاحَ الْمَرِيضِ عَلَى طَلَاقِهِ؟ فَقُلْنَا: قِسْتُمْ الْخَطَأَ عَلَى الْخَطَأِ، ثُمَّ أَخْطَأْتُمْ فِي الْقِيَاسِ، لِأَنَّكُمْ أَجَزْتُمْ طَلَاقَ الْمَرِيضِ وَوَرَّثْتُمُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَدْتُمْ إصَابَةَ الْقِيَاسِ فَأَجِيزُوا نِكَاحَهُ، وَامْنَعُوهُ الْمِيرَاثَ مَعَ ذَلِكَ - وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ الْقِيَاسَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ مَالِكًا يَفْسَخُ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْفَارَّةِ، كَمَا يَفْسَخُ نِكَاحَ الصَّحِيحَةِ لِلْمَرِيضِ، وَلَا يَدَعُ لِلْفَارَّةِ مِمَّا سُمِّيَ لَهَا إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَيَجْعَلُ لِلَّتِي تَزَوَّجَتْ الْمَرِيضَ جَمِيعَ مَهْرِ مِثْلِهَا - فَهَلْ يُسْمَعُ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا التَّحَكُّمِ بِلَا بُرْهَانٍ [مَسْأَلَةٌ حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زِنًى أَوْ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَفْسُوخٍ] ؟ 1869 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَفْسُوخٍ، أَوْ كَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا فَفَسْخٌ لِحَقٍّ وَاجِبٍ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَحَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، فَلِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، كُلُّ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَهَاتَانِ لَا يَحِلُّ لَهُمَا الزَّوَاجُ أَلْبَتَّةَ حَتَّى يَضَعَا حَمْلَهُمَا، وَحَاشَا الْمُعْتَقَةَ الْحَامِلَةَ تَخْتَارُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ نِكَاحَ هَذِهِ مَفْسُوخٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْحَامِلَ الْمُطَلَّقَةَ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: هِيَ مُعْتَدَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ جُمْلَةً حَتَّى تَتِمَّ عِدَّتُهَا. وَأَمَّا سَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ إيجَابُ عِدَّةٍ عَلَيْهِنَّ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُنَّ، إلَّا عَلَى الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فَقَطْ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ مِنْ عِدَّةٍ، وَلَا ذَاتِ زَوْجٍ، فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا نَصٌّ يَمْنَعُ هَهُنَا مِنْ الزَّوَاجِ، وَلَا يَحِلُّ بِالنَّصِّ وَطْءُ حَامِلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا -: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو يُوسُفَ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: لِلْحَامِلِ مِنْ زِنًى أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَإِنْ خَرَجَتْ إلَيْنَا الْحَرْبِيَّةُ مُسْلِمَةً - وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا - فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا - وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الزَّانِيَةِ الْعِدَّةُ كَامِلَةً. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَتَزَوَّجُ الْحَامِلُ مِنْ زِنًى حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَلَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ، إلَّا حَتَّى تَعْتَدَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: خَطَبْت إلَى رَجُلٍ أُخْتَهُ، فَذَكَرَ أَنَّهَا أَحْدَثَتْ - يَعْنِي زَنَتْ - فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَضَرَبَهُ أَوْ كَادَ يَضْرِبُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَلِلْخَبَرِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَفِيهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: انْكِحْ وَاسْكُتْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا عُمَرُ أَمَرَهَا بِالنِّكَاحِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّةً، وَلَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا -: وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَزَوَّجَ سِبَاعُ بْنُ ثَابِتٍ بِنْتَ مَوْهَبِ بْنِ رَبَاحٍ وَلَهُ ابْنٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَهَا بِنْتٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَفَجَرَ الْغُلَامُ بِالْجَارِيَةِ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَسُئِلَتْ فَاعْتَرَفَتْ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاعْتَرَفَا، فَحَدَّهُمَا وَحَرَّضَ عَلَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَأَبَى الْغُلَامُ. فَهَذَا عُمَرُ يُبِيحُ لِلْحَامِلِ مِنْ زِنًى الزَّوَاجَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا لَوْ ظَفِرُوا بِهِ. وَشَغَبَ الْمُخَالِفُونَ بِأَنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ نَضْرَةُ بْنُ أَكْثَمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا غَشِيَهَا وَجَدَهَا حُبْلَى، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا، وَأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا عَبْدٌ لَهُ، وَأَمَرَ بِهَا فَجُلِدَتْ مِائَةً، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوَّلَ مُخَالِفٍ

لِكُلِّ مَا فِيهِ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ انْسَنَدَ لَقُلْنَا بِهِ، وَلَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ سَعِيدٍ وَنَضْرَةَ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا ابْنُ أَبِي السَّرِيِّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ: نَضْرَةُ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً بِكْرًا فِي سِتْرِهَا، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ حُبْلَى، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ، وَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدُوهَا» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَهُنَا تَفْرِيقًا، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يُمَوِّهَ بِإِسْنَادِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَمَاعٌ مِنْ نَصْرَةَ أَوْ نَضْرَةَ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْمُطَلَّقَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَى أَوَّلِ السُّورَةِ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَمَحْمُولٌ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَاتِ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِخَبَرِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ. وَقَالُوا: قِسْنَا الْمُنْفَسِخَةَ النِّكَاحَ بَعْدَ صِحَّتِهِ أَوْ لِفَسَادِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْكُمَ لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ، وَلَيْسَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الْحَلَالُ نَظِيرًا لِلْفَاسِدِ الْحَرَامِ، الَّذِي لَا يَحِلُّ عَقْدُهُ، وَلَا إقْرَارُهُ، بَلْ هُوَ ضِدُّهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا الَّتِي انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بَعْدَ صِحَّتِهِ، فَإِنَّ الْفَسْخَ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا يُرَاعَى اخْتِيَارُهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الْحَامِلُ مِنْ سَيِّدِهَا: يَمُوتُ عَنْهَا، أَوْ يَعْتِقُهَا أَوْ تَحْمِلُ

مسألة عنده أربع زوجات فطلق إحداهن ثلاثا

مِنْ زِنًى لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، وَلَا هِيَ فِي عِدَّةٍ، وَلَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَإِنَّ إنْكَاحَهَا حَلَالٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ عِنْدَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَطَلَّقَ إحْدَاهُنَّ ثَلَاثًا] 1870 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَطَلَّقَ إحْدَاهُنَّ ثَلَاثًا - وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ أَوْ غَيْرُ حَامِلٍ، وَقَدْ وَطِئَهَا - إذْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ - أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ - فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إثْرَ طَلَاقِهِ لَهَا رَابِعَةً، أَوْ أُخْتَهَا، أَوْ عَمَّتَهَا، أَوْ خَالَتَهَا، أَوْ بِنْتَ أَخِيهَا، أَوْ بِنْتَ أُخْتِهَا، وَيَدْخُلَ بِهَا. فَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَقَوْلُنَا فِي هَذَا هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، - وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ - وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ - وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَيْضًا، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ نُضَيْلَةَ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الْأَوْزَاعِيِّ - وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ إبَاحَةُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الَّتِي طَلَّقَ حُبْلَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ مَوَّهُوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] قَالُوا: وَهَذَا جَامِعٌ بَيْنَهُمَا فِي لِحَاقِ حَمْلِهِمَا بِهِ، وَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهِمَا، وَإِسْكَانِهِمَا عَلَيْهِ.

مسألة لا يحل لأحد أن يتزوج مملوكته قبل أن يعتقها

وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي خَمْسِ نِسْوَةٍ، وَلَا فِي أُخْتَيْنِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي نَفَقَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَإِسْكَانِهِ لَهُمَا، فَلَسْنَا نُسَاعِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، هُمْ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا مَا ضَرَّ ذَلِكَ شَيْئًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ إلَّا فِي اسْتِحْلَالِ الْوَطْءِ فَقَطْ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي لِحَاقِ حَمْلِهِمَا بِهِ، وَبَيْنَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي لِحَاقِ ابْنَيْهِمَا بِهِ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ مَائِهِ فِي خَمْسِ نِسْوَةٍ، أَوْ فِي ثَمَانٍ، أَوْ فِي أُخْتَيْنِ، فَلَا نَعْلَمُ نَصًّا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ: مَنَعَا مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَمِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ، أَوْ اسْتِحْلَالِ وَطْءٍ فَقَطْ، وَقَدْ فَصَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ ثُمَّ قَالَ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] . وَمِنْ طَرِيفِ تَنَاقُضِ الْحَنَفِيِّينَ هَهُنَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا، وَلَا عَمَّتَهَا، وَلَا خَالَتَهَا، وَلَا بِنْتَ أَخِيهَا، وَلَا بِنْتَ أُخْتِهَا، حَتَّى تُتِمَّ الْمُعْتَقَةُ عِدَّتَهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ. قَالَ: وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَأَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ مَاؤُهُ فِي أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَامِسَةٍ مُعْتَدَّةٍ مِنْهُ - وَمَنَعَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ زُفَرُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَمْلُوكَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهَا] 1871 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَمْلُوكَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَهَا، وَلَا لِامْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَمْلُوكَهَا قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَهُ، فَإِنْ أَعْتَقَتْهُ جَازَ لَهُمَا التَّنَاكُحُ إنْ تَرَاضَيَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَا فَرْقَ - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] فَفَرَّقَ تَعَالَى بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ صِنْفَيْنِ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا [مَسْأَلَةٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِوَالِدِهِ] 1872 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِوَالِدِهِ، وَأَمَةَ وَلَدِهِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِوَلَدِهِ، وَأَمَةَ أُمِّهِ، وَأَمَةَ ابْنَتِهِ. وَجَائِزٌ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أُمِّ سَيِّدِهِ، وَبِنْتِ سَيِّدِهِ، وَأُخْتِ سَيِّدِهِ، إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ - وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلًا.

مسألة أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة

إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: قَدْ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ أَوْ قَدْ تَشْتَرِيهِ وَيَشْتَرِيهَا وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ صِحَّةِ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] فَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرْنَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ اعْتِقَادِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ بِعَقْلِهِ شَيْئًا لَمْ يُشَرِّعْهُ رَبُّهُ تَعَالَى [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً] 1873 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا - مُتَغَفِّلًا لَهَا وَغَيْرَ مُتَغَفِّلٍ - إلَى مَا بَطَنَ مِنْهَا وَظَهَرَ - وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ يُرِيدُ شِرَاءَهَا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَّا إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، لَكِنْ يَأْمُرُ امْرَأَةً تَنْظُرُ إلَى جَمِيعِ جِسْمِهَا وَتُخْبِرُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] فَافْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ غَضَّ الْبَصَرِ جُمْلَةً، كَمَا افْتَرَضَ حِفْظَ الْفَرْجِ، فَهُوَ عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ إلَّا مَا خَصَّهُ نَصٌّ صَحِيحٌ، وَقَدْ خَصَّ النَّصُّ نَظَرَ مَنْ أَرَادَ الزَّوَاجَ فَقَطْ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ جَابِرٌ فَخَطَبْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ تَحْتَ الْكَرَبِ حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَيْهَا» . وَقَدْ رُوِّينَاهُ - أَيْضًا - مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَكَانَ هَذَا عُمُومًا مَخْرَجًا لِهَذِهِ الْحَالِ مِنْ جُمْلَةِ مَا حُرِّمَ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ.

مسألة لا يحل لأحد أن ينظر من أجنبية لا يريد زواجها أو شراءها

وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْجَارِيَةِ يُرِيدُ ابْتِيَاعَهَا فَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ فِيمَا جَاءَ عَنْ سِوَاهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -: فَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى سَاقِهَا وَبَطْنِهَا وَظَهْرِهَا، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى عَجُزِهَا وَصَدْرِهَا - وَنَحْوِ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَرُوِّينَا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ لَمْ يَسْتَجِزْ النَّظَرَ إلَى سَاقِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَقِيَ أَمْرُ الِابْتِيَاعِ عَلَى وُجُوبِ غَضِّ الْبَصَرِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ: فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مِنْ أَمْرِ «الْخَثْعَمِيَّةَ الَّتِي سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا؟ وَأَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ جَعَلَ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ عَنْهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِسِتْرِ وَجْهِهَا» فَفِي هَذَا إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ اللَّذَّةِ. وَأَمَّا الْكَفَّانِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نا أَبِي نا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ - هُوَ ابْنُ ثَابِتٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ - وَمَعَهُ بِلَالٌ - فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَتُلْقِي سِخَابَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: " سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِينَ فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً، تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَتْخَهَا» . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْفَتْخُ خَوَاتِمُ كِبَارٌ كُنَّ يَحْبِسْنَهَا فِي أَصَابِعِهِنَّ، فَلَوْلَا ظُهُورُ أَكُفَّهُنَّ مَا أَمْكَنَهُنَّ إلْقَاءُ الْفَتْخِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ لَا يُرِيدُ زَوَاجَهَا أَوْ شِرَاءَهَا] 1874 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ لَا يُرِيدُ زَوَاجَهَا أَوْ شِرَاءَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً لِتَلَذُّذٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، فَإِنْ نَظَرَ فِي الزِّنَا إلَى الْفَرْجَيْنِ لِيَشْهَدَ بِذَلِكَ فَمُبَاحٌ لَهُ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135]

وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا إلَّا بِصِحَّةِ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجَيْنِ وَالتَّثَبُّتِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَالْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ كَمَا قَدَّمْنَا آنِفًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ لَهَا أَوْ مِنْهَا. وَجَائِزٌ لِذِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَرَى جَمِيعَ جِسْمِ حَرِيمَتِهِ، كَالْأُمِّ، وَالْجَدَّةِ، وَالْبِنْتِ، وَابْنَةِ الِابْنِ، وَالْخَالَةِ، وَالْعَمَّةِ، وَبِنْتِ الْأَخِ، وَبِنْتِ الْأُخْتِ، وَامْرَأَةِ الْأَبِ، وَامْرَأَةِ الِابْنِ، حَاشَا الدُّبُرَ وَالْفَرْجَ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ بَعْضُهُنَّ مِنْ بَعْضٍ. وَكَذَلِكَ الرِّجَالُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ. فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: زِينَتَهُنَّ زِينَةً ظَاهِرَةً تُبْدَى لِكُلِّ أَحَدٍ وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَقَطْ، وَزِينَةً بَاطِنَةً حَرَّمَ عَزَّ وَجَلَّ إبْدَاءَهَا إلَّا لِمَنْ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ. وَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَدْ سَاوَى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبُعُولَةِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْأَطْفَالِ، وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا فِي الْآيَةِ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، فَحُكْمُ الْعَوْرَةِ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا، إلَّا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الزَّوْجِ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ. وَلَمْ نَجِدْ لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا مَعْقُولٍ: فَرْقًا بَيْنَ الشَّعْرِ، وَالْعُنُقِ، وَالذِّرَاعِ، وَالسَّاقِ، وَالصَّدْرِ، وَبَيْنَ الْبَطْنِ، وَالظَّهْرِ، وَالْفَخِذِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إلَى شَيْءٍ مِنْ امْرَأَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ: لَا الْوَجْهَ، وَلَا غَيْرَهُ، إلَّا لِقِصَّةٍ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ مِنْهَا مُنْكَرٌ بِقَلْبٍ أَوْ بِعَيْنٍ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ كَرَاهَةَ نَظَرَ الرَّجُلِ إلَى شَعْرِ ابْنَتِهِ، وَأُمِّهِ، وَأُخْتِهِ - وَلَا يَصِحُّ عَنْ طَاوُسٍ، وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنْ لَا يُنْظَرَ مِنْ ذَاتِ الْمَحْرَمِ إلَّا إلَى مَا فَوْقَ

مسألة نظر الرجل إلى فرج امرأته التي يحل له وطؤها

الصَّدْرِ - وَهَذَا تَحْدِيدٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانُ رَأْيٍ، وَلَا اسْتِحْسَانٍ، لِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَهُنَا بِأَهْوَائِهِمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى زِينَةِ شَعْرِ الْعَجُوزِ السَّوْدَاءِ الْحُرَّةِ، وَلَعَلَّ النَّظَرَ إلَيْهَا يَقْذِي الْعَيْنَ، وَيُمِيتَ تَهْيِيجَ النَّفْسِ. وَيُجِيزُونَ النَّظَرَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ الْجَمِيلَةِ الْفَتَاةِ وَيَدَيْهَا وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحِجَامَةِ، فَأَذِنَ لَهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يُحَجِّمَهَا - قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. وَقَدْ رُوِّينَا بِأَصَحِّ طَرِيقٍ: أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، فَإِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ عَنْ جَابِرٍ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّاوِي: «حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ» فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ مِمَّنْ دُونَ جَابِرٍ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا ظَنٌّ غَيْرُ صَادِقٍ، لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وُلِدَتْ بِمَكَّةَ، وَبِهَا وَلَدَتْ أَكْثَرَ أَوْلَادِهَا. وَأَبُو طَيْبَةَ: غُلَامٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَكَانَ عَبْدًا مَضْرُوبًا عَلَيْهِ الْخَرَاجُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ» وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَجِّمَهَا إلَّا حَتَّى يَرَى عُنُقَهَا، وَأَعْلَى ظَهْرَهَا مِمَّا يُوَازِي أَعْلَى كَتِفَيْهَا. [مَسْأَلَةٌ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا] 1875 - مَسْأَلَةٌ: وَحَلَالٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَلِكَ لَهُمَا أَنْ يَنْظُرَا إلَى فَرْجِهِ، لَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا.

مسألة لا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة مسلم

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: الْأَخْبَارُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ طَرِيقِ «عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَمَيْمُونَةَ: أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - أَنَّهُنَّ كُنَّ يَغْتَسِلْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» . وَفِي خَبَرِ مَيْمُونَةَ بَيَانُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، لِأَنَّ فِي خَبَرِهَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ» فَبَطَلَ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُلْتَفَتَ إلَى رَأْيِ أَحَدٍ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُبِيحَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّفِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَطْءَ الْفَرْجِ وَيَمْنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] . فَأَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِحِفْظِ الْفَرْجِ إلَّا عَلَى الزَّوْجَةِ، وَمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَا مَلَامَةَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا عُمُومٌ فِي رُؤْيَتِهِ وَلَمْسِهِ وَمُخَالَطَتِهِ. وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ تَعَلُّقًا إلَّا بِأَثَرٍ سَخِيفٍ عَنْ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ «عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ» . وَآخَرَ - فِي غَايَةِ السُّقُوطِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَزُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ - وَهَؤُلَاءِ: ثَلَاثُ الْأَثَافِي وَالدِّيَارُ الْبَلَاقِعِ، أَحَدُهُمْ كَانَ يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْحَدِيثِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَخْطِبَ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ] 1876 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَخْطِبَ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ سَوَاءً رُكْنًا وَتَقَارُبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ لَهَا فِي دِينِهِ وَحُسْنِ صُحْبَتِهِ، فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْطِبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي الدِّينِ وَجَمِيلِ الصُّحْبَةِ. أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ فِي أَنْ يَخْطُبَهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ. أَوْ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ الْخِطْبَةَ فَيَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ. أَوْ إلَّا أَنْ تَرُدَّهُ الْمَخْطُوبَةُ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ

عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ» فَفِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْرِيمُ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْمُسْلِمِ حَتَّى يَذَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصِّيصِيُّ نا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْت نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا إذَا رَدَّتْهُ الْمَخْطُوبَةُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُ الْخِطْبَةِ، لِأَنَّ فِي تَمَادِيهِ الْإِضْرَارَ بِهَا وَالظُّلْمَ لَهَا فِي مَنْعِهِ بِذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ خِطْبَتِهَا، فَكُلُّ خِطْبَةٍ تَكُونُ مَعْصِيَةً فَلَا حُكْمَ لَهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ فَوْقَهُ فِي دِينِهِ وَحُسْنِ صُحْبَتِهِ فَلِحَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَشْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: مَنْ خَطَبَكِ؟ قَالَتْ: مُعَاوِيَةُ وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ آخَرُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَإِنَّهُ غُلَامٌ مِنْ غِلْمَانِ قُرَيْشٍ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ صَاحِبُ شَرٍّ لَا خَيْرَ فِيهِ، انْكِحِي أُسَامَةَ؟ قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: فَنَكَحَتْهُ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَهَا، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي؟ قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ، فَنَكَحَتْهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ عَلَيْهَا بِاَلَّذِي هُوَ أَجْمَلُ صُحْبَةً لَهَا مِنْ أَبِي جَهْمٍ الْكَثِيرِ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ، وَأُسَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ. فَإِنْ قِيلَ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ خَبَرِ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَخْطِبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ؟ .

مسألة لا يحل التصريح بخطبة امرأة في عدتها

قُلْنَا: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وَهَذَا حُكْمٌ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمِنْ أَنْصَحِ النَّصَائِحِ: أَنْ يَكُونَ مَرِيدٌ يُرِيدُ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ قَدْ خَطَبَهَا مَنْ هُوَ أَحْسَنُ صُحْبَةً، وَأَفْضَلُ دِينًا، مِنْ الَّذِي خَطَبَهَا قَبْلَهُ فَيَخْطُبُهَا هُوَ. وَأَمَّا إنْ تَرَكَ خِطْبَتَهَا مِنْ أَجْلِ الْخَاطِبِ قَبْلَهُ فَقَطْ فَمَا نَصَحَ الْمُسْلِمَةَ وَلَقَدْ غَشَّهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ فَتًى مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ وَالْحِلْمِ. وَأُسَامَةُ - مَوْلَى كَلْبِيٌّ أَسْوَدُ كَالْقَارِ - فَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لَا فَضْلَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالدِّينِ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَايَةِ النُّصْحِيَّةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ إذَا رُكْنًا وَتَقَارُبًا فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَضِّدْهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا نَظَرٌ صَحِيحٌ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ سَاقِطٌ فَقَطْ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ امْرَأَةٍ فِي عِدَّتِهَا] 1877 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ امْرَأَةٍ فِي عِدَّتِهَا. وَجَائِزٌ أَنْ يُعَرِّضَ لَهَا بِمَا تَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] إلَى قَوْلِهِ: {فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235] فَأَبَاحَ تَعَالَى التَّعْرِيضَ وَمَنَعَ مِنْ الْمُوَاعَدَةِ سِرًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ التَّعْرِيضِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي» . وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا تُفَوِّتِينِي بِنَفْسِكِ» : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة لا يحل نكاح من لم يولد بعد

وَمِنْ التَّعْرِيضِ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ الزَّوَاجَ، وَلَوَدِدْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسَّرَ لِي امْرَأَةً صَالِحَةً، وَنَحْوَ هَذَا. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ] 1878 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُولَدُ لَهُ ابْنَةٌ، أَمْ ابْنٌ، أَمْ مَيْتَةٌ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ غَائِبَةٍ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ] 1879 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ غَائِبَةٍ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ؛ وَلَا يَحِلُّ إنْكَاحُ غَائِبٍ إلَّا بِتَوْكِيلٍ مِنْهُ وَرِضًا. لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَقَدْ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ حَبِيبَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ بِرِضَاهُمَا مَعًا» . [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ] 1880 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ - بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ - سَوَاءً ادَّعَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ لَمْ تَدَّعِ، فَكُلُّ مَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَهُمْ عَبِيدٌ لِسَيِّدِهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ فِدَاءٍ فِيهِمْ، إلَّا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، فَعَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا وَلَيْسَ نِكَاحًا وَالْوَلَدُ لَاحِقُونَ بِالرَّجُلِ إنْ كَانَ جَاهِلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوُجِدَتْ مَمْلُوكَةً وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا فَأَوْلَادُهُ مِنْهَا أَحْرَارٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ يَوْمَ الْحُكْمِ وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، إنْ كَانَ غَرَّهُ غَيْرُهُمَا، أَوْ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ هِيَ غَرَّتْهُ، وَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا لِسَيِّدِهَا، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَلَا عَلَيْهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتْلٌ فَأَخَذَ الْأَبُ دِيَتَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَى أَبِيهِمْ قِيمَةُ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ يَوْمَ الْحُكْمِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَهُمْ أَحْرَارٌ - وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: عَلَيْهِمْ قِيمَةُ أَنْفُسِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَبُوهُمْ عَدِيمًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ وُلِدُوا، سَوَاءٌ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَمَنْ عَاشَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اعْجَبُوا لِمَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنْ الْفَضَائِحِ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ تَكُونَ

الْأَوْلَادُ إلَّا أَحْرَارًا أَوْ مَمَالِيكَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانُوا أَحْرَارًا مُذْ وُلِدُوا فَمَا يَحِلُّ لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ أَخْذُ قِيمَةِ حُرٍّ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَغْرَمَ أَبُوهُمْ فِي قِيمَتِهِمْ ثَمَنًا أَصْلًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - فَذَكَرَ فِيهِمْ -: وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ» . وَإِنْ كَانُوا مَمَالِيكَ فَمَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إجْبَارُ إنْسَانٍ عَلَى بَيْعِ مَمَالِيكِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ إلْزَامُهُ قِيمَةَ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ دُونَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، ثُمَّ ارْتِجَاعُهُ بِمَا غَرِمَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ مِنْ قِيمَةِ الْأَوْلَادِ وَلَا يَرُدُّونَهُ بِمَا غَرِمَ مِنْ الصَّدَاقِ - فَأَتَوْا بِغَرِيبَةٍ، قَالُوا: لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَعَاضَ بَعْضَهَا؟ فَقُلْنَا: وَقَدْ اسْتَعَاضَ أَوْلَادًا أَحْرَارًا، فَلَا تَرُدُّوهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ السَّلَفِ فِي هَذَا آثَارٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: بَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً لِأَبِيهِ فَتَسَرَّاهَا الْمُشْتَرِي فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَجَاءَ أَبُوهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا وَوَلَدَهَا إلَيْهِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: دَعْ لِي وَلَدِي؟ فَقَالَ: دَعْ لَهُ وَلَدَهُ. وَرُوِّينَاهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِالْخَلَاصِ عَلَى الْبَائِعِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ قَالَ أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ جَارِيَةً لِأَبِيهِ وَأَبُوهُ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ ابْنِهِ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَاخْتَصَمُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَقَضَى لِلرَّجُلِ بِجَارِيَتِهِ وَأَمَرَ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَأْخُذَ بَيْعَهُ بِالْخَلَاصِ فَلَزِمَهُ؟ فَقَالَ أَبُو الْبَائِعِ: مُرْهُ فَلْيُخَلِّ عَنْ ابْنِي؟ فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنْتَ فَخَلِّ عَنْ ابْنِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ شَفَاعَةٌ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ قَدْ قَضَى لَهُ بِمِلْكِهِمْ أَوْ قَضَى مِنْهُ بِالْخَلَاصِ. وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ

نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّغْلِبِيَّ - نَا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إنَّ أَمَةً أَتَتْ طَيِّئًا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ إنَّ سَيِّدَهَا ظَهَرَ عَلَيْهَا، فَقَضَى لَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنَّهَا وَأَوْلَادُهَا لِسَيِّدِهَا، وَأَنَّ لِزَوْجِهَا مَا أَدْرَكَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَجَعَلَ فِيهِمْ الْمِلَّةَ أَوْ السُّنَّةَ كُلُّ رَأْسٍ بِرَأْسَيْنِ - قَالَ قَتَادَةَ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: فِي كُلِّ رَأْسٍ رَأْسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ امْرَأَةً بَاعَتْ هِيَ وَابْنٌ لَهَا جَارِيَةً لِزَوْجِهَا، فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ لِلَّذِي ابْتَاعَهَا، ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَخَاصَمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ: لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَدْ بَاعَ ابْنُك وَامْرَأَتُك؟ فَقَالَ: إنْ كُنْت تَرَى لِي حَقًّا فَأَعْطِنِي؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَخُذْ جَارِيَتَك وَابْنَهَا، ثُمَّ سَجَنَ الْمَرْأَةَ وَابْنَهَا حَتَّى تَخَلَّصَا لَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الزَّوْجُ سَلَّمَ الْبَيْعَ -: فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ - أَئِمَّةُ الْهُدَى - قَدْ قَضَوْا بِأَوْلَادِ الْمُسْتَحِقَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. إلَّا رِوَايَةً سَاقِطَةً عَنْ عَلِيٍّ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، قَالَ: تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَلَدُهَا فَيَغْرَمُ الَّذِي بَاعَهُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ - وَابْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ - وَهُمْ يُشَنِّعُونَ خِلَافَ مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَقَدْ خَالَفُوهُمْ هَهُنَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ هَهُنَا، وَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ جُمْلَةً إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا نُورِدُ مَا نُورِدُ مِنْ ذَلِكَ تَبْكِيتًا لِمَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إذَا وَافَقَ هَوَاهُ، وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ إذَا خَالَفَهُ، وَهَذَا هُوَ التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَجَاءَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ مَنْ بَعْدَهُ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ وَلَدَ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ مِنْ إنَاثِ الْإِمَاءِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ مِلْكٌ لِمَالِك أُمِّهِ.

فَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ عَنْ هَذِهِ الْغَارَّةِ أَوْ الْمُبِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا: أَهِيَ زَوْجَةٌ لِلَّذِي وَلَدَتْ لَهُ، أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ لَهُ، أَمْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ . فَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةً وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ، وَأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مِلْكُ يَمِينِ مَالِكِهَا الَّذِي لَمْ يَبِعْهَا، وَلَا أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا أَذِنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ، وَأَنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْحُكْمُ بِإِخْرَاجِ أَمَتِهِ أَوْ مَمَالِيكِهِ بِمَا وَلَدَتْ عَنْ يَدِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَهَذَا غَايَةُ الْبَيَانِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ أَشْيَاءُ نَذْكُرُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْمَكَانِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اعْقِلْ عَنِّي ثَلَاثًا: الْإِمَارَةُ شُورَى، وَفِي وَفْدِ الْعَرَبِ مَكَانَ كُلِّ عَبْدٍ عَبْدٌ، وَفِي ابْنِ الْأَمَةِ عَبْدَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِي الصِّحَّةِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ لَوْ ظَفِرُوا خُصُومُنَا بِمِثْلِ هَذَا مَا تَرَدَّدُوا، وَلَاسْتَخَارُوا اللَّهَ تَعَالَى لَوْ وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي ابْتِيَاعِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْعَبْدَ وَبَيْعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ غَاضِرَةَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي نِسَاءٍ سَعَيْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَ أَنْ يَقُومَ أَوْلَادُهُنَّ عَلَى آبَائِهِمْ وَلَا يُسْتَرَقُّوا - يَعْنِي إمَاءً زَنَيْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - فَوَلَدْنَ مِنْ الزِّنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِدَاءِ وَلَدِ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ قَوَّمَ مَكَانَ كُلِّ جَارِيَةٍ جَارِيَةً، وَمَكَانَ كُلِّ غُلَامٍ غُلَامًا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ عُثْمَانَ؛ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِدَاءِ سَبْيِ الْعَرَبِ بِسِتَّةِ فَرَائِضَ

وَقَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ فِي كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي فِدَاءِ سَبْيِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَذْكُرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي وَلَدِ الْأَمَةِ تُخْبِرُ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَيَنْكِحُهَا أَحَدُهُمْ فَتَلِدُ لَهُ: أَنَّ عَلَى آبَائِهِمْ مِثْلَ كُلِّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ الرَّقِيقِ فِي الشِّبْرِ وَالذَّرْعِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ أَوْلَادُهُ حِسَانًا؟ قَالَ: لَا يُكَلَّفُ مِثْلُهُمْ فِي الْحُسْنِ، إنَّمَا يُكَلَّفُ فِي الذَّرْعِ. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: نَكَحَ رَجُلٌ أَمَةً فَوَلَدَتْ لَهُ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَكَتَبَ: أَنْ يُفَادِيَ أَوْلَادَهُ -. قَالَ ابْنُ مُفَرِّجٍ فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: بِوَصِيفَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ بِاثْنَيْنِ. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْفِدَاءَ، إلَّا إمَّا بِغُلَامٍ مَكَانَ الذَّكَرِ، أَوْ بِجَارِيَةٍ مَكَانَ الْأُنْثَى، وَإِمَّا بِغُلَامَيْنِ مَكَانَ غُلَامٍ ذَكَرٍ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي وَلَدِ الْغَارَّةِ يُقَارَبُ أَبُوهُمْ فِيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْغَارَّةِ قَالَ: صَدَاقُهَا عَلَى الَّذِي غَرَّهُ. وَقَالَ حُمَامُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَكَمُ فِكَاكُ وَلَدِهَا عَلَى الْأَبِ - وَلَا نَعْلَمُ عَنْ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ غَيْرَ مَا أَوْرَدْنَا - فَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، كُلَّ هَؤُلَاءِ، لِاخْتِرَاعٍ لَهُمْ فَاسِدٍ، وَبِإِيجَابِ الْقِيمَةِ الَّتِي لَمْ تَأْتِ مِنْ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرَانِ نَذْكُرُهُمَا -:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبْيِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ فِدَاءَ الرَّجُلِ ثَمَانٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ فِي الْأُنْثَى عَشْرًا، قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ذَلِكَ شَكَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَعَلَ فِدَاءَ الرَّجُلِ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي فِدَاءِ رَقِيقِ الْعَرَبِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فِي الرَّجُلِ إذَا سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِثَمَانٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي ابْنِ الْأَمَةِ بِوَصِيفَيْنِ وَصَيْفَيْنِ، لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ - ذَكَرٍ وَأُنْثَى -. وَقَضَى فِي سَبِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي وَلَدِهَا مِنْ الْعَبْدِ بِوَصِيفَيْنِ يَفْدِيهِ مَوَالِي أُمِّهِ - وَهُمْ عُصْبَتُهَا - لَهُمْ مِيرَاثُهَا وَمِيرَاثُهُ، مَا لَمْ يَعْتِقْ أَبُوهُ. وَقَضَى فِي سَبْيِ الْإِسْلَامِ بِسِتَّةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ - فَذَلِكَ فِدَاءُ الْعَرَبِ» . فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ عَيَّاشٍ قَالَ: أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَيْسَ عَلَى عَرَبِيٍّ مِلْكٌ، وَلَسْنَا بِنَازِعِينَ مِنْ يَدِ أَحَدٍ شَيْئًا أَسْلَمَ عَلَيْهِ، وَلَا كُنَّا نُقَوِّمُهُمْ الْمِلَّةَ؟ قُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا، فَتُوجِبُونَ الْمِلْكَ لِلْعِلْجِ عَلَى أَوْلَادِ الْعَرَبِيِّ، وَالْقُرَشِيِّ، إذَا تَزَوَّجَ أَمَتَهُ بِإِذْنِهِ، وَلَا يُمْكِنُكُمْ دَعْوَى إجْمَاعٍ هَهُنَا، لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالْأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَأَبَا ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ، كُلَّهُمْ يَقُولُ عَنْ عُمَرَ: فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ أَمَةَ رَجُلٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا: أَنَّ أَوْلَادَهُ مِنْهَا أَحْرَارٌ لَا رِقَّ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى أَبِيهِمْ فِدَاؤُهُمْ -. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِالْعِرَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مَنْ - تَعَلَّقَ فِي رَدِّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ - بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ: الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ. وَبِرِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَا يُؤَمِّنُ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا. ثُمَّ خَالَفَ رِوَايَةَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَرِوَايَةَ ابْنِ طَاوُسٍ

مسألة لا يحل للمرأة التبرج ولا التزين للخروج

عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ - وَمُرْسَلَ عِكْرِمَةَ -: لِمَنْحُوسِ الْحَظِّ مِنْ الصَّوَابِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. وَمِنْ طَرَائِفِ مَا يَأْتُونَ بِهِ: احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَ " وَلَدَ الْغَارَّةِ، وَالْمُسْتَحَقَّةِ " لِأَنَّ أَبَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ؟ فَقُلْنَا: إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَكَانَ مَاذَا؟ وَفِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْتُمْ؟ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْرُجَ مِلْكُ فَرْجٍ، وَمَا وَلَدَ، عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِمْ قَهْرًا مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْوَاطِئَ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ، فَحَسْبُك بِهَذَا الْقَوْلِ هُجْنَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ التَّبَرُّجُ وَلَا التَّزَيُّنُ لِلْخُرُوجِ] 1881 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ التَّبَرُّجُ وَلَا التَّزَيُّنُ لِلْخُرُوجِ إذَا خَرَجْنَ لِحَاجَةٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ النِّسَاءُ إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ. [مَسْأَلَةٌ فَرْضٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ الَّتِي هِيَ زَوْجَتُهُ] 1882 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ الَّتِي هِيَ زَوْجَتُهُ وَأَدْنَى ذَلِكَ مَرَّةٌ فِي كُلِّ طُهْرٍ - إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ - وَإِلَّا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: إنَّا لَنَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالرَّفِّ مِنْ جَمْدَانَ إذْ عَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ شَابَّةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي امْرَأَةٌ أُحِبُّ مَا تُحِبُّ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَدِ، وَغَيْرِهِ، وَلِي زَوْجٌ شَيْخٌ، وَوَاللَّهِ مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَظَرْنَا إلَيْهِ يَهْوِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي لَمُحْسِنٌ إلَيْهَا وَمَا آلُوهَا؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتُقِيمُ لَهَا طُهْرَهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: انْطَلِقِي مَعَ زَوْجِك، وَاَللَّهِ إنَّ فِيهِ لِمَا يَجْزِي، أَوْ قَالَ: يُغْنِي الْمَرْأَةَ الْمُسْلِمَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَبَى بِالْأَدَبِ، لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا مِنْ الْعَمَلِ؟

مسألة فرض الأمة والحرة أن لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما

وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ نا أَبُو الْعُمَيْسِ - هُوَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ - عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ إنْ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْك حَقًّا، أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ: صُمْ، وَأَفْطِرْ، وَقُمْ، وَنَمْ، وَأْتِ أَهْلَكَ فَأَخْبَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ قَوْلِ سَلْمَانَ» . [مَسْأَلَةٌ فَرْضُ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ أَنْ لَا يَمْنَعَا السَّيِّدَ وَالزَّوْجَ الْجِمَاعَ مَتَى دَعَاهُمَا] 1883 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضُ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ أَنْ لَا يَمْنَعَا السَّيِّدَ وَالزَّوْجَ الْجِمَاعَ مَتَى دَعَاهُمَا، مَا لَمْ تَكُنْ الْمَدْعُوَّةُ حَائِضًا، أَوْ مَرِيضَةً تَتَأَذَّى بِالْجِمَاعِ، أَوْ صَائِمَةَ فَرْضٍ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَهِيَ مَلْعُونَةٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نا مَرْوَانُ - هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ - عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا» . نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - نا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً إلَى زَوْجِهَا أَوْ فِرَاشِ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا دَعَا الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ» . [مَسْأَلَةٌ الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ] 1884 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فَرْضٌ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ اللَّيَالِي - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَضِّلَ فِي قِسْمَةِ اللَّيَالِي حُرَّةً عَلَى أَمَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ، وَلَا مُسْلِمَةً عَلَى ذِمِّيَّةٍ، فَإِنْ عَصَتْهُ حَلَّ لَهُ هِجْرَانُهَا حَتَّى تُطِيعَهُ، وَضَرَبَهَا بِمَا لَمْ يُؤْلِمْ، وَلَا يَجْرَحْ، وَلَا يَكْسِرْ، وَلَا يَعْفِنْ - فَإِنْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ ذَنْبٍ أُقِيدَتْ مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَبِيتُ عِنْدَ أَمَتِهِ، وَلَا عِنْدَ أُمِّ وَلَدِهِ، وَلَا فِي دَارِ غَيْرِهِ إلَّا بِعُذْرٍ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] . فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هِجْرَانَهَا فِي الْمَضْجَعِ إلَّا إذَا خَافَ نُشُوزَهَا، وَإِنَّمَا أَبَاحَ مَضْرِبًا، وَلَمْ يُبِحْ الْجِرَاحَ، وَلَا كَسْرَ الْعِظَامِ، وَلَا تَعْفِينَ اللَّحْمِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] . فَصَحَّ أَنَّهُ إنْ اعْتَدَى عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ - نا هَمَّامُ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ» . فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُرَّةً مُتَزَوِّجَةً، مِنْ أَمَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ، وَلَا مُسْلِمَةً مِنْ ذِمِّيَّةٍ - وَأَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَعْدِلَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الزَّوْجَاتِ، أَوْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ إمَائِهِ. وَكُلُّ مَا قُلْنَا فَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَا فَضْلَ لِلزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ فِي الْقِسْمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةً وَزَوْجَةٌ مَمْلُوكَةً فَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْمَمْلُوكَةِ لَيْلَةٌ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَسْرُوقٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: الْقِسْمَةُ لَهُمَا سَوَاءٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمًا بِأَنَّهُ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ. وَقَالُوا: لَمَّا كَانَتْ عِدَّةُ الْأَمَةِ وَحْدَهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَحْدَهَا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ قِسْمَتُهَا نِصْفَ قِسْمَةِ الْحُرَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمُرْسَلُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَعَهِدْنَا بِهِمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَمَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَاتِ بِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ وَتَرَكُوا هَهُنَا عُمُومَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ عُمُومًا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ مُرْسَلٍ، مُخَالِفٍ لِعُمُومِ الْقُرْآنِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ خَالَفُوا طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ فِيمَا لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهِ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ فِي الْقَضَاءِ بِوَلَدِ الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِسَيِّدِ أُمِّهِ، أَوْ فِدَائِهِ بِرَأْسٍ أَوْ رَأْسَيْنِ، وَإِلْزَامِ الْبَائِعِ الْخَلَاصَ. وَخَالَفُوهُمْ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا. وَأَمَّا قِيَاسُ الْقِسْمَةِ عَلَى الْعِدَّةِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ، وَتَعَارُضُهُمْ بِقِيَاسٍ أَدْخَلَ فِي الْإِيهَامِ مِنْ قِيَاسِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتَا فِي النَّفَقَةِ سَوَاءً وَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءً -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

أحكام الإيلاء

[أَحْكَامُ الْإِيلَاء] [مَسْأَلَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ] 1885 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ، أَوْ أَنْ يَسُوءَهَا، أَوْ أَنْ لَا يَجْمَعَهُ، وَإِيَّاهَا فِرَاشٌ، أَوْ بَيْتٌ، سَوَاءً قَالَ ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ فِي رِضًا لِصَلَاحِ رَضِيعِهَا، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ - اسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ - فَسَوَاءٌ وَقَّتَ وَقْتًا - سَاعَةً فَأَكْثَرَ إلَى جَمِيعِ عُمْرِهِ - أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ: الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ. وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوقِفَهُ، وَيَأْمُرَهُ بِوَطْئِهَا، وَيُؤَجِّلَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ يَحْلِفُ، سَوَاءً طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطْلُبْ، رَضِيَتْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْضَ. فَإِنْ فَاءَ فِي دَاخِلِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يَعْتَرِضْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ، فَإِذَا تَمَّتْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِالسَّوْطِ عَلَى أَنْ يَفِيءَ فَيُجَامِعَ أَوْ يُطَلِّقَ، حَتَّى يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا، كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ يَمُوتَ قَتِيلَ الْحَقِّ إلَى مَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْجِمَاعِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَصْلًا، فَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ مَا لَا يُطِيقُ، لَكِنْ يُكَلَّفُ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ، وَيُحْسِنَ الصُّحْبَةَ، وَالْمَبِيتَ عِنْدَهَا، أَوْ يُطَلِّقَ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقُ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ. وَمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى وَطْئِهَا كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. وَمَنْ حَلَفَ فِي ذَلِكَ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ مَشْيٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ مُؤْلِيًا، وَعَلَيْهِ الْأَدَبُ، لِأَنَّهُ حَلَفَ بِمَا لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] . فَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي كُلَّ مَا قُلْنَا، لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» . فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَحْلِفْ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَلَيْسَ حَالِفًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَنْ وَقَّتَ مِمَّنْ لَمْ يُوَقِّتْ، وَلَا مَنْ اسْتَثْنَى مِمَّنْ لَمْ يَسْتَثْنِ، وَلَا مَنْ طَلَبَتْهُ امْرَأَتُهُ مِمَّنْ لَمْ تَطْلُبْهُ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَبْدِهِ لَا لَهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» وَالْآبِي مِنْ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ: مُعْلِنٌ بِالْمُنْكَرِ، فَوَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ مَا دَامَ مُظْهِرًا لِلْمُنْكَرِ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ بِشَيْءٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، لِأَنَّهُ نَصُّ الْآيَةِ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَهَجَرَهُنَّ كُلَّهُنَّ شَهْرًا ثُمَّ رَاجَعَهُنَّ» ، فَمَنْ فَعَلَ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا فَاءَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ -. وَالْعَاجِزُ عَنْ الْجِمَاعِ إذَا حَلَفَ مُؤْلٍ مِنْ امْرَأَتِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ جِمَاعًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُكَلَّفَ مِنْ الْفَيْئَةِ مَا يُطِيقُ، وَهُوَ مُطِيقٌ عَلَى الْفَيْئَةِ بِلِسَانِهِ، وَمُرَاجَعَتُهُ مَضْجَعُهَا، وَحُسْنُ صُحْبَتِهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] . فَمَنَعَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا عَزِيمَتَهُ الطَّلَاقَ.

فَصَحَّ أَنَّ طَلَاقَ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ فُضُولٌ، وَبَاطِلٌ، وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، أَوْ أَنْ يَفِيءَ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ عَلَى مَنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ، لَا عَلَى مَنْ آلَى مِمَّنْ لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْحُكْمُ حِينَ كَوْنِ مَا يُوجِبُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، إلَّا بِنَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خِلَافٌ، قَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْهِجْرَةَ بِلَا يَمِينٍ لَهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَتْ أَهْلُكَ عَهْدِي بِهَا لَسُنَّةٌ سَيِّئَةُ الْخَلْقِ؟ قَالَ: أَجَلْ وَاَللَّهِ لَقَدْ خَرَجَتْ وَمَا أُكَلِّمُهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِّلْ السَّيْرَ، أَدْرِكْهَا قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِنْ مَضَتْ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْإِيلَاءُ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا أَبَدًا. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الْإِيلَاءَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ عَلَى الْجِمَاعِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَيْسَ إيلَاءٌ. وَمِمَّنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا بَعْضُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَيَغِيظَنَّهَا، أَوْ لَيَسُؤَنَّهَا، أَوْ لَيَحْرِمَنَّهَا، أَوْ لَا يَجْمَعُ رَأْسَهُ وَرَأْسَهَا: فَهُوَ إيلَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ حَالَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ إيلَاءٌ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي الْأَيْمَانِ بَعْضُ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْ قَرُبْتُك؟ قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مَسِسْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَيْسَ ذَلِكَ بِإِيلَاءٍ، لَيْسَ الطَّلَاقُ بِيَمِينٍ فَيَكُونُ إيلَاءً. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: إنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ أَنْتِ كَأُمِّي، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُك: فَهُوَ إيلَاءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ صِيَامٍ فَهُوَ إيلَاءٌ، فَإِنْ حَلَفَ بِنَذْرِ صَلَاةٍ، أَوْ بِأَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعًا، أَوْ بِأَنْ يُسَبِّحَ مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَيْسَ مُؤْلِيًا. وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي سَمَاعُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ؟ وَمِمَّنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي الْمُدَّةِ طَائِفَةٌ -: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ وَبَرَةَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ؟ فَأَتَوْا فِي ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَجَعَلَهُ إيلَاءً. قَالَ سُفْيَانُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَغَيْرُهُ: إذَا آلَى يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَهُوَ إيلَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ شَهْرًا، فَمَكَثَ عَنْهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: ذَلِكَ إيلَاءٌ - سَمَّى أَجَلًا أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ - فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ - كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ - فَهِيَ وَاحِدَةٌ - يُرِيدُ هِيَ تَطْلِيقَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؟ فَهُوَ إيلَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا اللَّيْلَةَ، فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؟ فَإِنْ كَانَ تَرَكَهَا لِيَمِينِهِ فَهُوَ إيلَاءٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.

وَصَحَّ خِلَافُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَعَنْ طَاوُسٍ: إذَا حَلَفَ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؟ فَلَيْسَ إيلَاءً - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمْ: لَا يَكُونُ مُؤْلِيًا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ، إنَّمَا الْمُؤْلِي مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كِلَا الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ لِنَصِّ الْآيَةِ، إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِيلَاءَ مِنْ نِسَائِهِمْ دُونَ تَوْقِيفٍ، ثُمَّ حَكَمَ بِالتَّوْقِيفِ وَالتَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَكَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ بِإِلْزَامِ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا إيلَاءَ إلَّا مَا كَانَ فِي غَضَبٍ: فَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قُلْت لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةَ أَخِي وَهِيَ تُرْضِعُ ابْنَ أَخِي فَقُلْت: هِيَ طَالِقٌ إنْ قَرِبْتهَا حَتَّى تَفْطِمَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا أَرَدْت الْإِصْلَاحَ لَك وَلِابْنِ أَخِيك، فَلَا إيلَاءَ عَلَيْك، إنَّمَا الْإِيلَاءُ مَا كَانَ فِي الْغَضَبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ - قَالَ هُشَيْمٌ: وَنَا أَبُو وَكِيعٍ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِيلَاءُ فِي الْغَضَبِ. وَمِمَّنْ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ: إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْقَعْقَاعُ بْنُ يَزِيدَ الضَّبِّيُّ أَنَّهُ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّمَا الْإِيلَاءُ فِي الْغَضَبِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا يَقُولُونَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي هَلْ يَقَعُ طَلَاقٌ بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَمْ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ؟ فَاَلَّذِينَ قَالُوا بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ الطَّلَاقُ -:

فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَا فِي الْإِيلَاءِ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا آلَى مِنْهَا فَمَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ الضَّرِيرُ - عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا جَمِيعًا إذَا آلَى فَلَمْ يَفِئْ حَتَّى تَمْضِيَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ - قَالَ إسْمَاعِيلُ: وَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَتَتَزَوَّجُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا آلَى مِنْهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَيَخْطُبُهَا فِي عِدَّتِهَا وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ مَعَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ. وَرَأَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ. وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ -: وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: إذَا آلَى الرَّجُلُ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ. وَبِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَسْرُوقٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَاهُ فِي إيلَائِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ: إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ بَانَتْ مِنْك بِتَطْلِيقَةٍ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَتَخْطُبُهَا إنْ شِئْت وَشَاءَتْ، وَلَا يَخْطُبُهَا غَيْرُك.

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ - وَبِهِ يَقُولُ عَطَاءٌ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ - وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ: أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ تَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي الْإِيلَاءِ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا - وَبِهِ يَقُولُ الزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُوقَفُ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى الْإِيلَاءَ شَيْئًا حَتَّى يُوقَفَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ نا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْإِيلَاءِ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ امْرَأَتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: يُوقَفُ الْمُؤْلِي فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ - هُوَ الْقَعْنَبِيُّ - نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ لَا يَرَى الْإِيلَاءَ شَيْئًا - وَإِنْ مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ - حَتَّى يُوقَفَ. وَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الشَّيْبَانِيُّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَوْقَفَ رَجُلًا عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ بِالرَّحْبَةِ: إمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ.

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ وُقِفَ عِنْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَقِيلَ لَهُ: إمَّا تَفِيءُ، وَإِمَّا تَعْزِمُ الطَّلَاقَ؟ وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يُوقَفُ الْمُؤْلِي عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ؛ كُلِّهِمْ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشْرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُمْ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ: يُوقَفُ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، كُلِّهِمْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْمُؤْلِيَ يُوقَفُ: فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ. وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي مِجْلَزٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، كُلِّهِمْ يَقُولُ: يُوقَفُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَدْرَكْت النَّاسَ يَقْفُونَ صَاحِبَ الْإِيلَاءِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ: فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ - وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ " وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيِّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - يَقُولَانِ: يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ إنْ أَبَى. ثُمَّ اخْتَلَفَا - فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَذَلِكَ سُقُوطُ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا عَادَ عَلَيْهِ التَّوْقِيفُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ ذِي قَبْلٍ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ، وَإِلَّا عَادَ عَلَيْهِ التَّوْقِيفُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ التَّوْقِيفَ فِي الْإِيلَاءِ بِلَا شَكٍّ عَامًا كَامِلًا، وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَإِذَا بَطَلَ التَّوْقِيفُ بَطَلَ الْإِيلَاءُ الَّذِي أَوْجَبَهُ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا بَانَتْ عَنْهُ عِنْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِ الْحَاكِمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ لَا نَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ قَائِلهُ؟ إذْ لَيْسَ فِي الْبَاطِلِ أَكْثَرُ مِنْ إجَازَةِ كَوْنِ امْرَأَةٍ فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ صَحِيحِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَمَا نَعْلَمُ فِي أَيِّ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وُجِدَ هَذَا؟ وَاعْلَمُوا أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِتَقْلِيدِهِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ الَّذِي اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ: مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لَمْ يُحْفَظْ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ - وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، وَلِلسُّنَنِ كُلِّهَا، وَلِلْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ -: أَمَّا الْقُرْآنُ - فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَجَعَلَ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجِ الْمُؤْلِي لَا إلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ، لَا حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُ حَاكِمٍ. وَأَمَّا السُّنَنُ - فَإِنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِي مَوَاضِعَ مَعْرُوفَةٍ بِفَسْخِ النِّكَاحِ، وَإِمَّا بِطَلَاقِ أَحَدٍ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا أَصْلًا، وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا كَلِمَةٌ، فَإِنَّمَا قَالَ بِقَوْلِنَا: إمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ؟ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَيُّهُمَا شَاءَ وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ - فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَجَازُوا أَنْ يُطَلِّقَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُؤْلِي؟ وَلَمْ يُجِيزُوا أَنْ يَفِيءَ عَنْهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. فَإِنْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَحِلَّ فَرْجَ امْرَأَةِ سِوَاهُ فَيَكُونُ زِنًى؟ قُلْنَا لَهُ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُبِيحَ فَرْجَ امْرَأَةِ سِوَاهُ لِغَيْرِ زَوْجِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ إبَاحَةً لِلزِّنَا وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: وَلَا فَرْقَ، وَمَا أَجَزْنَا قَطُّ أَنْ يَفْسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فِي الْعَالَمِ عَنْ زَوْجِهَا، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؟

مسألة العبد والحر في الإيلاء سواء

إنَّمَا قُلْنَا: كُلُّ نِكَاحٍ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَسْخَهُ: فَهُوَ مَفْسُوخٌ، سَوَاءً أَحَبَّ الْحَاكِمُ ذَلِكَ أَوْ كَرِهَهُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ، وَلَا رَأْيَ لَهُ فِيهِ، إنَّمَا الْحَاكِمُ مُنَفِّذٌ بِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَكُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ مِمَّا عَدَا مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. [مَسْأَلَةٌ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْإِيلَاءِ سَوَاءٌ] 1886 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْإِيلَاءِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ، أَوْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ، أَوْ الذِّمِّيَّةِ - الْكَبِيرَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ - سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ - لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: بَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ إيلَاءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا - إيلَاءُ الْأَمَةِ شَهْرَانِ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَإِيلَاؤُهَا شَهْرَانِ، وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنْ لَا إيلَاءَ لِلْعَبْدِ دُونَ سَيِّدِهِ، وَهُوَ شَهْرَانِ. وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ. فَإِنَّ مَوَّهُوا بِعُمَرَ؟ قُلْنَا: وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ الْإِيلَاءُ مِنْ الْأَمَةِ شَهْرَانِ - وَجَاءَ عَنْهُ: لَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ إلَّا اثْنَتَيْنِ، فَخَالَفْتُمُوهُ، وَهَذَا تَلَاعُبٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِيلَاءُ زَوْجِهَا الْحُرِّ وَالْعَبْدِ عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِيلَاءُ زَوْجِهَا الْحُرِّ وَالْعَبْدِ عَنْهَا شَهْرَانِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إيلَاءُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنْ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ

مسألة آلى من أربع نسوة له بيمين واحدة

أَشْهُرٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُرْآنِ. [مَسْأَلَةٌ آلَى مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ] 1887 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ آلَى مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ: وُقِفَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ مِنْ حِينِ يَحْلِفُ، فَإِنْ فَاءَ إلَى وَاحِدَةٍ سَقَطَ حُكْمُهَا، وَبَقِيَ حُكْمُ الْبَوَاقِي، فَلَا يَزَالُ يُوقَفُ لِمَنْ لَمْ يَفِئْ إلَيْهَا حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ عَلَى أَشْيَاءَ مُتَغَايِرَةٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ حُكْمُهَا، وَهُوَ مُؤْلٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . [مَسْأَلَةٌ آلَى مِنْ أَمَتِهِ] 1888 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ آلَى مِنْ أَمَتِهِ فَلَا تَوْقِيفَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ فِيهَا الْفَيْئَةُ أَوْ الطَّلَاقُ، وَلَيْسَ فِي الْمَمْلُوكَةِ طَلَاقٌ أَصْلًا - فَصَحَّ أَنَّهُ فِي الْمُتَزَوِّجَاتِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا] 1889 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُنَا فِيمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ؟ فَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا قَالَ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] فَمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَلَمْ يُؤْلِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَارَتْ مِنْ نِسَائِهِ؟ قُلْنَا: مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَسْقُطَ الْحُكْمُ حِينَ إيجَابِهِ، وَيَجِبَ حِينَ لَمْ يَجِبْ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَارِدٌ، وَلَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ، وَلِأَنَّ التَّرَبُّصَ لَا يَكُونُ إلَّا حَيْثُ يُؤْخَذُ بِالْفَيْئَةِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَجْنَبِيَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الْإِيلَاءِ " بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ عَوْنِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ

كتاب الظهار

[كِتَابُ الظِّهَارِ] [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي] ِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ لِامْرَأَتِهِ، أَوْ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ مِنِّي بِظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ مِثْلُ ظَهْرِ أُمِّي؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحَرَّمُ بِذَلِكَ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ، حَتَّى يُكَرِّرَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ. وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ: الْمُؤْمِنُ، وَالْكَافِرُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَالْمَعِيبُ وَالسَّالِمُ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَقَبَةٍ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَلَا أَنْ يَمَسَّهَا بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ - فَضْلًا عَنْ الْوَطْءِ - إلَّا حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِالصِّيَامِ، فَإِنْ أَقْدَمَ أَوْ نَسِيَ فَوَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالصِّيَامِ: أَمْسَكَ عَنْ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَا بُدَّ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُتَغَايِرِينَ شَبَّعَهُمْ. وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْإِطْعَامِ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا بِذِكْرِ " ظَهْرِ الْأُمِّ " وَلَا يَجِبُ بِذِكْرِ فَرْجِ الْأُمِّ، وَلَا بِعُضْوٍ غَيْرِ الظَّهْرِ، وَلَا بِذِكْرِ الظَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْأُمِّ، لَا مِنْ ابْنَةٍ، وَلَا مِنْ أَبٍ، وَلَا مِنْ أُخْتٍ، وَلَا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَالْجَدَّةُ أُمٌّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} [المجادلة: 2]

الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . فَهَذِهِ الْآيَةُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قُلْنَاهُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا الظَّهْرَ مِنْ الْأُمِّ، وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِالْعَوْدِ لِمَا قَالَ، وَأَوْجَبَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ، وَلَمْ يَخُصَّ كَافِرَةً مِنْ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا مَعِيبَةً مِنْ صَحِيحَةٍ، وَلَا ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَلَا كَبِيرًا مِنْ صَغِيرٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَشَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ قَبْلَ التَّمَاسِّ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَةِ بِالْإِطْعَامِ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ. وَلَا يُجْزِئُ التَّكْرَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلَا خِلَافَ فِي الْإِشْبَاعِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعَالَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ. وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا زَوْجَةٍ مِنْ أَمَةٍ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْأَمَةِ لَا تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ؟ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - فِي قَوْلٍ لَهُ - وَعِكْرِمَةُ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا - وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِهِمْ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الظِّهَارِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ يَطَأُ الْأَمَةَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا فَلَا كَفَّارَةَ ظِهَارٍ عَلَيْهِ -: صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الظِّهَارُ مِنْ الْأَمَةِ كَالظِّهَارِ مِنْ الْحُرَّةِ -: صَحَّ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ،

وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظِهَارًا بِأَنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْإِيلَاءِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ وَالتَّحَكُّمِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ قِيَاسُ ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الظِّهَارِ عَلَى ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الْإِيلَاءِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِ ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الظِّهَارِ عَلَى ذِكْرِ النِّسَاءِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا، إذْ يَقُولُ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ الْإِمَاءُ مَعَ الْحَرَائِرِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ أَضْعَفَ النُّصُوصِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ، وَهَذَا مَكَانٌ تَرَكُوا فِيهِ عُمُومَ الْقُرْآنِ لِقِيَاسٍ فَاسِدٍ، وَلَيْسَ فِي الظِّهَارِ عِلَّةٌ تَجْمَعُهُ بِالْإِيلَاءِ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَأَتَوْا بِأَهْذَارٍ بَعْدَ هَذَا لَا مَعْنَى لِذَكَرِهَا، لِأَنَّهَا سَخَافَاتٌ وَحَمَاقَاتٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الظِّهَارُ يَجِبُ بِقَوْلٍ مَرَّةً. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى " الْعَوْدِ لِمَا قَالُوا ". فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَرَّةً " الْعَوْدُ لِمَا قَالُوا " هُوَ الْوَطْءُ نَفْسُهُ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ حَتَّى يَطَأَهَا، فَإِذَا وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْ وَطْئِهَا حِينَئِذٍ - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] . قَالَ: جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَطَؤُهَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] قَالَ: يَعُودُ لِمَسِّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] . قَالَ: جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَطَؤُهَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ - :

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ - قَالَ الْبَتِّيُّ: إنْ مَاتَتْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِيرَاثِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَإِنْ وَطِئَهَا كَفَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَوْدُ هَهُنَا إرَادَةُ الْوَطْءِ، فَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ حَتَّى يُرِيدَ وَطْأَهَا، فَإِذَا أَرَادَ وَطْأَهَا فَحِينَئِذٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ عَنْ وَطْئِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ أَرَادَ وَطْأَهَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ، وَهَكَذَا أَبَدًا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا - وَهُوَ أَسْقَطُ الْأَقْوَالِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ إيجَابٌ وَإِبْطَالٌ لِلدَّعْوَى بِلَا مَعْنَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى " الْعَوْدِ " أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ إلَّا الْكَفَّارَةُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطَأْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى مَاتَتْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرَادَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ وَطْأَهَا أَوْ لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ عَادَ عَلَيْهِ حُكْمُ الظِّهَارِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَالظِّهَارُ قَوْلٌ كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهُوا عَنْهُ، فَكُلُّ مَنْ قَالَهُ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْفَسَادِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ وَلَعِبٌ وَكَذِبٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُولُوهُ قَطُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] وَلَمْ يَقُلْ: لِمَا قَالَ غَيْرُهُمْ. وَذِكْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا لِظُهُورِ فَسَادِهِمَا، وَأَنَّهُمَا شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُمَا لَا يُحْفَظَانِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَوْدُ هُوَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا مُدَّةً بِقَدْرِ أَنْ يَقُولَ فِيهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يُطَلِّقُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ. وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ - مَاتَتْ أَوَعَاشَتْ، طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا - فَإِنْ طَلَّقَهَا إثْرَ ظِهَارِهِ مِنْهَا فَلَا كَفَّارَةَ ظِهَارٍ عَلَيْهِ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا.

وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَمْسَكَهَا وَعَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدُ - مَاتَتْ أَوْ عَاشَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا - رُوِيَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، وَيَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ - وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَمِيعُ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا إنَّمَا هِيَ دَعَاوَى لَا تُوَافِقُ فِي اللُّغَةِ - الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ - مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظَةُ " الْعَوْدِ لِمَا قَالَ " وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، نَعْنِي مَنْ فَسَّرَ " الْعَوْدَ " بِالْوَطْءِ، أَوْ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ، أَوْ بِالْإِمْسَاكِ، إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَوْدًا لِمَا قَالَ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ بِالظِّهَارِ وَحْدَهُ، لَكِنْ بِهِ وَبِ " الْعَوْدِ لِمَا قَالَ هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا وَهُوَ " أَنْ يَعُودَ لِمَا قَالَ ثَانِيَةً " وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ لِلْقَوْلِ إلَّا بِتَكْرِيرِهِ، لَا يُعْقَلُ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَارِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ فَكَانَ إذَا اشْتَدَّ لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَصِحُّ فِي الظِّهَارِ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ، إلَّا خَبَرًا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ فَسَاقِطٌ: إمَّا مُرْسَلٌ، وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، كَمَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّقَابِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ عِتْقُ الْكِتَابِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجْزِي - وَإِنَّمَا قَالَ الْمَالِكِيُّونَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى رَقَبَةِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا بَاطِلًا، لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الْكَفَّارَتَيْنِ فِي أَنْ لَا يَجْزِيَ فِيهِمَا كَافِرٌ، وَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا، وَلَا قَاسُوا إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي تَعْوِيضِ الْإِطْعَامِ مِنْ الصِّيَامِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُذْكَرْ تَعْوِيضُ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، إنَّمَا ذُكِرَ فِي الظِّهَارِ؟ فَقُلْنَا: وَلَا ذُكِرَتْ الْمُؤْمِنَةُ إلَّا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَلَمْ تُذْكَرْ فِي الظِّهَارِ، فَإِمَّا قِيسُوا كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، وَإِمَّا أَنْ لَا تَقِيسُوا وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَأَمَّا قِيَاسُكُمْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي بَعْضِ مَا فِيهَا دُونَ سَائِرِ مَا فِيهَا - فَتَحَكُّمٌ فَاسِدٌ، وَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الرَّقَبَةِ الْمَعِيبَةِ أَقْوَالًا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَلَا نَدْرِي مَا ذَنْبُ الْمَعِيبِ عِنْدَهُمْ، فَلَمْ يُجِيزُوا عِتْقَهُ فِي وَاجِبٍ. فَإِنْ قَالُوا: السَّالِمُ أَكْثَرُ ثَمَنًا؟ قُلْنَا: وَالْبَيْضَاءُ الْجَمِيلَةُ أَكْثَرُ ثَمَنًا مِنْ السَّوْدَاءِ الذَّمِيمَةِ، فَلَا تُجِيزُوا فِي ذَلِكَ السَّوْدَاءَ الذَّمِيمَةَ - وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ فَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ بِمِثْلِهَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّ عِتْقَ الْأَعْمَى يَجْزِي فِي ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الْأَشَلَّ يَجْزِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ بِغَيْرِ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ ظِهَارًا -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: مَنْ ظَاهَرَ مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: مَنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ بِأُخْتٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَكُلُّ ذَلِكَ كَأُمِّهِ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنْ ظَاهَرَ بِبِنْتِ خَالِهِ فَلَيْسَ ظِهَارًا.

وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ - هُوَ أَشْهُرُ أَقْوَالِهِ - وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ظَاهَرَ بِامْرَأَةٍ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا يَوْمًا وَمِنْ الدَّهْرِ فَلَيْسَ ظِهَارًا، مَنْ ظَاهَرَ بِامْرَأَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا قَطُّ فَهُوَ ظِهَارٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بِابْنَةٍ فَهُوَ كُلُّهُ ظِهَارٌ. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا ظِهَارَ إلَّا بِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ - وَهُوَ قَوْلٌ رَوَاهُ أَيْضًا - أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: لَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ: مِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُنَّ مُحْرِمَاتٌ كَالْأُمِّ؟ قُلْنَا: وَالْأَبُ أَيْضًا مُحَرَّمٌ كَالْأُمِّ، وَجَمِيعُ الرِّجَالِ كَذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسُوا مِنْ النِّسَاءِ، وَالْأُمُّ مِنْ النِّسَاءِ؟ قُلْنَا: وَلَا ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ أُمَّهَاتٌ، وَالْأُمُّ هِيَ الَّتِي وَلَدَتْهُ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ قِيَاسٍ وَقِيَاسٍ - وَقَالَ لِمَنْ قَالَ بِالظِّهَارِ مِنْ كُلِّ أَجْنَبِيَّةٍ، وَمِنْ الْأَبِ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ قِسْتُمْ الظِّهَارَ بِالْأَبِ عَلَى الظِّهَارِ بِالْأُمِّ، وَلَمْ تَقِيسُوا ظِهَارَ الْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى ظِهَارِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ؟ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ، كُلُّهُمْ أَجَلُ مِنْ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَتْ: إنْ تَزَوَّجْت مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي؟ فَسَأَلْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَرَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ - قَالَ الْأَثْرَمُ: فَقُلْت لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَتُكَفِّرُ؟ قَالَ: نَعَمْ تُكَفِّرُ - فَهَذَا كَمَا يَرَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مُصْعَبٍ - هَذَا قَدِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ ظَاهَرَتْ مِنْ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ إنْ تَزَوَّجَتْهُ، فَتَزَوَّجَتْهُ فَسَأَلَتْ الْفُقَهَاءَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ؟ فَأُمِرَتْ بِكَفَّارَةٍ.

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ الْحُمْرَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كِلَاهُمَا بِمِثْلِ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ: قَالَتْ بِنْتُ طَلْحَةَ: مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ إنْ نَكَحْته فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِيهَا، ثُمَّ نَكَحَتْهُ، فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ فَقَالُوا: تُكَفِّرُ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: هُوَ عَلَيْهَا كَأَبِيهَا؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَتْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا، فَنَرَى أَنْ تُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا - وَلَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ النَّهْدِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى: تُظَاهِرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ ظِهَارًا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ. فَإِنْ قَالُوا: كَانَ الظِّهَارُ طَلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّلَاقُ إلَى الرِّجَالِ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ صَحَّ عِنْدَكُمْ أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِيَدِ الْمَرْأَةِ إذَا جَعَلَهُ الرَّجُلُ بِيَدِهَا؟ فَقُولُوا كَذَلِكَ فِي الظِّهَارِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ فَسَادَ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ ظَاهَرَ بِرَأْسِ أُمِّهِ أَوْ يَدِهَا؟ فَهُوَ ظِهَارٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ ظَاهَرَ بِشَيْءٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ أُمِّهِ؟ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ بِشَيْءٍ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ أُمِّهِ؟ فَلَيْسَ ظِهَارًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ مَقَايِيسُ فَاسِدَةٌ، لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنَّ مَا ظَاهَرَ بِهِ مِنْ أَعْضَاءِ أُمِّهِ فَهُوَ ظِهَارٌ وَالْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا: مِنْ أَنْ لَا نَتَعَدَّى النَّصَّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَرَّرَ الْإِطْعَامَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خِلَافُ إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتِّينَ مِسْكِينًا - وَأَمَّا مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَوَطِئَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُنَّ أَوْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقٍ أَوْ بِصَوْمٍ؟ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ عَلَى الْكَفَّارَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَظَاهِر يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ: يَمْسِكُ حَتَّى يُكَفِّرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَيْضًا عَنْ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْت عَشَرَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ عَنْ الْمُظَاهِرِ يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ؟ فَقَالُوا: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ وَكِيعٌ: وَهُمْ -: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ. قَالَ وَكِيعٌ: وَالْعَاشِرُ أَرَاهُ نَافِعًا - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: عَنْ التَّيْمِيِّ بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَابْنُ عُمَرَ فِي الْمَظَاهِر يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ؟ قَالَا جَمِيعًا: عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ فِي الْمَظَاهِر يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ؟ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ أَيْضًا - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدَةُ، قَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا جَمِيعًا فِي الَّذِي يُظَاهِرُ ثُمَّ يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ: عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَوْلَا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا الْحَسَنُ بْنُ حُرَيْثٍ نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ

عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ لَا يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَوَطِئَ قُبُلَ الَّتِي ظَاهَرَ عَلَيْهَا لَيْلًا، قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الشَّهْرَيْنِ؟ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يَبْتَدِئُ الشَّهْرَيْنِ مِنْ ذِي قَبْلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَالشَّافِعِيُّ: يُتِمُّهُمَا بَانِيًا عَلَى مَا صَامَ مِنْهُمَا. وَهَذَا هُوَ صَحِيحٌ، إذْ إنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرَانِ يَتِمَّانِ قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ بَعْدُ فَلَا يَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْهُمَا بَعْدَ الْوَطْءِ، وَمَا مَضَى مِنْهُمَا قَبْلَ الْوَطْءِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ إلَى أَنْ يَكُونَا بِكَمَالِهِمَا بَعْدَ الْوَطْءِ. وَأَمَّا ظِهَارُ الْعَبْدِ - فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْعَبْدِ يُظَاهِرُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ إنْ صَامَ شَهْرًا أَجْزَأَ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي عَبْدٍ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ؟ قَالَ: يَنْتَظِرُ الصَّوْمَ، وَلَا ظِهَارَ لِعَبْدٍ دُونَ سَيِّدِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ

مسألة ظاهر من أجنبية ثم كرره ثم تزوجها

عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْعَبْدِ الْمَظَاهِرِ يَصُومُ شَهْرَيْنِ وَإِنْ أَذِنُوا لَهُ فِي الْعِتْقِ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَكْفِيرِ الْعَبْدِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ. وَقَالَ طَاوُسٌ كَقَوْلِنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ: مَا كَانَ أَبُوك يَقُولُ فِي ظِهَارِ الْعَبْدِ؟ قَالَ: كَانَ يَقُولُ عَلَيْهِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْحُرِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَصُومُ شَهْرَيْنِ وَلَا يَجْزِيهِ الْعِتْقُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] [مَسْأَلَةٌ ظَاهَرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ كَرَّرَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا] 1891 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ كَرَّرَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ظِهَارٌ، وَلَا كَفَّارَةٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَعَلَ رَجُلٌ امْرَأَةً كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ تَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ تَزَوَّجْتهَا فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الظِّهَارَ قَبْلَ النِّكَاحِ شَيْئًا، وَلَا يَرَى أَيْضًا الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ شَيْئًا - وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، قَالَا جَمِيعًا: إنْ ظَاهَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

مسألة ظاهر ثم كرر ثانية ثم ثالثة

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ، وَلَمْ يَجْعَلْ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ غَيْرِ امْرَأَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قُلْنَا: إنَّمَا الظِّهَارُ حِينَ النُّطْقِ بِهِ لَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْحُكْمُ لِلْقَوْلِ حِينَ يُقَالُ ثُمَّ يَلْزَمَ حِينَ لَا يُقَالُ. وَمَنْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ وَطَأْتُك، أَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا - وَكَرَّرَ ذَلِكَ - فَلَيْسَ ظِهَارًا - فَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ - لِأَنَّهُ لَمْ يُمْضِ الظِّهَارَ وَلَا الْتَزَمَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ فِي غَيْرِ حَالِ الْتِزَامِهِ، إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ هَهُنَا. [مَسْأَلَةٌ ظَاهَرَ ثُمَّ كَرَّرَ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً] 1892 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَاهَرَ ثُمَّ كَرَّرَ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بِهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَا وَحَصَلَتْ الثَّالِثَةُ مُنْفَرِدَةً لَا تُوجِبُ شَيْئًا، فَإِنْ كَرَّرَ رَابِعَةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا أَعَادَ مِنْ الظِّهَارِ لِأَنَّ بِتَكْرَارِهِ ثَانِيَةً تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَلْزَمُ، فَيَكُونُ فِيمَا بَعْدَهَا مُبْتَدِئًا لِلظِّهَارِ، فَإِنْ كَرَّرَهُ وَجَبَتْ كَفَّارَةٌ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ فِي مَقَاعِدَ شَتَّى فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ شَتَّى، وَالْإِيمَانُ كَذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. رُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ قَالُوا: إذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ خَمْسِينَ مَرَّةً فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٍ. وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى مَا لَمْ يُكَفِّرْ، فَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ ظَاهَرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى.

مسألة من لزمته كفارة الظهار لم يسقطها عنه موته ولا موتها

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ مِرَارًا وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى - فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَالْأَيْمَانُ كَذَلِكَ - قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ كَرَّرَ الظِّهَارَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَنَوَى التَّكْرَارَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى. قَالَ عَلِيٌّ: لَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنْهُ مَوْتُهُ وَلَا مَوْتُهَا] 1893 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنْهُ مَوْتُهُ، وَلَا مَوْتُهَا، وَلَا طَلَاقُهُ لَهَا، وَهِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ - أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ - لِأَنَّهَا مِنْ دُيُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ. [مَسْأَلَةٌ عَجَزَ الْمُظَاهِر عَنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ] 1894 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ: فَحُكْمُهُ الْإِطْعَامُ أَبَدًا - أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يُوسِرْ، قَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ أَوْ لَمْ يَقْوَ - وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ فَقَدْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يُعَوِّضْ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْهُ شَيْئًا أَصْلًا، فَهُوَ حُكْمُ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُوَقِّتْ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ آخَرَ فَهُوَ لَازِمٌ أَبَدًا، لِأَنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى وَاجِبٌ لَا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ. وَمَنْ كَانَ حِينَ لُزُومِهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ لَهُ قَادِرًا عَلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ لَمْ يَجْزِهِ غَيْرُهَا أَبَدًا، وَإِنْ افْتَقَرَ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ قَدْ اسْتَقَرَّ، فَلَا يُحِيلُهُ شَيْءٌ. وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الرَّقَبَةِ قَادِرًا عَلَى صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُمَا رَمَضَانُ، وَلَا بِيَوْمٍ لَا يَحِلُّ صِيَامُهُ، وَاتَّصَلَتْ قُوَّتُهُ كَذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَصُمْهَا، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ - إلَى أَنْ مَاتَ - لَمْ يَجْزِهِ إطْعَامٌ وَلَا عِتْقٌ أَبَدًا، فَإِنْ صَحَّ صَامَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ صَامَهُمَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» فَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ صِحَّتُهُ وَقُوَّتُهُ عَلَى الصِّيَامِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِنَّ أَيْسَرَ فِي خِلَالِهَا فَالْعِتْقُ فَرْضُهُ أَبَدًا، فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَالْإِطْعَامُ فَرْضُهُ أَبَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

أحكام العنين

[أَحْكَامُ الْعِنِّين] [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَطْئِهَا] 1895 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَطْئِهَا - سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَهَا مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا قَطُّ - فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، وَلَا أَنْ يُؤَجِّلَ لَهُ أَجَلًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ - إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ -: وَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا دُونَ تَوْقِيفٍ وَلَا تَأْجِيلٍ - وَهُوَ مُنْقَطِعٌ: سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ عُثْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ قَدْ شَكَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا: فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ سَمُرَةُ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ وَدِينٍ وَيُدْخِلَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَسْأَلَهَا؟ فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا أَمَرَهُ بِفِرَاقِ الَّتِي شَكَتْ بِهِ، فَفَعَلَ؟ فَحَكَتْ: أَنَّهُ لَا يُجَامِعُ، فَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - صَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ فِي الْعِنِّينِ يُؤَجَّلُ، قُلْت: كَمْ يُؤَجَّلُ؟ قَالَ: يُؤَجَّلُ، فَكُلَّمَا كَرَّرَ عَلَيْهِ: كَمْ يُؤَجَّلْ؟ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى: يُؤَجَّلُ وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَجَّلَ رَجُلًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ

وَقَوْلٌ خَامِسٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ لِلْعِنِّينِ أَجَلَ سَنَةٍ، وَأَعْطَاهَا صَدَاقَهَا وَافِيًا وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يُصِبْهَا فِي السَّنَةِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا - وَلَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ هَذَا أَصْلًا، لِأَنَّهَا إمَّا عَنْ ضُعَفَاءَ، وَإِمَّا مُنْقَطِعَةً وَمِنْ جُمْلَتِهَا - أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَضَيَا فِي الْعِنِّينِ: أَنْ يَنْتَظِرَ بِهِ سَنَةً - ثُمَّ تَعْتَدَّ بَعْد السَّنَةِ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَمْرِهَا فِي عِدَّتِهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا - تُؤَجَّلُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ - وَلَا يَصِحُّ وَرُوِّينَا أَيْضًا - عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ - وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا - أَنَّهُ أَجَّلَهُ سَنَةً ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا - وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً، فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ الْقُضَاةِ هَكَذَا جُمْلَةً، وَرَبِيعَةَ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ

وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هَذَا إنْ صَدَقَهَا، وَأَمَّا إذَا خَالَفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَلَا يُؤَجَّلُ لَهَا، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَطَؤُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ هِيَ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ النِّسَاءُ: هِيَ بِكْرٌ حَلَفَتْ - مَعَ ذَلِكَ - وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ هُوَ وَبَقِيَتْ مَعَهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ هَؤُلَاءِ: إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا - وَلَوْ مَرَّةً - فَلَا كَلَامَ لَهَا وَلَا يُؤَجَّلُ لَهَا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: مَتَى عَنَّ عَنْهَا أُجِّلَ سَنَةً ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا - وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِثْلُ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ ابْنِ أَخٍ لَهُ وَكَانَ عِنِّينًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَدْ آجَرَك اللَّهُ وَوَفَّرَ لَك ابْنَتَك وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، قَالَ: سَمِعْت هَانِئَ بْنَ هَانِئٍ قَالَ: رَأَيْت امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: هَلْ لَك فِي امْرَأَةٍ لَيْسَتْ بِأَيِّمٍ وَلَا بِذَاتِ بَعْلٍ؟ قَالَ: وَجَاءَ زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: لَا تَسْأَلْ عَنْهَا إلَّا مَبِيتَهَا؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا مِنْ السِّحْرِ قَالَ: لَا، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: هَلَكَتْ وَأَهْلَكَتْ أَمَّا أَنَا فَلَسْت مُفَرِّقًا بَيْنَكُمَا؟ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نا سُفْيَانُ نا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ:

كُنْت عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَامَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: لَهُ: هَلْ لَك إلَى امْرَأَةٍ وَلَا أَيِّمٍ وَلَا ذَاتِ بَعْلٍ؟ قَالَ: وَأَيْنَ زَوْجُك؟ فَقَالَتْ: هُوَ فِي الْقَوْمِ فَقَامَ شَيْخٌ يَجْنَحُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: سَلْهَا هَلْ تَنْقِمُ فِي مَطْعَمٍ أَوْ ثِيَابٍ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: فَمَا مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا مِنْ السِّحْرِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلَكَتْ وَأَهْلَكَتْ؟ قَالَتْ فَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ قَالَ اصْبِرِي، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَابْتَلَاك بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ الدَّاءُ؟ قَالَ: هِيَ امْرَأَتُهُ لَا تُنْزَعُ مِنْهُ وَرُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهَا امْرَأَتُهُ، لَا تُؤَجَّلُ لَهُ، وَلَا يُؤَجَّلُ لَهَا، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا -، وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى مِثْلِ قَوْلِ عُثْمَانَ: أَنَّهُ أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا دُونَ تَوْقِيفٍ بِخَبَرٍ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ أُمَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ، وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، فَجَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: مَا يُغْنِي عَنِّي إلَّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشَّعْرَةُ لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسِهَا؟ فَفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ فَأَخَذَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمِيَّةٌ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ» وَفِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَهُ: طَلِّقْهَا؟ فَفَعَلَ، قَالَ: رَاجِعْ امْرَأَتَكَ أُمَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ؟ فَقَالَ: إنْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ، أَرْجِعْهَا وَتَلَا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] »

وَاحْتَجُّوا بِفِعْلِ عُثْمَانَ، وَقَالُوا: إنَّمَا تَزَوَّجْته لِلْوَطْءِ، فَإِذَا عَدِمَتْهُ فَهُوَ ضَرَرٌ بِهَا، وَالضَّرَرُ مَمْنُوعٌ - لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْخَبَرُ فَضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، وَلَا عُرِفَ مِنْ بَنِي أَبِي رَافِعٍ - فَهُوَ لَا يَصِحُّ، وَأَيْضًا فَإِنَّ عَبْدَ يَزِيدَ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَطُّ مُتَيَقَّنٌ، وَلَا إسْلَامٌ، وَإِنَّمَا الصُّحْبَةُ لِرُكَانَةَ ابْنِهِ فَسَقَطَ التَّمْوِيهُ بِهِ وَأَمَّا فِعْلُ عُثْمَانَ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ الِاحْتِجَاجُ بِبَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِآخَرَ مِنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا نَكَحْته لِلْوَطْءِ فَعَدَمُهُ ضَرَرٌ عَلَيْهَا؟ فَنَعَمْ، إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ -

وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ - وَجَلٌّ فَوَاجِبٌ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ - فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَوَجَبَ أَنْ لَا يُكَلَّفَ الْعِنِّينُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فِي تَأْجِيلِ السَّنَةِ، ثُمَّ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ إمَّا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، وَلَا سَمَاعَ لَهُ مِنْ عُمَرَ إلَّا نَعْيُهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ - وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ، وَلَا وُلِدَ الْحَسَنُ إلَّا لِعَامَيْنِ بَقِيَا مِنْ حَيَاةِ عُمَرَ وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَعَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ - وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى السِّقَايَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً - وَكَانَ عَقِيمًا - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَعْلَمْتهَا أَنَّك عَقِيمٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْلِمْهَا ثُمَّ خَيِّرْهَا وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَّلَ مَجْنُونًا سَنَةً، فَإِنْ أَفَاقَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ - وَهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي الْعِنِّينِ دُونَ الْعَقِيمِ وَالْمَجْنُونِ؟ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ - وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جعدبة، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَوَضَعَ الْحَدِيثَ

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ جُمْلَةً هَالِكٌ وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَهُوَ لَا شَيْءَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً فَمِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ - وَهُوَ مُدَلِّسٌ - عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِذَلِكَ، فَاسِدُ الدِّينِ، يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَمِنْ طَرِيقِ أَبِي طَلْقٍ الْعَائِدِيِّ، وَأَبِي النُّعْمَانِ - وَهُمَا مَجْهُولَانِ لَا يَدْرِيهِمَا أَحَدٌ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ سَاقِطٌ وَجِلٌ - عَنْ رَجُلٍ - لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَا يَدْرِي مَنْ هُوَ - عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ نُعَيْمٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ ذَلِكَ لَكَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسَمُرَةَ وَمُعَاوِيَةَ: خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِأَخْذِ قَوْلِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَيْضًا - فَإِنَّ فِي الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا - فَلَيْسَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمَذْكُورِينَ: أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا كَلَامَ لَهَا وَلَا تَوْقِيفَ - وَصَحَّ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِضَرَرِ فَقْدِ الْجِمَاعِ، لِأَنَّهَا إذَا كَلَّفُوهَا صَبْرَ سَنَةٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَبْرِ سَنَةٍ وَبَيْنَ صَبْرِ سَنَتَيْنِ، وَهَكَذَا مَا زَادَ ثُمَّ أَشَدُّ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إنْ وَطِئَهَا مَرَّةً فِي الدَّهْرِ فَلَا كَلَامَ لَهَا - وَالضَّرَرُ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا قَطُّ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ جَاهَرَ وَكَابَرَ الضَّرُورَةَ وَالْحِسَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: هُوَ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بَشَرَتَهَا وَفَرْجَهَا عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ فَقَدْ دَخَلَ فِي صِفَةِ الَّذِينَ ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا

وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ ني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ - وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا - فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَاحِكًا، وَقَالَ: لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ تَذْكُرُ: أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَطَأْهَا، وَأَنَّ إحْلِيلَهُ كَالْهُدْبَةِ، لَا يَنْتَشِرُ إلَيْهَا وَتَشْكُو ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُرِيدُ مُفَارَقَتَهُ؟ فَلَمْ يَشْكُهَا، وَلَا أَجَّلَ لَهَا شَيْئًا، وَلَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ فَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فِي هَذَا الْأَثَرِ الصَّحِيحِ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ -: أَحَدِهَا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَل طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَغْشَاهَا، فَفَارَقَهَا، فَأَرَادَ

رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا - وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحِلُّ لَكِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، ثُمَّ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَهُمَا مَجْهُولَانِ - وَهُوَ خَبَرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ - عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي احْتَجَجْنَا بِهِ، لِأَنَّنَا لَا نُنْكِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مُخْتَارًا، فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهِ جُمْلَةً وَالْخَبَرُ الثَّانِي - رَوَاهُ ابْنُ قَانِعٍ - رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ الْبَخْتَرِيِّ - الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ - عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ وُهَيْبٍ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إلَى قَوْلِهِ «فَلَا تَحِلِّينَ لَهُ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَدْ جَاءَنِي هِبَةً وَاحِدَةً» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِحَدِيثِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، فَذَكَرَتْ فِيهِ أَنَّهَا قَالَتْ: فَإِنَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَاءَنِي هِبَةً "؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ هَذَا لَكَانَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَ التَّأْجِيلَ، أَوْ التَّفْرِيقَ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْهِبَةِ، وَلَا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَلِكَ " فَصَحَّ أَنَّهَا كَهَانَةٌ كَاذِبَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا جَاءَ لَفْظُ الْهِبَةِ صَحِيحًا فِي حَدِيثٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدٌ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ الضَّرِيرُ - نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا، وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلَ الْهُدْبَةِ، فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي

أحكام قسم الزوجات

طَلَّقَنِي، وَإِنِّي تَزَوَّجْت زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ، فَلَمْ يَقْرَبْنِي إلَّا هِبَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَصِلْ مِنِّي إلَى شَيْءٍ، أَفَأَحِلُّ لِزَوْجِي الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِك الْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الْعِنِّينُ إنْ شَاءَ، إنَّمَا نَمْنَعُ وَنُنْكِرُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُرْهٍ، أَوْ أَنْ يُؤَجَّلَ عَامًا، ثُمَّ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا، وَلَا جَاءَ قَطُّ فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا فِي رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا أَوْجَبَهُ قِيَاسٌ، وَلَا مَعْقُولٌ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِيلَاءِ بِالتَّوْقِيفِ ثُمَّ الْإِجْبَارِ عَلَى الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَأَيْنَ السُّنَّةُ وَأَيْنَ التَّفْرِيقُ؟ ثُمَّ أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ لَا يَقِيسُ عَلَى الْمُؤْلِي مَنْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ إيلَاءٍ بِيَمِينٍ فَلَا تُوقِفُونَهُ، وَلَا تُؤَجِّلُونَهُ فَظَهَرَ فَسَادُ كُلِّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ، وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [أَحْكَامُ قَسْمِ الزَّوْجَاتِ] [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِكْرًا وَلَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى] أَحْكَامُ قَسْمِ الزَّوْجَاتِ 1896 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِكْرًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً، وَلَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخُصَّ الْبِكْرَ بِمَبِيتِ سَبْعِ لَيَالٍ عِنْدَهَا، ثُمَّ يُقَسِّمَ فَيَعُودَ وَلَا يُحَاسِبَهَا بِتِلْكَ السَّبْعِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهَا فَإِنْ تَزَوَّجَ ثَيِّبًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَعِنْدَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ - مُسْلِمَةٌ أَوْ كِتَابِيَّةٌ - فَلَهُ

أَنْ يَخُصَّهَا بِمَبِيتِ ثَلَاثِ لَيَالٍ، ثُمَّ يُقَسِّمُ وَيَعْدِلُ، وَلَا يُحَاسِبُهَا بِتِلْكَ الثَّلَاثِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَقَامَ عِنْدَ غَيْرِهَا كَمَا أَقَامَ عِنْدَهَا سَوَاءً سَوَاءً، وَيَسْقُطُ حُكْمُهَا فِي التَّفْضِيلِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا - كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ - أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَجُرْحَةٌ فِيهِ، كَسَائِرِ النَّاسِ وَلَا فَرْقَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخُصَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ بِأَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ إلَّا بِقُرْعَةٍ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا» وَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَبُو قِلَابَةَ - هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ - نا أَبُو عَاصِمٍ - هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ - نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا» وَقَدْ رُوِّينَاهُ بِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: هِيَ السُّنَّةُ - وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا بَيَانٌ وَاضِحٌ فِي إسْنَادِهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ - هُوَ الْقَعْنَبِيُّ - نا سُلَيْمَانُ - يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حِينَ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ شِئْتُ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ

عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا: لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ؟ قَالَتْ: ثَلِّثْ» وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بَيْنَ الْإِسْنَادِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» وَبِهِ يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِمْ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ -: وَهُوَ أَنَّ لِلْبِكْرِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَلِلثَّيِّبِ لَيْلَتَانِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَطَاءٌ: يُؤْثِرُونَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ، وَلِلثَّيِّبِ لَيْلَتَانِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ، وَلِلثَّيِّبِ لَيْلَتَانِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: يَمْكُثُ عِنْدَ الْبِكْرِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُقَسِّمُ، وَعِنْدَ الثَّيِّبِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُقَسِّمُ وَهُوَ قَوْلُ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقِيمُ عِنْدَ ثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ إلَّا مَا يُقِيمُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ عِنْدَهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ

وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ الْحَسَنِ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَا جَمِيعًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَوَجَدْنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْتَجُّونَ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي حَكَمَ لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ زَائِدَةٍ، وَلِلثَّيِّبِ بِثَلَاثٍ زَائِدَةٍ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلًا لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلٍ لَهُ آخَرَ مَا دَامَ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا جَمِيعًا، بِأَنْ يَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، أَوْ بِأَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الْمُخَالِفِينَ بِأَهْوَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَهُنَا يُوجِبُونَ فِي الْقِسْمَةِ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ الْأَمَةِ لَيْلَةً، وَهَذَا هُوَ الْمِيلُ حَقًّا، وَالْجَوْرُ صِرَاحًا، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ لِلْحُرَّةِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لَيْلَتَيْنِ، وَلِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لَيْلَةً، وَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ هَذَا التَّفْضِيلِ بِالْبَاطِلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا يُعْرَفُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَعَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ لِمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ، وَأَمَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ، أَنْ يُقَسِّمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَةً، وَلِلْمَمْلُوكَةِ الْيَهُودِيَّةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ. وَلَهُمْ هَهُنَا اعْتِرَاضَاتٌ تَشْهَدُ بِقِلَّةِ حَيَاءِ الْمُعْتَرِضِ بِهَا، وَرِقَّةِ دِينِهِ كَتَعَلُّقِهِمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي»

فَقَالُوا: هَذَا حَدِيثٌ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ، وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ: «وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ وَدُرْتُ» فَاعْتَرَضُوا بِعُقُولِهِمْ الرَّكِيكَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَّمُوهُ الْعَدْلَ وَالْحِسَابَ وَقَالُوا: إنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لَوْ سَبَّعَ عِنْدَهَا أَنْ يُحَاسِبَهَا بِالْأَرْبَعِ لَيَالٍ الزَّائِدَةِ عَلَى الثَّلَاثِ الَّتِي هِيَ حَقُّهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ الْحُمْقِ وَرِقَّةِ الدِّينِ فِي النِّهَايَةِ الْقُصْوَى، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ حَقٌّ لِأَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاَلَّذِي أَوْجَبَ لَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ أَلَمُّ بِهَا دُونَ ضَرَّتِهَا، هُوَ الَّذِي أَسْقَطَهَا إنْ سَبَّعَ عِنْدَهَا - لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إلَّا كَافِرٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَالُوا: فَمَا قَوْلُكُمْ إنْ أَقَامَ عِنْدَ الثَّيِّبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، أَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ - وَلَهَا ضَرَّةٌ، أَوْ ضَرَائِرُ زَوْجَاتٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أَمَّا إنْ أَقَامَ عِنْدَ الثَّيِّبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ، فَلَا يُحَاسِبُهَا إلَّا بِمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَأَمَّا إنْ أَقَامَ عِنْدَهَا أَوْ عِنْدَ الْبِكْرِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، فَإِنَّهُ يُحَاسِبُ الثَّيِّبَ بِجَمِيعِ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا، وَيُوفِي ضَرَّتَهَا أَوْ ضَرَائِرَهَا مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يُحَاسِبُ الْبِكْرَ إلَّا بِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِ فَقَطْ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الثَّلَاثَ حَقُّ الثَّيِّبِ، وَالسَّبْعَ حَقُّ الْبِكْرِ، فَمَا زَادَ عَلَى هَذَيْنِ فَهُوَ ظُلْمٌ يُحَاسِبُهَا بِهِ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الثَّيِّبِ فِي أَنْ أَلَمَّ بِالثَّلَاثِ إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسَبِّعَ لَهَا وَزَادَ عَلَى السَّبْعِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى السَّبْعِ تَسْبِيعٌ وَزِيَادَةٌ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهَا فِي الثَّلَاثِ بِالتَّسْبِيعِ، فَإِذَا سَقَطَ لَمْ يَعُدْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ: يُقَسِّمُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ، وَلِلزَّوْجَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَيْلَةً بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أرنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ذَرٍّ - أَوْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ - عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا

تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ قَسَّمَ لِلْأَمَةِ الثُّلُثُ، وَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَالْمِنْهَالُ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ لِلْمِنْهَالِ شَهَادَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: الْقَسَمُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَوَعَّدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ عَلَى الْمَيْلِ إلَى زَوْجَةٍ دُونَ أُخْرَى وَلَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَلَا مُسْلِمَةً مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَاحْتَجُّوا مِنْ قِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ عِدَّةُ الْأَمَةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِي الْقَسَمِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّنَا لَا نُوَافِقُهُمْ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْمُخْتَلِطِ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ الْحَامِلِ فَهَلَّا جَعَلُوا الْقِسْمَةَ لَهُمَا سَوَاءً؟ مِنْ أَجْلِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالْأَقْرَاءِ ثَلَاثًا عِدَّةَ الْحُرَّةِ، فَهَلَّا قَسَمُوا لَهَا الثُّلُثَيْنِ مِنْ قَسَمِ الْحُرَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا؟ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَرِثُ، وَأَنَّ الْحُرَّةَ تَرِثُ، فَهَلَّا جَعَلُوا الْأَمَةَ لَا قِسْمَةَ لَهَا، كَمَا لَا مِيرَاثَ لَهَا، وَكَمَا لَا شَهَادَةَ لَهَا عِنْدَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ فِي أَهْذَارِهِمْ مِثْلُ الْغَرِيقِ بِمَا أَحَسَّ تَعَلَّقَ. وَاحْتَجُّوا فِي قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ: إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْسِمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَةً، ثُمَّ يَبِيتَ ثَلَاثَ لَيَالٍ حَيْثُ شَاءَ، بِرِوَايَاتٍ سَاقِطَةٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ سَوَّارٍ: أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأُعْجِبَ عُمَرُ بِذَلِكَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ: الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكُلُّهُمْ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ -

مسألة لا يجوز للرجل أن يقسم لأم ولده ولا لأمته مع زوجة

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي أَحَدٍ حُجَّةٌ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا التَّخَلُّفُ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ - فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ إيجَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَتَوَعُّدَهُ بِحَرْقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ تَخَلَّفَ فِي التَّسْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ ضَلَالَةٌ أَحْدَثَهَا الشَّيْطَانُ. وَأَمَّا السَّفَرُ بِامْرَأَةٍ مِنْ زَوْجَاتِهِ أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِثَلَاثٍ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا مَعَهُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ خَرَجَ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَا بِقُرْعَةٍ لَمْ يُحَاسِبْهُنَّ بِلَيَالِيِهِنَّ مَعَهُ فِي السَّفَرِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ بِهِنَّ بِحَقٍّ لَا بِمَيْلٍ وَلَا بِحَيْفٍ، فَإِنْ خَرَجَ بِهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ حَاسَبَهُنَّ بِتِلْكَ اللَّيَالِي، وَلَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يُوفِيَ الَّتِي لَمْ يُسَافِرْ بِهَا عَدَدَ تِلْكَ اللَّيَالِي وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا: يَخْرُجُ بِهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فَرْضٌ، كَمَا أَوْرَدْنَا، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا خَصَّهُ نَصٌّ، وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ إلَّا السَّفَرَ بِالْقُرْعَةِ فَقَطْ، فَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ ظُلْمٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهُوَ عَدْلٌ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَنْعِ، فَلَيْسَ بِذَلِكَ مَائِلًا إلَى إحْدَاهُنَّ. وَأَمَّا إذَا سَافَرَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَدْ مَالَ إلَيْهَا، وَهَذَا ظُلْمٌ لَا يَحِلُّ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْسِمَ لِأُمِّ وَلَدِهِ وَلَا لِأَمَتِهِ مَعَ زَوْجَةٍ] 1897 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْسِمَ لِأُمِّ وَلَدِهِ، وَلَا لِأَمَتِهِ مَعَ زَوْجَةٍ - إنْ كَانَتْ - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ

مسألة حد القسمة للزوجات

وَبُرْهَانُهُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَلَمْ يَجْعَلْ لِمِلْكِ الْيَمِينِ حَقًّا يَجِبُ فِيهِ الْعَدْلُ، فَإِذْ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ فِي الْوَاجِبِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ مَعَ مَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَلَوْ طَابَتْ نَفْسُ الزَّوْجَةِ بِذَلِكَ فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْسِمَ لِأَمَتِهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ الزَّوْجَةِ طَابَتْ بِتَرْكِهِ نَفْسًا، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ مَتَى شَاءَ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَارِيَةَ فِي يَوْمٍ أَيَّ نِسَائِهِ شَاءَ دُونَ قِسْمَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ حَدُّ الْقِسْمَةِ لِلزَّوْجَاتِ] 1898 - مَسْأَلَةٌ: وَحَدُّ الْقِسْمَةِ لِلزَّوْجَاتِ: مِنْ لَيْلَةٍ فَمَا زَادَ إلَى سَبْعٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى سَبْعٍ وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَزِيدُ عَلَى لَيْلَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ -: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيِّ: نَا بِذَلِكَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» فَصَحَّ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَبِّعَ وَمَا دُونَ السَّبْعِ جَائِزٌ بِجَوَازِ السَّبْعِ، لِأَنَّهُ بَعْضُ السَّبْعِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى السَّبْعِ فَمَمْنُوعٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ فَلَوْ جَازَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَ - وَلَوْ أَعْوَامًا - وَيَقُولُ: سَأَقْسِمُ لِلْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ - وَهَذَا بَاطِلٌ وَظُلْمٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ عَدَدِ اللَّيَالِي إلَّا مَا أَجَازَهُ النَّصُّ فَقَطْ، وَلَوْلَا هَذَا الْأَثَرُ مَا أَجَزْنَا أَكْثَرَ مِنْ لَيْلَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْلَةً أَحَبُّ إلَيْنَا، لِأَنَّهُ كَذَلِكَ جَاءَتْ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ مِنْ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - [مَسْأَلَةٌ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لَيْلَتَهَا لِضَرَّتِهَا] 1899 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لَيْلَتَهَا لِضَرَّتِهَا جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ بَدَا لَهَا فَرَجَعَتْ فِي ذَلِكَ، فَلَهَا ذَلِكَ

أحكام الوطء وآدابه

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ لَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ؟ فَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ فِي مَرَضِهِ - الَّذِي مَاتَ فِيهِ - أَنْ يَمْرَضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ؟ فَأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ» وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ لَهَا الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ، فَلِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ غَيْرُ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ بِلَا شَكٍّ، وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ مَجْهُولٍ، فَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةُ حَادِثَةٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا جَاءَ، فَلَهَا أَنْ لَا تُحْدِثَ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ وَأَنْ تَتَمَسَّكَ بِحَقِّهَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا - وَبِهِ جَلَّ وَعَزَّ نَتَأَيَّدُ [أَحْكَامُ الْوَطْءِ وَآدَابُهُ] [مَسْأَلَةٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ جَمِيعَ زَوْجَاتِهِ وَإِمَائِهِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ] أَحْكَامُ الْوَطْءِ وَآدَابُهُ 1900 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ جَمِيعَ زَوْجَاتِهِ وَإِمَائِهِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَطَهَّرَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَحَسَنٌ، لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبَنَانِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَرَّةً» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْإِمَاءُ مِنْ نِسَاءِ الرَّجُلِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا وَهْبُ بْنُ مُسِرَّة نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى بِنْتِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ

مسألة الوطء في الدبر

فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُسْلًا، قَالَ فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ اغْتَسَلْت غُسْلًا وَاحِدًا؟ قَالَ: هَذَا أَطْهُرُ وَأَطْيَبُ» ، أَوْ قَالَ: وَأَنْظَفُ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ الْغُسْلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ حَسَنًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ ذَلِكَ نَهْيٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ] 1901 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَصْلًا، لَا فِي امْرَأَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا - أَمَّا مَا عَدَا النِّسَاءَ، فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. وَأَمَّا فِي النِّسَاءِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ - اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمُرَ، وَعَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد نا أُصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكٍ: إنَّ عِنْدنَا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْت لَابْنِ عُمُرَ: إنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ، قَالَ: وَمَا التَّحْمِيضُ؟ قَالَ: نَأْتِيهِنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ قَالَ ابْنُ عُمُرَ: أُفٍّ أُفٍّ أُفٍّ، أَوَ يَعْمَلُ هَذَا مُسْلِمٌ؟ فَقَالَ لِي مَالِكٌ: فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمُرَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُفَيْلٍ نا سَعِيدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمُرَ: قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْك الْقَوْلَ أَنَّك تَقُولُ عَنْ ابْنِ عُمُرَ أَنَّهُ أَفَتَى بِأَنَّ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ فَقَالَ نَافِعٌ: لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ - وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ لَوْ صَحَّتْ لَجَاءَنَا مَا يَنْسَخُهَا - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ - وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حَجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ " أَنَّى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ إنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى " مِنْ أَيْنَ " لَا بِمَعْنَى: أَيْنَ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ - فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مِنْ

أَيْنَ شِئْتُمْ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} [آل عمران: 37] بِمَعْنَى: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا وَقَالُوا: لَوْ حُرِّمَ مِنْ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ لَحُرِّمَ جَمِيعُهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ وَقَالُوا: وَطْءُ الْمَجْمُوعَةِ جَائِزٌ وَرُبَّمَا مَالَ الذَّكَرُ إلَى الدُّبُرِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ وَطْءِ الْمَجْمُوعَةِ إلَّا بِالْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ فَوَطْؤُهَا حَرَامٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ؟ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، قَالَ أَحْمَدُ: نَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ؛ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَشَجُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرٍ» هَذَا لَفْظُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ، وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ " فِي دُبُرِهَا " لَمْ يَخْتَلِفَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِمَا، وَلَوْ صَحَّ خَبَرٌ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَانِ نَاسِخَيْنِ لَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُبَاحٌ حَتَّى يَأْتِيَ تَحْرِيمُهُ، فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ وَرَدَا بِمَا فَصَّلَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ لَنَا وَقَدْ جَاءَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ

مسألة لا يحل لأحد أن يطأ امرأة حبلى من غيره

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَمَا رَوَيْت إبَاحَةَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ، وَعَنْ نَافِعٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ، وَعَنْ مَالِكٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ] 1902 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ أُدِّبَ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَهُ أَعْتَقَ عَلَيْهِ مَا وَلَدَتْ مِنْ ذَلِكَ الْحَمْلِ وَلَا بُدَّ - وَلَا تَعْتِقُ هِيَ بِذَلِكَ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرُ نا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ لَهُ: يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَصِحُّ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَامِلِ خَبَرٌ غَيْرَ هَذَا، فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ فَقَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ مِلْكُهُ، وَإِذْ حُرِّمَ عَلَيْهِ مِلْكُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ، إذْ لَيْسَ إلَّا مَمْلُوكٌ أَوْ حُرٌّ. وَأَمَّا تَأْدِيبُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [أَحْكَامُ الْعَزْل] [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ الْعَزْلُ عَنْ حُرَّةٍ وَلَا عَنْ أَمَةٍ] أَحْكَامُ الْعَزْل 1903 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْعَزْلُ عَنْ حُرَّةٍ وَلَا عَنْ أَمَةٍ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نا الْمَقْبُرِيُّ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ - نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ - هُوَ يَتِيمُ عُرْوَةَ - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَاشَةَ قَالَتْ «حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُنَاسٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ، وَقَرَأَ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] »

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْعَزْلَ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي فِيهِ «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا» قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ إلَى النَّهْيِ أَقْرَبُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ - وَاحْتَجُّوا بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ يَهُودَ: هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى وَبِأَخْبَارٍ أُخَرَ لَا تَصِحُّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُعَارِضُهَا خَبَرُ جُدَامَةَ الَّذِي أَوْرَدْنَا، وَقَدْ عَلِمْنَا بِيَقِينٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَأَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَعَلَى هَذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ حَلَالًا حَتَّى نَزَلَ التَّحْرِيمُ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَصَحَّ أَنَّ خَبَرَ جُدَامَةَ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ النَّاسِخُ لِجَمِيعِ الْإِبَاحَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا قَبْلَ الْبَعْثِ وَبَعْدَ الْبَعْثِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ، وَالْوَأْدُ مُحَرَّمٌ، فَقَدْ نَسَخَ الْإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِيَقِينٍ. فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ، وَأَنَّ النَّسْخَ الْمُتَيَقَّنَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَأَتَى بِمَا لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] وَقَدْ جَاءَتْ الْإِبَاحَةُ لِلْعَزْلِ صَحِيحَةً عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ

أحكام حقوق الزوجين

وَصَحَّ الْمَنْعُ مِنْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَعْزِلُ، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْت أَحَدًا مِنْ وَلَدِي يَعْزِلُ لَنَكَّلْته قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَكِّلَ عَلَى شَيْءٍ مُبَاحٍ عِنْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَزْلِ: هِيَ الْمَوْءُودَةُ الْخَفِيَّةُ وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَزْلِ: هِيَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا شُعْبَةُ نا زَيْدُ بْنُ خُمَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أرنا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ضَرَبَ عُمَرُ عَلَى الْعَزْلِ بَعْضَ بَنِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُنْكِرَانِ الْعَزْلَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَمَاعُ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ صَحِيحٌ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَطَاوُسٍ [أَحْكَامُ حُقُوقُ الزَّوْجَيْنِ] [مَسْأَلَةٌ الْإِحْسَانُ إلَى النِّسَاءِ فَرْضٌ] أَحْكَامُ حُقُوقُ الزَّوْجَيْنِ 1904 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِحْسَانُ إلَى النِّسَاءِ فَرْضٌ وَلَا يَحِلُّ تَتَبُّعُ عَثَرَاتِهِنَّ وَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ لَيْلًا فَلَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ إلَّا نَهَارًا، وَمَنْ قَدِمَ نَهَارًا فَلَا يَدْخُلُ إلَّا لَيْلًا، إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ مَانِعٌ عُذْرٌ

بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذْ حُرِّمَ التَّضْيِيقُ عَلَيْهِنَّ فَقَدْ أَوْجَبَ تَعَالَى التَّوْسِيعَ عَلَيْهِنَّ وَافْتَرَضَ تَرْكَ ضَرِّهِنَّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ - فَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا وَفِيهِ -: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَعْنِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرَاشَ الْمَضْجَعِ، ذَلِكَ أَمْرٌ يَجِبُ فِيهِ الرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنَةِ، فَلَا يُؤْمَرُ فِيهِ بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ، وَإِنَّمَا عَنَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَا شَكٍّ كُلَّ مَا اُفْتُرِشَ فِي الْبُيُوتِ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مَسْكَنِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ مَنْ لَا يُرِيدُ دُخُولَهُ مَنْزِلَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَقَطْ - وَهَذَا يَأْتِي مُبَيَّنًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَسَرَّةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ «فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ» وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو النُّعْمَانِ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نا هُشَيْمٌ نا سَيَّارٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَفَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةٍ فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغْيِبَةُ» فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعَارُضٌ؟ قُلْنَا: كَلًّا، بَلْ قَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كِلَا

مسألة للمرأة أن تتصدق من مال زوجها غير مفسدة

الْخَبَرَيْنِ مُرَادَهُ، ذَكَرَ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ: أَنْ لَا يَدْخُلَ لَيْلًا فَيَتَّبِعَ بِذَلِكَ عَثْرَةً إنْ كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي الَّذِي جَاءَ لَيْلًا وَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْآخَرِ: أَنْ يُمْهِلَ مَنْ أَتَى نَهَارًا حَتَّى يَدْخُلَ لَيْلًا بَعْدَ أَنْ يَتَّصِلَ خَبَرُهُ بِأَهْلِهِ، فَتَسْتَحِدَّ وَتَمْتَشِطَ وَلَا يَنْسُبُ التَّعَارُضَ إلَى كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَافِرٌ وَلَا يَنْسُبُهُ إلَى الصَّحَابَةِ إلَّا مُبْتَدِعٌ، وَلَا يَنْسُبُهُ إلَى الْأَئِمَّةِ - وَمَنْ دُونَهُمْ - إلَّا مُنْحَرِفُ الْقَلْبِ عَنْ السُّنَنِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ [مَسْأَلَةٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ] 1905 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، لَكِنْ بِمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي مَالِهِ سَوَاءٌ أَذِنَ فِي ذَلِكَ أَمْ نَهَى أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ» وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا اللَّفْظُ زَائِدٌ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ شَقِيقٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَقَالَ فِيهِ " مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاعْتَرَضَ بَعْضُ أَهْلِ الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَنِ بِأَنْ قَالُوا: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ هَلْ تَصَّدَّقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا؟ فَقَالَ: لَا، إلَّا شَيْئًا مِنْ قُوتِهَا، فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصَّدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ؟

مسألة لا يلزم المرأة أن تخدم زوجها في شيء أصلا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْفُتْيَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إنَّمَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ - وَهُوَ مَتْرُوكٌ - عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهِيَ سَاقِطَةٌ، فَلَا يُعَارِضُ بِهَا رِوَايَةَ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْهُ إلَّا جَاهِلٌ، أَوْ فَاسِقٌ مُجَاهِرٌ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا جَمِيعًا: نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ «عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ بِمَا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ وَلَا تُوكِي فَيُوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَمَاعُ حَجَّاجٍ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ثَابِتٌ، وَلَكِنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أُطْعِمُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِي؟ فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا لَمْ تَقِي مَالَك بِمَالِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فَإِذَا أَبَاحَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا رَأْيَ لِلزَّوْجِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ أَصْلًا [مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَخْدِمَ زَوْجَهَا فِي شَيْءٍ أَصْلًا] 1906 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَخْدِمَ زَوْجَهَا فِي شَيْءٍ أَصْلًا، لَا فِي عَجْنٍ، وَلَا طَبْخٍ، وَلَا فَرْشٍ، وَلَا كَنْسٍ، وَلَا غَزْلٍ، وَلَا نَسْجٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلًا - وَلَوْ أَنَّهَا فَعَلَتْ لَكَانَ أَفْضَلَ لَهَا وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِكِسْوَتِهَا مَخِيطَةً تَامَّةً، وَبِالطَّعَامِ مَطْبُوخًا تَامًّا وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تُحْسِنَ عِشْرَتَهُ، وَلَا تَصُومَ تَطَوُّعًا وَهُوَ حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُدْخِلُ

بَيْتَهُ مَنْ يَكْرَهُ، وَأَنْ لَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا مَتَى أَرَادَ، وَأَنْ تَحْفَظَ مَا جَعَلَ عِنْدَهَا مِنْ مَالِهِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْدِمَ زَوْجَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لِذَلِكَ بِالْأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ «شَكَتْ فَاطِمَةُ مَجْلَ يَدَيْهَا مِنْ الطَّحِينِ، وَأَنَّهُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذْ سَأَلَهُ خَادِمًا» وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ - مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: كُنْت أَخْدِمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ وَكُنْت أَسُوسُهُ كُنْت أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيْهِ وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ - مِنْ طَرِيقِ «أَسْمَاءَ أَيْضًا، أَنَّهَا كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَ الزُّبَيْرِ وَتَسْقِي الْمَاءَ، وَتَجْزِمُ غَرْبَهُ، وَتَعْجِنُ، وَتَنْقُلُ النَّوَى عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَهَا وَهِيَ تَنْقُلُهُ - قَالَ: فَإِذَا خَدَمَتْ هَاتَانِ الْفَاضِلَتَانِ هَذِهِ الْخِدْمَةَ الثَّقِيلَةَ فَمَنْ بَعْدَهُمَا يَتَرَفَّعُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمَا بِذَلِكَ إنَّمَا كَانَتَا مُتَبَرِّعَتَيْنِ بِذَلِكَ، وَهُمَا أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْمَبَرَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إنْ تَطَوَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ، إنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى سِرِّ الْحَقِّ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفُتْيَا وَالْقَضَاءُ بِإِلْزَامِهِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] قُلْنَا: أَوَّلُ الْآيَةِ بَيَّنَ فِيمَا هِيَ هَذِهِ الطَّاعَةُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] فَصَحَّ أَنَّهَا الطَّاعَةُ إذَا دَعَاهَا لِلْجِمَاعِ فَقَطْ. وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَسْأَلَتَيْنِ وَمَنْ أَلْزَمَ الْمَرْأَةَ خِدْمَةً دُونَ خِدْمَةٍ فَقَدْ شَرَّعَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مَا لَا يَصِحُّ، وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنَّ لَهُنَّ عَلَيْنَا رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

مسألة لا يحل للمرأة أن تحلق رأسها إلا من ضرورة

فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنْ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِرِزْقِهَا مُمَكِّنًا لَهَا أَكْلَهُ، وَالْكِسْوَةَ مُمَكِّنًا لَهَا لِبَاسَهَا، لِأَنَّ مَا لَا يُوصَلُ إلَى أَكْلِهِ وَلِبَاسِهِ إلَّا بِعَجْنٍ وَطَبْخٍ، وَغَزْلٍ، وَنَسْجٍ، وَقِصَارَةٍ، وَصِبَاغٍ، وَخِيَاطَةٍ، فَلَيْسَ هُوَ رِزْقًا، وَلَا كِسْوَةً - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ فِي اللُّغَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ - وَأَمَّا حِفْظُ مَا جُعِلَ عِنْدَهَا فَفَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ] 1907 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لَا مَحِيدَ مِنْهَا، وَلَا أَنْ تَصِلَ فِي شَعْرِهَا شَيْئًا أَصْلًا، لَا مِنْ شَعْرِهَا وَلَا مِنْ شَعْرِ إنْسَانٍ غَيْرِهَا، أَوْ مِنْ شَعْرِ حَيَوَانٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُفْلِجَ أَسْنَانَهَا، وَلَا أَنْ تَنْتِفَ الشَّعْرَ مِنْ وَجْهِهَا، وَلَا أَنْ تَشُمَّ بِالنَّقْشِ وَالْكُحْلِ أَوْ غَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا، فَإِنْ فَعَلَتْ فَهِيَ مَلْعُونَةٌ هِيَ وَاَلَّتِي تَفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ نا أَبُو دَاوُد - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا هَمَّامٌ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا» فَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي ابْنَةً عَرُوسًا وَأَنَّهَا اشْتَكَتْ فَتَمَزَّقَ شَعْرُهَا، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إنْ وَصَلْتُ لَهَا فِيهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ نا أَبُو دَاوُد - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» [مَسْأَلَةٌ كَذِبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ فِيمَا يَسْتَجْلِبُ بِهِ الْمَوَدَّةَ] 1908 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا بَأْسَ بِكَذِبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ فِيمَا يَسْتَجْلِبُ بِهِ الْمَوَدَّةَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ نا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ - هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ

مسألة لا يحل النفح بالباطل

حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَنَّهَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا أَعُدُّهُ كَذِبًا: الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يَقُولُ الْقَوْلَ يُرِيدُ الصَّلَاحَ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ الْقَوْلَ فِي الْحَرْبِ وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا» [مَسْأَلَةٌ لَا يَحِلُّ النَّفْحُ بِالْبَاطِلِ] 1909 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ النَّفْحُ بِالْبَاطِلِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي ضَرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِي؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» [مَسْأَلَةٌ جَوَازُ اللَّعِبُ بِالصُّوَرِ لِلصَّبَايَا خَاصَّةً] 1910 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلصَّبَايَا خَاصَّةً اللَّعِبُ بِالصُّوَرِ، وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِنَّ، وَالصُّوَرُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا هَذَا، وَإِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَا جَمِيعًا: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ بُكَيْرٍ - هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ - رَبِيبِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنْ الصُّورَةِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ إلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ» وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَرِنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ النَّيْسَابُورِيُّ نَا حُجَيْنٌ - هُوَ ابْنُ الْمُثَنَّى -

أحكام الوطء

نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَرِّبُ إلَيَّ صَوَاحِبِي يَلْعَبْنَ مَعِي بِاللُّعَبِ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ» [أَحْكَامُ الْوَطْء] [مَسْأَلَةٌ الِاسْتِتَارُ بِالْجِمَاعِ فَرْضٌ] أَحْكَامُ الْوَطْء 1911 - مَسْأَلَةٌ: وَالِاسْتِتَارُ بِالْجِمَاعِ فَرْضٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور: 58] وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ [مَسْأَلَةٌ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ كُلَّ شَيْءٍ حَاشَ الْإِيلَاجَ فَقَطْ] 1912 - مَسْأَلَةٌ: وَحَلَالٌ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ كُلَّ شَيْءٍ حَاشَ الْإِيلَاجَ فَقَطْ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي خِدَاشٍ نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - وَهُوَ الْبَاهِلِيُّ - صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كُنَّا نُضَاجِعُ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَفِي الْفُرُشِ وَاللُّحُفِ مِنْ قِلَّةٍ، فَأَمَّا إذْ وَسَّعَ اللَّهَ الْفُرُشَ وَاللُّحُفَ فَاعْتَزِلُوهُنَّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا مَنْبُوذٌ الْمَكِّيُّ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: كُنَّا عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: أَيْ بُنَيَّ مَا لِي أَرَاك شَعِثَ الرَّأْسِ؟ فَقَالَ: إنَّ مُرَجِّلَتِي حَائِضٌ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ أُمِّ دُرَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ:

كُنْت إذَا حِضْت نَزَلْت عَنْ الْمِثَالِ إلَى الْحَصِيرِ فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ وَهَذَا لَا شَيْءَ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ دُرَّةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا تُدْرَى وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى أَنَّ لَهُ مِنْ السُّرَّةِ فَصَاعِدًا فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ مَا دُونَ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمٍ الْبَجَلِيِّ أَنَّ نَفَرًا سَأَلُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ حَائِضًا؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، لَا تَطَّلِعَنَّ عَلَى مَا تَحْتَهُ حَتَّى تَطْهُرَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَفْتِيهَا فِي الْحَائِضِ يُبَاشِرُهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ، تَجْعَلُ عَلَى سِفْلَتِهَا ثَوْبًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَوْلٌ: لَك مَا فَوْقَ السُّرَّةِ -. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْت قَتَادَةَ يَقُولُ: لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: مَا تَحْتَ الْإِزَارِ حَرَامٌ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: تُبَاشِرُ الْحَائِضُ زَوْجَهَا إذَا كَانَ عَلَى جَزْلَتِهَا السُّفْلَى إزَارٌ، سَمِعْنَا ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِخَبَرٍ - رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَأَمَّا مَا لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَمَا فَوْقَ الْإِزَارِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ إلَى رَجُلٍ يُسَمَّى عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو الْبَجَلِيَّ الْكُوفِيَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَاصِمٌ هَذَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ، لِأَنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عُمَيْرٍ - مَوْلَى عُمَرَ - وَعُمَيْرٌ هَذَا مَجْهُولٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْمَذْكُورِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ سَأَلُوا عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ

وَبِخَبَرٍ آخَرَ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ نا مَرْوَانُ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ - نا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ نا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ حِزَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» . وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ حِزَامَ بْنَ حَكِيمٍ ضَعِيفٌ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى غَسْلَ الْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الْمَذْيِ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا. وَبِخَبَرٍ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيُّ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ بْنُ عَبْدِ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدٍ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَغْطَشُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ هِشَامٌ - وَهُوَ ابْنُ قِرْطٍ الْأَزْدِيُّ أَمِيرُ حِمْصَ - عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ فَوْقَ الْإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ» وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَغْطَشِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ. وَبِخَبَرٍ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحِيمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ مَاذَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا؟ قَالَ: سَمِعْنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ كَانَ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَذَلِكَ: «لَا يَحِلُّ لَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» وَهَذَا حَدِيثٌ كَمَا تَرَى غَيْرُ مُسْنَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ - يَعْنِي الْحَائِضَ - قَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» . وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ -

فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ - مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عَنْ نُدْبَةَ - مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ - عَنْ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبَاشِرُ الْحَائِضَ مِنْ نِسَائِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهَا إزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخْذَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ مُحْتَجِزَةً» . وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ: بَلَغَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ - مِثْلُ هَذَا، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ نُدْبَةَ - وَهِيَ مَجْهُولَةٌ - وَلَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ وَلَا مُتَعَلِّقَ لِأَحَدٍ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ لَا أَمْرٌ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: إلَى أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُهَا إلَّا وَبَيْنَهُمَا ثَوْبٌ. رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْت عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ مَا لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ؟ فَقَالَ: الْفِرَاشُ وَاحِدٌ وَاللِّحَافُ شَتَّى، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا مِنْ طَرَفِ ثَوْبِهِ رَدَّ عَلَيْهَا؟ وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ نا ابْنُ وَهْبٍ نا مَخْرَمَةُ - هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ» . وَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ - هُوَ مَوْلَى بَنِي جُمَحَ - نَا مُسَدَّدٌ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَائِضٌ وَبَيْنَهُمَا ثَوْبٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَمَاعُ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يَصِحُّ -: كَمَا نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّيْدَلَانِيُّ نا الْعُقَيْلِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ قَالَ: أَخْرَجَ إلَيَّ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ كِتَابًا وَقَالَ لِي: هَذِهِ كُتُبُ أَبِي لَمْ أَسْمَعْ مِنْهَا شَيْئًا

وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - فَفِيهِ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ لَمْ يُوَثِّقْهُ أَحَدٌ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمَالِكٌ، وَمَنْ قَلَّدَهُ إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَمَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا، فَوَجَبَ تَرْكُهُ. وَلَا يُمَوِّهَنَّ مُمَوِّهٌ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ الْحَائِضَ مِنْ نِسَائِهِ أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرَهَا، فَإِنَّ الْإِزَارَ قَدْ يَبْلُغُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَقَدْ يَبْلُغُ إلَى أَنْصَافِ الْفَخِذَيْنِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى مِثْلِ قَوْلِنَا -: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عِقَالٍ سَأَلْت أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ إذَا كَانَ صَائِمًا؟ قَالَتْ: فَرْجُهَا؟ قُلْت: فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: فَرْجُهَا - وَهُوَ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ كُلُّ شَيْءٍ، إلَّا مَخْرَجَ الدَّمِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يُبَاشِرُ الرَّجُلُ الْحَائِضَ إذَا كَفَّ عَنْهَا الْأَذَى. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا فِيمَا دُونَ الدَّمِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ فَرْجَهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُدْخِلْهُ - يَعْنِي عَلَى فَرْجِهَا -. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُقَلِّبَ بَيْنَ فَخِذَيْ الْحَائِضِ - وَهُوَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا - وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَ جَمِيعِ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا إلَّا هَذَا الْقَوْلَ، وَقَوْلَ مَنْ

مسألة وطئ حائضا عامدا أو جاهلا

تَعَلَّقَ بِالْآيَةِ فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْقَوْلِ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نَا ثَابِتٌ - هُوَ الْبُنَانِيُّ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَفِيهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إلَى آخِرِ الْآيَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْآيَةِ، بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إثْرَ نُزُولِهَا مُرَادَ رَبِّهِ تَعَالَى فِيهَا. وَصَحَّ بِهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] إنَّمَا هُوَ مَوْضِعُ الْحَيْضِ - وَلَا شَكَّ فِي هَذَا - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَّنَ مُرَادَ رَبِّهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ، وَلَمْ يَنْسَخْهَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ وَطِئَ حَائِضًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا] 1913 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ حَائِضًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا: فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَمْدِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُهَا، إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ فِي ذَلِكَ بِكَفَّارَةٍ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنْ وَطِئَهَا فِي الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِنْ وَطِئَهَا فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ: إنْ كَانَ وَاجِدًا فَدِينَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ مَنْ وَطِئَ حَائِضًا يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ -: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ -: وَرَأَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ دِينَارٍ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ وَوَجَدْنَا أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمِقْسَمٌ ضَعِيفٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَشَرِيكٌ، وَخُصَيْفٌ ضَعِيفَانِ -

وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا، وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَيُّوبَ - هَالِكَانِ - وَالْمَكْفُوفُ مَجْهُولٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ «أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: تَصَدَّقْ بِدِينَارٍ» ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ - هَالِكٌ - وَالسَّبِيعِيُّ - مَجْهُولٌ - وَلَا يَظُنُّ جَاهِلٌ أَنَّهُ أَبُو إِسْحَاقَ - مَاتَ أَبُو إِسْحَاقَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ أَصْبَغُ بِدَهْرٍ - وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ - وَقَدْ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا مُرْسَلًا، وَفِيهِ: «تَصَدَّقْ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ» . وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ كَفَّارَةِ مَنْ وَطِئَ فِي رَمَضَانَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى نَا الْمُعْتَمِرُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ - قَالَ: قَرَأْت عَلَى فَضْلٍ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ: أَنَّ أَيْفَعَ حَدَّثَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ، أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا: قُلْت: وَمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ - أَوْ سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يُجْمِعْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ؟ قَالَ: كَذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا هِشَامُ - هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَقِيسُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الْحَائِضِ بِاَلَّذِي يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ بَذِيمَةَ يَقُولُ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ امْرَأَتِي - وَهِيَ حَائِضٌ - فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقِيمَةُ الرَّقَبَةِ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ ضَعِيفَانِ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ - وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقِيسُوا وَاطِئَ الْحَائِضِ

مسألة رأت الحائض الطهر

عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ، لِأَنَّهُمَا مَعًا وَطِئَا فَرْجًا حَلَالَ الْعَيْنِ، لَمْ يَحْرُمْ إلَّا بِحَالِ الصَّوْمِ، أَوْ حَالِ الْحَيْضِ فَقَطْ، وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ، لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَضْعَفَ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْنَا بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ مِنْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا ابْنُ سِيرِينَ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ - وَصَحَّ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ [مَسْأَلَةٌ رَأَتْ الْحَائِضُ الطُّهْرَ] 1914 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا رَأَتْ الْحَائِضُ الطُّهْرَ فَإِنْ غَسَلَتْ فَرْجَهَا فَقَطْ، أَوْ تَوَضَّأَتْ فَقَطْ، أَوْ اغْتَسَلَتْ كُلَّهَا، فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَتْ حَلَّ وَطْؤُهَا لِزَوْجِهَا، إلَّا أَنَّهَا لَا تُصَلِّي حَتَّى تَغْتَسِلَ كُلُّهَا بِالْمَاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا حَتَّى تَغْسِلَ جَمِيعَ جَسَدِهَا - رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَكْحُولٍ، وَالْحَسَنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، إلَى أَنَّ الْحَائِضَ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرَةً، فَإِنَّهَا بِانْقِضَاءِ الْعَشَرَةِ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا - وَإِنْ لَمْ تَغْسِلْ فَرْجَهَا وَلَا تَوَضَّأَتْ وَلَا اغْتَسَلَتْ - فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ، فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ لَمْ يَحِلَّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ تَغْتَسِلَ كُلُّهَا، وَإِمَّا أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ فَإِنْ مَضَى لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا - وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَلَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا وَلَا تَوَضَّأَتْ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا قَوْلَ أَسْقَطُ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا بَعْدَهُ، إلَّا مَنْ قَلَّدَهُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى مِثْلِ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،

وَمَعْمَرٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، فَقَالَا جَمِيعًا فِي الْحَائِضِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَإِنَّهَا تَغْسِلُ فَرْجَهَا وَيُصِيبُهَا زَوْجُهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَتَوَضَّأَتْ حَلَّ وَطْؤُهَا لِزَوْجِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُبَّمَا يُمَوِّهُ مُمَوِّهٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنْ أَتَاهَا - يَعْنِي الْحَائِضَ - وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ» ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنْ مِقْسَمًا ضَعِيفٌ وَلَمْ يَلْقَ عَبْدُ الْكَرِيمِ مِقْسَمًا، فَهُوَ لَا شَيْءَ، وَلَا سِيَّمَا وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَحْتَجَّ الْمَرْءُ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهُ، وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا أَنْ تَجُوزَ لَهَا الصَّلَاةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ مُعَلَّقًا بِالصَّلَاةِ، فَقَدْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ جُنُبًا فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَلَا تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَتَكُونُ مُعْتَكِفَةً، وَمُحْرِمَةً وَصَائِمَةً فَتُصَلِّي وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَا بَيَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إلَّا فِي الْآيَةِ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] فَوَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ وَطْءَ الْحَائِضِ إلَّا بِوَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ -: وَهِيَ أَنْ تَطْهُرَ، وَأَنْ تَطْهُرَ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي فِي " تَطَهَّرْنَ " رَاجِعٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ إلَى الضَّمِيرِ الَّذِي فِي " يَطْهُرْنَ " وَالضَّمِيرُ الَّذِي فِي " يَطْهُرْنَ " رَاجِعٌ إلَى الْحَيْضِ، فَكَانَ مَعْنَى " يَطْهُرْنَ " هُوَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ وَظُهُورُ الطُّهْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْفِعْلَ إلَيْهِنَّ، وَكَانَ مَعْنَى " يَطْهُرْنَ " فِعْلًا يَفْعَلْنَهُ، لِأَنَّهُ رَدَّ الْفِعْلَ إلَيْهِنَّ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مُقْتَضَاهَا وَعُمُومِهَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا، وَلَا الِاخْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظُهَا دُونَ كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ، فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا

أحكام لبس الحرير والذهب

لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُرَادِهِ، وَهَذَا حَرَامٌ - وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " تَطَهَّرْنَ " دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَأَخْبَرْنَا بِهِ، وَلَبَيَّنَهُ عَلَيْنَا، وَلَمَا وَكَلَنَا إلَى التَّكَهُّنِ وَالظُّنُونِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] فَقَدْ فَصَّلَ لَنَا عَزَّ وَجَلَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ مَا لَمْ يَطْهُرْنَ فَيَطَّهَّرْنَ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " الطُّهْرِ " بَعْدَ أَنْ " يَطْهُرْنَ " فَقَدْ حَلَلْنَ بِهِ، وَالْوُضُوءُ تَطَهُّرٌ بِلَا خِلَافٍ، وَغَسْلُ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ تَطَهُّرٌ كَذَلِكَ، وَغَسْلُ جَمِيعِ الْجَسَدِ تَطَهُّرٌ، فَبِأَيِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَطَهَّرَتْ الَّتِي رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ فَقَدْ حَلَّ بِهِ لَنَا إتْيَانُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [أَحْكَامُ لِبْسُ الْحَرِير وَالذَّهَب] [مَسْأَلَةٌ لِبَاسُ الْمَرْأَةِ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا] أَحْكَامُ لِبْسُ الْحَرِير وَالذَّهَب 1915 - مَسْأَلَةٌ: وَلِبَاسُ الْمَرْأَةِ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: حَلَالٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ قَوْمٌ لَهُنَّ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ نا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ نا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْحَرِيرِ فَقَالَ لَهَا ابْنُ عُمَرَ: مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ أَبِي ذُبْيَانَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ " أَلَا لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنَّ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ لِابْنَتِهِ " لَا تَلْبَسِي الذَّهَبَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْك حَرَّ اللَّهَبِ ". وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُبَارَكٍ - هُوَ ابْنُ فَاضِلَةَ - عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ الذَّهَبَ لِلنِّسَاءِ - وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَعْنِي النِّسَاءَ - أَهْلَكَهُنَّ الْأَحْمَرَانِ الذَّهَبُ وَالزَّعْفَرَانُ» وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ

وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَائِشَةَ قُلَابَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ مُلَوَّنَيْنِ بِذَهَبٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُمَا وَتَجْعَلَ قُلَابَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ وَتُصَفِّرَهُمَا بِالزَّعْفَرَانِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، وَالْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَجَرِيرٍ كُلِّهِمْ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ أُخْتِ حُذَيْفَةَ قَالَتْ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَمَا لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تَحَلَّيْنَ، أَمَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ امْرَأَةٍ تَلْبَسُ ذَهَبًا تُظْهِرُهُ إلَّا عُذِّبَتْ بِهِ» وَهَذَا عَنْ امْرَأَةِ رِبْعِيٍّ - وَهِيَ مَجْهُولَةٌ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ وَالْحَنَفِيِّينَ الْآخِذِينَ بِرِوَايَةِ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَحَرَّمُوا بِهِ الْحَلَالَ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ. وَبِخَبَرٍ فِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ - وَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَسْقَطُ مِنْهُ عَنْ «أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَخَوَاتِمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لِي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتُحِبِّينَ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ وَخَوَاتِمَ مِنْ نَارٍ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَانْزَعِي هَذَيْنِ، أَتَعْجَزُ إحْدَاكُنَّ أَنْ تَتَّخِذَ حَلْقَتَيْنِ أَوْ تُومَتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ تُلَطِّخَهُمَا بِعَبِيرٍ، أَوْ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ» . وَخَبَرٍ آخَرَ - فِيهِ: مَحْمُودُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ عَنْ شَهْرٍ: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَقَلَّدَتْ قِلَادَةً مِنْ ذَهَبٍ قُلِّدَتْ فِي عُنُقِهَا مِثْلُهَا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ جَعَلَتْ فِي أُذُنِهَا خَرْصًا مِنْ ذَهَبٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي أُذُنِهَا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَمَحْمُودُ بْنُ عَمْرٍو ضَعِيفٌ وَآخَرَ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: سِوَارَانِ مِنْ نَارٍ؟ فَقَالَتْ: مَا تَرَى فِي طَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: طَوْقٌ مِنْ نَارٍ؟ قَالَتْ: فَمَا تَرَى فِي قُرْطَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: قُرْطَانِ مِنْ نَارٍ» وَأَبُو زَيْدٍ مَجْهُولٌ

وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد نا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَيْهَا مَسَكَتَيْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا لَوْ نَزَعْتِ هَذَا وَجَعَلْتِ مَسَكَتَيْنِ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ صَفَّرْتِهِمَا بِزَعْفَرَانٍ كَانَتَا حَسَنَتَيْنِ» . وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهَا عَنْ مَسَكَتَيْ الذَّهَبِ، إنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَ لَهَا غَيْرَهُ - وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ - هُوَ الْقَعْنَبِيُّ - نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ أُسَيْدَ بْنِ أَبِي أُسَيْدَ الْبَرَّادِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحَلِّقَ جَبِينَهُ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَوِّقَ جَبِينَهُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَلْيُطَوِّقْهُ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ جَبِينَهُ بِسِوَارٍ مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُجْمَلٌ يَجِبُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الذَّهَبَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهَا» . لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَعَانٍ مِنْهُ وَمُسْتَثْنًى بَعْضُ مَا فِيهِ وَذَكَرُوا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا وَهْبُ بْنُ بَيَانٍ نا ابْنُ وَهْبٍ نا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عُشَانَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يُخْبِرُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ الْحِلْيَةَ وَالْحَرِيرَ، وَيَقُولُ: إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الْجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلَا تَلْبَسُوهُمَا فِي الدُّنْيَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو عُشَانَةَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالنَّقْلِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَامًّا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَخُصُّهُ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ «أَنَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهَا» . وَحَدِيثٌ آخَرُ - مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - نَا أُبَيٌّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي زَيْدٌ - هُوَ ابْنُ سَلَامٍ - عَنْ

أَبِي سَلَامٍ - هُوَ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ - عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ - هُوَ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ - قَالَ: إنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاءَتْ ابْنَةُ هُبَيْرَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي يَدِهَا فَتَخٌ - قَالَ مُعَاذٌ: كَذَا فِي كِتَابِ أَبِي - أَيْ خَوَاتِمُ كِبَارٌ - فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ يَدَيْهَا فَدَخَلَتْ عَلَى فَاطِمَةَ تَشْكُو ذَلِكَ إلَيْهَا، فَنَزَعَتْ فَاطِمَةُ سِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ أَهْدَاهَا أَبُو حَسَنٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالسِّلْسِلَةُ فِي يَدِهَا، فَقَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ تَقُولَ النَّاسُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي يَدِكِ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ - ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ، فَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ بِالسِّلْسِلَةِ إلَى السُّوقِ فَبَاعَتْهَا وَاشْتَرَتْ بِثَمَنِهَا غُلَامًا - وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا: فَأَعْتَقَتْهُ - فَحُدِّثَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّى فَاطِمَةَ مِنْ النَّارِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ضَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْ بِنْتِ هُبَيْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا ضَرَبَهَا مِنْ أَجْلِ الْخَوَاتِمِ، وَلَا فِيهِ أَيْضًا: أَنَّ تِلْكَ الْخَوَاتِمَ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ. وَمَنْ زَادَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْخَبَرِ فَقَدْ كَذَبَ بِلَا شَكٍّ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ رَاوِي الْخَبَرِ، وَهَذَا حَرَامٌ بَحْتٌ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَرْبُ يَدَيْهَا لِأَنَّهَا أَبْرَزَتْ عَنْ ذِرَاعَيْهَا مَا لَا يَحِلُّ لَهَا إبْرَازُهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْلَمُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ «أَيَسُرُّكِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي يَدِكِ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ» فَظَاهِرُ اللَّفْظِ الَّذِي لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْهُ سِوَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَنْكَرَ إمْسَاكَهَا إيَّاهَا بِيَدِهَا، لَيْسَ فِي لَفْظِ الْخَبَرِ نَصٌّ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَاهَا عَنْ لِبَاسِهَا وَلَا عَنْ تَمَلُّكِهَا، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تُزَكِّهَا وَكَانَتْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 35] . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَيِّ وَجْهٍ أَنْكَرَ كَوْنَ السِّلْسِلَةِ فِي يَدِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ

أَلْبَتَّةَ تَحْرِيمُ لِبَاسِهَا لَهَا، بَلْ فِيهِ نَصَّا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبَاحَ لَهَا مِلْكَهَا يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ، لِأَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعَهَا لِلسِّلْسِلَةِ، وَجَوَّزَ لِلْمُشْتَرِي لَهَا مِنْهَا شِرَاؤُهَا، وَأَمَّا إمْسَاكُهَا بِالْيَدِ الَّذِي فِي هَذَا الْخَبَرِ إنْكَارُهُ فَقَدْ نُسِخَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، لِإِيجَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَإِبَاحَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَإِبَاحَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْعَ قِلَادَةِ الذَّهَبِ الَّتِي أُصِيبَتْ بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ بِنَزْعِ الْخَرَزِ عَنْهَا، وَبَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَمْ يُحَرِّمْ بَيْعَ الْقِلَادَةِ الَّتِي فِيهَا الذَّهَبُ، وَلَا ابْتِيَاعَهَا وَلَا أَمَرَ بِكَسْرِهَا. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَإِبَاحَةَ بَيْعِهِ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُنْسَخْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ بَلَغَهُ بَيْعُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - السِّلْسِلَةَ الذَّهَبَ وَابْتِيَاعَهَا بِثَمَنِهَا غُلَامًا فَأَعْتَقَتْهُ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَ فَاطِمَةَ مِنْ النَّارِ» . فَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجِهِ بِفَرْجِهِ» . فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْقَذَهَا مِنْ النَّارِ بِعِتْقِهَا لِلْغُلَامِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْقَذَهَا مِنْ النَّارِ بِبَيْعِهَا السِّلْسِلَةَ فَقَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَقَالَ مَا لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا بُرْهَانَ عِنْدَهُ بِصِحَّتِهِ، وَمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهُ نَصٌّ، وَلَا دَلِيلٌ إلَّا بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَقَدْ جَاءَ فِي كَرَاهَةِ مَسِّ حُلِيِّ الذَّهَبِ أَثَرٌ صَحِيحٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا ابْنُ نُفَيْلٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُفَيْلٍ - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حِلْيَةٌ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ أَهْدَاهَا لَهُ فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ قَالَتْ: فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِعُودٍ مُعْرِضًا أَوْ

بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ ابْنَةَ زَيْنَبَ فَقَالَ: تَحَلَّيْ بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ» . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَرِهَ مَسَّ خَاتَمِ الذَّهَبِ فَلَعَلَّهُ كَرِهَهُ لِفَاطِمَةَ أَيْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ حَلَّاهُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَاكِمُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - وَيَزِيدُ - هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ - وَمُعْتَمِرٌ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ - وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالُوا كُلُّهُمْ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ وَحَرَّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ، وَحَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ كُلِّهِمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الْحَرِيرِ فَقَطْ إلَّا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ: الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَمَعْمَرٍ، وَكِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِهِ وَذَكَرَ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ وَهُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ نَافِعٌ وَمُوسَى بْنُ مَيْسَرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَعْقُوبُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - نا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: إنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ، أَوْ الزَّعْفَرَانُ، مِنْ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ مُعَصْفَرٍ، أَوْ حِذَاءٍ، أَوْ حُلِيٍّ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصٍ، أَوْ خُفٍّ» فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا جَمِيعَ الْحُلِيَّ، وَلَوْ كَانَ الذَّهَبُ حَرَامًا عَلَيْهِنَّ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَا شَكٍّ، فَإِذْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى مَنْعِهِ، فَهَذَا حَلَالٌ لَهُنَّ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَبِهَذَا تَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَتَادَةَ، قَالَ قَتَادَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ، وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاج، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا سَأَلَاهُ عَنْ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ؟ فَقَالَ: يُكْرَهَانِ لِلرِّجَالِ وَلَا يُكْرَهَانِ لِلنِّسَاءِ

مسألة التحلي بالفضة واللؤلؤ والياقوت والزمرد

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْبَزَّارِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأَى حُذَيْفَةُ صِبْيَانًا عَلَيْهِمْ قُمُصُ حَرِيرٍ فَنَزَعَهُ عَنْ الْغِلْمَانِ، وَأَمَرَ بِنَزْعِهِ عَنْهُمْ، وَتَرَكَهُ عَلَى الْجَوَارِي. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ [مَسْأَلَةٌ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ] 1916 - مَسْأَلَةٌ: وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ: حَلَالٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا نَخُصُّ شَيْئًا إلَّا آنِيَةُ الْفِضَّةِ فَقَطْ، فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، عَلَى خَبَرِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] . فَلَمْ يُفَصِّلْ عَزَّ وَجَلَّ تَحْرِيمَ التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ، فَهِيَ حَلَالٌ. وَقَدْ خَصَّ قَوْمٌ بِالْإِبَاحَةِ حِلْيَةَ السَّيْفِ، وَالْمِنْطَقَةِ، وَالْخَاتَمِ، وَالْمُصْحَفِ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ. وَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فاطر: 12] . قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ إلَّا اللُّؤْلُؤُ، فَهُوَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ حَلَالٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [أَحْكَامُ الصُّلْحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ] [مَسْأَلَةٌ إذَا شَجَرَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ] أَحْكَامُ الصُّلْحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ 1917 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا شَجَرَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ: بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا عَنْ حَالِ الظَّالِمِ مِنْهُمَا، وَيَنْهَيَا إلَى الْحَاكِمِ مَا وَقَفَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، لِيَأْخُذَ الْحَقَّ مِمَّنْ هُوَ قَبْلَهُ، وَيَأْخُذَ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، لَا بِخُلْعٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَهْلُ الْقَرَابَةُ: هُمْ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ - وَالْأَهْلُ أَيْضًا: الْمَوَالِي، كَمَا

رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي طَيْبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] فَلَا يَخْلُو ضَرُورَةً الضَّمِيرُ الَّذِي فِي " بَيْنِهِمَا " مِنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الزَّوْجَيْنِ وَهَكَذَا نَقُولُ أَوْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الْحَكَمَيْنِ، فَنَصُّ الْآيَةِ: أَنَّهُ إنَّمَا يُوَفِّقُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا إنْ أَرَادَا إصْلَاحًا، وَالْإِصْلَاحُ هُوَ قَطْعُ الشَّرِّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] يَعْنِي الطَّلَاقَ، وَقَدْ قُرِئَ " أَنْ يُصْلِحَا "؟ . قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا الصُّلْحَ إلَى اخْتِيَارِ الزَّوْجَيْنِ، لَا إلَى غَيْرِهِمَا، وَعَلَيْهِمَا، وَلَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ: أَصْلَحْت بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ - أَيْ طَلَّقْتهَا عَلَيْهِ - وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا -: كَمَا رُوِّينَا - أَنَّ عُثْمَانَ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ حَكَمَيْنِ بَيْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَامْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقِيلَ لَهُمَا: إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا. وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إلَّا مُنْقَطِعًا. رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ: عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا. وَصَحَّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَعَنْ رَبِيعَةَ وَشُرَيْحٍ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، إلَّا ابْنَ الْمُغَلِّسِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا - نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا هِشَامٌ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَهُمَا - يَعْنِي الْحَكَمَيْنِ - أَنْ يُصْلِحَا، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُفَرِّقَا

وَبِهِ إلَى عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نا يُونُسُ عَنْ شَيْبَانَ - هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ - عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] . قَالَ قَتَادَةُ: إنَّمَا بُعِثَ الْحَكَمَانِ لِيُصْلِحَا، فَإِنْ أَعْيَاهُمَا ذَلِكَ شَهِدَا عَلَى الظَّالِمِ بِظُلْمِهِ، وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا الْفُرْقَةُ، وَلَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ إنْسَانًا قَالَ لَهُ: أَيُفَرِّقُ الْحَكَمَانِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الزَّوْجَانِ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ التَّفْرِيقَ إلَى الْحَاكِمِ بِمَا يُنْهِيهِ إلَيْهِ الْحَكَمَانِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ: أَنَّ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا، وَلَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِوُجُوبِ فَسْخِ النِّكَاحِ فَقَطْ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أحكام النفقات

[أَحْكَامُ النَّفَقَات] [مَسْأَلَةٌ يُنْفِقُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ حِينِ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا] 1918 - مَسْأَلَةٌ: وَيُنْفِقُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ حِينِ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يُدْعَ - وَلَوْ أَنَّهَا فِي الْمَهْدِ - نَاشِزًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ نَاشِزٍ، غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً، ذَاتَ أَبٍ كَانَتْ أَوْ يَتِيمَةً، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً - عَلَى قَدْرِ مَالِهِ -. فَالْمُوسِرُ: خُبْزُ الْحَوَارِيِّ، وَاللَّحْمُ، وَفَاكِهَةُ الْوَقْتِ - عَلَى حَسَبِ مِقْدَارِهِ - وَالْمُتَوَسِّطُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وَالْمُقِلُّ أَيْضًا عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا قَدْ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» . وَهَذَا يُوجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا حَيْثُ تُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ بِهَا وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ الصَّغِيرَةِ وَالنَّاشِزِ لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ غَيْرُهُ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ اُنْظُرُوا مَنْ طَالَتْ غِيبَتُهُ أَنْ يَبْعَثُوا نَفَقَةً أَوْ يَرْجِعُوا أَوْ يُفَارِقُوا فَإِنْ فَارَقَ فَإِنَّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ مَا فَارَقَ مِنْ يَوْمٍ غَابَ "

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَخُصَّ عُمَرُ نَاشِزًا مِنْ غَيْرِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَاضِبَةً هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ - وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلصَّغِيرَةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لِعُمَرَ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يُحْفَظُ مَنْعُ النَّاشِزِ مِنْ النَّفَقَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: النَّفَقَةُ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ، فَإِذَا مَنَعَتْ الْجِمَاعَ مُنِعَتْ النَّفَقَةُ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ حُجَّةٌ أَفْقَرُ إلَى مَا يُصَحِّحُهَا مِمَّا رَامُوا تَصْحِيحَهَا بِهِ، وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ، مَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ إلَّا بِإِزَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَاجِبَتَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ اسْتِحْلَالُهُمْ ظُلْمَ النَّاشِزِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا مِنْ أَجْلِ ظُلْمِهَا لِلزَّوْجِ فِي مَنْعِ حَقِّهِ، وَهَذَا هُوَ الظُّلْمُ بِعَيْنِهِ، وَالْبَاطِلُ صُرَاحًا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ ظَلَمَهُ إنْسَانٌ فَأَخَذَ لَهُ مَالًا فَقَدَرَ عَلَى الِانْتِصَافِ مِنْ مَالٍ يَجِدُهُ لِظَالِمِهِ أَنْ يَنْتَصِفَ، وَرَأَوْا مَنْعَ النَّاشِزِ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَلَا يُدْرَى لِمَاذَا؟ وَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي حُجَّتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ فَرَأَوْا النَّفَقَةَ لِلْمَرِيضَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، فَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ: إنَّ النَّفَقَةَ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَكْسُو الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ: فَالْمُوسِرُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَكْسُوهَا الْخَزَّ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَالْمُتَوَسِّطُ: جَيِّدَ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْمُقِلُّ عَلَى قَدْرِهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَأْكَلِ النَّاسِ وَمَلَابِسِهِمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْحِمْصِيُّ نا

مسألة ليس على الزوج أن ينفق على خادم لزوجته

أَبُو الْيَمَانِ - هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ - أرنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ لِبَاسِ النِّسَاءِ الْحَرِيرَ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ " أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بُرْدَ حَرِيرٍ ". وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَأْكُلُونَ فِيهِ إلَّا التَّمْرَ؛ أَوْ التِّينَ، أَوْ بَعْضَ الثِّمَارِ، أَوْ اللَّبَنَ، أَوْ السَّمَكَ: قُضِيَ لَهَا بِمَا يَقْتَاتُهُ أَهْلُ بَلَدِهَا كَمَا ذَكَرْنَا - وَأَكْثَرُ النَّفَقَةِ عِنْدَنَا رَطْلَانِ بِالْبَغْدَادِيِّ. ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا وَهْبُ بْنُ مِسْوَرَةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ - هُوَ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْكُوفِيُّ - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ «أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ فَضَالَةَ الْجُشَمِيِّ قَالَ دَخَلَ أَبِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ أَسْمَالٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَا لَكَ مِنْ مَالٍ؟ فَقَالَ: بَلْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ، قَدْ أَتَانِي اللَّهُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُرَ عَلَيْكَ مِمَّا أَتَاكَ اللَّهُ» . فَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَلْبَسَ الْإِنْسَانُ عَلَى حَسَبِ مَالِهِ، وَنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ [مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمٍ لِزَوْجَتِهِ] 1919 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمٍ لِزَوْجَتِهِ - وَلَوْ أَنَّهُ ابْنُ الْخَلِيفَةِ وَهِيَ بِنْتُ خَلِيفَةٍ. إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لَهَا بِمَنْ يَأْتِيهَا بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ، مُهَيَّأً مُمْكِنًا لِلْأَكْلِ - غَدْوَةً وَعَشِيَّةً -. وَبِمَنْ يَكْفِيهَا جَمِيعَ الْعَمَلِ مِنْ الْكَنْسِ وَالْفَرْشِ. وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِكِسْوَتِهَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِيجَابِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا عَلَيْهِ، فَهُوَ ظُلْمٌ وَجَوْرٌ. وَأَمَّا مَنْ كَلَّفَهَا الْعَجِينَ وَالطَّبْخَ، وَلَمْ يُكَلِّفْهَا حِيَاكَةَ كِسْوَتِهَا وَخِيَاطَتِهَا فَقَدْ تَنَاقَضَ، وَظَهَرَ خَطَؤُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ مُيَاوَمَةً] 1920 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنَّمَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مُيَاوَمَةً، لِأَنَّهُ هُوَ رِزْقُهَا، فَإِنْ تَعَدَّى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَأَخَّرَ عَنْهَا الْغَدَاءَ، أَوْ الْعَشَاءَ أُدِّبَ عَلَى ذَلِكَ.

فَإِنْ أَعْطَاهَا أَكْثَرَ، فَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا وَعِنْدَهَا فَضْلُ يَوْمٍ أَوْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٌ: قُضِيَ عَلَيْهَا بِرَدِّهِ إلَيْهِ. وَهُوَ فِي الْمَيْتَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّهَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا جَعْلُهُ عِنْدَهَا عِدَّةً لِوَقْتِ مَجِيءِ اسْتِحْقَاقِهَا إيَّاهُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَهُوَ عِنْدَهَا أَمَانَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَلَا ظُلْمَ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ لَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِرَدِّ مَا لَمْ تَسْتَحِقَّهُ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْكِسْوَةُ - فَإِنَّهَا إذَا وَجَبَتْ لَهَا فَهِيَ حَقُّهَا، وَإِذْ هُوَ حَقُّهَا فَهُوَ لَهَا، فَسَوَاءٌ مَاتَتْ إثْرَ ذَلِكَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا: لَيْسَ عَلَيْهَا رَدُّهَا، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّهَا لَكَانَتْ غَيْرَ مَالِكَةٍ لَهَا حِينَ تَجِبُ لَهَا - وَهَذَا بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْلَقَتْ ثِيَابَهَا أَوْ أَصَابَتْهَا وَلَيْسَتْ مِنْ مَالِهَا فَهِيَ لَهَا، فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي يُعْهَدُ فِي مِثْلِهِ إخْلَاقُ تِلْكَ الْكِسْوَةِ فَهِيَ لَهَا، وَيُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ بِأُخْرَى - فَلَوْ امْتَهَنَتْهَا ضِرَارًا أَوْ فَسَادًا حَتَّى أُخْلِقَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يُعْهَدُ فِيهِ إخْلَاقُ مِثْلِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ، إنَّمَا عَلَيْهِ رِزْقُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الَّذِي قُلْنَا. وَأَمَّا الْوِطَاءُ وَالْغِطَاءُ - فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، لِأَنَّ عَلَيْهِ إسْكَانَهَا، فَإِذْ عَلَيْهِ إسْكَانُهَا فَعَلَيْهِ مِنْ الْفُرُشِ وَالْغِطَاءِ مَا يَكُونُ دَافِعًا لِضَرَرِ الْأَرْضِ عَنْ السَّاكِنِ فَهُوَ لَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى كِسْوَتَهَا - وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْخَبَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ مُسْنَدًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَهُ» . فَنُسِبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْفُرُشُ إلَى الزَّوْجِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لَهَا بِهِ، وَهُوَ لِلزَّوْجِ لَا تَمْلِكُهُ هِيَ، وَمَنْ قَضَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمُيَاوَمَةِ فَقَدْ قَضَى بِالظُّلْمِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَسْأَلُهُ عَنْ أَنْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، فَأَيُّ حَدٍّ حُدَّ - مِنْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ -: كُلِّفَ الْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجِدُهُ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدٌ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ نا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ» .

مسألة إسكان الزوجة على قدر طاقته

رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كُلَّ سَنَةٍ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ» ؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ كَانَ يَدْفَعُهُ إلَيْهِنَّ مُقَدَّمًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُنَّ مُيَاوَمَةً، أَوْ مُشَاهَرَةً - وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ إنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِهِ، فَإِنْ فَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ فَتَلِفَ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ مِنْهَا، أَوْ بِعُدْوَانٍ. فَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ، لِأَنَّهَا أَخَذَتْ مَا لَيْسَ حَقًّا لَهَا، وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ مَالَ أَحَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُسْقِطُ حَقَّ ذِي حَقٍّ، فَلَوْ تَطَوَّعَ هُوَ بِذَلِكَ دُونَ قَضَاءِ قَاضٍ فَتَلِفَ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا ثَانِيَةً، وَكِسْوَتُهَا ثَانِيَةً كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَدَّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَحَقُّهَا بَاقٍ قَبْلَهُ، إذْ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهَا بَعْدُ. [مَسْأَلَةٌ إسْكَانُ الزَّوْجَة عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ] 1921 - مَسْأَلَةٌ: وَيَلْزَمُهُ إسْكَانُهَا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] . [مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ الزَّوْج حُلِيٌّ وَلَا طِيبٌ] 1922 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُهُ لَهَا حُلِيٌّ وَلَا طِيبٌ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْهُمَا عَلَيْهِ، وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - [مَسْأَلَةٌ مَنَعَ الزَّوْج النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا] 1923 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَنَعَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا - فَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا. أَوْ حَاضِرًا هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، يُؤْخَذُ مِنْهُ أَبَدًا وَيَقْضِي لَهَا بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ يُضْرَبُ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا فَهُوَ دَيْنٌ قِبَلَهُ. [مَسْأَلَةٌ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ نَفَقَةِ الزَّوْجَة وَالْكِسْوَةِ] 1924 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، فَسَوَاءٌ قَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ كَثُرَ: الْوَاجِبُ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا قَدَرَ، وَيُسْقَطُ عَنْهُ مَا لَا يَقْدِرُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَمْ يَجِبْ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قُضِيَ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ يُوسَرَ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ مُدَّةَ عُسْرِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وقَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَلَا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، فَلَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُ، وَمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ تَعَالَى

مسألة منعها الزوج النفقة أو الكسوة أو الصداق

فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ أَبَدًا أَيْسَرَ أَوْ لَمْ يُوسِرْ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ فَمَنَعَهَا إيَّاهَا - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا - فَهَذَا يُؤْخَذُ بِهِ أَبَدًا أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُعْسِرْ، لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ إعْسَارُهُ، لَكِنْ يُوجِبُ الْإِعْسَارُ أَنْ يَنْظُرَ بِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَقَطْ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . [مَسْأَلَةٌ مَنَعَهَا الزَّوْج النَّفَقَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ أَوْ الصَّدَاقَ] 1925 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُهَا النَّفَقَةَ أَوْ الْكِسْوَةَ أَوْ الصَّدَاقَ ظُلْمًا، أَوْ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ لَا يَقْدِرُ لَمْ يَجُزْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ وَإِنْ ظَلَمَ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ حَقًّا لَهُ قَبْلَهَا، إنَّمَا لَهَا أَنْ تَنْتَصِفَ مِنْ مَالِهِ - إنْ وَجَدَتْهُ لَهُ - بِمِقْدَارِ حَقِّهَا: «كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ إذْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي أَفَآخُذُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . رُوِّينَاهُ هَكَذَا مِنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَةٌ عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتُهُ غَنِيَّةٌ] 1926 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتُهُ غَنِيَّةٌ كُلِّفَتْ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَيْسَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ لَا عَلَى امْرَأَتِهِ - وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْحُرِّ وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ وَالِدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَا فَقِيرَيْنِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . قَالَ عَلِيٌّ: الزَّوْجَةُ وَارِثَةٌ فَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا هِيَ عَلَى الْحُرِّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ

أَوْجَبَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَفَقَةَ النِّسَاءِ وَكِسْوَتَهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. وَإِذْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] . وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: فِي الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ الْمَرِيضَةِ - الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا - أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَرَضُهَا يَمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا - فَإِنْ بَنَى بِهَا وَهِيَ كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى جِمَاعِهَا فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا. قَالَ: فَإِنْ مَرِضَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا صَحِيحَةً - فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا. قَالَ: فَإِنْ بَنَى بِالرَّتْقَاءِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا. وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ طَرِيفَةٌ فِي السَّخَافَةِ جِدًّا. وَقَالَ: إنْ سُجِنَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا كَرْهًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ مُدَّةَ مَغِيبِهِ وَإِنْ طَلَّقَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمَرْأَةِ تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الَّذِي لَهَا وَتَتَسَلَّفُ؟ قَالَ: نَرَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ زَوْجُهَا بِالسَّدَادِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَضَعَ لَهَا مَا يُصْلِحُهَا. قَالَ يُونُسُ: وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْحَقُّ، لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ فَهُوَ مُدَّعٍ لِسُقُوطِ حَقٍّ لَهَا ثَبَتَ قَبْلَهُ، فَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: مَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا فِيهِ، وَمَا اسْتَدَانَتْ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا يَقُومُ بِصِحَّتِهِ بُرْهَانٌ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا إذَا شَكَتْ إلَى الْجِيرَانِ، فَمِنْ حِينِ تَشْكُو تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَيُؤْخَذُ بِهَا الزَّوْجُ - وَهَذَا تَحْدِيدٌ فَاسِدٌ.

وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ: إنَّ زَوْجِي غَابَ، وَإِنِّي اسْتَدَنْت دِينَارًا فَأَنْفَقْتُهَا عَلَى نَفْسِي؟ فَقَالَ لَهَا شُرَيْحٌ: أَكَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَاقْضِي دَيْنَك. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَهَا لَهَا السُّلْطَانُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ فَرَضَهَا لَهَا سُلْطَانُ السَّلَاطِينِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَابَ ثُمَّ قَدُمَ فَطَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ بِالنَّفَقَةِ، فَإِنْ أَقَامَتْ لَهَا بَيِّنَةً بِأَنَّهَا أَقَرَّ لَهَا بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِشَيْءٍ قَضَى لَهَا، وَإِلَّا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَيْضًا قَضِيَّةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتهَا، وَلَا يُدْرَى بِمَاذَا سَقَطَ حَقُّهَا الْوَاجِبُ لَهَا بِدَعْوَاهُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِهِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُسْجَنُ فَلَا يُطَلِّقُ وَلَا يُكَلَّفُ طَلَاقًا. وَهَذَا قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي لِمَاذَا يُسْجَنُ؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ أَوْ يُطَلِّقَ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " كَتَبَ عُمَرُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ ادَّعَوْا - فُلَانًا وَفُلَانًا - نَاسًا قَدْ انْقَطَعُوا عَنْ الْمَدِينَةِ وَرَحَلُوا عَنْهَا: إمَّا أَنْ يَرْجِعُوا إلَى نِسَائِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةٍ إلَيْهِنَّ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقُوا وَيَبْعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إذَا لَمْ يَجِدْ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أُجْبِرَ عَلَى طَلَاقِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ نا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» ، تَقُولُ امْرَأَتُكَ: أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ - فَوَجَدْنَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نَا أَبِي ثنا الْأَعْمَشُ نا أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي. وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ - قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا، هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْنِ، عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قُلْنَا: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا حَكَى قَوْلَ الْمَرْأَةِ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْحُكْمِ. وَأَمَّا عُمَرُ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْ بِذَلِكَ إلَّا أَغْنِيَاءَ قَادِرِينَ عَلَى النَّفَقَةِ، وَلَيْسَ فِي خَبَرِ عُمَرَ ذِكْرُ حُكْمِ الْمُعْسِرِ؟ بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ إسْقَاطُ طَلَبِ الْمَرْأَةِ لِلنَّفَقَةِ إذَا أُعْسِرَ بِهَا الزَّوْجُ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا -: فَقَالَ مَالِكٌ: يُؤَجَّلُ فِي عَدَمِ النَّفَقَةِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ، فَإِنْ انْقَضَى الْأَجَلُ - وَهِيَ حَائِضٌ أُخِّرَ حَتَّى تَطْهُرَ، وَفِي الصَّدَاقِ عَامَيْنِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، فَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ ارْتِجَاعُهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُؤَجَّلُ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ -: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ نَحْوَ هَذَا جَمَاعَةً -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، قُلْتُ: سَنَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِزَوْجِ امْرَأَةٍ شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا: اضْرِبُوا لَهُ أَجَلَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا - قَالَ: أَبُو الزِّنَادِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ؟ فَقَالَ فِي الْأَجَلِ وَالتَّفْرِيقِ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَنْكَحَ ابْنَتَهُ رَجُلًا لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إلَى الزَّوْجِ فَأَتَى فَقَالَ: أَنْكَحَنِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِي شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْكَحْتَهُ وَأَنْتَ تَعْرِفُ، فَمَا الَّذِي أَصْنَعُ، اذْهَبْ بِأَهْلِك. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: " مَنْ تَزَوَّجَ - وَهُوَ غَنِيٌّ - ثُمَّ احْتَاجَ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا " وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: إنَّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانُوا يَقُولُونَ: إذَا لَمْ يُنْفِقْ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، قِيلَ لِمَالِكٍ: قَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ يُعْسَرُونَ وَيَحْتَاجُونَ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ النَّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ، إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَا جَمِيعًا: إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ نَجِدْ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا تَعَلُّقَهُمْ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ صَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلَانِ، كَمَا أَوْرَدْنَا أَحَدُهُمَا - يُجْبَرُ عَلَى مُفَارَقَتِهَا، وَالْآخَرُ - يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَأَيُّهُمَا السُّنَّةُ، وَأَيُّهُمَا كَانَ السُّنَّةُ، فَالْآخَرُ خِلَافَ السُّنَّةِ، بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَقُلْ سَعِيدٌ: إنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَحَتَّى لَوْ قَالَهُ لَكَانَ مُرْسَلًا لَا حُجَّةَ فِيهِ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا أَرَادَ - بِلَا شَكٍّ - أَنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ دُونِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا رُوِّينَا مِنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ سَعِيدٍ هَذَا - وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِيمَا يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِقَوْلِ سَعِيدٍ: إنَّهُ سُنَّةٌ، وَهُمْ لَا يَلْتَفِتُونَ - مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو " أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي فِدَاءِ وَلَدِ الْأَمَةِ الْغَارَّةِ بِأَنَّهَا حُرَّةُ الْمِلَّةِ، أَوْ السُّنَّةُ كُلُّ رَأْسٍ رَأْسَيْنِ ". وَلَا يَلْتَفِتُونَ - مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ

نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: " لَا تَلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ". وَالصَّحِيحُ الثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ - هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أرنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ «السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مُخَافَتَةً ثُمَّ يُكَبِّرُ وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ» . فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَرَى قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَضِيَّةٍ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهَا هِيَ سُنَّةٌ حُجَّةٌ، وَلَا يَرَى قَوْلَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ هِيَ السُّنَّةُ حُجَّةٌ؟ وَهُوَ مِثْلُ سَعِيدٍ فِي إدْرَاكِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَيْفَ بِعُثْمَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُدْرِكُ سَعِيدٌ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِهِمْ أَبَدًا، وَكُلُّهُمْ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْ سَعِيدٍ بِلَا شَكٍّ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي تَأْجِيلِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، فَسَاقِطَةٌ جِدًّا، لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا لَا شَيْءَ. وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ قَوْلُ مَالِكٍ لِلَّذِي احْتَجَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَحْتَاجُونَ وَيُعَسِّرُونَ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ النَّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ، إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً " فَجَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ وُجُوهًا مِنْ الْخَطَأِ -: مِنْهَا - مُخَالَفَةُ أَمْرِ الصَّحَابَةِ وَمَا مَضَوْا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الِاعْتِرَافَ بِأَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا كَذَلِكَ الْيَوْمِ، فَكَيْفُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجِيزَ حُكْمًا يُقِرُّ بِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ مَنْ لَهُ بِذَلِكَ، وَمِنْ أَيْنَ عَرَفَ تَبَدُّلَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمَا يَعْلَمُ أَحَدٌ فِيهَا أَنَّ النَّاسَ عَلَى خِلَافِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ عَصْرَ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ الْمَرْأَةُ لِلْجِمَاعِ وَالنَّفَقَةِ بِلَا شَكٍّ، فَمَا النَّاسُ الْيَوْمَ إلَّا كَذَلِكَ.

ثُمَّ قَوْلُهُ " إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً " فَيُقَالُ لَهُ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُحِيلُ حُكْمَ مَا مَضَى عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ عَلَيْهِمْ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ - وَهِيَ أَنْ قَالُوا: إذَا كُلِّفْتُمُوهَا صَبْرَ شَهْرٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى عَيْشِ شَهْرٍ بِلَا أَكْلٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ تَكْلِيفِهَا الصَّبْرَ أَبَدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا لِلشَّافِعِيِّ: إذَا طَلَّقْتُمُوهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا صَبْرَ عَنْ الْأَكْلِ، فَأَنْتُمْ تُكَلِّفُونَهَا الْعِدَّةَ - وَهِيَ رُبَّمَا كَانَتْ أَشْهُرًا - فَقَدْ كَلَّفْتُمُوهَا الصَّبْرَ بِلَا نَفَقَةٍ مُدَّةً لَا يُعَاشُ فِيهَا بِلَا أَكْلٍ وَلَا فَرْقَ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، لَا عَلَيْنَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ مَنْ عَنَّ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبَيَّنَهَا بِضَرَرِ فَقْدِ الْجِمَاعِ، فَضَرَرُ فَقْدِ النَّفَقَةِ أَشَدُّ؟ فَقَالَ لَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: قَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا مَرَّةً ثُمَّ عَنَّ عَنْهَا أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ ثُمَّ أُعْسِرَ بِنَفَقَتِهَا؟ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ تَرَكَتْ قِيَاسَهَا الْفَاسِدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ نا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ نا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَاهُ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِنًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا؟ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا وَقَامَ عُمَرُ إلَى حَفْصَةَ يُجَأْ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟ فَقُلْنَ: وَاَللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا أَبَدًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَهْرًا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِمَا فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ ضَرْبِهِمَا ابْنَتَيْهِمَا، إذْ سَأَلَتَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَفَقَةً لَا يَجِدُهَا، وَإِذْ ضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ امْرَأَتَهُ، إذْ سَأَلَتْهُ نَفَقَةً لَا يَجِدُهَا.

مسألة ينفق الرجل والمرأة على مماليكهما من العبيد والإماء

وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَضْرِبَا طَالِبَةَ حَقٍّ، وَمِثْلُ هَذَا لَوْ وَجَدَهُ الْمُخَالِفُونَ لَنَا لِعِظَمِ تَسَلُّطِهِمْ بِهِ - وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، لَمْ يَقُلْ فِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءً عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَصْلُحُ امْرَأَتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهَا إلَّا مَا وَجَدْتَ، لَيْسَ لَهَا إلَّا مَا وَجَدْتَ، لَيْسَ لَهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْجَزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: تُوَاسِيه تَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَتَصْبِرُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا اسْتَطَاعَ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ رَجُلٍ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: يَسْتَأْنِي بِهِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَلَا {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] . قَالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ سِوَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْمَرْأَةِ يُعْسِرُ زَوْجُهَا بِنَفَقَتِهَا؟ قَالَ: هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ، وَلَا تَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] . وَقَالَ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ يُنْفِقُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى مَمَالِيكِهِمَا مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ] 1927 - مَسْأَلَةٌ: وَيُنْفِقُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى مَمَالِيكِهِمَا مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، أَنْ يُطْعِمَهُ شِبَعَهُ مِمَّا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ وَيَكْسُوَهُ مِمَّا يَطْرُدُ عَنْهُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، وَلَا يَكُونُ بِهِ مُثْلَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، لَكِنْ مِمَّا يُلْبَسُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَكْسُوِّ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَيَسْتُرُ الْعَوْرَةَ. وَفُرِضَ عَلَيْهِ - مَعَ ذَلِكَ - أَنْ يُطْعِمَهُ مِمَّا يَأْكُلُ - وَلَوْ لُقْمَةً - وَأَنْ يَكْسُوَهُ مِمَّا يَلْبِسُ - وَلَوْ فِي الْعِيدِ - وَيُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَى، أَوْ أَعْسَرَ: بِيعَ مِنْ مَالِهِ مَا يُنْفِقُ بِهِ عَلَى

مَنْ ذَكَرْنَا فِي الْإِبَايَةِ - وَأَمَّا فِي الْعُسْرِ: فَيُبَاعُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِيهِمَا عَمَلٌ يَكُونُ لَهُ أُجْرَةٌ يَقُومُ مِنْهَا مُؤْنَتُهُ، فَإِنَّهُ يُؤَاجِرُ حِينَئِذٍ وَلَا يُبَاعُ - وَلَا تُعْتَقُ أُمُّ الْوَلَدِ مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ، لَكِنْ يُجْبَرُ كَمَا قُلْنَا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كُلِّفَتْ مَا يُكَلَّفُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبِسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي حَزْرَةَ الْقَاصِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ أَبَا الْيُسْرِ قَالَ لَهُ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي الرَّقِيقِ «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ» . قَالَ: أَبُو الْيُسْرِ " فَكَانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَهَذَا أَبُو الْيُسْرِ يَرَى هَذَا الْأَمْرَ فَرْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ نا ابْنُ وَهْبٍ أرنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ حَدَّثَهُ عَنْ الْعَجْلَانِ مَوْلَى فَاطِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْحَوْضِيُّ - نَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَلْيُؤَاكِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ؛ أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَجْمَعُ مَا قُلْنَا، وَقَدْ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُثْلَةِ - وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ غَابَ أَوْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَكُلُّ مَا لَزِمَتْ الْمُسْلِمَ نَفَقَتُهُ فَقَدْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهِ، فَفَرْضٌ عَلَيْنَا إيصَالُهُ إلَيْهِ، وَتَوْفِيَتُهُ إيَّاهُ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيْعِ

عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ: بِيعَ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَمَنْ لَمْ يَبِعْ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ حَقُّ مَا يُوَصِّلُهُ بِهِ الْعَبْدُ أَوْ غَيْرُهُ إلَى حَقِّهِ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَمِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ إيفَاءُ ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ، وَمِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ مَنْعُ ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمَمْلُوكِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهِ، وَلَا كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ عَمَلٌ يُؤَاجَرُ بِهِ، أَوْ مُؤَاجَرَةُ الْمَمْلُوكِ إنْ كَانَ بِيَدِهِ عَمَلٌ تَقُومُ مِنْهُ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ، فَلَمَّا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ كَانَ لِمَوَالِيهِ عَلَيْهِ خِرَاجٌ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يُخْفُوا عَنْهُ مِنْ خِرَاجِهِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ فِيمَنْ بَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَقَدْ سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ جَابِرٍ كَمَا نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا الْعُقَيْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: " قَدِمْتُ عَلَى أَبِي الزُّبَيْرِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ فَسَأَلَتْهُ كُلَّ هَذَا سَمِعْته مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْتُ، وَمِنْهُ مَا حُدِّثْتُ، فَقُلْتُ: أَعْلِمْ لِي عَلَى كُلِّ مَا سَمِعْت مِنْهُ؟ فَأَعْلِمْ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي ". وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لِمَ بِعْتُمْ الْعَبْدَ إذَا أَعْسَرَ السَّيِّدُ بِنَفَقَتِهِ، أَوْ بِنَفَقَةِ أَهْلِهِ، أَوْ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ - وَلَمْ تُطَلِّقُوا الزَّوْجَةَ، وَلَمْ تَعْتِقُوا أُمَّ الْوَلَدِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ؟ قُلْنَا: حَقُّ مَنْ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ فِي مَالِهِ وَعَبْدُهُ، وَأَمَتُهُ، مَالٌ مِنْ مَالِهِ فَيُبَاعَانِ فِي كُلِّ حَقٍّ عَلَيْهِ لِيُعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

مسألة نفقة حيوانه كله أو تسريحه للرعي

وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85] وَمَنْ مَنَعَ أَحَدًا نَفَقَتَهُ الْوَاجِبَةَ لَهُ فَقَدْ بَخَسَ شَيْئًا هُوَ لَهُ - وَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَلَيْسَتَا مَالًا مِنْ مَالِهِ لَكِنَّ حَقَّهُمَا فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَحَقُّهُمَا فِي مَالِ أَنْفُسِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ فَحَقُّهُمَا فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ الصَّدَقَاتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَاكِينِ أَوْ الْفُقَرَاءِ، يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَأَيُّ وَجْهٍ لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ هَاهُنَا؟ لَوْ أَنْصَفَ الْمُعَانِدُونَ أَنْفُسَهُمْ؟ . [مَسْأَلَةٌ نَفَقَة حَيَوَانِهِ كُلِّهِ أَوْ تَسْرِيحِهِ لِلرَّعْيِ] 1928 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى نَفَقَةِ حَيَوَانِهِ كُلِّهِ أَوْ تَسْرِيحِهِ لِلرَّعْيِ إنْ كَانَ يَعِيشُ مِنْ الْمَرْعَى إنْ أَبَى بِيعَ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى نا أَبُو عَوَانَةَ نا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ وَرَّادٍ - كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إلَى مُعَاوِيَةَ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِضَاعَةُ الْمَالِ حَرَامٌ وَإِثْمٌ، وَعُدْوَانٌ، بِلَا خِلَافٍ، وَمَنْعُ الْمَرْءِ حَيَوَانُهُ مِمَّا فِيهِ مَعَاشُهُ، أَوْ إصْلَاحُهُ إضَاعَةٌ لِمَالِهِ، فَالْوَاجِبُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَالْإِحْسَانُ إلَى الْحَيَوَانِ بِرٌّ وَتَقْوَى، فَمَنْ لَمْ يُعِنْ عَلَى إصْلَاحِهِ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَعَصَى اللَّهَ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُبَاعُ عَلَيْهِ حَيَوَانُهُ، لَكِنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْمَرُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا ضَلَالٌ ظَاهِرٌ - كَمَا ذَكَرْنَا - وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلَّدِيهِ بِضَلَالٍ آخَرَ قَالَ: لَا يُجْبَرُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ إذَا أَرَادَ إضَاعَتَهُ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى سَقْيِ نَخْلِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى سَقْيِ النَّخْلِ إنْ كَانَ فِي تَرْكِ سَقْيِهِ هَلَاكُ النَّخْلِ، وَكَذَلِكَ فِي الزَّرْعِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنْعُ الْحَيَوَانِ مَا لَا مَعَاشَ لَهُ إلَّا بِهِ مِنْ عَلَفٍ أَوْ رَعْيٍ، وَتَرْكُ سَقْيِ شَجَرِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ حَتَّى يَهْلَكَا - بِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى - فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ وَإِهْلَاكٌ لِلْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ هَذَا الْعَمَلَ، فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَنْصُرُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْفَاسِدَةَ الْعَائِدَةَ بِالْفَسَادِ الَّذِي لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ لَا تُجْبِرُونَ أَحَدًا عَلَى زَرْعِ أَرْضِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: إنَّمَا نَتْرُكُهُ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَعَاشٌ غَيْرُهُ يُغْنِي عَنْ زَرْعِهَا - وَهَذَا بِلَا شَكٍّ صَلَاحٌ لِلْأَرْضِ وَإِحْمَامٌ لَهَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى عَنْ زَرْعِهَا، فَإِنَّمَا يُجْبِرُهُ عَلَى زَرْعِهَا إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلَا نَتْرُكُهُ يَبْقَى عَالَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِضَاعَتِهِ لِمَالِهِ، وَمَعْصِيَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ.

النفقات على الأقارب

[النَّفَقَاتُ عَلَى الْأَقَارِبِ] [مَسْأَلَةٌ الْبَدْءُ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا غِنًى عَنْهُ بِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ] ِ 1929 - مَسْأَلَةٌ: فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَلَا غِنًى عَنْهُ بِهِ: مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ، عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُجْبَرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا عَمَلَ بِيَدِهِ مِمَّا يَقُومُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ: مِنْ أَبَوَيْهِ، وَأَجْدَادِهِ، وَجَدَّاتِهِ، وَإِنْ عَلَوْا - وَعَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَبَنِيهِمْ - وَإِنْ سَفَلُوا - وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالزَّوْجَاتِ -: كُلُّ هَؤُلَاءِ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُقَدَّمُ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ - قَلَّ مَا بِيَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ كَثُرَ - لَكِنْ يَتَوَاسَوْنَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ لَهُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ: لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ - بَعْدَ كِسْوَتِهِمْ وَنَفَقَتِهِمْ - شَيْءٌ أُجْبِرَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمَةِ وَمَوْرُوثِيهِ، إنْ كَانَ مَنْ ذَكَرْنَا لَا شَيْءَ لَهُمْ، وَلَا عَمَلَ بِأَيْدِيهِمْ تَقُومُ مُؤْنَتُهُمْ مِنْهُ، وَهُمْ الْأَعْمَامُ، وَالْعَمَّاتُ - وَإِنْ عَلَوْا - وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ - وَإِنْ عَلَوْا - وَبَنُو الْإِخْوَةِ - وَإِنْ سَفَلُوا. وَالْمَوْرُوثُونَ - هُمْ: مَنْ لَا يُحَجِّبُهُ أَحَدٌ عَنْ مِيرَاثِهِ إنْ مَاتَ، مِنْ عُصْبَةٍ أَوْ مَوْلًى مِنْ أَسْفَلَ، فَإِنْ حُجِبَ عَنْ مِيرَاثِهِ لِوَارِثٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَاتِهِمْ. وَمَنْ مَرِضَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا كُلِّفَ أَنْ يَقُومَ بِهِمْ وَبِمَنْ يَخْدُمُهُمْ، وَكُلِّ هَؤُلَاءِ فَمَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى مَعَاشٍ وَتَكَسُّبٍ، - وَإِنْ خَسَّ - فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ، إلَّا الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ، وَالزَّوْجَاتِ " فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ أَنْ يَصُونَهُمْ عَنْ خَسِيسِ الْكَسْبِ - إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ.

وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مَا بِهِ عَنْهُ غِنًى مِنْ عَقَارِهِ وَعُرُوضِهِ وَحَيَوَانِهِ وَلَا يُبَاعُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا إنْ بِيعَ عَلَيْهِ هَلَكَ وَضَاعَ، فَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يُبَعْ إلَّا فِيمَا فِي نَفْسِهِ إلَيْهِ ضَرُورَةً إنْ، لَمْ يَتَدَارَكْهَا بِذَلِكَ هَلَكَ، وَلَا يُشَارِكُ الْوَالِدَ أَحَدٌ فِي النَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ الْأَدْنَيْنَ فَقَطْ. وَهَذَا مَكَانٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ، كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ نَا أَبُو الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ نا قَبِيصَةُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَجْبَرَ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ - يَعْنِي عَلَى نَفَقَتِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُنْفِقُ أَحَدٌ إلَّا عَلَى الْوَالِدِ الْأَدْنَى، وَالْأُمِّ الَّتِي وَلَدَتْهُ مِنْ بَطْنِهَا هَذَيْنِ - يَعْنِي الْأَبَوَيْنِ - يُجْبَرُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ الْوَلَدِ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ، وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ دُونَ الْمَرْأَةِ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ الْأَدْنَى الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَقَطْ، وَعَلَى الْبِنْتِ الدُّنْيَا - وَإِنْ بَلَغَتْ - حَتَّى يُزَوِّجَهَا فَقَطْ. وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهَا - وَإِنْ مَاتَ جُوعًا - وَهِيَ فِي غَايَةِ الْغِنَى. قَالَ: وَلَا يُنْفِقُ عَلَى أَبَوَيْهِ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ - وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَلَّدَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ - وَإِنْ بَعُدُوا - وَعَلَى بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُمْ - وَإِنْ سَفَلَ - وَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَلَّدَهُ - وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ أَبٍ، وَلَا أُمٍّ، وَلَا غَيْرِهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ إلَّا عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ تَنَاقَضَ تَنَاقُضًا شَنِيعًا، قَالَ: يُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْمُحْتَاجِينَ خَاصَّةً - ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا - فَإِنْ كَانُوا كِبَارًا مُحْتَاجِينَ أُجْبِرَ عَلَى نَفَقَةِ الْإِنَاثِ مِنْهُمْ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى نَفَقَةِ الذُّكُورِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا زَمْنَى. فَإِنْ كَانُوا زَمْنَى مُحْتَاجِينَ أُجْبِرَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصِّغَارِ الْمُحْتَاجِينَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالْكِبَارِ وَالْفَقِيرَاتِ مِنْ النِّسَاءِ خَاصَّةً - وَإِنْ لَمْ يَكُنَّ

زَمِنَاتٍ - وَالْكِبَارِ الْمُحْتَاجِينَ إذَا كَانُوا زَمْنَى، وَإِلَّا فَلَا - كُلُّ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمَةِ إذَا كَانَ وَارِثًا لَهُمْ خَاصَّةً. وَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ وَارِثًا لَهُ، وَلَا عَلَى نَفَقَةِ مَوْرُوثِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْهُ. قَالَ: وَلَا يُشَارِكُ الْوَالِدَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ أَحَدٌ، وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى وَالِدِيهِ أَحَدٌ، فَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ وَارِثُونَ ذَوُو رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ أُجْبِرُوا كُلُّهُمْ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ. قَالُوا: فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدًا مِنْهُمْ نَفَقَةٌ عَلَى مَنْ دِينُهُ خِلَافَ دِينِهِ إلَّا الْوَلَدَ عَلَى أَبَوَيْهِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِي دِينِهِ، وَإِلَّا الْوَالِدَ الْكَافِرَ عَلَى نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ خَاصَّةً الَّذِينَ صَارُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ أُمِّهِمْ. قَالَ: وَلَا يُجْبَرُ فَقِيرٌ عَلَى أَحَدٍ إلَّا الْوَالِدُ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَإِلَّا الزَّوْجُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ، وَإِلَّا الرَّجُلُ الْفَقِيرُ، وَالْمَرْأَةُ الْفَقِيرَةُ عَلَى نَفَقَةِ أُمِّهِمَا الْفَقِيرَةِ - قَالَ: وَلَا يُجْبَرُ الِابْنُ الْفَقِيرِ عَلَى نَفَقَةِ أَبِيهِ الْفَقِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا فَيُجْبَرُ حِينَئِذٍ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُمْكِنُ إجْبَارُ فَقِيرٍ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ ثُمَّ لَوَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ حَدَّ هَذَا الْفَقْرِ عِنْدَهُمْ مِنْ الْغِنَى الَّذِي يُوجِبُونَ بِهِ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ ذَكَرُوا قَبْلُ، ثُمَّ نَسُوا مَا قَالُوا، فَقَالُوا: إنْ كَانَ لَهُ خَالٌ، وَابْنُ عَمٍّ مُوسِرَانِ، وَهُوَ فَقِيرٌ زَمِنٌ، أَوْ صَغِيرٌ صَحِيحٌ فَقِيرٌ: فَنَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ دُونَ ابْنِ عَمِّهِ. قَالُوا: فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ مُعْسِرٌ زَمِنٌ وَلَهُ ابْنَةٌ مُعْسِرَةٌ، وَلَهُ أَخٌ شَقِيقٌ، وَأَخٌ لِأَبٍ، وَأَخٌ لِأُمٍّ مُوسِرُونَ: فَنَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ ابْنَتِهِ عَلَى الشَّقِيقِ فَقَطْ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنَةِ ابْنٌ مُعْسِرٌ زَمِنٌ كَبِيرٌ كَانَتْ نَفَقَةُ الْأَبِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهَا عَلَى شَقِيقِهِ، وَسُدُسُهَا عَلَى أَخِيهِ لِلْأُمِّ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَخِيهِ لِلْأَبِ وَكَانَتْ نَفَقَةُ الِابْنِ عَلَى عَمِّهِ شَقِيقِ أَبِيهِ فَقَطْ. فَاعْجَبُوا لِهَذَا الْهَوَسِ؟ وَهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ الْأَبَ، وَلَا الِابْنَ وَكُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، قَالُوا: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا زَمِنًا وَلَهُ أَبٌ مُوسِرٌ، وَابْنٌ مُوسِرٌ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى الِابْنِ دُونَ الْأَبِ - وَلَهُمْ تَخْلِيطٌ كَثِيرٌ طَوِيلٌ غَثٌّ، يَكْفِي مِنْ بَيَانِ سُقُوطِهِ مَا ذَكَرْنَا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِمِثْلِ قَوْلِنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقَفَ بَنِي عَمِّ مَنْفُوسٍ كَلَالَةً بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَلِيٌّ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَبَسَ عُصْبَةَ صَبِيٍّ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الرُّؤَاسِيُّ عَنْ الْحَسَنِ - هُوَ ابْنُ حَيٍّ - عَنْ مُطَرِّفٍ - هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ - عَنْ إسْمَاعِيلَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا كَانَ عَمٌّ وَأُمٌّ؟ فَعَلَى الْعَمِّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ وَعَلَى الْأُمِّ بِقَدْرِ مِيرَاثِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ جَعَلَ نَفَقَةَ الصَّبِيِّ مِنْ مَالِهِ، وَقَالَ لِوَارِثِهِ: أَمَّا إنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَخَذْنَاك بِنَفَقَةٍ - أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نا مُسَدَّدٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ - هُوَ الْمُقْرِي - نا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] قَالَ: رَضَاعُ الصَّبِيِّ -: نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا رَوْحُ - هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ - عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: نَفَقَةُ الصَّبِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَلَى وَارِثِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . وَبِهِ إلَى رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت: لِعَطَاءٍ أَيُجْبَرُ وَارِثُ الصَّبِيِّ - وَإِنْ كَرِهَ - بِأَجْرِ مُرْضِعَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ مَالٌ؟ فَقَالَ: أَفَتَدَعُهُ يَمُوتُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ وَارِثُ الْمَوْلُودِ، عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، أَيْ مِثْلُ مَا ذُكِرَ.

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ - عَنْ أَشْعَثَ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] قَالَ: النَّفَقَةُ وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - ثنا حَسَّانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ يَتِيمٍ لَهُ عُصْبَةٌ أَغْنِيَاءُ أَيُجْبَرُونَ عَلَى أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: نَعَمْ، يُنْفِقُونَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا كَانُوا يَرِثُونَهُ لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أرنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يُجْبَرُ الرَّجُلُ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى نَفَقَةِ أَخِيهِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا -: وَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا فَيُنْفَقُ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ نَصِيبِهِ - يَعْنِي مِنْ الْمِيرَاثِ - إنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أُنْفِقَ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُسَدَّدٌ نا هُشَيْمٌ نا مَنْصُورٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يُجْبَرُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَرِثُ - يَعْنِي فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمَوْرُوثِ -. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] قَالَ: رَضَاعُ الصَّغِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ مَا عَلَى أَبِيهِ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي: أَنَّهُ قَالَ فِي رَضَاعِ الصَّبِيِّ يَمُوتُ أَبُوهُ أَنَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] قَالَ: هُوَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَهَؤُلَاءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ. وَمِنْ التَّابِعِينَ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَتَادَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَشُرَيْحٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهَا تَقَاسِيمُ كَثِيرَةٌ سَخِيفَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا احْتِيَاطٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَلَا قَالَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمَا نَعْلَمُهُ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا نَعْلَمُهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا أَنْ يُمَوِّهَ مُمَوِّهٌ بِأَنْ يَقُولَ: قَدْ أُجْمِعَ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدِ الصِّغَارِ وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَدَّعِي ضَبْطَ الْإِجْمَاعِ إلَّا كَاذِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا، مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا قَوْلُ حَمَّادٍ فَإِنَّهُ خَصَّ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ دُونَ الْمَوْرُوثِ بِلَا دَلِيلٍ. فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26] . وَالْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَاهُ قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» . فَأَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَقًّا لِذِي الْقُرْبَى وَلِلْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ - وَأَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْعَطِيَّةَ لِلْأَقَارِبِ. فَإِنْ قَالَ الْمُخَالِفُ: حَقُّهُ الصِّلَةُ وَتَرْكُ الْقَطِيعَةِ؟

قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَقُّهُ، وَالصِّلَةُ: هِيَ أَنْ لَا يَدَعَهُ يَسْأَلَ وَيَتَكَفَّفَ، أَوْ يَمُوتَ جَوْعًا أَوْ بَرْدًا، أَوْ ضَيَاعًا، أَوْ يُضْحِي لِلشَّمْسِ وَالْمَطَرِ وَالرِّيحِ وَالْبَرْدِ، وَهُوَ ذُو فَضْلَةٍ مِنْ مَالٍ هُوَ عَنْهَا فِي غِنًى، وَلَيْسَ فِي الْقَطِيعَةِ شَيْءٌ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَدَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ قَدْ قَرَنَ ذَوِي الْقُرْبَى بِالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَحَقُّ الْمَسَاكِينِ عَلَى كُلِّ مَنْ بِحَضْرَتِهِمْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ فَرْضًا يُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَقْضِي الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَقُّ ابْنِ السَّبِيلِ ضِيَافَتُهُ، فَإِنْ قِيلَ: مَنْ هُمْ ذَوُو الْقُرْبَى هَؤُلَاءِ؟ قُلْنَا: كُلُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُنْتَسِلُونَ مِنْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَامْرَأَتِهِ، وَابْنًا بَعْدَ ابْنٍ، وَوِلَادَةً بَعْدَ وِلَادَةٍ، إلَى أَبِ الْإِنْسَانِ الْأَدْنَى وَأُمِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ يُبَيِّنُ مَنْ هُمْ ذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِهِمْ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أرنا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقُ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، أَوْ قَالَ: عَلَى زَوْجِكَ، قَالَ عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ» . وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا جَمِيعًا: نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاخْتَلَفَ سُفْيَانُ، وَيَحْيَى، فَقَدَّمَ سُفْيَانُ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَدَّمَ الْقَطَّانُ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقَدَّمَ الْوَلَدُ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا الزَّوْجَةُ عَلَى الْوَلَدِ، بَلْ يَكُونَانِ سَوَاءً، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَرِّرُ كَلَامَهُ

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَمُمْكِنٌ أَنْ يُكَرِّرَ فُتْيَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَاهُنَا كَذَلِكَ، فَمَرَّةً قَدَّمَ الْوَلَدَ، وَمَرَّةً قَدَّمَ الزَّوْجَةَ، فَصَارَ سَوَاءً مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِهِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ إذْ سَأَلَتْهُ إبَاحَةً مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ زَوْجِهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» فَقَرَنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَدِ سَوَاءً. ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نا يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ نا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ قَالَ: «دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» . وَهَذِهِ أَخْبَارٌ صِحَاحٌ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - آمِرًا بِأَنْ يَبْدَأَ بِمَنْ يَعُولُ، وَهُمْ: الْأَبَوَانِ، وَالْإِخْوَةُ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ هَؤُلَاءِ مُبْدُونَ مَعَ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ كُلَّ جَدَّةٍ " أُمٌّ " وَكُلَّ جَدٍّ " أَبٌ " وَكُلَّ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنٍ " ابْنٌ " وَابْنَةِ ابْنٍ وَابْنَةٍ " ابْنَةٌ " كُلُّهُمْ ابْنٌ وَابْنَةٌ - فَصَحَّ نَصًّا مَا قُلْنَا. وَأَنَّ بَعْدَ هَؤُلَاءِ: الْأَدْنَى الْأَدْنَى، وَفِي هَؤُلَاءِ يَدْخُلُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، مِنْ: عَمٍّ وَعَمَّةٍ، وَخَالٍ وَخَالَةٍ، وَابْنِ أُخْتٍ وَبِنْتِ أُخْتٍ، وَابْنِ أَخٍ وَابْنَةِ أَخٍ: يَقِينًا. ثُمَّ وَجَدْنَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْوَارِثِ مَعَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ، وَخَرَجَ مَنْ لَيْسَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، وَلَا وَارِثًا مِنْ هَذَا الْحُكْمِ، وَمِنْ تَخْصِيصِهِ بِالنَّفَقَةِ - مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ - لِأَنَّهُ كَسَائِرِ مَنْ أَدْلَتْهُ الْوَلَّادَاتُ - وِلَادَةً بَعْدَ وِلَادَةٍ - إلَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لَيْسَتْ وِلَادَةً بِأَوْلَى مِنْ الَّتِي فَوْقَهَا بِأَبٍ، فَلَمْ يَجُزْ إيجَابُ فَرْضِ إخْرَاجِ الْمَالِ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ إلَى آخَرَ إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ، وَلَا نَصَّ إلَّا فِيمَنْ ذَكَرْنَا. وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ وِلَادَةً أَكْثَرَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا بِغَيْرِ نَصٍّ، فَإِنْ عَمَّ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ

عَلَى جَمِيعِ وَلَدِ آدَمَ، وَالنُّصُوصُ كُلُّهَا لَا تُوجِبُ ذَلِكَ، إلَّا فِي خَاصٍّ مِنْهَا، لِتَفْرِيقِهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ ذَوِي الْقُرْبَى وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِلَا شَكٍّ. فَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ وِلَادَاتِ بَعْضِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ دُونَ بَعْضٍ - فَصَحَّ مَا قُلْنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَارَّ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةٌ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ مَعْنَاهُ - لَا يُضَارُّ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ رَضَاعَ الصَّغِيرِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يُرَدُّ الْمِيرَاثُ لِأَهْلِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ تَمْوِيهٌ مِنْ الْمُخَالِفِ، وَكُلُّ هَذَا حَقٌّ، وَبِهِ نَقُولُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ (عَلَى الْوَارِثِ أَنْ لَا يُضَارَّ) قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فِي الْمُضَارَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَمُوتَ مَوْرُوثُهُ جَوْعًا وَبَرْدًا - وَهُوَ غَنِيٌّ - فَلَا يَرْحَمُهُ بِأَكْلَةٍ، وَلَا بِشَيْءٍ يَسْتُرُهُ بِهِ وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْمَوْتُ مِنْ الْبَرْدِ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُضَارَّةِ، بِلَا شَكٍّ عِنْدَ أَحَدٍ. أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ " إنَّ رَضَاعَ الصَّغِيرِ فِي نَصِيبِهِ " فَقَوْلٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَ لَهُ مِيرَاثٌ مِنْ مَالٍ، وَنَحْنُ لَمْ نُوجِبُ مُؤْنَتَهُ عَلَى وَارِثِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرْمِيَ وَلَدَهَا إلَى أَبِيهِ - إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً - وَإِلَى عُصْبَتِهِ - إنْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا - وَأَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا رَضَاعَ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . فَوَجَبَ إجْبَارُ الْأُمِّ - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، كَمَا أَمَرَ

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ - وَأَنْ تُجْبَرَ عَلَى أَنْ لَا تُضَارَّ بِوَلَدِهَا وَلَا ضِرَارَ أَكْثَرَ مِنْ مَنْعِهِ رَضَاعَهَا، وَلَا يُبَاحُ لِامْرَأَةٍ - وَلَوْ أَنَّهَا بِنْتُ الْخَلِيفَةِ - غَيْرَ هَذَا، إلَّا الْمُطَلَّقَةَ، فَإِنَّهَا إنْ تَعَاسَرَتْ هِيَ وَأَبُو الصَّغِيرِ بِأَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى أُجْرَةٍ يَتَرَاضَيَانِ بِهَا - وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا - فَهَذِهِ يَسْتَرْضِعُ الْمُطَلِّقُ لَهَا أُخْرَى أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى - لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 6 - 7] . وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا سَمْعًا وَلَا طَاعَةً لِمَنْ عَنَدَ عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: «أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ فِي الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ جَدِّهِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ الشَّمَّاسِ أَنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةَ بِنْتَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ غُلَامًا فَجَعَلَتْهُ فِي لِيفٍ وَأَرْسَلَتْ بِهِ إلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَنْ خُذْ عَنِّي صَبِيَّكَ؟ فَأَتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَنَّكَهُ، وَاسْتَرْضَعَ لَهُ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا كَانَتْ مُخْتَلِعَةً مُطَلَّقَةً أَبْغَضَ النَّاسُ فِيهِ مُعَاشَرَةً لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَجُوزُ - إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كَثِيرًا - أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَّا عَلَى دُورِهِمْ، لَا عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، لِأَنَّ النَّصَّ سَوِيٌّ بَيْنَهُمْ بِإِيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَلَا تَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ هُوَ هَذَا الْوَارِثُ؟ أَهُوَ وَارِثُ الْأَبِ الْمَيِّتِ، أَمْ وَارِثُ الَّذِي تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ؟ قُلْنَا: هَذَا تَعَسُّفٌ وَتَكَلُّفٌ يَأْثَمُ السَّائِلُ، لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ لِوَالِدِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ إنَّمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . فَفِي {الْوَارِثِ} [البقرة: 233] ضَمِيرُ هُوَ أَنَّهُ يَقْتَضِي مَوْرُوثًا وَلَا بُدَّ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ وَاَلَّذِي مَنَعَ أَبَوَاهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ بِهِ هُوَ الْوَلَدُ بِلَا شَكٍّ، وَلَا مَعْنَى لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فِي ذَوِي الرَّحِمِ خَاصَّةً. وَأَمَّا فِي الْوِرَاثَةِ - فَلَا مِيرَاثَ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ كَانَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا كَسْبٌ يَقُومُ بِهِ بِنَفْسِهِ - وَإِنْ كَانَ خَسِيسًا مِنْ الْكَسْبِ - فَلَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَقُومَ بِنَفَقَتِهِمْ حِينَئِذٍ إلَّا الْآبَاءُ، وَالْأُمَّهَاتُ، وَالزَّوْجَاتُ، فَقَطْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ فَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَصُونَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ يَقُولُ: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23 - 24] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَلَيْسَ فِي الْعُقُوقِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ غَنِيًّا ذَا حَالٍ وَيَتْرُكَ أَبَاهُ، أَوْ جَدَّهُ يَكْنُسُ الْكَنَفَ، أَوْ يَسُوسُ الدَّوَابَّ، وَيَكْنُسُ الزِّبْلَ، أَوْ يَحْجُمُ، أَوْ يَغْسِلُ الثِّيَابَ لِلنَّاسِ، أَوْ يُوقِدُ فِي الْحَمَّامِ - وَيَدَعُ أُمَّهُ أَوْ جَدَّتَهُ تَخْدِمُ النَّاسَ، وَتَسْقِي الْمَاءَ فِي الطُّرُقِ - فَمَا خَفَضَ لَهُمَا جُنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ مَنْ فَعَلٌ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي النُّفُوسِ كُلِّهَا اخْتِلَافَ وُجُوهِ الْإِحْسَانِ إلَى مَنْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَجَاءَتْ النُّصُوصُ بِبَيَانِ ذَلِكَ. فَالْإِحْسَانُ إلَى الْأَبَوَيْنِ: الصَّبْرُ لِجَفَائِهِمَا، وَتَوْقِيرُهُمَا، وَتَعْظِيمُهُمَا، وَطَاعَتُهُمَا مَا لَمْ يَأْمُرَا بِمَعْصِيَةٍ، قَالَ تَعَالَى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14] {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] فَهُمَا وَإِنْ أَمَرَا بِالشِّرْكِ فَوَاجِبٌ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُصْحَبَا بِالْمَعْرُوفِ، وَهَذَا يَقْتَضِي كُلَّ مَا قُلْنَا. وَالْإِحْسَانُ إلَى ذِي الْقُرْبَى: أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ الْأَذَى، وَأَنْ يُكْرِمَهُمْ وَيَحُوطَهُمْ، وَيَقُومَ فِي أُمُورِهِمْ، وَأَنْ لَا يُسْلِمَهُمْ إلَى ضَرَرٍ.

وَالْإِحْسَانُ إلَى الْمَسَاكِينِ: الصَّدَقَةُ بِالْفَضْلِ حَتَّى يَشْبَعُوا أَوْ يَكْتَسِبُوا، وَيَكُونَ لَهُمْ مَرْقَدٌ يَأْوُونَ إلَيْهِ، وَمَنْ يَقُومُ بِمَرْضَاهُمْ. وَالْإِحْسَانُ إلَى الْيَتَامَى، وَرَحْمَتُهُمْ، وَتَعْلِيمُهُمْ، وَالْقِيَامُ بِهِمْ حَتَّى لَا يَضِيعُوا. وَالْإِحْسَانُ إلَى الْجَارِ: كَفُّ الْأَذَى، وَالْبِرُّ، وَاللِّقَاءُ بِالْبِشْرِ، وَالْإِكْرَامُ وَحِمَايَتُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ - وَكَذَلِكَ الْإِحْسَانُ إلَى الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ نَحْوُ ذَلِكَ. وَالْإِحْسَانُ إلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانَنَا: إطْعَامُهُمْ مِمَّا نَأْكُلُ، وَكِسْوَتُهُمْ مِمَّا نَلْبَسُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْ لَا نُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَأَنْ لَا يُسَبُّوا فِي غَيْرِ وَاجِبٍ، وَأَنْ لَا يُضْرَبُوا فِي غَيْرِ حَقٍّ - فَهَذَا كُلُّهُ وَاجِبٌ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا صِيَانَةُ الزَّوْجَةِ - فَلِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَفَقَتَهَا، وَكِسْوَتَهَا، وَإِسْكَانَهَا، وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا - وَإِنْ كَانَتْ أَغْنَى مِنْ الزَّوْجِ - وَهَذَا يَقْتَضِي صِيَانَتَهَا عَنْ كُلِّ خِدْمَةٍ، وَكُلِّ عَمَلٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا كُلُّ مَنْ عَدَا الزَّوْجَةِ - فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ، وَلَا كِسْوَةَ، وَلَا إسْكَانَ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ مِنْ الْمَالِ، أَوْ الصَّنْعَةِ مَا يَقُومُونَ مِنْهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَلَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الزَّمَانَةِ فِي ذَلِكَ إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ. فَإِنْ قَامُوا بِبَعْضِ ذَلِكَ وَعَجَزُوا عَنْ الْبَعْضِ: وَجَبَ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا أَنْ يَقُومَ بِمَا عَجَزُوا عَنْهُ فَقَطْ. وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا كَمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ، إلَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ، فَمَا دَامَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ - هَذَا عَمَلُ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَإِنْ عَجَزَ الْأَبُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ مَاتَ، وَلَا مَالَ لَهُمْ، فَحِينَئِذٍ يُقْضَى بِنَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ عَلَى أُمِّهِمْ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] . وَلَيْسَ فِي الْمُضَارَّةِ شَيْءٌ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ غَنِيَّةً وَهُمْ يَسْأَلُونَ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَلِأَنَّ الْأَوَامِرَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي جَاءَتْ مَجِيئًا وَاحِدًا لَمْ يُخَصَّ بِهَا رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا وَهْبٌ - وَهُوَ ابْنُ خَالِدٍ - نَا هِشَامٌ - هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أُمِّهَا «أُمِّ سَلَمَةَ

قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي سَلِمَةَ إنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ - وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ - هَكَذَا وَهَكَذَا، إنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ» . فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُخْبِرُ أَنَّهَا تُنْفِقُ عَلَى بَنِيهَا وَلَيْسَتْ بِتَارِكَتِهِمْ يَضِيعُونَ إنَّمَا هُمْ بَنُوهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ، وَلَا أَخْبَرَهَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْسَ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى زَوْجَةِ أَبِيهِ، وَلَا عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِمَطْعَمِ أَبِيهِ، وَمَلْبَسِهِ، وَمُؤْنَةِ خِدْمَتِهِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ما يفسخ به النكاح بعد صحته وما لا يفسخ به

[مَا يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَمَا لَا يُفْسَخُ بِهِ] [مَسْأَلَةٌ لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِجُذَامٍ حَادِثٍ وَلَا بِبَرَصٍ وَلَا بِجُنُونٍ] ِ 1930 - مَسْأَلَةٌ: لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِجُذَامٍ حَادِثٍ، وَلَا بِبَرَصٍ كَذَلِكَ، وَلَا بِجُنُونٍ كَذَلِكَ، وَلَا بِأَنْ يَجِدَ بِهَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ، وَلَا بِأَنْ تَجِدَهُ هِيَ كَذَلِكَ. وَلَا بِعِنَانَةٍ، وَلَا بِدَاءِ فَرْجٍ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْعُيُوبِ. وَلَا بِعَدَمِ نَفَقَةٍ، وَلَا بِعَدَمِ كِسْوَةٍ، وَلَا بِعَدَمِ صَدَاقٍ، وَلَا بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فِي الْإِيلَاءِ، وَلَا بِزَوَاجِ أَمَةٍ عَلَى حُرَّةٍ، وَلَا بِزَوَاجِ حُرَّةٍ عَلَى أَمَةٍ. وَلَا بِزِنًى يَحْدُثُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَا بِزِنَاهُ بِحَرِيمَتِهَا، كَأُمِّهَا، أَوْ جَدَّتِهَا، أَوْ بِنْتِهَا، أَوْ بِنْتِ ابْنِهَا، أَوْ بِنْتِ ابْنَتِهَا، أَوْ أُخْتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ عَمَّتِهَا، وَلَا بِزِنَاهَا بِابْنِهِ. وَلَا بِتَفْرِيقِ الْحَكَمَيْنِ، وَبِتَخْيِيرِهِ إيَّاهَا - اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْلَمَ تَخْتَرْ. وَلَا بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيِّتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالدَّمِ. وَلَا بِهِبَتِهِ إيَّاهَا لِأَهْلِهَا - قَبِلُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا - وَلَا بِخُرُوجِهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ. وَلَا بِبَيْعِ الْأَمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ، وَلَا بِبَيْعِ الْعَبْدِ ذِي الزَّوْجَةِ. وَلَا بِفَقْدِ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ؟ وَهُمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ بَاقِيَانِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ كَمَا كَانَ.

مسألة امرأة تزوجت بها جنون أو جذام أو برص

وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَذْكُرَهُ، وَنَذْكُرُ أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ نَذْكُرْهُ قَبْلُ - فَمِنْ ذَلِكَ [مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ] -: 1931 - مَسْأَلَةٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَدَخَلَ بِهَا فَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَسِيسِهِ إيَّاهَا، وَعَلَى الْوَلِيِّ الصَّدَاقُ بِمَا دَلَّسَ كَمَا غَرَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أرنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ نَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَوَجَدَهَا بَرْصَاءَ، أَوْ مَجْنُونَةً، أَوْ مَجْذُومَةً، فَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَسِّهِ إيَّاهَا - وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِهَا فَذَهَبَ إلَى هَذَا الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، فَرَأَيَا جَوَازَ النِّكَاحِ وَأَنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ مَعَ ذَلِكَ بِالصَّدَاقِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى فَسَادِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَوَازِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ وَبِهَا بَرَصٌ، أَوَجُنُونٌ، أَوْ جُذَامٌ، أَوْ قَرَنٌ، فَزَوْجُهَا بِالْخِيَارِ - مَا لَمْ يَمَسَّهَا - إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمَجْنُونَةِ، وَالْمَجْذُومَةِ، وَالْبَرْصَاءِ، وَذَاتِ الْقَرَنِ -: إنْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي الْحِزَامِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ إسْمَاعِيلُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - وَقَالَ الْحِزَامِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنِ شِهَابٍ

وَرَبِيعَةِ، قَالُوا كُلُّهُمْ: لَا تَرُدُّ النِّسَاءُ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ، الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالدَّاءُ فِي الْفَرْجِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الَّذِي يَجِدُ امْرَأَتَهُ بَرْصَاءَ، أَوْ مَجْنُونَةً، أَوْ مَجْذُومَةً، أَوْ ذَاتَ قَرَنٍ: إنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُهَا، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ فَارَقَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ - فَهَذَانِ قَوْلَانِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ إنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ - وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَمَرَّةً رُوِيَ عَنْهُ: يَرْجِعُ عَلَى وَلِيِّهَا. وَقَوْلٌ آخَرُ - أَنَّهُ يَفْسَخُ إنْ شَاءَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، إنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ - وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالشَّعْبِيِّ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَرِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةَ: أَنَّهُ لَا يُرَدُّ النِّكَاحُ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ: الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَدَاءِ الْفَرْجِ - وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَبْلَ دُخُولِهَا، وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا حُكْمُ الصَّدَاقِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ - إلَى أَنَّهُ يُخْلَى لَهَا شَيْءٌ مِنْ صَدَاقِهَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْعٍ، وَلَا نِكَاحٍ: الْمَجْنُونَةُ، وَالْمَجْذُومَةُ، وَالْبَرْصَاءُ، وَالْعَفْلَاءُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت لَهُ: فَوَاقَعَهَا وَبِهَا بَعْضُ الْأَرْبَعِ، وَقَدْ عَلِمَ الَّذِي بِهَا فَكَتَمَهُ - يَعْنِي وَلِيَّهَا - قَالَ: مَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ غَرِمَ مِنْ صَدَاقِهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا؟ قُلْت: فَأَنْكَحَهَا غَيْرُ وَلِيٍّ؟ قَالَ: تُرَدُّ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا يَزِيدُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ كَانَ يُعَوِّضُ الْبَرْصَاءَ شَيْئًا. وَذَهَبَ قَوْمٌ - إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ مَنْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَرْبَعٌ لَا يَجُوزُ فِي بَيْعٍ، وَلَا نِكَاحٍ: الْمَجْذُومَةُ، وَالْمَجْنُونَةُ، وَالْبَرْصَاءُ، وَالْعَفْلَاءُ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا ابْنُ مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحُ بَرْصَاءَ، وَلَا مَجْنُونَةٍ، وَلَا عَفْلَاءَ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَوَطِئَهَا جَازَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَرْبَعٌ لَا يَجْزِينَ فِي نِكَاحٍ وَلَا بَيْعٍ، إلَّا أَنْ يُسَمَّى، فَإِنْ سُمِّيَ فَهِيَ مِنْهُ: الْمَجْنُونَةُ، وَالْمَجْذُومَةُ، وَالْبَرْصَاءُ، وَالْعَفْلَاءُ، فَإِنْ مَسَّهَا جَازَتْ، وَإِنْ غُرَّ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ ذَلِكَ أُحْلِفَ وَبُرِّئَ وَصَحَّ النِّكَاحُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَلِمَ غَرِمَ، وَإِلَّا اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ: مَا عَلِمَ، ثُمَّ هُوَ عَلَى الزَّوْجِ - يَعْنِي الصَّدَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ أرنا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ الْعَيْبَ فَالصَّدَاقُ عَلَيْهِ، كَمَا غَرَّهُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ فِي امْرَأَةٍ حَلْقَاءَ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ - وَهِيَ الَّتِي فِي فَرْجِهَا عَظْمٌ -: إنَّمَا لَهُ مِثْلُ مَدْخَلِ الْمِرْوَدِ تَبُولُ مِنْهُ - فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنْ كَانَ الَّذِينَ زَوَّجُوهُ عَلِمُوا الَّذِي بِهَا فَأَغْرِمْهُمْ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَعْلَمُوهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَحْلِفُوا: بِاَللَّهِ مَا عَلِمْنَا ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ: أَنَّ عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ قَالَ: كَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ مُرْتَتِقَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ؟ فَكَتَبَ إلَيَّ: أَنْ اسْتَحْلِفْ الْوَلِيَّ مَا عَلِمَ، فَإِنْ حَلَفَ فَأَجِزْ النِّكَاحَ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَاحْمِلْ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَذَكَرَ كَلَامًا مَعْنَاهُ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ مَنْ بِهَا جُذَامٌ، أَوْ بَرَصٌ، أَوْ دَاءُ فَرْجٍ: أَنَّ الْوَلِيَّ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ، وَيُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ صَدَاقُهُ، إلَّا أَنْ تُعَاضَ هِيَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ سَعِيدٍ الْجَيَشَانِيَّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِكْرِمَةَ الْمَهْرِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَرَأَى بِأَصْلِ فَخْذَيْهَا وَضَحًا مِنْ بَيَاضٍ؟ فَقَالَ لَهَا: خُذِي عَلَيْك مِلْحَفَتَك ثُمَّ كَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ خِذَامٍ، فَكَتَبَ لَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَكَتَبَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يَسْتَحْلِفَ الزَّوْجَ فِي الْمَسْجِدِ: بِاَللَّهِ مَا تَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ مُذْ رَأَى ذَلِكَ؟ وَيَحْلِفُ إخْوَتُهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِاَلَّذِي بِهَا قَبْلَ أَنْ يُزَوَّجَهَا، فَإِنْ حَلَفُوا فَأَعْطَوْا الْمَرْأَةَ رُبْعَ الصَّدَاقِ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: إلَى أَنَّ الْعَمَى، وَغَيْرَ ذَلِكَ، مِنْ الْعُيُوبِ كَذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَهَا بَرْصَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ فَدَخَلَ بِهَا، فَلَهَا الصَّدَاقُ وَيَرْجِع عَلَى مَنْ غَرَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: خَاصَمَ رَجُلٌ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ قَالُوا لِي: إنَّا نُزَوِّجُكَ أَحْسَنَ النَّاسِ، فَجَاءُونِي بِامْرَأَةٍ عَمْشَاءَ؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ إنْ كَانَ دُلِّسَ لَك بِعَيْبٍ لَمْ يَجُزْ. وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ يُرَدُّ النِّكَاحُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ فِي هَذِهِ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ: مَا كَانَ يُشْبِهُهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يُرَدُّ بِذَلِكَ نِكَاحُهَا إذَا وَجَدَتْ فِي زَوْجِهَا -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: وَجَدَتْ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا عَبِثَ الْمَعْتُوهُ بِامْرَأَتِهِ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا بِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ، فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ. وَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَدَاءِ الْفَرْجِ - إذَا

تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ - فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى وَلِيِّهَا إنْ كَانَ أَخًا أَوْ أَبًا بِمَا دَلَّسَا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا، أَوْ مَوْلًى - لَا عِلْمَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا - فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ وَيُرَدُّ الصَّدَاقُ، إلَّا قَدْرُ مَا يُسْتَحَلُّ بِهِ مِثْلُهَا، وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ، فَقَطْ. قَالَ: وَلِلْمَرْأَةِ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَهَا وَبِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، إذَا كَانَ الْجُذَامُ الَّذِي بِهِ بَيِّنًا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبْرَصِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تُرَدُّ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ، لَا تُرَدُّ مِنْ الْعَمَى، وَلَا مِنْ السَّوَادِ، إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ صِحَّتُهَا فَتُرَدُّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الصَّدَاقُ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَلِيِّ الَّذِي أَنْكَحَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى نَسَبٍ فَوَجَدَهَا لِغَيْرِ رِشْدَةٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: فِي الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَدَاءِ الْفَرْجِ، مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ - قَالَ اللَّيْثُ: وَالْأَكَلَةُ كَالْجُذَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَدُّ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَالْقَرَنِ، فَأَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى أَنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ فِيهَا، وَلَا رَدَّ لَهَا فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا - لَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ. وَأَنَّهُ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ جَمِيعُهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مَجْنُونَةً أَوْ جَذْمَاءَ أَوْ بَرْصَاءَ أَوْ بِهَا قَرَنٌ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ". وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: الْحُرَّةُ لَا تُرَدُّ مِنْ عَيْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أرنا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ

امْرَأَتُهُ - إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا - لَيْسَ الْحَرَائِرُ كَالْإِمَاءِ، الْحُرَّةُ لَا تُرَدُّ مِنْ دَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فَدُلِّسَ لَهُ فِيهَا بِعَيْبٍ قَالَ: لَيْسَ لَك إلَّا أَمَانَةُ أَصْهَارِك. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: كَتَبْت إلَى أَبِي قِلَابَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَعَرَضَ لَهَا طِبٌّ أَوْ جُنُونٌ؟ قَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا بَدَا لَهَا مِنْهُ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا تَنْزِعُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَقَدْ خَالَفُوا كُلَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَمَّا عُمَرُ فَخَالَفُوهُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: أَوَّلُهَا - حُكْمُ عُمَرَ أَنْ يَرْجِعَ بِصَدَاقِهَا عَلَى وَلِيِّهَا - فَقَالَ لَك: لَا يَرْجِعُ عَلَى وَلِيِّهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبًا أَوْ أَخًا، فَإِنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَرْجِعُ عَلَى وَلِيِّهَا بِشَيْءٍ - أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَثَانِيهَا - قَوْلُ مَالِكٍ: لَيْسَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ الْمُزَوِّجُ لَهَا غَيْرَ أَبِيهَا وَأَخِيهَا إلَّا رُبُعُ دِينَارٍ، فَقَطْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَدُّ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا - وَعُمَرُ يُمْضِيهِ كُلَّهُ لَهَا -. وَثَالِثُهَا - أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ مِنْ الْعَمَى - وَعُمَرُ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَرَصِ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ عَنْهُ: أَنَّهُ رَدَّ بِالْجُذَامِ، وَبِالْجُنُونِ، وَالْبَرَصِ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ حُجَّةً فَهَذِهِ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ حُجَّةً فَتِلْكَ لَيْسَتْ حُجَّةً، وَإِلَّا فَهُوَ تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ تَبْلُغْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ مَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ؟ قُلْنَا: فَقَدْ بَلَغَتْكُمْ فَقُولُوا بِهَا وَارْجِعُوا عَنْ تِلْكَ، وَإِلَّا فَاحْتِجَاجُكُمْ بِعُمَرَ تَلَاعُبٌ {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] .

وَرَابِعُهَا - أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ النِّكَاحَ بِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ إلَّا رِوَايَةٌ مَكْذُوبَةٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ -. وَإِنَّمَا جَاءَتْ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ بِرُجُوعِهِ بِالصَّدَاقِ عَلَى وَلِيِّهَا فَقَطْ - كَمَا يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَخَامِسُهَا - أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، كَمَا أَوْرَدْنَا فِي الْمَعْتُوهِ يَعْبَثُ بِامْرَأَتِهِ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا مِنْهُ وَلِيُّهُ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. فَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى خِلَافِ عُمَرَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ عُمَرَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِمَّا جَاءَ عَنْهُ، وَهُوَ الرُّجُوعُ عَلَى بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ؟ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - فَلَا، وَلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّمَا جَاءَتْ عَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ -: إحْدَاهَا - أَنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُنَا. وَالثَّانِيَةُ - مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ قَبْلَ الدُّخُولِ بَيْنَ فَسْخٍ أَوْ إمْضَاءٍ، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ - إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ -. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ - فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لِأَنَّهَا عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ - وَلَا تَجُوزْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ - أَنَّ النِّكَاحَ مَرْدُودٌ جُمْلَةً. وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ - مُخَالِفُونَ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ - فَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَإِنَّمَا فِيهِ أَيْضًا: رَدُّ النِّكَاحِ جُمْلَةً دُونَ ذِكْرِ صَدَاقٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَلَاحَ خِلَافُهُمْ لَهُ جُمْلَةً - وَقَدْ أَتَيْنَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، فَمِنْ ذَلِكَ -: قَوْلُ مَالِكٍ تُرَدُّ إلَى رُبُعِ دِينَارٍ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ تُرَدُّ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا.

وَبَقِيَ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ لَعَلَّهُ يَتَعَلَّقُ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ فَمُنْقَطِعَةٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا خَيْرَ فِيهِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ اخْتِلَافِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ - عَلَى انْقِطَاعِهَا - فَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ مَا يُوَافِقُ قَوْلَنَا، فَلَيْسَ مَا رُوِيَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ حُجَّةً، إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ كَقَوْلٍ. وَوَجَدْنَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ قَدْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ النِّكَاحَ يُشْبِهُ الْبُيُوعَ، وَالْبُيُوعُ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ، فَوَجَبَ رَدُّ النِّكَاحِ بِذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَسُوغُ التَّمْوِيهُ بِهِ إلَّا لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ وَالزُّهْرِيِّ، وَشُرَيْحٍ - وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَلَا، لِأَنَّهُمْ خَصُّوا أَرْبَعَةَ عُيُوبٍ دُونَ سَائِرِ الْعُيُوبِ، وَهَذَا تَرْكٌ لِلْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ جُمْلَةً. ثُمَّ نَقُولُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ: مَا نَدْرِي فِي أَيِّ وَجْهٍ يُشْبِهُ النِّكَاحُ الْبُيُوعَ بَلْ هُوَ خِلَافُهُ جُمْلَةً -: لِأَنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكٍ، وَلَيْسَ فِي النِّكَاحِ مِلْكٌ أَصْلًا. وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ فِي عَقْدِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ. وَالْخِيَارُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِي الْبَيْعِ مُدَّةً مُسَمَّاةً، وَلَا يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ. وَالْبَيْعُ بِتَرْكِ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ، وَتَرْكِ وَصْفِهِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَصْلًا. وَالنِّكَاحُ بِتَرْكِ رُؤْيَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَتَرْكُ وَصْفِهَا جَائِزٌ. وَالنِّكَاحُ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ جَائِزٌ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ وَوُصَفَاءَ غَيْرِ مَوْصُوفِينَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ - فَبَطَلَ تَشْبِيهُ النِّكَاحِ بِالْبَيْعِ جُمْلَةً. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ تَوْفِيَةُ حُقُوقِ النِّكَاحِ مَعَ الْجُنُونِ، وَلَا تَطِيبُ النَّفْسُ عَلَى مُجَامَعَةِ بَرْصَاءَ، أَوْ مَجْذُومَةٍ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِ قَرْنَاءَ، إنَّمَا تَزَوَّجَهَا لِلْجِمَاعِ؟ فَقُلْنَا: وَلَا تَجُوزُ تَوْفِيَةُ حُقُوقِ النِّكَاحِ مَعَ الْفِسْقِ وَالنَّشَزِ وَسُوءِ الْخُلُقِ، وَمَعَ الْبُكْمِ وَالصُّمِّ، وَمَعَ ضَعْفِ الْعَقْلِ، فَرَدُّوا مِنْهَا؟

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَتُوبُ مِنْ الْفِسْقِ؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَبْرَأُ مِنْ الْجُنُونِ. وَأَمَّا طِيبُ النَّفْسِ عَلَى الْجِمَاعِ، فَوَاَللَّهِ إنَّ نَفْسَ كُلِّ أَحَدٍ لَا تَطِيبُ عَلَى مَنْ بِهَا فِي خَافِي جَسَدِهَا لَمْعَةٌ مِنْ بَرَصٍ، وَمَنْ يَمَسُّهَا صَرْعٌ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً، مِنْهَا عَلَى الزَّانِيَةِ، وَعَلَى الْعَجُوزِ السَّوْدَاءِ الشَّوْهَاءِ، وَعَلَى مَنْ بِهَا أَكَلَةٌ فِي وَجْهِهَا، أَوْ أُثْلُولٌ ضَخْمٌ، أَوْ حُدْبٌ فِي الصَّدْرِ، أَوْ الظَّهْرِ، أَوْ بَكَمٌ - هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ. وَكُلُّ هَذِهِ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ، إنَّمَا هُوَ النِّكَاحُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثَمَّ إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ صَحِيحٌ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ -. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ «وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» قُلْنَا: لَيْسَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْفِرَارِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ فَافْسَخُوا النِّكَاحَ بِحُدُوثِهِ بَعْدَهُمَا بَعْدَ سِنِينَ - وَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ هَذَا. وَأَيْضًا - فَمِنْ أَيْنَ أَضَفْتُمْ إلَيْهِ الْأَبْرَصَ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْمَجْنُونِ قَتْلُ صَاحِبِهِ؟ قُلْنَا: هَذَا فِي الْفَاسِقِ - بِلَا شَكٍّ - أَخْوَفُ، فَرُدُّوا النِّكَاحَ بِالْفِسْقِ؟ فَلَاحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. فَإِنْ مَوَّهَ مُمَوِّهٌ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ نا جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَوَضَعَتْ ثِيَابَهَا رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا فَقَالَ: الْبَسِي ثِيَابَك وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ» . قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: فَحَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ «عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مُطْرَحٌ مَتْرُوكٌ جُمْلَةً عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَلَدٌ اسْمُهُ زَيْدٌ -.

مسألة من فسخ النكاح بزناه بحريمتها أو بزنا ابنه بها

ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا، لِأَنَّنَا لَا نَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إنْ شَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ اشْتَرَطَا السَّلَامَةَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَوَجَدَ عَيْبًا - أَيَّ عَيْبٍ كَانَ - فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ مَرْدُودٌ لَا خِيَارَ لَهُ فِي إجَازَتِهِ، وَلَا صَدَاقَ فِيهِ، وَلَا مِيرَاثَ، وَلَا نَفَقَةَ - دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ - لِأَنَّ الَّتِي أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ الَّتِي تَزَوَّجَ، وَلِأَنَّ الْمُسَالِمَةَ غَيْرُ الْمَعِيبَةِ بِلَا شَكٍّ، فَإِذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَلَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ تَنَاقَضُوا هَاهُنَا، لِأَنَّهُمْ قَلَّدُوا رِوَايَاتٍ لَا تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي الْفَسْخِ بِالْعِنَانَةِ، وَتَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا - وَهَذِهِ رِوَايَاتٌ كَتِلْكَ عَنْ عُمَرَ، وَالْخِلَافُ هُنَالِكَ مَوْجُودٌ كَمَا هُوَ هَاهُنَا وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ فُسِخَ النِّكَاحُ بِزِنَاهُ بِحَرِيمَتِهَا أَوْ بِزِنَا ابْنِهِ بِهَا] 1932 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ فُسِخَ النِّكَاحُ بِزِنَاهُ بِحَرِيمَتِهَا، أَوْ بِزِنَا ابْنِهِ بِهَا -: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إنَّهُ أَصَابَ أُمَّ امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَحَرُمَتْ عَلَيْك امْرَأَتُك " وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ سَبْعَةَ أَوْلَادٍ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ فَجَرَ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ - فَصَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا قَبَّلَهَا أَوْ لَامَسَهَا، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا مِنْ شَهْوَةٍ: حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، إذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ: حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَصَحَّ أَيْضًا - عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَرَهَا تُرْجَمُ إلَّا بِالْوَطْءِ، لَا بِالْمُبَاشَرَةِ. وَصَحَّ أَيْضًا - عَنْ طَاوُسٍ - وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، قَالَ يَحْيَى: نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ -

وَقَالَ الْحَجَّاجُ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثُمَّ اتَّفَقَ هِشَامٌ، وَحَمَّادٌ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ: تَخَطَّأَ حُرْمَتَيْنِ وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَلَالِ بْنِ أَبِي الْحَلَالِ الْعَتَكِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةَ رَجُلٍ مُسَمَّاةً بِعَيْنِهَا فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ أُخْتَهَا؟ فَأَمَرَهُ بِرَدِّ الَّتِي أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ، وَأَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى تَتِمَّ عِدَّةُ الَّتِي أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ خَبَرًا غَيْرَ هَذَا، كَمَا أَوْرَدْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ بِإِثْرِهِ: أرنا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. وَنَا عُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَنَا اتَّهَمْت هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا - وَأَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ

الطلاق

[الطَّلَاقُ] [مَسْأَلَةٌ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ] ُ 1933 - مَسْأَلَةٌ وَمَنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، أَوْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ، أَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا، أَوْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا، فَكُلُّ ذَلِكَ لَا شَيْءَ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حُكْمٌ، وَلَوْ كَرَّرَ التَّخْيِيرَ وَكَرَّرَتْ هِيَ اخْتِيَارَ نَفْسِهَا، أَوْ اخْتِيَارَ الطَّلَاقِ أَلْفَ مَرَّةٍ. وَكَذَلِكَ إنْ مَلَّكَهَا أَمْرَ نَفْسِهَا، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَلَا فَرْقَ. فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، أَوْ طَلَّقَتْهُ ثَلَاثًا: أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَصَحَّ أَيْضًا - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا قَضَتْ: صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - وَمِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ مُنْقَطِعًا عَنْهُمَا - وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَصَحَّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَرِيبَةَ - أُخْتِ أُمِّ سَلَمَةَ - وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إنْ جُعِلَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا فَرَدَّتْهُ إلَى زَوْجِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - إنْ اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ أَوْ نَفْسَهَا: فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَى زَوْجِهَا

فَاخْتَارَتْهُ، فَهِيَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ - صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَرِجَالٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - أَنَّ الْقَضَاءَ مَا قَضَتْ، وَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا، فَيَحْلِفَ وَيُقْضَى لَهُ بِمَا حَلَفَ أَنَّهُ نَوَاهُ، وَتَكُونُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَلَمْ يَصِحَّ - وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَصَحَّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمَرْوَانَ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - وَهُوَ ثَلَاثٌ بِكُلِّ حَالٍ - صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَفِيهِ أَثَرٌ مُسْنَدٌ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - مَنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ آخَرَ فَطَلَّقَهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك؟ فَقَالَ: قَدْ حَرُمْت عَلَيْك، قَدْ حَرُمْت عَلَيْك: فَهِيَ وَاحِدَةٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنْهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ، وَاخْتَارِي نَفْسَكِ سَوَاءٌ، فِي قَوْلِ زَيْدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ - وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ قَوْلُهُ، وَعَنْ النَّخَعِيِّ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك، وَالتَّمْلِيكُ، وَالتَّخْيِيرُ سَوَاءٌ، فَإِذَا مَلَّكَهَا أَمْرَهَا، أَوْ قَالَ: اخْتَارِي، أَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا؛ فَإِنْ كَانَ فِي غَضَبٍ فِيهِ ذِكْرُ طَلَاقٍ، أَوْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ طَلَاقٍ: لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ كَانَ فِي رِضًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِمَّا تَقْضِي بِهِ هِيَ، فَإِنْ كَانَ فِي غَضَبٍ فَرَدَّتْ إلَيْهِ أَمْرَهَا فَلَا شَيْءَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ - فَلَوْ كَانَ فِي غَضَبٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ يُلْتَفَتْ لِمَا قَالَتْ، لَكِنْ هُوَ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت الثَّلَاثَ، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، إلَّا فِي اخْتَارِي، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً - سَوَاءً نَوَى ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ - أَوْ نَوَى طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ لَمْ يَنْوِهِ - وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت اثْنَتَيْنِ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت الطَّلَاقَ بِلَا عَدَدٍ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً بَائِنَةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا أَصْلًا فَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا بُدَّ؟ فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا مَوَّهَ بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَبَاطِلٌ، وَأَنَّهُ

فِي قَوْلِهِ هَذَا لَمْ يُوَافِقْ أَحَدًا مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلٌ مَا سُبِقَ إلَيْهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، لَا مِنْ نَصٍّ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلٍ يُعْقَلُ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَالتَّمْلِيكُ سَوَاءٌ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْت؛ فَقَدْ طَلُقَتْ، إلَّا أَنْ تَقُولَ هِيَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا - قَالَ: فَلَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى فَطَلَّقَتْهَا ثَلَاثًا، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فَيَقُولَ: لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ يَقُولَ: لَمْ أُرِدْ إلَّا اثْنَتَيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَتَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً. قَالَ: فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ وَلَّيْتُكِ أَمْرَكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ هِيَ: قَدْ فَارَقْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهُوَ طَلَاقٌ - فَلَوْ قَالَ لَهَا: مَا كُنْت إلَّا لَاعِبًا، أَوْ قَالَتْ هِيَ: مَا كُنْت إلَّا لَاعِبَةً مَا أَرَدْنَا طَلَاقًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك فَأَخَذَتْ شُقَّةً وَمَضَتْ إلَى أَهْلِهَا وَخَرَجَ هُوَ إلَى سَفَرٍ وَلَمْ يَكُنْ غَيْرَ هَذَا، قَالُوا: قَدْ طَلُقَتْ. فَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ مَلَّكَهَا؟ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً، فَقَالَ هُوَ: لَمْ أَنْوِ إلَّا ثَلَاثًا، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ؟ فَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَيْضًا غَيْرُ مُوَافِقٍ لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ إلَّا رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ لَمْ تَصِحَّ: رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ هُوَ: وَاَللَّهِ مَا جَعَلْت أَمْرَهَا إلَّا وَاحِدَةً؟ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ، فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ " بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا جَعَلْت أَمْرَهَا بِيَدِهَا إلَّا وَاحِدَةً فَحَلَفَ فَرَدَّهَا عُمَرُ عَلَيْهِ. مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ غَيْرُ ثِقَةٍ وَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ - وَالصَّحِيحُ عَنْ عُمَرَ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِهِ وَالْأَسَانِيدُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَإِنَّمَا قَصَدْنَا هَاهُنَا الِاخْتِصَارَ - وَأَمَّا سَائِرُ تَقَاسِيمِهِ فَلَا سَلَفَ لَهُ فِيهَا.

وَأَيْضًا - فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ خَالَفَهُ فِيهَا، لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَهَا رَجْعِيَّةً، وَجَعَلَهَا مَالِكٌ بَائِنَةً، فَخَرَجَ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا جَعَلَهَا مَرْوَانُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَجْعِيَّةً. وَقَدْ رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - يَعْنِي الْمُنَاكَرَةَ - مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ مُجَرَّدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، لَا مِنْ نَصٍّ، وَلَا مِنْ قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ يُعْقَلُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ مَا نَوَى، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا فَهُوَ كَمَا قَالَ - وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ إلَيْهِ؟ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَأَيَّ شَيْءٍ قَالَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فَقَطْ - وَهَكَذَا قَالَا فِي التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ آرَاءٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا - وَقَدْ تَقَصَّيْنَا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، فَلَمْ يَكُونُوا بَيْنَ مَنْ صَحَّ عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ إلَّا سَبْعَةً، ثُمَّ قَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا تَرَى، وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ، وَلَا أَثَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا أَثَرًا -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْت لِأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: هَلْ عَلِمْت أَحَدًا قَالَ فِي أَمْرِك بِيَدِك أَنَّهَا ثَلَاثٌ غَيْرَ الْحَسَنِ؟ قَالَ: لَا، اللَّهُمَّ غُفْرًا إلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ - مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: ثَلَاثٌ» ، قَالَ أَيُّوبُ: فَلَقِيتُ كَثِيرًا - مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ - فَسَأَلْتُهُ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَرَجَعْت إلَى قَتَادَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: نَسِيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَثِيرٌ - مَوْلَى ابْنِ سَمُرَةَ مَجْهُولٌ - وَلَوْ كَانَ مَشْهُورًا بِالثِّقَةِ وَالْحِفْظِ لَمَا خَالَفْنَا هَذَا الْخَبَرَ، وَقَدْ أَوْقَفَهُ بَعْضُ رُوَاتِهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا، فَهُوَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ نا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَةٍ لَهُ: إنْ أَدْخَلْت هَذَا الْعَدْلَ الْبَيْتَ فَأَمْرُ صَاحِبَتِك بِيَدِك، فَأَدْخَلَتْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: هِيَ طَالِقٌ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَبَانَهَا مِنْهُ، فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرُوهُ؟ فَذَهَبَ بِهِمْ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَمْ يَجْعَلْ النِّسَاءَ

قَوَّامَاتٍ عَلَى الرِّجَالِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَاهَا امْرَأَتَهُ، قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَمْضَى حُكْمَهُ وَإِلَّا فَقَدْ رَجَعَ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي أَنْ لَا يَنْفُذَ طَلَاقُ مَنْ جَعَلَ الزَّوْجُ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُك بِيَدِك بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ قُلْت: فَأَرْسَلَ إلَيْهَا رَجُلًا أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا يَوْمًا أَوْ سَاعَةً؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا، مَا أَظُنُّ هَذَا شَيْئًا؟ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَمَلَّكَتْ عَائِشَةُ حَفْصَةَ حِينَ مَلَّكَهَا الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَمْرَهَا؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: لَا، إنَّمَا عَرَضَتْ عَلَيْهِمْ أَيُطَلِّقُهَا أَمْ لَا؟ وَلَمْ يُمَلِّكْهَا أَمْرَهَا. وَأَمَّا التَّمْلِيكُ - فَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ، وَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فَإِنْ نَاكَرَهَا حَلَفَ، وَلَهُ مَا نَوَى. وَرُوِيَ عَنْهُ قَوْلٌ آخَرُ - يَصِحُّ عَنْهُ: الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ، وَلَا قَوْلَ لَهُ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ عَنْهُ - قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّ التَّمْلِيكَ نَفْسَهُ طَلَاقٌ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَنْ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ طَلُقَتْ، وَعَصَى رَبَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: إنْ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ سُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّمْلِيكِ. وَلِمَالِكٍ فِي التَّمْلِيكِ أَقْوَالٌ لَمْ نَذْكُرْهَا، نَذْكُرُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَهِيَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَسَوَاءٌ كَانَتْ بَالِغًا، أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، إذَا كَانَ مِثْلُهَا يَفْهَمُ مَا يُجْعَلُ إلَيْهَا - فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا، فَإِنْ رَدَّتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ فَلَا حُكْمَ لَهَا، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: لَمْ أُمَلِّكِّ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ يَقُولُ: لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ، فَهَذِهِ هِيَ الْمُنَاكَرَةُ، وَيَحْلِفُ هُوَ، فَتَكُونُ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً. قَالَ: فَلَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ عَدَدًا مِنْ الطَّلَاقِ، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا.

قَالَ: فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ مَلَّكْتُك أَمْرَك، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِفَهَا هُوَ لِتَقْضِيَ، أَوْ لِتَتْرُكَ، إنَّمَا الْقَضَاءُ إلَيْهَا حَتَّى يُوقِفَهَا السُّلْطَانُ فَتَقْضِيَ أَوْ تَتْرُكَ، فَيَبْطُلَ مَا جُعِلَ إلَيْهَا إنْ تَرَكَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُوَافِقْ فِي هَذَا إلَّا قَوْلًا مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ لِابْنِ عُمَرَ فِي الْمُنَاكَرَةِ خَاصَّةً. وَسَائِرُ أَقْوَالِهِ فِي ذَلِكَ لَا سَلَفَ لَهُ فِيهَا، وَقَدْ خَالَفَهُ زَيْدٌ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ. وَلَيْسَ فِي التَّمْلِيكِ إيجَابُ طَلَاقٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدٍ فَقَطْ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ؛ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ هُوَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُد عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رُمَيْثَةَ الْفِرَاسِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَمَلَّكَهَا أَمْرَهَا، فَقَالَتْ: أَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: أَخْطَأَتْ، لَا طَلَاقَ لَهَا، أَلَا إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُطَلِّقُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَلَّكْتُ امْرَأَتِي فَطَلَّقَتْنِي ثَلَاثًا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا عَلَيْك، إنَّمَا الطَّلَاقُ لَك عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْك " وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاوُسٍ: كَيْفَ كَانَ أَبُوك يَقُولُ فِي رَجُلٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا، أَتَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ إلَى النِّسَاءِ طَلَاقٌ؟ فَقُلْت لَهُ: فَكَيْفَ كَانَ أَبُوهُ يَقُولُ فِي رَجُلٍ مَلَّكَ رَجُلًا أَمْرَ امْرَأَتِهِ، أَيَمْلِكُ الرَّجُلُ أَنْ يُطَلِّقَهَا؟ قَالَ: لَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا التَّخْيِيرُ - فَصَحَّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ عَنْ زَاذَانَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَالَفَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عُمَرَ، إذْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ.

وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ. وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَقَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، فَإِنْ كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ تَخْتَارُهُ: طَلُقَتْ ثَلَاثًا، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ زَوْجٍ يَتَزَوَّجُهَا فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ -: رُوِّينَا - أَنَّ عَلِيًّا رَجَعَ عَنْ مُوَافَقَةِ عُمَرَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، إذْ وَلِي الْخِلَافَةَ: مِنْ طَرِيقَةِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ. وَصَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ قَتَادَةَ - وَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا: أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْ تِلْكَ الطَّلْقَةِ -: رُوِّينَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَخْطُبُهَا هُوَ، وَلَا مَنْ سِوَاهُ، إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - صَحَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ - وَبِهِ يَقُولُ مَسْرُوقٌ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَيَّرَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ -: رُوِّينَاهُ هَكَذَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: خَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، فَسَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ؟ فَجَعَلَهَا زَيْدٌ وَاحِدَةً، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَجْعَتِهَا - قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَيُّوبَ؟ فَقَالَ: بَلَغَنِي نَحْوُ هَذَا عَنْ زَيْدٍ.

وَقَوْلٌ خَامِسٌ - رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ فِيهَا جَابِرًا الْجُعْفِيَّ - وَهُوَ كَذَّابٌ - إنْ خَيَّرَهَا مَرَّةً، ثُمَّ مَرَّةً، ثُمَّ مَرَّةً - وَهِيَ سَاكِتَةٌ، فَقَالَتْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّهُمَا قَالَا: إنْ كَرَّرَ تَخْيِيرَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَإِنْ خَيَّرَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَارَتْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - رُوِّينَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي الَّتِي يُخَيِّرُهَا زَوْجُهَا: الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ - وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ: إنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ فَلَا قَضَاءَ لَهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ التَّخْيِيرَ، وَالتَّمْلِيكَ سَوَاءٌ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - وَبِهِ نَقُولُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا؟ فَقَالَتْ: أَنْتَ طَالِقٌ، أَنْتَ طَالِقٌ، أَنْتَ طَالِقٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا لَا أَدْرِي مَا الْخِيَارُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي رَوَاهَا قَوْمٌ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ قَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، لَكَانَ كَمَا قَالَتْ، أَوْ إلَّا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَمَنْصُورٌ - وَكُلُّهُمْ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا هَذَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إلَّا " قَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ، أَنَا طَالِقٌ " وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَسْمَعْهُ عَمْرٌو مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، بِخِلَافِ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ سُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي التَّخْيِيرِ آنِفًا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - فَقَالَ: إنْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فَخَيَّرَهَا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا، فَإِنْ

كَانَ ذَلِكَ فِي رِضًا لَمْ يَجْرِ فِيهِ ذِكْرُ طَلَاقٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا خِيَارَ لَهَا - فَإِنْ كَانَ فِي غَضَبٍ فِيهِ ذِكْرُ طَلَاقٍ أَوْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ طَلَاقٍ، أَوْ كَانَ فِي رِضًا ذُكِرَ فِيهِ طَلَاقٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَى الزَّوْجِ، وَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَبَطَلَ خِيَارُهَا، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً، لَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً أَصْلًا، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، سَوَاءٌ نَوَى هُوَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ لَمْ يَنْوِ، اخْتَارَتْ هِيَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ اخْتَارَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً. ثُمَّ لَهُمْ مِنْ التَّخَالِيطِ فِي حَرَكَاتِهَا وَأَعْمَالِهَا أَشْيَاءُ يَطُولُ ذِكْرُهَا، إلَّا أَنَّهَا مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ ". وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْهُ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهَا، فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا بُدَّ، سَوَاءٌ قَالَتْ: أَرَدْت الطَّلَاقَ، أَوْ قَالَتْ: لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى نِيَّتِهِ أَصْلًا، فَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا إلَّا اخْتِيَارُ زَوْجِهَا، أَوْ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَلَا بُدَّ، إلَّا أَنْ يُخَيِّرَهَا وَقَدْ عَزَمَ عَلَى طَلَاقِهَا، أَوْ مُخَالَعَتِهَا؟ فَهَاهُنَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ - وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي طَلْقَةً؟ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ - هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. فَإِنْ خَيَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ فَهِيَ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَقَطْ - فَلَوْ قَالَتْ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ؟ فَقَالَ هُوَ: لَمْ أُرِدْ إلَّا وَاحِدَةً، فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ: فَلَوْ قَالَتْ الْمَدْخُولُ بِهَا: قَدْ قَبِلْت أَمْرِي؟ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا أَنْ تَقُولَ هِيَ: أَرَدْت الطَّلَاقَ فَيَكُونُ ثَلَاثًا وَلَا بُدَّ، لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. فَلَوْ قَالَتْ لَهُ: قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك، فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمُخَيَّرَةِ تَقُومُ مِنْ مَجْلِسِ التَّخْيِيرِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ؟ فَمَرَّةً قَالَ: بَطَلَ خِيَارُهَا بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: بَلْ لَهَا الْخِيَارُ حَتَّى تُوقَفَ فَتَخْتَارَ أَوْ تَتْرُكَ، فَلَوْ وَطِئَهَا مُكْرَهَةً لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا، فَلَوْ وَطِئَهَا طَائِعَةً بَطَلَ خِيَارُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ذِكْرُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ يُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهَا، لِشِدَّةِ

اخْتِلَاطِهَا - وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَبْلَهُ بِهَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِقَوْلٍ مِنْ أَحَدِ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ رُوِيَتْ عَنْ زَيْدٍ فِي إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَهِيَ ثَلَاثٌ فَقَطْ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ نَفْسِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي تَسْوِيَةِ زَيْدٍ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُ بِزَيْدٍ. وَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلٌ لِزَيْدٍ آخَرُ، وَقَوْلٌ لِعُمَرَ، وَقَوْلٌ لِعَلِيٍّ - وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا حُجَّةَ فِي تَصْحِيحِهَا، مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، وَلَا قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنَّ التَّخْيِيرَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِذَلِكَ أَصْلًا، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَكُونُ التَّخْيِيرُ إلَّا فِي الْبَقَاءِ، أَوْ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ بِدْعَةٌ وَمَعْصِيَةٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ - عِنْدَهُمْ - أَنْ يُخَيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إنْفَاذِ مَعْصِيَةٍ، حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ فَقُلْنَا: قَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُكُمْ فِي أَنَّ لِلتَّخْيِيرِ تَأْثِيرًا فِي الطَّلَاقِ «بِتَخْيِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ» إذْ لَمْ يُخْبِرْهُنَّ تَخْيِيرًا عِنْدَكُمْ يَكُنَّ بِهِ إنْ اخْتَرْنَ الطَّلَاقَ طَوَالِقَ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَنَقُولُ لَهُمْ: الْآيَةُ نَفْسُهَا تُبْطِلُ دَعْوَاكُمْ لِأَنَّ نَصَّهَا: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] . فَإِنَّمَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنْ أَرَدْنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يُرِدْنَ الْآخِرَةَ: طَلَّقَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ مُخْتَارًا لِلطَّلَاقِ، لَا أَنَّهُنَّ طَوَالِقُ بِنَفْسِ اخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا - وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا فَقَدْ حَرَّفَ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقْحَمَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ كَذِبًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَخْبَارٍ مَوْضُوعَةٍ -: مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كِلَاهُمَا عَنْ رَبِيعَةَ: «أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَكَانَتْ أَلْبَتَّةَ» ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هَالِكَانِ - ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ؟ تَخَيَّرَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ نَفْسَهَا فَذَهَبَتْ - وَعَبْدُ الْجَبَّارِ قَدْ بَيَّنَّا أَمْرَهُ - وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَ: وَهِيَ بِنْتُ الضَّحَّاكِ الْعَامِرِيِّ - ابْنِ لَهِيعَةَ لَا شَيْءَ - وَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَمَا تَزَوَّجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطُّ بِنْتَ الضَّحَّاكِ الْعَامِرِيِّ - وَيُوَضِّحُ كَذِبَ هَذِهِ الْفَضَائِحِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى نا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ، فَذَكَرْت نُزُولَ آيَةِ التَّخْيِيرِ، «وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَاهَا عَلَيْهَا» ؟ فَقَالَتْ: إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَا فَعَلَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يُعِدَّهُ طَلَاقًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ تَقَصَّيْنَا كُلَّ هَذِهِ الْآثَارِ، وَأَرَيْنَا عَظِيمَ كَذِبِ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَوَقَفْنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّخْيِيرِ شَيْءٌ إلَّا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ: أَقْوَالٌ خَالَفَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ وَأَثَرٌ لَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَآثَارٌ سَاقِطَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ عَنْهُ كَقَوْلِنَا: أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ أَصْلًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّمْلِيكِ إلَّا أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ زَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ فَقَطْ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا قَوْلًا ذُكِرَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فِيهِ: أَنَّ الْقَضَاءَ مَا قَضَتْ. وَأَثَرَانِ: مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، مُوَافِقَانِ لِقَوْلِنَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ " فِي أَمْرِك بِيَدِك " إلَّا أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَمْرٍو، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرِجَالٍ لَمْ يُسَمُّوا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَفِي بَعْضِ هَذِهِ قَوْلٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يُوَافِقْ مَالِكٌ أَحَدًا مِنْهُمْ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحَّتْ عَنْهُ فِي الْمُنَاكَرَةِ فَقَطْ - وَمِثْلُهَا عَنْ عُمَرَ - لَمْ تَصِحَّ عَنْهُ - وَلَمْ يُوَافِقْ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَوَافَقْنَا نَحْنُ قَوْلًا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ.

مسألة قال لامرأته أنت علي حرام أو زاد على ذلك

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: " أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ قَدْ مَلَّكْتُك أَمْرَك، أَوْ اخْتَارِي " يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ طَالِقًا، أَوْ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، أَوْ أَنْ تَخْتَارَ طَلَاقًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الرَّجُلِ فَرْجٌ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَقْوَالٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ] 1934 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: كَالْمِيتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ، وَلَا تَكُونُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ - نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَ عَلِيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ: هِيَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ طَالِقٌ ثَلَاثًا - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى - وَرُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ. وَقَوْلٌ آخَرُ - أَنَّهَا بِذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ - وَلَمْ يَذْكُرُوا طَلَاقًا، صَحَّ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ رِجَالٍ لَمْ يُسَمُّوا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَتَادَةَ: أَنَّهُمْ أَمَرُوهُ بِاجْتِنَابِهَا فَقَطْ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: إنْ كَانَ نَوَى فِي التَّحْرِيمِ الطَّلَاقَ وَإِلَّا فَهُوَ يَمِينٌ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ فِي الْحَرَامِ: إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ كَذِبٌ لَا شَيْءَ فِيهَا. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - عَنْ إبْرَاهِيمَ: إنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ - وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ: وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - هُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ: رُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ - وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَوْلٌ سَابِعٌ - وَهُوَ أَنَّهُ ظِهَارٌ، فِيهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْحَرَامِ، وَالنَّذْرِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ؛ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ إذَا قَالَ: حَرَامٌ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ، أَوْ قَالَ: هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ؟ قَالَ: يُعْتِقُ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - وَهُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَمِينٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هِيَ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ لَيْسَ فِيهَا إلَّا عِتْقُ رَقَبَةٍ - رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ يَمِينٌ فَقَطْ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: هِيَ يَمِينٌ يَعْنِي التَّحْرِيمَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا الْمُقَدَّمِيُّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْحَرَامُ يَمِينٌ -: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ نا أَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ؟ فَقَالَا جَمِيعًا كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ فِي التَّحْرِيمِ: هِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحَرَامُ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا.

وَرُوِيَ أَيْضًا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ؟ قَالَ: يَمِينٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لَهُ: وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الطَّلَاقَ؟ قَالَ: قَدْ عَلِمَ مَكَانَ الطَّلَاقِ، قَالَ عَطَاءٌ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالدَّمِ، أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ، وَقَتَادَةَ، كَقَوْلِ عَطَاءٍ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَهِيَ يَمِينٌ - وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي قَتَادَةُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الْحَرَامُ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا - وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ الْحَرَامِ أَطَلَاقٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا، أَوَلَيْسَ قَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَتَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكَفِّرَ يَمِينَهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَيْضًا فَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ يَمِينٌ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ - وَهُوَ التَّوَقُّفُ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَقُولُ رِجَالٌ فِي الْحَرَامِ: هِيَ حَرَامٌ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَا وَاَللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، إنَّمَا قَالَ عَلِيٌّ: مَا أَنَا بِمُحِلِّهَا وَلَا بِمُحَرِّمِهَا عَلَيْك، إنْ شِئْت فَتَقَدَّمْ وَإِنْ شِئْت فَتَأَخَّرْ. وَقَوْلٌ عَاشِرٌ - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ نَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ طَلَاقًا دُونَ عَدَدٍ، فَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، لَا أَكْثَرَ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، فَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ إيلَاءٌ فِيهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْئًا،

وَلَا يَنْوِي فِي الْقَضَاءِ، بَلْ يَكُونُ إيلَاءً وَلَا بُدَّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظِهَارًا أَصْلًا، سَوَاءٌ نَوَاهُ وَقَالَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَا قَالَهُ. وَقَوْلٌ حَادِيَ عَشَرَ - قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا فَهِيَ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ لَا يَنْوِي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَإِنَّهُ يَنْوِي، فَإِنْ قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ - قَالَ: فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ امْرَأَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتِهِ، أَوْ لِطَعَامٍ - قَالَ: فَلَوْ قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ: لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا زَوْجَتَهُ فَقَطْ، فَإِنْ قَالَ: اسْتَثْنَيْت نِسَائِي، أَوْ امْرَأَتِي فِي نَفْسِي، صُدِّقَ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلٌ ثَانِيَ عَشَرَ - لَيْسَ التَّحْرِيمُ بِشَيْءٍ، لَا فِي الزَّوْجَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَقَعُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ أَصْلًا، وَلَا إيلَاءٌ، وَلَا ظِهَارٌ؛ وَلَا تَحْرِيمٌ؛ وَلَا تَجِبُ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ أَصْلًا. كَمَا رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ نا مُعَاوِيَةُ - هُوَ ابْنُ سَلَامٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: مَا أُبَالِي حَرَّمْت امْرَأَتِي أَوْ قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي تَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ: لَهِيَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ نَعْلِي. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أُبَالِي حَرَّمْتهَا - يَعْنِي امْرَأَتَهُ - أَوْ حَرَّمْت مَاءَ النَّهْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةُ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ حَرَامًا، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيَّ؟ فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ - وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7 - 8] وَأَنْتَ رَجُلٌ تَلْعَبُ، فَاذْهَبْ فَالْعَبْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُمَا قَالَ بِمَا قَالَا مِنْ تَقْسِيمِ مَا قَسَّمَاهُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُمَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، وَبَيْنَ تَحْرِيمِ الْأَمَةِ، وَغَيْرِهَا - وَالْأَمَةُ تَحْرُمُ بِالْعِتْقِ كَمَا تَحْرُمُ الزَّوْجَةُ بِالطَّلَاقِ، وَكَمَا يَحْرُمُ الْمَتَاعُ بِالصَّدَقَةِ بِهِ، وَبِبَيْعِهِ، وَقَدْ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوْجٍ، فَهَلَّا قَالُوا بِتَحْرِيمِهَا فِي الْأَبَدِ، كَمَا قَالُوا فِي النَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ يَدْخُلُ بِهَا، فَكَانَ يَكُونُ قَدْ أَتَمَّ فِي التَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ وَجْهَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَيْنَ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عَطَاءٌ، وَغَيْرُهُ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا تُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: وَالْمَدْخُولُ بِهَا عِنْدَكُمْ أَيْضًا تُبِينُهَا الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ، فَمَا الْفَرْقُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ لَا يُرْتَدَفُ عَلَى الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَنَسَوْا قَوْلَهُمْ: إنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَأَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا لَحِقَتْهَا طَلْقَةٌ أُخْرَى بَائِنَةٌ، فَاعْجَبُوا لِتَنَاقُضِهِمْ؟ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنْ نَوَى إيلَاءً؛ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ إيلَاءٌ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا، لَيْتَ شَعْرِي. مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا الْفَرْقُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى إيلَاءً لَمْ يَكُنْ إيلَاءً، وَإِنْ نَوَى ظِهَارًا لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا - وَهَذَا فَرْقٌ لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ. فَإِنْ قِيلَ: لِلظِّهَارِ، وَلِلْإِيلَاءِ أَلْفَاظٌ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِهَا؟ . قُلْنَا: وَلِلطَّلَاقِ لَفْظٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ؟ قُلْنَا: وَقَدْ يَكُونُ الظِّهَارُ عِنْدَكُمْ بِغَيْرِ ظَهْرِ الْأُمِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِيلَاءُ عِنْدَكُمْ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْأَلْيَةِ - بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا فَرْقَ.

مسألة قال لامرأته قد وهبتك لأهلك

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ، وَلِلْيَمِينِ، وَلِلظِّهَارِ، وَلِلْإِيلَاءِ: كُلِّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تَأْتِ فِي نَصِّ قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَلَا حُجَّةَ فِي سِوَاهُمَا، بَلْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّهُ لَهُ، وَالزَّوْجَةُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ: فَتَحْرِيمُهَا مُنْكَرٌ، وَالْمُنْكَرُ مَرْدُودٌ، لَا حُكْمَ لَهُ إلَّا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ - الْحَلَالِ لَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ حَرَامٌ، فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى، وَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَرَامًا بِقَوْلِهِ، لَكِنْ بِالْوَجْهِ الَّذِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ إحْدَاثُ حَدَثٍ لَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: امْرَأَةُ زَيْدٍ لِي حَلَالٌ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لَحْمَ الْكَبْشِ، وَبَيْنَ مَنْ أَحَلَّ لِنَفْسِهِ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ. فَصَحَّ أَنَّ التَّحْرِيمَ بَاطِلٌ، وَلَا حُكْمَ لِلْبَاطِلِ إلَّا إبْطَالَهُ وَالتَّوْبَةَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمِيتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ بَلْ هِيَ حَلَالٌ كَالْمَاءِ، وَلَا تَكُونُ حَرَامًا بِهَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك] 1935 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك؟ فَإِنَّنَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تُوهَبُ لِأَهْلِهَا: إنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةٌ - وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا - يَعْنِي بِرَجْعَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ التُّسْتَرِيُّ - نا الْحَسَنُ - هُوَ الْبَصْرِيُّ - قَالَ: كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ يَقُولُونَ: إنْ وَهَبَ امْرَأَتَهُ لِأَهْلِهَا فَأَمْسَكُوهَا، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ هُمْ رَدُّوهَا عَلَيْهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ

بِهَا - وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَقَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ قَبِلُوهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ - يَعْنِي فِي الْمَوْهُوبَةِ -: إنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إنْ قَبِلُوهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا - وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلَاعِيِّ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ الْكَلَاعِيُّ: عَنْ مَكْحُولٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ مَسْرُوقٌ وَمَكْحُولٌ فِيمَنْ وَهَبَ امْرَأَتَهُ لِأَهْلِهَا، قَالَا جَمِيعًا: إنْ قَبِلُوهَا فَهِيَ طَلْقَةٌ وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَلَا شَيْءَ. وَرَوَيْنَا هَذَا أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - كَمَا رَوَيْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ فِي الْمَوْهُوبَةِ لِأَهْلِهَا: تَطْلِيقَةٌ قَالَ سَعِيدٌ: وَأَرَنَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِمِثْلِهِ، وَزَادَ: لَا نَدْرِي أَبَائِنَةٌ أَمْ رَجْعِيَّةٌ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ فِيمَنْ وَهَبَ امْرَأَتَهُ لِأَهْلِهَا؟ قَالُوا: هِيَ ثَلَاثٌ قَبِلُوهَا أَوْ رَدُّوهَا. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: هِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ قَبِلُوهَا أَوْ رَدُّوهَا. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: مَنْ وَهَبَ امْرَأَتَهُ لِأَهْلِهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَوْا، فَإِنْ كَانَ وَهَبَهَا لَهُمْ - وَهُوَ لَا يَنْتَظِرُ قَضَاءَهُمْ - فَهُوَ طَلَاقٌ أَلْبَتَّةَ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ - رَوَيْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَهَبَ امْرَأَتَهُ لِأَهْلِهَا فَإِنْ كَانَتْ

مَدْخُولًا بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبِلُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا - وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَقَطْ - قَبِلُوهَا أَوْ رَدُّوهَا. وَقَوْلٌ عَاشِرٌ - رَوَيْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: مَنْ وَهَبَ امْرَأَتَهُ لِأَهْلِهَا فَلَهُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَقَوْلٌ حَادِيَ عَشَرَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: إنْ قَالَهُ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك، أَوْ قَالَ: لِأَبِيك، أَوْ قَالَ: لِأُمِّك، أَوْ قَالَ: لِلْأَزْوَاجِ؟ فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي غَضَبٍ، أَوْ جَوَابًا لَهَا إذْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ: صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا، وَفِي الْقَضَاءِ. وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِذَلِكَ الطَّلَاقَ - فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ بِاثْنَتَيْنِ، أَوْ رَجْعِيَّتَيْنِ، أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، أَوْ رَجْعِيَّةً، لَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً فَقَطْ، لَا أَكْثَرَ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ لَهَا: وَهَبْتُك لِخَالَتِك، أَوْ قَالَ لِزَيْدٍ، أَوْ لِفُلَانٍ - وَذَكَرَ أَجْنَبِيًّا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ - سَوَاءٌ نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقًا ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ؛ أَوْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا - كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ فِي جَوَابِ سُؤَالِهَا إيَّاهُ الطَّلَاقَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ - وَلَا مَعْنَى لِحُكْمِ أَهْلِهَا الَّذِينَ وَهَبَهَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلٌ ثَانِيَ عَشَرَ - وَهُوَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ أَصْلًا - نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ - وَهُوَ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - فَآبِدَةٌ مِنْ أَوَابِدِ الدَّهْرِ، وَتَفْرِيقُ مَا سَمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْهُ، كُلُّ ذَلِكَ بِلَا دَلِيلٍ يُعْقَلُ، وَلَا قِيَاسٍ يُضْبَطُ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، لَا سِيَّمَا إذَا أُضِيفَ هَذَا الْقَوْلُ إلَى قَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ وَتِلْكَ التَّفَارِيقِ السَّخِيفَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي التَّفْرِيقِ - فَمَا يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ بِالْهِبَةِ أَنْ تَكُونَ طَالِقًا ثَلَاثًا؟ وَقَالُوا: الْمَدْخُولُ بِهَا لَا يُحَرِّمُهَا إلَّا الثَّلَاثُ؟ فَقُلْنَا: وَقَدْ يُحَرِّمُهَا عِنْدَكُمْ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ.

مسألة من باع عبده وله زوجة ومن باع أمته ولها زوج

فَإِنْ قَالُوا: يَتَزَوَّجُهَا إذَا شَاءَ؟ قُلْنَا: وَفِي الثَّلَاثِ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يَتَزَوَّجُهَا فِي الْبَائِنَةِ إنْ شَاءَ وَشَاءَتْ، وَهَلَّا حَرَّمْتُمُوهَا فِي الْأَبَدِ، كَمَا فَعَلْتُمْ بِالْمَدْخُولِ بِهَا فِي عِدَّتِهَا؟ ،. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ لَا نَعْلَمُ لِشَيْءٍ مِنْهَا بُرْهَانًا، لَا قُرْآنًا، وَلَا سُنَّةً - وَلَا حُجَّةً فِي سِوَاهُمَا - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَهَبَ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً غَيْرَهُ؟ فَهِبَتُهُ فَاسِدَةٌ، وَالْفَسَادُ لَا حُكْمَ لَهُ إلَّا بِإِبْطَالِهِ، وَالتَّوْبَةُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ - فَصَحَّ الَّذِي قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَمَنْ بَاعَ أَمَتَهُ وَلَهَا زَوْجٌ] 1936 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَهِيَ زَوْجَتُهُ كَمَا كَانَتْ، وَمَنْ بَاعَ أَمَتَهُ وَلَهَا زَوْجٌ فَهِيَ زَوْجَتُهُ كَمَا كَانَتْ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ كَمَا رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ قَالَ: سُئِلَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ الْأَمَةِ تُبَاعُ وَلَهَا زَوْجٌ؟ فَقَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] . نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا. أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ

أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا - قَالَ أَنَسٌ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] قَالَ: ذَوَاتُ الْبُعُولِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بَيْعُ الْأَمَةِ هُوَ طَلَاقُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَيُّهُمَا بِيعَ فَهُوَ طَلَاقٌ - يَعْنِي: الْعَبْدَ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَالْأَمَةَ مِنْ زَوْجِهَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَمَةِ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا - يَعْنِي: مِنْ زَوْجِهَا، وَبَيْعُهُ طَلَاقُهَا - يَعْنِي: مِنْ زَوْجَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ، وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً وَلَهَا زَوْجٌ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ بِيعَتْ الْأَمَةُ فَهُوَ طَلَاقُهَا مِنْ زَوْجِهَا، وَإِنْ بِيعَ الْعَبْدُ وَلَهُ زَوْجَةٌ لَمْ تَطْلُقْ بِذَلِكَ. كَمَا رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَا جَمِيعًا: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا، فَإِنْ بِيعَ الْعَبْدُ لَمْ تَطْلُقْ هِيَ حِينَئِذٍ. وَرَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَبْقَ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَإِنَّهَا طَالِقٌ بِإِبَاقَةِ الْعَبْدِ - رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ: يُسْبَى أرنا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إبَاقُ الْعَبْدِ طَلَاقُهُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ: إلَى قَوْلٍ آخَرَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] . قَالَ: الْمُحْصَنَاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ الْحَرَائِرِ، وَإِذْ هُوَ لَا يَرَى بَأْسًا بِمَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ أَنْ يَنْتَزِعَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ مِنْ عَبْدِهِ فَيَطَؤُهَا. وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] قَالَ يَنْتَزِعُ الرَّجُلُ وَلِيدَتَهُ امْرَأَةَ عَبْدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَنْتَزِعُ أَمَتِي مِنْ عَبْدِ قَوْمٍ آخَرِينَ أَنْكَحْتهَا إيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْضِهِ، قُلْت: أَبَى إلَّا صَدَاقَهُ؟ قَالَ: هُوَ لَهُ كُلُّهُ، فَإِنْ أَبَى فَانْتَزِعْهَا، إنْ شِئْت، وَمِنْ حُرٍّ أَنْكَحْتهَا إيَّاهُ - ثُمَّ رَجَعَ عَطَاءٌ فَقَالَ: لَا تَنْتَزِعْهَا مِنْ الْحُرِّ، وَإِنْ أَعْطَيْته الصَّدَاقَ فَلَا تَسْتَخْدِمْهَا، وَلَا تَبِعْهَا. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ طَلَاقًا، وَأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ لَيْسَ طَلَاقًا لِزَوْجَتِهِ، وَلَا لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ -: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَيْسَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقًا لَهَا مِنْ زَوْجِهَا. وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اشْتَرَيْت جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ أَفَأَطَؤُهَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَتُرِيدُ أَنْ أُحِلَّ لَك الزِّنَا؟ وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى بَيْعَهَا طَلَاقَهَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] . قَالُوا: فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا كُلَّ مُحْصَنَةٍ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا فَهِيَ حَلَالٌ لَنَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْصَنَاتِ - وَالْمُحْصَنَاتُ هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ. فَصَحَّ أَنَّهُنَّ إذَا كُنَّ ذَوَاتَ أَزْوَاجٍ فَمَلَكْنَاهُنَّ أَنَّهُنَّ لَنَا حَلَالٌ، وَلَا يَحْلِلْنَ لَنَا إلَّا بِأَنْ يُحَرَّمْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، إذْ كَوْنُ الْفَرْجِ حَلَالًا لِاثْنَيْنِ مَعًا مَمْنُوعٌ فِي الدِّيَانَةِ.

قَالُوا: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعَاتُ وَالْمَسْبِيَّاتُ، لِأَنَّ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّمَا عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ الْمَسْبِيَّاتِ خَاصَّةً. رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْهُ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَلَا لَقِيَهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: كُلُّ ذَاتِ زَوْجٍ عَلَيْك حَرَامٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحِمَّانِيُّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ شَرِيكٍ - وَهُوَ مُدَلِّسٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ جَعَلَ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] فَوَجَدْنَاهَا قَدْ خَصَّهَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ بَيْعُ بَرِيرَةَ وَابْتِيَاعُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا، وَلَهَا زَوْجٌ اسْمُهُ مُغِيثٌ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهَا طَلَاقًا لَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَتْهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ ابْتِيَاعِهَا لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَيْضًا طَلَاقًا لَهَا، بَلْ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ فِي الْبَقَاءِ فِي زَوْجِيَّتِهِ، أَوْ فِي فِرَاقِهِ. فَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ طَلَاقًا لَهَا، وَصَحَّ بِهَذَا: أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ - مَعْنَاهُ: لَكِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْكُمْ، كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ، وَالْكَوَافِرِ، فَمَا عَدَا هَؤُلَاءِ فَحَلَالٌ لَكُمْ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بَيْعُ الْعَبْدِ طَلَاقٌ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ، فَلَا نَعْلَمُ لَهُ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْمَسْبِيَّةِ مَعَ زَوْجِهَا، أَوْ دُونَهُ، أَوْ يُسْبَى هُوَ دُونَهَا، أَوْ خَرَجَتْ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهَا زَوْجٌ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؟ فَوَجَدْنَاهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ إذْ سُبِيَتْ، أَوْ خَرَجَتْ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ مُخْتَارَةً: بَقِيَتْ عَلَى دِينِهَا الْكِتَابِيِّ، أَوْ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ، أَوْ أَسْلَمَتْ؟ لَا تَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا ثَالِثَ هُنَالِكَ. فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُسْلِمْ فَقَدْ بَيَّنَّا فِي صَدْرِ كَلَامِنَا فِي " النِّكَاحِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَحِلُّ أَصْلًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ لِقَوْلِ

اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221] . وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذَا التَّحْرِيمِ إلَّا مَا كَانَ بِالزَّوَاجِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] . وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُقُودَ نِكَاحَاتِ الْكُفَّارِ صِحَاحٌ، وَمِنْهَا كَانَتْ وِلَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا صَحَّ فَلَا سَبِيلَ لِإِبْطَالِهِ إلَّا بِنَصٍّ - فَصَحَّ أَنَّهَا مَا لَمْ تُسْلِمْ الْمَسْبِيَّةُ ذَاتُ الزَّوْجِ فَهِيَ عَلَى زَوْجِيَّتِهَا سَوَاءٌ بَقِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ سُبِيَ مَعَهَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ عِصْمَةَ النِّكَاحِ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَمْ يُؤَيِّدْهَا قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِنَا هَذَا فِي الْخَبَرِ الْوَارِدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إذْ أَصَابُوا سَبَايَا أَوْطَاسٍ، فَتَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. وَبَيَّنَّا أَنَّهُنَّ بِيَقِينٍ - مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ - وَثَنِيَّاتٌ مِنْ سَبَايَا هَوَازِنَ، وَوَطْؤُهُنَّ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُسْلِمْنَ بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ وَبِنَصِّ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ - فَصَحَّ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ إذَا أَسْلَمْنَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا أَسْلَمْنَ فَلَا يَخْلَوْنَ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ سُبِيَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يُسْبَ، بَلْ هُوَ فِي أَرْضِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَوْ فِي أَرْضِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ إسْلَامِهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، أَوْ مَعَ إسْلَامِهَا كَائِنًا مَا كَانَ دِينُهَا؟ فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِذَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِإِسْلَامِهَا دُونَ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَقَدْ حَلَّ فَرْجُهَا لِسَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ حِينَئِذٍ: بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُهَا مَعَ إسْلَامِهَا كَائِنًا مَا كَانَ دِينُهَا، أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلَامِهَا وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ، فَهُمَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بَاقِيَانِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا، لِمَا ذَكَرْنَا: مِنْ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحَّ بِتَصْحِيحِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ فَسْخُهُ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الْمَسْبِيَّةِ بَعْدَ إسْلَامِهَا دُونَ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَقَطْ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا سُبِيَ الزَّوْجَانِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا حَتَّى يَخْرُجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا صَارَ فِيهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ - وَهَذَا قَوْلُهُ أَوَّلُهُ صَحِيحٌ وَآخِرُهُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ لَا يُحَرِّمُ نَسَبًا وَلَا يُحِلُّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ جَاءَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِسَبْيٍ فِيهِ زَوْجَانِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ قَوْلٍ مَا لَمْ يُؤَيِّدْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فسخ نكاح المفقود

[فَسْخُ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ] [مَسْأَلَةٌ فُقِدَ وَلَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَأَمَةٌ وَمَالٌ] ِ 1937 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فُقِدَ فَعُرِفَ أَيْنَ مَوْضِعُهُ، أَوْ لَمْ يُعْرَفْ فِي حَرْبٍ فُقِدَ، أَوْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ - وَلَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَأَمَةٌ وَمَالٌ -: لَمْ يُفْسَخْ بِذَلِكَ نِكَاحُ امْرَأَتِهِ أَبَدًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَصِحَّ مَوْتُهُ أَوْ تَمُوتَ هِيَ، وَلَا تَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِهِ، وَلَا تُبَاعُ أَمَتُهُ، وَلَا يُفَرَّقُ مَالُهُ، لَكِنْ يُنْفَقُ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَتْ الْأَمَةُ، وَقِيلَ لِلزَّوْجَةِ، وَلِأُمِّ الْوَلَدِ: اُنْظُرَا لِأَنْفُسِكُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ مُكْتَسَبٌ أُنْفِقَ عَلَيْهِمَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الصَّدَقَاتِ كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ، وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -: فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ طُرُقٍ -: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا أَدْرَكَ عُمَرَ وَسَمِعَ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ خَيَّرَ مَفْقُودًا تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَهْرِ الَّذِي سَاقَهُ إلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِيَصِحَّ سَمَاعُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِذَلِكَ مِنْ عُمَرَ -: وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ رَجُلًا

فَقَدَتْهُ امْرَأَتُهُ فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَسَأَلَ قَوْمَهَا فَصَدَّقُوهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ ذِي قَبْلُ - ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، فَجَاءَ زَوْجُهَا - وَذَكَرَ الْخَبَرَ. قَالَ: فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ امْرَأَةً فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَأَتَتْ عُمَرَ فَسَأَلَ جِيرَانَهَا وَقَوْمَهَا فَصَدَّقُوهَا، فَقَالَ لَهَا: اعْتَدِّي أَرْبَعَ سِنِينَ وَتَزَوَّجِي، فَجَاءَ زَوْجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: فَقَدَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فَمَكَثَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ ذَكَرَتْ أَمْرَهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا وَإِلَّا تَزَوَّجَتْ؟ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ السَّنَوَاتُ الْأَرْبَعُ وَلَمْ تَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ - ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَأُخْبِرَ بِالْخَبَرِ، فَأَتَى إلَى عُمَرَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إنْ شِئْت رَدَدْنَا إلَيْك امْرَأَتَك، وَإِنْ شِئْت زَوَّجْنَاك غَيْرَهَا؟ قَالَ: بَلْ زَوِّجْنِي غَيْرَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَرَجَ لَيْلًا فَاسْتَبَتْهُ الْجِنُّ فَطَالَتْ غَيْبَتُهُ، فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَتْهُ؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَفَعَلَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فَفَعَلَتْ،. وَقَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ؟ فَاخْتَارَ امْرَأَتَهُ، فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا وَرَدَّهَا إلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الَّذِي لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ غَيْرُهُ أَصْلًا، وَهُوَ أَنْ تَبْتَدِئَ بِتَرَبُّصِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الْإِمَامِ، فَإِذَا أَتَمَّتْ الْأَرْبَعَ سِنِينَ تَزَوَّجَتْ - إنْ شَاءَتْ - فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا - وَقَدْ تَزَوَّجَتْ - فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَدَاقِهَا الَّذِي أَعْطَاهَا، وَبَيْنَ أَنْ تُرَدَّ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفْسَخَ نِكَاحُ الْآخَرِ، أَوْ يُزَوِّجُهُ الْإِمَامُ زَوْجَةً أُخْرَى. وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ؛ قَالَا جَمِيعًا: فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ - قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا فِيهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا،

لِأَنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذًا يُجْحِفُ ذَلِكَ بِالْوَرَثَةِ، وَلَكِنْ تَسْتَدِينُ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَخَذَتْ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَضَتْ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ - ثُمَّ قَالَا جَمِيعًا يُنْفَقُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ فِيهَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَيْهِ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا طَلَّقَهَا وَلِيُّهُ عَنْهُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا - وَقَدْ تَزَوَّجَتْ - خَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَدَاقِهَا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا كُلِّهِ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ فِيهَا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيَّ وَهِيَ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ - قَالَ: فَقَدَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ جَاءَتْهُ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ أَتَتْهُ فَدَعَا وَلِيَّ الْمَفْقُودِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا؟ فَطَلَّقَهَا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَتَتْهُ، فَأَبَاحَ لَهَا الزَّوَاجَ، فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا الْمَفْقُودُ؟ فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ تِلْكَ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ، فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ، فَأَمَرَ لَهُ عُمَرُ بِالصَّدَاقِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ رَابِعٌ - لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَحِلُّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ أَيْضًا غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ فِيهَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَدَتْ زَوْجَهَا مُذْ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَرَهَا عُمَرُ أَنْ تُتِمَّ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، ثُمَّ تَتَزَوَّجَ إنْ شَاءَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيِّ، غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْهُمْ -:

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ وَلِيَّ الْمُغَيَّبِ عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ: قَضَيَا فِي الْمَفْقُودِ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَتَزَوَّجَ - فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ مَعْمَرٌ دُونَ مَالِكٍ. وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَأَحْفَظُ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ هَذِهِ عَنْ عُثْمَانَ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَهُ وَجَالَسَهُ وَقُتِلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُ الْمُسَيِّبِ لَهُ عِشْرُونَ سَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ: أَنَّهُ يُقَسَّمُ مِنْ يَوْمِ تَمْضِي الْأَرْبَعُ السُّنُونَ وَتَسْتَقْبِلُ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ: أَنَّ امْرَأَةً فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَبِثَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَلَمْ يَجِئْ فَأَمَرَ عُمَرُ وَلِيَّهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خَيَّرَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ: أَنَّ رَجُلًا رَكِبَ الْبَحْرَ فَتِيهَ بِهِ، فَتَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَقُسِّمَ مِيرَاثُهُ، فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَارْتَفَعُوا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَخَيَّرَ الرَّجُلَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَجَعَلَ فِي أَوْلَادِهِنَّ الْفِدَاءَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ارْتَفَعُوا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَضَى بِمِثْلِ قَضَاءِ عُثْمَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ بْنَ أُسَامَةَ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ؟ فَقَالَ أَبُو مَلِيحٍ: حَدَّثَتْنِي سُهَيْمَةُ بِنْتُ عُمَرَ الشَّيْبَانِيَّةُ أَنَّهَا فَقَدَتْ زَوْجَهَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَلَمْ يُدْرَ أَهَلَكَ أَمْ لَا، فَتَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ، فَرَكِبَ هُوَ وَزَوْجُهَا الثَّانِي إلَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ يُخَيَّرُ الْأَوَّلُ

بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ صَدَاقِهَا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ فَرَكِبَا إلَى عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: مَا أَرَى إلَّا مَا قَالَ عُثْمَانُ؟ قَالَتْ: فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ، فَأَعَنْت زَوْجِي بِأَلْفَيْنِ وَكَانَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ؛ وَرَدَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ - كُنَّ تَزَوَّجْنَ بَعْدَهُ - وَرَدَّ أَوْلَادَهُنَّ مَعَهُنَّ؛ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الْوَلِيُّ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِذَا جَاءَ زَوْجُهَا خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ - وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَرُوِّينَا -: وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنْ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّهُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا - عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا - ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ شَاءَ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَدَاقَهَا الَّذِي كَانَ أَصْدَقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُخَيِّرُ الْمَفْقُودَ بَيْنَ الصَّدَاقِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ قَتَادَةُ، وَقَالَ الْخِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو: يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ الْآخَرِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ السَّابِرِيِّ حَزِينٌ كَئِيبٌ - فَقُلْت: مَا شَأْنُ ذَا؟ فَقَالَ النَّخَعِيُّ قَدِمَ زَوْجُ امْرَأَتِهِ؟ فَقُلْت: فَكَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الطَّلَاقَ أَقَامَ هَذَا عَلَى امْرَأَتِهِ وَلَا تَعْتَدُّ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ، وَإِنْ اخْتَارَ امْرَأَتَهُ اعْتَدَّتْ مِنْ هَذَا، قَالَ عَطَاءٌ: فَأَخْبَرْت بِذَلِكَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، فَقَالَ: لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا إلَّا وَفِيهِ عِدَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ؟ قَالَ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُتَكَلَّمُ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّهُ يَأْخُذُ بِالْوَثَاقِ، وَلَا يَمْنَعُ زَوْجَهَا تِلْكَ الطَّلْقَةُ - وَإِنْ كَانَتْ أَلْبَتَّةَ - فَإِنْ جَاءَ فَاخْتَارَهَا اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَارَ صَدَاقَهَا غَرِمَتْهُ هِيَ مِنْ مَالِهَا، وَلَمْ تَعْتَدَّ مِنْ الْآخَرِ، وَقَرَّتْ عِنْدَهُ كَمَا هِيَ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ يَأْتِي وَقَدْ تَزَوَّجَتْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَغْرَمُ الصَّدَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ - إنْ شَاءَ - وَاعْتَدَّتْ مِنْ زَوْجِهَا الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَلَهُ مَا أَصْدَقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَوْلَا أَنَّ عُمَرَ خَيَّرَ الْمَفْقُودَ لَرَأَيْته أَحَقَّ بِهَا إذَا شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ تَرَبَّصَتْ بِهِ سَنَةً، وَإِذَا فُقِدَ فِي غَيْرِ صَفٍّ فَأَرْبَعُ سِنِينَ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعُ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ أَمْرَهَا فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي الَّذِي يَحْضُرُ الْقِتَالَ فَلَا يُدْرَى أُسِرَ أَمْ قُتِلَ؟ فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَعْتَدَّ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْمُؤَجَّلَةِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَنْكِحَ إنْ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ فِي الْمَفْقُودِ يُتَلَوَّمُ لِطَلَبِهِ فَلَا يُوجَدُ لَهُ خَبَرٌ، فَذَلِكَ الَّذِي يَضْرِبُ الْإِمَامُ لِامْرَأَتِهِ فِيمَا بَلَغَنَا، ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. يَقُولُونَ: إنْ جَاءَ زَوْجُهَا فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ - مَا لَمْ تُنْكَحْ - فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، فَإِنْ نُكِحَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَدُخِلَ بِهَا، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ: إذَا فَرَّقَ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا فَلَا سَبِيلَ لِلْأَوَّلِ عَلَيْهَا، وَلَا رَجْعَةَ - دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَرُوِّينَا غَيْرَ هَذَا كُلِّهِ عَنْ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرِهِ.

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذَا فَقَدَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ تَمُوتَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا نا هُشَيْمٌ نا سَيَّارٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذَا جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تُزَوَّجُ: هِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ - دَخَلَ بِهَا الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَافَقَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ عَلَى أَنَّهَا تَنْتَظِرُهُ أَبَدًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: إنْ جَاءَ الْأَوَّلُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ - قَالَ هُشَيْمٌ: وَهُوَ الْقَوْلُ - قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا تَزَوَّجَتْ فَحَمَلَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ، ثُمَّ بَلَغَهَا أَنَّ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ حَيٌّ، يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْآخَرِ، فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ هَذَا الْآخَرِ بَقِيَّةَ حَمْلِهَا؛ فَإِذَا وَضَعَتْ اعْتَدَّتْ مِنْ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَوَرِثَتْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ، قَالَ: هِيَ مُبْتَلَاةٌ فَلْتَصْبِرْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ النَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تُخَيَّرُ - وَقَالَ عَلِيٌّ: هِيَ امْرَأَتُهُ - قَالَ حَمَّادٌ: وَعُمَرُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا تُؤَجَّلُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا الْقَاضِي -: ابْنُ أَبِي لَيْلَى،

وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: مَنْ حَكَمَ بِتَأْجِيلِهَا ثُمَّ فَسَخَ النِّكَاحَ مِنْهُ وَأَمْرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ كُلَّ ذَلِكَ، وَتُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا كَانَتْ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ - فِي الْقَوْمِ يَلْقَوْنَ الْعَدُوَّ فَيُفْقَدُونَ، فَلَا يُدْرَى أَقُتِلُوا أَمْ أُسِرُوا: فَإِنَّ نِسَاءَهُمْ يَعْتَدُّونَ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجْنَ - كَتَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - وَعَلَى هَذَا مَضَى أَمْرُ النَّاسِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: أَنَّهَا تُؤَجَّلُ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْمَفْقُودُ وَوَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ، فَهُوَ أَوْلَى بِهَا وَتُرَدُّ إلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَنْتَظِرُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَيْهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أُجِّلَتْ عَامَيْنِ ثُمَّ تَعْتَدُّ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ جَاءَ - وَقَدْ تَزَوَّجَتْ - فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا - دَخَلَ الثَّانِي بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ -. ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ: هُوَ أَوْلَى بِهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، وَلَا خِيَارَ لِلْأَوَّلِ - قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا فِي الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ. فَأَمَّا الَّذِي فُقِدَ فِي الْحَرْبِ فَلَمْ يُعْرَفْ أَمَيِّتٌ هُوَ أَمْ حَيٌّ؟ فَلَا تُؤَجَّلُ امْرَأَتُهُ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا - قَالَ: وَلَا يُقَسَّمُ مَالُ الْمَفْقُودِ، وَلَا تَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: تَتَرَبَّصُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ - قَالَا جَمِيعًا: وَالْمَفْقُودُ الَّذِي تُؤَجَّلُ امْرَأَتُهُ -: هُوَ الْمَفْقُودُ فِي الْحَرْبِ أَوْ فِي الْبَحْرِ، أَوْ يُفْقَدُ مِنْ مَنْزِلِهِ. وَأَمَّا مَنْ غَابَ عَنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يُدْرَ مَا فَعَلَ فَلَا تُؤَجَّلُ امْرَأَتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَهِيَ -: مَنْ

الْمَفْقُودُ؟ - وَالتَّأْجِيلُ - وَمِنْ مَتَى يَبْدَأُ التَّأْجِيلُ؟ - وَكَمْ التَّأْجِيلُ - وَهَلْ بَعْدَ التَّأْجِيلِ طَلَاقُ الْوَلِيِّ؟ - وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ؟ - وَحُكْمُ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ إنْ قَدِمَ - وَفِيمَا ذَا تَخَيَّرَ؟ - وَعَلَى مَنْ غُرْمُ الصَّدَاقِ إنْ اخْتَارَهُ؟ - وَأَيُّ صَدَاقٍ يَكُونُ؟ - وَهَلْ يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ؟ - وَهَلْ تُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ؟ . فَأَمَّا مَنْ الْمَفْقُودُ: فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا شَيْءٌ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَحْوَالِ الْفَقْدِ، وَهُمْ -: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ. وَمِنْ التَّابِعِينَ -: الْحَسَنُ، وَخِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَهُشَيْمٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابُهُمْ - حَاشَا: مَالِكًا، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ -: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَفْقُودِ فِي الْحَرْبِ - وَلَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ -. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، لَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِهِ فَفُقِدَ. وَأَمَّا التَّأْجِيلُ: فَإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا رَوَى التَّأْجِيلَ - حَاشَا رِوَايَاتٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرِوَايَةً عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَرِوَايَةً عَنْ النَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ. وَأَمَّا مَتَى يَبْدَأُ التَّأْجِيلُ - فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ -: فَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ ذَكَرْنَا يَرَى مَبْدَأَهُ مِنْ حِينِ يُرْفَعُ أَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ - حَاشَا رِوَايَةً ضَعِيفَةً عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ أَمَرَهَا بِإِتْمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ غَابَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرَبُّصُ أَرْبَعِ سِنِينَ - وَلَمْ يَحِدُّوا مِنْ حِينِ تَبْدَأُ؟ وَأَمَّا كَمْ التَّأْجِيلُ: فَإِنَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَرَاهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، إلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكًا - قَالَ سَعِيدٌ: أَرَى أَنْ تُؤَجَّلَ امْرَأَةُ مَنْ فُقِدَ فِي الصَّفِّ سَنَةً، وَمَنْ فُقِدَ فِي غَيْرِ الصَّفِّ أَرْبَعَ سِنِينَ -.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ عَبْدًا أُجِّلَتْ لَهُ عَامَيْنِ - وَلَا يُعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا طَلَاقُ الْوَلِيِّ بَعْدَ التَّأْجِيلِ: فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ. وَأَمَّا هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةُ وَفَاةٍ: فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ دُونَ ذِكْرِ عِدَّةِ وَفَاةٍ. وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةَ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَيْضًا عِدَّةَ الْوَفَاةِ - وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَيْضًا مِنْ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا تَخْيِيرُ الزَّوْجِ إذَا قَدِمَ: فَثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ صَاحِبِ رَأْيِ التَّأْجِيلِ خِلَافُ ذَلِكَ؟ وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ الْحَسَنِ، وَخِلَاسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَالزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَالشَّعْبِيِّ. وَرُوِّينَا عَنْ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ تَخْيِيرَ الزَّوْجِ: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ، إلَّا رِوَايَةً عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةً: أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَهُ مِنْ أُخْرَى. وَاخْتَلَفَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ يَغْرَمُ الصَّدَاقَ - إنْ اخْتَارَهُ الزَّوْجُ -: فَقَالَ جُمْهُورُ مَنْ ذَكَرْنَا: يَغْرَمُهُ الزَّوْجُ الْآخَرُ - وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَغْرَمُهُ الْمَرْأَةُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا: أَيُّ الصَّدَاقِ يُقْضَى لَهُ بِهِ. - إنْ اخْتَارَهُ -: فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: صَدَاقُهُ الَّذِي كَانَ أَصْدَقَهَا هُوَ. وَقَالَ خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو: بَلْ صَدَاقُ الزَّوْجِ الْآخَرِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ؟ - فَقَالَ قَتَادَةُ: تَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ إذَا أُبِيحَ لِزَوْجَتِهِ الزَّوَاجُ، وَإِنَّمَا قُضِيَ بِذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُعْتِقْنَ. وَاخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِهِ هَلْ يُقَسَّمُ؟ فَرُوِّينَا: أَنَّ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُسِّمَ مِيرَاثُهُ إذَا أُبِيحَ لِامْرَأَتِهِ الزَّوَاجُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ. فَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ - فَقَلَّدُوا عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ لَمْ تَصِحَّ عَنْهُ قَطُّ فِي تَأْجِيلِ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ وَإِخْرَاجِهَا عَنْ عِصْمَتِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ. ثُمَّ خَالَفُوا هَاهُنَا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ فِيمَا صَحَّ عَنْهُمْ مِنْ تَأْجِيلِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْحَنَفِيُّونَ أَيْضًا: وَقَدْ رَدُّوا تَقْلِيدَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْ عُمَرَ فِي تَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا - وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ وَبِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، وَلَئِنْ كَانَ عُمَرُ هُنَالِكَ حُجَّةً إنَّهُ هَاهُنَا لَحُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا حُجَّةً فَمَا هُوَ هُنَالِكَ حُجَّةٌ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ هَاهُنَا؟ قُلْنَا: قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ وَلَا فَرْقَ، وَقَدْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ - وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُوجِبٌ فَسْخَ نِكَاحٍ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى فَسْخَهُ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ أَمَرَ وَلِيَّهُ بِطَلَاقِهَا وَأَنَّهُ خَيَّرَ الزَّوْجَ - إذَا أَتَى - بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ، وَقَلَّدُوهُ فِيمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ قَطُّ، مِنْ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ؟ قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ - إذَا جَاءَ - بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ تَقْلِيدُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ؟ وَمُخَالَفَةُ بَعْضِهِمْ فِيهَا نَفْسِهَا، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ، فَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَقْلِيدُ بَعْضِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ دُونَ سَائِرِ مَا رُوِيَ عَنْهُ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا يَحِلُّ تَحْرِيمُ فَرْجٍ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ وَتَحْلِيلُهُ لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ الرِّجَالِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ.

وَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ فَازُوا - وَهُمْ وَاَللَّهِ مَأْجُورُونَ - فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ قَاصِدِينَ بِهِ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَنْ قَالَ قَوْلًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْته؟ قَالَ: لِأَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَالَهُ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَفِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا لَهُمَا قَوْلٌ خَالَفْتُمُوهُ -: هُوَ أَصَحُّ عَنْهُمَا مِنْ الَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ احْتَجَجْتُمْ بِهِمَا فِيهِ؟ لَجُّوا عَلَى تَقْلِيدِهِمْ إعْرَاضًا عَنْ الْحَقِّ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذًا لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ فَسْخُ نِكَاحِ أَحَدٍ بِمَغِيبِهِ، وَلَا إيجَابُ عِدَّةٍ مِمَّنْ لَمْ يَصِحَّ مَوْتُهُ، وَلَا أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدٌ عَنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ مَالِكٍ " إنْ جَاءَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ " فَيُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَهُ: وَمِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا وَأَنْت قَدْ قَطَعْت عِصْمَتَهُ مِنْهَا وَأَبَحْت لَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ؟ وَكَيْفَ تَرُدُّهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ قَدْ أَبَحْت لَهَا نِكَاحَ زَوْجٍ سِوَاهُ مِنْ أَجْلِ تَأْخِيرِهَا نِكَاحًا قَدْ أَبَحْته لَهَا عَادَتْ إلَى زَوْجٍ قَدْ فَسَخْت نِكَاحَهَا مِنْهُ؟ هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا الِاخْتِيَارِ؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّهُ إنْ جَاءَ الزَّوْجُ - وَهِيَ قَدْ تَزَوَّجَتْ - فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا مِنْ أَجْلِ عَقْدٍ قَدْ كَانَ لَهَا مُبَاحًا، إذْ رَدَدْتهَا إلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، فَقُولُوا لَنَا: أَيُّ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ عَقْدُهَا النِّكَاحَ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِهَا مِمَّنْ لَمْ تُحْدِثْهُ إبَاحَتُك لَهَا ذَلِكَ الْعَقْدَ، فَأَجَزْت عَقْدَهَا. ثُمَّ قَوْلُهُ الثَّانِي: مِنْ أَنَّهُ إنْ جَاءَ الزَّوْجُ - قَدْ تَزَوَّجَتْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ - وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا؟ فَقُولُوا لَنَا: هَلْ دَخَلَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى زَوْجَتِهِ، أَوْ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: عَلَى زَوْجَتِهِ؟ قُلْنَا: فَمِنْ أَيْنَ أَبَحْتُمْ فَرْجَ زَوْجَتِهِ الَّتِي أَحْلَلْتُمْ لَهُ الدُّخُولَ بِهَا لِإِنْسَانٍ قَدْ فَسَخْتُمْ نِكَاحَهُ مِنْهَا، وَحَرَّمْتُمُوهَا عَلَيْهِ وَعَقَدْتُمْ نِكَاحَهَا مَعَ غَيْرِهِ؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ؟ وَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ تُبِيحُوا لَهُ وَطْءَ غَيْرِ زَوْجَتِهِ؟ -:

فَلَاحَ يَقِينًا أَنَّهَا أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ، خَطَأٌ لَا شَكَّ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ذَلِكَ فِي أَيِّ كَنَفٍ؟ فَقُلْنَا: هَذَا تَمْوِيهٌ آخَرُ، وَهَلَّا فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ فِي أَيِّ كَنَفٍ إلَّا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَعْلَمَهَا بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِالرَّجْعَةِ، فَمَنْ الَّذِي أَدْخَلَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فِي تِلْكَ؟ مَعَ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لَا يُحْفَظَانِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ مَالِكٍ، وَلَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا، فَاعْجَبُوا لِفُحْشِ هَذَا التَّقْلِيدِ إذْ قَلَّدُوا قَوْلًا لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَ مَالِكٍ -: خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ قَوْلٍ لِصَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ رَأَوْا فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ الَّتِي أَوْهَمُوا فِيهَا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب فسخ النكاح

[كِتَاب فَسْخُ النِّكَاحِ] [مَسْأَلَةٌ مَا يَقَعُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ بَعْدَ صِحَّتِهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِاَللَّهِ تَوْفِيقِي، وَإِلَيْهِ مَتَابِي كِتَاب فَسْخُ النِّكَاحِ 1938 - مَسْأَلَةٌ: مَا يَقَعُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ بَعْدَ صِحَّتِهِ: وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ فَقَطْ -: أَحَدُهَا - أَنْ تَصِيرَ حَرِيمَةً بِرَضَاعٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. وَالثَّانِي - أَنْ يَطَأَهَا أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ بِجَهَالَةٍ؛ أَوْ بِقَصْدٍ إلَى الزِّنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ - أَنْ يَتِمَّ الْتِعَانُهُ وَالْتِعَانُهَا. وَالرَّابِعُ - أَنْ تَكُونَ أَمَةً فَتُعْتَقَ، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ إبْقَائِهِ. وَالْخَامِسُ - اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ إلَّا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ، فَإِنَّهُمَا يَبْقَيَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا. وَيَنْقَسِمُ اخْتِلَافُ دِينِهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا خَمْسَةَ أَقْسَامٍ -: أَحَدُهَا - أَنْ يُسْلِمَ هُوَ وَهِيَ كَافِرَةٌ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ. وَثَانِيهَا - أَنْ تُسْلِمَ هِيَ، وَهُوَ كَافِرٌ - كِتَابِيٌّ، أَوْ غَيْرُ كِتَابِيٍّ - فَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. ثَالِثُهَا - أَنْ يَرْتَدَّ هُوَ دُونَهَا. وَرَابِعُهَا - أَنْ تَرْتَدَّ هِيَ دُونَهُ.

وَخَامِسُهَا - أَنْ يَرْتَدَّا مَعًا. فَفِي كُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا - سَوَاءٌ أَسْلَمَ إثْرَ إسْلَامِهَا، أَوْ أَسْلَمَتْ إثْرَ إسْلَامِهِ، أَوْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ، أَوْ رَاجَعَتْ الْإِسْلَامَ، أَوْ رَاجَعَاهُ مَعًا -: لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَبِصَدَاقٍ، وَبِوَلِيٍّ، وَإِشْهَادٍ. وَلَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ عِدَّةٍ، وَلَا عَرْضِ إسْلَامٍ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا كُلَّ هَذَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَالسَّادِسُ - أَنْ يَمْلِكَهَا، أَوْ بَعْضَهَا. وَالسَّابِعُ - أَنْ تَمْلِكَهُ أَوْ بَعْضَهُ. وَالثَّامِنُ - مَوْتُهُ أَوْ مَوْتُهَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، فَلْنَذْكُرْ هُنَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ نَذْكُرْهُ بَعْدُ، وَهُوَ " اللِّعَانُ " " وَتَخْيِيرُ الْمُعْتَقَةِ "

اللعان

[اللِّعَانُ] [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ اللِّعَان] ُ 1939 - مَسْأَلَةٌ: صِفَةُ اللِّعَانِ: هُوَ أَنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا هَكَذَا مُطْلَقًا، أَوْ بِإِنْسَانٍ سَمَّاهُ - سَوَاءٌ كَانَ قَدْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا - كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَالْآخَرُ حُرًّا - أَوْ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ هُوَ مُسْلِمٌ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ، أَوْ كَانَا كِتَابِيَّيْنِ، أَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، أَوْ فِي زِنًى، أَوْ هِيَ كَذَلِكَ أَوْ كِلَاهُمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا أَعْمَى أَوْ كِلَاهُمَا، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا ادَّعَى رُؤْيَةً أَوْ لَمْ يَدَّعِ -: فَوَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ؟ طَلَبَتْ هِيَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطْلُبْهُ، طَلَبَ هُوَ ذَلِكَ أَوْلَمَ يَطْلُبْهُ، لَا رَأْيَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ. ثُمَّ يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا رَمَاهَا بِهِ؟ فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةِ عُدُولٍ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ قِيلَ لَهُ: الْتَعِنْ؟ فَيَقُولُ: بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ، بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ، بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ، بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ - هَكَذَا يُكَرِّرُ. " بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، وَيَقُولُ لَهُ: إنَّهَا مُوجِبَةٌ؟ فَإِنْ أَبَى، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ - فَإِذَا أَتَمَّ هَذَا الْكَلَامَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لَهَا، وَاَلَّذِي رَمَاهَا بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِذَا الْتَعَنَ كَمَا ذَكَرْنَا، قِيلَ لَهَا: إنْ الْتَعَنَتْ وَإِلَّا حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا، فَتَقُولُ: بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ - تُكَرِّرُ " بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.

مسألة كل زوج قذف امرأته فإنه يلاعنها

ثُمَّ تَقُولُ: وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، وَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يُوقِفُهَا عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَيُخْبِرُهَا بِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ بَرِئَتْ مِنْ الْحَدِّ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدَ الْآبِدِ لَا تَحِلُّ لَهُ أَصْلًا - لَا بَعْدَ زَوْجٍ وَلَا قَبْلَهُ - وَلَا وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، لَكِنْ إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ فَقَطْ. وَأَمَّا مَا لَمْ يُتِمَّ هُوَ اللِّعَانَ أَوْ تُتِمَّهُ هِيَ، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ لَتَوَارَثَا، وَلَا مَعْنَى لِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا، أَوْ لِتَرْكِهِ، لَكِنْ بِتَمَامِ اللِّعَانِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ. فَإِنْ كَانَتْ هِيَ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً حُدَّ هُوَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا بُدَّ، وَلَا لِعَانَ فِي ذَلِكَ - فَإِنْ كَانَ هُوَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ. وَيَتَلَاعَنُ الْأَخْرَسَانِ كَمَا يَقْدِرَانِ بِالْإِشَارَةِ. فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُلَاعَنَةُ حَامِلًا فَبِتَمَامِ الِالْتِعَانِ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَنْتَفِي عَنْهُ الْحَمْلُ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ - إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَيَلْحَقَهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَذْفِهِ لَهَا مَعَ إقْرَارِهِ بِأَنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ إذَا الْتَعَنَ. فَلَوْ صَدَّقَتْهُ هِيَ فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ، وَفِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ حَدَثَ، وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ مَا وَلَدَتْ، بَلْ هُوَ لَاحِقٌ بِهِ - فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْهَا حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَمَّا مَا وَلَدَتْ فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ بَعْدُ أَصْلًا. فَلَوْ طَلَّقَهَا وَقَذَفَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ لَاعَنَهَا. فَلَوْ قَذَفَهَا - وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ - حُدَّ، وَلَا تَلَاعُنَ، وَلَا يَضُرُّهُ إمْسَاكُهَا وَوَطْؤُهَا بَعْدَ أَنْ قَذَفَهَا، بَلْ يُلَاعِنُهَا مَتَى شَاءَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كُلَّ زَوْجٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُهَا] 1940 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ كُلَّ زَوْجٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُهَا إذْ ذَكَرْنَا صِفَةَ اللِّعَانِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] فَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا أَعْمَى مِنْ بَصِيرٍ، وَلَا صَالِحًا مِنْ فَاسِقٍ، وَلَا

امْرَأَةً كَافِرَةً مِنْ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ، وَلَا فَاسِقَةً مِنْ صَالِحَةٍ، وَلَا مَحْدُودًا مِنْ غَيْرِ مَحْدُودٍ، وَلَا مَحْدُودَةً مِنْ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا فَلَا لِعَانَ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ، وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ. فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] وَالْعَبْدُ لَا شَهَادَةَ لَهُ؟ قُلْنَا: بَاطِلٌ مَا قُلْتُمْ، بَلْ شَهَادَتُهُ كَشَهَادَةِ الْحُرِّ، وَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْأَعْمَى، وَلَا شَهَادَةَ الْفَاسِقِ، وَتُوجِبُونَ اللِّعَانَ لَهُمَا. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا يُلَاعِنُ مَنْ لَا شَهَادَةَ لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَاسِدَةٌ، لَا يُصَحِّحُهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ سَمَّاهَا شَهَادَةً، فَلَيْسَتْ مِنْ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي يُرَاعَى فِيهِ الْعَدْلُ مِنْ الْفَاسِقِ، لِأَنَّ تِلْكَ الشَّهَادَاتِ لَا يَحْلِفُ فِيهَا الشَّاهِدُ بِهَا، وَشَهَادَاتُ اللِّعَانِ أَيْمَانٌ، وَسَائِرُ الشَّهَادَاتِ لَا يُقْبَلُ فِي أَكْثَرِهَا إلَّا اثْنَانِ، وَشَهَادَةُ اللِّعَانِ إنَّمَا هِيَ مِنْ وَاحِدٍ، وَسَائِرُ الشَّهَادَاتِ لَا يُقْبَلُ فِيهَا الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ، وَشَهَادَةُ اللِّعَانِ إنَّمَا هِيَ لِنَفْسِهِ لِيَدْرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَلِيُوجِبَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ حُكْمَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ الْتَعَنَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِلَّا حُدَّتْ هِيَ: فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» . وَقَوْلِهِ: إنَّهُ رَمَاهَا بِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَحَدٌّ وَاحِدٌ يُسْقِطُ التَّلَاعُنَ فَلَمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ نا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ نا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكِ - يُكَرِّرُ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ هِلَالٌ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ

اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَيَعْلَمُ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُبْرِئُ بِهِ ظَهْرِي مِنْ الْجَلْدِ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ، فَدَعَا هِلَالًا فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ دُعِيَتْ الْمَرْأَةُ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِّفُوهَا فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ، فَتَلَكَّأَتْ حَتَّى مَا شَكَكْنَا أَنَّهَا سَتَعْتَرِفُ ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ عَلَى الْيَمِينِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُنْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قضيء الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ - فَجَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَزِيدُهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِي الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِ: {الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [الحشر: 23] وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَزِيدَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الَّذِي مَنْ قَالَهُ أُجِرَ، وَمَنْ تَرَكَهُ فِي يَمِينِهِ لَمْ يُحْرَجْ، وَإِنَّمَا يُقْضَى عَلَى النَّاسِ بِمَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ، لَا بِمَا لَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ أَجْرًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] فَإِنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى عَذَابٍ مَعْلُومٍ، لِأَنَّهُ بِأَلِفِ التَّعْرِيفِ وَلَامِهِ، وَلَا نَعْلَمُ عَذَابًا فِي الزِّنَا إلَّا الْحَدَّ. وَأَمَّا السِّجْنُ - كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ -: فَلَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَمَرَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِاللِّعَانِ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ: إنَّهَا مُوجِبَةٌ. وَلَا مَعْنَى لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ فِي يَمِينِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يَقُولَ هُوَ: إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا

رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَأَنْ تَقُولَ هِيَ: إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَانَا بِمَا أَمَرَنَا بِهِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ تَكَلُّفِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَكُلُّ رَأْيٍ زَادَنَا شَيْئًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَنَحْنُ نَرْغَبُ عَنْ ذَلِكَ الرَّأْيِ وَنَقْذِفُهُ فِي الْحَشِّ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنْ قَالُوا: رُبَّمَا نَوَى: أَنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِي شَهَادَتِهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَنَوَتْ هِيَ: أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى؟ قُلْنَا: هَبْكَ أَنَّهُمَا نَوَيَا ذَلِكَ، فَوَاَللَّهِ مَا يَنْتَفِعَانِ بِذَلِكَ، وَأَنَّ يَمِينَهُمَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُجَاهَرَةِ أَحَدِهِمَا فِيهِ بِالْبَاطِلِ مُوجِبٌ عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ، وَعَلَيْهَا الْغَضَبَ، نَوَيَا مَا قُلْتُمْ أَوْ لَمْ يَنْوِيَا، وَلَا يُمَوَّهُ عَلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ بِمِثْلِ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، وَالْبُخَارِيِّ - قَالَ أَبُو دَاوُد: نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا جَمِيعًا: نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ رَوَيْته عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ سُفْيَانُ حَفِظْته مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: فَتَفْرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُغْنِي عَنْ تَفْرِيقِ كُلِّ حَاكِمٍ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» مَنَعَ مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ بِنَصِّ الْخَبَرِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْتِعَانِهِمَا جَمِيعًا، فَلَا يَقَعُ التَّفْرِيقُ إلَّا حِينَئِذٍ.

وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُوجِبْ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقَعُ التَّفْرِيقُ بِتَمَامِ اللِّعَانِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ، وَإِذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ - فَكَانَ هَذَا عَجَبًا؟ وَنَقُولُ لَهُمْ: فَإِنْ أَبَى الْحَاكِمُ مِنْ التَّفْرِيقِ أَيَبْقَيَانِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا؟ هَيْهَاتَ حَاكِمُ الْحُكَمَاءِ قَدْ فَرَّقَ، فَتَفْرِيقُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ تَرْكُهُ التَّفْرِيقَ نَبِيبُ تَيْسٍ مِنْ الْحَزْنِ سَوَاءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - بِتَمَامِ الْتِعَانِ الرَّجُلِ يَقَعُ التَّفْرِيقُ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ - وَهَذِهِ أَيْضًا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ مَالِكٌ كَمَا قُلْنَا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً حُدَّ لِلْقَذْفِ، وَلَا لِعَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا زِنًى أَصْلًا، لِأَنَّ الزِّنَا مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَاتَانِ لَا تَقَعُ مِنْهُمَا مَعْصِيَةٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ الصَّغِيرَ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ. وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ حَيْثُ لَا يُوقَنُ بِكَذِبِهِ فَإِسْقَاطُهُ عَنْ الْقَاذِفِ حِينَ يُوقَنُ بِكَذِبِهِ خَطَأٌ، وَالْحَدُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ رَمَى مِنَّا بِالزِّنَا. وَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْكَلَامُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ إيَّاهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَصَحَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَا اسْتَطَاعَ، وَالْأَخْرَسُ يَسْتَطِيعُ الْإِفْهَامَ بِالْإِشَارَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَعِنُ بِلُغَتِهِ بِأَلْفَاظٍ يُعَبِّرُ بِهَا عَمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ زِيَادَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ بِرَأْيِهِ، زِيَادَاتٌ فِي غَايَةِ السُّخْفِ عَلَى مَا فِي آيَةِ

اللِّعَانِ، وَهُوَ يَرُدُّ أَوَامِرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْمَالَهُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، فَأَيُّ ضَلَالٍ يَفُوقُ هَذَا؟ وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ بِتَمَامِ الْتِعَانِهِ وَالْتِعَانِهَا يَنْتَفِي عَنْهُ لِحَاقُ حَمْلِهَا، إلَّا أَنْ يُقَرِّبَهُ - وَسَوَاءٌ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ - إذَا انْتَفَى عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ -: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ فَانْتَفَى عَنْ وَلَدِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: إنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ - فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ وَفِيهِ «فَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ الْوَلَدُ إلَى أُمِّهِ» وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لَمْ يُلَاعِنْهَا حَتَّى وَلَدَتْ، لَاعَنَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَقَطْ، وَلَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا مِنْهُ، فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ» . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ فَهُوَ وَلَدُهُ إلَّا حَيْثُ نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ حَيْثُ يُوقِنُ بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ وَلَدُهُ، وَلَمْ يَنْفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا وَهِيَ حَامِلٌ بِاللِّعَانِ فَقَطْ، فَيَبْقَى مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى لِحَاقِ النَّسَبِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنْ صَدَّقَتْهُ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّ تَصْدِيقَهَا لَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَوَجَبَ أَنَّ إقْرَارَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُصَدَّقُ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ، فَيَكُونُ كَسْبًا عَلَى غَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا نَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوَلَدَ إنْ كَذَّبَتْهُ الْأُمُّ وَالْتَعَنَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فَقَطْ، فَلَا يَنْتَفِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَاهُنَا يَقُولُونَ: إنْ اتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ: لَمْ يُصَدَّقَا، وَلَمْ يَنْفِهِ إلَّا بِلِعَانٍ؟ فَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا إذَا أَلْغَوْا تَصْدِيقَهُمَا فَلَمْ يَنْفُوا نَسَبَهُ إلَّا بِلِعَانٍ، فَإِذْ لَا مَعْنَى لِتَصْدِيقِهِمَا لَهُ فَلَا يَجُوزُ اللِّعَانُ إلَّا حَيْثُ حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ إذَا رَمَاهَا بِالزِّنَا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ مِنْهُ أَنَّهُ يُلَاعِنُهَا مَتَى رُفِعَ الْأَمْرُ

لِلْإِمَامِ - وَلَوْ أَنَّهَا عِنْدَ زَوْجٍ آخَرَ - فَلِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] فَإِنَّمَا يُرَاعَى الرَّمْيُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَإِنْ كَانَ لِزَوْجَةٍ لَاعَنَ أَبَدًا، إذْ لَمْ يَحِدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِلِّعَانِ وَقْتًا لَا يَتَعَدَّاهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ أَوْ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَالْحَدُّ وَلَا بُدَّ، وَلَا لِعَانَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِ زَوْجَةً لَهُ، إنَّمَا رَمَى زَوْجَةً أَجْنَبِيَّةً، فَالْحَدُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَلَا يَضُرُّهُ إمْسَاكُهُ إيَّاهَا بَعْدَ رَمْيِهِ لَهَا، أَوْ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهَا زَنَتْ يَقِينًا - وَعَلِمَ بِذَلِكَ - وَلَا يَضُرُّهُ وَطْؤُهُ لَهَا، فَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.

مسألة تزوج رجلان بجهالة امرأة في طهر واحد

[مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ رَجُلَانِ بِجَهَالَةٍ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلَانِ بِجَهَالَةٍ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا أَمَةً مِنْ الْآخَرِ فَوَطِئَهَا - وَكَانَ الْأَوَّلُ قَدْ وَطِئَهَا أَيْضًا - وَلَمْ يُعْرَفْ أَيُّهُمَا الْأَوَّلُ، وَلَا تَارِيخُ النِّكَاحَيْنِ أَوْ الْمِلْكَيْنِ: فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهُ إنْ تَدَاعَيَاهُ جَمِيعًا: فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ. إنْ كَانَ وَاحِدًا فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا زَادَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَدَاعِيَانِ أَجْنَبِيَّيْنِ، أَوْ قَرِيبَيْنِ أَوْ أَبًا وَابْنًا، أَوْ حُرًّا وَعَبْدًا. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا أُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ وَلَا بُدَّ بِلَا قُرْعَةٍ. فَإِنْ تَدَافَعَاهُ جَمِيعًا، أَوْ لَمْ يُنْكِرَاهُ وَلَا تَدَاعَيَاهُ، فَإِنَّهُ يُدْعَى لَهُ بِالْقَافَةِ فَإِنْ شَهِدَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ عَالِمٌ عَدْلٌ فَأَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنَّهُ وَلَدُ هَذَا؟ أُلْحِقَ بِهِ نَسَبُهُ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ بِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا طُرِحَ كَلَامُهُمْ وَطُلِبَ غَيْرُهُمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلَدٌ وَاحِدٌ ابْنَ رَجُلَيْنِ، وَلَا ابْنَ امْرَأَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ إنْ تَدَاعَتْ امْرَأَتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَدًا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ إحْدَاهُمَا فَهُوَ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِنَّ كُلِّهِنَّ، أَوْ لَمْ يَتَدَاعَيَاهُ وَلَا أَنْكَرَتَاهُ، أَوْ تَدَافَعَتَاهُ دُعِيَ لَهُ الْقَافَةُ كَمَا قُلْنَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - وَهُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْرُورًا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: هَذِهِ أَقْدَامٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «دَخَلَ قَائِفٌ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاهِدٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ نا الْوَلِيدُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ «حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ وَقَتْلِهِمْ الرِّعَاءَ وَأَخْذِهِمْ إبِلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنَسٌ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَافَةً فِي طَلَبِهِمْ فَأَتَى بِهِمْ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَصَحَّ أَنَّ " الْقِيَافَةَ " عِلْمٌ صَحِيحٌ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الْأَنْسَابِ وَالْآثَارِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لِعَبْدِهِ وَهِيَ أَمَتُهُ؟ قَالَ: فَدَعَا لَهُمَا الْقَافَةَ، فَإِنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَنِي: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَعَا الْقَافَةَ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي الْوُقُوعِ عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَادَّعَيَا وَلَدَهَا؟ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ بِنَظَرِ الْقَافَةِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: اُخْتُصِمَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي وَلَدٍ ادَّعَاهُ دُهْقَانٌ، وَرَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ، فَدَعَا الْقَافَةَ فَنَظَرُوا إلَيْهِ فَقَالُوا لِلْعَرَبِيِّ: أَنْتَ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ هَذَا الْعِلْجِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِابْنِك فَخَلِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ ابْنُهُ. ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ

عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: انْتَفَى ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ وَلَدٍ لَهُ؟ فَدَعَا لَهُ ابْنُ كَلِدَةِ الْقَائِفَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا إنَّهُ وَلَدُهُ، فَادَّعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو الزِّنَادِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْقَافَةِ. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ، وَغَيْرُهُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُحْكَمُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ إلَّا فِي وَلَدِ أَمَةٍ لَا فِي وَلَدِ حُرَّةٍ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فِي أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ مَالِكٍ وَعُمْدَتُنَا فِي الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ إنَّمَا جَاءَ فِي ابْنِ حُرَّةٍ لَا فِي ابْنِ أَمَةٍ. وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا أَصْحَابُهُ الْحُكْمَ بِالْقَافَةِ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ - وَهُمْ يُشَرِّعُونَ الشَّرَائِعَ، وَيُبْطِلُونَ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِيَاسِ الَّذِي يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ ظَنٌّ - وَقَدْ كَذَبُوا: مَا حَكَمَ الْقَافَةُ بِظَنٍّ، بَلْ بِعِلْمٍ صَحِيحٍ يَتَعَلَّمُهُ مَنْ طَلَبَهُ وَعُنِيَ بِهِ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَحْكُمَ بِالظَّنِّ. ثُمَّ مَعَ هَذَا كُلِّهِ يَحْكُمُونَ بِجَهْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إذْ يُلْحِقُ الْوَلَدَ بِامْرَأَتَيْنِ يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَيُورِثُهُ مِنْهُمَا مِيرَاثَ الِابْنِ مِنْ الْأُمِّ، وَيُورِثُهُمَا مِنْهُ مِيرَاثَ الْأُمِّ مِنْ الْوَلَدِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ أَخَوَاتِهِمَا جَمِيعًا - فَهَذَا هُوَ الرُّعُونَةُ حَقًّا، وَالْجَهْلُ الْأَعْمَى، لَا مَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَكَمَ بِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْقَافَةِ شَيْءٌ إلَّا مَوْضِعٌ وَاحِدٌ -: وَهُوَ الرَّجُلَانِ فَصَاعِدًا يَتَدَاعَيَانِ الْوَلَدَ؟ فَإِنَّ هَاهُنَا إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا عُرْفٌ لِأَيِّهِمَا كَانَ الْفِرَاشُ، وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ فَأَتَى بِامْرَأَةٍ وَطِئَهَا ثَلَاثَةٌ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ فَلَمْ يُقِرَّا، ثُمَّ سَأَلَ اثْنَيْنِ: أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟ فَلَمْ يُقِرَّا، ثُمَّ سَأَلَ اثْنَيْنِ، حَتَّى فَرَغَ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْزَمَ الْوَلَدَ لِلَّذِي خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَضْحَكُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَرَى أَوْ يَسْمَعُ مَا لَا

يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُرُورًا بِهِ - وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُسَرُّ إلَّا بِالْحَقِّ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ بَاطِلًا فَيُقِرَّهُ. وَهَذَا خَبَرٌ مُسْتَقِيمُ السَّنَدِ، نَقَلَتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ، وَلَا يَصِحُّ خِلَافُهُ أَلْبَتَّةَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ خَبَرٌ اُضْطُرِبَ فِي إسْنَادِهِ، فَأَرْسَلَهُ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَجْهُولٍ. وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ حَضْرَمَوْتَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ؟ قُلْنَا: هَذَا الْعَجَبُ، فَكَانَ مَاذَا؟ قَدْ وَصَلَهُ سُفْيَانُ - وَلَيْسَ هُوَ دُونَ شُعْبَةَ - عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ - وَهُوَ ثِقَةٌ - عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ - وَهُوَ ثِقَةٌ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - وَإِنَّ مَنْ يَتَعَلَّلُ بِهَذَا ثُمَّ يَرُدُّ السُّنَّةَ بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إنَّ هَذَا لَعَظِيمُ الْمُجَاهَرَةِ، وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْدَعَهُ الْحَيَاءُ عَنْ الرِّضَا بِهِ؟ لَا سِيَّمَا أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابَهُ الْقَائِلِينَ: إنْ ادَّعَى الْوَلَدَ اثْنَانِ - وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا - فَهُوَ ابْنُهُمَا يَرِثَانِهِ وَيَرِثُهُمَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَافْتَضَحُوا فِي اخْتِلَافِهِمْ؟ كَمَا افْتَضَحُوا فِي اتِّفَاقِهِمْ فِي وَلَدٍ ادَّعَاهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَصَاعِدًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ ابْنُهُمْ كُلُّهُمْ وَلَوْ كَانُوا أَلْفًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَكُونُ ابْنَ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَكُونُ ابْنَ أَكْثَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَكُونُ إلَّا ابْنَ اثْنَيْنِ فَقَطْ لَا ابْنَ أَكْثَرَ - فَهُوَ هُوَ الْفُحْشُ وَالسُّخَامُ وَالضَّلَالُ؟ لَا اتِّبَاعُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَوَّهُوا فِي إلْحَاقِهِمْ الْوَلَدَ بِاثْنَيْنِ بِرِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يَحْفَظْ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ شَيْئًا إلَّا نَعْيَ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، مَعَ أَنَّ فِيهَا: أَنَّهُ حَكَمَ مَعَ الْقَافَةِ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَصْلًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ.

وَرِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ فِيهَا قَالُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهَا: أَنَّهُ لِلثَّانِي مِنْكُمَا. وَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا وَلَدًا؟ فَدَعَا عُمَرُ الْقَافَةَ، وَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِبَصَرِ الْقَافَةِ، وَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ - وَعُرْوَةُ قَدْ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ. وَرِوَايَةٌ أُخْرَى مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ هِشَامٌ: وَسَمِعْته يُحَدِّثُ أَبِي قَالَ: إنَّ رَجُلَيْنِ وَقَعَا بِامْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا؟ فَدَعَا عُمَرُ رَجُلًا مِنْ بَنِي كَعْبٍ فَقَالَ: اُنْظُرْ فَاسْتَبْطِنْ وَاسْتَظْهِرْ؟ فَقَالَ: وَاَلَّذِي أَكْرَمَك بِالْخِلَافَةِ لَقَدْ اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعًا، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ حَتَّى اضْطَجَعَ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ ذَهَبَ بِك النَّظَرُ إلَى غَيْرِ مَذْهَبٍ - ثُمَّ دَعَا عُمَرُ بِالْمَرْأَةِ فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: هَذَا كَانَ يَطَؤُنِي، فَإِذَا كَانَ يَطَؤُنِي حَمَانِي مِنْ النَّاسِ حَتَّى إذَا اسْتَمَرَّ بِي الْحَمْلُ خَلَا بِي فَأَهْرَقْتُ دَمًا كَثِيرًا فَجَاءَنِي هَذَا فَوَطِئَنِي، فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ؟ فَقَالَ الْكَعْبِيُّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، شُرَكَاءُ فِيهِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْت مَا رَأَيْت، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت؟ قَالَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَلَقَدْ رَأَيْت حِينَ سَفَعَ أَحَدُهُمَا بِيَدِ الْغُلَامِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ. وَرِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي طُهْرِ امْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَدَعَا عُمَرُ بِالْقَافَةِ؟ فَقَالُوا: قَدْ أَخَذَ الشَّبَهَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَجَعَلَهُ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَوْبَةُ الْعَنْبَرِيُّ ضَعِيفٌ، مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْقَافَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِنَسَبِهِمَا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ " جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا " أَيْ وَقَفَهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَلُوحَ لَهُ فِيهِ وَجْهُ الْحُكْمِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرَ هَذَا؟ وَمَا نَعْرِفُ إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِاثْنَيْنِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّابِتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُكَذِّبُ جَوَازَ كَوْنِ وَلَدٍ مِنْ مَنِيِّ أَبَوَيْنِ.

وَهُوَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ الضَّرِيرُ - وَوَكِيعٌ، قَالَا جَمِيعًا: نا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَدَدِ مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ، وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ الدَّقِيقَةَ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ هِيَ غَيْرُ الدَّقِيقَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا مَنِيُّ الْوَاطِئِ الثَّانِي، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْمَعَ الْمَاءَانِ فَيَصِيرَ مِنْهُمَا وَلَدٌ وَاحِدٌ، لَكَانَ الْعَدَدُ مَكْذُوبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ إنْ عَدَّ مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ الْأُولَى، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَحْدَهُ فَلَوْ اسْتَضَافَ إلَيْهِ الثَّانِيَ لَابْتَدَأَ الْعَدَدُ مِنْ حِينِ حُلُولِ الْمَنِيِّ الثَّانِي، فَكَانَ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ بِلَا شَكٍّ، وَهُمْ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَأَهْلِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّادِقِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَحْكُمْ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ ابْنَ امْرَأَتَيْنِ مُحَقِّقًا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدَتْهُ، لَكِنْ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَقَّ الْأُمُومَةِ؟ . فَقُلْنَا: وَهَذَا جَوْرٌ وَظُلْمٌ وَبَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ أَنْ يُوجَبَ لِغَيْرِ أُمٍّ حُكْمُ أُمٍّ بِلَا نَصِّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ إلَّا الرَّأْيَ الْفَاسِدَ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ تَدَاعَى فِي الْوَلَدِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ: أُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] . وَالثَّابِتُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَلَى الْمِلَّةِ: حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَلَ عَمَّا وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا إلَّا بِيَقِينِ كَوْنِ الْفِرَاشِ لِكَافِرٍ بِلَا إشْكَالٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

نكاح الأمة

[نِكَاحُ الْأَمَةِ] [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةٌ لَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ فَأُعْتِقَتْ] ِ 1942 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةٌ لَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ - وَلَوْ أَنَّهُ قُرَشِيٌّ - فَأُعْتِقَتْ فِي وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ، أَوْ بِتَمَامِ أَدَاءِ مُكَاتَبَتِهَا، أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ عَتَقَتْ، فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَلَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَارَتْ أَنْ تُقِرَّ عِنْدَهُ فَلَهَا ذَلِكَ، وَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي اخْتِيَارِهَا فِرَاقَهُ كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ - وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسْخِ عِدَّةٌ أَصْلًا إلَّا فِي هَذَا الْمَكَانِ - وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي مَوْتِ الزَّوْجِ فَقَطْ، فَإِنْ أَرَادَا جَمِيعًا أَنْ يَتَنَاكَحَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَبِإِشْهَادٍ، وَصَدَاقٍ، وَوَلِيٍّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي عِدَّتِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهَا إذَا أُعْتِقَتْ طُولَ بَقَائِهَا مَعَهُ وَلَا وَطْؤُهُ لَهَا بِرِضَاهَا، أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَلَا عِلْمُهَا بِأَنَّ الْخِيَارَ لَهَا فَإِذَا أُوقِفَتْ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ أَوْ الْبَقَاءَ مَعَهُ وَلَا تُتْرَكُ تَتَأَنَّى فِي ذَلِكَ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: «فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَخْيِيرِهِ بَرِيرَةَ إذْ أَعْتَقَتْهَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» . وَفِي سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: قَالَ قَوْمٌ: إنَّهَا تُخَيَّرُ تَحْتَ الْعَبْدِ، وَلَا تُخَيَّرُ تَحْتَ الْحُرِّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنْ أُعْتِقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَا خِيَارَ لَهَا. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَعَطَاءٍ، وَصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،

وَيَنْسُبُ قَوْمٌ ذَلِكَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " إنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ وَخُيِّرَتْ؟ فَقَالَتْ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَهُ وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا الثَّقَفِيُّ - هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - مُذْ سِتِّينَ سَنَةً - عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ بَرِيرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ - فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ اشْتَرِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَأَعْتَقَتْنِي فَكَانَ لِي الْخِيَارُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَعَمَّتْ بَرِيرَةُ وَلَمْ تُخَصَّ تَحْتَ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى الْحُرِّ - وَبِهِ يَقُولُ هُشَيْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَلَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا " فَعَمَّ عُمَرُ وَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ زَوْجٍ: فَهِيَ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ - حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا - وَلَوْ أَنَّهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ زَوْجٍ أَنَّهَا تُخَيَّرُ وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ قُرَشِيٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ " إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ ".

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إذَا أُعْتِقَتْ عِنْدَ حُرٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: إذَا أُعْتِقَتْ عِنْدَ حُرٍّ فَلَهَا الْخِيَارُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْ لَهَا الْخِيَارَ إلَّا تَحْتَ الْعَبْدِ -: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ عَبْدًا لِبَنِي فُلَانٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ -: نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ - وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا «فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا» وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ نا وُهَيْبٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ " كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ نا ابْنُ مَوْهَبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ، قَالَتْ: فَأَرَدْت أَنْ أُعْتِقَهُمَا، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «ابْتَدِي بِالْغُلَامِ قَبْلَ الْجَارِيَةِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ نا مَرْوَانُ نا اللَّيْثُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثُوهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا أَمَةٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَعَتَقَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا» . وَقَالُوا: مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ: كُلُّ عَقْدِ نِكَاحٍ صَحِيحٌ فَلَا يَجُوزُ فَسْخُهُ إلَّا بِيَقِينٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ مِنْهُمْ: إنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الرِّقِّ فَإِذَا سَاوَاهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا - هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا الْآثَارُ - بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا أَوْرَدْنَا - وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْهَا ثَلَاثَةٌ الْأَسْوَدُ، وَعُرْوَةُ، وَالْقَاسِمُ -: فَأَمَّا الْأَسْوَدُ - فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا عُرْوَةُ - فَرُوِيَ عَنْهُ - كَمَا أَوْرَدْنَا - أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا - وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا خِلَافُ ذَلِكَ -: نا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُعَلِّمُ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا - فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا - ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ: مَا أَدْرِي فَاضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَبَقِيَتْ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ - وَقَدْ عَارَضَتْهَا الرِّوَايَةُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ؟ فَتَرَكْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ حَتَّى نَتَكَلَّمَ فِي -: حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ. وَحَدِيثِ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: «أَيُّمَا أَمَةٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَعَتَقَتْ، فَهِيَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا» - فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ حَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - لَا يُعْرَفُ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ أَنْ لَا تَخَيُّرَ تَحْتَ حُرٍّ، إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ عِتْقِهَا تَحْتَ الْعَبْدِ فَقَطْ، وَسَكَتَ فِيهِ عَنْ عِتْقِهَا تَحْتَ الْحُرِّ - فَإِنْ صَحَّ فِي خَبَرٍ آخَرَ مَا يُوجِبُ عِتْقَهَا تَحْتَ الْحُرِّ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَوْهَبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ كَانَ لَهَا عَبْدٌ وَجَارِيَةٌ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَبْدَأَ فِي الْعِتْقِ بِالْغُلَامِ قَبْلَ الْجَارِيَةِ - فَإِنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ -: رُوِّينَا عَنْ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُمَا كَانَا زَوْجَيْنِ؟ فَإِقْحَامُ الْقَوْلِ بِالدَّعْوَى كَذِبٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُمَا كَانَا زَوْجَيْنِ، فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِذَلِكَ لِيُسْقِطَ خِيَارَ الزَّوْجَةِ؟ وَإِقْحَامُ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ كَذْبَةٌ بَائِنَةٌ - هَذَا عَظِيمٌ لَا يَسْتَجِيزُهُ مَنْ يَهَابُ الْكَذِبَ، لَا سِيَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يُوجِبُ النَّارَ. وَقَدْ يُمْكِنُ - لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ - أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا أَنْ تَبْدَأَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] لِقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ أُمِّ مَرْيَمَ {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: 36] وَلِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ: حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ «أَيُّمَا امْرِئٍ أَعْتَقَ مُسْلِمًا وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ إلَّا كَانَتْ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي بِكُلِّ عَظْمٍ مِنْهَا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ» فَالْأَجْرُ فِي عِتْقِ الذَّكَرِ مُضَاعَفٌ - فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ جُمْلَةً.

وَنَحْنُ نُوقِنُ - بِلَا شَكٍّ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَتَحَيَّلُ فِي إسْقَاطِ حَقٍّ أَوْجَبَهُ رَبُّهُ تَعَالَى لِلْمُعْتَقَةِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَحِلُّ فَسْخُ عَقْدِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ إلَّا بِيَقِينٍ - فَصَدَقُوا، وَلَوْلَا الْيَقِينُ مَا قُلْنَا بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ: إنَّمَا جُعِلَ لَهَا الْخِيَارُ تَحْتَ الْعَبْدِ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الرِّقِّ - فَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، لَا يَجِدُونَهَا أَبَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَنْ نَنْسُبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ أَمْرَ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا، مِمَّا لَمْ يُخْبِرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَلَا إنَّ هَذَا لَهُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِلَا شَكٍّ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعَارُضُ الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا إذْ أُعْتِقَتْ، لِلرِّوَايَةِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا إذْ أُعْتِقَتْ ". وَكِلَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَةٌ، لَا سِيَّمَا رِوَايَةَ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَتُعَارِضُ الرِّوَايَةَ عَنْ عُرْوَةَ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُعَارِضٌ لِرِوَايَةِ الْقَاسِمِ، فَوَجَدْنَا كُلَّ ذَلِكَ مُتَّفَقًا لَا تَكَاذُبَ فِيهِ، وَمَا دَامَ يُمْكِنُ تَأْلِيفُ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ الْكَذِبُ إلَى بَعْضِهِمْ، أَوْ الْوَهْمُ. فَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ قَالَ: كَانَ عَبْدًا، وَمَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا، يَصِحُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا قَبْلُ ثُمَّ أُعْتِقَ، فَصَارَ حُرًّا، إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ هَذَا فِي الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ، لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَدْرِيهِ عَبْدًا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُرِّيَّتِهِ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا كَانَ فِي عِلْمِهَا مِنْ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ - وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: وَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا: أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهَا - فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهَا قَوْلٌ بِظَنٍّ؟ وَلَا يَخْتَلِفُ مَالِكِيٌّ، وَلَا شَافِعِيٌّ، وَلَا حَنْبَلِيٌّ، وَلَا ظَاهِرِيٌّ، فِي أَنَّ عَدْلَيْنِ لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ هَذَا نَعْرِفُهُ عَبْدًا مَمْلُوكًا، وَشَهِدَ عَدْلَانِ آخَرَانِ: أَنَّنَا نَدْرِيهِ حُرًّا، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ الْحُرِّيَّةَ، لِأَنَّهُ شَهِدَ بِفَضْلِ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ.

ثُمَّ نَدْعُ هَذَا كُلَّهُ، فَنَقُولُ: هَبْكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا، بَلْ لَمْ يَخْتَلِفْ الرُّوَاةُ فِي أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ؟ هَلْ جَاءَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّمَا خَيَّرْتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ عَبْدٍ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا مَا خَيَّرْتهَا - هَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، فَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِ هَذَا أَبَدًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ خَيَّرَهَا فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ، فَهَذَا - لَا شَكَّ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ، وَلَا زِيَادَةُ حُكْمٍ فِيهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا خَيَّرَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَبَيْنَ آخَرَ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُخَيِّرْهَا إلَّا لِأَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ، وَبَيْنَ ثَالِثٍ ادَّعَى أَنَّ تَخْيِيرَهَا إنَّمَا كَانَ، لِأَنَّ اسْمَهُ مُغِيثٌ. وَكُلُّ هَذِهِ ظُنُونٌ كَاذِبَةٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهَا، وَلَا الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنَّ الْمُعْتَقَةَ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ فِرَاقِ زَوْجِهَا، وَالْبَقَاءِ مَعَهُ وَلَا مَزِيدَ، فَوَاجِبٌ أَنْ تُخَيَّرَ كُلُّ مُعْتَقَةٍ وَلَا مَزِيدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ -: هَلْ يَنْقَطِعُ خِيَارُهَا بِوَطْءِ زَوْجِهَا لَهَا أَمْ لَا؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي أَمْرِ بَرِيرَةَ: إنْ غَشِيَهَا زَوْجُهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَعْتَقَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا " زَبْرَاءُ " ثُمَّ قَالَتْ لَهَا: اعْلَمِي أَنَّهُ إنْ وَطِئَك فَلَا خِيَارَ لَك - وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ - وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ - إلَى أَنَّهَا إنْ وَطِئَهَا - وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ: لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ خِيَارُهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ فَقَدْ سَقَطَ خِيَارُهَا -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا جَامَعَهَا بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَلَا خِيَارَ لَهَا - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إنْ أَصَابَهَا - وَقَدْ عَرَفَتْ فَلَيْسَ لَهَا خِيَارٌ، وَإِنْ أَصَابَهَا - وَلَمْ تَعْرِفْ - فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ إذَا عَلِمَتْ، وَإِنْ أَصَابَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ: أَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أُعْتِقَتْ عِنْدَ عَبْدٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، أَوْ لَمْ تُخَيَّرْ حَتَّى عَتَقَ زَوْجُهَا، أَوْ يَمُوتُ أَوْ تَمُوتُ: تَوَارَثَا - وَهَذَا شَدِيدُ الِانْقِطَاعِ. وَبِهِ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَقَوْلٌ آخَرُ، وَآخَرُ فِي دَرَجَةٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: إذَا أُعْتِقَتْ وَزَوْجُهَا مَعَهَا فِي مَجْلِسٍ وَهِيَ تَعْلَمُ حَتَّى تَقُومَ فَلَا خِيَارَ لَهَا، فَإِنْ ادَّعَتْ: أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ اُسْتُحْلِفَتْ، ثُمَّ خُيِّرَتْ، قَالَ سُفْيَانُ: وَبِهِ يَقُولُ نَاسٌ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ أَبَدًا حَتَّى يَقِفَهَا الْإِمَامُ فَيُخَيِّرَهَا، بَلَغَنِي هَذَا عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَذْكُرُ مِثْلَ قَوْلِنَا عَمَّنْ مَعَهُ، أَوْ مَنْ قَبْلَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - كَمَا أَوْرَدْنَا - أَنَّهَا قَدْ تَبْقَى مَعَهُ وَلَا تَخْتَارُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ تَعْلَمْ: فَإِذَا عَلِمَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا إلَّا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ -: مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ - وَقَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا أَثَرًا آخَرَ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى - هُوَ أَبُو الْأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّ بَرِيرَةَ، وَقَالَ أَبَانُ عَنْ مُجَاهِدٍ: إنَّ بَرِيرَةَ، وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: إنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ. ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَهَا وَقَالَ لَهَا: إنْ قَرَبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو الْأَصْبَغِ الْحَرَّانِيُّ

ضَعِيفٌ مُنْكِرٌ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَهُ وَطْؤُهُ، وَلَا طُولُ مَقَامِهِ مَعَهَا إذْ لَمْ يَصِحَّ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْآرَاءِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تُخَيَّرُ الْمُكَاتَبَةُ إذَا أُعْتِقَتْ. صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنْ أَعَانَهَا زَوْجُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ: لَا خِيَارَ لِلْمُكَاتَبَةِ إذَا أُعْتِقَتْ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَالزُّهْرِيِّ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ - وَبِهِ نَقُولُ - وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ، أَوْ كَانَتْ مَعَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْمُعْتَقَةَ، وَلَمْ يَخُصَّ مُكَاتَبَةً مِنْ غَيْرِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ مُعْتَقَةً مِنْ مُعْتَقَةٍ. وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ: هَلْ اخْتِيَارُهَا فِرَاقَ زَوْجِهَا فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ؟ فَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ - وَرُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِمَا، وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ - وَصَحَّ أَنَّهُ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ طَاوُسٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: التَّسْمِيَةُ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَتْ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُسَمِّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ فِرَاقَ الْمُعْتَقَةِ لِزَوْجِهَا طَلَاقًا، وَلَا جَعَلَ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ غَيْرَ الْعِدَّةِ وَحْدَهَا، فَلَا يَحِلُّ تَسْمِيَتُهُ طَلَاقًا - قَالَ تَعَالَى:

{إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23] فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، لَكِنَّهُ فِرَاقٌ، أَوْ فَسْخٌ، أَوْ نَقْضُ نِكَاحٍ - وَكُلُّ اسْمٍ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ بُطْلَانِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ - إنْ تَخَيَّرَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِرَاقَهُ: مَاذَا لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لَا صَدَاقَ لَهَا - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ -. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ - وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذْ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِّ فَقَطْ. وَوَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] فَصَحَّ أَنَّ الصَّدَاقَ لَهَا فَلَا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، النِّصْفَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَظُلْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَعَقْدُ نِكَاحِهَا اسْتِحْلَالٌ لِفَرْجِهَا، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّهُ لَهَا بِوَطْئِك لَهَا، فَوَجَبَ أَنَّ لَهَا جَمِيعَ الصَّدَاقِ. وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مُنْفَسِخَةِ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِلِعَانٍ، أَوْ بِأَنْ تَصِيرَ حَرِيمَتَهُ بِرَضَاعٍ، أَوْ بِأَنْ يَطَأَهَا أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ ابْنُهُ بِجَهَالَةٍ، أَوْ بِزِنًى، أَوْ بِأَنْ تُسْلِمَ هِيَ - وَهُوَ كَافِرٌ - أَوْ بِأَنْ يُسْلِمَ هُوَ - وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ - أَوْ بِأَنْ تَرْتَدَّ هِيَ، أَوْ هُوَ، أَوْ كِلَاهُمَا، أَوْ بِأَنْ تَمُوتَ هِيَ، أَوْ هُوَ - وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْلَامِهَا دُونَهُ -: فَأَبْطَلَ قَوْمٌ صَدَاقَهَا بِذَلِكَ - وَهَذَا عَوْنٌ لِلشَّيْطَانِ، وَصَدٌّ عَنْ الْإِسْلَامِ - وَهَلْ صَدَاقُهَا إلَّا كَدَيْنٍ لَهَا قِبَلَهُ مِنْ سَائِرِ دُيُونِهَا وَلَا فَرْقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا مُتْعَةَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْمُتْعَةَ إلَّا فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1]

مسألة كانت تحته أمة فملكها أو بعضها

[مَسْأَلَةٌ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَمَلَكَهَا أَوْ بَعْضَهَا] مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَمَلَكَهَا، أَوْ بَعْضَهَا - قَلَّ الْجُزْءُ الَّذِي مَلَكَ مِنْهَا أَوْ كَثُرَ - بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَ ذَلِكَ، مِنْ مِيرَاثٍ؛ أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ هِبَةٍ؛ أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا إثْرَ الْمِلْكِ بِلَا فَصْلٍ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إثْرَ ذَلِكَ بِعِتْقٍ؛ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِعَبْدٍ فَمَلَكَتْهُ، أَوْ بَعْضَهُ، بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَتْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ: فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ بِلَا فَصْلٍ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَتْهُ عَنْ مِلْكِهَا إثْرَ ذَلِكَ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ تُخْرِجْهُ. فَلَوْ مَلَكَ الْأَمَةَ ابْنُ زَوْجِهَا، أَوْ أَبُو زَوْجِهَا، أَوْ أُمُّ زَوْجِهَا؛ أَوْ عَبْدُ زَوْجِهَا، أَوْ مَلَكَ الْعَبْدَ أَبُو امْرَأَتِهِ، أَوْ ابْنُهَا؛ أَوْ أُمُّهَا؛ أَوْ عَبْدُهَا، أَوْ أَبُوهَا لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ نِكَاحَ أَمَةِ أَبِيهِ الَّتِي لَمْ تَحِلَّ لِأَبِيهِ قَطُّ، أَوْ أَمَةِ ابْنِهِ الَّتِي لَمْ تَحِلَّ لِابْنِهِ قَطُّ، أَوْ أَمَةِ أُمِّهِ، أَوْ أَمَةِ ابْنَتِهِ، أَوْ أَمَةِ أَمَتِهِ، أَوْ أَمَةِ عَبْدِهِ، أَوْ ابْتَدَأَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحَ عَبْدِ أَبِيهَا، أَوْ عَبْدِ ابْنِهَا، أَوْ عَبْدِ أُمِّهَا، أَوْ عَبْدِ ابْنَتِهَا، أَوْ عَبْدِ عَبْدِهَا، أَوْ عَبْدِ أَمَتِهَا -: لَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ حَلَالًا جَائِزًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا زَوْجَةً، أَوْ مِلْكَ يَمِينٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَكُلُّ اسْمَيْنِ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ إلَّا بِنَصٍّ يُوجِبُ ذَلِكَ، أَوْ ضَرُورَةٍ تُوجِبُهُ، وَلَا نَصَّ هُنَا وَلَا ضَرُورَةَ تُوجِبُ وُقُوعَ اسْمِ الزَّوْجَةِ، وَاسْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ. وَبِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ دُونَ أَنْ يُعْتِقَهَا، أَوْ يُخْرِجَهَا عَنْ

مِلْكِهِ - وَحَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَبْدَهَا دُونَ أَنْ تُعْتِقَهُ، أَوْ تُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهَا - وَكَذَلِكَ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا زَوْجَةً لَهُ، وَبَعْضُهَا مِلْكَ يَمِينٍ لَهُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ وَجَبَ أَنَّ الْمِلْكَ يُنَافِي الزَّوْجِيَّةَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا، فَوَجَبَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا، أَوْ بَعْضَهَا، فَهِيَ مِلْكُ يَمِينٍ لَهُ، أَوْ بَعْضُهَا، فَلَا يَكُونُ زَوْجًا لَهَا، وَلَا يَكُونُ بَعْضُهَا زَوْجَةً لَهُ - فَصَحَّ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِلَا شَكٍّ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] فَفَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ مِلْكِ يَمِينِ الْمَرْأَةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكُ يَمِينِهَا زَوْجَهَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ فِي امْرَأَةٍ وَرِثَتْ زَوْجَهَا - وَهُوَ عَبْدٌ - عَنْ بَعْضِ وَلَدِهَا؟ قَالَ: لَا تَحِلُّ لَهُ - وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يُؤْمَرُ بِطَلَاقِهَا -. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَ أَنْ مَلَكَتْهُ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا - وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ - وَلَوْ صَحَّ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَصَحَّ بَعْدَ ذَلِكَ - وَأَمَةُ الِابْنِ لَيْسَتْ أَمَةً لِأَبِيهِ، وَلَا لِابْنِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] فَلَوْ كَانَتْ أَمَةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ لَكَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْوَلَدِ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي أَمَةِ الْعَبْدِ وَعَبْدِ الْأَمَةِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ إلَّا أَنْ يُنْتَزَعَ ذَلِكَ مِنْ مِلْكِ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ مِلْكًا لَهُ حِينَئِذٍ. فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . قُلْنَا: هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْمَوَارِيثِ وَبِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فسخ النكاح

كَمُلَ كِتَابُ النِّكَاحِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [فَسْخُ النِّكَاحِ] [مَسْأَلَةٌ لَا عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ فَسْخِ النِّكَاحِ إلَّا فِي الْوَفَاةِ] فَسْخُ النِّكَاحِ 1944 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسْخِ الَّذِي ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْوَفَاةِ وَفِي الْمُعْتَقَةِ الَّتِي تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا بِالْعِدَّةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ غَيْرَهُمَا بِعِدَّةٍ وَلَا يَجُوزُ أَمْرُهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْفَسْخِ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُطَلِّقِ وَاخْتِيَارِهِ، وَالْفَسْخُ يَقَعُ بِغَيْرِ لَفْظِ الزَّوْجِ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا إذَا هَاجَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ. فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَحْكِي: أَنَّ هَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، وَبِذَلِكَ جَاءَ النَّصُّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] إلَى قَوْلِهِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10] ، فَلَمْ يُوجِبْ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِنَّ عِدَّةً فِي انْفِسَاخِ نِكَاحِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ الْكُفَّارِ بِإِسْلَامِهِنَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الطلاق

[كِتَابُ الطَّلَاقِ] [مَسْأَلَةٌ أَرَادَ طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضَتِهَا] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الطَّلَاقِ 1945 - مَسْأَلَةٌ: مِنْ الطَّلَاقِ - مَنْ أَرَادَ طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا: لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضَتِهَا، وَلَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ.

فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ، أَوْ فِي حَيْضَتِهَا: لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا كَذَلِكَ ثَالِثَةً أَوْ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً فَيَلْزَمُ.

فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ لَازِمٌ - كَيْفَمَا أَوْقَعَهُ - إنْ شَاءَ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ طَلْقَتَيْنِ مَجْمُوعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً. فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ: فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا وَهُوَ لَازِمٌ، وَلَوْ إثْرَ وَطْئِهِ إيَّاهَا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْهَا قَطُّ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالِ طُهْرِهَا وَفِي حَالِ حَيْضَتِهَا - إنْ شَاءَ - وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا.

فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ، أَوْ قَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا طَلَّقَهَا أَيْضًا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَامِلِ مَتَى شَاءَ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ -: أَحَدُهَا - هَلْ يَنْفُذُ الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ بِدْعَةٌ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ لَا يَنْفُذُ؟ وَالثَّانِي - هَلْ طَلَاقُ الثَّلَاثِ بِدْعَةٌ أَمْ لَا؟ وَالثَّالِثُ - صِفَةُ طَلَاقِ السُّنَّةِ.

بُرْهَانُ مَا قُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] فَأَبَاحَ عَزَّ وَجَلَّ طَلَاقَ الَّتِي لَمْ تُمَسَّ بِالْوَطْءِ، وَلَمْ يَحُدَّ فِي طَلَاقِهَا وَقْتًا، وَلَا عَدَدًا: فَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمُهَا - وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَطَالَ مُكْثُهَا مَعَهُ، وَلَا أَشْفَرَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا. وَلَا تَكُونُ بِذَلِكَ مُحْصَنَةً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُتَنَاقِضٌ شَارِعٌ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ حَكَمْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِيَّاتِ إذَا طَلَّقَهُنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ؟ قُلْنَا: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وَأَخَصُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بِجَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ قَوْله تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] الْآيَةَ، فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَخُصَّ مُؤْمِنَةً مِنْ كَافِرَةٍ - فَهَذَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ.

وَأَمَّا فِي الْمَوْطُوءَةِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَالْعِدَّةُ لَا تَكُونُ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا فِي مَوْطُوءَةٍ فَعَلَّمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ يَكُونُ طَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ تَعَدَّاهَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ظَلَمَ وَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَفِعْلُهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَصَحَّ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَنَظَرْنَا بَيَانَ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " طَلَّقْت امْرَأَتِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا أَوْ يُمْسِكَهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَكَانَ هَذَا بَيَانًا لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ بِنُقْصَانٍ عَمَّا أَوْرَدْنَاهُ -:

مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ طَلَّقْت امْرَأَتِي - وَهِيَ حَائِضٌ - فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا؟» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا الْأَخْذَ بِهَذَا عَنْ عَطَاءٍ - قَالَ عَلِيٌّ: وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُ الْأَخْذِ بِهَا - وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ

وَأَمَّا طَلَاقُ الْحَامِلِ - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلًى لِطَلْحَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا» .

وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَحِضْ - أَوْ قَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا - فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجْمَلَ لَنَا إبَاحَةَ الطَّلَاقِ، وَبَيَّنَ لَنَا طَلَاقَ الْحَامِلِ، وَطَلَاقَ الَّتِي تَحِيضُ، وَلَمْ يَحُدَّ لَنَا تَعَالَى فِي الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَلَا فِي الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا حَدًّا، فَوَجَبَ أَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ طَلَاقَهَا مَتَى شَاءَ الزَّوْجُ، إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَقْتِ طَلَاقِهَا شَرْعٌ لَبَيَّنَهُ عَلَيْنَا ". ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ إنْ طَلَّقَ الرَّجُلُ كَذَلِكَ، أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ، هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ادَّعَى بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا أَنَّهُ إجْمَاعٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَذَبَ مُدَّعِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا لَكَانَ الْقَاطِعُ - عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - بِمَا لَا يَقِينَ عِنْدَهُ بِهِ، وَلَا بَلَغَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ -: كَاذِبًا عَلَى جَمِيعِهِمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَهْبِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ

يَقُولُ: الطَّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ -: وَجْهَانِ حَلَالٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ، فَأَمَّا الْحَلَالُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا، وَأَمَّا الْحَرَامُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا أَوْ حِينَ يُجَامِعَهَا لَا يَدْرِي أَيَشْتَمِلُ الرَّحِمُ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخْبِرَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا هُوَ جَائِزٌ بِأَنَّهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَمَنْ خَالَفَ فَإِنَّا لَا نُطِيقُ خِلَافَهُ -: نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ نا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا ابْنُ بَشَّارٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُعْتَدُّ لِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطَّلَاقِ، وَوَجْهَ الْعِدَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ: وَجْهُ الطَّلَاقِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا عَنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا -:

نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا حُمَامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا - وَهُوَ لَا يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إمْضَاءِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ -: كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرَ رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. إحْدَاهُمَا - رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ. وَالْأُخْرَى - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَى تِلْكَ الْحَيْضَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ هَاهُنَا لَوْ اسْتَجَزْنَا مَا يَسْتَجِيزُونَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً، وَفِي جُمْلَتِهِمْ جَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي ذَلِكَ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ: بِدْعَةٌ نَهَى

عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مُخَالِفَةٌ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ: فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ الْحُكْمَ بِتَجْوِيزِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يُقِرُّونَ أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ؟ أَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ مُجِيزَ الْبِدْعَةِ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا مِنْ الْآثَارِ -: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ حَائِضٌ - فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ نا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ طَلَاقَهُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَرَاجَعْتهَا وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا.

وَبِمَا فِي بَعْضِ تِلْكَ الْآثَارِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا. وَفِي بَعْضِهَا: فَمَهْ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَرْسَلْنَا إلَى نَافِعٍ وَهُوَ يَتَرَجَّلُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ ذَاهِبًا إلَى الْمَدِينَةِ - وَنَحْنُ مَعَ عَطَاءٍ - هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: رِوَايَةً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى السَّاجِيِّ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعُ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «، مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ - فَمَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ - لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الثِّقَاتِ إنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ، فَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ الصَّغِيرُ الْبَصْرِيُّ - وَهُوَ بِلَا شَكٍّ - فَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ - فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ - عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي كُلَّ كِذْبَةٍ، الْمُنْفَرِدُ بِكُلِّ طَامَّةٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِآخِرَةٍ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ - وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ - لَكَانَ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ " أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ " أَيْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13] وَلَيْسَ فِيهِ - أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِمْضَاءِ حُكْمِ بِدْعَتِهِ، وَتَجْوِيزِ مَا فِي الدِّينِ، وَهَذَا هُوَ

الظَّاهِرُ، كَمَا يَقُولُونَ هُمْ فِيمَنْ بَاعَ بَيْعًا لَا يَحِلُّ، أَوْ نَكَحَ نِكَاحًا بِبِدْعَةٍ وَفِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا خَبَرُ نَافِعٍ - فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " فَمَهْ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " فَلَا بَيَانَ فِي هَذَا اللَّفْظِ بِأَنَّ تِلْكَ الطَّلْقَةَ عُدَّتْ لَهُ طَلْقَةٌ، وَالشَّرَائِعُ لَا تُؤْخَذُ بِلَفْظٍ لَا بَيَانَ فِيهِ، بَلْ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الزَّجْرَ عَنْ السُّؤَالِ عَنْ هَذَا، وَالْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فِي ذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ، وَأَنَّهُ سَقْطَةٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ يَسْتَحْمِقُ الْحَاكِمُ بِهِ وَيَعْجِزُ، بَلْ كُلُّ حُكْمٍ فِي الدِّينِ فَالْمُنَفِّذُ لَهُ مُسْتَغْفِلٌ كَيِّسٌ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ: " مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا " وَقَوْلُهُ " وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا " فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَسَبَهَا تَطْلِيقَةً، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَعْتَدَّ بِهَا طَلْقَةً، إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ - وَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الَّذِي فِي آخِرِهِ «وَهِيَ وَاحِدَةٌ» فَهَذِهِ لَفْظَةٌ أَتَى بِهَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ

وَحْدَهُ؛ وَلَا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ وَمُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالشَّرَائِعُ لَا تُؤْخَذُ بِالظُّنُونِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ مَعْنَاهُ -: وَهِيَ وَاحِدَةٌ أَخْطَأَ فِيهَا ابْنُ عُمَرَ، أَوْ وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لَازِمَةٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ. وَالظَّاهِرُ - أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مُخْبِرًا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْمُسْنَدُ الْبَيِّنُ الثَّابِتُ، الَّذِي رُوِّينَاهُ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا؟ وَقَالَ: إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ إذَا شَاءَ أَوْ لِيُمْسِكْ وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا قُرِئَ ثُمَّ رُفِعَتْ لَفْظَةُ " فِي قُبُلِ " وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]

وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَيْمَنَ - فَذَكَرَهُ نَصًّا - وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لَا يَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِمُرَاجَعَتِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا؟ فَقُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - بِلَا شَكٍّ - إذْ طَلَّقَهَا حَائِضًا فَقَدْ اجْتَنَبَهَا، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَفْضِ فِرَاقِهِ لَهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلُ، بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَرَعُ إلْزَامُهُ تِلْكَ الطَّلْقَةَ إذْ قَدْ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى عِنْدَهُ، وَلَعَلَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا؟ . فَقُلْنَا: بَلْ هَذَا ضِدُّ الْوَرَعِ، إذْ تُبِيحُونَ فَرْجَهَا لِأَجْنَبِيٍّ بِلَا بَيَانٍ، وَإِنَّمَا الْوَرَعُ أَنْ لَا تُحَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ امْرَأَتُهُ الَّتِي نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَأَمَّا بِالظُّنُونِ وَالْمُحْتَمَلَاتِ فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ إنْ وَجَدُوا فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مَا يَشْغَبُونَ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَأَيَّ شَيْءٍ وَجَدُوا فِي طَلَاقِهِ إيَّاهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ: طُهْرٌ عَلَى حَيْضٍ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟

فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تُلْزِمُونَهُ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ، وَفِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ إذَا كَانَ طَلَاقًا ثَالِثًا أَوْ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً، وَهِيَ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فِيمَا كَانَ مِنْ الطَّلَاقِ دُونَ الثَّلَاثِ - وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عُمَرَ، وَلَمْ يَأْمُرْ قَطُّ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَا فِيمَنْ طَلَّقَ ثَالِثَةً، أَوْ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ لَهَا، كَمَا بَيَّنَّا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وقَوْله تَعَالَى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَلَيْسَ هَذَا فِي طَلَاقِ الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ حَائِضٌ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَأَنْت طَلَّقَتْ امْرَأَتَك مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَك بِذَلِكَ، وَإِنْ كُنْت طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك، وَعَصَيْت رَبَّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك) .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ بِالْمَعْصِيَةِ مَنْ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ دُونَ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي طَلَاقِ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً - أَهُوَ بِدْعَةٌ أَمْ لَا؟ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ - لَا يَقَعُ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ الْبِدْعَةَ مَرْدُودَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: بَلْ يُرَدُّ إلَى حُكْمِ الْوَاحِدِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الطَّلَاقِ كَذَلِكَ. قَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ تَقَعُ كَمَا هُوَ، وَيُؤَدَّبُ الْمُطَلِّقُ كَذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَتْ بِدْعَةً، وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَبْطُلُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ} [البقرة: 228] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] . قَالُوا: فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا مَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.

قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] أَيْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَمَا تَقُولُ: سِيرَ بِهِ فَرْسَخَانِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ - مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا ابْنُ وَهْبٍ نا مَخْرَمَةُ - هُوَ ابْنُ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ قَالَ: «أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ ثُمَّ قَالَ: أَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ» .

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ مَخْرَمَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: " الْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ " فَصَدَقُوا، وَلَوْ كَانَتْ بِدْعَةً لَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ وَتَبْطُلَ.

وَأَمَّا الْآيَاتُ - فَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ. ثُمَّ تَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ طَلَّقَ مَرَّةً، ثُمَّ رَاجَعَ، ثُمَّ مَرَّةً، ثُمَّ رَاجَعَ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، أَبِبِدْعَةٍ أَتَى؟ فَمَنْ قَوْلُهُمْ: لَا، بَلْ بِسُنَّةٍ؟ فَنَسْأَلُهُمْ: أَتَحْكُمُونَ لَهُ بِمَا فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، بِلَا خِلَافٍ. فَصَحَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ - فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؟ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَا فِي حُكْمِ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَنَّ مَعْنَاهُ: مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَخَطَأٌ، بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] أَيْ مُضَاعَفًا مَعًا.

وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا تَعْلِيمٌ لِمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ - يَعْنِي الْمُخَالِفِينَ لَنَا - فِي أَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ هُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا - فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ مِنْهُمْ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً -: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ مَنْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ مُتَتَابِعَتَيْنِ فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ: طَلَاقَ سُنَّةٍ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] . وَأَمَّا خَبَرُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَمُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَمَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الثَّلَاثَ تُجْعَلُ وَاحِدَةً، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ: طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ؟ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ الْحَرَّانِيُّ نا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ تُرَدُّ إلَى الْوَاحِدَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتُهُ أُمَّ رُكَانَةَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: رَاجِعْ امْرَأَتَكَ أُمَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ؟ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَرْجِعْهَا وَتَلَا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] » .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا احْتَجُّوا بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ مُسَمًّى مِنْ بَنِي أَبِي رَافِعٍ وَلَا حُجَّةَ فِي مَجْهُولٍ، وَمَا نَعْلَمُ فِي بَنِي أَبِي رَافِعٍ مِنْ يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ وَحْدَهُ وَسَائِرُهُمْ مَجْهُولُونَ. وَأَمَّا حَدِيثُ طَاوُسٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِيهِ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ وَاحِدَةً وَتُرَدُّ إلَى الْوَاحِدَةِ وَتُجْعَلُ وَاحِدَةً فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الَّذِي جَعَلَهَا وَاحِدَةً،

أَوْ رَدَّهَا إلَى الْوَاحِدَةِ، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ أَوْ عَلِمَهُ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا الْخَبَرُ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ كَذَا» ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَأَنَّهَا تَقَعُ فَإِنَّهُمْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الرُّصَافِيِّ الْعِجْلِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - عَنْ دَاوُد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «طَلَّقَ جَدِّي امْرَأَةً لَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا اتَّقَى اللَّهَ جَدُّكَ، أَمَّا ثَلَاثٌ فَلَهُ، وَأَمَّا تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ فَعُدْوَانٌ وَظُلْمٌ، إنْ شَاءَ اللَّهُ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِي امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَ بَنُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَانَا طَلَّقَ أُمَّنَا أَلْفًا فَهَلْ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ؟ فَقَالَ: إنَّ أَبَاكُمْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَيَجْعَلْ مَخْرَجًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ، وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ إثْمًا فِي عُنُقِهِ» . وَخَبَرٌ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ رُزَيْقٍ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ " أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقُرْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ إنَّكَ قَدْ أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ - فَقُلْت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا أَكَانَ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَالَ: لَا، كَانَتْ تَبِينُ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً» .

وَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ» . وَذَكَرُوا عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ طَاوُسٍ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا أَمْرًا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَيْزَارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ إذَا ظَفَرَ بِمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْجَعَ رَأْسَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَعَصَى رَبَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا؟ قَالَ: لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ إلَّا هَذَا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ - أَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ.

ثُمَّ هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ: أَنَّ وَالِدَ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، فَكَيْفَ جَدُّهُ؟ وَهُوَ مُحَالٌ بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ أَلْفَاظُهُ مُتَنَاقِضَةٌ فِي بَعْضِهَا " أَمَّا ثَلَاثٌ فَلَكَ " وَهَذَا إبَاحَةٌ لِلثَّلَاثِ، وَبَعْضُهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لِأَنَّهُ عَنْ رُزَيْقِ بْنِ شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبِ بْنِ رُزَيْقٍ الشَّامِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا ضَعْفَ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ وَجَهَالَتَهُ فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ. وَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ " نَرَى النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا شَيْئًا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ " فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ مَعْصِيَةٌ أَصْلًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا أَضْعَفُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يُقِرُّ أَنَّهُ يُنَفِّذُ الْبِدْعَةَ وَيَحْكُمُ بِمَا لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ وَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: إنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ مَجْمُوعَةً سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَهَذَا يَقَعُ عَلَى الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً وَمُفَرَّقَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ بِغَيْرِ نَصٍّ - وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] عُمُومٌ

لِإِبَاحَةِ الثَّلَاثِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مُطَلَّقَةً وَاحِدَةً مِنْ مُطَلَّقَةٍ اثْنَتَيْنِ وَمِنْ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا. وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ حَدِيثِ اللِّعَانِ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ مَعَ امْرَأَتِهِ - وَفِي آخِرِهِ: أَنَّهُ قَالَ: «كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَمَا سَكَتَ رَسُولُ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُبَاحَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ، أَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ، لِأَنَّ قَوْلَكُمْ أَنَّهَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ تَبِينُ عَنْهُ إلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، لَا فِيمَنْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً؟ فَقُلْنَا: إنَّمَا طَلَّقَهَا وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ - هَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً لَسَبَقَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ، فَإِنَّمَا حُجَّتُنَا كُلُّهَا فِي تَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً امْرَأَةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، وَلَا يَشُكُّ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ كُلُّ مَسْكُوتٍ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْأَخْبَارِ يَكُونُ تَرْكُ ذِكْرِهِ حُجَّةً؟ . فَقُلْنَا: نَعَمْ، هُوَ حُجَّةٌ لَازِمَةٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَيَانٌ فِي خَبَرٍ آخَرَ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ حُجَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «إنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ. فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» فَلَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا السُّؤَالَ، وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ. وَخَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَشْهُورُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ زَوْجَهَا ابْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: إنَّ ابْنَ حَفْصٍ طَلَّقَ

امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ: سَمِعْت فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ طَلَاقِهَا قَالَتْ «وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَمْ طَلَّقَكَ؟ قُلْتُ: ثَلَاثًا، فَقَالَ: صَدَقَ، لَيْسَ لَكَ نَفَقَةٌ» وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَقْتَحِمَ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ» . فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهَا هِيَ وَنَفَرٌ سِوَاهَا بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ، وَلَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ فِيهِ: إنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ

طَلَّقَهَا آخِرُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ - وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا مِنْ طَلَاقِهَا - فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ: فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَيْهَا قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ فَحَدَّثَتْهُ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، فَأَمَّا رِوَايَتُهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَمُنْقَطِعَةٌ، لَمْ يَذْكُرْ عُبَيْدُ اللَّهِ ذَلِكَ عَنْهَا، وَلَا عَنْ قَبِيصَةَ عَنْهَا، إنَّمَا قَالَ: إنَّ فَاطِمَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَأَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَيْهَا قَبِيصَةَ فَحَدَّثَتْهُ. وَأَمَّا خَبَرُهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَمُتَّصِلٌ - إلَّا أَنَّ كِلَا الْخَبَرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ هِيَ وَلَا غَيْرُهَا بِذَلِكَ - إنَّمَا الْمُسْنَدُ الصَّحِيحُ الَّذِي فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ عَنْ كَمِّيَّةِ طَلَاقِهَا وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، فَهِيَ الَّتِي قَدَّمْنَا أَوَّلًا وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَالِ جَاءَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ رُوِيَ بِهِ خَبَرُ فَاطِمَةَ مِنْ " أَبَتَّ طَلَاقِي "، " وَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ " " وَطَلَّقَهَا طَلَاقًا بَاتًّا " " وَطَلَاقًا بَائِنًا " فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَيْهِ أَصْلًا. فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ، وَثَبَتَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا صَحَّ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَطْ. وَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَنْهُ غَيْرُهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ نا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ

أَنَّهُ رَفَعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَطَلَّقْت امْرَأَتَك؟ فَقَالَ: إنَّمَا كُنْت أَلْعَبُ، فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدَّرَّةِ وَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيَك مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثٌ - فَإِنَّمَا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، وَأَحْسَنَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الثَّلَاثَ تَكْفِي وَلَمْ يُنْكِرْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ، وَاقْسِمْ سَائِرَهُنَّ بَيْنَ نِسَائِك - فَلَمْ يُنْكِرْ جَمْعَ الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا؟ فَقَالَ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ - فَلَمْ يُنْكِرْ الثَّلَاثَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَلَاثٌ تُحَرِّمُهَا عَلَيْك، وَبَقِيَّتُهَا عَلَيْك وِزْرًا، اتَّخَذْت آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا - لَمْ يُنْكِرْ الثَّلَاثَ وَأَنْكَرَ مَا زَادَ. وَاَلَّذِي جَاءَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لِمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ نَدِمَ " لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا " وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ: نَعَمْ، إنْ اتَّقَى اللَّهَ جَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ طَلَاقَهُ الثَّلَاثَ مَعْصِيَةٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تُبِينُهَا وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ. وَهَذَانِ خَبَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يُنْكِرْ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ الثَّلَاثَ مَجْمُوعَةً أَصْلًا، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَخُصَّ طَلْقَةً مِنْ طَلْقَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا أَيْضًا سُنَّةٌ - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ حَرَامٌ وَبِدْعَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ مَا يُبِيحُ رَجُلٌ نَفْسَهُ فِي امْرَأَةٍ أَبَدًا يَبْدَأُ فَيُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَتَرَبَّصُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَمَتَى مَا شَاءَ رَاجَعَهَا؟ قُلْنَا هَذَا مُنْقَطِعٌ عَنْهُ، لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا: أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ وَلَا بِدْعَةٌ - لَا يُعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا التَّابِعُونَ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ الْقَاضِي: طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً؟ فَقَالَ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ؟ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ إسْرَافٌ وَمَعْصِيَةٌ - فَلَمْ يُنْكِرْ شُرَيْحٌ الثَّلَاثَ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْإِسْرَافَ وَالْمَعْصِيَةَ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: طَلَاقُ الْعِدَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَخُصَّ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ، مِنْ اثْنَتَيْنِ - لَا يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - أَنَّ الثَّلَاثَ مَعْصِيَةٌ - صُرِّحَ بِذَلِكَ إلَّا الْحَسَنُ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَأَمَّا صِفَةُ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ - وَآخَرَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ - ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى - ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً. وَقَالَ عَلِيٌّ: لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، أَوْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ. وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ -: وَمِثْلَهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَزَادَ فَإِنْ كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ فَلْيُطَلِّقْهَا عِنْدَ كُلِّ هِلَالٍ تَطْلِيقَةً - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ.

وَمِمَّنْ كَرِهَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ: اللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي طَلَاقِ الْحَامِلِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَطَأْهَا، وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَاَلَّتِي يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ: فَإِنَّ النُّصُوصَ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي اللَّوَاتِي عِدَّتُهُنَّ الْأَطْهَارُ.

وَأَمَّا الْحَامِلُ - فَلَيْسَ لَهَا أَقْرَاءٌ تُرَاعَى، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ فِي صَدْرِ كَلَامِنَا فِي الطَّلَاقِ ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا - فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الطَّاهِرِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَجْمَلُ طَلَاقِ الْحَامِلِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا - فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّاتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِنَّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مَتَى شَاءَ قَالَ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] . وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ، أَوْ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَقَدْ قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا: إنَّهُ يُطَلِّقُهَا عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ وَهَذَا شَيْءٌ لَا نُوجِبُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] . قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا» فَمِنْ حَيْثُ ابْتَدَأَ بِالْعِدَّةِ فَإِذَا أَتَمَّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَهُوَ شَهْرٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ مَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِعَدَدِ الشُّهُورِ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ شَاءَ الْعَادُّ، أَوْ مِنْ حَيْثُ تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْوَفَاةِ، أَوْ بِالشُّهُورِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة قال أنت طالق ونوى اثنتين أو ثلاثا

[مَسْأَلَةٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَهُوَ كَمَا نَوَى - سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَاهُ فِي مَوْطُوءَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ - أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً سُنَّةٌ وَأَنَّ اسْمَ الطَّلَاقِ يَقَعُ عَلَيْهَا، وَعَلَى الثِّنْتَيْنِ، وَعَلَى الْوَاحِدَةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَا نَوَى مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا مِنْ الطَّلَاقِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ الطَّلَاقِ فَهِيَ الْيَقِينُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ زِيَادَةٌ بِلَا يَقِينٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ لَا أَكْثَرُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ] 1947 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ - فَإِنْ نَوَى التَّكْرِيرَ لِكَلِمَتِهِ الْأُولَى وَإِعْلَامَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ بِتَكْرَارِهِ شَيْئًا - فَإِنْ نَوَى

بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ طَلْقَةٍ غَيْرُ الْأُخْرَى فَهِيَ ثَلَاثٌ إنْ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا، وَلَا اثْنَتَانِ إنْ كَرَّرَهَا مَرَّتَيْنِ بِلَا شَكٍّ. فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، لِأَنَّ تَكْرَارَهُ لِلطَّلَاقِ وَقَعَ - وَهِيَ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْهُ - إذْ لَا عِدَّةَ عَلَى غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ بَعْدُ، وَطَلَاقُ الْأَجْنَبِيَّةِ بَاطِلٌ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ وَصَلَ كَلَامَهُ وَلَا يَقْطَعُ بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ لَازِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ فَرَّقَ بَيْنَ كَلَامِهِ بِسَكْتَةٍ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ كُلُّهَا لَوَازِمُ سَوَاءٌ فَرَّقَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقٍ بِسَكْتَةٍ أَوْ لَمْ يُفَرِّقْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ فَقَطْ. فَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ: هِيَ ثَلَاثٌ، فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ ثَنَّى ثُمَّ ثَلَّثَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِالْأُولَى - وَصَحَّ هَذَا عَنْ خِلَاسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَرُوِّينَاهُ عَنْ مَسْرُوقٍ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ؟ يَعْنِي لَمْ

يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ: تَبِينُ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى وَالثِّنْتَانِ الَّتِي أَتْبَعَ لَيْسَتَا بِشَيْءٍ، فَقُلْت لَهُ: عَمَّنْ تَحْفَظُهُ؟ قَالَ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ - وَقَالَهَا مُتَّصِلَةً: لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَكُنْ الْأُخْرَيَانِ شَيْئًا - وَمِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: قَالَ لِي مَنْصُورٌ: حُدِّثْتُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا، غَيْرَهُ - فَإِنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ لَا بَيَانَ فِيهَا -: مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَا جَمِيعًا: إذَا طَلُقَتْ الْبِكْرُ ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ - هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - أَنَّ آخِرَ قَوْلِ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: أَنَّهُ إنْ شَاءَ خَطَبَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا؟ قَالَ: طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَخُصُّوا مُفَرَّقَةً مِنْ مَجْمُوعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِمْ. وَمِنْهَا أَيْضًا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ

مسألة قال لغير موطوءة منه أنت طالق ثلاثا

الدُّخُولِ، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاحِدَةٌ تُبِينُهَا وَثَلَاثٌ تُحَرِّمُهَا؟ فَصَوَّبَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ رَاشِدٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبِكْرَ: وَاحِدَةٌ تُبِينُهَا، وَثَلَاثٌ تُحَرِّمُهَا - وَنَحْوُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - فَلَمْ يُبَيِّنُوا مُفَرَّقَةً أَمْ مَجْمُوعَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ مُتَّصِلًا، وَبَيْنَ تَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ هُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ - فَهُوَ سَاقِطٌ -. فَصَحَّ قَوْلُنَا، لِأَنَّهُ بِتَمَامِ قَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ وَحَلَّ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ - وَلَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ - وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا - وَلَيْسَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، فَطَلَاقُهُ لَهَا لَغْوٌ سَاقِطٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا] 1948 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؟ فَإِنْ كَانَ نَوَى فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ: أَنَّهَا ثَلَاثٌ فَهِيَ ثَلَاثٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَكِنْ نَوَى الثَّلَاثَ، إذْ قَالَ: ثَلَاثًا لَمْ تَكُنْ طَلَاقًا إلَّا وَاحِدَةً، لِأَنَّ بِتَمَامِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ مِنْهُ - فَصَارَ قَوْلُهُ " ثَلَاثًا " لَغْوًا لَا مَعْنَى لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة طلاق النفساء

[مَسْأَلَةٌ طَلَاقُ النُّفَسَاءِ] مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ النُّفَسَاءِ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ سَوَاءً سَوَاءً لَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً أَوْ آخِرُ ثَلَاثٌ قَدْ تَقَدَّمَتْ مِنْهَا اثْنَتَانِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا حَيْضٌ أَوْ طُهْرٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَأَمَرَ بِالطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، أَوْ حَامِلًا» وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ لَيْسَ طُهْرًا، وَلَا هُوَ حَمْلٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَيْضُ فَهُوَ حَيْضٌ، وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّ النِّفَاسَ لَيْسَ حَيْضًا، بَلْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ، مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَطْءِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ»

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَسْوَدَ ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ حَيْضٌ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ أَمَدَ الْحَيْضِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي حَمْلٍ. وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: أَنُفِسْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَيْضَ نِفَاسًا» . وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ جَرِيرٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ زَيْدٌ، وَعَطَاءٌ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ نُفَسَاءُ - لَمْ تَعْتَدَّ بِدَمِ نِفَاسِهَا فِي عِدَّتِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُمَا غَيْرَ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: قَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ الْحَسَنِ فِي الَّتِي تَطْلُقُ وَهِيَ حَائِضٌ ثَلَاثَةً؟ قَالَ: تَعْتَدُّ بِهِ قَرْءًا مِنْ أَقْرَائِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا نُفَسَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَحَمَلَتْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ بِجَهَالَةٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ

فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا، لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدُ، تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَيَلْحَقُهَا إيلَاؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَيُلَاعِنُهَا - إنْ قَذَفَهَا فَهِيَ مُطَلَّقَةٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَكَذَلِكَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ الْوَفَاةُ إنْ مَاتَ - وَسَوَاءٌ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، أَوْ آخَرُ ثَلَاثٌ، أَوْ مُعْتَقَةٌ تَخَيَّرَتْ فِرَاقَهُ: لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلَا إلَى عِدَّةٍ. لَكِنْ إنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ عَدَّتْ جَمِيعَ حَمْلِهَا قُرْءًا ثُمَّ عَدَّتْ نِفَاسَهَا حَيْضًا، ثُمَّ تَأْتِي بِقُرْأَيْنِ بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِهِ قُرْءًا - وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا طَرْفَةُ عَيْنٍ - وَبَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِهِ - وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مِنْهُ إلَّا طَرْفَةُ عَيْنٍ - لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ طُهْرٌ، فَإِنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي عَدَّتْ مُدَّةَ حَمْلِهَا قُرْءًا ثَانِيًا، ثُمَّ نِفَاسَهَا حَيْضًا، ثُمَّ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ بِقُرْءٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ عَدَّتْ مُدَّةَ حَمْلِهَا قُرْءًا، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا بِأَوَّلِ دَمٍ يَظْهَرُ مِنْهَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، لِأَنَّهَا قَدْ لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ بِالْأَقْرَاءِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَكَانَ طَلَاقُهَا بَائِنًا كَمَا ذَكَرْنَا. أَوْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَإِنَّهَا تَتَمَادَى عَلَى عِدَّةِ الشُّهُورِ وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِتَمَامِهَا، وَلَا مَعْنَى لِلْحَمْلِ حِينَئِذٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَتَمَادَى عَلَى عِدَّتِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ، ثُمَّ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِتَمَامِهَا - وَلَا يُرَاعَى الْحَمْلُ. وَإِنَّمَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا " تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ " أَنَّهَا يَحِلُّ لَهَا الزَّوَاجُ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلَا أَلْبَتَّةَ، حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْ دَمِ نِفَاسِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة من طلق امرأته ثلاثا لم يحل له زواجها إلا بعد زوج يطؤها بنكاح صحيح

[مَسْأَلَةٌ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ زَوَاجُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ يَطَؤُهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ] مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ زَوَاجُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ يَطَؤُهَا فِي فَرْجِهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَالِ عَقْلِهِ وَعَقْلِهَا وَلَا بُدَّ - وَلَا يُحِلُّهَا لَهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلَا وَطْءٌ فِي دُبُرٍ، وَلَا وَطْؤُهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ - وَهِيَ فِي غَيْرِ عَقْلِهَا بِإِغْمَاءٍ أَوْ بِسُكْرٍ أَوْ بِجُنُونٍ، وَلَا هُوَ كَذَلِكَ - فَإِنْ بَقِيَ مِنْ حِسِّهِ أَوْ مِنْ حِسِّهَا - فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، أَوْ فِي النَّوْمِ - مَا تُدْرِكُ بِهِ اللَّذَّةَ أَحَلَّهَا ذَلِكَ إذَا مَاتَ ذَلِكَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَّقَهَا، أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي حَالٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ الْوَطْءُ مِنْ صَوْمِ

فَرْضٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْهَا، أَوْ إحْرَامٍ كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافٍ كَذَلِكَ، أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ: فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُحِلُّهَا - وَيُحِلُّهَا الْعَبْدُ يَتَزَوَّجُهَا، وَالذِّمِّيُّ - إنْ كَانَتْ هِيَ ذِمِّيَّةً - وَلَا يُحِلُّهَا - إنْ كَانَتْ أَمَةً -: وَطْءُ سَيِّدُهَا لَهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عُمُومُ كُلِّ زَوْجٍ، وَلَا يَكُونُ زَوَاجًا إلَّا مَنْ كَانَ زَوَاجُهُ صَحِيحًا. وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ زَوْجًا، وَلَا عُدَّ زَوَاجًا، وَفِيهَا تَحْلِيلُ رَجْعَتِهِ لَهَا بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ. وَبَقِيَ أَمْرُ الْوَطْءِ، وَأَمْرُ مَوْتِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَانْفِسَاخُ نِكَاحِهِ: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - تَعْنِي ثَلَاثًا - فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا، أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا» .

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةُ عُمُومِ حِلِّهَا لَهُ بِالْوَطْءِ لَا بِغَيْرِهِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَوْتُهُ، وَانْفِسَاخُ نِكَاحِهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ، وَدَخَلَ فِي عُمُومِ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا " إنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ لَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ لَهَا " لِأَنَّهُ لَيْسَ زَوْجًا، وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا لَهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خِلَافٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ؟ قَالَ سَعِيدٌ: أَمَّا النَّاسُ فَيَقُولُونَ: يُجَامِعُهَا، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَقُولُ: إذَا تَزَوَّجَهَا بِتَزْوِيجٍ صَحِيحٍ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إحْلَالًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ يَقُولُ فِي رَدِّهِ حَدِيثَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَحَدِيثَ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ إنَّ هَذَا زَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا مَا جَاءَ مَجِيءَ تَوَاتُرٍ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ هَهُنَا، لِأَنَّ خَبَرَ عَائِشَةَ فِي ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا جَاءَ خَبَرُ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَلَا فَرْقَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ بِرَدِّ السُّنَّةِ الثَّانِيَةِ فِي أَنْ لَا يَتِمَّ بَيْعٌ إلَّا بِأَنْ يَفْتَرِقَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا فَإِنَّ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ، وَيَقُولَ: هَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَوْ صَحَّ مَا خَفِيَ عَنْ سَعِيدٍ - وَجَاءَ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي إلَّا حَتَّى يُنْزِلَ فِيهَا.

وَلَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إنَّ التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ، وَلَا يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ، أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ هَذَا - وَلَكِنَّ تَنَاقُضَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْلِمِ يُطَلِّقُ الْكِتَابِيَّةَ ثَلَاثًا فَتَتَزَوَّجُ كِتَابِيًّا وَيَطَؤُهَا ثُمَّ يَمُوتُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: لَا يُحِلُّهَا - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا إلَّا قَوْلَهُمْ: لَيْسَ لَهُ طَلَاقٌ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ أَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ إحْلَالِهَا إنْ مَاتَ أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ: إنْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَيُحِلُّهَا لَهُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا يُحِلُّهَا لَهُ، بَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ لَهُ، إذْ قَدْ صَحَّ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ يُحِلُّهَا: نَقَضُوا قَوْلَهُمْ فِي أَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ الْكِتَابِيِّ لَا يُحِلُّهَا. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى هَذَا، إلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهُ يُحِلُّهَا - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ زَوْجًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجًا مَا حَلَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِلَا مَعْنًى إلَّا فَسَادُ عَقْدِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي هَلْ يُحِلُّهَا وَطْءُ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا فَبَانَتْ مِنْهُ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا سَيِّدَهَا ثُمَّ خَلَا عَنْهَا، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِالْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فَيَتَسَرَّاهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا زَوْجُهَا، قَالَا جَمِيعًا: إذَا لَمْ يُرِدْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ إحْلَالَهَا فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: السَّيِّدُ زَوْجٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعَبْدِ يَبِتُّ الْأَمَةَ أَنَّهُ يُحِلُّهَا أَنْ يَطَأَهَا سَيِّدُهَا - قَالَ عَطَاءٌ: مَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَبَتَّهَا ثُمَّ ابْتَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فَحَلَالٌ لَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَرُوِّينَا خِلَافَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَتَّى تَحِلَّ لَهُ مِنْ حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ - يَعْنِي: الْأَمَةَ تَطْلُقُ فَيَطَأَهَا سَيِّدُهَا دُونَ أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا آخَرَ. وَبِهِ إلَى خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ - وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِقَوْلِ زَيْدٍ. وَأَمَّا هَلْ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا؟ فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ بَتَّ أَمَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا وَلَمْ تَنْكِحْ بَعْدَهُ أَحَدًا، أَتَحِلُّ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ أَنَّ كَثِيرًا مَوْلَى الصَّلْتِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَوْ كُنْت وَطِئْتهَا بِمِلْكٍ حَلَّتْ لَك، وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ سَوَاءً سَوَاءً - صَحَّ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافٌ ذَلِكَ: رُوِّينَا: أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ

مسألة رغب المطلق ثلاثا إلى من يتزوجها ويطؤها ليحلها له

ذَلِكَ - وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرَى مِنْ عَوْرَتِهَا شَيْئًا إلَّا مَا يَرَى مِنْ حَرِيمَتِهِ، وَلَا أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالْحَائِضِ، وَالصَّائِمَةِ فَرْضًا، وَالْمُحْرِمَةِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا حُرِّمَ نِكَاحُهُنَّ فَقَطْ - وَهُوَ الْوَطْءُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ رَغَّبَ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا إلَى مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَيَطَؤُهَا لِيُحِلَّهَا لَهُ] 1951 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ رَغَّبَ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا إلَى مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَيَطَؤُهَا لِيُحِلَّهَا لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ لِذَلِكَ فِي نَفْسِ عَقْدِهِ لِنِكَاحِهِ إيَّاهَا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، فَلَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا إذَا وَطِئَهَا، فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: لَا تَكُونُ حَلَالًا إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ لَا يَنْوِي بِهِ تَحْلِيلَهَا لِلَّذِي طَلَّقَهَا. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نَا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ - عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْوَاصِلَةَ، وَالْمَوْصُولَةَ - وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤَكِّلَهُ، وَالْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ سِوَاهُ، ثُمَّ آثَارٌ بِمَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهَا هَالِكَةٌ - إمَّا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ الْفَرْوِيِّ - وَلَا خَيْرَ فِيهِ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُحَلِّلِ الْآثِمِ الْمَلْعُونِ، وَالْمُحَلَّلِ لَهُ الْآثِمِ الْمَلْعُونِ، مَنْ هُمَا؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أُوتَى بِمُحِلٍّ وَلَا بِمُحَلَّلٍ إلَّا رَجَمْته.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ: إنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ التَّحْلِيلِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: عَرَفْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَوْ رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَرَجَمَ فِيهِ.؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ كَذَّابٌ مَذْكُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ نَدِمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ يُحَلِّلُهَا لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: كِلَاهُمَا زَانٍ، وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا هَذَا السَّائِلُ عَنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنْهُ، أَتَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا، إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّهُ سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرَادِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَرْزُوقٍ التُّجِيبِيَّ يَقُولُ: إنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ نَدِمَا، وَكَانَ لَهُ جَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّلَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ عِلْمِهِمَا، فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: لَا، إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، غَيْرِ مُدَالَسَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: آكِلُ الرِّبَا وَمُؤَكِّلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ إذَا عَلِمُوا بِهِ، وَالْوَاصِلَةُ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَلَاوِي الصَّدَقَةِ، وَالْمُعْتَدِي، وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ: مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: سُئِلَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: عَنْ الْأَمَةِ، هَلْ يُحِلُّهَا سَيِّدُهَا لِزَوْجِهَا إذَا كَانَ لَا يُرِيدُ التَّحْلِيلَ؟ يَعْنِي: إذَا بَتَّ طَلَاقَهَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ: نَعَمْ، فَقَامَ عَلِيٌّ غَضْبَانَ وَكَرِهَ قَوْلَهُمَا. وَعَنْ عَلِيٍّ: لُعِنَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا: عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ يُحِلُّهَا لَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، قَالُوا: إنْ نَوَى وَاحِدٌ مِنْ النَّاكِحِ، أَوْ

الْمُنْكَحِ أَوْ الْمَرْأَةِ التَّحْلِيلَ، فَلَا يَصْلُحُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لِلَّذِي طَلَّقَهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا - إذَا كَانَ نِكَاحُهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْلِيلِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَكُنْ مِسْمَارَ نَارٍ فِي حُدُودِ اللَّهِ - وَأَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: هُوَ التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ؟ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْمُحَلِّلُ مَلْعُونٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٍ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ - وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلَّذِي طَلَّقَهَا فَأَعْجَبَتْهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ: يُجَدِّدُ نِكَاحًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ نَوَى الزَّوْجُ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ؟ فَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ

مَفْسُوخٌ، وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، وَلَا تَحِلُّ بِوَطْئِهِ لِلْأَوَّلِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى إجَازَةِ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أَرْسَلَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا؟ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا، وَلَا يُطَلِّقَهَا، وَأَوْعَدَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إنْ طَلَّقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا لِتَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُطَلِّقُ وَلَا هِيَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِسَابًا؟ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّانِي ذَلِكَ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَامِدًا مُحَلِّلًا ثُمَّ رَغِبَ فِيهَا فَأَمْسَكَهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ: وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الزَّوْجُ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: الْمُحَلِّلُ - الَّذِي يَفْسُدُ نِكَاحُهُ - هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ

يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ - نَوَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ؟ - قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَهُوَ مَأْجُورٌ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ -: فَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً سَوَاءً. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ إذَا نَوَى الثَّانِي تَحْلِيلَهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ. وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَيُحْصَنَانِ بِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا احْتِجَاجُ الْمَالِكِيِّينَ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ. أَمَّا عُمَرُ - فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ بَيَانُ مَنْ هُوَ الْمُحَلِّلُ الْمَلْعُونُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ فَلَيْسُوا أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرَوْنَ فِيهِ الرَّجْمَ. ثُمَّ قَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عُمَرَ إجَازَةَ طَلَاقِ الْمُحَلِّلِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهَا " عَنْهُمَا " أَيْ الْمُحَلِّلِينَ هُوَ الْمَلْعُونُ؟ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَلْعُونَ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ نِكَاحَهُ مُعْلِنًا بِذَلِكَ فَقَطْ. وَأَمَّا عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ - فَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي تِلْكَ الْفُتْيَا بِعَيَنِهَا فِي أَنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ

بِمِلْكِ الْيَمِينِ يُحَلِّلُهَا لِلَّذِي بَتَّهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُحْتَجَّ بِقَوْلِهِمْ فِي مَوْضِعٍ وَلَا يُحْتَجَّ بِهِ فِي آخَرَ - هَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ - فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي أَنَّهُ زِنًى. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ عَنْهُ بَيَانُ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَلَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِهِ، وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ مَعَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ «لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، فَنَعَمْ، كُلُّ مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ حَقٌّ، إلَّا أَنَّنَا وَجَمِيعُ خُصُومِنَا لَا نَخْتَلِفُ فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ عُمُومًا لِكُلِّ مُحَلٍّ، وَلِكُلِّ مُحَلَّلٍ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ - وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ - لَلَعَنَ كُلَّ وَاهِبٍ وَكُلَّ مَوْهُوبٍ لَهُ، وَكُلَّ بَائِعٍ وَكُلَّ مُبْتَاعٍ لَهُ، وَكُلَّ نَاكِحٍ وَكُلَّ مُنْكَحٍ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُحِلُّونَ لِشَيْءٍ كَانَ حَرَامًا وَمُحَلَّلٌ لَهُمْ أَشْيَاءُ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ الْمُحِلِّينَ وَبَعْضَ الْمُحَلَّلِ لَهُمْ، فَإِذًا هَذَا كَالشَّمْسِ وُضُوحًا وَيَقِينًا لَا يُمْكِنُ سِوَاهُ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَرَادَ أَمْرَ كَذَا إلَّا بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَارِدٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُقَوِّلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَمُخْبِرٌ عَنْهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِذَا هَذَا كُلُّهُ يَقِينٌ فَالْمُحِلُّ الْمَلْعُونُ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ كَذَلِكَ: إنَّمَا هُمَا بِلَا شَكٍّ مَنْ أَحَلَّ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِلَا نَصٍّ. ثُمَّ نَظَرْنَا -: هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يُحِلَّهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا، أَمْ لَا يَدْخُلُ؟ فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَإِنَّهُ بِوَطْئِهِ لَهَا مُحِلٌّ وَالْمُطَلِّقُ مُحَلَّلٌ لَهُ - نَوَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ، لِأَنَّهُ حَتَّى إنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ

قَبْلَ الْعَقْدِ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ الْقَوْلِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ إلَّا صَحِيحًا بَرِيًّا مِنْ كُلِّ شَرْطٍ، بَلْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَأَمَّا بِنِيَّتِهِ لِذَلِكَ -: فَقَدْ قُلْنَا فِيهَا الْآنَ مَا كَفَى. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا يَقُولُونَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا شَهْرًا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَكَانَ عَقْدًا فَاسِدًا مَفْسُوخًا - فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَجَازُوهُ، وَبَيْنَ مَا مَنَعُوا مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا لِأَحَدِ النَّاكِحِينَ عَلَى صَاحِبِهِ، لَكِنَّهُ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ يُبَيِّنُ حُكْمَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» مَا لَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرُ الثَّابِتُ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ قَوْلِهِ لِلَّتِي طَلَّقَهَا رِفَاعَةُ الْقُرَظِيّ وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. فَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إرَادَتَهَا الرُّجُوعَ إلَى الَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَانِعًا مِنْ رُجُوعِهَا إذَا وَطِئَهَا الثَّانِي - فَصَحَّ بِذَلِكَ قَوْلُنَا، وَبَقِيَ قَوْلُهُمْ وَتَأْوِيلُهُمْ عَارِيًّا مِنْ كُلِّ بُرْهَانٍ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَى صِحَّتِهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْمُحَلِّلَ الْمَلْعُونَ هُوَ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا بِبَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَيَعْقِدَانِ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا - فَهَذَا حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لِأَنَّهُمَا تَشَارَطَا شَرْطًا يَلْتَزِمَانِهِ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إبَاحَةُ الْتِزَامِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» .

وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ عُقِدَ عَلَى أَنْ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا صِحَّةَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. فَإِنْ ذَكَرُوا -: مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْفَرْوِيُّ عَنْ دَاوُد حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ لَا نِكَاحَ إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لَا نِكَاحَ إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ، وَلَا مُسْتَهْزِئٍ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» . فَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، لِأَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيَّ ضَعِيفٌ جِدًّا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ - ثُمَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ - وَهُوَ بِلَا شَكٍّ أَمَّا ابْنُ مُجَمِّعٍ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ - كِلَاهُمَا أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ - لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَيْنَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَأْتُونَنَا بِأَيِّ الْمُحَلِّلِينَ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ بَيَّنَّا قِيلَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ كُلَّ مُحَلِّلٍ، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ وَهَذَا نِكَاحُ رَغْبَةٍ فِي تَحْلِيلِهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَهُوَ زَوْجٌ غَيْرُهُ بِلَا شَكٍّ. وَكَمَا بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَتَّى يَذُوقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُسَيْلَةَ الْآخَرِ فَهُوَ إذَا وَطِئَهَا قَدْ ذَاقَ كُلُّ وَاحِدٍ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ» . وَفِيهِ: لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَلَيْسَ هَذَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ - إنَّمَا الدُّلْسَةُ: أَنْ يُدَلِّسَ لَهُ بِغَيْرِ الَّتِي تَزَوَّجَ أَوْ الَّذِي يَتَزَوَّجُ، لَا رَغْبَةً فِي نِكَاحٍ، لَكِنْ لِيَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا، وَهُمْ

يُبِيحُونَ نِكَاحَ مَنْ لَا تُنْكَحُ إلَّا لِمَالِهَا أَوْ لِحَسَبِهَا أَوْ لِوَجَاهَةِ أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا، لَا رَغْبَةً فِيهَا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. وَفِيهِ: وَلَا مُسْتَهْزِئَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذَانِ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مُسْتَهْزِئًا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَامِلُونَ بِهِ مُمْتَنِعُونَ مِنْ خِلَافِهِ، إذْ قَصَدُوا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إلَّا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، إنَّمَا الْمُسْتَهْزِئُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يُخَالِفُ مَا فِيهِ، أَوْ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ -. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ - عَلَى سُقُوطِهِ - عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ. وَخَبَرٌ آخَرُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِخَبَرِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إذْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَذِكْرِهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هُدْبَةٍ مِنْ ثَوْبِهَا - وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . ثُمَّ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: «أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَقَدَتْ، ثُمَّ جَاءَتْهُ بَعْدُ فَأَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُ قَدْ مَسَّهَا، فَمَنَعَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ إنَّمَا بِهَا أَنْ يُحِلَّهَا لِرِفَاعَةِ لَا يَتِمُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى» ، ثُمَّ أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِي خِلَافَتِهِمَا فَمَنَعَاهَا.

مسألة ألفاظ الطلاق

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبْطِلْ نِكَاحَهَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعَ تَقْدِيرِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ إحْلَالَهَا لِرِفَاعَةِ، لَكِنْ لَمَّا أَنْكَرَتْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَطِئَهَا، ثُمَّ لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَطَأَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ الْإِنْكَارِ، وَأَقَرَّتْ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنْ كَانَ إنَّمَا بِهَا أَنْ يُحِلَّهَا لِرِفَاعَةِ فَلَا يَتِمُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى» ، إنَّمَا هُوَ بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لِرِفَاعَةِ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى. وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَخْتَلِفُونَ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةُ الزَّوْجِ الثَّانِي إحْلَالَهَا لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ هِيَ لَمْ تَنْوِ قَطُّ بِزَوَاجِهَا إيَّاهُ إلَّا لِتَحْلِيلِهَا لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ الْعَقْدِ وَبِالْوَطْءِ فِيهِ - وَهَذَا خِلَافٌ لِهَذَا الْخَبَرِ بِيَقِينٍ. وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ إذَا أَنْكَرَتْ مَسَّ الثَّانِي لَهَا، ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، فَأَقَرَّتْ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا - وَبِهَذَا نَقُولُ: إنَّهَا لَا تُصَدَّقُ، إلَّا حَتَّى يَجْتَمِعَ إقْرَارُهَا وَإِقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ، أَوْ تَقُومَ بِوَطْئِهِ لَهَا بَيِّنَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ أَخَذَ لِذَلِكَ أُجْرَةً فَهِيَ أُجْرَةٌ حَرَامٌ، فُرِضَ رَدُّهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ - وَلَا سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي خَصَّ نِيَّةَ الزَّوْجِ الثَّانِي دُونَ نِيَّتِهَا، وَدُونَ نِيَّةِ الْمُطَلِّقِ. [مَسْأَلَةٌ أَلْفَاظ الطَّلَاق] 1952 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ: إمَّا الطَّلَاقُ، وَإِمَّا السَّرَاحُ، وَإِمَّا الْفِرَاقُ.

مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ يَقُولَ: مُطَلَّقَةٌ، أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك - أَوْ أَنْتِ طَالِقَةٌ، أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ - أَوْ أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَوْ قَدْ سَرَحْتُك، أَوْ أَنْتِ السَّرَاحُ - أَوْ أَنْتِ مُفَارَقَةٌ، أَوْ قَدْ فَارَقْتُك، أَوْ أَنْتِ الْفِرَاقُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ، صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا، وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ فِي الطَّلَاقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، وَصُدِّقَ فِي سَائِرِ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] وقَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] ، {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: 241] وقَوْله تَعَالَى: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] . وقَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] . وقَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] . {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] . لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى حِلَّ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، فَلَا يَجُوزُ حَلُّ عُقْدَةٍ عُقِدَتْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِمَا نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الطَّلَاقَ - فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَأَمَّا تَفْرِيقُنَا بَيْنَ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، فَلَمْ يُوجِبْ أَنْ يُرَاعَى قَوْلُهُ فِيهَا: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً - وَرَاعَيْنَا ذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ " السَّرَاحِ، وَالْفِرَاقِ " فَلِأَنَّ لَفْظَةَ " الطَّلَاقِ " وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهَا فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ إلَّا عَلَى عَقْدِ الزَّوَاجِ فَقَطْ، لَا مَعْنًى آخَرَ أَلْبَتَّةَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي دَعْوَاهُ فِي حُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَفِي إسْقَاطِ حُقُوقٍ وَجَبَتْ يَقِينًا لِلْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَهُ. وَرَاعَيْنَا دَعْوَاهُ تِلْكَ فِي الْفُتْيَا، لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ لَفْظًا آخَرَ فَيَسْبِقَهُ لِسَانُهُ إلَى مَا لَمْ يُرِدْهُ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ، فَقَوْلُهُ كُلُّهُ مَقْبُولٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ. وَأَمَّا " السَّرَاحُ، وَالْفِرَاقُ " فَإِنَّهُمَا تَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي شَرَائِعِهِ عَلَى حَلِّ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَعَلَى مَعَانٍ أُخَرَ وُقُوعًا مُسْتَوِيًا لَيْسَ مَعْنًى مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي أَحَقَّ بِتِلْكَ اللَّفْظَةِ مِنْ سَائِرِ تِلْكَ الْمَعَانِي، فَيَكُونُ: أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَيْ: أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ لِلْخُرُوجِ إذَا شِئْت، وَبِقَوْلِهِ قَدْ فَارَقْتُك، وَأَنْتِ مُفَارَقَةٌ، فِي شَيْءٍ مِمَّا بَيْنَهُمَا مَا لَمْ تُوَافِقْهُ فِيهِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِحِلِّ عَقْدٍ صَحِيحٍ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ يَقِينِ مَا يُوجِبُ حِلَّهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الألفاظ التي لا يقع بها الطلاق

[مَسْأَلَةٌ الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا يَقَع بِهَا الطَّلَاق] مَسْأَلَةٌ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ أَلْبَتَّةَ - نَوَى بِهَا طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ - لَا فِي فُتْيَا وَلَا فِي قَضَاءٍ -: مِثْلُ: الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَأَنْتِ مُبَرَّأَةٌ، وَقَدْ بَارَأْتُك، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَالْحَرَجُ، وَقَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك، أَوْ لِمَنْ يَذْكُرُ غَيْرَ الْأَهْلِ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ. وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ مُخْتَلِفَةُ الْفُتْيَا عَنْ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَأْتِ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. فَأَمَّا - التَّحْرِيمُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ، وَقَدْ وَهَبْتُك - فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ وَنَذْكُرُ هَهُنَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - مَا يُسِّرَ لَنَا مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ نَذْكُرْهَا قَبْلُ. هَهُنَا أَيْضًا أَلْفَاظٌ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ: الْبَائِنُ، وَأَلْبَتَّةَ، وَاعْتَدِّي، وَأَلْحِقِي بِأَهْلِك وَأَمْرُك بِيَدِك. فَأَمَّا أَمْرُك بِيَدِك فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي سَائِرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -. هَهُنَا أَيْضًا أَلْفَاظٌ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صَحِيحٌ وَلَا سَقِيمٌ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَكِنْ جَاءَتْ فِيهَا فَتَاوَى مُخْتَلِفَةٌ عَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ، فَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذَلِكَ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا ذِكْرُهُ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ يَأْتِ فِيهَا أَثَرٌ لَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِيهَا فَتَاوَى عَنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِآرَائِهِمْ، فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ تَفْرِيقُ نِكَاحِ مُسْلِمٍ، وَإِبَاحَةُ فَرْجِ مُسْلِمَةٍ لِغَيْرِ مَنْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إلَّا مُقَلِّدٌ ضَالٌّ بِتَقْلِيدِهِ، مُسْتَهْلِكٌ هَالِكٌ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَةٌ أَلْفَاظِ الطَّلَاق الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا عَنْ رَسُولِ] 1954 - مَسْأَلَةٌ: فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَاعْتَدِّي، وَأَلْبَتَّةَ، وَالْبَائِنُ

فَأَمَّا الْحَقِي بِأَهْلِك - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنْ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ؟ قَالَ لَهَا: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّ " الْحَقِي بِأَهْلِك " لَفْظٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ -: لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُوتِيَ بِالْجُونِيَّةِ فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ فِي نَخْلٍ وَمَعَهَا دَابَّتُهَا فَدَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: هَبِي لِي نَفْسَكِ؟ قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِسُوقَةٍ؟ فَأَهْوَى لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْدَ اُكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ - هُوَ سَعِيدٌ - نَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ مُطَرِّفٍ أَبُو غَسَّانَ - أَخْبَرَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «ذُكِرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدَ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا: فَأَرْسَلَ إلَيْهَا، فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أَجَمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَلَّمَهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ؟ قَالَ: قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي، فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَكِ لِيَخْطُبكِ؟ قَالَتْ: أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ» . فَهَذِهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فَلَاحَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْحَقِي بِأَهْلِك. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا بِقَوْلِهِ الْحَقِي بِأَهْلِك؟ وَلَا تَحِلُّ النِّكَاحَاتُ الصِّحَاحُ إلَّا بِيَقِينٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ

قَالَ: «سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَ تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ، فَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَعْتَزِلَ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لِرَسُولِهِ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبْهَا؟ قَالَ كَعْبٌ فَقُلْت لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي فِيهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ» . فَهَذَا كَعْبٌ لَمْ يَرَ " الْحَقِي بِأَهْلِك " مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَجَاءَتْ عَنْ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ -: رُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ: أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِك، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى -. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا - وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فَقَطْ - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ طَلَاقًا. قَالَ زُفَرُ: وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ. وَأَمَّا الْبَائِنُ - فَفِيهِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَفْظِهَا، إنَّمَا هُوَ مِنْ لَفْظٍ مِنْ دُونِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فَجَعَلَهَا طَلَاقًا، وَلَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " بَابِ طَلَاقِ الثَّلَاثِ " مَجْمُوعَةً كَيْفَ أَنَّ طَلَاقَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. وَاخْتُلِفَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ ذَلِكَ -: فَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ شُعْبَةَ نا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ حَدَّثَنِي أَبُو الْبُحْتُرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ ثَلَاثٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الْبَائِنَةَ بِمَنْزِلِ الثَّلَاثِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَرُوِّينَا غَيْرَ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنْ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَدِينُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ نَوَى بِهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ - هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْوِي - وَسَوَاءٌ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: إنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - لَهُ نِيَّتُهُ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ طَلَاقًا - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ فَقَطْ - وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - إنَّهَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مَا نَوَى مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ قَبْلَهُ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - أَنَّهُ إنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ فِي غَيْرِ غَضَبٍ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ

طَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَنْوِي، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَلَيْسَ طَلَاقًا، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت طَلَاقًا بِلَا عَدَدٍ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً بَائِنَةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت اثْنَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ أَوْ بَائِنَتَيْنِ فَهِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً، إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءً سَوَاءً، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ ذِكْرِ طَلَاقٍ وَغَيْرِ ذِكْرِهِ، وَلَا بَيْنَ غَضَبٍ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ بَائِنَتَانِ وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا الْبَاتُّ، وَأَلْبَتَّةَ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نا أَبِي نا شُعْبَةُ ثنا أَبُو بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَهْمِ - أَنَّهُ «دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَحَدَّثَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَاتًّا» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو نا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: كُنْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَطَلَّقَنِي أَلْبَتَّةَ وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَالَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ؟ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَمْرُو النَّاقِدُ نا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي أَلْبَتَّةَ وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ» كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا حَرْفًا حَرْفًا.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْفَقِيهُ نا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ عَنْ «رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْعَتَكِيُّ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ «الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ - هُوَ الْهَاشِمِيُّ - عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ؟ قَالَ: وَاحِدَةً، قَالَ: آللَّهِ، قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هُوَ عَلَى مَا أَرَدْتَ» . وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ نا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَخْبَرَنِي أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي أَلْبَتَّةَ: هِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي أَلْبَتَّةَ: هِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَنْ بَتَّ امْرَأَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَقَالَ الْخُلَفَاءُ مِثْلَ ذَلِكَ - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُنْقَطِعًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَالْحَسَنِ. وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: أَلْبَتَّةَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ

أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ حَنْطَبٍ جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: إنِّي قُلْت لِامْرَأَتِي: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، فَتَلَا عُمَرُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ثُمَّ تَلَا: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [النساء: 66] الْوَاحِدَةُ تَبُتُّ ارْجِعْ إلَى أَهْلِك - وَصَحَّ هَذَا عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ قَالَ: إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ طَلَاقًا، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - أَنَّهُ يَنْوِي فَيَكُونُ مَا نَوَى - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ " أَلْبَتَّةَ " إنْ نَوَاهَا طَلْقَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَاهَا ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ لِمَدْخُولٍ بِهَا، فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ قَالَهَا لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى: إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَانِ، وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ - وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهِيَ ثَلَاثٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ قَبْلَهُ - نَعْنِي هَذَا الْفَرْقَ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنْوِي طَلَاقًا لَمْ يُصَدَّقْ، فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ طَلَاقٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً، إلَّا أَنَّهُ إنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا فَصُدِّقَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلَّا زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ فَإِنَّهُ وَافَقَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ بَائِنَتَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قُلْنَا وَنَقُولُ: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: فَأَمَّا الَّتِي مِنْ طَرِيقِ فَاطِمَةَ فَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ طَلَاقُ زَوْجِهَا لَهَا كَانَ ثَلَاثًا هَكَذَا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي خَبَرِهَا أَلْبَتَّةَ، أَوْ بَتَّ طَلَاقَهَا، أَوْ بَائِنًا أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ آخِرَ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا -: لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ - وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ» فَفَسَّرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مَا أَجْمَلَهُ غَيْرُهُ - وَصَحَّ أَنَّ طَلَاقَهُ لَهَا كَانَ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ رُكَانَةَ فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُجَيْرٍ - وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ - وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُبَادِرِينَ إلَيْهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ فَوَجَدْنَاهُ ضَعِيفًا، وَالزُّبَيْرُ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِكُلِّ أَثَرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَحِلُّ تَحْرِيمُ فَرْجٍ عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، وَإِبَاحَتُهُ لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، لَا سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَ بِهِمَا قَبْلَهُمَا. وَأَمَّا اعْتَدِّي - فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ لَا يُبَالِي بِنَصْرِ ضَلَالَةٍ بِأَنْ يُورِدَ الْكَذِبَ الْمُفْتَرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ادَّعَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِسَوْدَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: اعْتَدِّي، فَكَانَ طَلَاقًا ثُمَّ رَاجَعَهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ مَا صَحَّ قَطُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ إلَّا حَفْصَةَ فَقَطْ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَأَمَّا سَوْدَةُ فَلَا إنَّمَا جَاءَ فِيهَا: أَنَّهَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا - لَمَّا أَسَنَّتْ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَجَاءَ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ فِرَاقَهَا؟ فَلَمَّا رَغِبَتْ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي إمْسَاكِهَا وَتَجْعَلُ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ لَمْ يُفَارِقْهَا.

فَبَقِيَ مَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَذُكِرَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا طَلْقَةٌ. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَمَكْحُولٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ - وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ طَلَاقٌ. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَرَّرَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهِيَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَرَدْت إفْهَامَهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ - وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: هِيَ وَاحِدَةٌ، نَوَى ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ - وَعَنْ الْحَسَنِ إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اعْتَدِّي؟ فَهِيَ اثْنَتَانِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَاحِدَةً - وَكَانَ قَتَادَةُ يَجْعَلُهَا اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: اعْتَدِّي، طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ طَلَاقٌ صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ أَوْ فِي غَضَبٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، سَوَاءٌ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا أَوْ قَالَ: نَوَيْت بِلَا عَدَدٍ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت بَائِنَةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت ثَلَاثًا. قَالُوا: فَإِنْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي؟ فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَةً وَاحِدَةً، أَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ شَيْئًا - فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا، وَنَوَيْت بِالِاثْنَتَيْنِ الْحَيْضَ صُدِّقَ - قَالُوا فَإِنْ قَالَ: اعْتَدِّي ثَلَاثًا، سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً تَعْتَدُّ لَهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ صُدِّقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ شَرَائِعُ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَهِيَ ضَلَالَاتٌ وَوَسَاوِسُ وَتَلَاعُبٌ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ؟ مَعَ أَنَّ هَذِهِ التَّقَاسِيمَ الْفَاسِدَةَ لَمْ تُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ سَلَفَ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اعْتَدِّي؟ فَإِنَّهُ يَنْوِي فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ - وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى طَلَاقًا بِغَيْرِ عَدَدٍ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ - وَهَذَا أَيْضًا تَقْسِيمٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، فَإِذْ لَيْسَ فِي هَذَا أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ إبْطَالُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَحْرِيمُ فَرْجٍ وَإِحْلَالُهُ بِآرَاءٍ فَاسِدَةٍ بِغَيْرِ نَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي فِيهَا آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

فَهِيَ: الْخَلِيَّةُ، وَقَدْ خَلَوْت مِنِّي، وَالْبَرِيَّةُ وَقَدْ بَارَأْتُك، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَالْحَرَجُ، وَالتَّخَيُّرُ، وَالتَّمْلِيكُ، وَقَدْ وَهَبْتُك -: فَأَمَّا التَّحْرِيمُ وَالتَّخْيِيرُ وَالتَّمْلِيكُ وَقَدْ وَهَبْتُك، فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَنَذْكُرُ الْبَوَاقِيَ هَاهُنَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: فَمِنْ ذَلِكَ: الْخَلِيَّةُ - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: إنَّهَا ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: إنَّهَا ثَلَاثٌ - وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا جَمِيعًا فِي الْخَلِيَّةِ، وَخَلَوْت عَنِّي: هِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ - وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا، وَعَنْ عَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ، فَخَرَجَتْ: فَفَرَّقَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بَيْنَهُمَا - فَهَذَا تَفْرِيقٌ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ طَلَاقٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: الْخَلِيَّةُ إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ - وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: يَدِينُ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ خَلَوْت مِنِّي سَوَاءٌ، هِيَ سُنَّةٌ، لَا يَدِينُ،

وَهِيَ طَلَاقٌ - وَصَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: إنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَيَدِينُ - نَوَى طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَعَنْ مَرْوَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ يَنْوِي وَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ فِي الْخَلِيَّةِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْخَلِيَّةَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ - وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ نَوَى بِالْخَلِيَّةِ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَقَطْ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ طَلَاقٍ صُدِّقَ - سَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ أَوْ فِي غَضَبٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مِنْ الشُّنْعِ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ الْغَضَبِ وَغَيْرِ الْغَضَبِ، وَتَسْوِيَتِهِ مَرَّةً بَيْنَهُمَا - وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ تَحْرِيمَ الْفُرُوجِ الْمُحَلَّلَةِ وَتَحْلِيلَ الْفُرُوجِ الْمُحَرَّمَةِ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْبَرِيَّةُ، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ مِنِّي، وَقَدْ بَارَأْتُك، وَقَدْ بَرِئْت مِنِّي: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ ثَلَاثُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ ثَلَاثٌ. - وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْبَرِيَّةُ ثَلَاثٌ. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْبَرِيَّةَ ثَلَاثٌ.

وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا - فَفَرَّقَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ بَيْنَ الْخَلِيَّةِ وَبَيْنَ الْبَرِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا - وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْبَرِيَّةَ وَاحِدَةٌ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - كَمَا رُوِّينَا صَحِيحًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ فِي الْبَرِيَّةِ: إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ - وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا - وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَانِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - قَالَهُ رَبِيعَةُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْبَرِيَّةِ: فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ فَيَكُونَ مَا نَوَى. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ - إلَّا زُفَرُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ بَائِنَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ، أَوْ بَائِنَتَيْنِ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لَا أَكْثَرَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَصْحَابُهُ: إنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ طَلَاقٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ - سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ غَضَبٍ أَوْ فِي غَيْرِ ذِكْرِ غَضَبٍ. وَقَالَ زُفَرُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ بَائِنَتَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ قَوْلَ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَلَا حُجَّةَ فِي

أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ " الْبَرِيَّةُ، وَقَدْ بَارَأْتُك، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ " إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: قَدْ بَارَأْتُك، فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَحِلُّ تَحْرِيمُ فَرْجٍ مُحَلَّلٍ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَحْلِيلُ فَرْجٍ مُحَرَّمٍ بِحُكْمِهِ تَعَالَى بِغَيْرِ نَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَرَجُ - فَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَصَحَّ - عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: هِيَ وَاحِدَةٌ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَهُ نِيَّتُهُ - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك - فَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ: أَنْ يُجْلَبَ إلَى مَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، فَأَحْلَفَهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ: مَاذَا أَرَادَ؟ فَقَالَ: أَرَدْت الْفِرَاقَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَهُوَ مَا أَرَدْت - فَجَمَعَ هَذَا الْحُكْمَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ -: أَحَدُهَا - التَّحْلِيفُ. وَالثَّانِي - الِاسْتِجْلَابُ فِيهِ مِنْ الْعِرَاقِ إلَى مَكَّةَ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى - وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى. وَقَوْلٌ ثَانٍ - قَالَهُ مَالِكٌ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ - وَلَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ تَأْتِ مِنْهَا لَفْظَةٌ عَنْ صَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا أَقْوَالٌ عَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ، فَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -: فَمِنْهَا - قَدْ أَعْتَقْتُك، فَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِلَّا فَلَيْسَ شَيْئًا -.

وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَتِيقَةٌ، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ -. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ فَلَهُ مَا نَوَى. وَأَمَّا - قَدْ أَذِنْت لَك فَتَزَوَّجِي؟ فَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا: إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: أَقَلُّ مِنْ هَذَا يَكُونُ طَلَاقًا. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهَا طَلْقَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ: هِيَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَأَمَّا - اُخْرُجِي عَنْ بَيْتِي مَا يُجْلِسُك، لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ؟ فَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَيَنْوِي. وَأَمَّا - لَا حَاجَةَ لِي فِيك - فَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَهُ نِيَّتُهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلْقَةٌ، وَعَنْ مَكْحُولٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت، لَا حَاجَةَ لِي فِيك؟ فَقَالَا جَمِيعًا: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَأَمَّا - اسْتَبْرِئِي، وَاخْرُجِي، وَاذْهَبِي - فَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ فِي جَمِيعِهَا: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلْقَةٌ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اذْهَبِي، فَلَا حَاجَةَ لِي فِيك: أَنَّهَا ثَلَاثٌ. وَأَمَّا - قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك، لَا سَبِيلَ عَلَيْك؟ فَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا -: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ - وَصَحَّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: لَهُ نِيَّتُهُ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ فِي لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - رُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَأَمَّا - مَنْ قَالَ: لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ - فَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَرَاهُ - إنْ كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا - أَرَادَ إلَّا الطَّلَاقَ - وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ - وَتَوَقَّفَ فِيهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَأَمَّا - أَفْلِجِي؛ فَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ.

مسألة الوكالة في الطلاق

وَأَمَّا - شَأْنُكُمْ بِهَا؟ فَرُوِّينَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَى النَّاسُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ - وَعَنْ مَسْرُوقٍ، وَطَاوُسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ: مَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ فَهُوَ طَلَاقٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالُوا: الْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا؟ قُلْنَا: إنَّمَا أَوْرَعُ لِكُلِّ مُفْتٍ فِي الْأَرْضِ أَنْ لَا يَحْتَاطَ لِغَيْرِهِ بِمَا يُهْلِكُ بِهِ نَفْسَهُ، وَأَنْ لَا يَسْتَحِلَّ تَحْرِيمَ فَرْجِ امْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا وَإِبَاحَتَهُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْفِدَاءَ طَلَاقًا حَتَّى يُطَلِّقَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - ذَكَرَ الطَّلَاقَ مِنْ قَبْلِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفِدَاءَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] . فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْهُ: لَا يَرَى طَلَاقًا إلَّا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، أَوْ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَلَاقًا وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا. قَدْ ذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ لِكُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا قَالَاهُ مِمَّا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُمَا بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا. [مَسْأَلَةٌ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ] 1955 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فَلَا يَجُوزُ عَمَلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ، أَوْ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ كَلَامُ أَحَدٍ عَنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ أَوْ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْتِ فِي طَلَاقِ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ بِتَوْكِيلِهِ إيَّاهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ؛ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالْمُخَالِفُونَ لَنَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الطَّلَاقَ كَلَامٌ، وَالظِّهَارَ كَلَامٌ، وَاللِّعَانَ كَلَامٌ، وَالْإِيلَاءَ كَلَامٌ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَاهِرَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا أَنْ يُلَاعِنَ أَحَدٌ عَنْ

مسألة كتب إلى امرأته بالطلاق

أَحَدٍ، وَلَا أَنْ يُولِيَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، لَا بِوَكَالَةٍ، وَلَا بِغَيْرِهَا، فَهَلَّا قَاسُوا الطَّلَاقَ عَلَى ذَلِكَ؟ وَلَكِنْ لَا النُّصُوصُ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسُ يُحْسِنُونَ. وَكُلُّ مَكَان ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ " الطَّلَاقَ " فَإِنَّهُ خَاطَبَ بِهِ الْأَزْوَاجَ لَا غَيْرَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ غَيْرُهُمْ عَنْهُمْ - لَا بِوَكَالَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا - لِأَنَّهُ كَانَ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فَلَا خِيَارَ لِأَحَدٍ فِي خِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ - وَمَا نَعْلَمُ إجَازَةَ التَّوْكِيلِ فِي " الطَّلَاقِ " عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ. [مَسْأَلَةٌ كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ بِالطَّلَاقِ] 1956 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ بِالطَّلَاقِ فَلَيْسَ شَيْئًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا عَنْ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ إذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ فَهُوَ طَلَاقٌ لَازِمٌ - وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ، وَمَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، فِي رَجُلٍ كَتَبَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَحَاهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يُمْضِيَهُ، أَوْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَإِنْ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وَقَالَ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَلَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اسْمُ تَطْلِيقٍ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ إنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِهِ - فَصَحَّ أَنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ طَلَاقًا حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة طلاق من لا يحسن العربية

[مَسْأَلَةٌ طَلَاقُ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ] مَسْأَلَةٌ: وَيُطَلِّقُ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِلُغَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُتَرْجَمُ عَنْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِالطَّلَاقِ وَيُطَلِّقُ الْأَبْكَمُ وَالْمَرِيضُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْتِ أَوْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يُوقِنُ بِهَا مَنْ سَمِعَهَا قَطْعًا أَنَّهُمَا أَرَادَا الطَّلَاقَ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَصَحَّ - أَنَّ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَرْءِ وَلَا يَسْتَطِيعُهُ فَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي مِمَّا أُمِرَ بِهِ مَا اسْتَطَاعَ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ غَائِبٌ] 1958 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ غَائِبٌ: لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَجَمِيعُ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا - سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا - ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ إلَّا حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهَا، فَإِذَا بَلَّغَهَا الْخَبَرُ مَنْ تُصَدِّقُهُ أَوْ بِشَهَادَةٍ تُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ إنْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ طَاهِرًا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] فَهَذِهِ صِفَةُ طَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] .

فَهَذِهِ صِفَةُ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلَاقُ الثَّلَاثِ الْمَجْمُوعَةِ، وَآخِرُ الثَّلَاثِ، وَبِالضَّرُورَةِ يُوقِنُ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ مَنْ طَلَّقَهَا فَلَمْ يُبْلِغْهَا الطَّلَاقَ فَقَدْ ضَارَّهَا، وَمُضَارَّتُهَا حَرَامٌ، فَفِعْلُهُ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ يُوقِنُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يُسَرِّحْهَا سَرَاحًا جَمِيلًا، وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ لِلْعِدَّةِ، وَلَمْ يُحْصِ الْعِدَّةَ فَلَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يُطَلِّقْ أَصْلًا. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَهْدِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَهْمِ - قَالَ: سَمِعْتُ «فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: أَرْسَلَ إلَيَّ زَوْجِي بِطَلَاقِي، فَشَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَمْ طَلَّقَكِ؟ قُلْتُ: ثَلَاثًا - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ إذَا بَلَغَهَا وَسَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي " بَابِ الْعِدَدِ " مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: إنَّ مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ، إلَّا مِنْ حِينِ يَبْلُغُهَا الْخَبَرُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ إلَّا مِنْ حِينِ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، إذْ لَا يَجُوزُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ يُحَالَ بِزَمَانٍ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ أَوَّلِ عِدَّتِهَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ مَوْطُوءَةٌ مِنْهُ خَارِجَةً عَنْ الزَّوْجِيَّةِ بِطَلَاقِهِ، وَفِي غَيْرِ عِدَّةٍ - هَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ خَبَرُ فَاطِمَةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا شَيْبَانُ - هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ - وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ» . فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ الطَّلَاقَ إلَى أَجَلٍ، وَلَا الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ، وَتَحْتَجُّونَ بِأَنَّ

مسألة طلق في نفسه

كُلَّ طَلَاقٍ لَا يَقَعُ حِينَ يُوقَعُ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ حِينَ لَمْ يَقَعْ، فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ طَلَاقَ الْغَائِبِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَنَا الطَّلَاقَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ، وَفِي الْمُطَلَّقَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تُخَاطَبْ، وَالْمَجْنُونَةِ، وَهُمَا لَا يَلْزَمُ خِطَابُهُمَا بِالطَّلَاقِ، وَقَدْ يُطَلِّقُ الْمُطَلِّقُ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ وَيَبْعَثُ إلَيْهَا الْخَبَرَ، وَعَلَى أَذْرُعٍ مِنْهَا، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ فِي الْبُعْدِ - وَلَوْ أَقْصَى الْمَعْمُورِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ خَلْفَ حَائِطٍ - وَلَيْسَ ذَلِكَ طَلَاقًا إلَى أَجَلٍ، إنَّمَا هُوَ كُلُّهُ طَلَاقٌ لَازِمٌ إذَا بَلَغَهَا، أَوْ بَلَغَ أَهْلَهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُخَاطَبُ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ حِلُّ النِّكَاحِ، كَمَا يَقَعُ بِالْفَسْخِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ] 1959 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تُخْرِجْهُ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَصَحَّ أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ سَاقِطٌ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ. وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ فِي النَّفْسِ، وَالْمُرَاجَعَةُ فِي النَّفْسِ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي النَّفْسِ، وَالْإِسْلَامُ فِي النَّفْسِ، كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ -. وَلِلسَّلَفِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ -: أَحَدُهَا - كَمَا قُلْنَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ -. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: لَيْسَ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي نَفْسِهِ فَانْتُزِعَتْ مِنْهُ؟ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: لَقَدْ ظُلِمَ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا جَمِيعًا: مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ سِيرِينَ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا فِي نَفْسِك؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا - فَهَذَا تَوَقُّفٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - إنَّهُ طَلَاقٌ، رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْفَرْضُ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَاكِمٌ وَلَا يُفْتِي مُفْتٍ بِفِرَاقِ زَوْجَةٍ عُقِدَ نِكَاحُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُفْرِدْ فِيهِ النِّيَّةَ عَنْ الْعَمَلِ، وَلَا الْعَمَلَ عَنْ النِّيَّةِ، بَلْ جَمَعَهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ - وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ، أَوْ لَفَظَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ طَلَاقٌ، إلَّا حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ وَيَنْوِيَهُ، إلَّا أَنْ يَخُصَّ نَصٌّ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ بِإِلْزَامِهِ بِنِيَّةٍ دُونَ عَمَلٍ، أَوْ بِعَمَلٍ دُونَ نِيَّةٍ؛ فَنَقِفُ عِنْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ؟ وَتَقُولُونَ: إنَّ الْمُصِرَّ عَلَى الْمَعَاصِي عَاصٍ آثِمٌ مُعَاقَبٌ بِذَلِكَ؟ وَتَقُولُونَ: إنَّ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فِي نَفْسِهِ فَهُوَ آثِمٌ، وَمَنْ اعْتَقَدَ عَدَاوَةَ مُؤْمِنٍ ظُلْمًا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَمَنْ أُعْجِبَ بِعِلْمِهِ أَوْ رَاءَى فَهُوَ هَالِكٌ؟ قُلْنَا: أَمَّا اعْتِقَادُ الْكُفْرِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ نَصًّا، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ عَمَّا عُفِيَ عَنْهُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

مسألة طلق وهو غير قاصد إلى الطلاق لكن أخطأ لسانه

فَضِيلَةٌ لَهُمْ بِنَصِّ الْخَبَرِ، وَمَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ. وَأَمَّا الْمُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي فَلَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُمْ؟ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ» . فَصَحَّ أَنَّ الْمُصِرَّ الْآثِمَ بِإِصْرَارِهِ هُوَ الَّذِي عَمِلَ السَّيِّئَةَ ثُمَّ أَصَرَّ عَلَيْهَا - فَهَذَا جَمَعَ نِيَّةَ السُّوءِ وَالْعَمَلَ السُّوءَ مَعًا. وَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فِي نَفْسِهِ فَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الظَّنِّ السُّوءِ، وَهَذَا ظَنُّ سُوءٍ، فَخَرَجَ عَمَّا عُفِيَ عَنْهُ بِالنَّصِّ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيُخَالِفُ النَّصَّ الثَّابِتَ فِي عَفْوِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ عَدَاوَةَ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ بِعَمَلٍ وَلَا بِكَلَامٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِغْضَةٌ وَالْبِغْضَةُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْمَرْءُ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ نَفْسِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُوَالَاةِ الْمُسْلِمِ وَمَحَبَّتِهِ، فَتَعَدَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلِذَلِكَ أَثِمَ. وَهَكَذَا الرِّيَاءُ وَالْعَجْبُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِلْزَامِ طَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ رَجْعَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ بِالنَّفْسِ، لَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنَّهُ كُلُّهُ لَغْوٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الطَّلَاقِ لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ] 1960 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الطَّلَاقِ، لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ؟ فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَكِنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ أَنْ لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ وَلَا نِيَّةَ إلَّا بِعَمَلٍ. وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ حَقٌّ قَدْ ثَبَتَ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ، مُدَّعٍ بُطْلَانَ ذَلِكَ الْحَقِّ الثَّابِتِ، فَدَعْوَاهُ بَاطِلٌ -.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: سَمِّنِي؟ فَسَمَّاهَا الظَّبْيَةَ، قَالَتْ: مَا قُلْت شَيْئًا؟ قَالَ: فَهَاتِ مَا أُسَمِّيك بِهِ؟ قَالَتْ: سَمِّنِي خَلِيَّةٌ طَالِقٌ، قَالَ: فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ، فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي؟ فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ؟ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا، وَقَالَ لِزَوْجِهَا: خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مِثْلُ هَذَا فَحَتَّى لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا -. وَرُوِيَ قَوْلُنَا عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ - وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ - ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ؟ فَلَيْسَتْ طَالِقًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلِّقَهَا -. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا غَلَبَ الْمَرْءُ عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ لِذَلِكَ فَهُوَ كَلَا قَوْلٍ، لَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا لِامْرَأَتِهِ فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْفُتْيَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَطَعَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ قَاطِعٌ فَلَمْ يَلْفِظْ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْفُتْيَا، وَالْقَضَاءِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءٌ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَالَ: أَنْتِ حُرَّةٌ، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَطَعَهُ عَنْهُ قَاطِعٌ، فَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْفُتْيَا: وَفِي الْقَضَاءِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كَلَامًا فَأَخْطَأَ فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ فَقَالَ: أَنْتِ حُرَّةٌ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَكُونُ بِذَلِكَ حُرَّةً، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَبِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعِتْقِ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا - وَقَالَ أَصْحَابُهُ: كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْمُنَاقَضَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَفِي حَبْلِك عَلَى غَارِبِك، وَسَائِرِ مَا

مسألة لا يلزم المشرك طلاقه

رَأَى التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ فِيهِ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَلْزَمُ الْمُشْرِكَ طَلَاقُهُ] 1961 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْرِكَ طَلَاقُهُ، وَأَمَّا نِكَاحُهُ، وَبَيْعُهُ، وَابْتِيَاعُهُ، وَهِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ، وَعِتْقُهُ، وَمُؤَاجَرَتُهُ: فَجَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] فَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْكَافِرَ مَأْمُورٌ بِقَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، مُلْزَمٌ ذَلِكَ، مُتَوَعَّدٌ عَلَى تَرْكِهِ بِالْخُلُودِ بَيْنَ أَطْبَاقِ النِّيرَانِ فَكُلُّ كَلَامٍ قَالَهُ، وَتَرَكَ الشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ: فَقَدْ وَضَعَ ذَلِكَ الْكَلَامَ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ سَائِرَ عُقُودِهِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ؟ قُلْنَا: أَمَّا النِّكَاحُ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَبْقَاهُمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا بَيْعُهُ، وَابْتِيَاعُهُ: فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَامِلُ تُجَّارَ الْكُفَّارِ، «وَمَاتَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي أَصْوَاعِ شَعِيرٍ» . وَأَمَّا مُؤَاجَرَتُهُ - فَلِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْجَرَ ابْنَ أَرْقَطَ لِيَدُلَّ بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ كَافِرٌ» «وَعَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى عَمَلِ أَرْضِهَا وَشَجَرِهَا بِنِصْفِ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ» . وَأَمَّا هِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ «فَلِقَوْلِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْيَاءُ كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَصَدَقَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» . فَسَمَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّ ذَلِكَ خَيْرًا، وَأَخْبَرَ: أَنَّهُ مُعْتَدٌّ لَهُ بِهِ -: فَبَقِيَ الطَّلَاقُ لَمْ يَأْتِ فِي إمْضَائِهِ نَصٌّ: فَثَبَتَ عَلَى أَصْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ.

مسألة طلاق المكره

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] . قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا الَّذِي حَكَمْنَا بِهِ بَيْنَهُمْ هُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَلْقَةً فِي الْإِسْلَامِ فَسَأَلَ عُمَرَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا آمُرُك وَلَا أَنْهَاك؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَكِنَّنِي آمُرُك، لَيْسَ طَلَاقُك فِي الشِّرْكِ بِشَيْءٍ - وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي قَتَادَةُ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَفِرَاسٍ الْهَمْدَانِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إجَازَةُ طَلَاقِ الْمُشْرِكِ هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: لَقَدْ طَلَّقَ رِجَالٌ نِسَاءً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَمَا رَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ. وَثَالِثُهَا - أَنَّنَا لَمْ نَمْنَعْ نَحْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ رَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيُقِرَّهُ. [مَسْأَلَةٌ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ] 1962 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَخَفْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ أَوْ أَوْثَقْتَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَهُ: لَأَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ، أَوْ لَتُطَلِّقَنِّي؟

فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا، فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ثَابِتٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ فَقَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ نا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ وَلَا لِمُضْطَرٍّ طَلَاقٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقَ الْمُكْرَهِ شَيْئًا. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَجُوزُ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الطَّلَاقُ مَا عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ خِلَافُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْمَعَافِرِيُّ أَنَّ امْرَأَةً سَلَّتْ سَيْفًا فَوَضَعَتْهُ عَلَى بَطْنِ زَوْجِهَا وَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَأَنْفُذَنك أَوْ لِتُطَلِّقَنِي؟ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمْضَى طَلَاقَهَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ وَطِئَ فُلَانٌ عَلَى رِجْلِي حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي، فَطَلَّقْتهَا، فَكَرِهَ لَهُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا - وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ إكْرَاهًا - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقُ الْمَعْتُوهِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ قَبْلُ إبْطَالَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ - وَصَحَّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -.

وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - وَهُوَ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ إنْ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لَزِمَهُ -: رُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أُكْرِهَ ظُلْمًا عَلَى الطَّلَاقِ فَوَرَكَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ لَمْ يُوَرِّكْ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْتَفِعُ الظَّالِمُ بِالتَّوْرِيكِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو الْأَصَمِّ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ؟ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ الْجُبْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ صَفْوَانَ يَقُولُ: «إنَّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى فُؤَادِهِ وَهِيَ تَقُولُ: لَتُطَلِّقَنِّي أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ؟ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، صَفْوَانُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ - وَالْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ مَغْمُورٌ. وَذَكَرُوا خَبَرًا آخَرَ - مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقُ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» . وَهَذَا شَرٌّ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ عَجْلَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ أَوَّلُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ لِأَصْلٍ فَاسِدٍ لَهُمْ -: أَمَّا أَصْلُهُمْ - فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ: إذَا خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا رَاوِيهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا ذُكِرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبْطَالُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَأَمَّا خِلَافُهُمْ لَهُ - فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ طَلَاقَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَعُمُومُ هَذَا الْخَبَرِ الْمَلْعُونِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، كَمَا يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ جَوَازَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ.

فَإِنْ ادَّعَوْا فِي إبْطَالِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي اسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بَيَّنَ كَذِبَهُمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ ". مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَهَابُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْغُلَامِ إلَّا الطَّلَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ قَالَ: إذَا صَامَ رَمَضَانَ وَأَحْصَى الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ. مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَكْتُمُونَ الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ إذَا زَوَّجُوهُمْ مَخَافَةَ الطَّلَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا الْخَبَرِ " وَكَانَ إذَا وَقَعَ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا ". قُلْنَا: نَعَمْ، هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، لَا عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ كِتْمَانُ الصِّبْيَانِ زَوَاجَهُمْ مَخَافَةَ الطَّلَاقِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِآثَارٍ فِيهَا «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» وَهِيَ أَخْبَارٌ مَوْضُوعَةٌ، لِأَنَّهَا إنَّمَا فِيهَا حُكْمُ الْهَازِلِ، وَالْجَادِّ، لَا ذِكْرَ لِلْمُكْرَهِ فِيهَا وَبَعْدُ: فَإِنَّمَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَدْرَكَ - وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَجْهُولٌ - لِأَنَّ قَوْمًا قَالُوا: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ، وَقَوْمًا قَالُوا: حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَدْ طَلَّقْتُ ثُمَّ رَاجَعْتُ» وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا جَوَازُ طَلَاقِ مُكْرَهٍ. أَوْ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ طَلَّقَ لَاعِبًا أَوْ أَنْكَحَ لَاعِبًا أَوْ نَكَحَ لَاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ» وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا لِطَلَاقِ مُكْرَهٍ أَثَرٌ.

مسألة قال إن تزوجت فلانة فهي طالق

وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَنْ طَلَّقَ لَاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا. وَلَيْسَ فِيهِ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا فَاحِشُ الِانْقِطَاعِ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ «مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا» وَإِنْ قَالُوا: هُوَ طَلَاقٌ؟ قُلْنَا: كَلًّا، لَيْسَ طَلَاقًا إنَّمَا الطَّلَاقُ مَا نَطَقَ بِهِ الْمُطَلِّقُ مُخْتَارًا بِلِسَانِهِ قَاصِدًا بِقَلْبِهِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَنِكَاحَ عَشْرٍ: نِكَاحًا فَأَجِيزُوهُ لِذَلِكَ؟ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَعَلَيْنَا إيرَادُ الْبُرْهَانِ - بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى بُطْلَانِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ -: فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ بِلَا نِيَّةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِمَا أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ فَقَطْ، وَلَا طَلَاقَ عَلَى حَاكٍ كَلَامًا لَمْ يَعْتَقِدْهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ أَعْظَمِ تَنَاقُضِهِمْ: أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَنِكَاحَهُ، وَإِنْكَاحَهُ، وَرَجْعَتَهُ، وَعِتْقَهُ - وَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَهُ، وَلَا ابْتِيَاعَهُ، وَلَا هِبَتَهُ، وَلَا إقْرَارَهُ - وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ] 1963 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا - فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا تَكُونَ طَالِقًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ - وَسَوَاءٌ عَيَّنَ مُدَّةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً أَوْ قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً - كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَلْزَمُهُ كُلُّ ذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ عَيَّنَ قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُدَّةً قَرِيبَةً يَعِيشُ إلَيْهَا لَزِمَهُ، فَإِنْ عَمَّ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ نَمْنَعْهُ، وَلَمْ نَفْسَخْهُ. فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ قَوْلُنَا كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ " لَا طَلَاقَ إلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ وَإِنْ سَمَّاهَا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ طَلَاقٌ إلَّا مِنْ بَعْدِ مِلْكٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لَا طَلَاقَ إلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ "، قَالَ عَطَاءٌ: فَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَلَا شَيْءَ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إنْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْطَأَ فِي هَذَا - إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] وَلَمْ يَقُلْ إذَا طَلَّقْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَرْفَعُهُ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ» . وَصَحَّ عَنْ طَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ، وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعِكْرِمَةَ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْسَخْهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ،

فَكَرِهَهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ آمُرْهُ بِفِرَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَمْ آمُرْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ حَرَامٌ، مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ شَدَّدَ فِيهِ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالْعُمُومِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ هَذَا مُوَافِقًا لَهُمْ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ وَإِنْ عَمَّ فَهُوَ لَازِمٌ فَذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ لَمْ يُسَمَّ قَبِيلَةً أَوْ قَرْيَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُجْمَلًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ - هُوَ الْمَرْهَبِيُّ - قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ فِي امْرَأَةٍ: إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ أَوْ عَنْ الْأَسْوَدِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: هِيَ كَمَا قَالَ - ثُمَّ سَأَلْت الشَّعْبِيَّ وَذَكَرْت لَهُ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ؟ فَقَالَ: صَدَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمٍ نا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ؟ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، هَذَا رَجُلٌ حَرَّمَ الْمُحْصَنَاتِ عَلَى نَفْسِهِ: فَلْيَتَزَوَّجْ، قَالَ: فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ نَسَبَهَا، أَوْ سَمَّى مِصْرًا، أَوْ وَقَّتَ وَقْتًا، فَهِيَ كَمَا قَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ وَقَّتَ لَزِمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: مَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَهِيَ كَمَا قَالَ -. وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ - أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ عَمَّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هُوَ كَمَا قُلْت. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ؟ وَكُلُّ أَمَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَرَوْنَ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا قَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مَرْوَانُ عَنْ شُجَاعٍ عَنْ خُصَيْفٍ قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ فَعَابَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ: مَا لَهُ طَلَاقٌ إلَّا بَعْدَمَا مَلَكَ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَجَازَهُ بِكُلِّ حَالٍ؟ فَوَجَدْنَا قَائِلَهُمْ قَالَ: لَا تُخَالِفُونَنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا بِنْت مِنِّي -: أَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا - فَصَحَّ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِالْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ الطَّلَاقَ كَمَا أَمَرَ، بَلْ لَمْ يُوقِعْهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَأَوْقَعَهُ حَيْثُ لَا يَقَعُ؟ فَهُوَ بَاطِلٌ فَقَطْ. وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى النَّذْرِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ النَّذْرَ جَاءَ فِيهِ النَّصُّ، وَلَمْ يَأْتِ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ نَصٌّ -. وَالنَّذْرُ شَيْءٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا مِمَّا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إلَيْهِ، وَحَضَّهُمْ عَلَيْهِ. وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ أُطَلِّقَ زَوْجَتِي -: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا - وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَمْوِيهَهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]

لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَقْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَنْ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ - بِمَعْنَى عَقَدَ أَنْ يُطَلِّقَ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ، فَلَيْسَ الطَّلَاقُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا قَبْلَ أَنْ تُوقَعَ؟ وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَرْذَلِ قِيَاسَاتِهِمْ وَأَظْهَرِهَا فَسَادًا، إلَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ نَافِذَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْحَيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ. وَالْوَصِيَّةُ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ هِيَ فَرْضٌ وَالطَّلَاقُ لَيْسَ فَرْضًا وَلَا مَنْدُوبًا إلَيْهِ - وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا. وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ مَوْضُوعَةٌ، فِيهَا يَاسِينُ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَأَبُو مُحَمَّدٍ - مَجْهُولٌ - ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي سَلَمَةَ، وَعُمَرَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَلْزَمَهُ إنْ خَصَّ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ إنْ عَمَّ، فَوَجَدْنَاهُ فَرْقًا فَاسِدًا، وَمُنَاقَضَةً ظَاهِرَةً، وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا عَمَّ فَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَقُلْنَا: مَا ضَيَّقَ، بَلْ لَهُ فِي الشِّرَاءِ فُسْحَةٌ، ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ قَدْ ضَيَّقَ فَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ الضِّيقَ فِي مِثْلِ هَذَا يُبِيحُ الْحَرَامَ؟ وَأَيْضًا - فَقَدْ يَخَافُ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ نِكَاحِ الَّتِي خَصَّ طَلَاقَهَا إنْ تَزَوَّجَهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ لَوْ عَمَّ لِكَلَفِهِ بِهَا - فَوَضَح فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْبُرْهَانِ جُمْلَةً. وَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا - لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ إمَّا مُنْقَطِعٌ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَرْهَبِيِّ - وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ حِينَ إيقَاعِهِ، ثُمَّ يَقَعَ حِينَ لَمْ يُوقِعْهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ - وَوَجَدْنَاهُ إنَّمَا طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً، وَطَلَاقُ الْأَجْنَبِيَّةِ بَاطِلٌ. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ

مسألة طلاق السكران

لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ مُرْتَجَعَةٌ مِنِّي، فَطَلَّقَهَا: أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُرْتَجَعَةً حَتَّى يَبْتَدِئَ النُّطْقَ بِارْتِجَاعِهِ لَهَا. وَوَجَدْنَاهُمْ - لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ: إذَا قَدِمَ أَبِي فَزَوِّجِينِي مِنْ نَفْسِك فَقَدْ قَبِلْتُ نِكَاحَك؟ فَقَالَتْ هِيَ - وَهِيَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا - وَأَنَا إذَا جَاءَ أَبُوك فَقَدْ تَزَوَّجْتُك وَرَضِيت بِك زَوْجًا، فَقَدِمَ أَبُوهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ نِكَاحٌ أَصْلًا. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إذَا كَسَبْت مَالًا فَأَنْتَ وَكِيلِي فِي الصَّدَقَةِ بِهِ، فَكَسَبَ مَالًا، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْآخَرُ وَكِيلًا فِي الصَّدَقَةِ بِهِ إلَّا حَتَّى يَبْتَدِئَ اللَّفْظَ بِتَوْكِيلِهِ، فَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ، قَبْلَ النِّكَاحِ؟ - وَحَسْبُنَا اللَّهَ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك إنْ وُلِدَتْ لَك مِنْ فُلَانَةَ؟ فَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ، قَدْ زَوَّجْتُك ابْنَتِي - إنْ وَلَدَتْهَا لِي فُلَانَةُ - فَوَلَدَتْ لَهُ فُلَانَةُ ابْنَةً، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ زَوْجَةٌ. وَقَدْ جَاءَ إنْفَاذُ هَذَا النِّكَاحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ وَقَضَى لَهَا بِصَدَاقِ إحْدَى نِسَائِهَا - وَلَا يُعْرَفُ لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إذَا وَكَّلْتنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك فُلَانَةَ فَقَدْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ وَكَّلَهُ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا، أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِذَلِكَ طَالِقًا. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَهَا فَطَلَّقَهَا إثْرَ تَمَامِ الْعَقْدِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَاحِقٌ بِهِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مُنَاقِضَاتٌ فَاسِدَةٌ: - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ طَلَاقُ السَّكْرَانِ] 1964 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ غَيْرُ لَازِمٍ. وَكَذَلِكَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ بِغَيْرِ الْخَمْرِ. وَحَدُّ السُّكْرِ - هُوَ أَنْ يَخْلِطَ فِي كَلَامِهِ فَيَأْتِيَ بِمَا لَا يُعْقَلُ، وَبِمَا لَا يَأْتِي بِهِ إذَا لَمْ

يَكُنْ سَكْرَانَ - وَإِنْ أَتَى بِمَا يُعْقَلُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ - لِأَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَأْتِي بِمَا يُعْقَلُ، وَيَتَحَفَّظُ مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْمَخَاوِفِ. وَأَمَّا مَنْ ثَقُلَ لِسَانُهُ وَتَخَبَّلَ مَخْرَجُ كَلَامِهِ وَتَخَبَّلَتْ مَشَيْته وَعَرْبَدَ فَقَطْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا لَا يُعْقَلُ - فَلَيْسَ هُوَ سَكْرَانُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَهُوَ سَكْرَانُ، وَمَنْ عَلِمَ مَا يَقُولُ فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ. وَمَنْ خَلَطَ فَأَتَى بِمَا يُعْقَلُ وَمَا لَا يُعْقَلُ فَهُوَ سَكْرَانُ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. وَمَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ، لَا طَلَاقًا، وَلَا غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، إذًا لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا - فَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا قُلْنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ خِرَاشِ بْنِ مَالِكٍ الْجَهْضَمِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ عُمَانَ تَمَلَّأَ مِنْ الشَّرَابِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ فَكُتِبَ إلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ - وَهُوَ سَعِيدٌ - عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَجَازَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ لَمْ تَصِحَّ: لِأَنَّ فِي إحْدَى طَرِيقَيْهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَفِي الْأُخْرَى إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى. وَصَحَّ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ - إلَّا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَعِتْقُهُ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ. وَصَحَّتْ إجَازَةُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَتَوَقَّفَ فِي نِكَاحِهِ - وَأَجَازَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ. وَمِمَّنْ أَجَازَ طَلَاقَهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَنِكَاحُهُ وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ جَائِزَةٌ إلَّا الرِّدَّةُ فَقَطْ، فَلَا يُحْكَمُ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ يَجُوزُ طَلَاقُهُ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ مَالِكٍ: لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ شَيْءٌ وَلَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ، إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا خَامِسَ لَهَا - هَكَذَا قَالَ، ثُمَّ سَمَّاهَا - فَقَالَ: الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ، وَالْقَتْلُ، وَالْقَذْفُ - فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَى وَلَا لِلسَّرِقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: يَجُوزُ طَلَاقُهُ، وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ إلَّا الرِّدَّةُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَلَا إسْلَامُهُ إنْ كَانَ كَافِرًا، وَلَا إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ ذَلِكَ لَهُ لَازِمٌ. وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ قَالَ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ، وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ. وَقَدْ رُوِّينَا رُجُوعَ الزُّهْرِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ لَا يَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ.

وَصَحَّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ، وَأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِسَكْرَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ طَلَّقَهَا - وَهُوَ لَا يَعْقِلُ - فَحَلَفَ، فَرَدَّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَضَرَبَهُ الْحَدَّ - قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَبِهَذَا يَقُولُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ رَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْحَنَفِيِّينَ - وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لَا يَلْزَمُهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا حَدٌّ إلَّا حَدُّ الْخَمْرِ فَقَطْ، وَإِنْ زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ - وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شَيْءٌ بِقَوْلِهِ. وَأَمَّا مَا عَمِلَ بِبَدَنِهِ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ زِنًى، فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ - فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابَ عَقْلِهِ بِمَعْصِيَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِمَا يَجْنِي فِي ذَهَابِ عَقْلِهِ؟ وَهَذَا مَا لَا يُوجَدُ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَكُمْ فِيمَنْ تَرَدَّى لِيَقْتُلَ نَفْسَهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَلِمَتْ نَفْسُهُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ، وَفِيمَنْ حَارَبَ وَأَفْسَدَ الطَّرِيقَ فَضُرِبَ فِي رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا يَلْزَمُ الْأَصِحَّاءَ وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْجُنُونَ بِأَعْظَمِ الْمَعَاصِي. ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ أَمْسَكَهُ قَوْمٌ عَيَّارُونَ فَضُبِطَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَفُتِحَ فَمُهُ بِكَلُّوبٍ وَصُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِطَلَاقِهِ - وَهُوَ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَلَا عَصَى -: فَظَهَرَ فَسَادُ اعْتِرَاضِهِمْ.

وَمَوَّهُوا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جَدٌّ» وَلَيْسَ فِيهَا عَلَى سُقُوطِهَا لِلسَّكْرَانِ ذِكْرٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَوْضُوعِ «لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ فِي طَلَاقِ مَنْ طَلَاقُهُ طَلَاقٌ مِمَّنْ يَعْقِلُ كَمَا يَقُولُونَ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَبِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ: «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَهُ آنِفًا فِي بَابِ " طَلَاقِ الْمُكْرَهِ ". ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ طَلَاقَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَيْسَ بِمَعْتُوهٍ. وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ، وَمَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ، فَلَا عَقْلَ لَهُ، فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ. وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَإِذَا افْتَرَى: جُلِدَ ثَمَانِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مَكْذُوبٌ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، ثُمَّ عَظِيمُ مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ، لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ هَذَى، وَالْهَاذِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَهَلَّا قُلْتُمْ: إذَا هَذَى كَفَرَ، وَإِذَا كَفَرَ قُتِلَ؟ وَقَالُوا: بِنَفْسِ السُّكْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَالطَّلَاقُ كَذَلِكَ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا وَجَبَ قَطُّ بِالسُّكْرِ حَدٌّ، لَكِنْ بِقَصْدِهِ إلَى شُرْبِ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَقَطْ، سَوَاءٌ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالُوا: هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ فَطَلَاقُهُ لَازِمٌ لَهُ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ، بَلْ نَصُّ الْقُرْآنِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلَاةِ، بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقُولُ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ سَكِرَ فَقَتَلَهُ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ؟

مسألة اليمين بالطلاق لا يلزم سواء بر أو حنث

فَقُلْنَا: فَقُولُوا إذًا بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمَجَانِينِ، لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ عَنْهُمْ الْحَدُّ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ تَحَامَقَ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ أَحْمَقُ - لَكِنْ نَقُولُ: لَا يَخْفَى السَّكْرَانُ مِنْ الْمُتَسَاكِرِ، وَلَا الْأَحْمَقُ مِنْ الْمُتَحَامِقِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ صِحَّةَ قَوْلِنَا يَقِينًا: الْخَبَرُ الثَّابِتُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدَانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ عَبْدَانُ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ - وَقَالَ أَحْمَدُ: نا عَنْبَسَةُ، كِلَاهُمَا أَخْبَرَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَ: «فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ -: يَعْنِي إذْ عَقَرَ شَارِفَيْ عَلِيٍّ وَهُوَ يَشْرَبُ مَعَ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ثَمِلَ فَنَكَصَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ» . فَهَذَا حَمْزَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ وَهُوَ سَكْرَانُ مَا لَوْ قَالَهُ غَيْرُ سَكْرَانَ لَكَفَرَ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا يَفْعَلُ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الرِّدَّةَ، وَأَلْزَمَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَمُتَنَاقِضُ الْقَوْلِ، بَاطِلُ الْحُكْمِ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ] 1965 - مَسْأَلَةٌ: وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ - سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ - لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، وَلَا طَلَاقَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَمِينَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] وَجَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَاهُنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ فِي حِنْثِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِالْوَفَاءِ بِالْفِعْلِ، أَوْ الْوَفَاءِ بِالْيَمِينِ. فَصَحَّ بِذَلِكَ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينًا، إذْ لَا يَمِينَ إلَّا مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمِينًا. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ نا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي أَنَّ كُلَّ حَلِفٍ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ يَمِينًا. وَهَذَا مَكَانٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ - فَصَحَّ: عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَضْرِبْ غُلَامِي، فَأَبَقَ الْغُلَامُ؟ قَالَ: هِيَ امْرَأَتُهُ يَنْكِحُهَا وَيَتَوَارَثَانِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا قَالَ، فَإِنْ مَاتَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا قَالَ فَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا؟ قَالَ: لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا قَالَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ خِلَافُ هَذَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك؟ قَالَ: إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يَمُوتَ تَوَارَثَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا - ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ - قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنَّمَا وَقَعَ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَجَبٌ؟ مَيِّتٌ يَحْنَثُ بَعْدَ مَوْتٍ - وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَرَادَ سَفَرًا فَأَخَذَهُ أَهْلُ امْرَأَتِهِ، فَجَعَلَهَا طَالِقًا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ، فَجَاءَ الْأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِشَيْءٍ فَلَمَّا قَدِمَ خَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ فَقَالَ عَلِيٌّ: اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ خُوصِمَ إلَيْهِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا فَاكْتَرَى بَغْلًا إلَى حَمَّامِ أَعْيَنَ فَتَعَدَّى بِهِ إلَى أَصْبَهَانَ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ شِئْتُمْ شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا؟ فَجَعَلُوا يُرَدِّدُونَ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَيُرَدِّدُ عَلَيْهِمْ - فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضْطَهَدْتُمُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إكْرَاهٌ، إنَّمَا طَالِبُوهُ بِحَقِّ نَفَقَتِهَا فَقَطْ فَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِذَلِكَ - وَكَذَلِكَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَا فِي خَبَرِ شُرَيْحٍ مِنْ قَوْلِ أَحَدِ مَنْ رَوَاهُ فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا - فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَوَ مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ - وَهُوَ ظَنٌّ خَطَأٌ - أَوَ مَا نَعْلَمُ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مِمَّنْ تَعَدَّى مِنْ " حَمَّامِ أَعْيَنَ " وَهُوَ عَلَى أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى أَصْبَهَانَ، وَهِيَ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْكُوفَةِ، ثُمَّ بَاعَ بَغْلَ مُسْلِمٍ ظُلْمًا وَاشْتَرَى بِالثَّمَنِ خَمْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ شَيْئًا، قُلْت: كَانَ يَرَاهُ يَمِينًا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي - فَهَؤُلَاءِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَشُرَيْحٌ، وَطَاوُسٌ لَا يَقْضُونَ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِهِ فَحَنِثَ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالطَّلَاقُ بِالصِّفَةِ عِنْدَنَا كَمَا هُوَ الطَّلَاقُ بِالْيَمِينِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَعَلِمَهُ، وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الطَّلَاقِ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ، وَتَعَدٍّ - لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَطَاءٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يَضْرِبْ زَيْدًا فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ مَاتَ هُوَ: أَنَّهُ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَأَنَّهُ يَرِثُ امْرَأَتَهُ إنْ مَاتَتْ، وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ: الطَّلَاقُ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ - وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْهِ وَالْحِنْثُ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الْحَيَاةِ - وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ - وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَهُوَ حَانِثٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، أَوْ أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ حَانِثًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَانِثًا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ - لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا - وَلَا سَبِيلَ إلَى حَالٍ ثَالِثَةٍ لِلْحَالِفِ أَصْلًا.

مسألة قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق أو ذكر وقتا ما

فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ " هُوَ عَلَى حِنْثٍ " كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْتَ شِعْرِي - لِأَيِّ شَيْءٍ يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَلَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ تَكُونَ حَلَالًا فَلَا يَحِلُّ تَوَقُّفُهُ عَنْ الْحَلَالِ. أَوْ تَكُونَ حَرَامًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْحِنْثِ فَلِيُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ وَلَمْ تُجِيزُوا النِّكَاحَ بِصِفَةٍ؟ وَالرَّجْعَةَ بِصِفَةٍ؟ كَمَنْ قَالَ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ رَاجَعْت زَوْجَتِي الْمُطَلَّقَةَ - أَوْ قَالَ: فَقَدْ تَزَوَّجْتُك؟ وَقَالَتْ هِيَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ - وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ذَكَرَ وَقْتًا مَا] 1966 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ ذَكَرَ وَقْتًا مَا؟ فَلَا تَكُونُ طَالِقًا بِذَلِكَ، لَا الْآنَ، وَلَا إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ، وَقَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ الطَّلَاقَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا عَلَّمَنَا {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَأَيْضًا - فَإِنْ كَانَ كُلُّ طَلَاقٍ لَا يَقَعُ حِينَ إيقَاعِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِينِ لَمْ يُوقِعْهُ فِيهِ - وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ طَلَّقَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إلَّا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْجَرَّاحِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا الْحَكَمُ - هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى رَأْسِ السَّنَةِ -: أَنَّهُ يَطَؤُهَا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ السَّنَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا وَلَدْتِ؟ فَلَهُ أَنْ يُصِيبَهَا مَا لَمْ تَلِدْ - وَلَا يُطَلِّقُ حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي سُمِّيَ، وَتَحِلُّ لَهُ مَا دُونَ ذَلِكَ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ وَقَّتَ فِي الطَّلَاقِ وَقْتًا، قَالَ: إذَا جَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقَعَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ - وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ فَإِنَّهَا إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَهَا: مَتَى حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ آخِرِ حَيْضَتِهَا، لِأَنَّهُ يُرَاجِعُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ. وَبِأَنْ: لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُؤَجَّلُ إلَّا إلَى أَجَلِهِ -: يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي ذَلِكَ سَاعَةَ يَلْفِظُ بِهِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلَى أَجَلٍ؟ قَالَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ سَاعَتَئِذٍ وَلَا يَقْرَبُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نَا مَنْصُورٌ، وَيُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَجِّلُ فِي الطَّلَاقِ -. وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ طَلَّقَ إلَى سَنَةٍ؟ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَئِذٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَجِّلُ فِي الطَّلَاقِ أَجَلًا. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَ كَذَا - لِأَمْرٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا؟ - فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ حَتَّى

يَكُونَ ذَلِكَ وَيَطَؤُهَا، فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ تَوَارَثَا. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ يَقُولُ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى رَأْسِ الْهِلَالِ؟ قَالَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ قَدْ طَلَّقَهَا؟ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْآنَ -: أَنْ قَالُوا: هَذَا الطَّلَاقُ إلَى أَجَلٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ كَالنِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّهُ إنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِ الدَّارِ، فَإِنَّهُ طَلَاقٌ إلَى أَجَلٍ، فَأَوْقَعْتُمُوهُ حِينَ لَفَظَ بِهِ. وَبِهَذَا نُعَارِضُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهِ أَنَّهُ نَدِمَ إذْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْأَجَلِ؟ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. وَهُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ - دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْهُ. وَقَالُوا: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ، فَإِنْ أَتْبَعَهُ أَجَلًا فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ؟ فَقُلْنَا: بَلْ مَا طَلَاقُهُ إلَّا فَاسِدٌ لَا مُبَاحٌ؟ إذْ عَلَّقَهُ بِوَقْتٍ، وَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ بَعْضَ مَا الْتَزَمَ دُونَ سَائِرِهِ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ تَحْرِيمُ فَرْجٍ بِالظَّنِّ عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالْيَقِينِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَلَمْ نَجِدْ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَجَلِ الْآتِي وَالْآبِدِ، وَبَيْنَ الْأَجَلِ الَّذِي لَا يَأْتِي حُجَّةً أَصْلًا، غَيْرَ دَعْوَاهُ؟ لَا سِيَّمَا وَهُمْ يُفْسِدُونَ النِّكَاحَ إذَا أَجَّلَ الصَّدَاقَ إلَى أَجَلٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ، بِعَكْسِ قَوْلِهِمْ فِي الطَّلَاقِ؟ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ أَجَلٌ وَلَا فَرْقَ. وَأَيْضًا - فَقَدْ يَأْتِي الْأَجَلُ الَّذِي قَالُوا فِيهِ: إنَّهُ يَجِيءُ - وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، أَوْ كِلَاهُمَا، أَوْ قَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا -: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُمْ يُشَنِّعُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ؟ وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَيْضًا - فَإِنَّهُمْ يُوقِعُونَ عَلَيْهِ طَلَاقًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ قَطُّ؟ وَهَذَا بَاطِلٌ.

ثُمَّ لَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ، فَقِيلَ: بَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّلَ أَجَلًا - قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ - سَاعَةَ لَفْظِهِ بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّلَ أَجَلًا يَأْتِي وَلَا بُدَّ، لَمَا كَانَ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ وَجَعَلَ الطَّلَاقَ يَقَعُ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ - بِأَنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ؟ فَقُلْنَا: إنَّمَا هَذَا فِي كُلِّ عَقْدٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهِ، أَوْ نَدَبَ إلَيْهِ - لَا فِي كُلِّ عَقْدٍ جُمْلَةً، وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ، وَمِنْ الْمَعَاصِي أَنْ يُطَلِّقَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَقَالُوا: " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ". وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَالطَّلَاقُ إلَى أَجَلٍ مُشْتَرَطٍ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَايِنَةِ إلَى أَجَلٍ، وَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ؟ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الْمُدَايِنَةَ وَالْعِتْقَ قَدْ جَاءَ فِي جَوَازِهِمَا إلَى أَجَلٍ النَّصُّ، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّكُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، فَهَلَّا قِسْتُمْ الطَّلَاقَ إلَى أَجَلٍ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالُوا: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْأَجَلِ، لِأَنَّ مَنْ أَوْقَعَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ فَقَدْ أَجَازَهُ، فَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَمَا أَجْمَعُوا قَطُّ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ - حِينَ لَفَظَ بِهِ الْمُطَلِّقُ - لَمْ يَجُزْ قَطُّ أَنْ يُؤَخِّرَ إيقَاعَهُ إلَى أَجَلٍ وَاَلَّذِينَ أَوْقَعُوهُ عِنْدَ الْأَجَلِ لَمْ يُجِيزُوا إيقَاعَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ. وَقَالُوا: هَذَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟

مسألة جعل إلى امرأته أن تطلق نفسها

فَقُلْنَا: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْعَطُوفِ الْجَرَّاحِ بْنِ الْمِنْهَالِ الْجَزَرِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا -. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ جَعَلَ إلَى امْرَأَتِهِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا] 1967 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ جَعَلَ إلَى امْرَأَتِهِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَا تَكُونُ طَالِقًا - طَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَمْ تُطَلِّقْ - لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا أَبَدًا إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ] 1968 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا أَبَدًا إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا. أَحَدُهُمَا - طَلَاقُ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] . وَالثَّانِي - طَلَاقُ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . وَأَمَّا مَا عَدَا هَذَيْنِ فَلَا أَصْلًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] فَجُعِلَ إلَى الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يُرَاجِعَهَا أَوْ يَتْرُكَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ -: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى الْخُلْعَ طَلَاقًا بَائِنًا - وَلَيْسَ عِنْدَنَا كَذَلِكَ، وَسَنَتَكَلَّمُ فِيهِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي فِيهَا عَلَيْك، بَلْ تَمْلِكِينَ بِهَا نَفْسَك، فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَابْنُ وَهْبٍ - صَاحِبُ مَالِكٍ -: هِيَ طَلْقَةٌ يَمْلِكُ فِيهَا زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَغْوٌ.

مسألة قال أنت طالق إن شاء الله

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ - صَاحِبِ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ. وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: إنَّهُ كَلَامٌ فَاسِدٌ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَا طَلَاقَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ - هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ بَيْنَ تَرْكِهَا لَا يُرَاجِعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَتَمْلِكُ أَمْرَهَا فَلَا يُرَاجِعُهَا إلَّا بِوَلِيٍّ وَرِضَاهَا، وَصَدَاقٍ، وَبَيْنَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ارْتِجَاعِهَا فَقَطْ فَتَكُونُ زَوْجَتُهُ - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - بِلَا وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ، لَكِنْ بِإِشْهَادٍ فَقَطْ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ وَقَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ وَرِثَهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَالْبَائِنُ - هُوَ الَّذِي لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ - فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ - بِوَلِيٍّ، وَصَدَاقٍ، وَرِضَاهَا، وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ] 1969 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ لَا يَشَاءَ اللَّهُ -: فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يَقَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ طَلَاقٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ إمْضَاءَ هَذَا الطَّلَاقِ لَيَسَّرَهُ لِإِخْرَاجِهِ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ إذْ يَسَّرَهُ لِتَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: لَا يَحْنَثُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ اللَّيْثِ قَالَ: اجْتَمَعَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ: عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَكِيمٍ أَبِي دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَ: لَا يَحْنَثُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ لَهُ ثُنْيَاهُ. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ مِثْلُ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْد الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَحَنِثَ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ. وَبِهِ - كَانَ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: وَالنَّاسُ عَلَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - مَنْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا شَهْرًا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَنَّهُ إنْ وَصَلَ الْكَلَامُ فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، فَإِنْ قَطَعَهُ وَسَكَتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى فَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ؛ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ؛ وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَسْقُطُ الطَّلَاقُ بِالِاسْتِثْنَاءِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ` قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهِيَ طَالِقٌ. وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَمَكْحُولٍ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.

مسألة طلق امرأته ثم كرر طلاقها لكل من لقيه مشهدا أو مخبرا

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: إنْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ - أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ لَا يَشَاءَ زَيْدٌ - أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ: فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ مَشِيئَةَ زَيْدٍ تُعْرَفُ، وَمَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعْرَفُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ لَا يَعْرِفُهَا أَبَدًا أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَغَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ، وَأَمَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَمَعْرُوفَةٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ كُلَّ مَا نَفَذَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ، وَمَا لَمْ يَنْفُذْ فَلَا نَشُكُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ كَوْنَهُ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ تَشْنِيعَهُمْ بِمُخَالَفَةِ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ كَرَّرَ طَلَاقَهَا لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ مُشْهِدًا أَوْ مُخْبِرًا] 1970 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ كَرَّرَ طَلَاقَهَا لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ مُشْهِدًا أَوْ مُخْبِرًا: فَهُوَ طَلَاقٌ وَاحِدٌ، لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ - وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِذَلِكَ طَلَاقًا آخَرَ. [مَسْأَلَةٌ أَيْقَنَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا] 1971 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَيْقَنَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ أَوْ دُونَ ثَلَاثٍ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ إيَّاهَا حَتَّى تَمَّتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَمْسَكَهَا مُعْتَدِيًا: فَفَرْضٌ عَلَيْهَا أَنْ تَهْرُبَ عَنْهُ - إنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ - فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَهَا قَتْلُهُ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ زِنًى مِنْهَا إنْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا - وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ - كَعَابِرِ السَّبِيلِ فَحُكْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ [مَسْأَلَةٌ طَلَاقُ الْمَرِيضِ] 1972 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ، وَلَا فَرْقَ - مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ - فَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْمَرِيضِ ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا فَمَاتَ، أَوْ مَاتَتْ - قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا - أَوْ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَمْ يَرْتَجِعْهَا - حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ، فَلَا تَرِثُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَرِثُهَا أَصْلًا. وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الصَّحِيحِ لِلْمَرِيضَةِ، وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ لِلْمَرِيضَةِ، وَلَا فَرْقَ وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الْمَوْقُوفِ لِلْقَتْلِ وَالْحَامِلِ الْمُثْقَلَةِ -: وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَقَوْلٌ أَوَّلٌ - فِيهِ: أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ - مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ - قَالَ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ كَلْبِيَّةً فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَكَلَّمَهُ عُثْمَانُ لِيُرَاجِعَهَا؟ فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: قَدْ أَعْرِفُ إنَّمَا طَلَّقَهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ تَرِثَ مَعَ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأَقْسِمَنَّ لَهَا مِيرَاثَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ أُخْتِي - قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ آخِرُ طَلَاقِهَا تَطْلِيقَةً فِي مَرَضِهِ. فَهَذَا عُثْمَانُ يَأْمُرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِمُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا آخِرَ طَلَاقِهَا فِي مَرَضِهِ - فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ طَلَاقًا. فَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ مَرْدُودٌ إلَى هَذَا. وَجَاءَ عَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا - أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُكَمِّلٍ طَلَّقَ بَعْضَ نِسَائِهِ بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ فَالِجٌ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ وَرَّثَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْكَلْبِيَّةَ، وَقَدْ طَلَّقَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: لِمَ تُوَرِّثْهَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَرَدْت أَنْ تَكُونَ سُنَّةً يَهَابُ النَّاسُ الْفِرَارَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلٌ آخَرُ - تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: يَتَوَرَّثَانِ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ -: تَرِثُهُ - وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضٍ آخَرَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَبَتَّهَا فَصَحَّ أَيَّامًا - وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ - ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ وَجَعٍ آخَرَ، أَوْ عَادَ لَهُ وَجَعُهُ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: نَرَى حِينَ طَلَّقَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - أَنَّهَا - فِي قَضَاءِ عُثْمَانَ - تَرِثُهُ. وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ صَحَّ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - بِإِذْنِهَا وَرِثَتْهُ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عُرْوَةَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: لَا يَتَوَارَثَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا حَبَلٌ، أَوْ يُطَلِّقُ مُضَارَةً فَيَمُوتُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - إنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ وَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ تَرِثْهُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا - وَهُوَ مَرِيضٌ -: تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَوَرِثَتْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُغِيثٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ - وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ: أَنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُهَا - وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا - قَالَ هُشَيْمٌ: وَبِهَذَا نَقُولُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ وَرِثَتْ فِي الْعِدَّةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا فِي كِتَابِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ، وَلَا أَرَاهُ إلَّا وَهْمًا، وَأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ عُمَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَذَلِكَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد، وَالْأَشْعَثِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، قَالَا: إذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: فَإِنْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا، أَوْ خَالَعَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا - وَهُوَ صَحِيحٌ - فَحَنَّثَتْهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَمَاتَ - لَمْ تَرِثْهُ. فَلَوْ بَارَزَ رَجُلًا فِي الْقِتَالِ أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ. فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ - وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا - لَمْ تَرِثْهُ. فَلَوْ أَكْرَهَهَا أَبُوهُ فَوَطِئَهَا فِي مَرَضِهِ ابْنُهُ فَمَاتَ - لَمْ تَرِثْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَئِنْ مِتّ لَأُوَرِّثَنَّهَا مِنْك؟ قَالَ: قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ، فَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي عِدَّتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا، ثُمَّ مَاتَ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي عِدَّتِهَا - ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَوْلَهُ نَفْسَهُ. نا عَلِيُّ بْنُ عَبَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ اللَّخْمِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَسَدِيُّ نا عَمْرُو بْنُ ثَوْبَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ - وَهُوَ مَرِيضٌ - طَلَاقًا بَائِنًا فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا طَلَّقَهَا مَرِيضًا فَبَتَّهَا فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ فِيمَنْ طَلَّقَ مَرِيضًا فَمَاتَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ.

وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَطَاوُسٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ - هَكَذَا جُمْلَةً - لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ أَمْ بَعْدَهَا؟ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ - مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَوْ مَرِضَ سَنَةً لَوَرَّثْتهَا مِنْهُ. وَالْأَصَحُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا تَرِثُهُ بَعْدَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ رُدَّ إلَيْهِ - يَعْنِي: فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - مَنْ قَالَ: تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ - فَكَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ؟ قَالَ: لَا أَزَالُ أُوَرِّثُهَا مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ، أَوْ تَتَزَوَّجَ، أَوْ تَمْكُثَ سَنَةً - أَوْ قَالَ: وَلَوْ مَكَثَتْ سَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَرِيضًا ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ وَجَعِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: تَرِثُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ إذَا مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، مَا لَمْ تُنْكَحْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الَّتِي يُطَلِّقُهَا وَهُوَ مَرِيضٌ؟ قَالَ: تَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ إلَى سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْت أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ يَقُولُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الْمَرَضِ: تَرِثُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ - وَهُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - وَهُوَ لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا لَا تَرِثُهُ، إلَّا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ - وَقَالَهُ أَيْضًا بَعْضُ مَنْ وَرَّثَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ -:

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بَابٌ مِنْ الطَّلَاقِ جَسِيمٌ: إذَا وَرِثَتْ الْمَرْأَةُ اعْتَدَّتْ - تَرِثُهُ مَا لَمْ تُنْكَحْ قَبْلَ مَوْتِهِ - فَإِذَا وَرِثَتْهُ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَمَاتَ وَرِثَتْهُ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى أَقْصَى الْعِدَّتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَكْثَرَ مِنْ حَيْضَتِهَا أَخَذَتْ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ، وَإِنْ كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ أَخَذَتْ بِالْحَيْضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَتَمَادَى عَلَى الْحَيْضِ فَقَطْ، وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَمْ يَخُصَّ " إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ " وَلَا قَالَ " وَإِنْ تَزَوَّجَتْ ". فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَاشَ حَتَّى حَلَّتْ تُمَاضِرُ، ثُمَّ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ بَعْدَ مَا حَلَّتْ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ بَعْدَ مَا حَلَّتْ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ. وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ فَرَوَى عَنْهُ أَبُو عَوَانَةَ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ - وَرَوَى عَنْهُ هُشَيْمٌ: كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَعُمَرُ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا مِيرَاثُهَا مِنْهُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ يُقَالُ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ وَجِعٌ - وَقَدْ فَرَضَ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا، فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا وَتَرِثُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ - وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا - فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمَنْصُورٌ، كِلَاهُمَا: عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ قَالَ: لَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ وَالْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَحُمَيْدَ، وَأَصْحَابِ الْحَسَنِ، قَالُوا: تَرِثُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَقَوْلٌ عَاشِرٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ - مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ: تَرِثُهُ وَإِنْ نَكَحَتْ بَعْدَهُ عَشْرَةَ أَزْوَاجٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا؟ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا - وَقَالَ: إنْ خَيَّرَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا، أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ - فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَمَرِضَ فَتَعَمَّدَتْ دُخُولَ تِلْكَ الدَّارِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا، أَوْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ: إذَا قَدِمَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؟ فَقَدِمَ أَبُوهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ هُوَ؟ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَمَنْ قَاتَلَ فِي الزَّحْفِ، أَوْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَالْمَحْصُورُ - إنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ. قَالَ: فَلَوْ ارْتَدَّ وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْهُ. وَقَوْلٌ حَادِيَ عَشَرَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: طَلَّقَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ نِسَاءَهُ، وَقَسَّمَ مَالَهُ

بَيْنَ بَنِيهِ، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: طَلَّقْت نِسَاءَك، وَقَسَّمْت مَالَك بَيْنَ بَنِيك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لَأَرَى الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِك، فَأَلْقَاهُ فِي نَفْسِك؟ فَلَعَلَّك أَنْ لَا تَمْكُثَ إلَّا قَلِيلًا، وَأَيْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُرَاجِعْ نِسَاءَك، وَتَرْجِعْ فِي مَالِك لِأُوَرِّثَنهُنَّ مِنْك إذَا مِتَّ، ثُمَّ لَآمُرَن بِقَبْرِك فَلْيُرْجَمَن كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالَ؟ قَالَ فَرَاجَعَ نِسَاءَهُ وَمَالَهُ، قَالَ نَافِعٌ: فَمَا لَبِثَ إلَّا سَبْعًا حَتَّى مَاتَ. وَأَمَّا الْمَحْصُورُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ كَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا حُوصِرَ طَلَّقَهَا، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إلَيْهَا يَشْتَرِي مِنْهَا ثَمَنَهَا، فَأَبَتْ، فَلَمَّا قُتِلَ أَتَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: تَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ طَلَّقَهَا، فَوَرَّثَهَا. وَقَوْلٌ ثَانِيَ عَشَرَ - وَهُوَ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمَبْتُوتَةِ -: يَعْنِي فِي الْمَرَضِ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي ابْنُ الزُّبَيْرِ: طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ الْمَبْتُوتَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا عُثْمَانُ فَوَرَّثَ ابْنَةَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو عَوَانَةَ نا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِيهِ، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَرْسَلَتْ إلَيْهِ تَسْأَلُهُ الطَّلَاقَ؟ فَقَالَ: إذَا طَهُرَتْ -: يَعْنِي مِنْ حَيْضِهَا فَلْتُؤْذِنِّي؟ فَطَهُرَتْ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَغَضِبَ وَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا رَجْعَةَ لَهَا، فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ: لَا أُوَرِّثُ تُمَاضِرَ شَيْئًا - هَذَا لَفْظُ الْحَجَّاجِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا أُوَرِّثُ تُمَاضِرَ شَيْئًا، ثُمَّ اتَّفَقَا، فَارْتَفَعُوا إلَى عُثْمَانَ فَوَرَّثَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ قَالَ: لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، قَالَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فِي صِحَّتِهِ فَطَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ لِلْعِدَّةِ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ تَعْتَدَّ - وَبِأَنْ لَا تَرِثَ الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ فِي الْمَرَضِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى تَوْرِيثَ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ بِأَنْ قَالُوا: فَرَّ بِذَلِكَ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا فِي كِتَابِهِ فِي الْمِيرَاثِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِذَلِكَ، لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ الْحُقُوقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ - مَا فَرَّ قَطُّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَاتَّبَعَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الطَّلَاقَ، وَقَطَعَ بِالثَّلَاثِ، وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ: جَمِيعَ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ: مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَالتَّوَارُثِ، فَأَيْنَ هَاهُنَا الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ إنَّمَا كَانَ يَفِرُّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ قَالَ: لَا تَرِثُ مِنِّي شَيْئًا دُونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، بَلْ الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: هُوَ تَوْرِيثُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَلَا أُمًّا، وَلَا جَدَّةً، وَلَا ابْنَةً، وَلَا ابْنَةَ ابْنٍ، وَلَا أُخْتًا، وَلَا مُعْتِقَةً، وَلَكِنْ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ لَهَا مِيرَاثًا. وَكَيْف يَجُوزُ أَنْ تُوَرَّثَ بِالزَّوْجِيَّةِ مَنْ إنْ وَطِئَهَا رُجِمَ؟ أَوْ مَنْ قَدْ حَلَّ لَهَا زَوَاجُ غَيْرِهِ: أَوْ مَنْ هِيَ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ؟ هَذَا هُوَ خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَقًّا، بِلَا شَكٍّ. وَأَيْضًا - فَإِنْ كَانَتْ تَرِثُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَرِثَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ - كَمَا يَقُولُ الْحَسَنُ - إذْ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ تَكُونَ هِيَ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَكُونُ هُوَ زَوْجَهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ.؟ قُلْنَا: فَلِمَ وَرَّثْتُمُوهَا مِيرَاثَ زَوْجَةٍ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَهَذَا أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، بِلَا شَكٍّ.

وَمِنْ الْعَجَبِ؟ قَوْلُهُمْ: فَرَّ بِمِيرَاثِهَا، وَأَيُّ مِيرَاثٍ لَهَا مِنْ صَحِيحٍ لَعَلَّهَا هِيَ تَمُوتُ قَبْلَهُ - وَرُبَّ صَحِيحٍ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَبْرَأُ مِنْ مَرَضِهِ، فَمَا وَجَبَ بِهَا قَطُّ - إذْ طَلَّقَهَا - مِيرَاثٌ يَفِرُّ بِهِ عَنْهَا. ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ تَوْرِيثُ الْحَنَفِيِّينَ الْمَبْتُوتَةَ مِمَّنْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ، أَوْ بَارَزَ فِي حَرْبٍ وَلَيْسَ مَرِيضًا، وَمَنْعُهُمْ الْمِيرَاثَ لِلَّتِي أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى أَنْ وَطِئَهَا فِي مَرَضِ زَوْجِهَا، وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا فِي ذَلِكَ عَمَلٌ أَصْلًا، وَلَا طَلَّقَهَا مُخْتَارًا قَطُّ؟ وَتَوْرِيثُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُخْتَلِعَةَ، وَالْمُخْتَارَةَ نَفْسَهَا، وَالْقَاصِدَةَ إلَى تَحْنِيثِهِ فِي مَرَضِهِ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ كَارِهٌ لِمُفَارَقَتِهَا وَهِيَ مُسَارِعَةٌ إلَيْهِ، مُكْرِهَةٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَمَا فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِمْ الْمُتَزَوِّجَةَ فِي الْمَرَضِ مِنْ الْمِيرَاثِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا يَقِينًا بِالزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَتَوْرِيثِهِمْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ، فَوَرَّثُوا بِالزَّوْجِيَّةِ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَمَنَعُوا مِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مَنْ هِيَ زَوْجَتُهُ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ وَعَمْرُ وَكُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ - وَقَالَ مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ " وَقَالَ يُونُسُ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: نا الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ: لَهُ: حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ كَانَتْ تَحْتَهُ هِنْدُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ - وَهِيَ تُرْضِعُ ابْنَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ - فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا تَرِثُك إنْ مِتّ؟ قَالَ: احْمِلُونِي إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَحُمِلَ إلَيْهِ فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ امْرَأَتِهِ - وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؟ فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَانُ: مَا تَرَيَانِ؟ قَالَا جَمِيعًا: نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ، وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى حَيْضِهَا مَا كَانَتْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ أَنْ تَحِيضَ إلَّا الرَّضَاعُ؟ فَرَجَعَ حِبَّانُ فَانْتَزَعَ ابْنَهُ مِنْهَا، فَلَمَّا فَقَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمَّ حَاضَتْ أُخْرَى فِي الْهِلَالِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ حِبَّانُ عَلَى رَأْسِ السَّنَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا؟ فَشَرَّكَ عُثْمَانُ

بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارِيَّةَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ - وَقَالَ لِلْهَاشِمِيَّةِ هَذَا رَأْيُ ابْنِ عَمِّك، هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهِ - يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنَّ عُثْمَانَ قَضَى أَنْ نَخْتَلِجَ مِنْهَا وَلَدَهَا حَتَّى تَحِيضَ أَقْرَاءَهَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَهْرِيُّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يُشَاوِرُهُ فِي أَمْرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: اخْتَلَجَ ابْنَهُ مِنْهَا، تَرْجِعُ الْحَيْضَةُ؟ فَفَعَلَ عُثْمَانُ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَقًّا هُوَ الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُمْنَعَ رَضَاعَ وَلَدِهَا لِيَتَعَجَّلَ حَيْضَهَا فَتَتِمَّ عِدَّتُهَا، وَتُبْطِلَ مِيرَاثَهَا - وَإِنَّمَا كَانَ الْوَجْهُ - إذَا هُوَ عِنْدَهُمْ فَارٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - أَنْ يُبْطِلُوا الطَّلَاقَ الَّذِي بِهِ أَرَادَ مَنْعَهَا الْمِيرَاثَ، كَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ. وَأَمَّا تَجْوِيزُهُمْ الطَّلَاقَ وَإِبْقَاؤُهُمْ الْمِيرَاثَ فَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةُ الْخَطَأِ. وَقَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ الطَّلَاقَ، إذْ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِمُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ الْفِرَارُ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ؟ فَقُلْنَا: فَهَلَّا قُلْتُمْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ مَنْ أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى الْوَطْءِ أَنَّهَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَدُسَّ الزَّوْجُ أَبَاهُ لِذَلِكَ لِيَمْنَعَهَا الْمِيرَاثَ فَرُبَّ فَاسِقٍ يَسْتَسْهِلُ هَذَا فِي حَرِيمَتِهِ فَيَكُونُ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ. وَهَلَّا إنْ كُنْتُمْ مَالِكِيِّينَ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْمُرْتَدِّ فِي مَرَضِهِ، إذْ قُلْتُمْ: لَا نَتَّهِمُهُ أَنَّهُ ارْتَدَّ فِرَارًا مِنْ مِيرَاثِهَا، فَكَمْ مِنْ النَّاسِ فَرَّ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَارْتَدَّ لِغَضَبٍ غَضِبَهُ، وَلِيَغِيظَ جَارَهُ بِأَذَاهُ لَهُ؟ وَهَذَا كُلُّهُ تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ فَكَيْفَ مَنْ ارْتَدَّ لِئَلَّا تَرِثَهُ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ؟ وَهَلَّا وَرَّثُوهَا مِنْهُ - وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ؟ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَوْرِيثِهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَبَيْنَ تَوْرِيثِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ لَوْ وَطِئَهَا هُوَ لَرُجِمَ وَرُجِمَتْ؟

فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ بِهَذَا أَثَرٌ؟ قُلْنَا: وَلَا جَاءَ فِي الْمُبَارِزِ أَثَرٌ فَهَلَّا قِسْتُمْ هَذَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ كَمَا قِسْتُمْ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَلِّقِ؟ وَلَا وَرَّثْتُمُوهَا مِنْ الْمُرْتَدِّ، فَقَدْ قَالَ بِتَوْرِيثِ مَالِ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. وَلَا نَدْرِي مَا قَوْلُهُمْ فِي مَرِيضٍ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَأُعْتِقَتْ فِي مَرَضِهِ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ؟ وَفِي مَمْلُوكٍ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا بَتَاتًا، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ أُعْتِقَ هُوَ؟ وَفِي مُسْلِمٍ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ فَطَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَدَّتْ وَأَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَ عِدَّتِهَا، أَوْ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْفِرَارَ بِالْمِيرَاثِ عَنْهَا يَدْخُلُ فِي طَلَاقِ الصَّحِيحِ كَمَا يَدْخُلُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ قَبْلَ الْمَرِيضِ، فَلْيُوَرِّثُوهَا مِمَّنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - وَهُوَ صَحِيحٌ - ثُمَّ مَاتَ بَغْتَةً أَوْ مِنْ مَرَضٍ أَصَابَهُ؟ وَأَيْضًا - فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ بِهِ حِينَ قَاتَلَ، أَوْ جُرِحَ فَانْتَثَرَتْ حَشْوَتُهُ فَتَحَامَلَ فَوَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فَحَمَلَتْ - وَهُوَ يَهْتِفُ بِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَهَا لِتَحْمِلَ - فَيَحْرِمَ عَصَبَتَهُ الْمِيرَاثَ أَنَّهَا إنْ حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ حَرَمَتْ الْعَصَبَةَ الْمِيرَاثَ. فَإِنْ قَالُوا: وَقَدْ لَا تَحْمِلُ؟ قُلْنَا: وَهُوَ قَدْ يُفِيقُ، وَهِيَ قَدْ تَمُوتُ قَبْلَهُ - وَهَلَّا وَضَعُوا الظَّنَّ فِي الْفِرَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ هُوَ أَلْيَقُ بِهِ فَيَقُولُوا: إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَإِنَّمَا فَرَّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَوْجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْوَاجِبَ لَهَا كُلَّ ذَلِكَ، فَيُلْزِمُونَهُ الْكِسْوَةَ وَالنَّفَقَةَ أَبَدًا، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَأَعْمَلُوا ظَنَّهُمْ فِي أَنَّهُ فَرَّ عَنْهَا بِمِيرَاثٍ لَمْ يَجِبْ لَهَا قَطُّ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ - الَّذِي مَاتَ فِيهِ - بِوَلَدٍ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ وَيَرِثُ وَيَمْنَعُ عَصَبَتَهُ الْمِيرَاثَ، وَيَحُطُّ الزَّوْجَةَ مِنْ رُبُعٍ إلَى ثُمُنٍ - فَهَلَّا قَالُوا: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَحُطَّهَا مِنْ الْمِيرَاثِ؟ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ أَمْضَوْا فِرَارَهُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إذْ قَطَعُوا مِيرَاثَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَجَعَلُوهُ يَنْتَفِعُ بِفِرَارِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ - فَهَذَا التَّخْلِيطُ وَالْخَبْطُ، وَانْقِطَاعُ الْعِدَّةِ: مُتَوَلِّدٌ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ.

وَيُقَالُ لَهُمْ: قَدْ أَجَزْتُمْ نِكَاحَ الْمَرِيضِ وَهُوَ إضْرَارٌ بِأَهْلِ الْمِيرَاثِ فِي إدْخَالِ مَنْ يُشْرِكُهُمْ فِيهِ؟ فَهَلَّا إذْ أَجَزْتُمْ طَلَاقَ الْمَرِيضِ أَمْضَيْتُمْ حُكْمَهُ فِي قَطْعِ الْمِيرَاثِ؟ وَيُقَالُ لِلْمَالِكِيِّينَ: مِنْ أَيْنَ وَرَّثْتُمْ الْمُخَنَّثَةَ لِزَوْجِهَا فِي مَرَضِهِ - وَهُوَ لَمْ يَفِرَّ قَطُّ بِمِيرَاثِهَا، وَلَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ غَيْرُ فَارٍّ عَلَى فَارٍّ؟ . وَأَعْجَبُ شَيْءٍ - قَوْلُ الْمَالِكِيِّينَ فِي الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنَّهَا تَرِثُهُ، وَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ فَهَلَّا قَالُوا: إنَّهُ فَرَّ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا فَيَقْضُوا لَهَا بِجَمِيعِهِ - كَمَا قَالَ الْحَسَنُ؟ وَهَلَّا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَهُوَ صَحِيحٌ فَاعْتَلَّتْ هِيَ فَأَمَرَتْ مَنْ حَمَلَهَا فَدَخَلَتْ دَارَ زَيْدٍ وَقَالَتْ: إنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا لِئَلَّا يَرِثَنِي؟ فَهَذِهِ فَارَّةٌ بِمِيرَاثِهَا، فَهَلَّا وَرَّثُوهُ مِنْهَا بِعِلَّةِ الْفِرَارِ؟ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَتَمَسَّكُونَ بِنَصٍّ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِعِلَّةٍ. وَعَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنْ صَحَّ لَمْ تَرِثْهُ فَجَعَلُوهُ يَنْتَفِعُ بِفِرَارِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ صَحَّ - وَهَذَا تَلَاعُبٌ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ إنْ صَحَّ لَمْ تَرِثْهُ إلَّا عَنْ أُبَيٍّ وَحْدَهُ. وَقَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِي قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَخَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ فِي تَوْرِيثِهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ - وَالْقَوْمُ مُتَلَاعِبُونَ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ يُحْدِثُ لِصَاحِبِهِ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ لَهُ فِي الصِّحَّةِ فَيُمْنَعُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فِي الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: هَذَا احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، وَمَا وَجَبَ قَطُّ مَنْعُ الْمَرِيضِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، بَلْ هُوَ كَالصَّحِيحِ سَوَاءً سَوَاءً، وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَا قُلْتُمْ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مَقِيسًا عَلَى ذَلِكَ، وَمَا نَعْلَمُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ لَا مِنْ نَصٍّ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا مِنْ مَعْقُولٍ، وَلَا دَعْوَى كَاذِبَةٍ - فَبَطَلَ هَذَا أَيْضًا بِيَقِينٍ، وَلَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مَا شَاءَ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا فِي " كِتَابِ الْهِبَاتِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ.

وَقَالُوا: هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ فَقُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، أَشْنَعَ كَذِبٍ، إنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَطْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَسَاقِطَةٌ مَفْضُوحَةٌ، وَلَمْ تَصِحَّ قَطُّ، لِأَنَّهَا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَيْسَ عَنْهُ إلَّا الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ - وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَكُنْ مَبْتُوتَةً، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهَا تَرِثُ فِي الْعِدَّةِ دُونَ مَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَا أَنَّهَا تَرِثُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ - فَهِيَ رِوَايَةٌ عَلَى سُقُوطِهَا غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِتَحَكُّمِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، فَكَيْفَ وَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهَا: لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ. وَأَوْرَدْنَا عَنْهُ: أَنَّهُ وَرَّثَ الْمَرْأَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ وَهُمْ كُلُّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ شَيْئًا قَطُّ، فَلَا نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ - فَسَقَطَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ أُبَيٍّ سَاقِطَةٌ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ ثُمَّ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ جَمِيعًا، لِأَنَّ فِيهَا: إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِمَا هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ. الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ وَهْمٌ - وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ، لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنْ عُمَرَ، وَلَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ كَلِمَةً، وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْرَدْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ مَعَ أَنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِلْمَالِكِيِّينَ، لِأَنَّهَا كُلُّهَا، لَا تَرِثُ إلَّا فِي الْعِدَّةِ - فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّينَ غَيْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحْدَهَا. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا الطَّائِفَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا مُخَالِفٌ، كَقَوْلِ عُمَرَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. نَعَمْ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا، لِأَنَّ فِيهَا: كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ

مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ جُرُوحَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ إلَّا الْمُوضِحَةُ فَعَلَى النِّصْفِ. وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ كِتَابِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ أَنَّهُ قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ وَقَدْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ: لَئِنْ مِتّ لَأُوَرِّثَنهُنَّ مِنْك وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ خِلَافُ عُمَرَ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ - أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ طَلَاقًا، وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا - وَهَذَا خِلَافٌ لِلطَّائِفَتَيْنِ مَعًا. ثُمَّ اضْطَرَبَتْ رِوَايَةُ الثِّقَاتِ عَنْهُ -: فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْهَا إلَّا فِي الْعِدَّةِ - وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُشَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ وَرَّثَهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ - فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالِفَةٌ لِلْحَنَفِيِّينَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ إحْدَاهُمَا وَهْمٌ، لَا نَدْرِي أَيَّتَهمَا هِيَ؟ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِقَضِيَّةٍ قَدْ صَحَّ الْوَهْمُ فِيهَا، فَلَا يُدْرَى كَيْف وَقَعَتْ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ: أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَبِهِ فَالِجٌ - فَعَاشَ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ - وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْمَفْلُوجَ لَا يَرِثُهُ بِذَلِكَ الْمَرَضِ مَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُثْمَانَ. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّهَا إنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ فَطَلَّقَهَا: أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَالثَّابِتُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ حَتَّى غَضِبَ، فَخَالَفُوا عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ.

فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَعَلِّقٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَتْهُ؟ قُلْنَا: هَذِهِ رِوَايَةٌ لَا حُجَّةَ فِيهَا؟ أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهَا مُنْكَرَةٌ، لِأَنَّ فِيهَا: أَنَّ الْحُسَيْنَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَتْهُ، وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهِ، إنَّمَا مَاتَ مَقْتُولًا، فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلطَّائِفَتَيْنِ. ثُمَّ هِيَ مُنْقَطِعَةٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمْ يُدْرِكْ الْحُسَيْنَ وَلَا الْحَسَنَ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ: مَنْ هُوَ الْمُوَرِّثُ لَهَا، وَلَا أَنَّ الْحُسَيْنَ أَخْبَرَ أَنَّهَا تَرِثُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَئِنْ مِتّ لَأُوَرِّثَنهَا مِنْك؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَقَدْ عَلِمْت. قَالُوا: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: كَلًّا، مَا دَلَّ ذَلِكَ قَطُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا فِيهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ سِوَاهُ: قَدْ عَلِمْت مَا أَعْلَمَنِي بِهِ أَنَّهُ مِنْ رَأْيِك - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْبَلَنْسِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيُّ نا ابْنُ عُثْمَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ نا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ الْكَلْبِيَّةَ - وَهُوَ مَرِيضٌ ثَلَاثًا - فَمَاتَ ابْنُ عَوْفٍ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْلَا أَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَهَا لَمْ أَرَ لِمُطَلَّقَةٍ مِيرَاثًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ هَالِكٌ سَاقِطٌ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِرِوَايَتِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ إلَّا جَاهِلٌ، أَوْ مُجَاهِرٌ بِالْبَاطِلِ مُجَادِلٌ بِهِ لِيُدْحِضَ بِهِ الْحَقَّ، وَهَيْهَاتَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يَزِيدُ مِنْ فَعَلٌ هَذَا عَلَى أَنْ يُبْدِيَ عَنْ عَوَارِهِ وَجَهْلِهِ أَوْ قِلَّةِ وَرَعِهِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - وَصَحَّ أَنَّهَا خَطَأٌ مَحْضٌ -

مسألة طلاق العبد بيده

وَصَحَّ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ، أَوْ الْمُطَلَّقَةَ فِيهِ، لَمْ يَطَأْهَا لَا مِيرَاثَ لَهُمَا أَصْلًا. وَكَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فِي الْمَرَضِ إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى مَاتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا - وَحَتَّى لَوْ أَقَرَّ عَلَانِيَةً أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا تَرِثَهُ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْمُوَارَثَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَطَعَ بِهِ حُكْمَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لِلْقَتْلِ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ لِلرَّجْمِ فِي زِنًى، وَلَا فَرْقَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بَيْنَ طَلَاقِ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ بِفَرْقٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ بِالزَّوْجِيَّةِ إلَّا زَوْجَةٌ، أَوْ زَوْجٌ تَرِثُهُ حَيْثُ يَرِثُهَا وَلَا فَرْقَ، وَلَا يَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ، إلَّا ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ، وَلَا يَرِثُ بِالْأُبُوَّةِ إلَّا أَبٌ، وَلَا يَرِثُ بِالْأُمُومَةِ إلَّا أُمٌّ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُؤْكِلٌ مَالًا بِالْبَاطِلِ، وَمَنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَأْجُورٌ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ خَطَأٍ أَوْ صَوَابٍ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَنْ قَلَّدَ بَعْضَ مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ، وَخَالَفَهُمْ فِي بَعْضِهِ تَحَكُّمًا فِي الدِّينِ بِالْهَوَى وَالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ طَلَاقُ الْعَبْدِ بِيَدِهِ] 1973 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ الْعَبْدِ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ سَيِّدِهِ، وَطَلَاقُ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَوْ الْحُرَّةِ، وَطَلَاقُ الْحُرِّ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَوْ الْحُرَّةِ -: كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، لَا تَحْرُمُ وَاحِدَةٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا عَلَى مُطَلِّقٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ مَجْمُوعَةٍ أَوْ مُفَرِّقَةٍ، لَا بِأَقَلَّ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]

فَسَوَّى تَعَالَى بَيْنَ طَلَاقِ كُلِّ نَاكِحٍ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَوْ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيٍّ، أَوْ مَرِيضٍ أَوْ صَحِيحٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ وَلَا أَغْفَلَهُ وَلَا غَشَّنَا بِكِتْمَانِهِ، وَلَبَيَّنَهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَوَاَللَّهِ مَا أَرَادَ اللَّهُ قَطُّ فَرْقًا بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَبِالْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا صَحَّ أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ النَّاكِحِ لَا بِيَدِ سِوَاهُ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ دُخُولًا مُسْتَوِيًا بِلَا شَكٍّ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ عَلَى هَذَا. وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ عَلَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا الْعَبْدِ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ. وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا الْحُرِّ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ - وَخَالَفُونَا فِي الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] قَاضٍ لِقَوْلِنَا بِالصَّوَابِ، وَشَاهِدٌ بِأَنَّهُ الْحَقُّ قَطْعًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَسَّرَ بِفَضْلِهِ لِذِكْرِهِ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: طَلَاقُ الْعَبْدِ بِيَدِ سَيِّدِهِ إنْ طَلَّقَ جَازَ، وَإِنْ فَرَّقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَا لَهُ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ وَالْأَمَةُ لِغَيْرِهِ طَلَّقَ السَّيِّدُ أَيْضًا إنْ شَاءَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ طَلَاقُ الْعَبْدِ وَلَا فُرْقَتُهُ بِشَيْءٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، هَاهُنَا عَمَّ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ -: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ: سَيِّدُهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ: لَا طَلَاقَ لِعَبْدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ لَمْ يُجِزْهُ سَيِّدُهُ إنْ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَرَوْنَ لِلْعَبْدِ طَلَاقًا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ - فَهَذَا قَوْلٌ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: سَأَلْنَا عُرْوَةَ - يَعْنِي أَبَاهُ - عَنْ رَجُلٍ أَنْكَحَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ الْعَبْدِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ إذًا ابْتَاعَهُ وَقَدْ أَنْكَحَهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ: أَنْتَزِعُ أَمَتِي مِنْ عَبْدِ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَقَدْ أَنْكَحْتهَا إيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْضِهِ، قُلْت: أَبَى إلَّا صَدَاقُهُ كُلُّهُ؟ قَالَ: هُوَ لَهُ كُلُّهُ، فَإِنْ أَبَى فَانْتَزِعْهَا إنْ شِئْت، وَمِنْ حُرٍّ أَنْكَحْتهَا إيَّاهُ - ثُمَّ رَجَعَ عَطَاءٌ فَقَالَ: لَا تَنْزِعْهَا مِنْ الْحُرِّ، وَإِنْ أَعْطَيْته الصَّدَاقَ، وَلَا تَسْتَخْدِمْهَا وَلَا تَبِعْهَا. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَنِكَاحُهُ حَرَامٌ، فَإِنْ نَكَحَ بِإِذْنِ مَوَالِيهِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْفَرْجَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: إنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَتِهِ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا الْعَبْدُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَأْخُذَ أَمَةَ غُلَامِهِ، أَوْ أَمَةَ وَلِيدَتِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدًا كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ جَارِيَةٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَطَلَّقَهَا فَبَتَّهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا طَلَاقَ لَك فَارْتَجِعْهَا؛ فَأَبَى؟ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: نا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ الْعَبْدَ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا تَرْجِعْ إلَيْهَا، وَإِنْ ضَرَبَ رَأْسَك. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إذَا أَنْكَحَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا.

وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ: أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَأَمَّا بِكَمْ تَحْرُمُ الْأَمَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ أَوْ الْحُرَّةُ؟ وَبِكَمْ تَحْرُمُ الْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْحُرِّ؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَحْمَدَ نا الْعُقَيْلِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ بِالنِّسَاءِ - يَعْنِي الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ - قَالَ هَمَّامٌ: لَا أَشُكُّ فِيهِ وَلَا أَمْتَرِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ - وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: السُّنَّةُ بِالنِّسَاءِ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ عِيسَى عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ بِالْمَرْأَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَدَاوُد، وَقَتَادَةَ، قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ دَاوُد: عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنْ الْحَسَنِ، قَالُوا كُلُّهُمْ: الْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَالْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ، قَالَا جَمِيعًا: الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: يُطَلِّقُ الْمَمْلُوكُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا، وَيُطَلِّقُ الْحُرُّ الْمَمْلُوكَةَ تَطْلِيقَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: تَبِينُ الْأَمَةُ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ.

قَالَ أَيُّوبُ: وَثَبَتَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ سَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَطَلَاقُهَا ثَلَاثٌ، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَطَلَاقُهَا اثْنَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ: نا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَالْأَعْمَشِ، قَالَ الْحَكَمُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيَّ عَمَّنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَنْ يَأْتِيَهَا؟ فَأَبَى، وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ فِيمَنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا؟ فَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيَهَا. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ فَهُمْ: عَلِيٌّ - وَصَحَّ عَنْهُ - وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَاثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ إمَّا مُنْقَطِعٌ، وَإِمَّا عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، وَعِيسَى الْحَنَّاطِ - وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ - وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ قَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَعَبِيدَةَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ - وَمُجَاهِدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - بِخِلَافِ ذَلِكَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا وَامْرَأَتُهُ أَمَةً طَلَّقَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَاعْتَدَّتْ حَيْضَتَيْنِ - وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَامْرَأَتُهُ حُرَّةً طَلَّقَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَاعْتَدَّتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: نا رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ غُلَامًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ حُرَّةٌ - تَطْلِيقَتَيْنِ، فَسَأَلَ عَائِشَةَ؟ فَقَالَتْ: لَا تَقْرَبْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي مُكَاتَبٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ حُرَّةٌ - تَطْلِيقَتَيْنِ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - مِثْلُ قَوْلِ عُثْمَانَ، وَزَيْدٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَتَيْنِ، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَيَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ. وَهُوَ قَوْلُ: مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَهُمْ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - وَلَا يَصِحُّ عَنْ غَيْرِهِمْ - وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَسَائِرُ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْحُكْمُ لِلرِّقِّ خَاصَّةً - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ، وَالْعَبْدُ يُطَلِّقُ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَ حِيَضٍ. وَبِهِ يَقُولُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - إلَى مِثْلِ قَوْلِنَا - كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ نا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي

نا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ - مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدًا لَهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فَأَمَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَبَى؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ لَك فَاسْتَحَلَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ - وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: شَغَبَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: نا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ نا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ» قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنِي بِهِ مُظَاهِرٌ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ قَالَ «وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . نا حُمَامٌ نا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ نا ابْنُ أَبِي غَسَّانَ نا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْأَحْمَسِيُّ نا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . وَقَالُوا: لَمَّا اتَّفَقْنَا مَعَ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعِدَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا نِصْفَ طَلَاقِ الْحُرَّةِ. قَالُوا: وَلَمَّا كَانَ حَدُّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الزَّانِيَيْنِ: نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ - سَوَاءٌ زَنَيَا بِحُرٍّ أَوْ بِحُرَّةٍ، أَوْ بِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. وَلَمَّا كَانَ حَدُّ الْأَمَةِ الْقَاذِفَةِ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلِلْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ: نِصْفَ حَدِّ الْحُرَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ لَهَا كَذَلِكَ - مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَثَرَانِ سَاقِطَانِ -: لِأَنَّ أَحَدَهُمَا - مِنْ طَرِيقِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَفِي الثَّانِي - عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ، وَعَطِيَّةُ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ. ضَعَّفَ مُظَاهِرًا: أَبُو عَاصِمٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ، وَالْبُخَارِيُّ. وَضَعَّفَ عَطِيَّةَ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَضَعَّفَ عُمَرَ بْنَ شَبِيبٍ: ابْنُ مَعِينٍ، وَالسَّاجِيُّ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِمَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الطَّلَاقَ عَلَى الْقَذْفِ، وَالزِّنَا، وَالْعِدَّةِ، فَهَلَّا قَاسُوهُ عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ. مِنْ أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي الْقَطْعِ وَفِي السَّرِقَةِ وَفِي الْحِرَابَةِ - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَالْحُرِّ وَالْحُرَّةِ؟ لَا سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: إنَّ أَجَلَ الْعَبْدِ الْعِنِّينِ مِنْ زَوْجِهِ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ كَأَجَلِ الْحُرِّ، وَصِيَامَ الْعَبْدِ فِي الظِّهَارِ كَصِيَامِ الْحُرِّ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَذَلِكَ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ - فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - أَنَّ غُلَامًا لَهَا طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ حُرَّةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَاسْتَفْتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ» . وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ حَدُّ الْعَبْدِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ نِصْفَ طَلَاقِ الْحُرِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْقِيَاسُ - فَعَارَضَهُ قِيَاسُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَدَعْوَى بِلَا حُجَّةٍ؟ وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا قِسْتُمْ طَلَاقَ الْعَبْدِ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِلْحُرِّ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ، وَعَلَى مَا أَبَاحَ لَهُ مَالِكٌ مِنْ زَوَاجِ أَرْبَعٍ كَالْحُرِّ، وَعَلَى مَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ أَجَلَهُ فِي الْإِيلَاءِ كَأَجَلِ الْحُرِّ، وَعَلَى صِيَامِهِ فِي الْكَفَّارَاتِ؟ لَا سِيَّمَا وَكُلُّهُمْ مُتَنَاقِضٌ إذَا احْتَجُّوا - بِزَعْمِهِمْ - لِكَوْنِ طَلَاقِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ نِصْفَ طَلَاقِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ. وَقَدْ أَبْطَلُوا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ عِنْدَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: طَلْقَتَانِ، وَطَلَاقَ الْأَمَةِ عِنْدَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى: ثَلَاثًا - طَلَاقُ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ.

وَمَا وَجَدْنَا حَدًّا يَكُونُ لِلْعَبْدِ ثُلُثَيْ حَدِّ الْحُرِّ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَلْقَةٍ وَنِصْفٍ؟ قُلْنَا: فَأَسْقِطُوا مَا عَجَزْتُمْ عَنْهُ وَحَرِّمُوهَا بِطَلْقَةٍ. وَأَمَّا الْخَبَرُ - فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّ ابْنَ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَجْهُولٌ - مَعَ أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ السَّاقِطَ يُعَارِضُ ذَيْنك الْأَثَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ، فَهِيَ مُتَدَافِعَةٌ مُتَكَاذِبَةٌ، لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهَا لَمَا سَبَقُونَا إلَيْهِ، وَلَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِالْبَاطِلِ لَا يَحِلُّ، كَمَا لَا تَحِلُّ مُخَالَفَةُ الْحَقِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرِّقُّ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنْ جَمَعُوا قِيَاسَ الطَّائِفَتَيْنِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ غَلَبَ الْحُرِّيَّةُ، وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى كَدَعْوَى؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا أَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَرَى طَلَاقَ الْعَبْدِ شَيْئًا؟ قُلْنَا: قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ التَّدْلِيسِ، بَلْ رَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ: لَا طَلَاقَ لِلْعَبْدِ - وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو مَعْبَدٍ: أَنَّ طَلَاقَهُ جَائِزٌ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، فَإِذْ لَا نَصَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ طَلَاقِ الْعَبْدِ، وَطَلَاقِ الْحُرِّ، وَلَا بَيْنَ طَلَاقِ الْأَمَةِ، وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ: فَلَا يَحِلُّ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِثَلَاثٍ - فِي حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَوْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ -: بِالدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

الخلع

[الْخُلْعُ] [مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا] ُ - مَسْأَلَةٌ: الْخُلْعُ، وَهُوَ: الِافْتِدَاءُ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، فَخَافَتْ أَنْ لَا تُوفِيَهُ حَقَّهُ، أَوْ خَافَتْ أَنْ يُبْغِضَهَا فَلَا يُوفِيهَا حَقَّهَا، فَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَيُطَلِّقَهَا، إنْ رَضِيَ هُوَ؟ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ هُوَ؟ وَلَا أُجْبِرَتْ هِيَ؟ إنَّمَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا. وَلَا يَحِلُّ الِافْتِدَاءُ إلَّا بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، أَوْ بِاجْتِمَاعِهِمَا، فَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِهِمَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، وَيَبْطُلُ طَلَاقُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهَا فَقَطْ. وَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُ، وَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، أَوْ تَكُونَ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ. فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ جَازَ ذَلِكَ أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَيْهَا. وَيَجُوزُ الْفِدَاءُ بِخِدْمَةٍ مَحْدُودَةٍ، وَلَا يَجُوزُ بِمَالٍ مَجْهُولٍ، لَكِنْ بِمَعْرُوفٍ مَحْدُودٍ، مَرْئِيٍّ، مَعْلُومٍ، أَوْ مَوْصُوفٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخُلْعِ؟ فَلَمْ تُجِزْهُ طَائِفَةٌ، وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ أَجَازُوهُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ طَلَاقٌ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ طَلَاقًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ: إنَّهُ طَلَاقٌ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا قُلْنَا؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ بَائِنٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا أَصْدَقَهَا، لَا بِأَكْثَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا مَعَ خَوْفِ نُشُوزِهِ وَإِعْرَاضِهِ، أَوْ أَنْ لَا تُقِيمَ مَعَهُ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا بِأَنْ يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا بِأَنْ تَقُولَ: لَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخُلْعِ الْفَاسِدِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنَفَّذُ وَيَتِمُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُرَدُّ وَيُفْسَخُ -: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ سَأَلْت بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ الْخُلْعِ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا؟ قُلْت: فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّاسِخَ لَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا -: بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا حَمَّادٌ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا الْمَخْزُومِيُّ - هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ - نا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ» . قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ أَنْ نَحْتَجَّ بِذَلِكَ الْخَبَرِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْأَوَّلُ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُلْعِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى السَّائِلَةِ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ - وَهَكَذَا نَقُولُ وَلَيْسَ فِي الْبَأْسِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُخَافَ أَلَّا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي الزَّوْجَةِ. وَأَمَّا الْآيَتَانِ فَلَيْسَتَا بِمُتَعَارِضَتَيْنِ، إنَّمَا فِي الَّتِي نَزَعَ بِهَا " بَكْرٌ " تَحْرِيمُ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا إثْمًا مُبِينًا وَبُهْتَانًا - وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ - وَلَيْسَ فِيهِمَا نَهْيٌ عَنْ الْخُلْعِ أَصْلًا. وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: حُكْمُ الْخُلْعِ بِطِيبِ النَّفْسِ مِنْهَا فَلَيْسَ إثْمًا وَلَا عُدْوَانًا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ نَاسِخٌ أَوْ مَنْسُوخٌ إلَّا بِنَصٍّ، بَلْ الْفَرْضُ الْأَخْذُ بِكِلَا الْآيَتَيْنِ لَا تَرْكُ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى - وَنَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِمَا - بِأَنْ نَسْتَثْنِيَ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] فَهَاتَانِ الْآيَتَانِ قَاضِيَتَانِ عَلَى كُلِّ مَا فِي الْخُلْعِ.

وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ، وَرَبِيعٍ - هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ - كِلَاهُمَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَا يَكُونُ خُلْعٌ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ عَتِيقٍ - أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَا يَكُونُ الْخُلْعُ إلَّا حَتَّى يَعِظَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ارْتَفَعَا إلَى السُّلْطَانِ، فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ يَرْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى السُّلْطَانِ مَا يَسْمَعُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُفَرِّقَ فَرَّقَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْمَعَ جَمَعَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ عَلَى تَصْحِيحِهِ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْخُلْعُ لَيْسَ طَلَاقًا، فَاحْتَجَّ بِمَا - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رُبَيِّعَ ابْنَةَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ وَهِيَ تُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ: أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ مُعَوِّذٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَنَنْتَقِلُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَنَنْتَقِلُ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، إلَّا أَنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً - خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَعُثْمَانُ أَخْبَرُنَا وَأَعْلَمُنَا. فَهَذَا عُثْمَانُ، وَالرُّبَيِّعُ - وَلَهَا صُحْبَةٌ - وَعَمُّهَا - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - وَابْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ لَا يَرَى فِي الْفَسْخِ عِدَّةً.

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْخُلْعُ: تَفْرِيقٌ، وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، أَيَنْكِحُهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَفِي آخِرِهَا، وَالْخُلْعُ بَيْنَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قَالَ: كَانَ أَبِي لَا يَرَى الْفِدَاءَ طَلَاقًا وَيُجِيزُهُ بَيْنَهُمَا - وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا أَجَازَهُ الْمَرْءُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: رَأَيْت أَبِي كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُمْهَانَ أَنَّ أُمَّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدَ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَنَدِمَا فَارْتَفَعَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؟ فَأَجَازَ ذَلِكَ - وَقَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا، فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّيْت. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا تَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً إلَّا فِي فِدْيَةٍ أَوْ إيلَاءٍ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا احْتِجَاجُ مَنْ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ، ثُمَّ الْخُلْعَ، ثُمَّ الطَّلَاقَ؟ فَنَعَمْ، هُوَ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، وَلَا أَنَّهُ طَلَاقٌ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَنَظَرَنَا فِي ذَلِكَ - فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ «حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، فَذَكَرَتْ اخْتِلَاعَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِثَابِتٍ: خُذْ مِنْهَا؟ فَأَخَذَ مِنْهَا، وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ حَدَّثَنِي شَاذَانُ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عَبْدَانَ نا أُبَيٌّ نا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ - فَذَكَرَتْ اخْتِلَاعَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْهُ - وَأَنَّ أَخَاهُ شَكَاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْ الَّذِي لَهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «اخْتَلَعَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ زَوْجِهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّتَهَا حَيْضَةً» ، قَالُوا: فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا، لَكِنَّهُ فَسْخٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَسَاقِطٌ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ - وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا خَبَرُ الرُّبَيِّعِ وَحَبِيبَةَ - فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمَا لَكَانَا حُجَّةً قَاطِعَةً. لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ

مسألة هل الخلع طلاق بائن أو رجعي

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، وَإِذْ هُوَ طَلَاقٌ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، فَهُوَ زَائِدٌ - عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ - وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ - لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا خَالَفَ الصَّاحِبُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ ضَعْفِهِ، كَمَا فَعَلُوا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَهَذَا الْخَبَرُ لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَلْتَفِتُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، إنَّمَا هُوَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا بِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ الْخُلْعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ] وَأَمَّا هَلْ الْخُلْعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: كَانَ

عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولَانِ فِي الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا: يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَخَالَفَ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْفِدَاءِ: لَا يُحْسَبُ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَا يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا - اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي رَجُلٍ اخْتَلَعَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ شَيْئًا، قَالَا جَمِيعًا: أَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ؟ إنَّمَا طَلَّقَ مَنْ لَا يَمْلِكُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَعَمَ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفِدَاءِ جَازَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ فِي الْعِدَّةِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: إنْ شَاءَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَلْيَرْدُدْ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلْيُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا - قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ - قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا يُرَاجِعُهَا إلَّا بِخِطْبَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَقَالَ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] فَلَا يَجُوزُ خِلَافُ ذَلِكَ. وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقًا بَائِنًا لَا

رَجْعَةَ فِيهِ، إلَّا الثَّلَاثُ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، أَوْ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا، وَلَا مَزِيدَ - وَأَمَّا عَدَا ذَلِكَ فَآرَاءٌ لَا حُجَّةَ فِيهَا. وَأَمَّا رَدُّهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا فَإِنَّمَا أَخَذَهُ لِئَلَّا تَكُونَ فِي عِصْمَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ لَهَا مُرَادُهَا فَمَالُهَا - الَّذِي لَمْ تُعْطِهِ إلَّا لِذَلِكَ - مَرْدُودٌ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَلْقَةٌ لَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا، فَتَرْضَى، فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهَا شَيْئًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ الْفِدَاءُ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْفِدَاءُ إلَّا بِمَا أَصْدَقَهَا لَا بِأَكْثَرَ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ، لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ لَيْثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَا: نا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَطَاءٌ: إنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى صَدَاقِهَا، فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ إلَيْهَا - وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا أَبُو بَكْرٍ - هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - نَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَتْ الْقُضَاةُ لَا تُجِيزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إلَّا مَا سَاقَ إلَيْهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ فِدَاءِ امْرَأَتِهِ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَ إلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا حَتَّى يَدَعَ لَهَا مَا يُغْنِيهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَأْخُذُ مِنْهَا كُلَّ مَا مَعَهَا فَمَا دُونَ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا بِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ امْرَأَةً نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَرَفَعَهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِزَوْجِهَا: اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ فَخَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِقَاصَ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَتْهُ مَوْلَاةٌ لِامْرَأَتِهِ اخْتَلَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَكُلِّ ثَوْبٍ لَهَا حَتَّى مِنْ نُقْبَتِهَا - وَصَحَّ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَتَصَدَّقْ الزِّيَادَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى -: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: «أَتَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُبْغِضُ زَوْجِي وَأُحِبُّ فِرَاقَهُ؟ قَالَ: فَتَرُدِّينَ إلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَزِيَادَةً مِنْ مَالِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا زِيَادَةٌ مِنْ مَالِكِ فَلَا، وَلَكِنْ الْحَدِيقَةَ، قَالَتْ: نَعَمْ فَقَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ» . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ - فَسَقَطَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ نَظَرَنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي - فَوَجَدْنَا: مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا

أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُلْعِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَلَمْ نَجِدْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَخْذُهُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا أَعْطَاهَا فِي صَدَاقِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَوَاجِبٌ رَدُّهُ إلَيْهَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلِمَ أَمَرُوهُ بِالصَّدَقَةِ بِالزِّيَادَةِ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ - وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَطَأِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِكَلَامٍ سَاقِطٍ مُتَنَاقِضٍ، مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ إلَّا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ - فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . وَمِنْ الْعَجَبِ تَمْوِيهُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] وقَوْله تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَعَمْ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا، إلَّا أَنْ تَطِيبَ نَفْسُهَا بِهِ - ثُمَّ حُكْمٌ آخَرُ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] عُمُومٌ لَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ؟ فَقُلْنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِهِ كُلَّ مَا أَعْطَاهَا أَوْ بَعْضَ مَا أَعْطَاهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَيْرَ مُسَرِّحٍ بِإِحْسَانٍ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَخْذَهُ، فَهُوَ مُسَرِّحٌ بِإِحْسَانٍ، وَلَوْ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ قَتْلَهَا لَكَانَ مُحْسِنًا فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: أَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ بِمَا لَا يَبْقَى لِنَفْسِهِ غِنًى بَعْدَهُ، وَمِنْ أَنْ يَصَّدَّقَ الرَّجُلُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَتُبِيحُونَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مَالَهَا كُلَّهُ؟

قُلْنَا: إنَّمَا نَتَّبِعُ فِي ذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّدَقَةِ إلَّا بِمَا أَبْقَى غِنًى، وَبِأَنْ لَا يُصْدِقَهَا إزَارَهُ إذْ لَا غِنًى بِهِ عَنْهُ، وَجَاءَ النَّصُّ بِأَنْ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] فَوَقَفْنَا عِنْدَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ نَعْتَرِضْ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّأْيِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْفِدَاءُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو قِلَابَةَ يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا فَجَرَتْ فَاطَّلَعَ زَوْجُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلْيَضْرِبْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا مَعْنًى لَهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: إنَّ أَبَا قِلَابَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَا يَقُولَانِ: لَا يَحِلُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْبُيُوتِ مِنْ الْعِدَّةِ، لَا فِي الْخُلْعِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا حُمَيْدٌ أَنَّ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ سَأَلَ الْحَسَنَ عَمَّنْ رَأَى امْرَأَتَهُ يُقَبِّلُهَا رَجُلٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: قَدْ حَلَّ أَنْ يَخْلَعَهَا. رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - وَلَا يَصِحُّ - يَطِيبُ الْخُلْعُ لِلرَّجُلِ إذَا قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَبَرُّ لَك قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أُكْرِمُ لَك نَفْسًا - فِيهَا إسْرَائِيلُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ جَابِرٍ - وَهُوَ كَذَّابٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى: يَحِلُّ خُلْعُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثًا إذَا أَفْسَدَتْ عَلَيْك ذَاتَ يَدِك، أَوْ دَعَوْتهَا لِتَسْكُنَ إلَيْهَا فَأَبَتْ، أَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِك. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ الْأَصْفَرُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ: وَاَللَّهِ لَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالَ أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ

الْخُلْعُ حَتَّى لَا تَغْتَسِلَ لَهُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا تُطِيعُ لَهُ أَمْرًا، وَلَا تَبَرُّ لَهُ قَسَمًا، وَقَالَ الْآخَرُ: لَوْ فَعَلَتْ هَذَا كَفَرَتْ، وَلَكِنْ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَبَرُّ لَك قَسَمًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: الْخُلْعُ إذَا قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ - وَكُلُّ هَذَا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْفِدْيَةِ حَتَّى يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا، أَنْ تُظْهِرَ لَهُ الْبَغْضَاءَ، وَتُسِيءَ عِشْرَتَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْخُلْعِ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] . وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَوْلَ السُّفَهَاءِ: لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ {أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] تَعَالَى فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْخُلْعُ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُمَا نُشُوزًا وَلَا إعْرَاضًا وَلَا خَافَا {أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا الْخُلْعُ الْفَاسِدُ - فَقَدْ أَجَازَهُ قَوْمٌ: وَمَا أَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً، وَكَيْفَ يَجُوزُ عَمَلٌ فَاسِدٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا - وَهُوَ مُضَارٌّ بِهَا - فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَجَازَ لَهُ مَا أَخَذَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا الْقَوْلِ عَجَبٌ، لَئِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَمَا يَحِلُّ لَهُ إذَا

مسألة خالع على مجهول

أَخَذَهُ، وَلَئِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ: أَنَّهُ لِيَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؟ - وَمَا عَدَا هَذَا فَوَسَاوِسُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا - وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا - فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ؟ وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَةٌ، لِأَنَّهُ إنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَجَبَ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا مِنْ الطَّلَاقِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَاقًا مُطْلَقًا، بَلْ طَلَاقًا بِعِوَضٍ، لَوْلَاهُ لَمْ يُطَلِّقْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إنْ أَخَذَهُ مِنْهَا وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَّا بِرِضَاهَا؟ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ لَهُ لَازِمًا، فَاَلَّذِي أَخَذَ لَهُ مِلْكٌ، إلَّا إنْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إذَا لَمْ يَصِحَّ الْعِوَضُ الَّذِي لَمْ يُعْقَدْ الطَّلَاقُ إلَّا عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا وُقُوعَ لَهُ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْمُطَلِّقِ لِمَا أَخَذَ عِوَضًا مِنْ الطَّلَاقِ. وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَنَّهُ إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مُطَاوِعَةً فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَمَالُهَا لَهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةُ فَتَذْهَبَ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، فَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بُطْلَانِ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَقَوْلُ طَاوُسٍ هُوَ الْحَقُّ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنْ أَخَذَ فِدَاءَهَا - وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ - رَجَعَ إلَيْهَا مَالُهَا وَرَجَعَتْ إلَيْهِ، وَلَمْ تَذْهَبْ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا - وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ خَالَعَ عَلَى مَجْهُولٍ] 1975 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَالَعَ عَلَى مَجْهُولٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هُوَ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَهَا، وَلَا تَدْرِيهِ هِيَ، فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَكُلُّ طَلَاقٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذَا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَمْ يُطَلِّقْ أَصْلًا - وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُهُمْ فِي خِلَافِ هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . قَالُوا: هَذَا عُمُومٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، عُمُومٌ لِمَا يَحِلُّ عَقْدُهُ وَمِلْكُهُ لَا لِلْحَرَامِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَفْتَدِيَ

مسألة الخلع على عمل محدود

مِنْ زَوْجَتِهِ بِأَنْ يَزْنِيَ بِهَا مَتَى أَرَادَ، وَبِزِقِّ خَمْرٍ وَيَصِحُّ لَهُ مِلْكُهُ، وَبِأَنْ لَا يُصَلِّيَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ عَلَى عَمَلٍ مَحْدُودٍ] 1976 - مَسْأَلَةٌ: وَالْخُلْعُ عَلَى عَمَلٍ مَحْدُودٍ جَائِزٍ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مُبَاحًا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ فِيهِ بِالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ خَالَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا صَحِيحًا] 1977 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا صَحِيحًا لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَإِسْكَانُهَا فِي الْعِدَّةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، وَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقِهَا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَلِلْمُخَالِفِينَ هَاهُنَا أَقْوَالٌ طَرِيفَةٌ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا قَبْلَهُ - سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ. قَالَ: فَإِنْ بَارَأَهَا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُ جَمِيعُ حُقُوقِهَا الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ خَاصَّةً كَالصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَهُوَ لَهَا وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. قَالَ: وَلَا يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَتِهَا وَإِسْكَانِهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَبْرَأَتْهُ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى مُدَّةَ عِدَّتِهَا بَرِئَ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ السُّكْنَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إيرَادُ هَذَا التَّقْسِيمِ يُغْنِي مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ بِنِصْفِ

مسألة لا يجوز أن يخالع عن المجنونة ولا عن الصغيرة أب ولا غيره

الْمَهْرِ، فَلَوْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ. وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ظُلْمٌ صُرَاحٌ وَإِسْقَاطُ حَقٍّ لَمْ تُسْقِطْهُ. وَالْعَجَبُ مِنْ إسْقَاطِهِمْ أَلْفَ دِينَارٍ لَهَا قِبَلَهُ مِنْ صَدَاقِهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا افْتَدَتْ مِنْهُ بِدِينَارٍ، وَلَا يُسْقِطُونَ عَنْهُ بِذَلِكَ دِرْهَمًا اسْتَقْرَضَتْهُ مِنْهُ - وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَاهِيك بِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ الْمَجْنُونَةِ وَلَا عَنْ الصَّغِيرَةِ أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ] 1978 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ الْمَجْنُونَةِ وَلَا عَنْ الصَّغِيرَةِ أَبٌ، وَلَا غَيْرُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَمُخَالَعَةُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ عَنْ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ - وَاسْتِحْلَالُ الزَّوْجِ مَالَهَا بِغَيْرِ رِضًا مِنْهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَهُوَ حَرَامٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْخُلْعُ عَلَى أَنْ تُبْرِيَهُ مِنْ نَفَقَةِ] 1979 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى أَنْ تُبْرِيَهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا أَوْ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا - وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْقَدْرِ، وَقَدْ يَزِيدُ السِّعْرُ وَقَدْ يَنْقُصُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهَا بَعْدُ، فَمُخَالَعَتُهَا بِمَا لَا تَمْلِكُهُ بَاطِلٌ وَظُلْمٌ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا - إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ تُخَالِعَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ - وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ النِّكَاحِ بِثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ قَبْلَ أَنْ تَنْضَجَ، وَبِزَرْعٍ لَمْ يُسَنْبِلْ وَهُوَ يُجِيزُ الْخُلْعَ عَلَى مَا يُثْمِرُ نَخْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرَةٌ، وَلَا يَرَى لَهَا غَيْرَ ذَلِكَ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. .

المتعة

[الْمُتْعَةُ] [مَسْأَلَةٌ الْمُتْعَةُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُطَلِّقٍ] ُ 1980 - مَسْأَلَةٌ: الْمُتْعَةُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُطَلِّقٍ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - أَوْ آخَرَ ثَلَاثٍ - وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا - فَرَضَ لَهَا صَدَاقَهَا أَوْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا شَيْئًا -: أَنْ يُمَتِّعَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُفْتَدِيَةُ أَيْضًا وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَلَا مُتْعَةَ عَلَى مَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا يُسْقِطُ التَّمَتُّعَ عَنْ الْمُطَلِّقِ مُرَاجَعَتُهُ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا مَوْتُهَا -. وَالْمُتْعَةُ لَهَا أَوْ لِوَرَثَتِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ يَضْرِبُ بِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ تَعَاسَرَ فِي الْمُتْعَةِ قَضَى عَلَى الْمُوسِرِ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ عَظِيمَ الْيَسَارِ أَوْ زَادَ فَضْلَةٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ خَادِمٌ يَسْتَقِلُّ بِالْخِدْمَةِ. وَعَلَى مَنْ لَا فَضْلَةَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِ أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا بِالْعِرَاقِيِّ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ ". وَيَقْضِي عَلَى الْمُقِلِّ وَلَوْ بِمُدٍّ أَوْ بِدِرْهَمٍ - عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ وَلَمْ يَخُصَّ وَأَوْجَبَهُ لَهَا عَلَى كُلِّ مُتَّقٍ يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِهَا -: فَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ: أَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ - ضَعِيفٌ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، وَمَالِكٍ.

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُ مَنْ قَلَّدَهُ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ لَا عَلَى غَيْرِهِمْ؟ . فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَبْكُمْ صَادِقِينَ فِي ذَلِكَ، أَتُوجِبُونَهَا أَنْتُمْ عَلَى مَنْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، أَقَرُّوا بِخِلَافِهِمْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَبْطَلُوا احْتِجَاجَهُمْ الْمَذْكُورَ، وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، تَرَكُوا مَذْهَبَهُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ، وَالْمُحْسِنِينَ - وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: شَهِدْت شُرَيْحًا وَأَتُوهُ مِنْ مَتَاعٍ، فَقَالَ: لَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ؟ قَالَ: إنِّي مُحْتَاجٌ قَالَ: لَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ؟ قَالَ أَيُّوبُ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ، إنْ كَانَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ أَيُّوبُ: وَسَأَلَ عِكْرِمَةَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي فَهَلْ عَلَيَّ مُتْعَةٌ؟ قَالَ: إنْ كُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ، فَنَعَمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مُسْلِمٍ هُوَ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ، فَهُوَ بِقَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَّقِينَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، وَإِيمَانِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُحْسِنِينَ - وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُخْلِدَهُ فِي النَّارِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. فَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الْعَالَمِ فَهُوَ مُحْسِنٌ مُتَّقٍ، مِنْ الْمُحْسِنِينَ الْمُتَّقِينَ. وَلَوْ لَمْ يَقَعْ اسْمُ " مُحْسِنٍ، وَمُتَّقٍ " إلَّا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ وَيَتَّقِي فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ: لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مُحْسِنٌ، وَلَا مُتَّقٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا بُدَّ لِكُلِّ مَنْ دُونَهُ مِنْ تَقْصِيرٍ، وَإِسَاءَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ الْمُحْسِنِينَ، وَلَا مِنْ الْمُتَّقِينَ. فَكَانَ عَلَى هَذَا يَكُونُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] فَارِغًا وَلَغْوًا وَبَاطِلًا، وَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَهُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] وَ {مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72] وَ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] وَالْمَعْنَى فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.

نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] الَّتِي بَعْدَهَا {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] .

قُلْنَا: لَا يُصَدَّقُ أَحَدٌ عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ آيَةٍ مُنَزَّلَةٍ إلَّا بِخَبَرٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ شَيْءٌ يُخَالِفُ الَّتِي زَعَمَ أَنَّهَا نَسَخَتْهَا؟ فَكِلْتَاهُمَا حَقٌّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِلَّتِي طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُوطَأَ -، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقٌ - فَهَذِهِ تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ فَرْضًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا فُوِّضَ إلَى الرَّجُلِ فَطَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ؟ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمَتَاعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى لِغَيْرِهَا الْمُتْعَةَ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. إلَّا ` أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: لَا مُتْعَةَ عَلَى عَبْدٍ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَهْرًا ثُمَّ فَرَضَ لَهَا مَهْرًا بِرِضَاهُ وَبِرِضَاهَا - وَقَدْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ - ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَهْرَ يَبْطُلُ، وَلَا يَجِبُ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَاسِدٌ جِدًّا، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ: إسْقَاطُ فَرْضٍ أَمَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ الْتِزَامِهِ أَوْ إلْزَامِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] . قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ لَكَانَ قَوْلُهُ هَذَا حَقًّا، لَكِنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] جَامِعٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَفْرُوضٌ لَهَا، أَوْ غَيْرُ مَفْرُوضٍ لَهَا، مَدْخُولٌ بِهَا، أَوْ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا - وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الَّتِي نَزَعُوا بِهَا: أَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لِغَيْرِهَا؟ فَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ، إلَّا الَّتِي طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ وَقَدْ فَرَضَ لَهَا بِحَسَبِهَا نِصْفَ مَا فَرَضَ لَهَا. بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ، إلَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا اللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ - الَّتِي تَطْلُقُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا فَرِيضَةً فَحَسْبُهَا فَرِيضَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ - وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُبْطِلُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ ذَكَرَ: أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَا فُرِضَ لَهَا، لَمْ يَقُلْ: وَلَا مُتْعَةَ لَهَا.

وَقَدْ أَوْجَبَ لَهَا الْمُتْعَةَ بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وَهَذِهِ مُطَلَّقَةٌ فَلَهَا الْمُتْعَةُ فَرْضًا مَعَ نِصْفِ مَا فُرِضَ لَهَا. وَقَوْلٌ غَرِيبٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمَتَاعِ مَنْ لَا رِدَّةَ عَلَيْهِ، وَلَا تُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ، لَيْسَتْ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، فَهُوَ سَاقِطٌ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ كَقَوْلِنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُوسَى ابْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ؟ فَقَالَ ابْنِ شِهَابٍ: كُلُّ مُطَلَّقَةٍ فِي الْأَرْضِ لَهَا مَتَاعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لِلْمُخْتَلِعَةِ الْمُتْعَةُ، الَّتِي جَمَعَتْ، وَاَلَّتِي لَمْ تَجْمَعْ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ وَتَلَا: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لِكُلِّ امْرَأَةٍ افْتَلَتَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لِلْمُخْتَلِعَةِ الْمُتْعَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: لِلْمَمْلُوكَةِ، وَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ: الْمُتْعَةُ إذَا طَلُقَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ عَجَائِبِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ - أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ الْعِدَّةَ -: عَلَى كُلِّ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنْ الزَّوْجَاتِ - وَعَلَى كُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُنَّ - وَعَلَى الْمُعْتَقَةِ الْمُخْتَارَةِ فِرَاقَ زَوْجِهَا - وَأَوْجَبَ الْمُتْعَةَ لِلْمُطَلَّقَاتِ جُمْلَةً. فَقَاسُوا بِآرَائِهِمْ كُلَّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، لَكِنْ وُطِئَتْ بِعَقْدٍ مَفْسُوخٍ فَاسِدٍ، لَا يُوجِبُ مِيرَاثًا عَلَى الزَّوْجَةِ الصَّحِيحَةِ الزَّوَاجِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِمَا. وَأَسْقَطُوا كَثِيرًا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ عَنْ إيجَابِ الْمُتْعَةِ لَهُنَّ، فَهَلْ سُمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ فَسَادِ هَذَا الْعَمَلِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا مِقْدَارُ الْمُتْعَةِ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: أَدْنَى مَا أَرَاهُ يَجْزِي فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَعْلَى الْمُتْعَةِ؛ الْخَادِمُ، وَدُونَ ذَلِكَ: النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ - قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ يَمْنَعُهَا عَلَى قَدْرِ الْمَيْسَرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا أَعْلَمُ لِلْمُتْعَةِ وَقْتًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَعْلَى مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتْعَةِ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَدْنَى ذَلِكَ: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.

وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؟ وَهَبْكَ أَنَّهُ قَاسَ الْعَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ؟ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَاسَ الْخَمْسَةَ دَرَاهِمَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَكَّلَ الْمُتْعَةَ إلَى الْمُتَمَتِّعِ لَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَلْزَمْنَاهُ ذَلِكَ؟ كَمَا يَفْعَلُ فِي إيتَاءِ الْمُكَاتِبِ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ لَكِنَّهُ تَعَالَى أَلْزَمَهُ عَلَى قَدْرِ الْيَسَارِ وَالْإِقْتَارِ، فَلَزِمَنَا فَرْضًا أَنْ نَجْعَلَ مُتْعَةَ الْمُوسِرِ غَيْرَ مُتْعَةِ الْمُقْتِرِ وَلَا بُدَّ - وَلَمْ نَجِدْ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدًّا وَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ، فَوَجَبَ بِهَذَا الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، كَمَا فَعَلْنَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَمَا كَانَ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ، فَهُوَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا بُدَّ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ بَيَانٍ، فَقَدْ كَانَ فِيهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمُوسِرُ الْمُتَنَاهِي، كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَغَيْرِهِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ مُوسِرَيْنِ دُونَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ وُجُوبَ الرُّجُوعِ إلَى مَا رَآهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ مُتْعَةٌ بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، إذْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ عَلَى هَذَا، وَكِلَا النَّصَّيْنِ وَاجِبٌ اتِّبَاعُهُ. وَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا ابْنُ مُفَرِّحٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ نَفْسِهَا قَالَتْ: طَلَّقَنِي أَبُو عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَنِ وَوَكَّلَ بِهَا عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عَيَّاشٌ بَعْضَ النَّفَقَةِ، فَسَخِطَتْهَا؟ فَقَالَ لَهَا عَيَّاشٌ: مَا لَك عَلَيْنَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلِيهِ؟ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا قَالَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ وَلَا مَسْكَنٌ، وَلَكِنْ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَاخْرُجِي عَنْهُمْ» ، وَذَكَرَتْ بَاقِي الْخَبَرَ.

فَهَذَا غَايَةُ الْبَيَانِ - أَنَّ الْمُتْعَةَ مَرْدُودَةٌ إلَى مَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْت حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ - هِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ، مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْفَوَاضِلِ لَهَا صُحْبَةٌ - أَنَّهَا قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى جَارِيَةٍ سَوْدَاءَ حَمَّمَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ أُمَّ أَبِي سَلَمَةَ حِينَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ. قَالَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْعَرَبُ تُسَمِّي " الْمُتْعَةَ " التَّحْمِيمَ. فَقَدْ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ مُتْعَةَ الْمُوسِرِ الْمُتَنَاهِي - خَادِمُ سَوْدَاءُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُحْسِنٌ، كَمَا فَعَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَتْ خَادِمًا، فَعَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ يُجْبَرُ الْمُوسِرُ إذَا أَبَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ - فَيُجْبَرُ عَلَى ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتِهَا إذْ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا آنِفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ إذْ رَأَيَا ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَأَمَّا الْمُقْتِرُ - فَأَقَلُّهُمْ مَنْ لَا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ، أَوْ لَا يَجِدُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا لَا

يُكَلَّفُ حِينَئِذٍ شَيْئًا، لَكِنَّهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى قُوتِهِ كُلِّفَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَنْتَفِعُ بِهِ - وَلَوْ فِي أَكْلَةِ يَوْمٍ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ يَقُولُ: {وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الرجعة

[الرَّجْعَةُ] [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِأَخَرَ وَطِئَهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا] ُ 1981 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ الرَّجْعَةِ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ - يَطَؤُهَا فِي فَرْجِهَا - إنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ تَبْقَى لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ هِيَ الثَّالِثَةُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ قَدْ هَدَمَ طَلَاقَهُ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، فَإِنَّهُ يَهْدِمُ مَا دُونَهَا - فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الثَّانِي، فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَطَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ: أَنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ - وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَحُمَيْدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، كُلَّهُمْ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهِ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مِثْلُهُ - وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَنَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِي - مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ

مسألة حكم المطلقة طلاقا رجعيا

عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نِكَاحٌ جَدِيدٌ، وَطَلَاقٌ جَدِيدٌ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَوَكِيعٍ، قَالَ وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْدِنِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نِكَاحٌ جَدِيدٌ، وَطَلَاقٌ جَدِيدٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَشُرَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَأَبِي يُوسُفَ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ؟ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: إنَّنَا لَمْ نَخْتَلِفْ أَنَّ نِكَاحَ زَوْجٍ آخَرَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا هَدَمَهَا فَإِنَّهُ قَدْ هَدَمَ الْوَاحِدَةَ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَالِاثْنَيْنِ مِنْ جُمْلَتِهَا - وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَهْدِمَهَا مُتَفَرِّقَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: لَمْ يَهْدِمْ قَطُّ طَلَاقًا، إنَّمَا هَدَمَ التَّحْرِيمَ الْوَاقِعَ بِتَمَامِ الثَّلَاثِ مُفَرَّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً فَقَطْ، وَلَا تُحَرَّمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ وَلَا بِالْوَاحِدَةِ بِهَدْمِهِ. وَقُلْنَا لَهُمْ: أَنْتُمْ قَدْ حَمَّلْتُمْ الْعَاقِلَةَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ، وَلَمْ تُحَمِّلُوهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا إذَا حُمِّلَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ فَقَدْ حُمِّلَتْ فِي جُمْلَتِهِ أَقَلَّ مِنْهُ؟ فَقَالُوا: إنَّمَا حَمَّلْنَاهَا مَا ثَقُلَ؟ فَقُلْنَا: وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ نَصَّفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا هُوَ الثِّقَلُ دُونَ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ هُوَ الثِّقَلُ أَوْ الْكُلُّ. وَأَيْضًا - فَرُبَّ جَانٍّ يَعْظُمُ عَلَيْهِ وَيَثْقُلُ رُبُعُ عُشْرِ الدِّيَةِ، لِقِلَّةِ مَالِهِ، وَآخَرَ تَخِفُّ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا لِكَثْرَةِ مَالِهِ. ثُمَّ السُّؤَالُ بَاقٍ عَلَيْكُمْ، إذْ حَمَّلْتُمُوهَا مَا ثَقُلَ، فَالْأَوْلَى أَنْ تُحَمِّلُوهَا مَا خَفَّ وَكُلُّ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] يَعْنِي فِي الثَّالِثَةِ {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّي حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا] 1982 - مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَهِيَ زَوْجَةٌ لِلَّذِي طَلَّقَهَا مَا

لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، يَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، وَإِيلَاؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَلِعَانُهُ إنْ قَذَفَهَا، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَكِسْوَتُهَا، وَإِسْكَانُهَا. فَإِذْ هِيَ زَوْجَتُهُ فَحَلَالٌ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا كَانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَنْ يَطَأَهَا، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِمَنْعِهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى " بَعْلًا " لَهَا، إذْ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُرَاجِعًا لَهَا حَتَّى يَلْفِظَ بِالرَّجْعَةِ وَيُشْهِدَ، وَيُعْلِمَهَا بِذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَلَيْسَ مُرَاجِعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْمُرَاجَعَةِ، وَالطَّلَاقِ وَالْإِشْهَادِ، فَلَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ مَنْ طَلَّقَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، أَوْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] . وَقَالَ تَعَالَى فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] . فَلِمَ أَجَزْتُمْ الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ وَغَيْرَهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] . فَلِمَ أَجَزْتُمْ الدَّفْعَ إلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ إذَا بَلَغَ مُمَيِّزًا دُونَ إشْهَادٍ؟ قُلْنَا: لَمْ نُجِزْ دَعْوَاهُ لِلدَّفْعِ لَا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَضَيْنَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْيَتِيمِ إنْ لَمْ يَأْتِ الْمَوْلَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ حَلَفَ حَانِثًا فَقَطْ.

كَمَا جَعَلْنَا الْمَرْأَةَ الَّتِي لَمْ يَقُمْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ بِطَلَاقِهَا، وَلَا بِرَجْعَتِهَا: عَاصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ حَلَفَتْ حَانِثَةً، عَالِمَةً بِأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا أَوْ رَاجَعَهَا. وَأَمَّا إجَازَتُنَا الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ وَغَيْرَهُ -، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ - فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِذَا تَفَرَّقَا أَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ " أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ بِنَصِّهِ، وَإِسْنَادِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ لَمْ يُشْهِدْ فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ، وَغَيْرِهِ، وَفِي دَفْعِ الْمَالِ لِلْيَتِيمِ إذَا بَلَغَ مُمَيِّزًا، وَفِي طَلَاقِهِ، وَفِي رَجْعَتِهِ، إذَا لَمْ يَفْعَلْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ، أَيَكُونُ رَجْعَةً أَمْ لَا؟ نَعَمْ، وَفِيمَا دُونَ الْوَطْءِ -: فَرُوِّينَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْوَطْءَ رَجْعَةٌ - وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ -، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إنْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الرَّجْعَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الرَّجْعَةَ فَلَيْسَ رَجْعَةً، قَالَا جَمِيعًا: وَأَمَّا مَا دُونَ النِّكَاحِ فَلَيْسَ رَجْعَةً، وَإِنْ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَقْسِيمٌ لَا حُجَّةَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: الْجِمَاعُ رَجْعَةٌ - نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ - وَكَذَلِكَ اللَّمْسُ. قَالَ سُفْيَانُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ. قَالَ: فَلَوْ قَبَّلَتْهُ لِشَهْوَةٍ، أَوْ لَمَسَتْهُ لِشَهْوَةٍ - وَأَقَرَّ هُوَ بِذَلِكَ - فَهِيَ رَجْعَةٌ؟ فَلَوْ جُنَّ فَقَبَّلَهَا لِشَهْوَةٍ فَهِيَ رَجْعَةٌ، فَلَوْ جَامَعَتْهُ مُكْرَهَةً فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَلَا يَكُونُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ بِإِكْرَاهٍ رَجْعَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا شَرْعٌ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ فِي السَّدَادِ حَظٌّ، وَلَا سَبَقَهُ إلَيْهَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ: الْوَطْءُ فَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ رَجْعَةً - نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ - وَلَا رَجْعَةَ إلَّا بِالْكَلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَأْتِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ رَجْعَةٌ: قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الرَّجْعَةَ بِالْكَلَامِ رَجْعَةٌ، فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا بِمَا صَحَّ أَنَّهُ رَجْعَةٌ وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَالْمَعْرُوفُ مَا عُرِفَ بِهِ مَا فِي نَفْسِ الْمُمْسِكِ الرَّادِّ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِالْكَلَامِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] إنَّمَا مَعْنَاهُ: مُقَارَبَةُ بُلُوغِ الْأَجَلِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ وَبَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُخْبِرْنَا - عَزَّ وَجَلَّ - وَبِأَنَّهُ أَرَادَهُ وَلَا أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . وَأَيْضًا - فَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَكَانَ لَا إمْسَاكَ إلَّا قُرْبَ بُلُوغِ أَقْصَى الْعِدَّةِ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعْنَاهُ - بِلَا شَكٍّ -: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [الطلاق: 2] أَجَلُ عِدَّتِهِنَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ مِنْ أَوَّلِ الْعِدَّةِ إلَى آخِرِهَا وَقْتًا لِرَدِّهِ إيَّاهَا وَلِإِمْسَاكِهِ لَهَا، وَلَا قَوْلَ أَصَحَّ مِنْ قَوْلٍ صَحَّحَهُ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ الْمُخَالِفِ وَالْمُوَالِفِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ، أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا - غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا - وَقَدْ طَلَّقَهَا وَأَعْلَمَهَا وَأَشْهَدَ، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِوَلِيٍّ، وَإِشْهَادٍ وَصَدَاقٍ مُبْتَدَأٍ - سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ - فَإِنْ أَتَاهَا الْخَبَرُ - وَهِيَ بَعْدُ فِي الْعِدَّةِ - فَهِيَ رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] وَهَذَا عَيْنُ الْمُضَارَّةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، فَمُضَارَّتُهُ مَرْدُودَةٌ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]

فَالرَّجْعَةُ - هِيَ الْإِمْسَاكُ، وَلَا تَكُونُ - بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِمَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ - هُوَ إعْلَامُهَا، وَإِعْلَامُ أَهْلِهَا، إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً - فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهَا لَمْ يُمْسِكْ بِمَعْرُوفٍ، وَلَكِنْ بِمُنْكَرٍ، إذْ مَنَعَهَا حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ: مِنْ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، وَالْإِسْكَانِ، وَالْقِسْمَةِ فَهُوَ إمْسَاكٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِإِعْلَامِهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَعْرُوفٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا يَكُونُ " الْبَعْلُ " أَحَقَّ بِرَدِّهَا إنْ أَرَادَ إصْلَاحًا - بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَمَنْ كَتَمَهَا الرَّدَّ، أَوْ رَدَّ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهَا، فَلَمْ يُرِدْ إصْلَاحًا بِلَا شَكٍّ، بَلْ أَرَادَ الْفَسَادَ، فَلَيْسَ رَدًّا وَلَا رَجْعَةً أَصْلًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: -:. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَأَعْلَمَهَا، ثُمَّ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا: فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَأَعْلَمَهَا طَلَاقَهَا، ثُمَّ رَاجَعَهَا فَكَتَمَهَا الرَّجْعَةَ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ: فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: تَمَارَيْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْقُرَّاءِ الْأَوَّلِينَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ ثُمَّ

يَرْتَجِعُهَا، فَيَكْتُمُهَا رَجْعَتَهَا؟ فَقُلْت أَنَا: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فَسَأَلْنَا شُرَيْحًا الْقَاضِيَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا فَسْوَةُ الضَّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُ طَلَّقَ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَرَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ؟ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: طَلَّقْت بِغَيْرِ عِدَّةٍ، وَرَاجَعْت فِي غَيْرِ سُنَّةٍ، فَأَشْهِدْ عَلَى مَا صَنَعْت. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنِي عَبِيدَةُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ رَوَّاحٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ سِرًّا، وَرَاجَعَ سِرًّا؟ فَقَالَ: طَلَّقْت فِي غَيْرِ عِدَّةٍ، وَارْتَجَعْت فِي عَمَاءٍ، أَشْهِدْ عَلَى مَا صَنَعْت؟ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي غَيْبٍ أَوْ مَشْهَدٍ، وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِالرَّجْعَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا - فَهَذَا قَوْلٌ. وَقَوْلٌ ثَانِي - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ غَائِبٌ - ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَلَا يُبَلِّغُهَا مُرَاجَعَتَهُ -، وَقَدْ بَلَّغَهَا طَلَاقُهُ -: أَنَّهَا إنْ تَزَوَّجَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا الْآخَرُ، أَوْ دَخَلَ: فَلَا سَبِيلَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ إلَيْهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِيهَا وَفِي الْمَفْقُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا فَيَكْتُمُهَا رَجْعَتَهَا حَتَّى تَحِلَّ فَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ أَمْرِهَا شَيْءٌ، وَلَكِنَّهَا مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ.

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ مِثْلُهُ - وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، إذَا كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ثَالِثٌ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ لِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ: إنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخَرُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهَا الْأَوَّلُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا - وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي هَذَا وَفِي الْمَفْقُودِ - يَعْنِي: فِي الَّذِي طَلَّقَهَا وَأَعْلَمَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا وَأَشْهَدَ وَلَمْ يُبْلِغْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنَّهَا إنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِنَرَى الْمُشْغِبِينَ بِقَوْلِ مَالِكٍ: " الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا " حُجَّةٌ، وَإِجْمَاعٌ، لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ. وَهَذَا مَالِكٌ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْأَمْرُ عِنْدَهُمْ، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ: فَحَسْبُهُمْ وَحَسْبُكُمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُمَرَ كُلِّهَا مُنْقَطِعَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، أَوْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَافَرَ وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا عِلْمَ لَهَا بِذَلِكَ حَتَّى تَزَوَّجَتْ: أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا حَتَّى دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهِيَ امْرَأَةُ الثَّانِي، حَكَمَ بِذَلِكَ فِي أَبِي كَنَفٍ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ طَلَّقَ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا وَأَشْهَدَ فَلَمْ تَأْتِهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى تَزَوَّجَتْ؟ قَالَ: إنْ أُصِيبَتْ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ فِيمَا بَلَغَنَا - يُقَالُ ذَلِكَ، فَإِنْ نُكِحَتْ وَلَمْ تُصَبْ؟ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا - وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ الْكَرِيمِ.

وَقَوْلٌ خَامِسٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا: فَهِيَ امْرَأَتُهُ إذَا أَشْهَدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ غَابَ، فَكَتَبَ إلَيْهَا بِرَجْعَتِهَا، فَضَاعَ الْكِتَابُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَإِنَّ زَوْجَهَا الْأَوَّلِ أَحَقُّ بِهَا دَخَلَ بِهَا الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَتَادَةَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ - وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَبِي كَنَفٍ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ. ثُمَّ وَجَدْنَاهُ مُتَّصِلًا عَنْ عَلِيٍّ كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا عَيَّاشُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى أَنَا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَأَعْلَمَهَا، وَأَرْجَعَهَا، وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ وَقَالَ: اُكْتُمَا عَلَيَّ، فَكَتَمَا، حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَارْتَفَعُوا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ فَأَجَازَ الطَّلَاقَ وَجَلَدَ الشَّاهِدَيْنِ وَاتَّهَمَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَوَجَدْنَاهَا لَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إجَازَةُ الطَّلَاقِ، لَا إجَازَةُ الرَّجْعَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ، أَوْ الَّذِي تَخَيَّرْنَاهُ، وَمَا عَدَاهُمَا فَخَطَأٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ زَوَاجَهَا أَوْ دُخُولَهُ بِهَا، أَوْ وَطْأَهُ لَهَا، لَا يَفْسَخُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ نِكَاحًا صَحِيحًا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -، وَإِنَّمَا هُوَ صِحَّةُ الرَّجْعَةِ أَوْ فَسَادُهَا، وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ الَّذِي ذَكَرْنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ.

مسألة الرجعة من الطلاق الثلاث

[مَسْأَلَةٌ الرَّجْعَة مِنْ الطَّلَاق الثَّلَاثِ] مَسْأَلَةٌ وَنَجْمَعُ هَاهُنَا مَا لَعَلَّنَا ذَكَرْنَاهُ مُفَرَّقًا هُوَ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقٌ لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُطَلِّقُ الرَّجْعَةَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ إلَّا طَلَاقَ الثَّلَاثِ - مَجْمُوعَةً، أَوْ مُفَرَّقَةً - وَطَلَاقُ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا الْمُطَلِّقُ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - إلَّا أَنَّهُ دُونَ الثَّلَاثِ - إنْ رَضِيَ هُوَ وَهِيَ - فَلَهُمَا ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ بِوَلِيٍّ، وَإِشْهَادٍ، وَصَدَاقٍ - وَهَذَا حُكْمُ الْفَسْخِ كُلِّهِ. وَأَمَّا طَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ: فَلِلْمُطَلِّقِ مُرَاجَعَتُهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - بِلَا صَدَاقٍ، وَلَا وَلِيٍّ، وَلَكِنْ بِإِشْهَادٍ فَقَطْ - وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

العدد

[الْعِدَدُ] [مَسْأَلَةٌ أَنْوَاعُ الْعِدَد] ُ 1984 - مَسْأَلَةٌ: الْعِدَدُ ثَلَاثٌ -: إمَّا مِنْ طَلَاقٍ فِي نِكَاحٍ وَطِئَهَا فِيهِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ فَأَكْثَرَ. وَإِمَّا مِنْ وَفَاةٍ، سَوَاءٌ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ - إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَفِرَاقَ زَوْجِهَا؟ فَإِنَّ هَذِهِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الْفَسْخِ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا سَائِرُ وُجُوهِ الْفَسْخِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَلَهُنَّ أَنْ يُنْكَحْنَ: سَاعَةَ الْفَسْخِ، وَسَاعَةَ الطَّلَاقِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَالْوَفَاةِ: مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ - وَكَذَلِكَ سُقُوطُ الْمَسْقُوطَةِ الْعِدَّةِ عَنْ الَّتِي طَلُقَتْ وَلَمْ يَطَأْهَا الْمُطَلِّقُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ - تَخْتَارُ فَسْخَ نِكَاحِهَا -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ

أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ اسْمُهُ مُغِيثٌ فَخَيَّرَهَا - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهَا تَعْتَدُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ كَانَتْ عِدَّةٌ غَيْرَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مِنْ حَيٍّ لَا مِنْ مَيِّتٍ - فَصَحَّ إذْ أَمَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ تَعْتَدَّ مِنْ فِرَاقِهَا لَهُ - وَهُوَ حَيٌّ - أَنَّهَا الْعِدَّةُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْحَيِّ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا سَائِرُ وُجُوهِ الْفَسْخِ - سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ -: فَلَا عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا حُجَّةٌ فِيمَا سِوَاهُمَا. وَلَا يَكُونُ طَلَاقٌ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَكَذَلِكَ لَا عِدَّةَ مِنْ وَفَاةِ مَنْ لَيْسَ عَقْدُ زَوَاجِهِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عِدَّةَ طَلَاقٍ لَهُ، أَوْ وَفَاةٍ، إلَّا مِنْ زَوْجٍ، وَمَنْ عَقْدُهُ فَاسِدٌ لَيْسَ زَوْجًا، فَلَا طَلَاقَ لَهُ، وَإِذْ لَا

مسألة عدة المطلقة الموطوءة التي تحيض

طَلَاقَ لَهُ فَلَا عِدَّةَ مِنْ فِرَاقِهِ، وَإِذْ لَيْسَ زَوْجًا فَلَا عِدَّةَ مِنْ وَفَاتِهِ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا كُلَّ فَسْخٍ عَلَى الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا. قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ وُجُوهِ الْفَسْخِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِلْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا إلَّا الْمُعْتَقَةَ فَقَدْ أَجْمَعُوا - بِلَا خِلَافٍ - عَلَى مُفَارَقَةِ حُكْمِهَا لِحُكْمِ سَائِرِ الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهُنَّ، وَالْعِدَّةُ الْوَاجِبَةُ إنَّمَا هِيَ حُكْمٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذَا لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ الْعِدَّةَ: عَلَى الصَّغِيرَةِ الْمَوْطُوءَةِ أَيْ الَّتِي لَا تَحْمِلُ، وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْمِلُ -: فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَلَوْ خَالَفُونَا فِي الطَّلَاقِ فِي الصَّغِيرَةِ لَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] حَاكِمًا بِصِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ. وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] إنَّمَا هُوَ إنْ ارْتَبْتُمْ كَيْفَ يَكُونُ حُكْمُهَا لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ لَا يَرْتَابُ فِيهَا بِحَمْلٍ. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْخَصِيَّ الَّذِي بَقِيَ لَهُ مِنْ الذَّكَرِ مَا يُولِجُ، فَإِنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْعِدَّةَ - وَهُوَ بِلَا شَكٍّ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ أَبَدًا. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ مَرَّةً، ثُمَّ غَابَ عَنْهَا عَشْرَاتِ السِّنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا لَا حَمْلَ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ خَوْفَ الْحَمْلِ لَأَجْزَأَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي تَحِيضُ] 1985 - مَسْأَلَةٌ: وَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي تَحِيضُ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ - وَهِيَ بَقِيَّةُ الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ - وَلَوْ أَنَّهَا سَاعَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ - ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِي بَقِيَّةَ ذَلِكَ الطُّهْرِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَانِي كَامِلٍ، ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِيهِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَالِثٍ كَامِلٍ -: فَإِذَا رَأَتْ أَثَرَهُ

أَوَّلَ شَيْءٍ مِنْ الْحَيْضِ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ حِينَئِذٍ إنْ شَاءَتْ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ كَمَا قُلْنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ - مَعَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى الطَّاعَةِ - لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقُرُوءُ جَمْعُ " قُرْءٍ " وَالْقُرْءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَيَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ، وَيَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ -:

أَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحَّاسِ النَّحْوِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ أَنَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ يَقُولُ فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَا - وَقَالَ الْأَعْشَى: أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا غَرِيمَ عَزَائِكَا مُورِثَةٍ مَالًا وَفِي الْأَصْلِ رِفْعَةٌ ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا فَأَرَادَ الْأَطْهَارَ - وَقَالَ آخَرُ: يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَى قَارِضٍ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ فَأَرَادَ الْحَيْضَ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا جَمَاعَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا دَخَلَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا. وَبِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ نَصًّا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ - وَبِهِ يَأْخُذُ الزُّهْرِيُّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ نَصًّا - وَهُوَ قَوْلُ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: إذَا رَأَتْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا حَاضَتْ الثَّالِثَةَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، إلَّا أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَطْهُرَ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ - قَالَ يَحْيَى فَقُلْت لَهُ: أَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ؟ قَالَ: لَا، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَتَوَقَّفَتْ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَلَمَّا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مَاتَ فَطَلَبَتْ مِيرَاثَهُ، فَأُتِيَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ فِي ذَلِكَ إلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ: فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمًا. وَاضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -: فَمَرَّةً قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَمَرَّةً قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ، وَمَرَّةً تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُ بِأَنَّهَا الْحَيْضُ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ رَجْعَةٌ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهَا فَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: يُرَاجِعُهَا مَا كَانَتْ فِي الدَّمِ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ فِي الدَّمِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: إذَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ فَقَالَتْ: طَلَّقَنِي ثُمَّ تَرَكَنِي حَتَّى إذَا كُنْت فِي آخِرِ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَانْقَطَعَ عَنِّي الدَّمُ وَضَعْت غُسْلِي وَنَزَعْت ثِيَابِي فَقَرَعَ الْبَابَ وَقَالَ: قَدْ رَاجَعْتُك؟ فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ مَسْعُودٍ: مَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ: أَرَاهُ أَحَقُّ بِهَا مَا دُونَ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: نِعْمَ مَا رَأَيْت، وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَتَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ رَاجَعَهَا؟ فَاخْتَصَمَا إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَاسْتَحْلَفَهُمَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ حَلَّتْ لَهَا الصَّلَاةُ؟ فَأَبَتْ أَنْ تَحْلِفَ، فَرَدَّهَا إلَيْهِ - وَصَحَّ مِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: أَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ، وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ؟ قَالَ: فَمَا أَعْلَمُ عُثْمَانَ إلَّا أَخَذَ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيِّرُ، فَالْخَيِّرُ -: مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ

قَالَ: لَا تَبِينُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ وَصَحَّ هَذَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ. وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي: إنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا ظَاهِرُ مَا رُوِّينَا عَنْ الصَّحَابَةِ آنِفًا - نَعْنِي الْقَائِلِينَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ ثُمَّ تُؤَخِّرُ اغْتِسَالَهَا حَتَّى تَفُوتَهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَقَدْ بَانَتْ حِينَئِذٍ. وَبِهِ - يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِتَمَامِهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ - اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ، رَأَتْ الطُّهْرَ أَوْ لَمْ تَرَهُ. قَالُوا: وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَبِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ - كَانَتْ عِدَّتُهَا عَشَرًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرٍ، اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ. قَالُوا: وَأَمَّا الْمُسْلِمَةُ الَّتِي حَيْضُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ كُلُّهَا وَلَوْ لَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الْغُسْلِ إلَّا عُضْوٌ وَاحِدٌ كَامِلٌ.

قَالُوا: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ لَهَا عُضْوٌ كَامِلٌ لَمْ تَغْسِلْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ؟ قَالُوا: وَلَكِنْ نَدَعُ الْقِيَاسَ، وَنَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَنْ تَغْسِلَ إلَّا بَعْضَ عُضْوٍ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا الزَّوَاجُ حَتَّى تَغْسِلَ تِلْكَ اللُّمْعَةَ. قَالَ: فَلَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مُسَافِرَةٌ لَا مَاءَ مَعَهَا فَتَيَمَّمَتْ، فَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تُصَلِّ. قَالَ: فَلَوْ وَجَدَتْ مَاءً قَدْ شَرِبَ مِنْهُ حِمَارٌ - وَلَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ - فَاغْتَسَلَتْ بِهِ، أَوْ تَيَمَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا يَحِلُّ مَعَ ذَلِكَ لَهَا الزَّوَاجُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ - وَكَذَلِكَ تَحْدِيدُ مَنْ حَدَّ انْقِطَاعَ الْعِدَّةِ بِأَنْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ فَلَا تَغْتَسِلُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ حَتَّى تَغْسِلَ فَرْجَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا. وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ بِطُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا - وَهُوَ قَوْلُنَا. فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ - يَحْتَجُّونَ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ - قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، مَا لَمْ يَأْتِ

عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا سِيَّمَا وَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ رَأْيٌ رَأَيَاهُ لَا عَنْ أَثَرٍ عِنْدَهُمَا قَالَاهُ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَفْرَحُ الْحَنَفِيُّونَ بِهَذَا الشَّغَبِ، فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِلصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَهُمْ يَقْطَعُونَ عَنْهُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ إذَا بَقِيَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ جَسَدِهَا وَلَوْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا هَذَا مَنْ رَأَى مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ بِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا بِلَا شَكٍّ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ، فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُرْءُ الطُّهْرَ لَكَانَتْ الْعِدَّةُ قُرْأَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ قُرْءٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ ثَلَاثَ قُرُوءٍ، فَصَحَّ أَنَّهَا الْحِيَضُ الَّتِي تُسْتَوْفَى ثَلَاثٌ مِنْهَا كَامِلَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَعْضُ الْقُرْءِ قُرْءٌ بِلَا شَكٍّ، وَبَعْضُ الْحَيْضِ حَيْضٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . وَنَا حُمَامٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا ابْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْأَحْمَسِيُّ أَنَا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَانِ خَبَرَانِ سَاقِطَانِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ مُظَاهِرَ بْنَ أَسْلَمَ

ضَعِيفٌ - وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ، وَعَطِيَّةُ ضَعِيفَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَلَوْ صَحَّ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لَمَا خَالَفْنَاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الثَّابِتَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ: إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي وَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ تَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ» وَالْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا وَحَيْضَتِهَا؟ قُلْنَا: لَمْ نُنْكِرْ أَنَّ الْحَيْضَ يُسَمَّى قُرْءًا، كَمَا أَنَّكُمْ لَا تُنْكِرُونَ أَنَّ الطُّهْرَ يُسَمَّى قُرْءًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفْنَا فِي أَيِّ ذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] . وَقَالُوا: إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِطَلَاقِ النِّسَاءِ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرَ لَكَانَ مُطَلِّقًا فِي الْعِدَّةِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ مِنْ حُكْمِكُمْ وَبِنَائِكُمْ عَلَى مُقَدَّمَةٍ صَحِيحَةٍ وَنَعَمْ، إنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالطَّلَاقِ فِي اسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ الَّتِي هِيَ الْأَقْرَاءُ الْحِيَضَ، لَكَانَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ أَوَّلِ الْعِدَّةِ مُدَّةٌ لَيْسَتْ فِيهَا مُعْتَدَّةً، وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ - وَبَقِيَ قَوْلُنَا - فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ بِهِ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» . فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الطُّهْرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ - فَصَحَّ أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ فَرْضًا إثْرَ الطَّلَاقِ بِلَا مُهْلَةٍ - فَصَحَّ أَنَّهَا الطُّهْرُ الْمُتَّصِلُ بِالطَّلَاقِ، لَا الْحَيْضُ الَّذِي لَا يَتَّصِلُ بِالطَّلَاقِ. وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الْحَيْضَ لَوَجَبَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِيمَنْ طَلَّقَ حَائِضًا أَنْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ قُرْءًا - وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ الْحَسَنُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِهَا مِنْ أَقْرَائِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ: وَحَدَّثَنِي قَتَادَةُ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا جَمِيعًا: لَا تَعْتَدُّ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ كَانَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ أَمْ الْحِيَضُ؟ فَإِنَّ قَوْلَنَا يَقْتَضِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الطُّهْرِ فَهُوَ قُرْءٌ، ثُمَّ الطُّهْرِ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ، وَبَيْنَ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْضٌ، ثُمَّ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ حَيْضٌ، ثُمَّ دُفْعَةُ حَيْضِ آخِرِ الثَّلَاثِ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ بَعْضَ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَبَعْضَ الطُّهْرِ طُهْرٌ، وَبَعْضَ الْقُرْءِ قُرْءٌ، فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ بِكُلِّ حَالٍ - وَبِقَوْلِ الْحَسَنُ نَقُولُ إنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - وَهِيَ حَائِضٌ - فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، ثُمَّ بِالطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، ثُمَّ بِالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ بِالطُّهْرِ الثَّانِي، ثُمَّ بِالْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهَا - فَهُوَ طُهْرٌ ثَالِثٌ - حَلَّتْ بِهِ لِلْأَزْوَاجِ، وَهَكَذَا

مسألة أتبعها في عدتها قبل انقضائها طلاقا بائنا

الْقَوْلُ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ الَّتِي تُعْتَقُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا - إنْ كَانَتْ حِينَ ذَلِكَ حَائِضًا - وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، وَفِي الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا أَنَّهُمَا يَعْتَدَّانِ بِذَلِكَ الطُّهْرِ قُرْءًا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ، لَكِنْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مُسْتَأْنَفَةٍ. [مَسْأَلَةٌ أَتْبَعَهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا طَلَاقًا بَائِنًا] 1986 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَتْبَعَهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا طَلَاقًا بَائِنًا، وَلَمْ تَكُنْ عِدَّتُهَا تِلْكَ مِنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ مَجْمُوعَةٍ وَلَا مِنْ طَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ ثَالِثَةً فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ أَيْضًا وَلَا بُدَّ - وَكَذَلِكَ لَوْ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ وَلَا بُدَّ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَخِلَاسَ بْنَ عَمْرٍو، قَالَا جَمِيعًا فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الْعِدَّةِ: تَعْتَدُّ مِنْ الطَّلَاقِ الْآخَرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَأَبِي قِلَابَةَ - وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي الَّتِي يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ يُطَلِّقُ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا: أَنَّهَا

تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ أَصْلًا وَلَا مُتَعَلَّقَ لِهَذِهِ الطَّوَائِفِ فِيمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ -: حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَا حَفْصٌ - هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طَلَاقُ السُّنَّةِ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً وَهِيَ طَاهِرَةٌ فِي غَيْر جِمَاعٍ، فَإِذَا جَاءَ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ. قَالَ الْأَعْمَشُ فَسَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ؟ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ مُخَالِفُونَ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ هَاهُنَا أَنَّهُ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يُتْبِعَهَا طَلَاقًا فِي الْعِدَّةِ، وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَرَوْنَ الْحَيْضَ عِدَّةً. وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ: هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَاهُنَا أَنَّهُ السُّنَّةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِيمَا عَدَا نَصِّ قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ ثَبَتَ حُكْمُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحُجَّتُنَا لِقَوْلِنَا هَاهُنَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَسْقَطَ الْعِدَّةَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ فَقَطْ، وَأَوْجَبَهَا عَلَى الْمَطْقَةِ الْمَمْسُوسَةِ.

مسألة كانت المطلقة حاملا من الذي طلقها أو من زنى أو بإكراه

وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ طَلَّقَ أَنْ يُطَلِّقَ لِلْعِدَّةِ، وَجَعَلَ الْعِدَّةَ عَلَى الَّتِي تَحِيضُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ. وَعَلَى الَّتِي لَا تَحِيضُ - لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ - ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَحَكَمَ تَعَالَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ: يَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، فَهُوَ إذَا طَلَّقَهَا ثَانِيَةً: مُطَلِّقٌ امْرَأَتَهُ الْمَوْطُوءَةَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ بِلَا شَكٍّ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ إثْرِهِ بِلَا فَصْلٍ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ الْعِدَّةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، كَمَا مِنْ الْبَاطِلِ طَلَاقُ مَوْطُوءَةٍ بِلَا عِدَّةٍ. أَوْ طَلَاقُ مَوْطُوءَةٍ يَكُونُ قُرْءًا وَاحِدًا أَوْ قُرْأَيْنِ، وَلَا بُدَّ لِمُخَالِفِينَا هَاهُنَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ - وَهِيَ كُلُّهَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. وَكَذَلِكَ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَبْنِيَ الْمُرْتَجَعَةُ عَلَى عِدَّةٍ قَدْ بَطَلَتْ بِالرَّجْعَةِ، إذْ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ مُرْتَجَعَةً، وَهِيَ بَعْدَ الِارْتِجَاعِ فِي الْعِدَّةِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَامِلًا مِنْ الَّذِي طَلَّقَهَا أَوْ مِنْ زِنًى أَوْ بِإِكْرَاهِ] 1987 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَامِلًا مِنْ الَّذِي طَلَّقَهَا أَوْ مِنْ زِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ فَعِدَّتُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا - وَلَوْ إثْرَ طَلَاقِ زَوْجِهَا لَهَا بِسَاعَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ - وَهُوَ آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا، فَإِذَا وَضَعَتْهُ - كَمَا ذَكَرْنَا - أَوْ أَسْقَطَتْهُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ.

وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقَةُ - وَهِيَ حَامِلٌ - تَتَخَيَّرُ فِرَاقَ زَوْجِهَا وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا - وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، أَوْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ - فَإِنَّ عِدَّتُهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ آخِرِ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا - وَلَوْ وَضَعَتْهُ إثْرَ مَوْتِ زَوْجِهَا - وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ شَاءَتْ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْهُ، وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ كَوْنَ الْحَمْلِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ - وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاحْتَمَلَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ هَذِهِ مِنْ الْأُولَى فَيَكُونُ الْمُرَادُ: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ إلَّا اللَّوَاتِي لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَهُنَّ حَوَامِلُ مِنْكُمْ مِنْ تَشْفِيرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ. وَاحْتَمَلَ أَنْ تُسْتَثْنَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا إلَّا أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ، فَوَاجِبٌ أَنْ نَنْظُرَ أَيَّ الِاسْتِعْمَالَيْنِ، أَوْ أَيَّ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ هُوَ الْحَقُّ؟ إذْ قَدْ ضَمِنَ عَزَّ وَجَلَّ بَيَانَ ذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ إلَيْنَا مِنْ شَرَائِعِهِ -: فَوَجَدْنَا - خَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الطَّلَاقِ فِي كِتَابِنَا هَذَا " بِإِسْنَادِهِ.

فَوَجَدْنَا فِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مُرْهُ: فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا مِنْهُ» . وَفِيهِ أَيْضًا «إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ جَائِزٌ عُمُومًا، إذْ هَذَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

تَعْلِيمٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَخُصَّ حَامِلًا مِنْ حَامِلٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ هُوَ قُبُلُ عِدَّتِهَا، فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِينَ فِي سُقُوطِهِ إلَّا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَيْسَتْ حَامِلًا فَقَطْ. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَقَدْ وَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ، طَلَاقِهِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَيَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا إيلَاؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَيُلَاعِنُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا وَعِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ حَمَلَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِزِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى وَضْعِ ذَلِكَ الْحَمْلِ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فَحَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاتِهِ مِنْ زِنًى أَوْ إكْرَاهٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . وَقَدْ غَلَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضْعَ الْحَمْلِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ جَعْفَرٍ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «بَعَثْنَا كُرَيْبًا - هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - إلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ

الْمُؤْمِنِينَ؟ فَجَاءَنَا مِنْ عِنْدِهَا أَنَّ سُبَيْعَةَ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَيَّامٍ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتَزَوَّجَ» . وَأَمَّا قَوْلُنَا " آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا " فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَمَتَى مَا بَقِيَ مِنْ حَمْلِهَا شَيْءٌ فِي بَطْنِهَا: لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَوْلٌ هَاهُنَا نَذْكُرُهُ - لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سَامِعُهُ عَلَى السَّلَامَةِ - وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْوَلَدِ النِّصْفُ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا، لَا يَعُدُّ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ: فَخِذَاهُ، وَلَا سَاقَاهُ، وَلَا رِجْلَاهُ، وَلَا رَأْسَهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ وَهِيَ تَلِدُ: أَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ قَدْ خَرَجَ نِصْفُهُ الَّذِي فِيهِ رَأْسُهُ فَهِيَ حُرَّةٌ وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَ نِصْفُ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسَهُ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ، وَهِيَ حُرَّةٌ. رَوَى عَنْهُمَا ذَلِكَ جَمِيعًا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّاوِي فِي سَمَاعِهِ مِنْهُمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلْيَعْجَبْ سَامِعُ هَذَا مِنْ هَذَا الِاخْتِلَاطِ؟ أَتُرَاهُ الْبَائِسَ كَانَ مِنْ الْغَرَارَةِ بِحَيْثُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُ الْمَوْلُودِ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ فِي أَسْرَعِ مِنْ كَرِّ الطَّرْفِ يَسْقُطُ كُلُّهُ، فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لِتَكْسِيرِ صُلْبِ الْمَوْلُودِ وَمِسَاحَتِهِ؟ حَتَّى يَعْلَمَ أَخَرَجَ نِصْفُهُ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ، وَأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُهُ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَتِمَّ قَوْلُهُ أَنْتِ حُرَّةٌ حَتَّى يَقَعَ جَمِيعُهُ. أَتُرَاهُ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهَا الْمِسْكِينَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ " أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ ".

مسألة مات الحمل في بطن المعتدة فلا تنقضي عدتها إلا بطرح جميعه

إنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِنْ نِسْبَةِ مَنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْمَشِيمَةِ وَلَوْ شَيْءٌ - فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَمْلِهَا الْمُتَوَلِّدِ مَعَ الْوَلَدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ [مَسْأَلَةٌ مَاتَ الْحَمْل فِي بَطْن الْمُعْتَدَّة فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِطَرْحِ جَمِيعِهِ] 1988 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِطَرْحِ جَمِيعِهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا أُصْبُعٌ أَوْ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَهُ فَلَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ لَا تَحِيضُ وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَكَانَ قَدْ وَطِئَهَا] 1989 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ خِلْقَةٍ وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَكَانَ قَدْ وَطِئَهَا: فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ بُلُوغِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا أَوْ إلَى أَهْلِهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] .

مسألة طلقها في استقبال أول ليلة من الشهر

وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ - يَعْنِي: لُزُومَ ذَلِكَ لِلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا عِدَّةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ جِدًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ - وَلَوْ أَنَّهَا فِي الْمَهْدِ - وَأَسْقَطَ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ - وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ مُطَلَّقَةٌ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَثَالِثُهَا - أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ مُنْتَهَى الصِّغَرِ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ مِنْ مَبْدَأِ وَقْتٍ أَلْزَمَهَا فِيهِ الْعِدَّةَ - وَهَذَا تَلْبِيسٌ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِ، وَمَزْجٌ لِلْفَرْضِ بِمَا لَيْسَ فَرْضًا -. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا قَوْلِ سَلَفٍ - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ. [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَهَا فِي اسْتِقْبَالِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ] 1990 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي اسْتِقْبَالِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ مَعَ تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ اعْتَدَّتْ حَتَّى يَظْهَرَ هِلَالُ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، فَإِذَا ظَهَرَ حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ سَبْعًا وَثَمَانِينَ لَيْلَةً بِمِثْلِهِنَّ مِنْ الْأَيَّامِ كَمْلَى، إلَى مِثْلِ الْوَقْتِ الَّذِي لَزِمَتْهَا فِيهِ الْعِدَّةُ. وَلَا يُلْغَى كَسْرُ الْيَوْمِ، وَلَا كَسْرُ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ عِدَّتِهَا وَبَيْنَ وَقْتِ لُزُومِ الْعِدَّةِ لَهَا فَرْقٌ أَصْلًا، لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ. فَإِذَا أَتَمَّتْ مَا ذَكَرْنَا حَلَّتْ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " بِإِسْنَادِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ؟

مسألة أسقطت الحامل المطلقة أو المتوفى عنها زوجها

قُلْنَا: هَذَا وَضْعٌ فَاسِدٌ، لَكِنْ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَقِينٍ مِنْ قِبَلِ الْوَحْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَا بِيَقِينٍ مُطْلَقٍ مِنْ ظَنٍّ كَاذِبٍ، أَوْ قَوْلِ قَائِلٍ، فَلَا نَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْيَقِينُ حَقًّا. وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ بِوَسْوَسَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . [مَسْأَلَةٌ أَسْقَطَتْ الْحَامِلُ الْمُطَلَّقَةُ أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا] 1991 - مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ قُلْنَا: إنْ أَسْقَطَتْ الْحَامِلُ الْمُطَلَّقَةُ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ أَوْ الْمُعْتَقَةُ الْمُتَخَيِّرَةُ فِرَاقَ زَوْجِهَا: حَلَّتْ. وَحَدُّ ذَلِكَ: أَنْ تُسْقِطَهُ عَلَقَةً فَصَاعِدًا، وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَتْ نُطْفَةً دُونَ الْعَلَقَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لَا تَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّةٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدَ الْغِفَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعْنَاهُ خَلْقُ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَنْقَسِمُ بَعْدَ ذَلِكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَجِلْدًا وَلَحْمًا وَعِظَامًا - فَصَحَّ أَنَّ أَوَّلَ خَلْقِ الْمَوْلُودِ كَوْنُهُ عَلَقَةً لَا كَوْنُهُ نُطْفَةً، وَهِيَ الْمَاءُ.

مسألة طلقت التي لم تحض قط ثم حاضت قبل تمام العدة

[مَسْأَلَةٌ طَلُقَتْ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ] مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَلُقَتْ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ، سَوَاءٌ إثْرَ طَلَاقِهَا أَوْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ: تَمَادَتْ عَلَى الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا حَلَّتْ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَى الْحَيْضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إثْرَ طَلَاقِهَا، أَوْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَامِلَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا عِدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إثْرَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ، فَلَا يَبْطُلُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا بِدَعْوَى لَمْ يَأْتِ بِهَا قَطُّ نَصٌّ. فَإِنْ قِيلَ: فَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الْأَقْرَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهَذِهِ زَوْجَةٌ مُطَلَّقَةٌ؟ قُلْنَا: إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَا ذَكَرْتُمْ عَلَى ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَعَلَى ذَوَاتِ الْحَمْلِ، وَهَذِهِ إذْ لَزِمَتْهَا عِدَّةُ هَذَا الطَّلَاقِ إنَّمَا كَانَتْ بِيَقِينٍ مِنْ اللَّائِي يَئِسْنَ، أَوْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَلَمْ تَكُنْ أَصْلًا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَلَا مِنْ ذَوَاتِ الْحَمْلِ.

وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ، وَالْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ: أَنْ يُلْزِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ بِالْأَقْرَاءِ مَنْ لَا قُرْءَ لَهَا حِينَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، أَوْ يُلْزِمَ الْعِدَّةَ بِالْحَمْلِ مَنْ لَيْسَتْ ذَاتَ حَمْلٍ حِينَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا. كَمَا أَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ وَقْتِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ، أَوْ الْمَوْتِ، وَبَيْنَ الْعِدَّةِ وَقْتٌ لَيْسَ مِنْ الْعِدَّةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ جَلِيٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْقُرْءَ إنَّمَا هُوَ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مِنْ الطُّهْرِ، فَحَالُهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ وَبَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ الْمَحِيضِ لَيْسَ قُرْءًا - فَبَطَلَ أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ مَنْ لَمْ تَطْلُقْ فِي اسْتِقْبَالِ قُرْءٍ هِيَ فِيهِ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا مِنْهُ لَاحِقًا بِهِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدُ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّ وَطْأَهُ لَهَا لَيْسَ رَجْعَةً، وَلَا طَلَاقًا فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنْهُ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ الْإِجْمَاعَ هَاهُنَا - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إيرَادِ كَلِمَةٍ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ فَقَطْ -: وَهُمْ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ - وَمِثْلُ هَذَا لَا يَعُدُّهُ إجْمَاعًا إلَّا مَنْ اسْتَجَازَ الْكَذِبَ عَلَى الْأُمَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا النَّظَرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]

مسألة عدة المستحاضة التي لا يتميز دمها ولا تعرف أيام حيضتها

وقَوْله تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] . فَوَجَدْنَا الْمُعْتَدَّةَ إذَا حَاضَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ وَلَا مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ بِلَا شَكٍّ، بَلْ هِيَ مِنْ اللَّائِي حِضْنَ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ - وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ مِنْ اللَّائِي يَحِضْنَ، وَتَكُونَ عِدَّتُهَا الشُّهُورَ. فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الِاعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ قَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ الْعِدَّةِ. وَصَحَّ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَقْرَاءِ، أَوْ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ إنْ حَمَلَتْ. وَأَمَّا انْتِقَالُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَقَطْ، وَإِلَّا فَلَا؛ فَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، فَهِيَ مُتَوَفًّى عَنْهَا فَيَلْزَمُهَا بِالْوَفَاةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عِدَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ دَمُهَا وَلَا تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا] 1993 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ دَمُهَا وَلَا تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ قَبْلَ ذَلِكَ بِعِدَّتِهَا: فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، لِأَنَّهَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا حَيْضٌ قَطُّ، فَهِيَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ كَانَ لَهَا حَيْضٌ مَعْرُوفٌ فَنَسِيَتْهُ، أَوْ نَسِيَتْ مِقْدَارَهُ وَوَقْتَهُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ مِقْدَارًا تُوقِنُ فِيهِ أَنَّهَا قَدْ أَتَمَّتْ ثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ وَحَيْضَتَيْنِ، وَصَارَتْ فِي الثَّالِثَةِ، وَلَا بُدَّ. فَإِذَا مَضَى الْمِقْدَارُ الْمَذْكُورُ فَقَدْ حَلَّتْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ - بِلَا شَكٍّ - فَعَلَيْهَا إتْمَامُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ -، وَأَمَّا إذَا تَمَيَّزَ دَمُهَا فَأَمْرُهَا بَيِّنٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْأَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِذْ رَأَتْ الْأَحْمَرَ، أَوْ الصُّفْرَةَ فَهُوَ طُهْرٌ. وَكَذَلِكَ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ دَمُهَا إلَّا أَنَّهَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ إذَا جَاءَتْ أَيَّامُهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا حَيْضًا، وَبِأَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَطْهُرُ فِيهَا طُهْرًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ -: فِي " كِتَابِ الْحَيْضِ " فِي " الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَهِيَ أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمُسْتَرِيبَةُ - فَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ فَأَتَمَّتْهَا إلَّا أَنَّهَا تُقَدِّرُ أَنَّهَا حَامِلٌ وَلَيْسَتْ مُوقِنَةً بِذَلِكَ، وَلَا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا؟ فَهَذِهِ امْرَأَةٌ لَمْ تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ قَطْعًا، وَلَا تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ

حَتْمًا، وَلَا تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ بَتْلًا؟ هَذِهِ صِفَتُهَا - بِلَا شَكٍّ - نَعْلَمُ ذَلِكَ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً. فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ التَّرَبُّصِ حَتَّى تُوقِنَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَتَكُونُ عِدَّتُهَا وَضْعَ حَمْلِهَا، أَوْ تُوقِنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا فَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ إذَا أَيْقَنَتْ أَنَّهَا لَا حَمْلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا الْمُتَّصِلَةُ بِمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الطَّلَاقِ - إمَّا الْأَقْرَاءُ وَإِمَّا الشُّهُورُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ، وَأَقْصَى مَا يَكُونُ التَّرَبُّصُ مِنْ آخَرِ وَطْءٍ وَطِئَهَا زَوْجُهَا خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ تَتَجَاوَزَهَا إلَّا وَهِيَ مُوقِنَةٌ بِالْحَمْلِ، أَوْ بِبُطْلَانِهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِأَنَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، وَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ حَيٌّ إذَا كَانَ حَيًّا فَلَا بُدَّ لَهُ - ضَرُورَةً - مِنْ حَرَكَةٍ. وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ الْأَقْرَاءِ - فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَمَامِ أَقْرَائِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لَا حَدَّ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ حَدًّا مَحْدُودًا {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] فَإِنْ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ لَمْ تَحِضْ، أَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ لَمْ تَحِضْ، أَوْ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ الْأُولَى فَلَمْ تَأْتِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا؛ أَوْ قَبْلَهَا. فَلَا بُدَّ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ مِنْ التَّرَبُّصِ أَبَدًا حَتَّى يَحِضْنَ تَمَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ حَتَّى يَصِرْنَ فِي حَدِّ الْيَأْسِ مِنْ

الْمَحِيضِ، فَإِذَا صِرْنَ فِيهِ اسْتَأْنَفْنَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ - وَلَا بُدَّ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْعِدَّةَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إلَّا عَلَى اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ، وَعَلَى الْيَائِسَاتِ مِنْ الْمَحِيضِ؟ وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، فَإِذَا صَارَتْ مِنْ الْيَائِسَاتِ فَحِينَئِذٍ دَخَلَتْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا بِالْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ - هَذَا نَصُّ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ صَحِيحٌ - وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعُ الْحَيْضَ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا بِأَشْهُرٍ؟ فَقَالُوا لَهُ: إنَّهَا تَرِثُك إنْ مِتَّ؟ فَأَمَرَ أَنْ يُحْمَلَ إلَى عُثْمَانَ؟ فَحُمِلَ إلَيْهِ، فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ امْرَأَتِهِ - وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُمَا عُثْمَانُ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: نَرَى أَنْ تَرِثَهُ إنْ مَاتَ، وَأَنَّهُ يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، وَلَا مِنْ الْأَبْكَارِ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحِيمِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَا جَمِيعًا فِي الشَّابَّةِ تَطْلُقُ فَلَا تَحِيضُ: إنَّهَا تَنْتَظِرُ حَتَّى تَيْأَسَ مِنْ الْمَحِيضِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِقَتَيْنِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَتْ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: حَبَسَ اللَّهُ عَلَيْك مِيرَاثَهَا، وَوَرَّثَهُ مِنْهَا - هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.

وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا بِعَيْنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، قَالَ: سَأَلْت مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ حِينَئِذٍ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: وَسَأَلْته عَنْ امْرَأَةٍ شَابَّةٍ طَلُقَتْ فَلَمْ تَحِضْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا؟ قَالَ: تَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ مَا كَانَ. وَسَأَلْته عَنْ جَارِيَةٍ حَاضَتْ حَيْضَةً وَطَلُقَتْ فَلَمْ تَحِضْ سَنَتَيْنِ؟ قَالَ عِدَّتُهَا الْحَيْضُ مَا كَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ لَا تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً؟ قَالَ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ - وَلَوْ كَانَتْ فِي عِشْرِينَ سَنَةً - إذَا كَانَتْ تَحِيضُ وَلَهَا شَبَابٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، وَيَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - هُوَ التُّسْتَرِيُّ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: تَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: تَعْتَدُّ أَقْرَاءَهَا مَا كَانَتْ تَقَارَبَتْ أَوْ تَبَاعَدَتْ. - وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْكَرِيمِ - قَالَ عَطَاءٌ: فَإِنْ وَجَدَتْ فِي بَطْنِهَا كَالْحَشَّةِ لَا تَدْرِي أَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ أَمْ لَا؟ فَلَا تُعَجِّلْ بِنِكَاحٍ حَتَّى تَسْتَبِينَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا عَلَى حَيْضَتِهَا، تَقَارَبَتْ أَوْ تَبَاعَدَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: تَعْتَدُّ أَقْرَاءَهَا مَا كَانَتْ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا أَنَّ عِدَّتَهَا الْحَيْضُ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عَبِيدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ - وَإِنْ حَاضَتْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً؟ قَالَ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَأَبِي عُبَيْدٍ - وَقَالَهُ اللَّيْثُ فِي الْمُخْتَلِفَةِ الْأَقْرَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِنَا، وَهَهُنَا قَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا "، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ، وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ. وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ - هُوَ الزُّهْرِيُّ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَعْتَدُّ سَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إذَا كَانَتْ فِي الْأَشْهُرِ مَرَّةً - يَعْنِي الْحَيْضَ - فَعِدَّتُهَا سَنَةٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الَّتِي تَحِيضُ فَيَكْثُرُ دَمُهَا حَتَّى لَا تَدْرِيَ كَيْفَ حَيْضَتُهَا؟ قَالَ: تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ الرِّيبَةُ، الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] قَضَى بِذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا أَجْزَأَ عَنْهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ.

مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا فَإِنَّهَا رِيبَةٌ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، قَالَ قَتَادَةُ: تَعْتَدُّ الْمُسْتَحَاضَةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً يَكْفِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا؟ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَذَكَرَ سُفْيَانُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ - وَعَنْ طَاوُسٍ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ - وَعَنْ طَاوُسٍ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ سَنَةٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ ارْتَفَعَ حَيْضُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَة أَشْهُرٍ اعْتَدَّتْ سَنَةً. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ الْأَقْرَاءُ، إنْ عَرَفَتْ أَوْقَاتَهَا وَإِلَّا فَسَنَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ تَحِضْ الْمُطَلَّقَةُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ مُتَّصِلَةٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ أَتَمَّتْهَا، وَلَمْ تَحِضْ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِدَّةُ، وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ - وَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا عَدَّتْ كُلَّ ذَلِكَ قُرْءًا وَاحِدًا ثُمَّ تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ حَتَّى تُتِمَّهَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا عَدَّتْ كُلَّ ذَلِكَ قُرْءًا ثَانِيًا ثُمَّ تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا أَوْ أَتَمَّتْهَا دُونَ أَنْ تَرَى حَيْضًا فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا حُجَّةَ لِتَصْحِيحِهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ يَصِحُّ، وَلَا رِوَايَةٍ تَصِحُّ عَنْ صَاحِبٍ، إنَّمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ، مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فَمَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى.

مسألة تقارب الأقراء أو تباعدها

وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا تَبْتَدِي بِتَرَبُّصِ التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ حِينِ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا، لَا مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، إلَّا الَّتِي رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا إثْرَ طَلَاقِهَا، فَهَذِهِ تَعْتَدُّ التِّسْعَةَ الْأَشْهُرَ مِنْ حِينِ طَلُقَتْ. قَالَ: وَالْمُسْتَحَاضَةُ - كَذَلِكَ عِدَّتُهَا سَنَةٌ - الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ سَوَاءٌ - وَكَذَلِكَ الَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا مِنْ مَرَضٍ - الْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ سَوَاءٌ - قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ - فَإِنَّهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَا تَتِمُّ عِدَّتُهَا إلَّا بِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ كَائِنَةً مَا كَانَتْ. قَالَ: وَأَمَّا الْمُرْتَابَةُ - فَإِنَّهَا تُقِيمُ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ أَوْ يَصِحَّ الْحَمْلُ، قَالَ: وَأَقْصَى تَرَبُّصِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ تَقَاسِيمُ لَا تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. فَإِنْ شَغَبُوا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي هِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ بِحَضْرَةِ عُثْمَانَ؟ قُلْنَا: لَمْ يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ؛ إنَّمَا بَيَّنُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَلَا مِنْ اللَّائِي لَمْ يَيْأَسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقُولُوا مَا لَمْ يَقُولُوا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَقَارُبُ الْأَقْرَاءِ أَوْ تَبَاعُدُهَا] 1994 - مَسْأَلَةٌ: وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا تَقَارُبُ الْأَقْرَاءِ أَوْ تَبَاعُدُهَا - لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ - إلَّا أَنَّهُ لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ قَوْلَهَا، إلَّا بِأَرْبَعٍ عُدُولٍ مِنْ النِّسَاءِ عَالِمَاتٍ، يَشْهَدْنَ أَنَّهَا حَاضَتْ حَيْضًا أَسْوَدَ ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْهُ - هَكَذَا ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ - أَوْ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ كَذَلِكَ مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلْأَقْرَاءِ مِقْدَارٌ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَسْكُتُ عَنْ ذَلِكَ؟ لِيُكَلِّفَنَا عِلْمَ الْغَيْبِ الَّذِي حَجَبَهُ عَنَّا، أَوْ يَكِلَنَا إلَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، وَالْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا يُشَكُّ فِي بُطْلَانِهَا. وَأَمَّا أَنْ لَا تُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ - فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ بُطْلَانَ حَقٍّ ثَابِتٍ لِزَوْجِهَا فِي رَجْعَتِهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ. -:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَةَ حِيَضٍ فِي الشَّهْرِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ - مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ، وَأَمَانَتُهُ - مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثًا: طَهُرَتْ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَصَلَّتْ، فَهِيَ صَادِقَةٌ؟ وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: قالون - يَعْنِي: أَصَبْت بِالرُّومِيَّةِ. - وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إنَّ امْرَأَةً طَلُقَتْ فَحَاضَتْ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَاخْتَصَمُوا إلَى شُرَيْحٍ فَرَفَعَهُمْ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ نِسَائِهَا أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ هَكَذَا أَبَانَتْ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلْتَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثَلَاثَ حِيَضٍ؟ قَالَ: إذَا شَهِدَتْ لَهَا الْعُدُولُ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهَا قَدْ رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ مِنْ طُمُوثِ النِّسَاءِ الَّذِي هُوَ الطُّمُوثُ الْمَعْرُوفُ، فَقَدْ خَلَا أَجَلُهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ قَوْلُنَا - وَقَدْ رَوَيْت رِوَايَةً نَذْكُرُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ - قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: مِنْ الْأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ اُؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ النِّسَاءُ؟ فَقَالَ: لَمْ نُؤْمَرْ بِفَتْحِهِنَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَدَقَ أُبَيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ اُؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا: كُلُّ أَحَدٍ مُوَكَّلٌ فِي دِينِهِ الَّذِي يَغِيبُ عَنْ النَّاسِ بِهِ إلَى أَمَانَتِهِ - وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهَا عَلَى إبْطَالِ حَقِّ زَوْجِهَا فِي الرَّجْعَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَكَذَلِكَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ " لَمْ نُؤْمَرْ بِفَتْحِ النِّسَاءِ " قَوْلٌ صَحِيحٌ مَا نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، وَتَكْلِيفُهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا حَاضَتْ كَتَكْلِيفِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عُيُوبِ النِّسَاءِ الْبَاطِنَةِ وَلَا فَرْقَ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا وَلَا تُصَدَّقُ النُّفَسَاءُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَسُفْيَانُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَمَالِكٌ - فِي مُوجِبِ أَقْوَالِهِ - لَا تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَقْيَسُ عَلَى أُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا مُطَلَّقَةً فِي آخِرِ طُهْرِهَا، ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ، كُلُّ حَيْضَةٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - وَهُوَ أَقَلُّ الْحَيْضِ عِنْدَهُمْ - وَطُهْرَانِ، كُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا - وَهُوَ أَقَلُّ الطُّهْرِ عِنْدَهُمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي النُّفَسَاءِ - فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أُصَدِّقُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا أُصَدِّقُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا أُصَدِّقُ الْمُعْتَدَّةَ بِالْأَقْرَاءِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا أُصَدِّقُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنْ لَمْ تَأْتِ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ. وَعَلَى أَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَبَعْضِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يَوْمٌ،، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . فَصَحَّ - أَنَّ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَإِذْ لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا أُتُوا فِي ذَلِكَ لِتَحْدِيدِهِمْ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَأَقَلَّ الطُّهْرِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ تَحْدِيدُ شَيْءٍ لَمْ يَحُدَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحِيضُ فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا» . قُلْنَا: لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْكُمْ لَا لَكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا التَّحْدِيدِ، فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا فِي أَكْثَرِ. فَإِنْ قَالُوا: صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «اُنْظُرِي عَدَدَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كُنْتِ، تَحِيضِينَ» ؟ قُلْنَا: لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ كَانَتْ تَحِيضُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ - وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ» فَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ حَدًّا لَا يَكُونُ أَقَلُّ مِنْهُ. فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ لِمَنْ لَهَا أَيَّامٌ وَلَيَالِي مَعْرُوفَةٌ. فَهَذَا الْآخَرُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ اللَّيَالِيَ وَلَا الْأَيَّامَ: كُلُّ خَبَرٍ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ تَكْلِيفِ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، أَوْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِإِزَاءِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ؟

قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْءٌ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَنْتُمْ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لِهَذِهِ الْحُجَّةِ، لِأَنَّكُمْ تُجِيزُونَ كَوْنَ قُرْءَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، وَتُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ قُرْءٌ وَاحِدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: لَا تَظْهَرُ الْبَرَاءَةُ مِنْ الرَّحِمِ فِي نِصْفِ شَهْرٍ فَأَقَلَّ؟ قُلْنَا: وَلَا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكُلُّكُمْ يَجْعَلُ الْعِدَّةَ تَتِمُّ بِالْأَقْرَاءِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ -. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَيْضُ مَتَى ظَهَرَ -: تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، وَحَرُمَ وَطْؤُهَا عَلَى زَوْجِهَا - فَمَتَى رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهُ صَلَّتْ، وَصَامَتْ وَحَلَّتْ لِزَوْجِهَا، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ طُهْرًا تَعْتَدُّ بِهِ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَطُهْرًا يُحِيلُ حُكْمَ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ؛ وَإِبَاحَةَ الْوَطْءِ وَتَحْرِيمَهُ، وَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَطُهْرًا يُعَدُّ قُرْءًا فِي الْعِدَّةِ - هَذَا قَوْلٌ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، وَلِقَوْلِ كُلِّ مَنْ سَلَفَ. وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَالَ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَلَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ بِعَدَدِ أَيَّامٍ لَا تُتَجَاوَزُ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ - أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَلَّتْ، وَصَامَتْ، وَحَلَّتْ لِبَعْلِهَا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا أَقْبَلَ فَدَعِي الصَّلَاةَ» وَلَمْ يَحُدَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَدًّا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّحْدِيدُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ زَوْجُهَا ذَلِكَ لَمْ تُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ كَمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ تَمَّتْ وَقَالَتْ: هِيَ لَمْ تَتِمَّ - فَالزَّوْجُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَّعًى عَلَيْهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُهُمْ فِي تَصْدِيقِهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 228] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَصْدِيقِهَا، وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ تَصْدِيقَهَا؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَقُولَ: أَنَا حُبْلَى - وَلَيْسَتْ حُبْلَى - وَلَا لَسْت حُبْلَى - وَهِيَ حُبْلَى - وَلَا أَنَا حَائِضٌ - وَلَيْسَتْ حَائِضًا - وَلَا لَسْت حَائِضًا - وَهِيَ حَائِضٌ - وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْوَلَدُ لَا تَكْتُمُهُ، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ الْحَيْضَةَ مَعَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمُدَّعِيَةُ أَنَّهَا قَدْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا لَمْ تَكْتُمْ شَيْئًا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَحِمِهَا، إنَّمَا ادَّعَتْ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ خَلَقَ حَيْضَهَا، وَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَإِمَّا صَادِقَةٌ فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِيمَا فِي الْآيَةِ مِنْ تَحْرِيمِ كِتْمَانِ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا - وَلَيْسَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهَا مَا يُسْقِطُ حَقَّ الزَّوْجِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّجْعَةِ.

مسألة عدة الوفاة والإحداد

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ عُرِضَ عَلَيْهَا مِنْ الْقَوَابِلِ مَنْ لَا يُشَكُّ فِي عَدَالَتِهِنَّ أَرْبَعٌ، وَلَا بُدَّ. فَإِنْ شَهِدْنَ بِحَمْلِهَا قَضَى بِمَا يُوجِبُهُ الْحَمْلُ، وَإِنْ شَهِدْنَ بِأَنْ لَا حَمْلَ بِهَا بَطَلَتْ دَعْوَاهَا - فَلَوْ شَهِدْنَ - بِحَمْلِهَا ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُنَّ كَذَبْنَ أَوْ أُوهِمْنَ قَضَى عَلَيْهَا بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادِ] 1995 - مَسْأَلَةٌ: وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادِ فِيهَا يَلْزَمُ الصَّغِيرَةَ - وَلَوْ فِي الْمَهْدِ - وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونَةُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا - قَالَ: لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ حُجَّةً مُسْقِطَةً لِلْإِحْدَادِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَ بِذَلِكَ عَنْهَا الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونَةُ - وَلَا تَتَرَبَّصُ بِنَفْسِهَا. وَأَمَّا نَحْنُ، فَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ نَافِعٍ «عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: قَالَتْ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنُكَحِّلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لَا إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ» وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ. فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَبِيرَةً مِنْ صَغِيرَةٍ، وَلَا عَاقِلَةً مِنْ مَجْنُونَةٍ، وَلَا خَاطَبَهَا، بَلْ خَاطَبَ غَيْرَهَا فِيهَا - فَهَذَا عُمُومٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ.

مسألة المعتدة من وفاة تجتنب الكحل

فَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِالْعِدَّةِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ مَشَتْ: أَرْبَعَةُ أَهِلَّةٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ الْهِلَالِ الْخَامِسِ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ: فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَهُوَ لَفْظُ تَأْنِيثٍ، فَهُوَ لِلَّيَالِيِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَيَّامَ لَقَالَ: وَعَشْرَةً. وَإِنْ بَدَأَتْ بِالْعِدَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ، فَعِدَّتُهَا مِائَةُ لَيْلَةٍ وَسِتٍّ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً بِمَا بَيْنَهَا مِنْ الْأَيَّامِ فَقَطْ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَ أَيَّامِ شَهْرٍ وَاحِدٍ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ، هَذَا مُحَالٌ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ وَفَاةٍ تَجْتَنِبُ الْكُحْلَ] 1996 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ أَنْ تَجْتَنِبَ الْكُحْلَ كُلَّهُ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ - وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا - لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا -، وَأَمَّا الضِّمَادُ - فَمُبَاحٌ لَهَا. وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا فَرْضًا: كُلَّ ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ مِمَّا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ، أَوْ عَلَى الْجَسَدِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ السَّوَادُ، وَالْخُضْرَةُ، وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - إلَّا الْعَصْبَ وَحْدَهُ - وَهِيَ: ثِيَابٌ مُوَشَّاةٌ تُعْمَلُ بِالْيَمَنِ، فَهُوَ مُبَاحٌ لَهَا. وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا فَرْضًا: الْخِضَابَ كُلَّهُ، فَلَا تَقْرَبُهُ كُلَّهُ جُمْلَةً. وَتَجْتَنِبُ الِامْتِشَاطَ حَاشَ بِالْمِشْطِ فَقَطْ، فَهُوَ حَلَالٌ لَهَا. وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا فَرْضًا - الطِّيبَ كُلَّهُ فَلَا تَقْرَبُهُ حَاشَا شَيْئًا مِنْ قُسْطٍ، أَوْ إظْفَارٍ عِنْدَ طُهْرِهَا فَقَطْ. وَمُبَاحٌ لَهَا: أَنْ تَلْبَسَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ حَرِيرٍ أَبْيَضَ، أَوْ أَصْفَرَ مِنْ لَوْنِهِ الَّذِي لَمْ يُصْبَغْ، وَصُوفَ الْبَحْرِ الَّذِي هُوَ لَوْنُهُ، وَالْقُطْنَ الْأَبْيَضَ، وَالْكَتَّانَ الْأَبْيَضَ مِنْ دِبْقِ مُضَرَ، وَالْمَرْوِيَّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَمُبَاحٌ لَهَا: أَنْ تَلْبَسَ الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ - وَالْحُلِيَّ كُلَّهُ: مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَتَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَتَغْسِلُ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ، وَالطَّفْلِ فَهِيَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ تَجْتَنِبُهَا فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ «عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ ابْنَةَ النَّحَّامِ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَأَتَتْ أُمُّهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ ابْنَتِي تَشْتَكِي عَيْنَهَا أَفَأُكَحِّلُهَا؟ قَالَ: لَا قَالَتْ: إنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا؟ قَالَ: وَإِنْ انْفَقَأَتْ» وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: زَيْنَبُ لَهَا صُحْبَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّارِعُ الْبَصْرِيُّ أَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُحِدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمْتَشِطُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا إلَّا عِنْدَ طُهْرِهَا حِينَ تَطْهُرُ: نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ أَنَا سُفْيَانُ أَنَا عَاصِمٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ وَلَا تَكْتَحِلَ وَلَا تَخْتَضِبَ وَلَا تَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا» .

فَهَذِهِ هِيَ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا - وَهَهُنَا - آثَارٌ لَا تَصِحُّ، نُنَبِّهُ عَلَيْهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يُخْطِئَ بِهَا مَنْ لَا يَعْرِفُ. وَهَهُنَا -: مِنْهَا خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ حَدَّثَنِي بَدِيلٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ الْحُلِيِّ، وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ طَهْمَانَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. وَالْإِحْدَادُ وَاجِبٌ عَلَى الذِّمِّيَّةِ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وَالدِّينُ الْحُكْمُ. فَوَاجِبٌ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ لَازِمٌ لَهُمْ، وَبِتَرْكِهِمْ إيَّاهُ اسْتَحَقُّوا الْخُلُودَ - وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ دِينُ الْإِسْلَامِ: فَقَدْ فَارَقَ الْإِسْلَامَ. وَيَلْزَمُ الْإِحْدَادُ الْأَمَةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَالْحُرَّةِ. وَمِنْ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا -: أَثَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت الْمُغِيرَةَ بْنَ الضَّحَّاكِ يَقُولُ: «أَخْبَرَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ أُسَيْدَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ زَوْجَهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا فَأَرْسَلَتْ مَوْلَاتَهَا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَسْأَلُهَا عَنْ كُحْلِ الْجَلَاءِ؟ فَقَالَتْ: لَا تَكْتَحِلُ بِهِ إلَّا لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ يَشْتَدُّ عَلَيْكِ وَتَمْسَحِينَهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيَّ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ - وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبْرًا؟ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، فَقَالَ: إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ فَلَا تَجْعَلِينَهُ إلَّا بِاللَّيْلِ وَتَنْزِعِينَهُ بِالنَّهَارِ وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ؟ قُلْت: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ» . أُمُّ حَكِيمٍ: مَجْهُولَةٌ، وَأُمُّهَا أَشَدُّ إيغَالًا فِي الْجَهَالَةِ. وَجَاءَ فِي ذَلِكَ -: عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَطَيَّبُ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، وَلَا ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا بُرْدًا، وَلَا تَزَّيَّنُ بِحُلِيٍّ، وَلَا تَلْبَسُ شَيْئًا تُرِيدُ بِهِ الزِّينَةَ. وَلَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلٍ تُرِيدُ بِهِ الزِّينَةَ إلَّا أَنْ تَشْتَكِيَ عَيْنَهَا. وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا تَمَسُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا طِيبًا، وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ تَتَجَلْبَبُ بِهِ - وَهَذَا قَوْلُنَا. وَصَحَّ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنْ لَا تَلْبَسَ فِي الْإِحْدَادِ الثِّيَابَ الْمُصْبَغَةَ إلَّا الْعَصْبَ، وَأَنْ لَا تَمَسَّ طِيبًا إلَّا أَدْنَاهُ فِي الطُّهْرِ: الْقُسْطَ، وَالْأَظْفَارَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَحَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، أَنَّهَا لَا تَمَسُّ خِضَابًا، وَلَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلٍ زِينَةً، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلَا تَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ إلَّا أَدْنَى الطِّيبِ: نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ، وَأَظْفَارٍ عِنْدَ طُهْرِهَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -: لَا تَكْتَحِلُ وَإِنْ انْفَقَأَتْ عَيْنَاهَا. وَهَذَا قَوْلُنَا. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تَجْتَنِبُ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ.

وَرُوِّينَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: لَا تَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ الْمُصْبَغَةِ شَيْئًا، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ خَاتَمًا، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَطَيَّبُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَوْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ -: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَمَسُّ طِيبًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ. وَمِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - لِأَنَّ فِيهَا ابْنَ لَهِيعَةَ -: لَا تَلْبَسُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مُعَصْفَرًا، وَلَا تَقْرَبُ طِيبًا، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَتَلْبَسُ - إنْ شَاءَتْ - ثِيَابَ الْعَصْبِ. أَمَّا التَّابِعُونَ - فَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا تَلْبَسُ صِبَاغًا، وَلَا حُلِيًّا وَتُنْهَى عَنْ الطِّيبِ، وَالزِّينَةِ، وَلَا تَكْتَحِلُ بِإِثْمِدٍ، فَإِنَّ فِيهِ زِينَةً، وَلَا تُحَضِّضُ فَإِنَّ فِيهِ - زَعَمُوا - وَرْسًا، وَتَكْتَحِلُ بِالصَّبْرِ - إنْ شَاءَتْ - فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حُلِيُّ فِضَّةٍ فَلَا تَنْزِعُهُ - إنْ شَاءَتْ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فَلَا تَلْبَسُهُ تُرِيدُ بِهِ الزِّينَةَ، فَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْإِثْمِدِ، أَوْ الطِّيبِ: فَلَهَا أَنْ تَتَدَاوَى بِهِ، وَكَانَ يَكْرَهُ الذَّهَبَ لَهَا، وَلِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ خَاتَمًا. قَالَ: وَلَهَا أَنْ تَمْتَشِطَ بِالْحِنَّاءِ، وَالْكَتَمِ. قَالَ: وَلَيْسَ الْقُسْطُ، وَالْأَظْفَارُ طِيبًا، وَلَا تُزَيِّنُ هَوْدَجَهَا - إنْ رَكِبَتْ فِيهِ وَرَأَى: الْمَرْوِيَّ، وَالْهَرَوِيَّ زِينَةً - وَرَأَى اللُّؤْلُؤَ زِينَةً. قَالَ: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِمُ فِضَّةٍ فِيهَا فُصُوصُ يَوَاقِيتُ، أَوْ غَيْرُهُ: فَلَهَا أَنْ تَلْبَسَهُ - قَالَ: فَإِنْ تُوُفِّيَ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ فَلِأَهْلِهَا أَنْ يُزَيِّنُوهَا وَيُطَيِّبُوهَا. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ: أَنَّهَا لَا تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَلَا ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَصْبَاغِ. وَصَحَّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَمْتَشِطُ، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا فِيهِ وَرْسٌ، أَوْ زَعْفَرَانٌ، وَلَا تَلْبَسُ الْحُمْرَةَ إلَّا الْعَصْبَ.

وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: يُكْرَهُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا: الْعَصْبُ وَالسَّوَادُ، وَلَا تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصْبَغَةَ، وَلَا تَلْبَسُ حُلِيًّا وَلَا طِيبًا. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا تَمَسُّ الصُّفْرَةَ، وَلَا الطِّيبَ، وَلَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلٍ زِينَةً، لَكِنْ بِزُورٍ، أَوْ صَبْرٍ، إلَّا أَنْ تَرْمَدَ فَتَكْتَحِلَ. وَصَحَّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ امْرَأَةً مَاتَ زَوْجُهَا، قَالَتْ لَهُ: لَيْسَ لِي إلَّا هَذَا الْخِمَارُ - وَهُوَ مَصْبُوغٌ بِبَقَّمٍ؟ فَقَالَ: اُصْبُغِيهِ بِسَوَادٍ -. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: تَمْتَنِعُ مِنْ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ، وَالْكُحْلِ، وَالثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْعُصْفُرِ خَاصَّةً - وَلَا تَدَّهِنُ بِزَيْتٍ أَصْلًا، سَوَاءً مُطَيَّبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُطَيَّبٍ. وَأَبَاحُوا لَهَا الْخَزَّ الْأَحْمَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَجْتَنِبُ الزِّينَةَ كُلَّهَا، وَالْحُلِيَّ: الْخَاتَمَ، وَغَيْرَهُ - وَلَا تَلْبَسُ الْخَزَّ، وَلَا الْعَصْبَ، إلَّا الْعَصْبَ الْغَلِيظَ خَاصَّةً، وَلَا ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا بِسَوَادٍ وَلَا تَكْتَحِلُ أَصْلًا، وَلَا تَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ، وَلَا دُهْنًا مُطَيَّبًا بِرَيْحَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تَمْتَشِطُ بِحِنَّاءٍ، وَلَا بِكَتَمٍ، وَلَا بِشَيْءٍ يَخْتَمِرُ فِي الرَّأْسِ، لَكِنْ بِالسِّدْرِ، وَمَا أَشْبَهَهُ - وَتَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجْتَنِبُ الزِّينَةَ كُلَّهَا، وَالدُّهْنَ كُلَّهُ: الزَّيْتَ، وَغَيْرَهُ، فِي الرَّأْسِ، وَغَيْرِهِ، وَلَا تَكْتَحِلُ بِمَا فِيهِ زِينَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِالْكُحْلِ الَّذِي لَا زِينَةَ فِيهِ، فَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى مَا فِيهِ زِينَةٌ مِنْهُ جَعَلَتْهُ لَيْلًا، وَمَسَحَتْهُ نَهَارًا، كَالصَّبْرِ، وَنَحْوِهِ. وَتَجْتَنِبُ كُلَّ صِبَاغٍ فِيهِ زِينَةٌ، وَتَلْبَسُ الْبَيَاضَ، وَالْمَصْبُوغَ بِالسَّوَادِ، وَالْخُضْرَةِ الْمُقَارِبَةِ لِلسَّوَادِ، وَمَا لَيْسَ بِزِينَةٍ - وَتَجْتَنِبُ الطِّيبَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ خَطَأٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهَا بُرْهَانٌ يُصَحِّحُهُ، لَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا سِيَّمَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَخْصِيصِ مَا صُبِغَ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ، أَوْ عُصْفُرٍ خَاصَّةً. وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي اجْتِنَابِ الْعَصْبِ إلَّا الْغَلِيظَ مِنْهُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الْأَصْبَاغِ، فَإِنَّهَا أَقْوَالٌ لَا تُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلَا مَعْنَى لَهَا أَصْلًا.

فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْنَى فِي الْإِحْدَادِ اجْتِنَابُ الزِّينَةِ؟ قُلْنَا: حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهِ لَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُهَا، وَلَا يُطَوِّلُ بِذِكْرِ الصِّبَاغِ إلَّا الْعَصْبَ، وَبِذِكْرِ الطِّيبِ إلَّا الْقُسْطَ، وَالْأَظْفَارَ عِنْدَ الطُّهْرِ، خَاصَّةً، وَبِذِكْرِ الْكُحْلِ، وَالِامْتِشَاطِ، فِي الِاخْتِضَابِ خَاصَّةً، وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ -: أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَرَادَ الزِّينَةَ فَلَمْ يُسَمِّهَا، وَلَمْ يُرِدْ إلَّا بَعْضَ الصِّبَاغِ فَسَمَّاهُ عُمُومًا - هَذَا الْبَاطِلُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَالْكَذِبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَكُلُّ قَوْلٍ عَرِيَ مِنْ الْبُرْهَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا قَصَدَ بِالْإِحْدَادِ الْحُزْنَ؟ قُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا حُزْنَ أَوْجَبَ مِنْ الْحُزْنِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَعْلَنَتْ بِأَنَّهَا لَمْ تُسَرَّ قَطُّ كَسُرُورِهَا بِمَوْتِ زَوْجِهَا لَمَا كَانَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ إثْمٌ، وَلَا مَلَامَةٌ، إذْ لَمْ تُقَصِّرْ فِي حُقُوقِ التَّبَعُّلِ فِي حَيَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْحُزْنِ عَلَيْهِ لَكَانَ مُبَاحًا لَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَالْحُزْنُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَيْسَ مَحْظُورًا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا الْإِحْدَادُ أَكْثَرَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَهَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَكْتَحِلَانِ وَيَمْتَشِطَانِ وَيَطَّيَّبَانِ، وَيَخْتَضِبَانِ، وَيَنْتَعِلَانِ، وَيَضَعَانِ مَا شَاءَتَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا تُحِدُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ أَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي «أَنَّ رَسُولَ

مسألة الإحداد على الميت

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِامْرَأَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا كَانَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَالْبَسِي مَا شِئْتِ، أَوْ إذَا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» شُعْبَةُ شَكَّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ اسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَبْكِيَ عَلَى جَعْفَرٍ - وَهِيَ امْرَأَتُهُ - فَأَذِنَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ: أَنْ تَطَهَّرِي وَاكْتَحِلِي.» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُنْقَطِعٌ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْآخِذِينَ بِالْمُرْسَلِ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ الْفَاسِدَةَ وَرَدُّوا بِهِ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ: كَصَلَاةِ الْإِمَامِ قَاعِدًا لِمَرَضٍ بِالْأَصِحَّاءِ. وَكَإِيجَابِ الْعِدَّةِ أَنْ يَأْخُذُوا بِهَذَا، وَلَا سِيَّمَا وَالْإِحْدَادُ رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ - أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ -: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِهِ إثْرَ مَوْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَوْتَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ قَبْلَ قَتْلِ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِسَنَتَيْنِ - وَلَكِنَّهُمَا لَا يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ. قَالَ عَلِيٌّ: إنْ غُسِلَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ أَثَرُ صِبَاغٍ فَلَيْسَ مَصْبُوغًا: فَلَهَا لِبَاسُهُ. [مَسْأَلَةٌ الْإِحْدَاد عَلَى الْمَيِّت] 1997 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ الْتَزَمَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَبٍ، أَوْ أَخٍ، أَوْ ابْنٍ، أَوْ أُمٍّ، أَوْ قَرِيبٍ، أَوْ قَرِيبَةٍ: كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ «عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ - أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ - تَقُولَانِ: إنَّهُمَا سَمِعَتَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» .

مسألة ليس على المطلقة ثلاثا إحداد

[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إحْدَادٌ] مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إحْدَادٌ أَصْلًا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَقَالَ غَيْرُهُمْ خِلَافَ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تُحِدُّ الْمَبْتُوتَةُ كَمَا تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَلَا تَمَسُّ طِيبًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَلَا تَكْتَحِلُ لَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْحُلِيَّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْمَبْتُوتَةُ لَا تُحْدِثُ حُلِيًّا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حُلِيٌّ لَمْ تَنْزِعْهُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، وَتَمْتَشِطُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَتَدَّهِنُ بِالدُّهْنِ الَّذِي يَنِشُّ بِالرَّيْحَانِ - وَكَرِهَ الزُّهْرِيُّ الَّذِي فِيهِ الْأَفَاوِيهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَفُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟ فَقَالُوا: تُحِدَّانِ وَتَتْرُكَانِ التَّكْحِيلَ، وَالتَّخْضِيبَ وَالتَّطْيِيبَ، وَالزِّينَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ لَا تَكْتَحِلُ بِكُحْلٍ زِينَةً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو دَاوُد - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَخْتَضِبُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَزَّيَّنُ - وَهِيَ عِنْدَهُ أَشَدُّ مِنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الزِّينَةَ لِلَّتِي لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ - وَبِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُوجِبْهُ، وَأَوْجَبَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

مسألة أغفلت المعتدة الإحداد حتى تنقضي العدة

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَنْ قَالُوا: هِيَ مُفَارِقَةٌ لِزَوْجِهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ شَغَبٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا أَوْجَبْتُمْ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُلَاعِنَةِ، وَالْمُخْتَلِعَةِ، وَالْمُطَلَّقَةِ - عِنْدَكُمْ - طَلَاقًا بَائِنًا، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ عِنْدَكُمْ مُفَارِقَاتٌ لِأَزْوَاجِهِنَّ. وَأَيْضًا فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا " مُفَارِقَةً لِزَوْجِهَا " بِتَمَامِ عِدَّتِهَا، إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَ الْعِدَّةِ. وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ مَا جَمَعُوا بَيْنَهُ فَجَعَلَ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَعِدَّةَ الْمَبْتُوتَةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ -: فَلَاحَ فَسَادُ مَنْ قَاسَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا نَقَضَ فِيهِ مَالِكٌ تَعْظِيمَهُ مُخَالَفَةَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ. [مَسْأَلَةٌ أَغْفَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ الْإِحْدَادَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ] 1999 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَغْفَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ الْإِحْدَادَ الْمَذْكُورَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جَهْلٍ فَلَا حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهِيَ عَاصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تُعِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْإِحْدَادِ قَدْ مَضَى، وَلَا يَجُوزُ عَمَلُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَفِي غَيْرِ وَقْتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَضْعَ حَمْلِهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْإِحْدَادِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَأَقَلَّ - وَلَا نُوجِبُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ كُلَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَقَطْ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ بِأَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ إذْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا إثْرَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ وَقَدْ تَشَوَّفَتْ لِلْخُطَّابِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَصَحَّ أَنَّهُ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ حَمْلِهَا قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا بِإِيجَابِهِ عَلَيْهَا - إنْ تَمَادَى الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَإِنْ وُجِدَ فَالْقَوْلُ بِهِ وَاجِبٌ، وَإِلَّا فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا إذْ تَدَبَّرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ طُرُقِ خَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهَا تَجْتَنِبُ

مسألة تعتد المتوفى عنها والمطلقة ثلاثا حيث أحببن

مَا ذَكَرَ اجْتِنَابَهُ دُونَ ذِكْرِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَكَانَ الْعُمُومُ أَوْلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا. [مَسْأَلَةٌ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا حَيْثُ أَحْبَبْنَ] 2000 - مَسْأَلَةٌ: وَتَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، أَوْ آخِرِ ثَلَاثٍ وَالْمُعْتَقَةُ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا -: حَيْثُ أَحْبَبْنَ.

وَلَا سُكْنَى لَهُنَّ، لَا عَلَى الْمُطَلِّقِ، وَلَا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَلَا عَلَى الَّذِي اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، وَلَا نَفَقَةَ. وَلَهُنَّ أَنْ يَحْجُجْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ، وَأَنْ يَرْحَلْنَ حَيْثُ شِئْنَ. وَأَمَّا كُلُّ مُطَلَّقَةٍ لِلَّذِي طَلَّقَهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ - مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ - فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ إذْ طَلَّقَهَا، وَلَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، أَوْ لَزِمَهَا حَدٌّ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَا أَصْلًا - لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا - أَلْبَتَّةَ إلَّا لِضَرُورَةٍ لَا حِيلَةَ فِيهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] . فَهَذِهِ صِفَةُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا صِفَةُ الطَّلَاقِ الْبَاتِّ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْبَاتُّ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ» . أَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا سَيَّارٌ، وَحُصَيْنٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَالْمُغِيرَةُ - هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ - وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ كُلُّهُمْ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلْت عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا؟ فَقَالَتْ: «طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَلْبَتَّةَ، قَالَتْ: فَخَاصَمْتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ؟ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - الْقَارِيّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهُ «طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ الْعَدَوِيِّ قَالَ: " سَمِعْتُ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ تَقُولُ إنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي ابْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ هَارُونُ: أَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَحَجَّاجٌ، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ «أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طَلُقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُذَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ اذْهَبِي فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلَاثًا فَخَرَجَتْ تَجُذُّ نَخْلَهَا فَنَهَاهَا رَجُلٌ؟ فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ: اُخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَعَسَى أَنْ تَصَدَّقِي مِنْهُ، أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا خَبَرُ فَاطِمَةَ فَمَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ قَاطِعٌ لِلْعُذْرِ. وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَخُصَّ لَهَا أَنْ لَا تَبِيتَ هُنَالِكَ مِنْ أَنْ تَبِيتَ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] .

وَلَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ لِبَيَانِهِمَا وَصِحَّتِهِمَا. وَلَمْ يَصِحَّ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَثَرٌ أَصْلًا. وَالْمَنْزِلُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ -: فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ - وَهُوَ مُكْتَرَى أَوْ مُبَاحٌ - فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ سُكْنَاهُ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَطِيبِ نَفْسِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ، فَقَدْ صَارَ لِلْغُرَمَاءِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلْوَصِيَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهَا مَالُ الْغُرَمَاءِ، وَالْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا لَهَا مِنْهُ مِقْدَارُ مِيرَاثِهَا إنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَقَطْ، وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ لَائِحٌ وَمَا عَدَا هَذَا فَظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَهَذَا مَكَانٌ كَثُرَ فِيهِ اخْتِلَافُ النَّاسِ -: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِقَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: تَعْتَدُّ الْمَبْتُوتَةُ حَيْثُ شَاءَتْ. - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: تَعْتَدُّ الْمَبْتُوتَةُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] قَالَتْ: هَذَا كَانَ لِمَنْ كَانَتْ لَهُ رَجْعَةٌ، فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ - قَالَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فَطَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ - وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ - بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو فِي إمَارَةِ مَرْوَانَ، وَأُمُّهَا بِنْتُ قَيْسٍ، فَانْتَقَلَتْهَا خَالَتُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الثَّقَفِيُّ - هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ الرُّبَيِّعُ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَتَى مُعَوِّذٌ - هُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ - عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَسَأَلَهُ أَتَنْتَقِلُ؟ قَالَ: نَعَمْ تَنْتَقِلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عِنْدَهُمْ طَلَاقُهَا بَائِنٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ

وَأَمَّا نَحْنُ فَهِيَ عِنْدَنَا مُطَلَّقَةٌ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَا تَخْرُجُ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ حَتَّى تَتِمَّ عِدَّتُهَا - فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَأَمَّا التَّابِعُونَ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا سُكْنَى لَهُمَا، وَلَا نَفَقَةَ، وَتَعْتَدَّانِ حَيْثُ شَاءَتَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، قَالَا جَمِيعًا: الْمَبْتُوتَةُ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا يَحُجَّانِ، وَيَعْتَمِرَانِ، وَيَنْتَقِلَانِ، وَيَبِينَانِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: تَحُجُّ الْمَبْتُوتَةُ فِي عِدَّتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] فَأَيُّ أَمْرٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ، إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ. أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي، قَالَ الشَّعْبِيِّ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، قَالَ أَحْمَدُ: وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا قَيْسٌ - هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - أَنَّهَا حَجَّتْ بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ امْرَأَةِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي عِدَّتِهَا فِي الْفِتْنَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - أَنَّهَا كَانَتْ تُفْتِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا، وَخَرَجَتْ بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ حِينَ قُتِلَ عَنْهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَكَّةَ فِي عُمْرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَعْتَدُّ: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَلَمْ يَقُلْ: تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، فَلْتَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيُّ - أَنَا

سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَلَمْ يَقُلْ يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ، تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَقَالَ سُفْيَانُ: قَالَهُ لَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ كَمَا أَخْبَرَنَا - هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ عَطَاءً سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُرَحِّلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا يَضُرُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيْنَ اعْتَدَّتْ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ الْحَسَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ الْمَدِينِيُّ - أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَا جَمِيعًا: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَخْرُجُ فِي عِدَّتِهَا حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيَحُجَّانِ فِي عِدَّتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: سَأَلْنَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ يَخْرُجُ بِهَا زَوْجُهَا إلَى بَلَدٍ فَيُتَوَفَّى الزَّوْجُ؟ فَقَالَ: تَعْتَدُّ حَيْثُ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِهَذَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ امْرَأَةَ مُزَاحِمَ لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا بِخَنَاصِرَةَ سَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَأَمْكُثُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتِي؟ فَقَالَ لَهَا: بَلْ الْحَقِي بِقِرَارِك وَدَارِ أَبِيك فَاعْتَدِّي فِيهَا.

وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ وَهْبٍ - أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ وَلَهُ بِالْفُسْطَاطِ دَارٌ فَقَالَ: إنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدَّ، وَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى دَارِ زَوْجِهَا وَقَرَارِهِ بِالْفُسْطَاطِ فَتَعْتَدَّ فِيهَا فَلْتَرْجِعْ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَقَوْلٌ آخَرُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْمَبْتُوتَةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ حُبْلَى فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَيُنْفِقُ عَلَى الْحُبْلَى مِنْ أَجْلِ وَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، قَالَا جَمِيعًا فِي الْمَبْتُوتَةِ: لَهَا النَّفَقَةُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، ثُمَّ يُعْطِيَهَا أَجْرَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ يُمَتِّعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ: أَنَّ ابْنَ قُسَيْطٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَيَقُولُ: هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ السُّنَّةُ، وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَإِنْ قُضِيَ لَهَا بِالنَّفَقَةِ لِحَمْلِهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ بِهَا رَدَّتْ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ وَبِإِيجَابِ النَّفَقَةِ لَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا - وَبِإِيجَابِ السُّكْنَى بِكُلِّ حَالٍ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْحَامِلِ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، أَتَى قَوْمٌ فِي هَذَا بِآثَارٍ نَذْكُرُهَا، وَهُوَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ يَعْنِي انْتِقَالَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَسْرُوقٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَلَاثًا فَأَبَتْ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِهَا؟ قَالَ: لَا تَدَعْهَا، قَالَ: أَبَتْ إلَّا بِالْخُرُوجِ، قَالَ: فَقَيِّدْهَا، قَالَ: إنَّ لَهَا إخْوَةً غَلِيظَةٌ رِقَابُهُمْ، قَالَ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِالسُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَا تَنْتَقِلُ الْمَبْتُوتَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الْمَبْتُوتَةِ: أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمَبْتُوتَةِ: لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ قَالَ: فِي بَيْتِ زَوْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي بَيْتٍ مُكْتَرًى، قَالَ: تَعْتَدُّ فِيهِ، وَعَلَى زَوْجِهَا الْكِرَاءُ. وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ رَدَّ نِسْوَةً مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَاجَّاتٍ، أَوْ مُعْتَمِرَاتٍ تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يُرْجِعَانِهِنَّ حَوَاجَّ أَوْ مُعْتَمِرَاتٍ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَمِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ أُمِّهِ مُسَيْكَةَ: أَنَّ امْرَأَةً مُتَوَفَّى عَنْهَا زَارَتْ أَهْلَهَا فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ فَأَتَوْا عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: احْمِلُوهَا إلَى بَيْتِهَا وَهِيَ تُطْلِقُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا فَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالنَّهَارِ فَتَتَحَدَّثُ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ عُمَرَ رَخَّصَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا. وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يُرَخِّصْ لَهَا إلَّا فِي بَيَاضِ يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ نِسَاءٌ مِنْ هَمْدَانَ نُعِيَ إلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَقُلْنَ: إنَّا نَسْتَوْحِشُ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَجْتَمِعْنَ بِالنَّهَارِ ثُمَّ تَرْجِعُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ إلَى بَيْتِهَا بِاللَّيْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ امْرَأَةً بَعَثَتْ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: إنَّ أَبِي مَرِيضٌ، وَأَنَا فِي عِدَّةٍ أَفَآتِيهِ أُمَرِّضُهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ بِيتِي أَحَدَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ فِي بَيْتِك. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا إلَّا أَنْ يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَتَنْتَوِي مَعَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أرنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: أَتَخْرُجُ فِي عِدَّتِهَا؟ فَقَالَ: كَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَشَدَّ

شَيْءٍ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: لَا تَخْرُجُ، وَكَانَ الشَّيْخُ - يَعْنِي: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُرَحِّلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، كِلَاهُمَا قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَا تَخْرُجُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالُوا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَا تَخْرُجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ بِالنَّهَارِ وَلَا تَبِيتَ عَنْ بَيْتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي بَيْتٍ بِأُجْرَةٍ؟ قَالَ: إنْ أَحْسَنَ أَنْ يُعْطَى الْكِرَاءَ، وَتَعْتَدَّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ. إنَّمَا أَوْرَدْنَا كَلَامَ إبْرَاهِيمَ لِقَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ، وَفِي الْكِرَاءِ، وَإِلَّا فَإِنَّ قَوْلَهُ إنَّ لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ فِي أَمْرِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، قَالَ: فَنَحْنُ عَلَى أَنْ تَظَلَّ يَوْمَهَا أَجْمَعَ حَتَّى اللَّيْلَ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إنْ شَاءَتْ وَتَنْقَلِبَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرًا - هُوَ ابْنُ الْأَشَجِّ - حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَةَ هَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَأَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَسَأَلَتْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ؟ فَنَهَاهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا غَيْرُهُ بِالْحَجِّ، فَخَرَجَتْ فَلَمَّا كَانَتْ بِالْبَيْدَاءِ صُرِعَتْ فَانْكَسَرَتْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِهَذَا عَلَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ، وَتَاللَّهِ لَوْ جَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ أَوْ غَيْرُهَا عَلَى مَا ظَنُّوا لَكَانَ بِذَلِكَ عَسْكَرُ مُسْرِفِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُوقِعُونَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْحَرَّةِ، الْمُحَارِبُونَ لِمَكَّةَ وَقَدْ اُمْتُحِنَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَشَدَّ مِنْ مِحْنَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَالْمِحَنُ لِلْمُسْلِمِ أَجْرٌ وَتَكْفِيرٌ، وَقَدْ يُمْهِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْكُفَّارَ وَالْفُسَّاقَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ - وَلَمْ يَصِحَّ - أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَنْتَوِي مَعَ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ خَوْفٍ فَإِنَّهَا لَا تُقِيمُ فِيهِ. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الَّذِي يَبْتَدِئُ فَيَمُوتُ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَسْكَنٍ تَسْكُنُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا - وَهِيَ مَرِيضَةٌ - فَنَقَلَهَا أَهْلُهَا، ثُمَّ سَأَلُوا؟ فَكُلُّهُمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ تُرَدَّ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَرَدَدْنَاهَا فِي نَمَطٍ -. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - أَنَّ لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ -: كَمَا أَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ أَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا يَعْقُوبُ - هُوَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي - وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَا: عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ - زَادَ حَفْصٌ: مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَجْعَلَانِ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، قَالَ: لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ. وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حُمَيْدٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ: لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلُ -: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَمِنْ نَصِيبِهَا - حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ - فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَمِنْ نَصِيبِ ذِي بَطْنِهَا - إنْ كَانَ وَارِثًا - فَإِنْ لَمْ يَكُونَا وَارِثَيْنِ فَمِنْ مَالِهَا نَفْسِهَا - إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ - وَإِلَّا فَهِيَ أَحَدُ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ مَاتَ ذُو بَطْنِهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا رَدَّتْ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهِ إلَى الْوَرَثَةِ. وَتَفْسِيرُ قَوْلِنَا: إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا، أَنْ تَكُونَ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا - وَهُوَ كَافِرٌ - فَيَكُونُ هُوَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ، وَلَا يَرِثُ كَافِرًا مُسْلِمٌ - وَهَذَا قَوْلُنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَارِثَةً كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهَا مِنْ مَالِهَا - إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ - وَمِنْ سُؤَالِهَا إنْ كَانَ لَا مَالَ لَهَا، لَا مِنْ مِيرَاثِهَا، وَلَا مِنْ مِيرَاثِ ذِي بَطْنِهَا، وَلَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.

فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي ذَكْوَانَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ: نَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ نَصِيبِهَا يُنْفَقُ عَلَى الْحَامِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَالَ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ زِيَادًا الْأَعْلَمَ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى - قَاضِي الْبَصْرَةِ - فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ فَقَالَ: نَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: نَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَبَلَغَهَا الْخَبَرُ، وَقَدْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ قَالَ: يُحْسَبُ مَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ مِنْ يَوْمِ مَاتَ فَجُعِلَ مِنْ نَصِيبِهَا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ نَصِيبِهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ ذِي بَطْنِهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا أُمِرَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ -: انْقَسَمَ الْقَائِلُونَ بِهِ أَقْسَامًا -:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ وَرِثَتْ فَمِنْ نَصِيبِ ذِي بَطْنِهَا وَإِنْ لَمْ تَرِثْ فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَفَقَةُ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ - حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ - مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ: إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا فَنَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، قَالَ يُونُسُ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَقُولُ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ - كَانَ ذَلِكَ رَأْيَهُ حَتَّى وَلِيَ تَرِكَةَ ابْنِ أَخٍ لَهُ مَاتَ وَتَرَكَ أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلًا، فَكَرِهَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ، فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى - قَاضِي الْبَصْرَةِ - فَقَالَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى مَنْ نَفَقَتُهَا؟ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى نَفَقَتَهَا - حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ - مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ الَّذِي تَرَكَ زَوْجُهَا؟ فَأَبَى الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ وَقَضَوْا أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: التَّهْوِيلُ بِخِلَافِ الْأَئِمَّةِ هَاهُنَا كَلَامٌ فَارِغٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَئِمَّةِ - بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ: أَحَدٌ يَعْدِلُ ابْنَ عُمَرَ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَعْنِ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورِينَ، إنَّمَا عَنَى مَنْ بَعْدَهُمْ الَّذِينَ أَبَوْا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ غُنْدَرٌ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: نَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ: النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِلْحَامِلِ. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ

قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى نُبْتُمْ مَا نُبْتُمْ. وَبِهِ إلَى الْخُشَنِيِّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَتْنِي أُمُّ دَاوُد الْوَابِشِيَّةِ قَالَتْ: تُوُفِّيَ زَوْجِي وَأَنَا حُبْلَى فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَخَاصَمَنِي أَهْلُهُ إلَى شُرَيْحٍ فَعَرَضَ لِي خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَقَالَ: هَذِهِ لَك حَتَّى تَلِدِي، فَإِذَا وَلَدْت فَإِنْ أَمْسَكْتِهِ فَلَكَ مِثْلُهَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أُمِّ دَاوُد الْمَذْكُورَةِ، وَزَادَ: حَتَّى تَعْظُمِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: يُنْفَقُ عَلَى الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَا جَمِيعًا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ -: إنَّ نَفَقَتَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا سَيَّارٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ، قَالَ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَا جَمِيعًا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ -: إنَّ نَفَقَتَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَهُوَ قَوْلُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا، وَلَا مِنْ نَصِيبِ ذِي بَطْنِهَا، وَلَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا يَنْتَصِفُ الْغُرَمَاءُ مِنْ دُيُونِهِمْ حَتَّى تَضَعَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلُ زَوْجَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَنَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَضَعَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ يُنْفَقُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ الْحَامِلِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ وَلَدَتْ جُعِلَ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّةِ وَلَدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِرَدِّ مَا أُعْطِيت. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَخْرُجُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَهَارًا وَتَرْجِعُ لَيْلًا إلَى مَنْزِلِهَا وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ فَلَا تَخْرُجُ لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَتَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ - كَذَلِكَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَوْلُ مَالِكٍ. وَأَظْهَرُهَا فَسَادًا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مَنْعِهِ الْغُرَمَاءَ. وَلَا حَظَّ لِلْوَرَثَةِ إلَّا فِيمَا بَقِيَ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْغُرَمَاءِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ فَلِأَيِّ مَعْنًى يُمْنَعُونَ حَقَّهُمْ الْوَاجِبَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ حَقٌّ مُتَيَقَّنٌ فِي الْمِيرَاثِ فَمَنْعُهُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي حِصَّتِهِ ظُلْمٌ مُتَيَقَّنٌ، لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ؟ وَقَدْ أَكْثَرْنَا مُسَاءَلَتَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ مُتَعَلَّقًا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْمَوْتِ، وَعِدَّةِ الْوَرَثَةِ، وَمِنْ تَقْدِيمِ نَاظِرٍ عَلَى الْمَوْلُودِ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ، بَلْ مِنْ ذَلِكَ أَلْفُ بُدٍّ -: أَمَّا الدُّيُونُ - فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْمَوْتِ أَصْلًا، بَلْ يُقْضَى لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا. وَأَمَّا الْوَرَثَةُ - فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ عَدَدِهِمْ فِيمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَأَمَّا مَا يَقَعُ لَهُ أَوْ لَا يَقَعُ، لِكَثْرَةِ الْوَرَثَةِ، أَوْ لِقِلَّتِهِمْ، وَبِوِلَادَةِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَهَذَا يُوقَفُ وَلَا بُدَّ حَتَّى يُتَيَقَّنَ كَيْفَ يَكُونُ حُكْمُهُ؟ وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا، أَوْ لِلْمَبْتُوتَةِ -: فَخَطَأٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ لَيْسَ لَهُ، بَلْ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ، أَوْ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ، أَوْ مِمَّا أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِمْ - وَهَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ - وَالْمَبْتُوتَةُ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةً، فَهِيَ وَالْأَجْنَبِيَّةُ سَوَاءٌ، فَأَخْذُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ. وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى شَغَبَ مَنْ أَوْجَبَ لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ، أَوْ السُّكْنَى

دُونَ النَّفَقَةِ، أَوْ خَصَّ الْحَامِلَ بِذَلِكَ - وَنُبَيِّنُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَسَادَ كُلِّ ذَلِكَ - وَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ نَتَأَيَّدُ. أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا؟ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى - لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 6 - 7] الْآيَةَ. قَالُوا: وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ حَامِلٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْ أَوَّلِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا هِيَ الَّتِي أَمَرَ بِإِسْكَانِهَا وَلَا فَرْقَ، فَمَنْ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنَى فَقَدْ قَالَ بِلَا دَلِيلٍ، وَبَطَلَ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا، أَوْ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ - إنْ كَانَتْ حَامِلًا - وَسَنُبَيِّنُ وَجْهَ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا - بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرْسَلَ مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ يَسْأَلُهَا؟ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ الْمَخْزُومِيِّ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، إذْ خَرَجَ إلَى الْيَمَنِ مَعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، قَالَا: وَاَللَّهِ مَا لَهَا نَفَقَةٌ إلَّا أَنْ

تَكُونَ حَامِلًا، قَالَ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «لَا نَفَقَةَ لَك إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا - وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ؟ فَأَذِنَ لَهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ «إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» لَمْ تَأْتِ إلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ فَاطِمَةَ غَيْرُ قَبِيصَةَ - وَعِلَّةُ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَسْمَعْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - لَا مِنْ قَبِيصَةَ وَلَا مِنْ مَرْوَانَ - فَلَا نَدْرِي مِمَّنْ سَمِعَهُ؟ وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ - وَلَوْ اتَّصَلَ لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ، فَبَطَلَ هَذَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ - فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَدَأَ قَوْلَهُ الصَّادِقَ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] إثْرَ قَوْله تَعَالَى فِي بَيَانِ الْعِدَدِ إذْ

يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] إلَى قَوْله تَعَالَى {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ. كَمَا أَوْرَدْنَا وَنَحْنُ لَا نَخْتَلِفُ فِي أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لِلْمَبْتُوتَةِ كَمَا هِيَ لِغَيْرِ الْمَبْتُوتَةِ، وَلَا فَرْقَ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] أَرَادَ بِهِ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُطَلَّقَاتِ مِنْ مَبْتُوتَةٍ وَرَجْعِيَّةٍ، أَوْ أَرَادَ أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ كِلَا الْقِسْمَيْنِ؟ قُلْنَا لَكُمْ: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ غَيْرَ الْمَبْتُوتَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، كَمَا قُلْتُمْ فِي الْمَبْتُوتَةِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ عِنْدَكُمْ فِيهِمَا جَمِيعًا - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ. فَإِنْ قَالُوا: أَرَادَ الْمَبْتُوتَاتِ فَقَطْ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَوَّلُهُمَا - أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي -: أَنَّ السُّنَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَحَّتْ فِي خَبَرِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَحْكُمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسْخًا أَوْ مُضَافًا إلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ هَذَا مُضَافًا إلَى مَا فِي الْآيَةِ. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَسْخٌ، إلَّا بِيَقِينٍ لَا بِالدَّعْوَى - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ. فَإِنْ قَالُوا: أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّجْعِيَّاتِ فَقَطْ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَبُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ -: خَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَأَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا - لَيْسَتْ بِحَامِلٍ -؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ بِلَا خِلَافٍ.

وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ لِلزَّوْجَاتِ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ بِنَصٍّ قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي ذِكْرِنَا " حُكْمَ النَّفَقَاتِ ". وَأَخَذْنَا حُكْمَ إرْضَاعِ الْمَبْتُوتَةِ، وَالْمُنْفَسِخَةِ النِّكَاحِ، وَاَلَّتِي يَلْحَقُ وَلَدُهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] الْآيَاتُ كَمَا هِيَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. فَهَذِهِ بَرَاهِينُ ضَرُورِيَّةٌ قَاطِعَةٌ لَا مَحِيدَ عَنْهَا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَسَقَطَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - فَإِنَّمَا هُمْ: عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عَنْهُمَا أَنَّ لِلْمَبْتُوتَةِ النَّفَقَةَ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ: أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِمَا فِي مَوْضِعٍ وَلَا يَرَوْنَهُمَا حُجَّةً فِي آخَرَ. وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ -، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَنَفَرٌ مِنْهُمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، وَلَمْ يَذْكُرُوا السُّكْنَى - وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ. فَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ - فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ: أَنَّ نَفَقَةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ - وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ، وَمِنْ الْبَاطِلِ: أَنْ يَكُونَ حُجَّةً حَيْثُ اشْتَهُوا، غَيْرَ حُجَّةٍ حَيْثُ لَا يَشْتَهُونَ. وَأَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - فَقَدْ خَالَفُوهَا فِي إخْرَاجِهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ: أَنْ تَكُونَ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ، وَغَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَرَ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ إيجَابُ السُّكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ، وَلَا عَنْ عَائِشَةَ، وَلَا عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ - فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ عَارِيًّا مِنْ الْبُرْهَانِ:

مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ قَوْلِ أَحَدِ الصَّحَابَةِ، إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَسُقُوطِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَلَمْ يَبْقَ لَنَا إلَّا قَوْلُنَا، وَقَوْلُ مَنْ وَجَّبَ لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ؟ فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِهِمْ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ إلَّا الِاعْتِرَاضَ فِي خَبَرِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَبَنَوْا أَنَّهُمْ إنْ سَقَطَ ذَلِكَ الْخَبَرُ كَانَتْ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَاتُ مَحْمُولَاتٍ عَلَى كُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَبْتُوتَةٍ، أَوْ غَيْرِ مَبْتُوتَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاعْتَرَضُوا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - نَعْنِي انْتِقَالَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ - وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ -: اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا؟ فَقَالَ مَرْوَانُ: أَوَ مَا بَلَغَك شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا نَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُحَمَّدٌ أَنَا غُنْدَرٌ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ؟ لَا تَتَّقِي اللَّهَ - تَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةَ -. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ أَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ فَقَالَتْ: أَمَا إنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَبَرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبِي عَنْ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إنَّمَا أَخْرَجَك هَذَا - تَعْنِي اللِّسَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَسَاقِطٌ، لَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي إسْنَادِهِ كَمَا أَوْرَدْنَا - ثُمَّ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعْ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَطُّ،

فَلَا يَرُدُّ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ هَذَا إلَّا مُظْلِمُ الْجَهْلِ، أَوْ رَقِيقُ الدِّينِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ كِلَيْهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَابَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ، وَقَالَتْ: إنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ، فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ جِدًّا: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْخَبَرَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلِمَ أَنَّهُمَا مُتَكَاذِبَانِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَ إخْرَاجُهَا مِنْ أَجْلِ لِسَانِهَا، كَمَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ فَقَدْ بَطَلَ هَذَا الَّذِي فِيهِ " أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إذْ لَا شَكَّ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ تُؤْذِيهِمْ بِلِسَانِهَا فَلَيْسَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ، أَوْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ يُخَافُ عَلَيْهَا فِيهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ قَوْمٌ تُؤْذِيهِمْ بِلِسَانِهَا فَتُخْرَجُ لِذَلِكَ - وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا فَضِيحَةَ الْكَاذِبِينَ. فَهَذَا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَكَرُوا: مَا نَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا مُطَّلِبُ أَنَا أَبُو صَالِحٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ - كَاتِبُ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَقُولُ كَانَ أُسَامَةُ إذَا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - يَعْنِي مِنْ انْتِقَالِهَا فِي عِدَّتِهَا - رَمَاهَا بِمَا فِي يَدِهِ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ - وَهُوَ

ضَعِيفٌ جِدًّا - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إلَّا إنْكَارُ أُسَامَةَ لِذَلِكَ كَإِنْكَارِ عَائِشَةَ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي إبْطَالِ الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَقَصَّيْنَا كُلَّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْتَدُّ فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا بَاطِلٌ لَا شَكَّ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَلَمْ يُولَدْ إبْرَاهِيمُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ، وَمَا أَخَذَ إبْرَاهِيمُ هَذَا إلَّا عَمَّنْ لَا خَيْرَ فِيهِ بِلَا شَكٍّ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَبِيحِ مُجَاهَرَةِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، وَهُمْ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لِمَا فِيهِ مَنْسُوبٌ إلَى عُمَرَ مِنْ أَنْ لَا نَعْتَدَّ - فِي دِينِنَا - بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ السُّنَنَ تُؤْخَذُ عَنْ الْمَرْأَةِ كَمَا تُؤْخَذُ عَنْ الرَّجُلِ. أَلَا يَسْتَحْيِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا عَنْ عُمَرَ مَنْ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الرَّضَاعِ، وَالْوِلَادَةِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ الْحُرَّةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ أَتَرَوْنَ كُلَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الدِّينِ.

وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ جِهَارًا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . وقَوْله تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] مُحَرَّمٌ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هِيَ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ - أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -. وَمَنْ أَبَاحَ مَنْزِلَةَ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ وَخَالَفَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِإِذْنِهِمْ بِرِوَايَةِ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ لَا تُعْرَفُ [مَنْ هِيَ] وَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبٍ فَأَوْجَبُوا السُّكْنَى بِرِوَايَتِهَا لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا حِينَئِذٍ إلَى عَمَلِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَيْسَ هَذَا عَجَبًا؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ اتَّصَلَ مِنْ بَيْنِ إبْرَاهِيمَ، وَعُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا حَدَّثَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ: أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ أَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُ امْرَأَةٍ؟ قُلْنَا: الْآنَ زَادَ وَهْيُ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَحَلَّ أَبِي يُوسُفَ عِنْدَ الَّذِينَ شَاهَدُوهُ وَعَرَفُوهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، كَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ الْأَعْمَشِ الثِّقَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ الْفَضِيحَةَ الَّتِي إنَّمَا هِيَ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. ثُمَّ لَا عَلَيْكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْكَلَامِ وَتُصَحِّحُونَهُ عَنْ عُمَرَ، فَخُذُوا بِهِ؛

لِأَنَّكُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُ وَاطَّرَحْتُمُوهُ، وَأَنْ تُجِيزُوا الْقَوْلَ بِهِ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ اسْتَحْلَلْتُمْ الِاحْتِجَاجَ بِهِ؟ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِلْحَيَاءِ، وَالدِّينِ، وَخَوْفِ الْعَارِ، وَالنَّارِ، أَنْ يَمْنَعَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَلَكِنْ مَنْ يَضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَذَكَرُوا - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ - هُوَ الزُّبَيْرِيُّ - أَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْت مَعَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً» ، ثُمَّ أَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيَلْكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي هَلْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ: لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] . قَالَ مُسْلِمٌ: ونا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوُ حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ - هُوَ الزُّبَيْرِيُّ -

أَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: كُنْت فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مَعَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ فَذَكَرَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَتَتْ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ: لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو الْجَوَابِ الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَابٍ أَنَا عَمَّارٌ - هُوَ ابْنُ زُرَيْقٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَحَصَبَهُ الْأَسْوَدُ وَقَالَ: وَيْحَكَ لِمَ تُفْتِي بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ عُمَرُ لَهَا: إنْ جِئْت بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا لَمْ نَتْرُكْ كِتَابَ اللَّهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] . قُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ -: فَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَإِنَّ هَذَا يَجْمَعُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ -: أَمَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ بِيَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ عُمُومِ سُكْنَى الْمُطَلَّقَاتِ فَقَطْ. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَيِّنَةٌ لِلنَّاسِ، وَيَأْتِي بِهِ لِمَا فِي هَذَا مِنْ عَظِيمِ الْوَعِيدِ فِي الْقُرْآنِ. وَهَا هُنَا أَمْرٌ قَرِيبٌ جِدًّا - نَحْنُ قَدْ صَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عُمَرَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَمَهَا، وَلَمْ يَنُصَّهَا وَيُبَيِّنْهَا فَلْيُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ بِنَصِّهَا النَّاسَ، حَتَّى يَرَوْا مَنْ مِنَّا الَّذِي يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيُّنَا يُضِيفُ إلَى عُمَرَ مَا قَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا نَقْنَعُ مِنْهُمْ إلَّا بِالْقَطْعِ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ. وَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَهُ، إذْ أَتَى بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ حُجَّةٌ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] فَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ خَاصَّةً؟ وَلَوْ ذُكِّرَ عُمَرُ بِذَلِكَ لَرَجَعَ كَمَا رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، إذْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَلَى

أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ حِينَ ذَكَّرَتْهُ امْرَأَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] فَتَذَكَّرَ وَرَجَعَ. وَكَمَا ذَكَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ إذْ سَلَّ سَيْفَهُ وَقَالَ: لَا يَقُولُنَّ أَحَدٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ إلَّا ضَرَبْته بِالسَّيْفِ؟ فَلَمَّا تَلَا عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ. وَبِهَذَا احْتَجَّتْ فَاطِمَةُ نَصًّا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] قَالَتْ: فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ " فَإِنَّ مَا أَمْكَنَ مِنْ النِّسْيَانِ عَلَى فَاطِمَةَ فَهُوَ مُمْكِنٌ عَلَى عُمَرَ بِلَا شَكٍّ. وَأَقْرَبُ ذَلِكَ تَذْكِيرُ عَمَّارٍ لَهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا جَمِيعًا بِالتَّيَمُّمِ مِنْ الْجَنَابَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَلَمْ يَذْكُرْ عُمَرُ ذَلِكَ، وَثَبَتَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فِي كُتُبِنَا وَكَمَا نَسِيَ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَلَيْسَ جَوَازُ النِّسْيَانِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ رِوَايَةِ الْعَدْلِ الَّذِي قَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى قَبُولَ رِوَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَى أُصُولِ خُصُومِنَا تَرْكُ خَبَرِ الْوَاحِدِ جُمْلَةً وَرَدُّ شَهَادَةِ كُلِّ شَاهِدٍ فِي الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ النِّسْيَانِ فِي هَذَا.

فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهُ عَصَبِيَّةً وَلَجَاجًا فِي الْبَاطِلِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ لَهَا " إنْ جِئْت بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا؟ وَلَوْ لَزِمَ هَذَا فَاطِمَةَ لَلَزِمَ عُمَرَ فِي كُلِّ مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلَّ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا فَرْقَ. فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُمَوِّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَشْيَاءَ هُوَ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِهَا وَبُطْلَانِهَا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ: إنَّ عُمَرَ أُخْبِرَ بِقَوْلِهَا فَقَالَ: لَسْنَا بِتَارِكِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَعَلَّهَا أَوْهَمَتْ سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَهُمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ؟ قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» . وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْمَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ لِلْمُطَلَّقَةِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ مَعَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ وَلَا بُدَّ، فَيُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّ نَصٍّ ثَابِتٍ بَيِّنٍ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ بَيِّنٍ، لَا بِمُشْكَلَاتٍ لَا تَصِحُّ وَبِمُجْمَلَاتٍ لَا بَيَانَ فِيهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ السَّاقِطَ لَا يَرْضَاهُ الْمَالِكِيُّونَ وَلَا الشَّافِعِيُّونَ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ أَنَّ ابْنَ قُسَيْطٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ سِوَى ثَلَاثًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِلْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ النَّفَقَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ السُّنَّةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ ابْنَ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ أَسْقَطَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِأَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّمَا النَّفَقَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " عَلَى ذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " فَكُلُّ مَنْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، فَإِنَّمَا هُمْ عَلَى أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَصْلًا، إلَّا ابْنُ عُمَرَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا شَكَّ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَهِيَ السُّنَّةُ " فَقَدْ قَالَهَا فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ. وَقَالَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ: إنَّهَا مِنْ السُّنَّةِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ. فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدِينُ بِتَصْحِيحِ قَوْلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " هِيَ السُّنَّةُ " وَلَا يُصَدِّقُ الْقَوْلَ الثَّابِتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ السُّنَّةُ أَلَا هَكَذَا فَلْيَكُنْ الْبَاطِلُ وَالضَّلَالُ. وَذَكَرُوا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَنَا زُهَيْرٌ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ بَرْقَانَ أَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ طَلُقَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَتَنَتْ النَّاسَ، إنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً، فَوُضِعَتْ عَلَى يَدِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ لَا نَدْرِي مَنْ أَخْبَرَ سَعِيدًا بِذَلِكَ فَهُوَ سَاقِطٌ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا

نَفَقَةٌ» الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يُبْطِلُ هَذِهِ الظُّنُونَ الْكَاذِبَةَ كُلَّهَا، وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي فَاطِمَةَ وَحْدَهَا، بَلْ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا. وَذَكَرُوا -: مَا نَاهُ حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا مُطَّلِبَ أَنَا أَبُو صَالِحٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. ثُمَّ قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ مِنْ خُرُوجِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَحِلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَلَا نَدْرِي مَنْ هَؤُلَاءِ النَّاسُ، وَإِنَّمَا نَدْرِي أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ، وَإِنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ مِنْ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْكَرَ حَقًّا. وَذَكَرُوا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ هَذَا، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا مِنْ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ أَنَّ مَرْوَانَ تَوَرَّعَ هَذَا الْوَرَعَ حَيْثُ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا تَمْوِيهٍ، فَأَخَذَ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدَ جَمِيعَ

النَّاسَ وَأَهْلَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا مِنْ الْقَوْلِ بِإِمَامَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ أَقْصَى أَعْمَالِ إفْرِيقِيَّةَ إلَى أَقْصَى خُرَاسَانَ - حَاشَا أَهْلِ الْأُرْدُنِّ - لَكَانَ أَوْلَى بِهِ وَأَنْجَى لَهُ فِي آخِرَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيمَا ادَّعَى فِيهِ الْعِصْمَةَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ قَالَ: فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَمَا تَرَوْنَ فَتَأَمَّلُوا قَوْلَهُ «فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا مِنْ كَلَامِ فَاطِمَةَ؛ لِأَنَّ نَصَّهُ قَالَ: «فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» فَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ - وَلَا يَخْلُو هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَسْمَعْهُ عُرْوَةُ مِنْ فَاطِمَةَ فَيَكُونُ مُرْسَلًا -: وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ مَا خَبَّرَنَا بِهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ قَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ أَنَا أَبِي أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ» فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ أَصْلَ الْخَبَرِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ، أَوْ يَكُونُ عُرْوَةُ سَمِعَهُ مِنْ فَاطِمَةَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّمَا آمُرُك بِالتَّحَوُّلِ مِنْ أَجْلِ خَوْفِك أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْك - وَإِذْ لَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ يَخَافُ النَّارَ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَمَرَهَا بِالتَّحَوُّلِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ صَحَّ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ» : أَفَتَرَوْنَ النَّفَقَةَ سَقَطَتْ خَوْفَ الِاقْتِحَامِ عَلَيْهَا؟ هَذَا كُلُّهُ خَدْشٌ فِي الصَّفَا. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَلْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ» يُغْنِي عَنْ هَذَا كُلِّهِ، وَعَنْ تَكَلُّفِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إنْكَارُ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا، فَكَانَ مَاذَا؟

فَقَدْ وَافَقَهَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَا الَّذِي جَعَلَ رَأْيَ عَائِشَةَ، وَعُمَرَ مِنْ رَأْيِ مَنْ ذَكَرْنَا؟ فَكَيْفَ وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَنَحْنُ نُعْلِنُ وَنَهْتِفُ وَنَصْرُحُ: أَنَّ رَأْيَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَا نَأْخُذُ بِهِ إذَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ، وَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِرَأْيِهِمَا حِينَئِذٍ، وَلَا أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ كَتَمَاهَا، وَيُصَرِّحُوا هُمْ بِأَنْ يَقُولُوا: إنَّ رَأْيَ عُمَرَ، وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَرَوْا حَالَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَلَيْتَ شِعْرِي - أَيْنَ كَانَ عَنْهُمْ هَذَا الِانْقِيَادُ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، إذْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى قَوْلِهَا بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ، إذْ قَدْ نَسَبُوا إلَيْهَا مَا قَدْ بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ أَنَّهَا تُولِجُ حِجَابَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي ضَرَبَهُ عَلَى نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وُلُوجُهُ فَهَذِهِ هِيَ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تَقْشَعِرُّ مِنْهَا جُلُودُ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي إبَاحَتِهَا لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ وَأَيْنَ كَانُوا مِنْ هَذِهِ الطَّاعَةِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ خَالَفُوهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَجَعَلُوهُ يُفْتِي بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ؟ وَمَا قَدْ جَمَعْنَاهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا قَدْ خَالَفُوهُمَا فِيهِ فِي كِتَابٍ أَفْرَدْنَاهُ لِذَلِكَ، إذَا تَأَمَّلَهُ الْمُتَأَمِّلُ رَآهُمْ كَأَنَّهُمْ مُغْرَمُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ فِيمَا وَافَقَ فِيهِ السُّنَّةَ، وَتَقْلِيدُهُ فِي رَأْيٍ وَهِمَ فِيهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَعُدَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ كَثُرَ كَلَامُهُ بِالْبَاطِلِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَصَحَّ خَبَرُ فَاطِمَةَ كَالشَّمْسِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْمُبَايِعَاتِ الْأُوَلِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ [أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيِّ

عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زَكْوَانَ أَنَا أَبُو بَرِيرَةَ] عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ - وَهِيَ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ شَهِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّهِمْ بِالصِّدْقِ -: قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] . فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُكَذِّبُ مِنْهُمْ أَحَدًا -، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَمْ نَجِدْ لِأَحَدٍ خِلَافَهُ، وَقَالُوا: فِي خَبَرِ خَالَةِ جَابِرٍ إنَّمَا أَمَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْخُرُوجِ عَلَى أَنْ لَا تَبِيتَ هُنَالِكَ - فَكَانَ هَذَا كَذِبًا مُسْتَسْهَلًا، وَإِخْبَارًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالِافْتِرَاءِ بِلَا دَلِيلٍ. وَلِعَمْرِي لَوْ لَمْ يَأْتِ أَثَرٌ لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِمَبْتُوتَةٍ، وَلَا سُكْنَى؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ لَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ، فَلَا حَقَّ لَهَا فِي مَالِهِ - لَا فِي إسْكَانٍ، وَلَا فِي نَفَقَةٍ - وَالْعِدَّةُ شَيْءٌ أَلْزَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا، لَا مَدْخَلَ لِلزَّوْجِ فِي إسْقَاطِهِ، وَلَا الزِّيَادَةِ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا - فَإِنَّ مَنْ أَوْجَبَ لَهَا السُّكْنَى احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ «أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ بِالْقَدُّومِ فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ لَهَا أَهْلًا؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ، فَلَمَّا أَدْبَرَتْ دَعَاهَا فَقَالَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي - وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ فُرَيْعَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي

طَلَبِ أَعْلَاجٍ حَتَّى إذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ - وَهُوَ جَبَلٌ - أَدْرَكَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ لَهُ: أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ، وَأَنَّهُ تَرَكَهَا فِي مَسْكَنٍ لَيْسَ لَهُ، وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ؟ فَأَذِنَ لَهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إذَا كَانَتْ بِبَابِ الْحُجْرَةِ أَمَرَ بِهَا فَرُدَّتْ، فَأَمَرَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَهُ - وَفِيهِ قَالَتْ: «فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فِي بَنِي خَدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ» . وَفِيهِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» ، قَالَ: فَاعْتَدَّتْ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ «اُسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ نِسَاؤُهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَ: إنَّا نَسْتَوْحِشُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِاللَّيْلِ فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا حَتَّى إذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّدْنَا فِي بُيُوتِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ حَتَّى إذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إلَى بَيْتِهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثُ مُجَاهِدٍ فَمُنْقَطِعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ فُرَيْعَةَ - فَفِيهِ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا تُعْرَفُ - وَلَا رَوَى عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ - وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ - عَلَى أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ لِغَرَابَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَحَدٍ سِوَاهُ - فَسُفْيَانُ يَقُولُ: سَعِيدٌ، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: سَعْدٌ، وَالزُّهْرِيُّ يَقُولُ: عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - فَبَطَلَ

الِاحْتِجَاجُ بِهِ. إذْ لَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ، وَلَا ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ لَيْسَ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ بِكِرَاءٍ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ إلَّا إسْكَانًا، أَوْ كَانَ قَدْ تَمَّتْ فِيهِ مُدَّةُ الْكِرَاءِ: فَلِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ إخْرَاجُهَا مِنْهُ، وَلَوْ طَلَبَ مِنْهَا الْكِرَاءَ فَغَلَى عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تُكْرِيَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَنْ يُكْرُوهُ لَهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا سُكْنَى لَهَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ أَصْلًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْزِلُ لَهُ أَوْ بِكِرَاءٍ - فَقَدْ خَالَفُوا نَصَّ هَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْ الْمُحَالِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِخَبَرِهِمْ أَوَّلَ عَاصِينَ لَهُ. وَمَوَّهُوا فِيمَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ ذَكَرَ لَهُ نَقْلَهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ؟ فَقَالَ أَيُّوبُ: إنَّمَا نَقَلَهَا مِنْ دَارِ الْإِمَارَةِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: وَسَمِعْت جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ يُحَدِّثُ أَيُّوبَ بِحَدِيثِ عَطَاءٍ: أَنَّ عَائِشَةَ حَجَّتْ بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ أَيُّوبُ: إنَّمَا نَقَلَتْهَا إلَى بِلَادِهَا. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُخْرِجُ الْمَرْأَةَ مِنْ بَيْتِهَا إذَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا لَا تَرَى بِهِ بَأْسًا - وَأَبَى النَّاسُ إلَّا خِلَافَهَا، فَلَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهَا وَنَدَعُ قَوْلَ النَّاسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَدْرِي مَنْ هَؤُلَاءِ النَّاسُ؟ وَالشَّرْطُ نَاسٍ، وَلَا حُجَّةَ فِي النَّاسِ

عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَالَ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى سَوَاءٍ إلَّا بِحَقٍّ. وَمَنْزِلُ الْمَيِّتِ - إمَّا لِلْغُرَمَاءِ، وَإِمَّا لِلْوَرَثَةِ - بَعْدَ الْوَصِيَّةِ - لَيْسَ لِامْرَأَتِهِ فِيهِ حَقٌّ إنْ كَانَتْ وَارِثَةً إلَّا مِقْدَارَ حِصَّتِهَا فَقَطْ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا كَلَامُ أَيُّوبَ فَزَلَّةُ عَالِمٍ قَدْ حُذِّرَ مِنْهَا قَدِيمًا. وَأَمَّا تَمْوِيهُ الْمُحْتَجِّ بِهِ وَهُوَ يَدْرِي بُطْلَانَهُ فَمُصِيبَةٌ، أَمَّا قَوْلُهُ " نَقَلَهَا عَنْ دَارِ الْإِمَارَةِ " فَوَا فَضِيحَتَاهُ؟ وَهَلْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ قَطُّ دَارُ إمَارَةٍ مُدَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ. وَهَلْ سَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا فِي دَارِ نَفْسِهِ، لَكِنْ لَمَّا رَأَى أَيُّوبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَارَ الْإِمَارَةِ بِالْبَصْرَةِ ظَنَّ أَنَّهَا بِالْمَدِينَةِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَكَنَ فِي دَارِ الْإِمَارَةِ بِالْمَدِينَةِ، فَيَا لَلْعَجَبِ؟ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " إنَّمَا نَقَلَتْهَا إلَى بِلَادِهَا " فَهَذِهِ طَامَّةٌ أُخْرَى هُوَ يَسْمَعُ حَجَّتْ بِهَا فِي عِدَّتِهَا وَيَقُولُ " نَقَلَتْهَا إلَى بِلَادِهَا " وَهِيَ الْمَدِينَةُ. وَهَلْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ ضِدُّ قَوْلِ أَيُّوبَ، وَأَنَّهَا إنَّمَا نَقَلَتْهَا عَنْ بِلَادِهَا - وَهِيَ الْمَدِينَةُ - وَعَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ زَوْجُهَا طَلْحَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْبَصْرَةُ إلَى مَكَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا بَلَدًا، وَلَكِنْ مَنْ ذَا عُصِمَ مِنْ الْخَطَأِ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي تَكَفَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالْعِصْمَةِ. وَأَمَّا تَهْوِيلُهُمْ بِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَزَيْدٍ: مُنْقَطِعَةٌ، وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ عَنْهُمْ بِمِثْلِهَا سَوَاءً سَوَاءً - قَدْ أَوْرَدْنَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَرْخَصَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَبْقَى عَنْ مَنْزِلِهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ.

الآمدي الأمة المعتدة لا تحل لسيدها حتى تنقضي عدتها

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنْ تَبْقَى عَنْ مَنْزِلِهَا أَحَدَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ، فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرَفِ الْوَاحِدِ، وَالطَّرَفِ الثَّانِي. وَأَمَّا عُمَرُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَكَانَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَمَاتَ أَبُوهَا، فَسُئِلَ لَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ فَرَخَّصَ لَهَا أَنْ تَبِيتَ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ - فَمَرَّةً عُمَرُ حُجَّةٌ، وَمَرَّةً لَيْسَ بِحُجَّةٍ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَوْلُ سَالِمٍ ابْنِهِ: كُنَّا نُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ حَتَّى نُبْتُمْ مَا نُبْتُمْ. فَتَرَكُوا هَذَا كُلَّهُ، وَتَرَكُوا: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَأُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ حَيْثُ أَحَبُّوا، وَشَنَّعُوا بِخِلَافِهِمْ، وَإِنْ خَالَفَ مَا جَاءَ عَنْهُمْ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ - حَيْثُ أَحَبُّوا -. وَوَاللَّهِ - قَسَمًا بَرًّا - مَا اتَّبَعَ الْحَاضِرُونَ مِنْهُمْ قَطُّ عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا ابْنَ عُمَرَ، وَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَا عَائِشَةَ - وَمَا اتَّبَعُوا إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ، ثُمَّ لَا مَئُونَةَ عَلَيْهِمْ فِي إنْكَارِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَيَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالنَّاسُ مِنْهُمْ، - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعُوذُ مِنْ مِثْلِ هَذَا -، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. الْآمِدِيّ [الْآمِدِيّ الْأَمَةُ الْمُعْتَدَّةُ لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا] 2001 - مَسْأَلَةٌ: وَالْأَمَةُ الْمُعْتَدَّةُ لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] وَالسِّرُّ النِّكَاحُ - وَالسِّرُّ أَيْضًا ضِدُّ الْإِعْلَانِ، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ بِنَصِّ الْآيَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا. [مَسْأَلَةٌ لَا عِدَّةَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ] 2002 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا عِدَّةَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهَا لَيْسَتْ مُطَلَّقَةً، وَلَا مُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي سِوَاهُمَا. 2003 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا عِدَّةَ عَلَى أُمِّ وَلَدٍ - إنْ أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا - وَلَا عَلَى أَمَةٍ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا، أَوْ عِتْقِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَهُمَا أَنْ يُنْكَحَا مَتَى شَاءَتَا؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] إلَّا أَنَّهَا إنْ خَافَتْ حَمْلًا تَرَبَّصَتْ حَتَّى تُوقِنَ بِأَنَّ بِهَا حَمْلًا، أَوْ أَنَّهَا لَا حَمْلَ بِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا: فَقَوْلٌ أَوَّلٌ: كَمَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ،

أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ أَنَا سَعِيدٌ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: فِي الْمُعْتَقَةِ عَنْ دُبُرٍ إذَا كَانَ سَيِّدُهَا يَطَؤُهَا - وَإِنْ لَمْ تَلِدْ - فَعِدَّتُهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إنَّ

عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيَّ، قَالَا جَمِيعًا: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً يَطَؤُهَا - وَلَمْ تَلِدْ لَهُ - فَمَاتَ فَتُسْتَبْرَأُ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنْ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا قَالَ: تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَبِهِ إلَى حُمَيْدٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا قَالَ: تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ أَنَا دَاوُد - هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حُمَامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا؟ فَقَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَخِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو عِيَاضٍ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ: أَنَّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كُتِبَ إلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَيُعَزِّرَهُمَا -. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ ثَانِي - يَجْعَلُ عِدَّتَهَا فِي الْعِتْقِ وَالْوَفَاةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: عِدَّةُ السُّرِّيَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَا جَمِيعًا فِي أُمِّ الْوَلَدِ: عِدَّتُهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ سُرِّيَّةً - وَهِيَ حُبْلَى - قَالَ: تَعْتَدُّ ثَلَاثَ حِيَضٍ - وَهِيَ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ - وَقَالَهُ أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: الْأَمَةُ يُصِيبُهَا سَيِّدُهَا - فَلَمْ تَلِدْ - لَهُ فَأَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: عِدَّةُ السُّرِّيَّةِ إذَا أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاسْتُحِبَّ لَهَا الْإِحْدَادُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ: فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهَا فَحَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَعْتَدُّ حَيْضَةً وَاحِدَةً - يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ - قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ أَنْ ابْنَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ فَتَزَوَّجْنَ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَالَ الْقَاسِمُ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا - عَنْ مَكْحُولٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ -: عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ -، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِمَا رُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.

مسألة عدة الأمة المتزوجة من الطلاق والوفاة

وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ هِيَ السُّنَّةُ: إنَّ هَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَوْلَى بِمَعْرِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَى أَنْ يُصَدَّقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؟ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَهُمْ قَدْ قَاسُوا الْعَقْدَ الْفَاسِدَ الْمَفْسُوخَ الَّذِي لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ إقْرَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ الثَّابِتِ الصَّحِيحِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا، وَلَمْ يَقِيسُوا أُمَّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؟ . وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إلَّا عَلَى الزَّوْجَةِ - وَلَمْ يَحْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْعِدَّةَ بِالْأَقْرَاءِ، وَبِالشُّهُورِ، إلَّا عَلَى مُطَلَّقَةٍ - وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ خَبَرُ عَمْرٍو مُسْنَدًا لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ - وَفِيهِ أَيْضًا مَطَرٌ وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا إذْ عَوَّضَ مِنْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِلَا بُرْهَانٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عِدَّةً إلَّا عَلَى زَوْجَةٍ مُتَوَفَّى عَنْهَا، أَوْ مُطَلَّقَةٍ، أَوْ مُخَيَّرَةٍ إذَا أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَ زَوْجِهَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَقِيَاسُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً عَلَى زَوْجَةٍ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عِدَّةُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ] 2004 - مَسْأَلَةٌ: وَعِدَّةُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ سَوَاءً سَوَاءً وَلَا فَرْقَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَنَا الْعِدَدَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَبَاحَ لَنَا زَوَاجَ الْإِمَاءِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِنَّ الْعِدَدُ الْمَذْكُورَاتُ فَمَا فَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ فِي ذَلِكَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْقَوْلِ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ، وَمِنْ أَنْ نُشَرِّعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلْهَا شَهْرًا وَنِصْفًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَعَلَ لَهَا عُمَرُ حَيْضَتَيْنِ - يَعْنِي الْأَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ -. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ - وَقَالَ: فَشَهْرًا وَنِصْفًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَكُونُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْعَذَابِ وَلَا يَكُونُ لَهَا نِصْفُ الرُّخْصَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْحُرُّ يُطَلِّقُ الْأَمَةَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ - قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ - قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ قَالَ: حَيْضَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَافِعًا، وَابْنَ قُسَيْطٍ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعِينَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَتَادَةَ، وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ حَمَّادٌ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ دَاوُد: عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ: قَالَ الْقَاسِمُ: مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا نَعْلَمُهُ سُنَّةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ قَدْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عَلَى هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ صَغِيرَةً أَوْ قَاعِدًا. قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُمَا قَالَا جَمِيعًا: الْأَمَةُ إذَا طَلُقَتْ - وَهِيَ لَا تَحِيضُ - تَعْتَدُّ شَهْرًا وَنِصْفًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ:

عِدَّةُ الْأَمَةِ الَّتِي طَلُقَتْ إنْ شَاءَتْ شَهْرًا وَنِصْفًا، وَإِنْ شَاءَتْ شَهْرَيْنِ، وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: عِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرَانِ لِكُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُولُ عَنْ عَطَاءٍ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، فَقَالَ عَمْرٌو: أَشْهَدُ عَلَى عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: عِدَّتُهَا شَهْرَانِ إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: عِدَّةُ الْأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ - وَقَالُوا كُلُّهُمْ: عِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ إلَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: طُهْرَانِ، فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ خُرُوجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْبَصْرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: عِدَّةُ الْأَمَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: خَاصَمْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَمَةٍ لَمْ تَحِضْ فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ فِي الْأَمَةِ حَاضَتْ أَوْ لَمْ تَحِضْ أَوْ قَعَدَتْ: يُنْتَظَرُ بِهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لَا نَعْلَمُ بَرَاءَتَهَا إلَّا بَرَاءَةَ الْحُرَّةِ هَاهُنَا؟ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَبُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الَّتِي يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَابْنِ قُسَيْطٍ مِنْ طُرُقٍ سَاقِطَةٍ عِدَّةُ الْأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ شَهْرَانِ

وَخَمْسُ لَيَالٍ - وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَا أَرَى عِدَّةَ الْأَمَةِ إلَّا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَضَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ، فَالسُّنَّةُ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنَّ قَوْلَ مَكْحُولٍ إنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد - هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ» . وَبِمَا نَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ أَنَا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيَّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا تَعَلَّقُوا مِنْ الْآثَارِ إلَّا بِهَذَا - وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ لَا يَسُوغُ لِلْمَالِكِيَّيْنِ، وَلَا لِلشَّافِعِيَّيْنِ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُبْطِلَانِ لِمَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَهُمَا لِلرِّجَالِ، وَالْأَقْرَاءُ: الْأَطْهَارُ، فَإِنْ صَحَّحُوهُمَا لَزِمَهُمَا تَرْكُ مَذْهَبِهِمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَبْطَلُوهُمَا فَقَدْ كَفَوْنَا مُؤْنَتَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِهِمَا - وَهُمَا سَاقِطَانِ - لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَظَاهِرَ ابْنِ أَسْلَمَ - وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالسُّقُوطِ -. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ مِنْ أُصُولِهِمْ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا خَالَفَ خَبَرًا رَوَاهُ أَوْ ذُكِرَ لَهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ -: احْتَجُّوا بِذَلِكَ -: فِي خَبَرِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.

وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ، وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ. وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا. ثُمَّ يَتَعَلَّقُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ السَّاقِطِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ عِدَّةِ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ لَمْ يَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَيَرُدُّونَ الْأَخْبَارَ بِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ -: كَمَا فَعَلُوا فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ - وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا فِي الْقُرْآنِ حَقًّا، فَاعْجَبُوا لِعَظِيمِ تَنَاقُضِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ . وَالْخَبَرُ الثَّانِي - مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ شَبِيبٍ الْمُسْلِيِّ، وَعَطِيَّةَ وَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِمَا فَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهِمَا - وَلَوْ صَحَّا لَمَا سَبَقُونَا إلَى الْقَوْلِ بِهِمَا وَقَالُوا: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَيْضًا لَا يُمَكِّنُ الْمَالِكِيِّينَ، وَلَا الشَّافِعِيِّينَ الِاحْتِجَاجَ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِينَ، وَإِذَا جَازَ عِنْدَهُمْ أَنْ يُخْطِئَ الصَّحَابَةُ فِي مَئِيَّةِ الْأَقْرَاءِ مِنْ الْأَمَةِ فَلَا نُنْكِرُ عَلَى مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فِي كَمِيَّةِ عِدَّتِهَا. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَزَيْدٍ، فَقَطْ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي رَأْيٍ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَزَيْدٍ: التَّحْذِيرُ مِنْ الرَّأْيِ - وَلَا حُجَّةَ فِي رَأْيِ أَحَدٍ، وَعُمَرُ يَقُولُ: لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت.

وَمَا نَدْرِي كَيْفَ هَذَا؟ وَأَيُّ امْتِنَاعٍ فِي أَنْ يَقُولَ: إذَا رَأَتْ جُمْهُورَ الْحَيْضَةِ وَفَوْرَهَا قَدْ أَخَذَ فِي الِانْحِطَاطِ فَقَدْ حَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ بِلَا شَكٍّ قَدْ مَضَى نِصْفُ الْحَيْضَةِ؟ . وَقَدْ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا خَلَا مِنْ الْمَسَائِلِ فِي كِتَابِنَا هَذَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوهُ مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ بِآرَائِهِمْ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَلْ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِمَّا لَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا -: كَقَوْلِهِمْ فِيمَا يَحِلُّ بِهِ وَطْءُ الْحَائِضِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ. وَكَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ الْإِحْدَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا؟ وَقَدْ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَدُّ الْأَمَةِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرَّةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ أَفْسَدَ قِيَاسٍ وَأَشَدَّ بُطْلَانًا لِمَا نُبَيِّنُهُ عَلَيْهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْعَجَبُ فِيمَا رُوِيَ - وَلَمْ يَصِحَّ - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيَجْعَلُونَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ وَلَا يَجْعَلُونَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ وَإِنَّ هَذَا لَبَعِيدٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ؟ فَكَيْفَ عَنْ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ وَمُصَوِّبِهِ: مَا نَحْنُ جَعَلْنَا عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ، وَلَا نَحْنُ نَجْعَلُ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ، بَلْ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ حَيْثُ شَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . ثُمَّ هَبْكَ لَوْ جَعَلْنَا نَحْنُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ - وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَنَا أَنْ نَجْعَلَهُ - فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؟ . وَأَمَّا فَسَادُ هَذَا الْقِيَاسِ - فَإِنَّ قِيَاسَ هَذِهِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَبَهَ بَيْنَ الزِّنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَبَيْنَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَطَلَاقِهِ، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ إلَّا عَلَى شَبَهٍ

بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - فَصَحَّ عَلَى أُصُولِهِمْ بُطْلَانُ هَذَا الْقِيَاسِ، فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ الْقِيَاسَ أَصْلًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ فَسَادٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِيَاسَ عَلَى نِصْفِ الْحَدِّ فِي الْأَمَةِ وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ حَدَّ الْأَمَةِ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ كَحَدِّ الْحُرَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تُقَاسَ الْعِدَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَى حَدِّ الزِّنَى دُونَ أَنْ يَقِيسُوهُ عَلَى السَّرِقَةِ؟ ثُمَّ هَلَّا قَاسُوا عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ بِالْأَقْرَاءِ وَبِالشُّهُورِ عَلَى مَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ - إنْ كَانَتْ حَامِلًا - كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، فَلَئِنْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا فَإِنَّ قِيَاسَ الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ لَا شَكَّ عِنْدَ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى فَهْمٍ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَلَاحَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ فِي ذَلِكَ، كَظُهُورِ الشَّمْسِ يَوْمَ صَحْوٍ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قِيَاسِ مَالِكٍ عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ عَلَى عِدَّتِهَا عِنْدَهُ بِالْأَقْرَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَقِسْ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ عَلَى عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ مِنْ الْوَفَاةِ، بَلْ جَعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَلَا فَرْقَ - وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ، وَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ، لَا تَخْفَى عَلَى ذِي حَظٍّ مِنْ فَهْمٍ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ - شَقَّ الْأُنْمُلَةِ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَجَعَلَ مَالِكٌ عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الطَّلَاقِ بِالشُّهُورِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ بِالشُّهُورِ سَوَاءً سَوَاءً. ثُمَّ جَعَلُوا ثَلَاثَتُهُمْ عِدَّةَ الْأَمَةِ بِالْأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالْأَقْرَاءِ، فَهَلْ فِي التَّلَاعُبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ مَرَّةً نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَمَرَّةً مِثْلَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَمَرَّةً ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ - كُلُّ هَذَا بِلَا قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ يُعْقَلُ. وَكُلُّ هَذَا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ، وَقَبْلُ وَبَعْدُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَاسُوا قَوْلَهُمْ فِي عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا عَلَى تَوْفِيقِهِ إيَّانَا لِلْحَقِّ وَتَيْسِيرِهِ لِلصَّوَابِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ - إذْ قَاسُوا عِدَّةَ الْأَمَةِ عَلَى حَدِّهَا - أَنْ لَا يُوجِبُوا عَلَيْهَا إلَّا نِصْفَ

مسألة تعتد المطلقة من حين يأتيها خبر الطلاق

الطَّهَارَةِ، وَنِصْفَ الصَّلَاةِ، وَنِصْفَ الصِّيَامِ: قِيَاسًا عَلَى حَدِّهَا، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ حِينِ يَأْتِيهَا خَبَرُ الطَّلَاقِ] 2005 - مَسْأَلَةٌ: وَتَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ غَيْرُ الْحَامِلِ، وَالْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ حِينِ يَأْتِيهَا خَبَرُ الطَّلَاقِ، وَخَبَرُ الْوَفَاةِ، وَتَعْتَدُّ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وقَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُفْضَوْنَ إلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالْقُرُوءِ، وَعِدَّةِ الْأَشْهُرِ بِنِيَّةٍ لَهَا، وَتَرَبُّصٍ مِنْهُنَّ، وَإِلَّا فَذَلِكَ عَلَيْهِنَّ بَاقٍ. وَأَمَّا الْحَامِلُ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَلَيْسَ هَاهُنَا فِعْلٌ أُمِرْنَ بِقَصْدِهِ وَالنِّيَّةِ لَهُ، لَكِنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْحَامِلَ خَرَجَتْ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقُ الْغَائِبِ طَلَاقًا أَصْلًا حَتَّى يَبْلُغَهَا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَتِهِ. وَبَقِيَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى وَضْعِ الْحَمْلِ إثْرَ مَوْتِ الزَّوْجِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -. وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَعِكْرِمَةَ، وَمَسْرُوقٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ -: كَمَا نَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ

أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بُنْدَارٍ أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي صَادِقٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَالَ: عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ، ثُمَّ اتَّفَقَ يُونُسُ، وَأَيُّوبُ كِلَاهُمَا عَنْ الْحَسَنِ فِي الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا مِنْ زَوْجِهَا الْخَبَرُ -. زَادَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ: وَلَهَا النَّفَقَةُ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَهُ قَتَادَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ يَوْمِ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، قَالُوا كُلُّهُمْ فِي امْرَأَةٍ جَاءَهَا طَلَاقٌ أَوْ مَوْتٌ؟ قَالُوا: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، وَالثَّقَفِيُّ - هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - قَالَ أَبُو خَالِدٍ عَنْ دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ أَوْ يَمُوتُ: إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَتَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهَا بَيِّنَةٌ فَمِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: مَا أَكَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ - وَهِيَ لَا تَدْرِي بِمَوْتِهِ - فَهُوَ لَهَا مَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا قَدْرَ مِيرَاثِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: لَا يَتَوَارَثَانِ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا - قَالَهُ قَتَادَةُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يُدْرِكْ قَتَادَةُ عَلِيًّا، وَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَا وَجَدْنَا ذَلِكَ عَنْ

مسألة تنازع الزوجان في متاع البيت في حال الزوجية أو بعد الطلاق

غَيْرِهِ - وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: إنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَبْلُغْهَا طَلَاقُهُ بِالثَّلَاثِ - وَلَا تَرُدُّ مَا أَكَلَتْ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهَا أَوْ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، وَتَرُدُّ مَا أَكَلَتْ؛ لِأَنَّهَا أَكَلَتْ مَالَ الْوَرَثَةِ أَوْ مَالَ الْغُرَمَاءِ - وَلَا حَقَّ لَهَا عِنْدَهُمْ - إنَّمَا حَقُّهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ، فَمَا دَامَ الْمَالُ مَالَهُ فَحَقُّهَا فِيهِ بَاقٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ] 2006 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ، أَوْ تَنَازَعَ أَحَدُهُمَا مَعَ وَرَثَةِ الْآخَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ وَرَثَتِهِمَا جَمِيعًا بَعْدَ مَوْتِهِمَا، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا، أَوْ يَمِينِ الْبَاقِي مِنْهُمَا، أَوْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا، أَوْ أَيْمَانِ وَرَثَتِهِمَا مَعًا - وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ السِّلَاحُ، وَالْحُلِيُّ، وَمَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلرِّجَالِ، أَوْ إلَّا لِلنِّسَاءِ، أَوْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إلَّا مَا عَلَى ظَهْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا عَلَى أَقْوَالٍ -: فَقَوْلٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ: الْبَيْتُ بَيْتُ الْمَرْأَةِ، إلَّا مَا عُرِفَ لِلرَّجُلِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لِلْمَرْأَةِ مَا أُغْلِقَ عَلَيْهَا بَابُهَا إذَا مَاتَ زَوْجُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ إلَّا سِلَاحُهُ وَثِيَابُ جِلْدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَمَّا مَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ مِنْ مَتَاعٍ فَهُوَ لَهُ إذَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ.

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا - وَقَدْ أَحْدَثَتْ فِي بَيْتِهِ أَشْيَاءَ - فَقَالَ الْحَسَنُ: لَهَا مَا أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَهَا، إلَّا سِلَاحَ الرَّجُلِ وَمُصْحَفَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: غَيْرَ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ صَدَاقٍ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ فَهُوَ مِيرَاثٌ. وَقَالَ ثَالِثٌ - كُلُّ شَيْءٍ لِلرَّجُلِ إلَّا مَا عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الدِّرْعِ، وَالْخِمَارِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ - هُوَ أَبُو عَاصِمٍ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُغِيثٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ إذَا مَاتَ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَتَاعَ الْبَيْتِ أَجْمَعَ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرَّجُلِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ - وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ مِمَّا يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فُرْقَةً - وَلَيْسَ مَوْتًا - فَهُوَ لِلرَّجُلِ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شُبْرُمَةَ عَنْ تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ: مَتَاعُ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ، وَمَتَاعُ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعٍ يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا - وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ - وَزَادَ: فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْ سَمِعَ ابْنَ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيَّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيَّ يَقُولَانِ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا -. وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ زُفَرَ - وَأَوْجَبُوا الْأَيْمَانَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَا جَمِيعًا: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ،

وَمَا كَانَ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - الْفُرْقَةُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ - وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ أَشْوَعَ يَقُولَانِ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا كَانَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ - وَبِهَذَا يَقُولُ هُشَيْمٌ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: ثِيَابُ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ، وَثِيَابُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ، وَمَا تَشَاجَرَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا وَلَا لِهَذَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكًا وَالْآخَرُ حُرًّا، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِمَنْ كَانَ مِنْهُمَا حُرًّا مَعَ يَمِينِهِ - وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ كَالْحُرِّ فِي حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا - فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ، أَوْ مُكَاتَبَيْنِ، أَوْ مَأْذُونَيْنِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مُكَاتَبًا، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْمَرْأَةِ بِمِثْلِ مَا تُجَهَّزُ بِهِ إلَى زَوْجِهَا، فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلرِّجَالِ، أَوْ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ، أَوْ يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ -: فَكُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي كُلِّ هَؤُلَاءِ: مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا - هَذَا فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ، وَمَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلرِّجَالِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْفُرْقَةِ - وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ - وَوَافَقَهُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَّا فِي الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلرَّجُلِ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ أَيْمَانِهِمْ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ - كَمَا قُلْنَا نَحْنُ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْقَاضِي، وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمَا -، وَأَحَدُ قَوْلَيْ: زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيَّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ مَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ. بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ أَنَا أَبُو نُوحٍ الْمَدَنِيُّ - مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ - قَالَ: أَنَا الْحَضْرَمِيُّ - رَجُلٌ قَدْ سَمَّاهُ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَتَاعُ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ، وَمَتَاعُ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَهُ إلَّا عَلَى بَيَانِ وَضْعِهِ -: سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَأَبُو نُوحٍ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ؟ وَالْحَضْرَمِيُّ مِثْلُ ذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ غَيْرَ حُجَّةٍ لَهُمْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَتَاعًا الَّذِي بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ، وَلَا قَالَ فِيهِ: مَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ، وَلَا مَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ - وَإِنَّمَا فِيهِ: مَتَاعُ النِّسَاءِ، وَمَتَاعُ الرِّجَالِ، وَالْمَتَاعُ: هُوَ مَتَاعُ الْمَرْءِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ - سَوَاءٌ صَلُحَ لَهُ أَوْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ - وَإِذَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ اخْتِلَافَ الزَّوْجَيْنِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ هَذَا الْبَابَ دُونَ اخْتِلَافِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْمَكْذُوبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْمُخَالِفُونَ لَنَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ فِي أَخٍ وَأُخْتٍ سَاكِنَيْنِ فِي بَيْتٍ، فَتَدَاعَيَا مَا فِيهِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا، وَلَمْ يَحْكُمُوا فِي ذَلِكَ بِمَا حَكَمُوا بِهِ فِي الزَّوْجَيْنِ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي عَطَّارٍ، وَدَبَّاغٍ، أَوْ بَزَّارٍ، سَاكِنِينَ فِي بَيْتٍ: فِي أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْبَيْتِ بَيْنَهُمَا - مَعَ أَيْمَانِهِمَا - وَلَمْ يَحْكُمُوا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِطْرٍ فَلِلْعَطَّارِ، وَمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الدَّبَّاغِ فَلِلدَّبَّاغِ، وَمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الْبَزِّ فَلِلْبَزَّازِ - فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ، وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ، وَأَنَّهُ ظَنٌّ كَاذِبٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: أَنَّ يَدَ الرَّجُلِ، وَيَدَ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ،

أَوْ دَارِ سُكْنَاهُمَا - أَيِّ شَيْءٍ كَانَ - فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ، فَهُوَ لَهُمَا إذْ هُوَ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا. وَلَا نُنْكِرُ مِلْكَ الْمَرْأَةِ لِلسِّلَاحِ، وَلَا مِلْكَ الرَّجُلِ لِلْحُلِيِّ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الاستبراء

[الِاسْتِبْرَاءُ] [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ فَأَرَادَ بَيْعَهَا] ُ 2007 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ اللِّعَانِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا حُكْمَ الْوَلَدِ يَدَّعِيهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَيُّهُمْ كَانَ مَعَهَا أَوَّلًا - سَوَاءٌ مِنْ أَمَةٍ كَانَ أَوْ مِنْ حُرَّةٍ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ أَيُّهُمَا الْأَوَّلَ مِنْ الْأَزْوَاجِ، أَوْ السَّادَاتِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا - وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ - فَأَرَادَ بَيْعَهَا، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضًا يَتَيَقَّنُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ إنْكَاحَهَا، أَوْ هِبَتَهَا، أَوْ صَدَاقَهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَلَا يَبِعْهَا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ بِهَا - ثُمَّ عَلَى الَّذِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَيُوقِنَ أَنَّهَا حَيْضَةٌ، أَوْ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ بِهَا، إلَّا أَنْ يَصِحَّ عِنْدَهُ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ عِنْدَ الَّذِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا عَنْهُ حَيْضًا مُتَيَقَّنًا، وَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى أَيْقَنَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ بِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا حِينَئِذٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى مُوَاضَعَتِهَا عَلَى يَدَيْ ثِقَةٍ، وَلَا أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَا يَحِلُّ مَنْعُ الْمَالِكِ مِنْ أَمَتِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ الْمُوجِبِينَ لِلْمُوَاضَعَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِذَلِكَ مَتَى ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، فَأَيُّ مَعْنًى لِعَمَلٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ الرِّيبَةُ دُونَ أَنْ يُوجِبَهُ نَصٌّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَا يَجِبُ فِي الْبِكْرِ اسْتِبْرَاءٌ أَصْلًا، فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، أَوْ الَّذِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ، أَوْ الَّذِي تَزَوَّجَهَا حَمْلٌ بَقِيَتْ بِحَسَبِهَا حَتَّى تَضَعَ، أَوْ حَتَّى تُوقِنَ بِأَنَّ الْحَمْلَ كَانَ قَبْلَ انْتِقَالِ مِلْكِهَا إلَيْهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ بِذَلِكَ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالْإِصْدَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَرُدَّتْ إلَى الَّذِي كَانَتْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ أَمَةٌ: أُمِرَ بِأَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَضَعَ وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ النِّكَاحِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي عِدَّةٍ فَنِكَاحُهَا جَائِزٌ، فَإِنْ لَمْ يُوقِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَضَعَ -: نُظِرَ - فَإِنْ كَانَ وَضْعُهَا لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ أَنْكَرَ الْأَوَّلُ وَطْأَهَا، أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حَيْثُ وَطِئَهَا الثَّانِي: فَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ بِلَا شَكٍّ. إنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ بِطِرْفَةِ عَيْنٍ مِنْ حِينِ وَطِئَهَا الثَّانِي: فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ أَمْكَنَ الْأَوَّلُ وَطْأَهَا، وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ وَطِئَهَا الثَّانِي: فَهُوَ غَيْرُ لَاحِقٍ بِالْأَوَّلِ وَلَا بِالثَّانِي، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلثَّانِي إنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً، إلَّا أَنَّهَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْعِتْقِ ". فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ أَمْكَنَ الْأَوَّلُ وَطْأَهَا، وَلِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ وَطِئَهَا الثَّانِي: فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّ فِرَاشَهُ كَانَ قَبْلَ فِرَاشِ الثَّانِي، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ يَقِينٍ مِنْ ضَرُورَةِ مُشَاهَدَةٍ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ» . فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْطَلَ الْفِرَاشُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْمُتَيَقَّنُ وَيَصِحُّ فِرَاشٌ ثَانٍ بِظَنٍّ، لَكِنْ بِيَقِينٍ لَا مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ. فَإِنْ تَيَقَّنَ بِضُؤُولَةِ خِلْقَتِهِ أَنَّهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَمَانِيَةٍ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ قَدْ اسْتَوْفَتْهَا عِنْدَ الثَّانِي وَتَيَقَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ، فَهُوَ لِلثَّانِي بِلَا شَكٍّ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَمْلٌ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ حَمْلًا وَفِصَالًا يَكُونُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا: فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ وَالْمُحَالَ، وَرَدَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جِهَارًا. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ الْحَمْلُ عَامَيْنِ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُهُ بِحَدِيثٍ فِيهِ الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ - وَهَذَا كَذِبٌ وَبَاطِلٌ - وَابْنُ حَصِيرَةَ هَذَا شِيعِيٌّ يَقُولُ بِرَجْعَةِ عَلِيٍّ إلَى الدُّنْيَا. وَذَكَرُوا أَيْضًا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَنَتَيْنِ فَجَاءَ - وَهِيَ حُبْلَى - فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ يَكُ السَّبِيلُ لَك عَلَيْهَا، فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا؟ فَتَرَكَهَا عُمَرُ حَتَّى وَلَدَتْ غُلَامًا - قَدْ نَبَتَتْ ثَنَايَاهُ - فَعَرَفَ زَوْجُهَا شَبَهَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: عَجَزَ النِّسَاءُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ مُعَاذٍ، لَوْلَا مُعَاذٌ هَلَكَ عُمَرُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ، وَهُمْ مَجْهُولُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَمِيلَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: مَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى سَنَتَيْنِ قَدْرَ مَا يَتَحَوَّلُ ظِلُّ هَذَا الْمِغْزَلِ - جَمِيلَةُ بِنْتُ سَعْدٍ مَجْهُولَةٌ: لَا يُدْرَى مَنْ هِيَ؟ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ -: رُوِّينَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ شُبْهَةً تَعَلَّقُوا بِهَا أَصْلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ الْحَمْلُ خَمْسَ سِنِينَ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرَ أَصْلًا - وَهُوَ قَوْلُ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا - وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ الْحَمْلُ سَبْعَ سِنِينَ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرَ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُوهُ: بِأَنَّ مَالِكًا وُلِدَ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ.

وَأَنَّ نِسَاءَ بَنِي الْعِجْلَانِ وَلَدْنَ لِثَلَاثِينَ شَهْرًا. وَأَنَّ مَوْلَاةً لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَمَلَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ. وَأَنَّ هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ، وَالضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمَ حُمِلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَنَتَيْنِ -. وَقَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي عَنْ امْرَأَةٍ حَمَلَتْ سَبْعَ سِنِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ أَخْبَارٌ مَكْذُوبَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى مَنْ لَا يُصَدَّقُ، وَلَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ؟ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ هَذَا. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ قَعَدَتْ فَلْتَجْلِسْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ حَمْلُهَا فِي تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَلْتَعْتَدَّ بَعْدَ التِّسْعَةِ الْأَشْهُرِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عِدَّةَ الَّتِي قَدْ قَعَدَتْ عَنْ الْمَحِيضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا عُمَرُ لَا يَرَى الْحَمْلَ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ يَمُوتُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَيَتَمَادَى بِلَا غَايَةٍ حَتَّى تُلْقِيَهُ مُتَقَطِّعًا فِي سِنِينَ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنَّهُ حَمْلٌ صَحِيحٌ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِهِ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُوقَفُ لَهُ مِيرَاثٌ، وَلَا يُلْحَقُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُولَدَ حَيًّا، وَلَوْ سَعَتْ عِنْدَ تَيَقُّنِ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِهِ بَدْوًا لَكَانَ مُبَاحًا؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا وَلَدُ الزَّوْجَةِ لَا أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ آخِرِ وَطْءٍ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فَهُوَ مُتَيَقَّنٌ بِلَا لِعَانٍ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ سِقْطًا فَهُوَ لَهُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ، وَلَدِهِ، وَتَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا.

وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمُتَنَقِّلَةِ الْمِلْكِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: تَدَاوَلَ ثَلَاثَةٌ مِنْ التُّجَّارِ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ، فَدَعَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْقَافَةَ فَأَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِأَحَدِهِمْ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: مَنْ ابْتَاعَ جَارِيَةً قَدْ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ فَلْيَتَرَبَّصْ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَحِضْ فَلْيَتَرَبَّصْ بِهَا خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الْحَجَّاجُ، وَمَنْصُورٌ، قَالَ الْحَجَّاجُ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَا جَمِيعًا: تُسْتَبْرَأُ الْأَمَةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَا جَمِيعًا: تُسْتَبْرَأُ الْأَمَةُ بِحَيْضَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: كَمْ عِدَّةُ الْأَمَةِ تُبَاعُ؟ قَالَ: حَيْضَةٌ - وَقَالَهُ أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْأَمَةِ تُبَاعُ وَقَدْ حَاضَتْ قَالَ: يَسْتَبْرِئُهَا الَّذِي بَاعَهَا، وَيَسْتَبْرِئُهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى - وَقَالَ بِهِ الثَّوْرِيُّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْأَمَةِ إذَا بَاعَهَا سَيِّدُهَا - وَهُوَ يَطَؤُهَا - قَالَ: يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا، وَيَسْتَبْرِئُهَا الْمُشْتَرِي بِحَيْضَةٍ أُخْرَى - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ؟ قَالَ: تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَأَتَيْنَا ابْنَ سِيرِينَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: تُسْتَبْرَأُ الْأَمَةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ عَذْرَاءَ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا إنْ شَاءَ - قَالَ أَيُّوبُ: يَسْتَبْرِئُهَا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي أَمَةٍ عَذْرَاءَ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ قَالَ: لَا يَسْتَبْرِئُهَا، فَإِنْ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ فَلِيَسْتَبْرِئهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تُسْتَبْرَأُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ كَمَا تُسْتَبْرَأُ الْعَجُوزُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَطَأُ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ يَشْتَرِيهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَشَهْرٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ. قَالُوا: فَلَوْ اشْتَرَاهَا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى حَاضَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعُدَّ تِلْكَ الْحَيْضَةَ اسْتِبْرَاءً، بَلْ يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى وَلَا بُدَّ. قَالُوا: فَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لَا هُوَ وَلَا النَّاكِحُ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي تَحِيضُ تُبَاعُ فَتَرْتَفِعُ حَيْضَتُهَا لَا مِنْ حَمْلٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ - ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا سَنَتَانِ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا بِلَا بُرْهَانٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الِاسْتِبْرَاءَ - كَمَا ذَكَرْنَا -: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمِ الْخَزَّازِ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابُوا سَبَايَا بِأَوْطَاسٍ فَكَانَ النَّاسُ تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ} [النساء: 24] أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا شَرِيكٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ

أَنَّهُ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ طَاوُسٍ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ: «لَا يَقَعَنَّ رَجُلٌ عَلَى حَامِلٍ، وَلَا عَلَى حَائِلٍ حَتَّى تَحِيضَ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ «أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَقَعُوا عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرِ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» لَا نَعْلَمُ وَرَدَ فِي هَذَا غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ حَدِيثُ طَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيُّ: مُرْسَلَانِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَخَبَرُ أَبِي الْوَدَّاكِ - سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ أَبِي الْوَدَّاكِ وَشَرِيكًا ضَعِيفَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى مَنْ احْتَجَّ بِهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا الْمَنْعَ مِنْ وَطْءِ الَّتِي لَيْسَتْ حَامِلًا حَتَّى تَحِيضَ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا بَلْ يَحُدُّونَ حُدُودًا لَيْسَتْ فِي هَذِهِ الْآثَارِ، وَمِنْ الْكَبَائِرِ مُخَالَفَةُ أَثَرٍ يَحْتَجُّ بِهِ الْمَرْءُ وَيُصَحِّحُهُ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي عَلْقَمَةَ فَهُوَ الَّذِي لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُهُ، فَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَصْلًا، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ فِيهِ إبَاحَةُ وَطْءِ الْمُحْصَنَاتِ إذَا مَلَكْنَاهُنَّ فَقَطْ - فَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ. وَأَمَّا الَّذِي فِي آخَرَ - أَيْ فَهِيَ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ؟ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَى مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَعِيدٍ - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَبَدًا لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ،

لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ " إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ " وَالْعِدَّةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي الدِّينِ لَيْسَتْ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِي الْوَفَاةِ، وَثَلَاثَةُ قُرُوءٍ لِلَّتِي تَحِيضُ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ، أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِلَّتِي لَمْ تَحِضْ أَوْ لَا تَحِيضُ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ، أَوْ وَضْعُ الْحَمْلِ لِمُطَلَّقَةٍ، أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا - وَلَا مَزِيدَ - وَهُمْ هَاهُنَا جَعَلُوا الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةٍ؟ وَلَيْسَ هَذَا عِدَّةً - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فِيهِ أَصْلًا. وَأَمَّا مَالِكٌ - فَإِنَّهُ رَأَى الِاسْتِبْرَاءَ بِالْمُوَاضَعَةِ فِي عِلِّيَّةِ الرَّقِيقِ وَلَمْ يَرَهَا فِي الْوَخْشِ وَلَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ - وَرَأَى نَفَقَتَهَا مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْبَائِعِ. وَرَأَى مَا حَدَثَ فِيهَا مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْبَائِعِ، وَرَأَى الْمُوَاضَعَةَ فِي الْبِكْرِ - وَلَمْ يَرَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ تُبْرِئُ مِنْ الْحَمْلِ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا تُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْمُنَاقَضَةِ وَالْفَسَادِ. وَأَوَّلُ ذَلِكَ - إيجَابُهُ فَرْضًا شَرْطَ الْمُوَاضَعَةِ، وَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَبْطَلَ شَرْطَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَهُوَ حَقٌّ لِلْبَائِعِ مَأْمُورٌ فِي الْقُرْآنِ بِإِيفَائِهِ إيَّاهُ إذْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85] وقَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . وَثَانِيهَا - فَرَّقَهُ بِتَفْرِيقِهِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَالِيَةِ وَالْوَخْشِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ أَتَرَاهُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّ الْوَخْشَ يَحْمِلُ كَمَا تَحْمِلُ الْعَالِيَةُ وَلَا فَرْقَ. وَثَالِثُهَا - إيجَابُهُ النَّفَقَةَ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ صَحَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ أَوْ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ كَانَ صَحَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ فَأَيُّ شَيْءٍ يُوجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْبَائِعِ عَلَى أَمَةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ فَلِأَيِّ مَعْنًى أَوْجَبَ الْمُوَاضَعَةَ. فَإِنْ قَالُوا: بِمَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَبَطَلَ الْبَيْعُ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ عِنْدَكُمْ بَعْدَ الْحَيْضَةِ فِي الْمُوَاضَعَةِ فَأَوْجَبُوا فِي ذَلِكَ نَفَقَتَهَا

مسألة استلحق ولد خادم له باعها ولم يكن عرف قبل ذلك ببينة أنه وطئها

عَلَى الْبَائِعِ وَإِلَّا فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِكُمْ يَقِينًا، وَكَذَلِكَ لَا يُؤْمَنُ ظُهُورُ عَيْبٍ يُوجِبُ الرَّدَّ وَلَا فَرْقَ. وَرَابِعُهَا - إيجَابُهُ مَا حَدَثَ فِيهَا مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْبَائِعِ فَيَلْزَمُهُ فِيهَا مَا أَلْزَمْنَاهُ فِي إيجَابِهِ النَّفَقَةَ عَلَى الْبَائِعِ سَوَاءً سَوَاءً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّخْمِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَقَعَتْ فِي سَهْمِي جَارِيَةٌ يَوْمَ جَلُولَاءَ كَأَنَّ عُنُقَهَا إبْرِيقُ فِضَّةٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا مَلَكْت نَفْسِي أَنْ جَعَلْت أُقَبِّلُهَا - وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ - فَقَدْ أَجَازَ التَّلَذُّذَ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتَلْحَقَ وَلَدَ خَادِمٍ لَهُ بَاعَهَا وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ وَطِئَهَا] 2008 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدَ خَادِمٍ لَهُ بَاعَهَا وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ وَطِئَهَا، أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ قَبْلَ بَيْعِهِ لَهَا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا - لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ سَوَاءٌ بَاعَهَا حَامِلًا، أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بِهَا بَعْدَ بَيْعِهِ لَهَا، أَوْ بَاعَهَا دُونَ وَلَدِهَا، أَوْ بَاعَ وَلَدَهَا

دُونَهَا - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَلَوْ صَحَّ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ أَنَّهُ وَطِئَهَا قَبْلَ بَيْعِهِ لَهَا، أَوْ بِأَنَّهُ أَقَرَّ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا بِوَطْئِهِ لَهَا، فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ كَانَ مَبْدَؤُهُ قَبْلَ بَيْعِهِ لَهَا - بِلَا شَكٍّ - فُسِخَ الْبَيْعُ بِكُلِّ حَالٍ، وَرُدَّتْ إلَيْهِ أُمُّ الْوَلَدِ، وَلَحِقَ بِهِ وَلَدُهَا - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - أَقَرَّ بِهِ أَوْ لَمْ يُقِرَّ. وَكُلُّ أَمَةٍ لِإِنْسَانٍ صَحَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ مَا وَلَدَتْ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - وَلَا يَنْتَفِعُ بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِبْرَاءً، أَوْ بِدَعْوَاهُ الْعَزْلَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْأَمَةَ قَدْ صَحَّ مِلْكُهَا، أَوْ مِلْكُ وَلَدِهَا، أَوْ مِلْكُهُمَا لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَبُولِ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي إبْطَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ كَاسِبٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَمُدَّعٍ فِي مَالِ سِوَاهُ بِلَا بَيِّنَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاعَهَا حَامِلًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ وَلَدَهَا مِنْهُ فُسِخَ الْبَيْعُ - قَالَ: فَلَوْ ادَّعَاهُ وَقَدْ أُعْتِقَتْ لَمْ يُفْسَخْ الْعِتْقُ وَلَا ابْتِيَاعُ الْمُعْتِقِ لَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا صُدِّقَ فِي دَعْوَاهُ فَفُسِخَ بِهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ وَصَفْقَتُهُ فَوَاجِبٌ أَنْ يُصَدَّقَ وَيُفْسَخَ بِهَا عِتْقُ الْأَمَةِ وَلَا فَرْقَ، وَلَئِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَدَّقَ فِي فَسْخِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي فَسْخِ صَفْقَةِ مُسْلِمٍ وَإِبْطَالِ مِلْكِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. فَإِنْ قَالُوا: الْبَيْعُ يُفْسَخُ بِالْعَيْبِ؟ قُلْنَا: وَالْعِتْقُ يُفْسَخُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَأَمَّا إذَا صَحَّ وَطْؤُهُ لَهَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ صَحَّ حِينَئِذٍ إقْرَارُهُ بِوَطْئِهَا. فَبُرْهَانُ قَوْلِنَا فِي لِحَاقِ الْوَلَدِ بِهِ، وَفَسْخِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِيلَادِ فِيهِمَا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: أَخِي ابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ» .

أَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا أَحْمَدُ ابْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَنَا أَبِي أَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ» . نا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ التَّمَرَنْتِيُّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَلَدِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي أَمَةٍ لَمْ يَحْفَظْ إقْرَارَ سَيِّدِهَا بِذَلِكَ الْوَلَدِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَحْتَجَّ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ لِسِوَى ذَلِكَ. وَحَكَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ الْأَمَةَ فِرَاشٌ وَأَنَّ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْأَمَةُ فِرَاشًا إذَا صَحَّ أَنَّ سَيِّدَهَا افْتَرَشَهَا بِبَيِّنَةٍ بِذَلِكَ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ. وَلَيْسَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَوْدَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ بِكَادِحٍ فِي ذَلِكَ أَصْلًا وَلَا احْتِجَابُ الْأُخْتِ عَنْ أَخِيهَا بِمُبْطِلٍ أُخُوَّتَهُ لَهَا أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا عَلَى الْمَرْأَةِ رُؤْيَةُ أَخِيهَا لَهَا، إنَّمَا الْفَرْضُ عَلَيْهَا صِلَةُ رَحِمِهِ فَقَطْ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطُّ بِأَنْ لَا تَصِلَهُ - وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ» وَهَذَا يَكْفِي مَنْ لَهُ عَقْلٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ مِنْ الْكَذِبِ فِي الدِّينِ: إنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ» أَيْ هُوَ عَبْدُك؟ فَقُلْنَا: الثَّابِتُ أَنَّهُ قَالَ «هُوَ أَخُوكَ» كَمَا أَوْرَدْنَا، وَلَوْ قَضَى بِهِ عَبْدًا لَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَحْتَجِبَ عَنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَاعْجَبُوا لِهَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَوَجَبَ مَا قُلْنَا نَصًّا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ فَوَاجِبٌ فَسْخُ بَيْعِ الْحُرِّ، وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَفَسْخُ عِتْقِ مَنْ أَعْتَقَهُمَا، وَفَسْخُ إيلَادِ مَنْ أَوْلَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -. وَبِهَذَا جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ السَّلَفِ -:

مسألة الولد يلحق في النكاح الصحيح والعقد الفاسد بالجاهل

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَعْزِلُونَ، فَإِذَا حَمَلَتْ الْجَارِيَةُ قَالَ: لَيْسَ مِنِّي، وَاَللَّهِ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ مِنْكُمْ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا أَلْحَقْت بِهِ الْوَلَدَ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَعْزِلْ وَمَنْ شَاءَ لَا يَعْزِلُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَطَأُ جَارِيَتَهُ فَلْيُحْصِنْهَا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يُقِرُّ بِإِصَابَتِهِ جَارِيَتَهُ إلَّا أَلْحَقْت بِهِ الْوَلَدَ. وَمَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا لِصَاحِبٍ إلَّا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أَبَاهُ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يَعْزِلُ عَنْهَا وَأَنَّهَا جَاءَتْهُ بِحَمْلٍ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ - هُوَ أَبُو الزِّنَادِ - عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ، وَكَانَ يَعْزِلُهَا فَلَمَّا وَلَدَتْ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا وَضَرَبَهَا مِائَةً ثُمَّ أَعْتَقَ الْغُلَامَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ - وَكَانَ يَعْزِلُهَا - فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَلْحَقُ وَلَدُ الْأَمَةِ بِسَيِّدِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا بِأَنْ يَدَّعِيَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْتَفٍ عَنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْحَقُ بِهِ لِوَطْئِهِ إيَّاهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهَا اسْتَبْرَأَتْ ثُمَّ لَمْ يَطَأْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمَا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ هَذَيْنِ قَوْلَانِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ مَالِكًا لَا يَرَى الِاسْتِبْرَاءَ يَمْنَعُ مِنْ الْحَمْلِ، ثُمَّ يَرَاهُ هَاهُنَا يَنْفِي النَّسَبَ بِهِ - وَهَذَا أَعْجَبُ مِنْ الْعَجَبِ؟ . [مَسْأَلَةٌ الْوَلَدُ يَلْحَقُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِالْجَاهِلِ] 2009 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوَلَدُ يَلْحَقُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِالْجَاهِلِ، وَلَا

يَلْحَقُ بِالْعَالِمِ بِفَسَادِهِ، وَيَلْحَقُ فِي الْمِلْكِ الصَّحِيحِ، وَفِي الْمُتَمَلَّكَةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْجَاهِلِ، وَلَا يَلْحَقُ بِالْعَالِمِ بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَقَ النَّاسَ بِمَنْ وُلِدُوا مِمَّنْ تَزَوَّجُوا مِنْ النِّسَاءِ، وَمِمَّنْ تَمَلَّكُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مِنْ نِكَاحِهِ فَاسِدٌ، وَمِلْكُهُ فَاسِدٌ، وَنَفَى أَوْلَادَ الزِّنَى جُمْلَةً بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَصَحَّ مَا قُلْنَا. وَأَمَّا الْعَالِمُ بِفَسَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ، أَوْ عَقْدِ الْمَالِكِ، فَهُوَ عَاهِرٌ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَالْوَلَدُ يَلْحَقُ بِالْمَرْأَةِ إذَا زَنَتْ وَحَمَلَتْ بِهِ، وَلَا يَلْحَقُ بِالرَّجُلِ، وَيَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ فِي اللِّعَانِ وَنَفَاهُ عَنْ الرَّجُلِ. وَالْمَرْأَةُ فِي اسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِنَفْسِهِ كَالرَّجُلِ، بَلْ هِيَ أَقْوَى سَبَبًا فِي ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهَا مِنْ حَلَالٍ كَانَ أَوْ مِنْ حَرَامٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ مِنْهَا إذَا صَحَّ أَنَّهَا حَمَلَتْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الحضانة

[الْحَضَانَةُ] [مَسْأَلَةٌ الْأُمُّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالِابْنَةِ الصَّغِيرَةِ] ُ 2010 - مَسْأَلَةٌ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالِابْنَةِ الصَّغِيرَةِ حَتَّى يَبْلُغَا الْمَحِيضَ، أَوْ الِاحْتِلَامَ، أَوْ الْإِنْبَاتَ مَعَ التَّمْيِيزِ، وَصِحَّةِ الْجِسْمِ - سَوَاءٌ كَانَتْ أَمَةً أَوْ حُرَّةً، تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ، رَحَلَ الْأَبُ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ لَمْ يَرْحَلْ - وَالْجَدَّةُ أُمٌّ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ مَأْمُونَةً فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا نُظِرَ لِلصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ بِالْأَحْوَطِ فِي دِينِهِمَا ثُمَّ دُنْيَاهُمَا، فَحَيْثُمَا كَانَتْ الْحِيَاطَةُ لَهُمَا فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ وَجَبَتْ هُنَالِكَ عِنْدَ الْأَبِ، أَوْ الْأَخِ، أَوْ الْأُخْتِ، أَوْ الْعَمَّةِ، أَوْ الْخَالَةِ، أَوْ الْعَمِّ، أَوْ الْخَالِ - وَذُو الرَّحِمِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ، وَالدِّينُ مُغَلَّبٌ عَلَى الدُّنْيَا. فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي صَلَاحِ الْحَالِ فَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ، ثُمَّ الْأَبُ وَالْجَدُّ، ثُمَّ الْأَخُ وَالْأُخْتُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. وَالْأُمُّ الْكَافِرَةُ أَحَقُّ بِالصَّغِيرَيْنِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ، فَإِذَا بَلَغَا مِنْ السِّنِّ وَالِاسْتِغْنَاءِ مَبْلَغَ الْفَهْمِ فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرَةٍ وَلَا لِفَاسِقَةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] فَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنَّهُ فِي يَدِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي بَطْنِهَا ثُمَّ فِي حِجْرِهَا مُدَّةَ الرَّضَاعِ بِنَصِّ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ أَوْ نَقْلُهَا عَنْ مَوْضِعٍ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ صَحِيحٌ قَطُّ بِأَنَّ الْأُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ، وَلَا بِأَنَّ الْأَبَ إنْ رَحَلَ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ سَقَطَ حَقُّ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا جَمِيعًا: أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ أَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى إيجَابِ الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهَا صُحْبَةٌ. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الدِّينِ - فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وقَوْله تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] . وقَوْله تَعَالَى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120] . فَمَنْ تَرَكَ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ حَيْثُ يُدَرَّبَانِ عَلَى سَمَاعِ الْكُفْرِ، وَيَتَمَرَّنَانِ عَلَى جَحْدِ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَالْأَكْلِ فِي رَمَضَانَ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْأُنْسِ إلَيْهَا حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِمَا شَرَائِعُ الْكُفْرِ، أَوْ عَلَى صُحْبَةِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَالِانْهِمَاكِ عَلَى الْبَلَاءِ: فَقَدْ عَاوَنَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَمْ يَقُمْ بِالْقِسْطِ، وَلَا تَرَكَ ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ - وَهَذَا حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ. وَمَنْ أَزَالَهُمَا عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا إلَى حَيْثُ يُدَرَّبَانِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِنُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّنْفِيرِ عَنْ الْخَمْرِ وَالْفَوَاحِشِ: فَقَدْ عَاوَنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَتَرَكَ ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ، وَأَدَّى الْفَرْضَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مُدَّةُ الرَّضَاعِ فَلَا نُبَالِي عَنْ ذَلِكَ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] . وَلِأَنَّ الصَّغِيرَيْنِ فِي هَذِهِ السِّنِّ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهَا - بِعَامٍ أَوْ عَامَيْنِ - لَا فَهْمَ لَهُمَا، وَلَا مَعْرِفَةَ بِمَا يُشَاهِدَانِ، فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَأْمُونَةً فِي دِينِهَا وَالْأَبُ كَذَلِكَ: فَهِيَ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا، ثُمَّ الْجَدَّةُ كَالْأُمِّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً - لَا الْأُمُّ، وَلَا الْجَدَّةُ فِي دِينِهَا - أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ مَأْمُونٍ فِي دِينِهِ، وَكَانَ الْأَبُ مَأْمُونًا: فَالْأَبُ أَوْلَى، ثُمَّ الْجَدُّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مَأْمُونًا فِي دِينِهِ، وَكَانَ لِلصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ أَخٌ مَأْمُونٌ فِي دِينِهِ، أَوْ أُخْتٌ مَأْمُونَةٌ فِي دِينِهَا: فَالْمَأْمُونُ أَوْلَى، وَهَكَذَا فِي الْأَقَارِبِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ. فَإِنْ كَانَ اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ، أَوْ الْأَقَارِبِ مَأْمُونَيْنِ فِي دِينِهِمَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْوَطَ لِلصَّغِيرِ فِي دُنْيَاهُ: فَهُوَ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْوَطَ فِي دِينِهِ وَالْآخَرُ أَحْوَطَ فِي دُنْيَاهُ: فَالْحَضَانَةُ لِذِي الدِّينِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20] . وَتَفْسِيرُ الْحِيَاطَةِ فِي الدُّنْيَا -: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ أَشَدَّ رَفَاهِيَةً فِي عَيْشِهِ، وَمَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ، وَمَرْقَدِهِ وَخِدْمَتِهِ، وَبِرِّهِ وَإِكْرَامِهِ، وَالِاهْتِبَالِ بِهِ - فَهَذَا فِيهِ إحْسَانٌ إلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، فَوَاجِبٌ أَنْ يُرَاعَى بَعْدَ الدِّينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اخْتَصَمَ خَالٌ وَعَمٌّ إلَى شُرَيْحٍ فِي صَبِيٍّ فَقَضَى بِهِ لِلْعَمِّ، فَقَالَ الْخَالُ: لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِي؟ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ شُرَيْحٌ - وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ اسْتَوَوْا الْأَخَوَاتُ أَوْ الْإِخْوَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ الْأَقَارِبُ، فَإِنْ تَرَاضَوْا فِي أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدَّةً فَذَلِكَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ: فَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ كَوْنُهُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ لَمْ يَزُلْ عَنْ يَدِهِ،، فَإِنْ أَبَوْا فَالْقُرْعَةُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - إنَّ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ سَوَاءٌ - فَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ لَمْ يَأْتِ فِي أَحَدِهِمَا نَصٌّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَالْحُكْمُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا قَوْلُنَا - سَوَاءٌ رَحَلَ الْأَبُ أَوْ لَمْ يَرْحَلْ - فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ بِسُقُوطِ حَضَانَةِ الْأُمِّ مِنْ أَجْلِ رَحِيلِ الْأَبِ فَهُوَ شَرْعٌ بَاطِلٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ، وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، وَمُخَالِفٌ لَهُمَا بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ وَسُوءُ نَظَرٍ لِلصَّغِيرَيْنِ وَإِضْرَارٌ بِهِمَا، فِي تَكْلِيفِ الْحَلِّ وَالتَّرْحَالِ وَالْإِزَالَةِ عَنْ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ - وَهَذَا ظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَجَوْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - إنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ بِزَوَاجِهَا إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً وَكَانَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا مَأْمُونًا - فَلِلنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَوَاجَهَا مِنْ غَيْرِ زَوَاجِهَا. وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ أَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْك؟ قَالَ: فَخَدَمْته فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ - فَهَذَا أَنَسٌ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ، وَلَهَا زَوْجٌ وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَرْقَ فِي النَّظَرِ وَالْحِيَاطَةِ بَيْنَ الرَّبِيبِ زَوْجِ الْأُمِّ وَالرَّبِيبَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ، بَلْ فِي الْأَغْلَبِ الرَّبِيبُ أَشْفَقُ، وَأَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الرَّبِيبَةِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّينُ، ثُمَّ صَلَاحُ الدُّنْيَا فَقَطْ. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ «كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَخَطَبَهَا عَمُّ وَلَدِهَا وَرَجُلٌ آخَرُ إلَى أَبِيهَا فَأَنْكَحَ الْآخَرَ، فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: أَنْكَحَنِي أَبِي رَجُلًا لَا أُرِيدُهُ وَتَرَكَ عَمَّ وَلَدِي فَيَأْخُذُ مِنِّي وَلَدِي فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَبَاهَا فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي لَا نِكَاحَ لَكَ اذْهَبِي فَأَنْكِحِي عَمَّ وَلَدِكِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ - وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا

مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ أَنَا الْوَلِيدُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ انْتِزَاعَ وَلَدِهِ مِنْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا ". وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِالْإِعْرَابِ " وَفِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " مَا تَرَكُوا فِيهِ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَلَمْ يَعِيبُوهُ إلَّا بِأَنَّهُ صَحِيفَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ: الْخَالَةُ كَالْجَدَّةِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] وَإِنَّمَا كَانَتْ خَالَتُهُ وَأَبَاهُ؟ قُلْنَا: لَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَهُمَا أَبَوَانِ عَلَى هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هَانِئٍ، وَهُبَيْرَةَ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَ أَخْذَهُ بِنْتَ حَمْزَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي فَقَضَى بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِخَالَتِهَا وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» .

قُلْنَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إسْرَائِيلَ ضَعِيفٌ - وَهَانِئٌ، وَهُبَيْرَةُ مَجْهُولَانِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِبِنْتِ حَمْزَةَ لِجَعْفَرٍ» ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا عِنْدَهُ؟ قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَأَبُو فَرْوَةَ - هُوَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْجُهَنِيُّ - وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ حَدَّثَكُمْ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ قَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْأَزْدِيُّ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا الْعُقَيْلِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد أَنَا عِمْرَانُ الْحِصْنِيُّ أَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ " أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمَدَنِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْخَالَةُ أُمٌّ» ؟ . قُلْنَا: هَذَا أَسْقُطُ مِنْ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ، وَهُوَ مَرْغُوبٌ عَنْهُ مَتْرُوكٌ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَأَبُو هُرَيْرَةَ الْمَدَنِيُّ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ؟ . فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ أَنَا

مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ الْهَادِي - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعٍ بْنِ عُجَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ هُوَ وَأَخُوهُ جَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي حَضَانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَأَقْضِي بِهَا لِجَعْفَرٍ تَكُونُ مَعَ خَالَتِهَا وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ» . قُلْنَا: نَافِعُ بْنُ عُجَيْرٍ وَأَبُوهُ عُجَيْرٌ مَجْهُولَانِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مَجْهُولٍ إلَّا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِكُلِّ وَجْهٍ حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِجَعْفَرِ - وَهُوَ أَجْمَلُ شَابٍّ فِي قُرَيْشٍ - وَلَيْسَ هُوَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْ بِنْتِ حَمْزَةَ - وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ قَضَاءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَا لِجَعْفَرٍ مِنْ أَجْلِ خَالَتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لَهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ بِتَخْيِيرِهِ إذَا عَقَلَ لِمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ - حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَنَا أَبِي أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ " أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: شَهِدْت أَبَا هُرَيْرَةَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ وَلَدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اسْتَهِمَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْغُلَامِ: تَخَيَّرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَاخْتَارَ أُمَّهُ» ؟ . قُلْنَا: أَبُو مَيْمُونَةَ هَذَا مَجْهُولٌ لَيْسَ هُوَ وَالِدُ هِلَالٍ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ ثُمَّ إذَا تَدَبَّرَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَخَيَّرَ أَبَاهُ قُضِيَ لَهُ بِهِ. وَأَيْضًا - فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ تَخْيِيرَهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أَرْفَقَ بِهِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخَيِّرُ بَيْنَ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُخَيِّرُ إلَّا بَيْنَ خَيْرَيْنِ. وَكَذَلِكَ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَتْرُكُ أَحَدًا عَلَى اخْتِيَارِهِ مَا هُوَ فَسَادٌ لَهُ فِي دِينِهِ أَوْ فِي حَالَتِهِ، فَقَدْ يَسُوءُ اخْتِيَارُ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ، وَيَمِيلُ إلَى الرَّاحَةِ وَالْإِهْمَالِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنْ كَانَ خَيَّرَ الصَّبِيَّ فَلَمْ يَنْفُذْ اخْتِيَارُهُ إلَّا وَقَدْ اخْتَارَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَخْتَارَ - لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ ذَكَرْتُمْ مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ أرنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُمَا صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ ثُمَّ خَيَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَهُمَا فَاخْتَارَ أُمَّهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ؟ فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ» .

قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ؛ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لَهُ اخْتَلَفُوا فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: عَبْدُ الْحَمِيدِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّ جَدَّهُ أَسْلَمَ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَقَالَ عِيسَى: عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مَجْهُولُونَ وَلَا يَجُوزُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ أَصْلًا -. فَهَذَا مَا يُذْكَرُ مِنْ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ فِيهِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَضَى بِحَضَانَةِ ابْنٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأُمِّ الصَّبِيِّ وَقَالَ: هِيَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَكَانَ عُمَرُ نَازَعَهَا فِيهِ وَخَاصَمَهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ - وَهَذَانِ مُنْقَطِعَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ أُمَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ تَزَوَّجَتْ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ بِعَاصِمٍ لِأُمِّ أُمِّهِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يُخَاصِمُهَا فِيهِ، وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ سَاقِطٌ، فَكَيْفَ وَهُوَ عَمَّنْ لَا يُدْرَى.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ خَاصَمَ امْرَأَتَهُ أُمَّ ابْنِهِ عَاصِمٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ إذْ طَلَّقَهَا وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: رِيحُهَا وَحَرُّهَا وَفِرَاشُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك حَتَّى يَشِبَّ وَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ - وَقَضَى أَبُو بَكْرٍ لَهَا بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى لِجَدَّةِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ أُمِّ أُمِّهِ وَقَدْ جَاذَبَهَا عُمَرُ فِيهِ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ - فَهَذَا مَا يُعْرَفُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: خَيَّرَ عُمَرُ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ؟ فَاخْتَارَ أُمَّهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنَيْمٍ قَالَ: اخْتَصَمَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي غُلَامٍ فَقَالَ: هُوَ مَعَ أُمِّهِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَيَخْتَارَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْأَغَرِّ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْعَمِّ دُونَ الْأُمِّ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْأُمِّ - فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرَمِيُّ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّهُ خَاصَمَ فِيهِ أُمَّهُ وَعَمَّهُ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فَخَيَّرَنِي عَلِيٌّ ثَلَاثًا؟ كُلَّهُنَّ أَخْتَارُ أُمِّي وَمَعَنَا أَخٌ لِي صَغِيرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خُيِّرَ. وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ التَّخْيِيرَ قَبْلُ، فَهَذَا مَا حَضَرْنَا فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ: إذَا بِعْتُمْ أَخَوَيْنِ فَلَا تُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا التَّابِعُونَ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: الْأُمُّ أَرْفَقُ، وَالْأَبُ أَحَقُّ، وَقَضَى: أَنَّ الصَّبِيَّ مَعَ أُمِّهِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ وَاحِدَةً وَيَكُونُ مَعَهُمْ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يُصْلِحُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَجْلَحَ: أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بِالصَّبِيِّ لِلْجَدَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أُمُّهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ أَخَذَهُ أَبُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ فَقَالَ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلُقَتْ فَهِيَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِذَا خَرَجَ الْوَالِدُ إلَى أَرْضٍ يَسْكُنُهَا كَانَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ - وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا وَإِنْ هُوَ خَرَجَ غَازِيًا أَوْ تَاجِرًا - فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ غَزَا غَزْوَةَ انْقِطَاعٍ - لَا نَعْلَمُ عَنْ تَابِعٍ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَمَا نَعْلَمُ اسْتِثْنَاءَ الزَّوَاجِ فِي الْأُمِّ إلَّا عَنْ شُرَيْحٍ، وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ إلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَضَى بِهِ فِي ذَلِكَ لِلْأَبِ وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ لِلْجَدَّةِ. فَإِنْ قَالُوا: لَعَلَّ الزُّهْرِيَّ قَضَى بِهِ لِلْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ وَلَا خَالَةٌ؟ قُلْنَا: وَلَعَلَّ شُرَيْحًا إنَّمَا قَضَى بِهِ لِلْجَدَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ أَبٌ وَمَا وَجَدْنَا إبَاحَةَ رَحِيلِ الْأَبِ بِالْوَلَدِ إلَّا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَحْدَهُ - وَكَلَامُ شُرَيْحٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ، أَفَيَكُونُ أَكْذَبَ مِمَّنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ وَاسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ: إنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَالْخَالَةُ أَحَقُّ - وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَالْعَمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مِنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أُمِّهِ فَإِنْ طَلُقَتْ الْأُمُّ لَمْ تَرْجِعْ إلَى الْحَضَانَةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالِابْنِ حَتَّى يَبْلُغَ ثَمَانِي سِنِينَ وَبِالِابْنَةِ حَتَّى تَبْلُغَ، ثُمَّ الْأَبُ أَوْلَى بِهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ فَتُنْتَزَعُ الِابْنَةُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: الْأُمُّ أَوْلَى حَتَّى تَكْعُبَ الِابْنَةُ، وَيَيْفَعَ الْغُلَامُ فَيُخَيَّرَانِ

بَيْنَ أَبَوَيْهِمَا، فَأَيَّهمَا اخْتَارَ قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنْ بَدَا لِلْوَلَدِ وَالِابْنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْآخَرِ فَذَلِكَ لَهُمَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ، فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ وَقْتِ تَخْيِيرِ الْوَلَدِ وَالِابْنَةِ عَادَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ، قَالَ: فَإِذَا بَلَغَتْ الِابْنَةُ - وَهِيَ مَأْمُونَةٌ - فَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ، كَذَلِكَ الِابْنُ إذَا بَلَغَ وَأُونِسَ رُشْدُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالِابْنِ وَالِابْنَةِ الصَّغِيرَيْنِ، ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ. ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ - فَمَرَّةً قَالَ: ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْعَمَّةُ - وَبِهِ يَأْخُذُ زُفَرُ - وَمَرَّةً قَالَ: ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو يُوسُفَ. ثُمَّ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي أَنَّ الْخَالَةَ الشَّقِيقَةَ أَحَقُّ مِنْ الْخَالَةِ لِلْأَبِ، وَأَنَّ الْخَالَةَ لِلْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْخَالَةِ لِلْأُمِّ، وَالْخَالَةُ لِلْأُمِّ أَحَقُّ مِنْ الْعَمَّةِ الشَّقِيقَةِ، وَالْعَمَّةُ الشَّقِيقَةُ أَحَقُّ مِنْ الْعَمَّةِ لِلْأَبِ، وَأَنَّ الْعَمَّةَ لِلْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْعَمَّةِ لِلْأُمِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالْكَافِرَةُ وَالْمُؤْمِنَةُ سَوَاءٌ. قَالَ: فَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ، وَبِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ ثِيَابَهُ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الْأَخَوَاتُ، وَالْخَالَاتُ، وَالْعَمَّاتُ - فَهُنَّ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَا وَحْدَهُمَا، وَيَشْرَبَا وَحْدَهُمَا وَيَلْبَسَا ثِيَابَهُمَا وَحْدَهُمَا فَقَطْ. وَلَا حَقَّ لِمَنْ ذَكَرْنَا فِي الْحَضَانَةِ إنْ تَزَوَّجْنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْجَدَّةِ هُوَ الْجَدُّ، وَيَكُونَ زَوْجُ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لَهُنَّ. قَالَ: وَبَعْدَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا تَجِبُ الْحَضَانَةُ لِلْأَبِ، ثُمَّ لِأَبِ الْأَبِ، ثُمَّ لِلْأَخِ الشَّقِيقِ، ثُمَّ لِلْأَخِ لِلْأَبِ، ثُمَّ لِلْعَمِّ الشَّقِيقِ، ثُمَّ لِلْعَمِّ لِلْأَبِ.

قَالَ: وَلَا حَقَّ فِي الْحَضَانَةِ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ، وَلَا لِلْعَمِّ لِلْأُمِّ، وَلَا لِلْجَدِّ لِلْأُمِّ، وَلَا لِلْخَالِ جُمْلَةً، وَلَا لِلرَّجُلِ تَكُونُ قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زُفَرَ: أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْ الْجَدَّةِ لِلْأَبِ، وَأَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ وَالْأُخْتَ لِلْأُمِّ سَوَاءٌ لَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى قَالُوا: فَإِنْ أُمَّتْ أَوْ طَلُقَتْ إحْدَى مَنْ ذَكَرْنَا رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ، ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، ثُمَّ ابْنَةُ الْأَخِ. قَالَ: وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ، وَبِالِابْنَةِ حَتَّى تُزَوَّجَ. قَالَ: فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ سَقَطَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ فَإِنْ كَانَ زَوْجُ الْجَدَّةِ الْجَدَّ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ ابْنَةِ الْأَخِ الْأَبُ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِالِابْنِ وَالِابْنَةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، ثُمَّ الْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ، ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ: الْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ، وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ، ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا، ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ أَبِ الْأَبِ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا وَإِنْ

عَلَتْ، ثُمَّ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ الشَّقِيقَةُ، ثُمَّ الْخَالَةُ لِلْأَبِ، ثُمَّ الْعَمَّةُ. قَالَ: فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ سَبْعَ سِنِينَ وَهُوَ يَعْقِلُ عَقْلَ مِثْلِهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَحَيْثُ اخْتَارَ جُعِلَ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ خَرَجَتْ عَنْ الْحَضَانَةِ فَإِنْ أُمَّتْ عَادَتْ إلَى حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي رَحِيلِ الْأَبِ - فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ النِّكَاحُ وَقَعَ فِي مِصْرٍ فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَشْخَصَ بِوَلَدِهَا الصِّغَارِ فَالْوَالِدُ أَحَقُّ فَإِنْ سَكَنَتْ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ فَأَرَادَتْ الرُّجُوعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ فَلَهَا ذَلِكَ - وَهِيَ فِي ذَلِكَ أَحَقُّ بِهِمْ مِنْ الْأَبِ - وَلَهَا أَنْ تَرْحَلَ بِهِمْ إلَى مَا يَقْرُبُ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ عَقْدُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ يُمْكِنُ عَصَبَةُ الْوَلَدِ أَنْ يَنْهَضُوا إلَى رُؤْيَةِ الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ وَيَرْجِعُوا مِنْ نَهَارِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: نَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لِلْأَبِ أَنْ يَرْحَلَ بِبَنِيهِ إذَا كَانَ رَاحِلًا رِحْلَةَ إقَامَةٍ لَا رُجُوعَ لَهُ - صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا - قَالَ: وَالْعَصَبَةُ كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ إذَا مَاتَ الْأَبُ، قَالَ: وَلَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تُرَحِّلَهُمْ إلَى الْبَرِيدِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ فِي الزَّوْجَاتِ فَهُوَ فِي الْمَمَالِيكِ الْمَسْبِيِّينَ، وَالْمَبِيعِينَ، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الَّتِي أَوْرَدْنَا تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ، لَكِنْ يُخَيَّرُ مَنْ لَهُ مِلْكُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ عَلَى أَنْ يَدَعَهُمَا عِنْدَ مَنْ لَهُ حَضَانَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِفَسْخِ الْبَيْعِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَبَيْنَ ذَوِي رَحِمِهَا الْمَحْرَمَةِ، فَإِنْ بِيعَ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ دُونَ ذَوِي رَحِمِهَا أَوْ ذَاتِ رَحِمِهِ لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُفْسَخُ فِي الْأُمِّ وَالْوَلَدِ خَاصَّةً وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ وَبَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ إلَّا الْأَبَوَيْنِ فَقَطْ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَلَدِهِمَا.

مسألة بلغ الولد أو الابنة المحضونين عاقلين

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ السَّبْيِ وَبَيْنَ ذَوِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْأَقْوَالَ لِيُوقَفَ عَلَى تَخَاذُلِهَا وَتَنَاقُضِهَا وَفَسَادِهَا، وَأَنَّهَا اسْتِحْسَانَاتٌ لَا مَعْنَى لَهَا، وَلِيَظْهَرَ كَذِبُ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا بِعْتُمْ أَخَوَيْنِ فَلَا تُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَمَّنْ سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا بِعْتُمْ أَخَوَيْنِ فَلَا تُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، قُلْت لَهُ: إذًا لَا يَعْتَدِلُ الْقَسْمُ؟ قَالَ: لَا اعْتَدَلَ. وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ لَا يُبَاعَ السَّبِيُّ إلَّا أَعْشَاشًا - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ بَلَغَ الْوَلَدُ أَوْ الِابْنَةُ المحضونين عَاقِلَيْنِ] 2011 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا بَلَغَ الْوَلَدُ أَوْ الِابْنَةُ عَاقِلَيْنِ، فَهُمَا أَمْلَكُ بِأَنْفُسِهِمَا، وَيَسْكُنَانِ أَيْنَمَا أَحَبَّا، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ تَبَرُّجٍ، أَوْ تَخْلِيطٍ، فَلِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَةِ، أَوْ لِلْحَاكِمِ، أَوْ لِلْجِيرَانِ أَنْ يَمْنَعَاهُمَا مِنْ ذَلِكَ، وَيُسْكِنَاهُمَا حَيْثُ يُشْرِفَانِ عَلَى أُمُورِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ بِمِثْلِ هَذَا. بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] . وَتَصْوِيبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَوْلُ سَلْمَانَ «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» . وَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ، وَلَا لِمُرَاعَاةِ زَوَاجِ الِابْنَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ تَزَوَّجَ وَهِيَ فِي الْمَهْدِ وَقَدْ لَا تَتَزَوَّجُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً. وَرُبَّ بِكْرٍ أَصْلَحُ وَأَنْظَرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الزَّوَاجَ لَمْ يَزِدْهَا عَقْلًا لَمْ يَكُنْ وَلَا صَلَاحًا لَمْ يَكُنْ.

مسألة كان الأب والأم محتاجين إلى خدمة الابن أو الابنة

وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ مِنْ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَى تَخْلِيطٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] ، وقَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وقَوْله تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . [مَسْأَلَةٌ كَانَ الْأَبُ وَالْأُمُّ مُحْتَاجَيْنِ إلَى خِدْمَةِ الِابْنِ أَوْ الِابْنَةِ] 2012 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ، وَالْأُمُّ مُحْتَاجَيْنِ إلَى خِدْمَةِ الِابْنِ أَوْ الِابْنَةِ - النَّاكِحِ أَوْ غَيْرِ النَّاكِحِ - لَمْ يَجُزْ لِلِابْنِ وَلَا لِلِابْنَةِ الرَّحِيلُ، وَلَا تَضْيِيعُ الْأَبَوَيْنِ أَصْلًا، وَحَقُّهُمَا أَوْجَبُ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ ضَرُورَةٌ إلَى ذَلِكَ فَلِلزَّوْجِ إرْحَالُ امْرَأَتِهِ حَيْثُ شَاءَ مِمَّا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِيهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] فَقَرَنَ تَعَالَى الشُّكْرَ لَهُمَا بِالشُّكْرِ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ. وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] فَافْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْحَبَ الْأَبَوَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ - وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ يَدْعُوَانِهِ إلَى الْكُفْرِ - وَمَنْ ضَيَّعَهُمَا فَلَمْ يَصْحَبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. وقَوْله تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] . وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا قَوْلَ الرَّجُلِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبَاكَ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ» ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْمٌ فِيمَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ -: مِنْهَا - خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ يُوسُفَ عَطِيَّةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلًا غَزَا وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ فِي عُلُوٍّ

وَأَبُوهَا فِي سُفْلٍ وَأَمَرَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا فَاشْتَكَى أَبُوهَا فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِهِ؟ فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ - ثُمَّ كَذَلِكَ إذْ مَاتَ أَبُوهَا وَلَمْ تَشْهَدْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِأَبِيكِ بِطَوَاعِيَتِكِ لِزَوْجِكِ» . يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَقِّ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ؟ فَقَالَ كَلَامًا مِنْهُ: أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا أَوْ تَتُوبَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ ظَلَمَهَا؟ قَالَ: وَإِنْ ظَلَمَهَا» . لَيْثٌ ضَعِيفٌ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يُبِيحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّلْمَ، وَهِيَ زِيَادَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَيْسَتْ لِلَّيْثِ بِلَا شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ ثنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ - هُوَ الْعَطَّارُ - أَنَا حَيَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَوْ كُنْتُ آمِرًا بَشَرًا أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا تَعْظِيمًا لِحَقِّهِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ حَرْفًا حَرْفًا، لَيْسَ فِيهِ " تَعْظِيمًا لِحَقِّهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصٍ ابْن أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ» . أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَسُورِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ أَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَوْ كُنْتُ آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا بَاطِلٌ -: أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ - فَفِيهِ عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ يُعْرَفُ بِعَطَّارِ الْمُطَلَّقَاتِ كُوفِيٌّ يُحَدِّثُ بِالْبَاطِلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ الَّذِي أَسْنَدَ " مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ " وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ، لِصِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» . وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ - فَمُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ أَبَا ظَبْيَانَ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا وَلَا أَدْرَكَهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ - فَفِيهِ حَفْصُ ابْنُ أَخِي أَنَسٍ وَلَا يُعْرَفُ لِأَنَسٍ ابْنُ أَخٍ اسْمُهُ حَفْصٌ، وَلَا أَخٌ لِأَنَسٍ، إلَّا الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ أَبِيهِ.

وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّهِ وَلَا يُعْرَفُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ اسْمُهُ حَفْصٌ - وَخَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ لَيْسَ بِالْحَافِظِ. وَأَمَّا حَدِيثُ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ - فَمُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ لَمْ يُدْرِكْ سُرَاقَةَ قَطُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ فَفِيهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي - وَهُوَ مُدَلِّسٌ يُدَلِّسُ الْمُنْكَرَاتِ - عَمَّنْ لَا خَيْرَ فِيهِ إلَّا الثِّقَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى - هُوَ ابْن سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ - أَنْ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مِحْصَنٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَمَّةٍ لَهُ «أَنَّهَا ذَكَرَتْ زَوْجَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اُنْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ أَوْ نَارُكِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ -

قَالَ قُتَيْبَةُ: أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا يَعْلَى، وَيَزِيدُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ: أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - وَقَالَ يُونُسُ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا مَالِكٌ - وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ أَنَا اللَّيْثُ - وَقَالَ يُونُسُ أَنَا خَالِدٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ اللَّيْثُ، وَسُفْيَانُ، وَيَعْلَى، وَيَزِيدُ وَيَحْيَى، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي هِلَالٍ، كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ عَنْ عَمَّةٍ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ - فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مِحْصَنٍ، وَحُصَيْنَ بْنَ مِحْصَنٍ مَجْهُولَانِ، لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمَا؟ . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ - هُوَ الزُّبَيْرِيُّ - أَنَا مِسْعَرٌ - هُوَ ابْنُ كِدَامٍ - عَنْ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: زَوْجُهَا قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ؟ قَالَ: أُمُّهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبُو عُتْبَةَ مَجْهُول لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَالْقُرْآنُ كَمَا أَوْرَدَنَا، وَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَدَّرَنَا بِهِ يُبْطِلُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْكُوفِيُّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ نَهَارٍ الْعَبْدِيِّ - مَدَّنِي لَا بَأْسَ بِهِ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فَلَحِسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ» . رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ مَجْهُولٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْعَئُودُ عَلَى زَوْجِهَا الَّتِي إذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بِيَدِ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَذُوقُ عَضْمًا حَتَّى تَرْضَى» . هَذَا خَبَرٌ لَا بَأْسَ بِهِ - وَهَكَذَا فِي كِتَابِي " عَضْمًا " بِالضَّادِ، وَهُوَ عَظْمُ الْقَوْسِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهُ هَاهُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ أَنَا

سَرَّارُ بْنُ مُجَشَّرِ بْنِ قَبِيصَةَ الْبَصْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، سَرَّارُ بْنُ مُجَشَّرٍ ثِقَةٌ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ مُقَدَّمَانِ فِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ هَكَذَا [سَرَّارُ] بِالسِّينِ وَرَاءَيْنِ [بَيْنَهُمَا أَلِفٌ] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالشُّكْرُ لِكُلِّ مُحْسِنٍ وَاجِبٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - أَنَا ابْنُ عِجْلَانَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ خَيْرِ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ: الَّتِي تُطِيعُ زَوْجَهَا إذَا أَمَرَ، وَتَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ، وَتَحْفَظُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» . هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ اليامي عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» . وَأَمَّا السَّلَفُ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَلَمْ تَكُنْ اسْتَأْذَنَتْهُ فِي الْخُرُوجِ أَتَخْرُجُ فِي طَوَافِ الْكَعْبَةِ، أَوْ فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ ذِي رَحِمٍ، أَوْ أَبُوهَا يَمُوتُ؟ فَأَبَى عَطَاءٌ أَنْ تَخْرُجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَقُولُ أَنَا: تَأْتِي كُلَّ ذِي رَحِمٍ قَرِيبٍ.

كتاب الرضاع

[كِتَابُ الرَّضَاعِ] [مَسْأَلَةٌ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ وَالِدَةٍ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا] مَسْأَلَةٌ: وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ وَالِدَةٍ - حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً - فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ أَوْ فِي مِلْكِ سَيِّدٍ، أَوْ كَانَتْ خُلُوًّا مِنْهُمَا - لَحِقَ وَلَدُهَا بِاَلَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَائِهِ أَوْ لَمْ يَلْحَقْ -: أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ، وَلَوْ أَنَّهَا بِنْتُ الْخَلِيفَةِ - وَتُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً -. فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لَمْ تُجْبَرْ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ الَّذِي طَلَّقَهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ ذَلِكَ، فَلَهَا ذَلِكَ - أَحَبَّ أَبُوهُ أَمْ كَرِهَ، أَحَبَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ أَمْ كَرِهَ. فَإِنْ تَعَاسَرَتْ هِيَ وَأَبُو الرَّضِيعِ: أُمِرَ الْوَالِدُ بِأَنْ يَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِهِ امْرَأَةً أُخْرَى وَلَا بُدَّ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ الْوَلَدُ غَيْرَ ثَدْيِهَا، فَتُجْبَرُ حِينَئِذٍ - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ، أَحَبَّ زَوْجُهَا إنْ كَانَ لَهَا أَمْ كَرِهَ -. فَإِنْ مَاتَ أَبُو الرَّضِيعِ، أَوْ أَفْلَسَ، أَوْ غَابَ بِحَيْثُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ: أُجْبِرَتْ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُضِرُّ بِهِ: فَإِنَّهُ يَسْتَرْضِعُ لَهُ غَيْرَهَا، وَيُتْبَعُ الْأَبُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ حَيًّا وَلَهُ مَالٌ.

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُطَلَّقَةً لَكِنْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ مُنْفَسِخَةَ النِّكَاحِ مِنْهُ أَوْ مِنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِجَهْلٍ، فَاتَّفَقَ أَبُوهُ وَهِيَ عَلَى اسْتِرْضَاعِهِ وَقَبِلَ غَيْرَ ثَدْيِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ. فَإِنْ أَرَادَ أَبُوهُ ذَلِكَ فَأَبَتْ هِيَ إلَّا إرْضَاعَهُ فَلَهَا ذَلِكَ. فَإِذَا أَرَادَتْ هِيَ أَنْ تَسْتَرْضِعَ لَهُ غَيْرَهَا وَأَبَى الْوَالِدُ: لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَأُجْبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ - قَبِلَ غَيْرَ ثَدْيِهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَ ثَدْيِهَا - إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ كَانَ لَبَنُهَا يُضِرُّ بِهِ: فَعَلَى الْوَالِدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِهِ غَيْرَهَا. فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا ثَدْيَ أُمِّهِ: أُجْبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ إنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَا يُضِرُّ بِهِ. فَإِنْ كَانَ لَا أَبَ لَهُ: إمَّا بِفَسَادِ الْوَطْءِ بِزِنًى، أَوْ إكْرَاهٍ، أَوْ لِعَانٍ، أَوْ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ بِاَلَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَائِهِ، وَإِمَّا قَدْ مَاتَ أَبُوهُ: فَالْأُمُّ تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُضِرُّ بِهِ، أَوْ مَاتَتْ أُمُّهُ، أَوْ غَابَتْ حَيْثُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا: فَيَسْتَرْضِعُ لَهُ غَيْرَهَا، سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ لِلرَّضِيعِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، أَوْ أُمٌّ، فَأَرَادَ الْأَبُ فِصَالَهُ دُونَ رَأْيِ الْأُمِّ، أَوْ أَرَادَتْ الْأُمُّ فِصَالَهُ دُونَ رَأْيِ الْأَبِ: فَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ - كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالرَّضِيعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ -. فَإِنْ أَرَادَا جَمِيعًا فِصَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الرَّضِيعِ لِمَرَضٍ بِهِ، أَوْ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الطَّعَامَ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَى الرَّضِيعِ فِي ذَلِكَ فَلَهُمَا ذَلِكَ. فَإِنْ أَرَادَا التَّمَادِيَ عَلَى إرْضَاعِهِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَلَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا - بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ - فِصَالَهُ وَأَبَى الْآخَرُ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الرَّضِيعِ لَمْ يَجُزْ فِصَالُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى فِصَالِهِ. وَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ عَلَى الرَّضِيعِ فِي فِصَالِهِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ: فَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَرَادَ فِصَالَهُ - بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ - فَلَهُ ذَلِكَ، هَذَا حَقُّ الرَّضِيعِ، وَالْحَقُّ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي إرْضَاعِهِ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ لِلْأُمِّ فِي ذَلِكَ - فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِاَلَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَائِهِ، أَوْ

كَانَ أَبُوهُ مَيِّتًا، أَوْ غَائِبًا حَيْثُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ، وَلَا وَارِثَ لِلرَّضِيعِ: فَالرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ، وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَجْلِ إرْضَاعِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي عِصْمَتِهِ بِزَوَاجٍ صَحِيحٍ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ صَحِيحٍ: فَعَلَى الْوَالِدِ نَفَقَتُهُمَا، أَوْ كِسْوَتُهُمَا فَقَطْ، كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا مَزِيدَ. وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ عِصْمَتِهِ - فَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ فَأَعْتَقَهَا، أَوْ مُنْفَسِخَةَ النِّكَاحِ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، لَكِنْ بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ بِهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ أَوْ مَوْطُوءَةً بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِجَهْلٍ يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِوَالِدِهِ، أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا - وَهُوَ رَضِيعٌ - فَلَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى وَالِدِهِ النَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ فَقَطْ، وَلَا مَزِيدَ. فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا كُلِّفَتْ إرْضَاعَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى الْأَبِ الْفَقِيرِ، فَإِنْ غَابَ وَلَهُ مَالٌ وَامْتَنَعَ أُتْبِعَ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مَتَى قَدَرَ عَلَى مَالٍ. فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا وَأَتَمَّتْ عِدَّتَهَا مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِوَضْعِهِ: فَلَهَا عَلَى أَبِيهِ الْأُجْرَةُ فِي إرْضَاعِهِ فَقَطْ. فَإِنْ رَضِيَتْ هِيَ أُجْرَةَ مِثْلِهَا: فَإِنَّ الْأَبَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ: أَنَا وَاجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ، أَوْ بِلَا أُجْرَةٍ. فَإِنْ لَمْ تَرْضَ هِيَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَأَبَى الْأَبُ إلَّا أُجْرَةَ مِثْلِهَا فَهَذَا هُوَ التَّعَاسُرُ، وَلِلْأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَرْضِعَ غَيْرَهَا لِوَلَدِهِ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَ ثَدْيِهَا، أَوْ لَا يَجِدُ الْأَبُ إلَّا مَنْ لَبَنُهَا مُضِرٌّ بِالرَّضِيعِ، أَوْ كَانَ الْأَبُ لَا مَالَ لَهُ: فَتُجْبَرُ الْأُمُّ حِينَئِذٍ عَلَى إرْضَاعِهِ، وَتُجْبَرُ هِيَ وَالْوَالِدُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا - إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ - وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ - فِي الرَّضَاعِ - مِنْ أُجْرَةٍ، أَوْ رِزْقٍ أَوْ كِسْوَةٍ: فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ - كَانَ لِلرَّضِيعِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، كَانَتْ صَغِيرَةً زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ - بِخِلَافِ النَّفَقَةِ عَلَى الْفَطِيمَةِ أَوْ الْفَطِيمِ. فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ: مِنْ كِسْوَةٍ، أَوْ نَفَقَةٍ، أَوْ أُجْرَةٍ، وَلِلرَّضِيعِ وَارِثٌ فَهُوَ عَلَى وَارِثِ الرَّضِيعِ - عَلَى عَدَدِهِمْ لَا عَلَى مَقَادِيرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ، وَالْأُمُّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ: وَالزَّوْجُ إنْ كَانَ زَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّضِيعِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، بِخِلَافِ كِسْوَتِهِ، وَنَفَقَتِهِ إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَرَضَاعُهُ عَلَى

الْأُمِّ - وَارِثَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ وَارِثَةٍ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الرَّضِيعِ، بِخِلَافِ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِي مَالِهِ - إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا مَالَ لَهَا. فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً وَوَلَدُهَا عَبْدًا لِسَيِّدِهَا، أَوْ لِغَيْرِ سَيِّدِهَا: فَرَضَاعُهُ عَلَى الْأُمِّ، بِخِلَافِ كِسْوَتِهِ، وَنَفَقَتِهِ - إذَا اسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ. فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً وَوَلَدُهَا حُرٌّ - فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ، أَوْ وَارِثٌ، فَالنَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ، أَوْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَبِ، أَوْ عَلَى الْوَارِثِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا وَارِثٌ: فَرَضَاعُهُ عَلَى أُمِّهِ. فَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ مَرِضَتْ، أَوْ أَضَرَّ بِهِ لَبَنُهَا، أَوْ كَانَتْ لَا لَبَنَ لَهَا، وَلَا مَالَ لَهَا: فَعَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ - فَإِنْ مَنَعَ: فَعَلَى الْجِيرَانِ يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مَنْصُوصٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 233] . وَفِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [الطلاق: 2] . فَهَذِهِ صِفَةُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ بِالْأَقْرَاءِ وَالشُّهُورِ. ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] إلَى قَوْلِهِ {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] .

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] قَدْ بَيَّنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُطَلَّقَاتِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَا الْمُطَلَّقَاتِ ثَلَاثًا، فَكُلُّ مَا قُلْنَا فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ بِلَا تَأْوِيلٍ - وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَاكِرُونَ بَيَانَ ذَلِكَ فَصْلًا فَصْلًا - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

أَمَّا قَوْلُنَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ - الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ فِي مِلْكِ سَيِّدٍ أَوْ خِلْوًا مِنْهُمَا لَحِقَ وَلَدُهَا بِاَلَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَائِهِ أَوْ لَمْ يَلْحَقْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ وَلَوْ أَنَّهَا بِنْتُ الْخَلِيفَةِ وَتُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] . وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا مَا خَصَّهُ نَصٌّ ثَابِتٌ وَإِلَّا فَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خَبَرٌ لَا أَمْرٌ؟ قُلْنَا: هَذَا أَشَدُّ عَلَيْكُمْ، إذْ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ، فَمُخَالِفُ خَبَرِهِ سَاعٍ فِي تَكْذِيبِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي هَذَا مَا فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ - فَمَرَّةً قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا، وَمَرَّةً قَالَ: الشَّرِيفَةُ لَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ - وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الشَّرَفَ هُوَ التَّقْوَى، فَرُبَّ هَاشِمِيَّةٍ أَوْ عَبْشَمِيَّةٍ بِنْتِ خَلِيفَةٍ تَمُوتُ هَزَلًا، وَرُبَّ زِنْجِيَّةٍ أَوْ بِنْتِ غَيَّةٍ قَدْ صَارَتْ حُرْمَةَ مَالِكٍ، أَوْ أَمَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الرَّضَاعِ - وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِلْقُرْآنِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا

مِنْ الَّذِي طَلَّقَهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ فَإِنْ شَاءَتْ هِيَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهَا أَحَبَّ ذَلِكَ الَّذِي طَلَّقَهَا أَوْ أَبَى أَحَبَّ ذَلِكَ زَوْجٌ إنْ كَانَ لَهَا أَوْ أَبَى فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي " سُورَةِ الطَّلَاقِ " بَعْدَ ذِكْرِ الْمُعْتَدَّاتِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى ذَاتَ زَوْجٍ مِنْ غَيْرِهَا وَلَا جَعَلَ فِي ذَلِكَ خِيَارًا لِلْأَبِ وَلَا لِلزَّوْجِ بَلْ جَعَلَ الْإِرْضَاعَ إلَى الْأُمَّهَاتِ وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا وَلَدٌ تُرْضِعُهُ فَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ تُرْضِعَهُ؟ فَقَضَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ أَنْ لَا تُرْضِعَهُ؟ قُلْنَا: حَكَمَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَنْ احْتَجَّ هَاهُنَا بِهَذَا، فَنَحْنُ نَذْكُرُ لَهُ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أُتِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي رَضَاعِ صَبِيٍّ؟ فَقَضَاهُ فِي مَالِ الْغُلَامِ، وَقَالَ لِوَلِيِّهِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَأَلْزَمْتُك، أَلَا تَقْرَأُ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . وَمَا نَاهٍ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ أَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ حَمَوَيْهِ. أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ أَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا رَوْحٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَضَى بِنَفَقَةِ الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ، وَقَالَ لِوَارِثِهِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَقَضَيْت بِالنَّفَقَةِ عَلَيْك، أَلَا تَقْرَأُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَقَدْ قَلَّدَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي قَوْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ، فَلْيَتْبَعْهُ فِيمَا أَصَابَ فِيهِ، وَوَافَقَ الْقُرْآنَ - وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا تَزَوَّجَهَا لِلْوَطْءِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِنَّمَا وَلَدَتْهُ لِتُرْضِعَهُ، فَحَقُّ الصَّبِيِّ قَبْلَ حَقِّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ إرْضَاعُهَا وَلَدَهَا مِنْ وَطْئِهِ لَهَا.

وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ تَعَاسَرَتْ هِيَ وَأَبُو الرَّضِيعِ: أُمِرَ الْوَالِدُ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِهِ امْرَأَةً أُخْرَى وَلَا بُدَّ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَالْخِطَابُ لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ الْوَلَدُ غَيْرَ ثَدْيِهَا فَتُجْبَرُ حِينَئِذٍ عَلَى إرْضَاعِهِ - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ أَحَبَّ أَبُوهُ أَمْ كَرِهَ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 140] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَهَذِهِ هِيَ الْمُضَارَّةُ حَقًّا. وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ» . رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى مُتَوَاتِرَةٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ -: مِنْهَا - مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا قَوْلنَا - فَإِنْ مَاتَ أَبُو الرَّضِيعِ، أَوْ أَفْلَسَ، أَوْ غَابَ بِحَيْثُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ: أُجْبِرَتْ الْأُمُّ أَيْضًا عَلَى إرْضَاعِهِ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ ثَدْيَهَا، أَوْ لَا يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ كَانَ لَبَنُهَا مِمَّا يُضِرُّ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَرْضَعُ لَهُ غَيْرُهَا فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُتَّصِلًا بِهِ نَصًّا، وَيُتْبَعُ الْأَبُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ حَيًّا وَلَهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُطَلَّقَةً لَكِنْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ مُنْفَسِخَةَ النِّكَاحِ مِنْهُ أَوْ مِنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِجَهْلٍ أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ فَاتَّفَقَ أَبُوهُ وَهِيَ عَلَى اسْتِرْضَاعِهِ وَقَبِلَ غَيْرَ ثَدْيِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ - فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 233] وَهَذَا خِطَابٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ الْأَوْلَادُ لَهُمْ، وَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، بِلَا شَكٍّ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَإِنْ أَرَادَ أَبُوهُ ذَلِكَ وَأَبَتْ الْأُمُّ إلَّا أَنْ تُرْضِعَهُ هِيَ فَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَتْ هِيَ أَنْ تَسْتَرْضِعَ لَهُ غَيْرَهَا وَأَبَى الْوَالِدُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَأُجْبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ؛ فَلِأَنَّ إرَادَةَ الْأَبِ وَالْأُمِّ لَمْ تَتَّفِقْ عَلَى الِاسْتِرْضَاعِ لَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إلَّا بِإِرَادَتِهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُضِرُّ بِهِ فَعَلَى الْوَالِدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لَهُ غَيْرَهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا ثَدْيَ أُمِّهِ أُجْبِرَتْ عَلَى إرْضَاعِهِ إنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَا يُضِرُّ بِهِ فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] مَعَ سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَ لَا أَبَ لَهُ إمَّا بِفَسَادِ الْوَطْءِ بِزِنًى أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ بِاَلَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَائِهِ، وَإِمَّا قَدْ مَاتَ أَبُوهُ فَالْأُمُّ تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] وَلِمَا ذَكَرْنَا مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُضِرُّ بِهِ أَوْ مَاتَتْ أُمُّهُ أَوْ غَابَتْ حَيْثُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهَا فَيَسْتَرْضِعُ لَهُ غَيْرَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِلرَّضِيعِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَمَا أَوْرَدْنَا فِي وُجُوبِ الرَّحْمَةِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ فَأَرَادَ الْأَبُ فِصَالَهُ دُونَ رَأْيِ الْأُمِّ، أَوْ أَرَادَتْ الْأُمُّ فِصَالَهُ دُونَ رَأْيِ الْأَبِ: فَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ - كَانَ فِي الْفِصَالِ ضَرَرٌ بِالصَّغِيرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. فَإِنْ أَرَادَ جَمِيعًا فِصَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنْ كَانَ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الرَّضِيعِ فَلَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الرَّضِيعِ لِمَرَضٍ بِهِ، أَوْ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الطَّعَامَ: لَمْ يَجُزْ لَهُمَا ذَلِكَ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] .

وَأَمَّا مُرَاعَاةُ ضَرَرِ الرَّضِيعِ فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] مَعَ مَا ذَكَرْنَا مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَالِكَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ أَرَادَتْ الْأُمُّ أَوْ الْأَبُ التَّمَادِيَ عَلَى إرْضَاعِ الرَّضِيعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَلَهُمَا ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا بِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ زَوْجٍ إنْ كَانَ لَهَا وَهُوَ صِلَةٌ لِابْنِهَا وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى صِلَةَ الرَّحِمِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهَا مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ» . وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِاَلَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ مَائِهِ أَوْ كَانَ أَبُوهُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا حَيْثُ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَلَا وَارِثَ لِلرَّضِيعِ فَالرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] وَلَيْسَ هَاهُنَا مَوْلُودٌ لَهُ وَلَا وَارِثٌ فَهُوَ عَلَيْهَا فَقَطْ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَتْ عِصْمَةُ الْأَبِ بِزَوَاجٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ صَحِيحٍ فَعَلَى الْوَالِدِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا مَزِيدَ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] . وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ عِصْمَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَأَعْتَقَهَا أَوْ مُنْفَسِخَةَ النِّكَاحِ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لَكِنْ بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ بِهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ أَوْ مَوْطُوءَةً بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِجَهْلٍ يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِوَالِدِهِ، أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَهُوَ رَضِيعٌ فَلَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى وَالِدِهِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ فَقَطْ، وَهُوَ لِلْمُطَلَّقَةِ مُدَّةَ عِدَّتِهَا. فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا كُلِّفَتْ إرْضَاعَ الْوَلَدِ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَى الْأَبِ الْفَقِيرِ فَإِنْ غَابَ وَلَهُ مَالٌ أُتْبِعَ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالٍ لَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ امْتَنَعَ وَلَهُ مَالٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَهَا فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] . وَإِذَا لَمْ يُكَلَّفْ شَيْئًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْبَعَ إنْ أَيْسَرَ بِمَا لَمْ يُكَلَّفْهُ قَطُّ، لَكِنْ إنْ أَيْسَرَ وَالرَّضَاعُ مُتَمَادٍ كُلِّفَ مِنْ حِينِ يُوسِرُ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِوَضْعِهِ، فَلَيْسَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ إثْرَ طَلَاقِهِ لَهَا ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، أَوْ إثْرَ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَقَطْ. فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] . وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ هَذَا النَّصَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَقَطْ، بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ رَضِيَتْ هِيَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، فَإِنَّ الْأَبَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ: أَنَا أَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِلَا أُجْرَةٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ الْأُجْرَةَ، إلَّا مَعَ التَّعَاسُرِ، وَالتَّعَاسُرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، فَإِذَا قَنَعَتْ هِيَ بِأُجْرَتِهَا الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا بِالْمَعْرُوفِ؟ فَلَمْ تُعَاسِرْهُ، وَإِذَا لَمْ تُعَاسِرْهُ: فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا فِي الْأُجْرَةِ الْمُؤْتَمِرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ لَمْ تَرْضَ هِيَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَأَبَى الْأَبُ إلَّا أُجْرَةَ مِثْلِهَا، فَهَذَا هُوَ التَّعَاسُرُ، وَلِلْأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِهِ غَيْرَهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَوْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِلَا أُجْرَةٍ إنْ وَجَدَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَ ثَدْيِهَا، أَوْ لَا يَجِدَ الْأَبُ إلَّا مَنْ لَبَنُهَا مُضِرٌّ بِالرَّضِيعِ، أَوْ مَنْ تُضَيِّعُهُ، أَوْ كَانَ الْأَبُ لَا مَالَ لَهُ: فَتُجْبَرُ الْأُمُّ حِينَئِذٍ عَلَى إرْضَاعِهِ، وَتُجْبَرُ هِيَ وَالْوَالِدُ حِينَئِذٍ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا، إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] .

وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الرَّحْمَةِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - كُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ فِي الرَّضَاعِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ، وَهِيَ الرِّزْقُ - فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ - كَانَ لِلرَّضِيعِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ، زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ - بِخِلَافِ النَّفَقَةِ عَلَى الْفَطِيمِ أَوْ الْفَطِيمَةِ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا. وَلَمْ يَسْتَثْنِ إنْ كَانَ لِلرَّضِيعِ مَالٌ، وَلَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَلَهَا زَوْجٌ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ مَالِهِ، وَعَلَى الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ، وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ أُجْرَةٍ فَهُوَ عَلَى وَارِثِ الرَّضِيعِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ عَلَى عَدَدِهِمْ، لَا عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُ لَوْ مَاتَ - وَالْأُمُّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ إنْ كَانَتْ تَرِثُهُ إنْ مَاتَ - وَزَوْجُ الصَّغِيرَةِ الْمُرْضِعِ أَيْضًا مِنْ جُمْلَتِهِمْ - إنْ كَانَ يَرِثُهَا لَوْ مَاتَتْ - سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّضِيعِ أَوْ الرَّضِيعَةِ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - بِخِلَافِ نَفَقَتِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا بَعْدَ الْفِطَامِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا عَلَى الْوَارِثِ أَنْ لَا يُضَارَّ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَمِنْ الْمُضَارَّةِ تَرْكُ الرَّضِيعِ يَضِيعُ، وَكَيْفَ وقَوْله تَعَالَى: {مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الْأَبْعَدِ لَا إلَى - الْأَقْرَبِ - فَصَحَّ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الرِّزْقِ، وَالْكِسْوَةِ يَقِينًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ بِهَذَا فِي " كِتَابِ النَّفَقَاتِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَغَيْرِهِمَا - وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مَعَ الْقُرْآنِ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ عُمَرَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ.

مسألة كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما بلبن حدث لها من حمل منه

وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَرَضَاعُهُ عَلَى الْأُمِّ - وَارِثَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ وَارِثَةٍ - لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فِي مَالِ الرَّضِيعِ - إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ - بِخِلَافِ نَفَقَتِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] . وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً، وَوَلَدُهَا عَبْدٌ لِسَيِّدِهَا أَوْ لِغَيْرِهِ: فَرَضَاعُهُ عَلَى الْأُمِّ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ - فَلِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيْضًا، وَلَيْسَ السَّيِّدُ وَارِثًا لِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ - وَإِنْ كَانَ كَافِرًا - بَعْدَ مَوْتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً وَوَلَدُهَا حُرٌّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَارِثٌ: فَالنَّفَقَةُ لَهَا، وَالْكِسْوَةُ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْأَبِ، أَوْ عَلَى الْوَارِثِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَرَضَاعُهُ عَلَى أُمِّهِ، فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ مَرِضَتْ، أَوْ أَضَرَّ بِهِ لَبَنُهَا، أَوْ كَانَتْ لَا لَبَنَ لَهَا، وَلَا مَالَ لَهَا: فَإِرْضَاعُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ - فَإِنْ مَنَعَ فَعَلَى الْجِيرَانِ: يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ، فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَإِلَيَّ أَوْ عَلَيَّ» أَوْ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ} [النساء: 36] وَهَذَا مِنْ الْإِحْسَانِ الْمُفْتَرَضِ الْمَأْمُورِ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ] 2014 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَمَتَانِ، أَوْ زَوْجَةٌ وَأَمَةٌ: فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ رَجُلًا رَضَاعًا مُحَرَّمًا، وَأَرْضَعَتْ الْأُخْرَى بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ امْرَأَةً كَذَلِكَ: لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدِهِمَا نِكَاحُ الْآخَرِ أَصْلًا. وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْ الرَّجُلَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحَرُمَ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُهُ - سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ وُلِدَتْ قَبْلَهُ، أَوْ مَنْ وُلِدَتْ بَعْدَهُ - مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَخَوَاتُهَا، لِأَنَّهُنَّ خَالَاتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ.

مسألة لبن الفحل يحرم

وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا؛ لِأَنَّهُنَّ جَدَّاتُهُ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَخَوَاتُ زَوْجِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُنَّ عَمَّاتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهُ لِأَنَّهُنَّ جَدَّاتُهُ. وَحُرِّمَ عَلَيْهِ مَنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَنَاتِهِ. وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ. وَحُكْمُ الَّتِي تُرْضِعُ امْرَأَتَهُ كَحُكْمِ ابْنَتِهَا الَّتِي وَلَدَتْهَا، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» فَدَخَلَ فِي هَذَا كُلُّ مَا ذَكَرْنَا وَمَا لَمْ نَذْكُرْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكُلُّ هَذَا فَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ -: وَهِيَ: لَبَنُ الْفَحْلِ، وَصِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، وَعَدَدُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، وَرَضَاعُ الْكَبِيرِ، وَالرَّضَاعُ مِنْ مَيِّتَةٍ. [مَسْأَلَةٌ لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ] 2015 - مَسْأَلَةٌ: لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا: مِنْ أَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةُ رَجُلٍ ذَكَرًا، وَتُرْضِعَ امْرَأَتُهُ الْأُخْرَى أُنْثَى: فَتَحْرُمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ هَذَا لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا -: كَمَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخِيهَا وَلَا تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا وَبَنِي إخْوَتِهَا وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَنْ أَرْضَعَتْهُ بَنَاتُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِي بَكْرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ: أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ قَالَتْ زَيْنَبُ: فَأَرْسَلَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ ابْنَتِي أُمَّ كُلْثُومٍ عَلَى أَخِيهِ حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ حَمْزَةَ ابْنَ الْكَلْبِيَّةِ، فَقُلْت لِرَسُولِهِ: وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ إنَّمَا هِيَ بِنْتُ أَخِيهِ، فَأَرْسَلَ إلَيَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ إنَّمَا تُرِيدِينَ الْمَنْعَ أَنَا وَمَا وَلَدَتْ أَسْمَاءُ إخْوَتُك، وَمَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَسْمَاءَ فَلَيْسُوا لَكِ بِإِخْوَةٍ فَأَرْسِلِي فَاسْأَلِي عَنْ هَذَا؟ فَأَرْسَلَتْ فَسَأَلَتْ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ - فَقَالُوا: إنَّ الرَّضَاعَةَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا؟ فَأَنْكَحَتْهَا إيَّاهُ، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ تَزَوَّجَ ابْنَةَ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ أَرْضَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ بِلَبَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَتْ امْرَأَةُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدْ أَرْضَعَتْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوُلِدَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى غُلَامٌ اسْمُهُ عُمَرُ فَتَزَوَّجَ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ حُسَيْنٍ مَوْلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنًا لَهُ أُخْتًا لَهُ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَوَكِيعٍ، قَالَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَقَالَ: وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَا جَمِيعًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ؛ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَلَا يَحْرُمُ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ فَذَكَرَهُ عَنْهُمْ، وَزَادَ فِيهِمْ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ، وَالشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: قُلْت لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إنَّ فُلَانًا مِنْ آلِ أَبِي فَرْوَةَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ غُلَامًا أُخْتَهُ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى التَّحْرِيمِ بِهِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ. أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَتْ زَيْنَبُ: فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنٍ مِنْ قُرُونِ رَأْسِي يَقُولُ: أَقْبِلِي عَلَيَّ فَحَدِّثِينِي أَرَى أَنَّهُ أَبِي وَمَا وَلَدَ فَهُمْ إخْوَتِي. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ

عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا جَارِيَةً، وَالْأُخْرَى غُلَامًا، أَيَحِلُّ أَنْ يَتَنَاكَحَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ: سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَطَاوُسًا، وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، فَقُلْت: امْرَأَةُ أَبِي أَرْضَعَتْ بِلِبَانِ إخْوَتِي جَارِيَةً مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَلِيَ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ: لَا، أَبُوك أَبُوهَا - وَقَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَسَنُ: هِيَ أُخْتُك. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَرِهَ لَبَنَ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، قَالَا: أَنَا هُشَيْمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبْرَةَ الْهَمْدَانِيَّ إنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ: يُكْرَهُ لَبَنَ الْفَحْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ فِي رَجُلٍ أَرْضَعَتْ امْرَأَةُ أَبِيهِ امْرَأَةً وَلَيْسَتْ أُمَّهُ: أَتَحِلُّ لَهُ؟ قَالَ عُرْوَةُ: لَا تَحِلُّ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: الرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ تُحَرِّمُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ: كَانَ عُمَارَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُنَا: لَا يَرَوْنَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا، حَتَّى أَتَاهُمْ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ بِخَبَرِ أَبِي الْقُعَيْسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْعِلْمِ، لَا كَمَنْ يَقُولُ: أَيْنَ كَانَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ آخَرُونَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ جَارِيَةٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةُ أَبِي، أَتَرَى لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَ: اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ، فَلَسْت أَقُولُ شَيْئًا - وَسَأَلْت ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: مِثْلَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ - أَنَا ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحِجَابِ، وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت: وَاَللَّهِ لَا آذَنُ لِأَفْلَحَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ائْذَنِي لَهُ» . ونا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ أَنَا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَتْ «جَاءَ عَمِّي بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ قَالَ: تَرِبَتْ يَمِينُكِ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ أَنَا أَبِي أَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَأَرْسَلَ إلَيَّ: إنِّي عَمُّكِ أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: لِيَدْخُلْ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّكِ» . فَكَانَ هَذَا خَبَرًا لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، فَتَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ؛ لِأَنَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ

تَقُولُ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ عَنْ ذَلِكَ الصَّاحِبِ خِلَافُ مَا رَوَى، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، قَالُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ -: مِنْهَا - مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ أَنَّهُ يُعْتَقُ فِي عِتْقِهَا وَيُرَقُّ فِي رِقِّهَا - فَادَّعُوا أَنَّ هَذَا خِلَافٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ مُدَبَّرًا» . وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ، بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يُرَقُّ بِرِقِّهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَائِشَةُ وَحْدَهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا خِلَافُهُ، فَأَخَذُوا بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا، وَلَمْ يَقُولُوا: لَمْ تُخَالِفْهُ إلَّا لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُنَّ، وَقَالُوا: لَا نَدْرِي لِأَيِّ مَعْنًى لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا يَثْبُتُ عَنْهَا، كَمَا أَرَدْنَا: أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِي بَكْرٍ، وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا، وَنِسَاءُ بَنِي إخْوَتِهَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، فَهَلْ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَيْهِ؟ إلَّا أَنَّ الَّذِينَ أَذِنَتْ لَهُمْ رَأَتْهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَأَنَّ الَّذِينَ لَمْ تَأْذَنْ لَهُمْ لَمْ تَرَهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا - وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ، وَمُدَافَعَةِ الْحَقِّ بِكُلِّ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَثٍّ وَرَثٍّ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْتَجِبَ مِمَّنْ شَاءَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا؟ فَقُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ لَهَا إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِالِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِيهَا، وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا، وَنِسَاءُ بَنِي أَخَوَاتِهَا، دُونَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، لَا يُمْكِنُ إلَّا لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، لَا سِيَّمَا مَعَ تَصْرِيحِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهَا - بِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ، وَأَفْتَى الْقَاسِمُ بِذَلِكَ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَعْتَرِضُ كِلْتَاهُمَا عَنْ الْخَبَرِ الثَّابِتِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى رَضَاعِ سَالِمٍ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَجِئْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ - فَظَهَرَ أَيْضًا تَنَاقُضُهُمْ هَاهُنَا. وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَقُولَانِ: إنَّ مَا كَثُرَ بِهِ الْبَلْوَى لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَرَامُوا بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ: مِنْ أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَلَبَنُ

مسألة تزوج امرأتين فأرضعتهما امرأة رضاعا محرما

الْفَحْلِ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، وَقَدْ خَالَفَتْهُ الصَّحَابَةُ، وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ هَكَذَا جُمْلَةً، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَمَكْحُولٌ، وَغَيْرُهُمْ، فَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا: لَوْ كَانَ صَحِيحًا مَا خَفِيَ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، كَمَا قَالُوا فِي خَبَرِ التَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ، وَمَا نَعْلَمُهُ خَفِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحْدَهُ - فَظَهَرَ بِهَذَا فَسَادُ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَأَنَّهَا لَا مَعْنَى لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ رَضَاعًا مُحَرِّمًا] 2016 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ رَضَاعًا مُحَرِّمًا حُرِّمَتَا جَمِيعًا وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا، إذْ صَارَتَا بِذَلِكَ الرَّضَاعِ أُخْتَيْنِ، أَوْ عَمَّةً وَبِنْتَ أَخٍ، أَوْ خَالَةً وَبِنْتَ أُخْتٍ، أَوْ حَرِيمَةَ امْرَأَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا حَدَثَ لَهُمَا التَّحْرِيمُ، فَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْأُخْرَى. وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ بِهِمَا فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا وَلَا فَرْقَ، فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الَّتِي صَارَتْ أُمًّا لِلْأُخْرَى وَبَقِيَ نِكَاحُ الَّتِي صَارَتْ لَهَا ابْنَةً صَحِيحًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23]

مسألة صفة الرضاع المحرم

فَصَارَتْ بِنْتَ امْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَا هِيَ فِي حِجْرِهِ، فَثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَصَارَتْ الْأُخْرَى مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ، فَحُرِّمَتْ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. [مَسْأَلَةٌ صِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ] 2017 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا صِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، فَإِنَّمَا هُوَ: مَا امْتَصَّهُ الرَّاضِعُ مِنْ ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ بِفِيهِ فَقَطْ. فَأَمَّا مَنْ سُقِيَ لَبَنَ امْرَأَةٍ فَشَرِبَهُ مِنْ إنَاءٍ، أَوْ حُلِبَ فِي فِيهِ فَبَلَعَهُ؛ أَوْ أُطْعِمَهُ بِخُبْزِ، أَوْ فِي طَعَامٍ، أَوْ صُبَّ فِي فَمِهِ، أَوْ فِي أَنْفِهِ، أَوْ فِي أُذُنِهِ، أَوْ حُقِنَ بِهِ: فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غِذَاءَهُ دَهْرَهُ كُلَّهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْمَعْنَى نِكَاحًا، إلَّا بِالْإِرْضَاعِ وَالرَّضَاعَةِ وَالرَّضَاعِ فَقَطْ - وَلَا يُسَمَّى إرْضَاعًا إلَّا مَا وَضَعَتْهُ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعَةُ مِنْ ثَدْيِهَا فِي فَمِ الرَّضِيعِ - يُقَالُ أَرْضَعَتْهُ تُرْضِعُهُ إرْضَاعًا. وَلَا يُسَمَّى رَضَاعَةً، وَلَا إرْضَاعًا إلَّا أَخْذُ الْمُرْضَعِ، أَوْ الرَّضِيعِ بِفِيهِ الثَّدْيَ وَامْتِصَاصُهُ إيَّاهُ - تَقُولُ: رَضِعَ يَرْضَعُ رَضَاعًا وَرَضَاعَةً. وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهُ إرْضَاعًا، وَلَا رَضَاعَةً وَلَا

رَضَاعًا، إنَّمَا هُوَ حَلْبٌ وَطَعَامٌ وَسِقَاءٌ، وَشُرْبٌ وَأَكْلٌ وَبَلْعٌ، وَحُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ وَتَقْطِيرٌ، وَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا شَيْئًا. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرَّضَاعِ وَالْإِرْضَاعِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّ الرَّضَاعَ مِنْ شَاةٍ أَشْبَهَ بِالرَّضَاعِ مِنْ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا رَضَاعٌ مِنْ الْحُقْنَةِ بِالرَّضَاعِ، وَمِنْ السَّعُوطِ بِالرَّضَاعِ، وَهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ بِغَيْرِ النِّسَاءِ - فَلَاحَ تَنَاقُضُهُمْ فِي قِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ، وَشَرْعُهُمْ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَا يُحَرِّمُ السَّعُوطُ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُحَرِّمُ أَنْ يُسْقَى الصَّبِيُّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ فِي الدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَضَاعٍ، إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا مُصَّ مِنْ الثَّدْيِ. هَذَا نَصُّ قَوْلِ اللَّيْثِ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَرْسَلْت إلَى عَطَاءٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سَعُوطِ اللَّبَنِ لِلصَّغِيرِ وَكُحْلِهِ بِهِ أَيُحَرِّمُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت أَنَّهُ يُحَرِّمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يُحَرِّمُ الْكُحْلُ لِلصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ، وَلَا صَبُّهُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ، وَلَا الْحُقْنَةُ بِهِ، وَلَا مُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ بِهِ، وَلَا الْمَأْمُومَةِ بِهِ، وَلَا تَقْطِيرُهُ فِي الْإِحْلِيلِ؟ قَالُوا: فَلَوْ طُبِخَ طَعَامٌ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَتَّى صَارَ مَرَقَةً نَضِجَةً، وَكَانَ اللَّبَنُ ظَاهِرًا فِيهَا غَالِبًا عَلَيْهَا بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، فَأَطْعَمَهُ صَغِيرًا لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ نِكَاحَ الَّتِي اللَّبَنُ مِنْهَا، وَلَا نِكَاحَ بَنَاتِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ ثُرِدَ لَهُ خُبْزٌ فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ فَأَكَلَهُ كُلَّهُ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ تَحْرِيمٌ أَصْلًا فَلَوْ شَرِبَهُ كَانَ مُحَرَّمًا كَالرَّضَاعِ. وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: السَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يُحَرِّمَانِ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ. وَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي هَذَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ السَّعُوطَ وَالْوَجُورَ يُحَرِّمَانِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنْ قَالُوا: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» . قَالُوا: فَلَمَّا جَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ مَا اُسْتُعْمِلَ لِطَرْدِ الْجُوعِ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي السَّقْيِ وَالْأَكْلِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُمْ لَا يُوجَدُ فِي السَّعُوطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْفَعُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْجُوعِ، فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا: بَلْ يُدْفَعُ. قُلْنَا: لِأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ حَظَّ السَّعُوطِ مِنْ ذَلِكَ كَحَظِّ الْكُحْلِ وَالتَّقْطِيرِ فِي الْعَيْنِ بِاللَّبَنِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاصِلٌ إلَى الْحَلْقِ إلَى الْجَوْفِ، فَلِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْكُحْلِ بِهِ وَبَيْنَ السَّعُوطِ بِهِ؟ هَذَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ مَنْ قَطَّرَ شَيْئًا مِنْ الْأَدْهَانِ فِي أُذُنِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، وَكَذَلِكَ إنْ احْتَقَنَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَلَمْ يُحَرِّمُوا بِهِ فِي اللَّبَنِ يُحْقَنُ بِهَا أَوْ يُكْتَحَلُ بِهِ - وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ - فَلِمَ فَطَّرْتُمْ بِهِ الصَّائِمَ؟ وَهَذَا تَلَاعُبٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ جُعِلَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ فِي طَعَامٍ وَطُبِخَ وَغَابَ اللَّبَنُ أَوْ صُبَّ فِي مَاءٍ فَكَانَ الْمَاءُ هُوَ الْغَالِبَ فَسُقِيَ الصَّغِيرُ ذَلِكَ الْمَاءَ أَوْ أُطْعِمَ ذَلِكَ الطَّعَامَ لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ بِالنُّقْطَةِ تَصِلُ إلَى جَوْفِهِ وَهِيَ لَا تَدْفَعُ عِنْدَهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَجَاعَةِ فَظَهَرَ خِلَافُهُمْ لِلْخَبَرِ الَّذِي مَوَّهُوا بِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي -: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا حَرَّمَ بِالرَّضَاعَةِ الَّتِي تُقَابَلُ بِهَا الْمَجَاعَةُ وَلَمْ يُحَرِّمْ بِغَيْرِهَا شَيْئًا فَلَا يَقَعُ تَحْرِيمٌ بِمَا قُوبِلَتْ بِهِ الْمَجَاعَةُ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ وَجُورٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَضَاعَةً كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] . فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ مَوْلَى الْأَشْجَعِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي

مسألة ارتضع صغير أو كبير لبن ميتة أو مجنونة أو سكرى خمس رضعات

أَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَقَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْت بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَا تَنْكِحُهَا وَنَهَاهُ عَنْهَا. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: إنْ سَقَتْهُ امْرَأَتُهُ مِنْ لَبَنِ سُرِّيَّتِهِ، أَوْ سَقَتْهُ سُرِّيَّتُهُ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ لِتُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ فَلَا يُحَرِّمُهَا ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ رَضَاعَ الْكَبِيرِ وَالتَّحْرِيمَ بِهِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ رَضَاعَ الضَّرَائِرِ لَا يُحَرِّمُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. [مَسْأَلَةٌ ارْتَضَعَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ لَبَنَ مَيِّتَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ سَكْرَى خَمْسَ رَضَعَاتٍ] 2018 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنْ ارْتَضَعَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ لَبَنَ مَيِّتَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ سَكْرَى خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَقَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضَاعٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقَعُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ رَضَاعٌ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَقُولَ فِي لَبَنِ مُؤْمِنَةٍ: إنَّهُ نَجِسٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجَسُ» وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي حَالِ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ سَوَاءٌ، هُوَ طَاهِرٌ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، وَلَبَنُ الْمَرْأَةِ بَعْضُهَا، وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ، إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الطَّهَارَةِ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ - ثُمَّ يَرَى لَبَنَ الْكَافِرَةِ طَاهِرًا يُحَرِّمُ، وَهُوَ بَعْضُهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَبَعْضُ النَّجِسِ نَجِسٌ بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ لَبَنَ الْكَافِرَةِ نَجِسٌ بِلَا شَكٍّ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِرْضَاعَ الْكَافِرَةِ؟

مسألة لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات

قُلْنَا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْأُمِّ رَضَاعَ وَلَدِهَا، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكُونُ لَنَا أَوْلَادٌ مِنْهُنَّ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . إلَّا أَنَّنَا نَقُولُ: إنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَنَا اسْتِرْضَاعُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا أُبِيحَ لَنَا اتِّخَاذُهُنَّ أَزْوَاجًا وَطَلَبُ الْوَلَدِ مِنْهُنَّ فَبَقِيَ لَبَنُهَا عَلَى النَّجَاسَةِ جُمْلَةً -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَقُولُ: لَوْ خَالَطَ لَبَنُ الْمُرْضِعَةِ دَمٌ ظَاهِرٌ مِنْ فَمِ الْمُرْضَعِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا يُحَرِّمُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّجِسَ، وَالْحَرَامَ إذَا خَالَطَهُمَا الطَّاهِرُ الْحَلَالُ فَإِنَّ الطَّاهِرَ طَاهِرٌ، وَالنَّجِسَ نَجِسٌ، وَالْحَلَالَ حَلَالٌ، وَالْحَرَامَ حَرَامٌ، فَالْمُحَرَّمُ هُوَ اللَّبَنُ لَا مَا خَالَطَهُ مِنْ حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَبَنُ الْمُشْرِكَةِ إنَّمَا يَنْجَسُ هُوَ وَهِيَ بِذَلِكَ؛ لِدِينِهَا النَّجِسِ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ لَطَهُرَتْ كُلُّهَا، فَلِإِرْضَاعِهَا حُكْمُ الْإِرْضَاعِ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ] 2019 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ، تُقْطَعُ كُلُّ رَضْعَةٍ مِنْ الْأُخْرَى - أَوْ خَمْسُ مَصَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَذَلِكَ - أَوْ خَمْسٌ مَا بَيْنَ مَصَّةٍ وَرَضْعَةٍ، تُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْرَى - هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَصَّةُ تُغْنِي شَيْئًا مِنْ دَفْعِ الْجُوعِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُ شَيْئًا. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ -: فَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ: أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ إلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ لَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ بِهِ إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ أُخْتِهَا بِنْتِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَهِيَ تُرْضِعُ فَقَالَتْ: أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ سَالِمٌ: فَأَرْضَعَتْنِي ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ فَلَمْ تُرْضِعْنِي، فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرًا مِنْ الرَّضَعَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ

الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَتْ عَاصِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ إلَى أُخْتِهَا فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَرَ تُرْضِعُهُ عَشْرَ رَضَعَاتٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهَا - وَهُوَ صَغِيرٌ - فَفَعَلَتْ، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا هُوَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ فِرَاسٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الرَّضَاعِ فَقَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَرَى شَيْئًا دُونَ عَشْرِ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ عُرْوَةَ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَ بِهِ الَّذِي اسْتَفْتَاهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا: سَبْعَ رَضَعَاتٍ -: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ أَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّمَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ سَبْعُ رَضَعَاتٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَوَّلُ عَنْهَا أَصَحُّ، وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي الْخَلِيلِ، وَمِنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ. كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ صَبِيٍّ شَرِبَ قَلِيلًا مِنْ لَبَنِ امْرَأَةٍ فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَا تُحَرِّمُ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ أَوْ خَمْسٍ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: لَا تُحَرِّمُ دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهَا كَمَا كَانَتْ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ، وَلِغَيْرِهَا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ -: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ

حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالثَّلَاثُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَا يُحَرِّمُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ رَضَعَاتٍ - وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْلَى أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا جَمِيعًا: لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّضَاعِ؟ فَقَالَ: لَا أَقُولُ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، كَانَا يَقُولَانِ: لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ بِالثَّلَاثِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، وَأَخْصَبَ الْجِسْمَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أرنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي - يَعْنِي عَبْدَ الْوَارِثِ - أَنَا حُسَيْنٌ - هُوَ الْمُعَلِّمُ - أَنَا مَكْحُولٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَيْسَ بِالْمَصَّةِ وَلَا بِالْمَصَّتَيْنِ بَأْسٌ، إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ثَوْرٍ - هُوَ أَبُو زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ: مَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مِنْهَا: الضِّرَارُ، وَالْعُفَافَةُ وَالْمَلْجَةُ. وَالضِّرَارُ - أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَيْنِ كَيْ تُحَرِّمَ بَيْنَهُمَا. وَالْعُفَافَةُ - الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الَّذِي يَبْقَى فِي الثَّدْيِ. وَالْمُلْجَةُ - اخْتِلَاسُ الْمَرْأَةِ وَلَدَ غَيْرِهَا فَتُلْقِمُهُ ثَدْيَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى بِغُلَامٍ

وَجَارِيَةٍ - أَرَادُوا أَنْ يُنَاكِحُوا بَيْنَهُمَا - قَدْ عَلِمُوا أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْ أَحَدَهُمَا؟ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: كَيْفَ أَرْضَعْتِ الْآخَرَ؟ قَالَتْ: مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ يَبْكِي فَأَرْضَعَتْهُ أَوْ قَالَتْ: فَأَمْصَصْتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: نَاكِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ الْخَصَابَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَسْلَمِيِّ: أَنَّهُ اسْتَفْتَى أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا يُحَرِّمُ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ - يَعْنِي مِنْ الرَّضَاعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ - وَبِهِ يُؤْخَذُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا نَصَّ الْحَدِيثُ -: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْوَادِعِيِّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَا رَضَاعَ إلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالدَّمَ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَلَوْ بِقَطْرَةٍ - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعًا دُونَهُمَا. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ أَيْضًا. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَعُرْوَةَ، وَطَاوُسٍ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَقَتَادَةَ، وَرَبِيعَةَ وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.

فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى سَبْعِ رَضَعَاتٍ، فَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقًا، فَسَقَطَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى عَشْرِ رَضَعَاتٍ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا كُتِبَ بِهِ إلَى أَبُو الْمُرَجَّى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَرْوَازٍ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ الرَّحَبِيُّ أَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ قَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: أَنَا أَبِي أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ أَنَا أُبَيٌّ - هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ سَالِمًا كَانَ مِنَّا حَيْثُ عَلِمْت كُنَّا نَعُدُّهُ وَلَدًا، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: أَنْكَرْتُ وَجْهَ أَبِي حُذَيْفَةَ، إذْ رَآهُ يَدْخُلُ عَلَيَّ قَالَ: فَأَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ لِيَدْخُلْ عَلَيْك كَيْفَ شَاءَ، فَإِنَّمَا هُوَ ابْنُك. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: أَحَدُهُمَا - أَنْ يَكُونَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهِمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ - وَهُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ - فَقَالَ فِيهِ: أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ - عَلَى مَا نُورِدُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ. أَوْ يَكُونُ مَحْفُوظًا فَتَكُونُ رِوَايَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ صَحِيحَةً وَرِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ صَحِيحَةً فَيَكُونَانِ خَبَرَيْنِ اثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَالْعَشْرُ الرَّضَعَاتُ مَنْسُوخَاتٌ عَلَى مَا نُورِدُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ، إذْ لَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ وَهْمًا، أَوْ مَنْسُوخًا، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ حَرَّمَ بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ لَا بِأَقَلَّ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى.

مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَمِعَهُ مِنْهَا، وَمِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا، فَحَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ، وَهُوَ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ الْمَشْهُورُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ أَنَا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ - أَنَا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَتَبْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَسْأَلُهُ عَنْ الرَّضَاعِ؟ فَكَتَبَ: إنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيَّ حَدَّثَنَا أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: «لَا تُحَرِّمُ الْخَطْفَةُ وَلَا الْخَطْفَتَانِ» . وَمِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ النَّسَائِيّ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الزُّبَيْرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ النَّسَائِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أُبَيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ابْنُ الزُّبَيْرِ سَمِعَ أَبَاهُ، وَخَالَتَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَوَاهُ عَنْ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَهُ أَيْضًا صُحْبَةٌ، وَإِلَّا فَلْيُخْبِرْنَا الْمُقْدِمُ عَلَى نَصْرِ الْبَاطِلِ، وَدَفْعِ الْحَقِّ، وَمُؤْثِرُ

رَأْيِهِ عَلَى مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَتَّهِمُ مِنْ رُوَاةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ؟ . وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ أَنَا يَعْقُوبُ هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ - أَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا يُحَرِّمُ مِنْهُ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ مِنْ اللَّبَنِ» . وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُمِّ الْفَضْلِ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ كُلُّهُمْ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - قَالَ: أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ - هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ - هُوَ ابْنُ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّم الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ، وَلَا الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ أَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . وَنَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ

أَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» . قَالُوا: فَهَذِهِ آثَارٌ صِحَاحٌ رَوَاهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُمُّ الْفَضْلِ، وَالزُّبَيْرُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَتْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ قَالُوا: فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَبَقِيَ مَا زَادَ عَلَى التَّحْرِيمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَدَقُوا فِي أَنَّهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُهَا لَكَانَ الْقَوْلُ مَا قَالُوا لَكِنْ قَدْ جَاءَ غَيْرُ هَذَا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ الْآنَ إنْ شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يُحِدَّ الْمُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا بِمَا أَغْنَى مِنْ الْجُوعِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: اُنْظُرْنَ مِنْ إخْوَتِكُنَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَزَائِدَةَ، كُلِّهِمْ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» . وَقَدْ أَوْرَدْنَا أَيْضًا قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ» .

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَالْحُجَّةُ بِهِمَا قَائِمَةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ؟ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: نَزَلَ الْقُرْآنُ أَنْ لَا يُحَرِّمَ إلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ وَخَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ هَذَا لَفْظُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَلَفْظُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَتْ " كَانَ مِمَّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ وَخَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ ". وَمِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ " كَانَ فِيمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ ". وَرُوِّينَا أَيْضًا - مَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُلَيْمَانُ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ

عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا وَهُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] فَرُدُّوا إلَى آبَائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَبٌ فَمَوْلَى وَأَخٌ فِي الدِّينِ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَيَرَانِي فَضْلًا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ» فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ خَبَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَجَلَالَةِ الرُّوَاةِ وَثِقَتِهِمْ، وَلَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُمَا. وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ يُبَيِّنُ وَهْمَ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ لِهَذَا الْخَبَرِ، فَذَكَرَ فِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ أَوْ نَسَخَهُ، إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْتَاهَا بِالْعَشْرِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ التَّحْرِيمُ بِالْخَمْسِ، ثُمَّ أَفْتَاهَا بِالْخَمْسِ بَعْدَ نُزُولِهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إلَّا بَعْضُ سَاعَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ التَّحْرِيمَ بِقَلِيلِ الرَّضَاعَةِ وَكَثِيرِهَا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] قَالُوا: فَعَمَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَخُصَّ. ثُمَّ ذَكَرُوا آثَارًا صِحَاحًا -: مِثْلَ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ» . «وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ: إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ» . «وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي عَمِّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ: إنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ، وَفِي عَمِّ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَرَى فُلَانًا - يَعْنِي عَمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ» .

وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي أَمْرِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَجَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، كُلِّهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا إلَّا " أَرْضِعِيهِ " فَقَطْ دُونَ ذِكْرِ عَدَدٍ. وَذَكَرُوا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ وَلَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ» قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُلِّ ذَلِكَ عَدَدًا. وَذَكَرُوا مِمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ -: خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ؟ فَقَالَ: الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذَا الْخَبَرُ، فَخَبَرُ سُوءٍ مَوْضُوعٌ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ فَسَاقِطٌ لَا يُرْوَى عَنْهُ، قَدْ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ، فَلَا مَعْنَى لَأَنْ يُشْتَغَلَ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَقٌّ، لَكِنْ لَمَّا جَاءَتْ رِوَايَةُ الثِّقَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا بِأَنَّهُ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُحَرِّمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ: كَانَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ زَائِدَةً عَلَى مَا فِي تِلْكَ الْآيَةِ، وَفِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ، وَكَانَتْ

رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِ أَبِي حُذَيْفَةَ " أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، هِيَ زَائِدَةً عَلَى رِوَايَةِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَابْنُ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُ زِيَادَتِهِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا. وَقَدْ فَعَلَ الْمُخَالِفُونَ لَنَا مِثْلَ هَذَا حَيْثُ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ، وَحَيْثُ لَا يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ -: كَتَرْكِهِمْ عُمُومَ الْقُرْآنِ فِي قَطْعِ السَّارِقِ لِرِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ فِي الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ وَلِرِوَايَةٍ صَالِحَةٍ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ. وَكَزِيَادَةِ الْمَالِكِيِّينَ التَّدَلُّكَ فِي الْغُسْلِ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِ نَصٍّ، وَكَزِيَادَةِ الْحَنَفِيِّينَ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ، وَمِنْ الرُّعَافِ، وَالْقَيْءِ لِرِوَايَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَتَرْكُ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَرْوِيهَا الْعَدْلُ خَطَأٌ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ فَمَنْ خَالَفَهَا فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَاعْتَرَضُوا بِالْآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ بِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَضَاعَاتٌ مُحَرِّمَاتٌ، وَلِسَائِرِ النِّسَاءِ رَضَاعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، ثُمَّ تُرِكَ ذَلِكَ بَعْدُ. وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ سَبْعِ رَضَعَاتٍ ثُمَّ صَارَ إلَى خَمْسٍ - وَقَالَ طَاوُسٌ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَحَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرٌ جَاءَ بِالتَّحْرِيمِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ تُحَرِّمُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى صَاحِبٍ فَضْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلُ هَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ بِالنَّسْخِ بِظَنِّ تَابِعِيٍّ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَوْلُ الرَّاوِي: فَمَاتَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَوْلٌ مُنْكَرٌ، وَجُرْمٌ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُجَوِّزَ أَحَدٌ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ . فَقُلْنَا: لَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُمْ إنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِ لِمَا ذَكَرْتُمْ،

ثُمَّ - إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَاتَ وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مَعَ الْقُرْآنِ بِحُرُوفِ الْجَرِّ يُبْدَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي بَطَلَ أَنْ يُكْتَبَ فِي الْمَصَاحِفِ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ، كَآيَةِ الرَّجْمِ سَوَاءً سَوَاءً - فَبَطَلَ اعْتِرَاضُهُمْ الْمَذْكُورُ. وَاعْتَرَضُوا عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي فِيهِ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» بِأَنْ قَالُوا: هُوَ خَبَرٌ مُضْطَرِبٌ فِي سَنَدِهِ، فَمَرَّةً عَنْ عَائِشَةَ، وَمَرَّةً عَنْ الزُّبَيْرِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ أَنْ يُرْوَى مِنْ طُرُقٍ، وَمَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا فِي الْآثَارِ إلَّا جَاهِلٌ بِمَا يَجِبُ فِي قَوْلِ النَّقْلِ الثَّابِتِ؛ لِأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، إنَّمَا هُوَ دَعْوَى فَاسِدَةٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ يَعِيبُونَ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ بِنَقْلِهَا مَرَّةً عَنْ صَاحِبٍ، وَمَرَّةً عَنْ آخَرَ، ثُمَّ لَا يُفَكِّرُ الْحَنَفِيُّونَ فِي أَخْذِهِمْ بِحَدِيثِ أَيْمَنَ فِيمَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ، وَهُوَ حَدِيثٌ سَاقِطٌ مُضْطَرِبٌ فِيهِ أَشَدُّ الِاضْطِرَابِ. وَلَا يُفَكِّرُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَخْذِهِمْ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ رُبُعِ الدِّينَارِ. وَفِي الصَّدَقَةِ فِي الْفِطْرِ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ، وَكِلَاهُمَا أَشَدُّ اضْطِرَابًا مِنْ خَبَرِ الرَّضْعَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِمَا أَمْكَنَهُمْ. وَقَالُوا: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَدُ رُوَاةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ لَا يُحَرِّمُ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ لَا رَأْيِهِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَعْرُوفِ بِ " الْإِعْرَابِ " اضْطِرَابَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَأَخْذَهُمْ بِرِوَايَةِ الرَّاوِي وَتَرْكَهُمْ لِرَأْيِهِ فِي خِلَافِهِ لِمَا رَوَاهُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا - اعْتِرَاضَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْغَثَاثَةِ، لَا يَخْفَى سُقُوطُهَا عَلَى ذِي فَهْمٍ، عُمْدَتُهَا مَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -. فَوَجَبَ الْأَخْذ بِهَذِهِ الْأَخْبَار، وَلَمَّا كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَلَا الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» عَلِمْنَا أَنَّ الْمَصَّةَ غَيْرُ الرَّضْعَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قُلْنَا: إنَّ اسْتِنْفَادَ الرَّاضِعِ مَا فِي الثَّدْيَيْنِ مُتَّصِلًا رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّ الْمَصَّةَ لَا تُحَرِّمُ، إلَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّهَا قَدْ سَدَّتْ مَسَدًّا مِنْ الْجُوعِ وَلَا يُوقَنُ بِوُصُولِهَا إلَى الْأَمْعَاءِ، وَأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي لَا يَسُدُّ مَسَدًّا مِنْ الْجُوعِ، وَلَا يُوقَنُ بِوُصُولِهِ إلَى الْأَمْعَاءِ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة رضاع الكبير محرم

[مَسْأَلَةٌ رَضَاعُ الْكَبِيرِ مُحَرِّمٌ] مَسْأَلَةٌ: وَرَضَاعُ الْكَبِيرِ مُحَرِّمٌ - وَلَوْ أَنَّهُ شَيْخٌ يُحَرِّمُ - كَمَا يُحَرِّمُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ وَلَا فَرْقَ؟ وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ فِي الصِّغَرِ وَلَا يُحَرِّمُ فِي الْكِبْرِ، وَلَمْ يَحُدُّوا حَدًّا فِي ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَاشَ عَائِشَةَ وَحْدَهَا كُنَّ يَرَيْنَ رَضَاعَ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ خَاصَّةً لَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَرَيْنَ: لَا يُحَرِّمُ إلَّا رَضَاعُ الصَّغِيرِ، لَا رَضَاعُ الْكَبِيرِ، دُونَ أَنْ يَرِدَ عَنْهُنَّ فِي ذَلِكَ حَدٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ - فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ رَضَاعَةُ الصَّغِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا أُرْضِعَ فِي الصِّغَرِ، وَلَا رَضَاعَةَ لِكَبِيرٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ حَدَّثَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَبَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِالرَّضَاعَةِ أَحَدٌ حَتَّى رَضَعَ فِي الْمَهْدِ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَهْدِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفِطَامِ فَلَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُئِلَتْ: هَلْ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْفِطَامِ؟ قَالَتْ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْوَادِعِيِّ أَنَّ رَجُلًا مَصَّ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَتِهِ فَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ فَسَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكَ امْرَأَتُك، ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو عَطِيَّةَ - وَنَحْنُ عِنْدَهُ -: فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: أَرَضِيعًا تَرَى هَذَا؟ إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ. فَتَبَيَّنَ هَاهُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُحَرِّمُ مُدَّةَ تَغَذِّي الرَّضِيعِ بِاللَّبَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ - هُوَ ابْنُ سَبْرَةَ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالُوا: لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ - قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: الرَّضَاعُ بَعْدَ الْفِطَامِ مِثْلُ الْمَاءِ يَشْرَبُهُ. وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ: إنْ فُطِمَ وَلَهُ عَامٌ وَاحِدٌ وَاسْتَمَرَّ فِطَامُهُ ثُمَّ رَضَعَ فِي

الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ هَذَا الرَّضَاعُ الثَّانِي شَيْئًا، وَقَالَ: فَإِنْ تَمَادَى رَضَاعُهُ وَلَمْ يُفْطَمْ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ وَإِنْ تَمَادَى الرَّضَاعُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَا رَضَاعَ إلَى مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، وَأَمَّا مَا رُضِعَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَعْوَامِ فَلَا يُحَرِّمُ - وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَى مَا كَانَ فِي عَامَيْنِ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ فِي عَامَيْنِ وَشَهْرَيْنِ، فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُحَرِّمْ - وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ -: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْمَذْكُورِينَ، وَلَا مَعَهُمْ، إلَّا مَنْ قَلَّدَهُمْ اتِّبَاعًا لِهَوَاهُمْ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتْنَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الرَّضَاعُ بَعْدَهُمَا فَلَا يُحَرِّمُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا رَضَاعَ إلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ.

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الرَّضَاعَةِ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهِيَ تُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: مَا كَانَ مِنْ سَعُوطٍ، أَوْ وَجُورٍ أَوْ رَضَاعٍ فِي الْحَوْلَيْنِ فَهُوَ يُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْهُ فِي مَوْطِئِهِ الَّذِي قُرِئَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَاتَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إرْضَاعُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ يُحَرِّمُ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ أَبِي مُوسَى وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ مَوْلَى الْأَشْجَعِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي أَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَقَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْت بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَا تَنْكِحُهَا وَنَهَاهُ عَنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ «عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَضَاعِ الْكَبِيرِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِحَدِيثِ أَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ بِأَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ - وَهُوَ كَبِيرٌ - فَفَعَلَتْ، فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا لَهَا، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ، وَبَنَاتِ أَخِيهَا يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ الرِّجَالِ.» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:

سَقَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ لَبَنِهَا بَعْدَ مَا كُنْت رَجُلًا كَبِيرًا أَفَأَنْكِحُهَا؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَذَلِكَ رَأْيُك؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتِ أَخِيهَا - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ، فَلَا خَفَاءَ بِفَسَادِهَا، إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ فِي النَّهَارِ: إنَّهُ لَيْلٌ، مُكَابَرَةً وَنَصْرًا لِلْبَاطِلِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَفْتُونِينَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَاهُنَا حَوْلَيْنِ نَاقِصَيْنِ، وَأَشَارَ إلَى عَدَدِهَا بِالشَّمْسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَجَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ مُخَالَفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُكَابَرَةَ الْحِسِّ: أَمَّا مُخَالَفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36] . فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَهُ هِيَ الَّتِي مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، وَأَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ الْقَمَرِيَّةِ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ الدِّينَ الْقَيِّمَ، وَنَسَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْكَذِبَ مِنْ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُرَاعَى عَدَدَ الْحَوْلَيْنِ بِالْعَجَمِيَّةِ. وَأَمَّا مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ - فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَوْلَيْنِ الْأَعْجَمِيَّيْنِ الْمَعْدُودَيْنِ بِالشَّمْسِ وَقَطْعِهِمَا لِلْفُلْكِ وَبَيْنَ الْحَوْلَيْنِ الْعَرَبِيَّيْنِ الْمَعْدُودَيْنِ بِالْقَمَرِ إلَّا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ شَهْرَيْنِ لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَتَتْ، وَالْقَطْعُ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ فِي الْمَهْدِ - فَكَلَامٌ أَيْضًا لَا تَقُومُ بِصِحَّتِهِ حُجَّةٌ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ - فَإِنَّ الصِّغَرَ يَتَمَادَى إلَى بُلُوغِ الْحُلُمِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ، وَلَا الْفَرَائِضُ - وَهَذَا حَدٌّ لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ.

وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِالْفِطَامِ - فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ فِي التَّحْرِيمِ إذْ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرٌ، وَلَا فِي تَرَاضِيهِمَا بِالْفِصَالِ تَحْرِيمٌ؛ لَأَنْ يَرْتَضِعَ الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ، إنَّمَا فِيهَا انْقِطَاعُ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْأَبِ فِي الرَّضَاعِ، وَلَيْسَ بِانْقِطَاعِ حَاجَةِ الصَّبِيِّ إلَى الرَّضَاعِ يَنْقَطِعُ التَّحْرِيمُ بِرَضَاعِهِ - إنْ رَضَعَ - إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ لَمْ تَسْمَعْ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَسَنُّ مِنْ زَوْجِهَا هِشَامٍ بِاثْنَيْ عَشْرَ عَامًا وَكَانَ مَوْلِدُ هِشَامٍ سَنَةَ [60 هـ] سِتِّينَ، فَمَوْلِدُ فَاطِمَةَ عَلَى هَذَا سَنَة [48 هـ] ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ، وَمَاتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَنَةَ [59 هـ] تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَفَاطِمَةُ صَغِيرَةٌ لَمْ تَلْقَهَا، فَكَيْفَ أَنْ تَحْفَظَ عَنْهَا، وَلَمْ تَسْمَعْ مِنْ خَالَةِ أَبِيهَا عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا - وَهِيَ فِي حِجْرِهَا - إنَّمَا أَبْعَدُ سَمَاعِهَا مِنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِخَبَرَيْنِ سَاقِطَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» . وَالْآخَرُ - مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ أَيْضًا عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا وَفِيهِ: وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ.

وَهَذَانِ خَبَرَانِ لَا يَجُوزُ التَّشَاغُلُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ جُوَيْبِرًا سَاقِطٌ، وَالضَّحَّاكَ ضَعِيفٌ وَحَرَامَ بْنَ عُثْمَانَ هَالِكٌ بِمُرَّةٍ - فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَسَقَطَتْ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا إلَّا قَوْلَ مَنْ رَاعَى الْحَوْلَيْنِ، وَقَوْلَ مَنْ لَمْ يُرَاعِ فِي ذَلِكَ حَدًّا أَصْلًا، فَنَظَرْنَا فِيمَنْ رَاعَى الْحَوْلَيْنِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] . وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] . وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] . فَقَالُوا: قَدْ قَطَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ فِصَالَ الرَّضِيعِ فِي عَامَيْنِ، وَأَنَّ رَضَاعَهُ حَوْلَانِ كَامِلَانِ؛ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ. قَالُوا: فَلَا رَضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ قَدْ تَمَّتْ، وَإِذَا انْقَطَعَ الرَّضَاعُ انْقَطَعَ حُكْمُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْنَا الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ غَيْرُ هَذَا لَكَانَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ مُتَعَلَّقٌ، لَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَى وَجْهَ أَبِي

حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ خَلِيفُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِيعِيهِ، فَقَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ» . وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ. أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ - هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ - عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ - يَعْنِي سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ - إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبُ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» . وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا غُنْدَرٌ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْك الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ إنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَالَمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ - وَهُوَ رَجُلٌ - وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ سَالِمًا كَانَ يُدْعَى ابْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فَضْلٌ وَنَحْنُ فِي مَنْزِلٍ ضَيِّقٍ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِي سَالِمًا تَحْرُمِي عَلَيْهِ.» قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَدْرِي لَعَلَّ هَذِهِ كَانَتْ رُخْصَةً لِسَالِمٍ خَاصَّةً - قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي بِأَنَّهُ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْفِصَالِ حَتَّى مَاتَتْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَتُبَيِّنُ مُرَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ أَنَّ الرَّضَاعَةَ الَّتِي تَتِمُّ بِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ، أَوْ بِتَرَاضِي الْأَبَوَيْنِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، إذَا رَأَيَا فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِلرَّضِيعِ أَنَّهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْمُرْضِعَةِ، وَاَلَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْأَبَوَانِ أَحَبَّا أَمْ كَرِهَا. وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ فِي الْآيَةِ كِفَايَةٌ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] . فَأَمَرَ تَعَالَى الْوَالِدَاتِ بِإِرْضَاعِ الْمَوْلُودِ عَامَيْنِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَحْرِيمُ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّ التَّحْرِيمَ يَنْقَطِعُ بِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ. وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى فِي حَوْلَيْنِ وَلَا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ زَائِدًا عَلَى الْآيَاتِ الْأُخَرِ، وَعُمُومًا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِنَصٍّ يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُخَصِّصٌ لَهُ لَا بِظَنٍّ، وَلَا بِمُحْتَمَلٍ لَا بَيَانَ فِيهِ. وَكَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ قَدْ جَاءَتْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ رَوَاهَا نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَوْرَدْنَا، وَسَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ مِنْ التَّابِعِينَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَحُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الزُّهْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، وَيَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةُ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَشُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَمَعْمَرٌ، وَغَيْرُهُمْ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ: الْجَمَّاءُ الْغَفِيرُ، فَهُوَ نَقْلُ كَافَّةٍ لَا يَخْتَلِفُ مُؤَالِفٌ وَلَا مُخَالِفٌ فِي صِحَّتِهِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: هُوَ خَاصٌّ لِسَالِمٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَعْلَمْ مَنْ تَعَلَّقَ بِهَذَا أَنَّهُ ظَنٌّ مِمَّنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْهُنَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -.

وَهَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ قُلْنَ: مَا نَرَى هَذَا إلَّا خَاصًّا لِسَالِمٍ، وَمَا نَدْرِي لَعَلَّهُ رُخْصَةٌ لِسَالِمٍ، فَإِذْ هُوَ ظَنٌّ بِلَا شَكٍّ، فَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُعَارَضُ بِالسُّنَنِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] . وَشَتَّانَ بَيْنَ احْتِجَاجِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِاخْتِيَارِهَا وَبَيْنَ احْتِجَاجِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، وَقَوْلُهَا لَهَا: أَمَا لَك فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ وَسُكُوتُ أُمِّ سَلَمَةَ يُنْبِئُ بِرُجُوعِهَا إلَى الْحَقِّ عَنْ احْتِيَاطِهَا. وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَائِبِ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَاهُنَا يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرْضَعْنَ الْكَبِيرَ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَكَانَ ذَلِكَ لَهُنَّ خَاصَّةً. وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِنَسْخِ التَّبَنِّي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَصٍّ ثَابِتٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ، إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ مُبَيَّنٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ، فَكَيْفَ وَقَوْلُ سَهْلَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ بَيَانٌ جَلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَبِالْيَقِينِ نَدْرِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَاصَّةً لِسَالِمٍ، أَوْ فِي التَّبَنِّي الَّذِي نُسِخَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا بَيَّنَ لِأَبِي بُرْدَةَ فِي الْجَذَعَةِ إذْ قَالَ لَهُ تُجْزِئُك وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا يُطْلِقُ بِهِ لِسَانَهُ: كَيْفَ يَحِلُّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَرْضِعَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا اعْتِرَاضٌ مُجَرَّدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَمَرَ بِذَلِكَ، وَالْقَائِلُ بِهَذَا لَا يَسْتَحْيِ مِنْ أَنْ يُطْلِقَ: أَنَّ لِلْمَمْلُوكَةِ أَنْ تُصَلِّيَ عُرْيَانَةً يَرَى النَّاسُ ثَدْيَيْهَا وَخَاصِرَتَهَا، وَأَنَّ لِلْحُرَّةِ أَنْ تَتَعَمَّدَ أَنْ تَكْشِفَ مِنْ شَفَتَيْ فَرْجِهَا مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ تُصَلِّي كَذَلِكَ وَيَرَاهَا الصَّادِرُ وَالْوَارِدُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تَكْشِفَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ بَطْنِهَا كَذَلِكَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَدَمِ الْحَيَاءِ وَقِلَّةِ الدِّينِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» حُجَّةٌ لَنَا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فِي طَرْدِ الْمَجَاعَةِ نَحْوَ مَا لِلصَّغِيرِ، فَهُوَ عُمُومٌ لِكُلِّ رَضَاعٍ إذَا بَلَغَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة حملت امرأة ممن يلحق ولدها به فدر لها اللبن

قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْكَبِيرُ إذَا أَرْضَعَتْهُ فِي حَالِ كِبَرِهِ أُخْتٌ مِنْ أَخَوَاتِهَا الرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَقْطَعُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُبِيحَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْتَهِكُهُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] . فَنَحْنُ نُوقِنُ وَنَبُتُّ بِأَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَلَيْسَ فِي امْتِنَاعِ سَائِرِهِنَّ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ شَيْءٌ يُنْكَرُ؛ لِأَنَّ مُبَاحًا لَهُنَّ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الدُّخُولُ عَلَيْهِنَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ مِمَّنْ يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِهِ فَدُرَّ لَهَا اللَّبَنُ] 2021 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ مِمَّنْ يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِهِ فَدُرَّ لَهَا اللَّبَنُ، ثُمَّ وَضَعَتْ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا آخَرُ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَلَكَهَا آخَرُ، فَمَا أَرْضَعَتْ فَهُوَ وَلَدٌ لِلْأَوَّلِ لَا لِلثَّانِي، فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي فَتَمَادَى اللَّبَنُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَإِنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ الْأَوَّلِ وَصَارَ لِلثَّانِي [وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] .

كتاب الدماء والقصاص والديات

[كِتَابُ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ] [مَسْأَلَةٌ قَتْلُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كِتَابُ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ 2022 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا ذَنْبَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ شَيْئَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - تَعَمُّدُ تَرْكِ صَلَاةِ فَرْضٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا. الثَّانِي - قَتْلُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ. أَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ ". وَأَمَّا الْقَتْلُ - فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] . وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَلِيٌّ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ - أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» .

مسألة القتل قسمان عمد وخطأ

قَالَ الْبُخَارِيُّ: ونا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبِ أَنَا إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ - عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " إنَّ مَنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا: سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ ". [مَسْأَلَةٌ الْقَتْلُ قِسْمَانِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ] 2023 - مَسْأَلَةٌ: وَالْقَتْلُ قِسْمَانِ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْنَا آنِفًا، فَلَمْ يَجْعَلْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَتْلِ قِسْمًا ثَالِثًا - وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَاهُنَا قِسْمًا ثَالِثًا، وَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ - وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ نَصٌّ أَصْلًا، وَقَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَ تِلْكَ الْآثَارِ فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. مَعَ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ هُمْ مُخَالِفُونَ لِتِلْكَ الْآثَارِ السَّاقِطَةِ الَّتِي مَوَّهُوا بِهَا فِيمَا فِيهَا مِنْ صِفَةِ الدِّيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ - وَهُوَ عِنْدَهُمْ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - مَا تَعَمَّدَ بِهِ الْمَرْءُ مِمَّا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ - وَقَدْ لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عَمْدٌ وَفِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ، كَمَا فِي سَائِرِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وَالثَّانِي - مَا تَعَمَّدَ بِهِ مِمَّا لَا يَمُوتُ أَحَدٌ أَصْلًا مِنْ مِثْلِهِ، فَهَذَا لَيْسَ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ - وَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ فَقَطْ. وَمِنْ عَجَائِبِ الْأَقْوَالِ هَاهُنَا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: مَنْ أَخَذَ حَجَرًا مِنْ قِنْطَارٍ فَضَرَبَ مُتَعَمِّدًا رَأْسَ مُسْلِمٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِهِ حَتَّى شَدَخَ رَأْسَهُ كُلَّهُ: فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ قَتْلَ عَمْدٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ رَأْسِهِ بِعُودٍ غَلِيظٍ حَتَّى يَكْسِرَهُ كُلَّهُ وَيُسِيلَ دِمَاغَهُ وَيَمُوتَ وَلَا فَرْقَ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ مَنْ ضَرَبَ بِيَدِهِ فِي فَخْذِ مُسْلِمٍ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ إثْرَ الضَّرْبَةِ -: فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَيُقْتَلُ الضَّارِبُ. وَسَمَاعُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَكْفِي مِنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَالْخَطَأُ مَنْ رَمَى شَيْئًا فَأَصَابَ مُسْلِمًا لَمْ يُرِدْهُ بِمَا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَمَاتَ الْمُصَابُ، أَوْ وَقَعَ عَلَى مُسْلِمٍ فَمَاتَ مِنْ وَقْعَتِهِ - فَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ قَتْلُ خَطَأٍ لَا قَوَدَ فِيهِ. أَوْ قَتَلَ فِي دَارٍ الْحَرْبِ إنْسَانًا يَرَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَإِذَا بِهِ مُسْلِمٌ، أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا مُتَأَوِّلًا غَيْرَ مُقَلِّدٍ - وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ فَإِذَا بِهِ عَلَى الْخَطَأِ. بُرْهَانُ قَوْلِنَا فِي الْقَاتِلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . " مِنْ " هَاهُنَا بِمَعْنَى " فِي " لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ قَوْمًا كُفَّارًا حَرْبِيِّينَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ خَطَأً: فَإِنَّ فِيهِ الدِّيَةَ لِوَلَدِهِ، وَالْكَفَّارَةَ - فَصَحَّ بِذَلِكَ مَا قُلْنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الْمُتَأَوِّلُ - فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ - سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ، وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَلَا شَكَّ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوهُ مُتَأَوِّلِينَ أَنَّ لَهُمْ قَتْلَهُ - وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِنْ النَّصِّ ثُمَّ قَتَلَ مُتَمَادِيًا عَلَى تَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ، الْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ، أَوْ عَلَى تَقْلِيدِ مَنْ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَهَذَا الْخَبَرُ زَائِدٌ عَلَى خَبَرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَخَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَتْلِ خَالِدٍ مَنْ قَتَلَ مِنْ بَنِي خُذَيْمَةَ مُتَأَوِّلًا - وَفِي قَتْلِ أُسَامَةَ: الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ - وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا.

مسألة لا قود على مجنون ولا على سكران

[مَسْأَلَةٌ لَا قَوَدَ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا عَلَى سَكْرَانَ] مَسْأَلَةٌ: وَلَا قَوَدَ عَلَى مَجْنُونٍ فِيمَا أَصَابَ فِي جُنُونِهِ، وَلَا عَلَى سَكْرَانَ فِيمَا أَصَابَ فِي سُكْرِهِ - الْمُخْرِجِ لَهُ مِنْ عَقْلِهِ - وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ: دِيَةٌ، وَلَا ضَمَانٌ، وَهَؤُلَاءِ وَالْبَهَائِمُ سَوَاءٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي " الطَّلَاقِ " وَغَيْرِهِ مِنْ الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي رَفْعِ الْقَلَمِ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَالسَّكْرَانِ لَا يَعْقِلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا «خَبَرَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا لَوْ قَالَهُ فِي صِحَّتِهِ لَخَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَعَقْرُهُ نَاقَتَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ مَلَامَةً وَلَا غَرَامَةً» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا شَاءَ وَاحِدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا أَوْ يُفْسِدَ مَالَهُ إلَّا تَسَاكَرَ حَتَّى يَبْلُغَ مَا يُرِيدُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَقُولُوا هَذَا الْكَلَامَ فِي الْمَجْنُونِ، فَقُولُوا: لَوْ كَانَ هَذَا لَمَا شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا، أَوْ يُتْلِفَ مَالَهُ إلَّا تَحَامَقَ وَتَجَنَّنَ، حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُرِيدُ وَلَا فَرْقَ. فَقَالُوا: وَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ سَكْرَانُ؟ فَقُلْنَا: وَمَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْحَقُّ الْمُتَيَقَّنُ فِي هَذَا: أَنَّ الْأَحْكَامَ لَازِمَةٌ لِكُلِّ بَالِغٍ حَتَّى يُوقَنَ أَنَّهُ ذَاهِبُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ. وَأَمَّا مَا لَمْ يُوقَنْ ذَلِكَ - فَالْأَحْكَامُ لَهُ لَازِمَةٌ وَحَالُ ذَهَابِ الْعَقْلِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يُشَاهِدُهُ، وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ عَلَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ السَّكْرَانُ بِارْتِدَادِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ - وَهَذَا أَشْنَعُ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ. فَإِنْ قَالُوا: فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فِي ذَلِكَ دِيَةً؟ قُلْنَا: لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَأَمْوَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ حَرَامٌ بِغَيْرِ نَصٍّ، كَتَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ وَلَا فَرْقَ وَلَا نَصَّ فِي وُجُوبِ غَرَامَةٍ عَلَيْهِمْ أَصْلًا. وَجَاءَتْ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ آثَارٌ -:

أَمَّا الصَّبِيُّ - فَجَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَثَرٌ بِأَنَّ سِتَّةَ صِبْيَانٍ تَغَاطُّوا فِي النَّهْرِ فَغَرَقَ أَحَدُهُمْ فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَشَهِدَ الثَّلَاثَةُ عَلَى الِاثْنَيْنِ، فَجَعَلَ عَلِيٌّ عَلَى الِاثْنَيْنِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، وَجَعَلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ خُمُسَيْ الدِّيَةِ -. وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، أَوْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - وَكِلَاهُمَا لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ -. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ حُجَّةً عَلَى مَنْ صَحَّحَهُ، لَا عَلَى مَنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ. وَرُوِيَ إيجَابُ الْغَرَامَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ الصَّبِيُّ صَغِيرًا جِدًّا فَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَا فِي مَالِهِ - وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٍ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ فِي مَالِهِ بِكُلِّ حَالٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَقْوَالٌ بِلَا دَلِيلٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ عَنْ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَلَا قِيَاسٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ. وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْعَامِدِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخَطَأِ بَاطِلٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَاسَ عِنْدَهُمْ الشَّيْءُ إلَّا عَلَى نَظِيرِهِ وَمُشْبِهِهِ، وَلَا شَبَهَ بَيْنَ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونِ أَصْلًا - فَبَطَلَ كُلُّ مَا قَالُوهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ إسْقَاطُ الدِّيَةِ قِيَاسًا عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ أَصَحَّ قِيَاسٍ يُوجَدُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ، وَلَا الصَّحَابَةَ يُقَلِّدُونَ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ - فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ أَنَا

عَفَّانُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - أَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ مَجْنُونًا عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ دَخَلَ الْبَيْتَ بِخِنْجَرٍ فَطَعَنَ ابْنَ عَمِّهِ فَقَتَلَهُ؟ فَقَضَى ابْنُ الزُّبَيْرِ بِأَنْ يُخْلَعَ مِنْ مَالِهِ وَيُدْفَعَ إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ فِي مَالِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَانِ الْأَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: جِنَايَةُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا -. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبَاهُ، وَجَدَّهُ: لَا خَيْرَ فِيهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ مَرْوَانَ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ فِي مَجْنُونٍ قَتَلَ رَجُلًا؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: اعْقِلْهُ، وَلَا تُقِدْ مِنْهُ -. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَلَى الْمَجْنُونِ الْعَقْلُ - وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ -. وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّ عَنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ صَحِيحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فِي هَذَا مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ الْغَرَامَةَ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ، وَلَا أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ: إنَّمَا فِيهَا: أَنَّهُ أَمَرَ مَرْوَانَ بِأَنْ يَعْقِلَهُ - وَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُ عَقَلَهُ مِنْ بَيْتِ

الْمَالِ، وَلَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا لَكَانَ حَسَنًا، وَلَيْسَ وَاجِبًا - وَهَذَا مَا خَالَفُوا فِيهِ النُّصُوصَ، وَمِمَّا صَحَّ عَنْ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يَصِحُّ لِقَوْلِهِ خِلَافٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَالْقِيَاسُ: إذْ قَاسُوا مَا جَنَى الْمَجْنُونُ الْقَاصِدُ عَلَى ضِدِّهِ - وَهُوَ مَا جَنَاهُ الْعَاقِلُ الْمُخْطِئُ - وَلَمْ يَقِيسُوا إسْقَاطَ الدِّيَةِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَأَمَّا السَّكْرَانُ فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ سُكَارَى تَضَارَبُوا بِالسَّكَاكِينِ. وَهُمْ أَرْبَعَةٌ فَجُرِحَ اثْنَانِ، وَمَاتَ اثْنَانِ: فَجَعَلَ عَلِيٌّ دِيَةَ الِاثْنَيْنِ الْمَقْتُولَيْنِ عَلَى قَبَائِلِهِمَا، وَعَلَى قَبَائِلِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَمُوتَا، وَقَاصَّ الْحَيَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ بِدِيَةِ جِرَاحِهِمَا - وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَأَى أَنْ يُقِيدَ لِلْحَيَّيْنِ لِلْمَيِّتَيْنِ وَلَمْ يَرَ عَلِيٌّ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَعَلَّ الْمَيِّتَيْنِ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سِمَاكٍ، فَقَالَ: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ. وَرَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَعْقَاعِ، وَكِلَاهُمَا لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - وَسِمَاكٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ. وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَقَادَ مِنْ السَّكْرَانِ، قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: وَكَانَ الْقَاتِلُ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيَّ - وَالْمَقْتُولُ عُمَارَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ يَحْيَى لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ: مَالِكٌ، وَلَا نَعْلَمْ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا - وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقَادُ مِنْ السَّكْرَانِ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولٍ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ النُّصُوصَ وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالْقِيَاسُ، كَمَا ذَكَرْنَا.

مسألة قتل مسلم عاقل بالغ ذميا أو مستأمنا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ فِي كِتَابٍ لِأَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا قَوَدَ، وَلَا قِصَاصَ، وَلَا حَدَّ، وَلَا جِرَاحَ، وَلَا قَتْلَ، وَلَا نَكَالَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ حَتَّى يَعْلَمَ مَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا عَلَيْهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ - فَصَحَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ - وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَالْمُزَنِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَإِيجَابُ الْغَرَامَةِ شَرْعٌ، فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ - فَهُوَ شَرْعٌ مِنْ الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إلَّا أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الصِّبْيَانِ، أَوْ الْمَجَانِينِ، أَوْ السُّكَارَى فِي: دَمٍ، أَوْ جُرْحٍ، أَوْ مَالٍ: فَفُرِضَ ثِقَافُهُ فِي بَيْتٍ لِيَكُفَّ أَذَاهُ، حَتَّى يَتُوبَ السَّكْرَانُ، وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ، وَيَبْلُغَ الصَّبِيُّ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَتَثْقِيفُهُمْ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَإِهْمَالُهُمْ تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا] 2025 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ: ذِمِّيًّا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا - عَمْدًا، أَوْ خَطَأً - فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ - وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً، وَيُسْجَنُ حَتَّى يَتُوبَ كَفًّا لِضَرَرِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] . فَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُؤْمِنِ بِيَقِينٍ - وَالضَّمِيرُ الَّذِي فِي {كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 92] رَاجِعٌ ضَرُورَةً - لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا - إلَى الْمُؤْمِنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَلَا

ذِكْرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِذِمِّيٍّ أَصْلًا، وَلَا لِمُسْتَأْمَنٍ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ إيجَابَ الدِّيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ، وَكَذَلِكَ إيجَابُ الْقَوَدِ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ فِي الْعَمْدِ، وَعَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ خَطَأُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ - وَإِنْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ فِي قَوْلِهِ هَذَا سَلَفًا أَصْلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مِنْهَا مَالِكٌ: لَا يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً، أَوْ حِرَابَةً، فَيُقَادُ بِهِ وَلَا بُدَّ - وَعَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا - غَيْرَ غِيلَةٍ - الدِّيَةُ فَقَطْ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مِنْهَا الشَّافِعِيُّ: لَا يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ أَصْلًا، لَكِنْ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ - عَمْدًا أَوْ خَطَأً - الدِّيَةُ، وَالْكَفَّارَةُ. وَجَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ؟ فَأَقَادَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - قَالَ وَكِيعٌ: ونا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِمِثْلِهِ سَوَاءً سَوَاءً - وَهَذَا مُرْسَلٌ. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَا جَمِيعًا: مَنْ قَتَلَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا قُتِلَ بِهِ - وَهَذَا مُرْسَلٌ أَيْضًا -. وَصَحَّ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: شَهِدْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى بَعْضِ أُمَرَائِهِ فِي مُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا: فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّهِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ - قَالَ مَيْمُونٌ: فَدُفِعَ إلَيْهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَأَنَا أَنْظُرُهُ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ،

قَالَ: الْمُسْلِمُ الْحُرُّ يُقْتَلُ بِالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ - وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَاضِي الْيَمَنِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي زِيَادِ بْنِ مُسْلِمٍ - وَكَانَ قَدْ قَتَلَ هِنْدِيًّا بِالْيَمَنِ -: أَنْ أَغْرِمْهُ خَمْسَمِائَةٍ، وَلَا تُقِدْهُ بِهِ. وَقَوْلٌ آخَرُ - رُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خُلُقًا وَعَادَةً، وَكَانَ لِصًّا عَادِيًا فَأَقِدْهُ بِهِ - وَرُوِيَ: فَاضْرِبْ عُنُقَهُ - وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَبِهِ، أَوْ طِيَرَةً، فَأَغْرِمْهُ الدِّيَةَ - وَرُوِيَ فَأَغْرِمْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ - وَلَا يَصِحُّ - عَنْ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ أَبِي مُلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ: أَنَّ عُمَرَ - وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كِتَابٍ لِأَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ أَنَّ عُمَرَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ سُوءٍ فِيهَا: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ عُمَرَ - وَهَذَا مُرْسَلٌ. وَقَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً -: رُوِّينَاهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ طَرِيقٍ هَالِكَةٍ مُرْسَلَةً فِيهَا: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إلَى عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَدَا عَلَى دِهْقَانٍ فَقَتَلَهُ عَلَى مَالِهِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُثْمَانُ: أَنْ أَقْتُلْهُ بِهِ - فَإِنَّ هَذَا قَتْلُ غِيلَةٍ عَلَى الْحِرَابَةِ -: وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَرِجَالٍ كَثِيرٍ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ كُلَّ

ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيِّ - وَفِي بَعْضِهَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَبَعْضُهَا مُرْسَلٌ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. وَقَوْلٌ آخَرُ - لَا يُقْتَلُ بِهِ، كَمَا رُوِّينَا بِالرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ؟ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ يُقَادَ بِهِ - ثُمَّ كَتَبَ عُمَرُ كِتَابًا بَعْدَهُ: أَنْ لَا تَقْتُلُوهُ، وَلَكِنْ اعْقِلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ أَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ النَّصْرَانِيَّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى: أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ، وَأَنْ يُعَاقَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَمْدًا؟ فَدُفِعَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ بِهِ، وَغَلَّظَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَتَلَ خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ - هُوَ ابْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَجُلًا ذِمِّيًّا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ؟ فَلَمْ يَقْتُلْهُ بِهِ، وَغَلَّظَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ أَلْفَ دِينَارٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ عُثْمَانَ - وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا شَيْءٌ غَيْرَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا رَبَاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ أَنَّ يَهُودِيًّا قُتِلَ غِيلَةً فَقَضَى فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا أَبُو هِلَالٍ أَنَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وَرُوِيَتْ بِذَلِكَ مُرْسَلَاتٌ مِنْ طَرِيقِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُسْلِمُ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ: لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ - وَإِلَيْهِ رَجَعَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ -. رُوِّينَا ذَلِكَ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالْمُعَاهِدِ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ - فَسَقَطَ بِيَقِينٍ. وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرَّةِ، وَبَيْنَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ، لَا حُجَّةَ لَهُمْ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغِيلَةِ وَغَيْرِهَا - وَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا قَتَلْنَاهُ لِلْحِرَابَةِ؟ فَقُلْنَا: أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِالتَّرْتِيبِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، وَلَوْ قُلْتُمُوهُ لَكُنْتُمْ مُتَنَاقِضِينَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِالتَّرْتِيبِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُحَارِبُ إنْ قُتِلَ فِي حِرَابَةٌ، مَنْ لَا يُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْتُلُونَ الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا التَّقْسِيمِ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِتَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي قَتْلِ الْمُحَارِبِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ، أَوْ نَفْيِهِ - فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبُوا قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ - وَلَا بُدَّ - فِي الْحِرَابَةِ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ - فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا - فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَبِالْمُعَاهَدِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] قَالُوا: هَذَا عُمُومٌ.

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وقَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] . وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] . وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] . قَالُوا: وَذُو الْعَهْدِ - وَإِنْ كَانَ كَافِرًا - فَإِنَّهُ إنْ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ مَظْلُومٌ بِلَا شَكٍّ. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ» . وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا «لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ إلَّا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَذَكَر فِيهِمْ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَسَنَذْكُرُهُمَا بِأَسَانِيدِهِمَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاحْتَجُّوا - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَقَادَ مُسْلِمًا قَتَلَ يَهُودِيًّا، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» . وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ ادَّعَوْا فِيهَا الْإِجْمَاعَ - وَهُوَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ الْهُرْمُزَانِ وَكَانَ مُسْلِمًا، وَقَتَلَ جُفَيْنَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، وَقَتَلَ بُنَيَّةً

صَغِيرَةً لِأَبِي لُؤْلُؤَةَ وَكَانَتْ تَدَّعِي الْإِسْلَامَ - فَأَشَارَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى عُثْمَانَ بِقَتْلِهِ؟ قَالُوا: فَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ أَشَارُوا بِقَتْلِهِ بِهِمْ ثَلَاثَتِهِمْ. وَقَالُوا: كَمَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ، وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَقَتْلُهُ بِهِمَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّمَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ، وَقَالُوا لَنَا خَاصَّةً: أَنْتُمْ تَحُدُّونَ الْمُسْلِمَ إنْ قَذَفَ الذِّمِّيَّ، وَالْمُسْتَأْمَنَ، وَتَمْنَعُونَ مِنْ قَتْلِهِ بِقَتْلِهِ لَهُمَا - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَاحْتَجُّوا عَلَى الشَّافِعِيِّينَ بِقَوْلِهِمْ: إنْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ عِنْدَكُمْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَتْلِكُمْ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ، وَبَيْنَ قَتْلِكُمْ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فَإِنَّ هَذَا مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا تَلْزَمُنَا شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّنَا مُلْزَمُونَ ذَلِكَ لَكَانَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَالْقَوْلِ فِي الْآيَاتِ الْأُخَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بَعْدَهَا، وَفِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، وَفِيهَا «أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ» . وَأَيْضًا - فَفِي آخِرِ هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي آخِرِهَا: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ صَدَقَةَ الْكَافِرِ عَلَى وَلِيِّ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ الْمَقْتُولِ عَمْدًا لَا تَكُونُ كَفَّارَةً لَهُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَإِنَّ الْخِطَابَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلْكَافِرِينَ، فَالْمُؤْمِنُونَ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَآخِرِهَا بِأَنْ يَعْتَدُوا عَلَى مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ، بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ عَلَيْهِمْ - وَلَيْسَ فِيهَا: أَنْ يَعْتَدِيَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاعْتِدَاءٍ يَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا. وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ مِنْ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] لَا بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فَهُوَ أَيْضًا فِي الْمُؤْمِنِ

يُسَاءُ إلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ نَصَّهَا {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ لِلْكُفَّارِ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ أَلْبَتَّةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] فَكَذَلِكَ أَيْضًا إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، يُبَيِّنُ ذَلِكَ ضَرُورَةً قَوْله تَعَالَى فِيهَا: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] وَلَا خَيْرَ لِكَافِرٍ أَصْلًا صَبَرَ أَوْ لَمْ يَصْبِرْ -: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] . وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60] . وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ. وَالْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي فِيهَا «النَّفْسُ بِالنَّفْسِ» وَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَإِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ» . فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُخَصُّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 36] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] . فَوَجَبَ يَقِينًا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ كَالْكَافِرِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَلَا يُسَاوِيهِ فِي شَيْءٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَبَاطِلٌ أَنْ يُكَافِئَ دَمُهُ بِدَمِهِ، أَوْ عُضْوُهُ بِعُضْوِهِ أَوْ بَشَرَتُهُ بِبَشَرَتِهِ - فَبَطَلَ أَنْ يُسْتَقَادَ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُؤْمِنِ، أَوْ يُقْتَصَّ لَهُ مِنْهُ - فِيمَا دُونَ النَّفْسِ - إذْ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا.

وَلَمَّا مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا وَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ فِي قَوَدِهِ، وَلَا فِي قِصَاصٍ، أَصْلًا - وَوَجَبَ ضَرُورَةً اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا، إذْ لَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا. وَمِنْ فَضَائِحِ الْحَنَفِيِّينَ - الْمُخْزِيَةِ لِقَائِلِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ - قَطْعُهُمْ يَدَ الْمُسْلِمِ بِيَدِ الذِّمِّيِّ الْكَافِرِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ قَطْعِ يَدِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ بِيَدِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، نَعَمْ، وَلَا يَقْطَعُونَ يَدَ الذِّمِّيِّ الْكَافِرِ إنْ تَعَمَّدَ قَطْعَ يَدِ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْمَصَائِبِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] . فَإِنْ اعْتَرَضُوا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَرٍّ عَنْ يَسِيعَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَهُمْ يَقْتُلُونَ - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - فَقَالَ عَلِيٌّ: فَاَللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ - عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَسِيعُ الْكِنْدِيُّ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ؟ وَجَوَابُ هَذَا السَّائِلِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إنَّمَا مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلٌ بِحَقٍّ يَجْعَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَيَأْمُرُ بِإِنْفَاذِهِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا بِالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي - فَلَمْ يُؤَمِّنَّا اللَّهُ تَعَالَى - قَطُّ - مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَطْلَقَ أَيْدِي الْكُفَّارِ فِيمَا خَلَا عَلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَتَلُوهُمْ، وَعَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَرَحُوا وَجْهَهُ الْمُقَدَّسَ، وَكَسَرُوا ثَنِيَّتَهُ - بِنَفْسِي هُوَ، وَبِأَبِي وَأُمِّي. وَكَمَا أَطْلَقَ أَلْسِنَةَ الْحَنَفِيِّينَ، وَأَيْدِي مَنْ وَافَقَهُمْ بِإِيجَابِ الْبَاطِلِ فِي الْقِصَاصِ لِلْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ - وَكُلُّ ذَلِكَ ظُلْمٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا رَضِيَهُ وَلَا جَعَلَهُ حَقًّا، بَلْ أَنْكَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ؟ نَعَمْ، وَفِي الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ

فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ إخْوَةٌ كُلُّهُمْ، فَاسِقُهُمْ وَصَالِحُهُمْ، عَبْدُهُمْ وَحُرُّهُمْ، وَلَيْسَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إخْوَةً لَنَا - وَلَا كَرَامَةَ لَهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِكَافِرٍ، وَاَللَّهِ مَا جَعَلَ تَعَالَى لَهُمْ قَطُّ - بِحُكْمِ دِينِهِ - سُلْطَانًا، بَلْ جَعَلَ لَهُمْ الصَّغَارَ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . فَإِنْ قَالُوا: فَإِذْ لَا يُسَاوُونَنَا فَلِمَ قَتَلْتُمْ الْكَافِرَ بِالْمُؤْمِنِ؟ قُلْنَا: وَلَا كَرَامَةَ أَنْ نَقْتُلَهُ بِهِ قَوَدًا، بَلْ قَتَلْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ الذِّمَّةَ، وَخَالَفَ الْعَهْدَ بِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّغَارِ، وَكَذَلِكَ نَقْتُلُهُ إنْ لَطَمَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّهُ، وَنَسْتَفِيءُ جَمِيعَ مَالِهِ بِذَلِكَ، وَنَسْبِي أَهْلَهُ وَصِغَارَ وَلَدِهِ. فَإِنْ قَالُوا: فَلِمَ تَحْكُمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِرَدِّ مَا غَصَبَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ أَوْ مَنَعَهُ إيَّاهُ مِنْ الْمَالِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذَا سَبِيلٌ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، إنَّمَا هِيَ مَظْلَمَةٌ يَبْرَأُ مِنْهَا الْمُسْلِمُ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ حَبْسِهَا فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيُوَضِّحُ هَذَا غَايَةَ الْوُضُوحِ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ «عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَآخَرُ - ذَكَرَهُ - إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقُلْنَا: هَلْ عَهِدَ إلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: لَا، إلَّا مَا فِي كِتَابِي هَذَا، فَإِذَا فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . أَنَا حِمَامُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حِمَامٍ الْقَاضِي أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ

أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا أَبِي، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالْحُمَيْدِيُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَا جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: أَنَا أَبُو جُحَيْفَةَ - هُوَ السُّوَائِيُّ - قَالَ: قُلْت لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى الْقُرْآنِ؟ قَالَ عَلِيٌّ " لَا، وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إلَّا أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، أَوْ مَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قُلْت: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ خِلَافُهُ. فَاعْتَرَضَ فِيهِ أَهْلُ الْجَهَالَةِ الْمُضِلَّةِ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ، قَالَ: «قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا دُونَ النَّاسِ إلَّا صَحِيفَةً فِي قِرَابِ سَيْفِي؟ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَهَا؟ فَإِذَا فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» . قَالُوا: فَمَرَّةً رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ مُرْسَلًا - وَهَذِهِ عِلَّةٌ فِي الْخَبَرِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ مَا جَعَلَ مِثْلَ هَذَا عِلَّةً، إلَّا ذُو عِلَّةٍ فِي دِينِهِ، وَمَا نَدْرِي فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ لِلْخَبَرِ - مَرَّةً عَنْ أَبِي حَسَّانَ، وَمَرَّةً عَنْ الْحَسَنِ -: وَجْهًا يَعْتَرِضُ بِهِ، إلَّا مَنْ عَدِمَ الْحَيَاءَ، وَكَابَرَ عَيْنَ الشَّمْسِ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ - إنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَالَبُونَ بِالدِّمَاءِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَمٍ أَصَابَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا عَجَبٌ جِدًّا، أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ: كَذَّابٌ مَشْهُورٌ؟ ثُمَّ لَوْ رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَمَا كَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا رَأَى مَا رَآهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَهُوَ كَسَائِرِ الْآرَاءِ، لَا يُعْتَرَضُ بِهَا عَلَى السُّنَنِ، وَلَا كَرَامَةَ - وَإِمَّا سَمِعَهُ مِمَّنْ لَا يُدْرَى [مَنْ هُوَ] فَهَذَا أَبْعَدُ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ لَكَانَ هَذَا خَبَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، كَوَضْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي " حَجَّةِ الْوَدَاعِ " وَكَانَ مَا فِي صَحِيفَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَبَرًا آخَرَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانَ، وَدَعْوَى بِلَا بِدَلِيلٍ، وَضَرْبٌ لِلسُّنَنِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، كَمَنْ أَبَاحَ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ، وَشُرْبَ الْخَمْرِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] وَلَا فَرْقَ. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، قَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ فَمَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيفَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا وَهِيَ مَمْلُوءَةٌ مَنَاكِيرَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ، بَلْ كَانَتْ تَكُونُ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ صَحِيحَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَهِيَ قَوْلُنَا. ثُمَّ فِيهَا حُكْمُ مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَوْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمُؤْمِنُ يَقْتُلُ الذِّمِّيَّ عَمْدًا لَكَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهَا - وَهَذَا بَاطِلٌ - فَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بِلَا شَكٍّ فِي الْمُؤْمِنِ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ عَمْدًا، لَا فِيمَا قَدْ أَبْطَلَهُ قَبْلُ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ. وَقَالُوا: مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، أَوْ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ مَا أَتَوْا بِهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ هَذَا ذُو مِسْكَةِ عَقْلٍ، وَنَحْنُ مَنْدُوبُونَ إلَى قَتْلِ الْحَرْبِيِّينَ،

مَوْعُودُونَ عَلَى قَتْلِهِمْ بِأَعْظَمِ الْأَجْرِ، أَيُمْكِنُ أَنْ يَظُنَّ مَنْ بِهِ طَبَاخٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ هَذَا الْحَالِ وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْجِهَادِ يَتَكَلَّفُ أَنْ يُخْبِرَنَا أَنَّنَا لَا نُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّينَ إذَا قَتَلْنَاهُمْ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ؟ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِهِمْ السَّخِيفِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً - هَذَا وَاَللَّهِ يَقِينُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوجِبِ لِلنَّارِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَسَعَ هَذَا فِي دِمَاغِ مَنْ بِهِ مِسْكَةُ عَقْلٍ أَنْ يَكُونَ مُذْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَدْ أَمِنَّا أَنْ يُقْتَلَ مِنَّا أَحَدٌ بِأَلْفِ كَافِرٍ قَتَلَهُمْ خَطَأً ثُمَّ يَتَكَلَّفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إخْبَارَنَا بِأَنْ لَا يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِكَافِرٍ قَتَلَهُ خَطَأً ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَنَا ذَلِكَ إلَّا بِكَلَامٍ مُجْمَلٍ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى، إنَّمَا يَأْتِي بِهِ الْمُتَكَلِّفُونَ لِنَصْرِ الْبَاطِلِ، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْبَيَانِ لَنَا: فَلَا، وَلَا كَرَامَةَ، لَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا وَبَاعَدَهُ عَنْ أَنْ يَظُنَّ بِهِ ذَلِكَ مُسْلِمٌ. وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ - وَقَدْ صَحَّ - بِلَا خِلَافٍ - وُجُوبُ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ بِالذِّمِّيِّ. فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْكَافِرِ: الْحَرْبِيَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا كَذِبٌ آخَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوجِبٌ لِصَاحِبِهِ وُلُوجَ النَّارِ وَاللَّعْنَةَ، إذْ تَحَكَّمُوا فِي كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَا دَلِيلٍ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ نَصٌّ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ: بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ فِي نَصٍّ آخَرَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِلَا دَلِيلٍ، كَمَا أَنَّهُ إذْ وُجِدَ نَصٌّ مَنْسُوخٌ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي نَصٍّ آخَرَ لَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ: هَذَا مَنْسُوخٌ - هَذِهِ صِفَةُ الْكَذَّابِينَ الْفُسَّاقِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَذِبِ. وَقَالُوا: إنَّ الشَّعْبِيَّ هُوَ أَحَدُ رُوَاةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَهُوَ يَرَى قَتْلَ الْمُؤْمِنِ بِالذِّمِّيِّ؟ فَقُلْنَا: هَذَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَدَاوُد بْنُ يَزِيدَ الزَّغَافِرِيُّ - وَهُوَ سَاقِطٌ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ رَفْضَ رَأْيِهِ وَاطِّرَاحَهُ وَالْأَخْذَ بِرِوَايَتِهِ. لِأَنَّهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَوْثُوقٌ بِهِمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ لِفَضْلِهِمْ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُخْطِئُونَ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنْ الْخَطَأِ وَلَا بُدَّ، وَلَيْسَ يُخْطِئُ أَحَدٌ فِي الدِّينِ إلَّا لِمُخَالَفَةِ نَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ نَصِّ سُنَّةٍ بِتَأْوِيلٍ مِنْهُ قَصَدَ بِهِ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ - وَقَدْ أَفْرَدْنَا بَابًا ضَخْمًا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ " بِالْإِعْرَابِ " فِيمَا أَخَذَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي خَالَفَهَا مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهَذَا مِنْ أَبْرَدِ مَا مَوَّهُوا بِهِ. فَهَذَا مَا اعْتَرَضُوا بِهِ قَدْ أَوْضَحَنَا سُقُوطَ أَقْوَالِهِمْ فِيهِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَرَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيّ فَمُرْسَلَانِ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. فَإِنْ لَجُّوا: قُلْنَا لَهُمْ: دُونَكُمْ مُرْسَلًا مِثْلَهُمَا - أَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّهُ يُنْفَى مِنْ أَرْضِهِ إلَى غَيْرِهَا» . وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِذَلِكَ. وَأَمَّا قِصَّةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَتْلُهُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ وَبِنْتَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ - فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِقَتْلِ جُفَيْنَةَ -: فَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ. وَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا طُولِبَ بِدَمِ الْهُرْمُزَانِ فَقَطْ، وَكَانَ مُسْلِمًا - وَلَا خِلَافَ فِي الْقَوَدِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ قَطْعُ يَدِ الْمُسْلِمِ إذَا سَرَقَ مَالَ ذِمِّيٍّ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ قَتْلُهُ بِهِ، فَقِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ، وَالْقِصَاصَ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ حَقٌّ لِلذِّمِّيِّ عِنْدَهُمْ، لَهُ طَلَبُهُ، وَلَهُ تَرْكُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ.

وَهَذَا هُوَ السَّبِيلُ الَّذِي مَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا، وَلَمْ يَجْعَلْهَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ - وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، لَيْسَ هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَالُ، وَلَا لَهُ طَلَبُهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ - شَاءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ أَبَى - فَلَا سَبِيلَ فِيهِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّا نَحُدُّ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكَذَلِكَ نَحُدُّهُ إذَا قَذَفَ الْحَرْبِيَّ وَلَا فَرْقَ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ حَقًّا لِلذِّمِّيِّ، وَلَا لِلْمَقْذُوفِ، وَلَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَا لَهُمَا الْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَا طَلَبُهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ. إنَّمَا الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ بِهِ - كَمَا هُوَ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ لِذِمِّيٍّ - كَانَتْ - أَوْ لِحَرْبِيٍّ، وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تُغَرِّمُونَ الْمُسْلِمَ الْمَالَ إذَا وَجَبَ لِلذِّمِّيِّ قِبَلَهُ، وَتَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ بِالسَّجْنِ وَالْأَدَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقَوَدِ وَالْقِصَاصِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى آخِذِهِ - كَائِنًا مَنْ كَانَ - وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ بَاطِلٌ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ، وَأَزَلْنَاهُ عَنْ يَدِهِ، كَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ بِلَا حَقٍّ وَلَا فَرْقَ. وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى تَكْلِيفِهِ إحْيَاءَ الذِّمِّيِّ الَّذِي قَتَلَ لَفَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ، فَإِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إلَّا الْأَدَبُ؛ لِتَعَدِّيهِ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا نُؤَدِّبُهُ فِي غَصْبِهِ مَالَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ، وَلَا عَلَى إنْصَافِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَدٍّ إلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَلْزَمُهُ قَتْلٌ وَلَا قَطْعُ عُضْوٍ وَلَا قِصَاصٌ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ عَلَى مَنْ قَالَ: إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ بَاقٍ - فَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْقَائِلُ، بَلْ قَدْ سَقَطَ الْقَوَدُ وَالْقِصَاصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلُ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ يُعْكَسُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْقِيَاسَاتُ الْفَاسِدَةُ فَيُقَالُ لَهُمْ: كَمَا لَا تَحُدُّونَ أَنْتُمْ الْمُسْلِمَ إذَا قَذَفَ الذِّمِّيَّ، وَتَحُدُّونَ الذِّمِّيَّ إذَا قَذَفَ الْمُسْلِمَ، فَكَذَلِكَ اُقْتُلُوا الذِّمِّيَّ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا تَقْتُلُوا الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ - وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ يَكُونُ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا - لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ وَحُرْمَةٌ.

وَمِنْ غَرَائِبِ الْقَوْلِ: احْتِجَاجُ الْحَنَفِيِّينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاتِلِ الْمُسْتَأْمَنِ فَلَا يُقِيدُونَهُ بِهِ، وَبَيْنَ قَاتِلِ الذِّمِّيِّ فَيُقِيدُونَهُ بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الذِّمِّيُّ مَحْقُونُ الدَّمِ بِغَيْرِ وَقْتٍ، وَالْمُسْتَأْمَنُ مَحْقُونُ الدَّمِ بِوَقْتٍ ثُمَّ يَعُودُ دَمُهُ حَلَالًا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ؟ وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إسْقَاطُ الْقَوَدِ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمُ الدَّمِ إذَا قُتِلَ: تَحْرِيمًا مُسَاوِيًا لِتَحْرِيمِ الْآخَرِ. وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْحُكْمُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ - لَا بَعْدَ ذَلِكَ - وَلَعَلَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَا يَرْجِعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَعَلَّ الذِّمِّيَّ يَنْقُضُ الذِّمَّةَ وَيَلْحَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَعُودُ دَمُهُ حَلَالًا وَلَا فَرْقَ - وَحَسْبُك بِقَوْمٍ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ الَّذِي بِهِ يُحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا دِيَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ الذِّمِّيَّ عَمْدًا، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ خَطَأً، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا - فَلِمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي أَوَّلِ كَلَامِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا إيجَابُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَقَطْ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ فِي إيجَابِ دِيَةٍ، وَلَا كَفَّارَةٍ، فِي قَتْلِ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ خَطَأً. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَلَا يَجُوزُ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنْ يُقَاسَ الشَّيْءُ إلَّا عَلَى نَظِيرِهِ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ نَظِيرَ الْمُؤْمِنِ وَلَا مَثَلًا، فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ، وَالْمَانِعِينَ مِنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ خَطَأً بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ فَعَمَّ بِهَذَا قَاتِلَ الْمُؤْمِنِ خَطَأً، وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مُؤْمِنًا مِنْ كَافِرٍ، وَلَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ يَخُصُّ ذَلِكَ - فَوَجَبَ إمْضَاؤُهَا عَلَى عُمُومِهِ.

وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا أَصْلًا، لِأَنَّ نَصَّهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] إلَى قَوْله تَعَالَى: {عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . فَصَحَّ بِنَصِّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَصًّا جَلِيًّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ فِيهِ شَيْءٌ، أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُؤْمِنِ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَقَطْ. ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَصَحَّ بِالضَّرُورَةِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلشَّكِّ فِيهَا أَنَّ فِي {كَانَ} [النساء: 92] مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ} [النساء: 92] ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إلَى أَوَّلِ مَذْكُورٍ، لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا، وَالضَّمِيرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ قَبْلَهُ، إلَّا بِبُرْهَانٍ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَلَا أَبْعَدُ مَذْكُورٍ، إلَّا الْمُؤْمِنَ الْمَقْتُولَ خَطَأً فَقَطْ. فَصَحَّ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ: أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] أَنَّهُ مُؤْمِنٌ يُقْتَلُ خَطَأً، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ. وَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 92] إنَّمَا هُوَ فِي قَوْمٍ إذَا كَانَ سُكْنَاهُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِأَنْ لَا يَرِثَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَأَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ -. فَبَطَلَ بِيَقِينٍ أَنْ يَرِثَ الْكُفَّارُ الذِّمِّيُّونَ ابْنَ عَمِّهِمْ الْمُؤْمِنَ. وَالدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ إنَّمَا وَجَبَتْ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُودَى، وَإِمَّا يُقَادَ» فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ: أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِي الْعَمْدِ إلَّا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوَدُ يَقِينًا.

مسألة قتل المسلم أو الذمي مسلما خطأ

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قَوَدَ مِنْ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ فَإِذْ لَا قَوَدَ لَهُ مِنْهُ فَلَا دِيَةَ لَهُ عَلَيْهِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ دُونَ الْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَنَا حُمَامٌ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ أَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْعِتْقَ إلَّا فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِيَاضٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. فَإِنْ شَغَبُوا بِمَا نَاهَ الطَّلْمَنْكِيُّ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا الصَّمُوتُ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا الْبَزَّارُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الزَّنَادِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ «إنَّ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ لَقَتَلْتُهُ فَأَخْرِجُوا عَقْلَهُ» فَإِنَّ يَعْقُوبَ وَأَبَاهُ وَجَدَّهُ مَجْهُولُونَ. وَأَمَّا أَدَبُهُ وَسَجْنُهُ - فَالثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْعُ مِنْ أَنْ يُجْلَدَ أَحَدٌ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» وَقَتْلُ الذِّمِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ مُنْكَرٌ فَوَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَسَجْنُ الْقَاتِلِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ الظُّلْمِ وَتَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَإِطْلَاقُهُ عَوْنٌ لَهُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا خَطَأً] 2026 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ، أَوْ الذِّمِّيُّ - الْبَالِغَانِ الْعَاقِلَانِ - مُسْلِمًا خَطَأً فَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ - وَهِيَ عَشِيرَتُهُ، وَقَبِيلَتُهُ. وَعَلَى الْقَاتِلِ فِي نَفْسِهِ - إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا -: عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لِفَقْرِهِ: فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، لَا يَحُولُ بَيْنَهُمَا شَهْرُ رَمَضَانَ، وَلَا بِيَوْمِ فِطْرٍ، وَلَا بِيَوْمِ أَضْحَى، وَلَا بِمَرَضٍ، وَلَا بِأَيَّامِ حَيْضٍ - إنْ كَانَتْ امْرَأَةً -. وَذَلِكَ - وَاجِبٌ عَلَى الذِّمِّيِّ، لَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ فِي حَالِهِ تِلْكَ عَلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا

عَلَى صِيَامٍ حَتَّى يُسْلِمَ، فَإِنْ أَسْلَمَ يَوْمًا مَا لَزِمَهُ الْعِتْقُ، أَوْ الصِّيَامُ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَذَلِكَ زَائِدٌ فِي إثْمِهِ وَعَذَابِهِ، وَلَا يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ - هَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ الَّذِي لَا يَجْهَلُهُ مَنْ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَقَلُّ حَظٍّ. وَأَمَّا كَوْنُ الدِّيَةِ عَلَى عَشِيرَتِهِ - فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ؟ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا، وَزَوْجِهَا، أَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: الْعَقْلُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ - وَادَّعَوْا أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِذَلِكَ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعِيذُ اللَّهُ تَعَالَى عُمَرَ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُحِيلُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْدِثُ حُكْمًا آخَرَ بِغَيْرِ وَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً عَصَبَةٌ فَمِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وَلَا حَظَّ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ لِكَافِرٍ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَحُولُ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ بِرَمَضَانَ، وَلَا بِأَضْحَى، وَلَا بِمَرَضٍ وَلَا أَيَّامِ حَيْضٍ - فَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِمَا مُتَتَابِعَيْنِ، وَأَمَّا إذَا حَالَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَيْسَا مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَيْلُولَةً بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ حَيْلُولَةٍ بِعُذْرٍ. وَتُؤَخِّرُ الْمَرْأَةُ صِيَامَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ حَيْضَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ، فَفَرْضُهَا أَنْ تُؤَخِّرَ حَتَّى تَقْدِرَ كَالْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ بَدَأَهُمَا فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ ثُمَّ سَافَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ أَجْزَأَهُ إتْمَامُ الشَّهْرَيْنِ فِيهِ ثُمَّ يَقْضِي رَمَضَانَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ - فَإِنَّ كُلَّ كَافِرٍ مَنْ جِنٍّ أَوْ إنْسٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ تَرْكُ كُلِّ دِينٍ وَالرُّجُوعُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَالْتِزَامُ شَرَائِعِهِ لَا يَقُولُ غَيْرَ هَذَا مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَعَلَيْهِ حَارَبَ رَسُولُ

مسألة قتل مؤمنا عمدا وهو يدري أنه مسلم

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَالَفَهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَبِذَلِكَ وَجَبَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَإِذْ كُلُّ كَافِرٍ فَمُلْزَمٌ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَمَأْمُورٌ بِهِ، فَحُكْمُهُ لَازِمٌ لَهُمْ، وَشَرَائِعُهُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ مِنْهَا مَا لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، كَالصَّلَاةِ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْجُنُبِ، وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا حَتَّى يَغْتَسِلَ الْجُنُبُ وَيَتَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَصُومُ عَنْ الْكَافِرِ وَلِيُّهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصُومُ الْوَلِيُّ إلَّا مَا لَوْ صَامَهُ الْمَيِّتُ لَأَجْزَأَهُ، وَلَيْسَ هَذَا صِفَةَ الْكَافِرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا عَمْدًا وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ] 2027 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا عَمْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ - فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ هُوَ بِهِ وَلِيَّهُ: مِنْ ضَرْبٍ، أَوْ طَعْنٍ، أَوْ رَمْيٍ، أَوْ صَبٍّ مِنْ حَالِقٍ، أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ تَغْرِيقٍ، أَوْ شَدْخٍ، أَوْ إجَاعَةٍ أَوْ تَعْطِيشٍ، أَوْ خَنْقٍ أَوْ غَمٍّ، أَوْ وَطْءِ فَرَسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَا تُحَاشَ شَيْئًا. وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ - أَحَبَّ الْقَاتِلُ أَمْ كَرِهَ - لَا رَأْيَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَوَدِ وَسُكُوتُهُ عَنْ ذِكْرِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ بِمُسْقِطٍ لِلدِّيَةِ، بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلْوَلِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا، إلَّا أَنْ يَلْفِظَ بِالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ أَيْضًا. وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِمَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، فَهَاهُنَا خَاصَّةً إنْ لَمْ يُرْضِهِ الْقَاتِلُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى الدِّيَةِ وَبَرَةً فَمَا فَوْقَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ إلَّا الْقَوَدُ فَقَطْ، أَوْ الْعَفْوُ، وَلَا تَجِبُ لَهُ الدِّيَةُ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ - وَلَوْ أَضْعَافًا كَثِيرَةً فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَاتِلُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا - صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَصَحَّ قَوْلُنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقَوَدُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، قَالَ: فَالْعَفْوُ -: أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ يَطْلُبُ بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْعَمْدُ يَرْضَى أَهْلُهُ بِالدِّيَةِ اتِّبَاعًا مِنْ الطَّالِبِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءً إلَيْهِ مِنْ الْمَطْلُوبِ بِإِحْسَانٍ. وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَاضِي صَنْعَاءَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا - إنْ أَحَبَّ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يَعْفُوا عَفَوْا - وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ أَخَذُوهَا، وَأَعْطُوا امْرَأَتَهُ مِيرَاثَهَا مِنْ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ، فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَلَاثِ دِيَاتٍ: فَهُوَ جَائِزٌ، إنَّمَا اشْتَرَوْا بِهِ صَاحِبَهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ؟ فَوَجَدْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] . فَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لَهُ} [البقرة: 178] وَفِي {مِنْ أَخِيهِ} [البقرة: 178] رَاجِعٌ إلَى الْقَاتِلِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عُفِيَ لَهُ مِنْ ذَنْبِهِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ. وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - أَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا يُودَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ فِي خَبَرِ «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا بِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الدِّيَةِ أَوْ الْقَوَدِ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ لَا إلَى الْقَاتِلِ، وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ إنْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَأَكْثَرُ: أَنَّ الدِّيَةَ وَاجِبَةٌ لِلْبَاقِينَ - أَحَبَّ الْقَاتِلُ أَمْ كَرِهَ - وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ: إذَا بَطَلَ الْقَوَدُ بِأَيِّ وَجْهٍ بَطَلَ، كَالْأَبِ قَتَلَ ابْنَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ امْتِنَاعِ الْقَوَدِ بِهَذَا وَبَيْنَ امْتِنَاعِهِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ. قَالُوا: وَلَا يَصِحُّ خِلَافُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا يَشْغَبُ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَوَّلًا، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ -: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ فِي رِمِّيَّا أَوْ عِمِّيَّا يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدَيْهِ، فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اغْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا فَهُوَ مُودِيهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِي آخِرِهِ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] وَالرَّسُولِ.» وَبِمَا نَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ

عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَمَنْ اغْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْن مَيْسَرَةَ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ حَمْزَةَ أَبِي عُمَرَ الْعَايِذِيِّ الضَّبِّيِّ حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ حَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جِيءَ بِقَاتِلٍ فِي عُنُقِهِ النِّسْعَةُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَوْلَى الْمَقْتُولِ: أَتَعْفُو؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَتَقْتُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِي آخَرِ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ أَمَا إنَّكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ فَعَفَا عَنْهُ.» وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ أَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِقَاتِلٍ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ تُؤَدِّي دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلْتُكَ تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَوَالِيكَ يُعْطُونَكَ دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: خُذْهُ - ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَمَا إنَّهُ إنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ - وَفِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ أَرْسِلْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِ صَاحِبِك وَإِثْمِهِ، فَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ؟ فَأَرْسَلَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ أَنَا ضَمْرَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى بِقَاتِلِ وَلِيِّهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اُعْفُ عَنْهُ؟ فَأَبَى، فَقَالَ: خُذْ الدِّيَةَ؟ فَأَبَى، قَالَ: اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَإِنَّك مِثْلُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ» .

قَالُوا: فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ. وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَأَنَسٍ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَفْوِ، وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَتْ الدِّيَةُ وَاجِبَةً بِالْعَفْوِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا الْوَلِيُّ الْعَامِّيُّ لَاسْتَغْنَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ إعَادَةِ ذِكْرِهَا. قَالُوا: وَفِي أَحَدِ حَدِيثَيْ وَائِلٍ أَنَّهُ اسْتَشَارَ الْقَاتِلَ فِي إعْطَاءِ الدِّيَةِ، فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ مَا اسْتَشَارَهُ فِي ذَلِكَ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قَالَ: فِي الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ عِنْدَ أَبِي، وَهُوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاَلَّذِي فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَهِيَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فَتِيَّةً سَمِينَةً - إذَا اصْطَلَحُوا فِي الْعَمْدِ، فَهُوَ عَلَى مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ - قَالُوا - فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَمْدِ دِيَةٌ. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . قَالُوا: فَدَلَّ هَذَانِ النَّصَّانِ عَلَى أَنَّ مَالَ الْقَاتِلِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . وَقَالُوا: وَلَيْسَ مِثْلُ الْقَتْلِ إلَّا الْقَتْلَ، فَلَا مَدْخَلَ لِلدِّيَةِ هَاهُنَا إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] .

قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا الْقَتْلَ فَقَطْ. وَقَالُوا " لَا يَخْلُو وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقِصَاصُ أَوْ يَكُونَ لَهُ أَيْضًا أَخْذُ الدِّيَةِ بَدَلًا مِنْ الْقِصَاصِ، فَإِنْ قُلْتُمْ هَذَا؟ قُلْنَا: لَمْ نَجِدْ قَطُّ حَقًّا لِإِنْسَانٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخْذُ بَدَلٍ مِنْهُ إلَّا بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَهُ إمَّا الْقِصَاصُ وَإِمَّا الدِّيَةُ؟ . قُلْنَا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ إنْ عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ بِعَيْنِهِ - وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْهُ إذَا اخْتَارَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَهُ بِعَيْنِهِ. وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا يَمْنَعُ السُّلْطَانُ وَلِيَّ الدَّمِ أَنْ يَعْفُوَ - إنْ شَاءَ - أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ - إنْ اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ - وَلَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَقْتُلَ إنْ أَبَى إلَّا الْقَتْلَ بَعْدَ أَنْ يَحِقَّ لَهُ الْقَتْلُ فِي الْعَمْدِ. وَاعْتَرَضُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ} [البقرة: 178] . وَقَالُوا: إنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي فِي {لَهُ} [البقرة: 178] وَفِي {مِنْ أَخِيهِ} [البقرة: 178] رَاجِعٌ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، لَا إلَى الْقَاتِلِ، بِمَعْنَى: فَمَنْ سَمَحَ لَهُ الْقَاتِلُ بِالدِّيَةِ. وَاعْتَرَضُوا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، لَكِنْ كَمَا رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ أَرَنِي أَبِي حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا يُقَادَ، وَإِمَّا يُفَادَى» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ فِي حَدِيثٍ " أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أَنْ يُفَادِيَ أَهْلَ الْقَتِيلِ» قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً - وَهَذَا قَوْلُنَا. وَاعْتَرَضُوا فِي خَبَرِ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمُوهُ كَمَا حَدَّثَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ - وَالْخَبْلُ الْجِرَاحُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إحْدَى ثَلَاثِ أَشْيَاءَ: إمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ» . قَالُوا: فَلَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِالْعَفْوِ - وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ - لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلدِّيَةِ مَعَ ذِكْرِهِ لِلْعَفْوِ مُخَيِّرًا بَيْنَهُمَا مَعْنًى. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " إمَّا أَنْ يُقَادَ وَإِمَّا أَنْ يَعْقِلَ " أَنْ يَرْضَى الْقَاتِلُ كَمَا تَقُولُ: خُذْ بِسِلْعَتِك كَذَا وَكَذَا، أَيْ يَرْضَى الْبَائِعُ. هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. أَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَفْوًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ الْقَوَدَ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ ذَكَرَ الْعَفْوَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ؟ قُلْنَا: وَقَدْ ذُكِرَتْ الدِّيَةُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَا فَرْقَ - وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا - وَالْحَنَفِيُّونَ يُخَالِفُونَ هَذَا الْخَبَرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ لِلْوَلَدِ مِنْ الْوَالِدِ، فَخَصَّهُ بِلَا بُرْهَانٍ - وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ فَخَصُّوهُ أَيْضًا بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - ثُمَّ هُوَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد الَّذِي رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ - ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَجْهُولُ الْحَالِ - قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ: ثُمَّ لَوْ صَحَّ هُوَ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَكَانَا حُجَّةً لَنَا لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ: إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ - وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، بَلْ نَقُولُ: إنَّهُمْ إنْ رَضُوا بِالدِّيَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَهُمْ رِضَاهُمْ. وَخَبَرُ أَبِي شُرَيْحٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِمَا زِيَادَةُ عَدْلٍ عَلَى هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَزِيَادَةُ عَدْلَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا - وَكَمْ قَضِيَّةً فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ خَالَفُوهَا بِآرَائِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ " - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثَا وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَسَاقِطَانِ -: أَحَدُهُمَا - مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَمْرٍو الْعَايِذِيِّ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَوْفٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرٍو الضَّبِّيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ - وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ مُدَلَّسًا، وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُمَوَّهَ بِهِ عَلَى جَاهِلٍ بِعُلُومِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جِيءَ بِالْقَاتِلِ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَفْسَهُ - فَأَسْقَطَ بَيْنَ عَوْفٍ، وَعَلْقَمَةَ: أَبَا عَمْرٍو الْمَذْكُورَ. وَالثَّانِي - مِنْ رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ - وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَكَانَا حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِوَلِيِّ الْقَاتِلِ: أَتَعْفُو؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَتَقْتُلُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ فِي الْعَفْوِ أَوْ الْقَوَدِ أَوْ أَخْذِ الدِّيَةِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ دُونَ أَنْ يَسْتَشِيرَ الْقَاتِلَ، أَوْ يَلْتَفِتَ إلَى رِضَاهُ - وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ. وَالْآخَرُ - أَنَّ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْقَاتِلِ: «أَلَكَ مَالٌ تُؤَدِّي دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا: قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ أَرْسَلْتُكَ تَسْأَلُ النَّاسَ تَجْمَعُ دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَوَالِيكَ يُعْطُونَكَ دِيَتَهُ؟ قَالَ: لَا.» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا يَطْمَعُ فِي أَنْ يَجْمَعَ لَهُ الدِّيَةَ، لَا النَّاسُ وَلَا مَوَالِيهِ الَّذِينَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِنَايَتِهِ فَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ مَا لَا يُطِيقُ.

وَأَمَّا خَبَرُ أَنَسٍ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا كَمَا قُلْنَا فِي خَبَرِ وَائِلٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْيِيرَ الْوَلِيِّ بَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ أَوْ الْقَوَدِ أَوْ الْعَفْوِ، فَكَيْفَ وَهُمَا خَبَرَانِ مَوْضُوعَانِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولُوهُ مِنْ إيجَابِ النَّارِ عَلَى مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيَّاهُ فَقَتَلَ مَنْ نَهَاهُ عَنْ قَتْلِهِ - فَهَذَا تَنَاقُضٌ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَتْ الدِّيَةُ وَاجِبَةً بِالْعَفْوِ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ - لَمَا كَرَّرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَفْوًا مُطْلَقًا عَامًّا لَا عَفْوًا خَاصًّا عَنْ الدَّمِ فَقَطْ - وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنْ عَفَا عَنْ الدَّمِ وَحْدَهُ خَاصَّةً، فَالدِّيَةُ بَاقِيَةٌ لَهُ، وَإِنْ عَفَا عَفْوًا عَامًّا عَنْ الدَّمِ وَالدِّيَةِ فَذَلِكَ لَهُ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فَمُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، ثُمَّ هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لِخِلَافِهِمْ لِمَا فِيهِ. أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَالدِّيَةُ عِنْدَهُمْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ، لَكِنْ أَرْبَاعًا جِذَاعٌ، وَحِقَاقٌ، وَبَنَاتُ لَبُونٍ، وَبَنَاتُ مَخَاضٍ، وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَلَا يَرَوْنَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ شَيْئًا أَصْلًا. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَيُصَحِّحُهُ عَلَى مَنْ لَا يُصَحِّحُهُ - ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا كَمَا فِي الْعَمْدِ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ إذَا اصْطَلَحُوا، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا وَلَا نُخَالِفُهُ. وَأَمَّا ذِكْرُهُمْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» فَصَحِيحٌ كُلُّ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُنَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] .

فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الدِّيَةَ، أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ وَجَبَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الزَّاعِمِ - رَضِيَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ كَرِهَ - طَابَتْ نَفْسُهُ، أَوْ خَبُثَتْ كَمَا قُلْنَا. وَقَالُوا فِي الْعَاقِلَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَرِهُوا وَلَمْ تَطِبْ أَنْفُسُهُمْ وَلَا رَضُوا وَلَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ - وَهَذَا هُوَ الْأَكْلُ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَقًّا. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] وَ {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَحَقٌّ كُلُّ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إمَّا أَنْ يُقَادَ وَإِمَّا أَنْ يُودَى» حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى تِلْكَ الْآيَاتِ، وَأَحْكَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا حَقٌّ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ - وَلَا يَحِلُّ خِلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ حَيْثُ خَالَفُوهَا مِنْ إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ لِلْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ، وَإِسْقَاطِ الْقَوَدِ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ مِنْ أَجْلِ عَفْوِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِسْقَاطِ بَعْضِهِمْ الْقَوَدَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ -: لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] فَحَقٌّ، وَبِهِ نَقُولُ: إذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ فَلْيَقْتُلْ قَاتِلَ وَلِيِّهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُسْرِفَ فَيَقْتُلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ - وَلَيْسَ هَاهُنَا ذِكْرُ الدِّيَةِ الَّتِي قَدْ وَرَدَ حُكْمُهَا فِي نَصٍّ آخَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَخْلُو وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقِصَاصُ، أَوْ أَخْذُ الدِّيَةِ بَدَلًا مِنْ الْقِصَاصِ. قَالُوا: وَلَمْ نَجِدْ قَطُّ حَقًّا لِإِنْسَانٍ يَكُونُ لَهُ أَخْذُ بَدَلٍ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ - فَهَذَيَانٌ نَسَوْا فِيهِ أَقْوَالَهُمْ الْفَاسِدَةَ.

إذْ قَالُوا: مَنْ كَسَرَ قَلْبَ فِضَّةٍ لِغَيْرِهِ فَصَاحِبُ الْقَلْبِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ قَلْبِهِ كَمَا هُوَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا غَيْرَ مَكْسُورٍ مِنْ الذَّهَبِ - أَحَبَّ الْكَاسِرُ أَوْ أَبَى. وَإِذْ قَالُوا: مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا لِآخَرَ فَقَطَعَهُ قِطَعًا اسْتَهْلَكَهُ بِهِ، كَحَرْقٍ أَوْ خَرْقٍ فِي بَعْضِهِ؟ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَقِيمَةَ نُقْصَانِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ لِلْغَاصِبِ وَأَلْزَمَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا - بِخِلَافِ الْحُكْمِ لَوْ قَطَعَهُ قَمِيصًا. بِخِلَافِ الْقَمْحِ إذَا طَحَنَهُ دَقِيقًا وَالدَّقِيقِ إذَا خَبَزَهُ خُبْزًا، وَاللَّحْمِ إذَا طَبَخَهُ أَوْ شَوَاهُ، فَلَمْ يَرَوْا لِلْمَغْصُوبِ فِي كُلِّ هَذَا إلَّا قِيمَةَ مَا غُصِبَ مِنْهُ فَقَطْ - وَجَعَلُوا الْقَمِيصَ، وَالْخُبْزَ، وَالطَّبْخَ، وَالشِّوَاءَ: حَلَالًا لِلْغَاصِبِ، بِحُكْمِ إبْلِيسَ اللَّعِينِ. فَهَذِهِ أَبْدَالٌ أَوْجَبُوهَا بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ فَرْضًا مِنْ حُقُوقٍ وَاجِبَةٍ بِغَيْرِ رِضَا الَّذِي أَلْزَمُوهَا إيَّاهَا، وَلَا طِيبِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْتَرِضُ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْقَضَايَا الْخَبِيثَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنْ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَخْتَارَهُ؟ فَقَوْلٌ سَخِيفٌ، بَلْ عَفْوُهُ عَنْ الْقَوَدِ جَائِزٌ، وَتَبْقَى لَهُ الدِّيَةُ، إلَّا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ: فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الدِّيَةِ، وَإِذَا اخْتَارَ الدِّيَةَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ، وَإِذَا عَفَا عَنْ الْقَوَدِ بَقِيَ حُكْمُهُ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ - وَهُوَ الدِّيَةُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ التَّخْيِيرَ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ: فَصَحِيحٌ، وَالنَّسْخُ جَائِزٌ؛ لِمَا فِي الْقُرْآنِ بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا لِلسُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، وَبِخَبَرٍ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ أَيْضًا. فَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَا الْقَوْلِ حَيْثُ زَادُوا عَلَى النَّسْخِ بِالْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ، كَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَالتَّدْلِيكِ فِي الْغُسْلِ - وَكَإِيجَابِ الدِّيَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِقِيَاسٍ، أَوْ رِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ أَوْ تَقْلِيدٍ بِغَيْرِ نَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا رِوَايَتُهُمْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَلَمْ يُولَدْ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِنَحْوِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً - وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافًا لَهُ. وَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْقَاتِلِ، فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَمُحَالٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَتَكَلُّفٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ - مَعَ أَنَّهُ خِلَافٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فَقَالُوا هُمْ: بَلْ نَتْبَعُ بِضَرْبِ مِائَةِ سَوْطٍ وَنَفْيِ سَنَةٍ بِلَا نَصٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا رِوَايَةٍ عَنْ صَاحِبٍ - وَلَا يَشُكُّ ذُو فَهْمٍ أَنَّ الْمَعْفُوَّ لَهُ مِنْ دِيَتِهِ فِي أَخِيهِ هُوَ الْقَاتِلُ، وَأَمَّا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَلَمْ يُعْفَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَخِيهِ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا تَأَوَّلُوهُ بِالْبَاطِلِ لَكَانَ مُخَالِفًا لِأَقْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ مُرَاعَاةَ رِضَا الْوَلِيِّ، بَلْ كَانَ يَكُونُ الْخِيَارُ حِينَئِذٍ لِلْقَاتِلِ فَقَطْ - وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ - فَصَحَّ أَنَّ تَأْوِيلَهُمْ فِي الْآيَةِ مُحَالٌ بَاطِلٌ مُمْتَنِعٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ أَصْلًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى فِيهِ أَيْضًا: إمَّا أَنْ يُقَادَ وَإِمَّا أَنْ يُفَادَى أَهْلُ الْقَتِيلِ: فَصَحِيحٌ، وَهُوَ مَعْنًى ثَالِثٌ، وَبِهِ نَقُولُ، وَهُوَ اتِّفَاقُهُمْ كُلُّهُمْ - الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ - عَلَى فِدَاءِ الْقَاتِلِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِمَّا صَحَّ، وَلَا ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ - فَهَذَا هُوَ التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ، وَكَيْدُ الْإِسْلَامِ جِهَارًا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلَيْسَ تَرْكُ الصَّحِيحِ مِمَّا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ مِنْ أَنْ يُقَادَ أَوْ يُودَى مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ صَحَّ أَيْضًا مِنْ أَنْ يُقَادَ أَوْ يُفَادَى بِأَوْلَى مِنْ آخَرَ خَالَفَ الْحَقَّ، فَتَرَكَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنْ يُفَادَى مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ: أَوْ يُودَى - وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ - فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَ كُلِّ ذَلِكَ، وَضَمَّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ: هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ. وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ فِي خَبَرِ أَبِي شُرَيْحٍ بِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ: فَسُفْيَانُ مَجْهُولٌ

لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ: إيجَابَ الْقَوَدِ فِي الْجِرَاحِ جُمْلَةً، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ وَحْدَهَا فَقَطْ، فَيَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَيِّ بَابٍ يَقَعُ احْتِجَاجُ الْمَرْءِ عَلَى خَصْمِهِ بِمَا يُخَالِفُ - وَهُوَ يُصَحِّحُهُ وَخَصْمُهُ لَا يُصَحِّحُهُ -. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ لِلْمَجْرُوحِ، أَوْ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ بَيْنَ الْقَوَدِ، أَوْ الدِّيَةِ، أَوْ الْعَفْوِ دُونَ اشْتِرَاطِ رِضَا الْجَانِي - وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ، وَرِضًا بِالتَّمْوِيهِ الْمُفْتَضَحِ مِنْ قُرْبٍ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا - بِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا فَرْقَ، فَلِعُمُومِ نَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَخُصَّ إحْدَى الدَّارَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ - وَبِهِ نَأْخُذُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: إنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عَمْدًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ - وَكَانَ الْمَقْتُولُ غَيْرَ سَاكِنٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ - فَلَا قَوَدَ فِيهِ أَصْلًا، إنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ - فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْمَقْتُولُ سَاكِنًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَعَلَى قَاتِلِهِ عَمْدًا - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ - الْكَفَّارَةُ فَقَطْ، وَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَلَا دِيَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخْرَجَ هَذَا الْقَوْلَ السَّخِيفَ، وَلَا مَنْ تَقَدَّمَهُ إلَيْهِ - وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُبْتَلِينَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِتَقْلِيدِهِ مَوَّهُوا فِي ذَلِكَ -: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلَاحِ قَالَ: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْت أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ

قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا - فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ فِيهِمْ أَسْرًا وَقَتْلًا، وَدَفَعَ إلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرًا، حَتَّى إذَا أَصْبَحَ يَوْمًا أَمَرَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذُكِرَ لَهُ صَنِيعُ خَالِدٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ فَاعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ: لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ -: وَأَمَّا حَدِيثُ الْيَمَانِ وَالِد حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَفِيهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُلْجَمِ بْنِ قُدَامَةَ وَقَتْلُهُ عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ، وَإِعْطَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّيَةَ فِيهِ، وَمَنْعُهُ مِنْ الْقَوَدِ، فَفِيهِ زِيَادُ بْنُ ضُمَيْرَةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - بَلْ إنَّهُ يَصِحُّ فِي حَدِيثِ مُلْجَم الْمَذْكُورِ -: مَا نَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أُطُمٍ، فَلَقِيَنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ - هُوَ أَشْجَعِيٌّ - فَحَيَّانَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَامَ إلَيْهِ الْمُلْجَمُ بْنُ جَثَّامَةَ - هُوَ لَيْثِيٌّ كِنَانِيٌّ - فَقَتَلَهُ ثُمَّ سَلَبَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرْنَاهُ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94] » .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُلُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يَقْتُلْ بَنِي جَذِيمَةَ إلَّا مُتَأَوِّلًا أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَنْ قَوْلَهُمْ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا - إسْلَامٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ أُسَامَةُ بِلَا شَكٍّ، وَحَسْبُك بِمُرَاجَعَتِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَقَوْلِهِ: إنَّمَا قَالَهَا مِنْ خَوْفِ السِّلَاحِ - وَهُوَ وَاَللَّهِ الثِّقَةُ الصَّادِقُ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إلَّا مَا فِي نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ السَّرِيَّةُ الَّتِي أَسْرَعَتْ بِالْقَتْلِ فِي خَثْعَمَ وَهُمْ مُعْتَصِمُونَ بِالسُّجُودِ، وَإِذْ هُمْ مُتَأَوِّلُونَ فَهُمْ قَاتِلُو خَطَأٍ بِلَا شَكٍّ، فَسَقَطَ الْقَوَدُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِمْ فَوَجَدْنَاهُمْ كُلَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَسَقَطَتْ الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْكَفَّارَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ ضَرُورَةً: إمَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِهَا فَسَكَتَ الرَّاوِي عَنْ ذَلِكَ. وَإِمَّا أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَالدُّعَاءُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ مُتَأَوِّلًا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِعْلِهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَدْ بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُلِّ خَطَأٍ خَالَفَ الْحَقَّ، وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فَاعِلُهُ مَأْجُورًا أَجْرًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَبْرَأْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَالِدٍ قَطُّ، إنَّمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ تَأْوِيلٍ أَخْطَأَ فِيهِ الْمُتَأَوِّلُ، وَلَا نَبْرَأُ مِنْ الْمُتَأَوِّلِ - وَلَوْ بَرِئَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ خَالِدٍ لَمَا أَمَرَهُ بَعْدَهَا - فَصَحَّ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ إعْطَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَثْعَمًا نِصْفَ الدِّيَةِ؟ قُلْنَا: فَعَلَ ذَلِكَ تَفَضُّلًا، وَصِلَةً وَاسْتِئْلَافًا عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَطْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَهُمْ دِيَةٌ لَمَا مَنَعَهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهَا وَبَرَةً فَمَا فَوْقَهَا. فَلَمَّا بَطَلَ احْتِجَاجُ الْحَنَفِيِّينَ لِقَوْلِهِمْ الْخَبِيثِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ، وَالدِّيَةِ عَمَّنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ مُسْلِمٍ يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ - وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ - وَفِي إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ فَقَطْ عَنْ الْمُتَعَمِّدِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، إذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهَا كُلُّهَا قَتْلُ خَطَأٍ لَا قَتْلُ عَمْدٍ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ بَرِئَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ سَكَنَ بَيْنَ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ؟ قُلْنَا: لَوْ كَانَ هَذَا مُبِيحًا لِتَعَمُّدِ قَتْلِهِ لَبَطَلَ قَوْلُكُمْ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ قَتَلَهُ مَنْ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ، إنَّمَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ؛ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. ثُمَّ زَادُوا ضَلَالًا فَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ سَاقِطٍ مَوْضُوعٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ» فَكَانَ هَذَا عَجَبًا؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، فَيَقْطَعُونَ الْأَيْدِيَ فِي السَّفَرِ، فَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَخْصِيصُ دَارِ الْحَرْبِ بِذَلِكَ؟ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ إسْقَاطُهُمْ الْقَوَدَ، وَالدِّيَةَ، أَوْ الْقَوَدَ فَقَطْ عَلَى تَرْكِ قَطْعِ الْأَيْدِي هَوَسًا ظَاهِرًا - وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَنْ يُرِيدَ النَّهْيَ عَنْ الْقَوَدِ، وَالدِّيَةِ فِي قَتْلِ نَفْسِ الْمُسْلِمِ عَمْدًا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَيَدَعَ ذِكْرَ ذَلِكَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَطْعِ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ - هَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَذَّابٌ مَلْعُونٌ مُتَعَمِّدُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَمَّا قَوْلُنَا يُقْتَلُ قَاتِلُ الْعَمْدِ بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ بِهِ فَإِنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كُلِّ ذَلِكَ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَفْصٌ - هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْعَمْدُ كُلُّهُ قَوَدٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ: الْعَمْدُ قَوَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: إذَا مَثَّلَ بِالرَّجُلِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُمَثَّلُ بِهِ ثُمَّ يُقْتَلُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: كُلِّ شَيْءٍ يَقْتُلُهُ فَإِنَّهُ يُقَادُ بِهِ نَحْوُ الْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَقْتُلُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنًا لِصُهَيْبٍ أَخَذَ ابْنًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ فَضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ مَعَهُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا، وَأَنَّ الصُّهَيْبِيَّ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ حَاطِبٍ، فَضَرَبَهُ بِعَصًا مَعَهُ فِي الرَّأْسِ حَتَّى تَطَايَرَتْ شُؤُونُ رَأْسِهِ فَمَاتَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسٌ لَا يُنْكِرُهُ - كَانَ اسْمُ الصُّهَيْبِيِّ: الْحَسَنَ بْنَ عُثْمَانَ - وَكَانَ اسْمُ الْحَاطِبِيِّ: يَزِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: إنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ قُتِلَ بِحَجَرٍ، وَإِنْ قَتَلَ بِخَشَبَةٍ قُتِلَ بِخَشَبَةٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا حُمَيْدٌ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بِفِهْرٍ؟ فَكَتَبَ مَيْمُونٌ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ يَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ إلَى أُمِّ الْيَهُودِيِّ، فَدَفَعَهُ إلَيْهَا، فَقَتَلَتْهُ بِفِهْرٍ. وَبِهِ يَأْخُذُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، أَوْ عَصًا، أَوْ بِالنَّارِ، أَوْ بِالتَّغْرِيقِ: قُتِلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، يُكَرَّرُ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ حَتَّى مَاتَ: ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ، وَإِنْ حَبَسَهُ بِلَا طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ حَتَّى يَمُوتَ: حُبِسَ مِثْلُ تِلْكَ الْمُدَّةِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ: قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَهَكَذَا إنْ غَرَّقَهُ، وَهَكَذَا إنْ أَلْقَاهُ مِنْ مَهْوَاةٍ عَالِيَةٍ - فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ: قُطِعَتْ يَدَا الْقَاطِعِ وَرِجْلَاهُ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ لَمْ يَمُتْ تُرِكَ كَمَا هُوَ حَتَّى يَمُوتَ: لَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى - وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ جُوعًا أَوْ عَطَشًا: جُوِّعَ وَعُطِّشَ حَتَّى يَمُوتَ وَلَا بُدَّ - وَلَا تُرَاعَى الْمُدَّةُ أَصْلًا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: إنْ غَمَسَهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَمُوتَ: غَمَسْتُهُ فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ - وَإِنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا ضَرَبْتُهُ مِثْلَ ضَرْبِهِ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُثْلَةَ، وَيَقُولُونَ: السَّيْفُ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَلْ أَضْرِبُهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْتَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا بِالسَّيْفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا قَوَدَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَتَلَ بِخَشَبَةٍ أَوْ بِالشَّيْءِ؟ قَالَ: السَّيْفُ مَحَلُّ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَا قَوَدَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ سُفْيَانَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ قَتَلَهُ - مِمَّا يُوجِبُ الْقَوَدَ - فَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ظَاهِرُ مَا رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: إيجَابُ الْقَوَدِ بِالسَّيْفِ، وَالرُّمْحِ، وَالسِّكِّينِ، وَالْمِطْرَقَةِ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 42] .

وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] . قَالُوا: فَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَوْرَدْنَا: مُوجِبٌ أَنَّ الْغَرَضَ فِي الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ إنَّمَا هُوَ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَعَدِّي ذَلِكَ إلَى غَيْرِ مَا اعْتَدَى بِهِ. قَالُوا: فَمَنْ قَتَلَ بِالسَّيْفِ مَنْ قَتَلَ مُتَعَدِّيًا بِغَيْرِ السَّيْفِ، فَقَاتِلُهُ بِمَا لَمْ يَقْتُلْ بِهِ، مُتَعَدٍّ ظَالِمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أُمِرَ بِهِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا - بِمَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . قَالُوا: فَمَنْ قَتَلَ أَحَدًا بِغَيْرِ السَّيْفِ ظَالِمًا عَامِدًا: فَبَشَرَةُ غَيْرِ الْقَاتِلِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَقِيدِ، وَغَيْرِهِ، إذْ قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ بِإِبَاحَتِهَا، إنَّمَا حَلَّ مِنْ بَشَرَةِ الْقَاتِلِ، وَمِنْ التَّعَدِّي عَلَيْهِ مِثْلُ مَا انْتَهَكَ هُوَ مِنْ بَشَرَةِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُ مَا تَعَدَّى عَلَيْهِ بِهِ قَطُّ - وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَهُوَ كَمَنْ أَفْتَى مَنْ فُقِئَتْ عَيْنَاهُ ظُلْمًا بِأَنْ يَجْدَعَ هُوَ أَشْرَفَ أُذُنَيْ فَاقِئِ عَيْنَيْهِ - وَلَا فَرْقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا هَمَّامٌ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ جَارِيَةً قَدْ وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ؟ فُلَانٌ؟ فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا لَهَا يَهُودِيًّا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا؟ فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ الْحِجَارَةِ.» وَرَوَاهُ أَيْضًا - شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، وَمَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ.

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: أَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنِ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ أَنَا أَبُو رَجَاءٍ - مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ - حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ - ثَمَانِيَةً - قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاسْتَوْخَمُوا الْأَرْضَ، وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا؟ فَقَالُوا: بَلَى: فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَصَحُّوا، فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَطَرَدُوا الْإِبِلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُدْرِكُوا، فَجِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ، وَأَرْجُلُهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا» . قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ - مَرْوَزِيٌّ - أَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «إنَّمَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْيُنَ أُولَئِكَ؛ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ» فَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُهُ الَّذِي لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - أَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُودَى، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْقَوَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الْمُقَارَضَةُ بِمِثْلِ مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ،

لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ بِالْيَدِ، وَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفِ بِالْأَنْفِ، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، كُلُّ ذَلِكَ يُسَمَّى " قَوَدًا ". فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَنَا بِالْقَوَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَمَرَنَا بِأَنْ يُعْمَلَ بِالْمُعْتَدِي فِي الْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ: مِثْلُ مَا عَمِلَ هُوَ سَوَاءً سَوَاءً - هَذَا أَمْرٌ تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ وَاللُّغَةُ وَلَا بُدَّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى -: فَوَجَدْنَاهُمْ يُعَوِّلُونَ عَلَى مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ أَشْعَثَ، وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِمُرْسَلٍ. وَقَالُوا: الْخَبَرَانِ عَنْ أَنَسٍ فِي الَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ، وَفِي الَّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ، فَإِنَّمَا كَانَا إذْ كَانَتْ الْمُثْلَةُ مُبَاحَةً، ثُمَّ نَسَخَهَا بِتَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ لِذَلِكَ الْخَبَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِأَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ» . قَالُوا: وَالرَّجْمُ قَدْ لَا يُصِيبُ الرَّأْسَ، فَقَدْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ مَا قَتَلَ هُوَ بِهِ الْجَارِيَةَ. وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الصَّبَاحِ بْنِ عِمْرَانَ - هُوَ الْبُرْجُمِيِّ - أَنَّهُ سَمِعَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، وَعِمْرَانَ يَقُولَانِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ.»

وَرُوِّينَا نَحْوَهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالُوا: «مَا سَمِعْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطُّ خَطَبَنَا إلَّا وَهُوَ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ» : أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ غَيْلَانَ الْحَرَّانِيُّ أَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ ثنا أَبُو قُرَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، أَوْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ: فَاقْتُلُوهُ وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ أَحَدًا» يَعْنِي بِالنَّارِ، وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمُثْلَةِ. قَالُوا: وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا. قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ نُخَالِفْهُمْ قَطُّ فِي أَنَّ الْمُثْلَةَ لَا تَحِلُّ، لَكِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا مُثْلَةَ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا مَا أَمَرَ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مُثْلَةً. لَيْتَ شِعْرِي: مَا الْفَرْقُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، بَيْنَ مَنْ قَتَلَ عَامِدًا ظَالِمًا بِالْحِجَارَةِ فَقُتِلَ هُوَ كَذَلِكَ؟ فَقَالُوا: هَذِهِ مُثْلَةٌ؟ وَبَيْنَ مَنْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقُتِلَ بِالْحِجَارَةِ؟ فَقَالُوا: لَيْسَ هُوَ مُثْلَةً، أَلَا يَسْتَحِي ذُو دِينٍ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الظَّاهِرِ فَسَادُهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالرَّجْمِ فِي الزِّنَى، وَالْإِحْصَانِ، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْنَا: وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمُعْتَدِي بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَبِالْمُعَاقَبَةِ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ظَالِمًا - وَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّدْخِ بِالْحَجَرِ مَنْ قَتَلَ ظَالِمًا كَذَلِكَ، فَهَلْ مِنْ فَرْقٍ؟

وَلَيْتَ شِعْرِي: عَلَى مَا يَعْهَدُ النَّاسُ أَيَكُونُ مُثْلَةً أَعْظَمَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَفَقْءِ الْعَيْنَيْنِ، وَجَدْعِ الْأَنْفِ، وَالْأُذُنَيْنِ، وَبَرْدِ الْأَسْنَانِ، وَقَطْعِ الشَّفَتَيْنِ - وَهُمْ مُوَافِقُونَ لَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَنْ يُفْعَلَ بِمَنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِهِ ظَالِمًا، فَلَوْ تَرَكُوا التَّحَكُّمَ لَكَانَ أَوْلَى؟ وَلَقَدْ قَالُوا: إنَّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، فَإِنْ قَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الثَّانِيَةُ وَلَا رِجْلُهُ. وَنَظُنُّ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ مَنْ قَطَعَ يَدَ آخَرَ وَرِجْلَهُ: أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ، لَاحَ تَنَاقُضُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوهُ زَادُوا فِي الْبَاطِلِ وَمَنْعِ الْحَقِّ. ؟ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ فَخَطَأٌ، وَكَلَامُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ تِلْكَ الْمَشَاهِدَ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ شَهِدَهَا: فَهُوَ لَا شَيْءَ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي مَوَّهُوا بِهِ لَمْ يُسْمَعْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ يَخْطُبُ إلَّا نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي كَذِبِهِمْ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاَلَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ؛ لِأَنَّ أَنَسًا صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَازَمَهُ خَادِمًا لَهُ مِنْ حِينِ قَدِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَدِينَةِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ يَقِينًا قَطْعًا بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسٌ خُطْبَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُثْلَةِ قَبْلَ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاَلَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ - فَبَطَلَ ضَرُورَةً أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ نَاسِخًا لِلْمُتَأَخِّرِ، وَبِاَللَّهِ إنَّ ضَرْبَ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ لَأَعْظَمُ مُثْلَةً - وَلَقَدْ شَاهَدْنَاهُ فَرَأَيْنَاهُ مَنْظَرًا وَحْشًا، وَكَأَنَّهُ جَسَدٌ بِأَرْبَعَةِ أَفْخَاذٍ. فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ بِالْمُثْلَةِ - وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَيْسَ هُوَ مُثْلَةٌ، إنَّمَا الْمُثْلَةُ مِنْ فِعْلِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُتَعَدِّيًا وَلَا مَزِيدَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ» فَلَا شَكَّ، وَلَا خِلَافَ، فِي أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا هِيَ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فِي إنْسَانٍ وَاحِدٍ، فَقَوْلُ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: «فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ.» وَقَوْلُ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: «فَأَمَرَ بِهِ فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.» وَقَوْلُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ الْحِجَارَةِ:»

أَخْبَارٌ عَنْ عَمَلٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا رُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقَدْ رُضَّ بِالْحِجَارَةِ، وَقَدْ رُجِمَ رَأْسُهُ حَتَّى مَاتَ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ، إذْ كُلُّهَا مَعْنًى وَاحِدٌ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - وَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ، وَإِنَّمَا هَذَا تَعَلُّلٌ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَاطِلِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: «خَصْلَتَانِ سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَغَايَةُ الْإِحْسَانِ فِي الْقِتْلَةِ هُوَ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ هُوَ - وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] وَأَمَّا مَنْ ضَرَبَ بِالسَّيْفِ عُنُقَ مَنْ قَتَلَ آخَرَ خَنْقًا، أَوْ تَغْرِيقًا، أَوْ شَدْخًا، فَمَا أَحْسَنَ الْقِتْلَةَ، بَلْ إنَّهُ أَسَاءَهَا أَشَدَّ الْإِسَاءَةِ، إذْ خَالَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَتَعَدَّى حُدُودَهُ، وَعَاقَبَ بِغَيْرِ مَا عُوقِبَ بِهِ وَلِيُّهُ، وَإِلَّا فَكُلُّهُ قَتْلٌ، وَمَا الْإِيقَافُ لِضَرْبِ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ بِأَهْوَنَ مِنْ الْغَمِّ، وَالْخَنْقِ، وَقَدْ لَا يَمُوتُ مِنْ عِدَّةِ ضَرَبَاتٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أُخْرَى - هَذَا أَمْرٌ قَدْ شَاهَدْنَاهُ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ - فَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فَقَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا مِنْ طَرِيفِ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَمَتَى خَالَفْنَاهُمْ فِي أَنَّ الْعَبَثَ بِالْبَهَائِمِ، وَبِغَيْرِ الْبَهَائِمِ لَا يَحِلُّ، إنَّمَا بِهِمْ أَنْ يُمَوِّهُوا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ وَهُمْ لَا يَأْتُونَ إلَّا بِمَا نُهُوا عَنْهُ؟ . وَأَمَّا بِالْبَاطِلِ - نَعَمْ، صَبْرُ الْبَهَائِمِ لَا يَحِلُّ، إلَّا حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الذَّبْحِ،

وَالنَّحْرِ وَالرَّمْيِ فِيمَا شَرَدَ بِالنَّبْلِ، وَالرِّمَاحِ، وَإِرْسَالِ الْكِلَابِ، وَسِبَاعِ الطَّيْرِ عَلَيْهَا - فَهَذَا كُلُّهُ حَلَالٌ حَسَنٌ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ الْعَبَثُ بِابْنِ آدَمَ، فَإِذَا عَبِثَ هُوَ ظَالِمًا: اُقْتُصَّ مِنْهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ - وَكَانَ حَقًّا وَعَدْلًا؛ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ ضَرْبَ الْعُنُقِ صَبْرٌ بِلَا شَكٍّ، وَالصَّلْبُ أَشْنَعُ الصَّبْرِ، وَهُمْ يَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ، فَلَوْ رَاجَعُوا الْحَقَّ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا مَوَّهُوا بِهِ مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ يَعْلَى قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ.» وَذَكَرُوا - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِذَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ وَقَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا فَاقْتُلُوهُ وَلَا تُحَرِّقُوهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُحْرَقَ أَحَدٌ بِالنَّارِ ابْتِدَاءً، حَتَّى إذَا فَعَلَ الْمَرْءُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَذَكَرُوا - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كَامِلٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ «مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِنَفَرٍ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَنَحْنُ نَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا إلَّا حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الْقِصَاصِ، فَمَنْ اسْتَحَقَّ لَعْنَةَ اللَّهِ لِفِعْلِهِ ذَلِكَ، وَالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى هُوَ بِهِ - وَهُمْ يُوَافِقُونَنَا فِي رَمْيِ الْعَدُوِّ بِالنَّبْلِ، وَالْمَجَانِيقِ، وَاِتِّخَاذِهِمْ غَرَضًا - وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. هَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا - وَقَدْ عَلِمْنَا: أَنَّ نَحْرَ الْإِبِلِ، وَذَبْحَ الْحَيَوَانِ، وَالْقَتْلَ بِالسَّيْفِ فِي الْقِصَاصِ: كُلُّ ذَلِكَ قَتْلُ صَبْرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهَكَذَا سَائِرُ وُجُوهِ الْقِصَاصِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا فَرْقَ. وَذَكَرُوا - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَنِيءِ بْنِ نُوَيْرَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لَفْظُهُ، فَإِنَّ فِيهِ هَنِيءَ بْنَ نُوَيْرَةَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَلَا أَعَفُّ قِتْلَةً مِمَّنْ قَتَلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاعْتَدَى بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ عَلَى وَلِيِّهِ ظُلْمًا، وَمَا أَعَفُّ قَطُّ فِي قِتْلَةٍ مَنْ ضَرَبَ عُنُقَ مَنْ لَمْ يَضْرِبْ عُنُقَ وَلِيِّهِ، بَلْ هُوَ مُعْتَدٍ، ظَالِمٌ، فَاعِلٌ مَا لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ اُسْتُشْهِدَ، فَذَكَرَ كَلَامًا - وَفِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: وَاَللَّهِ، مَعَ ذَلِكَ، لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفٌ بَعْدُ بِخَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحْلِ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] » . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا لَوْ صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، وَيَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، وَأَمْثَالِهِمَا: لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ أَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ - وَهَذِهِ إبَاحَةُ التَّمْثِيلِ بِمَنْ مَثَّلَ بِحَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يُمَثِّلَ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ لَمْ يُمَثِّلُوا بِحَمْزَةَ - وَهَذَا قَوْلُنَا لَا قَوْلُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَوَّهُوا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ مَوْضُوعٍ، وَهُوَ -: مَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَأْنَى بِالْجِرَاحِ سَنَةً» . وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ كَذَّابٌ. ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الِاسْتِيفَاءَ بِالْجِرَاحِ سَنَةً، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ، أَوْ مَنْ لَهُ حَيَاءٌ: أَنْ يَحْتَجَّ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِمَا فِيهِ؟ وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُسْتَقَادُ مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ عَنْبَسَةَ هَذَا مَجْهُولٌ - وَلَيْسَ هُوَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ لَمْ يُدْرِكْهُ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُ هَذَا.

كَمَا أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ: أَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقِيدُ؟ فَقِيلَ لَهُ: حَتَّى تَبْرَأَ، فَأَبَى وَعَجَّلَ فَاسْتَقَادَ، فَعَنِتَتْ رِجْلُهُ وَبَرِئَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ لَك شَيْءٌ إنَّكَ أَبَيْتَ» . فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَ الْقَوَدِ أَوْ تَأْخِيرَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ. وَاحْتَجُّوا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنْ قَالُوا: وَجَدْنَا مَنْ قَطَعَ يَدَ آخَرَ خَطَأً أَنَّهُ إنْ بَرِئَ فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ، وَإِنْ مَاتَ فَلَهُ دِيَةُ النَّفْسِ وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْيَدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمْدُ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْخَطَأِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى خِلَافِهِ وَضِدِّهِ، وَالْعَمْدُ ضِدُّ الْخَطَأِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ وَقَالُوا: يَلْزَمُكُمْ إنْ رَمَى إنْسَانٌ آخَرَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ أَنْ تَرْمُوهُ بِسَهْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَبِآخَرَ، ثُمَّ بِآخَرَ - وَكَذَلِكَ إنْ أَجَافَهُ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ بِالْجَوَائِفِ حَتَّى يَمُوتَ - وَهَذَا أَكْثَرُ مِمَّا فَعَلَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ فَقُلْنَا: هَذَا تَمْوِيهٌ فَاسِدٌ، وَكَلَامٌ مُحَالٌ، بَلْ يُطْعَنُ بِسَهْمٍ مِثْلِهِ، فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَادَفَ فِيهِ سَهْمُهُ ظُلْمًا حَتَّى يَمُوتَ، وَكَذَلِكَ يُجَافِ بِجَائِفَةٍ مُوقَنٌ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهَا - وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ هَذَا السُّؤَالَ، فَنَقُولُ لَهُمْ: إنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ فِي عُنُقِهِ فَلَمْ يَقْطَعْ، أَوْ قَطَعَ قَلِيلًا فَأُعِيدَ عَلَيْهِ مِرَارًا - وَهَذَا أَشَدُّ مِمَّا قُلْتُمْ وَأَمْكَنُ - فَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ يَقَعُ كَثِيرًا جِدًّا.

وَقَالُوا: أَرَأَيْتُمْ إنْ اسْتَدْبَرَهُ بِالْأَوْتَارِ؟ فَقُلْنَا: يَسْتَدْبِرُهُ بِمِثْلِهَا، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ. فَقَالُوا: فَإِنْ نَكَحَهُ حَتَّى يَمُوتَ؟ قُلْنَا: يَسْتَدْبِرُهُ بِوَتَدٍ حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

باب من الكلام في شبه العمد وهو عمد الخطأ

[بَابٌ مِنْ الْكَلَامِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ] ِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ وَلَمْ نُوَضِّحْ فَسَادَ الْأَخْبَارِ الَّتِي مَوَّهُوا بِهَا، وَتُنَاقِضُ الطَّوَائِفُ الثَّلَاثُ الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ فِيهَا؛ فَوَجَبَ أَنْ نَسْتَدْرِكَ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلْنَا فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: شَغَبَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، الْقَائِلُونَ بِعَمْدِ الْخَطَأِ -: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَازِبٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ، وَفِي كُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ كَذَّابٌ، وَأَوَّلُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ لَمْ يُبَالِ بِذَلِكَ أَصْحَابُهُ، فَاحْتَجُّوا بِرِوَايَتِهِ حَيْثُ اشْتَهَوْا، ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ، عَاصُونَ لَهُ. فَالشَّافِعِيُّونَ: يَرَوْنَ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُمَاتَ مِنْ مِثْلِهِ، وَالْحَنَفِيُّونَ: يَرَوْنَ الْقَوَدَ عَلَى مَنْ ذَبَحَ بِلِيطَةِ الْقَصَبِ، وَعَلَى مَنْ أَحْرَقَ بِالنَّارِ، وَعَلَى مَنْ خَنَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَصَاعِدًا - وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ قَتْلٌ بِالسَّيْفِ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخِلَافِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ جَالِسًا آخَرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِرِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ الْكَذَّابِ الْمَذْكُورِ الْمُرْسَلَةِ أَيْضًا «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» وَرَأَوْهُ حِينَئِذٍ حُجَّةً لَازِمَةً، تُرَدُّ بِهِ

رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الثِّقَاتِ، الْمُسْنَدَةِ، وَآخِرُ عَمَلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا وَافَقَ رَأْيَ مَالِكٍ، ثُمَّ لَمْ يَكْبُرْ عَلَيْهِمْ تَكْذِيبُ جَابِرٍ وَرَدُّ رِوَايَتِهِ، إذَا خَالَفَ رَأْيَ مَالِكٍ - فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَلَا مَزِيدَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي كُلِّ بَلِيَّةٍ وَتُرِكَ حَدِيثُهُ بِأُخَرَةٍ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَكْرَمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ ابْنِ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلَّا السَّيْفَ وَلِكُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عَبْدُ الْبَاقِي لَا شَيْءَ، وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ: ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَعَفَّانُ، وَوَكِيعٌ - وَتَرَكَ حَدِيثَهُ الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ - وَهُوَ بُعْدٌ - عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ بِنْتِ النُّعْمَانِ الَّذِي لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ؟ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا - بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدُ الْيَدِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ» وَفِيهِ: فَمَا كَانَ مِنْ رَمْيٍ، أَوْ ضَرْبَةٍ بِعَصَا، أَوْ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ، فَهُوَ مُغَلَّظٌ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ فِي رِمِّيَّا رَمْيًا بِحَجَرٍ أَوْ ضَرْبًا بِعَصًا أَوْ سَوْطٍ، فَعَلَيْهِ عَقْلُ الْخَطَأِ، وَمَنْ قُتِلَ اعْتِبَاطًا فَهُوَ قَوَدٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَعَلَّهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا جَاءَ بِهِ الْوَحْيُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ: قَتْلُ الْعَمِيَّةِ - دِيَتُهُ دِيَةُ الْخَطَأِ، الْحَجَرُ، وَالسَّوْطُ، وَالْعَصَا - مَا لَمْ يَحْمِلْ سِلَاحًا.» وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ

فِي عِمِّيَّا أَوْ رِمِّيَّا يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ بِسَوْطٍ أَوْ بِعَصًا فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ - بِنَحْوِهِ. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ طَاوُسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا فَهُوَ خَطَأٌ عَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ -: أَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ - وَهُوَ مَخْزُومِيٌّ مَكِّيٌّ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا كُلُّهُمْ مُخَالِفِينَ لَهُ -: أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا كَانَ مِنْ رَمْيٍ، أَوْ ضَرْبَةٍ بِعَصًا، أَوْ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ، فَهُوَ مُغَلَّظٌ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ - وَهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ رُمِيَ بِسَهْمٍ، أَوْ رُمْحٍ، فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَلَمْ يَخُصَّ فِي هَذَا الْبَابِ رَمْيًا مِنْ رَمْيٍ، بَلْ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّمْيِ الْمُطْلَقِ، وَالرَّمْيِ بِالْحَجَرِ، وَالضَّرْبَةِ بِالْعَصَا - فَصَحَّ أَنَّهُ الرَّمْيُ بِالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ خَالَفَهُ الشَّافِعِيُّونَ أَيْضًا فِي الرَّمْيِ مِنْ كُلِّ مَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ. وَالْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةً. وَأَمَّا خَبَرَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ - أَمَّا الْأَوَّلُ، فَفِيهِ: الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَأَمَّا الثَّانِي - فَمُرْسَلٌ، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ صَحَّا جَمِيعًا لَكَانُوا أَيْضًا قَدْ خَالَفُوهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا: أَنَّ عَقْلَهُ عَقْلُ الْخَطَأِ - وَلَا يَرَى هَذَا أَحَدٌ مِنْهُمْ. أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ - فَيُغَلِّظُونَ فِيهِ الدِّيَةَ فِي الْإِبِلِ، بِخِلَافِ عَقْلِ الْخَطَأِ؛ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَيَرَوْنَ فِيهِ الْقَوَدَ. وَأَمَّا خَبَرَا سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، وَبَكْرِ بْنِ مُضَرَ - فَصَحِيحَانِ، وَبِهِمَا نَقُولُ، وَهُمَا

خِلَافُ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا: أَنَّ مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ، أَوْ عِمِّيَّا، فَهُوَ خَطَأٌ عَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ - فَهَذَا قَتِيلٌ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، وَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الدِّيَةُ، وَدِيَتُهُ دِيَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ. وَفِيهِمَا - مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ، فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَيْفًا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا حَدِيدَةً مِنْ غَيْرِهَا، بَلْ أَوْجَبَ فِيهِ الْقَوَدَ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ بِيَدِهِ - وَهُوَ قَوْلُنَا، لَا قَوْلُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شِبْهُ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ صَاحِبُهُ» وَذَلِكَ أَنْ يَنْزَوِ الشَّيْطَانُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَكُونُ رَمْيًا فِي عَمْيَاءَ، عَنْ غَيْرِ ضَغِينَةٍ، وَلَا حَمْلِ سِلَاحٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا مُرْسَلٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَجَمِيعُ الطَّوَائِفِ نَقَضَتْ أُصُولَهَا فِيهِ -: أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَأَقْحَمُوا فِيهِ مَنْ تَعَمَّدَ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِالْخَنْقِ، أَوْ بِالتَّغْرِيقِ، أَوْ بِشَدْخِ رَأْسِهِ بِحَجَرٍ فِيهِ قِنْطَارٌ - وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا فُسِّرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي شَيْءٍ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَهُمْ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ - وَهَذَا مُرْسَلٌ قَدْ تَرَكُوهُ. وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَرَوْنَ الْأَخْذَ بِالْمُرْسَلِ - وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِمُرْسَلٍ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ فَارِسٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ فَارِسٍ: وَزَادَ: أَنَا خَلِيلٌ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِإِسْنَادِهِ: وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْزَوِ الشَّيْطَانُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَكُونُ دَمًا فِي عَمْيَاءَ، فِي غَيْرِ ضَغِينَةٍ، وَلَا حَمْلِ سِلَاحٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ صَحِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا - ثُمَّ إنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَيُقْحِمُونَ فِي هَذَا الْقِسْمِ خِلَافَ مَا فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ مَنْ قُتِلَ فِي ضَغِينَةٍ وَحَمْلِ سِلَاحٍ فَقُتِلَ بِعَمُودٍ حَدِيدٍ عَمْدًا قَصْدًا حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ - وَهُوَ خِلَافُهُ جِهَارًا. وَلَمْ يُدْخِلْ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ: مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّا قَصْدًا بِمَا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ عَصًا وَنَحْوِهَا - وَخَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ جُمْلَةً. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «قَتْلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا خَبَرٌ مُدَلَّسٌ، سَقَطَ مِنْهُ بَيْنَ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَجُلٌ -. كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ فِيهِ هَذَا الْخَبَرَ بِعَيْنِهِ. وَعُقْبَةُ بْنُ أَوْسٍ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَلَا يَصِحُّ لِلْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ سَمَاعٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا: عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بِخِلَافِ هَذَا كَمَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثنا أُبَيٌّ ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَوْسٍ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ» قَالَ خَالِدٌ: أَوْ قَالَ «قَتِيلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ، وَالْعَصَا مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَعْقُوبُ بْنُ أَوْسٍ مَجْهُولٌ لَا صُحْبَةَ لَهُ. كَمَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ - هُوَ الْجَحْدَرِيُّ -

أَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ. وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقٍ أَسْقَطَ مِنْ هَذِهِ. كَمَا رُوِّينَا - مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ حَمَّادٌ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ يَعْقُوبَ السَّدُوسِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - هُوَ ابْنُ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ أَلَا إنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا: دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فِيهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» . وَقَالَ سُفْيَانُ: أَنَا ابْنُ جُدْعَانَ سَمِعَهُ مِنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو فَذَكَرَهُ - وَابْنِ جُدْعَانَ هَذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا - وَيَعْقُوبُ السَّدُوسِيُّ مَجْهُولٌ - وَلَمْ يَلْقَ الْقَاسِمُ بْنُ رَبِيعَةَ ابْنَ عَمْرٍو قَطُّ - فَسَقَطَ جُمْلَةً - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّوَائِفَ الثَّلَاثَ نَقَضَتْ فِيهِ أُصُولَهَا -: أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - حَاشَا مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - فَلَا يَرَوْنَ دِيَةَ عَمْدِ الْخَطَأِ إلَّا خَمْسًا وَعِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ حِقَاقًا وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ جَذَعَةٍ - بِخِلَافِ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَخَالَفُوهُ كُلَّهُ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ - فَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي الْعَصَا الَّتِي يُمَاتُ مِنْ مِثْلِ ضَرْبَتِهَا، وَلَا فِي الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ عَمْدًا، حَتَّى يَمُوتَ، بَلْ يَرَوْنَ فِي هَذَا الْقَوَدَ خِلَافًا لِهَذَا الْخَبَرِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ إلَّا بِالْمُسْنَدِ مِنْ رِوَايَةِ الْمَشْهُورِينَ - وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ هَذَا النَّمَطِ. وَشَغَبُوا بِخَبَرِ الْهُذَلِيِّينَ الْمَشْهُورِ الثَّابِتِ لِمَا فِيهِ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا ضَرَبَتْ الْأُخْرَى بِحَجَرٍ - وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِعَمُودٍ فُسْطَاطٍ فَمَاتَتْ هِيَ وَجَنِينُهَا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُرَّةَ وَالدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبَةِ. ثُمَّ افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ آخَرَ بِعَصًا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهَا

أَوْ بِحَجَرٍ يُمَاتُ مِنْهُ، فَلَا قَوَدَ، وَلَكِنَّهُ عَمْدُ خَطَأٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِمَا لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ الْعَمُودَ وَالْحَجَرَ كَانَا مِمَّا لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ، فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ عَمُودَ فُسْطَاطٍ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمَاتُ مِنْ الضَّرْبِ - فِي الشَّرِّ - بِمِثْلِهِ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْعَمُودَ وَالْحَجَرَ اللَّذَيْنِ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِمَا لَا قَوَدَ فِيهِمَا - وَإِنْ تَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِهِمَا - فِي الشَّرِّ، لَكِنْ فِيهِمَا الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَهَذَا ظَنٌّ فَاسِدٌ مِنْهُمْ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، وَأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ أَبُو دَاوُد -: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَضِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ؟ فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا؟ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ، وَأَنْ تُقْتَلَ.» وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمِصِّيصِيُّ أَنَا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعَ طَاوُسًا يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً سَوَاءً - إلَّا أَنَّهُ قَالَ: «فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ، وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا.» فَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. فَقَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ دِيَةَ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ، وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِيمَا فِيهِ الْقَوَدُ؟ قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ فِي ذَلِكَ بِالْقَوَدِ، وَكُلُّ أَوَامِرِهِ حَقٌّ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا لِشَيْءٍ، بَلْ الْغَرَضُ الْجَمْعُ بَيْنَ جَمِيعِهَا - وَوَجْهُ ذَلِكَ بَيِّنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَمْدِ، إذْ حَكَمَ بِالْقَوَدِ، ثُمَّ حَكَمَ فِيهِ. بِحُكْمِ قَتْلِ الْخَطَأِ، إذْ حَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إلَّا بِأَنَّهُ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهَا ضَرَبَتْهَا فَقَتَلَتْهَا: فَحَكَمَ بِالْقَوَدِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ، ثُمَّ صَحَّ أَنَّ ضَرْبَهَا

لَهَا كَانَ خَطَأً عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَرَجَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْحُكْمِ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ قَتْلُ الْخَطَأِ، إذْ لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْمَلَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي لَا يَقْتَضِي مَا حَكَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ غَيْرَ مَا حَكَمَ بِهِ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْطَأَ فِيهِ، وَقَالُوا: قَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَا ذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ؟ فَقُلْنَا: بَلْ الْمُخْطِئُ مَنْ خَطَّأَ الْأَئِمَّةَ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ، وَإِذْ لَمْ يَرْوِ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، فَكَانَ مَاذَا؟ ابْنُ جُرَيْجٍ أَجَلُّ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ - وَكِلَاهُمَا جَلِيلٌ - وَابْنُ جُرَيْجٍ زَادَ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ مَا لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ رَدُّهَا. وَقَدْ أَتَى قَوْمٌ بِمَا يَمْلَأُ الْفَمَ، فَقَالُوا: حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ؟ . فَقُلْنَا: هَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ، تُرَدُّ رِوَايَةُ حَمَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ صَاحِبٌ ثَابِتُ الصُّحْبَةِ، وَقَدْ أَخَذَ عَنْهُ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُلُّ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ. وَيُؤْخَذُ بِتَخْلِيطِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي لَا يُسَاوِي الِاشْتِغَالَ بِهِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَقَالُوا: قَدْ قَالَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ أَيْضًا - قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ. وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَهُوَ أَيْضًا - قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَمُنْقَطِعَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ. وَأَمَّا عَنْ عُثْمَانَ - فَإِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ: أَرْبَعُونَ جَذَعَةً خَلِفَةً إلَى بَازِلِ عَامِهَا، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ - وَعُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا عَنْ عَلِيٍّ - فَإِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: شِبْهُ الْعَمْدِ: الضَّرْبَةُ بِالْخَشَبَةِ، أَوْ الْقَذْفَةُ بِالْحَجَرِ الْعَظِيمِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فِي الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ - الضَّرْبُ بِالْخَشَبَةِ، وَالْحَجَرِ الضَّخْمِ - ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَثَلَاثُ جِذَاعٍ، وَثَلَاثٌ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا. وَأَمَّا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا، كُلُّهَا خَلِفَةٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ غَيْرِ هَذَا، لَكِنْ مِثْلُ مَا رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ كَمَا

أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْقَاضِي أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِي دِيَةِ الْمُغَلَّظَةِ: أَرْبَعُونَ جَذَعَةً خَلِفَةً، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتَ لَبُونٍ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَمُنْقَطِعَةٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، وَسُلَيْمَانُ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ - كِلَاهُمَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ - وَالشَّعْبِيُّ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا مُوسَى بِعَقْلِهِ. وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ - فَرُوِّينَاهَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ قَالَ: الْعَمْدُ السِّلَاحُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ الْحَجَرُ، وَالْعَصَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: شِبْهُ الْعَمْدِ: الْحَجَرُ، وَالْعَصَا، وَالسَّوْطُ، وَالدَّفْعَةُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَمَدْته بِهِ: فَفِيهِ التَّغْلِيظُ - وَالْخَطَأُ: أَنْ يَرْمِيَ شَيْئًا فَيُخْطِئَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ وَكِيعٌ: أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ - ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ: أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتَ لَبُونٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ - فَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ فِيهَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ. وَقَدْ صَحَّ - عَنْ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، مِثْلُ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي مُوسَى، وَأَحَدِ قَوْلَيْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.

وَصَحَّ أَيْضًا - عَنْ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عُثْمَانَ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَصَحَّ أَيْضًا - عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْهُ: فِيمَنْ عَمَدَ بِآخَرَ لَاعِبًا مَعَهُ، أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصًا، أَوْ لَكَزَهُ، أَوْ رَمَاهُ لَاعِبًا - فَهَذَا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ أَرْبَاعًا، كَاَلَّذِي رُوِّينَا آنِفًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً سَوَاءً. هَذَا كُلُّ مَا نَعْلَمُهُ جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ فِي صِفَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ - وَجَاءَ عَنْ التَّابِعِينَ فِي صِفَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ شِبْهُ الْعَمْدِ كُلُّ شَيْءٍ يَعْمِدُ بِهِ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، لَكِنْ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ - وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي النَّفْسِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ خِلَافُ هَذَا، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقٍ سَاقِطَةٍ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ ضَرْبَتَيْنِ بِعَصًا فَمَاتَ؟ قَالَ: دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ. وَصَحَّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْهُ: إنْ أَعَادَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بِالْعَصَا فَمَاتَ فَلَا قَوَدَ فِي ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ الْعَمْدُ السِّلَاحُ، كَذَلِكَ بَلَغْنَا، وَشِبْهُ الْعَمْدِ الْحَجَرُ وَالْعَصَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّفْسُ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ - مَا عَلِمْنَا غَيْرَ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَسَرَ أَسْنَانَ آخَرَ بِحَجَرٍ، أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ بِعُودٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقَادُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَنَا أَقُولُ: بَلْ يُقَادُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَلَيْسَ كَمَنْ شَجَّ آخَرَ بِحَجَرٍ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ: الدَّفْعَةُ يَسْتَقِيدُ بِهَا الرَّجُلُ غَيْرَهُ، لَيْسَ هَذَا شِبْهَ الْعَمْدِ وَصَحَّ عَنْ طَاوُسٍ: الْعَمْدُ السِّلَاحُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ: مَنْ تَعَمَّدَ فَضْخَ رَأْسِ آخَرَ بِحَجَرٍ: هَذَا عَمْدٌ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ

عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ مَوْلَاهُمْ عَنْ الْمُسَيِّبِ قَالَ: الْعَمْدُ الْحَدِيدَةُ - وَلَوْ بِإِبْرَةٍ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ السِّلَاحِ. وَرُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ مِنْ طَرِيقٍ - لَا خَيْرَ فِيهَا -: لَيْسَ الْعَمْدُ إلَّا بِحَدِيدَةٍ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ دَمَغَ آخَرَ بِحَجَرٍ أُقِيدَ مِنْهُ، فَإِنْ رَمَاهُ بِالْحَجَرِ فَلَا قَوَدَ. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: شِبْهُ الْعَمْدِ: الضَّرْبُ بِالْخَشَبَةِ الضَّخْمَةِ، وَالْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَطَأُ أَنْ يَرْمِيَ إنْسَانًا فَيُصِيبَ غَيْرَهُ، أَوْ يَرْمِيَ شَيْئًا فَيُخْطِئَ بِهِ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَا يُقَادُ مِنْ ضَارِبٍ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ بِحَدِيدَةٍ، وَفِي الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ: دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ. وَصَحَّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: مَنْ خَنَقَ آخَرَ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ خَطَأٌ - وَمَنْ ضَرَبَ آخَرَ بِعَصًا فَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بِهَا فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - رَوَى كُلُّ ذَلِكَ عَنْهُ شُعْبَةُ. وَاَلَّذِي وَعَدْنَا أَنْ نَذْكُرَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ -: فَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ - مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ -: مَنْ خَنَقَ آخَرَ فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ أُقِيدَ مِنْهُ - فَلَوْ رَفَعَ عَنْهُ ثُمَّ مَاتَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ: إذَا أَعَادَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بِالْحَجَرِ وَالْعَصَا: فَهُوَ قَوَدٌ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ: إذَا خَنَقَهُ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ حَتَّى يَمُوتَ: أُقِيدَ بِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ، فَفِيهِ الْقَوَدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا قَوْلُنَا - وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، فَإِنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ قَالَ: الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي مَالِ الْجَانِي، فَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِهَا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَذَلِكَ، وَفَسَّرَ شِبْهَ الْعَمْدِ: أَنَّهُ أَنْ يَضْرِبَ آخَرَ بِعَصًا أَوْ سَوْطٍ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَيَمُوتَ؟ قَالَ: فَإِنْ ثَنَّى عَلَيْهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ، فَهُوَ قَوَدٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ ثَنَّى عَلَيْهِ فَلَمْ يَمُتْ مَكَانَهُ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْعَمْدُ: مَا كَانَ بِسِلَاحٍ، وَفِيهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا - وَشِبْهُ الْعَمْدِ: هُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصًا أَوْ سَوْطٍ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَيَمُوتَ، أَوْ يُحْدِدَ عُودًا أَوْ عَظْمًا فَيَجْرَحَ بِهِ بَطْنَ آخَرَ - فَهَذَا لَا قَوَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عِنْدَهُ شِبْهُ عَمْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَوَدَ إلَّا فِيمَا قَتَلَ بِحَدِيدَةٍ بِقَطْعٍ، أَوْ بِلِيطَةِ قَصَبٍ، أَوْ أَحْرَقَهُ فِي النَّارِ حَتَّى مَاتَ. وَلَوْ خَنَقَهُ حَتَّى يَمُوتَ فَلَا قَوَدَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخْنُقَ النَّاسَ مِرَارًا فَيُقَادُ مِنْهُ. فَلَوْ شَدَخَ رَأْسَهُ عَمْدًا بِحَجَرٍ عَظِيمٍ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ غَرَّقَهُ فِي مَاءٍ بَعِيدِ الْقَعْرِ فِي نَهْرٍ أَوْ بَحْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ بِرْكَةٍ حَتَّى مَاتَ، أَوْ ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ ضَخْمَةٍ أَبَدًا حَتَّى مَاتَ، أَوْ فَتَحَ فَمَه كُرْهًا وَرَمَى فِي حَلْقِهِ سُمًّا قَاتِلًا فَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ، كَدِيَةِ الْعَمْدِ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الزِّنَادِ، عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي مَالِهِ الْكَفَّارَةُ كَقَتْلِ الْخَطَإِ. قَالَ: فَلَوْ هَدَمَ عَلَيْهِ هَدْمًا فَمَاتَ عَامِدًا لِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا حِينَ الْهَدْمِ، فَفِيهِ حِينَئِذٍ الدِّيَةُ، وَالْكَفَّارَةُ - وَنَرَى قَوْلَهُ كَذَلِكَ: فِيمَنْ طَمَسَ عَلَيْهِ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَجَهْدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ تَأَمَّلَهُ عَلِمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكُلِّ خَبَرٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ، وَلِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، إلَّا الرِّوَايَةَ السَّاقِطَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَبَا الزِّنَادِ، وَخَالَفَهُ فِي صِفَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، مَا نَعْلَمُ مُصِيبَةً، وَلَا فَضِيحَةً عَلَى الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مِمَّنْ لَمْ يَرَ الْقَوَدَ فِيمَنْ يَقْتُلُ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّخْرِ، وَالتَّغْرِيقِ، وَالشَّدْخِ بِالْحِجَارَةِ - ثُمَّ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا غَرَامَةَ؟ بَلْ تُكَلَّفُ الدِّيَاتِ فِي ذَلِكَ عَاقِلَتُهُ مَعَ

عَظِيمِ تَنَاقُضِهِ، إذْ لَمْ يَرَ عَمْدَ الْخَطَأِ إلَّا فِي النَّفْسِ، وَلَمْ يَرَهُ فِيمَا دُونَهَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَمْ تَرِدْ الْأَخْبَارُ إلَّا فِي النَّفْسِ؟ قُلْنَا: قَدْ خَالَفْتَهَا كُلَّهَا فِيمَا فِيهَا كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ، وَفَسَادُ تَقْسِيمِهِ الَّذِي لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ تَغْلِيظًا إلَّا فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ خَاصَّةً، لَا فِي الدَّنَانِيرِ، وَلَا فِي الدَّرَاهِمِ، فَأَيْنَ قِيَاسُهُ الَّذِي يُحَرِّمُ بِهِ وَيُحَلِّلُ، وَيَتْرُكُ لَهُ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ؟ وَرَأَى عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: الدِّيَةَ فِي ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَلَمْ يَرَ هُوَ - يَعْنِي الْبَتِّيَّ - وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ شَبِيهَ الْعَمْدِ، إلَّا مَنْ ضَرَبَ بِمَا لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ - وَأَمَّا مَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَفِيهِ عِنْدَهُمْ الْقَوَدُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَالدِّيَةُ عِنْدَهُمْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ - كَمَا رُوِّينَا آنِفًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ نَحْوُ قَوْلِنَا جَمَاعَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جَرْوَةَ بْنِ حَمِيلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ فَيَضْرِبُهُ بِمِثْلِ آكِلَةِ اللَّحْمِ، لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَتَلَ إلَّا أَقَدْته بِهِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْهُ: أَنَّهُ أَقَادَ مِنْ رَجُلٍ جَبَذَ شَعْرَ آخَرَ جَبْذًا شَدِيدًا فَوَرِمَ عُنُقُهُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَقَادَ مِنْ رَجُلٍ خَنَقَ صَبِيًّا حَتَّى مَاتَ. وَصَحَّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَوَدُ مِمَّنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ، أَوْ عَصًا - وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَقَدْ تَنَاقَضُوا هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ عِنْدَهُمْ كَالْمُسْنَدِ، وَخَالَفُوا هَاهُنَا الْمَرَاسِيلَ، وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ أَبَى الْوَلِيُّ إلَّا أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ: لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ ذَلِكَ، إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُ مَعَ الْوَلِيِّ، وَإِلَّا فَلَا " فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ: قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا الْقَاتِلَ

مسألة الدية في العمد والخطأ

ذَلِكَ إذَا رَضِيَ بِهِ هُوَ وَالْوَلِيُّ: فَلِلْأَثَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " أَوْ يُفَادَى " فَهَذَا فِعْلٌ مِنْ فَاعِلِينَ، فَهُوَ لَازِمٌ بِتَرَاضِيهِمَا. [مَسْأَلَةٌ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ] 2028 - مَسْأَلَةٌ: وَالدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَقِيمَتُهَا لَوْ وُجِدَتْ فِي مَوْضِعِ الْحُكْمِ - بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ - مِنْ أَوْسَطِ الْإِبِلِ - بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ - وَهِيَ فِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ. وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَهِيَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَحْدَهُ وَهِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَالَةَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ لَا أَجَلَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا عَاقِلَةٌ، فَهِيَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ فِي الصَّدَقَاتِ - وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ، وَالدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ: أَخْمَاسٌ وَلَا بُدَّ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً لَا تَكُونُ أَلْبَتَّةَ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ الْحَاضِرَةِ وَالْبَادِيَةِ سَوَاءً، فَلَوْ تَطَوَّعَ الْغَارِمُ بِأَنْ يُعْطِيَهَا كُلَّهَا إنَاثًا فَحَسَنٌ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْطَاهَا أَرْبَاعًا لَا أَكْثَرَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: " إنَّ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] . وَالْخَبَرُ الثَّابِتُ الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إمَّا أَنْ يُقَادَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَلَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُعْلَمَ مَعْنَى مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا مِنْ بَيَانِ الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ " الْعَقْلِ، وَالدِّيَةِ " مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَهَا مِقْدَارٌ مَحْدُودٌ فِي اللُّغَةِ، أَوْ جِنْسٌ مَحْدُودٌ فِي اللُّغَةِ، أَوْ أَمَدٌ مَحْدُودٌ فِي اللُّغَةِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَى النَّصِّ، فَطَلَبِنَا ذَلِكَ؟ فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الثَّابِتَ الْمَشْهُورَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ أَنَا أَبِي أَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَا بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ نَفَرًا مِنْهُمْ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ، فَأَخْبَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ فَأَتَى يَهُودَ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ - فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِي آخِرِهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِي آخِرِهِ «فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَيْهِمْ الدَّارَ، فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَصَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي دِيَةِ حَضَرِيٍّ ادَّعَى عَلَى حَضَرِيِّينَ، لَا فِي بَدْوِيٍّ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ. وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُتَيَقَّنٌ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَلْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَالشَّرِيعَةُ لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا بِاخْتِلَافٍ لَا نَصَّ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ إعْطَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّيَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الْقَتْلَ إلَّا عَلَى يَهُودٍ؟ قُلْنَا: وَجْهُ ذَلِكَ بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ صَحَّ قَتْلُهُ بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْخَطَأِ بِكُلِّ حَالٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَوَاجِبَةٌ فِي الْعَمْدِ إذَا بَطَلَ الْقَوَدُ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ لِوَلِيِّهِ الْقَوَدَ وَقَدْ بَطَلَ، أَوْ الدِّيَةُ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ، وَالْقَوَدُ هَاهُنَا قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ فَصَحَّتْ الدِّيَةُ فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ. ثُمَّ لَا بُدَّ - ضَرُورَةً - مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ قَاتِلَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ كُفْرٌ. لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] .

وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتِ عَنْهُ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْمِلَّةِ وَعَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ» . وَلِلْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «خَلَقْتُ عِبَادِي كُلَّهُمْ حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " وَغَيْرِهِ. فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْمَلَ قَاتِلُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ، حَتَّى يُوقَنَ خِلَافُهُ - ثُمَّ إنْ كَانَ قَاتِلُ عَبْدِ اللَّهِ قَتَلَهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ؟ فَهُوَ غَارِمٌ أَوْ عَاقِلَتُهُ، وَحَقُّ الْغَارِمِينَ فِي الصَّدَقَاتِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 60] فَصَحَّ بِهَذَا مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْإِبِلِ كَقَوْلِنَا، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ -: فَطَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالُوا كُلُّهُمْ: فِي الدِّيَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي الدِّيَةِ مِائَةُ بَعِيرٍ: أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنْ عُسْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَعْنِي مِنْ عُسْرِهِ فِي وُجُودِ الْإِبِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ - أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ - مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إبِلٌ فَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ الْبَقَرُ، وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ الْغَنَمُ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَزِّ الْبَزُّ - يُعْطُونَ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ مَا كَانَتْ - إنْ ارْتَفَعَتْ أَوْ انْخَفَضَتْ - قِيمَتُهَا

يَوْمَئِذٍ، فَمَنْ اتَّقَى بِالْإِبِلِ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ حَقُّ الْمَعْقُولِ لَهُ الْإِبِلُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ لَهُ: كَانَتْ الدِّيَةُ الْإِبِلَ حَتَّى كَانَ عُمَرُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ شَاءَ الْقَرَوِيُّ أَعْطَى مِائَةَ نَاقَةٍ، أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَيْ شَاةٍ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ أَعْطَى الْإِبِلَ وَلَمْ يُعْطِ ذَهَبًا - هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ، لَا يَتَعَاقَلُ أَهْلُ الْقُرَى مِنْ الْمَاشِيَةِ غَيْرِ الْإِبِلِ، هُوَ عَقْلُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذَا عَطَاءٌ لَمْ يَأْخُذْ قَضَاءَ عُمَرَ - وَقَدْ عَرَفَهُ - إذْ رَأَى أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ قَطُّ، لَمْ يُمْضِهِ إلَّا عَلَى مَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّيَةُ مِائَةُ بَعِيرٍ - قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ - فَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْهُ لِلْإِبِلِ. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ يُقْضَى بِالْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ يُقَوَّمُ كُلُّ بَعِيرِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَهَذِهِ صِفَةٌ مِنْهُ لِلْإِبِلِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا - وَخَالَفَ ذَلِكَ قَوْمٌ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ الْإِبِلُ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الذَّهَبُ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ - وَلَمْ يَرَوْا أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَاتَّفَقَتْ الطَّائِفَتَانِ: عَلَى أَنَّهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ أَلْفَا حُلَّةٍ - وَلَا تَكُونُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِمِثْلِ ذَلِكَ - وَزَادُوا: أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ مِنْ الطَّعَامِ. فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ فِي " كِتَابِ السَّبْعَةِ " أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ أَيْضًا أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ: ثَبَتَتْ الدِّيَةُ فِي الْإِبِلِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ - وَسَقَطَتْ فِي الْبَقَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَوْلُ السَّبْعَةِ مَقْصُورٌ عَلَى ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ، أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ مَالِكٌ. فَمِنْ الْعَارِ وَالْمَقْتِ عَلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ كَانَ مَنْ قَلَّدُوهُ دِينَهُمْ أَوَّلَ مَنْ أَسْقَطَ رِوَايَتَهُ، وَأَشَارَ إلَى تَكْذِيبِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَطَرَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي أَثْبَتَ الدِّيَةَ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَأَسْقَطَهَا مِنْ الْبَقَرِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ -. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ مِنْ الْوَرِقِ -: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنَّهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ السَّبْعَةِ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ -. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هِيَ ثَمَانِيَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ - عَلَى مَا نُورِدُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إنَّ الدِّيَةَ أَيْضًا تَكُونُ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحُلَلِ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الدِّيَةُ مِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، كَانَ يُقَالُ: عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ الْبَقَرُ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ الشَّاءُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالَا جَمِيعًا: الدِّيَةُ مِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، قَالَ قَتَادَةُ: الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا -. قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الذَّهَبُ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ، وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ الْغَنَمُ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَزِّ الْحُلَلُ. وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَكْحُولٍ فِي الدِّيَةِ مِائَتَا بَقَرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ: دِيَةُ الْحَمِيرِ فِي ثَلَاثِمِائَةِ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الثَّلَاثِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: الْبَدْوِيُّ صَاحِبُ الْبَقَرِ، وَالشَّاةِ، أَلَهُ أَنْ يُعْطَى إبِلًا إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَرِهَ الْمُتْبِعُ؟ فَقَالَ: الْمَعْقُولُ لَهُ هُوَ حَقُّهُ، لَهُ مَاشِيَةُ الْعَاقِلِ - كَائِنَةً مَا كَانَتْ - لَا تُصْرَفُ إلَى غَيْرِهَا إنْ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ الْإِبِلُ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ الْبَقَرُ، وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ الْغَنَمُ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ الْحُلَلُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: يُعْطِي أَهْلُ الْمَالِ الْمَالَ، وَأَهْلُ الْإِبِلِ الْإِبِلَ، وَأَهْلُ الْغَنَمِ الْغَنَمَ - فِي الْبَعِيرِ الذَّكَرِ خَمْسَ عَشَرَةَ شَاةً، وَفِي النَّاقَةِ عِشْرُونَ شَاةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كُنَّا نَأْخُذُ عَنْ الْبَقَرِ خَمْسَ شِيَاهٍ، وَعَنْ الْجَزُورِ عَشَرَ شِيَاهٍ. وَمِمَّنْ قَالَ: تَكُونُ الدِّيَةُ مِنْ الْإِبِلِ، وَمِنْ الذَّهَبِ، وَمِنْ الْفِضَّةِ، وَمِنْ الْغَنَمِ، وَمِنْ الْبَقَرِ، وَمِنْ الْحُلَلِ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا مَنْ اقْتَصَرَ بِالدِّيَةِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَطْ، وَلَمْ يَرَهَا فِي بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، وَلَا حُلَلٍ، فَإِنَّهُمْ شَغَبُوا فِي ذَلِكَ، بِأَنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الدِّيَةِ تَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهَا تَوْقِيفٌ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ أَبْدَالًا، إذْ لَوْ كَانَتْ أَبْدَالًا لَوَجَبَ أَنْ تُرَاعَى قِيمَةُ الْإِبِلِ - فَتَزِيدَ وَتَنْقُصَ - وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ بَقَرٍ، أَوْ مِنْ غَنَمٍ، أَوْ مِنْ حُلَلٍ، وَلَمْ تَجِبْ أَنْ تَكُونَ دِيَةٌ إلَّا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ، وَمَا أَجْمَعُوا قَطُّ، عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَكُونُ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَا مِنْ ذَهَبٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَقَوْلَهُمَا: إنَّ الدَّنَانِيرَ، وَالدَّرَاهِمَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا تَكُونُ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ، وَقَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ قِيمَةِ الْإِبِلِ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا. بَلْ الْحَقُّ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ، وَالنَّصُّ الثَّابِتُ: أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ - وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ -: وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الدِّيَةُ إلَّا مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَقَطْ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الدِّيَةُ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْوِيمِ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَعْهُودَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا الْبَاطِلُ الثَّانِي يُكَذِّبُ بَاطِلَهُمْ الَّذِي مَوَّهُوا قَبْلَ هَذَا بِهِ؛ لِأَنَّ هُنَالِكَ رَامُوا أَنْ يَجْعَلُوا الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، فِي الدِّيَةِ تَوْقِيفًا لَا بَدَلًا بِقِيمَةٍ، وَهُنَا أَقَرُّوا أَنَّهَا بَدَلٌ بِقِيمَةٍ، فَلَوْ اسْتَحَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالتَّخْلِيطِ فِي نَصْرِ الْبَاطِلِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إذْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّهَا بَدَلٌ بِقِيمَةٍ فَهِيَ عَلَى قَدْرِ ارْتِفَاعِ الْقِيمَةِ وَانْخِفَاضِهَا، وَلَا نَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الْبَدَلِ وَالتَّقْوِيمِ؟ .

وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا صَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْخَيْلِ، وَلَا مِنْ الْحَمِيرِ، وَلَا مِنْ الْعُرُوضِ: وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ أَيْضًا مِنْ الْبَقَرِ، وَلَا مِنْ الْغَنَمِ، وَلَا مِنْ الثِّيَابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ قِيَاسَهُمْ الْفَاسِدَ فَنَقُولُ لَهُمْ: لَمَّا صَحَّ عِنْدَكُمْ أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِمَّا اتَّفَقْتُمْ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ مِنْهُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْإِبِلَ حَيَوَانٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْهَا، فَوَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؛ لِأَنَّهُمَا حَيَوَانٌ يُزَكَّى. وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا - هُوَ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْخَيْلِ، وَلَا مِنْ الْحَمِيرِ، وَلَا مِنْ الْعُرُوضِ، وَجَبَ أَيْضًا أَنْ لَا تَكُونَ مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا مِنْ الْفِضَّةِ، وَلَا مِمَّا عَدَا مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ وَالِاتِّفَاقُ. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ ضَعِيفَ الْأَثَرِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ، وَهَا هُنَا نَقَضُوا هَذَا الْأَصْلَ الَّذِي صَحَّحُوهُ. وَشَغَبَ الْمَالِكِيُّونَ مِنْهُمْ بِآثَارٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهِيَ أَثَرٌ - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ الْعُكْلِيِّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ سَاقِطٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَمِنْهَا أَثَرٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ سَمِعْت مُرَّةَ يَقُولُ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ - يَعْنِي فِي الدِّيَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ - يَعْنِي فِي الدِّيَةِ - لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ،

فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ قَوْلُهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَقَدْ يَقْضِي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي دَيْنٍ، أَوْ فِي دِيَةٍ بِتَرَاضِي الْغَارِمِ وَالْمَقْضِيِّ لَهُ، فَإِنْ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ - فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ. وَالْقَوْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُوجِبُ النَّارَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا أَدَّى إلَيْهَا. وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَشَاهِيرُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عِكْرِمَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «قَتَلَ مَوْلَى لِبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دِيَتِهِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَنْ أَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَرَأَ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى أَلْفِ آيَةٍ أَصْبَحَ وَلَهُ قِنْطَارٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالْقِنْطَارُ دِيَةُ أَحَدِكُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ نَقَضُوا هَاهُنَا أُصُولَهُمْ أَقْبَحَ نَقْضٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ وَالْمُسْنَدُ سَوَاءٌ، وَكِلَاهُمَا أَوْلَى مِنْ النَّظَرِ، وَتَرَكُوا هَاهُنَا هَذِهِ الْمَرَاسِيلَ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي نَصْرِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمِثْلِهَا، وَبِأَسْقَطَ مِنْهَا. فَصَحَّ أَنَّهُمْ مُتَلَاعِبُونَ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُمْ إلَّا فِي نَصْرِ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي رَضُوا بِهِ بَدَلًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَمِنْ بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

وَقَالُوا: لَعَلَّ هَذِهِ الْآثَارَ إنَّمَا أَرَادَ فِيهَا بِذِكْرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَنَّهَا وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةٍ مِنْهَا وَزْنُ سِتَّةِ مَثَاقِيلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ كَلَامٍ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا وَزْنُ سَبْعَةِ آلَافِ مِثْقَالٍ. وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ هِيَ وَزْنُ ثَمَانِيَةِ آلَافِ مِثْقَالٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، فَعَادَ قَوْلُهُمْ: وَزْنُ سِتَّةِ مَثَاقِيلَ فِي الْعَشَرَةِ هَذَيَانًا لَمْ يُعْقَلْ قَطُّ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا. وَشَغَبَ الْمَالِكِيُّونَ أَيْضًا بِخَبَرٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ الْخَرَّازُ أَنَا عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ قَالَتْ: كَانَ جَانٌّ يَطْلُعُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَأَبَى إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فَعَدَتْ عَلَيْهِ بِحَدِيدَةٍ فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا، فَقِيلَ لَهَا: أَقَتَلْت فُلَانًا، أَمَا إنَّهُ قَدْ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَا يَطْلُعُ عَلَيْك لَا حَاسِرًا وَلَا مُتَجَرِّدًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَهَا مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَبِيهَا؟ فَقَالَ: تَصَدَّقِي بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ دِيَتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا لَا شَيْءَ - عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ هُوَ الْمَكِّيُّ: ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَشْبَهَ مَا فِي هَذَا الْبَابِ - فَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا أَبُو يُونُسَ حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَتَلَتْ جَانًّا، فَأُتِيَتْ فِي مَنَامِهَا، وَقِيلَ لَهَا: وَاَللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتِهِ مُسْلِمًا؟ قَالَتْ: لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ: أَوَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْك إلَّا وَعَلَيْك ثِيَابُك؟ فَأَصْبَحَتْ فَزِعَةً، فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَجَعَلَتْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا قَصَدَتْ بِذَلِكَ قَصْدَ دِيَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهَا، فَزِيَادَةُ ذَلِكَ عَلَيْهَا كَذِبٌ لَا يَحِلُّ، وَإِنَّمَا هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَتْ بِهَا. وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ إلَّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ قَتْلُهَا لَهُ خَطَأً فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا كَفَّرَتْ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ - وَهِيَ الْمُفْتَرَضَةُ فِي الْقُرْآنِ - لَا الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ

دِرْهَمٍ -: وَإِنْ كَانَ قَتْلُهَا لَهُ عَمْدًا، فَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِي الْعَمْدِ، إنَّمَا هُوَ الْقَوَدُ، أَوْ الْعَفْوُ، أَوْ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تُرَاضِ مَعَ عَصَبَةِ الْجِنِّيِّ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلدِّيَةِ هَاهُنَا مَدْخَلٌ، وَإِنَّمَا هِيَ أَحْلَامُ نَائِمٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُشَرَّعَ بِهَا الشَّرَائِعُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ - فَصَحَّ: أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ مِنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَطْ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا. وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ أَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدِّيَةُ ثَمَانُمِائَةِ دِينَارٍ، فَخَشِيَ عُمَرُ مَنْ بَعْدَهُ فَجَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَأَلْفَ دِينَارٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنْ يُبَدِّلَ مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُسْتَقِرُّ الْحُكْمِ، ثُمَّ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ. وَأَحْمَقُ الْحُمْقِ قَوْلُ مَنْ وَضَعَ هَذَا الْخَبَرَ " فَخَشِيَ عُمَرُ مَنْ بَعْدَهُ فَجَعَلَهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ " لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا خَشِيَ مِمَّنْ بَعْدَهُ، وَكَيْفَ خَشِيَ مَنْ بَعْدَهُ إنْ تَرَكَ الدِّيَةَ ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَمْ يَخْشَ مَنْ بَعْدَهُ إذْ بَلَغَهَا أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا؟ هَلْ فِي النُّوكِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ؟ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، لَقَدْ كِيدَتْ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ. وَتَاللَّهِ لَوْ جَازَ لِعُمَرَ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا مَضَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ لَتُجَوِّزَنَّ لِمَنْ بَعْدَ عُمَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِ عُمَرَ قَطْعًا، بَلْ الزِّيَادَةُ عَلَى حُكْمِ عُمَرَ أَخَفُّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ - وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الضَّلَالَةِ، وَهَذَا عَيْبُ الْمُرْسَلِ، فَتَأَمَّلُوهُ؟ . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا

رَأَى أَثْمَانَ الْإِبِلِ تَخْتَلِفُ قَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءٍ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ بَعْدِي، فَقَضَى عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ يُولَدْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِنَحْوِ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ عَامًا. وَبِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَالَ عُمَرُ قَطُّ هَذَا الْكَلَامَ، وَمَا كَانَ فِي فَضْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَقْطَعَ عَلَى مَا يَكُونُ بَعْدَهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي أَضَافُوهُ إلَى عُمَرَ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ لَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَجْهَلَهُ مَنْ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ، وَهَذَا مِنْ عُيُوبِ الْمُرْسَلِ فَاحْذَرُوهُ؟ . وَذَكَرُوا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الْإِبِلَ فِي الدِّيَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ بَعِيرٍ - هَذَا مُرْسَلٌ، ثُمَّ إنَّمَا ذَكَرَ قِيمَةً لَا حَدًّا مَحْدُودًا، ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً قُتِلَتْ فِي الْحَرَمِ فَجَعَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ دِيَتَهَا ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ دِيَةً وَثُلُثَ دِيَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ امْرَأَةً قُتِلَتْ فِي الْحَرَمِ فَجَعَلَ عُثْمَانُ دِيَتَهَا سِتَّةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَلْفَيْنِ لِلْحَرَمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا الْحُكْمِ مُبْطِلَةٌ لَهُ، فَمَنْ أَضَلُّ وَأَخْزَى مِمَّنْ يُمَوِّهُ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالِاحْتِجَاجِ بِشَيْءٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٌ لَهُ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. وَمَوَّهُوا - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ أَبِي الْحَسَنِ حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَضَى فِي ثَنِيَّةِ امْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالُوا: وَالثَّلَاثمِائَةِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَبُو سُلَيْمَانَ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ - وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ - وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا بِالْكُوفَةِ قُتِلَ خَطَأً فَقَالَ أَهْلُ الْقَاتِلِ: خُذُوا مِنَّا الْإِبِلَ؟ وَكَانَتْ الْإِبِلُ يَوْمَئِذٍ رِخَاصًا بِعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ، فَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي ذَلِكَ إلَى مُعَاوِيَةَ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِقَضَاءِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ؟ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي أَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَنَا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنِّي لَأُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ قَدْرَ دِيَتِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَقُلْ إنَّ الدِّيَةَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إنَّمَا قَالَ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ قَدْرُ دِيَتِي إذْ أَنَّهَا يَرْجُو أَنْ تَكُونَ فِدَاءَهُ مِنْ النَّارِ - كَمَا أَنَّ الدِّيَةَ فِدَاءٌ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ التَّسْبِيحَ لَيْسَ دِيَةً. ثُمَّ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُتِلَ رَجُلٌ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دِيَتُهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلِلشَّهْرِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلِلْبَلَدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْحُكْمِ عَاصُونَ لَهُ - فَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَعَارَضَهُمْ الْحَنَفِيُّونَ فَقَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدِّيَاتِ فَوَضَعَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ، فَخَبَرُهُمْ سَاقِطٌ كَخَبَرِ الْمَالِكِيِّينَ، وَلَيْسَ الَّذِي رَوَاهُ الْمَالِكِيُّونَ بِأَوْلَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَتَدَافَعَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ السَّاقِطَةُ مَعَ تَنَاقُضِهَا فَوَجَبَ إطْرَاحُهَا.

وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُنَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَأَفَكْتُمْ - قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ الدِّيَةَ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ الْحَجَّاجِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ؟ قُلْنَا: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَائِرُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، أَوْ ضَعِيفٌ - كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ وَلَا فَرْقَ -. وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الدِّينَارَ فِي الزَّكَاةِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الدِّيَةِ كَذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَأَفَكْتُمْ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيَّ، وَغَيْرَهُمْ، لَا يَرَوْنَ جَمْعَ الْفِضَّةِ إلَى الذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ أَصْلًا، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ غَيْرَ حَبَّةٍ، وَمِائَتَا دِرْهَمٍ فِضَّةٍ غَيْرَ حَبَّةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ حَوْلًا كَامِلًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ - الَّذِي قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ - لَا يَرَى جَمْعَ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ إلَّا بِالْقِيمَةِ - بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ - وَلَوْ أَنَّهَا دِرْهَمٌ بِدِينَارٍ، أَوْ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِدِينَارٍ. وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُمْ: يُزَكُّونَ الذَّهَبَ بِقِيمَةٍ مِنْ الْفِضَّةِ - بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ -. فَظَهَرَتْ جُرْأَتُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ مَقَامِهِمْ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَتَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ بِلَا بُرْهَانٍ، إذْ قَدَّرُوا دِينَارَ الدِّيَةِ، وَدِينَارَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَدِينَارَ الصَّدَاقِ - بِرَأْيِهِمْ - بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا - وَقَدَّرُوا دِينَارَ الزَّكَاةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ؟ وَهَذَا تَلَاعُبٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَاسْتَدْرَكْنَا اعْتِرَاضًا لِلْحَنَفِيَّيْنِ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ أَبْدَالًا مِنْ الْإِبِلِ لَكَانَتْ دَيْنًا بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؟ قُلْنَا: وَعُمَرُ قَضَى بِالدِّيَةِ حَالَّةً فِي قِصَّةِ الْمُدْلِجِيِّ الَّتِي هِيَ أَصَحُّ عَنْهُ مِنْ تَوْقِيتِهِ فِيهَا ثَلَاثَ سِنِينَ - فَمَا الَّذِي جَعَلَ رِوَايَةً لَا تَصِحُّ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةٍ عَنْهُ أُخْرَى؟

وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ إبْدَالِ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْغُرَّةِ، وَلَمْ يَرَوْهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ. وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ: أَنَّ لَهَا فِي الْبَيْتِ خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ فِي الْخَادِمِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَلَمْ يَرَوْهُ دَيْنًا بِدَيْنٍ - وَمَا نَدْرِي نَصًّا مَنَعَ دَيْنًا بِدَيْنٍ أَصْلًا، إنَّمَا نَدْرِي النَّصَّ الثَّابِتَ الْمَانِعَ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَقُولُ لِلطَّائِفَتَيْنِ: إنْ كَانَتْ الْآثَارُ السَّخِيفَةُ الَّتِي مَوَّهْتُمْ بِهَا حُجَّةً عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ افْتَضَحْتُمْ فِي ذَلِكَ أَقْبَحَ فَضِيحَةٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا وَغَيْرَهَا قَدْ جَاءَتْ بِمَا خَالَفْتُمُوهُ، وَأَخَذَ بِهِ غَيْرُكُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا - كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، الْقَائِلِينَ: بِأَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحُلَلِ، كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ. فَمِنْ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ الدِّيَةَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانَتْ، فَجَعَلَهَا فِي الْإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَفِي الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَفِي الْغَنَمِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الذَّهَبَ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقَ - وَجَعَلَ فِي الطَّعَامِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ.» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ عَقْلُهُ مِنْ الشَّاءِ فَأَلْفَا شَاةٍ» . فَهَذِهِ مَرَاسِيلُ أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرْتُمْ، أَوْ مِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ: قَرَأْت عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالَقَانِيِّ: حَدَّثَكُمْ أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ يُسْنِدْهُ إلَّا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا صَاحِبٌ لَنَا ثِقَةٌ أَنَا شَيْبَانُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَا سُلَيْمَانُ - هُوَ ابْنُ مُوسَى - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الشَّاءِ فَأَلْفَا شَاةٍ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الْعَقْلِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثٌ، أَوْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، أَوْ الْبَقَرِ، أَوْ الشَّاءِ، وَالْجَائِفَةُ مِثْلُ ذَلِكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ أَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «: كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانَمِائَةِ دِينَارٍ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ - وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ - وَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا إنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ - وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ أَهْلِ الدِّيَةِ.» قَالُوا: فَهَذِهِ أَحَادِيثُ أَحْسَنُ مِنْ الَّتِي مَوَّهُوا بِهَا فِي أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَمَا الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَأْخُذُوا بِهَا، وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا وَافَقَتْ أَهْوَاءَهُمْ فِي تَقْلِيدِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، كَاحْتِجَاجِهِمْ بِهَا فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْلَى بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا مَا لَمْ تُنْكَحْ، وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالْعَافِيَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ «: كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ بَعِيرٍ بِكُلِّ أُوقِيَّةٍ بَعِيرٌ: فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رَخُصَتْ الْوَرِقُ وَغَلَتْ الْإِبِلُ: فَجَعَلَهَا عُمَرُ أُوقِيَّةً وَنِصْفًا - ثُمَّ غَلَتْ الْإِبِلُ وَرَخُصَتْ الْوَرِقُ، فَجَعَلَهَا عُمَرُ أُوقِيَّتَيْنِ: فَذَلِكَ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ الْإِبِلُ تَرْخُصُ وَتَغْلُو حَتَّى جَعَلَهَا عُمَرُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ - وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمِنْ الشَّاءِ أَلْفَ شَاةٍ.» وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَكَانَ كُلِّ بَعِيرٍ بَقَرَتَيْنِ - يَعْنِي فِي الدِّيَةِ -.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَنْ كَانَ عَقْلُهُ فِي الشَّاءِ فَكُلُّ بَعِيرٍ بِعَشْرِ شِيَاهٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ الدِّيَةَ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الدِّيَاتِ فَوَضَعَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ ثَنِيَّةٍ وَمُسِنَّةٍ؛ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ - فَهَذَا هُوَ حَدِيثُ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِي لَا حَدِيثَ لَهُمْ غَيْرُهُ، أَفَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ الْعَارِ - حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: فِي كِتَابِ أَبِيهِ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شَاوَرَ السَّلَفَ حِينَ جَنَّدَ الْأَجْنَادَ، فَكَتَبَ: إنَّ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَزِّ مِنْ الْبَزِّ مِنْ نَسْجِ الْيَمَنِ بِقِيمَةِ خَمْسَةٍ خَمْسَةٍ - يَعْنِي دَنَانِيرَ - مِائَتَيْ حُلَّةٍ، أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى الْحُلَلِ. وَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَيِّمُ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ عِدْلَهَا مِنْ الْوَرِقِ، وَبِقِيمَتِهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ، فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ فِي ثَمَنِهَا، وَإِذَا هَانَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى عَلَى ثَمَانِمِائَةٍ.» وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَقَالَ: إنِّي أَرَى الزَّمَانَ تَخْتَلِفُ فِيهِ الدِّيَةُ تَخْتَفِضُ فِيهِ مَرَّةً مِنْ قِيمَةِ الْإِبِلِ وَتَرْتَفِعُ مَرَّةً، وَإِنِّي أَرَى الْمَالَ قَدْ كَثُرَ، وَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الْحُكَّامَ بَعْدِي، كَأَنْ يُصَابَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ فَتَهْلِكَ دِيَتُهُ

بِالْبَاطِلِ، وَأَنْ تَرْتَفِعَ دِيَتُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَتُحْمَلُ عَلَى أَقْوَامٍ مُسْلِمِينَ فَتَجْتَاحُهُمْ، وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى زِيَادَةٌ فِي تَغْلِيظِ عَقْلٍ، وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَا فِي الْحُرْمَةِ، وَلَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فِيهِ تَغْلِيظٌ، لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعَقْلُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَسْنَانِهَا، كَمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ - وَلَمْ أَقْسِمْ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى إلَّا عَقْلَهُمْ يَكُونُ ذَهَبًا، وَوَرِقًا، فَيُقَامُ عَلَيْهِمْ. وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَقْلًا مُسَمًّى لَا زِيَادَةَ فِيهِ اتَّبَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُقِيمُهُ عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَكَذَا فِي كِتَابِي عَنْ حُمَامٍ: قَضَى عُمَرُ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا - وَهُوَ وَهْمٌ بِلَا شَكٍّ - وَإِنَّمَا هُوَ: قَضَى عُمَرُ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا حَدِيثُ الْمَالِكِيِّينَ الَّذِي مَوَّهُوا بِبَعْضِهِ وَتَرَكُوا سَائِرَهُ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمِيتَاتُ وَالنَّطَائِحُ حُجَّةً عِنْدَهُمْ، فَهَذِهِ الْمُنْخَنِقَاتُ وَالْمَوْقُوذَاتُ مِثْلُهَا وَبِتَمَامِهَا وَأَحْسَنُ مِنْهَا. وَإِنْ مَوَّهُوا هُنَالِكَ بِمَا لَا يَصِحُّ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَهَذَا مِثْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ بِالِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ وَاطِّرَاحُ هَذِهِ: ضَلَالٌ وَتَلَاعُبٌ بِالدِّينِ - وَكُلُّهَا لَا خَيْرَ فِيهَا - الْوَضْعُ ظَاهِرٌ فِي جَمِيعِهَا. فَقَالُوا: لَعَلَّ مَا رُوِيَ مِنْ ذِكْرِ الْبَقَرِ، وَالشَّاءِ، وَالْحُلَلِ، إنَّمَا كَانَ عَلَى التَّرَاضِي مِنْ الْفَرِيقَيْنِ؟ قُلْنَا: فَلَعَلَّ مَا رُوِيَ مِنْ ذِكْرِ مَا لَا يَصِحُّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ إنَّمَا كَانَ عَلَى التَّرَاضِي مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ فَصَحَّ أَنْ لَا دِيَةَ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ - أَوْ قِيمَتِهَا إنْ عُدِمَتْ - لَوْ وُجِدَتْ فَقَطْ. وَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَحْتَجَّ بِأَحْسَنَ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ لَذَكَرْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ

عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ بِالْيَمَنِ وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا، فَذَكَرَ فِيهِ: وَفِي النَّفْسِ: مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَهَبًا، وَلَا وَرِقًا» وَلَكِنْ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَحْتَجَّ بِمَا لَا يَصِحُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الدية في قتل الخطأ

[مَسْأَلَةٌ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ يَسِّرْ وَاخْتِمْ بِخَيْرٍ يَا كَرِيمُ 2029 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ فَعَلَى الْعَصَبَةِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، إلَّا شَيْءٌ ذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْعَاقِلَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْلَا أُثِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي وَلَّاهُ اللَّهُ الْبَيَانَ عَنْ مُرَادِهِ تَعَالَى، فَقَالَ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَوَجَدْنَا مَا نَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» ، فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَقْلِ عَلَى الْعَصَبَةِ كَمَا تَرَى فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ نَتَأَيَّدُ. اعْتِرَاضٌ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا عَمْدًا

بَطَلَتْ ذِمَّتُهُ، وَعَادَ حَرْبِيًّا، وَقُتِلَ وَلَا بُدَّ، وَاسْتُفِيءَ مَالُهُ فَكَيْفَ تَقُولُونَ فِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: ثني أَبُو لَيْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُحَيَّصَةَ: كَبِّرْ كَبِّرْ - يُرِيدُ السِّنَّ - فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» وَذُكِرَ بَاقِي الْخَبَرِ فَهَذَا قَتْلُ كَافِرٍ لِمُؤْمِنٍ وَفِيهِ الدِّيَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّنَا عَلَى يَقِينٍ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُلْزِمُ أَحَدًا دِيَةً إلَّا قَاتِلًا عَمْدًا، أَوْ عَاقِلَةَ قَاتِلِ خَطَأٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، فَإِلْزَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَهُودَ الدِّيَةَ لَا يَخْلُو بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ مَعَ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونُوا قَاتِلِي عَمْدٍ، أَوْ إمَّا أَنْ يَكُونُوا عَاقِلَةَ قَاتِلِي خَطَأٍ - هَذَا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سِوَاهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ أَيُّ الْوَجْهَيْنِ هُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْمَكَانِ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا حُكْمَ قَاتِلِ الْعَمْدِ بَيَانٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمُهُ عِنْدَ غَيْرِنَا الْقَوَدُ، أَوْ الْعَفْوُ فَقَطْ، أَوْ مَا تَصَالَحُوا بِهِ، وَحُكْمُهُ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْضًا بِتَخْيِيرِ الْوَلِيِّ بَيْنَ الْقَوَدِ، أَوْ الْعَفْوِ، أَوْ الدِّيَةِ، وَحُكْمُهُ عِنْدَنَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقَوَدِ، أَوْ الْعَفْوِ، أَوْ الدِّيَةِ، أَوْ مَا تَصَالَحُوا عَلَيْهِ، فَالْقَوَدُ عَلَى كُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ حُكْمُ قَتْلِ الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ - بِلَا خِلَافٍ فِيهِ - فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَحُكْمُ قَاتِلِ الْخَطَأِ الدِّيَةُ، أَوْ الْعَفْوُ عَنْهَا فَقَطْ. فَلَمَّا وَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَذْكُرْ قَوَدًا أَصْلًا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُغْفِلَ حَقًّا لِلْحَارِثِيَّيْنِ إلَّا وَيَذْكُرَهُ لَهُمْ، وَلَا يَسْكُتَ عَنْهُ، فَيَبْطُلَ حَقُّهُمْ؟ عَلِمْنَا

أَنَّ حُكْمَهُ بِالدِّيَةِ بِذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: مِنْ أَنْ يَكُونَ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَيُحْكَمُ فِيهِ بِحُكْمِ نَاقِضِ الذِّمَّةِ، أَوْ قَتْلِ خَطَأٍ - فَإِنْ كَانَ قَتْلَ عَمْدٍ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَلْزَمُهُمْ دِيَةٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تُؤَدِّي عَنْ قَاتِلِ عَمْدٍ، وَلَا أَوْجَبَ ذَلِكَ نَصٌّ، فَبَطَلَ هَذَا الْحُكْمُ. وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَتْلُ الْخَطَأِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ صَحَّ بِلَا شَكٍّ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدٍ، وَمُمْكِنٌ أَنْ لَا يَكُونَ بِقَصْدٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ قَصَدُوهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ مِنْ بَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ، أَوْ نَصٍّ مُوجِبٍ لِذَلِكَ - فَبَقِيَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوهُ، وَهَذَا هُوَ الْخَطَأُ نَفْسُهُ. ثُمَّ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمْ بِخُرُوجِهِمْ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ يَنْقُضُونَ الذِّمَّةَ وَيَعُودُونَ حَرْبِيِّينَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَيَّنَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَ الْخَطَأِ فِي الْقَتْلِ الْمَوْجُودِ إنْ اعْتَرَفُوا بِذَلِكَ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ حُكْمَ الْعَمْدِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ إنْ حَلَفُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَسْلَمَ إلَيْهِمْ وَلَاحَ وَجْهُ الْحَدِيثِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي حَدَّثَكُمْ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: أَنْ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ حَقٌّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نُخَالِفَهُ، بَلْ هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا، وَقَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُدْفَعَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ بِرُمَّتِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي قَتْلَهُ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا اسْتِرْقَاقَهُ، لِأَنَّهُ عُمُومٌ لَا يُخْرِجُهُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى لَفْظِهِ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة القصاص واجب في كل ما كان بعمد من جرح أو كسر

[مَسْأَلَةٌ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي كُلّ مَا كَانَ بِعَمْدٍ مِنْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ] بَابُ دِيَاتِ الْجِرَاحَةِ وَالْأَعْضَاءِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ 2030 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلْنَذْكُرْ الْآنَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْيِيدِهِ - أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَا كَانَ بِعَمْدٍ مِنْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ، لِإِيجَابِ الْقُرْآنِ ذَلِكَ فِي كُلِّ تَعَدٍّ، وَفِي كُلِّ حُرْمَةٍ، وَفِي كُلِّ عُقُوبَةٍ، وَفِي كُلِّ سَيِّئَةٍ، وَوُرُودِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبَقِيَ الْكَلَامُ -: هَلْ فِي ذَلِكَ الْعَمْدِ دِيَةٌ يَتَخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِيهَا، أَوْ فِي الْقِصَاصِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ أَمْ لَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ بْنِ الرَّيَّانِ الْمَخْزُومِيِّ - وَرَّاقِ بَكَّارِ بْنِ قُتَيْبَةَ - نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُتَّصِلًا - وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ النَّاسُ هَكَذَا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَصَحَّ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْخَطَأَ كُلَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، لَا جُنَاحَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ. فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُوجَبَ عَلَى أَحَدٍ حُكْمٌ فِي جِنَايَةٍ خَطَأً إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ صَحِيحٌ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ غَرَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا فِي خَطَأٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ صَحِيحٌ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقِّن، وَإِلَّا فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ وَالْغَرَامَةُ سَاقِطَةٌ، لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَتَحْرِيرَ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ - فَإِذَا كَانَ حُكْمُ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ فَمَا دُونَهَا فِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ تَجِبُ أَيْضًا؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خَطَأٌ فِي الْقِيَاسِ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَنْتُمْ أَصْحَابُ تَعْلِيلٍ، فَمَاذَا تَقُولُونَ لِمَنْ قَالَ لَكُمْ عَلَى أُصُولِكُمْ: إنَّ النَّفْسَ لَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهَا بَعْدَ الشِّرْكِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِذَلِكَ عَظُمَ أَمْرُهَا، وَجُعِلَ فِي الْخَطَأِ فِيهَا كَفَّارَةٌ - وَإِنْ كَانَ لَا ذَنْبَ لِقَاتِلِ النَّفْسِ خَطَأً بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا مَا دُونَ النَّفْسِ فَلَيْسَ لَهُ عِظَمُ النَّفْسِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا حُرْمَتُهَا، فَلَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي النَّفْسِ، إذْ لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْعِلَّةُ الَّتِي فِي النَّفْسِ. وَالثَّانِي: أَنَّكُمْ قَدْ نَقَضْتُمْ هَذَا الْقِيَاسَ وَتَرَكْتُمُوهُ جُمْلَةً، فَفِي بَعْضِ الْجِنَايَاتِ جَعَلْتُمْ دِيَاتٍ مُؤَقَّتَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا لَمْ تَجْعَلُوا دِيَةً أَصْلًا، إلَّا إمَّا حُكُومَةٌ، وَإِمَّا أَجْرُ الطَّبِيبِ، وَإِمَّا لَا شَيْءَ، وَهَذَا نَقْضٌ مِنْكُمْ لِقِيَاسِكُمْ مَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى النَّفْسِ، وَلَا قِيَاسَ أَفْسَدُ مِنْ قِيَاسٍ نَقَضَهُ الْقَائِلُونَ بِهِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّمَا أَوْجَبْنَا دِيَةً مُؤَقَّتَةً حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟

قُلْنَا لَهُمْ: إنْ كَانَ ذَلِكَ النَّصُّ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ لِصِحَّةِ إسْنَادِهِ فَالْقَوْلُ بِهِ فَرْضٌ، وَالطَّاعَةُ لَهُ وَاجِبَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصِحُّ كَصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَلَا حُجَّةَ تَقُومُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَشْهَدُ بِهَذَا فَأَنْتُمْ، لِأَنَّكُمْ تَتْرُكُونَ كَثِيرًا مِمَّا فِي تَيْنِكَ الصَّحِيفَتَيْنِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَجْعَلُوا بَعْضَ حُكْمٍ جَاءَ مَجِيئًا وَاحِدًا حُجَّةً وَبَعْضَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا إلَّا تَوْهِينُ ذَلِكَ: مَرَّةً إذَا اشْتَهَيْتُمْ وَلَمْ يُوَافِقُ حُكْمُهَا تَقْلِيدَكُمْ، وَتَوْثِيقُهَا مَرَّةً إذَا اشْتَهَيْتُمْ وَوَافَقَ تَقْلِيدَكُمْ حُكْمُهَا. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ ذَلِكَ فَصْلًا فَصْلًا. وَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ الْمُؤَقَّتَةَ حَيْثُ أَوْجَبَهَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قُلْنَا: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنْ كَانَ أَوْجَبَ ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِإِجْمَاعِهِمْ، لِأَنَّ إجْمَاعَهُمْ هُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ قَوْلًا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا مُخَالِفُونَ لِذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ تَحْدِيدُ دِيَةٍ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِذَلِكَ فَالْإِضْرَابُ عَمَّا صَحَّحْتُمُوهُ خَطَأٌ وَإِفْسَادٌ لِاحْتِجَاجِكُمْ. فَصَحَّ أَنَّكُمْ لَمْ تَتَعَلَّقُوا هَاهُنَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، وَلَا بِنَصٍّ تَلْتَزِمُونَهُ - وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ - وَمَا كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ هَكَذَا فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِيَقِينٍ مَقْطُوعٍ، عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا شَكٍّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّكُمْ قَدْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا الْقِيَاسَ أَيْضًا، لِأَنَّ النَّصَّ فِي الْقُرْآنِ جَاءَ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ النَّفْسِ بِالْخَطَأِ بِرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَعَ الدِّيَةِ؛ فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنْ تَقِيسُوا مَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى النَّفْسِ فِي إيجَابِ كَفَّارَةٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، أَوْ إيجَابِ بَعْضِ الدِّيَةِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا تَقِيسُوا مَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى النَّفْسِ فِي إيجَابِ كَفَّارَةٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ حَيْثُ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، أَوْ بَعْضِ كَفَّارَةٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ حَيْثُ تَجِبُ بَعْضُ الدِّيَةِ - فَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الْقِيَاسِ مَا سُمِعَ بِأَسْقَطَ مِنْهُ.

وَلَئِنْ كَانَ قِيَاسُ إيجَابِ الدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ حَقًّا فَإِنَّ قِيَاسَ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بَعْضِهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ لَحَقٌّ. وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَاطِلًا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْآخَرَ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَنْ نَاصِحٍ لِنَفْسِهِ، لَا سِيَّمَا وَالْكَفَّارَةُ أَوْجَبُ وَأَوْكَدُ مِنْ الدِّيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ فِي الْقُرْآنِ إلَّا وَقَدْ أَوْجَبَ مَعَهَا الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ وَأَسْقَطَ الدِّيَةَ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَأَسْقَطَ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ عَلَى إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: إذَا صَحَّ هَذَا، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلًا فِي الدِّيَةِ، وَلَا فِي الْكَفَّارَةِ، إذْ هُوَ كُلُّهُ قِيَاسٌ وَاحِدٌ وَبَابٌ وَاحِدٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ جُمْهُورَكُمْ لَا يُوجِبُونَ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَلَمْ يَأْتِ إجْمَاعٌ بِإِسْقَاطِهَا، فَقَدْ تَرَكْتُمْ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْمَكَانِ دُونَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ دِيَةً فِي كُلِّ قَتْلٍ خَطَأٍ، بَلْ قَدْ جَاءَ قَتْلُ الْمُؤْمِنِ خَطَأً وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، وَلَا دِيَةَ فِيهِ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَتْلِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ دِيَةً دُونَ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَتْلِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ دِيَةً؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ لَا تَجِبُ دِيَةٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ تُصَابُ

خَطَأً، قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَإِذَا كَانَتْ عِلَّتُكُمْ غَيْرَ مُطَّرِدَةٍ فَالْقِيَاسُ عَلَى أُصُولِكُمْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ دِيَةٌ، لَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَلَا لِضَمَانِ الْأَمْوَالِ فِي الْخَطَأِ بِنَصٍّ مُلْتَزَمٍ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] . قَالُوا: وَالْجِرَاحُ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَهِيَ سَيِّئَةٌ فَجَزَاؤُهَا مِثْلُهَا، وَالسَّيِّئَةُ الْمُمَاثِلَةُ قَدْ تَكُونُ بِغَرَامَةِ الْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَوَدٌ كَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالْغَرَامَةِ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] فَحَقٌّ، وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ سَيِّئَةٌ فَبَاطِلٌ، مَا السَّيِّئَةُ إلَّا مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلَيْسَ الْخَطَأُ مِمَّا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ فِعْلِ الْخَطَأِ الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَلَا قَصَدَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ضَمَانِ مَا أُتْلِفَ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالْخَطَأِ وَبِالْعَمْدِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ فِي الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحَاتِ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ عَلَى إبْطَالِ هَذَا الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي تَضْمِينِ كُلِّ مَا أُصِيبَ مِنْ الْأَمْوَالِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحَاتِ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا لَيْسَ فِيهِ تَضْمِينٌ بِدِيَةٍ مُؤَقَّتَةٍ [مَحْدُودَةٍ] وَكُلُّ قِيَاسٍ لَمْ يَطَّرِدْ فِي نُظَرَائِهِ، وَكُلُّ عِلَّةٍ لَمْ تَجْرِ فِي مَعْلُولَاتِهَا فَهُمَا خَطَأٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ مُدْرَكَةٌ مَضْمُونَةٌ مَعْرُوفَةٌ، إمَّا بِالْقِيمَةِ وَإِمَّا بِالْكَيْلِ، وَإِمَّا بِالْوَزْنِ، وَإِمَّا بِالذَّرْعِ، وَإِمَّا بِالصِّفَةِ، وَلَا تُدْرَكُ

الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحَاتِ وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ أَبَدًا، إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ؛ هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ الْمُمَاثَلَةُ مُمْتَنِعَةٌ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَثِّلَ مَا يُتَمَلَّكُ مِمَّا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، فَإِذَا الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْحُكْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي ذَلِكَ، إلَّا بِمَا صَحَّ فِيهِ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ بِيَقِينٍ، إذْ حَكَمَ بِالْمِثْلِيَّةِ فِي شَيْئَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا مِثْلًا لِلْآخَرِ، وَأَنَّ تَمَلُّكَ الْأَمْوَالِ بِالْخَطَأِ مُمْكِنٌ، وَاسْتِرْجَاعُهَا بِأَعْيَانِهَا مُمْكِنٌ، وَاسْتِرْجَاعُ أَمْثَالِهَا - إنْ فَاتَتْ أَعْيَانُهَا - مُمْكِنٌ، وَالْأَعْضَاءُ وَالْجِرَاحُ لَا يَصِحُّ لِلْجَانِي تَمَلُّكُهَا - لَا عَمْدًا وَلَا خَطَأً، وَلَا يَصِحُّ اسْتِرْجَاعُهَا أَصْلًا، وَلَا اسْتِرْجَاعُ أَمْثَالِهَا، فَقِيَاسُ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ قِيَاسُ الضِّدِّ عَلَى ضِدِّهِ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَقُولُ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسِ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ أَطْبَقُوا عَلَى إبْطَالِ هَذَا الْقِيَاسِ، مِنْ حَيْثُ هُوَ أَقْرَبُ شَبَهًا بِمَا قَاسُوهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ غَصَبَ حُرًّا فَتَمَلَّكَهُ وَاسْتَرَقَّهُ، فَمَاتَ فِي تَمَلُّكِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُ فِيهِ قِيمَةً وَلَا دِيَةً، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إنْ بَاعَهُ فَفَاتَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ: أَنَّهُ يُودِي دِيَتَهُ - فَإِنْ كَانَ غَصْبُ الْحُرِّ لَا يُقَاسُ عَلَى غَصْبِ الْمَالِ - لَا فِي الْخَطَأِ، وَلَا فِي الْعَمْدِ، بِلَا خِلَافٍ، فَالْجِرَاحُ، وَكَسْرُ الْعُضْوِ، وَقَطْعُهُ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْأَمْوَالِ - وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ فِي مَنْزِلِهِ بِمَدِينَةِ قُرْطُبَةَ عِنْدَ مَسْجِدِ الْقَصَّارِينَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ - وَالْخَبْلُ الْجِرَاحُ - فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ. فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ النَّارَ خَالِدًا فِيهَا» . وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ

الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أُصِيبَ بِقَتْلٍ أَوْ خَبْلٍ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ إحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ. فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ فَإِنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» . نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا حَبِيبُ بْنُ خَلَفٍ نا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْعَوْجَاءِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أُصِيبَ بِقَتْلٍ أَوْ خَبْلٍ - يَعْنِي جِرَاحًا - فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْفُوَ عَفَا، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ أَخَذَ» . قُلْنَا: هَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا سُفْيَانُ بْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيُّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُنْشَرِحَةً صُدُورُنَا بِذَلِكَ، وَلَمَا تَرَكْنَاهُ لِقَوْلِ أَحَدٍ، وَأَمَّا إذْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَفِيهِ الْقِصَاصُ مِنْهَا جُمْلَةً لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا، وَكُلُّهُمْ لَا يَرَى الْقَوَدَ مِنْهَا، فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، وَجُمْهُورُهُمْ لَا يَرَى الْقَوَدَ مِنْهَا، إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ فَقَطْ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا تَرَى. وَأَيْضًا - إنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْعَمْدِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأَمَةِ فِي أَنَّ الْقَوَدَ لَيْسَ إلَّا فِي الْعَمْدِ فَقَطْ وَفِيهِ الْخِيَارُ فِي الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ - وَكُلُّهُمْ أَوْ جُمْهُورُهُمْ لَا يَرَى فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْقَوَدَ فَقَطْ - وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لَا يَرَوْنَ خِيَارًا فِي قَوَدٍ أَوْ دِيَةٍ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. وَأَيْضًا - إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ شَيْءٍ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ، فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ وِفَاقُهُ لَنَا أَكْثَرَ مِنْ وِفَاقِهِ لَهُمْ، وَلَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَأَمَّا جِنَايَاتُ الْعَمْدِ وَجِرَاحِهِ فَإِنَّ مَالِكًا لَا يَرَى فِيهَا جُمْلَةً، إلَّا الْقَوَدَ أَوْ الْعَفْوَ فَقَطْ، وَلَا يَرَى فِيهَا دِيَةً، فَاتَ الْقَوَدُ أَوْ لَمْ يَفُتْ، إلَّا فِي قَلِيلٍ مِنْهَا فَيَرَى فِيهَا الدِّيَةَ لِامْتِنَاعِ الْقَوَدِ وَيَرَى فِي سَائِرِ جِرَاحَاتِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ إلَّا قَلِيلًا مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَرَى فِيهَا دِيَةً لَكِنْ حُكُومَةً - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، إلَّا فِي فُرُوعٍ اخْتَلَفُوا فِيهَا نُبَيِّنُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ نَأْخُذُ، إلَّا أَنَّنَا لَا نَرَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دِيَةً، وَلَا حُكُومَةً - أَمْكَنَ الْقَوَدُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ - إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَثْبُتَ بِهِ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَحَتَّى لَوْ غَابَ عَنَّا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إجْمَاعٌ لَمْ نَعْلَمْهُ، لَكِنَّا بِلَا شَكٍّ عِنْدَ اللَّهِ أَعْذَرُ وَأَسْلَمُ وَأَخْلَصُ، إذْ لَمْ نَقْتَحِمْ مَا لَمْ نَدْرِ وَلَمْ نَقِفْ مَا لَيْسَ لَنَا بِهِ عِلْمٌ مِمَّا لَوْ عَلِمْنَاهُ لَقُلْنَا بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ الْآنَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ ثُمَّ مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، ثُمَّ مَا جَاءَ عَنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ، ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ، إذْ الْعُمْدَةُ فِي الدِّينِ بَعْدَ الْقُرْآنِ وَحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاخْتِلَافُهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَفَّانُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إنْسَانًا فَاخْتَصَمُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِصَاصُ الْقِصَاصُ. فَقَالَتْ أُمُّ الرَّبِيعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلَانَةَ؟ وَاَللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الرَّبِيعِ، الْقِصَاصُ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَتْ: لَا، وَاَللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا أَبَدًا، قَالَ: فَمَا زَالَتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ أُخْتُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى بِكِتَابِ اللَّهِ

تَعَالَى الْقِصَاصَ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضُوا بِأَرْشٍ أَخَذُوهُ، فَعَجِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: كَيْفَ يُقْتَصُّ مِنْ السِّنِّ؟ قَالَ: يُبْرَدُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدٌ الْفَزَارِيّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ - وَهِيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ. فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ - عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -: وَاَللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهُمَا حَدِيثَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَحُكْمَانِ اثْنَانِ، فِي قَضِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لِجَارِيَةٍ وَاحِدَةٍ:

أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ - فِي جِرَاحَةٍ جَرَحَتْهَا أُمُّ الرُّبَيِّعِ إنْسَانًا، فَقَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقِصَاصِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، فَحَلَفَتْ أُمُّهَا أَنَّهَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا، فَرَضُوا بِالدِّيَةِ، فَأَبَرَّ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمَهَا وَالْحُكْمُ الثَّانِي - فِي ثَنِيَّةِ امْرَأَةٍ كَسَرَتْهَا الرُّبَيِّعُ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ، فَحَلَفَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَخُوهَا أَنْ لَا يُقْتَصَّ مِنْهَا، فَرَضُوا بِأَرْشٍ أَخَذُوهُ، وَأَبَرَّ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمَهُ فَلَاحَ - كَمَا تَرَى - أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ: جِرَاحَةٌ، وَثَنِيَّةٌ - وَدِيَةٌ، وَأَرْشٌ، وَحَلَفَتْ أُمُّهَا فِي الْوَاحِدَةِ، وَحَلَفَ أَخُوهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أُحُدٍ، لِأَنَّ أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ بِلَا خِلَافٍ. وَهَذَا الْحَدِيثُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ أَنَّ كُلَّ مَا أَخَذَهُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ جُرْحٍ، أَوْ نَفْسٍ،

فَهُوَ دِيَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا، وَكَانَ قَدْ تَرَاضَوْا بِهِ فِي تَرْكِ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " بَابِ دِيَةِ الْمُكَاتَبِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ، وَبِمِقْدَارِ مَا لَمْ يُؤَدِّ دِيَةَ عَبْدٍ، فَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُعْطَى مِنْ قَتْلِ عَبْدٍ دِيَةً - وَهُوَ مُخْتَلِفُ الْمِقْدَارِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ. فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الَّذِي جَرَحَتْهُ الرُّبَيِّعُ قَدْ أَخَذَ مَالًا بَدَلَ اقْتِصَاصِهِ مِنْ الْجُرْحِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ: أَنَّ الَّذِي أُخِذَ كَانَ عَدَدًا مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا فِي ذَلِكَ الْجُرْحِ، فَإِذْ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ وَثَلْجٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي تِلْكَ الْجِرَاحَةِ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جِرَاحَةٍ مَا دُونَ جِرَاحَةٍ أُخْرَى، لَمَا طَمَسَ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا ذَلِكَ وَلَا عَفَى أَثَرَهُ حَتَّى لَا يَنْقُلَهُ أَحَدٌ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَقَدْ تَكَفَّلَ بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِلذِّكْرِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا مِنْهُ فَصَحَّ أَنَّ تِلْكَ الدِّيَةَ الَّتِي أَخَذَ الَّذِي جَرَحَتْ الرُّبَيِّعُ كَانَ فِدَاءً عَنْ الْقِصَاصِ فَقَطْ، وَبِهَذَا نَقُولُ - فَوَضَحَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إلَّا أَنَّ الْقَوَدَ جَائِزٌ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ، وَفِي كَسْرِ السِّنِّ، وَأَنَّ الْمُفَادَاةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ بِمَا تَرَاضَيَا بِهِ عَلَيْهِ - الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيُّهُ وَالْجَانِي - لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا ذَكَرْنَا - وَأَمَّا حَدِيثُ حُمَيْدٍ فِي كَسْرِ السِّنِّ فَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُمْ رَضُوا بِأَرْشٍ أَخَذُوهُ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -. نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ نا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بْنِ سُفْيَانَ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالُوا: الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمْ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، فَرَضُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي خَاطِبٌ الْعَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ فَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ، قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ

اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَدَ، فَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا، وَكَذَا فَرَضُوا، أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: لَا، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، فَكَفُّوا عَنْهُمْ، فَدَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ، فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: إنِّي خَاطِبٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ، قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرَضِيتُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي رَوَاهُ ثَابِتٌ وَهُوَ الْمُفَادَاةُ فِي الشَّجَّةِ الَّتِي وَجَبَ فِيهَا الْقَوَدُ وَلَا مَزِيدَ. وَفِي هَذَا الْخَبَرِ عُذْرُ الْجَاهِلِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ الْعَالِمُ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، لَكَانَ كَافِرًا، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّنَ كَذَّبُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ بِلَا خِلَافٍ، لَكِنَّهُمْ بِجَهْلِهِمْ وَأَعْرَابِيَّتهمْ عُذِرُوا بِالْجَهَالَةِ، فَلَمْ يَكْفُرُوا ثنا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، الْمُنْقِرِيُّ ثِقَةٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد هُوَ الْهَاشِمِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ مِنْ نُظَرَاءِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ لَا يُسْأَلُ عَنْهُ، وَسَمَاعُهُ مِنْ سَعِيدٍ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَيُّوبَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» وَجَمَعَ بَيْنَ إبْهَامِهِ وَخِنْصَرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ التَّنُّورِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، وَهَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ فِي الدِّيَاتِ فِي الْأَعْضَاءِ أَثَرًا يَصِحُّ فِي تَوْقِيتِهَا وَبَيَانِهَا إلَّا

هَذَا، وَسَائِرُ ذَلِكَ إنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْإِجْمَاعِ وَالِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ، وَمِنْ النَّصِّ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَنْفِ إذَا اُسْتُؤْصِلَ بِالدِّيَةِ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنِ خَمْسِينَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسِينَ، وَفِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَفِي الْأَسْنَانِ خَمْسًا خَمْسًا، وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنْ الْأَصَابِعِ عَشْرًا عَشْرًا» . نا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ قَالَا جَمِيعًا: نَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ بِالْيَمَنِ وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ: مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ - وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ - وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ الدِّيَةُ» وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى - هُوَ ابْنُ صَالِحٍ - ثِقَةٌ نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ

بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ، وَالسُّنَنُ، وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا» مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ، وَمَعَافِرَ، وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ " ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ الْحَدِيثِ حَرْفًا حَرْفًا، لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ، وَلَا تَقْدِيمَ وَلَا تَأْخِيرَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَقَالَ: قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ - وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ زِيَادَةٌ فِي الرِّوَايَةِ وَطُولٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَيَجْمَعُ هَذَا كُلَّهُ كِتَابُ ابْنِ حَزْمٍ، وَمُرْسَلُ عِكْرِمَةَ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ؛ فَأَمَّا حَدِيثُ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، وَحَدِيثُ أَبِي تُمَيْلَةَ عَنْ يَسَارٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا مَا فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ شُعْبَةَ، وَسَعِيدٍ، لِصِحَّتِهِمَا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَمَّا حَدِيثُ شُعْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا شُعْبَةُ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ سَوَاءً» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَسْمَعْهُ غَالِبٌ مِنْ مَسْرُوقٍ. نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ عَشْرٌ» وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ حَزْمٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَرَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، وَابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَخَبَرُ مَكْحُولٍ، وَمُرْسَلُ عِكْرِمَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ صَحِيفَةٌ - وَلَا خَيْرَ فِي إسْنَادِهِ - لِأَنَّهُ لَمْ يَسْنُدْهُ إلَّا

سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْجَزَرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ - وَهُمَا لَا شَيْءَ - وَقَدْ سُئِلَ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَزَرِيِّ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ فَسَاقِطٌ بِالْجُمْلَةِ. وَكَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ فَسَقَطَ ذَلِكَ الْكِتَابُ جُمْلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَظَهَرَ وَهِيَ هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا - وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِيمَا أَقْبَلَ مِنْ الْأَسْنَانِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ، وَفِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرًا بَعِيرًا، فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ وَقَعَتْ أَضْرَاسُهُ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالْأَضْرَاسِ مِنْ عُمَرَ؟ فَجَعَلَهُنَّ سَوَاءً. نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلًى لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ وَبِهِ إلَى مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ. وَقَضَى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ؛ قَالَ سَعِيدٌ: فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ وَتَزِيدُ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ، فَلَوْ كُنْت أَنَا لَجَعَلْت فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ، فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّ الْأَسْنَانَ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ فِي كُلِّ ضِرْسٍ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي السُّنَنِ: خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَعَنْ وَكِيعٍ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَسْنَانُ سَوَاءٌ اعْتَبِرُوهَا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ: أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا جَعَلَ فِي الضِّرْسِ؟ قَالَ: فِيهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، قَالَ: فَرَدَّنِي إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ كَالْأَضْرَاسِ قَالَ: لَوْ لَمْ نَعْتَبِرْ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ اعْتَبِرُوهَا بِالْأَصَابِعِ إنَّمَا هُوَ قِيسُوهَا بِالْأَصَابِعِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ فِي الْآثَارِ الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْأَصَابِعَ سَوَاءٌ، وَأَنَّ الْأَضْرَاسَ سَوَاءٌ، وَأَنَّ الثَّنَايَا سَوَاءٌ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ الْأَصَابِعِ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْأَصَابِعِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ: أَنْ يَأْمُرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقِيَاسِ الْأَضْرَاسِ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ فِيهِمَا مَعًا مَجِيئًا وَاحِدًا، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " اعْتَبِرُوهَا بِالْأَصَابِعِ " إنَّمَا هُوَ أَنَّهُ كَانُوا يُخَالِفُونَهُ، فَيَرَوْنَ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ، لِتَفَاضُلِ مَنَافِعِهِمَا، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي الْأَصَابِعِ - وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْمَنَافِعِ - فَكَانَ يُبَكِّتُهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ، وَيُرِيهِمْ تَنَاقُضَهُمْ فِي تَعْلِيلِهِمْ وَيُبْطِلُ تَعْلِيلَهُمْ بِذَلِكَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يَتَفَكَّرُوا فِيهَا بِقَوْلِهِمْ فِي الْأَصَابِعِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إنَّمَا هُوَ التَّفَكُّرُ، وَالتَّعَجُّبُ وَالتَّدَبُّرُ فَقَطْ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ - فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِي الدِّيَةِ، وَيَقُولُ: إنْ كَانَ لِلثَّنِيَّةِ جَمَالٌ فَإِنَّ لِلضِّرْسِ مَنْفَعَةٌ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: الْأَسْنَانُ سَوَاءٌ

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالَا جَمِيعًا: فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ - الْأَضْرَاسُ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ [عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ] قَالَ سَمِعْت مَكْحُولًا يَقُولُ: الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فِي الْأَسْنَانِ خَمْسٌ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ - وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ - كَمَا رُوِّينَا - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي السِّنِّ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ» . قَالَ طَاوُسٌ: وَتَفْضُلُ كُلُّ سِنٍّ عَلَى الَّتِي تَلِيهَا بِمَا يَرَى أَهْلُ الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي: مِنْ أَيْنَ يُبْدَأُ؟ قَالَ: الثَّنِيَّتَانِ خَيْرٌ مِنْ الْأَسْنَانِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: يُفَضَّلُ النَّابُ فِي أَعْلَى الْفَمِ وَأَسْفَلِهِ عَلَى الْأَضْرَاسِ، قَالَ: وَفِي الْأَضْرَاسِ صِغَارُ الْإِبِلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: الْأَسْنَانُ؟ قَالَ عَطَاءٌ: فِي الثَّنِيَّتَيْنِ وَالرَّبَاعِيَتَيْ نِ وَالنَّابَيْنِ خَمْسٌ خَمْسٌ، وَفِيمَا بَقِيَ بَعِيرَانِ بَعِيرَانِ - أَعْلَى الْفَمِ وَأَسْفَلُهُ سَوَاءٌ - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْأَضْرَاسُ سَوَاءٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَسْنَانُ الْمَرْأَةِ تُصَابُ جَمِيعًا؟ قَالَ: خَمْسُونَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كَمَا أَوْرَدْنَا قَوْلٌ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أَنَّ دِيَةَ السِّنِّ وَالضِّرْسِ سَوَاءٌ خَمْسٌ خَمْسٌ.

وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَشُرَيْحٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَوْلٌ آخَرُ - أَنَّ الثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَّاتِ وَالْأَنْيَابِ خَمْسٌ خَمْسٌ، وَفِي سَائِرِ الْأَضْرَاسِ - وَهِيَ الطَّوَاحِينُ - بَعِيرٌ بَعِيرٌ - وَهُوَ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَقَوْلٌ آخَرُ - إنَّ الطَّوَاحِينَ مُفَضَّلَةٌ عَلَى الثَّنَايَا وَالرَّبَاعِيَاتِ. وَهُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ، كَمَا أَوْرَدْنَا. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ: إنَّ فِي الْأَسْنَانِ خَمْسًا خَمْسًا، وَفِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَانِ بَعِيرَانِ. وَقَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّ فِي الثَّنِيَّةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ تَفْضُلُ عَلَى الَّتِي تَلِيهَا وَتَفْضُلُ الَّتِي تَلِيهَا عَلَى الَّتِي تَلِيهَا، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْفَمِ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يُحْصَلْ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا عَلَى أَخْبَارٍ مُرْسَلَةٍ لَا تَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا مُخَالِفِينَ لَهَا كَمَا ذَكَرْنَا - وَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُ الْمَرْءِ بِخَبَرٍ لَا يَرَاهُ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةً، وَهُوَ عِنْدَهُ حُجَّةٌ، لَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً فِي شَيْءٍ أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَكِنَّا نَقُولُ - قَوْلَ مَنْ يَدْرِي وَيُوقِنُ أَنَّ قَوْلَهُ وَكِتَابَهُ مَعْرُوضَانِ عَلَيْهِ [فِي] يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمَا -: إنَّ الْخَطَأَ فِي السُّكُوتِ بِالْجَهْلِ أَسْلَمُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ فِي الدِّينِ بِالْجَهْلِ، بَلْ السُّكُوتُ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمُ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَالْقَوْلُ بِمَا لَا يَعْلَمُ حَرَامٌ عَلَى النَّاسِ. فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: وَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَصِحَّ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ فِي السِّنِّ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، فَلَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»

مسألة دية الضرس تسود وترجف

فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ صَحِيحٌ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ - فَأَمَّا النَّصُّ الصَّحِيحُ فَقَدْ أَمِنَّا وُجُودَهُ بِيَقِينٍ هَاهُنَا، فَكُلُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مُنْذُ أَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ وَنَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ عَامًا مِنْ شَرْقِ الْأَرْضِ إلَى غَرْبِهَا قَدْ جَمَعْنَاهُ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ الْمَعْرُوفِ بِ " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدْنَا مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَا لَا خَيْرَ فِيهِ أَصْلًا، لَكِنْ مِمَّا لَعَلَّهُ مَوْضُوعٌ مُحْدَثٌ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ - فَلَسْنَا نَعْرِفُهُ، وَقَدْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ لَبَادَرْنَا إلَى الطَّاعَةِ لَهُ، وَمَا تَرَدَّدْنَا فِي ذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَمَنْ صَحَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلَا يُخَالِفْهُ، وَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ، فَفَرْضُهُ التَّوَقُّفُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ فَيَدَّعِيَ إجْمَاعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ بِأَنَّ فِيهَا خَمْسًا، فَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ فِي الثَّنِيَّةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، فَوَاجِبٌ كَانَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ سِنٍّ، وَكُلِّ ضِرْسٍ خَمْسٌ خَمْسٌ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ» . وَهَذَا الْعُمُومُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ، وَلَا تَخْصِيصُهُ، فَوَاجِبٌ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ فِي الْقِصَاصِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَرَ هُوَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَجَائِزٌ تَرَاضِي الْكَاسِرِ وَالْمَكْسُورِ سِنُّهُ، وَالْقَالِعِ وَالْمَقْلُوعِ سِنُّهُ عَلَى الْفِدَاءِ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا صَحَّ وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الضِّرْس تَسْوَدّ وَتَرْجُفُ] الضِّرْسُ تَسْوَدُّ وَتَرْجُفُ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي السِّنِّ: يُسْتَأْنَى بِهَا سَنَةً، فَإِنْ اسْوَدَّتْ فَفِيهَا الْعَقْلُ كَامِلًا، وَإِلَّا فَمَا اسْوَدَّ مِنْهَا فَبِالْحِسَابِ

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي السِّنِّ تُصَابُ فَيَخْشَوْنَ أَنْ تَسْوَدَّ: يُنْتَظَرُ بِهَا سَنَةً، فَإِنْ اسْوَدَّتْ فَفِيهَا قَدْرُهَا وَافِيًا، وَإِنْ لَمْ تَسْوَدَّ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ: وَيَقُولُونَ: فَإِنْ اسْوَدَّتْ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ: أَنَّ فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، أَوْ عَدْلُهَا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ، فَإِنْ اسْوَدَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، فَإِنْ كُسِرَ مِنْهَا - إذْ لَمْ تَسْوَدَّ - فَبِحِسَابِ ذَلِكَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إذَا اسْوَدَّتْ السِّنُّ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، فَإِنْ طُرِحَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَفِيهَا الْعَقْلُ أَيْضًا كَامِلًا. [قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ بِمِثْلِهِ] . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْت حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ: سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَسْأَلُ عَنْ سِنٍّ كَانَتْ تَرْجُفُ وَلَمْ تَسْوَدَّ؟ قَالَ: فَفِيهَا الْعَقْلُ كَامِلًا. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ كَتَبَ إلَى الْأَجْنَادِ: أَنَّ السِّنَّ إذَا اسْوَدَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا وَمَا كُسِرَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ. وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ كَسَرَ سِنَّ رَجُلٍ فَأُقِيدَ مِنْهُ فَأَخَذَ سِنَّهُ فَرَدَّهَا فَثَبَتَتْ، فَخَاصَمَهُ الْآخَرُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي السِّنِّ إذَا كُسِرَتْ: يُؤَجَّلُ صَاحِبُهَا سَنَةً، فَإِنْ اسْوَدَّتْ فَدِيَتُهَا كَامِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَسْوَدَّ فَبِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ سَقَطَتْ سِنٌّ، أَوْ اسْوَدَّتْ، أَوْ رَجَفَتْ قُوِّمَتْ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ: فِي السِّنِّ إذَا اسْوَدَّتْ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَاللَّيْثُ: إذَا ضُرِبَتْ السِّنُّ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا عَقْلُهَا

كَامِلًا، فَإِنْ طُرِحَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِيهَا الْعَقْلُ كَامِلًا مَرَّةً أُخْرَى وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا اسْوَدَّتْ السِّنُّ فَقَدْ تَمَّ عَقْلُهَا، فَإِنْ طُرِحَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَعَقْلُهَا أَيْضًا تَامٌّ وَهَاهُنَا قَوْلٌ آخَرُ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا سَقَطَتْ ثُلُثُ دِيَتِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِاتِّصَالِ سَنَدِهِ، وَجَوْدَةِ رِوَايَتِهِ وَاتِّصَالِهِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ نا قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اسْوَدَّتْ السِّنُّ، أَوْ رَجَفَتْ ثُمَّ طُرِحَتْ فَنِصْفُ قَدْرِهَا - وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَدْرُهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ؟ . وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ رُبْعَ دِيَتِهَا. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا كُسِرَتْ خُمْسُ دِيَتِهَا، وَفِي كُلِّ عُضْوٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَفِي اسْوِدَادِهَا - كَمَا تَرَى - أَقْوَالٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا. أَمَّا التَّوْقِيتُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَنِصْفِهَا وَرُبْعِهَا، فَقَوْلٌ لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. فَإِذَا كَانَ سَوَادُ السِّنِّ وَاخْضِرَارُهَا وَاحْمِرَارُهَا وَاصْفِرَارُهَا وَصَدْعُهَا وَكَسْرُهَا - إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ خَطَأً: لَا قُرْآنَ جَاءَ فِيهِ بِإِيجَابِ غَرَامَةٍ، وَلَا سُنَّةَ صَحِيحَةَ، وَلَا سَقِيمَةَ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوجَبَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا، لِأَنَّ

الْخَطَأَ مَرْفُوعٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ وَبِالسُّنَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إيجَابُ غَرَامَةٍ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إيجَابُ شَرْعٍ وَالشَّرْعُ لَا يَجِبُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكَّ فِيهِ وَلَا يُتَرَدَّدُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ ثُلُثُ دِيَتِهَا. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: فِيهَا حُكْمٌ. وَبِهَذَا يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَأَمَّا سِنُّ الصَّغِيرِ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَخِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي سِنِّ صَبِيٍّ كُسِرَتْ قَبْلَ أَنْ يُثْغِرَ بِبَعِيرٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي سِنِّ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُثْغِرْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهِيَ قِيمَةُ الْبَعِيرِ عِنْدَهُمْ فِي الدِّيَةِ - قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ مَعْمَرٌ - وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ فِي سِنِّ الصَّبِيِّ إذَا لَمْ يُثْغِرْ، قَالَ: يَنْظُرُ فِيهِ ذَوَا عَدْلٍ؟ فَإِنْ نَبَتَتْ جُعِلَ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ كَانَ كَسِنِّ الرَّجُلِ. وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ اسْتَفْتَى فِي غُلَامٍ لَمْ يُثْغِرْ أُصِيبَتْ سِنُّهُ هَلْ فِيهَا مِنْ عَقْلٍ؟ قَالَ: لَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِيهَا حُكُومَةٌ - وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ نَبَتَتْ فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ نَبَتَتْ نَاقِصَةً أُعْطِيَ بِقَدْرِ نَقْصِهَا عَنْ الَّتِي تَلِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَفِيهَا خَمْسُ فَرَائِضَ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ،

مسألة دية العين

وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ صَحَّ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ أَحَدٌ غَرَامَةً إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي إيجَابِ شَيْءٍ فِي سِنِّ الصَّبِيِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ دِيَة الْعَيْنِ] . الْعَيْنُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ دِيَةَ الْعَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ لَمْ يَأْتِ إلَّا فِي صَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَخَبَرِ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، وَخَبَرِ مَكْحُولٍ، وَطَاوُسٍ وَكُلُّهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، لِمَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذِكْرِهِ مِمَّا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعَنْ التَّابِعِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي الْعَيْنِ النِّصْفُ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ، وَفِي عَيْنِ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَتِهَا، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ. وَأَمَّا عَيْنُ الْأَعْوَرِ - فَفِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: إنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ أَعْوَرَ فُقِئَتْ عَيْنُهُ خَطَأً؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: قَضَى فِيهَا عُمَرُ بِالدِّيَةِ كَامِلَةً، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي لَسْت إيَّاكَ أَسْأَلُ، إنَّمَا أَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ؟ فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُك عَنْ عُمَرَ وَتَسْأَلُنِي. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَعْوَرَ فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ عَمْدًا؟ فَقَالَ: قَضَى فِيهَا الْأَمِيرُ بِالدِّيَةِ كَامِلَةً - يَعْنِي عُثْمَانَ - لِأَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْأَعْوَرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونَ نا

ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دِيَةُ عَيْنِ الْأَعْوَرِ أَلْفُ دِينَارٍ. وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَمَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالُوا كُلُّهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ، وَرَأْيُ الصَّالِحِينَ: أَنَّ الْأَعْوَرَ إذَا فُقِئَتْ عَيْنُهُ ثَمَنُ عَيْنِ الْأَعْوَرِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَأَنَّهُ إذَا فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ غَرِمَ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ أَلْفُ دِينَارٍ قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ مَعًا: إذَا فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحِ الْعَيْنَيْنِ عَمْدًا أُغْرِمَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَإِذَا فَقَأَهَا خَطَأً أُغْرِمَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي رَجُلٍ فِي إحْدَى عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَأُصِيبَتْ عَيْنُهُ الصَّحِيحَةُ، قَالَ: نَرَى أَنْ يُزَادَ فِي عَقْلِ عَيْنَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأُخْرَى الَّتِي لَمْ تُصَبْ. وَبِهِ يَأْخُذُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ خَمْسُونَ» . وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ نِصَابٌ، أَنَا أَدِي قَتِيلَ اللَّهِ فِيهَا نِصْفَ الدِّيَةِ - وَبِهِ يَقُولُ الشَّعْبِيُّ

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ قَالَ: مَا أَنَا فَقَأْت عَيْنَهُ الْأُخْرَى فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ، [وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ تُفْقَأُ عَيْنُهُ خَطَأً قَالَ: نِصْفُ الدِّيَةِ] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ هُوَ قَوْلُنَا فِي السِّنِّ سَوَاءً سَوَاءً، وَأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَتْ فِي دِيَةِ الْعَيْنِ بِالْخَطَأِ آثَارٌ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ. وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَعَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ نَحْوَ الْعَشَرَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ إلَّا غَافِلٌ، أَوْ مُسْتَسْهِلٌ لِلْكَذِبِ وَالْقَطْعِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَإِنْ صَحَّ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ فِي دِيَةِ الْعَيْنِ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ حَصَلْنَا عَلَى السَّلَامَةِ، فَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ فِي هَذَا بَعِيدٌ مُمْتَنِعٌ أَنْ يُوجَدَ فِي مِثْلِ هَذَا، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَيَقَّنَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي قَدْ قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْعُذْرَ، وَأَبَانَ بِهَا الْحُجَّةَ، وَحَسَمَ فِيهَا الْعِلَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَسْتَتِرُ عَلَى أَهْلِ الْبَحْثِ، وَالْحَقَائِقُ لَا تُؤْخَذُ بِالدَّعَاوَى، فَإِذْ لَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِمَا جَاءَ وَصَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَنَاقَضَ فِي الْقِيَاسِ. وَالْعَجَبُ - أَنَّ قَوْلًا يَنْسُبُهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ هَاهُنَا قَدْ تَرَكَ الْقِيَاسَ الَّذِي لَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا هُوَ ذَلِكَ الَّذِي يَصِحُّ وَهُوَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ سَمْعِ امْرِئٍ لَا يَسْمَعُ إلَّا بِأُذُنٍ وَاحِدَةٍ وَيَدِ إنْسَانٍ أَقْطَعَ وَرِجْلِ أَقْطَعَ فَلَمْ يَرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ، وَرَأَى فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا فِي هَذَا إجْمَاعًا، لِأَنَّ فِي هَذَا اخْتِلَافًا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

فِي " بَابِ يَدِ الْأَقْطَعِ، وَسَمْعِ ذِي الْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ، لِأَنَّ عَيْنَ الْأَعْوَرِ - هِيَ بَصَرُهُ كُلُّهُ - فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي الْبَصَرِ كُلِّهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا يَبْطُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُقِيدُوهُ مِنْ عَيْنَيْ الصَّحِيحِ مَعًا، لِأَنَّهُ بَصَرٌ بِبَصَرٍ، لَا عَلَى قَوْلِكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُقَالُ لَكُمْ: وَسَمْعُ ذِي الْأُذُنِ الْوَاحِدَةِ الصَّمَّاءِ هُوَ سَمْعُهُ كُلُّهُ، وَهُوَ لَهُ أَنْفَعُ وَأَقْوَى، وَأَقْرَبُ مِنْ تَمَامِ السَّمْعِ مِنْ عَيْنِ الْأَعْوَرِ، فَإِنَّ الْأَعْوَرَ لَا يَرَى إلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، فَإِنَّمَا هُوَ نِصْفُ بَصَرِهِ، وَكَذَلِكَ يَدُ الْأَقْطَعِ هِيَ مَحَلُّ تَصَرُّفِهِ، وَرِجْلُ الْأَقْطَعِ أَيْضًا، فَاجْعَلُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ دِيَةً، وَأَنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَصْلِكُمْ هَذَا أَنْ تُقِيدُوا ذَا عَيْنَيْنِ فَقَأَ إحْدَاهُمَا أَعْوَرُ فَأَنْتُمْ تُقِيدُونَ مِنْ الْأَعْوَرِ، وَلَا إجْمَاعَ فِي هَذَا، فَقَدْ أَقَدْتُمْ بَصَرًا كَامِلًا بِنِصْفِ بَصَرٍ؟ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي رَجُلٍ أَعْوَرَ فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ قَالَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ عَيْنِهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا يُقَادُ مِنْ الْأَعْوَرِ وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا - وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: الْأَعْوَرُ يُصِيبُ عَيْنَ إنْسَانٍ عَمْدًا أَيُقَادُ مِنْهُ؟ قَالَ: مَا أَرَى أَنْ يُقَادَ مِنْهُ، أَرَى لَهُ الدِّيَةَ وَافِيَةً وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عِيَاضٍ أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّ الْأَعْوَرَ إذَا فَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ دِيَةِ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِصَاصَ فِي كِتَابِهِ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَقَدْ عُلِمَ هَذَا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا: عُمَرَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِي هَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ، إلَّا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَنْقُضُ أَصْلَهَا وَتَهْدِمُ مَا تَبْنِي، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ بِهَذَا ذُو وَرَعٍ؟ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَظِيمِ نِعَمِهِ وَأَمَّا الْعَيْنُ الْعَوْرَاءُ - قَالَ عَلِيٌّ: نَذْكُرُ الْآنَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ» وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ الطَّيِّبِ. كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ نا قَتَادَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ إذَا فُضِخَتْ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا سَقَطَتْ ثُلُثَ دِيَتِهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ إذَا خُسِفَتْ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَضَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا بُخِصَتْ بِمِائَةِ دِينَارٍ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ تُبْخَصُ عُشْرُ الدِّيَةِ - وَقَالَ بِهِ غَيْرُهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ

عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا بُخِصَتْ خُمْسُ دِيَتِهَا - وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلٌ آخَرُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ قَالَا جَمِيعًا: نا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي لَا تُبْصِرُ: إنْ ثُقِبَتْ، أَوْ بُخِصَتْ فَفِيهَا نِصْفُ قَدْرِ الْعَيْنِ - خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا مِنْ الْإِبِلِ - وَإِنْ كَانَ قَدْ أُخِذَ نَذْرُهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَقَوْلٌ آخَرُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنْ كَانَ لُطِمَتْ الْعَيْنُ فَدَمَعَتْ دُمُوعًا لَا تُرْقَأُ، فَلَهَا ثُلُثَا دِيَةِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ دَمْعَةً لَا تَجِفُّ دَمْعُهَا - وَهِيَ دُونَ الدَّمْعَةِ الْأُولَى - فَنِصْفُ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ دَمْعَةً مِنْ الْعَيْنِ تَسْحَلُ أَحْيَانًا، وَأَحْيَانًا يَذْهَبُ فِيهَا بَصَرُهُ - فَفِيهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ الْقَائِمَةِ إذَا أُصِيبَتْ الدِّيَةُ، فَإِذَا كَانَتْ مَفْقُوءَةً قَائِمَةً فَخُسِفَتْ فَفِيهَا صُلْحٌ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ حُكْمٌ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ: يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلٍ ثَابِتٍ عَنْهُمَا قَالَ عَلِيٌّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ [نا ابْنُ وَضَّاحٍ] نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ إذَا تَشَتَّرَتْ ثُلُثُ الدِّيَةِ.

حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَكْتُبُوا إلَيْهِ بِعِلْمِ عُلَمَائِهِمْ، قَالَ: مِمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فُقَهَاؤُهُمْ: فِي شَتْرِ الْعَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي التَّشَتُّرِ فِي الْعَيْنِ رُبْعُ الدِّيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ وَجَدَ الْمَالِكِيُّونَ وَالْحَنَفِيُّونَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا لَمَا تَرَدَّدُوا؟ وَأَيُّ إجْمَاعٍ عَلَى أُصُولِهِمْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ هَذَا الْإِجْمَاعِ بِهَذَا السَّنَدِ الثَّابِتِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَكْتُبُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ يَسْأَلُهُمْ عَنْ إجْمَاعِهِمْ - وَهُوَ خَلِيفَةٌ - لَا يَشِذُّ عَنْ طَاعَتِهِ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا، مِنْ آخِرِ الْأَنْدَلُسِ، وَطَنْجَةَ، إلَى بِلَادِ السُّودَانِ إلَى آخِرِ السِّنْدِ، وَآخِرِ خُرَاسَانَ، وَآخِرِ أَرْمِينِيَةَ، وَآخِرِ الْيَمَنِ، فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يُجْمِعُ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ: عَلَى أَنَّ فِي شَتْرِ الْعَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ - وَلَكِنْ مَا عَلَى الْمُهَوِّلِينَ بِالْإِجْمَاعِ مُؤْنَةٌ فِي خِلَافِ هَذَا الْإِجْمَاعِ فَلَا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ إلَّا حُكُومَةً؟ وَلَكِنْ لِلَّهِ دَرُّ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ يَقُولُ: مَا حَدَّثَنَا بِهِ حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ فِيمَا يَدَّعِي فِيهِ الْإِجْمَاعَ: هَذَا الْكَذِبُ، مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ، فَيَقُولُ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، هَذَا دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، وَالْأَصَمِّ - وَلَكِنْ نَقُولُ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ الدِّينُ وَالْوَرَعُ لَا الْجُسْرُ بِلَا عِلْمٍ، كَمَا كَانَ يَقُولُ الشَّعْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ مَاذَا قَالَ فِيهَا الْحُكْمُ الْبَائِسُ أَجْسَرُ جَسَّارًا سَمَّيْتُك الْفِسْفَاسَ إنْ لَمْ تَقْطَعْ. قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ مَنْ خَالَفَهُ فَلَيْسَ مُسْلِمًا - فَهَذَا

مسألة دية شفر العين

إجْمَاعٌ صَحِيحٌ، كَالْإِجْمَاعِ عَلَى قَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ، وَجُمْلَةِ الزَّكَاةِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا وَمَا تُيُقِّنَ بِلَا شَكٍّ عِلْمُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُمْ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة شَفْر الْعَيْنِ] شَفْرُ الْعَيْنِ وَأَمَّا شَفْرُ الْعَيْنِ - فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي جَفْنِ الْعَيْنِ رُبْعُ الدِّيَةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: فِي كُلِّ شَفْرٍ رُبْعُ الدِّيَةِ. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: اجْتَمَعَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي شَفْرِ الْعَيْنِ الْأَعْلَى إذَا نُتِفَ: نِصْفُ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَفِي شَفْرِ الْعَيْنِ الْأَسْفَلِ إذَا نُتِفَ: ثُلُثُ دِيَةِ الْعَيْنِ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ: وَكَتَبَ أَبِي إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَكْتُبُوا إلَيْهِ بِعِلْمِ عُلَمَائِهِمْ قَالَ: وَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فُقَهَاؤُهُمْ فِي حَجَاجِ الْعَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي كُلِّ شَفْرٍ رُبْعُ الدِّيَةِ إذَا قُطِعَ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ فِي كُلِّ شَفْرٍ: رُبْعُ دِيَةِ الْعِوَضِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: فِي الْجَفْنِ الْأَعْلَى ثُلُثُ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَفِي الْجَفْنِ الْأَسْفَلِ: ثُلُثَا دِيَةٍ، لِأَنَّهَا تَرُدُّ الْحَدَقَةَ وَمَا قُطِعَ مِنْهَا، فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانُوا لَا يُوقِنُونَ فِي الشَّعْرِ شَيْئًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ: فِي كُلِّ جَفْنٍ مِنْ أَجْفَانِ الْعَيْنِ نِصْفُ دِيَةِ الْعَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ نُتِفَتْ الْأَهْدَابُ فَلَمْ تَنْبُت فَفِيهَا حُكُومَةٌ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: لَيْسَ فِي شَفْرِ الْعَيْنِ وَحِجَابِهَا إلَّا اجْتِهَادُ الْإِمَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمُخَالِفٌ لِأُصُولِ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ عَلَى خُصُومِهِمْ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهَاهُنَا خَالَفُوا قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذَا خَالَفَ قَوْلَ خُصُومِهِمْ وَوَافَقَهُمْ - وَهَاهُنَا خَالَفُوا حُكْمَهُ، وَقَوْلَهُ، وَإِجْمَاعَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَأَهْلِ عَصْرِهِ لَهُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ أَوْجَبُوا غَرَامَةَ حُكُومَةٍ فِي ذَلِكَ - وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ - فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ، فَلَا يَجِبُ هَاهُنَا فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ الْفَاقِئُ قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونَ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَامَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَقَتَلَ الْفَاقِئَ غَضَبًا لِابْنِ عَمِّهِ؟ قَالَ: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِمَنْ قَتَلَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ - وَقَدْ فَاتَهُ الْقَوَدُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ قَالَ فِي أَعْمَى فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ، أَوْ عَيْنَيْهِ جَمِيعًا؟ قَالَ: مَا فِيهِ مَأْخَذٌ لِقَوَدٍ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ عَلِيٌّ: هَاتَانِ فُتْيَتَانِ مُتَنَاقِضَتَانِ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي عَيْنٍ فُقِئَتْ عَمْدًا لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْقَوَدِ فِي إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَمْ يُوجِبْ فِي الْأُخْرَى دِيَةً لِأَجْلِ امْتِنَاعٍ مِنْ الْقَوَدِ أَيْضًا - هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، لَا يُؤَيِّدُهُ نَصٌّ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا خَبَرٌ عَنْ صَاحِبٍ.

مسألة جنى على عين ثم فقئت

وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا: أَنَّ الْقَوَدَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، إذْ يَقُولُ {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ بِمَوْتٍ، أَوْ بِعَدَمِ الْعُضْوِ، أَوْ بِامْتِنَاعٍ، أَوْ بِفِرَارٍ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ وَاجِبَةٌ لِمَنْ أَرَادَهَا، مَكَانَ قِصَاصِهِ الْفَائِتِ، لِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَهَا لَهُ - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا يُوجِبُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَإِحْدَى فُتْيَا رَبِيعَةَ صَوَابٌ، وَالْأُخْرَى خَطَأٌ فَأَمَّا الصَّوَابُ - فَفُتْيَاهُ فِي الَّذِي فَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَوَثَبَ ابْنُ عَمِّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فَقَتَلَ الْفَاقِئَ: أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدَ [وَلَا شَيْءَ لِلْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْقَوَدُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ الْقَوَدِ] . وَأَمَّا الْخَطَأُ - فَقَوْلُهُ فِي أَعْمَى فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ، أَوْ عَيْنَيْهِ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ؟ وَذَلِكَ: أَنَّهُ أَوْجَبَ دِيَةً لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَصٌّ صَحِيحٌ، وَمَنَعَ الْقَوَدَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَصِّ الْقُرْآنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ جَنَى عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ فُقِئَتْ] 2031 - مَسْأَلَةٌ: جَنَى عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ فُقِئَتْ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّ مَسْرُوقًا، وَشُرَيْحًا، وَالشَّعْبِيَّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالُوا فِي رَجُلٍ فُقِئَتْ عَيْنُهُ، وَقَدْ كَانَ ذَهَبَ مِنْهَا شَيْءٌ: إنَّهُ يُلْقَى عَنْهُ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَيْسَ فِيهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَلَوْ صَحَّتْ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا خَطَأً فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ قُوَّةِ الْبَصَرِ كَمَا ذَهَبَ هُوَ أُنْفِذَ ذَلِكَ بُدُوءًا، أَوْ بِمَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]

مسألة شج إنسانا فذهب بصره فقال كان أعمى

فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الْأَدَبُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] . فَإِذَا عَجَزْنَا عَنْ الْمِثْلِ الْأَخَصِّ لَزِمَنَا أَنْ نَأْتِيَ بِأَقْصَى مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّمَاثُلِ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْأَدَبُ وَالسِّجْنُ سَيِّئَةٌ، فَهُمَا جَزَاءُ سَيِّئَةٍ أُخْرَى عَجَزْنَا عَنْ مِثْلِهَا مِنْ نَوْعِهَا الْأَدْنَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ شَجَّ إنْسَانًا فَذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ كَانَ أَعْمَى] 2032 - مَسْأَلَةٌ: شَجَّ إنْسَانًا فَذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ: كَانَ أَعْمَى؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ النِّيلِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ - مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الشَّجَّةِ - فَقَالَ الْحَكَمُ: إنْ شَهِدُوا أَنَّهَا ذَهَبَتْ مِنْ الضَّرْبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ حَمَّادٌ: إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ - يَوْمَ ضَرَبَهُ - وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَذْهَبَ عَيْنُهُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الشَّجَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَكَمُ إنَّهَا ذَهَبَتْ مِنْ تِلْكَ الشَّجَّةِ، فَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ - وَكَانَ عَمْدًا - فَالْقَوَدُ فِي ذَلِكَ مِنْ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَمِنْ الْعَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْهَابِ عَيْنِهِ، وَمِنْ شَجِّهِ كَمَا شَجَّ. قَالَ عَلِيٌّ: بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَهَذَا اعْتِدَاءٌ مِنْهُ بِفِعْلَيْنِ: شَجِّهِ، وَإِذْهَابِ عَيْنِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوَدَيْنِ كِلَيْهِمَا. فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقِيدُ، فَقِيلَ لَهُ: حَتَّى تَبْرَأَ، فَأَبَى وَعَجَّلَ، فَاسْتَقَادَ فَعَنِتَتْ رِجْلُهُ وَبَرِئَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ، قَدْ أَبَيْتَ» ؟ قُلْنَا: هَذَا الْخَبَرُ هُوَ حُجَّتُنَا وَعُمْدَتُنَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ

مسألة جناية على عضو بطل منه عضو آخر

حَتَّى يَبْرَأَ فَيُقَادَ لَهُ بِمَا تَبْلُغُهُ تِلْكَ الْحَالُ الَّتِي يَبْرَأُ عَلَيْهَا، فَأَبَى، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقَّهُ، فَلَمَّا عَنِتَتْ رِجْلُهُ - وَالْعَنَتُ: الْبُرْءُ عَلَى عِوَجٍ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْ الْعِوَجِ أَصْلًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْلَا وُجُوبُ الْقَوَدِ مِنْ كُلِّ مَا يُمْكِنُ لَمَا كَانَ لِتَأْخِيرِهِ مَعْنًى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ جِنَايَةٍ عَلَى عُضْوٍ بَطَلَ مِنْهُ عُضْوٌ آخَرُ] 2033 - مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جِنَايَةٍ عَلَى عُضْوٍ بَطَلَ مِنْهُ عُضْوٌ آخَرُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا شَجَّ آخَرَ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ، أَوْ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ فَشُلَّتْ أُصْبُعٌ لَهُ أُخْرَى، أَوْ قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ فَشُلَّتْ الْأُخْرَى - أَيَّتُهُمَا كَانَتْ - أَوْ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ فَشُلَّتْ يَدُهُ، أَوْ قُطِعَ بَعْضُ أُصْبُعِهِ فَبَطَلَتْ الْأُصْبُعُ كُلُّهَا، أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَصَارَتْ مُنْقَلَةً، فَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَاهُ: مِثْلَ هَذَا فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ كَالْمُوضِحَةِ تَصِيرُ مُنْقَلَةً، أَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةً فَشُلَّتْ أُصْبُعُهُ، قَالَا: وَأَمَّا إذَا شَجَّ مُوضِحَةً فَبَطَلَتْ عَيْنُهُ، أَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَبَطَلَتْ أُصْبُعٌ أُخْرَى، أَوْ يَدٌ أُخْرَى، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى، وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي الْأُخْرَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا: أَنَّهُ إنْ قَطَعَ لَهُ أُنْمُلَةً فَسَقَطَتْ مِنْ الْمِفْصَلِ أُصْبُعُهُ، أَوْ يَدُهُ كُلُّهَا مِنْ الْمِفْصَلِ أَوْ كُسِرَ بَعْضُ سِنِّهِ فَسَقَطَتْ السِّنُّ كُلُّهَا: كَانَ الْقِصَاصُ فِي السِّنِّ كُلِّهَا، وَفِي جَمِيعِ الْيَدِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَصَابِعِ، وَأَنَّهُ إنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَسَقَطَتْ الْكَفُّ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ وَبَرِئَ فَلَا قِصَاصَ لَهُ، كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ قَطْعَهَا مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ الشَّلَلِ وَالسُّقُوطِ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: إذَا فَقَأَ عَيْنَهُ عَمْدًا فَذَهَبَتْ الْعَيْنُ الْأُخْرَى اُقْتُصَّ مِنْهُ وَفُقِئَتْ عَيْنَا الْفَاقِئِ جَمِيعًا

مسألة أمسك آخر حتى فقئت عينه أو قطع عضوه

وَقَالَ مَالِكٌ إذَا قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَشُلَّتْ يَدُهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ مِنْ الْأُصْبُعِ، وَلَهُ الْأَرْشُ فِي الْيَدِ - وَيَجْتَمِعُ فِي قَوْلِهِ الْعَقْلُ وَالْقِصَاصُ جَمِيعًا فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَطَعَ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ فَذَهَبَتْ الْأُخْرَى اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الَّتِي قَطَعَ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي الْأُخْرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُكْمُ فِي هَذَا كُلِّهِ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ فَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ كُلَّهُ جِنَايَةُ عَمْدٍ وَعُدْوَانٍ، فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الْقَوَدُ أَوْ الْمُفَادَاةُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّفْسُ وَمَا دُونَهَا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ - بِزَعْمِهِمْ - وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ فَمَاتَ مِنْهَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ يَمْنَعُ - مَنْ مَنَعَ مِنْهُمْ - فِيمَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ فَذَهَبَتْ كَفُّهُ مِنْهَا: أَنْ يُقَادَ مِنْهُ فِي الْكَفِّ - فَهَلْ فِي التَّنَاقُضِ أَفْحَشُ مِنْ هَذَا؟ وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ أَنْ تَتَوَلَّدَ الْجِنَايَةُ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ الْأُولَى فَلَا شَيْءَ فِيهَا، لَا قَوَدَ وَلَا غَيْرَهُ، مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ لَهُ يَدًا فَتُشَلَّ لَهُ الْأُخْرَى، فَهَذَا إنْ لَمْ يُتَيَقَّنْ أَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى الْجَانِي، وَإِذَا لَمْ نَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ شَيْئًا، لَا فِي بَشَرَتِهِ وَلَا فِي مَالِهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ فِي أَصْحَابِنَا فَتًى اسْمُهُ: يَبْقَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَرَبَهُ مُعَلِّمُهُ فِي صِبَاهُ بِقَلَمٍ فِي خَدِّهِ فَيَبِسَتْ عَيْنُهُ، فَهَذَا عَمْدٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ، لِأَنَّ الضَّرْبَةَ كَانَتْ فِي الْعَصَبَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالنَّاظِرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَمْسَكَ آخَرَ حَتَّى فُقِئَتْ عَيْنُهُ أَوْ قُطِعَ عُضْوُهُ] 2034 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَمْسَكَ آخَرَ حَتَّى فُقِئَتْ عَيْنُهُ، أَوْ قُطِعَ عُضْوُهُ، أَوْ ضُرِبَ قَالَ عَلِيٌّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونَ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّهْطِ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الرَّجُلِ فَيُمْسِكُونَهُ فَيَفْقَأُ أَحَدُهُمْ عَيْنَهُ، أَوْ يَكْسِرُ رِجْلَيْهِ، أَوْ يَدَيْهِ، أَوْ أَسْنَانَهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا: أَنَّهُ يُقَادُ مِنْ الَّذِي بَاشَرَ ذَلِكَ مِنْهُ

وَأَمَّا الْآخَرُونَ الَّذِينَ أَمْسَكُوهُ فَيُعَاقَبُونَ عُقُوبَةً مُوجِعَةً مُنَكِّلَةً، فَإِنْ اسْتَحَبَّ الْمُصَابُ الدِّيَةَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ يَغْرَمُونَهَا جَمِيعًا سَوَاءٌ. قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ رَبِيعَةُ إنْ أَحَبَّ الَّذِي فُقِئَتْ عَيْنَاهُ الدِّيَةَ فَلَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي عَيْنَيْهِ - فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَمْسَكُوهُ إنَّمَا أَمْسَكُوهُ لِيَفْقَأَ عَيْنَيْهِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ جَمِيعًا - وَإِنْ كَانُوا أَمْسَكُوهُ لِيَصُكَّهُ، أَوْ لِيَضْرِبَهُ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فَقْءَ عَيْنَيْهِ، فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِي فَقَأَ عَيْنَيْهِ دُونَ أَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ سَمْعَانَ: قَالَ رَبِيعَةُ: إنْ أَرَادَ الْقَوَدَ أُقِيدَ مِنْهُمْ جَمِيعًا، مِمَّنْ بَاشَرَ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ أَمْسَكَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْقَوَدِ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ: فَخَطَأٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَتَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ فَقَأَهُ أَوْ لَمْ يَفْقَأْهُ كُلُّهُمْ، لَكِنْ مَنْ بَاشَرَهُ خَاصَّةً، لَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ - فَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، كَمَا الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَلَا فَرْقَ - وَإِنْ كَانُوا لَيْسَ كُلُّهُمْ فَقَأَهُ، لَكِنَّ الْمُبَاشِرَ خَاصَّةً، فَإِلْزَامُ الدِّيَةِ فِي ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَفْقَأْ وَلَا كَسَرَ وَلَا قَطَعَ خَطَأٌ - وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ عَلَى جَمِيعِهِمْ، أَوْ الدِّيَةِ عَلَى جَمِيعِهِمْ، فَلَمْ يَتَنَاقَضْ وَلَكِنَّهُ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمُمْسِكَ آخَرَ لِيَفْقَأ عَيْنَيْهِ، أَوْ لِيَقْطَعَ يَدَهُ، أَوْ لِيَخْصِيَ، أَوْ لِيَجْنِيَ عَلَيْهِ، أَوْ لِيَضْرِبَ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ اسْمُ " فَاقِئٍ " وَلَا اسْمُ " قَاطِعٍ " وَلَا اسْمُ " كَاسِرٍ " وَلَا اسْمُ " ضَارِبٍ " وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَا شَكٍّ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ شَيْخَيْهِ: رَبِيعَةَ، وَالزُّهْرِيَّ، لِأَنَّهُمَا جَعَلَا فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ فِي الْعَيْنِ الْخِيَارَ بَيْنَ الْقَوَدِ، أَوْ الدِّيَةِ - وَهُوَ لَا يَرَى فِيهَا إلَّا الْقَوَدَ فَقَطْ - وَهُمَا كَبْشَا الْمَدِينَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْحُكْمُ فِي هَذَا هُوَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الْفَاقِئِ، وَالْكَاسِرِ، وَالْقَاطِعِ

مسألة دية عين الدابة

وَالضَّارِبِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، وَيُعَزَّرُ الْمُمْسِكُ، وَيُسْجَنُ، عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» . وَلِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّعْزِيرِ فِي كُلِّ مَا دُونَ الْحَدِّ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ " كِتَابِ الْحُدُودِ ". فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّكُمْ تَقُولُونَ فِيمَنْ أَمْسَكَ آخَرَ لِلْقَتْلِ فَقُتِلَ: إنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ، فَهَذَا خِلَافٌ لِمَا قُلْتُمْ هَاهُنَا أَمْ لَا؟ فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِشَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَكُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا يُوصَفُ بِهِ - وَكَانَ بِهِ مُتَعَدِّيًا - فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْمُمْسِكُ آخَرَ حَتَّى قُتِلَ، مُمْسَكٌ لَهُ، وَحَابِسٌ حَتَّى مَاتَ، وَلَيْسَ قَاتِلًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى يَمُوتَ، فَهُوَ مِثْلُ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَلَا نُبَالِي بِطُولِ الْمُدَّةِ مِنْ قِصَرِهَا إذْ لَمْ يَأْتِ بِمُرَاعَاةِ ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَةٌ دِيَةُ عَيْنُ الدَّابَّةِ] . 2035 - مَسْأَلَةٌ: عَيْنُ الدَّابَّةِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَخْبَرَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ يَعْلَى نا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْضِ فِي الرَّأْسِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْمُنَقِّلَةِ، وَالْمُوضِحَةِ، وَالْآمَّةِ - وَفِي عَيْنِ الْفَرَسِ بِرُبْعِ ثَمَنِهِ» : نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا أَبُو جَنَابٍ - هُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ الْكَلْبِيُّ - عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَيْهِ فِي فَرَسٍ فُقِئَتْ عَيْنُهُ: أَنْ يُقَوِّمَ الْفَرَسَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي عَيْنِهِ رُبْعُ قِيمَتِهِ. نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: إنَّ دِهْقَانًا فَقَأَ عَيْنَ فَرَسٍ لِعُرْوَةِ بْنِ الْجَعْدِ، فَكَتَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ إلَيْهِ: أَنْ خَيِّرْ الدِّهْقَانَ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْفَرَسَ، وَأَعْطَى الشَّرْوَى، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى رُبْعَ ثَمَنِهِ، فَقُوِّمَ الْفَرَسُ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَغَرِمَ خَمْسَةَ آلَافٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ الرُّبْعُ - يَعْنِي مِنْ ثَمَنِهَا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ فِي الدَّابَّةِ إذَا فُقِئَتْ عَيْنُهَا لِصَاحِبِهَا الشَّرْوَى، فَإِنْ رَضِيَ جَبَرَهَا بِرُبْعِ ثَمَنِهَا. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: عَيْنُ الدَّابَّةِ، قَالَ: الرُّبْعَ، زَعَمُوا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي عَيْنِ جَمَلٍ أُصِيبَتْ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ - ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ بَعْدُ فَقَالَ: مَا أَرَاهُ نَقَصَ مِنْ قُوَّتِهِ، وَلَا مِنْ هِدَايَتِهِ، فَقَضَى فِيهِ بِرُبْعِ ثَمَنِهِ. وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ ثَمَنِهَا، فَإِنْ قُطِعَ ذَنَبُهَا أُغْرِمَ مَا نَقَصَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ: فِي الْفَرَسِ، وَالْبَعِيرِ، وَالْبَقَرَةِ تُفْقَأُ عَيْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: رُبْعُ ثَمَنِهِ، فَإِنْ فَقَأَ عَيْنَ شَاةٍ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ [إلَّا مَا نَقَصَهَا - وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَزُفَرُ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - لَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ] إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا -. وَقَالَ اللَّيْثُ: إنْ فَقَأَ عَيْنَ دَابَّةٍ، أَوْ كَسَرَ رِجْلَهَا، أَوْ قَطَعَ ذَنَبَهَا، فَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا كُلِّهَا، أَوْ مِثْلِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَيَّةَ إسْمَاعِيلِ بْنِ يَعْلَى الثَّقَفِيِّ - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

مسألة الحاجب إذا أصيب حتى يذهب شعره

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَشُرَيْحٍ، وَعَطَاءٍ: فَثَابِتَةٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ قَضَى فِي ذَلِكَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ - وَعَنْ عُمَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَوَاهِيَتَانِ: أَمَّا الَّتِي عَنْ عَلِيٍّ - فَهِيَ عَمَّنْ لَا يُدْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ الْيَمَامِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ - وَهُوَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ. وَأَمَّا الَّتِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَمِثْلُ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا عَنْ مُجَالِدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ قَدْ يَحْتَجُّونَ بِأَسْقَطَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ - إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ - كَاحْتِجَاجِهِمْ ب «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» . وَبِحَدِيثِ حَرَامٍ فِي الِاسْتِظْهَارِ، وَبِكَثِيرٍ جِدًّا - قَدْ ذَكَرْنَاهُ مُفَرَّقًا - وَسَنَجْمَعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ، فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ عِنْدَنَا إلَّا فِي نَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْبَرَاهِينِ. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ فَاقِئِ عَيْنِ الدَّابَّةِ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَوَاجِبٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلْزَامُهُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَاجِبِ إذَا أُصِيبَ حَتَّى يَذْهَبَ شَعْرُهُ] 2036 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْحَاجِبَيْنِ: نا حُمَامُ بْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْحَاجِبِ إذَا أُصِيبَ حَتَّى يَذْهَبَ شَعْرُهُ، فَقَضَى فِيهِ مُوضِحَتَيْنِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: غَيْرَ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَاجِبِ يَتَحَصَّصُ شَعْرُهُ أَنَّ فِيهِ الرُّبْعَ، وَفِيمَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالْحِسَابِ، فَإِنْ أُصِيبَ الْحَاجِبُ بِمَا يُوضِحُ وَيُذْهِبُ شَعْرَهُ: كَانَ قَدْرَ الْحَاجِبِ فَقَطْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوضِحَةِ قَدْرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ بِمَنْقُولَةٍ: كَانَ قَدْرَ الْحَاجِبِ وَالْمَنْقُولَةِ جَمِيعًا وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فِي الْحَاجِبِ الْوَاحِدِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: فِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فِي الْحَاجِبَيْنِ إذَا اسْتَوْعَبَا الدِّيَةَ - وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ يُقَالُ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْإِنْسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ النِّصْفُ؟ قُلْت: الثِّنْتَيْنِ؟ قَالَ: لَعَلَّ ذَلِكَ، قَالَ: وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِنْسَانِ الدِّيَةُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فِي كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْإِنْسَانِ الدِّيَةُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ: فِي الْحَاجِبَيْنِ، وَالشَّفَتَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ: نِصْفُ الدِّيَةِ يَعْنِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - وَفِي كُلِّ فَرْدٍ فِي الْإِنْسَانِ الدِّيَةُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ: فِيهَا حُكُومَةٌ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا شَيْءَ فِيهَا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: الْحَاجِبُ يُشْتَرُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَقَدْ نَقَضُوا هَاهُنَا أُصُولَهُمْ فِي تَهْوِيلِهِمْ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ - وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا مَا

مسألة أحكام دية الأنف

رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسَائِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَقْوَالٍ لَمْ تُحْفَظْ قَطُّ عَنْ صَاحِبٍ - وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا. فَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ طَرَدُوا الْقِيَاسَ هَاهُنَا، إذْ جَعَلُوا فِي كُلِّ اثْنَيْنِ فِي الْإِنْسَانِ الدِّيَةَ، قِيَاسًا عَلَى الْيَدَيْنِ، وَالْحَاجِبَانِ اثْنَانِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ أَصْحَابَهُمَا لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي ادِّعَاءِ الْإِجْمَاعِ مِنْ الْأُمَّةِ، فِيمَا لَا يَعْرِفُونَ فِيهِ خِلَافًا، نَعَمْ، حَتَّى إنَّهُمْ لَيَدَّعُونَهُ فِيمَا فِيهِ الْخِلَافُ مَشْهُورٌ، كَفِعْلِهِمْ فِي الْمُوضِحَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ: فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةٌ هَذَا وَلَمْ يُتَّبَعْ فِيهِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سَنَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قِيَاسٌ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ لَا يُنْكِرُوا عَلَى مَنْ قَالَ بِقَوْلٍ اتَّبَعَ فِيهِ الْقُرْآنَ، وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ لِمَالِكٍ، وَلَا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا لِلشَّافِعِيِّ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى غَيْرِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ لَا نَصَّ فِي الْحَاجِبَيْنِ يَصِحُّ، وَلَا إجْمَاعَ فِيمَا يُتَيَقَّنُ؛ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ فِيهِمَا فِي الْعَمْدِ إلَّا الْقَوَدُ أَوْ الْمُفَادَاةُ. وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا شَيْءَ، لِأَنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَالْحُكُومَةُ غَرَامَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهَا أَحَدًا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، كَمَا أَوْرَدْنَا. [مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ دِيَةُ الْأَنْف] 2037 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ فِي الْعِرْنِينِ الدِّيَةُ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ نا سَلَامٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: فِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْإِنْسَانِ خَمْسُ دِيَاتٍ: الْأَنْفُ، وَاللِّسَانُ، وَالذَّكَرُ، وَالصُّلْبُ، وَالْفُؤَادُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ فِي الرَّوْثَةِ النِّصْفُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عَنْ عُمَرَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَمَكْحُولٍ قَالَ فِي رَوْثَةِ الْأَنْفِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي الرَّوْثَةِ الثُّلُثُ، فَإِذَا بَلَغَ مِنْ الْمَارِنِ الْعَظْمَ فَالدِّيَةُ وَافِيَةٌ، فَإِنْ أُصِيبَ مِنْ الرَّوْثَةِ الْأَرْنَبَةُ، أَوْ غَيْرُهَا لَمْ يَبْلُغْ الْعَظْمَ فَبِحِسَابِ الرَّوْثَةِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: فِي الْأَنْفِ إذَا أَوْعَى جَدْعَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، فَمَا أُصِيبَ مِنْ الْأَنْفِ دُونَ ذَلِكَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَا ذَهَبَ مِنْ الْأَنْفِ فَبِحِسَابِهِ. نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي رَوْثَةِ الْأَنْفِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَنْفِ، وَفِي الْجُنَّابَتَيْنِ إذَا خُرِمَتَا - ثُمَّ لَمْ تَلْتَئِمَا - فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأَنْفِ، وَفِي الرَّوْثَةِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَنْفِ، وَفِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ إذَا انْكَسَرَتْ - ثُمَّ انْجَبَرَتْ - ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّ عَبْدًا كَسَرَ إحْدَى قَصَبَتَيْ أَنْفِ رَجُلٍ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْنَا فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيُّمَا عَظْمٍ كُسِرَ ثُمَّ جُبِرَ كَمَا كَانَ فَفِيهِ حِقَّتَانِ، فَرَاجَعَهُ ابْنُ سُرَاقَةَ؟ فَقَالَ: أَيُّمَا كَسْرٍ أُخِذَ مِنْ الْقَصَبَتَيْنِ؟ فَأَبَى عُمَرُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ الْحِقَّتَيْنِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: إنْ كُسِرَ الْأَنْفُ كَسْرًا يَكُونُ شَيْنًا، فَسُدُسُ دِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْخِرَانِ مِنْهُمَا الشَّيْنُ، فَثُلُثُ دِيَةِ الْمَنْخِرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَارِنُ الْأَنْفِ مَهْبُورًا هَبْرَةً، فَلَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ مَهْشُومًا

مُلْتَطِيًا يُبِحُّ صَوْتَهُ كَالْعَيْنِ، فَنِصْفُ الدِّيَةِ لِعَيْنَيْهِ، وَبَحُّهُ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ، وَلَا غِشٌّ، وَلَا رِيحٌ تُوجَدُ مِنْهُ، فَلَهُ رُبْعُ الدِّيَةِ، فَإِنْ أُصِيبَ قَصَبَةُ الْأَنْفِ فَجَافَتْ، وَفِيهِ شَيْنٌ - وَلَا رِيحَ وَلَا يُوجَدُ رِيحُ شَيْءٍ - فَالدِّيَةُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا - وَإِنْ ضَرَبَ أَنْفَهُ فَبَرَأَ - غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ رِيحًا طَيِّبَةً وَلَا رِيحَ شَيْءٍ - فَلَهُ عُشْرُ الدِّيَةِ. سَمِعْت مَوْلًى لِسُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ يُحَدِّثُ قَالَ: قَضَى سُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ فِي الْأَنْفِ إذَا وُثِنَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَإِذَا كُسِرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ فِي الْأَنْفِ جَائِفَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي جَائِفَةِ الْأَنْفِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَإِنْ نَفَذَتْ فَالثُّلُثَانِ - وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: فِي الْأَنْفِ إذَا خُرِمَ مِائَةُ دِينَارٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَحَصَلَ مِنْ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ فِي الْأَنْفِ الدِّيَةَ - وَكَذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَعَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ فِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ - وَهُوَ كُلُّ مَا دُونَ الْعَظْمِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْمَارِنِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَنْفِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْعِرْنِينِ الدِّيَةُ - وَهُوَ مَا دُونَ الْمَارِنِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي الرَّوْثَةِ الثُّلُثُ - وَهِيَ دُونَ الْعِرْنِينِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ، وَقَتَادَةَ - وَفِي الْأَرْنَبَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ - وَهُوَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ فِي الرَّوْثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي خَرْمِ جَنْبَتَيْ الْأَنْفِ إذَا لَمْ يَلْتَئِمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُرْمَيْنِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَنْفِ وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَإِسْحَاقَ فِي الْوَتْرَةِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَنْفِ - وَهِيَ الْحَاجِزَةُ بَيْن ثُقْبَتَيْ

الْأَنْفِ - وَفِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ إذَا كُسِرَتْ ثُمَّ انْجَبَرَتْ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ بَعِيرَانِ حِقَّتَانِ - وَفِي كَسْرِ الثَّنِيَّتَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سُدُسُ دِيَةِ الْأَنْفِ، فَإِنْ كَانَ فِي كِلَا الْمَنْخِرَيْنِ، فَثُلُثُ دِيَةِ الْأَنْفِ - وَفِي هَشْمِ الْأَنْفِ حَتَّى يَكُونَ لَاطِيًا يَبَحُّ صَوْتَهُ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ وَلَا رَشْحٌ، فَرُبْعُ دِيَةِ النَّفْسِ - وَفِي جَائِفَتِهِ عُشْرُ دِيَةٍ وَرُبْعُ عُشْرِ دِيَةٍ - وَفِي جَائِفَةِ الْأَنْفِ عَنْ مُجَاهِدٍ ثُلُثُ دِيَةِ النَّفْسِ، فَإِنْ نَفَذَتْ فَالثُّلُثَانِ وَعَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ فِي خَرْمِ الْأَنْفِ عُشْرُ الدِّيَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَا دُونَ الْمَارِنِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا حُكْمٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُوجَدَ فِي هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا، فَقَدْ بَحَثَ عَنْهُ الْبُحَّاثُ مِنْ أَقْصَى خُرَاسَانَ إلَى أَدْنَاهَا، وَأَهْلِ فَارِسَ، وَأَصْبَهَانَ، وَكَرْمَانَ، وَسِجِسْتَانَ وَالسِّنْدِ، وَالْجِبَالِ، وَالرَّيِّ، وَالْعِرَاقِ، وَبَغْدَادَ، وَالْبَصْرَةِ، وَالْكُوفَةِ، وَسَائِرِ مُدُنِهَا، وَأَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَةَ، وَالْأَهْوَازِ، وَمَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْيَمَنِ، وَالْجَزِيرَةِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالْأَنْدَلُسِ -: فَمَا وَجَدُوا شَيْئًا مُذْ أَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً - غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ هُنَا خَبَرٌ ثَابِتٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَا قُرْآنَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، وَنَحْنُ نُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَقَامَ الْحُجَّةَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَأَوْضَحِ الْإِجْمَاعِ إيضَاحًا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ مُبْتَدَاهُ إلَى مُنْتَهَاهُ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَعْدُومَةٌ هَاهُنَا قَالَ عَلِيٌّ: فَقَوْلُنَا هَاهُنَا - الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَنَلْقَاهُ عَلَيْهِ - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَثَرٌ لَقُلْنَا بِهِ، وَلَمَا خَالَفْنَاهُ، وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ لَقُلْنَا بِهِ، وَلَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الطَّاعَةِ لَهُ. فَإِذْ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا إجْمَاعَ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، وَلَا شَيْءَ فِي الْخَطَأِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة أحكام دية الشعر

[مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ دِيَةُ الشَّعْر] مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا مِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَلَمَةَ بْنِ تَمَّامٍ الشَّقَرِيِّ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ بِقِدْرٍ فَوَقَعَتْ مِنْهُ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ فَأَحْرَقَتْ شَعْرَهُ، فَرَفَعَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَجَّلَهُ سَنَةً، فَلَمْ يَنْبُتْ، فَقَضَى عَلِيٌّ عَلَيْهِ فِيهِ بِالدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ الضَّرِيرُ - نا حَجَّاجٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي الشَّعْرِ الدِّيَةُ، إذَا لَمْ يَنْبُتْ. وَقَدْ احْتَجُّوا فِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: فِي شَعْرِ الرَّأْسِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ: الدِّيَةُ. وَفِي شَعْرِ اللِّحْيَةِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ: الدِّيَةُ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا حُكُومَةٌ، وَهَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ أُصُولَهُمْ فِي تَشْنِيعِهِمْ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَقَدْ جَاءَ هَاهُنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: مَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ مُخَالِفٌ - وَهَذَا يُرِيَك أَنَّهُمْ لَا يَضْبِطُونَ أَصْلًا وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لِلشَّعْرِ أَصْلٌ يُرْجَعُ عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: وَلَا فِي شَيْءٍ مِمَّا أَوْجَبْتُمْ فِيهِ الدِّيَةَ، مِنْ الْأَعْضَاءِ أَصْلٌ مِنْ السُّنَّةِ يَصِحُّ، حَاشَا الْأَصَابِعِ فَقَطْ. [مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ دِيَةُ الشَّارِبَانِ] 2039 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ نا حُمَامٌ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

مسألة أحكام دية العقل

عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: اجْتَمَعَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ مَنْ مَرَطَ الشَّارِبَ فَفِيهِ سِتُّونَ دِينَارًا - فَإِنْ مَرَطَا جَمِيعًا، فَفِيهِمَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي فِي الشَّارِبَيْنِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ دِينَارًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ سِتُّونَ دِينَارًا. قَالَ عَلِيٌّ: عَهْدِنَا بِهِمْ يَحْتَجُّونَ بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَلْبَتَّةَ وَغَيْرِهَا، فَمَا لَهُمْ لَا يَتَّبِعُونَهُ فِيمَا اجْتَمَعَ لَهُ عَلَيْهِ هَاهُنَا؟ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَتَّفِقُ لَهُمْ قَوْلٌ إلَّا فِي النَّادِرِ، وَلَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ عِنْدَنَا فِي الْخَطَأِ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ دِيَةُ الْعَقْلُ] 2040 - مَسْأَلَةٌ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسْته، فَقَالُوا: ذَاكَ أَبُو الْمُهَلَّبِ عَمُّ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا بِحَجَرٍ فِي رَأْسِهِ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ، وَلِسَانُهُ، وَعَقْلُهُ، وَيَبِسَ ذَكَرُهُ؟ فَقَضَى فِيهِ عُمَرُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ - وَهُوَ حَيٌّ، وَبِهِ إلَى سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فِي الْعَقْلِ الدِّيَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي الرَّابِيَةِ بَعِيرٌ، وَفِي الْبَاضِعَةِ بَعِيرَانِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ، مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ، وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الرَّجُلِ يُضْرَبُ حَتَّى يَذْهَبَ عَقْلُهُ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ - أَوْ يُضْرَبُ حَتَّى يَغَنَّ فَلَمْ يَفْهَمْ: الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، أَوْ حَتَّى يُبَحَّ فَلَا يُفْهِمُ: الدِّيَةُ كَامِلَةٌ - وَفِي جَفْنِ الْعَيْنِ رُبْعُ الدِّيَةِ - وَفِي حَلَمَةِ الثَّدْيِ رُبْعُ الدِّيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ،

مسألة أحكام دية اللحيان والذقن

وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمْ - وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَمَا فِيهِ عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا أَقَلَّ مِمَّا فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ. وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إلَّا الدَّعْوَى الْكَاذِبَةَ الْمُفْتَضِحَةَ فِي الْإِجْمَاعِ؟ وَقَدْ خَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي الدَّامِيَةِ، وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ، وَالسِّمْحَاقِ، وَالْهَاشِمَةِ، وَفِي جَفْنِ الْعَيْنِ، وَحَلَمَةِ الثَّدْيِ، فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ قَوْلِهِ حُجَّةً وَبَعْضَهُ لَا حُجَّةَ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. فَإِنْ قَالُوا: أَخَذْنَا بِقَوْلِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَهَلَّا أَخَذْتُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ، وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ؟ فَمَرَّةً يَكُونُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدٍ حُجَّةً، وَمَرَّةً يَكُونُ قَوْلُهُمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّدَيُّنِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَا نَصَّ فِي الْعَقْلِ وَلَا إجْمَاعَ يَثْبُتُ فِيهِ فَلَا شَيْءَ فِي ذَهَابِهِ بِالْخَطَأِ، وَأَمَّا بِالْعَمْدِ فَإِنَّمَا هِيَ ضَرْبَةٌ كَضَرْبَةٍ، وَلَا مَزِيدَ - فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ عَقْلُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَقَدْ اعْتَدَى بِمِثْلِ مَا اُعْتُدِيَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا - فَالْخَبَرُ فِي هَذَا عَنْ عُمَرَ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَزَادَ الْأَمْرُ وَهَنًا عَلَى وَهَنٍ. [مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ دِيَةُ اللَّحْيَانِ وَالذَّقَنُ] 2041 - مَسْأَلَةٌ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي اللَّحْيَيْنِ إذَا كُسِرَ ثُمَّ انْجَبَرَ: سَبْعَةُ أَبْعِرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، كِلَاهُمَا عَنْ رَجُلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: فِي اللَّحْيِ إذَا كُسِرَ أَرْبَعُونَ دِينَارًا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ

مسألة أحكام دية الأصابع

فِي فَقَمِ الْإِنْسَانِ قَالَ: يُثَنِّي إبْهَامَهُ، ثُمَّ تُجْعَلُ قَبْضَتُهُمَا السُّفْلَى، وَيُفْتَحُ فَاهُ، فَيَجْعَلَهَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ فَمَا نَقَصَ مِنْ فَتْحَةِ فَاهُ مِنْ قَصَبَةِ إبْهَامِهِ السُّفْلَى، فَبِالْحِسَابِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا أَيْضًا كَسَائِرِ مَا سَلَف، وَلَا فَرْقَ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ بِالْخَطَأِ، وَفِيهِ الْقَوَدُ بِالْعَمْدِ. [مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ دِيَةُ الْأَصَابِعُ] . 2042 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ ذَكَرْنَا الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْتِدَاءِ كَلَامِنَا فِي بَابِ الْأَعْضَاءِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْأَصَابِعُ عَشْرٌ عَشْرٌ» فَهَذَا نَصٌّ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِالْيَقِينِ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا إلَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» . وَصَحَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] فَوَرَدَ هَذَانِ النَّصَّانِ - وَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يُسْتَثْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ. يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَرُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ إلَّا فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ. وَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً، لَا فِي الْخَطَأِ - وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَصِيرَ إلَى أَحَدِ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ إلَّا بِيَقِينِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَحِلُّ الْخَبَرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ عَنْ رَسُولِهِ الْمُبِينِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَنَحْنُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدَعُنَا فِي عَمًى مِنْ هَذَا الْحُكْمِ فِي الدِّينِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى} [النحل: 89]

وَقَالَ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ضَارِعِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يُلِيحَ لَنَا الْحَقَّ فِي ذَلِكَ، فَلَا هُدًى إلَّا مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى، فَابْتَدَأْنَا بِالْعَمْدِ، فَوَجَدْنَا النَّاسَ مُخْتَلِفِينَ. فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْقَوَدُ فَقَطْ، وَلَا دِيَةَ هُنَالِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ. فَوَجَدْنَا الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ فِي ذَلِكَ - ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ نَجِدْ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ وَجَدْنَا الْقَائِلِينَ بِالدِّيَةِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفِينَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَلَمْ نَجِدْ إجْمَاعًا مِنْهُمْ أَيْضًا فِي هَذَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ الْجَانِي غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ قَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْجُنَاحَ بِيَقِينٍ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا - أَنْ تُلْزَمَ عَاقِلَتُهُ غَرَامَةً فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ، بَلْ النَّصُّ مُسْقِطٌ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . فَبَطَلَ بِيَقِينٍ أَنْ يَجِبَ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ يُبَيِّنُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ عَلَى مَنْ هِيَ؟ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ النَّصُّ، وَلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْ هِيَ، فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُلْزَمُ غَرَامَةً مَنْ لَا يُبَيِّنُ لَنَا مَنْ هُوَ الْمُلْزَمُ إيَّاهَا؟ هَذَا أَمْرٌ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْعَلْ بِنَا ذَلِكَ قَطُّ وَهُوَ تَعَالَى الْقَائِلُ مُتَفَضِّلًا عَلَيْنَا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَالْآمِرُ تَعَالَى لَنَا إذْ يَقُولُ: {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286]- إلَى قَوْله تَعَالَى - {مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]

مسألة في دية الأصابع

وَالْقَائِلُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ، وَلَا فِي طَاقَتِهِ: أَنْ يَفْهَمَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْهِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ؟ فَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَطَأِ غَرَامَةٌ أَصْلًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. فَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ دِيَةٌ أَصْلًا فَرَجَعْنَا إلَى الْعَمْدِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إيجَابِ دِيَةِ الْأَصَابِعِ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا عَلَى الْعَامِدِ، وَإِمَّا عَلَى الْمُخْطِئِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ وَقَدْ سَقَطَ أَنْ يَجِبَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُخْطِئِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ شَيْءٌ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ الَّتِي أَوْرَدْنَا فَلَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْعَامِدُ، فَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَامِدِ بِلَا شَكٍّ، إذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا هُوَ. أَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَكَانَ الْعَامِدُ مُسِيئًا بِسَيِّئَتِهِ، فَالْوَاجِبُ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - أَنْ يُسَاءَ إلَيْهِ بِمِثْلِهَا، وَالدِّيَةُ إذَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إسَاءَةِ مُسِيءٍ، فَهِيَ مِثْلُ سَيِّئَةِ ذَلِكَ الْمُسِيءِ بِلَا شَكٍّ - وَكَذَلِكَ الْحُدُودُ إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا أَيْضًا، فَإِذَا فَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالْقَوَدِ فِي الْأَصَابِعِ وَجَبَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالدِّيَةِ فِي ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ فِي دِيَة الْأَصَابِعِ] 2043 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا نِصْفَ دِيَةِ الْيَدِ، وَفِي الْوُسْطَى عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَفِي الْبِنْصِرِ تِسْعَةُ أَبْعِرَةٍ، وَفِي الْخِنْصَرِ سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ. وَبِهِ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَفِي السَّبَّابَةِ عَشْرًا، وَفِي الْوُسْطَى عَشْرًا، وَفِي الْبِنْصِرِ تِسْعًا، وَفِي الْخِنْصَرِ سِتًّا

وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ: كَمَا رُوِّينَا - بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ - إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَجَاءَ عَنْ عُرْوَةَ بَيَانٌ زَائِدٌ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إذَا قُطِعَتْ الْإِبْهَامُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا فَفِيهَا نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ - وَإِذَا قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْأَصَابِعُ عَشْرٌ عَشْرٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ مَا تَقُولُ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ؟ قَالَ: سَوَاءٌ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ - مِمَّا هُنَالِكَ - عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَجَمَعَ الْمُرَادِيُّ بَيْنَ إبْهَامَيْهِ وَخِنْصَرَيْهِ وَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ، سَوَاءٌ هَاتَانِ؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: نَتَّبِعُ وَلَا نَبْتَدِعُ، فَإِنَّك لَنْ تَضِلَّ مَا أَخَذْت بِالْأَثَرِ يَدَك وَأُذُنَك - فِي الْيَدِ النِّصْفُ، وَفِي الْأُذُنِ النِّصْفُ، وَالْأُذُنُ يُوَارِيهَا الشَّعْرُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالْعِمَامَةُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى مَسْرُوقٍ وَشُرَيْحٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ، عَشْرٌ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلُ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلْيَعْلَمْ الْعَالِمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ هَذِهِ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَرَى هَذِهِ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ أَصْلًا، وَلَا يَرَاهَا إلَّا فِي الْخَطَأِ، فَعَكَسَ الْحَقَّ عَكْسًا، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ - فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى الْأَجْنَادِ فِي كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْ قَصَبِ الْأَصَابِعِ قُطِعَتْ أَوْ شُلَّتْ ثُلُثُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ إبْهَامِهَا فَإِنَّمَا هِيَ قَصَبَتَانِ، فَفِي كُلِّ قَصَبَةٍ مِنْ الْإِبْهَامِ نِصْفُ دِيَتِهَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: فِي

كُلُّ مَفْصِلٍ مِنْ الْأَصَابِعِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ إلَّا الْإِبْهَامَ فَإِنَّهَا مِفْصَلَانِ فِي كُلِّ مِفْصَلٍ النِّصْفُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا نَعْرِفُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَوَاجِبٌ بِلَا شَكٍّ أَنَّ الْعَشْرَ الْمَذْكُورَةَ مُقَابِلَةٌ لِلْأُصْبُعِ فَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْأُصْبُعِ جُزْءٌ مِنْ الْعَشْرِ، فَعَلَى هَذَا فِي نِصْفِ الْأُصْبُعِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي ثُلُثِ الْأُصْبُعِ ثُلُثُ الْعُشْرِ - وَهَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْأُصْبُعُ تُشَلُّ: فَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ - فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ فِي شَلَلِ الْأُصْبُعِ دِيَتَهُ كَامِلَةً، فَالْوَاجِبُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، لِعُمُومِ النَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَا وَأَمَّا كَسْرُهُ فَيُفِيقُ عَنَتًا أَوْ صَحِيحًا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا النَّصُّ الَّذِي ذَكَرْنَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ: سَوَاءٌ، لِعُمُومِ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَصَابِعَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنِي أَنَّ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ: ثُلُثُ دِيَتِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: فِيهَا حُكُومَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا شَيْءَ فِيهَا. فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا النَّصَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَحَّ بِأَنَّ فِي الْأُصْبُعِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ. وَاسْمُ أُصْبُعٍ يَقَعُ عَلَى زَائِدَةٍ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُصْبُعًا زَائِدَةً مِنْ غَيْرِهَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا فِي سَائِرِ الْأَصَابِعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ما جاء في اليد تشل أو تقطع

[مَسْأَلَةٌ مَا جَاءَ فِي الْيَدِ تُشَلُّ أَوْ تُقْطَعُ] مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا جَاءَ فِي الْيَدِ تُشَلُّ، أَوْ تُقْطَعُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَزْمٍ، وَتِلْكَ الصَّحِيفَةُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ فِي الرِّجْلِ إذَا يَبِسَتْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَبْسُطَهَا، أَوْ بَسَطَهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْبِضَهَا، أَوْ لَمْ تَنَلْ الْأَرْضَ: فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ، فَإِنْ نَالَ مِنْهَا شَيْءٌ الْأَرْضَ فَبِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا - وَفِي الْيَدِ إذَا لَمْ يَأْكُلْ بِهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ بِهَا، وَلَمْ يَأْتَزِرْ بِهَا وَلَمْ يَسْتَصْلِحْ بِهَا: فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ. نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي الْيَدِ النِّصْفُ. وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَمَا نَقَصَتْ فَبِالْحِسَابِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَتَادَةَ. وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: فِي الْيَدِ إذَا شُلَّتْ: دِيَتُهَا كَامِلَةً. [مَسْأَلَةٌ مَوْضِع قَطْعِ الْيَدِ فِي الْقِصَاص] 2045 - مَسْأَلَةٌ: فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي مَوْضِعِ قَطْعِ الْيَدِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إنْ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْكَفِّ فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ الْمَنْكِبِ فَالدِّيَةُ. وَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ: إذَا قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمِفْصَلِ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَمِنْ الْمِرْفَقِ فَفِيهَا الدِّيَةُ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: فِي الْيَدِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْبَرَاجِمِ: فَفِيهَا الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الرُّسْغِ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ مِنْ الْمَنْكِبِ كُلُّ ذَلِكَ الدِّيَةُ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْيَدِ تُسْتَأْصَلُ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْمَنْكِبِ، وَالرِّجْلُ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لَهُ: مِنْ أَيْنَ؟ أَمِنَ الْمَنْكِبِ أَوْ مِنْ الْكَفِّ؟ قَالَ: بَلْ مِنْ الْمَنْكِبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَوَاءٌ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْمَنْكِبِ أَوْ مِمَّا دُونَهُ إلَى مَوْضِعِ السِّوَارِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَؤُلَاءِ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الَّذِي جَاءَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَا فِي قَوْلِ غَيْرِهِمْ، إلَّا مَا صَحَّ بِهِ النَّصُّ، أَوْ تَيَقَّنَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ فَقَطْ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قُطِعَتْ أُصْبُعٌ أَوْ ذَهَبَتْ، ثُمَّ قُطِعَتْ الْكَفُّ: فَلَهُ دِيَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ فَقَطْ فَإِنْ قُطِعَتْ أُنْمُلَةٌ، ثُمَّ قُطِعَتْ الْكَفُّ: فَلَهُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الْأُنْمُلَةَ عِنْدَهُ لَهَا حَظُّهَا مِنْ الْعَقْلِ، كَمَا لِلْأُصْبُعِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ حَظَّ الْأُصْبُعَ وَلَمْ يَحَظَّ الْأُنْمُلَةَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِقِلَّتِهَا؟ قِيلَ لَهُمْ: الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ [وَالْكَبِيرُ مِنْ الْكَثِيرِ حَرَامٌ] وَلَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا بِحَقٍّ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ الْأُنْمُلَةَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِعَقْلِهَا هُوَ الَّذِي أَصَابَ الْكَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَغْرَمُوهُ فِي الْكَفِّ دِيَةً كَامِلَةً وَثُلُثَ خُمْسِ الدِّيَةِ.

مسألة كسر اليد والزند

[مَسْأَلَةٌ كَسْرُ الْيَدِ وَالزَّنْدِ] مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَلْقَمَةَ أُتِيَ فِي رِجْلِ رَجُلٍ كُسِرَتْ، فَقَالَ: كُنَّا نَقْضِي فِيهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، حَتَّى أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَكَتَبَ بِخَمْسِ أَوَاقٍ فِي الْيَدِ تُكْسَرُ ثُمَّ تُجْبَرُ وَتَسْتَقِيمُ، قُلْتُ لِعِكْرِمَةَ: فَلَا يَكُونُ فِيهَا عِوَجٌ وَلَا شَلَلٌ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَقَضَى فِيهَا ابْنُ عَلْقَمَةَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي السَّاقِ أَوْ الذِّرَاعِ إذَا انْكَسَرَتْ ثُمَّ جُبِرَتْ فَاسْتَوَتْ فِي غَيْرِ عَثْمٍ عِشْرُونَ دِينَارًا، أَوْ حِقَّتَانِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَهُوَ عَامِلُهُ بِالطَّائِفِ - يَسْتَشِيرُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ كُسِرَتْ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ كَانَتْ جُبِرَتْ صَحِيحَةً فَلَهُ حِقَّتَانِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا كُسِرَتْ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ وَإِذَا كُسِرَتْ الذِّرَاعُ أَوْ الْعَضُدُ أَوْ الْفَخِذُ أَوْ السَّاقُ ثُمَّ جُبِرَتْ فَاسْتَوَتْ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا عَثْمٌ فَأَرْبَعُونَ دِينَارًا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ فِي كَسْرِ الرِّجْلِ وَالْيَدِ وَالتَّرْقُوَةِ ثُمَّ تُجْبَرُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَمَا بَلَغَنِي مَا هُوَ؟ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ: إذَا جُبِرَتْ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ فِي الرِّجْلِ إذَا كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ ثُمَّ انْجَبَرَ: فَفِيهِ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

مسألة قطعت يده في سبيل الله أو في غيره

وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ] 2047 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَطَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ الْأُخْرَى: غَرِمَ لَهُ دِيَتَيْنِ فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي حَدٍّ وَقَطَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ الْأُخْرَى غَرِمَ لَهُ دِيَةَ الَّتِي قَطَعَ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ قُطِعَتْ الْأُخْرَى، بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَوْ أُعْطِيَ عَقْلٌ بِدَيْنٍ رَأَيْت ذَلِكَ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْ السَّدَادِ، وَلَمْ أَسْمَعْ فِيهِ سُنَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةَ عَيْنَيْنِ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَزِيدُ عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ - سَوَاءٌ قُطِعَتْ الْأُخْرَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي حَدٍّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] » وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ، وَلَا أَغْفَلَهُ، وَلَبَيَّنَهُ [مَسْأَلَةٌ أَصَابِعُ الْمَرْأَةِ فِي الدِّيَة] 2048 - مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي هَذَا وَأَنَّ فِيهِمْ مَنْ رَأَى فِي أُصْبُعِهَا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي اثْنَيْنِ عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَرْبَعَةِ عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ. وَقَوْلُ مَنْ رَأَى أَنَّهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَوَجَبَ عَلَيْنَا مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ مِنْ الرَّدِّ إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ: «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ» . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ أَصَابِعَ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ، نَصُّ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّ أَصَابِعَ الرَّجُلِ سَوَاءٌ، بِنَصِّ حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة دية اليد الشلاء

فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ فِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَصَاعِدًا: نِصْفُ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ بِلَا خِلَافٍ، فَإِذْ بِلَا شَكٍّ فِي هَذَا وَقَدْ حَكَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ أَصَابِعَهَا سَوَاءٌ: فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فِي أُصْبُعَيْنِ نِصْفُ مَا فِي الْأَرْبَعِ بِلَا شَكٍّ - وَفِي الْأُصْبُعِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ مَا فِي الِاثْنَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الْيَدِ الشَّلَّاءِ] 2049 - مَسْأَلَةٌ: نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ نا قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ إذَا فُضِخَتْ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ - إذَا سَقَطَتْ - ثُلُثُ دِيَتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا أَبُو هِلَالٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ الرَّاسِبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ: ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ - إذَا قُطِعَتْ -: ثُلُثَ دِيَتِهَا، وَفِي الرِّجْلِ الشَّلَّاءِ -: ثُلُثَ دِيَتِهَا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ -: ثُلُثُ دِيَتِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأُصْبُعِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ: نِصْفُ دِيَتِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ: فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ - إذَا قُطِعَتْ -: خُمْسُ دِيَتِهَا. وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ -: حُكْمٌ. وَعَنْ النَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ -: حُكْمٌ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: فِي الْأُصْبُعِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ: شَيْءٌ، لِجَمَالِهَا

مسألة الدية في أصابع الرجل

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ هَذَا أَثَرٌ -: كَمَا رُوِّينَا - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ عَائِذٍ نا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ نا الْعَلَاءُ - هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ - السَّادَةِ لِمَكَانِهَا - إذَا طُمِسَتْ: ثُلُثَ دِيَتِهَا - وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ - إذَا قُطِعَتْ: ثُلُثَ دِيَتِهَا - وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ - إذَا نُزِعَتْ: ثُلُثَ دِيَتِهَا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَجَاءَ هَذَا الْخَبَرُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، يَحْتَجُّونَ بِهِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَجَاءَ بِمِثْلِ مَا فِيهِ الْأَثَرُ الصَّحِيحُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا - وَقَالَ بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٌ - وَهُمْ يُهَوِّلُونَ وَيُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. [مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي أَصَابِعِ الرِّجْلِ] 2050 - مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا جَاءَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْأَثَرِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا مَا جَاءَ فِي الْأَصَابِعِ بِالْقَوْلِ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلِ كَمَا قُلْنَا فِي أَصَابِعِ الْيَدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، لَا يَفْتَرِقُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَفِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ» يَعْنِي كُلَّ وَاحِدَةٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي الْأَنْفِ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنِ النِّصْفُ، وَفِي الْأُذُنِ النِّصْفُ، وَفِي الْيَدِ النِّصْفُ، وَفِي الرِّجْلِ النِّصْفُ

مسألة الدية في اللسان

وَبِهِ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: كَانَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: أَنَّ فِي الرِّجْلِ إذَا يَبِسَتْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَبْسُطَهَا، أَوْ يَبْسُطُهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْبِضَهَا، أَوْ لَمْ تَنَلْ الْأَرْضَ فَبِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: وَفِي الرِّجْلِ نِصْفُ الدِّيَةِ، أَوْ عِدْلُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ، فَإِذَا نَقَصَتْ، فَبِالْحِسَابِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْيَدِ تُسْتَأْصَلُ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْمَنْكِبِ، وَالرِّجْلُ كَذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: الدِّيَةُ فِي ذَلِكَ لِلْأَصَابِعِ فَقَطْ - عَلَى مَا قُلْنَا فِي الْيَدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي اللِّسَانِ] 2051 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ ذَكَرْنَا الْأَثَرَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اللِّسَانِ إذَا قُطِعَ بِالدِّيَةِ - إذَا نُزِعَ مِنْ أَصْلِهِ - فَإِنْ قُطِعَ مِنْ أَسَلَتِهِ فَتَكَلَّمَ صَاحِبُهُ: فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ فِي اللِّسَانِ إذَا قُطِعَ الدِّيَةُ، فَإِنْ قُطِعَتْ أَسَلَتُهُ - فَبَيَّنَ بَعْضَ الْكَلَامِ وَلَمْ يُبَيِّنْ بَعْضَهُ - فَنِصْفُ الدِّيَةِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: فِي اللِّسَانِ إذَا اُسْتُؤْصِلَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَمَا أُصِيبَ مِنْ اللِّسَانِ - فَبَلَغَ أَنْ يَمْنَعَ الْكَلَامَ - فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ

وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْأَجْنَادِ مَا قُطِعَ مِنْ اللِّسَانِ فَبَلَغَ أَنْ يَمْنَعَ الْكَلَامَ كُلَّهُ - فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَمَا نَقَصَ دُونَ ذَلِكَ فَبِحِسَابِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَإِنْ قُطِعَتْ أَسَلَتُهُ فَتَبَيَّنَ بَعْضُ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ بِحَسَبِهِ بِالْحُرُوفِ - إنْ بَيَّنَ نِصْفَ الْحُرُوفِ: فَنِصْفُ الدِّيَةِ - وَإِنْ بَيَّنَ الثُّلُثَ: فَثُلُثُ الدِّيَةِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: اللِّسَانُ يُقْطَعُ كُلُّهُ، قَالَ: الدِّيَةُ، قُلْت: فَقُطِعَ مِنْهُ مَا يُذْهِبُ الْكَلَامَ، وَيَبْقَى مِنْ اللِّسَانِ، قَالَ: مَا أَرَى إلَّا أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ إذَا ذَهَبَ الْكَلَامُ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ اللِّسَانَ إذَا قُطِعَ مِنْهُ مَا يُذْهِبُ الْكَلَامَ: أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ، قُلْت: عَمَّنْ؟ قَالَ: هُوَ قَوْلُ الْقِيَاسِ، قَالَ: فَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْكَلَامِ وَبَقِيَ بَعْضٌ: فَبِحِسَابِ الْكَلَامِ - وَالْكَلَامُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا، قُلْت: عَمَّنْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِإِيجَابِ الدِّيَةِ فِي اللِّسَانِ وَفِي الْكَلَامِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَأَمَّا الْأَثَرُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنْ صَحَّحُوهَا: فَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ خَالَفُوهَا، لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ فِي ذَهَابِ أَسَلَةِ اللِّسَانِ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ، إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَثَرَانِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُنْقَطِعَانِ - وَثَالِثٌ عَنْ عَلِيٍّ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا أَضْعَافَ هَذَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ. وَقَوْلُ عَلِيٍّ فِي السِّمْحَاقِ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَغَيْرُهُمَا، فِي الْقَوَدِ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ فِي اللِّسَانِ - إذَا كَانَ عَمْدًا - إلَّا الْقَوَدُ أَوْ الْمُفَادَاةُ، لِأَنَّهُ جُرْحٌ، وَلَا مَزِيدَ

مسألة دية لسان الأعجم والأخرس

وَأَمَّا الْخَطَأُ - فَمَرْفُوعٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة لِسَانِ الْأَعْجَمِ وَالْأَخْرَسِ] 2052 - مَسْأَلَةٌ: فِي لِسَانِ الْأَعْجَمِ وَالْأَخْرَسِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نا ابْنُ الْجَهْمِ نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ الثُّلُثُ مِمَّا فِي لِسَانِ الصَّحِيحِ. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ يُسْتَأْصَلُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ. . وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي لِسَانِ الْأَعْجَمِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كُلَّهَا. . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ: لَيْسَ فِيهِ إلَّا حُكُومَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِأَضْعَفَ مِنْهَا - إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ - وَلَا يُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ لِمَا جَاءَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: لِسَانُ الْأَخْرَسِ كَغَيْرِهِ، وَالْأَلَمُ وَاحِدٌ، وَالْقَوَدُ وَاجِبٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] أَوْ الْمُفَادَاةُ، وَكَذَلِكَ لِسَانُ الصَّغِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَطَعَ يَدًا فِيهَا أَكَلَةٌ أَوْ قَلَعَ ضِرْسًا وَجِعَةً أَوْ مُتَأَكِّلَةً بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا] 2053 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَطَعَ يَدًا فِيهَا أَكَلَةٌ، أَوْ قَلَعَ ضِرْسًا وَجِعَةً، أَوْ مُتَأَكِّلَةً بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]

مسألة دية البحح والغنن والصعر والحدب

وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . فَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُنْظَرُ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، أَوْ عَلِمَ الْحَاكِمُ أَنَّ تِلْكَ الْيَدَ لَا يُرْجَى لَهَا بُرْءٌ، وَلَا تَوَقُّفٌ، وَأَنَّهَا مُهْلَكَةٌ وَلَا بُدَّ، وَلَا دَوَاءَ لَهَا إلَّا الْقَطْعُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَقَدْ أَحْسَنَ، لِأَنَّهُ دَوَاءٌ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُدَاوَاةِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الضِّرْسِ إذَا كَانَ شَدِيدَ الْأَلَمِ قَاطِعًا بِهِ عَنْ صَلَاتِهِ، وَمَصَالِحِ أُمُورِهِ، فَهَذَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْدَلَانِيُّ بِبَلْخٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَدَاوُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ؟ قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْهَرَمُ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ دَاوَى أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدْ أَحْسَنَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . وَأَمَّا إذَا كَانَ يُرْجَى لِلْأَكَلَةِ بُرْءٌ أَوْ تَوَقُّفٌ، وَكَانَ الضِّرْسُ تَتَوَقَّفُ أَحْيَانَا، وَلَا يَقْطَعُ شُغْلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَمَصَالِحِ أُمُورِهِ، فَعَلَى الْقَاطِعِ وَالْقَالِعِ: الْقَوَدُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَعَدٍّ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقِصَاصِ فِي الْقَوَدِ. [مَسْأَلَةٌ دِيَةُ الْبَحَحِ وَالْغَنَنِ وَالصَّعَرِ وَالْحَدَبِ] 2054 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْبَحَحُ - هُوَ خُشُونَةٌ تَعْرِضُ مِنْ فَضْلٍ نَازِلٍ فِي أَنَابِيبِ الرِّئَةِ، فَلَا يَتَبَيَّنُ الْكَلَامُ - كُلَّ الْبَيَانِ - وَقَدْ يَزِيدُ حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ أَصْلًا

وَالْغَنَنُ - هُوَ خُرُوجُ الْكَلَامِ مِنْ الْمِنْخَرَيْنِ. وَالصَّعَرُ - هُوَ مِيلُ الْوَجْهِ كُلِّهِ إلَى نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِانْفِتَالٍ ظَاهِرٍ. وَالْحَدَبُ - تَقَوُّسٌ، وَإِنْحَاءٌ فِي فَقَرَاتِ الصُّلْبِ، أَوْ فَقَرَاتِ الصَّدْرِ، وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ مَعًا، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْكَبِيرِ كَمَا يَعْرِضُ لِلصَّغِيرِ - نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا الْحَجَّاجُ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فِي الْحَدَبِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ، وَفِي الْبَحَحِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَفِي الصَّعَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْغَنَنِ بِقَدْرِ مَا غَنَّنَ. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي الصَّعَرِ - إذَا لَمْ يُلْتَفَتْ - الدِّيَةُ كَامِلَةٌ.

مسألة الدية في الظفر

وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الصَّعَرِ - إذَا لَمْ يَلْتَفِتُ الرَّجُلُ إلَّا مُنْحَرِفًا - نِصْفُ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ - وَبِهِ يَقُولُ مَعْمَرٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: فِي الصَّعَرِ الدِّيَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا حُكُومَةٌ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الرِّوَايَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ. أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّهُ إنْ حَدَثَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ ضَرْبٍ عَمْدٍ اُقْتُصَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ بَالِغًا مَا بَلَغَ، فَإِنْ حَدَثَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَعْتَدِ هُوَ بِهِ - وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى أَنْ نُبَلِّغَهُ حَيْثُ بَلَغَهُ هُوَ بِظُلْمِهِ لَفَعَلْنَا، وَلَكِنْ إذْ عَجَزْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنَّا مَا لَا يُقْدَرْ عَلَيْهِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَقَدْ أَمَرَنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقِصَاصِ جُمْلَةً. [مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي الظُّفْرِ] 2055 - مَسْأَلَةٌ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي الظُّفْرِ إذَا أَعْوَرَ بَعِيرٌ، وَإِذَا ثَبَتَ: فَخُمْسَا بَعِيرٍ، وَفِي كُلِّ مِفْصَلٍ مِنْ مَفَاصِلِ الْأُصْبُعِ إذَا انْكَسَرَ ثُمَّ انْجَبَرَ: ثُلُثَا بَعِيرٍ، وَفِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ إذَا انْكَسَرَتْ ثُمَّ انْجَبَرَتْ: ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الظُّفْرِ إذَا أَعْوَرَ: خُمْسُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ. . وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ رَجُلٍ عَنْ

مسألة الدية في الشفتين

عِكْرِمَةَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عِكْرِمَةُ، وَعَمْرٌو: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فِي الظُّفْرِ إذَا اعْرَنْجَمَ وَفَسَدَ: قَلُوصٌ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اجْتَمَعَ لَهُ فِي الظُّفْرِ إذَا نُزِعَ فَعُرَّ أَوْ سَقَطَ أَوْ اسْوَدَّ: الْعُشْرُ مِنْ الدِّيَةِ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْقَلُوصُ عَلَى أَصْلِهِمْ، لِأَنَّهُ عُشْرُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ مِنْ الْإِبِلِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الظُّفْرِ يُقْلَعُ إنْ خَرَجَ أَسْوَدَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ: فَفِيهِ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ خَرَجَ أَبْيَضَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ اسْوَدَّ الظُّفْرُ أَوْ اعْوَرَّ: فَنَاقَةٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَنْبُتْ الظُّفْرُ: فَنَاقَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أُذَيْنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي الظُّفْرِ إذَا طُرِحَتْ، فَلَمْ تَنْبُتْ: بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ: فَابْنُ لَبُونٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْت فِي الظُّفْرِ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: فِيهِ حُكُومَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ مَالِكٍ رُوِيَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِالْحُكُومَةِ هَاهُنَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذْ لَا نَصَّ فِي هَذَا، وَلَا إجْمَاعَ: فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ - فَقَطْ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، فَإِنَّهُ جُرْحٌ - وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي الشَّفَتَيْنِ] 2056 - مَسْأَلَةٌ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ

نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي الْحَاجِبِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الشَّفَةِ الْعُلْيَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثَا الدِّيَةِ، لِأَنَّهَا تَرُدُّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فِي إحْدَى الشَّفَتَيْنِ النِّصْفُ - يَعْنِي: نِصْفَ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: الشَّفَتَانِ؟ قَالَ: خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي إحْدَى الشَّفَتَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا - عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الشَّفَتَانِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا تُفَضَّلُ السُّفْلَى فِي الْإِبِلِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، كَمَا أَوْرَدَنَا، وَلَا يَصِحُّ فِي الشَّفَتَيْنِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ أَصْلًا، وَلَا حُجَّةٌ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ. وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَخَالَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ: صَحَابَةً لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ بِلَا حُجَّةٍ، مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، فَالْوَاجِبُ فِي الشَّفَتَيْنِ: الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، لِأَنَّهُ جُرْحٌ. وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا شَيْءَ، لِرَفْعِ الْجَنَاحِ عَنْ الْمُخْطِئِ، وَتَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الدية في السمع

[مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي السَّمْعِ] مَسْأَلَةٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ عَنْ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسْتُهُ، فَقَالُوا: ذَاكَ أَبُو الْمُهَلَّبِ عَمُّ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا بِحَجَرٍ فِي رَأْسِهِ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ، وَلِسَانُهُ، وَعَقْلُهُ، وَيَبِسَ ذَكَرُهُ فَقَضَى فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَيْءٌ فِي السَّمْعِ غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ أَصْلًا، وَلَا فِي السَّمْعِ أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صَحِيحٌ وَلَا سَقِيمٌ، وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ إيجَابُ الدِّيَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، إلَّا قَتَادَةَ وَحْدَهُ - وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ -. كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فِي ذَهَابِ السَّمْعِ خَمْسُونَ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِي السَّمْعِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ عُلَاثَةَ: اخْتِيَارُ دَعْوَاهُ فِي أَنَّهُ ذَهَبَ سَمْعُهُ فَقَطْ، لَا إيجَابَ دِيَةٍ أَصْلًا، وَنَذْكُرُهُ لِئَلَّا يُمَوِّهُ بِهِ مُمَوِّهٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: مَا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ قَالَ: لَا أَسْمَعُ فِي شَيْءٍ يُصَابُ بِهِ، عَمَمٌ بِهِ فَاهُ، وَمِنْخَرَيْهِ، فَإِنْ سُمِعَ صَرِيرٌ فِي الْأُذُنِ فَلَا بَأْسَ. وَجَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَجُلٌ فَقَالَ: ضَرَبَنِي فُلَانٌ حَتَّى صُمَّتْ إحْدَى أُذُنَيْ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَعْلَمُ ذَلِكَ؟ قَالَ: اُدْعُ الْأَطِبَّةَ؟ فَدَعَاهُمْ، فَشَمُّوهَا، فَقَالُوا لِلصَّمَّاءِ: هَذِهِ الصَّمَّاءُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرِهِ قَالَ: يُخْتَبَرُ، فَيُنْظَرُ هَلْ يَسْمَعُ أَمْ لَا؟ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُلَاثَةَ الْقَاضِي قُلْت: الرَّجُلُ يَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ أَنَّهُ أَصَمَّهُ مَنْ ضَرَبَهُ، كَيْفَ لَهُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَلْتَمِسُ - غَفَلَاتِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى

مسألة الدية في الأذن

شَيْءٍ وَإِلَّا اسْتَحْلَفَ ثُمَّ أُعْطِي، فَإِنْ ادَّعَى صَمَمًا فِي إحْدَى أُذُنَيْهِ دُونَ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ تُحْشَى الَّتِي لَمْ تُصَمَّ، وَتُلْتَمَسُ غَفَلَاتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ: فِي ذَهَابِ السَّمْعِ الدِّيَةُ - وَهَذَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا إجْمَاعَ، لِصِحَّةِ وُجُودِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي ذَهَابِ الشَّمِّ الدِّيَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إيجَابُ شَرِيعَةٍ - وَالشَّرَائِعُ لَا يُوجِبُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا شَيْءَ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ بِالْخَطَأِ، لِأَنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ، إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا ضَرَبَ فَوَاجِبٌ، وَيُصَبُّ فِي أُذُنِهِ مَا يُبْطِلُ سَمْعَهُ، مِمَّا يُؤْمَنُ مَعَهُ مَوْتُهُ، فَهَذَا هُوَ الْقِصَاصُ. [مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي الْأُذُن] 2058 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي صَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ وَحَدِيثِ مَكْحُولٍ: فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَجَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَضَى فِي الْأُذُنِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً وَلَمْ يَقْضِ فِيهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَقَالَ: يُوَارِيهَا الشَّعْرَ وَالْعِمَامَةَ وَالْقَلَنْسُوَةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَضَى فِي الْأُذُنِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ لَا يَضُرُّ سَمْعًا، وَلَا يَنْقُصُ قُوَّةً يُغَيِّبُهَا الشَّعْرُ وَالْعِمَامَةُ. وَبِهِ - إلَى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا قُطِعَتْ الْأُذُنُ قَضَى فِيهَا أَبُو بَكْرٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ - فَهَذَا قَوْلٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْأُذُنِ إذَا اُسْتُؤْصِلَتْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ - قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَالنَّاسُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ

فِي الْأُذُنِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، أَوْ عِدْلِ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنِ النِّصْفُ، وَفِي الْأُذُنِ النِّصْفُ، وَفِي الْيَدِ النِّصْفُ، وَفِي الرِّجْلِ النِّصْفُ، وَفِي إحْدَى الشَّفَتَيْنِ النِّصْفُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: فِي الْأُذُنِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ فِي الْأُذُنِ - إذَا اُسْتُؤْصِلَتْ - خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ إذَا اُسْتُؤْصِلَتْ: نِصْفُ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُلُّ زَوْجَيْنِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ. وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُمْ: وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحِيمِ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ - وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي شَحْمَةِ الْأُذُنِ ثُلُثُ دِيَةِ الْأُذُنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنَ مَسْعُودٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَلَمْ يَقُولُوا بِشَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ عَنْهُمْ، وَنَقَضُوا أُصُولَهُمْ. وَإِنَّمَا أَوْرَدَنَا هَذَا لِئَلَّا يَقُولُوا لَنَا: إنَّمَا عَنَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَاءَتْ عَنْهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ بِالْأُذُنِ السَّمْعَ، فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَقْتَحِمُونَ مِثْلَ هَذَا فَأَرَيْنَاهُمْ مَا لَا عَمَلَ لَهُمْ بِهِ. وَيُقَالُ لَهُمْ: الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ، لَعَلَّهُ أَيْضًا إنَّمَا عَنَى الشَّمَّ فَقَطْ، لَا الْأَنْفَ الظَّاهِرَ - وَالرِّوَايَةُ عَنْ زَيْدٍ فِي شَحْمَةِ الْأُذُنِ تُبْطِلُ تَأْوِيلَكُمْ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا إلَّا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة دية الذكر والأنثيين

أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ لَا مَدْخَلَ لِلشَّكِّ فِيهِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ فِي الْأُذُنَيْنِ إلَّا الْقَوَدُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ فِي الْعَمْدِ، لِأَنَّهُ جُرْحٌ وَلَا شَيْءَ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَيْنِ] 2059 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ فِي صَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَصَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَخَبَرِ مَكْحُولٍ، وَرَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، وَأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ - وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ الطَّيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ شَيْخٍ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي إحْدَى الْبَيْضَتَيْنِ النِّصْفُ، وَبِهِ وَإِلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسْتُهُ، فَقَالُوا: ذَاكَ أَبُو الْمُهَلَّبِ عَمُّ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا بِحَجَرٍ فِي رَأْسِهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ لِسَانَهُ وَعَقْلَهُ وَيَبِسَ ذَكَرَهُ فَقَضَى عُمَرُ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ فِي ذَكَرِ رَجُلٍ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى فِي الْحَشَفَةِ بِالدِّيَةِ كَامِلَةٍ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ

حَكَمَ فِي الْبَيْضَةِ يُصَابُ صَافِنُهَا الْأَعْلَى بِسُدُسِ الدِّيَةِ. وَعَنْ مَكْحُولٍ يَقُولُ: قَضَى عُمَرُ فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَذَكَرِ الْخَصِيِّ يُسْتَأْصَلُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ أَخَذَتْ بِأُنْثَيَيْ زَوْجِهَا فَجَبَذَتْهُ فَخَرَقَتْ الْجِلْدَ - وَلَمْ تَخْرِقْ الصِّفَاقَ فَقَضَى عَلَيْهَا بِسُدُسِ الدِّيَةِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي امْرَأَةٍ أَخَذَتْ بِأُنْثَيَيْ زَوْجِهَا فَخَرَقَتْ الْجِلْدَ - وَلَمْ تَخْرِقْ الصِّفَاقَ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: اجْعَلْهَا فِي مَنْزِلَةِ الْجَائِفَةِ. قَالَ عُمَرُ: لَكِنِّي أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، أَرَى أَنَّ فِيهَا نِصْفَ مَا فِي الْجَائِفَةِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُلُّ زَوْجَيْنِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْأُنْثَيَانِ سَوَاءٌ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: الْبَيْضَتَانِ سَوَاءٌ وَأَمَّا التَّابِعُونَ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فِي الْبَيْضَةِ الْيُمْنَى ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْيُسْرَى ثُلُثَا الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْهَا وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: الْبَيْضَتَانِ سَوَاءٌ، فَفِيهِمَا الدِّيَةُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ. وَعَنْ طَاوُسٍ: فِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ إذَا أُصِيبَتْ؟ قُلْتُ: فَاسْتُؤْصِلَ الذَّكَرُ؟ قَالَ: فَالدِّيَةُ، قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ اُسْتُؤْصِلَتْ الْحَشَفَةُ ثُمَّ أُصِيبَ شَيْءٌ مِمَّا بَقِيَ بَعْدُ؟ قَالَ: جُرْحٌ يُرَافِيهِ، قُلْتُ: فَذَكَرُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ؟ قَالَ: مِثْلُ مَا فِي ذَكَرِ الَّذِي يَأْتِي النِّسَاء. قُلْت: الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلَيْسَ يُوَفَّى قَدْرَهُ - يَعْنِي دِيَتَهُ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت: وَالْبَيْضَتَانِ فِي كُلِّ بَيْضَةٍ خَمْسُونَ خَمْسُونَ؟ قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا.

وَعَنْ قَتَادَةَ فِي ذَكَرِ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ ثُلُثُ دِيَةِ ذَكَرِ الَّذِي يَأْتِي النِّسَاءَ، وَكَذَلِكَ يَقِيسُهُ عَلَى لِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ. وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ: فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكْمٌ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ أَنَّ فِي الذَّكَرِ الدِّيَةَ - إلَّا أَنَّ عُمَرَ جَاءَ عَنْهُ: وَذَكَرُ الْخَصِيِّ ثُلُثُ دِيَةٍ، وَفِي صِفَاقِ الْبِيضِ سُدُسُ دِيَةٍ، وَعَمَّنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ: ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَيْضَتَيْنِ. وَجَاءَ عَنْ التَّابِعِينَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ مَالِكٌ: وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: فِي ذَكَرِ الصَّبِيِّ حُكُومَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: فِي ذَكَرِ [الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ حُكُومَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ:] فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ، وَالصَّبِيِّ، وَالْهَرِمِ، وَالْعِنِّينِ الدِّيَةُ كَامِلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ إلَّا عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ - وَمُدَّعِي الْإِجْمَاعَ هَاهُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى جَمِيعِ الْأَمَةِ. فَإِنْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ -: حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عِنْدَهُ كِتَابًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُطِعَ الذَّكَرُ فَفِيهِ مِائَةُ نَاقَةٍ - قَدْ انْقَطَعَتْ شَهْوَتُهُ وَذَهَبَ نَسْلُهُ» فَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَإِنْ صَحَّحُوهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ فِي ذَكَرِ الْعَقِيمِ، وَلَا فِي ذَكَرِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ، وَالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ: ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَخَالَفُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ " إنَّ فِي الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثُ الدِّيَةِ " وَلَوْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا لَمَا اسْتَجَازَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ خِلَافَهُ

مسألة دية الصلب والفقارات

قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا قَوْلُهُ " إنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْيُسْرَى " فَقَدْ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ هَدَّاجٍ الْعَامِرِيُّ - وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا فَاضِلًا - أَنَّهُ أَصَابَهُ خُرَاجٌ فِي الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى أَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَسَالَتْ كُلُّهَا، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ أَصْلًا، ثُمَّ بَرِئَ، وَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، ثُمَّ أَصَابَهُ خُرَاجٌ أَيْضًا فِي الْيُمْنَى فَذَهَبَ أَكْثَرُهَا، ثُمَّ بَرِئَ، وَلَمْ يُولَدْ لَهُ بَعْدَهَا شَيْءٌ - فَإِذْ لَا يَصِحُّ فِي الدِّيَةِ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ شَيْءٌ، لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجِبَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فِي الْخَطَأِ، وَأَنْ يَجِبَ فِي ذَلِكَ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْمُفَادَاةُ، لِأَنَّهُ جُرْحٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الصُّلْب وَالْفَقَارَات] 2060 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ فِي صُلْبِ الرَّجُلِ إذَا كُسِرَ ثُمَّ جُبِرَ بِالدِّيَةِ كَامِلَةً إذَا كَانَ لَا يَحْمِلُ لَهُ، وَبِنِصْفِ الدِّيَةِ إنْ كَانَ يَحْمِلُ لَهُ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ قَضَيَا فِي الصُّلْبِ إذَا لَمْ يُولَدْ لَهُ بِالدِّيَةِ، وَإِنْ وُلِدَ لَهُ فَنِصْفُ الدِّيَةِ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ: حَضَرْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَضَى فِي رَجُلٍ كُسِرَ صُلْبُهُ، فَاحْدَوْدَبَ هُوَ وَلَمْ يَقْعُدْهُ، وَهُوَ يَمْشِي مُحْدَوْدِبًا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَضَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي فَقَارِ الظَّهْرِ كُلِّهِ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا - وَهِيَ أَلْفُ دِينَارٍ - وَهِيَ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ فَقَارَةً، فِي كُلِّ فَقَارَةٍ إحْدَى وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَرُبْعُ دِينَارٍ إذَا كُسِرَتْ ثُمَّ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ فَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى عَثْمٍ فَفِي كَسْرِهَا أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَرُبْعُ دِينَارٍ وَفِي الْعَثْمِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ الْمُسْتَقْبَلِ سِوَى ذَلِكَ. وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ فَقَارٍ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَرُبْعُ دِينَارٍ

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فِي الصُّلْبِ إذَا كُسِرَ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ. وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ إذَا مَنَعَهُ الْمَشْيُ. وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إذَا لَمْ يُولَدْ لَهُ: وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرٌ: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فِي الصُّلْبِ إذَا كُسِرَ فَذَهَبَ مَاؤُهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ الْمَاءُ فَنِصْفُ الدِّيَةِ - قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْلَمُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَزَيْدٌ - وَهِيَ عَنْ زَيْدٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. وَلَا يَقُولُ بِهَذَا الْحَنَفِيُّونَ، وَلَا الْمَالِكِيُّونَ - وَهُوَ تَنَاقُضٌ - فَلَا يَرَوْنَ فِي ضَرْبِ الصُّلْبِ يَقْطَعُ الْوَلَدَ شَيْئًا - وَلَا يَرَوْنَ فِي الْفَقَارَاتِ أَيْضًا مَا جَاءَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِيهَا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا مُخَالِفٌ - وَهُوَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَفِي هَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مُرْسَلٌ - كَمَا أَوْرَدَنَا - بِالدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ، وَبِنِصْفِ الدِّيَةِ إنْ وُلِدَ لَهُ - وَهُمْ يَدَّعُونَ الْأَخْذَ بِالْمُرْسَلِ، وَلَا يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ وَالتَّشْنِيعِ عَلَى خُصُومِهِمْ.

مسألة الدية في الضلع

وَهُمْ يَجْعَلُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ فِي الْأَسْنَانِ الدِّيَةُ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ، وَفِي كُلِّ اثْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعٍ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ عَشْرَةٍ الدِّيَةُ، فَمَا بَالُهُمْ لَا يَجْعَلُونَ فِي الْفَقَارَاتِ كَذَلِكَ - كَمَا جَاءَ عَنْ زَيْدٍ - وَهَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ الْقِيَاسَ قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ، وَلَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصِحُّ، وَلَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ، إلَّا مَا أَبَاحَهُ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ، وَالْخَطَأُ مَرْفُوعٌ - كَمَا قَدْ تَقَدَّمَ - فَلَيْسَ فِي الصُّلْبِ، وَلَا فِي الْفَقَارَاتِ فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَالْقَوَدُ فَقَطْ، وَلَا مُفَادَاةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ جُرْحًا - فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جُرْحًا، فَفِيهِ الْقَوَدُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا [مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي الضِّلْعِ] 2061 - مَسْأَلَةٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى نا أَبِي نا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَضَى فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ، وَفِي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ، وَفِي الضِّلْعِ بِجَمَلٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: فِي الضِّلْعِ جَمَلٌ، وَفِي الضِّرْسِ جَمَلٌ، وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فِي الضِّلْعِ إذَا كُسِرَ بَعِيرٌ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى فِي الضِّلْعِ بِبَعِيرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: فِي التَّرْقُوَةِ بَعِيرٌ، وَفِي الضِّلْعِ بَعِيرٌ -

قَالَ حَمَّادٌ: وَأَخْبَرَنَا قَتَادَةُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ قَضَى فِي الضِّلْعِ بِبَعِيرٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا أُجُورٌ فَبَعِيرَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الضِّلْعِ إذَا كُسِرَتْ ثُمَّ جُبِرَتْ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا عَثْمٌ فَأَرْبَعُونَ دِينَارًا - وَفِي ضِلْعِ الْمَرْأَةِ إذَا كُسِرَتْ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: فِي الضِّلْعِ حُكْمٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: فِي الضِّلْعِ بَعِيرٌ، وَفِي التَّرْقُوَةِ بَعِيرٌ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَالشَّافِعِيُّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا حُكْمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُوجَدُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الضِّلْعِ جَمَلٌ، وَفِي الضِّرْسِ جَمَلٌ قَالَ بِهِ كُلُّ مَنْ عُرِفَ لَهُ قَوْلٌ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ حَاشَ مَسْرُوقًا، وَقَتَادَةَ، فَإِنَّ قَتَادَةَ أَضْعَفَ فِيهِ الدِّيَةَ، فَزَادَ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي إيجَابِ دِيَةٍ فِي ذَلِكَ، فَاسْتَسْهَلَ الْمَالِكِيُّونَ وَالْحَنَفِيُّونَ خِلَافَ كُلِّ ذَلِكَ بِآرَائِهِمْ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِثْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَيْسَتْ إجْمَاعًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَسْكُتُ الصَّاحِبُ لِبَعْضِ الْمَعَانِي، وَقَدْ يَغِيبُ النَّفَرُ مِنْهُمْ - وَلَا إجْمَاعَ إلَّا مَا تَيَقَّنَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلِمَهُ، وَدَانَ بِهِ، كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ الَّتِي قَدْ تَيَقَّنَّا إجْمَاعَهُمْ عَلَيْهَا. فَإِذْ لَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ هَاهُنَا فَلَا شَيْءَ فِي الضِّلْعِ إذَا كَانَ خَطَأً لِأَنَّ الْخَطَأَ

مسألة في الترقوة الدية

مَرْفُوعٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقَوَدُ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحٍ فَفِيهِ الْقَوَدُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِي التَّرْقُوَة الدِّيَة] 2062 - مَسْأَلَةٌ: قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ: فِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ - فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُتَّصِلًا بِهِ وَخُطْبَتُهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَوْلٌ آخَرَ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا الْحَجَّاجُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي التَّرْقُوَةِ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، قَالَا جَمِيعًا: فِي التَّرْقُوَةِ إنْ كُسِرَتْ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي التَّرْقُوَةِ عِشْرُونَ دِينَارًا. وَقَضَى فِيهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِبَعِيرَيْنِ، فَإِنْ بَرِئَتْ وَفِيهَا أُجُورٌ فَأَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ حُكُومَةٌ إلَّا التَّرْقُوَةَ فَفِيهَا بَعِيرَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافٌ مَوْجُودٌ ثَابِتٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ: وَالْعَيْنَانِ، وَالْأَسْنَانِ أَعْضَاءٌ - فَبَطَلَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ - وَعَنْ مَسْرُوقٍ: فِي التَّرْقُوَةِ حُكْمٌ، وَفِي الضِّرْسِ حُكْمٌ وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَأَصْحَابُهُمْ. أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ زَيْدٍ - فَوَاهِيَةٌ، لِأَنَّهُ نَقْلُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدٍ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ زَيْدًا. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ - فَثَابِتَةٌ، قَالَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهَذَا قَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ بِآرَائِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ

مسألة في الثدي الدية

هَاهُنَا نَصٌّ، فَلَا يَجِبُ فِي التَّرْقُوَةِ شَيْءٌ فِي الْخَطَأِ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ - فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ فَقَطْ، إلَّا إنْ كَانَ جُرْحًا فَالْقَوَدُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِي الثَّدْي الدِّيَة] 2063 - مَسْأَلَةٌ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فِي حَلَمَةِ ثَدْيِ الرَّجُلِ إذَا قُطِعَتْ ثَمَنُ دِيَةِ الثَّنْدُوَةِ، وَفِي حَلَمَةِ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إذَا قُطِعَتْ رُبْعُ دِيَةِ ثَدْيِهَا. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي حَلَمَةِ الثَّدْيِ رُبْعُ الدِّيَةِ. وَرُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ جَعَلَ فِي حَلَمَةِ ثَدْيِ الرَّجُلِ خَمْسِينَ دِينَارًا، وَفِي حَلَمَةِ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ مِائَةَ دِينَارٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْت عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَضَى أَبُو بَكْرٍ فِي ثَدْيِ الْمَرْأَةِ بِعَشْرَةٍ مِنْ الْإِبِلِ إذَا لَمْ يُصِبْ إلَّا حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فَإِذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ فِي حَلَمَةِ ثَدْيِ الرَّجُلِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَمْ فِي حَلَمَةِ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فِي أَحَدِ ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَتِهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: فِي ثَدْيِ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ فِي ثَدْي الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ - وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ،

مسألة دية إفضاء الرجل المرأة

وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُهُمْ - وَقَالَ هَؤُلَاءِ: فِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: فِيهِمَا الدِّيَةُ كَامِلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ. فَفَعَلْنَا، فَلَمْ نَجِدْ فِي ذَلِكَ نَصَّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ لَا صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا، وَكُلُّ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْعَمْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ [بِيَقِينٍ] . وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَيْسَ فِي أَقْوَالِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ سُنَّةٌ، وَلَا قُرْآنٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ فِي الثَّدْيَيْنِ غَرَامَةٌ أَصْلًا، فَإِنْ أُصِيبَا خَطَأً فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقَوَدُ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا - وَبِهِ نَأْخُذُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ قَطَعَ الرَّجُلُ حَلَمَةَ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ قُطِعَ ثَدْيُهُ كُلُّهُ، لِأَنَّهُ كُلُّهُ حَلَمَةٌ لَا ثَدْيَ لَهُ، فَإِنْ قَطَعَتْ هِيَ ثَدْيَهُ قُطِعَتْ حَلَمَتُهَا، فَإِنْ قَطَعَ جَمِيعَ ثَدْيِهَا عَمْدًا - قُطِعَ مِنْ جِلْدِهِ مَا حَوَالَيَّ ثَدْيِهِ مِقْدَارُ ذَلِكَ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . [مَسْأَلَةٌ دِيَةُ إفْضَاءِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ] 2064 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ

نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً فَأَفْضَاهَا فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَدَّ، وَغَرَّمَهُ ثُلُثَ دِيَتِهَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمَرْأَةِ إذَا غُلِبَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَأُفْضِيَتْ أَوْ ذَهَبَتْ عَذْرَتُهَا بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الرَّجُلِ يُصِيبُ الْمَرْأَةَ فَيُفْضِيهَا؟ قَالَ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَقَوْلٌ آخَرَ - كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فِي الْمَرْأَةِ يُفْضِيهَا زَوْجُهَا، إنْ حَبَسَتْ الْحَاجَتَيْنِ وَالْوَلَدَ فَثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَحْبِسْ الْحَاجَتَيْنِ وَالْوَلَدَ فَالدِّيَةُ كَامِلَةً وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدَ الْعَزِيزِ قَالَ فِي إفْضَاءِ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَمْنَعُ اللَّذَّةَ وَالْجِمَاعَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو الْفَزَارِيّ قَالَ: شَهِدْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذْ جَاءَهُ كِتَابٌ مِنْ عَامِلِهِ بِنَجْرَانَ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي رَجُلٍ ذِي جِدَةٍ وَسَعَةٍ خَطَبَ إلَى رَجُلٍ ذِي فَاقَةٍ بِنْتَهُ فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا، فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَيَّ فَإِنِّي أُوسِعُ لَهَا فِيمَا أُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: إنِّي أَخَافُك عَلَيْهَا أَنْ تَقَعَ بِهَا، فَقَالَ: لَا تَخَفْ، لَا أَقْرَبُهَا، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، فَوَقَعَ بِهَا فَخَرَقَهَا، فَهُرِيقَتْ دَمًا وَمَاتَتْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ: غَرِمَ وَاَللَّهِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: غَرِمَ وَاَللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَعَقْلًا وَصَدَاقًا، أَعَقْلًا وَصَدَاقًا؟ وَقَالَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: إنْ كَانَتْ أَدْرَكَتْ مَا أَدْرَكَ النِّسَاءَ فَلَا دِيَةَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَدْرَكَتْ مَا أَدْرَكَ النِّسَاءَ فَلَهَا الدِّيَةُ. فَكَتَبَ عُمَرُ بِذَلِكَ إلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَأَفْضَاهَا فَقَالَ فِيهَا هُوَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إذَا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ الْغَائِطُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ: فَإِذَا كَانَ الْغَائِطُ يُسْتَمْسَك فَثُلُثُ الدِّيَةِ. وَلَا يُعْرَفُ لِمَالِكٍ، وَلَا لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا قَوْلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْمَأْثُورُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَالتَّوْقِيفُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُشَنِّعِينَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ أَنْ يَقُولُوا هَاهُنَا بِقَوْلِ عُمَرَ، وَزَيْدٍ، وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ وَقَالُوا هَاهُنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدٍ، فَهَلَّا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي حَلَمَةِ ثَدْيِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؟ وَلَكِنْ هَذَا يُرِيكُمْ تَنَاقُضَ الْقَوْمِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُحَقِّقُونَ أَصْلًا قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنْ كَانَ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ فِي زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَعَاشَتْ وَبَرِئَتْ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَطْءَ زَوْجَتِهِ، فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ - أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ: فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَيُفْتَقُ مِنْهُ بِحَدِيدَةٍ مِقْدَارُ مَا فُتِقَ مِنْهَا مُتَعَدِّيًا، وَعَلَيْهِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ - مَعَ ذَلِكَ - الْحَدُّ، وَلَا غَرَامَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا، إلَّا إنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُخْطِئًا فَمَاتَتْ، فَالدِّيَةُ كَامِلَةً، لِأَنَّهَا نَفْسٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة دية من قطع من جلده شيء

[مَسْأَلَةٌ دِيَة مَنْ قُطِعَ مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ] مَسْأَلَةٌ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَ مِنْ جِلْدَةِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ مِثْلُ الدِّرْهَمِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ - وَإِنْ اخْتَلَفَ مِنْ الْجَسَدِ، فَبَعِيرٌ وَنِصْفٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَحْدِيدٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، فَلَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ - وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا مَكَانٌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَقِيسُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْمُوضِحَةِ وَلَكِنَّهُ مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ - وَأَمَّا نَحْنُ فَالْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ وَلَيْسَ فِي الْخَطَإِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الْكَسْرِ إذَا انْجَبَرَ] 2066 - مَسْأَلَةٌ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا قَتَادَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي رَجُلٍ كُسِرَتْ يَدُهُ، أَوْ رِجْلُهُ، أَوْ فَخِذُهُ، ثُمَّ انْجَبَرَتْ: فَقَضَى فِيهَا بِحِقَّتَيْنِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: إنَّ رَجُلًا كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ، ثُمَّ انْجَبَرَ: فَقَضَى فِيهِ عُمَرُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِيهِ بِبَعِيرَيْنِ - وَالْبَعِيرَانِ بِإِزَاءِ الْمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ حِسَابِ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى فِي الْكَسْرِ إذَا انْجَبَرَ، قَالَ: لَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إلَّا شِدَّةً يُعْطَى أَجْرَ الطَّبِيبِ، وَقَدْرَ مَا شُغِلَ عَنْ صَنْعَتِهِ.

مسألة دية المثانة إذا انفتقت

وَعَنْ مَكْحُولٍ - أَنَّهُ قَالَ: فِي الصَّدْعِ فِي الْعَضُدِ إذَا انْجَبَرَ ثَمَانِيَةُ أَبْعِرَةٍ، فَإِذَا انْكَسَرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ، ثُمَّ انْجَبَرَ: فَعَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ. وَفِي كُلِّ مِفْصَلٍ مِنْ مَفَاصِلِ الْأُصْبُعِ إذَا انْكَسَرَ ثُمَّ انْجَبَرَ ثُلُثَا بَعِيرٍ. وَفِي الظُّفْرِ - إذَا أَعْوَرَ بَعِيرٌ، فَإِذَا نَبَتَ فَخُمْسَا بَعِيرٍ. فَهَذِهِ آثَارٌ جَاءَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَعَنْ مَكْحُولٍ - وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، قَدْ خَالَفُوا مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بِآرَائِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَّا الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ فَقَطْ. وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا شَيْءَ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ قَوْلِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الْمَثَانَةِ إذَا انْفَتَقَتْ] 2067 - مَسْأَلَةٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَثَانَةِ إذَا فُتِقَتْ: ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: فِي الْفَتْقِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فِي الْمَثَانَةِ إذَا خُرِقَتْ: ثُلُثُ الدِّيَةِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَنَا أَقُولُ: إنَّ فِيهَا - إذَا لَمْ تُمْسِكْ الْبَوْلَ - الدِّيَةَ كَامِلَةً قَالَهُ أَهْلُ الشَّامِ - وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْمُفَادَاةُ، لِأَنَّهُ جُرْحٌ - وَلَيْسَ فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا. [مَسْأَلَةٌ دِيَةُ الْوِرْكِ إذَا انْكَسَرَتْ ثُمَّ انْجَبَرَتْ] 2068 - مَسْأَلَةٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ

مسألة دية المقعدة والشفران والأليتان والعفلة والمنكب

الْحَجَّاجُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي الْوِرْكِ إذَا انْكَسَرَتْ ثُمَّ انْجَبَرَتْ: عَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، يُشَنِّعُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ - وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ عِنْدَنَا إلَّا الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ فَقَطْ - وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. [مَسْأَلَةٌ دِيَةُ الْمَقْعَدَةِ وَالشُّفْرَانِ وَالْأَلْيَتَانِ وَالْعَفَلَةِ وَالْمَنْكِبِ] 2069 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَقْعَدَةِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُمْسِكَ خَلَاهُ فَالدِّيَةُ - وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْأَلْيَتَيْنِ إذَا قُطِعَتَا حَتَّى يَبْدُوَ الْعَظْمُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: يُقْضَى فِي شُفْرِ قُبُلِ الْمَرْأَةِ إذَا أَوْعَبَ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَظْمَ نِصْفُ دِيَتِهَا، وَفِي شُفْرَيْهَا بِدِيَتِهَا إذَا بَلَغَ الْعَظْمَ - فَإِنْ كَانَتْ عَاقِرًا لَا تَحْمِلُ؟ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَاجْتَمَعَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَكْبِ الْمَرْأَةِ إذَا قُطِعَ بِالدِّيَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا عَلِمْت فِي قُبُلِ الْمَرْأَةِ شَيْئًا بِبِلَادِنَا؟ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: اجْتَمَعَ الْعُلَمَاءُ لِأَبِي فِي خِلَافَتِهِ عَلَى أَنَّ فِي الْعَفَلَةِ تَكُونُ مِنْ الضَّرْبَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ

اللَّذَّةَ وَالْجِمَاعَ، وَعَلَى أَنَّ فِي الْمَنْكِبِ إذَا كُسِرَ ثُمَّ جُبِرَ فِي غَيْرِ عَثْمٍ أَرْبَعُونَ دِينَارًا

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْعَفَلَةِ إذَا بَطَلَ الْجِمَاعُ الدِّيَةُ، وَفِي ذَهَابِ الشُّفْرَيْنِ كَذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُهُمْ: فِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ.

مسألة دية العنق

وَكُلُّ هَذَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ، أَمَّا فِي الْعَمْدِ: فَالْقِصَاصُ فِيمَا أَمْكَنَ أَوْ الْمُفَادَاةُ فِيمَا كَانَ جُرْحًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الْعُنُقِ] 2070 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: فِي الْعُنُقِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ. وَالْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَلَا بُدَّ. [مَسْأَلَةٌ الدَّرْسُ لِبَطْنِ آخَرَ حَتَّى يُسْلَحَ] 2071 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ضَرَبْته حَتَّى سَلَحَ، فَقَالَ: اشْهَدُوا فَقَدْ وَاَللَّهِ صَدَقَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا حَتَّى سَلَحَ، هَلْ مَضَى فِي ذَلِكَ أَثَرٌ أَوْ سُنَّةٌ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: قَضَى فِيهَا عُثْمَانُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ - قَالَ سُفْيَانُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ عِقَابٍ كَانَ عَظِيمًا سَمِينًا فَأَخَذَهُ رَجُلٌ قَصِيرٌ فَوَطِئَ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرِيَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: قَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا، أَوْ بِأَرْبَعِينَ فَرِيضَةً.

مسألة دية الضرطة

وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ بَعِيرًا - يَعْنِي الَّذِي ضَرَبَ حَتَّى سَلَحَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ، وَلَا حُكْمُهُ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ إلَّا الْقِصَاصُ: ضَرْبٌ كَضَرْبٍ وَلَا مَزِيدَ، وَالْحَدَثُ لَيْسَ فِعْلَ الضَّارِبِ بِالْمَضْرُوبِ، فَلَا اعْتِدَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَالطَّبَائِعُ تَخْتَلِفُ فِي الشِّدَّةِ وَالِاسْتِرْخَاءِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَةُ الضَّرْطَةِ] 2072 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَقُصُّ شَارِبَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَفْزَعَهُ عُمَرُ، فَضَرِطَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَمَا إنَّا لَمْ نُرِدْ هَذَا، وَلَكِنْ سَنَعْقِلُهَا، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا - قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: شَاةً أَوْ عَنَاقًا. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ سَمَّى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي أَعْطَى فِي ذَلِكَ " عَقْلًا " وَالشَّافِعِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، يُخْلِفُونَ هَذَا وَلَا يَرَوْنَهُ أَصْلًا وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَتَلَاعُبٌ فِي الدِّينِ لَا يَحِلُّ، فَإِنْ كَانَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ حُجَّةً فَيَلْتَزِمُوا كُلَّ هَذَا، وَكُلَّ مَا أَوْرَدْنَا؛ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ تَرَكُوا أَكْثَرَ مَذَاهِبِهِمْ، وَفَارَقُوا مَنْ قَلَّدُوا دِينَهُمْ - وَإِنْ كَانَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ لَيْسَ حُجَّةً - فَهَذَا قَوْلُنَا، فَلْيَتْرُكُوا التَّهْوِيلَ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَلْيُسْقِطُوا الِاحْتِجَاجَ بِمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة الْجَبْهَة] 2073 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْجَبْهَةِ إذَا هُشِّمَتْ وَفِيهَا غَوْصٌ مِنْ دَاخِلٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ كَسْرٌ شَانَ الْوَجْهَ، وَلَمْ تَنْتَقِلْ مِنْهُ الْعِظَامُ فَرُبْعُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كُسِرَ مَا بَيْنَ

مسألة دية اللطمة

الْأُذُنَيْنِ يُصِيبُ مَاضِغَ اللَّحْيَيْنِ وَقَدْ آذَاهُ الشَّعْرُ فِي تَخَوُّصٍ لَمْ يَضُرَّ فِي الْجُرْحِ، وَلَمْ يُنْقَلُ مِنْهُ عَظْمٌ: فَفِيهِ مِائَةُ دِينَارٍ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا أَصَحُّ سَنَدٍ كَمَا تَرَى إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَئِنْ كَانَ رَأْيًا - كَمَا هُوَ رَأْيٌ بِلَا شَكٍّ - فَلَعَمْرِي أَنَّ رَأْيَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَأَحَقُّ بِالسَّدَادِ بِلَا شَكٍّ مِنْ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَئِنْ كَانَ يُطْلِقُ فِي ذِي فَضْلٍ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا، لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهُوَ تَوْقِيفٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَأَحَقُّ بِهَذِهِ الْمُخْرِجَةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرَهُ مِمَّنْ سَلَفَ مَعْذُورُونَ فِيمَا أَخْطَئُوا فِيهِ، وَمَأْجُورُونَ فِي اجْتِهَادِهِمْ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جُرْحًا فَتَكُونَ فِيهِ الْمُفَادَاةُ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ فِي الْخَطَأِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَة اللَّطْمَةُ] 2074 - مَسْأَلَةٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: سَمِعْت مَوْلًى لِسُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ يُخْبِرُ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ قَضَى فِي الصَّكَّةِ إذَا احْمَرَّتْ، أَوْ اسْوَدَّتْ، أَوْ اخْضَرَّتْ بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَلَا شَيْءَ فِي هَذَا إلَّا الْقِصَاصُ فَقَطْ، فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَهُ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ، فَهُوَ خَطَأٌ لَا شَيْءَ فِيهِ. [الْجِرَاحُ وَأَقْسَامُهَا] [مَسْأَلَةٌ أَنْوَاعُ الْجِرَاح] الْجِرَاحُ وَأَقْسَامُهَا 2075 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَوَّلُهَا الْحَارِصَةُ - ثُمَّ الدَّامِيَةُ - ثُمَّ الدَّامِعَةُ - ثُمَّ الْبَاضِعَةُ - ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ - ثُمَّ السِّمْحَاقُ - وَهِيَ أَيْضًا: الْمِلْطَا. ثُمَّ الْمُوضِحَةُ - ثُمَّ الْهَاشِمَةُ - ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ - ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ - وَهِيَ الْآمَّةُ أَيْضًا. وَفِي الْجَوْفِ وَحْدَهُ: الْجَائِفَةُ - وَهِيَ الَّتِي نَفَذَتْ إلَى الْجَوْفِ.

وَالْحَارِصَةُ - الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ شَقًّا خَفِيفًا - يُقَالُ: حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ شَقًّا لَطِيفًا. وَالدَّامِيَةُ - هِيَ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَمْ يَسِلْ. وَالدَّامِعَةُ - هِيَ الَّتِي سَالَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ دَمٍ كَالدَّمْعِ. وَالْبَاضِعَةُ - هِيَ الَّتِي شَقَّتْ الْجِلْدَ وَوَصَلَتْ إلَى اللَّحْمِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ - هِيَ الَّتِي شَقَّتْ الْجِلْدَ وَشَرَعَتْ فِي اللَّحْمِ. وَالسِّمْحَاقُ - هِيَ الْمِلْطَا: وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ كُلَّهُ وَوَصَلَتْ إلَى الْقِشْرَةِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي عَلَى الْعَظْمِ. وَالْمُوضِحَةُ - الَّتِي شَقَّتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَتِلْكَ الْقِشْرَةِ وَأَوْضَحَتْ عَنْ الْعَظْمِ. وَالْهَاشِمَةُ - الَّتِي قَطَعَتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَالْقِشْرَةَ وَأَثَّرَتْ فِي الْعَظْمِ فَهَشَّمَتْ فِيهِ. وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الْمَنْقُولَةُ - أَيْضًا - الَّتِي فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَسَرَتْ الْعَظْمَ فَصَارَ يَخْرُجُ مِنْهَا الْعِظَامُ. وَالْمَأْمُومَةُ - الَّتِي نَفَذَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ وَشَقَّتْ الْعَظْمَ كُلَّهُ، فَبَلَغَتْ أُمَّ الدِّمَاغِ هَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَغَيْرِهِ، فَذَكَرَ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ - كَمَا قَدَّمْنَا -: لَا قِصَاصَ فِي الْعَمْدِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ وَحْدَهَا، وَادَّعَوْا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي ذَلِكَ مُتَعَذَّرَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ الْقِصَاصُ فِي كُلِّهَا، وَالْمُمَاثَلَةُ مُمْكِنَةٌ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ الْقِصَاصِ فِيهَا بِرَأْيِهِ قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] بِرَفْعِ الْحَاءِ

مسألة قتل عمدا فعفي عنه وأخذ منه الدية أو المفاداة

وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا تُمْكِنُ فِيهِ مُمَاثَلَةٌ لَمَا أَجْمَلَ لَنَا أَمْرَهُ بِالْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا - فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّامَّةِ الصَّادِقَةِ، وَنَقْطَعُ قَطْعَ الْمُوقِنِ الْمُصَدِّقِ بِكَلَامِ رَبِّهِ تَعَالَى: أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ الْجُرُوحِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ لَبَيَّنَهَا لَنَا كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ كِتَابِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَسَمًا بِرًّا: أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَطُّ تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ الْجُرُوحِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْقِصَاصِ مِنْهُ، إلَّا فِي الِاعْتِدَاءِ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الدِّيَةَ أَوْ الْمُفَادَاةَ] 2076 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ وَأُخِذَ مِنْهُ الدِّيَةَ، أَوْ الْمُفَادَاةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْلَدُ مِائَةً وَيُنْفَى سَنَةً كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الَّذِي يَقْتُلُ عَمْدًا: أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِجَلْدِ مِائَةٍ، قُلْت: كَيْفَ؟ قَالَ - فِي الْحُرِّ يَقْتُلُ عَمْدًا، أَوْ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ عُمَرَ جَلَدَ حُرًّا قَتَلَ عَبْدًا مِائَةً وَنَفَاهُ عَامًا وَبِهِ - إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: سَمِعْت أَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ عَبْدًا يُسْجَنُ سَنَةً وَيُضْرَبُ مِائَةً. وَبِهِ - إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنْ قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا عُوقِبَ بِجَلْدٍ وَجِيعٍ، وَسِجْنٍ، وَبِعِتْقِ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ. وَمَالِكٌ: مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ الْأَوْلِيَاءُ، أَوْ فَادَوْهُ بِالدِّيَةِ؛ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ سَوْطٍ مَعَ ذَلِكَ، وَيُنْفَى سَنَةً - إلَى أَنْ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْقَسَامَةِ يُدْعَى عَلَى جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ لَا يُقْسِمُونَ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ فَإِنْ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ قَتَلُوهُ، وَضَرَبَ الْبَاقُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِائَةِ سَوْطٍ، وَيُنْفَوْا كُلُّهُمْ سَنَةً سَنَةً.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ: كَمَا نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] فَالْعَفْوُ: أَنْ تَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا أَنْ يَتْبَعَ بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَنْ يُؤَدِّيَ {إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْأَدَبِ وَالنَّفْيِ فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ - أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 69] {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] قَالَ: فَشَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَتْلَ بِالزِّنَى. وَوَجَدْنَا الزِّنَى فِيهِ الرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا سَقَطَ عَنْهُ الْعَقْلُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ. قَالُوا: فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ قَتَلَ فَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ. وَذَكَرُوا: مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ، قَالَ: عَمْرٌو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَجَدُّ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كِلَاهُمَا

قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَتَلَ عَبْدَهُ مُتَعَمِّدًا، فَجَلَدَهُ مِائَةً، وَنَفَاهُ سَنَةً، وَمَحَا سَهْمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُقِدْ مِنْهُ.» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا لَهُمْ شُبْهَةٌ غَيْرَ هَذَا إلَّا مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا تَشْنِيعُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] الْآيَةَ. وَتَنْظِيرُهُمْ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي فَفَاسِدٌ جِدًّا وَتَحْرِيفٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ خَطَأٌ بَحْتٌ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسَوِّ قَطُّ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وَعِيدِ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَتْ أَحْكَامُ الدُّنْيَا كَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ مَنْ تَابَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْوَعِيدُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حُكْمُ الدُّنْيَا بِاتِّفَاقِهِمْ مَعَنَا. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَا خِلَافَ [فِي أَنَّ حُكْمَ الزَّانِي يُرَاعِي الْإِحْصَانَ فِي ذَلِكَ وَعَدَمَ الْإِحْصَانِ، وَلَا خِلَافَ] فِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي الْقَتْلِ. وَالرَّابِعُ - أَنَّ حُكْمَ الزَّانِي إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِلَا خِلَافٍ مِمَّنْ يَعْتَدُّ بِهِ الْقَتْلُ بِالرَّجْمِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمَ الْقَاتِلِ إذَا اُسْتُقِيدَ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِحَجَرٍ. وَالْخَامِسُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي مَوَّهُوا بِإِيرَادِ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] فَيَلْزَمُهُمْ إذَا سَاوَوْا بَيْنَ حُكْمِ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَهُمَا مَعًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُسَاوُوا أَيْضًا بَيْنَ الْكَافِرِ، وَالْقَاتِلِ، وَالزَّانِي، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَهُمْ كُلَّهُمْ مَعًا، وَسَاوَى بَيْنَهُمْ فِي وَعِيدِ الْآخِرَةِ إلَّا مَنْ تَابَ، فَيَلْزَمُهُمْ إذَا

أَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَالْمُرْتَدُّ، فَرَاجَعُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُجْلَدَ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُنْفَى سَنَةً، لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا قَدْ سَقَطَ عَنْ الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَعَنْ الزَّانِي غَيْرِ الْمَحْضِ. فَإِنْ قَالُوا: الْإِجْمَاعُ مَنَعَ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَنَعَ مِنْ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ وَأَبْطَلَهُ. فَظَهَرَ فَسَادُ كَلَامِهِمْ هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ - الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ - فَفِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ وَالسُّقُوطِ، لِأَنَّهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - وَلَا سِيَّمَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. ثُمَّ هُوَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ - وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إلَّا التَّعَلُّقُ بِمَا رُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَظَرْنَا فِيهِ، فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ أَبَدًا، لِأَنَّهُ إمَّا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ عُمَرَ، وَإِمَّا عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَهْرٍ طَوِيلٍ. وَأَيْضًا - فَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ، وَإِذَا صَحَّ الْخِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ، فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَكُلُّ قَوْلٍ عَرِيٍّ مِنْ الْأَدِلَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ بِالدِّيَةِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، أَوْ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ جَلْدًا وَلَا نَفْيًا - فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178]

فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَصًّا لَا خَفَاءَ بِهِ: أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ، ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ الْعَافِي أَنْ يَتْبَعَ الْقَاتِلَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عُفِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ بِإِحْسَانٍ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ الضَّرْبُ بِالسِّيَاطِ، وَالنَّفْيُ عَنْ الْأَوْطَانِ سَنَةً. وَوَجَدْنَاهُمْ أَيْضًا - يَذْكُرُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَصَحَّ أَنَّ بَشَرَةَ الْقَاتِلِ مُحَرَّمَةٌ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحِلُّ جَلْدُهُ، وَلَا نَفْيُهُ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا دَلِيلٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ أَصْلًا وَذَكَرُوا - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا هُشَيْمٌ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا فَأَقَادَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مِنْهُ، فَانْطَلَقَ بِهِ وَفِي عُنُقِهِ نِسْعَةٌ يَجُرُّهَا، فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فَأَتَى رَجُلٌ إلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ مَقَالَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَلَّى عَنْهُ - قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَشْوَعَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَأَبَى:» نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ وَجَامِعِ بْنِ مَطَرٍ الْحَبَطِيِّ قَالَ عَوْفٌ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ الْعَائِذِيُّ أَبُو عُمَرَ، ثُمَّ اتَّفَقَ جَامِعٌ، وَحَمْزَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ وَائِلٍ قَالَ: «شَهِدْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جِيءَ بِالْقَاتِلِ يَقُودُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فِي نِسْعَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَتَعْفُو عَنْهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ لَهُ: أَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَتَقْتُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ بِهِ. فَلَمَّا تَوَلَّى مِنْ عِنْدِهِ دَعَاهُ قَالَ لَهُ: أَتَعْفُو عَنْهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ لَهُ: فَتَأْخُذُ الدِّيَةَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَتَقْتُلُهُ؟ قَالَ:

نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ: أَمَا إنَّكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ، فَعَفَا عَنْهُ وَتَرَكَهُ، قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ» قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ عَنْ حَدِيثٍ جَامِعٍ: هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ: يَعْنِي: أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ حَمْزَةَ الْعَائِذِيَّ شَيْخٌ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ - قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَلَمْ يُوَثِّقْهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ؛ وَأَمَّا جَامِعُ بْنُ مَطَرٍ فَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا بَأْسَ بِهِ وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا جَرَحَهُ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةُ: يَحْيَى، وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الْحَوْضِيُّ - نا جَامِعُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا عِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فِي عُنُقِهِ نِسْعَةٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا وَأَخِي كَانَا فِي جُبٍّ يَحْفِرَانِهَا، فَرَفَعَ الْمِنْقَارَ فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ؟ فَقَالَ، رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُعْفُ عَنْهُ، فَأَبَى وَقَامَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ هَذَا وَأَخِي كَانَا فِي بِئْرٍ يَحْفِرَانِهَا فَرَفَعَ الْمِنْقَارَ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ؟ قَالَ: اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى، ثُمَّ قَالَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا وَأَخِي كَانَا فِي جُبٍّ يَحْفِرَانِهَا فَرَفَعَ الْمِنْقَارَ - أُرَاهُ قَالَ: فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ، قَالَ: اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى، قَالَ: اذْهَبْ إنْ قَتَلْتَهُ كُنْتَ مِثْلَهُ، فَخَرَجَ بِهِ حَتَّى جَاوَزَ، فَنَادَيْنَاهُ: أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ فَقَالَ: إنْ قَتَلْتُهُ كُنْتُ مِثْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، اُعْفُ عَنْهُ، فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ نا ضَمْرَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى بِقَاتِلِ وَلِيِّهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى، فَقَالَ: خُذْ الدِّيَةَ فَأَبَى، قَالَ: اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ فَإِنَّكَ مِثْلُهُ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَمَرَّ الرَّجُلُ وَهُوَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، وَجَامِعِ بْنِ مَطَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ

معنى قول النبي القاتل والمقتول في النار

عَلْقَمَةَ، فَجَيِّدَانِ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِمَا - وَفِي كِلَيْهِمَا إطْلَاقُ الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَمَسِيرُهُ حَتَّى غَابَ عَنْهُمْ، وَخَفِيَ عَنْهُمْ، لَا ضَرْبَ وَلَا نَفْيَ. فَصَحَّ قَوْلُ مَنْ رَأَى أَنْ لَا جَلْدَ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا نَفْيَ إذَا عُفِيَ عَنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ لَهُ أَصْلًا - وَهَذَا مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ الْمَالِكِيُّونَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَإِذَا خَالَفَهُ لَمْ يُبَالُوا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ بِذَلِكَ فِي الْقَسَامَةِ فَمَا عُرِفَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ] 2077 - مَسْأَلَةٌ: فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ «الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ وَإِنْ قَتَلْتَهُ كُنْتَ مِثْلَهُ» قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ أَيْقَنَّا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ الْمُتَيَقَّنَ، وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْضِي بِبَاطِلٍ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ بَاطِلٌ - فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا طَلَبُ وَجْهِ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقَوَدِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَإِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَتْلِ فِي ذَلِكَ، مَعَ قَوْلِهِ الصَّادِقِ «وَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ، وَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فَإِنَّ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ يَقْضِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوَدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ - حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَإِذْ لَا يَجُوزُ هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ فِي النَّارِ، وَمِثْلًا لِلْقَاتِلِ، مَنْ اسْتَقَادَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ اقْتَصَّ بِالْحَقِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَفْسِيرُ ابْنِ أَشْوَعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ الْعَفْوَ عَنْهُ فَأَبَى، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ شَافِعًا فِي الْعَفْوِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ آمِرًا بِالْعَفْوِ، فَإِنْ كَانَ شَافِعًا فَلَيْسَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ إسْعَافِ شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فَعَلَتْ بَرِيرَةُ إذْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَيَّرَهَا فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ «لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ. فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ. فَقَالَتْ: لَا أَرْجِعُ إلَيْهِ أَبَدًا» فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَكُنْ عَاصِيَةً بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَافِعًا فِي هَذَا الْقَاتِلِ، فَلَيْسَ الْمُمْتَنِعُ عَاصِيًا فَإِذْ

لَيْسَ عَاصِيًا فَلَيْسَ فِي النَّارِ، وَلَا هُوَ مِثْلُ الْقَاتِلِ الظَّالِمِ، وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمِرًا فَهُوَ بِيَقِينٍ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِوَاجِبٍ فَرْضٍ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَأْمُرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِشَيْءٍ وَيُطْلِقُ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ أَمْرٍ - وَهَذَا هُوَ الْقَضَاءُ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ أَبْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ أَمْرٌ عَلَى النَّدْبِ. قُلْنَا: لَا رَاحَةَ لَكُمْ فِي هَذَا، لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ قَبُولَ الْأَمْرِ بِالنَّدْبِ الَّذِي لَيْسَ فَرْضًا فَلَيْسَ فِي النَّارِ، وَلَا هُوَ مِثْلُ الْقَاتِلِ الظَّالِمِ - فَبَطَلَ تَفْسِيرُ ابْنِ أَشْوَعَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْبُنَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ «إنَّ الرَّجُلَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَتَلَ أَخِي فَدَخَلَ النَّارَ، وَإِنْ قَتَلْتُهُ دَخَلْتُ النَّارَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ قَتَلَ أَخَاكَ فَدَخَلَ النَّارَ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ، وَإِنِّي نَهَيْتُك عَنْ قَتْلِهِ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ بِمَعْصِيَتِكَ إيَّايَ.» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَالْقَوْلُ فِي إبْطَالِهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ وَلَا فَرْقَ وَبِهِ - إلَى حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَعْنِي بِهَذَا الْخَبَرِ «إنْ قَتَلْتَهُ فَأَنْتَ مِثْلُهُ» " كَانَ يَرَى ذَلِكَ عَامًّا - وَكَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ السَّلِيمِ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» . قَالَ: فَلَوْ كَانَ هَذَا أَمْرَ فَرْضٍ وَإِيجَابٍ لَحَرُمَ الْقِصَاصُ جُمْلَةً - وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرَ نَدْبٍ فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ، وَلَا يَكُونُ ظَالِمًا مَنْ تَرَكَ النَّدْبَ غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ رَاغِبًا عَنْهُ فَهُوَ فَاسِقٌ وَرُبَّمَا كَفَرَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا هُوَ مَا وَجَدْنَاهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ - وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَا: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُفِعَ الْقَاتِلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَقَالَ الْقَاتِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا، وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: أَمَا إنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا ثُمَّ قَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ - وَكَانَ مَكْتُوفًا - فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ، فَسُمِّيَ: ذَا النِّسْعَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا بَيَانُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ أَنَّهُ حَكَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقَوَدِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا بِظَاهِرِ الْبَيِّنَةِ، أَوْ الْإِقْرَارِ التَّامِّ. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُفْتَرَضُ عَلَى الْحُكَّامِ الْمُتَيَقَّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِهِ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ عِلْمَ الْغَيْبِ، فَحَكَمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَ: إنِّي لَمْ أُرِدْ قَتْلَهُ - وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا - أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ وَهُوَ مِثْلُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ حِينَئِذٍ، فَصَارَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَقًّا، وَقَوْلُهُ حَقًّا. كَمَا قَالَ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» . وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ الْإِقْرَارِ، أَوْ الْيَمِينِ حَاكِمٌ بِالْحَقِّ الْمُتَيَقَّنِ لَا بِالظَّنِّ، لَكِنْ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ كَانَ الْبَاطِنُ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ عَلِمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنْفُذْهُ، وَلَا تَرَكَهُ يَمْضِي أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَقْتُولَ فِي النَّارِ، وَأَنَّهُ مِثْلُهُ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلْقَتْلِ فِي النَّارِ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: هَذَا إخْبَارٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْبٍ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

مسألة قتل في الزحام أو لم يعرف من قتله

إيَّاهُ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَقُولُ أَلْبَتَّةَ إلَّا الْحَقَّ، وَلَا يَقُولُ بِالظَّنِّ قَاصِدًا إلَى ذَلِكَ - وَمَنْ قَالَ هَذَا عَلَيْهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ: فَهُوَ كَافِرٌ، فَنَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ الْقَاتِلَ الَّذِي لَمْ يَعْمِدْ الْقَتْلَ كَانَ فَاسِقًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِعَمَلٍ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْقَتْلِ، أَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَاقِبَتِهِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ دَمُهُ يَحِلُّ لِهَذَا الْمُسْتَقِيدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ قَتْلَ أَخِيهِ، فَلَوْ قَتَلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ قَاتِلًا بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَلَاسْتَحَقَّ النَّارَ، وَلَكَانَ ظَالِمًا كَالْمَقْتُولِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قُتِلَ فِي الزِّحَامِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَتَلَهُ] 2078 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قُتِلَ فِي الزِّحَامِ، أَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَتَلَهُ، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ، أَوْ حَجَرٌ، لَا يُدْرَى مَنْ رَمَاهُ، أَوْ هَرَبَ قَاتِلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ: نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي الطَّوَافِ، فَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: دِيَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَبِهِ: إلَى وَكِيعٍ نا وَهْبُ بْنُ عُقْبَةَ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ - سَمِعَاهُ مِنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ قَالَ: إنَّ النَّاسَ ازْدَحَمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَفْرَجُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَوَدَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ إنْ رَجُلٌ قُتِلَ فِي الْكَعْبَةِ فَسَأَلَ عُمَرُ عَلِيًّا، فَقَالَ: مِنْ بَيْتِ الْمَالِ - يَعْنِي دِيَتَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي رَجُلَيْنِ مَاتَا فِي الزِّحَامِ: أَنْ يُودَيَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّمَا قَتَلَهُ يَدٌ، أَوْ رِجْلٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَيْضًا، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَنْ قُتِلَ فِي زِحَامٍ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى النَّاسِ - مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ فِي جُمُعَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا تَحْتَجُّ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ

فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَحْتَجُّونَ بِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ الْعَزِيزِ قَالَ: بَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ أَضْحَى، أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ، فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى النَّاسِ جَمَاعَةً» . لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ - وَهَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: إنَّ مَنْ ضُغِطَ فِي زِحَامٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّغْطِ فَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ تِلْكَ بِعَيْنِهَا كُلَّهُمْ قَتَلَهُ، إذْ كُلُّهُمْ تَضَاغَطُوا حَتَّى مَاتَ مِنْ ضَغْطِهِمْ، فَإِذْ قَدْ عُرِفَ قَاتِلُوهُ فَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ جَهِلُوهُ فَهُمْ غَارِمُونَ حَيْثُ كَانُوا، وَحَقُّ الْغَارِمِينَ وَاجِبٌ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ لِجَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] الْآيَةَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» . وَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ أَمْرٍ لَا يُدْرَى مَنْ أَصَابَهُ فَدِيَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ مُصِيبَهُ غَارِمٌ، أَوْ عَاقِلَتِهِ، وَلَا بُدَّ. وَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ - وَإِنْ كَانَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِإِرْسَالِهِ لَكِنْ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَضَى هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي قَوْمٍ كَانُوا فِي مَاءٍ فَتَمَاقَلُوا فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْمَاءِ، فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، فَقَضَى بِدِيَتِهِ عَلَى جَمِيعِهِمْ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ

فِي قَوْمٍ تَنَاضَلُوا فَأَصَابُوا إنْسَانًا، لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ أَصَابَهُ. قَالَ: الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَضَى فِي سِتَّةِ غِلْمَةٍ كَانُوا يَتَغَاطُّونَ فِي النَّهْرِ فَغَرِقَ أَحَدُهُمْ، فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ، وَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ - فَجَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَخُمْسَيَّ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَا تَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ جَمِيعُ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا مُخَالِفِينَ لِحُكْمِهِ فِيهَا. وَأَمَّا الْقَوْلُ عِنْدَنَا فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْأَمْوَالَ إلَّا بِيَقِينِ الْحَقِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَصِحُّ قَضَاءٌ بِدِيَةٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهَا نَصٌّ [قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِذَا مَاتَ إنْسَانٌ فِي تَغَاطٍّ، أَوْ نِضَالٍ، أَوْ فِي وَجْهِ مَاءٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَغْرَمَ مَنْ حَضَرَ شَيْئًا مِنْ دِيَتِهِ، وَلَا عَوَاقِلُهُمْ، لِأَنَّنَا لَا نَدْرِي أَجَمِيعُهُمْ قَتَلَهُ أَمْ بَعْضُهُمْ؟ وَإِذْ لَا نَدْرِي مَنْ الْقَاتِلُ لَهُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ وَبَيْنَ الْعَابِرِينَ عَلَى السَّبِيلِ، وَإِلْزَامُهُمْ دِيَتَهُ، أَوْ عَوَاقِلُهُمْ ظُلْمٌ لَا شَكَّ، بَلْ نُوقِنُ أَنَّ جَمِيعَهُمْ لَمْ يَقْتُلْهُ، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ إلْزَامَ جَمِيعِهِمْ الدِّيَةَ ظُلْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ - فَحَقُّ هَذَا أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ لِمَصَالِحِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ دِيَتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَلَا بُدَّ مِنْ دِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ. وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ " أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

فَالْعَقْلُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ؛ وَلَا يَخْلُو قَتِيلٌ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَكَذَا مَنْ أَصَابَهُ حَجَرٌ لَا يُدْرَى مَنْ رَمَاهُ، أَوْ سَهْمٌ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ - وَلَوْ أَنَّ امْرَأً خَرَجَ إلَيْهِ عَدُوٌّ فِي طَرِيقٍ فَقَتَلَهُ، وَجَمَاعَةٌ ثِقَاتٌ يَنْظُرُونَ إلَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْقَاتِلَ مَنْ هُوَ؟ فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَاتِلُ هَرَبَ وَصَارَ خَلْفَ رَبْوَةٍ، أَوْ فِي بَيْتٍ، أَوْ فِي خَانٍ، فَاتَّبَعَتْهُ الْجَمَاعَةُ فَوَجَدُوا خَلْفَ الرَّابِيَةِ أَوْ الْخَانِ أَوْ الْبَيْتِ: جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ، أَوْ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، فِيهِمْ ثِقَاتٌ وَغَيْرُ ثِقَاتٍ، فَسَأَلُوهُمْ: مَنْ دَخَلَ عِنْدَكُمْ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ: لَا نَدْرِي، كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا مَشْغُولٌ بِأَمْرِهِ. فَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: يُقْذَفُ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْخَانِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ خَلْفَ الرَّابِيَةِ فِي السِّجْنِ الدَّهْرَ الطَّوِيلَ، حَتَّى يَكُونَ مَوْتُهُمْ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ الْحَيَاةِ - وَهَذَا ظُلْمٌ عَظِيمٌ مُتَيَقَّنٌ، وَخَطَأٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مَظْلُومُونَ إلَّا وَاحِدًا، فَقَدْ أَقْدَمُوا عَلَى ظُلْمِ أَلْفِ إنْسَانٍ بِيَقِينٍ، وَهُمْ يَدْرُونَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ لَهُمْ خَوْفَ أَنْ يُفْلِتَ ظَالِمٌ وَاحِدٌ لَا يَعْرِفُونَهُ بِعَيْنِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَقْصِدَ إلَى أَهْلِ كُلِّ سُوقٍ فَيَقْذِفَهُمْ فِي الْحَبْسِ، لِأَنَّنَا نَدْرِي أَنَّ فِيهِمْ آكِلَ رِبًا بِيَقِينٍ، وَشَارِبَ خَمْرٍ بِيَقِينٍ. وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ أَوْ جَزِيرَةٍ أَنْ يَسْجُنُوا جَمِيعَ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلَ الْجَزِيرَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا أَفْحَشَ تَنَاقُضٍ. وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبْطَلَ هَذَا الْحُكْمَ الْفَاسِدَ بِفِعْلِهِ فِي أَهْلِ خَيْبَرَ، إذْ قُتِلَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا سُجِنَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، بَلْ قَنَعَ مِنْهُمْ بِالْأَيْمَانِ فَقَطْ عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَوْ بِأَيْمَانِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُبْطِلُ هَذَا أَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [النجم: 23]

مسألة أمر آخر بقطع يده أو بقتل ولده أو عبده أو بقتله نفسه

وقَوْله تَعَالَى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْإِقْدَامُ عَلَى أَحَدٍ بِالظَّنِّ، فَكَيْفَ وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ أَقْدَمُوا بِالْجَوْرِ الْمَحْضِ وَالظُّلْمِ الْمُتَيَقَّنِ. وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا أَنْ لَا يُسْجَنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لَكِنْ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ عَلَى حُكْمِ الْقَسَامَةِ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ هُوَ يَمِينًا وَاحِدَةً. وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعُوا عَلَى جَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَبْرَأُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» وَإِنْ كَانَ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ أَيْضًا حُكِمَ هُنَالِكَ بِحُكْمِ الْقَسَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَمَرَ آخَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ أَوْ بِقَتْلِ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ] 2079 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ أَمَرَ آخَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ أَوْ بِقَتْلِ وَلَدِهِ، أَوْ عَبْدِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: إنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدٍ: اقْطَعْ أُذُنِي وَأَنْتَ شَرِيكِي فِي الدِّيَةِ فَفَعَلَ. فَاخْتَصَمُوا إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى قَوْلِهِ فَأَبْطَلَ دِيَتَهُ؛ قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ - إنْ أَرَادَهَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ - عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا كَذَلِكَ دِيَةَ الْأَصَابِعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَحَرَّمَ اللَّهُ طَاعَةَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى -، وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ دِيوَانِنَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا قُتَيْبَةُ نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، إلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ أَنْ يَأْتَمِرَ لَهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ بِذَلِكَ عُذْرٌ. وَكَذَلِكَ الْآمِرُ فِي نَفْسِهِ بِمَا لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ وَلَا عُذْرَ لِلْمَأْمُورِ فِي طَاعَتِهِ، بَلْ الْآمِرُ وَاَلَّذِي يُؤْمَرُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَجِبَ لِلْآمِرِ إنْسَانًا بِقَطْعِ يَدِ الْآمِرِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ بِقَتْلِ عَبْدِهِ، أَوْ بِقَتْلِ ابْنِهِ، مَا يَجِبُ لَهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ مِنْ الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ، لِأَنَّ وُجُودَ أَمْرِهِ بِذَلِكَ بَاطِلٌ لَا حُكْمَ لَهُ فِي الْإِبَاحَةِ أَصْلًا وَكَذَلِكَ مَنْ أَبَاحَ لِآخَرَ أَنْ يَقْتُلَهُ فَفَعَلَ فَلِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَمَرَ آخَرَ بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَأْمُورِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَمَرَ آخَرَ بِقَطْعِ يَدِ الْآمِرِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَزْنِيَ بِأَمَةِ نَفْسِهِ فَفَعَلَ أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ لَهُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ، وَقَتْلِ أَبِيهِ، وَغُلَامِهِ: أَنْ يَعْفُوَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ الزِّنَى بِأَمَتِهِ؟ قِيلَ لَهُمْ: إنَّ وَقْتَ الْعَفْوِ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ ابْنَ عَمِّي فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ قَاتِلٌ، فَإِنَّ لَهُ الْقَوَدَ، فَبَطَلَ تَنْظِيرُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة في قول الله تعالى فمن تصدق به فهو كفارة له

[مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ] ُ} [المائدة: 45] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] ، قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ قَرَأَ: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] بِالرَّفْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، لَا بِالْعَطْفِ عَلَى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، فَهُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ عَلَيْنَا لَازِمٌ لَنَا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ مَشْهُورٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَقٌّ، فَكَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ. كُلُّ ذَلِكَ أَيْضًا مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا بِحَقٍّ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ أَنْ يُنْظَرَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] ، فَوَجَدْنَا مَا ناه حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] قَالَ: هُدِمَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِ الْمَجْرُوحِ الْمُتَصَدِّقِ بِحَقِّهِ. وَبِهِ: إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] قَالَ: لِلْمَجْرُوحِ. وَبِهِ: إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ قَالَ: لِلْمَجْرُوحِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ

سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] قَالَ: لِلْمَجْرُوحِ، وَأَجْرُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: لِلْمَجْرُوحِ - وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] وَأَجْرُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: إنْ عَفَا عَنْهُ، أَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ قَبِلَ مِنْهُ الدِّيَةَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ، وَوَكِيعٌ، قَالَ وَكِيعٌ: عَنْ سُفْيَانَ، ثُمَّ اتَّفَقَ جَرِيرٌ، وَسُفْيَانُ كِلَاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَفَّارَةٌ لِلَّذِي تَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَأَجْرُ الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٌ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَفْعَلَ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إذْ يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ؟ فَفَعَلْنَا، فَوَجَدْنَا نَصَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] جَاءَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 195] . وَوَجَدْنَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الضَّمِيرَ رَاجِعًا - وَلَا بُدَّ - إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَوَجَدْنَا أَقْرَبَ مَذْكُورٍ إلَى {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] الضَّمِيرَ الَّذِي فِي {تَصَدَّقَ بِهِ} [المائدة: 45] وَهُوَ ضَمِيرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْمُتَصَدِّقِ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ هَذَا إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْجَانِيَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَإِنْ غَفَرَ لَهُ، وَتَصَدَّقَ بِحَقِّهِ عَلَيْهِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَمُكَفَّرٌ عَنْهُ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ قِبَلَهُ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَغْفِرْ لَهُ، وَلَكِنَّهُ أَخَّرَ طَلَبَهُ إلَى الْآخِرَةِ، وَأَسْقَطَهُ فِي الدُّنْيَا، فَبِلَا شَكٍّ نَدْرِي أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ لَهُ قِبَلَهُ، وَأَنَّهُ سَيَقْتَصُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حَسَنَاتِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ آخَرَ - فَعَلَيْهِ حَقَّانِ: حَقُّ الْمَقْتُولِ فِي ظُلْمِهِ إيَّاهُ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي أَخْذِ الْقَوَدِ - فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ فَإِنَّمَا عَفَا عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا عَفْوَ لَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - وَهُوَ

مسألة امرأة نامت بقرب ابنها أو غيره فوجد ميتا

لِمَقْتُولٍ - فَحَقُّ الْمَقْتُولِ بَاقٍ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] وَكَمَا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ، وَابْنُ حَجَرٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا إسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ - وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا - فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ - قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ - أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ، لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ " قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» . وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ نا إسْمَاعِيلُ - هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ - نا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى إلَى مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا» . قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا إذَا قُتِلَ قَوَدًا فَقَدْ انْتَصَفَ مِنْهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ امْرَأَةٍ نَامَتْ بِقُرْبِ ابْنِهَا أَوْ غَيْرِهِ فَوُجِدَ مَيِّتًا] 2081 - مَسْأَلَةٌ: فِي امْرَأَةٍ نَامَتْ بِقُرْبِ ابْنِهَا أَوْ غَيْرِهِ فَوُجِدَ مَيِّتًا

مسألة هل بين الأجير ومستأجره قصاص

قَالَ عَلِيٌّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا قَالَ: تُكَفِّرُ. وَقَالَ فِي امْرَأَةٍ أَنَامَتْ صَبِيَّهَا إلَى جَنْبِهَا فَطَرَحَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا فَأَصْبَحَتْ وَقَدْ مَاتَ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ تُكَفِّرَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ غَطَّتْ وَجْهَ صَبِيٍّ لَهَا فَمَاتَ فِي نَوْمِهِ؟ فَقَالَ: تُعْتِقُ رَقَبَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ مَاتَ مِنْ فِعْلِهَا مِثْلَ - أَنْ تَجُرَّ اللِّحَافَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يَنَامَ فَيَنْقَلِبَ فَيَمُوتَ غَمًّا، أَوْ وَقَعَ ذِرَاعُهَا عَلَى فَمِهِ، أَوْ وَقَعَ ثَدْيُهَا عَلَى فَمِهِ، أَوْ رَقَدَتْ عَلَيْهِ - وَهِيَ لَا تَشْعُرُ - فَلَا شَكَّ أَنَّهَا قَاتِلَتُهُ خَطَأً فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ، أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمُتْ مِنْ فِعْلِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ، أَوْ لَا دِيَةَ أَصْلًا، فَإِنْ شَكَّتْ أَمَاتَ مِنْ فِعْلِهَا أَمْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا؟ فَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ بَرَاءَتِهَا مِنْ دَمِهِ، ثُمَّ عَلَى شَكٍّ أَمَاتَ مِنْ فِعْلِهَا أَمْ لَا؟ وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِيَقِينٍ، وَالْكَفَّارَةُ إيجَابُ شَرْعٍ، وَالشَّرْعُ لَا يَجِبُ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ - فَلَا يَحِلُّ أَنْ تُلْزَمَ غَرَامَةً، وَلَا صِيَامًا، وَلَا أَنْ تُلْزَمَ عَاقِلَتُهَا دِيَةً بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَمُسْتَأْجِرِهِ قِصَاصٌ] 2082 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَمُسْتَأْجِرِهِ قِصَاصٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ: لَيْسَ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَمُسْتَأْجِرِهِ قِصَاصٌ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فَيَجِبُ الْعَقْلُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ إلَّا خَطَأٌ أَوْ عَمْدٌ، فَلَا شَيْءَ فِي الْخَطَأِ إلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّفْسِ. وَأَمَّا الْعَمْدُ - فَفِيهِ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ الْأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] [مَسْأَلَةٌ فِي مِيرَاثِ الدِّيَة] 2083 -

قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَيْفَ تُوَرَّثُ الدِّيَةُ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الدِّيَةُ لِلْعَصَبَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ - كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْعَبْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى مَا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ الْمِيرَاثُ. وَبِهِ - إلَى قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمَّارٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ: لَقَدْ ظَلَمَ مَنْ مَنَعَ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ نَصِيبَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ كُلُّ وَارِثٍ، وَالزَّوْجُ، وَالزَّوْجَةُ، فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ. وَبِهِ - إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا فَيَعْفُو بَعْضُ الْوَرَثَةِ؟ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ مِيرَاثُهَا مِنْ الدِّيَةِ. مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دَمِ زَوْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا قُبِلَ الْعَقْلُ فِي الْعَمْدِ كَانَ مِيرَاثًا تَرِثُهُ الزَّوْجَةُ وَغَيْرُهَا. وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّثُ أَنَّ الدِّيَةَ سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْمِيرَاثِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الدِّيَةُ لِلْمِيرَاثِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: الْعَقْلُ كَهَيْئَةِ الْمِيرَاثِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَتَرِثُ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأُمِّ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ يَرِثُونَ فِي الدِّيَةِ، وَكُلُّ وَارِثٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي - كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَرَى الدِّيَةَ إلَّا لِلْعَصَبَةِ، لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، فَهَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا؟ فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ - وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْأَعْرَابِ -: «كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا -» فَأَخَذَ عُمَرُ بِذَلِكَ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِنَعْلَمَ حُجَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَنَتَّبِعَ الْحَقَّ حَيْثُ كَانَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى. فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ: لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا الْعَصَبَةُ: أَنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ، بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَوَجَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الدِّيَةَ لِمَنْ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيدَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَهْلُهُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ " أَهْلٍ " عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " بَابِ مَنْ لَهُ عَنْ الْقَوَدِ الْعَفْوُ أَوْ الْقِصَاصُ ". وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ مَا قُلْتُمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْمِيرَاثِ لِغَيْرِ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ - فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ بِيَقِينٍ. وَقَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ الْخَطَأِ بِأَنَّ الدِّيَةَ لِأَهْلِ الْمَقْتُولِ مُسَلَّمَةٌ وَأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ لِأَهْلِ الْمَقْتُولِ وَاجِبَةٌ لَهُمْ - إنْ أَرَادُوا أَخْذَهَا - وَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَتْلِ نَوْعٌ إلَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، فَصَحَّتْ الدِّيَةُ بِيَقِينٍ لِأَهْلِ الْمَقْتُولِ وَالزَّوْجَةُ مِنْ أَهْلِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا الْأُوَيْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ «عَنْ عَائِشَةَ حِين قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا، وَهُوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. فَأَمَّا أُسَامَةُ - فَأَشَارَ بِاَلَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ - فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَاسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقُكَ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنَ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَأَنَّهُ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إلَّا خَيْرًا» . وَمِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ قَالَ: «لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالْأَمْرِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْطَلِقَ إلَى أَهْلِي؟ فَأَذِنَ لَهَا وَأَرْسَلَ مَعَهَا الْغُلَامَ» . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَمَّى زَوْجَتَهُ " أَهْلًا " وَأَخْبَرَ أَنَّهَا " أَهْلُهُ ". وَقَدْ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: تَنَامُ عَنْ عَجِينِ " أَهْلِهَا ". وَبِلَا شَكٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَجِينِ نَصِيبٌ فَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " أَهْلُهَا " أَيْضًا.

مسألة في المقتتلين أن يحتجزوا

وَقَدْ أَسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْطِلَاقِ إلَى " أَهْلِهَا " وَقَدْ كَانَ لَهَا أَخٌ لِأُمٍّ مَعْرُوفٌ فَصَحَّ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي " الْأَهْلِ ". فَإِذْ الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَنَصِّ السُّنَّةِ لِلْأَهْلِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجِ، وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ " أَهْلٌ " فَحَظُّهُمْ فِي الدِّيَةِ وَاجِبٌ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى حَسَبِ الْمَوَارِيثِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَعَلَى هَذَا اعْتِمَادُنَا فِي تَوْرِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الدِّيَةِ. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا فَوَاهِيَةٌ لَا تَصِحُّ، وَأَحْسَنُ مَا فِيهَا حَدِيثُ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الضَّبَابِيِّ الْكِلَابِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ - لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ أَنَّ امْرَأً نَذَرَ نَذْرًا لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَا وَرِثَ عَنْ فُلَانٍ ثُمَّ قُتِلَ ذَلِكَ الْفُلَانُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ دِيَتِهِ فِي الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِثْهُ عَنْهُ. [مَسْأَلَةٌ فِي الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يُحْتَجَزُوا] 2084 - مَسْأَلَةٌ: فِي ذِكْرِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يُحْتَجَزُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي حِصْنٌ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَعَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يُحْتَجَزُوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ - وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَمَاجَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْخَبَرِ؟ وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّحَاوِيَّ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْخَبَرِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ وَإِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ. فَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ وَاعْتَرَفَ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا مَعْنَاهُ. وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ فَقَالَ لَهُ: هَذَا يَخْرُجُ مِنْهُ جَوَازُ عَفْوِ النِّسَاءِ عَنْ الدَّمِ. وَأَمَّا الْمُزَنِيّ فَقَالَ لَهُ: مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ.

مسألة من له العفو عن الدم ومن لا عفو له

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَأَحْسَنَ، إذْ سَكَتَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ وَجْهُهُ. وَأَمَّا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ فَقَالَ قَوْلًا فَاسِدًا، لِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِ قَائِلٍ " عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يُحْتَجَزُوا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ - وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً " أَنَّهُ يَجُوزُ عَفْوُ النِّسَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا سَمِجٌ جِدًّا، وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا شَاءَ مَا شَاءَ إذَا لَمْ يَحْجِزْهُ وَرَعٌ أَوْ حَيَاءٌ وَأَمَّا الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ قَالَ الْكَلَامَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَمَفْهُومُهُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يَنْحَجِزَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا يَقْتَتِلُونَ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِالِانْحِجَازِ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُقْتَتِلِينَ هُمْ الْمُتَصَادِمُونَ قَبْلَ الَّذِينَ مَنْ خَلْفَهُمْ - فَغَرَضُ الِانْحِجَازِ وَاقِعٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ - مِنْ الْمُقْتَتِلِينَ - وَلَوْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ - لِأَنَّ الْقِتَالَ فِيمَا بَيْنَنَا مُحَرَّمٌ. هَذَا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَصِحُّ، وَحِصْنٌ: مَجْهُولٌ. [مَسْأَلَةٌ مَنْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الدَّمِ وَمَنْ لَا عَفْوَ لَهُ] 2085 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الدَّمِ وَمَنْ لَا عَفْوَ لَهُ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَفْوُ جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَرِثُ، وَلِلزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجِ، وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ عَفَا أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ حُرِّمَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْعَفْوُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فَذَلِكَ لَهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ أَرَادَ الدِّيَةَ أَوْ الْعَفْوَ، مَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ذَلِكَ. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَهَا إخْوَةٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ فَأَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَفَعَ عَنْ الْقَاتِلِ نَصِيبَ الَّذِي عَفَا وَغَرَّمَهُ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ. قَالَ سَعِيدٌ: ونا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ بِمِثْلِهِ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: رَأَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهَا؟ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَوَهَبَ بَعْضُ إخْوَتِهَا نَصِيبَهُ لَهُ، فَأَمَرَ عُمَرُ سَائِرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا فَعَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قُلْ فِيهَا، فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَقُولَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَا قَوَدَ، يُحَطُّ عَنْهُ بِحِصَّةِ الَّذِي عَفَا وَلَهُمْ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: ذَلِكَ الرَّأْيُ، وَافَقْتَ مَا فِي نَفْسِي. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا، فَجَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقَالَتْ أُخْتُ الْمَقْتُولِ - وَهِيَ امْرَأَةُ الْقَاتِلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ حِصَّتِي مِنْ زَوْجِي، فَقَالَ عُمَرُ: عَتَقَ الرَّجُلُ مِنْ الْقَتْلِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: عَفْوُ كُلِّ ذِي سَهْمٍ جَائِزٌ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَعَفَا أَحَدُ بَنِي الْمَقْتُولِ، وَأَبَى الْآخَرُ: فَإِنَّهُ يُعْطَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ شَطْرَ الدِّيَةِ. وَعَنْ قَتَادَةَ - إذَا عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّمَا تَكُونُ دِيَةً، وَيَسْقُطُ عَنْ الْقَاتِلِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الَّذِي عَفَا. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذَا عَفَا أَحَدُهُمْ فَالدِّيَةُ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: الْعَفْوُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ، لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ عَفْوٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو خَالِدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: صَاحِبُ الدَّمِ أَوْلَى بِالْعَفْوِ. وَعَنْ قَتَادَةَ: لَا عَفْوَ لِلنِّسَاءِ، فَإِذَا كَانَتْ الدِّيَةُ فَلَهَا نُصِيبُهَا. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، لَا عَفْوَ لِلْمَرْأَةِ فِي الْعَمْدِ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ عَفْوٌ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، قَالَ رَبِيعَةُ: لَيْسَ لِلْأُمِّ عَفْوٌ، وَالْوَلِيُّ وَلِيٌّ حَيْثُ كَانَ، وَالْبِنْتُ تَعْفُو مَعَ وُلَاةِ الدَّمِ، وَلَا تَعْفُو الْوُلَاةُ دُونَهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلِيُّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: أَمَّا الْعَفْوُ فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا. أَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، وَالْأَوْزَاعِيَّ، وَالشَّافِعِيَّ، قَالُوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ لِكُلِّ وَارِثٍ عَفْوًا وَلَا يُقْتَلُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قَتْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَاللَّيْثُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لِكُلِّ وَارِثٍ عَفْوٌ إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فَلَا عَفْوَ لَهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وُلَاةٌ إلَّا النِّسَاءَ وَالْعَصَبَةَ فَأَرَادَا أَنْ يَعْفُوَا عَنْ الدَّمِ، وَأَبَى بَنَاتُ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ لَا عَفْوَ لِلْعَصَبَةِ، يُقْتَلُ بِهِ قَاتِلُهُ. فَإِنْ أَرَادَ بَنَاتُ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُونَ وَأَبَى الْعَصَبَةُ فَلَا عَفْوَ لِلْبَنَاتِ، وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْعَصَبَةُ، وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ إذَا لَمْ يُجْتَمَعْ عَلَى الْعَفْوِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَرَادَتْ الْقَتْلَ وَعَفَا الْعَصَبَةُ فَيُقْتَلُ وَلَا عَفْوَ لِلْعَصَبَةِ. وَرَأْيٌ: إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ ابْنٌ وَابْنَةٌ: أَنَّهُ لَا عَفْوَ لِلِابْنَةِ مَعَ الِابْنِ، وَلَكِنْ إنْ عَفَا الِابْنُ جَازَ عَلَى الِابْنَةِ. وَرَأْيٌ: عَفْوُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْعَصَبَةِ جَائِزٌ عَلَى الْأَبْعَدِ مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ: فَنَظَرْنَا فِيمَا قَالَتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْقَائِلَةُ بِأَنَّ عَفْوَ كُلِّ ذِي سَهْمٍ جَائِزٌ، فَوَجَدْنَاهُمْ

يَقُولُونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] فَلَمَّا كَانَ الْعَفْوُ أَقْرَبَ لِلتَّقْوَى وَجَبَ أَنَّ مَنْ دَعَى إلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى كَانَ قَوْلُهُ أَوْلَى. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إلَّا أَمَرَ بِالْعَفْوِ؟ قَالُوا: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ فِي كُلِّ قِصَاصٍ رُفِعَ إلَيْهِ بِالْعَفْوِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ مُغَلَّبًا عَلَى الْقَوَدِ. وَهَذَا أَيْضًا حُكْمٌ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ. فَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، مَا نَعْرِفُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَهُ أَصْلًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْعَفْوُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ إلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَيْسَا مِنْ الْعَصَبَةِ، وَلَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ. وَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْعَفْوُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلًا، إلَّا أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ الْوَلَاءَ، وَلَا الْوِلَايَةَ فِي الْإِنْكَاحِ فَكَذَلِكَ لَا عَفْوَ لَهُنَّ؟ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَا مِنْ الْعَصَبَةِ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلْعَصَبَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرٌ، وَلَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلُ. وَأَمَّا أَنَّهُمَا لَا يَعْقِلَانِ مَعَ الْعَاقِلَةِ؟ فَنَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا الَّذِي أَدْخَلَ حُكْمَ الْعَاقِلَةِ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ مِنْ الدَّمِ؟ وَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ خَاصَّةً وَالْعَفْوُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً، فَمَا الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ حُكْمِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى الْعَفْوَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا فَاسِدًا، لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ - فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا، لِأَنَّهُ مَرَّةً غَلَّبَ مَنْ دَعَا إلَى الْقَتْلِ، وَذَلِكَ فِي الِابْنَةِ مَعَ الْعَصَبَةِ " فَرَأَى: إنْ دَعَا الْعَصَبَةُ إلَى الْقَتْلِ وَعَفَتْ الِابْنَةُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَصَبَةِ - وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا قَدْ يُدْخِلُهَا زَوْجُهَا إلَى الْعَفْوِ، وَأَمْرُهَا إلَى الضَّعْفِ، وَإِنْ عَفَا الْعَصَبَةُ وَدَعَتْ الِابْنَةُ إلَى الْقَتْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنَةِ - وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا الْمُصَابَةُ بِأَبِيهَا؟ فَمَرَّةً رَاعَى ضَعْفَهَا، وَإِدْخَالَ زَوْجِهَا لَهَا إلَى الْعَفْوِ، وَلَمْ يُرَاعِ مُصِيبَتَهَا؟ وَمَرَّةً غَلَّبَ مَنْ دَعَا إلَى الْعَفْوِ، وَذَلِكَ فِي الْبَنِينَ يَعْفُو أَحَدُهُمْ دُونَ الْآخَرِينَ وَمَرَّةً غَلَّبَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ وَذَلِكَ فِي الْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ؟ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ ظَاهِرَةُ التَّنَاقُضِ يَهْدِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، لَا حُجَّةَ لِشَيْءٍ مِنْهَا، لَا فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا فِي إجْمَاعٍ، وَلَا فِي قَوْلِ صَاحِبٍ - فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَسَقْطَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَالِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حُجَّةِ مَنْ أَجَازَ عَفْوَ كُلِّ وَارِثٍ وَغَلَّبَهُ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] فَأَعْلَى مَا يُرِيدُهُ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ أَعْظَمَ أَجْرًا، وَالْقِصَاصُ - بِلَا شَكٍّ مُبَاحٌ - وَإِذَا كَانَ كِلَاهُمَا مُبَاحًا فَلَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْأَفْضَلِ مَنْ لَا يُرِيدُهُ غَيْرَ رَاغِبٍ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ إذَا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إنْ صَحَّ أَنَّهُ «لَمْ يُرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ -» لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ إنْ صَحَّ فَإِنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ لَا أَمْرُ إلْزَامٍ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْأَفْضَلِ مَنْ لَا يُرِيدُهُ غَيْرَ رَاغِبِ عَنْهُ - إذَا أَرَادَ مَا أُبِيحَ لَهُ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَعَلُّقٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا سَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا وَتَعَرَّتْ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَجَبَ عَلَيْنَا إذْ

تَنَازَعُوا أَنْ نَرْجِعَ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ، فَفَعَلْنَا؟ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِصَاصَ حَقًّا، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْلَ الْقَتِيلِ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ - إمَّا أَخْذُ الْعَقْلِ، وَإِمَّا الْقَتْلُ، فَسَاوَى بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا شَاءُوا؟ وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ - هُوَ الزَّهْرَانِيُّ - سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جُهْدٍ أَصَابَهُمَا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَيِّصَةُ وَأَخْبَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ، قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ مُحَيِّصَةُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُبْرَ، الْكُبْرَ، إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَبِهِ: إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ مُحَيِّصَةُ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ، فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ، وَمُحَيِّصَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ - وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِّرْ، الْكُبْرَ، أَوْ قَالَ: لِيَبْدَأْ الْأَكْبَرُ؟ فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ عَنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ فَقَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ؟» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ.

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْحَقَّ فِي طَلَبِ الدَّمِ لِابْنِ الْعَمِّ [لِسِنِّهِ] كَمَا جَعَلَهُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ الْوَارِثِ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَدَأَ ابْنُ الْعَمِّ لِسِنِّهِ - فَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُ مَنْ رَاعَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، أَوْ لِلْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ. وَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ " لِلْأَهْلِ " كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ " الْأَهْلِ " بِلَا شَكٍّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ - وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ، إذْ قَتْلُ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، وَقِيَامُ بَنِي حَارِثَةَ فِي طَلَبِ دَمِهِ لَا يُمْكِنُ اسْتِتَارُ مِثْلِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ قَوْمِهِ، وَعَنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَإِذَا الْحَقُّ لِلْجَمِيعِ سَوَاءٌ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُغَلَّبَ أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِينَ مِنْهُمْ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ - وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ نَظَرْنَا إذَا عَفَا أَحَدُ " الْأَهْلِ " وَلَمْ يَعْفُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ صِحَّةِ الِاتِّفَاقِ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْقَوَدِ نَفَذَ، وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَفْوِ نَفَذَ - وَقِيَامُ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الدِّيَةِ أَوْ الْمُفَادَاةِ نَفَذَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ قَدْ وَرَدَ التَّخْيِيرُ فِيهِمَا وُرُودًا وَاحِدًا لَيْسَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمًا عَلَى الْآخَرِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُغَلَّبَ عَفْوُ الْعَافِي [عَلَى إرَادَةِ مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ عَلَى عَفْوِ الْعَافِي] إلَّا بِنَصٍّ " أَوْ إجْمَاعٍ - وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ فِي تَغْلِيبِ الْعَافِي - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فَوَجَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ عَفْوُ الْعَافِي عَمَّنْ لَمْ يَعْفُ. وَوَجَدْنَا الْقَاتِلَ قَدْ حَلَّ دَمُهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَحْصُورٌ - فَخَرَجَ إلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ فَقَالَ: يَتَوَاعَدُونِي بِالْقَتْلِ آنِفًا، وَبِمَ يَقْتُلُونَنِي؟ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، أَوْ

مسألة مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون

زَنَا بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيُقْتَلُ -» فَوَاَللَّهِ مَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ قَطُّ، وَلَا أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا مُذْ هَدَانِي اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا خَرَجَ دَمُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ بِنَفْسِ قَتْلِهِ مَنْ قَتَلَ، فَإِذْ صَحَّ هَذَا فَالْقَاتِلُ مُتَيَقَّنٌ تَحْلِيلُ دَمِهِ وَالدَّاعِي إلَى أَخْذِ الْقَوَدِ دَاعٍ إلَى مَا قَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ وَذَلِكَ لَهُ، وَالْعَافِي مُرِيدٌ تَحْرِيمَ دَمٍ قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ بِيَقِينٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ، وَمُرِيدُ أَخْذَ الدِّيَةِ دُونَ مَنْ مَعَهُ مُرِيدٌ إبَاحَةَ أَخْذِ مَالٍ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِإِبَاحَةِ دَمِ الْقَاتِلِ، كَمَا قُلْنَا بِيَقِينِ قَتْلِهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِبَاحَةِ الدِّيَةِ إلَّا بِأَخْذِ " الْأَهْلِ " لَهَا، وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي إجْمَاعَهُمْ عَلَى أَخْذِهَا فَالدِّيَةُ مَا لَمْ يُجْمِعْ " الْأَهْلُ " عَلَى أَخْذِهَا، إذْ لَمْ يُبِحْهَا نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ - فَبَطَلَ بِيَقِينٍ. وَصَحَّ أَنَّ مَنْ دَعَا إلَى الْقَوَدِ فَهُوَ لَهُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْبَنَاتِ مَعَ الْعَصَبَةِ، إلَّا أَنَّهُ نَاقَضَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَفِي بَعْضِ الْبَنِينَ مَعَ بَعْضٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَهْلِ وَهُمْ الَّذِينَ يُعْرَفُ الْمَقْتُولُ بِالِانْتِمَاءِ إلَيْهِمْ، كَمَا كَانَ يُعْرَفُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بِالِانْتِمَاءِ إلَى بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُقْسِمَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ أَوْ الدِّيَةَ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ الْقَوَدَ سَوَاءٌ كَانَ وَلَدًا أَوْ ابْنَ عَمٍّ [أَوْ ابْنَةً] أَوْ أُخْتًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُمٍّ، أَوْ زَوْجٍ، أَوْ زَوْجَةٍ، أَوْ بِنْتِ عَمٍّ، أَوْ عَمَّةٍ - فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِ مَنْ عَفَا مِمَّنْ هُوَ أَقْرَبُ، أَوْ أَبْعَدُ، أَوْ أَكْثَرُ فِي الْعَدَدِ لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَلَى الْعَفْوِ فَلَهُمْ الدِّيَةُ حِينَئِذٍ وَيُحَرَّمُ الدَّمُ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْعَفْوَ عَنْ الدِّيَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً، إذْ هُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مَقْتُولٌ كَانَ فِي أَوْلِيَائِهِ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ] 2086 - مَسْأَلَةٌ: مَقْتُولٌ كَانَ فِي أَوْلِيَائِهِ غَائِبٌ، أَوْ صَغِيرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَفِيهِمْ وَاحِدٌ كَبِيرٌ وَغَيْرُهُمْ صِغَارٌ: إنَّ لِلْوَاحِدِ الْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ، وَلَا يَنْتَظِرَ بُلُوغَ الصِّغَارِ.

قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يَقْتُلُوا حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ سَوَاءٌ - وَزَادَ أَنَّ الْمَقْتُولَ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، وَأَخٌ كَبِيرٌ، أَوْ أُخْتٌ كَبِيرَةٌ، فَلِلْأَخِ، أَوْ لِلْأُخْتِ أَنْ يَقْتُلَا قَوَدًا، وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ لِلْعَصَبَةِ أَيْضًا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَرَأَى مَالِكٌ: لِلْعَصَبَةِ - إذْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا - أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الدِّيَةِ، وَيَنْفُذَ حُكْمُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَسْتَقِيدُ الْكَبِيرُ مِنْ الْبَنِينَ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ - وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّغِيرِ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ التَّنَاقُضِ إذْ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ فِي هَذَا: أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ، وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ. قَالُوا: وَكَمَا كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ يُزَوِّجُ إذَا كَانَ هُنَالِكَ صَغِيرٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، فَكَذَلِكَ يَقْتُلُ - وَقَالُوا: قَدْ قَتَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ قَاتِلَ عَلِيٍّ، وَلِعَلِيٍّ بَنُونَ صِغَارٌ وَهُمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دُونَ مُخَالِفٍ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِفِعْلِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَهُوَ لَازِمٌ لِلشَّافِعِيِّينَ، وَلِمَنْ وَافَقَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ: أَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، لِأَنَّهُمْ مِثْلُ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَئِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا إجْمَاعًا فَلَقَدْ شَهِدَ الْحَنَفِيُّونَ عَلَى شَيْخِهِمْ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَفَّرُوهُمَا بِهَذَا، أَوْ بَدَّعُوهُمَا فَمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُ دِيَتِهِمْ عَنْ كَافِرٍ،

وَلَا عَنْ مُبْتَدِعٍ - وَإِنْ عَذَرُوهُمَا فِي ذَلِكَ - فَلَنَا مِنْ الْعُذْرِ مَا لِيَعْقُوبَ، وَمُحَمَّدٍ - وَقَدْ بَطَلَ تَشْنِيعُهُمْ فِي الْأَبَدِ بِمِثْلِ هَذَا، وَهَذَا وَاضِحٌ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّافِعِيِّينَ أَنْ قَالُوا: إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ إمَامًا فَنَظَرَ فِي ذَلِكَ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ، أَوْ قَتَلَهُ بِالْمُحَارَبَةِ لَا قَوَدًا - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ لَمْ يُحَارِبْ، وَلَا أَخَافَ السَّبِيلَ. وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ - عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ - وَلَا لِلْوَصِيِّ، أَنْ يَأْخُذَ الْقَوَدَ لِصَغِيرٍ حَتَّى يَبْلُغَ - فَبَطَلَ تَشْنِيعُهُمْ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَائِدَةٌ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ بِمِثْلِ مَا شَغَبُوا بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُمْ وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ آخَرَ عَلَى تَأْوِيلٍ فَلَا قَوَدَ فِي ذَلِكَ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ لَمْ يَقْتُلْ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا مُتَأَوِّلًا مُجْتَهِدًا مُقَدِّرًا أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ شَاعِرُ الصِّفْرِيَّةِ: يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا إنِّي لَأَذْكُرُهُ حِينًا فَأَحْسَبُهُ ... أَوْفَى الْبَرِّيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا أَيْ لَا أُفَكِّرُ فِيهِ ثُمَّ أَحْسَبُهُ - فَقَدْ حَصَلَ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ خِلَافِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى مِثْلِ مَا شَغَبُوا بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ، وَمَا يَنْقُلُونَ أَبَدًا مِنْ رُجُوعِ سِهَامِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا حَفَرُوهُ. فَظَهَرَ تَنَاقُضُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ يُوَلَّى عَلَيْهِ، وَالْغَائِبَ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ، فَلَا شُبْهَةَ [لَهُمْ] فِي هَذَا، لِأَنَّ الْغَائِبَ يُوَكَّلُ لَهُ أَيْضًا كَمَا يُوَلَّى عَلَى الصَّغِيرِ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْوَصِيَّ عِنْدَهُمْ لَا يَقْتَصُّ لِلصَّغِيرِ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ جُمْلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ قَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ دَعَا إلَى الْقَوَدِ فَلِلْكَبِيرِ، وَلِلْحَاضِرِ الْعَاقِلِ: أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يَسْتَأْنِيَ بُلُوغَ الصَّغِيرِ، وَلَا إفَاقَةَ الْمَجْنُونِ، وَلَا قُدُومَ الْغَائِبِ فَإِنْ عَفَا الْحَاضِرُونَ الْبَالِغُونَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الصَّغِيرِ، وَلَا عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا عَلَى الْمَجْنُونِ، بَلْ هُمْ عَلَى حَقِّهِمْ فِي الْقَوَدِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ الْقَوَدَ؟ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْعَفْوِ جَازَ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ مَاتَ الصَّغِيرُ أَوْ الْغَائِبُ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ حِينَئِذٍ رُجُوعُ الْأَمْرِ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ عَفَا - فَلَمْ يَنْفُذْ عَفَوْهُ - ذَلِكَ الْعَفْوُ الَّذِي قَدْ بَطَلَ، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ فِي نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَإِنَّمَا الْعَفْوُ اللَّازِمُ عَفْوٌ صَحَّ بِإِمْضَائِهِ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ فَقَطْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَمَنْ عَفَا دُونَ سَائِرِ " الْأَهْلِ " فَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ رَدٌّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ مَاتَ مِنْ " الْأَهْلِ " لَمْ يُوَرَّثُ عَنْهُ الْخِيَارُ، لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْأَهْلِ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ كَانَ مِنْ الْأَهْلِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَهْلِ فَلَا خِيَارَ لَهُ أَصْلًا، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَالْخِيَارُ لَيْسَ مَالًا فَيُوَرَّثُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ فِيمَا تَرَكَ الْمَوْرُوثُ وَالْخِيَارُ لَيْسَ مَالًا مَوْرُوثًا. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ مَالًا مَوْرُوثًا لَوَجَبَ فِيهِ حَقُّ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَدُونَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ غَائِبًا - وَلَا وَارِثَ هُنَالِكَ غَيْرُهُ -: فَقَدْ وَجَبَ الْقَوَدُ بِلَا شَكٍّ، وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ، وَلَا الْمُفَادَاةُ، إلَّا بِرِضَا الْوَارِثِ، أَوْ بِتَرَاضٍ مِنْهُ، وَمِنْ الْقَاتِلِ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الصَّغِيرَ، وَالْأَحْمَقَ، لَا رِضَا لَهُمَا، وَالْقَوَدُ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ لَهُمَا

مسألة عفو الأب عن جرح ابنه الصغير

بِيَقِينٍ، فَأَخْذُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ، يَأْخُذُهُ لَهُمَا الْوَلِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ، وَهَكَذَا الْغَائِبُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِ حَظِّهِمْ فِي الْقَوَدِ، وَأَخْذِ حَظِّهِمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَالْإِبْرَاءُ لِلْغَائِبِ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَوَازًا وَاحِدًا، إذْ كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ تَرْكُهُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - لَكِنَّهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ فِي حَقَّيْنِ وَجَبَا وُجُوبًا وَاحِدًا، وَوَجَبَ لِمَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ الْعَفْوُ عَنْهُمَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا وَالثَّانِي فَرْعًا، بَلْ هُمَا أَصْلَانِ مَعًا، وَلَا أَحَدُهُمَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَالْآخَرُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، بَلْ كِلَاهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، لِوُجُوبِ الِانْتِصَافِ مِنْ الْقَوَدِ وَمِنْ الْمَالِ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ عَفْوُ الْأَبِ عَنْ جُرْحِ ابْنه الصَّغِيرِ] 2087 - مَسْأَلَةٌ: عَفْوُ الْأَبِ عَنْ جُرْحِ ابْنه الصَّغِيرِ، أَوْ اسْتِقَادَتُهُ لَهُ أَوْ فِي الْمَجْنُونِ كَذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا وَهَبَ الشَّجَّةَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي تُصِيبُ ابْنَهُ جَازَتْ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: تَفْرِيقُ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الشَّجَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] ، وَحَقُّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ قَدْ وَجَبَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَهُ لَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ كَسْبٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ وَالْوَلِيِّ أَنْ يَطْلُبَا، وَأَنْ يَقْتَصَّا كُلَّ حَقٍّ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، فِي مَالِهِمَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ، وَلَا لِلْوَلِيِّ، فِي ذَلِكَ عَفْوٌ، وَلَا إبْرَاءٌ - فَهَلَّا قَاسُوا أَمْرَ الْقِصَاصِ لَهُمَا عَلَى أَمْرِ الْمَالِ؟ وَلَكِنَّهُمْ لَا الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ وَلَا النَّصَّ يَتْبَعُونَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] .

مسألة عفو المجني عليه جناية يموت منها

فَصَحَّ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْقَوَدَ قَدْ وَجَبَ وَلَا بُدَّ، وَأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا رِضَا لَهُمَا، وَلَا عَفْوَ، وَلَا أَمْرَ نَافِذٌ بِصَدَقَةٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْوَجْهُ، وَبَقِيَ الَّذِي وَجَبَ بِيَقِينٍ مِنْ الْقَوَدِ، فَيَسْتَقِيدُ لَهُ أَبُوهُ، أَوْ وَلِيُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ وَلَا بُدَّ، فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ، كَانَ لَهُ الْقَوَدُ الَّذِي قَدْ وَجَبَ أَخْذُهُ لَهُ بَعْدُ، وَحَدَثَ لَهُ جَوَازُ الْعَفْوِ إنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ، وَلَا لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ، وَلَا أَنْ يُفَادِيَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجُرُوحِ، لِأَنَّ كُلَّ هَذَا دَاخِلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ [وَالْعَفْوُ] لَا يَكُونُ إلَّا بِرِضَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بِتَرَاضٍ مِنْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَةٌ عَفْوُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ جِنَايَةً يَمُوتُ مِنْهَا] 2088 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَجُوزُ عَفْوُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ جِنَايَةً يَمُوتُ مِنْهَا خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَنْ دِيَتِهِ وَغَيْرِهَا عَنْ دَمِهِ أَمْ لَا؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ وَبَيْنَ حَيٍّ مِنْ الْأَحْيَاءِ قِتَالٌ، وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ، وَضَرْبٌ بِالنِّعَالِ، فَأُصِيبَ غُلَامٌ مِنْ آلِ عُمَرَ، فَأَتَى عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهِ قَالَ: إنِّي قَدْ عَفَوْت رَجَاءَ الثَّوَابِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ قَوْمِي، فَأَجَازَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَبِهِ - إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إذَا عَفَا الرَّجُلُ عَنْ قَاتِلِهِ فِي الْعَمْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَهُوَ جَائِزٌ. وَعَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قُلْت لِأَبِي: يُقْتَلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَيَعْفُو عَنْ دَمِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا قُتِلَ الرَّجُلُ فَعَفَا عَنْ دَمِهِ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْتُلُوا. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: إنْ وَهَبَ الَّذِي يُقْتَلُ خَطَأً دِيَتَهُ لِمَنْ قَتَلَهُ، فَإِنَّمَا لَهُ مِنْهَا ثُلُثُهَا، إنَّمَا هُوَ مَالٌ يُوصِي بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ

الرَّجُلُ بِدِيَتِهِ فَإِنْ قُتِلَ خَطَأً فَالثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ يُضْرَبُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا ثُمَّ يَعْفُو عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ؟ قَالَ: هُوَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ فِي الثُّلُثِ. وَقَالَ - هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ: إذَا كَانَ خَطَأً فَهُوَ فِي الثُّلُثِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ نا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدُهُ فَصَالَحَ عَلَيْهَا، ثُمَّ انْتَقَضَتْ بِهِ فَمَاتَ؟ قَالَ: الصُّلْحُ مَرْدُودٌ: وَيُؤْخَذُ بِالدِّيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ قَالَا: إذَا عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ الْعَمْدِ، أَوْ الشَّجَّةِ، وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، فَإِنْ عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ، أَوْ الْقَطْعِ، أَوْ الشَّجَّةِ، ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: لَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي كُلِّ ذَلِكَ - قَالُوا: فَإِنْ عَفَا عَنْ دِيَتِهِ فِي الْخَطَأِ فَذَلِكَ فِي الثُّلُثِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَالَحَ مِنْ جِرَاحَةٍ، أَوْ مِنْ قَطْعٍ ثُمَّ مَاتَ: بَطَلَ الصُّلْحُ وَوَجَبَ الْقَوَدَ - فَإِنْ عَفَا عَنْ دِيَتِهِ فِي الْخَطَأِ فَذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إذَا عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ، لَكِنْ يُغَرَّمُ الْجَانِي الدِّيَةَ بَعْدَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا عَفَا عَنْ الْجِرَاحَةِ وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا مِنْ عَقْلٍ، أَوْ قَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَا قَوَدَ - ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الدِّيَةِ، فَمَرَّةً قَالَ كَقَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلَهُ وَمَرَّةً قَالَ: يُؤْخَذُ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَا عَفْوَ لَهُ فِي الْعَمْدِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ؛ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعَهُ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] الْآيَةَ. وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ «أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ دَعَا قَوْمَهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَمَاتَ فَعَفَا عَنْهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَ عَفْوَهُ، وَقَالَ: هُوَ كَصَاحِبِ يَاسِينَ» . نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا عِمْرَانُ بْنُ ظَبْيَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ فَمَا دُونَهُ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إلَى يَوْمِ تَصَدَّقَ بِهِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالُوا: هَذَا حُكْمُ ابْنِ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ - وَقَالُوا: هَذَا هُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِنَفْسٍ. فَهَذَا كُلُّ مَا أَوْرَدُوهُ فِي ذَلِكَ؟ فَنَظَرْنَا فِي الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَصْلًا. أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] فَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ذَلِكَ عَقِبَ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] ، وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ تَمَامِ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فَإِنَّمَا جَاءَ نَصُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْجُرُوحِ بِالْأَعْضَاءِ

وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا أُصِيبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَيَبْطُلُ الْقَوَدُ جُمْلَةً فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمُ الصَّدَقَةِ بِالدَّمِ فِي النَّفْسِ، لِأَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، إنَّمَا هُوَ فِي التَّوْرَاةِ بِنَصِّ الْآيَةِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ خِطَابًا لَنَا، وَإِنَّمَا خُوطِبْنَا بِمَا بَعْدَهُ إذَا قُرِئَ كُلُّ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ خَاصَّةً، فَإِذَا قُرِئَ بِالنَّصْبِ فَلَيْسَ خِطَابًا لَنَا، وَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] الْآيَةَ، فَهِيَ بِنَصِّهَا بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ فِيهَا بِأَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ، هُوَ الَّذِي عُوقِبَ نَفْسُهُ - هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَحِلُّ صَرْفُهَا عَنْهُ بِالدَّعْوَى، وَهَكَذَا نَقُولُ. وَلَيْسَ فِيهَا جَوَازُ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهَا جَوَازُ الصَّبْرِ عَنْ أَنْ يُعَاقِبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] إلَى قَوْلِهِ {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فَهُوَ عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَفْوُ عَنْ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَعَفْوُ الْوَلِيِّ أَيْضًا دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنْ وَجَدْنَا مِنْهَا دَلِيلًا يَخُصُّ مِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّمَا قَامَ بِدَعْوَةِ قَوْمِهِ إلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ قَدْ حَارَبَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَعَ عَنْهُمْ - وَهُمْ أَطْغَى مَا كَانُوا - فَتَوَجَّهَ إلَيْهِمْ عُرْوَةُ دَاعِيًا إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ - فَرَمَوْهُ فَقَتَلُوهُ - وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ إذَا أَسْلَمَ وَلَا دِيَةَ، فَأَيُّ مَعْنًى لِلْعَفْوِ هَاهُنَا؟ وَهَكَذَا شَبَّهَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاحِبِ يَاسِينَ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ بِهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا هِيَ تَمْوِيهَاتٌ يُرْسِلُونَهَا لَا يُفَكِّرُونَ فِي الْمَخْرَجِ مِنْهَا يَوْمَ الْمَوْقِفِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ - فَعَهْدُنَا بِإِسْمَاعِيلَ يَرُدُّ الْمُسْنَدَ الصَّحِيحَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ فِيمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَيُوهِنُ رِوَايَتَهُ بِأَنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَمَنْ أَيْقَنَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ كَلَامِهِ، لَا سِيَّمَا فِي الدِّينِ وَيُفَكِّرُ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَأَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْفَضِيحَةِ الْعَاجِلَةِ عِنْدَ مَنْ طَالَعَ أَقْوَالَهُمْ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ - وَتَرْكِ الْعَصَبِيَّةِ لِلْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تُغْنِي عَنَّا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، لَا هِيَ، وَلَا الْقَائِلُ بِهَا. ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ فِيهِ عِلَلًا تَمْنَعُ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ - وَلَيْسَ مَعْرُوفَ الْعَدَالَةِ - قَالَ أَحْمَدُ: فِيهِ نَظَرٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ إيَّاهُ مِنْ الصَّاحِبِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّنَا لَا نَدْرِي ذَلِكَ الصَّاحِبَ أَصَحَّتْ صُحْبَتُهُ أَمْ لَا؟ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عُمُومًا كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] ، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَخُصُّ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ لَهُ وَإِلَّا فَوَاجِبٌ حَمْلُهُمَا عَلَى عُمُومِهِمَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ - أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا مَا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ إذَا لَمْ يُوَافِقْ آرَاءَهُمْ، أَقْرَبُ ذَلِكَ حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ تُكْسَرُ، بِثُلُثِ دِيَةٍ. فَقَوْلُ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ كَانَ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا وَإِذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ وَتَقْلِيدَهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ حُجَّةً وَحَلَّ خِلَافُهُ - وَهَذَا حُكْمٌ لَا طَرِيقَ لِلتَّقْوَى وَلَا لِلْحَيَاءِ إلَى قَائِلِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا - لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ وَلَمْ يُدْرِكْ ابْنَ عُمَرَ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهِيَ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ بَيْنَ أَوْلَادِ الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ شَرٌّ وَمُقَاتَلَةٌ فَتَعَصَّبَتْ بُيُوتَاتُ بَنِي عَدِيٍّ بَيْنَهُمْ فَأَتَى الْغُلَامُ الْمَذْكُورُ لَيْلًا وَالضَّرْبُ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي الظَّلَّامِ - وَهَذَا الْغُلَامُ هُوَ زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَأُمُّهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَصَابَهُ حَجَرٌ لَا يُدْرَى مَنْ رَمَاهُ وَقَدْ قِيلَ - ظَنًّا -: إنَّ خَالِدَ بْنَ أَسْلَمَ أَخَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ - وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَنْ هُوَ فِي الظُّلْمَةِ - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَخُوهُ يَقُولُ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ: اتَّقِ اللَّهَ يَا زَيْدُ فَإِنَّك لَا تَعْرِفُ مَنْ أَصَابَك، فَإِنَّك كُنْت فِي ظُلْمَةٍ وَاخْتِلَاطٍ - فَهَكَذَا كَانَتْ قِصَّتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ هُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِنَفْسِهِ: فَتَمْوِيهٌ ضَعِيفٌ - لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ الَّتِي هُوَ أَوْلَى بِهَا إنَّمَا هِيَ مَا كَانَ حَاكِمًا فِيهَا بَعْدَ حُلُولِهَا بِهِ، وَهَذَا حَقٌّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا عَاشَ بَعْدَهَا، فَاخْتَارَ مَا لَهُ أَنْ يَخْتَارَ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ عِنْدَنَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي جِنَايَةٍ لَمْ تَحْدُثْ بَعْدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إلَّا قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْخَطَأِ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ. فَوَجَدْنَا قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْخَطَأِ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] وَلَا قَتْلَ إلَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ. فَصَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ فَرْضٌ أَنْ تُسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحَرَامٌ عَلَى الْمَقْتُولِ أَنْ يُبْطِلَ تَسْلِيمَهَا إلَّا مَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِمْ، وَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُنَفِّذَ حُكْمَ الْمَقْتُولِ فِي إبْطَالِ تَسْلِيمِ الدِّيَةِ إلَى أَهْلِهِ - فَهَذَا بَيَانٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَصَحَّ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ الَّذِي لَا يُرَدُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ - سُلْطَانًا، وَجَعَلَ إلَيْهِ الْقَوَدَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يُسْرِفَ، فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ

يَجُوزَ لِلْمَقْتُولِ حُكْمٌ فِي إبْطَالِ السُّلْطَانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِوَلِيِّهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ إنْفَاذُ حُكْمِ الْمَقْتُولِ فِي خِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَهَذَا هُوَ الْحَيْفُ وَالْإِثْمُ مِنْ الْوَصِيَّةِ. وَكَذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَقْتُولِ الْخِيَارَ فِي الْقَوَدِ، أَوْ الدِّيَةِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، فَنَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يُبْطِلَ خِيَارًا جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَهْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ إنْفَاذُ حُكْمِ الْمَقْتُولِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ هَذَا خَطَأٌ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. فَكَانَ بِيَقِينٍ عَفْوُ الْمَقْتُولِ عَنْ دِيَةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِهِ بَعْدَهُ لَا لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] ، فَكَانَ عَفْوُ الْمَقْتُولِ عَنْ دِيَةٍ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى تَسْلِيمَهَا إلَى أَهْلِهِ، وَعَنْ دَمٍ، أَوْ مَالٍ، خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا أَهْلَهُ بَعْدَهُ: كَسْبًا عَلَى أَهْلِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَالدِّيَةُ إنَّمَا هِيَ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَقْتُولِ، فَحَرَامٌ عَلَى الْمَقْتُولِ التَّصَرُّفُ فِي، شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا مَالُ أَهْلِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ لِلْمَقْتُولِ سُلْطَانًا فِي الْقَوَدِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا أَنَّ لَهُ خِيَارًا فِي دِيَةٍ، أَوْ قَوَدٍ، وَلَا أَنَّ لَهُ دِيَةً وَاجِبَةً. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقٌّ، أَوْ رَأْيٌ، أَوْ نَظَرٌ، أَوْ أَمْرٌ. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُنِيَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَفِيمَا عَفَا عَنْهُ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْعَفْوَ إلَيْهِ - وَهُمْ الْأَهْلُ - بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ وَهَكَذَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَوْ صَحَّ. وَبُرْهَانٌ آخَرُ - أَنَّ الدِّيَةَ عِوَضٌ مِنْ الْقَوَدِ بِلَا شَكٍّ فِي الْعَمْدِ وَعِوَضٌ مِنْ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ بِيَقِينٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الْمَقْتُولَ مَا دَامَ حَيًّا فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الْقَوَدِ، فَإِذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَا عَفْوَ لَهُ، وَلَا أَمْرَ فِيمَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ تَذْهَبْ نَفْسُهُ بَعْدُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ عِوَضٌ مِنْهَا، فَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ شَيْءٌ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّ الْقَوَدَ لَا يَجِبُ، وَلَا الدِّيَةُ، إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ إذَا لَمْ يَمُتْ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ عَلَى الْقَاتِلِ لَا قَوَدٌ، وَلَا دِيَةٌ، وَلَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، فَإِذَا وَجَبَ كُلُّ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ لِلْأَهْلِ لَا لَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَقْتُولِ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا: عَفْوٌ، أَوْ حُكْمٌ، أَوْ وَصِيَّةٌ فِي الْقَوَدِ، أَوْ فِي الدِّيَةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ مَالٌ لِلْأَهْلِ حَدَثَ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَرِثُوهُ قَطُّ عَنْهُ، إذْ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ شَيْءٌ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ الَّذِي لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ قَطُّ فِي حَيَاتِهِ، وَأَنْ يُنَفَّذَ فِيهِ وَصِيَّتُهُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ مَوْتِهِ، فَهُوَ كَمَالِ مَوْلًى لَهُ مَاتَ إثْرَ مَوْتِهِ، فَوَجَبَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ أَجْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَجِبْ لِلْمَيِّتِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ عَفَا الْوَرَثَةُ أَوْ أَحَدُهُمْ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ، أَوْ عَفَوْا كُلُّهُمْ عَنْ الْقَوَدِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بَعْدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُمْ بِمَوْتِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَعَفَوْهُمْ لَا شَيْءَ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ، وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ لَهُمْ، أَوْ الْعَافِي بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ، وَكَذَلِكَ الْقَوَدُ وَاجِبٌ لَهُمْ أَيْضًا - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَمَا نَرَاهُ إلَّا قَوْلَ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَيْضًا، فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنْ يُسْقِطُوا عَفْوَ الْوَرَثَةِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمْ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ - وَهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ وَمُسْتَحِقُّوهُ بِلَا خِلَافٍ - ثُمَّ يُجِيزُونَ عَفْوَ الْمَقْتُولِ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ فِي حَيَاتِهِ - وَهِيَ الدِّيَةُ وَالْقَوَدُ - وَلَا يَجِبُ لَهُ أَيْضًا بَعْدَ وَفَاتِهِ - فَهَذَا مِقْدَارُ نَظَرِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ جُرْحٌ، أَوْ قَطْعٌ، أَوْ كَسْرٌ، فَعَفَا عَنْهُ فَقَطْ، أَوْ عَنْهُ وَعَمَّا يَحْدُثُ عَنْهُ، فَعَفَوْهُ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ. وَأَمَّا عَفَوْهُ عَمَّا جُنِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ لَهُ لَازِمٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ الْقَوَدُ فِي الْكَسْرِ، أَوْ الْمُفَادَاةُ فِي الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ عَفَا فَإِنَّمَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بَعْدُ،

مسألة الولي يعفو أو يأخذ الدية ثم يقتل

فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ حَدَثَ عَنْهُ بُطْلَانُ عُضْوٍ آخَرَ، فَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْعُضْوِ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ الْآنَ وَجَبَ لَهُ وَلِأَوْلِيَائِهِ الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ خَاصَّةً - لَا بِمِثْلِ مَا جَنَى عَلَى مَقْتُولِهِمْ - لِأَنَّ تِلْكَ الْجِنَايَاتِ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ فِيهَا فَعَفَا عَنْهَا فَسَقَطَتْ وَبَقِيَ قَتْلُ النَّفْسِ فَقَطْ، وَلَا عَفْوَ لَهُ فِيهِ، فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ، فَلَهُمْ قَتْلُهُ، وَإِذْ لَهُمْ قَتْلُهُ، وَبَطَلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا جَنَى عَلَيْهِ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ يُقَدْ مِنْهَا، فَإِنَّمَا الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ فَقَطْ. وَهَكَذَا لَوْ اسْتَقَادَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا جَنَى عَلَيْهِ الْجَانِي ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْجَانِيَ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُقِيدَ مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يُعْتَدَى عَلَيْهِ بِأُخْرَى. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ أَنَّ جَانِيًا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ جِنَايَةً قَدْ يُعَاشُ مِنْهَا، أَوْ لَا سَبِيلَ إلَى الْعَيْشِ مِنْهَا، فَقَامَ وَلِيُّ هَذَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَتَلَ الْجَانِي قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَلِأَوْلِيَاءِ الْجَانِي الْمَقْتُولِ قَتْلُ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ، ثُمَّ إنْ مَاتَ الْجَانِي عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهَا حَتَّى مَاتَ الْجَانِي فَلَا شَيْءَ فِيهَا، لِأَنَّ الْقَوَدَ قَدْ بَطَلَ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ صَارَ الْمَالُ فِي حَيَاةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِغَيْرِ الْجَانِي، وَهُمْ الْوَرَثَةُ، فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِمْ، وَلَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُمْ، وَلَا مَالَ لِلْجَانِي أَصْلًا، فَجِنَايَتُهُ بَاطِلٌ، قَالَ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْوَلِيُّ يَعْفُو أَوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ ثُمَّ يَقْتُلُ] 2089 - مَسْأَلَةٌ: وَالْوَلِيُّ يَعْفُو أَوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ ثُمَّ يَقْتُلُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ - كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ نا يُونُسُ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا ثُمَّ صَالَحَ، فَأَدَّى الدِّيَةَ ثُمَّ قَتَلَهُ؟ قَالَ: نَرَى أَنْ يُقَادَ بِهِ صَاغِرًا، وَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ إنْ شَاءَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ هَارُونَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ، قَالَ: يُقْتَلُ، أَمَا سَمِعْت قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] .

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْتَلُ - كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ، قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ وَلَا يُقْتَلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا» أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ. فَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لِلْأَهْلِ إلَّا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الدِّيَةُ، وَإِمَّا الْقَوَدُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، فَإِذَا قَتَلَ فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَإِذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَلَا قَتْلَ لَهُ - هَذَا نَصُّ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَقْتُولِ لَمَّا عَفَوْا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ حَلَّتْ لَهُمْ، وَصَارَتْ حَقَّهُمْ، وَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الْقَوَدِ، لَيْسَ لَهُمْ جَمِيعُ الْأَمْرَيْنِ بِالنَّصِّ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْقَوَدِ بِذَلِكَ حُرِّمَ الْقَوَدُ وَحَلَّتْ الدِّيَةُ. وَلَوْلَا أَنَّ الْقَوَدَ حُرِّمَ لَمَّا حَلَّتْ الدِّيَةُ، فَإِذَا حُرِّمَ الْقَوَدُ فَقَدْ قَتَلُوا نَفْسًا مُحَرَّمَةً حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذْ قَتَلُوا نَفْسًا مُحَرَّمَةً فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ، بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ» . فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قَتَلَ نَفْسًا بِنَفْسٍ؟ قِيلَ لَهُ: لَا تَحِلُّ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ إلَّا حَيْثُ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا اخْتَارُوا ذَلِكَ دُونَ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَارُوا الدِّيَةَ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ تِلْكَ النَّفْسَ، إذْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ. وَمَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ شَيْئًا صَحَّ تَحْلِيلُهُ أَنَّهُ حُرِّمَ فَهُوَ مُبْطِلٌ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي

مسألة هل يستقاد في الحرم

دَعْوَاهُ ذَلِكَ بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ، وَقَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ كَوْنُ الدِّيَةِ لَهُمْ حَلَالًا، وَمَالًا مِنْ مَالِهِمْ إذَا أَخَذُوهَا، وَصَحَّ تَحْرِيمُ الْقَوَدِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ، إذْ لَا يَقُولُ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ، إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا الدِّيَةَ وَالْقَوَدَ. فَإِذْ لَا شَكَّ فِيمَا ذَكَرْنَا فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي قَدْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ عَادَ حَلَالًا لَهُمْ، وَأَنَّ الدِّيَةَ الَّتِي أَخَذُوا فَحَلَّتْ لَهُمْ قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ، لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ يُسْتَقَادُ فِي الْحَرَمِ] 2090 - الْمَسْأَلَةُ: وَهَلْ يُسْتَقَادُ فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقَادُ فِي الْحَرَمِ: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ فِي الْحَرَمِ، أَوْ فِي الْحِلِّ، ثُمَّ دَخَلَ، فَإِنَّهُ لَا يُجَالَسُ، وَلَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُؤْذَى، وَيُنَاشَدُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَمَنْ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ فَأَخَذَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ، فَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ مَا أَصَابَ أَخْرَجُوهُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ، فَإِنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ. وَعَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي رَجُلٍ أَخَذَهُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إلَى الْحِلِّ فَقَتَلَهُ. وَبِهِ: إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَنْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ، قَالَ: لَا يُجَالَسُ، وَلَا يُكَلَّمُ، وَلَا يُبَايَعُ، وَلَا يُؤْذَى - يُؤْتَى إلَيْهِ فَيُقَالُ: يَا فُلَانُ اتَّقِ اللَّهَ فِي دَمِ فُلَانٍ اُخْرُجْ مِنْ الْمَحَارِمِ. نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنِي

إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ - وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا - قَالَ: سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ، لَمْ يُجَالَسْ، وَلَمْ يُبَايَعْ، وَيَأْتِيه الَّذِي يَطْلُبُهُ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلَانُ اتَّقِ اللَّهَ فِي دَمِ فُلَانٍ، اُخْرُجْ عَنْ الْمَحَارِمِ، فَإِذَا خَرَجَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَبِهِ: إلَى إسْمَاعِيلَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] . قَالَ: إذَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ حَدَثًا ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ، لَمْ يُجَالَسْ، وَلَمْ يُبَايَعْ، وَلَمْ يُطْعَمْ، وَلَمْ يُسْقَ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ، فَيُؤْخَذَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْت ابْنَ أَبِي حُسَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ وَجَدْت فِيهِ - يَعْنِي حَرَمَ مَكَّةَ - قَاتِلَ الْخَطَّابِ مَا مَسِسْته حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْت فِيهِ - يَعْنِي حَرَمَ مَكَّةَ - قَاتِلَ عُمَرَ مَا نَدَهْته. وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ وَجَدْت قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا عَرَضْته. قَالَ عَطَاءٌ: وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ كَذَلِكَ مِثْلُ الْحَرَمِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ فِي الْحَرَمِ، وَمَنْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَامَ أُخْرِجَ إلَى الْحِلِّ فَقُتِلَ فِي الْحِلِّ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: تِلْكَ السُّنَّةُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْمٍ خِلَافُ هَذَا [وَشَيْءٌ يُظَنُّ أَنَّهُ خِلَافُ هَذَا] وَهُوَ كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نا أَبِي نا أَشْعَثُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ - عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي

الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ، ثُمَّ يُعَلِّقُ فِي رَقَبَتِهِ الصُّوفَةَ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْحَرَمَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ الْمَقْتُولِ أَوْ أَبُوهُ فَلَا يُحَرِّكُهُ. وَعَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَوْ سَرَقَ فِيهِ أَحَدٌ قُطِعَ، وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ، وَلَوْ قُدِرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيهِ قُتِلُوا. وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَرَحَ رَجُلًا فِي الْحَرَمِ: أَنَّهُ يُقَادُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ فِي الْحِلِّ أُقِيدَ بِهِ فِي الْحَرَمِ، وَحَيْثُ وُجِدَ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُهُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو شُرَيْحٍ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمِنْ التَّابِعِينَ - عَطَاءٌ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَيُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ عُلَمَائِهِمْ، وَهُمْ التَّابِعُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيُخْبِرُ: أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ بِذَلِكَ فِيمَا تَعَلَّقَ مَنْ تَعَلَّقَ بِخِلَافِ ذَلِكَ إلَّا بِرِوَايَةٍ عَنْ رَبِيعَةَ. وَأَمَّا قَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ، فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافٌ لِمَنْ ذَكَرْنَا، لِأَنَّ الْحَسَنَ إنَّمَا أَخْبَرَ عَمَّنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ بِخِلَافِ ذَلِكَ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا قَتَادَةُ فَلَمْ يَقُلْ: إنَّ مَنْ أَصَابَ فِي الْحِلِّ دَمًا أُقِيدَ بِهِ فِي الْحَرَمِ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَجَاهَرَ بَعْضُهُمْ أَقْبَحَ مُجَاهِرَةٍ، فَذَكَرَ: مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ - يَعْنِي الْمَائِدَةَ - آيَةُ الْقَلَائِدِ

{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] فَمَوَّهَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْبَهْتُ الْفَاضِحُ وَالْكَذِبُ الْمُجَرَّدُ، وَنَعَمْ: إنْ قَوْله تَعَالَى {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} [المائدة: 2] قَدْ قِيلَ: إنَّهُ نُسِخَ مِنْهُ " الْقَلَائِدُ " فَقَطْ: كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْبُرِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ - وَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ - فَقَالَ: مَنْسُوخٌ، كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا خَرَجَ إلَى الْحَجِّ يُقَلِّدُ مِنْ الشَّعْرِ، فَلَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ، وَإِذَا تَقَلَّدَ قِلَادَةَ شَعْرٍ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، وَكَانَ الْمُشْرِكُ يَوْمَئِذٍ لَا يُصْدَرُ عَنْ الْبَيْتِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْمُشْرِكُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَا عِنْدَ الْبَيْتِ، ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَهَذَا نَصُّ قَوْلِ قَتَادَةَ. فَهَبْكَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ نَسْخُ " الْقَلَائِدِ " فَأَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ " الْقَلَائِدِ " فَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْحَرَمِ، وَلَا يُقْتَلُ أَحَدٌ فِي الْحَرَمِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنْ أَنْ يَعْمَى هَذَا الْعَمَى؟ وَأَنْ يَتَّبِعَ هَوَاهُ فِي الْبَاطِلِ هَذَا الِاتِّبَاعِ، وَ " الْقَلَائِدُ " هَاهُنَا إنَّمَا هِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا " قَلَائِدُ الْهَدْيِ " الَّتِي لَا يَحِلُّ إحْلَالُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا خَمْسَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ. وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ: احْتِجَاجُهُمْ بِابْنِ خَطَلٍ - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ - فَهَذِهِ قِصَّةٌ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهَا لَهُ خَاصَّةً، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، كَمَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَهَذَا

أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْخَبَرِ - هَذَا لَا يَخْلُو الْقَوْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا أَوْ أَمْرًا - فَبَطَلَ أَنْ يَكُنْ خَبَرًا، لِأَنَّنَا قَدْ وَجَدْنَا " الْقَرَامِطَةَ " الْكَفَرَةَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ قَدْ قَتَلُوا فِيهِ أَهْلَ الْإِسْلَامِ. وَوَجَدْنَا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالْفَاسِقَ الْحَجَّاجَ قَدْ قَتَلَا فِيهِ النُّفُوسَ الْمُحَرَّمَةَ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ. وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ كَذَبَ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، بِمَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] ، وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] ، حَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ الْحَرَمُ لَهُ فَضْلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَخَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ فِي الْإِسْلَامِ، بَلْ مَا زَادَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَرَمَ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا تَعْظِيمًا، وَحُرْمَةً، وَإِكْرَامًا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُبَيْدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا أُسَامَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْفَتْحِ، وَفِيهِ «إنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ الْمُحَرَّمَةُ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: مَا قَالَ؟ قَالَ: قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - نا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ «إنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَفَزِعَ قَوْمُهَا إلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِ قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: تُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ

مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ قَالَ أُسَامَةُ: فَاسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ - فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا - ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا» وَذَكَرَتْ عَائِشَةُ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا قُطِعَتْ يَدُهَا فِي الْحَرَمِ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ عَلَى نَصِّ الْقُرْآنِ؛ وَنَصِّ بَيَانِ السُّنَنِ بِظَنٍّ لَا حَقِيقَةَ فِيهِ - وَلَعَلَّ أَمْرَهَا كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] ، وَأَيْضًا - فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ ظَاهِرُهُ الْإِرْسَالُ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ: إنَّمَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] إنَّمَا عَنَى الصَّيْدَ - وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَجُرْأَةٌ عَلَى الْبَاطِلِ فَضِيحَةٌ فِي اللَّحْنِ، لِأَنَّهُ لَا يُخْبِرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَفَظَّةُ " مَنْ " إلَّا عَمَّنْ يَعْقِلُ، لَا عَنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا هَذَا فِي " الْمَقَامِ " وَحْدَهُ بِنَصِّ الْآيَةِ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ بِالْمُحَالِ، وَلَا بِمَا لَا يُمْكِنُ، وَبِالْيَقِينِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ " مَقَامَ إبْرَاهِيمَ " حَجَرٌ وَاحِدٌ لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا " مَقَامُ إبْرَاهِيمَ " الْحَرَمُ كُلُّهُ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، إنَّهُ قَالَ " مَقَامُ إبْرَاهِيمَ " الْحَرَمُ كُلُّهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] . قُلْنَا: نَعَمْ، هَكَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا نَقُولُ، وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ أَحَدٍ لَا مُشْرِكٍ وَلَا

غَيْرِهِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ، لَكِنَّنَا نُخْرِجُهُمْ مِنْهُ، فَإِنْ خَرَجُوا وَصَارُوا فِي الْحِلِّ نَفَّذْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ أَسْرٍ، أَوْ عُقُوبَةٍ، فَإِنْ امْتَنَعُوا وَقَاتَلُونَا قَاتَلْنَاهُمْ حِينَئِذٍ فِي الْحَرَمِ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَاتَلْنَاهُمْ فِيهِ، وَهَكَذَا نَفْعَلُ بِكُلِّ بَاغٍ وَظَالِمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ؟ قُلْنَا: الَّذِي قَالَ هَذَا قَالَ {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: 191] وَكَلَامُهُ كُلُّهُ وَعُهُودُهُ كُلُّهَا فَرْضٌ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ لِشَيْءٍ آخَرَ إلَّا بِنَسْخٍ مُتَيَقَّنٍ - فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَعْمِلَ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَنَجْمَعَهَا، وَنَسْتَثْنِيَ الْأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ الْأَكْثَرِ، إذْ لَا يَحِلُّ غَيْرُ ذَلِكَ. فَنَحْنُ نَقْتُلُ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْنَاهُمْ إلَّا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَنَحْنُ إذَا فَعَلْنَا هَذَا كُنَّا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّنَا قَدْ أَطَعْنَا اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَمَرَنَا بِهِ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْعَمَلَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِي إحْدَى الْآيَتَيْنِ؟ وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا. وَكَمَا قُلْنَا - فَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمَّا ابْتَدَأَهُ الْفُسَّاقُ بِالْقِتَالِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ: يَزِيدُ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، وَالْحَجَّاجُ، وَمَنْ بَعَثَهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ - مِنْ جُنُودِ السُّلْطَانِ - قَاتَلَهُمْ مُدَافِعًا لِنَفْسِهِ وَأَحْسَنَ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا - قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ؟ قَالَ: إلَّا الْإِذْخِرَ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَوْفٍ نا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثَ بِذِكْرِ الْإِذْخِرِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ لَيْثٍ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ - وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْك قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» . قِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَاذَا قَالَ لَك عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْك يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِخَرِبَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا كَرَامَةَ لِلَطِيمِ الشَّيْطَانِ شُرْطِيِّ الْفَاسِقِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنْ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا سَمِعَهُ ذَلِكَ الصَّاحِبُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ فَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، عَلَى عَظِيمِ الْمُصَابِ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ عَلَى تَضَاعُفِ الْمُصِيبَةِ مِمَّنْ شَاهِدُهُ يَحْتَجُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا بِقَوْلِ الْفَاسِقِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ مُعَارَضَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَتَكَلَّمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُغْرِ الضُّعَفَاءَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ، وَمَا الْعَاصِي لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْفَاسِقُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، وَمَنْ وَلَّاهُ وَقَلَّدَهُ، وَمَا حَامِلُ الْخَرِبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا هُوَ، وَمَنْ أَمَّرَهُ وَأَيَّدَهُ، وَصَوَّبَ قَوْلَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتَرْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو شُرَيْحٍ، كُلُّهُمْ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى» فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّمْ مَكَّةَ خُصُوصًا الْقِتَالَ الْمُحَرَّمَ

بِالظُّلْمِ، لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكَان فِي الْأَرْضِ، لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ الْقِتَالُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُقَاتِلُ فِي مَكَّةَ، وَلَا قَتْلَ إلَّا بِحَقٍّ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ الْقِتَالِ بِعَيْنِهِ غَيْرَهُ، وَحَرَّمَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي مِثْلِهِ، وَقَطْعُ الْأَيْدِي فِيهِ سَفْكُ دَمٍ، وَالْقِصَاصُ كَذَلِكَ، فَلَا يَحِلُّ فِيهَا أَلْبَتَّةَ. وَقَدْ شَغَفَ قَوْمٌ: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قُلْت لِمَالِكٍ: نا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ.» قَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ هَذَا كَانَ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ - وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - ثُمَّ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنَّهَا قَدْ عَادَتْ إلَى حُرْمَتِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَإِذْ قَدْ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَجَبَ تَأْمِينُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ جُمْلَةً مِنْ كُلِّ قَتْلٍ وَقِصَاصٍ وَحَدٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِمَّنْ يَحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ: إنَّ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] فَمَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةً فِي الْحَرَمِ وَجَبَ أَنْ يُنْتَهَكُ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ؟ قُلْنَا لَهُ: هَذَا عُمُومٌ يَخُصُّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] ، وَيَخُصُّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِهَا أَنْ لَا يُسْفَكَ فِيهَا دَمٌ أَصْلًا، إلَّا مَنْ قَاتَلَنَا فِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَبِالْإِجْمَاعِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ النَّفْسِ الظُّلْمَ. فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ أَنَّ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ أَنْ نَنْتَهِكَهَا نَحْنُ أَيْضًا قِصَاصًا مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ - وَبِهِ نَأْخُذُ. وَأَمَّا نَهْيُ النَّاسِ عَنْ مُبَايَعَتِهِ وَمُكَالَمَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ.

مسألة هل يقام القصاص أو الحدود في الشهر الحرام

وَكَذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ، إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ، قَالَ: اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى مَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ دَارَ السِّجْنِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةٍ؟ . قُلْنَا: قَدْ جَاءَ لِبَعْضِ السَّلَفِ خِلَافٌ لِهَذَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَرِهَ السِّجْنَ بِمَكَّةَ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْتُ عَذَابٍ فِي بَيْتِ رَحْمَةٍ - وَبِهَذَا نَأْخُذُ. فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا خِلَافَ عُمَرَ، وَنَافِعٍ، وَصَفْوَانَ فِي ذَلِكَ. قُلْنَا لَهُمْ: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا إذَا أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَكِنْ إذْ تُنْكِرُونَ هَذَا وَلَا يَحِلُّ عِنْدَكُمْ فَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ خِلَافَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ، فِي أَنَّهُ نَصُّ عُمَرَ " فَلَهُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةٍ "؟ وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ رِبًا مَحْضٌ، فَعَادَ الْإِثْمُ عَلَيْهِمْ وَالْعَارُ أَيْضًا فِي خِلَافِهِمْ مَا لَا يَسْتَحِلُّونَ خِلَافَهُ إلَى خِلَافِهِمْ: عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَأَبِي شُرَيْحٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، فِي أَنْ لَا يُقَامَ قَوَدٌ بِمَكَّةَ أَصْلًا، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ، وَالسُّنَّةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ يَهْتِفُ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ثَانِيَ يَوْمِ الْفَتْحِ. فَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّابِتُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ يُقَامُ الْقِصَاصُ أَوْ الْحُدُودُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ] 2091 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُقَامُ الْقِصَاصُ أَوْ الْحُدُودُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَمْ لَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَقَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ:

أَرَأَيْت الرَّجُلَ يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ أَيْنَ يُقْتَلُ قَاتِلُهُ؟ قَالَ: حَيْثُ شَاءَ أَهْلُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: فَإِنْ قُتِلَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يُقْتَلْ فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ. وَبِهِ: إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الْأَصَمُّ رَجَبٌ، قَالَ - فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعَظِّمُونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، لِأَنَّ الظُّلْمَ فِيهَا أَعْظَمُ قَالَ: وَمَنْ قَتَلَ فِي شَهْرٍ حَلَالٍ أَوْ جَرَحَ لَمْ يُقْتَلْ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ حَتَّى يَجِيءَ شَهْرٌ حَلَالٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 194] . وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ رَجُلًا جُرِحَ فِي شَهْرٍ حَلَالٍ فَأَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يُقَيِّدَهُ - وَهُوَ أَمِيرٌ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ - فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ - وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الدَّارِ: لَا تُقِدْهُ حَتَّى يَدْخُلَ شَهْرٌ حَلَالٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ، وَالزُّهْرِيُّ لَا يَرَيَانِ أَنْ يُقَادَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ مَنْ جَنَى فِي شَهْرٍ حَلَالٍ. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ يَرَى مَنْ قَتَلَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَنْ يُقْتَلَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَإِنْ قَتَلَ فِي شَهْرٍ حَلَالٍ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ. فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] فَإِنَّمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَنْ الظُّلْمِ، فَكَانَ الظُّلْمُ فِيهَا أَوْكَدَ مِنْ الظُّلْمِ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 194] فَكَانَ مُوجَبُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ أَوْ جَرَحَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَلَمْ يُظْفَرْ بِهِ إلَّا فِي شَهْرٍ حَلَالٍ، فَإِنَّ وَلِيُّ الِاسْتِقَادَةِ مِنْ الدَّمِ، أَوْ الْجُرْحِ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ تَأْخِيرَهُ إلَى شَهْرٍ حَرَامٍ فَذَلِكَ لَهُ بِنَصِّ الْآيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَهُوَ بَعْضُ حَقِّهِ تَجَافَى عَنْهُ وَلَمْ تَمْنَعْهُ الْآيَةُ مِنْ ذَلِكَ - وَبِهَذَا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] إنَّمَا هَذَا فِي الْقِتَالِ، وَلَيْسَ فِي الْقَوَدِ فِي شَيْءٍ؟

مسألة مقاتلة من مر أمام المصلي

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُحْبَسُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فَأَخَّرَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيُّ الدَّمِ حَتَّى يَأْتِيَ شَهْرٌ حَرَامٌ، لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ أَخْذُهُ بِمَا جَنَى، فَلَا يَنْبَغِي تَسْرِيحُهُ، بَلْ يُوقَفُ بِلَا خِلَافٍ لِلْقَوَدِ، وَيُمْنَعُ مِنْ الِانْطِلَاقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْحُدُودُ فَتُقَامُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كُلُّهَا مِنْ رَجْمٍ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَعْجِيلُ الطَّاعَةِ الْمُفْتَرَضَةِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَاجِبٌ بِيَقِينٍ، نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ تَأْخِيرَ ذَلِكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَبَيَّنَهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ بِمَكَّةَ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَطُّ أَنْ لَا تُقَامَ الْحُدُودُ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ مُقَاتَلَةُ مَنْ مَرَّ أَمَامَ الْمُصَلِّي] 2092 - مَسْأَلَةٌ: مُقَاتَلَةُ مَنْ مَرَّ أَمَامَ الْمُصَلِّي؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ أَرَادَ الْمُرُورَ أَمَامَ الْمُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ أَوْ غَيْرِ سُتْرَةٍ، فَأَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ، أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ انْدَفَعَ وَإِلَّا فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ فَوَافَقَتْ مَنِيَّةُ الْمُرِيدِ لِلْمُرُورِ فَدَمُهُ هَدَرَ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ، لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا إنْ كُسِرَ لَهُ عُضْوٌ وَلَا فَرْقَ، فَإِنْ وَافَقَ فِي ذَلِكَ مَنِيَّةَ الْمُصَلِّي: فَفِيهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ أَوْ الْمُفَادَاةُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا سُلَيْمَانُ - هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ - عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَبُو صَالِحٍ: أُحَدِّثُك عَمَّا رَأَيْت مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَمِعْته مِنْهُ: دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى مَا يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ الصُّورِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ - هُوَ الصُّورِيُّ - نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَأَرَادَ ابْنٌ لِمَرْوَانَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَرَأَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ، فَضَرَبَهُ،

مسألة الجماعة تضرب الواحد فيقتل ولا يدرى من أصابه منهم

فَخَرَجَ الْغُلَامُ يَبْكِي حَتَّى أَتَى مَرْوَانَ فَأَخْبَرَهُ؟ فَقَالَ مَرْوَانُ لِأَبِي سَعِيدٍ: لِمَ ضَرَبْت ابْنَ أَخِيك؟ قَالَ: مَا ضَرَبْته، إنَّمَا ضَرَبْت الشَّيْطَانَ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَأَرَادَ إنْسَانٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَدْرَؤُهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» . وَمَنْ قَاتَلَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مُحْسِنٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، فَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَيْسَ مُتَعَدِّيًا، وَإِذْ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ. وَلَيْسَ قَاتِلَ خَطَأٍ فَتَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَعَمَدَ قَتْلَهُ أُقِيدَ بِهِ، لِأَنَّهُ مُعْتَدٍ حِينَئِذٍ بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ - وَأَمَّا الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَمُعْتَدٍ بِالْمُرُورِ مُعْتَدٍ بِالْمُقَاتَلَةِ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْجَمَاعَةُ تَضْرِبُ الْوَاحِدَ فَيُقْتَلُ وَلَا يُدْرَى مَنْ أَصَابَهُ مِنْهُمْ] 2093 - مَسْأَلَةٌ: الْجَمَاعَةُ تَضْرِبُ الْوَاحِدَ فَيُقْتَلُ وَلَا يُدْرَى مَنْ أَصَابَهُ مِنْهُمْ، وَالْمُصْطَدِمَانِ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى آخَرَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِآخَرَ فَسَقَطَ، وَالْحَفَّارُونَ، وَالْمُتَصَارَعَانِ، وَالْمُتَلَاعَبَانِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْجَمَاعَةُ تَضْرِبُ الْوَاحِدَ فَيَمُوتُ وَلَا يُدْرَى مَنْ مِنْهُمْ أَصَابَهُ؟ فَإِنَّهُ إنْ وُجِدَ مَقْتُولًا فِي دَارِ قَوْمٍ فَادَّعَى أَهْلُهُ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ - وَكَانَ الَّذِينَ ضَرَبُوهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ -: فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ ضَرَبُوهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ -: فَلَيْسَ هَاهُنَا حُكْمُ الْقَسَامَةِ، وَلَكِنْ حُكْمُ التَّدَاعِي فَالْبَيِّنَةُ هَاهُنَا عَلَى مُدَّعِي الدَّمِ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا فَلَهُ الْقَوَدُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حَلَفُوا لَهُ، إنْ ادَّعَى عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ أَوْ حَلَفَ لَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَبَرِئُوا، وَسَنَذْكُرُ هَذَا كُلَّهُ فِي " بَابِ الْقَسَامَةِ ". [مَسْأَلَةٌ اقْتَتَلَ اثْنَانِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ] 2094 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا اقْتَتَلَ اثْنَانِ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؟ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: عَلَى الْحَيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ مَاتَ الْمَقْتُولُ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ

وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمَقْتُولَ - وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي النَّارِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَاصٍ يَحِلُّ دَمُهُ وَلَا يُغَرَّمُ دِيَةً، لَكِنَّ الْقَاتِلَ الْحَيَّ هُوَ قَاتِلُ الْآخَرِ بِلَا شَكٍّ، فَإِذْ هُوَ قَاتِلُهُ بِيَقِينٍ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْقَاتِلِ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَوَّلِ مَنْ جَعَلَ عَلَى الْمُصْطَدِمَيْنِ نِصْفَ عَقْلِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: نَرَى أَنَّ الْعَقْلَ تَامًّا عَلَى الْبَاقِي مِنْهُمَا، وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَا أَدْرَكْنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ جَنَى الْمَقْتُولُ عَلَى قَاتِلِهِ جِنَايَةً مَاتَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ؟ فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ تَعْجِيلُهُ عَلَى الْحَيِّ، إذْ كَانَا ظَالِمَيْنِ مَعًا، أَوْ كَانَ الْحَيُّ مِنْهُمَا ظَالِمًا وَالْمَقْتُولُ مَظْلُومًا؟ فَيُسْتَقَادُ مِنْ الْحَيِّ فِي نَفْسِهِ، وَفِي الْجِرَاحِ الَّتِي جَرَحَ الْمَقْتُولَ بِهَا - أَوْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ مَالِهِ - مَاتَ أَوْ عَاشَ - وَلَا شَيْءَ فِي مَالِ الْمَقْتُولِ - لَا دِيَةَ وَلَا غَيْرَهَا - إلَّا إنْ كَانَ قَطَعَ لَهُ أُصْبُعًا، أَوْ أَصَابِعَ، أَوْ يَدًا، أَوْ رِجْلًا، فَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا وَجَبَ فِي حَيَاةِ الْجَانِي مِنْ دِيَةٍ فَهِيَ وَاجِبَةٌ بَعْدُ، فَلَا يُسْقِطُهَا مَوْتُهُ، إذْ مَا صَحَّ بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالدَّعْوَى - وَأَمَّا مَا لَمْ يَجِبْ فِي حَيَاتِهِ بَعْدُ، فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ مَالَهُ قَدْ صَارَ بِمَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ، أَوْ لِلْغُرَمَاءِ بِلَا شَكٍّ. فَإِذْ صَارَ لَهُمْ، فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِمْ، وَالدِّيَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِمَوْتِ الْمَقْتُولِ، فَإِذَا وَجَبَتْ بِمَوْتِهِ - وَلَا مَالَ لِلْجَانِي - فَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ الْمَقْطُوعِ بِهِ: أَنْ تُؤْخَذَ دِيَةٌ مِنْ مَالِ مَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَا جَنَى عَلَيْهِ - وَكَذَلِكَ دِيَةُ الْقَاتِلِ الَّذِي قَدْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ، وَالْأَحْكَامُ لَا تَلْحَقُ الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا تَلْحَقُ الْأَحْيَاءَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَهَذَا حُكْمُ الظَّالِمَيْنِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَاتِلُ الْحَيُّ مَظْلُومًا وَالْمَقْتُولُ ظَالِمًا، فَقَدْ مَضَى إلَى لَعْنَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ الْجَارِحِ - لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ - لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ أَهْلِ الْبَغْيِ ".

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمُصْطَدِمَانِ: رَاجِلَيْنِ، أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ، أَوْ السَّفِينَتَيْنِ يَصْطَدِمَانِ، فَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: فِي السَّفِينَتَيْنِ يَصْطَدِمَانِ لَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَحَدُ قَوْلَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ مُدَبِّرُ السَّفِينَةِ نِصْفَ مَا أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَلْبَتَّةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى صَرْفِهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يُطِيعُهُ فَلَا يَفْعَلُ فَيَضْمَنُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ: أَنَّهُ مَا قَدَرَ عَلَى صَرْفِهَا، وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ إذَا ضَمِنَ فِي ذِمَّتِهِ، وَضَمَانُ النُّفُوسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا اصْطَدَمَتْ السَّفِينَتَانِ بِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْ رُكَّابِهِمَا، لَكِنْ بِغَلَبَةٍ، أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا. فَإِنْ حَمَلَا سَفِينَتَهُمَا عَلَى التَّصَادُمِ فَهَلَكَتَا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٌ نِصْفَ قِيمَةِ السَّفِينَةِ الْأُخْرَى، لِأَنَّهَا هَلَكَتْ مِنْ فِعْلِهَا، وَمِنْ فِعْلِ رُكَّابِهَا. وَأَمَّا الْفَارِسَانِ يَصْطَدِمَانِ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، قَالُوا: إنْ مَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ كَامِلَةً. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَزُفَرُ، وَالشَّافِعِيُّ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - بِمِثْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ - وَكَذَلِكَ أَوْجَبُوا إنْ هَلَكَتْ الدِّيَتَانِ - أَوْ إحْدَاهُمَا - فَنِصْفُ قِيمَتِهَا أَيْضًا. كَذَلِكَ - لَوْ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ فَعَادَ الْحَجَرُ عَلَى أَحَدِهِمْ فَمَاتَ، فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَتَسْقُطُ مِنْهَا حِصَّةُ الْمَقْتُولِ، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ. قَالُوا: فَلَوْ صَدَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَقَطْ، فَمَاتَ الْمَصْدُومُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ إنْ كَانَ خَطَأً، وَفِي مَالِ الْقَاتِلِ إنْ قُتِلَتْ فِي الْعَمْدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - أَنَّ السَّفِينَتَيْنِ إذَا اصْطَدَمَتَا بِغَلَبَةِ رِيحٍ أَوْ غَفْلَةٍ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الرُّكْبَانِ فِي ذَلِكَ

عَمَلٌ أَصْلًا وَلَمْ يَكْسِبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَأَمْوَالُهُمْ وَأَمْوَالُ عَوَاقِلِهِمْ مُحَرَّمَةٌ، إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. فَإِنْ كَانُوا تَصَادَمُوا وَحَمَلُوا - وَكُلُّ أَهْلِ سَفِينَةٍ غَيْرُ عَارِفَةٍ بِمَكَانِ الْأُخْرَى لَكِنْ فِي ظُلْمَةٍ لَمْ يَرُوا شَيْئًا - فَهَذِهِ جِنَايَةٌ، وَالْأَمْوَالُ مَضْمُونَةٌ، لِأَنَّهُمْ تَوَلَّوْا إفْسَادَهَا، وَقَالَ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ، وَأَمَّا الْأَنْفُسُ - فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ كُلِّهِمْ، لِأَنَّهُ قَتْلُ خَطَأٍ، وَإِنْ كَانُوا تَعَمَّدُوا فَالْأَمْوَالُ مَضْمُونَةٌ - كَمَا ذَكَرْنَا - وَعَلَى مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَالْقَوْلُ فِي الْفَارِسَيْنِ، أَوْ الرَّجُلَيْنِ يَصْطَدِمَانِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ - أَيْضًا - الرُّمَاةُ بِالْمَنْجَنِيقِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَتُؤَدِّي عَاقِلَتُهُ وَعَاقِلَتُهُمْ دِيَتَهُ سَوَاءٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ قَاتِلٌ نَفْسَهُ مَعَ مَنْ قَتَلَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ: أَنَّ فِي قَاتِلِ نَفْسِهِ الدِّيَةَ بِنَصِّ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَاتِلِ الْخَطَأِ، فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ مَقْتُولٍ، وَلَمْ يَخُصَّ خَطَأً {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَتِنَا فَنَقُولُ: أَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْمُصْطَدِمَيْنِ إنَّ الْمَيِّتَ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَمِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ - فَهُوَ خَطَأٌ، وَالْفِعْلُ إنَّمَا هُوَ مُبَاشَرَةُ الْفَاعِلِ وَمَا يَفْعَلُهُ فِيهِ - وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْهُ بِصَدْمَةِ غَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ دَفَعَ ظَالِمًا إلَى ظَالِمٍ آخَرَ لِيُقَاتِلَهُ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ: أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْهُمَا الْقَوَدَ، أَوْ الدِّيَةَ كُلَّهَا - إنْ فَاتَ الْقَوَدُ بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ - وَهُوَ قَدْ تَسَبَّبَ فِي مَوْتِ نَفْسِهِ بِابْتِدَاءِ الْقِتَالِ، كَمَا تَسَبَّبَ فِي مَوْتِ نَفْسِهِ فِي الصَّدْمِ، وَلَا فَرْقَ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمُتَصَارِعَيْنِ، وَالْمُتَلَاعَبِينَ، وَلَا فَرْقَ وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللَّعِبِ شَيْئًا حَظَرَهُ فِي الْجِدِّ. وَأَمَّا مَنْ سَقَطَ مِنْ عُلُوٍّ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَا جَمِيعًا، أَوْ مَاتَ الْوَاقِعُ، أَوْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْوَاقِعُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِإِتْلَافِ الْمَوْقُوعِ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ، وَبِالْمُشَاهَدَةِ، لِأَنَّ الْوَقْعَةَ

قَتَلَتْ الْمَوْقُوعَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْمَلْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ شَيْئًا: فَدِيَةُ الْمَوْقُوعِ عَلَيْهِ - إنْ هَلَكَ - عَلَى عَاقِلَةِ الْوَاقِعِ - إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْوُقُوعَ عَلَيْهِ - لِأَنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ، فَالْقَوَدُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ إنْ سَلِمَ، أَوْ الدِّيَةُ - وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ مَاتَ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ. فَإِنْ مَاتَا مَعًا، أَوْ مَاتَ الْوَاقِعُ قَبْلُ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِمَوْتِ الْمَقْتُولِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ. فَإِذَا مَاتَ فِي حَيَاةِ قَاتِلَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ أَوْ الْقَوَدُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. وَإِذَا مَاتَ مَعَ قَاتِلِهِ أَوْ بَعْدَ قَاتِلِهِ، فَلَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ شَيْءٌ - لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ - فِي حَيَاةِ الْقَاتِلِ، فَإِذَا مَاتَ فَالْقَاتِلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَالْمَالُ قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، وَهَذَا لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُمْ - وَلَيْسَ هَكَذَا قَتْلُ الْخَطَأِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَسَوَاءٌ مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْمَقْتُولِ، أَوْ مَعَهُ، أَوْ بَعْدَهُ: لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الدِّيَةِ - إمَّا عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ عَلِمَتْ، وَإِمَّا فِي كُلِّ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا جَاءَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا شَيْءَ لِوَارِثِ الْوَاقِعِ إنْ مَاتَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ - لَا دِيَةَ وَلَا غَيْرَهَا - لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ أَحَدٌ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ بِيَدِ الْمَدْفُوعِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى رُمْحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إنْ عَمَدَ فَهُوَ قَاتِلٌ نَفْسَهُ عَمْدًا، وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ - وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ فَلَمْ يُبَاشِرْ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةً، وَإِنَّمَا هُوَ قَتِيلُ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمُتَمَاقِلُونَ فِي الْمَاءِ فَإِنْ عُرِفَ أَيُّهُمْ غَطَّسَهُ فِي الْمَاءِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَاصِدٍ لَكِنْ غَطَسَ أَحَدُهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ لِيَخْرُجَ لَقِيَ سَاقَيْ آخَرَ فَمَنَعَتَاهُ الْخُرُوجَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِذَلِكَ: فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ بَاشَرَ ذَلِكَ فِيهِ غَيْرَ قَاصِدٍ فَهُوَ قَتْلُ خَطَأٍ، فَإِنْ كَانَ غَطَّسَهُ تَغْطِيسَةً - لَا يُمَاتُ أَلْبَتَّةَ مِنْ مِثْلِهَا - فَوَافَقَ مَنِيَّتَهُ، فَهَذَا لَا شَيْءَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ - لَا عَمْدًا وَلَا خَطَأً - بَلْ مَاتَ بِأَجَلِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ. فَإِنْ جُهِلَ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ بِهِ، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أُحْلِفَ وَبُرِّئَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ - وَلَا قَسَامَةَ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَسَامَةِ وَاجِبٌ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ، لِأَنَّ كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ قَتِيلٌ وُجِدَ، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنِّي حَكَمْت بِالْقَسَامَةِ مِنْ أَجْلِ الدَّارِ، وَلَا مِنْ غَيْرِ أَجْلِ الدَّارِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، لَكِنْ نَحْكُمُ فِي نَوْعِ تِلْكَ الْحَالِ مِثْلَ حُكْمِهِ فِيهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ مَنْ قُتِلَ فِي اخْتِلَاطِ قِتَالٍ، أَوْ لَيْلًا، أَوْ أَيْنَ قُتِلَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا حَفَرُوا فِي حَائِطٍ - بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ - أَوْ فِي مَعْدِنٍ، أَوْ بِئْرٍ فَتَرَدَّى عَلَيْهِمْ الْحَائِطُ، أَوْ الْجُرُفُ فَمَاتُوا، أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ؟ فَإِنْ كَانُوا عَامِدِينَ قَاصِدِينَ إلَى هَدْمِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: فَهُوَ قَتْلُ عَمْدٍ، وَالْقَوَدُ عَلَى مَنْ عَاشَ، أَوْ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، لِجَمِيعِ مَنْ مَاتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِيَةٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَهَذَا حُكْمُ قَاتِلِ النَّفْسِ عَمْدًا. وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْصِدُوا إلَّا الْعَمَلَ لَا هَدْمَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ قَتَلَةُ خَطَأٍ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ كُلِّهِمْ دِيَةٌ دِيَةٌ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ فَقَطْ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَوَاقِلُ فَمِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا وَقَفُوا عَلَى جُرُفٍ فَانْهَارَ بِأَحَدِهِمْ فَتَعَلَّقَ بِمَنْ يَقْرُبُهُ، وَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِآخَرَ فَسَقَطُوا فَمَاتُوا، فَالْمُتَعَلِّقُ بِصَاحِبِهِ قَاتِلُ خَطَأٍ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُتَعَلِّقِ - فَكَأَنَّ زَيْدًا تَعَلَّقَ بِخَالِدٍ، وَتَعَلَّقَ خَالِدٌ بِمُحَمَّدٍ، فَعَلَى عَاقِلَةِ زَيْدٍ دِيَةُ خَالِدٍ، وَعَلَى عَاقِلَةِ خَالِدٍ دِيَةَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ أَبَدًا، لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِإِنْسَانٍ إلَى مَهْلَكَةٍ قَاتِلُ خَطَأٍ، إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ بِلَا شُبْهَةٍ فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ، لَيْسَ فِيهِ إلَّا - لَوْ خُلِّصَ الْمُتَرَدِّي - الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ. فَلَوْ تَعَلَّقُوا هَكَذَا فَوَقَعُوا عَلَى أَسَدٍ، أَوْ ثُعْبَانٍ فَقَتَلَهُمْ؟ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ قَاتِلَ خَطَأٍ، وَإِنَّمَا قَتَلَتْ الْبَهِيمَةُ - وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - إنْ خُلِّصَ - وَيُرْمَى إلَى مِثْلِ الْبَهِيمَةِ حَتَّى تَقْتُلَهُ، كَمَا فَعَلَ هُوَ بِأَخِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى

{وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ قَالَ: اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ لِيَحْفِرُوا لَهُ بِئْرًا فَحَفَرُوهَا فَانْخَسَفَتْ بِهِمْ الْبِئْرُ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ؟ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَضَمِنَ الثَّلَاثَةُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ وَطُرِحَ عَنْهُ رُبْعُ الدِّيَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْأَثَرُ فِي وَضْعِ عَلِيٍّ الدِّيَةَ فِي قِصَّةِ الْحَفَّارِينَ فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ، وَهِيَ مُوَافَقَةٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا - وَهُمْ يُشَنِّعُونَ عَلَى مَنْ خَالَفَ الصَّاحِبَ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ؟ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهَذَا يُوضِحُ عَظِيمَ تَنَاقُضِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَفَّارُونَ كُلُّهُمْ بَاشَرَ هَدْمَ مَا انْهَارَ عَلَى الَّذِي هَلَكَ مِنْهُمْ، فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ كُلِّهِمْ عَوَاقِلِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ. وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتُوا كُلُّهُمْ دِيَةٌ دِيَةٌ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ - يَعْنِي أَنَّ فِي كُلِّ مَيِّتٍ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ تُؤَدَّى إلَى عَوَاقِلِ جَمِيعِهِمْ وَعَاقِلَةُ الْمَيِّتِ فِي جُمْلَتِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أُجَرَاءَ اُسْتُؤْجِرُوا لِيَهْدِمُوا حَائِطًا فَخَرَّ عَلَيْهِمْ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ يَغْرَمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ بَقِيَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ أَعْمَى يُنْشِدُ النَّاسَ فِي زَمَانِ عُمَرَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَقِيت مُنْكَرَا ... هَلْ يَعْقِلُ الْأَعْمَى الصَّحِيحَ الْمُبْصِرَا خَرَّا مَعًا كِلَاهُمَا تَكَسَّرَا

قَالَ وَكِيعٌ: كَانُوا يَرُونَ أَنَّ رَجُلًا صَحِيحًا كَانَ يَقُودُ أَعْمَى فَوَقَعَا فِي بِئْرٍ فَخَرَّ عَلَيْهِ؟ فَإِمَّا قَتَلَهُ، وَإِمَّا جَرَحَهُ، فَضَمِنَ الْأَعْمَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي رَجُلٍ أَعْمَى قَادَهُ رَجُلٌ فَخَرَّا مَعًا فِي بِئْرٍ فَمَاتَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَمُتْ الْأَعْمَى؟ فَقَضَى عُمَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْمَى بِالدِّيَةِ، فَكَانَ الْأَعْمَى يَتَمَثَّلُ بِأَبْيَاتِ شَعْرٍ قَالَهَا، وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا قَبْلَ هَذَا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْبَصِيرِ يَقُودُ الْأَعْمَى فَيَقَعُ الْبَصِيرُ فِي بِئْرٍ، وَيَقَعُ الْأَعْمَى عَلَى الْبَصِيرِ، فَيَمُوتُ الْبَصِيرُ؟ فَإِنَّ دِيَةَ الْبَصِيرِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَعْمَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ لَا تَصِحُّ فِي أَمْرِ الْأَعْمَى، لِأَنَّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، وَاللَّيْثِ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ أَصْلًا. وَالْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى آخَرَ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ الْوَاقِعُ أَوْ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوعُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي جَرَّ الْوَاقِعَ فَوَقَعَ عَلَيْهِ، كَبَصِيرٍ يَقُودُ أَعْمَى - وَهُوَ يُمْسِكُهُ - فَوَقَعَ الْبَصِيرُ، وَانْجَبَذَ بِجَبْذِهِ الْأَعْمَى، أَوْ الْمَرِيضُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ الْأَسْفَلُ، أَوْ الْأَعْلَى - أَوْ يَكُونَ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، لَكِنْ عَمَدَ رَمْيَ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَعْمِدْ، لَكِنْ عَثَرَ إذْ خَرَّ فَإِنْ دَفَعَهُ غَيْرُهُ، فَالدَّافِعُ هُوَ الْقَاتِلُ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، فِي أَيِّهِمَا مَاتَ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، إذْ هُوَ الْقَاتِلُ خَطَأً - وَالْمَدْفُوعُ حِينَئِذٍ وَالْحَجَرُ سَوَاءٌ - فَهَذَا وَجْهٌ. وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ هُوَ جَبَذَ الْوَاقِعَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ، فَإِنْ مَاتَ الْمَجْبُوذُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ - وَإِنْ مَاتَ هُوَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَجْبُوذِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ، وَلَا أَخْطَأَ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ جَبْذَهُ - وَلَكِنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ - فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَابِذِ دِيَةُ الْمَجْبُوذِ إنْ مَاتَ، وَالْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ - فَإِنْ مَاتَ هُوَ فَلَيْسَ عَلَى الْمَجْبُوذِ شَيْءٌ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَامِدًا وَلَا مُخْطِئًا، لَكِنْ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَابِذِ دِيَةُ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسِهِ خَطَأً - فَهَذَا وَجْهٌ ثَانٍ. وَإِنْ كَانَ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ - إنْ سَلِمَ فَالْقَوَدُ،

مسألة قال إن صوم الشهرين في كفارة قتل الخطأ عوض من الدية والعتق

أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ - وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ عَمْدًا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْقُوعِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ إمَّا نَفْسَهُ وَإِمَّا الْآخَرَ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا بُدَّ، وَعَلَيْهِ إنْ سَلِمَ هُوَ وَمَاتَ الْآخَرُ: كَفَّارَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ إنَّ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ عِوَضٌ مِنْ الدِّيَةِ وَالْعِتْقِ] 2095 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ إنَّ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ عِوَضٌ مِنْ الدِّيَةِ وَالْعِتْقِ إنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ مَسْرُوقٌ عَمَّنْ {قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] عَنْ الرَّقَبَةِ وَحْدَهَا، أَمْ عَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ قَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ جَبْرٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَنْ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: ذَهَبَ مَسْرُوقٌ، وَالشَّعْبِيُّ هَاهُنَا إلَى قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] إنْ صَحَّ مَعْنَاهُ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الدِّيَةَ وَالرَّقَبَةَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْلَا دَلِيلٌ نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ إلَّا بِدَلِيلٍ، لَكِنْ لَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ لَيْسَتْ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ بَطَلَ مَا قَالَ مَسْرُوقٌ، وَعَامِرٌ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا نُبَالِي وَجَدَهَا الْقَاتِلُ أَوْ لَمْ يَجِدْهَا - فَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [النساء: 92] إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى وُجُودِ الْمُكَلَّفِ لَا فِيمَا لَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى وُجُودِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الرَّقَبَةِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي صُلْبِ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَالصِّيَامُ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ فَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَالٍ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] .

مسألة أمر غيره بقتل إنسان

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» . وَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا: هَلْ دِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى الْقَاتِلِ الْمُخْطِئِ أَمْ لَا؟ فَوَجَبَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي ذَلِكَ لَمْ يُلْزِمْهَا الْقَاتِلَ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إلْزَامِهِ دِيَةً لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى: إلْزَامِهِ الْكَفَّارَةَ بِالْعِتْقِ، أَوْ الصِّيَامِ، فَوَقَفْنَا عِنْدَ النَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ وَأَلْزَمْنَا الدِّيَةَ الْعَاقِلَةَ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي أَبْوَابِ الْعَاقِلَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَلْزَمْنَاهَا فِي كُلِّ مَالٍ. [مَسْأَلَةٌ أَمَرَ غَيْرَهُ بِقَتْلِ إنْسَانٍ] 2096 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ الْمَأْمُورُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ الْآمِرُ وَحْدَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ الْمَأْمُورُ وَحْدَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلَانِ جَمِيعًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْتَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا: فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَمَرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، فَهُوَ كَسَيْفِهِ وَسَوْطِهِ. أَمَّا السَّيِّدُ فَيُقْتَلُ - وَأَمَّا الْعَبْدُ فَيُسْتَوْدَعُ فِي السِّجْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ أَمَرَ عَبْدَهُ فَقَتَلَ رَجُلًا؟ فَقَالَ: عَلَى الْآمِرِ، سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: يُقْتَلُ الْحُرُّ الْآمِرُ، وَلَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَعَثَ بِهَدِيَّةٍ مَعَ عَبْدِهِ إلَى رَجُلٍ، مَنْ أَهْدَاهَا؟ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْت: فَأَجِيرُهُ؟ قَالَ: ذَلِكَ مِثْلُ عَبْدِهِ؟ قُلْت: فَأَمَرَ رَجُلًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا لَا يَمْلِكُهُ، وَلَيْسَا بِأَجِيرَيْنِ، قَالَ: عَلَى الْمَأْمُورِ - إذَا لَمْ يَمْلِكْهُمَا - إذَا أَمَرَ حُرًّا فَقَتَلَ رَجُلًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ شَيْءٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْمُرُ الرَّجُلَ فَيَقْتُلُ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ، وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ قَوَدٌ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي الَّذِي يَأْمُرُ عَبْدَهُ فَيَقْتُلُ رَجُلًا قَالَ: يُقْتَلُ الْعَبْدُ؟ وَلِلشَّعْبِيِّ كَلَامٌ آخَرُ زَائِدٌ وَيُعَاقَبُ السَّيِّدُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ: أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ جَمِيعًا. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ - رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: لَوْ أَمَرَ رَجُلٌ عَبْدًا لَهُ فَقَتَلَ رَجُلًا لَمْ يُقْتَلْ الْآمِرُ، وَلَكِنْ يَدِيهِ، وَيُعَاقَبُ، وَيُحْبَسُ - فَإِنْ أَمَرَ حُرًّا فَإِنَّ الْحُرَّ إنْ شَاءَ أَطَاعَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَا، فَلَا يُقْتَلُ الْآمِرُ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ: يُقْتَلُ الْعَبْدُ، وَيُعَاقَبُ السَّيِّدُ الْآمِرُ - وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ صَبِيًّا بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ، فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَيُرْجَعُ بِهَا عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ وَلَا يُقْتَلُ الْآمِرُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِقَتْلِ إنْسَانٍ قُتِلَ الْآمِرُ، وَيُؤَدَّبُ الْعَبْدُ - فَإِنْ أَمَرَ حُرًّا فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْمَأْمُورُ وَحْدَهُ - وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَمَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، فَسَيِّدُ الْقَاتِلِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ عَبْدَهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ الْآمِرُ رَجَعَ سَيِّدُ الْمَأْمُورِ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ عَبْدِهِ الَّذِي أَسْلَمَ، أَوْ الَّذِي فَدَاهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا أَمَرَ عَبْدٌ عَبْدًا بِإِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنَّهُ إذَا أُعْتِقَ الْآمِرُ لَزِمَهُ الْمَالُ الْمُتْلَفُ بِأَمْرِهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ الْمُتْلَفُ بِأَمْرِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ، أَوْ دَيْنٍ فِي رَقَبَةٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَلْزَمُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْجِنَايَةُ. وَقَالَ زُفَرُ، وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، فِي عَبْدٍ أَمَرَ صَبِيًّا بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، فَعَلَى عَاقِلَةِ

الصَّبِيِّ الدِّيَةُ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِهَا عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْفَعْ الْعَبْدَ إلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ أَمَرَ حُرٌّ عَبْدَ غَيْرِهِ بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ صَبِيًّا أَجْنَبِيًّا فَقَتَلَ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ يُمَيِّزَانِ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ لَيْسَتْ عَلَيْهِمَا: عُوقِبَ الْآمِرُ وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ، وَالْقَاتِلُ هَاهُنَا هُوَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ، قَالَ: فَإِنْ كَانَا لَا يُمَيِّزَانِ ذَلِكَ فَعَلَى الْآمِرِ الْقَوَدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ؟ فَوَجَدْنَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ هِيَ أَقْوَالٌ مُتَخَاذِلَةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ سُفْيَانَ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا خَطَأً، لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ السَّيِّدِ يَأْمُرُ عَبْدَهُ بِقَتْلِ إنْسَانٍ فَيُنَفِّذُ أَمْرَهُ، فَجَعَلَ الْعَبْدَ هُوَ الْقَاتِلَ، وَلَمْ يَرَ السَّيِّدَ الْآمِرَ قَاتَلَا. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، فَدَاخِلَةٌ فِي أَقْوَالِ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَتَرَكْنَا أَنْ نَخُصَّهَا بِالذَّكَرِ اكْتِفَاءً بِكَلَامِنَا فِي تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى " لَا يُقْتَلُ الْآمِرُ وَلَا الْمَأْمُورُ " فَخَطَأٌ، لِأَنَّ هَاهُنَا قَتْلٌ عَمْدٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْقَوَدَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِلْقَتْلِ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ، فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ خَاصَّةً. وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا جَعَلَا الْآمِرَ هُوَ الْقَاتِلَ، فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَجَعَلُوا الْمَأْمُورَ آلَةً لَهُ مُصَرَّفَةً - هَذِهِ حُجَّتُهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدَّمُوهُ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ هَاهُنَا بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قِيَاسٌ - يَعْنِي قَوْلَ عَلِيٍّ: إنَّ الْمَأْمُورَ هُوَ كَسَيْفِ الْآمِرِ وَسَوْطِهِ. وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَرَأَيْت لَوْ أَرْسَلَ مَعَهُ هَدِيَّةً، مَنْ الْمُهْدِي لَهَا؟ ". وَهَذَا لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ، وَلَا هُوَ مِنْ الْقِيَاسِ، لَا فِي وِرْدٍ وَلَا فِي صَدْرٍ، لِأَنَّ

الْقِيَاسَ عِنْدَ جَمِيعِ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ لِمَسْكُوتٍ عَنْهُ بِحُكْمٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِحُكْمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِحُكْمٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَرُدَّ الْفَرْعَ إلَى الْأَصْلِ بِنَوْعٍ مِنْ الشَّبَهِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَصْلًا - فَبَطَلَ بِإِقْرَارِهِمْ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا، إذْ بِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ الْمَأْمُورَ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ السَّيْفِ، وَالسَّوْطِ، لِأَنَّ عَلِيًّا رَأَى عَلَى الْمَأْمُورِ السَّجْنَ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا سَجْنَ عَلَى السَّيْفِ، وَلَا السَّوْطِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلِيٌّ قَطُّ لِلْمَأْمُورِ بِالْحُكْمِ فِي السَّيْفِ، وَالسَّوْطِ، فَبَطَلَ الْإِيهَامُ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَرَأَيْت لَوْ أَهْدَى مَعَهُ هَدِيَّةً، مَنْ الَّذِي أَهْدَاهَا؟ " فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَمَا حُكْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَطُّ لِلْقَاتِلِ الْمَأْمُورِ بِمِثْلِ الْحُكْمِ فِي حَامِلِ الْهَدِيَّةِ، بَلْ الْحُكْمُ فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ حَامِلَ الْهَدِيَّةِ، وَمُهْدِيَهَا: يُشْكَرَانِ، وَالْآمِرُ، وَالْقَاتِلُ: يُقْتَلُ، وَيُلَامَانِ - وَهَذَا لَوْ كَانَ قِيَاسًا لَكَانَ قِيَاسًا لِلشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَلَوْ كَانَ قِيَاسًا لَا يُوجِبُ اتِّفَاقًا فِي الْحُكْمِ - وَهَذَا هُوَ تَرْكُ الْقِيَاسِ حَقًّا، وَإِنَّمَا هُوَ تَشْبِيهٌ فَقَطْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي كُنَّا فِيهَا فَنَقُولُ: إنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ، قَالَا جَمِيعًا: نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ آيَةَ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ - أَيْضًا - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُ «أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي زَنَيْت فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: هَلْ أَحْصَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» . وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ أَرَادَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَسْرُوقًا، فَقَالَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ: أَتَسْتَعْمِلُ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ مَسْرُوقٌ: حَدَّثَنَا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ أَبِيك قَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: النَّارُ، قَالَ مَسْرُوقٌ: فَرَضِيتُ لَكَ مَا جَعَلَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ: أَنَّ الْآمِرَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ [الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ] فَاعِلًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ - عَلَى حَسَبِ مَا جَاءَتْ بِهِ اللُّغَةُ - فَسَمَّى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ - مَنْ أَمَرَ بِرَجْمِ آخَرَ فَرَجَمَ - رَاجِمًا لِلْمَرْجُومِ. وَسَمَّى أَيْضًا نَفْسَهُ - رَاجِمًا - وَسَمَّى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاجِمًا - وَهُوَ لَمْ يَحْضُرْ رَجْمًا -: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا حَمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّهَاوِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْتُ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِهِ، فَلَمَّا مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ أَدْبَرَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرَارُهُ حِينَ مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ؟ فَقَالَ: فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ؟» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ - قَاطِعًا يَدَ السَّارِقِ - وَإِنَّمَا تَوَلَّى الْقَطْعَ غَيْرُهُ - وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَإِنَّمَا تَوَلَّى قَتْلَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَهَكَذَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجْمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُكِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُكِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ مَنْ أَمَرَ بِالْقَتْلِ وَكَانَ مُتَوَلِّي الْقَتْلِ مُطِيعًا لِلْآمِرِ مُنَفِّذًا لِأَمْرِهِ، وَلَوْلَا أَمْرُهُ إيَّاهُ لَمْ يَقْتُلْهُ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ - قَاتِلًا - وَقَاطِعًا - صَحَّ أَنَّهُمَا جَمِيعًا قَاتِلَانِ، وَقَاطِعَانِ، وَجَالِدَانِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا مَا عَلَى الْقَاتِلِ، وَالْقَاطِعِ، وَالْجَالِدِ، مِنْ الْقَوَدِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكْرِهُ، وَالْآمِرُ، وَالْمُنْطَاعُ - وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ لَا مَحِيدَ عَنْهُ.

مسألة الممسك للقتل

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَوَاءٌ أَمَرَ عَبْدَهُ، أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ بَالِغًا، أَوْ مَجْنُونًا - إذَا كَانَ مُتَوَلِّيَ الْقَتْلِ، أَوْ الْجِنَايَةِ بِالْقَطْعِ، أَوْ الْكَسْرِ، أَوْ الضَّرْبِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْآمِرِ - وَلَوْلَا أَمْرُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ - فَالْآمِرُ، وَالْمُبَاشِرُ: فَاعِلَانِ لِكُلِّ ذَلِكَ جَمِيعًا. وَأَمَّا إذَا أَمَرَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ طَاعَةً لِلْآمِرِ: فَالْمُبَاشِرُ وَحْدَهُ: الْقَاتِلُ، وَالْقَاطِعُ وَالْكَاسِرُ، وَالْفَاقِئُ، وَالْجَانِي: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَحْدَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَاهُنَا اسْمُ - قَاتِلٍ، وَلَا قَاطِعٍ، وَلَا جَالِدٍ، وَلَا كَاسِرٍ وَلَا فَاقِئٍ - وَإِنَّمَا الْأَحْكَامُ لِلْأَسْمَاءِ فَقَطْ. أَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَالْآمِرُ - هُوَ الْقَاتِلُ، الْقَاطِعُ، الْجَالِدُ، الْكَاسِرُ، الْفَاقِئُ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا مَنْ أَمَرَ عَبْدًا لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ حُرًّا، وَكَانُوا جُهَّالًا لَا يَدْرُونَ تَحْرِيمَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ: فَالْآمِرُ وَحْدَهُ هُوَ الْقَاتِلُ الْجَانِي فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَاهِلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِهِ عَبْدَهُ، وَبَيْنَ أَمْرِهِ غَيْرَهُ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَبَيْنَ أَمْرِ غَيْرِ السُّلْطَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا افْتَرَضَ طَاعَةَ السُّلْطَانِ وَطَاعَاتِ السَّادَاتِ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَرَّمَ طَاعَةَ الْمَخْلُوقِينَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ، فَإِذَا أُمِرَ أَحَدُكُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» . وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ أَمَرَ آخَرَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مُطِيعًا لِلْأَمْرِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ فَالْآمِرُ قَاتِلٌ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَمَا قُلْنَا فِي قَتْلِ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ - فَلَوْ أَمَرَهُ فَقَالَ: اُقْتُلْنِي، فَقَتَلَهُ مُؤْتَمِرًا لِأَمْرِهِ فَهُوَ أَيْضًا قَاتِلٌ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ] 2097 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ عَلَى الْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ قَوَدٌ؟ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ الْوَاقِفُ وَالْمُصَوِّبُ وَالدَّالُّ، وَالْمُتَّبِعُ وَالْبَاغِي؟

قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُؤَدَّبُ الْمُمْسِكُ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُسْجَنُ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ أَيْضًا. فَالْقَائِلُونَ بِحَبْسِهِ حَتَّى يَمُوتَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلَيْنِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا وَأَمْسَكَ الْآخَرُ، فَقَتَلَ الَّذِي قَتَلَ، وَقَالَ لِلَّذِي أَمْسَكَ: أَمْسَكْت لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أَحْبِسُك فِي السِّجْنِ حَتَّى تَمُوتَ. . وَالْقَوْلُ الثَّانِي - كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ الْمُمْسِكِ وَالْقَاتِلِ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّهْطِ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الرَّجُلِ فَيُمْسِكُونَهُ، فَيَفْقَأُ أَحَدُهُمْ عَيْنَيْهِ، أَوْ يَكْسِرُ رِجْلَيْهِ، أَوْ يَدَيْهِ، أَوْ أَسْنَانَهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْهُ: إنَّهُ يُقَادُ مِنْ الَّذِي يُبَاشِرُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَيُعَاقَبُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ أَمْسَكُوهُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً - فَإِنْ اسْتَحَبَّ الْمُصَابُ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ يَغْرَمُونَهَا جَمِيعًا سَوَاءً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقْتَلُ الْقَاتِلُ، وَيُعَاقَبُ الْمُمْسِكُ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ: الِاجْتِمَاعُ فِينَا عَلَى الْمَقْتُولِ هُوَ أَنْ يُمْسِكَ الرَّجُلُ وَيَضْرِبَهُ الْآخَرُ، فَهُمَا شَرِيكَانِ عِنْدَنَا فِي دَمِهِ: يُقْتَلَانِ جَمِيعًا. وَعَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّهْطِ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الرَّجُلِ فَيُمْسِكُونَهُ فَيَفْقَأُ أَحَدُهُمْ عَيْنَيْهِ، أَوْ يَكْسِرُ رِجْلَيْهِ؛ أَوْ يَدَيْهِ، أَوْ أَسْنَانَهُ، أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْهُ: أَنَّهُ يُقَادُ مِنْ الَّذِي بَاشَرَ، وَمِنْ الَّذِي أَمْسَكَ، يُقَادُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ فِي الْقَتْلِ إنْ أَمْسَكَهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ - فَقَتَلَهُ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا - وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْرِفَ صَوَابَ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ: فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِقَتْلِ الْمُمْسِكِ يَقُولُ: قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلْمُمْسِكِ أَصْلًا، وَنَعَمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ بَاشَرَ قَتْلَهُ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَوَجَبَ قَتْلُهُمْ وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّالِثُ - أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ عُمَرَ الَّتِي خَالَفُوهُ فِيهَا عَشْرَاتٍ: كَخُطْبَتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الضِّرْسِ جَمَلًا، وَفِي الضِّلْعِ جَمَلًا، وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلًا وَحُكْمِهِ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ بِثُلُثِ دِيَتِهَا كُلُّ ذَلِكَ عَنْهُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ، وَأَوْضَحِ بَيَانٍ. فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَخَطَبَ بِهِ، وَحَكَمَ بِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، لَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْهُمْ مُخَالِفٌ فِيهِ لَا يَكُونُ: حُجَّةً، وَيَكُونُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ: حُجَّةً. وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْمُمْسِكَ مُعِينٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَمَا جَاءَتْ قَطُّ سُنَّةٌ، وَلَا قُرْآنٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ: بِأَنَّ الْمُعِينَ يُقْتَلُ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعِرِّيهِ مِنْ الْحُجَجِ. ثُمَّ وَجَدْنَاهُ يُبْطِلُهُ الْبُرْهَانُ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَصَّ: عَلَى أَنْ «لَا يَحِلَّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ تَرَكَ دِينَهُ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا» وَالْمُمْسِكُ لَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ " قَاتِلًا ". ثُمَّ سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْمُمْسِكِ لِلْمَرْأَةِ حَتَّى يَزْنِيَ بِهَا غَيْرُهُ أَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَيُسَمَّى " زَانِيًا " أَمْ لَا؟ فَلَا خِلَافَ مِنْهُمْ فِي أَنَّهُ لَيْسَ " زَانِيًا " وَلَا يُسَمَّى " زَانِيًا " وَلَا عَلَيْهِ حَدُّ زِنًى - فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى الْمُمْسِكُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَا أَمْسَكَ لَهُ.

فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا قَاتِلِيهِ فَإِنَّهُ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا مُمْسِكُوهُ وَضَارِبُهُ قِيلَ لَهُمْ: هَذَا قَوْلٌ جَائِرٌ مُتَعَدٍّ، مُخْبِرٌ عَنْ نِيَّتِهِ فَقَطْ، لَا عَنْ اللُّغَةِ، وَلَا عَنْ الدِّيَانَةِ. وَبُرْهَانُ هَذَا: قَوْلُهُ فِي هَذَا الشِّعْرِ بَعْدَ هَذَا الْبَيْت: بَنِي هَاشِمٍ رُدُّوا سِلَاحَ ابْنِ أُخْتِكُمْ ... وَلَا تَنْهَبُوهُ لَا تَحِلَّ مَنَاهِبُهُ بَنِي هَاشِمٍ كَيْفَ الْهَوَادَةُ بَيْنَنَا ... وَعِنْدَ عَلِيٍّ دِرْعُهُ وَنَجَائِبُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا قَاتِلِيهِ فَإِنَّهُ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا قَاتَلُوهُ وَسَالِبُهُ هُمُو قَتَلُوهُ كَيْ يَكُونُوا مَكَانَهُ ... مَا غَدَرَتْ يَوْمًا بِكِسْرَى مَرَازِبُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَاشَ لِلَّهِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَلِيٍّ سَلَبُ عُثْمَانَ وَدِرْعُهُ وَنَجَائِبُهُ، كَمَا قَالَ الْوَلِيدُ الْكَاذِبُ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ قَتَلَ عُثْمَانَ لَأَنْ يَكُونَ مَكَانَهُ، أَوْ لِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، وَعَلِيٌّ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقْتُلَ عُثْمَانَ، وَعُثْمَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقْتُلَهُ عَلِيٌّ. ثُمَّ لَوْ احْتَجَجْنَا بِهَذَا الْبَيْتِ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا قَاتِلِيهِ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا مُمْسِكُوهُ وَضَارِبُهُ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُمْسِكِينَ لَيْسُوا قَاتِلِينَ، فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي غَيْرِهِ فَوَجَدْنَا الْمُمْسِكَ لَيْسَ قَاتِلًا، لَكِنَّهُ حَبَسَ إنْسَانًا حَتَّى مَاتَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] ، فَكَانَ الْمُمْسِكُ لِلْقَتْلِ سَبَبًا وَمُتَعَدِّيًا، فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، فَوَاجِبٌ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، فَيُمْسَكَ مَحْبُوسًا حَتَّى يَمُوتَ - وَبِهَذَا نَقُولُ. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ مُرْسَلٌ.

مسألة هل في قتل العمد كفارة أم لا

كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَجُلٍ يُمْسِكُهُ رَجُلٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ بِأَنْ يُقْتَلَ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسَ الْمُمْسِكُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ خَبَرًا أَثْبَته " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُحْبَسُ الصَّابِرُ لِلْمَوْتِ كَمَا حَبَسَ وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَفْرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ حُكْمِ الْحَابِسِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْقَاتِلِ: بَيَانٌ جَلِيٌّ. وَعَهِدْنَا بِالْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ - وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ، وَقَدْ خَالَفُوهُ، وَيُشَنِّعُونَ عَلَى مَنْ خَالَفَ قَوْلَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا] 2098 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ، كَمَا هِيَ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ: يُعْتِقُ رَقَبَةً أَوْ يَصُومُ شَهْرَيْنِ، وَيَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخَيْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَتُوبُ إلَيْهِ، وَيُكْثِرُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ؟ فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، فَوَجَدْنَاهُمَا لَا يَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا رَأَيَا ذَلِكَ وَاجِبًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَا لَمْ يَرَيَاهُ وَاجِبًا، فَأَيُّ مَعْنًى لِتَخْصِيصِهِمَا عِتْقَ رَقَبَةٍ، أَوْ صَوْمَ شَهْرَيْنِ دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الْبِرِّ مِنْ الْجِهَادِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّدَقَةِ.

وَإِنْ كَانَا رَأَيَاهُ وَاجِبًا، فَقَدْ خَيَّرَاهُ بَيْنَ الْعِتْقِ، وَالصَّوْمِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ، لِأَنَّ تِلْكَ مُرَتَّبَةٌ، وَهُمْ قَدْ خَيَّرُوهُ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ: بِمَا ثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا أَبِي نا ابْنُ الْمُبَارَكِ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ الْغَرِيفِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالُوا: إنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ؟ قَالَ: فَلِيُعْتِقْ رَقَبَةً يَفُكَّ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: وَأَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ - الْمُؤَذِّنُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عُلَيَّةَ قَالَ: كُنْت جَالِسًا بِأَرِيحَاءَ فَمَرَّ بِي وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ فَأَجْلَسَهُ، ثُمَّ جَاءَ إلَيَّ فَقَالَ: عَجِبْت مِمَّا حَدَّثَنِي الشَّيْخُ - يَعْنِي وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ - قُلْت: مَا حَدَّثَك؟ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، فَقَالُوا: إنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقْ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» . وَبِمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا الْحَسَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا إسْرَائِيلُ عَنْ النُّعْمَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي وَأَدْتُ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ اعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي صَاحِبُ إبِلٍ؟ قَالَ: فَانْحَرْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً» .

وَقَالُوا: لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ - وَلَا ذَنْبَ لَهُ - كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ، كَانَ الْعَامِدُ الْمُذْنِبُ أَحَقَّ بِالْكَفَّارَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ - فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْغَرِيفَ مَجْهُولٌ، وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيُّ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ نَسَبَ الْغَرِيفَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ فَقَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ: وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ أَحَدٌ يُسَمَّى عَيَّاشًا - وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَوْثَقُ وَأَضْبِطُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ: فَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا. وَإِنَّمَا فِيهِ - أَنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ؟ وَلَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ " أَوْجَبَ " بِمَعْنَى قَتَلَ عَمْدًا، فَصَارَ هَذَا التَّأْوِيلُ كَذِبًا مُجَرَّدًا، وَدَعْوَى عَلَى اللُّغَةِ لَا تُعْرَفُ. وَقَدْ يَكُون مَعْنَى " أَوْجَبَ " أَيْ أَوْجَبَ لِنَفْسِهِ النَّارَ بِكَثْرَةِ مَعَاصِيهِ، وَيَكُونُ مَعْنَى " قَدْ أَوْجَبَ " أَيْ قَدْ حَضَرَتْ مَنِيَّتُهُ فَقَدْ يُقَالُ: هَذَا أَوْجَبُ فُلَانٍ؟ بِمَعْنَى مَاتَ - فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ سُكُوتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ ذِكْرِ " الرَّقَبَةِ " أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً، وَعَنْ تَعْوِيضِ الشَّهْرَيْنِ: دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ إسْرَائِيلَ - وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ - وَكَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ -. وَأَيْضًا - فَكَانَ يَكُونُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ كَمَا كَانَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمَأْمُورُ بِهَذِهِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا أَصْلًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقَهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَطْرَدَ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ فِي قَوْلِهِمْ، فَقَدْ أَخْطَأَ مَعَهُمْ فِيهِ أَيْضًا، لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنْ لَا يُقَاسَ الشَّيْءُ إلَّا عَلَى نَظِيرِهِ، وَمَا يُشْبِهُهُ لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَمَا لَا يُشْبِهُهُ، فَالْخَطَأُ هَاهُنَا فِي قِيَاسِ الْعَمْدِ عَلَى الْخَطَأِ وَهُوَ ضِدُّهُ. وَأَخْطَئُوا - أَيْضًا - كُلُّهُمْ مَعَهُ فِي قِيَاسِهِمْ الْمُخْطِئَ فِي الصَّيْدِ يَقْتُلُهُ مُحْرِمًا عَلَى

الْمُحْرِمِ يَقْتُلُهُ عَامِدًا، فَقَاسُوا - أَيْضًا - هُنَالِكَ الْخَطَأَ عَلَى الْعَمْدِ، وَهُوَ ضِدُّهُ. وَأَخْطَئُوا - أَيْضًا - مَعَهُ كُلُّهُمْ فِي قِيَاسِهِمْ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا عَلَى تَرْكِهَا نِسْيَانًا. وَقَدْ شَارَكَهُمَا الشَّافِعِيُّ - أَيْضًا - فِي خَطَأٍ آخَرَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ: أَنْ لَا يُقَاسَ مُتَعَمِّدُ التَّسْلِيمِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا فِي إيجَابِ السَّجْدَتَيْنِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُسَلِّمِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا نِسْيَانًا فَهَذِهِ صِفَةُ الْقِيَاسِ، وَصِفَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي قِيَاسَاتِهِمْ كُلِّهَا: يَهْدِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَا حُجَّةَ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، وَقَالَ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ أَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ قَدْ كَمُلَ وَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ مَحْدُودَةٌ لَبَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا بَيَّنَ لَنَا الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. وَكَمَا بَيَّنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجُودَ الْقَوَدِ، أَوْ الدِّيَةِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، فِي ذَلِكَ. فَإِذْ لَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَوْجَبَهُ هُوَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَطُّ كَفَّارَةً مَحْدُودَةً فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، فَمَنْ اُبْتُلِيَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَقَدْ اُبْتُلِيَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ، وَتَرْكِ الصَّلَاةِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي خَلَاصِ نَفْسِهِ مِنْ النَّارِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ: الْعِتْقِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْجِهَادِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى - فَلَعَلَّهُ يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِمِقْدَارٍ يُوَازِي إسَاءَتَهُ فِي الْقَتْلِ، فَيَسْقُطَ عَنْهُ.

مسألة جارية أذهبت عذرة أخرى أو رجل فعل ذلك بجماع أو غيره

وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. [مَسْأَلَةٌ جَارِيَةٌ أَذْهَبَتْ عُذْرَةَ أُخْرَى أَوْ رَجُلٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ] 2099 - مَسْأَلَةٌ: جَارِيَةٌ أَذْهَبَتْ عُذْرَةَ أُخْرَى، أَوْ رَجُلٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِجِمَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ جَوَارِيَ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ كُنَّ يَتَزَاوَرْنَ، وَيَتَهَادَيْنَ، فَأُرِنَ، وَأَشَرْنَ، فَلَعِبْنَ الْأَخْرِقَةَ فَرَكِبَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى الْأُخْرَى، وَنَخَسَتْهَا الثَّالِثَةُ، فَوَقَعَتْ: فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا، فَسَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ، وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: الدِّيَةُ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ، وَتَبْقَى حِصَّتُهَا، لِأَنَّهَا أَعَانَتْ عَلَى نَفْسِهَا؟ فَكَتَبَ إلَى الْعِرَاقِ: فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: بُرِينَ مِنْ نَطْفِهَا إلَّا مَنْ نَخَسَتْهَا - وَقَالَ الشَّعْبِيُّ مِثْلَ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ - وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَهَا الْعُقْر. وَبِهِ - إلَى حَمَّادِ بْنِ دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ قَالَتْ إحْدَاهُنَّ: أَنَا الزَّوْجُ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى: أَنَا الزَّوْجَةُ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى: أَنَا الْأَبُ، فَنَخَسَتْ الَّتِي قَالَتْ: أَنَا الزَّوْجُ الَّتِي قَالَتْ: أَنَا الزَّوْجَةُ، فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا، فَقَضَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، بِالدِّيَةِ عَلَيْهِنَّ - وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَهَا الْعُقْرُ. وَبِهِ - إلَى حَمَّادٍ نا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ جَارِيَتَيْنِ دَخَلَتَا الْحَمَّامَ فَدَفَعَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: لَهَا عُقْرُهَا. وَبِهِ - إلَى حَمَّادٍ نا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً فَافْتَضَّهَا؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هِيَ جَائِفَةٌ، فَقَضَى لَهَا عُمَرُ بِثُلُثِ الدِّيَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ: فِي إحْدَاهُمَا - قَوْلُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - وَهُوَ صَاحِبٌ مِنْ قُضَاةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ. وَالْأُخْرَى - فِيهَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا. وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ:

مسألة التنافس

مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَلَا يُبَالُونَ بِهِ إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْمَرْأَةُ تُذْهِبُ عُذْرَةَ الْمَرْأَةِ بِنَخْسَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عُدْوَانٌ يُقْتَصُّ مِنْهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَقَدْ عَدِمَتْ مَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِيهِ، فَلَيْسَ إلَّا الْأَدَبُ؟ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» . فَصَحَّ وُجُوبُ الْقَوَدِ فِيمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَصَحَّ الْأَدَبُ بِالْيَدِ إنْكَارًا وَتَغْيِيرًا لِلْمُنْكَرِ فِيمَا عَجَزَ عَنْ الْقَوَدِ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا غَرَامَةَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لِأَنَّ الْأَمْوَالَ مَحْظُورَةٌ، فَلَا تَحِلُّ غَرَامَةٌ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعَ. وَكَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لِلْعُقْرِ هَاهُنَا، لِأَنَّ الْعُقْرَ هُوَ الْمَهْرُ، وَالْمَهْرُ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ لَا فِيمَا عَدَاهُ - وَبِاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ سَتَقَعُ وَتَكُونُ. وَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ فِي ذَلِكَ غَرَامَةٌ لَبَيَّنَهَا، وَلَمَا أَغْفَلَهَا، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ تَعَالَى ذَلِكَ فَمَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا غُرْمًا أَصْلًا - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ التَّنَافُسُ] 2100 - مَسْأَلَةٌ: التَّنَافُسُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِجَارِيَةٍ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ فَمَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَاقِفٍ عَلَى دَابَّةٍ، فَنَخَسَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ، فَرَفَعَتْ الدَّابَّةُ رِجْلَهَا فَلَمْ تُخْطِئْ عَيْنَ الْجَارِيَةِ، فَرُفِعَ إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ، فَضَمَّنَ الرَّاكِبَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: عَلَى الرَّجُلِ، إنَّمَا يَضْمَن النَّاخِسُ.

مسألة قتل إنسانا يجود بنفسه للموت

عَنْ شُرَيْحٍ: يَضْمَنُهَا النَّاخِسُ - وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفُوا فِيهَا كَمَا تَرَى: سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ ضَمَّنَ الرَّاكِبَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ضَمَّنَ النَّاخِسَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: النَّاخِسُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِتَحْرِيكِ الدَّابَّةِ، فَهُوَ ضَامِنٌ مَا أَصَابَتْ، فَفِي الْمَالِ الضَّمَانُ. وَأَمَّا فِي الرَّجُلِ - فَإِنْ كَانَ قَصَدَ إلَى تَحْرِيكِهَا لِتَضْرِبَ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ، أَوْ بَعْضَ جَمَاعَةٍ عَلِمَ بِهَا النَّاخِسُ: فَهُوَ قَاتِلٌ عَمْدٌ، وَجَانٍ، عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ - وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَنَّ هُنَالِكَ أَحَدًا: فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَتَلَ إنْسَانًا يَجُودُ بِنَفْسِهِ لِلْمَوْتِ] 2101 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَتَلَ إنْسَانًا يَجُودُ بِنَفْسِهِ لِلْمَوْتِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ نا زُهَيْرٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا قَدْ ذَهَبَتْ الرُّوحُ مِنْ نِصْفِ جَسَدِهِ؟ قَالَ: يَضْمَنُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ مَنْ قَرُبَتْ نَفْسُهُ مِنْ الزَّهُوقِ بِعِلَّةٍ، أَوْ بِجِرَاحَةٍ، أَوْ بِجِنَايَةٍ بِعَمْدٍ، أَوْ خَطَأٍ، فَمَاتَ لَهُ مَيِّتٌ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ - وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْأَحْرَارِ - وَأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْكَلَامِ فَأَسْلَمَ - وَكَانَ كَافِرًا - وَهُوَ يُمَيِّزُ بَعْدُ - فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ أَهْلُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ إنْ عَايَنَ وَشَخَّصَ وَلَوْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ إلَّا نَفَسٌ وَاحِدُ، فَمَاتَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ، وَيَرِثُهَا عَنْهُ وَرَثَتُهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ حَيٌّ بَعْدُ بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِمْ، فِي أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَسَمِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، وَكُنَّا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ إعْجَالَ مَوْتِهِ وَغَمِّهِ، وَمَنْعَهُ النَّفَسَ: فَبِيَقِينٍ وَضَرُورَةٍ نَدْرِي أَنَّ قَاتِلَهُ قَاتِلُ نَفْسٍ بِلَا شَكٍّ، فَمَنْ قَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَمْدًا: فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ عَمْدًا، وَمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً - وَعَلَى الْعَامِدِ: الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، وَعَلَى الْمُخْطِئِ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ فِي أَعْضَائِهِ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة هل للولي عفو في قتل الغيلة أو الحرابة

[مَسْأَلَةٌ هَلْ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ أَوْ الْحِرَابَةِ] مَسْأَلَةٌ: هَلْ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ، أَوْ الْحِرَابَةِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا عَفْوَ فِي ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ نا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ: إذَا بُلِّغَ الْإِمَامُ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ، وَرَأَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي قَاتِلِ الْحِرَابَةِ حَتَّى إنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ لِوَلِيِّهِ مَا لِوَلِيِّ غَيْرِهِ مِنْ الْقَتْلِ، أَوْ الْعَفْوِ، أَوْ الدِّيَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ: أَنَّ عُرْوَةَ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ خَنَقَ صَبِيًّا عَلَى أَوْضَاحٍ لَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، فَوَجَدُوهُ وَالْحَبْلُ فِي يَدِهِ، فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ: أَنْ ادْفَعُوهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الصَّبِيِّ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَطَأِ؟ فَوَجَدْنَا الْقَائِلِينَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ فِي ذَلِكَ يَحْتَجُّونَ: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي الْقَلِيبِ، وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخِذَ وَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامٌ نا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَتْ قَدْ رُضَّ رَأْسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكَ؟ فُلَانٌ، فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُضُّوا رَأْسَهُ بِالْحِجَارَةِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ " فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِلَ أَعْيُنُهُمْ، ثُمَّ نُبِذُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا. وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا الْحُسَيْنُ بْنُ يَعْقُوبَ نا سَعْدُ بْنُ فَلْحُونٍ نا يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْمَعَافِرِيُّ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ حَبِيبٍ الْهُذَلِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ كَتَبَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَدَا عَلَى دِهْقَانٍ فَقَتَلَهُ عَلَى مَالِهِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُثْمَانُ: أَنْ اُقْتُلْهُ بِهِ - فَإِنَّ هَذَا قَتَلَ غِيلَةً عَلَى الْحِرَابَةِ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا فِي زَمَانِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَتَلَ نَبَطِيًّا بِذِي حُمَيْتٍ عَلَى مَالٍ مَعَهُ، فَرَأَيْت أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ أَمَرَ بِالْمُسْلِمِ فَقُتِلَ بِالنَّبَطِيِّ، لِقَتْلِهِ إيَّاهُ غِيلَةً فَرَأَيْته حَتَّى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ، إذْ قَتَلَ مُسْلِمًا بِنَصْرَانِيٍّ قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةً. قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالُوا: هَذَا رَسُولٌ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَتَلَ الْيَهُودِيَّ، وَلَمْ يَجْعَل ذَلِكَ خِيَارًا لِأَوْلِيَاءِ الْجَارِيَةِ. وَكَذَلِكَ قَتَلَ الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا الرِّعَاءَ قَتْلَ حِرَابَةٍ وَغِيلَةٍ - وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ فِي ذَلِكَ خِيَارًا لِأَوْلِيَاءِ الرِّعَاءِ. قَالُوا: وَهَذَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ قَتَلَ الْمُسْلِمَ بِالْكَافِرِ، إذْ قَتَلَهُ غِيلَةً، وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ خِيَارًا لِوَلِيِّهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ إلَّا هَذَا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا حَدِيثُ الْيَهُودِيِّ الَّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ عَلَى أَوْضَاحِهَا فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُشَاوِرْ وَلِيَّهَا، وَلَا أَنَّهُ شَاوَرَهُ، وَلَا أَنَّهُ قَالَ " اخْتَرْ " لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الْغِيلَةِ، أَوْ الْحِرَابَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْسِبَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَيَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. فَكَيْفَ وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ قَاتِلَ الْغِيلَةِ، أَوْ الْحِرَابَةِ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُقْتَلَ رَضْخًا فِي الرَّأْسِ بِالْحِجَارَةِ، وَلَا رَجْمًا، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ. فَصَحَّ يَقِينًا إذْ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضْخًا بِالْحِجَارَةِ أَنَّهُ إنَّمَا قَتَلَهُ قَوَدًا بِالْحِجَارَةِ وَإِذْ قَتَلَهُ قَوَدًا بِهَا، فَحُكْمُ قَتْلِ الْقَوَدِ أَنْ يَكُونَ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ، أَوْ الْعَفْوِ لِلْوَلِيِّ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ» إلَى آخِرِهِ. فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَضُمَّ هَذَا الْحُكْمَ إلَى هَذَا الْخَبَرِ وَلَيْسَ سُكُوتُ الرُّوَاةِ عَنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ وَلِيَّهَا بِمُسْقِطٍ مَا أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَتْلِ مِنْ تَخْيِيرِ وَلِيِّهِ، بَلْ بِلَا شَكٍّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُخَالِفْ مَا أَمَرَ بِهِ، وَلَا يَخْلُو هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبُولِ الزِّيَادَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي سَائِرِ النُّصُوصِ أَصْلًا - وَلَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ تَخْصِيصًا أَوْ نَسْخًا لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَيْضًا، لِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ - سَوَاءٌ سَوَاءٌ - مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُشَاوِرْ أَوْلِيَاءَ الرِّعَاءِ - إنْ كَانَ لَهُمْ أَوْلِيَاءُ - وَلَا أَنَّهُ قَالَ: لَا خِيَارَ فِي هَذَا لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ وَلَا لَنَا بِهَذَا الْخَبَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَاصَّةً - فَوَجَبَ عَلَيْنَا طَلَبُ حُكْمِهَا بِمَوْضِعٍ آخَرَ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ نا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: «أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرِّعَاءَ، وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَسَاقُوا ذَوْدَ

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَؤُلَاءِ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَالْمَالِكِيُّونَ هُمْ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَنَا هَذِهِ الْقِتْلَةَ أَصْلًا. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُرْتَدِّ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ الْقَتْلُ أَوْ التَّرْكُ، إنْ تَابَ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ اسْتِتَابَتِهِ أَلْبَتَّةَ، فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ - فَضَعِيفَةٌ جِدًّا - لِأَنَّهَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ سَاقِطُ الرِّوَايَةِ جِدًّا - ثُمَّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ - وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ. وَأَيْضًا - فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَصَحَّ مِنْ هَذَا السَّنَدِ؟ كَقَضَائِهِ فِي ثُلُثِ الدِّيَةِ فِيمَنْ ضَرَبَ آخَرَ حَتَّى سَلَحَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ الدِّمَاءِ، وَلَا يَكُونُ مَا صَحَّ عَنْهُ حُجَّةً فِي غَيْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْخَبَرَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَبِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْأَنْصَارِيَّةِ وَلِيٌّ صَغِيرٌ لَا خِيَارَ لَهُ؟ فَاخْتَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْقَوَدَ - هَذَا لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُخَيِّرْ الْوَلِيَّ فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَبَدًا. وَكَذَلِكَ الرِّعَاءُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا غُرَبَاءَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى، وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ، فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178]

مسألة خلع الجاني

فَعَمَّ تَعَالَى كُلَّ قَتْلٍ، كَمَا ذَكَرَ تَعَالَى، وَجَعَلَ الْعَفْوَ فِي ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ. وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ» فَذَكَرَ الدِّيَةَ، أَوْ الْقَوَدَ، أَوْ الْمُفَادَاةَ - وَالدِّيَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ بِلَا شَكٍّ، فَعَمّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَخُصَّ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ قَتْلَ غِيلَةٍ، أَوْ حِرَابَةٍ، لَمَا أَغْفَلَهُ وَلَا أَهْمَلَهُ وَلَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَدَّ الْحِرَابَةَ {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] ، فَلَا تَخْلُو هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ، أَوْ التَّخْيِيرِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا " وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ - وَهُوَ قَوْلُهُمْ - فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدْعُونَهُ مِنْ أَنَّ قَاتِلَ الْحِرَابَةِ، وَالْغِيلَةِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ - فَخَرَجَ قَوْلُهُمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَلَّقٌ، أَوْ سَبَبٌ يَصِحُّ، فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ خَلْعُ الْجَانِي] 2103 - مَسْأَلَةٌ: خَلْعُ الْجَانِي؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا أَبُو بِشْرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَسَدِيُّ نا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ - مِنْ آلِ أَبِي قِلَابَةَ - نا أَبُو قِلَابَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَمَعَ النَّاسَ - وَفِيهِمْ أَبُو قِلَابَةَ - فَذَكَرَ حَدِيثًا - وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا قِلَابَةَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَقَدْ كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعَتْ خَلِيعًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ الْيَمَنِ بِالْبَطْحَاءِ فَانْتَبَهَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ فَأَخَذُوا الْيَمَانِيَّ فَرَفَعُوهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَوْسِمِ، وَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا، فَقَالَ: إنَّهُمْ قَدْ خَلَعُوهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوهُ، فَأَقْسَمَ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ الشَّامِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقْسِمَ، فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ رَجُلًا آخَرَ، فَدَفَعَهُ عُمَرُ إلَى أَخِي الْمَقْتُولِ فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ - قَالَ: فَانْطَلَقَا وَالْخَمْسُونَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِنَخْلَةٍ أَخَذَتْهُمْ السَّمَاءُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْهَدَمَ الْغَارُ عَلَى الْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا، فَمَاتُوا جَمِيعًا، وَأَفْلَتَ الْقَرِينَانِ،

مسألة استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات

فَاتَّبَعَهُمَا حَجَرٌ فَكَسَرَ رِجْلَ أَخِي الْمَقْتُولِ، فَعَاشَ حَوْلًا ثُمَّ مَاتَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: خَلَعَ قَوْمٌ مِنْ هُذَيْلٍ سَارِقًا لَهُمْ كَانَ يَسْرِقُ الْحَجِيجَ، فَقَالُوا: قَدْ خَلَعْنَاهُ، فَمَنْ وَجَدَهُ بِسَرِقَةٍ فَدَمُهُ هَدَرٌ؟ فَوَجَدَتْهُ رُفْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَسْرِقُهُمْ فَقَتَلُوهُ، فَجَاءَ قَوْمُهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَحَلَفُوا: بِاَللَّهِ مَا خَلَعْنَاهُ، وَلَقَدْ كَذَبَ النَّاسُ عَلَيْنَا، فَأَحْلَفَهُمْ عُمَرُ خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ أَخَذَ عُمَرُ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ الرُّفْقَةِ فَقَالَ: أَقْرِنُوا هَذَا إلَى أَحَدِكُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ دِيَةَ صَاحِبِكُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا دَنَوَا مِنْ أَرْضِهِمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ شَدِيدٌ وَاسْتَتَرُوا بِجَبَلٍ طَوِيلٍ وَقَدْ أَمْسَوْا فَلَمَّا نَزَلُوا كُلُّهُمْ انْقَضَّ عَلَيْهِمْ الْجَبَلُ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَا مِنْ رُكَّابِهِمْ إلَّا الشَّرِيدَ، وَصَاحِبَهُ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِمَا لَقِيَ قَوْمُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَعَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ - إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ - وَيَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ، وَلَا نَكِيرَ مِنْ أَحَدِهِمْ، فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يُجِيزُوا خَلْعَ عَشِيرَةِ الرَّجُلِ لَهُ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ طَلَبٌ بِدَمِهِ إنْ قُتِلَ - وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ أَصْلًا - فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ هَذَا الْأَصْلِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ إجَازَةُ خَلْعٍ، فَالْخَلْعُ بَاطِلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، فَكُلُّ جَانٍ بِعَمْدٍ فَلَيْسَ عَلَى عَشِيرَتِهِ مِنْ جِنَايَتِهِ تَبِعَةٌ، وَكُلُّ جَانٍ بِخَطَأٍ فَكَذَلِكَ، إلَّا مَا أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتَسْقَى قَوْمًا فَلَمْ يَسْقُوهُ حَتَّى مَاتَ] 2104 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ اسْتَسْقَى قَوْمًا فَلَمْ يَسْقُوهُ حَتَّى مَاتَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا اسْتَسْقَى عَلَى بَابِ قَوْمٍ؟ فَأَبَوْا أَنْ يَسْقُوهُ، فَأَدْرَكَهُ الْعَطَشُ فَمَاتَ، فَضَمَّنَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ دِيَتِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - هُوَ أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَسْقُوهُ إنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ أَلْبَتَّةَ إلَّا عِنْدَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهُ أَصْلًا حَتَّى

مسألة دية الكلب

يَمُوتَ، فَهُمْ قَتَلُوهُ عَمْدًا وَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ بِأَنْ يُمْنَعُوا الْمَاءَ حَتَّى يَمُوتُوا - كَثُرُوا أَوْ قَلُّوا - وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِأَمْرِهِ، وَلَا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَسْقِيَهُ، فَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيُقَدِّرُونَ أَنَّهُ سَيُدْرِكُ الْمَاءَ، فَهُمْ قَتَلَةُ خَطَأٍ، وَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ الدِّيَةُ وَلَا بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] ، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ - فِي الْعَالَمِ - أَنَّ مَنْ اسْتَقَاهُ مُسْلِمٌ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَسْقِيَهُ - فَتَعَمَّدَ أَنْ لَا يَسْقِيَهُ إلَى أَنْ مَاتَ عَطَشًا فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَدَى عَلَيْهِ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، وَإِذَا اعْتَدَى فَوَاجِبٌ - بِنَصِّ الْقُرْآنِ - أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْمُعْتَدِي بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ - فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَهُ، إذْ مَنَعَهُ مَا لَا حَيَاةَ لَهُ إلَّا بِهِ، فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَكَذَا الْقَوْلُ، فِي الْجَائِعِ، وَالْعَارِي، وَلَا فَرْقَ - وَكُلُّ ذَلِكَ عُدْوَانٌ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ اتَّبَعَهُ سَبْعٌ فَلَمْ يُؤْوِهِ حَتَّى أَكَلَهُ السَّبْعُ، لِأَنَّ السَّبْعَ هُوَ الْقَاتِلُ لَهُ، وَلَمْ يَمُتْ فِي جِنَايَتِهِمْ، وَلَا مِمَّا تَوَلَّدَ مِنْ جِنَايَتِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ تَرَكُوهُ فَأَخَذَهُ السَّبْعُ - وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى إنْقَاذِهِ - فَهُمْ قَتَلَةُ عَمْدٍ، إذْ لَمْ يَمُتْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا مِنْ فِعْلِهِمْ - وَهَذَا كَمَنْ أَدْخَلُوهُ فِي بَيْتٍ وَمَنَعُوهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَا فَرْقَ وَهَذَا كُلُّهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ دِيَةُ الْكَلْبِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَافِظُ النَّيْسَابُورِيُّ فِي دَارِهِ بِالْأَهْوَازِ

نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْمُقْرِئُ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ نا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - قَالَ لِي قُتَيْبَةُ: نا هُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ - هُوَ ابْنُ جَسَّاسٍ - أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو: قَضَى فِي كَلْبِ الصَّيْدِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَسَّاسٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مَا عَقْلُ كَلْبِ الصَّيْدِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، قَالَ: فَمَا عَقْلُ كَلْبِ الْغَنَمِ؟ قَالَ شَاةٌ مِنْ الْغَنَمِ، قَالَ: فَمَا عَقْلُ كَلْبِ الزَّرْعِ؟ قَالَ: فَرَقٌ مِنْ الزَّرْعِ قَالَ: فَمَا عَقْلُ كَلْبِ الدَّارِ؟ قَالَ: فَرَقٌ مِنْ تُرَابٍ حَقٌّ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، وَحَقٌّ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يَقْبَلَهُ، وَهُوَ يُنْقِصُ مِنْ الْأَجْرِ - وَفِي الْكَلْبِ الَّذِي يَنْبَحُ، وَلَا يَمْنَعُ زَرْعًا، وَلَا دَارًا - إنْ طَلَبَهُ صَاحِبُهُ؟ فَفِرْقٌ مِنْ تُرَابٍ، وَاَللَّهِ إنَّا لَنَجِدُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّه تَعَالَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا حُكْمُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُخَالِفٌ إلَّا فِي الصَّائِدِ خَاصَّةً لَا فِيمَا سِوَاهُ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ كَلْبًا لِصَيْدٍ لَا يُعْرَفُ مِثْلُهُ فِي الْكِلَابِ، فَقُوِّمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَلْزَمَهُ عُثْمَانُ تِلْكَ الْقِيمَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَقِيَ كَلْبُ الْغَنَمِ، وَكَلْبُ الزَّرْعِ، وَكَلْبُ الدَّارِ، لَا نَعْرِفُ مُخَالِفًا فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا سِيَّمَا مِثْلُ هَذَا، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَمَا تَرَى بِلَا مَئُونَةٍ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَلَيْسَ فِي الْكَلْبِ إلَّا كَلْبٌ مِثْلُهُ، قَالَ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ ذَا نُقْطَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَصْلًا، وَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَتَلَهُ.

مسألة إقالة ذي الهيئة عثرته

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ كَلْبًا لَا يُغْنِي زَرْعًا، وَلَا ضَرْعًا، وَلَا صَيْدًا، فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّ هَذَيْنِ يُنْهَى عَنْ اتِّخَاذِهِمَا جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إقَالَةُ ذِي الْهَيْئَةِ عَثْرَتَهُ] 2106 - مَسْأَلَةٌ: إقَالَةُ ذِي الْهَيْئَةِ عَثْرَتَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْعُقَيْلِيُّ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا الْعَطَّافُ ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» . نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكِسَائِيُّ النَّحْوِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّرِيُّ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قِيرَاطٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نا عُثْمَانُ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» . قَالَ عَلِيٌّ: عَنْ الْعُقَيْلِيُّ - لَا يَصِحُّ فِي هَذَا شَيْءٌ، وَالْعَطَّافُ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولٌ ضَعِيفٌ - وَكَذَلِكَ الْإِسْنَادُ الْآخَرُ أَيْضًا ضَعِيفٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ حَدٍّ، وَلَا قِصَاصٍ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فَإِذَا كَانُوا إخْوَةً فَهُمْ نُظَرَاءُ فِي الْحُكْمِ كُلِّهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا هُمْ كَذَلِكَ بَنُو إسْرَائِيلَ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا خَلَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ صَحَّ هَذَا - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - لَكَانَ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْعَثْرَةِ تَكُونُ مِمَّا لَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَا حُكْمًا فِي قَوَدٍ، أَوْ قِصَاصٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة قوم أقر كل واحد منهم بقتل قتيل وبرأ أصحابه

[مَسْأَلَةٌ قَوْمٌ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَتْلِ قَتِيلٍ وَبَرَّأَ أَصْحَابَهُ] ُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ اُتُّهِمَ بِقَتْلِهِ رَجُلَانِ أَخَوَانِ فَخَافَ أَبُوهُمَا أَنْ يُقْتَلَا، فَقَالَ أَبُوهُمَا: أَنَا قَتَلْته؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ: أَنَا قَتَلَتْهُ؟ وَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي ذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَيَحْلِفُونَ قَسَامَةَ الدَّمِ عَلَى أَحَدِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَسْنَا نَقُولُ هَذَا، بَلْ نَقُولُ: إنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ إنْ صَدَّقُوهُمْ كُلَّهُمْ فَلَهُمْ الْقَوَدُ مِنْ جَمِيعِهِمْ، أَوْ مِمَّنْ شَاءُوا، وَلَهُمْ الدِّيَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا أَوْ الْمُفَادَاةُ فَإِنْ كَذَّبُوا بَعْضَهُمْ وَصَدَّقُوا بَعْضَهُمْ فَلَهُمْ عَلَى مَنْ صَدَّقُوهُ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، وَقَدْ بَرِئَ مَنْ كَذَّبُوهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ إذَا صَدَّقُوهُمْ كُلَّهُمْ فَقَدْ صَحَّ لَهُمْ حَقُّ الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ، بِإِقْرَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَكُلُّ حَقٍّ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ، وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْحَقِّ، إذْ إنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا أَنْكَرَ لَا الْمُدَّعِي، فَلَا يَجُوزُ هَاهُنَا تَحْلِيفُ مَنْ صُدِّقَتْ دَعْوَاهُ. وَأَمَّا إذَا كَذَّبُوا مِنْهُمْ بَعْضًا فَقَدْ بَرَّءُوا مَنْ أَكْذَبُوهُ وَسَقَطَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمَقَرُّ لَهُ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَذَّبُوهُمْ كُلَّهُمْ فَقَدْ بَرِئَ الْمُقِرُّونَ وَبَطَلَ إقْرَارُهُمْ، إذْ قَدْ أَسْقَطَ الْمَقَرُّ لَهُمْ حَقَّهُمْ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَوْلُ الْمُقِرِّ: أَنَا وَحْدِي قَتَلْت فُلَانًا وَلَمْ يَقْتُلْهُ هَذَا مَعِي، وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ لِتَبْرِئَتِهِ إيَّاهُ، وَمُقِرٌّ بِقَتْلِ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ تَامٌّ، وَتَكُونُ تَبْرِئَتُهُ لِمَنْ أَبْرَأَ بَاطِلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَدْلًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ عَدْلًا لَمَا جَازَ هَاهُنَا قَبُولُ شَهَادَتِهِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ فِي الْإِيجَابِ لَا فِي النَّفْيِ. وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ رَجُلًا لَوْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ مَالًا أَوْ حَقًّا فَشَهِدَ لَهُ عُدُولٌ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَهُ لَكَانَتْ شَهَادَتُهُ فَاسِدَةً لَا تُقْبَلُ، وَلَا تُبَرِّئُ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهَا إلَّا بِأَنْ

مسألة إخراج شيء في طريق المسلمين

يَزِيدُوا فِي شَهَادَتِهِمْ إيجَابًا، مِثْلَ أَنْ يَقُولُوا: وَذَلِكَ أَنَّنَا نَدْرِي أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ، أَوْ قَدْ أَدَّاهُ إلَيْهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ إخْرَاجُ شَيْءٍ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ] 2108 - مَسْأَلَةٌ: الْخَشَبَةُ تَخْرُجُ مِنْ الْحَائِطِ - وَالْقَصَّارُ يَنْضَحُ - وَالْقَصَّابُ كَذَلِكَ - وَإِخْرَاجُ شَيْءٍ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّحَى، وَالْخُفَّانِ، وَالنَّعْلَانِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهِ، وَالْقِنْدِيلُ، وَظِلَالُ السُّوقِ، وَمَنْ رَشَّ أَمَامَ بَابِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إذَا أَخْرَجَ الرَّجُلُ الصَّلَايَةَ أَوْ الْخَشَبَةَ، فِي حَائِطِهِ ضَمِنَ. وَعَنْ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ بُورِيَّ السُّوقِ وَعَمُودَهُ. وَعَنْ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: إذَا نَضَحَ الْقَصَّارُ، أَوْ الْقَصَّابُ ضَمِنَ. وَعَنْ الْحَسَنِ أَبِي مُسَافِرٍ قَالَ: إنَّ كَنِيفًا وَقَعَ عَلَى صَبِيٍّ فَقَتَلَهُ أَوْ جَرَحَهُ؟ قَالَ شُرَيْحٌ: لَوْ أُتِيتُ بِهِ لَضَمَّنْتُهُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَخْرَجَ صَلَايَةً فِي حَائِطِهِ فَمَزَّقَتْ مَزَادَةً مِنْ أُدْمٍ؟ فَضَمَّنَهُ شُرَيْحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ أَخْرَجَ رَحًى مِنْ رُكْنِ دَارِهِ فَعَقَرَتْ رَجُلًا ضَمِنَ. وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شُرَيْحٍ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ فَرَضَ غَوْرًا ضَمِنَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: ضَمَّنَ شُرَيْحٌ الْبَادِيَ، وَظِلَالَ أَهْلِ السُّوقِ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِمْ، وَضَمَّنَ أَهْلَ الْعَمُودِ. وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ وَصَبَّ مَاءَهُ فِي الطَّرِيقِ؟ قَالَ حَمَّادٌ: يُضَمَّنُ - وَقَالَ الْحَكَمُ: لَا يُضَمَّنُ.

وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ فِي الرَّجُلِ السُّوقِيِّ يَنْضَحُ بَيْنَ يَدِي بَابِهِ مَاءً فَيَمُرُّ بِهِ إنْسَانٌ فَيُزْلَقُ؟ قَالَ حَمَّادٌ: يَضْمَنُ - وَقَالَ الْحَكَمُ: لَا يَضْمَنُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَنْ أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ حَدَثًا مِنْ نَضْحٍ، أَوْ مَاءٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ شَيْئًا أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِهِ فِي الطَّرِيقِ مِنْ ظُلَّةٍ، أَوْ جَنَاحٍ: فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَطِبَ فِيهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: مَنْ أَخْرَجَ كَنِيفًا أَوْ جِذْعًا إلَى الطَّرِيقِ فَأَعْنَتَ أَحَدًا ضَمِنَ ذَلِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: إنْ أَخْرَجَ عُودًا، أَوْ حَجَرًا، أَوْ خَشَبَةً، مِنْ جِدَارِهِ، فَمَرَّ بِهِ إنْسَانٌ فَجَرَحَهُ، أَوْ قَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ مِنْ صَنِيعِ النَّاسِ ضَمِنَ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاضِعُ الْحَجَرِ فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا ضَامِنٌ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، فَلَهُمْ هَاهُنَا أَقْوَالٌ طَرِيفَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمِنْهَا - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَعَدَ فِي مَسْجِدٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ، فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ ضَمِنَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: مَنْ أَخْرَجَ مِنْ دَارِهِ مِيزَابًا فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْحَائِطِ ضَمِنَ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَهِلَ مَا أَصَابَهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ - وَلَكِنْ قَالُوا: نَدْعُ الْقِيَاسَ وَنَسْتَحْسِنُ فَنُضَمِّنُهُ. وَإِنْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ حَجَرًا ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ. قَالُوا: فَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى شَيْءٍ يُحْدِثُهُ فِي فِنَائِهِ، فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ، الْمُسْتَأْجِرُ - فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفُرَ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ، فَإِنَّ الضَّامِنَ لِمَا يُتْلَفُ بِذَلِكَ الْأَجِيرُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمْ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ. فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّضْمِينِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

مسألة الحائط يقع فيتلف نفسا أو مالا

عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخْرَجَ مِنْ حَدِّهِ شَيْئًا فَأَصَابَ إنْسَانًا فَهُوَ ضَامِنٌ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الصَّائِغُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَخْرَجَ عَنْ حَدِّهِ شَيْئًا فَأَصَابَ بِهِ إنْسَانًا فَهُوَ ضَامِنٌ» . وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَا شَيْءَ: أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَالْمُرْسَلُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ أَحَدٌ إلَّا حَمَّادُ بْنُ مَالِكٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، قَالَهُ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَبَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ - وَكِلَاهُمَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ - ثُمَّ عَنْ الْحَكَمِ، وَمُجَاهِدٍ - وَكِلَاهُمَا لَمْ يُدْرِكْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - فَسَقَطَ الْخَبَرُ جُمْلَةً، إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَشُرَيْحٍ، وَحَمَّادٍ، وَقَوْلٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ - وَقَدْ صَحَّ عَنْ الْحَكَمِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُضَمِّنِينَ حُجَّةٌ أَصْلًا - وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ، فَلَا يَحِلُّ إلْزَامُ أَحَدٍ غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْحَائِطُ يَقَعُ فَيُتْلِفُ نَفْسًا أَوْ مَالًا] 2109 - مَسْأَلَةٌ: الْحَائِطُ يَقَعُ فَيُتْلِفُ نَفْسًا أَوْ مَالًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ فِي الْحَائِطِ إذَا كَانَ مَائِلًا، قَالَ: إنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ ضَمِنَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْجِدَار إذَا كَانَ مَائِلًا إذَا شَهِدُوا عَلَى صَاحِبِهِ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ شُرَيْحٍ فِي الْجِدَارِ الْمَائِلِ. وَقَالَ آخَرُونَ غَيْرَ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ

أَخْبَرَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ مَالَ جِدَارٌ لِجَارِهِ، أَوْ انْصَدَعَ، فَقَالَ لَهُ: اكْسِرْ جِدَارَك هَذَا فَإِنَّا نَخَافُهُ؟ فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ الْجِدَارَ سَقَطَ فَقَتَلَ عَبْدَ الَّذِي نَهَاهُ، أَوْ حُرًّا مِنْ أَهْلِهِ؟ قَالَ: لَا نَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقَدْ فَرَّطَ وَأَسَاءَ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: إنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْجِدَارِ بِمَيْلِهِ وَضَعْفِهِ فَتَرَكَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَضْمَنْ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ لَمْ يُشْهِدُوا عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَدِلًا - وَهُوَ مَشْقُوقٌ - لَمْ يُجْبَرْ عَلَى نَقْضِهِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: يَضْمَنُ مَا أَصَابَ جِدَارُهُ - أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَذَا ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ - أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَنَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَحُكْمِ تَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمَا مُتَعَلَّقًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا نَظَرٍ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّنَا قَدْ أَوْرَدْنَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الطَّوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ كَثِيرًا جِدًّا، فَكَيْفَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ التَّابِعِينَ؟ وَقَدْ أَوْرَدْنَا آنِفًا قَوْلَ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ - مَعَ أَنَّ الْقَوْمَ بِزَعْمِهِمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ؟ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ وَضَعَ دَابَّةً فِي مِلْكِهِ فَخَرَجَتْ فَقَتَلَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ - أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ - فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْجِدَارِ يَنْهَدِمُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ؟ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ وَظَهَرَ فَسَادُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الجرة توضع إلى باب أو إنسان يستند إلى باب فيفتح الباب فاتح فيقع الإنسان فيموت

وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ ضَمَّنَ مَا أَصَابَ الْجِدَارُ - أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ - أَوْ قَوْلُ مَنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ مَا أَصَابَ - أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ - إذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْإِشْهَادِ وَغَيْرِ الْإِشْهَادِ: لَا مَعْنَى لَهُ أَلْبَتَّةَ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا صَاحِبَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ لَا يُسَمَّى " قَاتِلًا " لِمَنْ قَتَلَهُ الْجِدَارُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ؟ وَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا بِأَقْصَى الْمَشْرِقِ وَالْحَائِطُ بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ، فَإِذْ لَا يُسَمَّى قَاتِلَ عَمْدٍ، وَلَا قَاتِلَ خَطَأٍ فَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَا ضَمَانَ لِمَا تَلِفَ مِنْ مَالٍ، إذْ الْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِغَرَامَةٍ عَلَى أَحَدٍ لَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْجَرَّةُ تُوضَعُ إلَى بَابٍ أَوْ إنْسَانٌ يَسْتَنِدُ إلَى بَابٍ فَيَفْتَحُ الْبَابَ فَاتِحٌ فَيَقَعُ الْإِنْسَانُ فَيَمُوتُ] 2110 - مَسْأَلَةٌ: الْجَرَّةُ تُوضَعُ إلَى بَابٍ، أَوْ إنْسَانٍ يَسْتَنِدُ إلَى بَابٍ، فَيَفْتَحُ الْبَابَ فَاتِحٌ فَيُفْسِدُ الْمَتَاعَ، أَوْ يَقَعُ الْإِنْسَانُ فَيَمُوتُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ قَوْمٌ بِالتَّضْمِينِ فِي هَذَا، وَأَسْقَطَ قَوْمٌ فِيهِ الضَّمَانَ، وَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَتَاعِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِإِسْقَاطِ الْمَتَاعِ، وَإِسْقَاطِ الْمُسْنَدِ قَاصِدًا إلَى ذَلِكَ - وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ - بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِمَّا لَمْ يُبَاشِرْ الْإِتْلَافَ فِيهِ، وَلَوْ أَنَّهُ فَعَلَ هَذَا عَمْدًا لَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَهَذَا وَاَلَّذِي يُزْحِمُ دَابَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ فَيَدْفَعُهَا عَنْ طَرِيقِهِ فَتَدُوسُ إنْسَانًا، أَوْ تُفْسِدُ مَتَاعًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِلْإِفْسَادِ، وَلَا نُبَالِي بِتَعَدِّي مُسْنِدِ الْجَرَّةِ، وَالْمُتَّكِئِ إلَى الْبَابِ لَوْ كَانَا مُتَعَدِّيَيْنِ فَكَيْفَ وَلَا عُدْوَانَ فِي هَذَا. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً رَقَدَ لَيْلًا فِي طَرِيقٍ فَدَاسَهُ إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ بِلَا شَكٍّ. وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ لِيَسْرِقَ فَدَاسَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَقَتَلَهُ فَهُوَ مُبَاشِرٌ لِقَتْلِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ مُحَارِبًا لَهُ، وَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة أغضب أحمق بما يغضب منه فقذف بالحجارة فقتل المغضب له أو غيره

[مَسْأَلَةٌ أَغْضَبَ أَحْمَقَ بِمَا يُغْضَبُ مِنْهُ فَقَذَفَ بِالْحِجَارَةِ فَقَتَلَ الْمُغْضِبَ لَهُ أَوْ غَيْرَهُ] مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ أَغْضَبَ أَحْمَقَ بِمَا يُغْضَبُ مِنْهُ فَقَذَفَ بِالْحِجَارَةِ فَقَتَلَ الْمُغْضِبَ لَهُ أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ أَعْطَى أَحْمَقَ سَيْفًا فَقَتَلَ بِهِ قَوْمًا، فَلَا شَيْءَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا مِنْ الْجِنَايَةِ، وَلَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ قَاتِلًا. فَلَوْ أَنَّهُ أَمَرَ الْأَحْمَقَ بِقَتْلِ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَحْمَقُ فَعَلَ ذَلِكَ طَاعَةً لَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا فَهُوَ آمِرٌ، فَالْآمِرُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْ طَائِعًا لَهُ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، لَا عَنْ أَمْرِهِ وَلَا عَنْ فِعْلِهِ. فَلَوْ رَمَى حَجَرًا فَأَصَابَ ذَلِكَ الْحَجَرُ حَجَرًا فَقَلَعَهُ، فَتَدَهْدَهَ ذَلِكَ الْحَجَرُ فَقَتَلَ وَأَفْسَدَ: فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا تَوَلَّدَ عَنْ رَمْيِهِ انْقِلَاعُ الْحَجَرِ فَقَطْ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِرَدِّهِ إنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى مَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمَرْءُ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ عَمَّا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِهِ. وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ مَنْ رَمَى سَهْمًا يُرِيدُ صَيْدًا فَأَصَابَ إنْسَانًا أَوْ مَالًا فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَوْ أَنَّهُ صَادَفَ حِمَارَ وَحْشٍ يَجْرِي فَقَتَلَ إنْسَانًا أَوْ سَقَطَ الْحِمَارُ - إذْ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا يَعْمَلُ فِي بِئْرٍ وَآخَرَ يَسْتَقِي فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَوَقَعَتْ الدَّلْو فَقَتَلَتْ الَّذِي فِي الْبِئْرِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِضَعْفِ الْحَبْلِ فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِقَتْلِهِ، فَلَوْ غُلِبَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إمْسَاكِهِ الدَّلْوَ فَفَتَحَ يَدَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ وَلَا عَمِلَ شَيْئًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ

أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَائِيِّ أَنَّ رَجُلًا رَمَى حِدَأَةً فَخَرَّتْ الْحِدَأَةُ عَلَى صَبِيٍّ فَقَتَلَتْهُ؟ قَالَ: هُوَ عَلَى الَّذِي رَمَى، وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ رَجُلٍ فَهُوَ عَلَيْهِ - قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ حَجَرًا فَسَقَطَ مِنْهُ فَأَصَابَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ؟ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمَقْتُولِ - قَالَ سَحْنُونٌ: هَذِهِ مَسْأَلَةُ سُوءٍ؟ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَمْسِكُ الْحَبْلَ لِلرَّجُلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: إنْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْفَلَتَ مِنْ يَدِ الْمُمْسِكِ فَسَقَطَ الْمُتَعَلِّقُ فَمَاتَ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَسْنَا نَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ: أَمَّا الْحِدَأَةُ تَقَعُ، فَإِنَّ الرَّامِيَ بِهَا لَمْ يُبَاشِرْ إلْقَاءَهَا كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الَّذِي سَقَطَ الْحَجَرُ عَنْ ظَهْرِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَلْقَاهُ لَكِنْ ضَعُفَ أَوْ عَثَرَ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ - وَلَوْ أَنَّهُ هُوَ تَعَمَّدَ إلْقَاءَهُ فَمَاتَ بِهِ إنْسَانٌ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا - وَهُوَ يَدْرِي - فَقَاتِلُ عَمْدٍ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ هُنَالِكَ إنْسَانًا فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ قَتْلَهُ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا تَعَلُّقُ الرَّجُلِ بِحَبْلٍ يُمْسِكُ عَلَيْهِ آخَرُ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لَا فِي انْقِطَاعِ الْحَبْلِ، وَلَا فِي ضَعْفِ الْمُمْسِكِ عَنْ إمْسَاكِهِ، لِأَنَّهُ فِي انْقِطَاعِ الْحَبْلِ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ بِجَبْذِ الْحَبْلِ، فَإِنَّمَا انْقَطَعَ مِنْ فِعْلِهِ لَا مِنْ فِعْلِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبِئْرِ فَأَمَّا انْفِلَاتُ الْحَبْلِ فَلَمْ يَتَوَلَّ الْوَاقِفُ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ إبْقَاءَهُ، لَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ شَيْئًا أَصْلًا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، وَابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا: أَنَّ مَنْ سَلَّ سَيْفًا عَلَى امْرَأَةٍ، أَوْ صَبِيٍّ، لِيُفْزِعَهُمَا بِهِ، فَمَاتَا مِنْهُ فَفِيهِ دِيَةُ الْخَطَأِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ - وَابْنُ لَهِيعَةَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى

مسألة أدخل إنسانا دارا فأصابه شيء

إفْزَاعِهِمَا فَفَزِعَا فَمَاتَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ النِّيَّةَ، وَالْمَعْرِفَةَ لَا يُرَاعَى شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي الْخَطَأِ، بَلْ هُمَا مُطَّرَحَانِ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا قَصَدَ بِهِ وَنَوَى فَإِنَّهُ عَمْدٌ. وَاَلَّذِي سَلَّ سَيْفًا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ يُرِيدُ بِذَلِكَ إفْزَاعَهُمَا فَمَاتَا، فَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ أَنَّهُ عَامِدٌ قَاصِدٌ إلَيْهِمَا بِهَذَا الْفِعْلِ، فَإِذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَوَدٌ، وَلَا لَهُ حُكْمُ الْعَمْدِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ الصِّفَاتِ إلَى فِعْلِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْخَطَأِ الَّذِي لَيْسَ لِفِعْلِهِ فِيهِ مَدْخَلٌ أَصْلًا - وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ فَقَطْ. [مَسْأَلَةٌ أَدْخَلَ إنْسَانًا دَارًا فَأَصَابَهُ شَيْءٌ] 2112 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَدْخَلَ إنْسَانًا دَارًا فَأَصَابَهُ شَيْءٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: إذَا أَدْخَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يُخْرِجَهُ كَمَا أَدْخَلَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ دَخَلَ بَيْتَ رَجُلٍ، وَفِي الْبَيْتِ سِكِّينٌ فَوَطِئَ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ شَيْءٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَبِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ نَقُولُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَحِلُّ إلْزَامُ أَحَدٍ غَرَامَةَ مَالٍ بِغَيْرِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ وَمَا لَمْ يُتَيَقَّنْ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ جَنَاهُ بِعَمْدٍ، أَوْ بِخَطَأٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ دَمَهُ وَمَالَهُ حَرَامٌ، فَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِهِ مَقْتُولًا فَلَهُ حُكْمَ الْقَسَامَةِ. وَإِنْ ادَّعَى - وَهُوَ حَيٌّ - عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَعَلَيْهِ حُكْمُ التَّدَاعِي، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا مَيِّتًا لَا أَثَرَ فِيهِ، فَالْمَوْتُ يَغْدُو وَيَرُوحُ، وَلَا شَيْءَ بِهِ إلَّا التَّدَاعِيَ، إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُغَمَّ فَلَا يَظْهَرَ فِيهِ أَثَرٌ، فَإِذَا أَمْكَنَ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاعِي - وَلَوْ أَيْقَنَّا أَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ شَيْءٌ أَصْلًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ جِنَايَاتُ الْحَيَوَان] 2113 - مَسْأَلَةُ - جِنَايَاتُ الْحَيَوَانِ، وَالرَّاكِبِ، وَالسَّائِسِ، وَالْقَائِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» .

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ إنَّ شَاةَ هَذَا قَطَعَتْ غَزْلِي؟ فَقَالَ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَقَدْ بَرِئَ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا فَقَدْ ضَمِنَ، ثُمَّ قَرَأَ {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] قَالَ: إنَّمَا كَانَ النَّفْشُ بِاللَّيْلِ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: مَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي لَيْلًا فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا، وَمَا أَفْسَدَتْ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فِيمَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. وَلَا يَضْمَنُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَصَابَتْ نَهَارًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَضْمَنُ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ لَيْلًا، وَلَا يَضْمَنُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَاشِيَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ الْمُضَمِّنُونَ مَا جَنَتْ لَيْلًا: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ نَاقَةً لِأَهْلِ الْبَرَاءِ أَفْسَدَتْ شَيْئًا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ حِفْظَ الثِّمَارِ عَلَى أَهْلِهَا بِالنَّهَارِ، وَضَمَّنَ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ مَا أَفْسَدَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ بِحِفْظِهَا بِالنَّهَارِ وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ «أَنَّ نَاقَةً دَخَلَتْ فِي حَائِطِ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَذَهَبَ أَصْحَابُ الْحَائِطِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ حِفْظُ مَوَاشِيهِمْ بِاللَّيْلِ وَعَلَيْهِمْ مَا أَفْسَدَتْهُ» . وَذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ: أَنَّ الْبَرَاءَ أَخْبَرَهُ.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ، أَحْسَنُ طُرُقِهِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ. وَمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ: أَنَّ نَاقَةً دَخَلَتْ. فَلَمْ يُسْنِدْ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَوْ أُسْنِدَ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ إحْدَاهُمَا لَكَانَ حُجَّةً يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، وَإِنَّمَا اُسْتُنِدَ مِنْ طَرِيقِ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ مَرَّةً عَنْ أَبِيهِ - وَلَا صُحْبَةً لِأَبِيهِ - وَمَرَّةً عَنْ الْبَرَاءِ فَقَطْ، وَحَرَامُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ - مَجْهُولٌ - لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ إلَّا الزُّهْرِيُّ، وَمَا نَعْلَمُ لِلزُّهْرِيِّ عَنْهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُوَثِّقْهُ الزُّهْرِيُّ - وَهُوَ قَدْ يَرْوِي عَمَّنْ لَا يُوَثَّقُ، كَرِوَايَتِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَرْمٍ، وَنَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَجَاهِيلِ، وَالْهَلْكَى. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّينِ إلَّا بِمَنْ تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: اُخْتُصِمَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي ثَوْرٍ نَطَحَ حِمَارًا فَقَتَلَهُ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنْ كَانَ الثَّوْرُ دَخَلَ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَقَدْ ضَمِنَ - وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ دَخَلَ عَلَى الثَّوْرِ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا حُكْمٌ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا كُلِّهِ هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَتَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ وَعَمَلُهَا جُبَارٌ» فَلَا ضَمَانَ فِيمَا أَفْسَدَهُ الْحَيَوَانُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ أَتَى بِهَا وَحَمَلَهَا عَلَى شَيْءٍ، وَأَطْلَقَهَا فِيهِ: ضَمِنَ حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ فِعْلُهُ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا. وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الضَّارِيَةُ فَقَدْ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ بِرَدِّ الْبَعِيرِ، أَوْ الْبَقَرَةِ، أَوْ الْحِمَارِ، أَوْ الضَّوَارِي، إلَى أَهْلِهِنَّ ثَلَاثًا إذَا حُظِرَ الْحَائِطُ، ثُمَّ يُعْقَرْنَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِلَافَتِهِ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنْ يُحَصَّنَ الْحَائِطُ حَتَّى يَكُونَ إلَى نَحْوِ الْبَعِيرِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْت عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

كَانَ يَأْمُرُ بِالْحَائِطِ أَنْ تُحْظَرَ وَيُسَدَّ الْحَظْرُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ، ثُمَّ يُرَدَّ إلَى أَهْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُعْقَرَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقُلْت لِعَطَاءٍ: الْحَظْرُ يُسَدُّ، وَيُحَصَّنُ عَلَى الْحَائِطِ، ثُمَّ لَا يُمْتَنَعُ مِنْ الضَّارِي الْمُدِلِّ، أَبَلَغَك فِيهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يُرَدُّ الضَّارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَى صَاحِبِهِ دُونَ تَضْمِينٍ، وَلَمْ يَخُصَّ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا ثُمَّ يُعْقَرُ. فَخَالَفُوا كِلَا الْحُكْمَيْنِ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمْ يُعَظِّمُونَ أَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّنْعَانِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ يَطَأُ جَمْرَةً يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا كَانَ ذَنْبُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كَانَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ يَعِيثُ بِهَا الزَّرْعَ وَيُؤْذِيهِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الزَّرْعَ وَمَا حَوْلَهُ غُلَاةَ سَهْمٍ، فَاحْذَرُوا أَنْ لَا يَسْحَبَ الرَّجُلُ مَالَهُ فِي الدُّنْيَا وَيُهْلِكَ نَفْسَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا تَسْحَبُوا أَمْوَالَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَتُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي هَذَا أَنَّ الْحَيَوَانَ - أَيَّ حَيَوَانٍ كَانَ - إذَا أَضَرَّ فِي إفْسَادِ الزَّرْعِ أَوْ الثِّمَارِ، فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُؤَدَّبُ بِالسَّوْطِ وَيُسْجَنُ، إنْ أَهْمَلَهُ، فَإِنْ ثَقَّفَهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ إلَى إهْمَالِهِ بِيعَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، أَوْ ذُبِحَ وَبِيعَ لَحْمُهُ، أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَعْوَدَ عَلَيْهِ أُنْفِذَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى: الْمَنْعُ مِنْ أَذَى النَّاسِ فِي زَرْعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ. وَمِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ: إهْمَالُ ذَلِكَ. فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ حِمَايَةُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ - مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَصْلَحَ مِنْ ذَلِكَ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا مَنْ زَرَعَ فِي الشَّعْوَاءِ، أَوْ حَيْثُ الْمَسْرَحُ، أَوْ غَرَسَ هُنَالِكَ غَرْسًا فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ

أَنْ يُحْظَرَ عَلَى زَرْعِهِ وَغَرْسِهِ بِمَا يَدْفَعُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ الْحَائِطُ لَهُ، وَدَفْعُ الْإِضَاعَةِ عَنْ مَالِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ عَنْ إرْعَاءِ مَوَاشِيهِمْ هُنَالِكَ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ هُوَ مِنْ إحْيَاءِ مَا قَدَرَ عَلَى إحْيَائِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاتِ، وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ أَحَدٍ مَنْعُ الْمَوَاشِي عَنْ زَرْعٍ، أَوْ ثَمَرٍ فِي وَسَطِ الْمَسْرَحِ، فَإِذْ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ - لَيْسَ فِي الْوُسْعِ - فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يُكَلَّفُوا ضَبْطُهَا، أَوْ مَنْعُهَا: بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 233] ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا تَعَذَّرَ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَنْعُ مَاشِيَتِهِمْ مِنْهُ فِي مُرُورِهَا فِي طَرِيقِهَا إلَى الْمَسْرَحِ بَيْنَ زَرْعِ النَّاسِ وَثِمَارِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ يُكَلَّفُونَ هَاهُنَا بِحَظِيرِ مَا وَلِيَ الطَّرِيقَ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ. وَأَمَّا الثِّمَارُ الْمُتَّصِلَةُ مِنْ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ الَّتِي لَا مَسْرَحَ فِيهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ تَكْلِيفُ الْحَظْرِ، فَإِنْ أَطْلَقَ مَوَاشِيَهُ هُنَالِكَ عَامِدًا، أَوْ مُهْمِلًا: أُدِّبَ الْأَدَبَ الْمُوجِعَ، وَبِيعَتْ عَلَيْهِ مَوَاشِيهِ إنْ عَادَ، وَضَمِنَ مَا بَاشَرَ إطْلَاقَهَا عَلَيْهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يُعْقَرُ الْحَيَوَانُ الضَّارِي أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلِهِ، وَنَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَالْعَقْرُ إضَاعَةٌ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَفِيمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْقَائِدُ، وَالرَّاكِبُ، وَالسَّائِقُ - فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا إبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ نا هُشَيْمٌ نا أَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْفَارِسَ مَا أَوْطَأَتْ دَابَّتُهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَيُبَرِّئُهُ مِنْ النَّفْحَةِ. قَالَ هُشَيْمٌ: ونا يُونُسُ، وَالْمُغِيرَةُ، قَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ مَا أَوْطَأَتْ الدَّابَّةُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَا يُضَمِّنَانِ مِنْ النَّفْحَةِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، وَشُرَيْحٍ أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَا يَضْمَنُ.

وَقَالَ الْحَكَمُ وَالشَّعْبِيُّ: يَضْمَنُ وَلَا يُطَلُّ دَمُ الْمُسْلِمِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا شَرَدَ لَهُ بَعِيرَانِ فَأَخَذَهُمَا رَجُلٌ فَقَرَنَهُمَا فِي حَبْلٍ فَأَخْنَقَ أَحَدَهُمَا فَمَاتَ؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنَّمَا أَرَادَ الْإِحْسَانَ، لَا يَضْمَنُ إلَّا قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ فِي الدَّابَّةِ أُفْزِعَتْ فَوَطِئَتْ يَضْمَنُ صَاحِبُهَا، وَإِذَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْزَعَ لَمْ يَضْمَنْ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْثَقَ عَلَى الطَّرِيقِ فَرَسًا عَضُوضًا فَعَقَرَ؟ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَضْمَنُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْبِطَ كَلْبًا عَضُوضًا عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحٍ قَالَا جَمِيعًا: يَضْمَنُ الرَّاكِبُ، وَالسَّائِقُ، وَالْقَائِدُ. وَعَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا يَنْشُرَانِ ثَوْبًا فَمَرَّ رَجُلٌ فَدَفَعَهُ آخَرُ فَوَقَعَ عَلَى الثَّوْبِ فَخَرَقَهُ، فَارْتَفَعُوا إلَى شُرَيْحٍ فَضَمَّنَ الدَّافِعَ، وَأَبْرَأَ الْمَدْفُوعَ، بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: هُمَا شَرِيكَانِ - يَعْنِي الرَّاكِبَ وَالرَّدِيفَ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا قَالَ: مَنْ أَوْقَفَ دَابَّتَهُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فَهُوَ ضَامِنٌ بِجِنَايَتِهِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا جَمِيعًا: مَنْ رَبَطَ دَابَّتَهُ فِي طَرِيقٍ فَهُوَ ضَامِنٌ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ فَرَسًا فَرَكَضَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُرَكِّضُ فَرَسَهُ. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُغَرَّم الْقَائِدُ، وَالرَّاكِبُ، عَنْ يَدِهَا مَا لَا يُغَرَّمَانِ عَنْ رِجْلُهَا، قُلْت: كَانَتْ الدَّابَّةُ عَادِيَةً فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا إنْسَانًا وَهِيَ تُقَادُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُغَرَّم الْقَائِدُ، قُلْت: السَّائِقُ يُغَرَّمُ عَنْ الْيَدِ وَالرَّجُلِ، قَالَ: زَعَمُوا، فَرَادَدْته؟ قَالَ: يَقُولُ: الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ.

وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يُغَرَّمُ الْقَائِدُ مَا أَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، فَإِذَا نَفَحَتْ لَمْ يُغَرَّمْ، وَالرَّاكِبُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ بِالْعَنَانِ فَتَنْفَحُ فَيُغَرَّمُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يُضَمَّنُ الرَّدِيفُ مَعَ صَاحِبِهِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: يُضَمَّنُ الْقَائِدُ، وَالسَّائِقُ، وَالرَّاكِبُ، وَلَا يُضَمَّنُ الدَّابَّةُ إذَا عَاقَبَتْ، قُلْت: وَمَا عَاقَبَتْ؟ قَالَ: إذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَصَابَتْهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: رَكِبَتْ جَارِيَةٌ جَارِيَةً فَنَخَسَتْهَا أُخْرَى فَوَقَعَتْ فَمَاتَتْ؟ فَضَمَّنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ النَّاخِسَةَ وَالْمَنْخُوسَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُضَمَّنُ السَّائِقُ، وَالْقَائِدُ، وَالرَّاكِبُ مَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ، إلَّا أَنْ تَرْمَحَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ الرَّدِيفُ مَعَ الرَّاكِبِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا يَضْمَنُ الرَّدِيفُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ أَمَامَهُ مَنْ يُمْسِكُ الْعَنَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] ، فَنَظَرْنَا فِي الرَّاكِبِ فَوَجَدْنَاهُ مُصَرِّفًا لِدَابَّتِهِ حَامِلًا لَهَا فَمَا أَصَابَتْ مِمَّا حَمَلَهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمَدَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونِهَا، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُبَاشِرٌ لِلْجِنَايَةِ - وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَضْمَنُهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ - وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ - فَهُوَ إصَابَةُ خَطَأٍ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ فِي النَّفْسِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ قَاتِلُ خَطَأٍ، وَمَا أَصَابَتْ بِرَأْسِهَا، أَوْ بِعَضَّتِهَا، أَوْ بِذَنَبِهَا، أَوْ بِنَفْحَتِهَا بِالرِّجْلِ، أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا فِي غَيْرِ الْمَشْيِ: فَلَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» . وَأَمَّا الْقَائِدُ: فَإِنْ كَانَ يَمْسِكُ الرَّسَنَ أَوْ الْخِطَامَ فَهُوَ حَامِلٌ لِلدَّابَّةِ عَلَى مَا مَشَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمَدَ فَالْقَوَدُ - كَمَا قُلْنَا - وَالضَّمَانُ فِي الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ،

فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَيَضْمَنُ الْمَالَ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ مَقْصُورَةً بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ. وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَقُودَةِ رَاكِبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ: لَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ، إلَّا إنْ حَمَلَهَا أَوْ أَعَانَ، فَهُوَ وَالْقَائِدُ شَرِيكَانِ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ الْقَائِدُ لَا رَسَنَ بِيَدِهِ، وَلَا عِقَالَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ شَيْئًا، وَلَا بَاشَرَ فِيمَا أَتْلَفَ مِنْ دَمٍ، أَوْ مَالٍ شَيْئًا أَصْلًا - وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» . وَأَمَّا الرَّدِيفُ - فَإِنْ كَانَ يُمْسِكُ الْعِنَانَ هُوَ وَحْدَهُ وَلَا يُمْسِكُهُ الْمُتَقَدِّمُ: فَحَابِسُ الْعِنَانِ هُوَ الضَّامِنُ وَحْدَهُ، وَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَفِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا ضَمَانَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ، إلَّا أَنْ يُعِينَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا السَّائِقُ - فَإِنْ حَمَلَهَا بِضَرْبٍ، أَوْ نَخْسٍ، أَوْ زَجْرٍ عَلَى شَيْءٍ مَا، فَإِنْ عَمَدَ فَالْقَوَدُ وَالضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ كَمَا قُلْنَا، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى شَيْءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ - وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» . وَمَنْ أَوْثَقَ دَابَّتَهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَهَا وَهُوَ يَمْشِي، وَلَيْسَ كُلُّ مُسِيءٍ ضَامِنًا. وَقَدْ عَلِمْنَا وَعَلِمَ كُلُّ مُسْلِمٍ: أَنَّ عَامِلَ السِّلَاحِ، وَبَائِعَهَا فِي الْفِتَنِ: فَمُخَالِفٌ ظَالِمٌ، وَمُسِيءٌ، وَمُعِينٌ بِذَلِكَ عَلَى قَتْلِ النَّاسِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ غَيْرَهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي؟ قِيلَ لَهُمْ: وَالدَّابَّةُ هِيَ الْمُتَوَلِّيَةُ أَيْضًا، وَجُرْحُهَا جُبَارٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَّ دَابَّةً، أَوْ طَائِرًا عَنْ رِبَاطِهَا: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَتْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ، وَلَا بَاشَرَ، وَلَا تَوَلَّى. وَأَمَّا مَنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَلَهَا فِلْوٌ يَتْبَعُهَا فَأَصَابَ الْفِلْوُ إنْسَانًا، أَوْ مَالًا: فَهُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ عَمَدَ فَالْقَوَدُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ فِي إزَالَتِهِ أُمَّهُ عِنْدَ مُسْتَدْعٍ لَهُ إلَى الْمَشْيِ وَرَاءَهَا، فَهُوَ مُبَاشِرٌ

وغيره ونفار الدابة

لِاسْتِجْلَابِهِ، فَلَوْ تَرَكَ الْفِلْوُ اتِّبَاعَ أُمِّهِ، وَأَخَذَ يَلْعَبُ، أَوْ خَرَجَ عَنْ اتِّبَاعِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَاكِبِ أُمِّهِ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَدْعَى بَهِيمَةً بِشَيْءٍ تَأْكُلُهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ فِي طَرِيقِهَا مَتَاعًا تُتْلِفُهُ، أَوْ إنْسَانًا رَاقِدًا فَأَتَتْهُ، فَأَتْلَفَتْ فِي طَرِيقِهَا شَيْئًا، فَالْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً إنْ لَمْ يَعْمِدْ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَشْلَى أَسَدًا عَلَى إنْسَانٍ أَوْ حَنَشًا - وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ أَطْلَقَهُمَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا إنْسَانًا. لِأَنَّهُ فِي إطْلَاقِهِمَا عَلَى الْإِنْسَانِ مُبَاشِرٌ لِإِتْلَافِهِ، قَاصِدٌ لِذَلِكَ - وَلَيْسَ فِي إطْلَاقِهِمَا جَانِيًا عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَصْلًا. وَأَمَّا مَا قَالَهُ شُرَيْحٌ فِي قَارِنِ الْبَعِيرَيْنِ فَصَحِيحٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ، إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ. وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَضْمِينِ النَّاخِسَةِ فَصَحِيحٌ، لِأَنَّهَا هِيَ الْمُلْقِيَةُ لِلْأُخْرَى فِي الْأَرْضِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [. وَغَيْرِهِ وَنِفَارِ الدَّابَّةِ] 2114 - مَسْأَلَةٌ: مِنْ جِنَايَةِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ، وَنِفَارِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسْرِي بِأُمِّهِ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ يَرْكُضُ فَنَفَرَ الْحِمَارُ مِنْ وَقْعِ حَافِرِ الْفَرَسِ فَوَثَبَ فَوَقَعَتْ الْمَرْأَةُ فَمَاتَتْ؟ فَاسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ضَرَبَ الْحِمَارُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَصَابَ الْحِمَارَ مِنْ الْفَرَس شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أُمُّك أَتَتْ عَلَى أَجَلِهَا فَاحْتَسِبْهَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الزِّنَادِ عَنْ عَقْلِ الْكَلْبِ، أَوْ الْفَهْدِ، أَوْ السَّبْعِ الدَّاجِنِ، أَوْ الْكَبْشِ النَّطَّاحِ، أَوْ نَطْحِ الثَّوْرِ، أَوْ الْبَعِيرِ، أَوْ الْفَرَسِ الَّذِي يَعَضُّ، فَيَعْقُرُ مِسْكِينًا، أَوْ زَامِرًا، أَوْ عَابِدًا؟ فَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إنْ قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الدَّوَابِّ، أَوْ أَصَابَ كَسْرَ يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ، أَوْ فَقَأَ عَيْنًا، أَوْ أَيَّ أَمْرٍ جَرَحَ مِنْ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ

هَدْرٌ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «الْعَجْمَاءَ جُرْحُهَا جُبَارٌ» إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَعْدَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِإِيثَاقِ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ مَا حَرَجَ بِالنَّاسِ - فَأَمَّا مَا أُصِيبَ بِهِ الدَّابَّةُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ يَتَقَدَّمُ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَهَا غُرْمُ مَا أَصَابَهَا بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا فِي دَارِ الْبَادِيَةِ فَعَقَرَ ذَلِكَ الْكَلْبُ إنْسَانًا: إنَّهُ إنْ اقْتَنَاهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يَفْتَرِسُ النَّاسَ فَعَقَرَهُمْ - فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا فَرَسَ الْكَلْبُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ - فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ - مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ فَمَعْنَاهَا صَحِيحٌ - وَبِهِ نَأْخُذُ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَا أَمَرَ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ إذَا نَفَرَتْ فَلَيْسَ لِلَّذِي نَفَرَتْ مِنْهُ ذَنْبٌ؟ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفَّرَهَا عَامِدًا: فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ فِيمَا قَتَلَتْ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ تَطَأَ الَّذِي أَصَابَتْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ ذَلِكَ فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، إذَا تَعَمَّدَ تَنْفِيرَهَا، لِأَنَّهُ الْمُحَرِّكُ لَهَا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ - فَصَحِيحٌ كُلُّهُ، لِأَنَّ جُرْحَ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَمْ يَتَعَمَّدْ إشْلَاءَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ «إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ» فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَقَدُّمُ السُّلْطَانِ لَا يُوجِبُ غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا السُّلْطَانُ مُنَفِّذٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَقَطْ، وَلَيْسَ شَارِعًا شَرِيعَةً. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عِلْمُ الْمُقْتَنِي لِلْكَلْبِ بِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ النَّاسَ بِمُوجِبٍ عَلَيْهِ غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا الْقُرْآنُ وَلَا السُّنَّةُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِاقْتِنَائِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا فِي الَّذِي أَتْلَفَهُ الْكَلْبُ. وَهَكَذَا مَنْ آوَى رَجُلًا قَتَّالًا مُحَارِبًا فَجَنَى جِنَايَةً، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِإِيوَائِهِ إيَّاهُ فَلَيْسَ مُبَاشِرًا عُدْوَانًا فِي الْمُصَابِ. وَكُلُّ هَذَا بَابٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ قِيَاسًا، وَلَكِنَّ خُصُومَنَا يَقُولُونَ بِقَوْلِهِ وَيُخَالِفُونَهُ فِي

ذَلِكَ الْعَمَلِ نَفْسِهِ، فَإِذَا جَمَعْنَا لَهُمْ الْقَوْلَيْنِ لَاحَ لَهُمْ تَنَاقُضُهُمْ فِيهَا - فَعَلَى هَذَا نُورِدُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا عَلَى أَنَّهَا حُجَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كَعْبِ بْنِ سَوَّارٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ عَلَى حِمَارٍ فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ عَلَى بَعِيرٍ فِي زُقَاقٍ فَنَفَرَ الْحِمَارُ فَصُرِعَ الرَّجُلُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ؟ فَلَمْ يُضَمِّنْ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ صَاحِبَ الْبَعِيرِ شَيْئًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَمَا قُلْنَا - وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ شُرَيْحٍ فَأَتَاهُ سَائِلٌ فَقَالَ: إنِّي دَخَلْت دَارَ قَوْمٍ فَعَقَرَنِي كَلْبُهُمْ وَخَرَقَ جِرَابِي؟ فَقَالَ: إنْ كُنْت دَخَلْت بِإِذْنِهِمْ فَهُمْ ضَامِنُونَ، وَإِنْ كُنْت دَخَلْت بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ الْكَلْبُ فِي الدَّارِ فَأَذِنَ أَهْلُ الدَّارِ لِلرَّجُلِ فَعَقَرَهُ الْكَلْبُ ضَمِنُوا، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَعَقَرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ - وَأَيُّمَا قَوْمٍ غَشَوْا غَنَمًا فِي مَرَابِضِهَا فَعَقَرَتْهُمْ الْكِلَابُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَصْحَابِ الْغَنَمِ، وَإِنْ عَرَضَتْ لَهُمْ الْكِلَابُ فِي الطَّرِيقِ فَعَقَرَتْهُمْ الْكِلَابُ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنُوا. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَبَا سُلَيْمَانَ، قَالُوا: مَنْ كَانَ فِي دَارِهِ كَلْبٌ فَدَخَلَ إنْسَانٌ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَتَلَهُ الْكَلْبُ فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ - وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ نَحْوَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ - وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ: أَنَّهُ قَالَ: إنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يَعْقِرُ النَّاسَ ضَمِنَ - وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ - إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السُّلْطَانِ، أَوْ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ عَقُورٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ هَذَا نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ بِاِتِّخَاذِهِ الْكَلْبَ الْعَقُورَ مُتَعَدٍّ - وَكَذَلِكَ هُوَ بِاِتِّخَاذِهِ حَيْثُ لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهُ مُتَعَدٍّ أَيْضًا؟

مسألة هيج كلبا أو أطلق أسدا أو أعطى أحمق سيفا فقتل رجلا

قُلْنَا: هُوَ مُتَعَدٍّ فِي اتِّخَاذِهِ - فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ - ظَالِمٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي إتْلَافِ مَا أَتْلَفَ الْكَلْبُ، وَلَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ عَلَى ظَالِمٍ غَرَامَةً مُطْلَقَةً. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ التَّعَدِّيَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ، أَوْ لِلْقَوَدِ، أَوْ لِلدِّيَةِ، هُوَ مَا سُمِّيَ بِهِ الْمَرْءُ " قَاتِلًا، أَوْ مُفْسِدًا " وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ، أَوْ بِالْأَمْرِ، وَهِيَ فِي اتِّخَاذِهِ الْكَلْبَ، كَمَنْ عَمِلَ سَيْفًا وَأَعْطَاهُ لِظَالِمٍ، أَوْ اقْتَنَى خَمْرًا فِي خَابِيَةٍ فَجَلَسَ إنْسَانٌ إلَيْهَا فَانْكَسَرَتْ فَقَتَلَتْ الْإِنْسَانَ؟ فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ يُسَمِّي هَذَا الظَّالِمَ " قَاتِلًا، وَلَا مُتْلِفًا " فَلَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ فَقَتَلَ رَجُلًا، قَالَ: يَضْمَنُ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي رَمَى بِسَهْمِهِ طَائِرًا فَأَصَابَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا جَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُحَرِّكُ لَهُ، الْمُغَالِبُ لَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا جَنَى بِتَحْرِيكِهِ إيَّاهُ، فِي الْقَصْدِ الْقَوَدُ وَفِيمَا لَمْ يَقْصِدْهُ ضَمَانُ الْخَطَأ - وَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَلَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا فِي كُلِّ مَا أَصَابَتْ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اتَّبَعَ حَيَوَانًا لِيَأْخُذَهُ؟ فَكُلُّ مَا أَفْسَدَ الْحَيَوَانُ فِي هُرُوبِهِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ حَامِلُهُ عَلَيْهِ، مِمَّا يُوقَنُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ إنَّمَا يَرَاهُ وَيَهْرُبُ عَنْهُ: فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ مَا عَمَدَ وَقَصَدَ بِالْقَوَدِ، وَمَا لَمْ يَقْصِدْ: فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ - وَأَمَّا مَا أَتْلَفَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فِي جَرْيِهِ - وَهُوَ لَا يَرَاهُ - فَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتَّبِعِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ هَيَّجَ كَلْبًا أَوْ أَطْلَقَ أَسَدًا أَوْ أَعْطَى أَحْمَقَ سَيْفًا فَقَتَلَ رَجُلًا] 2115 - مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا هَيَّجَ كَلْبًا، أَوْ أَطْلَقَ أَسَدًا، أَوْ أَعْطَى أَحْمَقَ سَيْفًا فَقَتَلَ رَجُلًا: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُهَيِّجِ، وَلَا عَلَى الْمُطْلِقِ، وَلَا عَلَى الْمُعْطِي السَّيْفَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَاشِرُوا الْجِنَايَةَ، وَلَا أَمَرُوا بِهَا مَنْ يُطِيعُهُمْ. فَلَوْ أَنَّهُ أَشْلَى الْكَلْبَ عَلَى إنْسَانٍ، أَوْ حَيَوَانٍ فَقَتَلَهُ: ضَمِنَ الْمَالَ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلْبٌ مِثْلُهُ حَتَّى يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْكَلْبُ بِإِطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ هَاهُنَا هُوَ الْجَانِي الْقَاصِدُ إلَى إتْلَافِ مَا أَتْلَفَ الْكَلْبُ بِإِغْرَائِهِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً حَفَرَ حُفْرَةً وَغَطَّاهَا، وَأَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا، فَمَشَى عَلَيْهَا ذَلِكَ الْإِنْسَانُ مُخْتَارًا لِلْمَشْيِ - عَالِمًا، أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ -: فَلَا ضَمَانَ عَلَى آمِرِهِ بِالْمَشْيِ، وَلَا

مسألة طلب دابة فنادى رجلا احبسها علي فصدمته فقتلته

عَلَى الْحَافِرِ، وَلَا عَلَى الْمُعْطِي، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُمْشُوهُ، وَلَا بَاشَرُوا إتْلَافَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بَاشَرَ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا بَيْنَ مَنْ غَرَّ إنْسَانًا فَقَالَ لَهُ: طَرِيقُ كَذَا أَمْنٌ هُوَ؟ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ، هُوَ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ أَسَدًا هَائِجًا، أَوْ جَمَلًا هَائِجًا، أَوْ كِلَابًا عَقَّارَةً، أَوْ قَوْمًا قَطَّاعِينَ لِلطَّرِيقِ، يَقْتُلُونَ النَّاسَ - فَنَهَضَ السَّائِلُ مُغْتَرًّا بِخَبَرِ هَذَا الْغَارِ لَهُ، فَقُتِلَ وَذَهَبَ مَالُهُ. وَكَذَلِكَ: مَنْ رَأَى أَسَدًا فَأَرَادَ الْهُرُوبَ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ مَنْ غَرَّ بِهِ: لَا تَخَفْ، فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ؟ فَاغْتَرَّ بِقَوْلِهِ وَمَشَى، فَقَتَلَهُ الْأَسَدُ - فَهَذَا كُلُّهُ لَا قَوَدَ عَلَى الْغَارِّ، وَلَا ضَمَانَ أَصْلًا فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا، وَلَا أَكْرَهَ؟ فَلَوْ أَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى الْحُفْرَةِ فَهَلَكَ فِيهَا، أَوْ طَرَحَهُ إلَى الْأَسَدِ أَوْ إلَى الْكَلْبِ؟ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. فَلَوْ طَرَحَهُ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، أَوْ الْبُغَاةِ فَقَتَلُوهُ: فَهُمْ الْقَتَلَةُ لَا الطَّارِحُ - بِخِلَافِ طَرْحِهِ إلَى مَنْ لَا يَعْقِلُ، لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ آلَةٌ لِلطَّارِحِ. وَكَذَلِكَ - لَوْ أَمْسَكَهُ لِأَسَدٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ لِمَجْنُونٍ فَقَتَلَهُ، فَالْمُمْسِكُ هَاهُنَا هُوَ الْقَاتِلُ - بِخِلَافِ إمْسَاكِهِ إيَّاهُ لِقَتْلِ مَنْ يَعْقِلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ طَلَب دَابَّةً فَنَادَى رَجُلًا احْبِسْهَا عَلَيَّ فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ] 2116 - مَسْأَلَةٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَب دَابَّةً فَنَادَى رَجُلًا: احْبِسْهَا عَلَيَّ، فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ، أَوْ رَمَاهَا فَقَتَلَهَا؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كِلَاهُمَا يُغَرَّمُ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ لَهِيعَةَ: أَنَّ هِشَامًا كَتَبَ فِي رَجُلٍ ضَمَّ جَارِيَةً إلَيْهِ مِنْ دَابَّةٍ فَضَرَبَتْهَا فِي حِجْرِهِ: أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ دِيَتَهَا - قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ: وَالرَّجُلُ مَوْلًى لَنَا؟ كَتَبَ تَوْبَةُ بْنُ نَمِرٍ - قَاضِي أَهْلِ مِصْرَ - إلَى هِشَامٍ فِي ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ بِهَذَا، فَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَّ هِشَامًا كَتَبَ فِي رَجُلٍ حَمَلَ صَبِيًّا فَخَرَّ فِي مَهْوَاةٍ، فَمَاتَ الصَّبِيُّ: أَنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْحَامِلِ، قَالَ اللَّيْثُ: وَعَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا النَّاسُ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: فَإِنْ هَلَكَا جَمِيعًا فَلَا عَقْلَ لَهُمَا.

مسألة اللص يدخل على الإنسان هل له قصد قتله

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ مَخْلُوقٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا الَّذِي قَالَ لِلرَّجُلِ: احْبِسْ لِي الدَّابَّةَ فَصَدَمَتْهُ فَقَتَلَتْهُ: فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِحَبْسِهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا بَاشَرَ فِيهِ إتْلَافَهُ. فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِحَبْسِ الدَّابَّةِ رَمَاهَا فَقَتَلَهَا، أَوْ جَنَى عَلَيْهَا فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مِنْ إتْلَافِهَا، وَمِنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِعْلَهُ، فَهُوَ مُتْلِفٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَجَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمُبَاشِرٌ لِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ، وَكَذَلِكَ - لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا، أَوْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا فَفَعَلَ لَضَمِنَ، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا لَا يَحِلُّ، وَبِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالْأَمْرِ، وَالْمَأْمُورُ أَيْضًا مُتَعَدٍّ بِالِائْتِمَارِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمُبَاشَرَتِهِ الْجِنَايَةَ. وَأَمَّا مَنْ ضَمَّ صَبِيَّةً مِنْ دَابَّةٍ فَرَمَحَتْهَا الدَّابَّةُ فَقَتَلَتْهَا: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ إتْلَافَهَا، وَ " جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ ". وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَ صَبِيًّا فَسَقَطَ فِي مَهْوَاةٍ فَمَاتَ الصَّبِيُّ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ مِنْ وُقُوعِ حَامِلِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَالضَّمَانُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ قَاتِلٌ خَطَأً - وَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ الْوَقْعَةِ لَا مِنْ وُقُوعِ حَامِلِهِ عَلَيْهِ، فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ. فَلَوْ مَاتَ الْحَامِلُ حِينَ وُقُوعِهِ عَلَى الصَّبِيِّ، أَوْ قَبْلَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ عَلَى مَيِّتٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اللِّصُّ يَدْخُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ هَلْ لَهُ قَصْدُ قَتْلِهِ] 2117 - مَسْأَلَةٌ: اللِّصُّ يَدْخُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ هَلْ لَهُ قَصْدُ قَتْلِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَصْلَتَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى لِصٍّ بِالسَّيْفِ، فَلَوْ تَرَكْنَاهُ لَقَتَلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ حُجَيْرِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: قُلْت لِعِمْرَانِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَرَأَيْت إنْ دَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ يُرِيدُ نَفْسِي وَمَالِي؟ قَالَ عِمْرَانُ: لَوْ دَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ يُرِيدُ نَفْسِي وَمَالِي لَرَأَيْت أَنْ قَدْ حَلَّ لِي قَتْلُهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ عَوْفٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: اُقْتُلْ اللِّصَّ، وَالْحَرُورِيَّ، وَالْمُسْتَعْرِضَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَرَكَ قِتَالَ رَجُلٍ يَقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ يَطْرُقُهُ فِي بَيْتِهِ تَأَثُّمًا مِنْ ذَلِكَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا دَخَلَ اللِّصُّ دَارَ الرَّجُلِ فَقَتَلَهُ فَلَا ضِرَارَ عَلَيْهِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الرَّجُلُ مُحَارِبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَاقْتُلْهُ، فَمَا أَصَابَك مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيَّ. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: قُلْت لِعُبَيْدَةَ: أَرَأَيْت إنْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ يُرِيدُ بَيْتِي؟ قَالَ: إنَّ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْك بَيْتَك لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْك مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَحِلُّ لَك نَفْسُهُ. وَعَنْ مَنْصُورٍ أَنَّهُ سَأَلَ إبْرَاهِيمَ عَنْ الرَّجُلِ يَعْرِضُ لِلرَّجُلِ يُرِيدُ مَالَهُ أَيُقَاتِلُهُ؟ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لَوْ تَرَكَهُ لَقَتَلَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا خَالِدٌ - يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ - نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي، قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ» . قَالَ عَلِيٌّ: فَمَنْ أَرَادَ أَخْذَ مَالِ إنْسَانٍ ظُلْمًا مِنْ لِصٍّ، أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ طَرْدُهُ مِنْهُ وَمَنْعُهُ: فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ حِينَئِذٍ: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - وَإِنْ تَوَقَّعَ - أَقَلَّ تَوَقُّعٍ - أَنْ يُعَاجِلَهُ اللِّصُّ: فَلْيَقْتُلْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: اللِّصُّ مُحَارِبٌ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحَارِبِ؟ قُلْنَا: فَإِنْ كَابَرَ وَغَلَبَ فَهُوَ مُحَارِبٌ، وَاخْتِيَارُ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارِبِ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى غَيْرِهِ، أَوْ إلَى مَنْ قَامَ بِالْحَقِّ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إمَامٌ، وَإِنْ لَمْ يُكَابِرْ وَلَا غَلَبَ، لَكِنْ تَلَصَّصَ: فَلَيْسَ مُحَارِبًا، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ أَصْلًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة صاحب المعبر يعبر بدواب فغرقت.

[مَسْأَلَةٌ صَاحِبُ الْمَعْبَرِ يَعْبُرُ بِدَوَابَّ فَغَرِقَتْ.] صَاحِبُ الْمَعْبَرِ يَعْبُرُ بِدَوَابَّ فَغَرِقَتْ. قَالَ عَلِيٌّ: نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ، قَالَ لِي: صَاحِبُ الْمَعْبَرِ يَعْبُرُ بِدَوَابَّ فَغَرِقَتْ؟ قَالَ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ إلَّا أَنْ يُبَاشِرَ تَعْطِيبَ الْمَعْبَرِ، أَوْ تَعْطِيبَ السَّفِينَةِ، فَيَضْمَنُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ اسْتَعَانَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَتَلِفَ] 2118 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ اسْتَعَانَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَتَلِفَ؟ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى صَبِيًّا فَرَسًا فَقَتَلَهُ؟ قَالَ: يَضْمَنُ الرَّجُلُ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَعَنِتَ فَهُوَ ضَامِنٌ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي عَبْدِ رَجُلٍ أَكْرَهَهُ رَجُلٌ فَحَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ فَأَوْطَأَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ؟ قَالَ: يَغْرَمُ الَّذِي حَمَلَ الْعَبْدَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ اسْتَعَانَ صَغِيرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَعَنِتَ، فَهُوَ ضَامِنٌ. وَمَنْ اسْتَعَانَ كَبِيرًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَعَنَتْ فَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا فَرَسًا فَقَتَلَهُ: أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا. وَعَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ حَيَّانَ الْحِمَّانِيُّ يَصْنَعُ الْخَيْلَ، وَأَنَّهُ حَمَلَ ابْنَهُ عَلَى فَرَسٍ فَخَرَّ، فَتَقَطَّرَ مِنْ الْفَرَسِ فَمَاتَ، فَجُعِلَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ زَمَانَ زِيَادٍ بِالْبَصْرَةِ. وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: مَنْ حَمَلَ غُلَامًا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ فَمَاتَ، فَقَدْ غَرِمَ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا؟ وَقَالَ: يَغْرَمُ دِيَتَهُ لَوْ جَرَحَهُ. وَعَنْ رَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُمَا قَالَا جَمِيعًا: مَنْ اسْتَعَانَ غُلَامًا لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَهُوَ لِمَا أَصَابَهُ ضَامِنٌ - وَقَالَا فِي الْحُرِّ يَمْلِكُ نَفْسَهُ: لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ اسْتِعَانَةُ شَيْءٍ إذَا أَتَى ذَلِكَ طَائِعًا؟ قَالَ رَبِيعَةُ: إلَّا أَنْ يُسْتَغْفَلَ، أَوْ يُسْتَجْهَلَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْت اللَّيْثَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي الزِّنَادِ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْغُلَامِ يَسْتَعِينُهُ رَجُلٌ - وَلَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ -: فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ -، وَإِنْ اسْتَعَانَهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ اسْتَعَانَ مَمْلُوكًا بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ ضَمِنَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَحَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ مَنْ اسْتَعَانَ غُلَامًا - لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ - بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ، فَإِنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ -، وَإِنْ اسْتَعَانَهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ -، وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَنْ حَمَلَ غُلَامًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ فَسَقَطَ فَمَاتَ فَقَدْ غَرِمَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُمَا. أَمَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَحَصَلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: مَنْ أَعْطَى صَبِيًّا فَرَسًا فَقَتَلَهُ، فَالْمُعْطِي ضَامِنٌ وَعَنْ رَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، نَحْوُ ذَلِكَ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، نَحْوُ ذَلِكَ. فَلَمْ يُفَرِّقْ هَؤُلَاءِ بَيْنَ إذْنِ أَهْلِهِ، وَلَا بَيْنَ غَيْرِ إذْنِهِمْ. وَحَصَلَ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ: مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا بَالِغًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ تَلِفَ - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، نَحْوُهُ.

وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، قَالُوا: مَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ عِنْدَهُ بِحُمَّى أَوْ فَجْأَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ: فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ، وَكَانَ زُفَرُ يَقُولُ: لَا يَضْمَنُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إذَا أَرْسَلَ صَبِيًّا فِي حَاجَةٍ فَجَنَى الصَّبِيُّ جِنَايَةً، قَالَ: فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَتِهِ، قَالَ: فَإِذَا أَرْسَلَ مَمْلُوكًا فِي حَاجَةٍ فَجَنَى، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ، قَالَ: فَإِنْ اسْتَعْمَلَ أَجِيرًا صَغِيرًا فِي حَاجَةٍ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَنْ أَمَرَ صَغِيرًا، أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِأَنْ يَسْقِيَهُ مَاءً، أَوْ يُنَاوِلَهُ وَضُوءًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قَالَ: فَإِنْ عَنِتَا فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُمَا. وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَعَانَ صَغِيرًا، أَوْ عَبْدًا مَمْلُوكًا فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ، فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُمَا - إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ - وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ أَنْ يَنْزِلَ فِي بِئْرٍ، أَوْ يَرْقَى فِي نَخْلَةٍ، فَهَلَكَ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ - فَإِنْ اسْتَعَانَ كَبِيرًا حُرًّا فَأَعَانَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُسْتَغْفَلَ أَوْ يُسْتَجْهَلَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ غَصَبَ حُرًّا فَبَاعَهُ فَطُلِبَ؟ فَلَمْ يُوجَدْ: أَنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ - وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - فَلَا نَعْلَمُ لَهُ فِي هَذَا قَوْلًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا بَعَثَتْ إلَى مُعَلِّمِ الْكِتَابِ، ابْعَثْ لِي غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ صُوفًا وَلَا تَبْعَثْ إلَيَّ حُرًّا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعُهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ - فَابْتَدَأْنَا بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فَأَمَّا الرِّوَايَةُ - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي طَلَبِهَا غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ لَهَا الصُّوفَ، وَاشْتَرَطَتْ: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ حُرٌّ؟ فَلَيْسَ فِيهِ مِنْ حُكْمِ التَّضْمِينِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهَا - وَلَعَلَّ نَفْشَ الصُّوفِ كَانَ بِحَضْرَتِهَا

فَكَرِهَتْ أَنْ يَرَاهَا حُرٌّ مِنْ الصِّبْيَانِ - وَلَعَلَّهُ قَدْ قَارَبَ الْبُلُوغَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ - وَرُؤْيَةُ الْعَبِيدِ لَهَا مُبَاحٌ، وَنَفْشُ الصُّوفِ لَا يُطِيقُهُ إلَّا مَنْ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ الْغِلْمَانِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَلَا نَقْطَعُ بِهَذَا أَيْضًا إلَّا أَنَّنَا نَقْطَعُ أَنَّهُ لَيْسَ خَبَرُهَا هَذَا مِنْ حُكْمِ التَّضْمِينِ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْ صَاحِبٍ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَوَجَدْنَاهُ حَدَّ مِقْدَارَ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ - وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَى خُصُومِهِمْ بِقَوْلٍ قَدْ خَالَفُوهُ هُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَقِيَتْ الْأَقْوَالُ غَيْرُهَا، وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا - تَضْمِينُ مَنْ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَغِيرًا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِمَا وَتَرْكُ تَضْمِينِهِ، إنْ اسْتَعْنَاهُمَا بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا. وَالثَّانِي - تَضْمِينُهُ كَيْفَمَا اسْتَعَانَهُمَا بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا. وَالثَّالِثُ - قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْعَبْدَ الْكَبِيرَ لَا يَضْمَنُ مَنْ اسْتَعَانَهُ، لَكِنْ مَنْ اسْتَعَانَ الصَّغِيرَ ضَمِنَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِي الصَّغِيرِ يُغْصَبُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ بِحُمَّى، أَوْ فَجْأَةً، فَلَا يَضْمَنُ غَاصِبُهُ شَيْئًا، وَبَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِصَاعِقَةٍ تَحْرِقُهُ، أَوْ حَيَّةٍ تَنْهَشُهُ فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ - وَهَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ. وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا مُسْتَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَلَا احْتِيَاطٌ - وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَا مِرْيَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا خَطَأً؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ اسْتِعَانَةِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ فِي الْأَمْرِ ذِي الْبَالِ فَيَضْمَنُ، وَمَنْ اسْتَعَانَهُمَا فِي الْأَمْرِ غَيْرِ ذِي الْبَالِ فَلَا يَضْمَنُ - وَهَذَا أَيْضًا تَقْسِيمٌ لَا يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ

صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ وَلَا مَعْقُولٌ - وَلَا يَخْلُو مُسْتَعِينُ الصَّغِيرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ، أَوْ لَا يَكُونَ مُتَعَدِّيًا. -: فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَحُكْمُ الْعُدْوَانِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ - وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا، فَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ مِمَّا لَيْسَ عُدْوَانًا سَوَاءٌ -، وَكَذَلِكَ إيجَابُ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ بَاعَ حُرًّا فَلَمْ يُوجَدْ الْحُرُّ؟ فَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَخَطَأٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَسْتَسْقِيَ الْمَرْءُ الصَّبِيَّ، وَعَبْدَ غَيْرِهِ الْمَاءَ، أَوْ يُكَلِّفَهُمَا أَنْ يَحْمِلَا لَهُ وُضُوءًا - ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ ضَمَانَهُمَا إنْ تَلِفَا فِي ذَلِكَ، فَكَيْف يُجْعَلُ الضَّمَانُ فِيمَا حَدَثَ مِنْ فِعْلٍ قَدْ أَبَاحَهُ لِفَاعِلِهِ مِمَّا لَمْ يُبَاشِرْ هُوَ تِلْكَ الْجِنَايَةِ هَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ فَخَطَأٌ أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ يُرْسِلُ الصَّغِيرَ وَالْعَبْدَ لِغَيْرِهِ فِي حَاجَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِمَا فَجَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةً فَيَضْمَنُ الْمُرْسِلُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ، وَلَا يَضْمَنُ جِنَايَةَ الْحُرِّ الصَّغِيرِ - وَهُوَ قَوْلٌ لَا يَعْضُدُهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّلَائِلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - مَنْ أَرْسَلَ صَغِيرًا فِي حَاجَتِهِ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا صَغِيرًا فِي عَمَلٍ شَاقٍّ فَتَلِفَ فِيهِ ضَمِنَ - وَإِنْ كَانَ الْأَجِيرُ كَبِيرًا لَمْ يَضْمَنْ - فَهَذِهِ فُرُوقٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا، هَلْ نَجِدُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَوَجَدْنَا - مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَوَاَللَّهِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ هَكَذَا؟ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا» فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اسْتَخْدَمَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ يَتِيمٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فِي الْأَسْفَارِ الْبَعِيدَةِ، وَالْقَرِيبَةِ، وَالْغَزَوَاتِ الْمُخِيفَةِ، وَفِي الْحَضَرِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ بِإِذْنِ أُمِّهِ وَزَوْجِهَا وَأَهْلِهِ؟ قُلْنَا لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: نَعَمْ، قَدْ كَانَ هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي إنَّمَا اسْتَخْدَمْته لِإِذْنِ أَهْلِهِ لِي فِي ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذْنُهُمْ وَتَرْكُ إذْنِهِمْ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ حُسْنُ النَّظَرِ لِلْغُلَامِ، فَإِنْ كَانَ مَا اسْتَعَانَهُ فِي عَمَلِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ نَظَرًا لَهُ فَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ - أَذِنَ أَهْلُهُ وَوَلِيُّهُ أَمْ لَمْ يَأْذَنُوا - وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ لَهُ فَهُوَ ظُلْمٌ -: أَذِنَ أَهْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنُوا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] . وقَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلَمْ يَأْتِ بِمُرَاعَاةِ إذْنِ أَهْلِ الْغُلَامِ: لَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ - فَبَطَلَ مُرَاعَاةُ إذْنِهِمْ بِيَقِينٍ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعِينُ بِالْغُلَامِ نَاظِرًا لِلْغُلَامِ فِي تِلْكَ الِاسْتِعَانَةِ أَوْ غَيْرَ نَاظِرٍ لَهُ -: فَإِنْ كَانَ نَاظِرًا لَهُ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَإِذَا هُوَ مُحْسِنٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَهُ مِمَّا لَمْ يَجْنِهِ هُوَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَاظِرٍ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَضْمَنُ دِيَةَ الْمَظْلُومِ. أَلَا تَرَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ ظَلَمَ إنْسَانًا حُرًّا يُسَخِّرُهُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ فَتَلِفَ هُنَالِكَ؟ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ الظَّالِمُ لَهُ، وَلَا فَرْقَ هَاهُنَا بَيْنَ ظُلْمٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا دِيَةَ إلَّا عَلَى قَاتِلٍ، وَالْمُسْتَعِينُ الظَّالِمُ لَمْ يُتْلِفْ الْمُسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِينَ لَهُ لَا يُسَمَّى قَاتِلًا لَهُ، وَلَا مُبَاشِرَ قَتْلِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا - صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا - إلَّا أَنْ يُبَاشِرَ، أَوْ يَأْمُرَ بِإِكْرَاهِهِ وَإِدْخَالِهِ الْبِئْرَ، أَوْ تَطْلِيعِهِ فِي مَهْوَاةٍ فَيَطْلُعُ كَرْهًا لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ - فَهَذَا قَاتِلُ عَمْدٍ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، فَظَهَرَ أَمْرُ الصَّغِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْعَبْدُ - يُسَخِّرُهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُكْرِهْهُ لَكِنْ اسْتَعَانَهُ بِرَغْبَةٍ فَأَعَانَهُ فَتَلِفَ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُبَاشِرْ إتْلَافَهُ، وَلَا ضَمَّهُ بِغَصْبٍ، فَلَا غَرَامَةَ فِيهِ أَصْلًا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ إجَارَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ - وَهُوَ مَالُ غَيْرِهِ - فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ.

مسألة في قول الله تعالى ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَإِنْ غَصَبَ الْعَبْدَ فَاسْتَعْمَلَهُ، أَوْ أَكْرَهَهُ بِالتَّهْدِيدِ، فَقَدْ غَصَبَ أَيْضًا، وَقَدْ ضَمِنَ مُغْتَصِبُهُ كُلَّ مَا أَصَابَهُ عِنْدَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ مَا سَخَّرَهُ فِيهِ، أَوْ مِمَّا سَخَّرَهُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَعَدَّى عَلَيْهِ هَذَا الْمُكْرِهُ، فَلَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا بُدَّ، أَوْ مِثْلِهِ إنْ فَاتَ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ - وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ أَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا إذْنَ لَهُمْ فِيهِ، إلَّا فِيمَا هُوَ حَظٌّ لِلصَّبِيِّ فَقَطْ، وَإِلَّا فِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا] 2119 - مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] قَالَ: مَنْ أَوْبَقَهَا {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] قَالَ: مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا. وَبِهِ - إلَى سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] قَالَ: مَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ فَقَدْ أَحْيَاهَا. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] قَالَ: مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا. قَالَ عَلِيٌّ هَذَا لَيْسَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ فَيَسْلَمُ لَهُ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا خُصَيْفٌ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

مسألة شق نهرا فغرق ناسا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حُكْمٌ إنَّمَا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 32] . قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا أَمْرٌ قَدْ كُفِينَاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - إذْ لَوْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا لَأَعْلَمَنَا بِذَلِكَ، فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا، وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَهُوَ مِنْ الْإِصْرِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا. وَأَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَدْعُوَهُ فِي أَنْ لَا يَحْمِلَهُ عَلَيْنَا إذْ يَقُولُ تَعَالَى {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] فَإِذْ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فَلَمْ نُكَلَّفْ مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّتِهِ، إلَّا أَنَّ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا: هُوَ تَحْرِيمُ الْقَتْلِ، وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِيهِ، فَفَرَضَ عَلَيْنَا اجْتِنَابَهُ، وَاعْتِقَادَ أَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ، وَهُوَ مَعَ تَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهُ. وَمِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَلَيْنَا اسْتِنْقَاذَ كُلِّ مُتَوَرِّطٍ مِنْ الْمَوْتِ إمَّا بِيَدِ ظَالِمٍ كَافِرٍ، أَوْ مُؤْمِنٍ مُتَعَدٍّ، أَوْ حَيَّةٍ أَوْ سَبُعٍ، أَوْ نَارٍ أَوْ سَيْلٍ، أَوْ هَدْمٍ أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ مِنْ عِلَّةٍ صَعْبَةٍ نَقْدِرُ عَلَى مُعَانَاتِهِ مِنْهَا، أَوْ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، فَوَعَدَنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَجْرَ الْجَزِيلَ الَّذِي لَا يُضَيِّعُهُ رَبُّنَا تَعَالَى، الْحَافِظُ عَلَيْنَا صَالِحَ أَعْمَالِنَا وَسَيِّئَهُ. فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَأْتِيَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْصَى أَجْرَنَا عَلَى ذَلِكَ مَنْ يُجَازِي عَلَى مِثْقَالِ الذَّرَّةِ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ لِمَا يُرْضِيهِ بِمَنِّهِ آمِينَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعْتَصِمُ. [مَسْأَلَةٌ شَقَّ نَهْرًا فَغَرَّقَ نَاسًا] 2120 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ شَقَّ نَهْرًا فَغَرَّقَ نَاسًا، أَوْ طَرَحَ نَارًا، أَوْ هَدَمَ بِنَاءً فَقَتَلَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ شَقَّ نَهْرًا فَغَرَّقَ قَوْمًا، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا لِيُغْرِقَهُمْ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ وَالدِّيَاتُ مِنْ قَتْلِ جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ شَقَّهُ لِمَنْفَعَةٍ أَوْ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ - وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ لَا يُصِيبُ بِهِ أَحَدًا - فَمَا هَلَكَ بِهِ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ، وَالدِّيَاتُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْكَفَّارَةُ

مسألة أوقد نارا ليصطلي فاشتعلت تلك النار فأتلفت أمتعة وناسا

عَلَيْهِ؛ لِكُلِّ نَفْسٍ كَفَّارَةٌ، وَيَضْمَنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا أَتْلَفَ مِنْ الْمَالِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ أَلْقَى نَارًا أَوْ هَدَمَ بِنَاءً وَلَا فَرْقَ. وَإِنْ عَمَدَ إحْرَاقَ قَوْمٍ أَوْ قَتْلَهُمْ بِالْهَدْمِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمِدْ ذَلِكَ فَهُوَ قَاتِلُ خَطَأٍ. وَلَوْ سَاقَ مَاءً فَمَرَّ عَلَى حَائِطٍ فَهَدَمَ الْمَاءُ الْحَائِطَ فَقَتَلَ: فَكَمَا قُلْنَا أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مُبَاشِرٌ لِإِتْلَافِ مَا تَلِفَ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْجَانِي، أَوْ تَلِفَ بِهِ مَالٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَدَثَتْ بَعْدَهُ، وَلَا جِنَايَةَ عَلَى مَيِّتٍ. وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا رَمَى حَجَرًا أَوْ سَهْمًا ثُمَّ مَاتَ إثْرَ خُرُوجِ السَّهْمِ أَوْ الْحَجَرِ فَأَصَابَ الْحَجَرُ أَوْ السَّهْمُ إنْسَانًا - عَمَدَهُ أَوْ لَمْ يَعْمِدْهُ - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَكُنْ إلَّا وَهُوَ مِمَّنْ لَا فِعْلَ لَهُ، بِخِلَافِ مَا خَرَجَ خَطَأً ثُمَّ مَاتَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ وَقَعَتْ وَهُوَ حَيٌّ، فَلَوْ جُنَّ إثْرَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الْحَجَرِ فَكَمَوْتِهِ وَلَا فَرْقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا النَّائِمُ فَبِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمَجْنُونِ، لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ، وَهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبِينَ، إلَّا أَنَّهُ لَا عَمْدَ لَهُ، فَلَوْ أَنَّ نَائِمًا انْقَلَبَ فِي نَوْمِهِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَوْقَدَ نَارًا لِيَصْطَلِيَ فَاشْتَعَلَتْ تِلْكَ النَّارُ فَأَتْلَفَتْ أَمْتِعَةً وَنَاسًا] 2121 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا مَنْ أَوْقَدَ نَارًا لِيَصْطَلِيَ، أَوْ لِيَطْبُخَ شَيْئًا، أَوْ أَوْقَدَ سِرَاجًا ثُمَّ نَامَ، فَاشْتَعَلَتْ تِلْكَ النَّارُ فَأَتْلَفَتْ أَمْتِعَةً وَنَاسًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا. وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٍ رَمَى نَارًا فِي دَارِ قَوْمٍ فَاحْتَرَقُوا، قَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ عَلَيْهِ قَوَدٌ وَلَا يُقْتَلُ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ قَالَ: أَحْرَقَ رَجُلٌ تِبْنًا فِي فَرَاجٍ لَهُ فَخَرَجَتْ شَرَرَةٌ مِنْ نَارٍ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا لِجَارِهِ؟ فَكَتَبْت فِيهِ إلَى

2122 - مسألة ما جاء في الرجل

عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَكَتَبَ إلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» وَأَرَى أَنَّ النَّارَ جُبَارٌ. قَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: النَّارُ عَجْمَاءُ فَهِيَ جُبَارٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا، هَلْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ؟ فَوَجَدْنَا - مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ: نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ الصَّمُوتُ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّارُ جُبَارٌ» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد نا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ نا زَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ نا عَبْدُ الْمَلِكِ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّارُ جُبَارٌ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، فَوَجَبَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ مَا تَلِفَ بِالنَّارِ فَهُوَ هَدْرٌ، إلَّا نَارًا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى تَضْمِينِ طَارِحِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مَا تَعَمَّدَ الْإِنْسَانُ طَرْحَهَا لِلْإِفْسَادِ، وَالْإِتْلَافِ، فَهَذَا مُبَاشِرٌ مُتَعَدٍّ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِيمَا عَمَدَ قَتْلَهُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ. وَأَمَّا نَارٌ أَوْقَدَهَا غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَهِيَ جُبَارٌ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَّا مَا خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا إجْمَاعَ إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَصْدِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [2122 - مَسْأَلَةٌ مَا جَاءَ فِي الرِّجْلِ] ؟ قَالَ عَلِيٌّ: جَاءَ فِي الرِّجْلِ أَثَرٌ نَذْكُرُهُ، وَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَسَدٍ الْبَاهِلِيُّ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» .

مسألة الجاني يستقاد منه فيموت أحدهما

نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ نا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الرِّجْلُ جُبَارٌ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَجَاءَ هَذَا أَيْضًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ نا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا أَبُو فَرْوَةَ - هُوَ عُرْوَةُ بْنُ الْحَارِثِ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الرِّجْلُ جُبَارٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ قَوْمٌ: سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ. قَالَ عَلِيٌّ وَمَا نَدْرِي وَجْهَ هَذَا؟ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ثِقَةٌ، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ خَطَأً فَلْيُبَيِّنْهُ؟ وَإِلَّا فَرِوَايَتُهُ حُجَّةٌ، وَهَذَا إسْنَادٌ مُسْتَقِيمٌ لِاتِّصَالِ الثِّقَاتِ فِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى " الرِّجْلُ جُبَارٌ ": إنَّمَا هُوَ مَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَا أُصِيبَ بِالرِّجْلِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَكِلَا التَّفْسِيرَيْنِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِلَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِلَا بُرْهَانٍ [وَدَعْوَى] بِلَا دَلِيلٍ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا جُنِيَ بِرِجْلٍ مِنْ إنْسَانٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، فَهُوَ هَدْرٌ لَا غَرَامَةَ فِيهِ، وَلَا قَوَدَ، وَلَا كَفَّارَةَ، إلَّا مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ بِهِ بِأَنَّهُ مَحْكُومٌ فِيهِ بِالْقَوَدِ، كَالتَّعَمُّدِ لِذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْجَانِي يُسْتَقَادُ مِنْهُ فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا] 2123 - مَسْأَلَةٌ: الْجَانِي يُسْتَقَادُ مِنْهُ فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا - فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا مَاتَ الْمُسْتَقِيدُ، فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ اسْتَقَادَ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَقِيدُ مِنْ الَّذِي أَصَابَهُ، قَالَ أَرَى: أَنْ يُودَى؟ قُلْت: فَمَاتَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ، قَالَ: أَرَى أَنْ يُودَى، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَظُنُّ أَنَّهُ سَيُودَى.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَقَادَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ غَرِمَ دِيَتَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يُودَى - يَعْنِي الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ. وَبِهِ - إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ أَشَلَّ أُصْبُعَ رَجُلٍ؟ قَالَ يَسْتَقِيدُ مِنْهُ، فَإِنْ شُلَّتْ أُصْبُعُهُ، وَإِلَّا غَرِمَ لَهُ الدِّيَةَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ أَوْ غَيْرِهِ - شَكَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي ذَلِكَ - الشَّعْبِيُّ فِي رَجُلٍ جَرَحَ رَجُلًا فَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ هَلَكَ الْمُسْتَقَادُ؟ قَالَ: عَقْلُهُ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ وَيُطْرَحُ عَنْهُ دِيَةُ جُرْحِهِ مِنْ ذَلِكَ فَمَا فَضَلَ فَهُوَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ الْحَارِثِ الْعُقَيْلِيِّ فِي الَّذِي يُسْتَقَادُ مِنْهُ ثُمَّ يَمُوتُ، قَالَ: يَغْرَمُ دِيَتَهُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ خَطَأٌ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُقْتَصِّ مِنْهُ: أَيُّهُمَا مَاتَ وُدِيَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: اسْتَأْذَنْت زِيَادَ بْنَ جَرِيرٍ فِي الْحَجِّ فَسَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا فَاقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فَقُلْت: عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَيُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ الشَّجَّةِ، ثُمَّ نَسِيتُ ذَلِكَ، فَجَاءَ إبْرَاهِيمُ فَسَأَلْته فَقَالَ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ، قَالَ شُعْبَةُ فَسَأَلْت الْحَكَمَ وَحَمَّادًا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: عَلَيْهِ الدِّيَةُ. وَقَالَ حَمَّادٌ: وَيُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ الشَّجَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: إذَا اقْتَصَّ مِنْ يَدٍ، أَوْ شَجَّةٍ، فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الَّذِي يُقْتَصُّ مِنْهُ دِيَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَطْرَحُ عَنْهُ دِيَةَ جُرْحِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا شَيْءَ فِي هَلَاكِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ.

كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ فِي الْقِصَاصِ: قَتَلَهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ حَقٌّ، لَا دِيَةَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَا جَمِيعًا: مَنْ مَاتَ فِي قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ، فَلَا دِيَةَ لَهُ. وَبِهِ - إلَى قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ مَنْ مَاتَ فِي قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ، فَلَا دِيَةَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا كُنْت لِأُقِيمَ عَلَى رَجُلٍ حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا إلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ، لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا جَمِيعًا فِي الْمُقْتَصِّ مِنْهُ يَمُوتُ؟ قَالَا جَمِيعًا: قَتَلَهُ الْحَقُّ وَلَا دِيَةَ لَهُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ ذَلِكَ: قَتَلَهُ الْحَقُّ، لَا دِيَةَ لَهُ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، قَالَا: مَنْ قَتَلَهُ حَدٌّ فَلَا عَقْلَ لَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ اُسْتُقِيدَ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ فَقَتَلَهُ الْقَوَدُ، فَلَيْسَ لَهُ عَقْلٌ - وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ اُسْتُقِيدَ مِنْهُ حَقٌّ قِبَلَهُ لِلنَّاسِ فَمَاتَ مِنْهُ غَرِمَهُ الْمُسْتَقِيدُ: رَفَضَ النَّاسُ حُقُوقَهُمْ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ يُونُسُ: قَالَ رَبِيعَةُ: إنْ مَاتَ الْأَوَّلُ - وَهُوَ الْمُقْتَصُّ - قُتِلَ بِهِ الْجَارِحُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ - وَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ - وَهُوَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ - فَبِحَقٍّ أُخِذَ مِنْهُ كَانَ مِنْهُ التَّلَفُ. وَبِهِ - يَقُولُ مَالِكٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا - أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ وُدِيَ، وَإِنْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وُدِيَ، وَرُفِعَ عَنْهُ قَدْرُ جِنَايَتِهِ.

وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ يَقُولُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ يُودَى، وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُ لِجِنَايَتِهِ شَيْءٌ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ -: أَنَّهُ لَا دِيَةَ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ فَنَتْبَعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: أَنَّهُ يُودَى جُمْلَةً، فَإِمَّا يُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، وَإِمَّا لَا يُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ. يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَالْجَارِحِ، وَالْكَاسِرِ، وَالْفَاقِئِ، وَالضَّارِبِ: الْقَوَدَ مِمَّا فَعَلُوا فَقَطْ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ قَتْلًا، فَدِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا لَوْ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ فَلَزِمَهُ الْقَوَدُ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِمَّا فَعَلَ بِهِ بِحَقٍّ، فَقَدْ أُصِيبَ دَمُهُ خَطَأً، فَفِيهِ الدِّيَةُ. وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّ مَنْ أَدَّبَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ فِيهَا الدِّيَةُ، وَهُوَ إنَّمَا فَعَلَ مُبَاحًا، فَهَذَا الْمُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مُبَاحٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَاتَيْنِ؟ فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ الدِّيَةَ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ قَالُوا: إنَّ الْقِصَاصَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِذْ أَحْسَنَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَإِذْ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فَلَا غَرَامَةَ تَلْحَقُهُ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِهِ. وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُقْتَصِّ عَلَى مَوْتِ امْرَأَتِهِ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ قِيَاسٌ مُمَوَّهٌ وَذَلِكَ مَنْ أَدَّبَ امْرَأَتَهُ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا - وَضَعَ الْأَدَبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ - أَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ. فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ وَضَعَ الْأَدَبَ مَوْضِعَهُ، فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْأَدَبِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ، إذْ لَمْ يُبَحْ لَهُ قَطُّ أَنْ يُؤَدِّبَهَا أَدَبًا يُمَاتُ مَعَ مِثْلِهِ، وَمَنْ أَدَّبَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْأَدَبِ فَهُوَ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ، وَالْقَوَدُ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْلِدَ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ - عَلَى مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا رُوِّينَا - مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» . قَالُوا: فَلَمْ يُبَحْ لَهُ فِي الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، وَلَا أُبِيحَ لَهُ جَلْدُهَا بِمَا يَكْسِرُ عَظْمًا، وَيَجْرَحُ جِلْدًا، أَوْ يُعَفِّنُ لَحْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا هُوَ غَيْرُ الْجَلْدِ، وَلَمْ يُبَحْ لَهُ إلَّا الْجَلْدُ وَحْدَهُ. وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ عَشْرَ جَلَدَاتٍ لِامْرَأَةٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ مَرِيضَةٍ، وَلَا ضَعِيفَةٍ، وَلَا صَغِيرَةٍ: لَا تَجْرَحُ، وَلَا تَكْسِرُ، وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ مِنْهَا أَحَدٌ. فَإِنْ وَافَقَتْ مَنِيَّةً فِي خِلَالِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ: فَبِأَجْلِهَا مَاتَتْ، وَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَوَدَ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ مِنْ فِعْلِهِ أَصْلًا. وَإِنْ تَعَدَّى فِي الْعَدَدِ أَوْ ضَرَبَ بِمَا يَكْسِرُ، أَوْ يَجْرَحُ، أَوْ يُعَفِّنُ فَعَفَنَ، أَوْ جَرَحَ أَوْ كَسَرَ، فَالْقَوَدُ فِي كُلِّ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ، فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، أَوْ الدِّيَةُ فِيمَا لَمْ يَعْمِدْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْهُ إنَّمَا أُبِيحَ عُضْوُهُ، أَوْ بَشَرَتُهُ وَلَمْ يُبَحْ دَمُهُ - فَصَحَّ أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ خَطَأً، فَفِيهِ الدِّيَةُ - فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ غَيْرُ

مسألة أفزعه السلطان فتلف

صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَخْذِهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ، كَقَطْعِ الْيَدِ، أَوْ شَقِّ الرَّأْسِ، أَوْ كَسْرِ الْفَخِذِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. أَوْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ، كَاللَّطْمَةِ، وَضَرْبَةِ السَّوْطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ فَذَلِكَ الَّذِي قَصَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَدَّى بِمَا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِمَا قَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى ذَلِكَ بَنَى فِيهِ، وَعَلَى ذَلِكَ بَنَى هُوَ فِيمَا تَعَدَّى فِيهِ. وَالْوَجْهُ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَتَعَمَّدَهُ فِيهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ عُدْوَانًا، وَإِذْ لَيْسَ عُدْوَانًا عَلَيْهِ فَلَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ خَطَأً، فَإِنْ مَاتَ مِنْ عَمْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَتَعَمَّدَهُ فِيهِ، وَلَمْ يُكَلِّفْنَا أَنْ لَا يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ - وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ، وَلَا أَغْفَلَهُ، وَلَا ضَيَّعَهُ، فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا تَعَالَى ذَلِكَ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْهُ قَطُّ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي اقْتَصَّ بِهِ مِنْهُ مِمَّا لَا يُمَاتُ مِنْهُ أَصْلًا فَوَافَقَ مَنِيَّتَهُ فَإِنَّمَا مَاتَ بِأَجَلِهِ، وَلَمْ يَمُتْ مِمَّا عَمِلَ بِهِ، لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ. فَإِنْ تَعَمَّدَ الْمُقْتَصُّ فَتَعَدَّى عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، وَإِنْ أَخْطَأَ فَأَتَى بِمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ عَمَلُهُ: فَهُوَ خَطَأٌ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي النَّفْسِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَفْزَعَهُ السُّلْطَانُ فَتَلِفَ] 2124 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَفْزَعَهُ السُّلْطَانُ فَتَلِفَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ إلَى امْرَأَةٍ مُغَنِّيَةٍ كَانَ يُدْخَلُ عَلَيْهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهَا: أَجِيبِي عُمَرَ؟ فَقَالَتْ: يَا وَيْلَهَا مَالَهَا وَلِعُمَرَ؟ قَالَ: فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الطَّرِيقِ فَزِعَتْ، فَضَمَّهَا الطَّلْقُ، فَدَخَلَتْ دَارًا فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا فَصَاحَ الصَّبِيُّ صَيْحَتَيْنِ فَمَاتَ؟ فَاسْتَشَارَ عُمَرَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ: أَنْ لَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ، إنَّمَا أَنْتَ وَالٍ،

مسألة سم طعاما لإنسان

وَمُؤَدِّبٌ، قَالَ: وَصَمَتَ عَلِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: إنْ كَانُوا قَالُوا بِرَأْيِهِمْ فَقَدْ أَخْطَأَ رَأْيُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَالُوا فِي هَوَاك؟ فَلَمْ يَنْصَحُوا لَك، أَرَى أَنَّ دِيَتَهُ عَلَيْك لِأَنَّكَ أَنْتَ أَفْزَعْتهَا، وَأَلْقَتْ وَلَدَهَا فِي سَبِيلِك، فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَقْسِمَ عَقْلَهُ عَلَى قُرَيْشٍ - يَعْنِي: يَأْخُذَ عَقْلَهُ مِنْ قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدْ اخْتَلَفُوا، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] . فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] ، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: 104] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» . فَصَحَّ أَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَفْتَرِضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَئِمَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَمْرًا إنْ لَمْ يَعْمَلُوهُ عَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ يُؤَاخِذُهُمْ فِي ذَلِكَ؟ وَوَجَدْنَا هَذِهِ الْمَبْعُوثُ فِيهَا: بُعِثَ فِيهَا بِحَقٍّ، وَلَمْ يُبَاشِرْ الْبَاعِثُ فِيهَا شَيْئًا أَصْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ عَلَيْهِ دِيَةُ وَلَدِهَا لَوْ بَاشَرَ ضَرْبَهَا أَوْ نَطْحَهَا - وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَاشِرْ فَلَمْ يَجْنِ شَيْئًا أَصْلًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ مَنْ رَمَى حَجَرًا إلَى الْعَدُوِّ فَفَزِعَ مِنْ هُوِيِّهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ، فَهَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَكَذَلِكَ مَنْ بَنَى حَائِطًا فَانْهَدَمَ، فَفَزِعَ إنْسَانٌ فَمَاتَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ سَمَّ طَعَامًا لِإِنْسَانٍ] 2125 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ سَمَّ طَعَامًا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ دَعَاهُ إلَى أَكْلِهِ، فَأَكَلَهُ، فَمَاتَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ مَنْ سَمَّ طَعَامًا وَقَدَّمَهُ إلَى إنْسَانٍ وَقَالَ لَهُ: كُلْ فَأَكَلَ فَمَاتَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، لَكِنْ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. قَالَ آخَرُونَ: لَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ضَمَانُ الطَّعَامِ الَّذِي أَفْسَدَ - إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ - وَالْأَدَبُ، إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهُ إيَّاهُ: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي إيجَارِهِ إيَّاهُ - وَهُوَ يَدْرِي - أَنَّهُ يَقْتُلُ: أَنَّ فِيهِ الْقَوَدَ - وَلَهُ فِي إذَا لَمْ يُؤَجِّرْهُ إيَّاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَالْآخَرُ: كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ [لَعَلَّ] فِي ذَلِكَ سُنَّةً جَرَتْ؟ فَوَجَدْنَا. مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ " عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ أُمَّ مُبَشِّرٍ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: مَا نَتَّهِمُ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي لَا أَتَّهِمُ بِابْنِي إلَّا الشَّاةَ الْمَسْمُومَةَ الَّتِي أَكَلَ مَعَكَ بِخَيْبَرَ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا لَا أَتَّهِمُ بِنَفْسِي إلَّا ذَلِكَ فَهَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهِرِي» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرُبَّمَا حَدَّثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُبَّمَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ - وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَّ مَعْمَرًا كَانَ يُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مَرَّةً مُرْسَلًا فَيَكْتُبُونَهُ، وَيُحَدِّثُهُمْ مَرَّةً فَيُسْنِدُهُ فَيَكْتُبُونَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَسْنَدَ لَهُ مَعْمَرٌ أَحَادِيثَ كَانَ يُوقِفُهَا. وَبِهِ - إلَى أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ نا رَبَاحٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ مُبَشِّرٍ قَالَ: دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مَخْلَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هَكَذَا قَالَ عَنْ أُمِّهِ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ عَنْ أَبِيهِ. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ

ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ «أَنَّ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ سَمَّتْ شَاةً، ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا - وَفِيهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: أَسَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَعَفَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُعَاقِبْهَا، وَتُوُفِّيَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ» . وَبِهِ - إلَى أَبِي دَاوُد نا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانِ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْيَهُودِ أَهْدَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَاةً مَسْمُومَةً» . وَبِهِ - إلَى أَبِي دَاوُد نا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَدِيٍّ نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نا شُعْبَةُ نا هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلكَ؟ قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ، فَقَالُوا: أَلَا تَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهْوَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ الصِّحَاحُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّتْ لَهُ الْيَهُودِيَّةُ - لَعَنَهَا اللَّهُ - شَاةً وَأَهْدَتْهَا لَهُ مُرِيدَةً بِذَلِكَ قَتْلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَمَاتُوا مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا» فَكَانَتْ هَذِهِ حُجَّةً قَاطِعَةً، وَأَنْ لَا قَوَدَ عَلَى مَنْ سَمَّ طَعَامًا لِأَحَدٍ مُرِيدًا قَتْلَهُ فَأَطْعَمَهُ إيَّاهُ [فَمَاتَ مِنْهُ] وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَا شَيْءَ - وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُبْطِلَ دَمَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ وَجَبَ فِيهِ قَوَدٌ وَدِيَةٌ فَنَظَرْنَا: هَلْ لِلطَّائِفَةِ الْأُخْرَى اعْتِرَاضٌ أَمْ لَا؟ فَوَجَدْنَا: مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد نا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: ونا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» زَادَ «فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا، وَأَكَلَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي: أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ - فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَأَرْسَلَ إلَى الْيَهُودِيَّةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ؟ قَالَتْ: إنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرّكَ، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكًا أَرَحْتَ النَّاسَ مَعَكَ؟ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُتِلَتْ، ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ: فَمَا زِلْتُ أَجِدُ مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ قَطْعِ أَبْهَرِي» . وَمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ نُعْمَانَ - لَقِيتُهُ بِقَيْرَوَانَ إفْرِيقِيَّةَ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْبَزَّازُ أَوْ الْبَزَّارُ - شَكَّ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ - نا أَبُو هَمَّامٍ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهَا يَعْنِي: الَّتِي سَمَّتْهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي الرِّوَايَةِ فَوَجَدْنَاهَا مَعْلُولَةً: أَمَّا رِوَايَةُ وَهْبِ بْنِ بَقِيَّةَ، فَإِنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَلَمْ يُسْنِدْ مِنْهَا وَهْبٌ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي أَسْنَدَ إلَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَقَطْ. وَأَمَّا سَائِرُ الْخَبَرِ، فَإِنَّهُ أَرْسَلَهُ وَلَا مَزِيدَ - هَكَذَا فِي نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا لِمَا انْتَهَى إلَى آخِرِ لَفْظِهِ «وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» . قَالَ: وَزَادَ فَأَتَى بِخَبَرِ الشَّاةِ مُرْسَلًا فَقَطْ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَأَمَّا رِوَايَةُ قَاسِمٍ، فَإِنَّهَا عَنْ رِجَالٍ مَجْهُولِينَ: ابْنِ نُعْمَانَ الْقَيْرَوَانِيِّ لَا نَعْرِفُهُ - وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْبَزَّازُ كَذَلِكَ - وَأَبُو هَمَّامٍ كَثِيرٌ لَا نَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ - وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ يَرْوِي مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ مُسْنَدًا إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْرِضْ لِلْيَهُودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتْهُ - وَهَذَا الْقَيْرَوَانِيُّ يَرْوِي مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَهَا، فَسَقَطَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ جُمْلَةً؛ لِجَهَالَةِ نَاقِلِيهَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْرِضْ لَهَا، وَكَانَتْ الرِّوَايَةُ لَوْ صَحَّتْ - وَهِيَ لَا تَصِحُّ - مُضْطَرِبَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَرَّةً أَنَّهُ قَتَلَهَا، وَمَرَّةً أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهَا - فَلَوْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَهَا، كَمَا قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعْرِضْ لَهَا، لَكَانَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ تُتْرَكَ الرِّوَايَتَانِ مَعًا لِتَعَارُضِهِمَا؛ وَلِأَنَّ إحْدَاهُمَا وَهْمٌ، بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي سَبَبٍ وَاحِدٍ، وَيَرْجِعُ إلَى رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَضْطَرِبْ عَنْهُ، وَهُمَا: جَابِرٌ وَأَنَسٌ، اللَّذَانِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقْتُلْهَا - فَهَذَا وَجْهٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ تَصِحَّ الرِّوَايَتَانِ مَعًا فَيَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقْتُلْهَا إذْ سَمَّتْهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا سَمَّتْهُ، فَتَصِحُّ هَذِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَكُونُ مُوَافِقَةً لِرِوَايَةِ جَابِرٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَيَكُونُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَهَا لِأَمْرٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. أَوْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ - وَهُوَ أَصَحُّ الْوُجُوهِ - وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَتَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: لَمْ يَعْرِضْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا جَمِيعًا لَفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يَبْعُدُ الْوَهْمُ عَنْ الصَّاحِبِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ هُوَ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَلَا يُقِرُّهُ رَبُّهُ تَعَالَى عَلَى الْوَهْمِ، وَلَا عَلَى الْخَطَأِ فِي الدِّينِ أَصْلًا وَهَذَا أَنَّ إنْسَانًا ذَكَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَقْتُلُهَا؟ فَقَالَ: لَا، فَهَذَا هُوَ الْمُغَلَّبُ الْمَحْكُومُ بِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ - فَصَحَّ أَنَّ مَنْ أَطْعَمَ آخَرَ سُمًّا فَمَاتَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ شَيْئًا أَصْلًا، بَلْ الْمَيِّتُ هُوَ الْمُبَاشِرُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ غَرَّ آخَرَ يُورِي لَهُ طَرِيقًا أَوْ دَعَاهُ إلَى مَكَان فِيهِ أَسَدٌ فَقَتَلَهُ. وَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ عَلَى الَّتِي سَمَّتْهُ وَأَصْحَابَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ بَعْضُهُمْ: قَوَدًا وَلَا دِيَةً - فَبَطَلَ النَّظَرُ مَعَ هَذَا النَّصِّ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ سَمَّ طَعَامًا لِآخَرَ، فَأَكَلَهُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ

فَمَاتَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، إلَّا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، وَلَا يُعْرَفُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُ " قَاتِلٌ " وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْعَوَامُّ، وَلَيْسَ الْحُجَّةُ إلَّا فِي اللُّغَةِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ وَأَوْجَرَهُ السُّمَّ، أَوْ أَمَرَ مَنْ يُوجِرُهُ: فَهُوَ قَاتِلٌ بِلَا شَكٍّ، وَمُبَاشِرٌ لِقَتْلِهِ، وَيُسَمَّى " قَاتِلًا " فِي اللُّغَةِ، وَفِي الْأَثَرِ: كَمَا نا حُمَامٌ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ نا مُسَدَّدٌ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا، مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا أَبَدًا» . قَالَ عَلِيٌّ: فَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَرِبَ السُّمَّ لِيَمُوتَ بِهِ " قَاتِلًا لِنَفْسِهِ ": فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَظَهَرَ خَطَأُ مَنْ أَسْقَطَ هَاهُنَا الْقَوَدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

أحكام الجنين

[أَحْكَامُ الْجَنِينِ] [مَسْأَلَةٌ قُتِلَتْ حَامِلٌ سَوَاءٌ طَرَحَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا أَوْ لَمْ تَطْرَحْهُ] مَسْأَلَةٌ: أَحْكَامُ الْجَنِينِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فِي الْجَنِينِ أَحْكَامٌ، وَهِيَ: مَا فِي الْجَنِينِ مِنْ الْغَرَامَةِ. وَمَا فِي صِفَةِ الْجَنِينِ. وَحُكْمُهُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ نَفْخِهِ فِيهِ. وَالْمَرْأَةُ تُولِدُ عَلَى نَفْسِهَا الْإِسْقَاطَ. وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ. وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا تُلْقِي الْجَنِينَ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَامْرَأَةٌ دَاوَتْ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا. وَهَلْ فِي الْجَنِينِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ وَجَنِينُ الْأَمَةِ. وَجَنِينُ الْكِتَابِيَّةِ. خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ وَلَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ. وَجَنِينُ الدَّابَّةِ. وَنَحْنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ذَاكِرُونَ كُلَّ ذَلِكَ بَابًا بَابًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2127 - مَسْأَلَةٌ - الْحَامِلُ تُقْتَلُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: إنْ قُتِلَتْ حَامِلٌ بَيِّنَةُ الْحَمْلِ، فَسَوَاءٌ طَرَحَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا أَوْ لَمْ تَطْرَحْهُ:

مسألة هل في الجنين كفارة أم لا

فِيهِ غُرَّةٌ وَلَا بُدَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ جَنِينٌ أُهْلِكَ - وَهَذَا قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: كَمَا نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ يُونُسُ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ، قَالَ: لَيْسَ فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَقْذِفَهُ - وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَشْتَرِطْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ إلْقَاءَهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» كَيْفَمَا أُصِيبَ - أُلْقِيَ أَوْ لَمْ يُلْقَ - فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ. وَإِذَا قُتِلَتْ الْحَامِلُ فَقَدْ تَلِفَ جَنِينُهَا بِلَا شَكٍّ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ فِي الْجَنِينِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا] 2128 - مَسْأَلَةٌ - هَلْ فِي الْجَنِينِ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: مَا عَلَى مَنْ قَتَلَ مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَصُومَ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَأَسْقَطَتْ؟ قَالَ: يَغْرَمُ غُرَّةً، وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَلَا يَرِثُ مِنْ تِلْكَ الْغُرَّةِ شَيْئًا، هِيَ لِوَارِثِ الصَّبِيِّ غَيْرِهِ. وَبِهِ: إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَشْرَبُ الدَّوَاءَ أَوْ تَسْتَدْخِلُ الشَّيْءَ فَيَسْقُطُ وَلَدُهَا؟ قَالَ: تُكَفِّرُ وَعَلَيْهَا غُرَّةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَطَلَبُنَا: هَلْ هَذَا الْقَوْلُ حُجَّةٌ أَمْ لَا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ: مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُولُ: مَسَحَتْ امْرَأَةٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا؟ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهَا أَنْ تُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ - يَعْنِي: الَّتِي مَسَحَتْ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ يُعَظِّمُونَ

خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهَذَا حُكْمُ إمَامٍ - وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ - وَهُمْ إذَا وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا طَارُوا بِهِ، وَشَنَّعُوا عَلَى خُصُومِهِمْ مُخَالَفَتَهُ. وَهُمْ كَمَا تَرَى قَدْ اسْتَسْهَلُوا خِلَافَهُ هَاهُنَا، وَقَدْ جَعَلُوا حُكْمًا مَأْثُورًا عَنْ عُمَرَ فِي تَنْجِيمِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَصْلًا: حُجَّةً يُنْكِرُونَ خِلَافَهَا، وَجَعَلُوا حُكْمَهُ بِالْعَاقِلَةِ عَلَى الدَّوَاوِينِ: حُجَّةً يُنْكِرُونَ خِلَافَهَا، وَلَمْ يَجْعَلُوا إيجَابَهُ هَاهُنَا كَفَّارَةً عَلَى الَّتِي مَسَحَتْ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بِعِتْقِ رَقَبَةٍ: حُجَّةً هَاهُنَا يَقُولُونَ بِهَا، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ لَا يَسْتَحِلُّهُ ذُو وَرَعٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعُمُومِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ - عَلَى الْعُمُومِ - الْقَوْلُ بِهَا، لَكِنَّا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] . «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى خَلَقْتُ عِبَادِي كُلَّهُمْ حُنَفَاءَ» . وَقَالَ تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ فَهُوَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَعَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ضَرَبَ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، لَكِنْ أَسْقَطَهَا جَنِينًا فَقَطْ. وَإِذْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا - لَا خَطَأً وَلَا عَمْدًا - فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا كَفَّارَةَ إلَّا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَلَا يُقْتَلُ إلَّا ذُو رُوحٍ، وَهَذَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَتَيَقَّنَتْ حَرَكَتُهُ بِلَا شَكٍّ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ أَرْبَعُ

قَوَابِلَ عُدُولٍ، فَإِنَّ فِيهِ: غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ جَنِينٌ قُتِلَ، فَهَذِهِ هِيَ دِيَتُهُ، وَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّوحَ يُنْفَخُ فِيهِ بَعْدَ مِائَةِ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ وَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ وَافَقَنَا عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ هَاهُنَا كَفَّارَةً؟ قُلْنَا: لَمْ يَأْتِ لَهَا ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ الْجَنِينِ، وَلَيْسَتْ السُّنَنُ كُلُّهَا مَأْخُوذَةً مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَإِذْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً كَفَّارَةً، وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَهُوَ إذْ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ الرُّوحَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَنِيفٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ زَائِدَةُ شَرْعٍ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الْجَنِينِ، وَأَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى مَقْبُولَةٌ كُلُّهَا، لَا يَحِلُّ رَدُّ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا - وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَوْجِبُوا فِيهِ حِينَئِذٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، إذْ هِيَ الدِّيَةُ عِنْدَكُمْ؟ . قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِقْدَارَ تِلْكَ الدِّيَةِ، لَكِنْ وَكَّلَ تَعَالَى ذَلِكَ إلَى بَيَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبَيَّنَ لَنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دِيَةَ مَنْ خَرَجَ إلَى الدُّنْيَا فَقُتِلَ، مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ إذْ وَدَى بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبَيَّنَ لَنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ بِنَصِّ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " غُرَّةٌ " مِنْ الْعَبِيدِ أَوْ الْإِمَاءِ، وَسَمَّاهُ " دِيَةً ". كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ فَكَانَتْ الدِّيَةُ مُخْتَلِفَةً لِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لَنَا وَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ؟ فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْكَفَّارَاتِ فِي

مسألة المرأة تتعمد إسقاط ولدها

ذَلِكَ مُخْتَلِفًا لَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَذِهِ أُمُورٌ ضَرُورِيَّةٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا مُخَالَفَتُهَا، وَإِنَّمَا احْتَجْنَا إلَى شَهَادَةِ الْقَوَابِلِ لِيَثْبُتَ عِنْدَنَا أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ تَامَّةٍ - وَإِلَّا فَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْهَا - بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - لَمَا احْتَجْنَا إلَى شَهَادَةِ أَحَدٍ بِالْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّ أَوْثَقَ الشُّهُودِ، وَأَصْدَقَ النَّاسِ، وَأَثْبَتَ الْعُدُولِ: شَهِدَ عِنْدَنَا أَنَّ الرُّوحَ يُنْفَخُ فِيهِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ، فَمَا يَحْتَاجُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى شَهَادَةِ أَحَدٍ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ تَعَمَّدَتْ قَتْلَ جَنِينِهَا وَقَدْ تَجَاوَزَتْ مِائَةَ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً بِيَقِينٍ: فَقَتَلَتْهُ، أَوْ تَعَمَّدَ أَجْنَبِيٌّ قَتْلَهُ فِي بَطْنِهَا فَقَتَلَهُ؟ فَمِنْ قَوْلِنَا: أَنَّ الْقَوَدَ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ وَلَا بُدَّ، وَلَا غُرَّةَ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ، إلَّا أَنْ يَعْفِيَ عَنْهُ فَتَجِبُ الْغُرَّةُ فَقَطْ، لِأَنَّهَا دِيَةٌ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ عَمْدًا، فَهُوَ نَفْسٌ بِنَفْسٍ، وَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إمَّا الْقَوَدُ، وَإِمَّا الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةُ تَتَعَمَّدُ إسْقَاطَ وَلَدِهَا] 2129 - مَسْأَلَةٌ: الْمَرْأَةُ تَتَعَمَّدُ إسْقَاطَ وَلَدِهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدَةَ الضَّبِّيِّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ حُبْلَى فَذَهَبَتْ تَسْتَدْخِلُ فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا؟ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: عَلَيْهَا عِتْقُ رَقَبَةٍ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا غُرَّةُ: عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ؟ قَالَ: تُعْتِقُ رَقَبَةً، وَتُعْطِي أَبَاهُ غُرَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَثَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.

مسألة ألقت جنينين فصاعدا

قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ: فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَعْمِدْ قَتْلَهُ. فَالْغُرَّةُ أَيْضًا عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا. وَإِنْ كَانَتْ عَمَدَتْ قَتْلَهُ فَالْقَوَدُ عَلَيْهَا، أَوْ الْمُفَادَاةُ فِي مَالِهَا. فَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ إلْقَاءِ الْجَنِينِ ثُمَّ أَلْقَتْهُ: فَالْغُرَّةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي - هِيَ كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا - وَكَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَالْقَوَدُ عَلَى الْجَانِي إنْ كَانَ غَيْرَهَا. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ هِيَ فَلَا قَوَدَ، وَلَا غُرَّةَ، وَلَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ عَلَى مَيِّتٍ، وَمَالُهُ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَصَاعِدًا] 2130 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَصَاعِدًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي امْرَأَةٍ ضُرِبَتْ فَأَسْقَطَتْ ثَلَاثَةَ أَسْقَاطٍ؟ قَالَ: أَرَى أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُرَّةً، كَمَا أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الدِّيَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ فِي امْرَأَةٍ ضُرِبَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ: أَنَّهُ يَدِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغُرَّةٍ: أَوْ أَمَةٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إنْ أَسْقَطَتْ ثَلَاثَةً فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُرَّةٌ - تَبَيَّنَ خَلْقُهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ: أَنَّهُ حَمْلٌ. وَبِهِ: إلَى ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَنِينِ إذَا طُرِحَ مَيِّتًا غُرَّةُ: عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ - فَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ فَفِيهِمَا غُرَّتَانِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَبِهَذَا نَقُولُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «دِيَةُ جَنِينِهَا عَبْدٌ، أَوْ أَمَةٌ» وَكُلُّ جَنِينٍ - وَلَوْ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ - فَهُوَ جَنِينٌ لَهَا، فَفِي كُلِّ جَنِينٍ غُرَّةُ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَلَوْ قُتِلُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةٌ، وَكَفَّارَةٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة من يرث الغرة الواجبة في الجنين

[مَسْأَلَةٌ مَنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ الْوَاجِبَةُ فِي الْجَنِينِ] مَسْأَلَةٌ: مَنْ يَرِثُ الْغُرَّةَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْجَنِينِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ؟ قَالَ: تُعْتِقُ رَقَبَةً وَتُعْطِي أَبَاهُ غُرَّةً. نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سُئِلَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَأَسْقَطَتْ لِمَنْ دِيَةُ السِّقْطِ؟ قَالَ: بَلَغَنَا فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا، فِدْيَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، لَيْسَ لِلَّذِي قَتَلَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ - وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ - غَيْرَ ذَلِكَ: كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ حَتَّى أَسْقَطَتْ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: عَلَيْهِ غُرَّةٌ يَرِثُهَا، وَيَدِيهِ - وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْغُرَّةَ مَوْرُوثَةٌ، كَمَالٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْغُرَّةَ دِيَةٌ، فَهِيَ كَحُكْمِ الدِّيَةِ، وَالدِّيَةُ قَدْ صَحَّ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ، فَالْغُرَّةُ كَذَلِكَ. وَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ عَمَّا يَجِبُ فِي أُمِّهِ: فَجَعَلَ فِي الْأُمِّ دِيَةً، وَجَعَلَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً - فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الْغُرَّةِ كَحُكْمِ دِيَةِ النَّفْسِ، لَا كَحُكْمِ دِيَةِ الْأَعْضَاءِ. وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ دِيَةً فَمَاتَ؟ فَإِنَّهُ مَوْرُوثُهُ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ الْجَنِينُ فِيمَا وَجَبَ فِي الْجِنَايَةِ لَهُ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَ وَاجِبًا أَنْ تَكُونَ لِلْأُمِّ لَوَجَبَ إذَا جُنِيَ عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا: أَنْ لَا يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، لَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْغُرَّةَ دِيَةٌ فَهِيَ كَحُكْمِ الدِّيَةِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ الْمَوَارِيثِ، فَالْغُرَّةُ كَذَلِكَ - فَإِنَّ هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا مَا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا يَرَوْنَهُ فِيمَا عُدِمَ فِيهِ النَّصُّ، لَا فِيمَا فِيهِ النَّصُّ. وَأَمَّا النَّصُّ - فَإِنَّمَا جَاءَ فِي الدِّيَةِ الْمَوْرُوثَةِ فِيمَنْ قَتَلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، لَا فِيمَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، وَالْجَنِينُ الَّذِي لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ لَمْ يُقْتَلْ قَطُّ، فَقِيَاسٌ دِيَةِ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ، عَلَى دِيَةِ مَنْ قُتِلَ: بَاطِلٌ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقِيَاسُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الْقَوْلَ عِنْدَنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ - هُوَ أَنَّ الْجَنِينَ إنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ الْحَمْلَ بِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ لَيْلَةٍ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ مَوْرُوثَةٌ لِوَرَثَتِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَرِثُونَهُ لَوْ خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ، عَلَى حُكْمِ الْمَوَارِيثِ، وَإِنْ لَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ تَجَاوَزَ الْحَمْلُ بِهِ مِائَةَ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَالْغُرَّةُ لِأُمِّهِ فَقَطْ. بُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ» فَذَكَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْقَوَدَ، أَوْ الدِّيَةَ، أَوْ الْمُفَادَاةَ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ: أَنَّ دِيَةَ الْقَتِيلِ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ مُسَلَّمَةٌ لِأَهْلِ الْقَتِيلِ، وَالْقَتِيلُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَيٍّ: نَقَلَهُ الْقَتْلُ عَنْ الْحَيَاةِ إلَى الْمَوْتِ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَبِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْجَنِينُ بَعْدَ مِائَةِ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً: حَيٌّ بِنَصِّ خَبَرِ الرَّسُولِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذْ هُوَ حَيٌّ، فَهُوَ قَتِيلٌ قَدْ قُتِلَ بِلَا شَكٍّ، وَإِذْ هُوَ قَتِيلٌ بِلَا شَكٍّ، فَالْغُرَّةُ الَّتِي هِيَ دِيَتُهُ وَاجِبَةٌ أَنْ تُسَلَّمَ إلَى أَهْلِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَرَثَةَ الَّذِينَ يُسَلِّمُ لَهُمْ الدِّيَةَ أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى سُنَّةِ الْمَوَارِيثِ بِلَا خِلَافٍ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ تَجَاوَزَ مِائَةَ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَحْيَا قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يَحْيَا قَطُّ، وَلَا كَانَ لَهُ رُوحٌ بَعْدُ، وَلَا قُتِلَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَاءٌ، أَوْ عَلَقَةٌ مِنْ دَمٍ، أَوْ مُضْغَةٌ مِنْ عَضَلٍ، أَوْ عِظَامٌ، وَلَحْمٌ: فَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَعْضُ أُمِّهِ، فَإِذْ لَيْسَ حَيًّا بِلَا شَكٍّ، فَلَمْ يُقْتَلْ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَوَاتٌ، وَلَا مَيِّتٌ، وَإِذْ لَمْ يُقْتَلْ، فَلَيْسَ قَتِيلًا، فَلَيْسَ لِدِيَتِهِ حُكْمُ دِيَةِ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا يُقَاسُ عِنْدَ أَهْلِ الْقِيَاسِ الشَّيْءُ عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى ضِدِّهِ - وَمَنْ لَيْسَ قَتِيلًا فَهُوَ غَيْرُ مُشْبِهٍ لِلْقَتِيلِ، فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ هَاهُنَا عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَإِذْ لَيْسَ قَتِيلًا، فَهُوَ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِهَا، وَدَمٌ مِنْ دَمِهَا، وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِهَا، وَبَعْضُ حَشْوَتِهَا بِلَا شَكٍّ، فَهِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا، فَالْغُرَّةُ لَهَا بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ طَرَحَتْ الْجَنِينَ - وَلَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ أَتَمَّ عِشْرِينَ وَمِائَةَ لَيْلَةٍ - فَالْجَنِينُ لِوَرَثَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْجِنَايَةِ وَجَبَ لَهَا، فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِمَّنْ يُرَاعِي فِي الْمَوْلُودِ الِاسْتِهْلَالَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُقَدْ بِهِ، وَلَا وَرِثَ مِنْهُ، ثُمَّ يُوَرِّثُ مِنْهُ الْغُرَّةَ - وَهُوَ لَمْ يَحْيَا قَطُّ، فَكَيْفَ أَنْ يَسْتَهِلَّ؟ وَنَسْأَلُهُمْ - عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ فَرَضَعَ وَتَحَرَّكَ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ، ثُمَّ قُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً مَاذَا تَرَوْنَ فِيهِ؟ أَغُرَّةٌ أَمْ دِيَةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: غُرَّةٌ، أَتَوْا بِطَرِيقَةٍ لَهُ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ - وَإِنْ قَالُوا: بَلْ دِيَةُ أُمِّهِ، نَقَضُوا أُصُولَهُمْ، إذْ جَعَلُوا فِي قَتْلِ مَيِّتٍ دِيَةً كَامِلَةً أَوْ قَوَدًا. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ مَيِّتًا؟ قُلْنَا لَهُمْ: قَوِيَ الْعَجَبُ أَنْ لَا تُوَرِّثُوا حَيًّا وَكُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: نا وَكِيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَا جَمِيعًا: نا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، قَالَ يُجْمَعُ أَحَدُكُمْ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.

مسألة جنين الأمة من سيدها الحر

قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا لَمْ يُوقِنْ تَمَامَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لَيْلَةٍ بِجَمِيعِ أَيَّامِهَا فَهُوَ عَلَى مَا تَيَقَّنَّاهُ مِنْ مُوَاتَيَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ لَهُ بِانْتِقَالِهِ إلَى الْحَيَاةِ عَنْ الْمُوَاتِيَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَأَمَّا بِالظُّنُونِ فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ جَنِين الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ] 2132 - مَسْأَلَةٌ: جَنِينُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ مِثْلُ جَنِينِ الْحُرَّةِ، وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا الْحُرِّ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ - كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُهُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ مِنْ ثَمَنِ أُمِّهِ كَقَدْرِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ - كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: جَنِينُ الْأَمَةِ فِي ثَمَنِ أُمِّهِ بِقَدْرِ جَنِينِ الْحُرَّةِ فِي دِيَةِ أُمِّهِ، قَالَ: فَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ جَنِينَ وَلِيدَتِهِ ثُمَّ قُتِلَتْ الْوَلِيدَةُ؟ قَالَ: يَعْقِلُ الْوَلِيدَةَ وَيَعْقِلُ جَنِينَهَا عَبْدًا، أَيَّمَا كَانَ تَمَامُ عِتْقِهِ أَنْ يُولَدَ وَيَسْتَهِلَّ صَارِخًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِ أُمِّهِ، كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، نا قَاسِمُ أَصْبَغَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ: نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِ أُمِّهِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ قَتَادَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا، فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا فَثَمَنُهُ

كُلُّهُ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: إنْ كَانَ جَنِينُ الْأَمَةِ ذَكَرًا فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا - وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَفِيهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً - قَالَ زُفَرُ: وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ مَا نَقَصَ أُمَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا شَيْءَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقَصَ أُمَّهُ، فَفِيهِ مَا نَقَصَهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ - ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ حُكُومَةٌ - كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: يَنْظُرُ مَا بَلَغَ ثَمَنُ جَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ جَمِيعِ ثَمَنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ عُشْرًا أُعْطِيت الْأَمَةُ عَشَرَةً، وَإِنْ كَانَتْ خُمْسًا، وَإِنْ كَانَتْ سُبْعًا، وَإِنْ كَانَتْ ثُمُنُهَا - يَعْنِي: فَكَذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي جَنِينِ الْأَمَةِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَلَا فَرْقَ -: كَمَا رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَعُرْوَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْجَنِينَ وَمَا فِيهِ، وَلَمْ يَخُصُّوا جَنِينَ حُرَّةٍ مِنْ أَمَةٍ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ لَبَيَّنُوهُ؟ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْحُرَّةَ خَاصَّةً فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ، وَحَكَى عَنْهُمْ مَا لَمْ يَقُولُوا، وَلَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمَنْ حَمَلَ قَوْلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوهُ فَبِحَقٍّ وَاجِبٍ يَدْخُلُ فِيهِ جَنِينُ الْأَمَةِ، وَغَيْرُهُ، وَلَا فَرْقَ، إذْ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا يَنْقُصُهَا فَقَطْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ. فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى فِيهِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ - فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: وَجَدْنَا الْغُرَّةَ الْمَحْكُومَ بِهَا فِي جَنِينِ الْهُذَلِيَّةِ وَقُوِّمَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا - وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ دِيَةِ أُمِّهِ أَيْضًا لِأَنَّ دِيَةَ الْأَمَةِ قِيمَتُهَا، حَتَّى أَنَّ مَالِكًا حَمَلَهُ هَذَا الْقِيَاسُ عَلَى أَنْ جَعَلَ فِي جَنِينِ الدَّابَّةِ عُشْرَ قِيمَتِهَا - وَفِي بَيْضَةِ النَّعَامَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ عُشْرَ الْبَدَنَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ سَاقِطًا؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ بِالدَّرَاهِمِ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ - وَلَا صَحَّ عَنْ صَاحِبٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ: أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِ أُمِّهِ، لَمْ نَجِدْ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْأَدِلَّةِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ سُفْيَانَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا - فَسَقَطَ أَيْضًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: لَمَّا كَانَتْ الْغُرَّةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ مُقَدَّرَةً بِخَمْسِينَ دِينَارًا كَانَ ذَلِكَ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ لَوْ خَرَجَ حَيًّا - وَكَانَ ذَكَرًا - أَوْ عُشْرَ دِيَتِهَا - لَوْ كَانَتْ أُنْثَى - وَخَرَجَتْ حَيَّةً، فَوَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَيًّا فَقُتِلَ لَكَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ قَوْلَهُمْ: لَمَّا كَانَ ثَمَنُ الْغُرَّةِ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ خَمْسِينَ دِينَارًا وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ، لَوْ خَرَجَ حَيًّا - وَكَانَ ذَكَرًا - وَعُشْرُ دِيَتِهَا، لَوْ خَرَجَتْ حَيَّةً - وَكَانَتْ أُنْثَى - فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي جَنِينِ الْأَمَةِ كَذَلِكَ، فَبَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَوَّلُهَا - أَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا بَاطِلٌ، لَمْ يَصِحَّ قَطُّ فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَصَارَ قِيَاسُهُمْ هَذَا قِيَاسًا لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ تَقْوِيمُ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ نِسْبَتُهُ مِنْ دِيَتِهِ، أَوْ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ؟ وَيُقَالُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ وَهَلَّا قُلْتُمْ: إنَّهَا قِيمَةٌ نَافِذَةٌ مُؤَقَّتَةٌ: كَالْغُرَّةِ وَلَا فَرْقَ؟ وَلَكِنْ أَبَوْا إلَّا التَّرْدِيدَ مِنْ الدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ. وَالرَّابِعُ - أَنْ يُعَارَضَ قِيَاسُهُمْ بِمِثْلِهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ: مِنْ أَنَّ الْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي قُوِّمَتْ بِهَا الْغُرَّةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ إنَّمَا اُعْتُبِرَ بِهَا مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ، لَا مِنْ دِيَةِ نَفْسِهِ؟ فَقَالُوا: إنْ كَانَ جَنِينُ الْأَمَةِ - ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى - فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ - ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى - عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، فَهَلْ هَاهُنَا إلَّا دَعْوَى مُقَابَلَةً بِمِثْلِهَا؟ وَتَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ فِيهِ حُكْمًا، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلًا عَارِيًّا مِنْ الْأَدِلَّةِ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ، إذْ مَا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، فَهِيَ دَعْوَى سَاقِطَةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] فَمَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إلَّا مَا نَقَصَهَا، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا سَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ [كُلُّهَا] وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ

عِنْدَ اخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ بِهَا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَفَعَلْنَا. فَوَجَدْنَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: أَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك؟ فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ. وَمَا ناه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ نا عُثْمَانَ بْنُ عُمَرَ نا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ نا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: دِيَةُ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عُمُومُ إمْلَاصِ كُلِّ امْرَأَةٍ - وَكَذَلِكَ نَصُّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ - وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَوِّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمَ مَا لَمْ يَقُلْ، وَلَا أَنْ يُخْبِرَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ، وَهَذَا يُوجِبُ النَّارَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي جَنِينِ حُرَّةٍ؟ قِيلَ لَهُمْ: إنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي جَنِينِ هُذَلِيَّةٍ لِحْيَانِيَّةٍ تُسَمَّى مُلَيْكَةَ قَتَلَتْهَا ضَرَّتُهَا أُمُّ عَفِيفٍ، الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ فِي دَعْوَاكُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ جَنِينُ حُرَّةٍ، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ لِأَنَّهُ جَنِينُ هُذَلِيَّةٍ؟ أَوْ لِأَنَّهُ جَنِينُ امْرَأَةٍ تُسَمَّى مُلَيْكَةَ، أَوْ لِأَنَّ ضَرَّتَهَا قَتَلَتْهَا، أَوْ لِأَنَّ الْقَاتِلَةَ اسْمُهَا أُمُّ عَفِيفٍ - هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَتَخْلِيطٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة في جنين الذمية عشر ديتها

[مَسْأَلَةٌ فِي جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا] مَسْأَلَةٌ: جَنِينُ الذِّمِّيَّةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ قَائِلُونَ فِي جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا - وَهَذَا قَوْلٌ إنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي تَقْوِيمِ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا - وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ. وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي جَنِينِ الذِّمِّيَّةِ أَيْضًا غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ يُقْضَى عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ بِهِ، فَيَطْلُبُونَ غُلَامًا أَوْ أَمَةً - كَافِرَيْنِ - فَيَدْفَعَانِهِ، أَوْ يَدْفَعَانِهَا إلَى مَنْ تَجِبُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا فَبِقِيمَةِ أَحَدِهِمَا - لَوْ وُجِدَ - وَالْقِيمَةُ فِي هَذَا - وَفِي الْغُرَّةِ جُمْلَةً إذَا عُدِمَتْ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ أَحَدٌ غَرَامَةً، إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَأَقَلُّ مَا كَانَتْ تُسَاوِي الْغُرَّةُ - لَوْ وُجِدَتْ - وَاجِبٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالنَّصِّ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ، لَا بِنَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ - فَهُوَ سَاقِطٌ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ. وَلَوْ أَنَّ ذِمِّيًّا ضَرَبَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً خَطَأً فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا: يُكَلَّفُ أَنْ تَبْتَاعَ عَاقِلَتُهُ عَبْدًا كَافِرًا أَوْ أَمَةً كَافِرَةً وَلَا بُدَّ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ عَبْدًا مُسْلِمًا وَلَا أَمَةً مُسْلِمَةً - وَالرَّقَبَةُ الْكَافِرَةُ تُجْزِي فِي الْغُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ - سَوَاءٌ كَانَ الْجَانِي وَعَاقِلَتُهُ: مُسْلِمِينَ، أَوْ كَانُوا كُفَّارًا - وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ فَقَطْ، كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ الْغُرَّةُ مُؤْمِنَةً لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمَ بَيَانِ ذَلِكَ - كَمَا لَمْ يَغْفُلْ، أَوْ بَيَّنَ أَنَّهُ يُجْزِي فِي ذَلِكَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا مَا نَقَصَ الْأَمَةَ إلْقَاءُ الْجَنِينِ، فَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ وَلَا بُدَّ، زِيَادَةً عَلَى الْغُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَفْسَدَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2134 - [مَسْأَلَةٌ جَنِينُ الْبَهِيمَةِ] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا

مسألة كافر ذمي قتل ذميا ثم أسلم القاتل

ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ: نَرَى أَنْ تُقَامَ الْبَهِيمَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا، ثُمَّ تُقَامَ بَعْدَ أَنْ تَطْرَحَ جَنِينَهَا، فَيَكُونُ فَضْلُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا حَتَّى طَرَحَتْ جَنِينَهَا - وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: نَرَى جَنِينَ الْبَهِيمَةِ إلَى الْحُكْمِ بِقِيمَةٍ إنَّمَا الْبَهِيمَةُ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ - وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا أَرَى فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ شَيْئًا أَوْسَعَ مِنْ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَقِيمَةُ مِثْلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ: إنَّ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ، أَوْ الْحَاكِمِ: فَقَوْلٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ يُوجِبُهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادًا فِي أَخْذِ مَالٍ مِنْ إنْسَانٍ وَإِعْطَائِهِ آخَرَ، بَلْ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ مَا يُعْطِيهِ لِآخَرَ، إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: أَنَّ فِي جَنِينِ الْفَرَسِ عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهَا، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. [مَسْأَلَةٌ كَافِرٌ ذِمِّيٌّ قَتَلَ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ] 2135 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا ذِمِّيًّا قَتَلَ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ بَعْدَ قَتْلِهِ الْمَقْتُولَ، أَوْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ: فَلَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ أَصْلًا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» . قَالُوا: وَدِيَةُ الْمَقْتُولِ - إنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ قَبْلَ إسْلَامِ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ، أَوْ فَادُوهُ ثُمَّ أَسْلَمَ: بَقِيَتْ الْغَرَامَةُ لَهُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ اسْتَحَقُّوهُ عِنْدَهُ، وَالْأَمْوَالُ تَجِبُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَلِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ - وَقَدْ «مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَخَذَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُوتِ أَهْلِهِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلَ هَذَا.

فَلَوْ أَنَّ الْمَجْرُوحَ أَسْلَمَ أَيْضًا ثُمَّ مَاتَ - وَهُوَ مُسْلِمٌ - فَالْقَوَدُ لَهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِمُؤْمِنٍ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا جَرَحَ ذِمِّيًّا عَمْدًا ظَالِمًا فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَالْقَوَدُ فِي ذَلِكَ بِالسَّيْفِ خَاصَّةً، وَلَا قَوَدَ فِي الْجُرْحِ لِأَنَّ الْجُرْحَ حَصَلَ، وَلَا قَوَدَ فِيهِ لِلْكَافِرِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] فَلَمَّا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا مِنْ جِنَايَةِ ظُلْمٍ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهَا: حَصَلَ مَقْتُولًا عَمْدًا - وَهُوَ مُسْلِمٌ - فَفِيهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا جَرَحَا إنْسَانًا، ثُمَّ عَقَلَ الْمَجْنُونُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لَا دِيَةَ، وَلَا قَوَدَ، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ هَدَرٍ لَا حُكْمَ لَهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ فِي الَّذِي يَرْمِي حَرْبِيًّا ثُمَّ يُسْلِمُ، ثُمَّ يَمُوتُ: إنَّ فِيهِ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ الدِّيَةَ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا، وَلَا تَجْعَلُونَ الدِّيَةَ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ هَذَا؟ فَقَدْ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: هَكَذَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ الْمَأْمُورَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ مُلْزَمٌ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ كَفَّارَةً أَوْ كَفَّارَةً وَدِيَةً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَيْسَ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ مُخَاطَبَيْنِ أَصْلًا، وَلَا مُكَلَّفَيْنِ شَرِيعَةً فِي قَتْلِ عَمْدٍ، وَلَا فِي قَتْلِ خَطَأٍ: فَسَقَطَ حُكْمُ كُلِّ مَا عَمِلَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الشَّرْعِ دُخُولٌ، وَلَمْ يَسْقُطْ مَا فَعَلَهُ الْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ الْمَأْمُورُ الْمَنْهِيُّ. وَلَوْ أَنَّ عَاقِلًا قَتَلَ أَوْ جَرَحَ ثُمَّ جُنَّ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ: فَالْقَوَدُ عَلَى الْمَجْنُونِ، أَوْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَلَا مُفَادَاةَ هُنَالِكَ؟ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوَدَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَ جَنَى، وَحُكْمُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ لَازِمٌ لَهُ، وَقَدْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَهَابِ عَقْلِهِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ - وَكَذَلِكَ يُقَامُ عَلَيْهِ فِي جُنُونِهِ حَدٌّ لَزِمَهُ فِي حَالِ عَقْلِهِ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِ عَقْلِهِ كُلُّ حَدٍّ كَانَ مِنْهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ الْأُمَّةِ، وَالسَّكْرَانُ مَجْنُونٌ؟ .

مسألة كسر عظم الميت

[مَسْأَلَةٌ كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا الْقَعْنَبِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ سَعْدٍ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا لَا يُسْنَدُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَخِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - وَهُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إمَامٌ ثِقَةٌ، وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ بِالْهُنَالِكَ فِي الْإِمَامَةِ، وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُحْتَجُّ بِهِ - لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، فَبَطَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ فِي كَسْرِ الْعَظْمِ خَاصَّةً، وَلَمَّا كَانَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا فِي الْحُرْمَةِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَتَخْصِيصًا بِلَا بُرْهَانٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَمَنْ جَرَحَ مَيِّتًا، أَوْ كَسَرَ عَظْمَهُ، أَوْ أَحْرَقَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ - أَمَّا الْقَتْلُ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَاتِلًا - وَأَمَّا الْجُرْحُ وَالْكَسْرُ، فَلَوْ وُجِدَ فِيهِ خِلَافٌ لَوَجَبَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ - وَإِنْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ فِي أَنْ لَا قَوَدَ فِي ذَلِكَ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَهَذَا جُرْحٌ وَجَارِحٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ، وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، وَهَذَا الْفِعْلُ بِالْمَيِّتِ سَيِّئَةٌ وَاعْتِدَاءٌ، فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] وَقَالَ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْحَيِّ؟

مسألة الوكالة في القود

قُلْنَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا -: أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِصَاصِ وَالِاعْتِدَاءِ عُمُومٌ، ثُمَّ قَدْ يَخُصُّ بِالْعَفْوِ وَالصَّدَقَةِ بَعْضُ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ دُونَ بَعْضٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَمْنَعْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الصَّادِقِ {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] وَلَا بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا لِمَنْ لَا عَفْوَ لَهُ وَلَا صَدَقَةَ، كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ، فَيَكُونُ الْمَيِّتُ دَاخِلًا فِي هَذَا الْعُمُومِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ - وَهُوَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} [الشورى: 40] وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ} [المائدة: 45] وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى فَإِنْ تَصَدَّقَ الْمَجْرُوحُ وَحْدَهُ، وَلَا قَالَ فَمَنْ عَفَا مِنْ الَّذِينَ الْعَفْوُ إلَيْهِمْ خَاصَّةً، وَلَكِنْ أَجْمَلَ - عَزَّ وَجَلَّ - الْأَمْرَ، فَجَائِزٌ عَفْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَصَدَقَتُهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ عَفْوٌ وَصَدَقَةٌ، وَجَائِزٌ عَفْوُ الْوَلِيِّ إذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَفْوٌ وَيَئِسَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَأَكْثَرُ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا يَرَوْنَ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَيِّتٍ كَفَنَهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ، وَعَلَى مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى الْحَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى بِمَيِّتَةٍ، فَإِنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا رَأَوْهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْقَوَدِ لَهُ مِنْ الْجُرْحِ وَالْكَسْرِ - وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ أَصْلًا لِبَعْضٍ، بَلْ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِ حُكْمٍ عَلَى عَامِلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَوَاجِبٌ إنْفَاذُ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا قَوْلٌ يُؤَيِّدُهُ النَّظَرُ، وَيَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ بِالصِّحَّةِ، وَمَا نَعْلَمُ هَاهُنَا قَوْلًا لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَمْنَعُ مِنْهُ، فَكَيْفَ أَنْ يَصِحَّ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ؟ هَذَا أَمْرٌ لَا سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَوُجِدَ بِلَا شَكٍّ، وَلَمَا اخْتَفَى، فَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ - وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلٌ بِذَلِكَ - إذَا لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ بِتَخْصِيصِ النَّصِّ، أَوْ بِنَسْخِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ الْوَكَالَةُ فِي الْقَوَدِ]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمْرُ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُؤْخَذَ لَهُ الْقَوَدُ جَائِزٌ لِبَرَاهِينَ: أَوَّلُهَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَالْقَوَدُ: بِرٌّ وَتَقْوَى، فَالتَّعَاوُنُ فِيهِ وَاجِبٌ. وَثَانِيهَا: مَا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِهِ بِالْقَوَدِ مِنْ الْيَهُودِيِّ الَّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ بِالْحَجَرِ، فَكَانَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُمُومًا لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ. وَثَالِثُهَا: إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَوْجَبَ لَهُ مَا لِوَلِيٍّ مِنْ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ مَنْ يَقْتُلُ، وَالسُّلْطَانُ وَلِيٌّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَجَائِزٌ، إذَا أَمَرَ الْمُولَى مَنْ يَأْخُذُ لَهُ الْقَوَدَ أَنْ يَغِيبَ فَيَسْتَقِيدَ الْمَأْمُورُ، وَهُوَ غَائِبٌ، إذْ قَدْ وَجَبَ الْقَوَدُ بِيَقِينِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمْرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ مَغِيبٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَإِنْ غَابَ الْوَلِيُّ ثُمَّ عَفَا، فَلَيْسَ عَفْوُهُ بِشَيْءٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ - وَلَا يَصِحُّ عَفْوُ الْوَلِيِّ إلَّا بِأَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْمَأْمُورَ بِالْقَوَدِ وَيَصِحُّ عِنْدَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لِلْمَأْمُورِ بِأَخْذِ الْقَوَدِ، وَأَنْ يَأْتَمِرَ لِلْآمِرِ لَهُ بِذَلِكَ، وَأَبَاحَ لَهُ دَمَ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ، وَأَعْضَاءَهُ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ بِهِ، فَإِذَا عَفَا الْوَلِيُّ فِي غَيْرِ عِلْمِ الْمَأْمُورِ بِالْقَوَدِ فَهُوَ مُضَارٌ، وَالْمُضَارُ مُتَعَدٍّ، وَالْمُتَعَدِّي ظَالِمٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» فَلَا حَقَّ لِذَلِكَ الْعَفْوِ الَّذِي هُوَ مُضَارَّةٌ مَحْضَةٌ، وَهُوَ غَيْرُ الْعَفْوِ الَّذِي حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ الَّذِي حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ طَاعَةٌ، وَعَفْوُ الْمُضَارَّةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ غَيْرُ الطَّاعَةِ، وَهَذَا الْعَفْوُ بَعْدَ الْأَمْرِ: هُوَ عَفْوٌ بِخِلَافِ الْعَفْوِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَادِبًا إلَيْهِ، وَإِذْ هُوَ غَيْرُهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِذَلِكَ الْعَافِي، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى قَوَدِهِ. فَلَوْ بَعَثَ رَسُولًا إلَى الْمَأْمُورِ بِالْقَوَدِ فَلَا حُكْمَ لَهُ إلَّا حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ

مسألة قطع ذكر خنثى مشكل وأنثييه

وَيَلْزَمُ الْعَافِيَ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْمَأْمُورُ بِالْقَوَدِ بَعْدَ صِحَّةِ الْخَبَرِ عِنْدَهُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ فَهُوَ قَاتِلُ عَمْدٍ، أَوْ خَائِنُ عَهْدٍ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جُنَّ الْآمِرُ وَلَا فَرْقَ، فَالْأَخْذُ بِالْقَوَدِ وَاجِبٌ، كَمَا أَمَرَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَطَعَ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ] 2138 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَطَعَ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ؟ فَسَوَاءٌ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، أَوْ قَالَ: أَنَا ذَكَرٌ: الْقَوَدُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ يُسَمَّى ذَكَرًا وَأُنْثَيَيْنِ - وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ شَفْرَيْهِ وَلَا فَرْقَ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ فَقَطَعَهَا قَاطِعٌ اُقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ، مِنْ أَقْرَبِ سِنٍّ إلَى تِلْكَ السِّنِّ، وَأَقْرَبِ إصْبَعٍ إلَى تِلْكَ الْإِصْبَعِ؛ لِأَنَّهَا سِنٌّ وَأُصْبُعٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَيَبْقَى لِمُقْتَصٍّ لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ، وَبَيْنَ أَنْ يُقْطَعَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ إلَّا السَّبَّابَةُ وَحْدَهَا - سَبَّابَةُ سَالِمِ الْأَصَابِعِ؟ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي ذَلِكَ، وَيَبْقَى الْمُقْتَصُّ ذَا أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَيَبْقَى الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لَا أُصْبُعَ لَهُ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَسْنَانِ وَلَا فَرْقَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ فِي تَوَلِّي قَتْلِ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ] 2139 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا تَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ فِي تَوَلِّي قَتْلِ قَاتِلِ وَلِيِّهِمْ؟ قِيلَ لَهُمْ: إنْ اتَّفَقْتُمْ عَلَى أَحَدِكُمْ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَذَلِكَ لَكُمْ وَإِلَّا أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ، فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ تَوَلَّى الْقِصَاصَ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَوَدَ اثْنَانِ مَعًا، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَمْرِهِمَا - وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ، فَأَمْرُ غَيْرِهِمَا بِالْقَوَدِ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِمَا مَعًا فِي تَوَلِّي ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ هَاهُنَا بِالْقُرْعَةِ إسْقَاطٌ لِحَقِّ أَحَدِهِمَا، وَإِبْقَاءٌ لِحَقِّ الْآخَرِ - وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقُّ ذِي حَقٍّ إلَّا لِضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ لَا سَبِيلَ مَعَهَا إلَى تَوْفِيَةِ الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ سَقَطَ الْحَقُّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وَنَحْنُ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا مَنْعُهُمَا مِنْ حَقِّهِمَا، وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ أَحَدِهِمَا، إذْ لَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَسْنَا مُضْطَرِّينَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ لَنَا مَا لَمْ نَضْطَرَّ إلَيْهِ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ نَأْمُرَ غَيْرَهُمَا بِغَيْرِ رِضَاهُمَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقْصِدَ

مسألة أخاف إنسانا فقطع ساقه ومنكبه وأنفه وقتله

إلَى أَحَدِهِمَا فَنُسْقِطَ حَقَّهُ هَكَذَا مُطَارَفَةً فَيَكُونُ جَوْرًا وَمُحَابَاةً، فَوَجَبَتْ الْقُرْعَةُ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَفَعَتْ إلَيْهَا وَلَا يَحِلُّ إيقَافُ الْأَمْرِ حَتَّى يَتَّفِقَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ حَقِّهِمَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَخَاف إنْسَانًا فَقَطَعَ سَاقَهُ وَمَنْكِبَهُ وَأَنْفَهُ وَقَتَلَهُ] 2140 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَخَاف إنْسَانًا فَقَطَعَ سَاقَهُ وَمَنْكِبَهُ وَأَنْفَهُ وَقَتَلَهُ، فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كُلَّ ذَلِكَ، وَيَقْتُلَهُ - وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دُونَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كُلَّ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ، وَلَا يَقْتُلَهُ، لَكِنْ يَعْفُوَ عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ قَدْ وَجَبَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا قِصَاصًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَهَذَا أَيْضًا مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ وَعَنْ بَعْضِهِ، فَأَيَّ حَقِّهِ فَعَلَ فَذَلِكَ لَهُ، وَأَيَّ حَقِّهِ تَرَكَ فَذَلِكَ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذِرَاعَهُ وَيُخِيفَهُ عَلَى أَنْ يَقْتُلَهُ، وَأَمَّا عَلَى أَنْ لَا يَقْتُلَهُ فَلَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ. فَإِنْ قَالَ: فِي ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَإِذَا أَبَاحَ لَهُ تَعْذِيبَهُ فَأَتَى بِبَعْضِ مَا أُبِيحَ لَهُ وَعَفَا عَنْ الْبَعْضِ، فَقَدْ أَحْسَنَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَعَدَّ - وَمَا وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَطُّ أَلْزَمَ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ كُلِّهِ وَمَنَعَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ بَعْضِهِ. بَلْ قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِخِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ جُمْلَةً وَهُوَ «فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرَنِيِّينَ إذْ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ قِصَاصًا بِمَا فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا» . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ وَأَبْطَلْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ كَاذِبًا: إنَّ هَذَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَانَتْ الْمُثْلَةُ مُبَاحَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ عَمْدًا فَسَأَلَ الْقَوَدَ] 2141 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ عَمْدًا فَسَأَلَ

مسألة هدم بيتا على إنسان أو ضربه بسيف وهو راقد فقطع رأسه

الْقَوَدَ؟ أَقَدْنَا لَهُ مِنْ حِينِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَإِنْ تَآكَلَتْ الْيَدُ فَذَهَبَتْ وَبَرِئَ، فَلَهُ الْقَوَدُ مِنْ الْيَدِ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِعُدْوَانٍ وَظُلْمٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ اُقْتُصَّ لَهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَمِنْ الْعَيْنَيْنِ مَعًا وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ - فَلَوْ مَاتَ مِنْهَا قُتِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَوَلَّدَ مِنْ جِنَايَةِ عُدْوَانٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَّا تَعْجِيلُ الْقِصَاصِ مِنْ الْأُصْبُعِ وَالْمُوضِحَةِ؟ فَنَعَمْ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ وَاجِبٌ أَيْضًا. وَأَمَّا ذَهَابُ الْعَيْنَيْنِ وَالْيَدِ فَقَطْ فَإِنَّمَا فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خَطَأٌ وَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَوَلَّدَ عَنْ جِنَايَتِهِ مِنْ ذَهَابِ نَفْسٍ، أَوْ ذَهَابِ عُضْوٍ؟ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا نَظَرٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ. فَلَوْ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ قَطَعَ كَفَّ نَفْسِهِ، خَوْفَ سِرَايَةِ الْأَكَلَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْيَدِ كَانَ بِاخْتِيَارِ قَاطِعِهَا، لَا مِنْ فِعْلِهِ، وَلَعَلَّهَا لَوْ تَرَكَهَا تَبْرَأُ - فَلَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفَانِ، فَإِنْ قَطَعَ كُلَّ طَرَفٍ فِي أَصْلِهِ قُطِعَ مِنْ يَدِهِ أُنْمُلَتَانِ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَطَعَ فِي الْأُصْبُعِ قَبْلَ افْتِرَاقِ الْأُنْمُلَتَيْنِ: قُطِعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَقَطْ، وَلَا مَزِيدَ، وَلَا أَرْشَ لَهُ فِي الْأُنْمُلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . فَالْوَاجِبُ أَنْ يُوضَعَ مِنْهُ الْحَدِيدُ حَيْثُ وُضِعَ، وَيُذَاقَ مِنْ الْأَلَمِ مَا أَذَاقَ وَلَا مَزِيدَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ فِي الْأُصْبُعِ الْقَوَدُ، وَلَهُ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحُكُومَةُ غَرَامَةُ مَالٍ وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. [مَسْأَلَةٌ هَدَمَ بَيْتًا عَلَى إنْسَانٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَهُوَ رَاقِدٌ فَقَطَعَ رَأْسَهُ] 2142 - مَسْأَلَةٌ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ هَدَمَ بَيْتًا عَلَى إنْسَانٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ - وَهُوَ رَاقِدٌ - فَقَطَعَ رَأْسَهُ، أَوْ قَالَ: هَدَمْت الْبَيْتَ؟ وَهُوَ قَدْ كَانَ مَاتَ بَعْدُ، أَوْ

مسألة جرح جرحا يموت من مثله فتداوى بسم فمات

قَالَ: ضَرَبْته بِالسَّيْفِ وَهُوَ مَيِّتٌ: لَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ، وَلَا يَمِينَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ فِي ذَلِكَ، وَوَجَبَ الْقَوَدُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ صَحَّتْ حَيَاتُهُ بِيَقِينٍ، فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى يَصِحَّ مَوْتُهُ، وَمُدَّعِي مَوْتِهِ مُدَّعِي بَاطِلٍ، وَانْتِقَالُ حَالٍ، وَالدَّعْوَى لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ جُرِحَ جُرْحًا يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ فَتَدَاوَى بِسُمٍّ فَمَاتَ] 2143 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ فَتَدَاوَى بِسُمٍّ فَمَاتَ؟ فَالْقَوَدُ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، وَفِعْلِ غَيْرِهِ: فَكِلَاهُمَا قَاتِلٌ، وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ - وَإِنْ طَرَحَهُ غَيْرُهُ؟ فَإِنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ، فَالدِّيَةُ كُلُّهَا أَيْضًا لَازِمَةٌ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَهُوَ حَسْبُنَا.

كتاب العواقل والقسامة وقتل أهل البغي

[كِتَابُ الْعَوَاقِلِ وَالْقَسَامَةِ وَقَتْلِ أَهْلِ الْبَغْيِ] [مَسْأَلَةُ الْعَوَاقِلِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كِتَابُ الْعَوَاقِلِ، وَالْقَسَامَةِ، وَقَتْلِ أَهْلِ الْبَغْيِ 2143 - (مُكَرَّرٌ) - مَسْأَلَةُ: الْعَوَاقِلِ؟ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْحٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ، ثُمَّ كَتَبَ اللَّهُ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُتَوَالَى مَوْلَى رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ» . وَبِهِ: إلَى مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ نا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» . وَبِهِ: إلَى مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ

قَالَ «ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ - وَهِيَ حُبْلَى - فَقَتَلَتْهَا وَإِحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ، وَغُرَّةً لِمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ: أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ؟ قَالَ: وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَفِي الْغُرَّةِ الْوَاجِبُ فِي الْجَنِينِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَالْجَانِي، بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ مَنْ هُمْ الْعَاقِلَةُ الْغَارِمَةُ لِدِيَةِ الْخَطَأِ، وَلِغُرَّةِ الْجَنِينِ، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ الْجَانِي الَّذِينَ هُمْ عَصَبَتُهُ وَمُنْتَهَاهُمْ الْبَطْنُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ - عَلَى مَا أَوْرَدْنَا آنِفًا - مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجُمْهُورُ النَّاسِ يَقُولُونَ: تَغْرَمُ الْعَاقِلَةُ الْمَذْكُورَةُ الدِّيَةَ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ فِي ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْعَاقِلَةُ؟ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِمَا قُلْنَا - وَجُمْهُورُ النَّاسِ يَقُولُونَ: هَذِهِ الْآثَارُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا لِصِحَّتِهَا - وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ غَيْرُ هَذِهِ - لَا بَأْسَ بِذِكْرِ بَعْضِهَا - وَإِنْ كَانَتْ لَا حُجَّةَ فِيهَا لَكِنْ لِتُعْرَفَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْلَ قُرَيْشٍ عَلَى قُرَيْشٍ، وَعَقْلَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْأَنْصَارِ» . نا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ، وَيَفْدُوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ» : فَالْأَوَّلُ: مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ. وَالثَّانِي: فِيهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ - وَهُوَ سَاقِطٌ - وَفِيهِ مِقْسَمٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِأَنْ تَغْرَمَ الْعَاقِلَةُ جَرِيرَةَ غَيْرِهَا؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَقَالَ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ: مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْهَاشِمِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا شَقِيقٌ ني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ عَنْ زِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: ابْنِي أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: أَمَا إنَّك لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْك» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدٌ نا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ نا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ نا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ - هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ - عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ الْيَرْبُوعِيِّ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ قَتَلُوا فُلَانًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَتَفَ بِصَوْتِهِ: أَلَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى» . وَبِهِ: إلَى مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ نا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: سَمِعْت الْأَسْوَدَ بْنَ هِلَالٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ: «أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ قَتَلُوا فُلَانًا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ - وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدِهَا مُعْتَرِضٌ - فَإِنَّ مَعْنَاهَا صَحِيحٌ، وَفِي الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ كِفَايَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُنْتَظِمَةٌ لِمَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. ثُمَّ نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: نَعَمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنْ {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَأَنَّ {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] وَنَعَمْ، لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى،

وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا كُلَّهُ، وَحَكَمَ بِهِ، هُوَ أَيْضًا الْقَائِلُ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] . وَهُوَ الْمُخْبِرُ لَنَا عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ عَفَا لَنَا عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ - وَهُوَ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ الْمُوجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ دِيَةً، وَكَفَّارَةَ عِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَفَّارَةِ. وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى عَصَبَةِ قَاتِلِ الْخَطَأِ وَأَهْلِ بَطْنِهِ الَّذِي يَنْتَمِي إلَيْهِمْ دِيَةَ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً، وَالْغُرَّةَ الْوَاجِبَةَ فِي الْجَنِينِ، وَكُلٌّ قَوْلُ حَقٍّ، وَكُلٌّ حُكْمُهُ وَاجِبٌ، يُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ، وَيُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ. وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَخْذُ بَعْضِ أَوَامِرِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا ضَرْبُ أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، إذْ كُلُّهَا فَرْضٌ وَحَقٌّ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ لَهُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَحَدٍ غَرَامَةً عَنْ أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَاجِبٌ أَنْ نَنْظُرَ مَنْ الْعَصَبَةُ، وَالْبَطْنُ، وَالْأَوْلِيَاءُ - الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ - وَالْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ - فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَاقِلَةُ هُمْ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي دِيوَانٍ وَاحِدٍ فِي الْعَطَاءِ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ - أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الثُّلُثُ فِيمَا دُونَهُ، فِي خَاصَّةِ مَالِهِ - يَعْنِي: مَالَ الْجَانِي، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ. وَبِهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى بِهَا - وَالْعَاقِلَةُ: هُمْ أَهْلُ دِيوَانِهِ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أُعْطِيَّاتِهِمْ، حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنْ الدِّيَةِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةً، فَإِنْ أَصَابَهُ أَكْثَرُ ضَمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبَ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ فِي النَّسَبِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ.

وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، فُرِضَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ - الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ فِي النَّسَبِ حَتَّى يُصِيبَ الرَّجُلُ مِنْ الدِّيَةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الدِّيَةُ تَكُونُ عِنْدَ الْأَعْطِيَةِ عَلَى الرِّجَالِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: الْعَقْلُ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ فِي عَطِيَّةِ الْمُقَاتَلَةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الْعَقْلُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَعَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ يَأْخُذُ مَعَهُمْ الْعَطَاءَ، وَلَا يَكُونُ عَلَى قَوْمِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: الدِّيَةُ عَلَى الْقَبَائِلِ عَلَى الْغَنِيِّ قَدَرُهُ، وَمَنْ دُونَهُ عَلَى قَدْرِهِ، وَعَقْلُ الْمَوَالِي يَلْتَزِمُهُ أَهْلُ الْعَاقِلَةِ - شَاءُوا أَمْ أَبَوْا، كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ، أَوْ مُنْقَطِعِينَ - قَدْ تَعَاقَلَ النَّاسُ زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إلَى الْقُرَى، إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْقُرَى فَسَكَنَهَا وَثَوَى بِهَا: رَأَيْت أَنْ يَضُمَّ عَقْلَهُ إلَى قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ مَنْ يَحْمِلُ عَقْلَهُ مِنْ قَوْمِهِ ضُمَّ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِقَبِيلَتِهِ مِنْ الْقَبَائِلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: الْعَقْلُ عَلَى ذَوِي الْأَنْسَابِ دُونَ أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَالْحُلَفَاءِ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ بَنِي أَبِيهِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي جَدِّهِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي جَدِّ أَبِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا بَعْدَ أَنْ رَجَعَتْ الْأَقْوَالُ فِي ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقَطْ: أَحَدُهَا - قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ: عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، لَا عَلَى عَصَبَةِ الْجَانِي. وَالْآخَرُ - قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ مَعَهُ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ عَلَى قَوْمِهِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ وَنَحْوِهَا، لَا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْبَادِيَةِ. وَالثَّالِثُ - قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَنْ مَعَهُمَا: أَنَّ الْعَاقِلَةَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَتِهِ، مِنْ بَنِي أَبِيهِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي أَجْدَادِهِ أَبًا فَأَبًا

فَوَجَدْنَا مَنْ جَعَلَ الْعَاقِلَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ خَاصَّةً يَقُولُونَ: إنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى جَعَلَهَا عُمَرُ عَلَى الدِّيوَانِ. قَالُوا: فَإِنْ بَطَلَ الدِّيوَانُ رَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بَاطِلٌ - إنَّ الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَبْطَلَ حُكْمَ الْعَاقِلَةِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَرَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَأَحْدَثَ حُكْمًا آخَرَ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَكَذِبٌ مُفْتَرَى. وَلَعَلَّ مُمَوِّهًا أَنْ يُمَوِّهَ فِي ذَلِكَ -: بِمَا ناه مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: جَعَلَ عُمَرُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأَعْطِيَةِ فَهَذَا مِمَّا لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَا يُدْرَى. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ الثَّوْرِيُّ: لَوْ كَانَ فِي شَيْخِ الثَّوْرِيِّ خَيْرٌ لَبَرِحَ بِهِ - ثُمَّ هُوَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ؟ وَقَدْ جَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا وَجَدْنَاهُ وَلَا لَهُ أَصْلٌ أَلْبَتَّةَ - وَرَحِمَ اللَّهُ الْقَائِلَ: الْإِسْنَادُ مِنْ الدِّينِ، وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، وَأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا. كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي جِنَايَةٍ جَنَاهَا عُمَرُ: عَزَمْت عَلَيْك إلَّا قَسَمْت الدِّيَةَ عَلَى بَنِي أَبِيك فَقَسَمَهَا؟ عَلَى قُرَيْشٍ، فَهَذَا حُكْمُ عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَا يُعْرَفُ عَلَيْهِمَا مُنْكِرٌ مِنْهُمْ فِي قَسْمِ مَا تَغْرَمُهُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ، لَا عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَلَا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا لَوْ وَجَدُوهُ. وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْدِثَ حُكْمًا آخَرَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، وَلَاحَ فَسَادُهُ، وَضَعْفُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ.

مسألة هل تحمل العاقلة الصلح في العمد أو الاعتراف بقتل الخطأ

ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ احْتَجَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا، وَتِلْكَ الْحُجَّةُ بِعَيْنِهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِهِ " إنَّ مَنْ نَزَعَ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إلَى قَرْيَةٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْقُرَى، كَالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ عَنْهُ: أَهْلُ الْقُرَى، وَأَهْلُهُ بِالْبَادِيَةِ ". وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَمَا عَلِمْنَاهُ قَالَ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُهُ نَظَرٌ، وَلَا قِيَاسٌ: فَبَطَلَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَبْقَ - إذْ بَطَلَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ - إلَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِمُوَافَقَتِهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الَّذِي هُوَ الْحُجَّةُ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَرُدَّ إلَيْهِ النَّوَازِلَ فِي ذَلِكَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى: فَوَجَدْنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَتَبَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ، وَجَاءَ حُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّيَةِ، وَفِي الْغُرَّةِ كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا وَجَاءَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّ الْعَاقِلَةَ هُمْ الْأَوْلِيَاءُ وَهُمْ الْعَصَبَةُ - فَصَحَّ بِهَذَا مَا قُلْنَاهُ. وَأَمَّا الْأَثَرُ - الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ عَلَى قُرَيْشٍ عُقُولَهُ، وَعَلَى الْأَنْصَارِ عُقُولَهُ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. فَوَجَبَ أَنْ نَبْدَأَ فِي الْعَقْلِ بِالْعَصَبَةِ كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ لَا نَتَجَاوَزَ الْبَطْنَ، كَمَا حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَى دِيوَانٍ، وَلَا إلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، لَكِنْ يُكَلَّفُ ذَلِكَ الْعَصَبَةُ حَيْثُ كَانُوا إلَى الْبَطْنِ، فَإِنْ جَهِلُوا أَوْ تَعَذَّرَ أَمْرُهُمْ لِافْتِرَاقِ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ، الْعَصَبَةُ وَالْبَطْنُ حِينَئِذٍ مِنْ الْغَارِمِينَ، وَمِمَّنْ قَدْ لَزِمَتْهُمْ تِلْكَ الْغَرَامَةُ، وَوَجَبَتْ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَإِذْ هُمْ مِنْ الْغَارِمِينَ فَيُؤَدَّى حَقُّهُمْ فِي الصَّدَقَاتِ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَيُؤَدَّى عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ - فَهَذَا حُكْمُ الْعَاقِلَةِ قَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ. [مَسْأَلَة هَلْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الصُّلْحَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الِاعْتِرَافِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ] 2144 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الصُّلْحَ فِي الْعَمْدِ، أَوْ الِاعْتِرَافِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ؟ أَوْ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْخَطَأِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا:

كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ: نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا وَكِيعٌ، نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُسَيْنٍ أَبُو مَالِكٍ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: الْعَمْدُ، وَالْعَبْدُ، وَالصُّلْحُ، وَالِاعْتِرَافُ فِي مَالِ الْجَانِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ - قَالَ: اصْطَلَحَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنْ لَا يَعْقِلُوا عَمْدًا وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إلَّا أَنْ يَشَاءُوا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ وَلَا الصُّلْحَ، وَلَا الِاعْتِرَافَ، وَلَا الْعَبْدَ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ تُعِينَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ - قَالَ مَالِكٌ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ مِنْ قِبَلِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ، إنَّمَا عَلَيْهِمْ عَقْلُ الْخَطَأِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَلَكِنْ تُعِينُهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخْذُلُوهُ عَنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ فِي الصُّلْحِ - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينُوهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ غَيْرَ هَذَا لِمَا رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٌ حُرٌّ اسْتَقْبَلَ مَمْلُوكًا فَتَصَادَفَا فَمَاتَا جَمِيعًا؟ فَقَالَا جَمِيعًا: دِيَةُ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ.

وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا خَطَأً فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ قَتَلَ دَابَّةً خَطَأً فَهُوَ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَالصَّلْتُ: أَنَّ رَجُلًا بِالْبَصْرَةِ رَمَى إنْسَانًا ظَنَّ أَنَّهُ كَلْبٌ فَقَتَلَهُ، فَإِذَا هُوَ إنْسَانٌ؟ فَلَمْ يَدْرِ النَّاسُ مَنْ قَاتِلُهُ، فَجَاءَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ فَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَتَلَهُ فَسَجَنَهُ، وَكَتَبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّك بِئْسَ مَا صَنَعْت إذْ سَجَنْتَهُ وَقَدْ جَاءَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَخَلِّ سَبِيلَهُ وَاجْعَلْ دِيَتَهُ عَلَى الْعَشِيرَةِ. وَزَعَمَ الصَّلْتُ: أَنَّهُ مِنْ الْأَزْدِ - الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ - وَأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَاسًّا يَعُسُّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْعَبْدُ تَحْمِلُ قِيمَتَهُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا صُلْحًا، وَلَا اعْتِرَافًا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، إذْ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ مَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ: لَا تَتْرُكُوا مُفْرَجًا أَنْ تُعِينُوهُ فِي فِكَاكٍ أَوْ عَقْلٍ» وَالْمُفْرِجُ: كُلُّ مَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ - وَهَذَا مُرْسَلٌ يُوجِبُ أَنْ تُعِينَ الْعَاقِلَةُ فِيمَا لَمْ تَحْمِلْ جَمِيعَهُ - وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا مِنْ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ حُجَّةٌ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، فَبَدَأْنَا بِالْعَمْدِ مَا أُلْزِمَ فِيهِ دِيَةٌ، أَوْ صُولِحَ فِيهِ، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نُكَلِّفَ عَاقِلَةً غَرَامَةً حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمْ يُوجِبْهَا قَطُّ نَصٌّ ثَابِتٌ فِي الْعَمْدِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْعَمْدَ، وَلَا الصُّلْحَ فِي الْعَمْدِ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الِاعْتِرَافِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ، فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَوَجَدْنَا الْمُقِرَّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَيْسَ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لَا عَلَيْهِ، فَإِذْ لَيْسَ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُصَدَّقَ عَلَيْهِمْ، إلَّا أَنَّنَا نَقُولُ: إنَّهُ إنْ كَانَ عَدْلًا حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ مَعَهُ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ نَكَلُوا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. فَلَوْ أَقَرَّ اثْنَانِ عَدْلَانِ بِقَتْلِ خَطَأٍ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمَا بِلَا يَمِينٍ، لِأَنَّهُمَا شَاهِدَا عَدْلٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ [النَّاسُ] فِي هَذَا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ: الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي مَالِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ بِمَنْ أَقَرَّ لَهُ أَقْسَمَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْعَبْدِ يُقْتَلُ خَطَأً، هَلْ تَحْمِلُ قِيمَتَهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا؟ فَوَجَدْنَا مَنْ لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْ عُمَرَ كَمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسِنِينَ وَلَا نَعْلَمُهُ أَيْضًا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَضَايَا عَظِيمَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خَالَفُوهَا، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ، فَفَعَلْنَا. فَوَجَدْنَا مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا نا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ مُكَاتَبًا قُتِلَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُودَى مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ، وَمَا لَا دِيَةَ الْمَمْلُوكِ» .

مسألة مقدار ما تحمله العاقلة

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَرْوَانَ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ يُودَى مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَمَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ الْعَبْدِ. فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي الدِّينِ سَمَّى مَا يُودَى فِي قَتْلِ الْعَبْدِ " دِيَةً " وَسَمَّاهُ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - وَهُوَ حُجَّةٌ - فِي اللُّغَةِ " دِيَةً ". وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الدِّيَةَ فِي النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ - وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً: كَفَّارَةً بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً - فَصَحَّ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ: أَنَّ مَا يُودَى فِي الْعَبْدِ دِيَةٌ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ - وَبِهَذَا نَقُولُ. وَأَمَّا الدِّيَةُ وَسَائِرُ الْأَمْوَالِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ " دِيَةً " وَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِقْدَارُ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ] 2145 - مَسْأَلَةٌ: مِقْدَارُ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ إلَّا مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ كَانَ الثُّلُثَ، فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ إلَّا مَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا، فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الثُّلُثُ فَصَاعِدًا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَعَلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ إلَّا مَا كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا، وَمَا كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَانِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ جَنَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، فَبَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَتِهَا كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ بَلَغَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَبَلَغَ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهَا حَمَلَتْهُ عَاقِلَةُ الْجَانِي - رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً - وَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَجُلًا فَبَلَغَ

نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي - رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً - وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَفِي مَالِ الْجَانِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ تَآلَفُوا عَلَى الْكَثِيرِ فَقَطْ حَمَلُوا الْكَثِيرَ فَقَطْ - وَلَمْ تَحُدَّ لِلْقَلِيلِ وَلَا لِلْكَثِيرِ حَدًّا -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ وَمَا زَادَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ قَالَ: سَمِعْت رِجَالًا مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الدِّيَةِ أَنْ لَا يُحْمَلَ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ - عَقْلُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ - فَإِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ فَصَاعِدًا حُمِلَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُهُ - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: مَا كَانَ مِنْ خَطَأٍ فَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ - عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ السُّنَّةِ -. وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: إنَّ مِنْ الْأَمْرِ - الْقَدِيمِ عِنْدَنَا - أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْجُرْحُ ثُلُثَ الدِّيَةِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ أَوْ قَدْ كِدْنَا أَنْ نَجْتَمِعَ: أَنَّ مَا دُونَ الثُّلُثِ فِي مَالِهِ خَاصَّةً. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي مَوْلًى جُرِحَ، فَكَانَ دُونَ الثُّلُثِ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ - وَبِهَذَا يَقُولُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - قَالَ مَالِكٌ: مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ مِنْ الرَّجُلِ مِنْ جِنَايَةِ الرَّجُلِ جَرَحَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِي مَالِهِ، وَمَا بَلَغَ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ

فَعَلَى الْعَاقِلَةِ فَمَا كَانَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ سَوَاءٌ جَرَحَتْ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ - كَمَا رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ. قَالَ وَكِيعٌ: وَسَمِعْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مُوضِحَةَ الْمَرْأَةِ إلَّا فِي قَوْلِ مَنْ رَآهَا كَمُوضِحَةِ الرَّجُلِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا بِهِ فَرَاعَوْا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ، قَالُوا: فَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ امْرَأَةً فَبَلَغَتْ الْجِنَايَةُ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهَا فَصَاعِدًا فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ بَلَغَتْ أَقَلَّ فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي - رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً - فَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَجُلًا فَبَلَغَتْ الْجِنَايَةُ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ فَصَاعِدًا فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ بَلَغَتْ أَقَلَّ فَفِي مَالِ الْجَانِي - رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَالْقَوْلُ السَّادِسُ - كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْحٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: إذَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَقَالَ لِي ذَلِكَ ابْنُ أَيْمَنَ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ قَالَ: فَمَا لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ فَعَلَى قَوْمِ الرَّجُلِ خَاصَّةً. وَالْقَوْلُ السَّابِعُ - كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ جِرَاحٍ أَوْ دَمٍ كَانَ خَطَأً، فَإِنَّ عَقْلَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْقَبِيلَةُ مِنْ الْخَطَأِ عَلَى مَا ائْتَلَفُوا عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ إلْفَتُهُمْ عَلَى الْكَثِيرِ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْقَلِيلِ، فَإِنَّ عَقْلَ مَا ائْتَلَفُوا عَلَيْهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَعَقْلَ مَا لَمْ يَأْتَلِفُوا عَلَيْهِ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - اصْطَلَحَتْ عَلَيْهِ الْقَبِيلَةُ - بَأْسٌ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَلَّفَ مُعَقِّلَةَ قُرَيْشٍ، إذْ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ: عَلَى أَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَمَا فَوْقَهَا، وَأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ - قَالَهُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ - كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَوْلَ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ ثَمَنَ الْعَبْدِ - وَلَمْ يَخُصَّ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ فِي مَالِ

الْجَانِي، وَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟ فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ نَعْلَمُهَا أَصْلًا - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، إذْ كُلُّ قَوْلٍ لَا حُجَّةَ لَهُ، فَهُوَ سَاقِطٌ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي - فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ: مَا رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَّفَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَعَاقِلِهِمْ فَكَانَتْ بَنُو سَاعِدَةَ فُرَادَى عَلَى مَعْقُلَةٍ يَتَعَاقَلُونَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا، وَيَكُونُ مَا دُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ اكْتَسَبَ وَجَنَى» . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: «عَاقَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ: فَجَعَلَ الْعَقْلَ بَيْنَهُمْ إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ» . وَمَا ناه حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ نا مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا فِي جَاهِلِيَّتِنَا وَإِنَّمَا نَحْمِلُ مِنْ الْعَقْلِ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَنُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَنَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَتَجَازَى، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ كُنَّا فِيمَنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَعَاقِلِ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ: ثُلُثَ الدِّيَةِ - رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ، فَوَجَدْنَاهُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ عَنْ رَبِيعَةَ مُرْسَلَانِ. أَمَّا الْمُسْنَدُ - فَهَالِكٌ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، تُرِكَ بِأَخَرَةٍ - وَهُوَ أَيْضًا عَنْ الْوَاقِدِيِّ، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. ثُمَّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَرُبَّ مُرْسَلٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا قَدْ تَرَكُوهُ، كَالْمُرْسَلِ فِي: أَنَّ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ: ثُلُثَ دِيَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ مُرْسَلٌ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ وَابْنِ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ حُكْمِهِ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبُعُ ثَمَنِهَا، وَكِتَابُهُ

بِذَلِكَ إلَى الْقُضَاةِ فِي الْبِلَادِ، وَمِنْ خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ فِي الضِّلْعِ جَمَلًا، وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلًا. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ لَيْسَ حُجَّةً، وَيَكُونَ قَوْلٌ مَكْذُوبٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ حُجَّةً - فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الدِّيَةِ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إلَّا أَنْ قَالُوا: إنَّ الْأَمْوَالَ لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُؤَقَّتٌ لَا يَتَعَدَّى - وَوَجَدْنَا ثُلُثَ الدِّيَةِ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَرْشًا مَعْلُومًا لَا يَتَعَدَّى، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ كُلُّ مَا لَهُ أَرْشٌ مَحْدُودٌ فَتَحَمَّلَهُ الْعَاقِلَةُ، وَمَا لَا أَرْشَ لَهُ مَحْدُودًا فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَوْلٌ كَاذِبٌ، وَبَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَلَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا إلَّا بِظُنُونٍ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] . ثُمَّ نَظَرْنَا فِي تَقْسِيمِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَمُرَاعَاةِ مَالِكٍ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْجَانِيَةَ، أَوْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ هُوَ الْجَانِيَ، وَمُرَاعَاةِ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَاصَّةً - رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً - فَوَجَدْنَاهُمَا تَقْسِيمَيْنِ لَمْ يَسْبِقْ أَبَا حَنِيفَةَ إلَى تَقْسِيمِهِ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، وَلَا سَبَقَ مَالِكًا فِي تَقْسِيمِهِ هَذَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، وَلَئِنْ جَازَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ أَنْ يَقُولَا قَوْلًا بِرَأْيِهِمَا لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَهُمَا، فَمَا حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَلَا أَبَاحَ لَهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُبِحْهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ دُونَهُمَا، لَا سِيَّمَا مَنْ قَالَ بِمَا أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ مَنْ صَوَّبَ لِمَالِكٍ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا بِالرَّأْيِ لَمْ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ مُتَّبِعًا لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ، وَلَا صَحَّ إجْمَاعٌ بِخِلَافِهِ - فَمَا تَرَكَ لِلْبَاطِلِ شَغَبًا؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَا كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَعَلَى قَوْمِ الْجَانِي خَاصَّةً - فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ - فَسَقَطَ.

مسألة هل يغرم الجاني مع العاقلة

ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الزِّنَادِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْقَبَائِلُ وَتَرَاضَتْ بِهِ فَقَطْ، فَوَجَدْنَاهُ مُخْبِرًا عَنْ حَقِيقَةِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَصَحَّ بِإِخْبَارِ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَرَاضٍ فَقَطْ فَهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ قَطْعًا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا: لَمَّا حَمَلَتْ الدِّيَةَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَانَ حَمْلُهَا لِبَعْضِ الدِّيَةِ وَلِلْقَلِيلِ أَوْلَى، إذْ مَنْ حَمَلَ الْكَثِيرَ وَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ الْقَلِيلَ - وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَصَحَّ أَنَّهَا آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ لَا سُنَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَ الْعَاقِلَةَ غَرَامَةٌ أَصْلًا إلَّا حَيْثُ أَوْجَبَهَا النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِ دِيَةِ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ عَلَيْهَا وَصَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْغُرَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، لَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنْ تَلْزَمَ غَرَامَةٌ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهَا غَرَامَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَصِحُّ فِيهَا كَلِمَةٌ عَنْ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا فِيهَا آثَارٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ مُخْتَلِفِينَ غَيْرَ مُتَّفِقِينَ - فَصَحَّ أَنَّهَا أَقْوَالٌ عُذِرَ قَائِلُهَا بِالِاجْتِهَادِ وَقَصْدِ الْخَيْرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ يَغْرَمُ الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَةِ] 2146 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَغْرَمُ الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ: يَغْرَمُ الْقَاتِلُ خَطَأً مَعَ عَاقِلَتِهِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْغَرَامَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَمَا عَجَزَتْ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَهُوَ فِي مَالِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا -: فَوَجَدْنَا الْمُوجِبِينَ عَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً أَنْ يَغْرَمَ مَعَ عَاقِلَتِهِ يَقُولُونَ: إنَّ سَعْدَ بْنَ طَارِقٍ رَوَى عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: قَتَلْتُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ رَجُلًا ظَنَنْته كَافِرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي مُسْلِمٌ بَرِيءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ، قَالَ: فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الدِّيَةُ عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك. قَالُوا: وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ السَّلَفِ مُخَالِفٌ. وَقَالُوا: إنَّمَا الْغُرْمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَغْرَمُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ النُّصْرَةِ لَهُ، فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ فِي نَفْسِهِ - مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا وَجَدْنَاهُ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ - فَسَقَطَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْعَاقِلَةِ: كَمَا رُوِّينَاهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا قُتَيْبَةُ - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ - نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إنَّ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَإِحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ

مسألة كم يغرم كل رجل من العاقلة

الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ، وَغُرَّةً لِمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ: أَنَغْرَمُ دِيَةَ مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْأَعْرَابِ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ» فَهَذَا نَصُّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَرَاءَةِ الْجَانِيَةِ مِنْ الدِّيَةِ جُمْلَةً، وَأَنَّ مِيرَاثَهَا لِزَوْجِهَا وَبَنِيهَا، لَا مَدْخَلَ لِلْغَرَامَةِ فِيهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَصَبَتِهَا، وَهِيَ لَيْسَتْ عَصَبَةً لِنَفْسِهَا، لَا فِي شَرِيعَةٍ، وَلَا فِي لُغَةٍ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْجَانِي خَطَأً مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ عَجَزَتْ الْعَاقِلَةُ: فَالدِّيَةُ، وَالْغُرَّةُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ، فَحَقُّهُمْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى أَوْلِيَائِهَا. وَبُرْهَانٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَغْرَمُ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّ الْقَاتِلَ يَغْرَمُ مَعَهُمْ شَيْئًا، فَلَمْ يَحِلَّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ، فَمِمَّا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِنْ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ رَجُلًا فَقَأَ عَيْنَ نَفْسِهِ خَطَأً، فَقَضَى لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّيَةِ فِيهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؟ . [مَسْأَلَة كَمْ يَغْرَمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ] 2147 - مَسْأَلَةٌ: كَمْ يَغْرَمُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ قُلْنَا: مِنْ الْعَاقِلَةِ. ثُمَّ وَجَبَ النَّظَرُ: أَيَدْخُلُ فِيهَا: الصِّبْيَانُ، وَالْمَجَانِينُ، وَالنِّسَاءُ، وَالْفُقَرَاءُ أَمْ لَا؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَلَيْسَ النِّسَاءُ عَصَبَةً أَصْلًا، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِنَّ هَذَا الِاسْمُ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ

إجْمَاعٍ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ فِي إيجَابِ الْغُرْمِ عَلَى نِسَاءِ الْقَوْمِ فِي الدِّيَةِ الَّتِي تَغْرَمُهَا الْعَاقِلَةُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْفُقَرَاءِ، فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] . فَهَذَا عُمُومٌ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ فِي بِرٍّ، يُكَلَّفُهَا الْمَرْءُ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهَذَا الْحُكْمِ نَفَقَةٌ - دُونَ نَفَقَةٍ - لِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، فَلَا يَحِلُّ الْقَطْعُ لِأَحَدٍ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مَا قَبْلَهَا خَاصَّةً فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْفُقَرَاءَ خَارِجُونَ مِمَّا تُكَلَّفُهُ الْعَاقِلَةُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، فَوَجَدْنَا اسْمَ " عَصَبَةٍ " يَقَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا عَلَى إخْرَاجِهِمْ عَنْ هَذِهِ الْكُلْفَةِ، بَلْ قَدْ وَجَدْنَا أَحْكَامَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ تَلْزَمُهُمْ، كَالزَّكَاةِ الَّتِي قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِإِيجَابِهَا عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ زَكَاةَ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ، وَالثِّمَارِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ النَّفَقَاتِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ نَحْتَجَّ بِهَذَا لِأَنْفُسِنَا، لَكِنْ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لَنَا، لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ، وَالْمَجَانِينِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ لُزُومِ النَّفَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ لَهُمْ، وَبَيْنَ لُزُومِ الدِّيَةِ مَعَ سَائِرِ الْعَصَبَةِ لَهُمْ؟ لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَرَوْنَ الدِّيَةَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، إذَا قَتَلَ، وَيَرَوْنَ أُرُوشَ الْجِرَاحَاتِ عَلَيْهِمْ أَيْضًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: فَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَنْهُمْ فِيمَا جَنَوْهُ، ثُمَّ تَرَوْنَهَا عَلَيْهِمْ فِيمَا جَنَاهُ غَيْرُهُمْ؟ قُلْنَا نَعَمْ؛ لِأَنَّنَا لَا نَقُولُ بِالْمَقَايِيسِ فِي الدِّينِ، وَلَا أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الْآرَاءُ، بَلْ نَكْفُرُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ. وَقَدْ وَجَدْنَا الْقَاتِلَ يَقْتُلُ عَدَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ظُلْمًا فَيَعْفُو عَنْهُ أَوْلِيَاؤُهُمْ، فَيُحَرَّمُ

دَمُهُ، وَيَمْضِي سَالِمًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْرِقُ دِينَارًا، أَوْ يَزْنِي بِأَمَةٍ سَوْدَاءَ فَيَعْفُو عَنْهُ رَبُّ الدِّينَارِ، وَسَيِّدُ السَّوْدَاءِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَلَا الْقَتْلُ بِالْحِجَارَةِ - إنْ كَانَ مُحْصَنًا - وَأَيْنَ هَذَا وَالدِّينَارُ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ؟ وَوَجَدْنَاكُمْ تَقُولُونَ: إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا تُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهَا، بَلْ يُؤَدِّيهَا عَنْهَا غَيْرُهَا - وَهُوَ زَوْجُهَا. وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ: الْأُضْحِيَّةُ فَرْضٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا تُؤَدِّيهَا هِيَ، لَكِنْ يُؤَدِّيهَا عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِذَا قُلْتُمْ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنْتُمْ أَهْلُ آرَاءٍ وَقِيَاسٍ فِي الدِّينِ؟ فَنَحْنُ أَوْلَى بِأَنْ نَقُولَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ احْتِجَاجَكُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ - فَذَكَرَ - الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ» . قُلْنَا: نَحْنُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - قَائِلُونَ بِهِ، وَمُسْقِطُونَ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ بِخِطَابِ أَهْلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، فَهُمَا خَارِجَانِ عَمَّنْ خُوطِبَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَنَحْنُ نُلْزِمُهُمَا كُلَّ غَرَامَةٍ فِي مَالٍ جَاءَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِغَيْرِ خِطَابٍ لِأَهْلِهِ، وَالْحُكْمُ هَاهُنَا جَاءَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِأَنَّ الدِّيَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ وَلَمْ يُخَاطِبْ الْعَصَبَةَ، وَلَا الْتَفَتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى اعْتِرَاضِ مَنْ اعْتَرَضَ مِنْهُمْ، بَلْ أَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ، فَنَحْنُ نُنْفِذُ الْحُكْمَ بِإِيجَابِ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْعَصَبَةِ وَلَا نُبَالِي صِبْيَانًا كَانُوا أَوْ مَجَانِينَ أَوْ غُيَّبًا أَوْ حَاضِرِينَ، وَلَمْ نُوجِبْ ذَلِكَ فِيمَا جَنَاهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِيمَا قَتَلَهُ مُخَاطَبُ الْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي مِقْدَارِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ الْعَصَبَةِ؟ فَوَجَدْنَا قَوْمًا قَالُوا: لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ ثَلَاثَةٌ. وَقَوْمًا قَالُوا: يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، وَمِنْ الْمُقِلِّ رُبُعُ دِينَارٍ - فَكَانَتْ هَذِهِ حُدُودًا لَمْ يَأْتِ بِهَا حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَبَ أَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَيْهَا

مسألة هل يعقل عن الحليف وعن المولى وعن العبد أم لا

وَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ؟ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . وَقَالَ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . وَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ، وَبِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْمِلُوا مِنْ ذَلِكَ مَا يُطِيقُونَ، وَمَا لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَمَا لَا يَبْقَوْنَ بَعْدَهُ فِي عُسْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ - أَعْنِي الْعُسْرَ بِنَا - قَطُّ، فَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ مُعْسِرًا، أَوْ يُعْدَلُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ احْتَمَلَ مَالُهُ أَبْعِرَةً كَثِيرَةً، وَلَمْ يُجْحِفْ ذَلِكَ بِهِ كُلِّفَ ذَلِكَ - وَمَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا جُزْءًا مِنْ بَعِيرٍ كَذَلِكَ: أَشْرَكَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ مِنْهُمْ فِي الْبَعِيرِ، هَكَذَا حَتَّى تَتِمَّ الدِّيَةُ - وَهَكَذَا فِي حُكْمِ الْغُرَّةِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَالِ الْمَرْءِ مِنْهُمْ وَعِيَالِهِ، فَتُفْرَضُ الدِّيَةُ، وَالْغُرَّةُ عَلَى الْفَضَلَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ - الَّتِي يَبْقَوْنَ بَعْدَهَا - لَوْ ذَهَبَتْ - أَغْنِيَاءَ - فَيُعْدَلُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] . وَالْعَدْلُ: هُوَ الْأَخْذُ بِالسُّنَّةِ، لَا بِأَنْ يُسَاوَى بَيْنَ ذِي الْفَضْلَةِ الْقَلِيلَةِ، وَالْفَضْلَةِ الْكَثِيرَةِ - فَيُؤْخَذَ مِنْهُمْ سَوَاءٌ - لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ الْكَثِيرِ كَثِيرٌ، وَمِنْ الْقَلِيلِ قَلِيلٌ - وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْحَقُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ يُعْقَلُ عَنْ الْحَلِيفِ وَعَنْ الْمَوْلَى وَعَنْ الْعَبْدِ أَمْ لَا] 2148 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُعْقَلُ عَنْ الْحَلِيفِ؟ وَعَنْ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ؟ أَوْ مِنْ فَوْقُ؟ وَعَنْ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُعْقَلُ عَمَّنْ أَسْلَمَ عَنْ يَدَيْهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ بِالْعَقْلِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ قَوْمٌ: يَعْقِلُ عَنْ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ مَوَالِيهِ مِنْ فَوْقُ: كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ

إبْرَاهِيمَ، قَالَ: اخْتَصَمَ عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، فِي مَوَالٍ لِصَفِيَّةَ؟ فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ لِلزُّبَيْرِ، وَالْعَقْلَ عَلَى عَلِيٍّ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَهُ قَوْمٌ، وَأَعْتَقَ أَبَاهُ آخَرُونَ؟ قَالَ: يَتَوَارَثُونَ بِالْأَرْحَامِ، وَالْعَقْلُ عَلَى الْمَوَالِي. وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا يَمُوتُ قَبْلَنَا، وَلَيْسَ لَهُ رَحِمٌ وَلَا وَلِيٌّ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنْ تَرَكَ ذَا رَحِمٍ، فَالرَّحِمُ، وَإِلَّا فَالْوَلَاءُ، وَإِلَّا فَبَيْتُ الْمَالِ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ فَمَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَتَحَرَّجْت مِنْهَا فَرَفَعْتهَا إلَيْك؟ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ جَنَى جِنَايَةً عَلَى مَنْ كَانَتْ تَكُونُ؟ قَالَ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَمِيرَاثُهُ لَكَ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا وَالَى الرَّجُلُ رَجُلًا فَلَهُ مِيرَاثُهُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ عَقْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَبَى الْقَوْمُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ مَوْلَاهُمْ، أَيَكُونُ مَوْلَى مَنْ عَقَلَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: إمَّا أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ نَعْقِلَ عَنْهُ، وَهُوَ مَوْلَانَا، قَالَ عَطَاءٌ فَإِنْ أَبَى أَهْلُهُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ، وَأَبَى النَّاسُ، فَهُوَ مَوْلَى الْمُصَابِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: إذَا أَبَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ مَوْلَاهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ فَلَهُ مِيرَاثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي رَجُلٍ تَوَلَّى قَوْمًا قَالَ: إذَا عَقَلَ عَنْهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: غَيْرَ هَذَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ مَوْلًى لِبَنِي جَشْمٍ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَسَأَلَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا تَعْقِلُ الْعَرَبُ عَنْ الْمَوَالِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْمَوْلَى وَالْحَلِيفِ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ وَالَى غَيْرَ مَنْ أَعْتَقَهُ لَكِنْ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُمْ وَيُوَالِيَ غَيْرَهُمْ مَا لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ، فَإِذَا عَقَلُوا عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُمْ بِوِلَايَةٍ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا: لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ، وَلَا عَنْ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ، وَلَا عَنْ الْحَلِيفِ، وَلَا عَنْ الْعَبْدِ. فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نُخَلِّصَ أَقْوَالَهُمْ ثُمَّ نَذْكُرَ كُلَّ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا؛ لِيَظْهَرَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ: فَكَانَ الْحَاصِلُ - مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمَوَالِيَ مِنْ فَوْقُ يَعْقِلُونَ عَنْ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ، وَأَنَّ ذَوِي الرَّحِمِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمَوَالِي الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ، ثُمَّ الْمُعْتِقُونَ، ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ. وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَعْقِلُ عَنْهُ، وَأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ. وَصَحَّ مِنْ قَوْلِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ الْمَوَالِيَ مِنْ فَوْقُ يَعْقِلُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوهُ، فَإِنْ أَبَوْا عَقَلَ عَنْهُمْ الْإِمَامُ وَزَالَ وَلَاؤُهُ عَنْ الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ إلَى الَّذِي عَقَلَ عَنْهُ - وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ أَدْرَكَهُ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ الْمُعْتِقِينَ يَعْقِلُونَ عَنْ مَوْلَاهُمْ الَّذِي أَعْتَقُوهُ، وَعَمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْهُمْ - وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْمُعْتِقُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي طَلَبِ الْبُرْهَانِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا - وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ - فَوَجَدْنَا مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمُعْتِقِينَ يَعْقِلُونَ عَمَّنْ أَعْتَقُوهُ يَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً» . كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا

حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ - نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: «كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عَقِيلٍ فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ وَأَصَابُوا مَعَهُ الْعَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؟ فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي وَأَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ؟ قَالَ: إعْظَامًا لِذَلِكَ أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفِيقًا - فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ - قَالُوا: فَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى مِنْ الْقَوْمِ، وَالْحَلِيفُ مِنْ الْقَوْمِ - وَهُمْ مَأْخُوذُونَ بِجَرِيرَتِهِ - فَالْعَقْلُ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: أَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» فَحَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَيْسَ كَوْنُهُ مِنْهُمْ مُوجِبًا أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ أَيْضًا «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا عِنْدَهُمْ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - هُوَ غُنْدَرٌ - نا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَنْصَارَ وَقَالَ: أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ قَالُوا: لَا، إلَّا ابْنَ أُخْتٍ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لَأَنْ يَعْقِلَ عَنْهُمْ، أَوْ يَعْقِلُوا عَنْهُ إذْ لَا يَقْتَضِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْعُقَيْلِيِّ «أَخَذْتُكَ

بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ مِنْ ثَقِيفَ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ - إذْ أَخْذُهُ مُسْلِمًا حَرَامٌ أَخْذُهُ - لَوْلَا جَرِيرَةُ حُلَفَائِهِ، بَلْ أَخَذَ كَافِرًا حَلَالًا أَخْذُهُ، وَدَمُهُ، وَمَالُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إلَّا أَنَّهُ تَأَكَّدَ أَمْرُهُ مِنْ أَجْلِ جَرِيرَةِ حُلَفَائِهِ فَقَطْ - وَلَسْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - إنَّمَا نَحْنُ فِي مُسْلِمِينَ حَرَامٌ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، هَلْ يُؤْخَذُونَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِهِمْ أَمْ لَا؟ . وَثَانِيهَا: أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْجَرِيرَةِ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا مُسْلِمٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَوْ أَنَّ حُلَفَاءَ الْإِنْسَانِ أَوْ إخْوَانَهُ أَوْ أَبَاهُ أَوْ وَلَدَهُ: يَأْسِرُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ: لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ حَلِيفَهُ، وَلَا أَخَاهُ، وَلَا ابْنَهُ، وَلَا أَبَاهُ عَنْهُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَقِيَاسُ مُؤْمِنٍ عَلَى كَافِرٍ، وَجِنَايَةِ قَتْلِ خَطَأٍ عَلَى أَسْرِ كُفَّارٍ لِمُؤْمِنٍ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ مِمَّنْ مَوَّهَ بِهَذَا الْخَبَرِ فَحَرَّفَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ - جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً» فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي بَقَاءِ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِبْطَالِ الْحِلْفِ فِي الْإِسْلَامِ فَيَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَلْ يَعْقِلُ الْحُلَفَاءُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَمَا مَعْنَى بَقَاءِ الْحِلْفِ إذَا قُلْنَا: مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ كَأَنَّهُمْ مِنْهُمْ، فَإِذَا غَزَوْا غَزَوْا مَعَهُمْ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ تَكَلَّمُوا فِيهَا كَمَا يَتَكَلَّمُ الْأَهْلُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - وَأَمَّا إيجَابُ غَرَامَةٍ فَلَا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ نا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ قَالَ: قِيلَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: بَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِهِ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: «فِي دَارِهِ بِالْمَدِينَةِ» ؟ قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا أَعْظَمُ حُجَّةً فِي إبْطَالِ أَنْ يَعْقِلَ الْحَلِيفُ عَنْ حَلِيفِهِ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ» ، وَلَا حِلْفَ أَقْوَى وَأَشَدَّ مِنْ حِلْفٍ عَقَدَهُ

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ عَقَلَ الْحُلَفَاءُ عَنْ الْحَلِيفِ لَوَجَبَ أَنْ تَعْقِلَ قُرَيْشٌ عَنْ الْأَنْصَارِ، وَالْأَنْصَارُ عَنْ قُرَيْشٍ - وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَاجِبٌ أَنْ نَطْلُبَ مَعْرِفَةَ الْوَقْتِ الَّذِي قَطَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ -: فَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: إنَّ كُلَّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ فَهُوَ مَشْدُودٌ، وَكُلَّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ فَهُوَ مَنْقُوضٌ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَادَعَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقْدِهَا دَخَلَ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقْدِهِ دَخَلَ» . وَقَضَى عُثْمَانُ: أَنَّ كُلَّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ ثَابِتٌ، وَكُلَّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَهُوَ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ، قَضَى بِذَلِكَ فِي قَوْمٍ مِنْ بَنِي بَهْزٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. وَقَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ كُلَّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] فَهُوَ جَاهِلِيٌّ ثَابِتٌ وَكُلَّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا فَهُوَ إسْلَامِيٌّ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَالَفَ لِيَدْخُلَ فِي قُرَيْشٍ بَعْدَ نُزُولِ {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ دَاخِلًا فِيهِمْ، قَضَى فِي ذَلِكَ فِي حِلْفِ رَبِيعَةَ الْعُقَيْلِيِّ، فِي جُعْفِيٍّ، وَهُوَ جَدُّ إِسْحَاقَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعُقَيْلِيِّ؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] إلَى قَوْلِهِ {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] فَهُوَ مَشْدُودٌ، وَكُلُّ حِلْفٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ، فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ -: فَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ حَدَّ انْقِطَاعِ الْحِلْفِ إنَّمَا هُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْهِجْرَةِ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَنَسًا رَوَى - كَمَا ذَكَرْنَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَفَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ» ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ هَذَا الْحِلْفَ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَحْدِيدِهِ انْقِطَاعَ الْحِلْفِ بِيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ فَهَذَا

مسألة تعاقل أهل الذمة

أَيْضًا مُتَوَقِّفٌ؛ لِأَنَّ حِلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَا نَدْرِي أَقَبْلَ الْحُدَيْبِيَةَ أَمْ بَعْدَهَا. فَأَمَّا نُزُولُ {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] وَالْآيَةِ الْأُخْرَى فَمَا نَدْرِي مَتَى نَزَلَتَا؟ لِأَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ - رَاوِي «كُلُّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً» لَمْ يُسْلِمْ إلَّا يَوْمَ الْفَتْحِ، فَلَا يُحْمَلُ هَذَا الْخَبَرُ إلَّا عَلَى يَوْمِ الْفَتْحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ جُمْلَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَصَبَةِ - هَكَذَا جَاءَ النَّصُّ - فِي خَبَرِ دِيَةِ الْقَاتِلَةِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَمَنْ هُمْ الْعَصَبَةُ؟ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَكَمَ بِمِيرَاثِ الْقَاتِلَةِ لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَحَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَصَبَتِهَا - فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ هُمْ الْعَصَبَةُ؟ بِخِلَافِ مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، قَالَ: الْعَقْلُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِيرَاثُ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ مُحْتَجًّا يَحْتَجُّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . فَيَقُولُ: إنَّ هَذَا حُكْمُ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ؟ فَيُقَالُ لَهُ: نَعَمْ، هَذَا صَحِيحٌ، وَهَذَا حُكْمُ الْمَوَارِيثِ لَا حُكْمُ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرِثُ بِالْوَلَاءِ الْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَتْ مَوْلًى لَهَا وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْعَصَبَةِ؟ . [مَسْأَلَة تَعَاقُلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ] رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ نا عَمْرٌو - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ فِي الْمُعَاهِدِ يَقْتُلُ، قَالَ: إنْ كَانُوا يَتَعَاقَلُونَ فَعَلَى الْعَوَاقِلِ، وَإِنْ كَانَ لَا، فَدَيْنٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُعَاهِدِ يَقْتُلُ، قَالَ: دِيَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَقْلُهُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَالَ: دِيَتُهُ عَلَى أَهْلِ طسوجه.

مسألة جناية العبد

فَهَذِهِ أَقْوَالٌ مِنْهَا -: أَنَّ أَهْلَ إقْلِيمِهِ يَعْقِلُونَ عَنْهُ - وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ طسوجه لَا يُسَمَّوْنَ عَصَبَةً لَهُ بِلَا خِلَافٍ. وَقَوْلٌ آخَرُ - أَنَّ عَقْلَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ فَعَقْلُ مَنْ قَتَلَ خَطَأً وَالْغُرَّةُ تَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَصَبَتِهِ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ عَرَبًا مِنْ عَجَمٍ بَلْ جَعَلَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ فَعَمَّ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . [مَسْأَلَة جِنَايَة الْعَبْد] 2150 - مَسْأَلَةٌ: حُكْمُ مَا جَنَى الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ: إنْ قَتَلَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ، أَوْ الْمُكَاتَبُ مُسْلِمًا خَطَأً، أَوْ جَنَوْا عَلَى حَامِلٍ فَأُصِيبَ جَنِينُهَا، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي ذَلِكَ - وَهُوَ الَّذِي قَضَاؤُهُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الدِّيَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى عَصَبَةِ الْجَانِي فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ وَلَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَنَحْنُ نَشْهَدُ - بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ لَبَيَّنَهُ وَلَمَا أَهْمَلَهُ وَلَا أَغْفَلَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَكُلُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَصَّلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ - وَقَدْ حَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ. وَالْبُطُونُ - هِيَ الْوِلَادَاتُ أَبًا بَعْدَ أَبٍ، فَهِيَ فِي الْعَجَمِ، كَمَا هِيَ فِي الْعَرَبِ وَفِي الْأَحْرَارِ، كَمَا هِيَ فِي الْعَبِيدِ، فَوَاجِبٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْعَبِيدِ يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَلَهُ عَصَبَةٌ، كَقُرَشِيٍّ، أَوْ عَرَبِيٍّ، أَوْ عَجَمِيٍّ، تَزَوَّجَ أَمَةً فَرَقَّ وَلَدُهَا مِنْهَا، فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَصَبَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَصَبَةِ لَا عَلَى الْوَرَثَةِ بِنَصِّ حُكْمِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَطُّ غَيْرَهُ مِمَّا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ.

مسألة الاختلاف فيمن لا عاقلة له

[مَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِيمَنْ لَا عَاقِلَة لَهُ] مَسْأَلَةٌ: مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى الْمُسْلِمِينَ -: كَمَا رُوِّينَا أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ الرَّجُلَ يَمُوتُ بَيْنَنَا لَيْسَ لَهُ رَحِمٌ وَلَا مَوْلًى وَلَا عَصَبَةٌ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنْ تَرَكَ رَحِمًا فَرَحِمٌ، وَإِلَّا فَالْمَوْلَى، وَإِلَّا فَلِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ: يَرِثُونَهُ، وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَقْلُهُ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ -: كَمَا رُوِّينَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا رَجَمَ الْمَرْأَةَ قَالَ لِأَوْلِيَائِهَا: هَذَا ابْنُكُمْ تَرِثُونَهُ وَيَرِثُكُمْ، وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً فَعَلَيْكُمْ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا لَاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِعَصَبَةِ أُمِّهِ، وَتَرِثُهُ، وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا - وَهُوَ النَّخَعِيُّ - فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ قَالَ: مِيرَاثُهُ كُلُّهُ لِأُمِّهِ، وَيَعْقِلُ عَنْهُ عَصَبَتُهَا، كَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَى، وَوَلَدُ النَّصْرَانِيِّ وَأُمُّهُ مُسْلِمَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى مَنْ كَانَ مِثْلَهُ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ أَسْلَمَ وَلَيْسَ لَهُ مَوَالٍ، فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً؟ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ اجْعَلُوهَا دِيَةً عَلَى نَحْوِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى مَنْ كَانَ مِثْلَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ سَائِبَةً مِنْ سُيَّبِ مَكَّةَ أَصَابَتْ إنْسَانًا فَجَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَيْسَ لَك شَيْءٌ، أَرَأَيْت لَوْ شَجَجْته؟ قَالَ: آخُذُ لَهُ مِنْك حَقَّهُ، وَلَا تَأْخُذُ لِي مِنْهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هُوَ إذًا الْأَرْقَمُ أَنْ يَتْرُكَنِي أُلْقِمُ وَأَنْ يَقْتُلُونِي أَنْقِمُ، قَالَ عُمَرُ: فَهُوَ الْأَرْقَمُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا؟ فَوَجَدْنَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ. وَوَجَدْنَا «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَضَى مُجْمَلًا فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» ، فَكَانَ هَذَانِ النَّصَّانِ عَامَّيْنِ لِكُلِّ مَنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَلِكُلِّ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَلَا عَصَبَةَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَضَى بِالدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ عَلَى الْعَصَبَةِ لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى مَنْ لَا

عَصَبَةَ لَهُ - فَإِذْ لَمْ يَقُلْ، وَقَضَى بِالْغُرَّةِ جُمْلَةً، وَقَضَى اللَّهُ تَعَالَى بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِ الْمَقْتُولِ خَطَأً عُمُومًا: كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا فِيمَنْ قَتَلَهُ خَطَأً مَنْ لَهُ عَصَبَةٌ، وَمَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْغُرَّةُ - فَوَجَبَ أَنْ لَا تَسْقُطَ الدِّيَةُ، وَلَا الْغُرَّةُ هَاهُنَا أَيْضًا، إذْ لَمْ يُسْقِطْهَا نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَوَجَدْنَا مَنْ جَعَلَهَا فِي مَالِ الْجَانِي، أَوْ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ، أَوْ عَلَى مِثْلِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ: قَدْ خَصَّ بِالْغَرَامَةِ قَوْمًا دُونَ سَائِرِ النَّاسِ - وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَغْرَمَ أَحَدٌ غَرَامَةً لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ الدِّيَةَ يَغْرَمُهَا الْأَخْوَالُ، وَلَا الْجَانِي، وَلَا مَنْ أَسْلَمَ مَعَ الْجَانِي - فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ سَوَاءٌ فِي تَحْرِيمِ أَمْوَالِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الدِّيَةَ وَالْغُرَّةَ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الصَّدَقَاتِ، أَوْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَمِيعِ مَصَالِحِهِمْ - فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الدِّيَةَ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ قُتِلَ خَطَأً، وَأَوْجَبَ الْغُرَّةَ فِي كُلِّ جَنِينٍ أُصِيبَ عُمُومًا، إلَّا وَلَدَ الزِّنَى وَحْدَهُ، وَمَنْ لَا يَلْحَقُ بِمَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ مِنْهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَاتِ مُتَّصِلَةٌ مِنْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَيْنَا، وَإِلَى انْقِرَاضِ الدُّنْيَا - أَبًا بَعْدَ أَبٍ - فَكُلُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَلَهُ عَصَبَةٌ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ بَعِدُوا عَنْهُ وَلَا بُدَّ - إلَّا مَنْ ذَكَرْنَا. فَإِنْ كَانَتْ الْعَصَبَةُ مَجْهُولَةً، أَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ، فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ، وَالْغُرَّةَ - وَخَفِيَ أَمْرُهُمْ - فَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْغَارِمِينَ، فَحَقُّهُمْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَاجِبٌ، فَتُؤَدَّى عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ - كَوَلَدِ الزِّنَى، وَابْنِ الْمُلَاعَنَةِ، وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ، وَوَلَدِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَجْنُونِ يَغْتَصِبُهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا عَصَبَةَ لَهُ بِيَقِينٍ أَصْلًا، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ، وَفِي الْجَنِينِ الْغُرَّةَ، عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَامًّا، لَا بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَهَكَذَا وَجَدْنَا «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ، إذْ وَدَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

القسامة

مِنْ الصَّدَقَاتِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الْقَسَامَةِ " إذْ لَمْ يُعْرَفْ مَنْ قَتَلَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [الْقَسَامَةُ] [مَسْأَلَةٌ اخْتِلَافُ النَّاسُ فِي الْقَسَامَةِ] الْقَسَامَةُ - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى أَقْوَالٍ نَذْكَرُ مِنْهَا - مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حَسَبِ مَا وَرَدَتْ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثُمَّ عَنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ثُمَّ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ نَذْكُرُ حُجَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ؛ لِيَلُوحَ مِنْ ذَلِكَ الْحَقُّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ يَقُدْ أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ بِالْقَسَامَةِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَمْرٍو - هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَالْجَمَاعَةَ الْأُولَى لَمْ يَكُونُوا يَقِيدُونَ بِالْقَسَامَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَجَدَاهُ قَدْ صَدَرَ عَنْ الْبَيْتِ عَامِدًا إلَى مِنًى فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ أَدْرَكَاهُ فَقَصَّا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمَا، فَقَالَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ ابْنَ عَمٍّ لَنَا قُتِلَ، نَحْنُ إلَيْهِ شَرَعٌ سَوَاءٌ فِي الدَّمِ - وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يُرْجِعُ إلَيْهِمَا شَيْئًا - حَتَّى نَاشَدَاهُ اللَّهَ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ ذَكَّرَاهُ اللَّهَ؟ فَكَفَّ عَنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَيْلٌ لَنَا إذَا لَمْ نُذَكِّرْ بِاَللَّهِ، وَوَيْلٌ لَنَا إذَا لَمْ نُذَكَّرْ اللَّهَ: فِيكُمْ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ، يَجِيئَانِ بِهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فَنُقِيدُكُمْ مِنْهُ، وَإِلَّا حَلَفَ

مَنْ يَدْرَؤُكُمْ: بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا؟ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ مِنْكُمْ خَمْسُونَ، ثُمَّ كَانَتْ لَكُمْ الدِّيَةُ، إنَّ الْقَسَامَةَ تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ وَلَا يُقَادُ بِهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَحْلَفَ امْرَأَةً خَمْسِينَ يَمِينًا؛ ثُمَّ جَعَلَهَا دِيَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْحَيِّ يَقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ الْحَيِّ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ: بِاَللَّهِ إنَّ دَمَنَا فِيكُمْ ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ نا أَبُو بِشْرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَسَدِيُّ نا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ ني أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ أَبِي قِلَابَةَ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا حَلِيفًا لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتِ مِنْ الْيَمَنِ بِالْبَطْحَاءِ فَانْتَبَهَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ؟ فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ فَأَخَذُوا الْيَمَانِيَّ فَرَفَعُوهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَوْسِمِ، وَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا، قَالَ: إنَّهُمْ خَلَعُوهُ، قَالَ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوا؟ فَأَقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الشَّامِ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقْسِمَ؟ فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ آخَرَ، فَدَفَعَهُ عُمَرُ إلَى أَخِي الْمَقْتُولِ، فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقَا - وَذَكَرَ الْخَبَرَ.

وَعَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ قَالَ: إنَّ قَتِيلًا قُتِلَ بِالْيَمَنِ بَيْن حَيَّيْنِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَقِيسُوا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، فَكَانَ إلَى وَدَاعَةَ أَقْرَبَ، فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ: أَنْ يُقْسِمُوا ثُمَّ يَدُوا. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي وَدَاعَةَ بِالْيَمَنِ: فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَطِيمَ مِنْهُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ، ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُمْ رَجُلًا رَجُلًا: بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَقَالَ لَهُمْ: أَدُّوا وَحَوِّلُوا، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُغَرِّمُنَا وَتُحَلِّفُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نا أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَأَلَهُ عَنْ الْقَسَامَةِ؟ قَالَ: فَقُلْت لَهُ: كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ أَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنْ مِنْ سُنَّتِنَا، وَمَا بَلَغَنَا: أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا تَكَلَّمَ بَرِئَ أَهْلُهُ، إنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَاَلَّذِي أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ النَّاسَ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّالِبِ، وَالْأَيْمَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، إلَّا فِي الدَّمِ فَهَذَا مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ وُجِدَ مَقْتُولًا فِي دَارِ قَوْمٍ، فَقَالُوا: طَرَقَنَا لِيَسْرِقَنَا، وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُ: كَذَبُوا بَلْ دَعَوْهُ إلَى مَنْزِلِهِمْ، ثُمَّ قَتَلُوهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَتَبَ إلَيْهِ: يَحْلِفُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ خَمْسُونَ: إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَا جَاءَ لِيَسْرِقَهُمْ، وَمَا دَعَوْهُ إلَّا دُعَاءً، ثُمَّ قَتَلُوهُ - فَإِنْ حَلَفُوا أُعْطُوا الْقَوَدَ، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ مِنْ أُولَئِكَ خَمْسُونَ: بِاَللَّهِ لَطَرَقَنَا لِيَسْرِقَنَا، ثُمَّ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ابْنِ بَاقِرَةَ التَّغْلِبِيَّ أَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَحْلِفُوا، فَأَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ فَهَذَا مَا جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا وَجَدَ الْقَتِيلَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ قَاسَ مَا بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَيُّمَا رَجُلٍ قُتِلَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَدِيَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِكَيْ لَا يُطَلَّ دَمٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَهُوَ عَلَى أَصْقَبِهِمَا - يَعْنِي أَقْرَبَهُمَا. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - أَنَّهُ اسْتَحْلَفَ الْمُتَّهَمَ، وَتِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ مَعَهُ تَمَامَ خَمْسِينَ - فَهَذَا مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُطِيعٍ عَنْ فُضَيْلٍ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ يَحْيَى - عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا قَسَامَةَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيِّنَةٌ. وَيَقُولُ: لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ، وَلَا يُطَلُّ دَمُ مُسْلِمٍ - هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ. فَهَذَا مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ - أَنَّهُ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْقَسَامَةِ؟ فَأَخْبَرْته أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَادَ بِهَا، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَقُدْ بِهَا. وَعَنْ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ الْقَسَامَةَ فِي الدَّمِ لَمْ تَزَلْ عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا، فَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ، أَوْ نَكَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ: رُدَّتْ قَسَامَتُهُمْ، حَتَّى حَجَّ مُعَاوِيَةُ فَاتَّهَمَتْ بَنُو أَسَدِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى مُصْعَبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ، وَمُعَاذَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيَّ، وَعُقْبَةَ بْنَ جَعْوَنَةَ بْنِ شَعُوبٍ اللَّيْثِيَّ: بِقَتْلِ إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ؟ فَاخْتَصَمُوا إلَى مُعَاوِيَةَ إذْ حَجَّ - وَلَمْ يُقِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَيِّنَةً إلَّا بِالتُّهْمَةِ، فَقَضَى مُعَاوِيَةُ بِالْقَسَامَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَعَلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَأَبَى بَنُو زُهْرَةَ، وَبَنُو تَيْمٍ، وَبَنُو لَيْثٍ: أَنْ يَحْلِفُوا عَنْهُمْ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِبَنِي أَسَدٍ: احْلِفُوا؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: نَحْلِفُ نَحْنُ عَلَى الثَّلَاثَةِ

جَمِيعًا فَنَسْتَحِقُّ؟ فَأَبَى مُعَاوِيَةُ أَنْ يُقْسِمُوا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ - فَقَصَرَ مُعَاوِيَةُ الْقَسَامَةَ فَرَدَّهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ، فَحَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، فَبَرِئُوا - وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا قُصِرَتْ الْقَسَامَةُ، ثُمَّ قَضَى بِذَلِكَ مَرْوَانُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ - ثُمَّ رُدَّتْ الْقَسَامَةُ إلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا تَوْحِيدُ الْأَيْمَانِ - فَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّدَ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمْ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَأَمَّا التَّابِعُونَ - فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ غِيلَةً؟ قَالَ: يُقْسِمُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ: مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَإِنْ حَلَفُوا فَقَدْ بَرِئُوا، وَإِنْ نَكَلُوا أَقْسَمَ مِنْ الْمُدَّعِينَ خَمْسُونَ: أَنَّ دَمَنَا قِبَلَكُمْ، ثُمَّ يُودُوا. وَعَنْ الْحَسَنِ - يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَسَامَةِ الدِّيَةَ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الدَّمَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - أَنَّهُ سَمِعَ أَصْحَابًا لَهُ يُحَدِّثُونَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَرَّأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْيَمِينِ ثُمَّ ضَمَّنَهُمْ الْعَقْلَ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ - أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ فِي إمَارَتِهِ بِالْمَدِينَةِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْقَسَامَةِ - بِغَيْرِ عِلْمٍ - اسْتَحْلَفَهُمْ، وَأَلْزَمَهُمْ الدِّيَةَ، وَدَرَأَ عَنْ الْقَتْلِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - أَنَّهُ رَدَّدَ الْأَيْمَانَ عَلَى سَبْعَةِ نَفَرٍ أَحَدُهُمْ جَانٍ، وَعَنْ شُرَيْحٍ - قَالَ: تُرَدَّدُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا عَلَى قَوْمٍ قَتِيلًا؟ فَاسْتَحْلَفَ شُرَيْحٌ خَمْسِينَ مِنْهُمْ، فَحَلَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ: بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت، وَلَا عَلِمْت قَاتِلًا، فَاسْتَحْلَفَهُمْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: أَتِمَّهُمْ وَأَنَا أَعْلَمُ، فَلَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ رَجُلًا، فَرَدَّدَ عَلَيْهِمْ أَيْمَانَ نَفَرٍ مِنْهُمْ تَمَامَ الْخَمْسِينَ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: الْقَوَدُ بِالْقَسَامَةِ جَوْرٌ يُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ وَلَا يُقَادُ بِهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ - حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ - وَقَدْ تَيَسَّرَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ لِيَحْلِفُوا الْغَدَ فِي الْقَسَامَةِ - فَقَالَ: يَا لِعِبَادِ اللَّهِ لَقَوْمٌ يَحْلِفُونَ عَلَى مَا لَمْ يَرَوْهُ، وَلَمْ يَحْضُرُوهُ، وَلَمْ يَشْهَدُوهُ، وَلَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ لَعَاقَبْتُهُمْ، وَلَنَكَلْتُهُمْ، وَلَجَعَلْتُهُمْ نَكَالًا، وَمَا قَبِلْت لَهُمْ شَهَادَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ - نا قُتَيْبَةُ أَبُو بِشْرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَسَدِيُّ نا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ ني أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ بَنِي قِلَابَةَ أَنَا أَبُو قِلَابَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ؟ فَقَالُوا: الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، وَقَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ؟ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ الْأَخْيَارِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى لَمْ يَرَوْهُ، أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصَ أَنَّهُ سَرَقَ، أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَوَاَللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا قَطُّ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ» . قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَدَعَانِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ أُرِيدُ أَنْ أَدَعَ الْقَسَامَةَ، يَأْتِي رَجُلٌ مِنْ أَرْضِ كَذَا، وَآخَرُ مِنْ أَرْضِ كَذَا، فَيَحْلِفُونَ، فَقُلْت لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَك، قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَإِنَّك إنْ تَرَكْتهَا أَوْشَكَ رَجُلٌ أَنْ يُقْتَلَ عِنْدَ بَابِك فَيُطَلُّ دَمُهُ، وَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْقَسَامَةِ حَيَاةً. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي رَجُلٍ اُتُّهِمَ بِقَتْلِهِ أَخَوَانِ فَخَافَ أَبُوهُمَا أَنْ يُقْتَلَا، فَقَالَ: أَنَا قَتَلْت صَاحِبَكُمْ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ: أَنَا قَتَلْته - وَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَى ذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، فَيَحْلِفُونَ قَسَامَةَ الدَّمِ عَلَى أَحَدِهِمْ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ - قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ اعْتَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَتْلِ إنْسَانٍ، وَبَرَّأَ صَاحِبَهُ: إنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُقْسِمُونَ عَلَى وَاحِدٍ، وَيُجْلَدُ الْآخَرَانِ مِائَةً مِائَةً، وَيُسْجَنَانِ سَنَةً.

فَإِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، يُجْلَدُونَ كُلُّهُمْ مِائَةً مِائَةً، وَيُسْجَنُونَ سَنَةً. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ يَعْقُوبَ مَوْلَى بَنِي سِبَاعٍ ضُرِبَ، فَاحْتُمِلَ إلَى أَهْلِهِ فَسُئِلَ مَنْ ضَرَبَهُ؟ فَقَالَ: ضَرَبَنِي ابْنَا بِلْسَانَةَ وَابْنَا تَوْلَمَانَةَ - فَحُفِظَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ، وَمَاتَ رَبِيعَةُ، فَأَخَذَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أُولَئِكَ الرَّهْطَ فَسَجَنَهُمْ، وَقَدِمَ مَرْوَانُ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَاخْتَصَمُوا إلَيْهِ، فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى كَلَامِ رَبِيعَةَ، وَتَسْمِيَةِ الرَّهْطِ الَّذِينَ سَمَّى، فَجَاءُوا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَأَحْلَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سِبَاعٍ، وَابْنَهُ مُحَمَّدًا، وَعَطَاءَ بْنَ يَعْقُوبَ فِي قَرِيبٍ مِنْ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ آلِ سِبَاعٍ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسِينَ يَمِينًا مُرَدَّدَةً عَلَيْهِمْ؛ لِقَتْلِ ابْنَا بِلْسَانَةَ، وَابْنَا تَوْلَمَانَةَ رَبِيعَةُ بْنُ يَعْقُوبِ، فَحَلَفُوا، فَدَفَعَ مَرْوَانُ ابْنَيْ بِلْسَانَةَ، وَابْنَيْ تَوْلَمَانَةَ، إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلُوهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَمِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَجُمْلَةُ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ - هَكَذَا مُجْمَلًا - فَأَمَّا الْمُسَمَّوْنَ فَهُمْ تِسْعَةٌ. وَمِنْ التَّابِعِينَ - الْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَشُرَيْحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَتَادَةُ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْمَدِينَةِ - الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمْ التَّابِعُونَ هَكَذَا مُجْمَلًا - كُلُّهُمْ مُخْتَلِفُونَ، وَالصَّحَابَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَأَكْثَرُ مَا ذَكَرْنَا لَا يَصِحُّ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالْمَأْثُورُ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يُقِدْ بِالْقَسَامَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، إنَّمَا هُوَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَفِي طَرِيقِ الْحَسَنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمْ يُقِدْ بِالْقَسَامَةِ - وَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ طَلَبَ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ - وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْهُ - لِأَنَّهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ - وَلَمْ يُولَدْ وَالِدُ الْقَاسِمِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِينَ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَبَرُّوا فَقَطْ، إلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ - فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ حَيَّيْنِ، أَوْ قَرْيَتَيْنِ - أَنْ يُذْرَعَ إلَى أَيِّهِمَا هُوَ أَقْرَبُ فَاَلَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا وَغَرِمُوا الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ. وَمِثْلُ هَذَا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ إلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ عَنْ عُمَرَ، وَالْمُغِيرَةِ، مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ أَوْ نَحْوِهَا وَقَبْلَ الشَّعْبِيِّ. وَفِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ أَشْعَثُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ حَلَّفَ امْرَأَةً مُدَّعِيَةً مِنْ دَمِ مَوْلًى لَهَا خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ قَضَى لَهَا بِالدِّيَةِ - وَهَذَا مُرْسَلٌ - لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ، وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ. وَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ فَأَقَرُّوا بِقَتْلِهِ، وَأَنَّهُ جَاءَهُمْ لِيَسْرِقَهُمْ: أَنْ يَحْلِفَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَلَهُمْ الْقَوَدُ، فَإِنْ نَكَلُوا: حَلَفَ أَهْلُ الدَّارِ وَغَرِمُوا الدِّيَةَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُثْمَانَ - وَلَمْ يُولَدْ الزُّهْرِيُّ، إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ - أَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ عُثْمَانَ -. وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ قَاسَ مَا بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا وَإِنْ وُجِدَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمَ، وَتِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ مَعَهُ - إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ - وَلَمْ يُولَدْ أَبُو جَعْفَرٍ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ بِبِضْعَةِ عَشَرَ عَامًا. وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِيهَا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ - وَهُوَ كَذَّابٌ - وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ - وَهُوَ هَالِكٌ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ - فَجَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِالْأَيْمَانِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ وَأَنْ لَا يُقَادَ بِهَا، وَأَنْ لَا يُطَلَّ دَمُ مُسْلِمٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إحْدَى الطَّرِيقَيْنِ عَنْ

مُطِيعٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَالْأُخْرَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ هَالِكٌ. وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ - فَصَحَّ عَنْهُ مِنْ أَجَلِّ إسْنَادٍ أَنَّهُ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ، وَأَنَّهُ رَأَى الْقَوَدَ بِهَا فِي قَتِيلٍ وُجِدَ، وَأَنَّهُ رَأَى الْحُكْمَ لِلْمُدَّعِينَ بِالْأَيْمَانِ، وَأَنَّهُ رَأَى أَنْ يُقَادَ بِهَا مِنْ الْجَمَاعَةِ لِلْوَاحِدِ: رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ أَوْثَقُ النَّاسِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - وَقَدْ شَاهَدَ تِلْكَ الْقِصَّةَ كُلَّهَا. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَاضِي ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ - فَرُوِيَ عَنْهُ تَبْرِئَةُ أَوْلِيَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَطْ، وَأُقِيدُوا بِهِ لَا عَلَى أَكْثَرَ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، تُرَدَّدُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، وَحَمْلُهُ إيَّاهُمْ لِلتَّحْلِيفِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَقَدْ شَهِدَ الْأَمْرَ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ بِالْأَيْمَانِ وَأَقَادَ بِهَا، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَزْيَدُ مِنْ أَلْفٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِي الطَّرِيقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي الزِّنَادِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ دَعْوَى فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ، إلَّا فِي الدَّمِ، فَإِنَّ الْمُصَابَ إذَا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، فَأَوْلِيَاؤُهُ مُبْدِئُونَ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ هَالِكٌ - وَرُوِيَ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى، أَنْ لَا قَوَدَ بِالْقَسَامَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ الْحَسَنِ. وَفِي الطَّرِيقِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرُوِيَ: أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ مُعَاوِيَةَ، أَلَّا تُرَدَّدَ الْأَيْمَانُ، وَأَنَّهُ إنْ نَقَصَ مِنْ الْخَمْسِينَ وَاحِدٌ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ - وَهُوَ صَحِيحٌ - رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَيَّامَ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهَذَا كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُلُّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ، وَكُلُّهُ لَا يَصِحُّ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَنْ إبْطَالِ الْقَسَامَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ الْخَمْسُونَ: فَهُوَ صَحِيحٌ. وَأَمَّا التَّابِعُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: فَأَمَّا الْحَسَنُ: فَصَحَّ عَنْهُ أَنْ لَا يُقَادَ بِالْقَسَامَةِ لَكِنْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ: بِاَللَّهِ مَا فَعَلْنَا، وَيُبَرَّءُونَ - فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ وَأَخَذُوا الدِّيَةَ - هَذَا فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ.

وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - فَجَاءَ عَنْهُ: يَبْدَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أُغَرِّمُهُمْ الدِّيَةَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ - وَهَذَا عَنْهُ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ - وَصَحَّ عَنْهُ: أَنَّهُ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ صِحَّةً لَا مَغْمَزَ فِيهَا، وَأَنَّهُ بَدَأَ الْمُدَّعِينَ بِالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، وَرَدَّدَ الْأَيْمَانَ - وَصَحَّ عَنْهُ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْقَسَامَةِ جُمْلَةً وَتَرَكَ الْحُكْمَ بِهَا. وَصَحَّ عَنْهُ مِثْلُ حُكْمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي إغْرَامِهِ نَصًّا الدِّيَةَ فِي نُكُولِ الْمُدَّعِينَ وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ عَنْ الْأَيْمَانِ مَعًا. وَأَمَّا شُرَيْحٌ - فَصَحَّ عَنْهُ تَرَدُّدُ الْأَيْمَانِ، وَأَنَّ الْقَتِيلَ إذَا وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ فَادَّعَى أَهْلُهُ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الدَّارِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - فَصَحَّ عَنْهُ إبْطَالُ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ لَكِنْ يُبْدَأُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ - مَعَ ذَلِكَ - وَرَأَى تَرْدِيدَ الْأَيْمَانِ. وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ - فَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ: أَنَّهُ عَلَى أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ، لَهُ إنْ وُجِدَ بَدَنُهُ فِي دَارِ قَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ دَمُهُ، وَإِنْ وُجِدَ رَأْسُهُ فِي دَارِ قَوْمٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ - وَلَا دِيَةَ وَلَا غَيْرَهَا - إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، أَوْ عَنْ صَاعِدٍ الْيَشْكُرِيِّ، وَلَا نَعْرِفُهُ. وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهَا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا لَمْ يَقْضِ بِهَا - وَهَذَا كَلَامُ سَوْءٍ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ. وَرِوَايَةٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْكُمُ مِنْ عِنْدِ. نَفْسِهِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] . وَلَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى إذْ أَوْحَى إلَيْهِ بِأَنْ يَحْكُمَ فِي الْقَسَامَةِ بِمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ أَنَّ النَّاسَ سَيَجْتَرِئُونَ عَلَى الْكُفْرِ، وَعَلَى الدِّمَاءِ، فَكَيْفَ عَلَى الْأَيْمَانِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَأَمَّا قَتَادَةُ - فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ، وَلَا يُقَادُ بِهَا. وَأَمَّا سَالِمٌ - فَصَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ الْقَسَامَةِ جُمْلَةً، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ فِيهَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُنَكَّلَ، وَأَنْ لَا تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ.

وَأَمَّا أَبُو قِلَابَةَ - فَصَحَّ عَنْهُ إنْكَارُ الْقَسَامَةِ جُمْلَةً. وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ - فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إذَا لَمْ تَتِمَّ الْخَمْسُونَ عَدَدُ الْمُدَّعِينَ بَطَلَتْ، وَلَا تُرَدَّدُ الْأَيْمَانُ فِيهَا وَأَنَّ تَرْدِيدَهَا مُحْدَثٌ. أَمَّا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ: إنْ ادَّعَى الْمُصَابُ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ، أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَإِنَّ أَوْلِيَاءَ الْمُدَّعِي يَبْدَءُونَ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى وَاحِدٍ، وَتُرَدَّدُ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ إنْ لَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِذَا حَلَفُوا دُفِعَ إلَيْهِمْ الْوَاحِدُ فَيَقْتُلُوهُ، وَجُلِدَ الْآخَرُونَ مِائَةً مِائَةً، وَسُجِنُوا سَنَةً. وَأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِأَنْ لَا يُقْتَلَ فِي الْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَهُ يَقْتُلُونَ فِيهَا الرَّهْطَ بِالْوَاحِدِ. وَهَذَا كُلُّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ سَاقِطٌ، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِرِوَايَتِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَابْنُ سَمْعَانَ مَعًا - وَهُمَا سَاقِطَانِ؛ وَأَمَّا أَبُو الزِّنَادِ - فَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ مَنْ لَهُ بَعْضُ بَيِّنَةٍ أَوْ شُبْهَةٌ، صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ. وَأَمَّا رَبِيعَةُ - فَصَحَّ عَنْهُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ، أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْمَرْأَةِ: يُؤْخَذُ بِهَا فِي الْقَتْلِ، وَيَبْدَأُ مَعَهَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَذَلِكَ دَعْوَى الْمُصَابِ دُونَ بَيِّنَةٍ أَصْلًا - بَالِغًا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ - هَكَذَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فَيَبْدَأُ أَوْلِيَاؤُهُ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتُرَدَّدُ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ إنْ لَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ، وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، تُرَدَّدُ أَيْضًا عَلَيْهِمْ، وَيَبْرَءُونَ وَيَبْرَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، فَإِنْ نَكَلُوا وَجَبَ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَوَدُ عَلَى مَنْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ دُونَ يَمِينٍ. وَأَمَّا مَرْوَانُ - فَرُوِيَ عَنْهُ: إذَا ادَّعَى الْجَرِيحُ عَلَى قَوْمٍ، فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَبْدَءُونَ فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتُكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ، ثُمَّ يُدْفَعُ إلَيْهِمْ كُلُّ مَنْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ - وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَيَقْتُلُونَ - إنْ شَاءُوا - وَلَمْ يَصِحَّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ. وَأَمَّا السَّالِفُونَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جُمْلَةً - فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمْ: أَنَّ مَنْ ادَّعَى - وَهُوَ مُصَابٌ - أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَبْدَءُونَ فِي الْقَسَامَةِ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَى أَحَدٍ

بَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ مَعَ دَعْوَى الْمُصَابِ كَانَ لَهُمْ الْقَوَدُ، فَإِنْ عَفَوْا عَنْ الدَّمِ وَأَرَادُوا الدِّيَةَ قُضِيَ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَجُلِدَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُمْ مِائَةً مِائَةً، وَحُبِسُوا سَنَةً، وَإِنْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الْقَوَدِ وَعَنْ الدِّيَةِ: فَلَا ضَرْبَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُمْ، وَلَا سَجْنَ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ أَوْلِيَائِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ نَكَلُوا غَرِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ خَاصَّةً. وَأَنَّ الْقَسَامَةَ تَكُونُ مَعَ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ، أَوْ النِّسَاءِ، أَوْ الْيَهُودِ، أَوْ النَّصَارَى كَمَا قُلْنَا فِي دَعْوَى الْقَتِيلِ سَوَاءً سَوَاءً وَلَا فَرْقَ. وَأَنَّ الْأَيْمَانَ تُرَدَّدُ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يُتِمُّوا خَمْسِينَ، فَإِنْ كَانَ دَعْوَى قَتْلِ عَمْدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْلِفَ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى قَتْلِ خَطَأٍ: حَلَفَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ - إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ - خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ الدِّيَةَ. وَيَحْلِفُ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ مَنْ أَرَادَ الْقَوَدَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا - وَلَا يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الْخَطَأِ إلَّا مَنْ يَرِثُ - وَكُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالْكَذِبِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ - وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ - كَمَا تَرَى غَيْرُ مُتَّفِقِينَ؟ وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَنَذْكُرُ أَيْضًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَا يَسَّرَ. فَأَمَّا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: إنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي قَوْمٍ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ أَتَوْا بِهَا قُضِيَ لَهُمْ بِالْقَوَدِ، وَإِلَّا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَغَرِمُوا الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: مَنْ ضُرِبَ فَجُرِحَ فَعَاشَ صِمِّيتًا ثُمَّ مَاتَ فَالْقَسَامَةُ تَكُونُ حِينَئِذٍ، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعُونَ: لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ إيَّاهُ، فَإِنْ حَلَفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا كَذَلِكَ اسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ، وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ: مَا مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ إيَّاهُ، وَيَغْرَمُونَ الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ فَالْجُرْحُ خَاصَّةً لَا فِي النَّفْسِ، فَإِنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا غَرِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ نِصْفَ الدِّيَةِ - ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: قُلْت لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ؟ قَالَ، لَا، قُلْت: فَأَبُو بَكْرٍ، قَالَ: لَا، قُلْت: فَعُمَرُ، قَالَ: لَا، قُلْت: فَكَيْفَ تَجْتَرِئُونَ عَلَيْهَا؟ فَسَكَتَ.

قَالَ مَعْمَرٌ: فَقُلْت ذَلِكَ لِمَالِكٍ؟ فَقَالَ: لَا تَضَعُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحِيَلِ، لَوْ اُبْتُلِيَ بِهَا أَقَادَ بِهَا. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِيمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ بِقَتِيلٍ وُجِدَ فِيهِمْ: فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِينَ وَيُقْضَى لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، وَبَرِئُوا، وَلَا غَرَامَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا قَوَدَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ بِدَعْوَى الْمُصَابِ أَصْلًا، وَلَا قَوَدَ فِي ذَلِكَ، وَلَا دِيَةَ، لَكِنْ إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ وَبِهِ أَثَرٌ، وَادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَادَّعَوْا عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مِنْهُمْ؟ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ بَيِّنَةُ عَدْلٍ قُضِيَ لَهُمْ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْخِطَّةِ، لَا مِنْ السُّكَّانِ، وَلَا مِنْ الَّذِينَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِلْكُ الْخِطَّةِ بِالشِّرَاءِ، لَكِنْ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا مَالِكِينَ لَهَا فِي الْأَصْلِ، يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُمْ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ - فَإِذَا حَلَفُوا غَرِمُوا الدِّيَةَ مَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلُوا سُجِنُوا أَبَدًا حَتَّى يُقِرُّوا أَوْ يَحْلِفُوا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ الْقَسَامَةُ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ الْمُصَابُ: فُلَانٌ قَتَلَنِي عَمْدًا، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفِيقَ: حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ قِيَامًا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ: لَقَدْ قَتَلَهُ فُلَانٌ عَمْدًا؟ فَإِذَا حَلَفُوا، فَإِنْ حَلَفُوا عَلَى وَاحِدٍ فَلَهُمْ الْقَوَدُ مِنْهُ، وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى جَمَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقَوَدُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ، وَيُضْرَبُ الْبَاقُونَ مِائَةً مِائَةً، وَيُسْجَنُونَ سَنَةً - فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ: بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا كَانَتْ الْقَسَامَةُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ لَوْثٌ مِنْ نِسَاءٍ أَوْ غَيْرِ عُدُولٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا خَمْسِينَ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ حَتَّى يَتِمَّ خَمْسِينَ - وَلَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ: فُلَانٌ قَتَلَنِي، غَيْرَ بَالِغٍ، فَلَا قَسَامَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَوَدَ، وَلَا غَرَامَةَ: قَالَ: فَإِنْ نَكَلَ جَمِيعُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا خَمْسِينَ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ الْعَفْوُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ: بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ وَوَجَبَتْ

الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ - وَلَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ، وَلَا غَرَامَةَ، وَلَا فِي دَعْوَى عَبْدٍ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ. وَفِي دَعْوَى الْمَرِيضِ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي خَطَأً رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ فِي ذَلِكَ الْقَسَامَةَ - وَالْأُخْرَى: لَا قَسَامَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي كَافِرٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا قَسَامَةَ فِي دَعْوَى إنْسَانٍ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي أَصْلًا سَوَاءٌ قَالَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً - وَلَا غَرَامَةَ فِي ذَلِكَ - وَإِنَّمَا الْقَسَامَةُ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ دُورِ قَوْمٍ كُلُّهُمْ عَدُوٌّ لِلْمَقْتُولِ، فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ أَوْلِيَاءَ الْقَتِيلِ يَبْدَءُونَ فَيَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا يَمِينًا يَمِينًا: أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَاسْتُحِقَّتْ الدِّيَةُ عَلَى سُكَّانِ تِلْكَ الدُّورِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِالْقَسَامَةِ قَوَدٌ أَصْلًا - وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا، فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالدِّيَةُ - أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي زِحَامٍ فَالْقَسَامَةُ أَيْضًا، وَالدِّيَةُ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ قَوْمٍ أَعْدَاءٍ لَهُ، وَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ: حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ، وَاسْتَحَقُّوا الْقَوَدَ أَوْ الدِّيَةَ - وَلَا قَسَامَةَ، إلَّا فِي مُسْلِمٍ حُرٍّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَذْكُرُ الْآنَ الْأَخْبَارَ الصِّحَاحَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسَامَةِ مَجْمُوعَةً كُلَّهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ، مُسْتَقْصَاةً؛ لِيَلُوحَ الْحَقُّ بِهَا مِنْ الْخَطَأِ، وَلِتَكُونَ شَاهِدَةً لِمَنْ أَصَابَ مَا فِيهَا بِأَنَّهُ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ - بِمَنِّ اللَّهِ تَعَالَى وَشَاهِدَةً لِمَنْ خَالَفَ مَا فِيهَا بِأَنَّهُ يُسِّرَ لِلْخَطَأِ مُجْتَهِدًا - إنْ كَانَ مِمَّنْ سَلَفَ، وَعَاصِيًا إنْ كَانَ مُقَلِّدًا - وَقَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَمَعْنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْ أَقْوَالِ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَمِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِالْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْقَسَامَةِ مُتَدَاخِلَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ - نا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ «عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، زَعَمَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ - يُقَالُ لَهُ: سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ - أَخْبَرَهُ

أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، وَوُجِدَ أَحَدُهُمْ قَتِيلًا، وَقَالُوا لِلَّذِينَ وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا؟ قَالُوا: مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، فَانْطَلَقُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلًا، فَقَالَ: الْكُبْرَ الْكُبْرَ فَقَالَ لَهُمْ: تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟ قَالَ: فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ قَالُوا: لَا نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ - نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ - عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ يَحْيَى: وَحَسِبْته قَالَ: وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا قَالَا: «خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ حَتَّى إذَا كَانَا بِخَيْبَرَ تَفَرَّقَا فِي بَعْضِ مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ إذَا مُحَيِّصَةُ يَجِدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ - ثُمَّ أَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ - وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَتَكَلَّمَ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِّرْ الْكُبْرَ فِي السِّنِّ فَصَمَتَ وَتَكَلَّمَ صَاحِبَاهُ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمَا فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ: أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَتَسْتَحِقُّونَ صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ؟ قَالَ: فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ أَعْطَاهُ عَقْلَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ مُحَيِّصَةُ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ فَجَاءَ إخْوَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ، وَمُحَيِّصَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ - وَهُوَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَبِّرْ الْكُبْرَ، أَوْ قَالَ: لِيَبْدَأْ الْأَكْبَرُ؟ فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ؟ فَقَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالَ: فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ

بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ نَقْبَلُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ قَالَ: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِبَلِهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، قَالَ سَهْلٌ: فَدَخَلْت مُرِيدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا» ، قَالَ حَمَّادٌ: هَذَا، أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَشَكَّ يَحْيَى فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: هَلْ ذَكَرَ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ مَعَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ؟ وَلَمْ يَشُكَّ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ فِي أَنَّ رَافِعًا رَوَى عَنْهُ هَذَا الْخَبَرَ بَشِيرٌ، وَكِلَا الرَّجُلَيْنِ ثِقَةٌ، حَافِظٌ، وَحَمَّادٌ أَحْفَظُ مِنْ اللَّيْثِ، وَالرِّوَايَتَانِ مَعًا صَحِيحَتَانِ. فَصَحَّ - أَنَّ يَحْيَى شَكَّ مَرَّةً: هَلْ ذَكَرَ بَشِيرٌ رَافِعًا مَعَ سَهْلٍ أَمْ لَا؟ وَقَطَعَ يَحْيَى مَرَّةً فِي أَنَّ بَشِيرًا ذَكَرَ رَافِعًا مَعَ سَهْلٍ، وَلَمْ يَشُكَّ؟ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ حَمَّادٍ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نا بَشِيرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ. وناه أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ؛ قَالَ أَحْمَدُ: نا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: نا ابْنُ الْقَاسِمِ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَبَشِيرُ بْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ نا أَبُو لَيْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ، خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جُهْدٍ أَصَابَهُمَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فِي فَقِيرٍ، فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ، قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُحَيَّصَةَ: كَبِّرْ كَبِّرْ - يُرِيدُ السِّنَّ - فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَتَحْلِفُونَ؟ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟ قَالُوا: لَيْسُوا مُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ

مسألة هل يجب الحكم بالقسامة

عِنْدِهِ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ نَاقَةٍ، حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارَ، قَالَ سَهْلٌ: فَلَقَدْ رَكَضَنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ» . وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: «وُجِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ قَتِيلًا فَجَاءَ أَخُوهُ، وَحُوَيِّصَةُ، وَمُحَيِّصَةَ، وَهُمَا عَمَّا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُبْرَ الْكُبْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا وَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَتِيلًا فِي قَلِيبٍ - يَعْنِي مِنْ قُلُبِ خَيْبَرَ - قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَنْ تَتَّهِمُونَ؟ قَالُوا: نَتَّهِمُ يَهُودَ، قَالَ: فَتُقْسِمُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا: أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، قَالُوا: وَكَيْفَ نُقْسِمُ عَلَى مَا لَمْ نَرَ؟ قَالَ: فَتُبْرِيكُمْ الْيَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا: أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوهُ، قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْضَى بِأَيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ؟ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الطَّاهِرِ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَنْصَارِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَعْلَبَكُّيُّ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَقَضَى بِهَا بَيْنَ أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ خَيْبَرَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ مِمَّا صَحَّتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسَامَةِ، لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ إلَّا هِيَ أَصْلًا. [مَسْأَلَة هَلْ يَجِب الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ] 2153 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يَجِبُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَنَظَرْنَا فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ؟

فَوَجَدْنَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو الطَّاهِرِ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» . قَالُوا: فَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَبَيْنَ الدَّعْوَى فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَأَبْطَلَ كُلَّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءً لَا يَفْتَرِقُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا: لَا فِي مَنْ يَحْلِفُ، وَلَا فِي عَدَدِ يَمِينٍ، وَلَا فِي إسْقَاطِ الْغَرَامَةِ، إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا مَزِيدَ. وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، إلَّا أَنَّهُمْ تَرَكُوا مَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ إضَافَتَهُ إلَى مَا ذَكَرُوا، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي حَكَمَ بِمَا ذَكَرُوا، وَهُوَ الْمُرْسَلُ إلَيْنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ الْمُدَّعَاةِ، وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ وَتَرْكُ سَائِرِهَا، إذْ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّهَا حَقٌّ، وَفَرَضَ الْوُقُوفَ عِنْدَهُ، وَالْعَمَلَ بِهِ وَلَيْسَ بَعْضُ أَحْكَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الْمَعْصِيَةِ، وَتَحْتَ قَوْله تَعَالَى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85] . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» لِحَدِيثِ الْقَسَامَةِ، وَبَيْنَ مَنْ تَرَكَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ لِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ. فَإِنْ قَالُوا: الدِّمَاءُ حُدُودٌ، وَلَا يَمِينَ فِي الْحُدُودِ؟ قِيلَ لَهُمْ: مَا هِيَ مِنْ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَيْسَتْ مَوْكُولَةً إلَى اخْتِيَارِ أَحَدٍ - إنْ

شَاءَ أَقَامَهَا، وَإِنْ شَاءَ عَطَّلَهَا - بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، لَا خِيَارَ فِيهَا لِأَحَدٍ، وَلَا حُكْمَ. وَأَمَّا الدِّمَاءُ فَهِيَ مَوْكُولَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْوَلِيِّ - إنْ شَاءَ اسْتَقَادَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا - فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْحُدُودِ، وَصَحَّ أَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ - وَفَسَدَ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، لَا حَيْثُ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا حَيْثُ الْقَسَامَةُ فَقَطْ. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْيَمِينَ فِي دَعْوَى الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا بُدَّ - وَلَا أَقَلَّ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ، إلَّا أَنَّهُمْ قَاسُوا كُلَّ دَعْوَى فِي الدَّمِ عَلَى الْقَسَامَةِ - وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا لِلدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ فِي الدَّمِ بِحُكْمِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ يَرَوْنَ فِي الْقَسَامَةِ تَبْرِئَةَ الْمُدَّعِينَ، وَلَا يَرَوْنَ تَبْرِئَتَهُمْ فِي دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ، وَالْحَنَفِيُّونَ يَرَوْنَ إيجَابَ الْغَرَامَةِ مَعَ الْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ - فَصَحَّ أَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا قِيَاسَ دَعْوَى الدَّمِ الْمُجَرَّدَةِ عَلَى الْقَسَامَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا، إلَّا فِي عَدَدِ الْأَيْمَانِ فَقَطْ - فَظَهَرَ بِذَلِكَ بَاطِلُ قَوْلِهِمْ. وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا هُوَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الدَّعَاوَى كُلِّهَا دِمَاءً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَالْيَمِينُ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ - يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ - عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الزِّنَى، وَالْقَسَامَةِ، فَفِي الزِّنَى أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ فَصَاعِدًا، لَا أَقَلُّ؛ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً، وَفِي الْقَسَامَةِ خَمْسُونَ يَمِينًا لَا أَقَلُّ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ. وَبَقِيَ كُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «بَيِّنَتُك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» . وَعَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا إلَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْقَسَامَةَ تَكُونُ بِدَعْوَى الْمَرِيضِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلًا، إلَّا مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نا أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ

عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: مَا عِنْدَك فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ؟ فَقُلْت لَهُ: كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ، وَجَعَلَهَا سُتْرَةً لِدِمَائِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ سُنَّتِهَا وَمَا بَلَغَنَا فِيهَا: أَنَّ الْقَتِيلَ إذَا تَكَلَّمَ بَرِئَ أَهْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ - وَذَلِكَ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَكْثَرُوا وَأَتَوْا بِمَا يُنْسِي آخِرُهُ أَوَّلَهُ، حَتَّى يَغْتَرَّ الْجَاهِلُ فَيَظُنَّ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِشَيْءٍ، وَهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَهَذَا سَنَدٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ خَرَّجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، إلَّا أَنَّ الْمَوْصِلِيَّ الْحَافِظَ الْأَسَدِيَّ ذَكَرَ: أَنَّ يُوسُفَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ، إلَّا أَنَّ الْإِرْسَالَ يَكْفِي فِي هَذَا الْخَبَرِ. وَلَوْ صَحَّ مُسْنَدًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى بِالْقَسَامَةِ فِيمَا يَدَّعِيهِ الْمَقْتُولُ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْظِيمًا لِلدِّمَاءِ - وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ - وَأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْحُكْمِ، وَلَا يَرَوْنَ فِيهِ قَسَامَةً أَصْلًا إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ. وَذَكَرُوا - مَا نَاهٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو مَعْمَرٍ الْبَصْرِيُّ نا عَبْدُ الْوَارِثِ نا فِطْرٌ أَبُو الْهَيْثَمِ نا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ الْقَسَامَةِ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إبِلِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ؟ فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لَا تَنْفِرُ الْإِبِلُ، فَأَعْطَاهُ عِقَالًا يَشُدُّ بِهِ جُوَالِقَهُ، فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتْ الْإِبِلُ إلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ: مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ، قَالَ فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟ قَالَ: مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ انْقَطَعْت عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَاسْتَغَاثَنِي؟ فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لَا تَنْفِرُ الْإِبِلُ، فَأَعْطَيْته عِقَالَهُ، فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهِ أَجَلُهُ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ؟ قَالَ: مَا أَشْهَدُ وَرُبَّمَا أَشْهَدُ. قَالَ: هَلْ أَنْتَ عَنِّي مُبَلِّغٌ رِسَالَةً مِنْ الدَّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إذَا شَهِدْت الْمَوْسِمَ فَنَادِ: يَا آلَ قُرَيْشٍ؛ فَإِذَا أَجَابُوكَ

فَنَادِ: يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ، فَإِذَا أَجَابُوك، فَسَلْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبِرْهُ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ. فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: مَرِضَ فَأَحْسَنْت الْقِيَامَ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَاتَ فَوُلِّيت دَفْنَهُ، فَقَالَ: أَهَلْ ذَلِكَ مِنْك؟ فَمَكَثَ حِينًا - ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الْيَمَانِيَّ الَّذِي كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ، قَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ؟ فَقَالُوا: هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ، قَالَ: أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أُبَلِّغَك رِسَالَتَهُ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ، فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: اخْتَرْ مِنَّا إحْدَى ثَلَاثٍ إنْ شِئْت أَنْ تُودِيَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّك قَتَلْت صَاحِبَنَا خَطَأً، وَإِنْ شِئْت حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّك لَمْ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ أَبَيْت قَتَلْنَاك بِهِ، فَأَتَى قَوْمُهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالُوا: نَحْلِفُ؟ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنْ الْخَمْسِينَ، وَلَا تُصْبِرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ؟ فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْت خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ يُصِيبُ كُلُّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ، فَهَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي وَلَا تُصْبِرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبَرُ الْأَيْمَانُ؟ فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا حَلَفُوا - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَضَافُوا إلَى هَذَا الْخَبَرِ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَوْرَاقٍ فِي بَابِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسَامَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَسَامَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَضَى بِهَا بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ خَيْبَرَ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَسَامَةِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي قَتِيلٍ - ادَّعَوْهُ عَلَى يَهُودَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ، لَا فِي مُصَابٍ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ - فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ، لَا لَهُمْ، وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً، فَلَقَدْ خَالَفُوهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَمَا فِيهِ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا فِي شَيْءٍ. لِأَنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ لَمْ يَتَبَيَّنْ بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ - وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَسَامَةَ فِي مِثْلِ هَذَا.

وَأَنَّ أَبَا طَالِبٍ بَدَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَأَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَقَرَّ: أَنَّ ذَلِكَ الْقُرَشِيَّ قَتَلَ الْهَاشِمِيَّ خَطَأً، ثُمَّ قَالَ لَهُ: فَإِنْ أَبَيْت مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِك قَتَلْنَاك بِهِ - وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. فَمِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرٍ: هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ الْقَسَامَةُ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، بَلْ هَذَا حَقٌّ عِنْدَنَا لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَذَكَرُوا أَيْضًا - وَهُوَ مِنْ غَامِضِ اخْتِرَاعِهِمْ - قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَمْرِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 72] {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: 73] . وَذَكَرُوا - مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ -: مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ الزُّبَيْرِيِّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ نا أَبُو بَكْرٍ الْوَزَّانُ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ ابْنُ الْمَدِينِيُّ - نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ نا أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّ أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَجَدُوا شَيْخًا قَتِيلًا فِي أَصْلِ مَدِينَتِهِمْ، فَأَقْبَلَ أَهْلُ مَدِينَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا، وَابْنُ أَخٍ لَهُ شَابٌّ يَبْكِي وَيَقُولُ: قَتَلْتُمْ عَمِّي؟ فَأَتَوْا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَقَرَةِ بِطُولِهِ، قَالَ: فَأَقْبَلُوا بِالْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَوْا بِهَا إلَى قَبْرِ الشَّيْخِ - وَهُوَ بَيْنَ الْمَدِينَتَيْنِ، وَابْنُ أَخِيهِ قَائِمٌ عِنْدَ قَبْرِهِ يَبْكِي - فَذَبَحُوهَا، فَضَرَبَ بِبِضْعَةٍ مِنْ لَحْمِهَا الْقَبْرَ؟ فَقَامَ الشَّيْخُ يَنْفُضُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: قَتَلَنِي ابْنُ أَخِي، طَالَ عَلَيْهِ عُمُرِي، وَأَرَادَ أَكْلَ مَالِي؟ وَمَاتَ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ وَكَانَ ابْنُ أَخِيهِ وَارِثَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ لَيْلًا حَتَّى أَتَى بِهِ حَيَّ آخَرِينَ، فَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَصْبَحَ يَدَّعِيهِ عَلَيْهِمْ، فَأَتَوْا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -،

فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً - فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَقَرَةِ - فَذَبَحُوهَا فَضَرَبُوهُ بِبَعْضِهَا، فَقَامَ، فَقَالُوا: مَنْ قَتَلَك؟ فَقَالَ: هَذَا - لِابْنِ أَخِيهِ - ثُمَّ مَالَ مَيِّتًا، فَلَمْ يُعْطَ ابْنُ أَخِيهِ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا، وَلَمْ يُوَرَّثْ قَاتِلٌ بَعْدُ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا الْوَزَّانُ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ بْنُ سُوقَةَ، قَالَ: سَمِعْت عِكْرِمَةَ يَقُولُ: كَانَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ مَسْجِدٌ لَهُ اثْنَا عَشَرَ بَابًا، لِكُلِّ سَبْطٍ بَابٌ فَوَجَدُوا قَتِيلًا قُتِلَ عَلَى بَابٍ فَجَرُّوهُ إلَى بَابٍ آخَرَ، فَتَدَاعَوْا قَتْلَهُ، وَتَدَارَى الشَّيْطَانُ فَتَحَاكَمُوا إلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] فَذَبَحُوهَا، فَضَرَبُوهُ بِفَخِذِهَا، فَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ - وَكَانَ رَجُلًا لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ - وَكَانَ ابْنُ أَخِيهِ قَتَلَهُ - وَفِي حَدِيثِ الْبَقَرَةِ زِيَادَةٌ اقْتَصَرْتهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ هَذَا فَإِيهَامٌ وَتَمْوِيهٌ عَلَى الْمُغْتَرِبِينَ: أَمَّا الْآيَةُ فَحَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ صَفْرَاءَ فَاقِعٍ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ، مُسَلَّمَةٍ لَا شِيَةَ فِيهَا غَيْرِ ذَلُولٍ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ لَا فَارِضٍ وَلَا بِكْرٍ عَوَانٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا قَتَلُوا قَتِيلًا فَتَدَارَءُوا فِيهِ، فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا، إذْ ذَبَحُوهَا {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [البقرة: 73] . وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، لَا أَنَّ الْمَقْتُولَ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ، وَلَا أَنَّهُ قُتِلَ بِهِ، وَلَا أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ قَسَامَةٌ، فَكُلُّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَكُلُّ مَا أَقْحَمُوهُ بِآرَائِهِمْ فِي الْآيَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَوَجَدْنَاهَا كُلَّهَا مُرْسَلَةً، لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، إلَّا الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مُتَعَلَّقٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ الْأَخْبَارُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَتْ كُلُّهَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَا يَلْزَمُنَا مَا كَانَ فِيهِمْ، فَقَدْ كَانَ

فِيهِمْ السَّبْتُ، وَتَحْرِيمُ الشُّحُومِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - وَلَا يَلْزَمُنَا إلَّا مَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ - فَذَكَرَ فِيهَا -: أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ: إنَّمَا كَانَ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثَ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَسَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبْعَثُوا إلَيْنَا، فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ لَمْ يُبْعَثْ إلَيْنَا لَيْسَتْ لَازِمَةً لَنَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّتِهِمْ فَقَطْ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا فِي شَيْءٍ مِنْ دَعْوَى الدِّمَاءِ ذَبْحُ بَقَرَةٍ - وَصَحَّ بُطْلَانُ احْتِجَاجِهِمْ بِتِلْكَ الْأَخْبَارِ، إذْ لَيْسَ فِيهَا أَنْ يُسْمَعَ مِنْ الْمَقْتُولِ بَعْدَ: أَنْ تُذْبَحَ بَقَرَةٌ وَيُضْرَبَ بِهَا. وَثَالِثُهَا - أَنَّ تِلْكَ الْأَخْبَارَ فِيهَا مُعْجِزَةُ نَبِيٍّ وَإِحَالَةُ الطَّبِيعَةِ مِنْ إحْيَاءِ مَيِّتٍ - فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ نُصَدِّقَ حَيًّا قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا تَصْدِيقَهُ عَلَى غَيْرِ نَفْسِهِ مُمْكِنًا مِنْهُ الْكَذِبُ مِنْ أَجْلِ أَنْ صَدَّقَ بَنُو إسْرَائِيلَ مَيِّتًا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ مَوْتِهِ - وَهَذَا ضِدُّ الْقِيَاسِ بِلَا شَكٍّ، وَضِدُّ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِلَا شَكٍّ. وَالْأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَرِيبٌ، فَلْيُرُونَا مَقْتُولًا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ إلَيْهِ بِحَضْرَةِ نَبِيٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ وَيُخْبِرُنَا بِالشَّيْءِ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نُصَدِّقُهُ، وَأَمَّا أَنْ نُصَدِّقَ حَيًّا يَدَّعِي عَلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ بِعَيْنِهِ، فَذِكْرُهُمْ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارِ: قَبِيحٌ، لَوْ تَوَرَّعَ عَنْهُمْ لَكَانَ أَسْلَمَ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ. وَذَكَرُوا - مَا رُوِّينَاه مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ يَحْيَى: نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ اتَّفَقَ خَالِدٌ، وَمُحَمَّدٌ: كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِيءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَا رَمَقٌ،

فَقَالَ لَهَا: أَقَتَلَكَ فُلَانٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ لَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ لَا، سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ حَجَرَيْنِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ؟ وَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ» وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ شُعْبَةَ زَادَ ذِكْرَ دَعْوَى الْمَقْتُولَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ زَادَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - فِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةً لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ؟ فُلَانٌ، فُلَانٌ، حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ؟ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ» ، فَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْتُلْ الْيَهُودِيَّ إلَّا بِإِقْرَارِهِ، لَا بِدَعْوَى الْمَقْتُولَةِ. وَوَجْهٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا لَا يَصِحُّ أَبَدًا مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا قَتَلَهُ بِدَعْوَاهَا لَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَلَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ قَسَامَةٍ أَصْلًا، وَهُمْ لَا يَقْتُلُونَ بِدَعْوَى الْمَقْتُولَةِ أَلْبَتَّةَ إلَّا حَتَّى يَحْلِفَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا بُدَّ. وَأَيْضًا - فَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَسَامَةَ بِدَعْوَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ. وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهَا كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جَارِيَةً ذَاتَ أَوْضَاحٍ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الَّذِينَ بِلُغَتِهِمْ تَكَلَّمَ أَنَسٌ، إنَّمَا يُوقِعُونَهَا عَلَى الصَّبِيَّةِ، لَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَالِغِ.

فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَاحَ خِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ. وَاعْتَرَضَ الْمَالِكِيُّونَ، وَمَنْ لَا يَرَى الْقَسَامَةَ فِي هَذَا، بِأَنْ قَالُوا: وَالْقَتِيلُ قَدْ يُقْتَلُ ثُمَّ يَحْمِلُهُ قَاتِلُهُ فَيُلْقِيهِ عَلَى بَابِ إنْسَانٍ أَوْ فِي دَارِ قَوْمٍ؟ فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: أَنَّ هَذَا مُمْكِنٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْتَرَضُ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُكْمِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَمْرُ كَذَا، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكْذِبَ الشَّاهِدُ، وَيَكْذِبَ الْحَالِفُ، وَيَكْذِبَ الْمُدَّعِي: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ - هَذَا أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ، فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي رَدُّوا بِهِ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَالَفُوهُ: أَنْ لَا يَقْتُلُوا أَحَدًا بِشَهَادَةِ شَاهِدِينَ، فَقَدْ يَكْذِبَانِ، وَلَيْسَ الْقَوَدُ بِالشَّاهِدِينَ إجْمَاعًا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَا يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ إلَّا أَرْبَعَةٌ. ثُمَّ نَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَتِنَا فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ - يَدْرِي أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ - أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَرْمِيَهُ قَاتِلُهُ عَلَى بَابِ غَيْرِهِ - وَنَعَمْ، - هَذَا مُمْكِنٌ. أَتَرَى لَوْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ أَهْلِ مَدِينَةٍ بِأَسْرِهَا أَوْ بِقَتْلِ أُمَّهَاتِنَا وَآبَائِنَا وَأَنْفُسِنَا، كَمَا أَمَرَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْمَهُ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ إذْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54] أَكَانَ يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ لِمَنْ يَعْنِدُ عَنْ ذَلِكَ؟ إنَّ هَذَا لَعَظِيمٌ جِدًّا. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمٌ ظَاهِرٌ مُعَلَّقٌ فِي دَمِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى يَهُودَ خَيْبَرَ، وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلًا مِائَةُ مِيلٍ غَيْرَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ الرُّسُلُ، وَتَخْتَلِفُ الْكُتُبُ، وَيَقَعُ فِي ذَلِكَ التَّوَعُّدُ بِالْحَرْبِ. كَمَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» . فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ - مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ - فِي أَنَّهُ لَمْ تَخْفَ هَذِهِ الْقِصَّةُ، وَلَا هَذَا الْحُكْمُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَا عَنْ الْيَهُودِ، وَلَا إسْلَامَ

يَوْمَئِذٍ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، إلَّا مَنْ كَانَ مُهَاجِرًا بِالْحَبَشَةِ، أَوْ مُسْتَضْعَفًا بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ. لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ صُلْحًا وَلَمْ تَكُنْ قَطُّ صُلْحًا بَعْدَ فَتْحِهَا عَنْوَةً، بَلْ كَانُوا ذِمَّةً تَجْرِي عَلَيْهِمْ الصَّغَارُ، لَا يُسَمُّونَ صُلْحًا، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَأْذَنُوا بِحَرْبٍ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إجْمَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ بِيَقِينٍ لَا مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ -: فَمَا تَقُولُونَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ وَفِيهِ رَمَقٌ، فَيُحْمَلُ فَيَمُوتُ فِي مَكَان آخَرَ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ يَمُوتُ إثْرَ وُجُودِهِمْ لَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ؟ فَجَوَابُنَا: أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّدَاعِي فَقَطْ، يُكَلَّفُ أَوْلِيَاؤُهُ الْبَيِّنَةَ، سَوَاءٌ ادَّعَى هُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ لَمْ يَدَّعِ، فَإِنْ جَاءُوا بِالْبَيِّنَةِ قَضَى لَهُمْ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِالْبَيِّنَةِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَمِينًا وَاحِدَةً - إنْ كَانَ وَاحِدًا - فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ حَلَفُوا كُلُّهُمْ يَمِينًا يَمِينًا وَلَا بُدَّ وَيُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا. وَبُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ: هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُطَّرِدَ فِي كُلِّ دَعْوَى فِي الْإِسْلَامِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ، وَلَا نُحَاشِ شَيْئًا - هُوَ " أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ ". كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ يَقُولُ «لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» ، وَهَذَانِ عَامَّانِ، وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُمَا شَيْئًا، إلَّا مَا أَخْرَجَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ إلَّا فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فَقَطْ، فَمَتَى وَجَدَهُ حَيًّا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَإِنْ وُجِدَ لَا أَثَرَ فِيهِ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ فِي مَقْتُولٍ، وَلَيْسَ كُلُّ مَيِّتٍ مَقْتُولًا، فَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ قُتِلَ بِأَثَرٍ وُجِدَ فِيهِ مِنْ: ضَرْبٍ أَوْ شَدْخٍ أَوْ خَنْقٍ، أَوْ ذَبْحٍ أَوْ طَعْنٍ، أَوْ جُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ، أَوْ سُمٍّ - فَهُوَ مَقْتُولٌ وَالْقَسَامَةُ فِيهِ. وَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ لَا أَثَرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ فَلَا قَسَامَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ هِيَ الْحَالَ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ. إنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا حَتْفَ أَنْفِهِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَقْتُولًا، غَمَّهُ بِشَيْءٍ وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ فَقَطَعَ نَفَسَهُ فَمَاتَ: فَالْقَسَامَةُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُلْتُمْ هَذَا وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مَقْتُولٍ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ الْمَقْتُولَ أَيْضًا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ سَبُعٌ، فَلَمَّا كَانَ إمْكَانُ مَا ذَكَرْنَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الْقَسَامَةِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَوَجَبَتْ الْقَسَامَةُ؛ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ - فَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا، فَلَا تَكُنْ غَافِلًا مُتَعَسِّفًا أَنَّنَا قَدْ قِسْنَا أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ بَابٌ وَاحِدٌ كُلُّهُ، إنَّمَا هُوَ مَنْ وُجِدَ مَيِّتًا وَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَكَانَ قَتْلُهُمْ لَهُ الَّذِي ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مُمْكِنًا - فَهَذِهِ هِيَ الْقِصَّةُ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِهَا بِالْقَسَامَةِ، فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ فِيهَا بِالْقَسَامَةِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ حَقًّا، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ إذَا أَيْقَنَّا أَنَّ الَّذِي يَدَّعُونَهُ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَسَوَاءٌ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ أَعْدَاءٍ كُفَّارٍ، أَوْ أَعْدَاءٍ مُؤْمِنِينَ، أَوْ أَصْدِقَاءٍ كُفَّارٍ، أَوْ أَصْدِقَاءٍ مُؤْمِنِينَ، أَوْ فِي دَارِ أَخِيهِ، أَوْ ابْنِهِ أَوْ حَيْثُمَا وُجِدَ، فَالْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَصِحُّ خِلَافُهُمَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَكَمَا بِالْقَسَامَةِ فِي إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ وُجِدَ مَقْتُولًا بِالْمَدِينَةِ، وَادَّعَى قَوْمٌ قَتْلَهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى - مُفْتَرِقَةِ الدُّورِ - وَلَمْ يُوجَدْ الْمَقْتُولُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَهُمْ: زُهْرَى، وَتَيْمِيٌّ، وَلَيْثِيٌّ كِنَانِيٌّ، وَبِهَذَا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَسَوَاءٌ وُجِدَ الْمَقْتُولُ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ فِي دَارِهِ نَفْسِهِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ فِي السُّوقِ، أَوْ بِالْفَلَاةِ، أَوْ فِي سَفِينَةٍ، أَوْ نَهْرٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، أَوْ فِي بَحْرٍ، أَوْ عَلَى عُنُقِ إنْسَانٍ، أَوْ فِي سَقْفٍ، أَوْ فِي شَجَرَةٍ، أَوْ فِي غَارٍ، أَوْ عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ، أَوْ سَائِرَةٍ - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا قُلْنَا. وَمَتَى ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ - فِي كُلِّ ذَلِكَ - عَلَى أَحَدٍ فَالْقَسَامَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُذْرَعُ مَا بَيْنَهُمَا فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ: حَلَفُوا وَغَرِمُوا مَعَ قَوْلِهِمْ: إنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ حَلَفُوا وَوَدَوْا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ مِمَّا نَاهٍ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ نا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ نا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ الْوَرَّاقُ نا أَبُو إسْرَائِيلُ الْمُلَائِيُّ نا عَطِيَّةُ - هُوَ الْعَوْفِيُّ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقِيسَ إلَى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ؟ فَوُجِدَ أَقْرَبَ إلَى إحْدَاهُمَا بِشِبْرٍ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى شِبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَمَّنَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَيْهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَتْ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدٍ - هُوَ ابْنُ الصَّامِتِ - فَقَالَ الْجُلَاسُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: إنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحَمِيرِ؟ فَسَمِعَهَا عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَا شَيْءَ إنْ لَمْ أَرْفَعْهَا إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ فِيهِ، وَأَنْ أَخْلِطَ بِخُطْبَتِهِ، وَلَنِعْمَ الْأَبُ هُوَ لِي فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَتُوا، فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُلَاسَ فَعَرَفَهُ - وَهُمْ يَتَرَحَّلُونَ - فَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ، كَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ، لَا يَتَحَرَّكُونَ إذَا نَزَلَ الْوَحْيُ، فَرُفِعَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 74] إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} [التوبة: 74] فَقَالَ الْجُلَاسُ: اسْتَتِبْ إلَيَّ رَبِّي، فَإِنِّي أَتُوبُ إلَى اللَّهِ، وَأَشْهَدُ لَهُ بِصِدْقِ {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 74] قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ مَوْلَى الْجُلَاسِ قُتِلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَبَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَنْ يَعْقِلُوهُ، فَلَمَّا قَدِمَ - النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَ عُمَيْرٌ مِنْهَا بِعَلِيًّا حَتَّى مَاتَ» .

ونا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْبِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ «أَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ فِي هُذَيْلٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ فَدَعَا خَمْسِينَ مِنْهُمْ، فَأَحْلَفَهُمْ، كُلَّ رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ يَمِينًا: بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا، ثُمَّ أَغْرَمَهُمْ الدِّيَةَ» . نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: إنَّمَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ أَقْسَمَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ: مَا قَتَلْنَا، وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا - فَإِنْ عَجَزَتْ الْأَيْمَانُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَقَلُوا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ نا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَبُو عُثْمَانَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ «نا عَمْرُو بْنُ أَبِي خُزَاعَةَ أَنَّهُ قُتِلَ فِيهِمْ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ الْقَسَامَةَ عَلَى خُزَاعَةَ: بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا نَعْلَمُ قَاتِلًا، وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَغَرِمُوا الدِّيَةَ» . قَالُوا: وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ قَبْلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فَلَا يَجِبُ الِاشْتِغَالُ بِهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ: فَهَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ضَعَّفَهُ هُشَيْمٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمَا نَدْرِي أَحَدًا وَثَّقَهُ - وَذَكَرَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْكَلْبِيَّ الْكَذَّابَ فَيَأْخُذُ عَنْهُ الْأَحَادِيثَ، ثُمَّ يُكَنِّيهِ بِأَبِي سَعِيدٍ وَيُحَدِّثُ بِهَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، فَيُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ الْخُدْرِيِّ، وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَهُوَ سَاقِطٌ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إسْرَائِيلَ الْمُلَائِيِّ - هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، فَهُوَ بَلِيَّةٌ عَنْ بَلِيَّةٍ، وَالْمُلَائِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا - وَلَيْسَ فِي الذَّرْعِ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ خَبَرٌ غَيْرُ هَذَا أَلْبَتَّةَ، لَا مُسْنَدٌ وَلَا مُرْسَلٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد بْنِ الصَّامِتِ، وَعُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ

مسألة القسامة في العبد يوجد مقتولا

عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ: أَنَّ مَوْلَى الْجُلَاسِ قُتِلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَاجَرَ جَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ وُجِدَ مَقْتُولًا فِيهِمْ، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ فِيهِ قَسَامَةً - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ - وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ قُتِلَ فِيهِمْ، فَقَاتِلُهُ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ قَاتِلُهُ مِنْهُمْ فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ - فَهَذِهِ صِفَةُ قَتْلِ الْخَطَأِ - وَبِهِ نَقُولُ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي خُزَاعَةَ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَمُرْسَلٌ - فَبَطَلَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْهُ - فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَقَدْ وَصَفَهُ الشَّعْبِيُّ بِالْكَذِبِ - وَفِيهِ أَيْضًا: الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَمَا نَعْلَمُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي الْإِجْمَاعِ، وَلَا فِي الْقِيَاسِ: أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَيَغْرَمَ - وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا الدَّعْوَى فِي الدَّمِ عَلَى الدَّعْوَى فِي الْمَالِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا السُّنَّةَ أَصَابُوا، وَلَا الْقِيَاسَ أَحْسَنُوا. [مَسْأَلَة الْقَسَامَةُ فِي الْعَبْدِ يُوجَدُ مَقْتُولًا] 2154 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْقَسَامَةُ فِي الْعَبْدِ يُوجَدُ مَقْتُولًا؟ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: الْقَسَامَةُ فِي الْعَبْدِ يُوجَدُ قَتِيلًا كَمَا هِيَ فِي الْحُرِّ، وَعَلَيْهِمْ قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لَا يُبْلِغُ بِهَا دِيَةُ حُرٍّ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَلَا غَرَامَةَ وَهُوَ هَدَرٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَغْرَمُونَ ثَمَنَهُ. وَقَالَ: زُفَرُ، وَالشَّافِعِيُّ: فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ، إلَّا أَنَّ زُفَرَ قَالَ: يُقْسِمُونَ وَيَغْرَمُونَ قِيمَتَهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْلِفُ الْعَبْدُ وَيَغْرَمُ الْقَوْمُ قِيمَتَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُنَا فِيهِ إنَّ الْقَسَامَةَ فِيهِ كَالْحُرِّ - سَوَاءً سَوَاءً - فِي كُلِّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا. فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: لَا قَسَامَةَ فِي الْعَبْدِ يَقُولُونَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ

بِالْقَسَامَةِ فِي حُرٍّ لَا فِي عَبْدٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَحْكُمَ بِهَا إلَّا حَيْثُ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَبْدُ مَالٌ كَالْبَهِيمَةِ وَلَا قَسَامَةَ فِي الْبَهِيمَةِ، وَلَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا؟ فَلَمَّا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ وَجَدْنَا هَاتَيْنِ الْحُجَّتَيْنِ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهِمَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْكُمْ بِالْقَسَامَةِ إلَّا فِي حُرٍّ؟ فَقَدْ قُلْنَا: فِي هَذَا مَا كَفَى، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنِّي إنَّمَا حَكَمْتُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ حُرًّا؟ فَنَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ، وَنُخْبِرُ عَنْ مُرَادِهِ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا تَكَهُّنٌ وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا، وَالْعَبْدُ قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ كَمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَزِيدَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ كَمَا لَا قَسَامَةَ فِي الْبَهِيمَةِ؟ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَالْعَبْدُ - وَإِنْ كَانَ مَالًا فَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ حُكْمَ الْأَمْوَالِ وَالْبَهَائِمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَالٌ، فَإِنَّ الْحُرَّ أَيْضًا حَيَوَانٌ كَمَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ حَيَوَانٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ نُبْطِلَ الْقَسَامَةَ فِي الْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى بُطْلَانِهَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ؟ وَأَيْضًا - فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْإِثْمَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ، كَالْإِثْمِ فِي قَتْلِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا نَفْسٌ مُحَرَّمَةٌ، وَدَاخِلَانِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَاتِلُ الْبَهِيمَةِ. فَوَجَبَ عَلَى أُصُولِهِمْ - أَنْ نَحْكُمَ لِلْعَبْدِ إذَا وُجِدَ مَقْتُولًا بِمِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْحُرِّ إذَا وُجِدَ مَقْتُولًا، لَا بِمِثْلِ الْحُكْمِ فِي الْبَهِيمَةِ - لَا سِيَّمَا فِي قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ الْمُوجِبِينَ لِلْقَوَدِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْعَمْدِ - فَهَذِهِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمَا صَحِيحَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: الْمُوجِبِينَ لِلْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ خَطَأً، كَمَا يُوجِبُونَهَا فِي قَتْلِ الْحُرِّ خَطَأً بِخِلَافِ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ خَطَأً؟ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَصَحَّ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْعَبْدِ كَمَا هِيَ فِي الْحُرِّ مِنْ طَرِيقِ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا طَرِيقِ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ أَلْزَمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مَنْ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ دُونَ قَسَامَةٍ، فَقَوْلٌ لَا يُؤَيِّدُهُ

قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ - وَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَإِغْرَامُ قَوْمٍ لَمْ يَثْبُتْ قِبَلَهُمْ حَقٌّ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَلَا قَسَامَةَ فِي بَهِيمَةٍ وُجِدَتْ مَقْتُولَةً، وَلَا فِي شَيْءٍ وُجِدَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَفْسُودًا؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا تُسَمَّى " قَتِيلًا " فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ فِي الْقَتِيلِ، فَلَا يَحِلُّ تَعَدِّي حُكْمِهِ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ؟ فَالْوَاجِبُ فِي الْبَهِيمَةِ - تُوجَدُ مَقْتُولَةً أَوْ تَتْلَفُ - وَفِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا: مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ يَقُولُ «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» . فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ إنْ ادَّعَى صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ تُوجَدُ مَقْتُولَةً أَوْ صَاحِبُ الْمَالِ إتْلَافَ مَالِهِ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْبَيِّنَةَ؟ فَإِنْ أَتَى بِهَا قَضَى لَهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ، وَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ - وَهَذَا حُكْمُ كُلِّ دَعْوَى فِي دَمٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، حَاشَا الْقَتِيلَ يُوجَدُ، فَفِيهِ الْقَسَامَةُ كَمَا خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الذِّمِّيِّ يُوجَدُ قَتِيلًا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَسَامَةَ فِيهِ - وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ الْقَسَامَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّمَا حَكَمْت بِهَا، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ ادَّعَى عَلَى يَهُودِيِّ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْهُ، لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِهَا فِي قَتِيلٍ وُجِدَ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَالًا مِنْ حَالٍ، وَالذِّمِّيُّ قَتِيلٌ، فَالْقَسَامَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ إذَا ادَّعَاهَا أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ ذِمِّيِّينَ؛ لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَوْهَا عَلَى مُسْلِمٍ - فَحَتَّى لَوْ صَحَّ مَا ادَّعَوْهُ بِالْبَيِّنَةِ - فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ، وَلَكِنْ إنْ أَرَادُوا أَنْ يُقْسِمُوا وَيُودِيَهُ الْإِمَامُ، فَذَلِكَ لَهُمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ - حَكَمَ بِهَا فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى عَلَى يَهُودَ؟ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِهَا وَاجِبٌ فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى - عَلَى مُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ غَيْرُ الْحَالِ الَّتِي حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ ادَّعَى بِالْقَسَامَةِ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَلَا

مسألة فيمن يحلف بالقسامة

فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِهَا فِي مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمِينَ، وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِهَا فِي ذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيِّينَ أَوْ عَلَى مُسْلِمِينَ؛ لِعُمُومِ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّهُ لَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صِفَةً مِنْ صِفَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ يَحْلِفُ بِالْقَسَامَةِ] 2155 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ يَحْلِفُ بِالْقَسَامَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِيهَا الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ مِنْ عَشِيرَةِ الْمَقْتُولِ الْوَارِثِينَ لَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فِي وُجُوهٍ، مِنْهَا: هَلْ يَحْلِفُ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَحْلِفُ الْعَبْدُ فِي جُمْلَتِهِمْ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَحْلِفُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَحْلِفُ الْحَلِيفُ أَمْ لَا؟ فَوَجَبَ لَمَّا تَنَازَعُوا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ؟ فَفَعَلْنَا - فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ - الَّذِي لَا يَصِحُّ عَنْهُ غَيْرُهُ - كَمَا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ قَبْلُ «تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَيَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ» فَخَاطَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَنِي حَارِثَةَ عَصَبَةَ الْمَقْتُولِ. وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي مَعْرِفَةٍ: أَنَّ وَرَثَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُونُوا خَمْسِينَ، وَمَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحْدَهُ، وَكَانَ الْمُخَاطَبُ بِالتَّحْلِيفِ ابْنَيْ عَمِّهِ مُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةَ، وَهُمَا غَيْرُ وَارِثِينَ لَهُ؟ فَصَحَّ - أَنَّ الْعَصَبَةَ يَحْلِفُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ. وَصَحَّ - أَنَّ مَنْ نَشِطَ لِلْيَمِينِ مِنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ لَهُ - سَوَاءٌ كَانَ بِذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْمَقْتُولِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ ابْنَيْ الْعَمِّ، كَمَا خَاطَبَ الْأَخَ خِطَابًا مُسْتَوِيًا، لَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ.

وَكَذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْلِيفِ إلَّا الْبَطْنُ الَّذِي يُعْرَفُ الْمَقْتُولُ بِالِانْتِسَابِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَاطِبْ بِذَلِكَ إلَّا بَنِي حَارِثَةَ الَّذِي كَانَ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالنَّسَبِ فِيهِمْ، وَلَمْ يُخَاطِبْ بِذَلِكَ سَائِرَ بُطُونِ الْأَنْصَارِ - كَبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَبَنِي ظَفَرٍ، وَبَنِي زَعْوَرٍ، وَهُمْ إخْوَةُ بَنِي حَارِثَةَ - فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُدْخِلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ كَانَ فِي الْعَصَبَةِ عَبْدٌ صَرِيحُ النَّسَبِ فِيهِمْ، إلَّا أَنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ أَمَةً لِقَوْمٍ فَلَحِقَهُ الرِّقُّ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُمْ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ قَالَ: خَمْسُونَ مِنْكُمْ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ - إذَا كَانَ مِنْهُمْ - كَمَا كَانَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ طِينَتِهِ: عَنَسَ، وَلَحِقَهُ الرِّقُّ لِبَنِي مَخْزُومٍ - وَكَمَا كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَزْدِيًّا صَرِيحًا فَلَحِقَهُ الرِّقُّ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ فُهَيْرَةَ أَمَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَمَا كَانَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو بَهْرَانِيًّا قُحًّا، وَلَحِقَهُ الرِّقُّ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ - فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَلَفَ امْرَأَةً فِي الْقَسَامَةِ - وَهِيَ طَالِبَةٌ - فَحَلَفَتْ، وَقَضَى لَهَا بِالدِّيَةِ عَلَى مَوْلًى لَهَا. وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: لَا تَحْلِفُ الْمَرْأَةُ أَصْلًا - وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ مَنْ تَلْزَمُهُ لَهُ النُّصْرَةُ، وَهَذَا بَاطِلٌ مُؤَيَّدٌ بِبَاطِلٍ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» . وَرَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نا زُهَيْرُ - هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ - نا أَشْعَثُ - هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ - ني مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ - أَوْ الْمُقْسِمِ - وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ» .

فَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى نَصْرَ إخْوَانِنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] . نَعَمْ، وَنَصْرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرْضٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72] . فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِالنُّصْرَةِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - فَوَجَبَ أَنْ تَحْلِفَ الْمَرْأَةُ إنْ شَاءَتْ - وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ» وَهَذَا لَفْظٌ يَعُمُّ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ. وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا حُكْمَ عُمَرَ لِئَلَّا يَدَّعُوا لَنَا الْإِجْمَاعَ. فَأَمَّا الصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ، فَغَيْرُ مُخَاطَبِينَ أَصْلًا بِشَيْءٍ مِنْ الدِّينِ - قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ. فَذَكَرَ: الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ» مَعَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ أَنْ لَا يَحْلِفَا فِي الْقَسَامَةِ مُتَيَقَّنٌ لَا شَكَّ فِيهِ. وَأَمَّا الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ، وَالْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ، وَالْحَلِيفُ، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ - وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . وَأَثْبَتَ الْحَلِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - قَالُوا: وَنَحْنُ نَعْلَمُ يَقِينًا - أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِبَنِي حَارِثَةَ مَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ، وَحُلَفَاءُ، لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا مِرْيَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْلِفُوا مَعَهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ - وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ» فَصَحِيحٌ - وَكَذَلِكَ كَوْنُ بَنِي حَارِثَةَ لَهُمْ الْحُلَفَاءُ وَالْمَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ بِلَا شَكٍّ؟ إلَّا أَنَّنَا لَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ إذْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَيَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ» حَضَرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حَلِيفٌ لَهُمْ، أَوْ مَوْلًى لَهُمْ - وَلَوْ أَيْقَنَّا أَنَّهُ حَضَرَ هَذَا الْخِطَابَ مَوْلًى لَهُمْ، أَوْ حَلِيفٌ لَهُمْ، لَقُلْنَا بِأَنَّ الْحَلِيفَ وَالْمَوْلَى يَحْلِفُونَ مَعَهُمْ، وَإِذْ لَا يَقِينَ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَضَرَ هَذَا الْخِطَابَ حَلِيفٌ وَمَوْلًى؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ فِي حُكْمٍ مُنْفَرِدٍ بِرَسْمِهِ، إلَّا مَنْ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ لُزُومِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَهُ.

مسألة كم يحلف في القسامة.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» يُغْنِي عَنْ حُضُورِ الْمَوَالِي هُنَالِكَ، وَالْحَلِيفُ أَيْضًا - يُسَمَّى فِي لُغَةِ الْعَرَبِ " مَوْلًى " كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَنْصَارِ أَوَّلَ مَا لَقِيَهُمْ «أَمِنَ مَوَالِي يَهُودَ» يُرِيدُ مِنْ حُلَفَائِهِمْ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا ذَكَرْتُمْ. وَقَالَ أَيْضًا «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الْعَاقِلَةِ " وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَ أَخْوَالِهِ؟ فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ: حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ امْرَأَةٍ هِيَ مِنْهُمْ بِحَقِّ الْوِلَادَةِ، وَالْحَلِيفُ وَالْمَوْلَى أَيْضًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ - وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يُوجِبُ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَوْلَى وَالْحَلِيفِ بِكُلِّ حُكْمٍ وَجَبَ لِلْقَوْمِ. وَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا يَسْتَحِقُّهَا مَوْلَى قُرَيْشٍ، وَلَا حَلِيفُهُمْ، وَلَا ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ -. وَالْقَسَامَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ - فِيمَا ذَكَرْنَا - فِيمَنْ يَحْلِفُ فِيهَا، وَلَا فَرْقَ. [مَسْأَلَة كَمْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ.] 2156 - مَسْأَلَةٌ: كَمْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحْلِفُ إلَّا خَمْسُونَ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ: بَطَلَ حُكْمُ الْقَسَامَةِ، وَعَادَ الْأَمْرُ إلَى التَّدَاعِي. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ نَقَصَ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا: رُدِّدَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ اثْنَيْنِ فَقَطْ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْعَمْدِ - وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَيَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ خَمْسِينَ - وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُلَمَاءِ أَهْل الْمَدِينَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَحْلِفُ خَمْسُونَ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا: رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى وَاحِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ إلَّا وَلِيٌّ وَاحِدٌ: بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ، وَعَادَ الْحُكْمُ إلَى التَّدَاعِي - وَهَذَا قَوْلُ مَالك. وَقَالَ آخَرُونَ: تُرَدَّدُ الْأَيْمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَحْدَهُ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَهَكَذَا قَالُوا فِي أَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ: أَنَّهَا تُرَدَّدُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ وَيُجْبَرُ الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ - فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ: فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِتَرْدِيدِ الْأَيْمَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْأَيْمَانِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدَدُ عَصَبَتِهِ تَبْلُغُ خَمْسِينَ رُدِّدَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ بَالِغًا مَا بَلَغُوا» . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ يَحِقُّ دَمُ الْمَقْتُولِ إذَا حُلِفَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُقْتَلُ قَاتِلُهُ، أَوْ تُؤْخَذُ دِيَتُهُ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ أَوْلِيَاؤُهُ - مَنْ كَانُوا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا - فَمَنْ تَرَكَ مِنْهُمْ الْيَمِينَ ثَبَتَتْ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ يَحْلِفُ - فَإِنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ: حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا: مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ بَطَلَ دَمُهُ - وَإِنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ: عَقَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ - وَلَا يُطَلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إذَا اُدُّعِيَ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُمَا مُرْسَلَانِ، وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ: أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَفِيهِ: أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ؛ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ. قِيلَ لِلْمَالِكِيِّينَ: هُوَ أَيْضًا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنْ لَا يَحْلِفَ إلَّا اثْنَانِ. وَأَيْضًا - فَلَيْسَ هُوَ بِأَوْلَى مِنْ الْمُرْسَلِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ: إنْ نَكَلَ الْفَرِيقَانِ عَقَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَلَا يَقُولُ بِهِ مَالِكِيٌّ، وَلَا شَافِعِيٌّ، وَفِيهِ الْقَوَدُ بِالْقَسَامَةِ - وَلَا يَقُولُ بِهِ حَنَفِيٌّ، وَلَا شَافِعِيٌّ، وَفِيهِ تَرْدِيدُ الْأَيْمَانِ جُمْلَةً دُونَ تَخْصِيصٍ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِتَرْدِيدِ الْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّرْدِيدِ، فَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ رَدَّدَ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمَا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ مَعْنَاهُ: كَأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فَحَلَفُوا أَرْبَعِينَ يَمِينًا، فَبَقِيَتْ عَشَرَةُ أَيْمَانٍ، فَحَلَفَ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ حَلَفُوا أَوَّلًا فَقَطْ، وَرُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَنَّهَا تُرَدَّدُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَالِاثْنَيْنِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ سَمْعَانَ: سَمِعْت مَنْ أَدْرَكْت مِنْ

عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ فِي الْقَسَامَةِ تَكُونُ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْوَارِثِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ خَطَأً إلَّا وَارِثٌ وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا مُرَدَّدَةً ثُمَّ يُدْفَعُ إلَيْهِ الدِّيَةَ: فَإِنْ كَانُوا ابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ، لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمَا فَطَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْقَسَامَةِ وَأَبَى الْآخَرُ، فَعَلَى الَّذِي طَاعَ بِالْقَسَامَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مُرَدَّدَةٌ عَلَيْهِ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ: فَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ ثَلَاثَةَ رَهْطٍ كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا، فَإِنْ لَمْ تَنْفُقْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ جُعِلَ الْفَضْلُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَالِاثْنَيْنِ وَأَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ تَرْدِيدَ الْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ حَدَثٌ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّدَ الْأَيْمَانَ مُعَاوِيَةُ فِي الْقَسَامَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ لَوْ وَجَدُوا مِثْلَهُ لَطَارُوا بِهِ. فَصَحَّ أَنْ لَا قَسَامَةَ إلَّا بِخَمْسِينَ يَحْلِفُونَ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ صَاحِبَنَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَيْفَمَا عَلِمُوا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ وَعَادَ الْأَمْرُ إلَى حُكْمِ التَّدَاعِي، وَيَحْلِفُونَ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَهُمْ قُعُودٌ حَيْثُ كَانَتْ وُجُوهُهُمْ: بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، لَا يُكَلَّفُونَ زِيَادَةً عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ زِيَادَةِ " الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " وَزِيَادَةِ " الْمِلْكِ الْقُدُّوسِ السَّلَامِ الْمُؤْمِنِ الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ الْمُتَكَبِّرِ " وَكُلُّ هَذَا حُكْمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى نَصٌّ، وَلَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا أَوْجَبَهُ قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ. وَكَذَلِكَ لَا يُكَلَّفُونَ الْوُقُوفَ عِنْدَ الْيَمِينِ، وَلَا صَرْفَ وُجُوهِهِمْ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَا يَنْزِعُوا أَرْدِيَتَهُمْ أَوْ طَيَالِسَتَهُمْ - وَكُلُّ هَذِهِ أَحْكَامٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٌ لَا صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَظَرٌ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ تَهْيِيبٌ لِيَرْتَدِعَ الْكَاذِبُ؟ قِيلَ لَهُمْ: وَهُوَ تَشْهِيرٌ وَإِنْ أَرَدْتُمْ التَّهْيِيبَ فَأَصْعِدُوهُ الْمَنَارَ، أَوْ ارْفَعُوهُ عَلَى الْمَنَارِ، أَوْ شُدُّوا وَسَطَهُ بِحَبْلٍ وَجَرِّدُوهُ فِي سَرَاوِيلَ - وَكُلُّ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا مَعْنَى

لَأَنْ يَحْلِفَ فِي الْجَامِعِ إلَّا إنْ كَانَ مَجْلِسُ الْحَاكِمِ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى الْمُحَلَّفِ كُلْفَةُ حَرَكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، بَلْ إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمُعَاوِيَةَ أَنَّ عُمَرَ جَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْقَسَامَةِ مِنْ الْيَمَنِ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ لِيَحْلِفُوا فِيهَا. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ ثَابِتٌ: أَنَّهُ حَمَلَهُمْ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ لِلتَّحْلِيفِ فِي الْحَطِيمِ أَوْ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ مُخَالِفُونَ لَهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي ذَلِكَ، وَهُمْ الْآنَ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِهِمَا فِي التَّرْدِيدِ الَّذِي قَدْ خَالَفُوهُمَا أَيْضًا فِيهِ نَفْسِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَنَجْمَعُ هَاهُنَا حُكْمَ الْقَسَامَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ قَوْمٍ، أَوْ فِي صَحْرَاءَ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ فِي سُوقٍ، أَوْ فِي دَارِهِ. أَوْ حَيْثُ وُجِدَ، فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى وَاحِدٍ، أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ وَادَّعَوْهُ حَقًّا، وَلَمْ يُتَيَقَّنْ كَذِبُهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُونَ خَمْسِينَ بَالِغًا، عَاقِلًا، مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ مِنْ عَصَبَةِ الْمَقْتُولِ، لَا نُبَالِي وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، أَوْ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ ". ثُمَّ لَهُمْ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، أَوْ الْمُفَادَاةُ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا، وَقَالُوا: لَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ بِعَيْنِهِ: حَلَفَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ خَمْسُونَ كَذَلِكَ، أَوْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ، يَقُولُ كُلُّ حَالِفٍ مِنْهُمْ " بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ " وَلَا يُكَلَّفُ أَكْثَرَ وَيُبَرَّءُونَ - فَإِنْ نَكَلُوا أُجْبِرُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْيَمِينِ - أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا - حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ كَمَا قُلْنَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفُوا أَنْ يَقُولُوا " وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا "؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْمَرْءِ بِمَنْ قَتَلَ فُلَانًا إنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ، فَإِنْ أَدَّاهَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ. فَإِنْ قَبِلَ: قُبِلَ، فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ شَهَادَةً عِنْدَهُ لِيُؤَدِّيَهَا بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ نَقَصَ عَصَبَةَ الْمَقْتُولِ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ، أَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ وَفِيهِ حَيَاةٌ، أَوْ لَمْ يُرِدْ الْخَمْسُونَ أَنْ يَحْلِفُوا وَلَا رَضُوا بِأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ، فَقَدْ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ. فَأَمَّا فِي نُقْصَانِ الْعَدَدِ عَنْ خَمْسِينَ، وَفِي وُجُودِ الْقَتِيلِ حَيًّا، فَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا

حُكْمُ الدَّعْوَى، وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحِدًا - كَانَ أَوْ أَكْثَرَ - يَمِينًا وَاحِدَةً فَقَطْ، فَإِنْ نَكَلَ، أَوْ نَكَلُوا: أُجْبِرُوا عَلَى الْأَيْمَانِ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا. وَهَكَذَا إنْ نَقَصَ عَدَدُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَا قَسَامَةَ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُحَقِّقْ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ دَعْوَاهُمْ وَعَصَبَتُهُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ لَا بُدَّ أَنْ يُودَى الْمَقْتُولُ - حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا - مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ مِنْ الصَّدَقَاتِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] . وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إمَّا أَنْ يُقَادَ أَوْ أَنْ يُعْقَلَ» . وَلَيْسَ الْقَتْلُ الْوَاقِعُ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَقَطْ، وَفِي كِلَيْهِمَا الدِّيَةُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُكْمِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْخَطَأَ يَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِ الْخَطَأِ مِنْ الْغَارِمِينَ، وَفِي الْعَمْدِ يَكُونُ الْقَاتِلُ إذَا قُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ غَارِمًا مِنْ الْغَارِمِينَ، فَحَظُّهُمْ فِي سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَاجِبٌ، أَوْ فِي كُلِّ مَالٍ مَوْقُوفٍ لِجَمِيعِ مَصَالِحِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا حُكْمُ كُلِّ مَقْتُولٍ بِلَا شَكٍّ، حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ قُتِلَ، لَا عَمْدًا وَلَا خَطَأً، لَكِنْ بِفِعْلِ بَهِيمَةٍ، أَوْ مَنْ لَهُ حُكْمُ الْبَهِيمَةِ مِنْ الْمَجَانِينِ، أَوْ الصِّبْيَانِ، أَوْ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبَقِيَ فِي الْقَسَامَةِ خَبَرٌ نُورِدُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ مُغْتَرٌّ بِجَهْلِ ضَعْفِهِ، أَوْ بِظَنِّ ظَانٍّ أَنَّهُ أُغْفِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ، فَيَكُونُ نَقْصًا مِنْ حُكْمِ السُّنَّةِ فِي الْقَسَامَةِ. وَهُوَ كَمَا نَاهٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ سَمْعَانَ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ بِإِضَمٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ وَغَشِيَ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيُّ

مسألة في الدماء مشكل

عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيَّ، فَلَمَّا لَحِقَهُ، قَالَ عَامِرٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ لِكَلِمَتِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ إلَى مُحَلِّمٍ فَقَالَ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ قَالَهَا فَإِنَّمَا تَعَوَّذَ بِهَا وَهُوَ كَافِرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلَّا ثَقَبْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟ يُرِيدُ بِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّمَا يُعْرِبُ اللِّسَانُ عَنْ الْقَلْبِ - وَأَقْبَلَ عُيَيْنَةَ بْنُ بَدْرٍ فِي قَوْمِهِ حَمِيَّةً وَغَضَبًا لِقَيْسٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ صَاحِبُنَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأَقِدْنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْكُمْ أَنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ قُتِلَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ قَدْ سُمِعَ إيمَانُهُ؟ فَفَعَلُوا، فَلَمَّا حَلَفُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُعْفُوا عَنْهُ وَاقْبَلُوا الدِّيَةَ، فَقَالَ عُيَيْنَةَ بْنُ حِصْنٍ إنَّا نَسْتَحِي أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنَّا أَكَلْنَا ثَمَنَ صَاحِبِنَا؟ وَوَاثَبَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ فِي قَوْمِهِ غَضَبًا وَحَمِيَّةً لِخِنْدَفٍ فَقَالَ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ: بِمَاذَا اسْتَطَلْتُمْ دَمَ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: أَقْسَمَ مِنَّا خَمْسُونَ رَجُلًا: أَنَّ صَاحِبَنَا قُتِلَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: فَسَأَلَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْفُوا عَنْ قَتْلِهِ وَتَقْبَلُوا الدِّيَةَ فَأَبَيْتُمْ؟ فَأُقْسِمُ: بِاَللَّهِ لَتَقْبَلُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي دَعَاكُمْ إلَيْهِ، أَوْ لَآتِيَنَّ بِمِائَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَيُقْسِمُونَ بِاَللَّهِ لَقَدْ قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَهُوَ كَافِرٌ؟ فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ: عَلَى رِسْلِكَ، بَلْ نَقْبَلُ مَا دَعَانَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَقْبَلُ الَّذِي دَعَوْتَنَا إلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ، فَدِيَةُ أَبِيكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْإِبِلِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَهَذَا خَبَرٌ لَا يَنْسَنِدُ أَلْبَتَّةَ مِنْ طَرِيقٍ يُعْتَدُّ بِهَا - وَانْفَرَدَ بِهِ ابْنُ سَمْعَانَ - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - بِذِكْرِ قَسَامَةِ خَمْسِينَ عَلَى أَنَّهُ قُتِلَ مُسْلِمًا، وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ - وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِي الدِّمَاءِ مُشْكِلٌ] 2157 - مَسْأَلَةٌ: فِي الدِّمَاءِ مُشْكِلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامُ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ نا عَمِّي - هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - نا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ «مُطِيعٍ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ - وَكَانَ اسْمُهُ الْعَاصِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطِيعًا - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ يَقُولُ: لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَدًا، وَلَا يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ صَبْرًا أَبَدًا» . نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ: قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَدًا» . نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ نا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَوَّلِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَالْآخَرُ إنْ صَحَّ سَمَاعُ الشَّعْبِيِّ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ فَهُمَا صَحِيحَانِ - وَالْحَارِثُ هَذَا: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَوْنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَوَجْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيِّنٌ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ نَفْسِهِ: أَنَّهُ لَا يَغْزُو مَكَّةَ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ بَعْدَهَا رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا أَبَدًا، وَكَانَ هَذَا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَمَا قَتَلَ بَعْدَهَا قُرَشِيًّا. بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَنْذَرَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنْذَرَ بِغَزْوِ الْكَعْبَةِ - وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَحَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ قَالَ: فَذَهَبْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، وَقُلْتُ الَّذِي قَالَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَبْرًا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ حَرْمَلَةُ: نا ابْنُ وَهْبٍ

أَخْبَرَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - ثُمَّ اتَّفَقَ زِيَادٌ، وَيُونُسُ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ قَوْمًا مِنْ قُرَيْشٍ سَيُقْتَلُونَ صَبْرًا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ قُرَشِيًّا لَوْ قَتَلَ لَقُتِلَ، وَلَوْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ لَرُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ - وَهَكَذَا نَقُولُ فِيهِ: لَوْ ارْتَدَّ، أَوْ حَارَبَ أَوْ حُدَّ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثًا ثُمَّ شَرِبَ الرَّابِعَةَ - وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ مَكَّةَ - أَعَزَّهَا اللَّهُ وَحَرَسَهَا - لَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ، أَوْ الْمُحَارِبُونَ، أَوْ الْبُغَاةُ، فَمَنَعُوا فِيهَا مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ - أَنَّ فَرْضًا عَلَى الْأُمَّةِ غَزْوُهُمْ لَا غَزْوُ مَكَّةَ، فَإِنْ انْقَادُوا، أَوْ خَرَجُوا فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعُوا وَلَا خَرَجُوا: أَنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهَا، فَإِنْ هُمْ امْتَنَعُوا وَقَاتَلُوا، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ فِيهَا وَعِنْدَ الْكَعْبَةِ - فَكَانَتْ هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتُ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ وَإِنْذَارُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَدْمِ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ لِلْكَعْبَةِ. وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلَّا بَعْدَ غَزْوٍ مِنْهُ - وَقَدْ غَزَاهَا الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَيَّانِيُّ - لَعَنَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ - وَأَلْحَدُوا فِيهَا وَهَتَكُوا حُرْمَةَ الْبَيْتِ، فَمِنْ رَامٍ لِلْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ - وَهُوَ الْفَاسِقُ الْحَجَّاجُ - وَقَتَلَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَقَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَمِنْ قَالِعٍ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَسَالِبِ الْمُسْلِمِينَ الْمَقْتُولِينَ حَوْلَهَا - وَهُوَ الْكَافِرُ الْمَلْعُونُ - سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ الْقُرْمُطِيُّ، فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ مُبَيِّنًا إخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَخْبَرَ فِي حَدِيث مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ - وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يَغْزُوهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقْتُلُ أَبَدًا رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا، فَكَانَ كَذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - دُونَ بَعْضٍ، فَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ، بَلْ تُضَمُّ أَقْوَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُّهَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، فَكُلُّهَا حَقٌّ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ» عَلَى الْأَمْرِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْقُرَشِيِّ قَوَدًا أَوْ رَجْمًا فِي الزِّنَى - وَهُوَ مُحْصَنٌ - عَلَى وُجُوبِ غَزْوِ مَنْ لَاذَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْحِرَابَةِ وَالْبَغْيِ؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا مَنَعَ بِذَلِكَ مِنْ غَزْوِهَا ظُلْمًا، وَمِنْ قَتْلِ قُرَشِيٍّ صَبْرًا ظُلْمًا؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذِهِ أَحْكَامٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا حُكْمُ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا، وَلَا حُكْمُ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ: أَنْ تُغْزَى بَلَدٌ مِنْ الْبِلَادِ ظُلْمًا، وَلَا أَنْ يُقْتَلَ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ ظُلْمًا، وَكَأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ عَارِيًّا مِنْ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قتل أهل البغي

[قَتْلُ أَهْلِ الْبَغْيِ] ِ 2158 - مَسْأَلَةٌ: قَتْلُ أَهْلِ الْبَغْيِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] الْآيَةَ. فَكَانَ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى وَجْهَيْنِ: قِتَالِ الْبُغَاةِ، وَقِتَالِ الْمُحَارِبِينَ - فَالْبُغَاةُ قِسْمَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا قِسْمٌ خَرَجُوا عَلَى تَأْوِيلٍ فِي الدِّينِ فَأَخْطَئُوا فِيهِ، كَالْخَوَارِجِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنْ سَائِرِ الْأَهْوَاءِ الْمُخَالِفَةِ لِلْحَقِّ. وَإِمَّا قِسْمٌ أَرَادُوا لِأَنْفُسِهِمْ دُنْيَا فَخَرَجُوا عَلَى إمَامِ حَقٍّ، أَوْ عَلَى مَنْ هُوَ فِي السِّيرَةِ مِثْلُهُمْ، فَإِنْ تَعَدَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى إخَافَةِ الطَّرِيقِ، أَوْ إلَى أَخْذِ مَالِ مَنْ لَقُوا، أَوْ سَفْكِ الدِّمَاءِ هَمَلًا: انْتَقَلَ حُكْمُهُمْ إلَى حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ، وَهُمْ مَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ. فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ يُبَيِّنُ حُكْمَهُمْ: مَا نا هِشَامُ بْنُ سَعْدِ الْخَيْرِ نا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ نا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُجَيْرَمِيُّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ نا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ، كِلَاهُمَا قَالَ: عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَخْبَرَتْنَا أُمُّنَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي عَمَّارٍ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنَّمَا قَتَلَ عَمَّارَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانُوا مُتَأَوِّلِينَ تَأْوِيلَهُمْ فِيهِ - وَإِنْ أَخْطَئُوا الْحَقَّ - مَأْجُورُونَ أَجْرًا وَاحِدًا: لِقَصْدِهِمْ الْخَيْرَ.

وَيَكُونُ مِنْ الْمُتَأَوِّلِينَ قَوْمٌ لَا يُعْذَرُونَ، وَلَا أَجْرَ لَهُمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ نا خَيْثَمَةَ نا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ، سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ، أَوْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، تَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَصٌّ جَلِيٌّ بِمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَذَمَّهُمْ أَشَدَّ الذَّمِّ، وَأَنَّهُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، وَأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ. فَصَحَّ أَنَّ أُولَئِكَ أَيْضًا: مُفْتَرِقُونَ، وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَذْمُومَةَ تَقْتُلُهَا أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ، فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الِافْتِرَاقِ تَفَاضُلًا، وَجَعَلَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُفْتَرِقَتَيْنِ لَهَا دُنُوٌّ مِنْ الْحَقِّ - وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى أَوْلَى بِهِ - وَلَمْ يَجْعَلْ لِلثَّالِثَةِ شَيْئًا مِنْ الدُّنُوِّ إلَى الْحَقِّ. فَصَحَّ أَنَّ التَّأْوِيلَ يَخْتَلِفُ، فَأَيُّ طَائِفَةٍ تَأَوَّلَتْ فِي بُغْيَتِهَا طَمْسًا لِشَيْءٍ مِنْ السُّنَّةِ، كَمَنْ قَامَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ لِيُخْرِجَ الْأَمْرَ عَنْ قُرَيْشٍ، أَوْ لِيَرُدَّ النَّاسَ إلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الرَّجْمِ، أَوْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الذُّنُوبِ، أَوْ اسْتِقْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قَتْلِ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ، وَإِظْهَارِ الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الْقَدَرِ، أَوْ إبْطَالِ الرُّؤْيَةِ، أَوْ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْلَمُ شَيْئًا إلَّا حَتَّى يَكُونَ، أَوْ إلَى الْبَرَاءَةِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَوْ إبْطَالِ الشَّفَاعَةِ، أَوْ إلَى إبْطَالِ الْعَمَلِ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا إلَى الرَّدِّ إلَى مَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الزَّكَاةِ، أَوْ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى: فَهَؤُلَاءِ لَا يُعْذَرُونَ بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهَا جَهَالَةٌ تَامَّةٌ.

وَأَمَّا مَنْ دَعَا إلَى تَأْوِيلٍ لَا يَحِلُّ بِهِ سُنَّةٌ، لَكِنْ مِثْلَ تَأْوِيلِ مُعَاوِيَةَ فِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ قَبْلَ الْبَيْعَةِ لِعَلِيٍّ: فَهَذَا يُعْذَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إحَالَةُ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَطَأٌ خَاصٌّ فِي قِصَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَتَعَدَّى. وَمِنْ قَامَ لِعَرَضِ دُنْيَا فَقَطْ، كَمَا فَعَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فِي الْقِيَامِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَمَا فَعَلَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي الْقِيَامِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ، وَكَمَنْ قَامَ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ، فَهَؤُلَاءِ لَا يُعْذَرُونَ، لِأَنَّهُمْ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ أَصْلًا، وَهُوَ بَغْيٌ مُجَرَّدٌ. وَأَمَّا مَنْ دَعَا إلَى أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَإِظْهَارِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ: فَلَيْسَ بَاغِيًا، بَلْ الْبَاغِي مَنْ خَالَفَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِظُلْمٍ فَمَنَعَ مِنْ نَفْسِهِ - سَوَاءٌ أَرَادَهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ - وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ السُّلْطَانَ فِي هَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا يُحَارَبُ السُّلْطَانُ وَإِنْ أَرَادَ ظُلْمًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ رِجَالًا سَأَلُوا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالُوا: أَتَيْنَا الْحَرُورِيَّةَ زَمَانَ كَذَا وَكَذَا، لَا يَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ مَنْ لَقُوا؟ فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا كَانَ يَتَحَرَّجُ مِنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ تَأَثُّمًا، وَلَا مِنْ قَتْلِ مَنْ أَرَادَ قِتَالَك إلَّا السُّلْطَانَ، فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ نَحْوًا. وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا: السُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: «أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى عَامِلٍ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَهْطَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَلَبِسَ سِلَاحَهُ هُوَ وَمَوَالِيهِ وَغِلْمَتُهُ، وَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ - مَظْلُومًا - فَهُوَ شَهِيدٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ تَيَسَّرَ لِلْقِتَالِ دُونَ الْوَهْطِ، ثُمَّ قَالَ: مَالِي لَا أُقَاتِلُ دُونَهُ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَبَيْن عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَا كَانَ وَتَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ رَكِبَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ - هُوَ ابْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ - إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَوَعَظَهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قُتِلَ عَلَى مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ وَبِحَضْرَةِ سَائِرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُرِيدُ قِتَالَ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَامِلَ أَخِيهِ مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ أَمَرَهُ بِقَبْضِ " الْوَهْطِ " وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ أَخْذَهُ مِنْهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِيَأْخُذَ ظُلْمًا صُرَاحًا، لَكِنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ تَأَوَّلَهُ بِلَا شَكٍّ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ، وَلَبِسَ السِّلَاحَ لِلْقِتَالِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهَكَذَا جَاءَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ: أَنَّ الْخَارِجَةَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا خَرَجَتْ سُئِلُوا عَنْ خُرُوجِهِمْ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةٌ ظُلِمُوهَا أُنْصِفُوا، وَإِلَّا دُعُوا إلَى الْفَيْئَةِ، فَإِنْ فَاءُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا، وَلَا نَرَى هَذَا إلَّا قَوْلَ مَالِكٍ أَيْضًا. فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَرُدَّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] . فَفَعَلْنَا: فَلَمْ نَجِدْ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ فِي قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ عَلَى الْأُخْرَى بَيْنَ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ، بَلْ أَمَرَ تَعَالَى بِقِتَالِ مَنْ بَغَى عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ - عُمُومًا - حَتَّى يَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» أَيْضًا - عُمُومٌ - لَمْ يَخُصَّ مَعَهُ سُلْطَانًا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي قُرْآنٍ، وَلَا حَدِيثٍ، وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ: بَيْنَ مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ أُرِيدَ دَمُهُ، أَوْ أُرِيدَ فَرْجُ امْرَأَتِهِ، أَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

وَفِي الْإِطْلَاقِ عَلَى هَذَا هَلَاكُ الدِّينِ وَأَهْلِهِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ أُسِرَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ: أَيُقْتَلُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: مَا دَامَ الْقِتَالُ قَائِمًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَسَرَاهُمْ، فَإِذَا انْجَلَتْ الْحَرْبُ فَلَا يُقْتَلُ مِنْهُمْ أَسِيرٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ ابْنَ يَثْرِبِيٍّ - وَقَدْ أُتِيَ بِهِ أَسِيرًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحِلُّ أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ أَسِيرٌ أَصْلًا مَا دَامَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً، وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَرْبِ - وَبِهَذَا نَقُولُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ» . وَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى دَمَ الْمُحَارِبِ، وَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَ مَنْ حُدَّ فِي الْخَمْرِ ثُمَّ شَرِبَهَا فِي الرَّابِعَةِ. فَكُلُّ مَنْ وَرَدَ نَصٌّ بِإِبَاحَةِ دَمِهِ: مُبَاحُ الدَّمِ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى دَمَهُ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَامُ الدَّمِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] ، وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِفِعْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُسْنَدًا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي ابْنِ يَثْرِبِيٍّ ارْتَجَزَ يَوْمَ ذَلِكَ، فَقَالَ:

أَنَا لِمَنْ يُنْكِرُنِي ابْنُ يَثْرِبِيّ ... قَاتِلٌ عَلِيًّا وَهِنْدَ الْجَمَلِ ثُمَّ ابْنَ صُوحَانَ عَلَى دِينِ عَلِيٍّ فَأُسِرَ، فَأُتِيَ بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَبْقِنِي؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَبْعَدَ إقْرَارِكَ بِقَتْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: عَلِيًّا، وَهِنْدًا، وَابْنَ صُوحَانَ - وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ - فَإِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ قَوَدًا بِنَصِّ كَلَامِهِ - وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ فِي مِثْلِ هَذَا؟ فَعَادَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَلَاحَ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ وَلِفِعْلِهِ وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْأُسَرَاءِ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَبَطَلَ تَعَلَّقَهُمْ بِفِعْلِ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، وَمَا نَعْلَمُهُمْ شَغَبُوا بِشَيْءٍ غَيْرَ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ كَانَ قَتْلُهُ - بِلَا خِلَافٍ - مُبَاحًا قَبْلَ الْإِسَارِ، فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِسَارِ حَتَّى يَمْنَعَ مِنْهُ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ؟ قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا بَاطِلٌ، وَمَا حَلَّ قَتْلُهُ قَطُّ قَبْلَ الْإِسَارِ مُطْلَقًا، لَكِنْ حَلَّ قَتْلُهُ مَا دَامَ بَاغِيًا مُدَافِعًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا مُدَافِعًا: حَرُمَ قَتْلُهُ - وَهُوَ إذَا أُسِرَ فَلَيْسَ حِينَئِذٍ بَاغِيًا، وَلَا مُدَافِعًا: فَدَمُهُ حَرَامٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الْقِتَالَ وَقَعَدَ مَكَانَهُ وَلَمْ يُدَافِعْ لَحَرُمَ دَمُهُ - وَإِنْ لَمْ يُؤْسَرْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَلَمْ يَقُلْ: قَاتِلُوا الَّتِي تَبْقَى، وَالْقِتَالُ وَالْمُقَاتَلَةُ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، فَإِنَّمَا حَلَّ قِتَالُ الْبَاغِي، وَمُقَاتَلَتُهُ، وَلَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ قَطُّ فِي غَيْرِ الْمُقَاتَلَةِ، وَالْقِتَالِ، فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا نَقِيسُهُ عَلَى الْمُحَارِبِ؟ قُلْنَا: الْمُحَارِبُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ يُقْتَلُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَرْبِ وَبَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ فِي أَنَّ حُكْمَهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ سَوَاءٌ - وَأَيْضًا فَلَيْسَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَاغِي غَيْرُ حُكْمِ الْمُحَارِبِ، وَبِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ حُكْمِهِمَا جَاءَ الْقُرْآنُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْإِجْهَازِ عَلَى جَرْحَاهُمْ، وَالْقَوْلُ

فِيهِمْ كَالْقَوْلِ فِي الْأُسَرَاءِ سَوَاءً، لِأَنَّ الْجَرِيحَ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَسِيرٌ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَكَانَ مُمْتَنِعًا فَهُوَ بَاغٍ كَسَائِرِ أَصْحَابِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَلَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ - وَكَانَ لَا يَأْخُذُ مَالًا لِمَقْتُولٍ، يَقُولُ: مَنْ اعْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ جُوَيْبِرٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَتْ: سَمِعْت عَمَّارًا بَعْد مَا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ يُنَادِي: لَا تَقْتُلُنَّ مُدْبِرًا وَلَا مُقْبِلًا، وَلَا تُذَفِّفُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا تَدْخُلُوا دَارًا، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، كَالْمَأْسُورِ، قَدْ قَدَرْنَا أَنْ نُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهِ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ أَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ الْبَغْيِ، بِأَنْ نُمْسِكَهُ وَلَا نَدَعَهُ يُقَاتِلَ. وَكَذَلِكَ الْجَرِيحُ إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَنَصُّ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ دَمِ الْأَسِيرِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إيجَابَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا - نَعْنِي الْبَاغِيَ وَالْمَبْغِيَّ عَلَيْهِ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بَيْنَ حَيَّيْنِ - فَصَحَّ تَحْرِيمُ دَمِ الْأَسِيرِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ بِيَقِينٍ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُتْبَعُ الْمُدْبِرُ مِنْهُمْ أَصْلًا. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ كَانُوا تَارِكِينَ لِلْقِتَالِ جُمْلَةً، مُنْصَرِفِينَ إلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَا يَحِلُّ اتِّبَاعُهُمْ أَصْلًا، وَإِنْ كَانُوا مُنْحَازِينَ إلَى فِئَةٍ أَوْ لَائِذِينَ بِمَعْقِلٍ يَمْتَنِعُونَ فِيهِ، أَوْ زَائِلِينَ عَنْ الْغَالِبِينَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ إلَى مَكَان يَأْمَنُونَهُمْ فِيهِ لِمَجِيءِ اللَّيْلِ، أَوْ بِبُعْدِ الشُّقَّةِ ثَمَّ يَعُودُونَ إلَى حَالِهِمْ: فَيُتْبَعُونَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا نَقُولُ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْنَا قِتَالَهُمْ حَتَّى يَفِيئُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا فَاءُوا حَرُمَ عَلَيْنَا قَتْلُهُمْ وَقِتَالُهُمْ، فَهُمْ إذَا أَدْبَرُوا تَارِكِينَ لِبَغْيِهِمْ، رَاجِعِينَ إلَى مَنَازِلِهِمْ، أَوْ مُتَفَرِّقِينَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ، فَبِتَرْكِهِمْ الْبَغْيَ صَارُوا فَائِينَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِذَا فَاءُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ، وَإِذَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ فَلَا

وَجْهَ لِاتِّبَاعِهِمْ، وَلَا شَيْءَ لَنَا عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَ إدْبَارُهُمْ لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ غَلَبَةِ أَهْلِ الْحَقِّ - وَهُمْ بَاقُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ - فَقِتَالُهُمْ بَاقٍ عَلَيْنَا بَعْدُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفِيئُوا بَعْدُ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّلْمَنْكِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا كَوْثَرُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ هَلْ تَدْرِي كَيْفَ حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهَا، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهَا، وَلَا يُطْلَبُ هَارِبُهَا، وَلَا يُقَسَّمُ فَيْئُهَا» فَإِنَّ كَوْثَرَ بْنَ حَكِيمٍ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ - وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الْهَارِبَ: هُوَ التَّارِكُ لِمَا هُوَ فِيهِ، فَأَمَّا الْمُتَخَلِّصُ؛ لِيَعُودَ فَلَيْسَ هَارِبًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ؟ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: تُقَسَّمُ أَمْوَالُهُمْ وَتُخَمَّسُ - وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: أَمْوَالُ اللُّصُوصِ الْمُحَارِبِينَ مَغْنُومَةٌ مُخَمَّسَةٌ، مَا كَانَ مِنْهَا فِي عَسْكَرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَا وُجِدَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ فَإِنَّهُ فَيْءٌ يُقَسَّمُ وَيُخَمَّسُ - وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ: أَمَّا مَا دَامَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ فِي قِتَالِهِمْ بِمَا أُخِذَ مِنْ سِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ خَاصَّةً؛ فَإِذَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي حَالِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا لَمْ يُؤْخَذْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَا سِلَاحٌ، وَلَا كُرَاعٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ - يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مَا بَقِيَ مِمَّا قَاتَلُوا بِهِ فِي الْحَرْبِ مِنْ سِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُنَا: لَا يَحِلُّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ: لَا سِلَاحٌ، وَلَا كُرَاعٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ - لَا فِي حَالِ الْحَرْبِ وَلَا بَعْدَهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ، بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى.

فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ سِلَاحَهُمْ، وَكُرَاعَهُمْ مَا دَامَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً - فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا إجْمَاعٍ - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَالسِّلَاحُ وَالْكُرَاعُ مَالٌ مِنْ مَالِهِمْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى غَيْرِهِمْ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كُلِّ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى بَاطِلِهِمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . فَصَحَّ بِهَذَا يَقِينًا أَنَّ تَخْلِيَتَهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ السِّلَاحَ فِي دِمَاءِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْكُرَاعَ فِي قِتَالِهِمْ تَعَاوُنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَصَحَّ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ فِي حَالِ الْبَغْيِ: تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فَلَا يَحِلُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ، وَمِنْ اُضْطُرَّ إلَى الدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ بِحَقٍّ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ غَيْرِهِ، بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ سِلَاحِ نَفْسِهِ أَوْ سِلَاحِ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ مُلْقٍ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِ - فَسَقَطَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً إلَّا خَبَرًا رَوَاهُ فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ عَلِيًّا قَسَّمَ يَوْمَ الْجَمَلِ فِيهِمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مَا قُوتِلَ بِهِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ - وَهَذَا خَبَرٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ فِطْرًا ضَعِيفٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا كَتَبَ بِهِ إلَى يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيِّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ الْخَوْلَانِيِّ نا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَصْحَابِ عَلِيٍّ " عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَصْحَابِ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ جَعَلَ لَهُمْ مَا فِي عَسْكَرِ الْقَوْمِ مِنْ السِّلَاحِ، فَقَالُوا: كَيْفَ تَحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ وَلَا تَحِلُّ لَنَا أَمْوَالُهُمْ وَلَا نِسَاؤُهُمْ؟ قَالَ: هَاتُوا سِهَامَكُمْ فَأَقْرِعُوا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، فَخَصَمَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَحِلَّ لَمْ يَحِلَّ بَنُوهَا " وَهَذَا أَيْضًا أَثَرُهُ ضَعِيفٌ، وَمَدَارُهُ عَلَى نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَى بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَشَدُّهَا فِتْنَةً عَلَى أُمَّتِي قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ» فَإِنْ أَجَازُوهُ هُنَا فَلْيُجِيزُوهُ هُنَالِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ قَوْلَةٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ خَالَفُوهَا بِآرَائِهِمْ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ عَلَقَةً إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عِصْمَةَ الْأَسَدِيِّ قَالَ: بَهَشَ النَّاسُ إلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: اقْسِمْ بَيْنَنَا نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: عَنَّتَنِي الرِّجَالُ فَعَنَّيْتهَا وَهَذِهِ ذُرِّيَّةُ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ فِي دَارِهِمْ، لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِمْ مَا أَوَتْ الدَّارُ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لَهُمْ، وَمَا أَجْلَبُوا بِهِ عَلَيْكُمْ فِي عَسْكَرِهِمْ فَهُوَ لَكُمْ مَغْنَمٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَا يُدْرَى مَنْ هُمْ، ثُمَّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ - وَهُوَ هَالِكٌ كَذَّابٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ قَالَ: إنَّ جَمِيعَ أَمْوَالِهِمْ مُخَمَّسَةٌ مَغْنُومَةٌ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ مِنْهَا شَيْءٌ فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ. فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا نا بِهِ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَخِيهِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إلَى فُوقِهِ سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ وَالتَّسْبِيدُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ وَهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ أَوْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ تَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ» ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7] . قَالُوا: فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ وَيَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ، أَوْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، فَالْخَلْقُ وَالْبَرِيَّةُ سَوَاءٌ، قَالُوا: فَإِذْ هُمْ بِشَهَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، وَقَدْ مَرَقُوا مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا، فَهُمْ بِيَقِينٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّهُمْ {شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6] لَا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7] فَأَمْوَالُهُمْ مَغْنُومَةٌ مُخَمَّسَةٌ كَأَمْوَالِ الْكُفَّارِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَاحْتِجَاجٌ صَادِقٌ، إلَّا أَنَّهُ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا هُوَ جَمْعُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، فَمَنْ خَرَجَ بِتَأْوِيلٍ هُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ، لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلَا قَصَدَ فِيهِ خِلَافَ الْقُرْآنِ وَحُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَتَعَمَّدُ خِلَافَهُمَا، أَوْ يَعْنِدُ عَنْهُمَا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، أَوْ خَرَجَ طَالِبًا غَلَبَةً فِي دُنْيَا، وَلَمْ يَخَفْ طَرِيقًا، وَلَا سَفَكَ الدَّمَ جِزَافًا، وَلَا أَخَذَ الْمَالَ ظُلْمًا، فَهَذَا هُوَ الْبَاغِي الَّذِي يُصْلَحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ بَغَى عَلَيْهِ، عَلَى مَا فِي آيَةِ الْبُغَاةِ وَعَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ خُرُوجِ الْمَارِقَةِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أُمَّتِهِ، إحْدَاهُمَا بَاغِيَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تَقْتُلُ عَمَّارًا، وَالْأُخْرَى أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَحَمِدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا صَدَقَةُ نا ابْنُ عُيَيْنَةَ نا أَبُو مُوسَى عَنْ الْحَسَنِ سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ إلَى جَنْبِهِ يَنْظُرُ إلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَإِلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» فَإِنْ زَادَ الْأَمْرُ حَتَّى يُخِيفُوا السَّبِيلَ، وَيَأْخُذُوا مَالَ الْمُسْلِمِينَ غَلَبَةً، بِلَا تَأْوِيلٍ، أَوْ يَسْفِكُوا دَمًا كَذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ مُحَارِبُونَ لَهُمْ حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ، فَإِنْ زَادَ الْأَمْرُ حَتَّى يَخْرِقُوا الْإِجْمَاعَ فَهُمْ مُرْتَدُّونَ: تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ كُلُّهَا حِينَئِذٍ وَتُخَمَّسُ وَتُقَسَّمُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة ما أصابه الباغي من دم أو مال

وَلَا يَحِلُّ مَالُ الْمُحَارِبِ، وَلَا مَالُ الْبَاغِي وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ ظَلَمَا فَهُمَا مُسْلِمَانِ - وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ، إلَّا بِحَقٍّ، وَقَدْ يَحِلُّ دَمُهُ، وَلَا يَحِلُّ مَالُهُ، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَالْقَاتِلِ عَمْدًا - وَقَدْ يَحِلُّ مَالُهُ وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ، كَالْغَاصِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُتْبَعُ النَّصُّ، فَمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ حَلَّ، وَمَا حَرَّمَا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَأْتِيَ إحْلَالٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَا أَصَابَهُ الْبَاغِي مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ] 2159 - مَسْأَلَةٌ: مَا أَصَابَهُ الْبَاغِي مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا أَصَابُوهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُؤَاخَذُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا قَوَدَ فِي الدِّمَاءِ وَلَا دِيَةَ، وَلَا ضَمَانَ فِيمَا أَتْلَفُوهُ مِنْ الْأَمْوَالِ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ قَائِمٌ مِمَّا أَخَذُوهُ فَيُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إنْ كَانَتْ الْفِئَتَانِ إحْدَاهُمَا بَاغِيَةٌ وَالْأُخْرَى عَادِلَةٌ فِي سَوَادِ الْعَامَّةِ، فَإِمَامُ الْجَمَاعَةِ الْمُصْلِحُ بَيْنَهُمَا يَأْخُذُ مِنْ الْبَاغِيَةِ عَلَى الْأُخْرَى مَا أَصَابَتْ مِنْهَا بِالْقِصَاصِ فِي الْقَتْلَى، وَالْجِرَاحَةِ، كَمَا كَانَ أَمْرُ تَيْنِكَ الْفِئَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نَزَلَ فِيهِمَا الْقُرْآنُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى الْوُلَاةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ، وَضَمَانُ مَا أَتْلَفُوا كَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعُهُ - بِمَنِّ اللَّهِ تَعَالَى وَطَوْلِهِ - فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: لَا يُؤَاخَذُونَ بِشَيْءٍ، يَحْتَجُّونَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ كَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا، وَشَهِدَتْ عَلَى قَوْمِهَا بِالشِّرْكِ، وَلَحِقَتْ بِالْحَرُورِيَّةِ، فَتَزَوَّجَتْ فِيهِمْ: ثُمَّ إنَّهَا رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا ثَانِيَةً؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ الْأُولَى ثَارَتْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا كَثِيرٌ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُقِيمُوا عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فِي فَرْجٍ اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ إلَى صَاحِبِهِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُرَدَّ إلَى زَوْجِهَا، وَأَنْ يُحَدَّ مَنْ افْتَرَى عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ

قَالَ: هَاجَتْ رِيحُ الْفِتْنَةِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ، فَاجْتَمَعَ رَأْيَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَادُ وَلَا يُودَى مَا أُصِيبُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا يُوجَدُ بِعَيْنِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا الْتَقَتْ الْفِئَتَانِ فَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فَهُوَ هَدَرٌ، أَلَا تَسْمَعُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] الْآيَةَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا؟ قَالَ: فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَرَى الْأُخْرَى بَاغِيَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُدْرِكْ تِلْكَ الْفِتْنَةَ وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَهَا بِبِضْعِ عَشْرَةِ سَنَةً وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ - كَمَا قَالَ - لَمَا كَانَ هَذَا إلَّا رَأْيًا مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لَا نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا مِنْهُمْ، وَلَا حُجَّةً فِي رَأْيِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِاتِّبَاعِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أُولِي الْأَمْرِ مِنَّا، وَإِذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الْفِتْنَةُ فَبِلَا شَكٍّ أَنَّ الْمَاضِينَ بِالْمَوْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِينَ، وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَعُدُّوا، إذْ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا وُجِدَ مِنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ إلَّا نَحْوُ مِائَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ لَوْ صَحَّ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ أَتَيْتُ الْخَوَارِجَ وَإِنَّهُمْ لَأَحَبُّ قَوْمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إلَيَّ فَلَمْ أَزَلْ فِيهِمْ حَتَّى اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَاتِلْهُمْ، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَقْتُلُوا، فَمَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ اسْتَنْكَرُوا هَيْئَتَهُ، فَثَارُوا إلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَالسَّاعِي فِي النَّارِ» قَالَ: فَأَخَذُوهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ فَذَبَحُوهُمَا جَمِيعًا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ دَمَاهُمَا فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ:

أَقِيدُونِي مِنْ ابْنِ خَبَّابٍ؟ قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلْنَاهُ فَحِينَئِذٍ اسْتَحَلَّ قِتَالَهُمْ، فَقَتَلَهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا أَثَرٌ أَصَحُّ مِنْ أَثَرِ الزُّهْرِيِّ، أَوْ مِثْلُهُ، بِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَأَى الْقَوَدَ عَلَى الْخَوَارِجِ فِيمَنْ قَتَلُوهُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ مِنْ إجْمَاعِهِمْ. فَصَحَّ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَبِلَا شَكٍّ نَدْرِي أَنَّ الْقَائِلِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَتَمُّ فَضْلًا، مِنْ الَّذِينَ ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ إجْمَاعٌ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِدَمٍ أَصَابَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ. لَا بِقَوَدٍ وَلَا بِدِيَةٍ، وَأَنْ لَا يَضْمَنَ أَحَدٌ مَالًا أَصَابَهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ حُجَّةً يَسُوغُ الْأَخْذُ بِمِثْلِ مَا قَالُوا، وَإِنَّمَا رَجَعَ الْأَمْرُ فِيمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ إجْمَاعًا إلَى حُكْمِ الْوَالِي، وَلَمْ يَكُنْ إلَّا عَلِيًّا، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ إيجَابُ الْقَوَدِ كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ مُعَاوِيَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ بِيَدِ عَلِيٍّ لَا بِيَدِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا مَأْجُورًا فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ " بِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَرَى الْأُخْرَى بَاغِيَةً " فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكِلْنَا إلَى رَأْيِ الطَّائِفَتَيْنِ، لَكِنْ أَمَرَ مَنْ صَحَّ عَنْدَهُ بَغْيُ إحْدَاهُمَا بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ سَعِيدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِالْمُقَاتَلَةِ مِنْ الْأُخْرَى، وَلَبَطَلَتْ الْآيَةُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْبُغَاةَ كَمَا قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ كَلَامِنَا ثَلَاثُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ تَأَوَّلُوا تَأْوِيلًا يَخْفَى وَجْهُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَنْ تَعَلَّقَ بِآيَةٍ خَصَّتْهَا أُخْرَى، أَوْ بِحَدِيثِ قَدْ خَصَّهُ آخَرُ، أَوْ نَسَخَهَا نَصٌّ آخَرُ، فَهَؤُلَاءِ كَمَا قُلْنَا مَعْذُورُونَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُجْتَهِدِ يُخْطِئُ فَيَقْتُلُ مُجْتَهِدًا، أَوْ يُتْلِفُ مَالًا مُجْتَهِدًا، أَوْ يَقْضِي فِي فَرْجٍ خَطَأً مُجْتَهِدًا، وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ، فَفِي الدَّمِ دِيَةٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، لَا عَلَى الْبَاغِي، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَضْمَنُ الْمَالَ كُلُّ مَنْ أَتْلَفَهُ، وَنَسَخَ كُلَّ مَا حَكَمُوا بِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْءِ فَرْجٍ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ - وَهَكَذَا أَيْضًا مَنْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ بِجَهَالَةٍ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَلَا بَلَغَتْهُ. وَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا فَاسِدًا لَا يُعْذَرُ فِيهِ، لَكِنْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ - أَيَّ شَيْءٍ كَانَ -

وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَفَهِمَهَا، وَتَأَوَّلَ تَأْوِيلًا يَسُوغُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَعَنَدَ، فَعَلَى مَنْ قَتَلَ هَكَذَا الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، وَالْحَدُّ فِيمَا أَصَابَ بِوَطْءٍ حَرَامٍ، وَضَمَانِ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالٍ. وَهَكَذَا مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ دُنْيَا مُجَرَّدًا بِلَا تَأْوِيلٍ، وَلَا يُعْذَرُ هَذَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ عَامِدٌ لِمَا يَدْرِي أَنَّهُ حَرَامٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا مِنْ قَامَ عَصَبِيَّةً وَلَا فَرْقَ - وَقَدْ تَكُونُ الْفِئَتَانِ بَاغِيَتَيْنِ إذَا قَامَتَا مَعًا فِي بَاطِلٍ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالْقَوَدُ أَيْضًا عَلَى الْقَاتِلِ، مِنْ أَيِّ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ - وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُحَارِبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ فِي كُلِّ هَذَا فَصْلًا فَصْلًا: أَمَّا قَوْلُنَا: مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فَلَا حُجَّةَ إلَّا عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، بَيْنَهُمْ الْمَهَامِهُ الْفِيحُ، وَالْبِلَادُ الْبَعِيدَةُ، وَلُجَّةُ الْبَحْرِ - وَالْفَرَائِضُ تَنْزِلُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا تَبْلُغُهُمْ إلَّا بَعْدَ عَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ كَثِيرَةٍ، وَمَا لَزِمَتْهُمْ مَلَامَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عِنْدَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ. فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ مَنْ جَهِلَ حُكْمَ شَيْءٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ إلَّا فِي ضَمَانِ مَا أَتْلَفَ مِنْ مَالٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَعَلَيْهِ مَتَى عَلِمَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَأَنْ لَا يُصِرَّ عَلَى مَا فَعَلَ وَهُوَ يَعْلَمُ -. وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ خَاصَّةً فَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ " وَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ني سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ - قَالَ سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ وَإِنِّي عَاقِلُهُ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» وَإِنَّمَا قَتَلُوهُ مُتَأَوِّلِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَأَمَّا مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَبَلَغَهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَهْمُهُ وَلَمْ

يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا الْعِنَادُ وَالتَّعَلُّقُ: إمَّا بِتَقْلِيدٍ مُجَرَّدٍ، أَوْ بِرَأْيٍ مُفْرَدٍ أَوْ بِقِيَاسٍ، فَلَيْسَ مَعْذُورًا أَوْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ، وَضَمَانُ مَا أَتْلَفَ، وَالْحَدُّ فِي الْفَرْجِ؛ لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَهَؤُلَاءِ مُعْتَدُونَ بِلَا شَكٍّ فَعَلَيْهِمْ مِثْلُ مَا اعْتَدَوْا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا مَنْ قَتَلُوهُ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّهُ شَهِيدٌ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، لَكِنْ يُدْفَنُ كَمَا هُوَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ - وَبِهَذَا نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُمْ، وَإِنْ كَانُوا شُهَدَاءَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَا: نا سُلَيْمَانُ - هُوَ ابْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ نا إبْرَاهِيمُ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلِمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ مِنْ الْبُغَاةِ فَإِنَّمَا قُتِلَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَهُوَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ شَهِيدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ شَهِيدٍ يُدْفَنُ دُونَ غُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ. وَقَدْ صَحَّ: أَنَّ الْمَبْطُونَ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونَ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقَ شَهِيدٌ، وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةَ تَمُوتُ بِجُمَعٍ شَهِيدٌ، وَصَاحِبَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ - وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ.

مسألة هل للعادل أن يعمد قتل أبيه الباغي أم لا

وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُكَفَّنَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، إلَّا مَنْ خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ، إلَّا فِيمَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فِي الْمُعْتَرَكِ وَمَاتَ فِي مَصْرَعِهِ - فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُزَمَّلُوا بِدِمَائِهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَيُدْفَنُوا كَمَا هُمْ دُونَ غُسْلٍ وَلَا تَكْفِينٍ - وَلَا يَجِبُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ، فَبَقِيَ سَائِرُ الشُّهَدَاءِ، وَالْمَوْتَى، عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الْغُسْلِ، وَالتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ لِلْعَادِلِ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ أَبِيهِ الْبَاغِي أَمْ لَا] 2160 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ لِلْعَادِلِ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ أَبِيهِ الْبَاغِي أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ قَائِلُونَ: لَا يَحِلُّ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُ أَبِيهِ، أَوْ أَخِيهِ، أَوْ ذِي رَحِمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ عَمْدًا، لَكِنْ إنْ ضَرَبَهُ لِيَصِيرَ بِذَلِكَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْهُ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا، فَإِنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةَ الرَّحِمِ إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ ابْنًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَأَمَرَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ كَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ. {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9] وَقَالَ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ. وَقِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ قِتَالٌ فِي الدِّينِ، إلَّا أَنَّنَا لَا نَخْتَارُ أَنْ يَعْمِدَ الْمَرْءُ إلَى أَبِيهِ - خَاصَّةً - أَوْ جَدِّهِ، مَا دَامَ يَجِدُ غَيْرَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ فِي الْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ وَالْقِصَاصِ، وَالْجَلْدِ، وَلَا فَرْقَ.

فَأَمَّا إذَا رَأَى الْعَادِلُ أَبَاهُ الْبَاغِيَ، أَوْ جَدَّهُ، يَقْصِدُ إلَى مُسْلِمٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ، أَوْ ظُلْمَهُ، فَفَرْضٌ عَلَى الِابْنِ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِغَيْرِهِ عَنْهُ، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ دَفْعُهُ عَنْ الْمُسْلِمِ - بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ - وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ قَتْلُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْأُمِّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ نا شُعْبَةُ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ - فَذَكَرَ - عِيَادَةَ الْمَرَضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلَامِ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَمْنَعُهُ، تَأْخُذُ فَوْقَ يَدِهِ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» فَهَذَا أَمْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُسْلِمَ الْمَرْءُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لِظُلْمِ ظَالِمٍ، وَأَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ يَدِ كُلِّ ظَالِمٍ، وَأَنْ يَنْصُرَ كُلَّ مَظْلُومٍ، فَإِذَا رَأَى الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْبَاغِيَ، أَوْ ذَا رَحِمِهِ - كَذَلِكَ - يُرِيدُ ظُلْمَ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، فَفَرْضٌ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، بِكُلِّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ إلَّا بِهِ مِنْ قِتَالٍ أَوْ قَتْلٍ، فَمَا دُونَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِحْسَانَ إلَى الْأَبَوَيْنِ، وَأَنْ لَا يُنْهَرَا، وَأَنْ يُخْفَضَ لَهُمَا جَنَاحُ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ، فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. وَهَكَذَا نَقُولُ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ لَهُ أَبٌ كَافِرٌ أَوْ أُمٌّ كَافِرَةٌ، أَنْ يُهْدِيَهُمَا إلَى طَرِيقِ الْكَنِيسَةِ، وَلَا أَنْ يَحْمِلَهُمَا إلَيْهَا، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ لَهُمَا قُرْبَانًا، وَلَا أَنْ يَسْعَى لَهُمَا فِي خَمْرٍ لِشَرِيعَتِهِمَا الْفَاسِدَةِ، وَلَا أَنْ يُعِينَهُمَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى مِنْ زِنًى، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَدَعَهُ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فِي الْعَالَمِ.

مسألة أحكام أهل البغي

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الْفِئَتَانِ الْبَاغِيَتَانِ مَعًا فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا مَنْعُهُمَا وَقِتَالُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَاغِيَةٌ عَلَى الْأُخْرَى، فَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَسِعَتْهُ التَّقِيَّةُ وَأَنْ يَلْزَمَ مَنْزِلَهُ، وَمَسْجِدَهُ، وَمَعَاشَهُ، وَلَا مَزِيدَ، وَكِلَاهُمَا لَا يَدْعُو إلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني عَمْرٌو النَّاقِدُ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، وَحَتَّى إنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا نا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ أَحَادِيثَ: مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُشِرْ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِغُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ نا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ - هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - قَالَ: سَمِعْت رِبْعِيًّا - هُوَ ابْنُ حِرَاشٍ - يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَشَارَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَهُمَا عَلَى حَرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَهُ خَرَّا فِيهَا جَمِيعًا» . فَهَذِهِ صِفَةُ الطَّائِفَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بَاغِيَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَا مَعًا عَادِلَتَيْنِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَنْ يُقَادَ لِلْبَاغِي إذَا قُوتِلَ لِيَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَقَطْ، وَلَمْ نُحِلَّهُ بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَمَنْ قَتَلَ بَاغِيًا لِيَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَتَلَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ لَهُ عُضْوًا فِي الْحَرْبِ، أَوْ عَقَرَ تَحْتَهُ فَرَسًا، أَوْ أَفْسَدَ لَهُ لِبَاسًا فِي الْمُضَارَبَةِ، فَلَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ أَحْسَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] [مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ] 2161 - مَسْأَلَةٌ: أَحْكَامُ أَهْلِ الْبَغْيِ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ - حَاشَا

الطَّحَاوِيَّ - أَنَّهُ مَا حَكَمَ بِهِ قَاضِي أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يَجُوزُ لِقَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يَقْبَلَ كِتَابَهُ قَالُوا: وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ صَدَقَةٍ فَلَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ ثَانِيَةً، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَخَذُوهَا مِنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى. قَالُوا: وَأَمَّا مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مِنْ التُّجَّارِ فَعَشَّرُوهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُهُ ثَانِيَةً مِنْ التُّجَّارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْفُذُ كُلُّ قَضِيَّةٍ قَضَوْهَا إذَا وَافَقَتْ الْحَقَّ، وَيَجْزِي مَا أَخَذُوهُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَمَا أَقَامُوا مِنْ الْحُدُودِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ - وَأَصْحَابُنَا لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ قَضَايَاهُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا وَلَا يُجْزِئُ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَلَا مَا أَقَامُوا مِنْ الْحُدُودِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ، وَمِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ ثَانِيَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى. فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ أَخْذَ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا جَاءَ التَّضْيِيعُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ فَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ فَقَدْ عَرَّضَ مَالَهُ لِلتَّلَفِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرً هَذَا وَهَذَا لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّ تَضْيِيعَ الْإِمَامِ يُسْقِطُ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا - فَكَمَا أَخَذُوا الْعُشْرَ ثَانِيَةً مِمَّنْ جَعَلُوا ذَنْبَهُ أَنَّهُ عَرَّضَ مَالَهُ لِلتَّلَفِ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ ثَانِيَةً، وَيَجْعَلُوا ذَنْبَ أَهْلِهَا أَنَّهُمْ عَرَّضُوا أَمْوَالَهُمْ لِلتَّلَفِ، فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ الْهَرَبُ عَنْ مَوْضِعِ الْبُغَاةِ، أَوْ يُعَذِّرُوا الْمُعَشِّرِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُمْ إذَا حَكَمُوا بِالْحَقِّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَإِذَا أَخَذُوا الزَّكَاةَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَقَامُوا الْحُدُودَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ تَأَدَّى كُلُّ ذَلِكَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا تَأَدَّى كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ ثَانِيَةً، فَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَمَا لَا يُؤَاخَذُونَ بِمَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَكَذَلِكَ لَا يُؤَاخَذُونَ -

هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ - بِمَا حَكَمُوا أَوْ أَقَامُوا مَنْ حَدٍّ، أَوْ أَخَذُوا مِنْ مَالِ صَدَقَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا - بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ - وَلَا فَرْقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، وَذَلِكَ أَنَّنَا نَسْأَلُهُمْ، فَنَقُولُ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ حَاضِرًا مُمَكَّنًا عَدْلًا، أَيَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةً دُونَهُ، أَوْ يُقِيمَ حَدًّا دُونَهُ، أَوْ يَحْكُمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دُونَهُ، أَمْ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ: خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلُوا الْأَمَانَةَ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَوْجَبُوا أَنْ لَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَى إمَامٍ - وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ لَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا دَامَ الْإِمَامُ قَائِمًا فَقَدْ صَحَّ أَنْ لَا يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا إلَّا مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْحُكْمَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ آخِذًا لِلْحُدُودِ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا إلَّا مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ أَخْذَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَقَامَ - حَدًّا، أَوْ أَخَذَ صَدَقَةً، أَوْ قَضَى قَضِيَّةً، وَلَيْسَ مِمَّنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ بِتَقْدِيمِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَحْكُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا أَقَامَ الْحَدَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، فَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ، وَإِذْ فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ فَقَدْ تَعَدَّى؛ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَإِذْ هُوَ ظُلْمٌ، فَالظُّلْمُ لَا حُكْمَ لَهُ إلَّا رَدُّهُ وَنَقْضُهُ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةً فَعَلَيْهِ رَدُّهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَخَذَ، إلَّا أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا أَوْصَلَهَا إلَيْهِمْ فَقَدْ تَأَدَّتْ الزَّكَاةُ إلَى أَهْلِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ حَدٍّ أَقَامُوهُ فَهُوَ مَظْلَمَةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَتُعَادُ الْحُدُودُ ثَانِيَةً وَلَا بُدَّ، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِ مَنْ قَتَلُوهُ قَوَدًا، وَأَنْ يُفْسَخَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمُوهُ وَلَا بُدَّ. وَيُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ إدْرِيسَ - نا ابْنُ عِجْلَانَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ

مسألة هل يستعان على أهل البغي بأهل الحرب أو غيرهم

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ ثنا غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَرْفَجَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّهُ سَيَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ - وَهِيَ جَمِيعٌ - فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ أَهْلًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَازِعَهُمْ إيَّاهُ، وَأَنَّ تَفْرِيقَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا لَا يَحِلُّ. فَصَحَّ أَنَّ الْمُنَازِعِينَ فِي الْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ مَرِيدُونَ تَفْرِيقَ جَمَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُمْ مُنَازِعُونَ أَهْلَ الْأَمْرِ أَمْرَهُمْ، فَهُمْ عُصَاةٌ بِكُلِّ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ عُصَاةٌ فِي مُنَازَعَتِهِمْ الْإِمَامَ الْوَاجِبَ الطَّاعَةَ، وَإِذْ هُمْ فِيهِ عُصَاةٌ، فَكُلُّ حُكْمٍ حَكَمُوهُ مِمَّا هُوَ إلَى إمَامٍ، وَكُلُّ زَكَاةٍ قَبَضُوهَا مِمَّا قَبْضُهَا إلَى الْإِمَامِ، وَكُلُّ حَدٍّ أَقَامُوهُ مِمَّا إقَامَتُهُ إلَى الْإِمَامِ - فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ طَاعَتِهِ، وَأَنْ يُجْزِيَ الظُّلْمُ عَنْ الْعَدْلِ، وَأَنْ يَقُومَ الْبَاطِلُ مَقَامَ الْحَقِّ، وَأَنْ يُغْنِيَ الْعُدْوَانُ عَنْ الْإِنْصَافِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَا نَصًّا وَوَجَبَ رَدُّ كُلِّ مَا عَمِلُوا مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إمَامٌ مُمَكَّنٌ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّ كُلَّ مَنْ قَامَ بِالْحَقِّ حِينَئِذٍ فَهُوَ نَافِذٌ، فَالْبُغَاةُ - إنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ - فَكُلُّ مَا فَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ نَافِذٌ - وَأَمَّا إنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلَا يَنْفُذُ مِنْ حُكْمِ الْكَافِرِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ هَلْ يُسْتَعَانُ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرهمْ] 2162 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُسْتَعَانُ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ؟ أَوْ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ؟ أَوْ بِأَهْلِ بَغْيٍ آخَرِينَ؟ .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِحَرْبِيٍّ، وَلَا بِذِمِّيٍّ، وَلَا بِمَنْ يَسْتَحِلُّ قِتَالَهُمْ، مُدْبِرِينَ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَبِأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَبِأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّنَا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ» وَهَذَا عُمُومٌ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِ فِي وِلَايَةٍ، أَوْ قِتَالٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، إلَّا مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِيهِ: كَخِدْمَةِ الدَّابَّةِ، أَوْ الِاسْتِئْجَارِ، أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْرُجُونَ فِيهِ عَنْ الصَّغَارِ. وَالْمُشْرِكُ: اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا عِنْدَنَا - مَا دَامَ فِي أَهْلِ الْعَدْلِ مَنَعَةٌ - فَإِنْ أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَكَةِ وَاضْطُرُّوا وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حِيلَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْجَئُوا إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَنْ يَمْتَنِعُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، مَا أَيَقَنُو أَنَّهُمْ فِي اسْتِنْصَارِهِمْ: لَا يُؤْذُونَ مُسْلِمًا وَلَا ذِمِّيًّا - فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ حُرْمَةٍ مِمَّا لَا يَحِلُّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، إلَّا مَا مَنَعَ مِنْهُ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُسْلِمُ - وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً - أَنَّ مَنْ اسْتَنْصَرَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، أَوْ الذِّمَّةِ يُؤْذُونَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا فِيمَا لَا يَحِلُّ، فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمَا، وَإِنْ هَلَكَ، لَكِنْ يَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى - وَإِنْ تَلِفَتْ نَفْسُهُ وَأَهْلُهُ وَمَالُهُ - أَوْ يُقَاتِلُ حَتَّى يَمُوتَ شَهِيدًا كَرِيمًا، فَالْمَوْتُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَدَّى أَحَدًا أَجَلُهُ. بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ ظُلْمًا عَنْ نَفْسِهِ بِظُلْمٍ يُوصِلُهُ إلَى غَيْرِهِ - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِبُغَاةٍ أَمْثَالِهِمْ - فَقَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ - وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] . وَأَجَازَهُ آخَرُونَ - وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَّخِذُهُمْ عَضُدًا، وَمَعَاذَ اللَّهِ، وَلَكِنْ نَضْرِبُهُمْ بِأَمْثَالِهِمْ صِيَانَةً لِأَهْلِ الْعَدْلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} [الأنعام: 129]

مسألة قتل رجل رجلا في الحرب ثم قال حسبته من أهل البغي

وَإِنْ أَمْكَنَنَا أَنْ نَضْرِبَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الْكُفَّارِ، حَتَّى يُقَاتِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَدْخُلَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَتَوَصَّلُ بِهِمْ إلَى أَذَى غَيْرِهِمْ، بِذَلِكَ حَسَنٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ بِقَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ» كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ رَاشِدٍ ثنا أَبُو الْيَمَانِ نا شُعَيْبٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ نا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» . وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا رِيَاحُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا يُبِيحُ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ بِأَمْثَالِهِمْ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْفُجَّارِ الَّذِينَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْفَاسِقَ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ، وَمِنْ دَفْعِ أَهْلِ الْبَغْيِ، كَاَلَّذِي اُفْتُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْفَاضِلِ، فَلَا يَحِلُّ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ الْفَرْضُ أَنْ يَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَتْلَ رَجُل رَجُلًا فِي الْحَرْب ثُمَّ قَالَ حسبته مِنْ أَهْل الْبَغْي] 2163 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ فِي الْحَرْبِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، ثُمَّ قَالَ: حَسِبْتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُمْكِنًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَضْمَنُ دِيَتَهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ خَطَأً بَلْ قَتَلَهُ عَمْدًا قَصْدًا إلَى قَتْلِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حَرَامُ الدَّمِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ - وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مَا قَالَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ بِاخْتِيَارِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ - سَوَاءً سَوَاءً، إذَا قَتَلَهُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، وَلَا فَرْقَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَ إلَيْنَا بَعْضُ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ: إنِّي ظَنَنْتُهُ دَخَلَ لِيَطْلُبَ غِرَّةً، فَإِنْ نَكَلَ هَؤُلَاءِ عَنْ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، وَلَا قَوَدَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ مِنْ التَّعَمُّدِ وَهُمْ عَالِمُونَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ: إذَا كَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالسُّنَّةِ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَمْدًا، وَجَرَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَمْدًا، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ عَمْدًا، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ: لَا قَوَدَ، وَلَا دِيَةَ - غَلَبَ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ: أَوْ لَمْ يَغْلِبُوا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا لِهَذَا الْقَوْلِ جَوَابٌ إلَّا أَنَّهُ حُكْمُ إبْلِيسَ، وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي كَيْفَ انْشَرَحَتْ نَفْسُ مُسْلِمٍ لِاعْتِقَادِ هَذَا الْقَوْلِ الْمُعَانِدِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ كَيْفَ انْطَلَقَ لِسَانُ مُؤْمِنٍ يَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ وَنَهَاهُ بِهَذَا الْقَوْلِ السَّخِيفِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى عَافِيَةً شَامِلَةً - كَأَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَسْمَعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النُّفُوسِ، وَالْجِرَاحِ، وَمِنْ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ، فِي الْقُرْآنِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَهَذَا قَوْلٌ مَا نَعْلَمُ فِيهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ سَلَفًا: لَا مِنْ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ تَابِعٍ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنَّمَا مَوَّهُوا بِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: كَمَا ثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَذَكَرَ قَتْلَ عُمَرَ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَلَمْ نُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِبَةً قَطُّ، قَالَ: حِينَ قُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ انْتَهَيْتُ إلَى الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ، وَأَبِي لُؤْلُؤَةَ - وَهُمْ بِحَيٍّ - فَتَبِعْتُهُمْ فَثَارُوا وَسَقَطَ مِنْ بَيْنَهُمْ خَنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَانْظُرُوا بِمَا قُتِلَ بِهِ عُمَرُ فَوَجَدُوهُ خِنْجَرًا عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَخَرَجَ عُبَيْدُ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّيْفِ حَتَّى أَتَى الْهُرْمُزَانَ فَقَالَ: اصْحَبْنِي نَنْظُرُ إلَى فَرَسٍ لِي - وَكَانَ الْهُرْمُزَانُ بَصِيرًا بِالْخَيْلِ - فَخَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَلَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا وَجَدَ حَدَّ السَّيْفِ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَقَتَلَهُ.

ثُمَّ أَتَى جُفَيْنَةَ - وَكَانَ نَصْرَانِيًّا - فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ فَصَلَبَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ - ثُمَّ أَتَى ابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ - جَارِيَةً صَغِيرَةً تَدَّعِي الْإِسْلَامَ - فَقَتَلَهَا، فَأَظْلَمَتْ الْأَرْضُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَهْلِهَا. - ثُمَّ أَقْبَلَ بِالسَّيْفِ صَلْتًا فِي يَدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَتْرُكُ فِي الْمَدِينَةِ سَبْيًا إلَّا قَتَلْته وَغَيْرَهُمْ؟ كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَاسٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: أَلْقِ السَّيْفَ، فَأَبَى - وَيَهَابُونَهُ أَنْ يَقْرَبُوا مِنْهُ - حَتَّى أَتَاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: أَعْطِنِي السَّيْفَ يَا ابْنَ أَخِي؟ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ ثَارَ إلَيْهِ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ، فَتَنَاصَبَا حَتَّى حَجَزَ النَّاسُ بَيْنَهُمَا. - فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فَتَقَ فِي الْإِسْلَامِ مَا فَتَقَ - يَعْنِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ: قُتِلَ عُمَرَ بِالْأَمْسِ وَتُرِيدُونَ أَنْ تُتْبِعُوهُ ابْنَهُ الْيَوْمَ، أَبْعَدَ اللَّهُ الْهُرْمُزَانَ، وَجُفَيْنَةَ؟ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاك أَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَك عَلَى النَّاسِ مِنْ سُلْطَانٍ، إنَّمَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَا سُلْطَانَ لَك، فَاصْفَحْ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَلَى خُطْبَةِ عَمْرٍو، وَوَدَى عُثْمَانُ الرَّجُلَيْنِ وَالْجَارِيَةَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: فَيَرْحَمُ اللَّهُ حَفْصَةَ أَنْ كَانَتْ لِمَنْ شَيَّعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى قَتْلِ الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ - قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُثْمَانُ: أَنَا وَلِيُّ الْهُرْمُزَانِ، وَجُفَيْنَةَ، وَالْجَارِيَةِ، وَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهَا دِيَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ ذِكْرُهُ: أَنَّ عُثْمَانَ أَقَادَ وَلَدَ الْهُرْمُزَانِ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَنَّ وَلَدَ الْهُرْمُزَانِ عَفَا عَنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ قَتَلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَلَا فِي وَقْتٍ كَانَ فِيهِ بَاغٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يُعْرَفُ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ، وَمَحَلَّةِ الْجَمَاعَةِ وَصِحَّةِ الْأُلْفَةِ، وَفِي أَفْضَلِ عِصَابَةٍ وَأَعْدَلِهَا. وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مَنْ قَتَلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَهُمْ

مسألة إذا كان في الباغين غلام لم يبلغ أو امرأة فقاتلا

لَا يَقُولُونَ بِإِهْدَارِ الْقَوَدِ عَمَّنْ قَتَلَ فِي الْجَمَاعَةِ بَيْنَ مَوْتِ إمَامٍ وَوِلَايَةِ آخَرَ، فَقَدْ خَالَفُوا عُثْمَانَ وَمَنْ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ عُثْمَانَ جَعَلَهَا دِيَةً - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ دِيَةً، وَالْوَاجِبُ أَنْ نَحْكُمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَمَا نَحْكُمُ فِي مَحَلَّةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي كُلِّ مَكَان، وَكُلَّ زَمَانٍ، وَعَلَى كُلِّ لِسَانٍ، وَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِإِيجَابِ الْقَوَدِ، وَأَخْذِ الْحُدُودِ، وَضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانِ، وَسَائِرِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مَكَانًا دُونَ مَكَان، وَلَا زَمَانًا دُونَ زَمَانٍ، وَلَا حَالًا دُونَ حَالٍ، وَلَا أُمَّةً دُونَ أُمَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إذَا كَانَ فِي الْبَاغِينَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ امْرَأَةٌ فَقَاتَلَا] 2164 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَاغِينَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ امْرَأَةٌ فَقَاتَلَا دُوفِعَا، فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِمَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَهُمَا هَدَرٌ؛ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَهُ مُرِيدٌ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الضُّرَّ كَيْفَ أَمْكَنَهُ - وَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا قَوَدَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ سَأَلُوا النَّظْرَةَ حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أُمُورِهِمْ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَكِيدَةً، فَعَلَيْهِ أَنْ يُنْظِرَهُمْ مُدَّةً يُمْكِنُ فِي مِثْلِهَا النَّظَرُ فَقَطْ - وَهَذَا مِقْدَارُ الدُّعَاءِ، وَبَيَانُ الْحُجَّةِ فَقَطْ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فَلَمْ يُفْسِحْ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَرْكِ قِتَالِهِمْ إلَّا مُدَّةَ الْإِصْلَاحِ، فَمَنْ أَبَى قُوتِلَ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ إنْفَاذُ الْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ وَتَأْمِينُ النَّاسِ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَأَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِالِافْتِرَاقِ إلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا سَأَلْنَاهُ: مَاذَا يَقُولُ، إنْ اسْتَنْظَرُوهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَهَكَذَا نَزِيدُهُ سَاعَةً سَاعَةً، وَيَوْمًا يَوْمًا حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ أَعْمَارِهِمْ، وَفِي هَذَا إهْلَاكُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّحَفُّظِ عَنْهُمْ، كَمَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِيهِ، فَإِنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ تَحْدِيدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ.

مسألة تحصن البغاة في حصن فيه نساء أو صبيان

فَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَاضَى قُرَيْشًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا وَجَعَلَ أَجَلَ الْمُصَرَّاةِ ثَلَاثًا، وَخِيَارَ الْمَخْدُوعِ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثًا، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَّلَ ثَمُودَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ، هَذَا حَقٌّ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَجَلَ الْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَجَلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَكَانَ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَهُوَ الْحَقُّ، وَكَانَ مَا أَرَادَهُ مُرِيدٌ أَنْ يَزِيدَهُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِرَأْيِهِ وَقِيَاسِهِ فَهُوَ الْبَاطِلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة تحصن البغاة فِي حصن فِيهِ نِسَاء أَوْ صبيان] 2165 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَحَصَّنَ الْبُغَاةُ فِي حِصْنٍ فِيهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَا يَحِلُّ قَطْعُ الْمِيرِ عَنْهُمْ، لَكِنْ يُطْلَقُ لَهُمْ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَطْ، وَيُمْنَعُونَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. وَجَائِزٌ قِتَالُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالرَّمْيِ، وَلَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ بِنَارٍ تُحْرِقُ مَنْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَلَا بِتَغْرِيقٍ يُغْرِقُهُمْ كَذَلِكَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْبُغَاةُ فَقَطْ فَفَرْضٌ أَنْ يُمْنَعُوا الْمَاءَ وَالطَّعَامَ حَتَّى يَنْزِلُوا إلَى الْحَقِّ، وَإِلَّا فَهُمْ قَاتِلُو أَنْفُسِهِمْ بِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْحَقِّ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تُوقَدَ النِّيرَانُ حَوَالَيْهِمْ، وَيُتْرَكُ لَهُمْ مَكَانٌ يَتَخَلَّصُونَ مِنْهُ إلَى عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَارٌ أَوْقَدْنَاهَا، وَمَا أَطْلَقْنَاهُ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا - إنْ أَحَبُّوا - وَلَا يَحِلُّ - إحْرَاقُهُمْ، وَلَا تَغْرِيقُهُمْ دُونَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْمُقَاتَلَةِ فَقَطْ. وَلَا يَحِلُّ بِأَنْ يَبِيتُوا إلَّا بِأَنْ نَقْبِضَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ أَمَانَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ الْحُرِّ] 2166 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ قَوْمٌ: إنَّ أَمَانَ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ الْحُرِّ جَائِزٌ لِأَهْلِ الْبَغْيِ. وَهَذَا عِنْدَنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ أَمَانَ أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَيْدِيهِمْ، مَتَى تَرَكُوا الْقِتَالَ حَرُمَتْ

دِمَاؤُهُمْ، وَكَانُوا إخْوَانَنَا، وَمَا دَامُوا مُقَاتِلِينَ بَاغِينَ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إعْطَاؤُهُمْ الْأَمَانَ عَلَى ذَلِكَ، فَالْأَمَانُ وَالْإِجَارَةُ هَاهُنَا هَدَرٌ وَلَغْوٌ، وَإِنَّمَا الْأَمَانُ وَالْإِجَارَةُ لِلْكَافِرِ الَّذِي يَحِلُّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ - إذَا أَسَرُوهُ - وَاسْتِبْقَاؤُهُ، لَا فِي مُسْلِمٍ - إنْ تَرَكَ بَغْيَهُ - كَانَ هُوَ مِمَّنْ يُعْطَى الْأَمَانَ وَيُجَارُ. وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَجَارَ كَافِرًا جَازَتْ إجَارَتُهُ، كَإِجَارَةِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» . وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ دَخَلُوا غُزَاةً إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَوَافَقُوا أَهْلَ الْعَدْلِ فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ فَغَنِمُوا، فَالْغَنِيمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُسْلِمُونَ. وَمَنْ قَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ. وَلَوْ تُرِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَهْلُ الْمُحَارَبَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْل الْبَغْيِ، فَفَرْضٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى الْإِمَامِ عَوْنُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْقَاذُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مُسْلِمُونَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وَقَالَ تَعَالَى {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54] وَقَالَ تَعَالَى {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وَأَمَّا أَهْلُ الْمُحَارَبَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ ظُلْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ، وَالْمَنْعُ مِنْ الظُّلْمِ وَاجِبٌ - قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فَمَنْ تَرَكَ الْمُحَارِبَ، لَمْ يُعِنْ الْمَطْلُوبَ فَقَدْ أَعَانَ الْمُحَارِبَ عَلَى إثْمِهِ وَعُدْوَانِهِ، وَهَذَا حَرَامٌ. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَأَهْلَ الْبَغْيِ تَوَادَعُوا وَتَعَاطَوْا الرِّهَانَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، إلَّا مَعَ ضَعْفِ أَهْلِ الْعَدْلِ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] فَمَا دُمْنَا قَادِرِينَ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ لَهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَنَا غَيْرُهَا أَصْلًا، وَلَسْنَا

فِي سِعَةٍ مِنْ تَرْكِهَا سَاعَةً فَمَا فَوْقَهَا، فَإِنْ ضَعُفْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَإِنْ قَتَلُوا رَهْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَحِلَّ لَنَا قَتْلُ رَهْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ غَيْرُ مُقَاتِلِينَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا لَنَا أَحَدًا وَإِنَّمَا قَتَلَ الرَّهْنَ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] .

كتاب الحدود

[كِتَابُ الْحُدُودِ] [مَسْأَلَةٌ الْحُدُودُ فِي غَيْرِ النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ سَبْعَةُ أَشْيَاءٍ] 2167 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يَصِفْ اللَّهُ تَعَالَى حَدًّا مِنْ الْعُقُوبَةِ مَحْدُودًا لَا يَتَجَاوَزُ فِي النَّفْسِ، أَوْ الْأَعْضَاءِ، أَوْ الْبَشَرَةِ، إلَّا فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ: الْمُحَارَبَةُ، وَالرِّدَّةُ، وَالزِّنَى، وَالْقَذْفُ بِالزِّنَى، وَالسَّرِقَةُ، وَجَحْدُ الْعَارِيَّةِ، وَتَنَاوُلُ الْخَمْرِ فِي شُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ فَقَطْ - وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَا حَدَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَحْدُودًا فِيهِ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَنَحْنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - ذَاكِرُونَ مَا فِيهِ الْحُدُودُ مِمَّا ذَكَرْنَا بَابًا بَابًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - ثُمَّ نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَشْيَاءَ لَا حَدَّ فِيهَا، وَادَّعَى قَوْمٌ: أَنَّ فِيهَا حُدُودًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. ثُمَّ نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - قَبْلَ ذَلِكَ أَبْوَابًا تَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ، أَوْ فِي أَكْثَرِهَا، فَإِنَّ جَمْعَهَا فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ تَكْرَارِهَا فِي كُلِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحُدُودِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ أَيْضًا - حَصْرُهَا لِمَنْ يَطْلُبُهَا، وَأَبْيَنُ لِاجْتِمَاعِهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ، إذْ لَيْسَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْحُدُودِ أَوْلَى بِهَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ سَائِرِ كُتُبِ الْحُدُودِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهِيَ: الْحَدِيثُ الْوَارِدُ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» مَعَ سَائِرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْخَمْرِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالنُّهْبَةِ. وَهَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ أَمْ لَا؟ .

وَهَلْ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ . وَاجْتِمَاعُ الْحُدُودِ مَعَ الْقَتْلِ، وَالتَّوْكِيلِ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ؟ وَهَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا؟ وَالسِّجْنُ فِي التُّهْمَةِ، وَالِامْتِحَانُ بِالضَّرْبِ، وَالِاعْتِرَافُ بِالْإِكْرَاهِ، وَمَا الْإِكْرَاهُ وَالِاسْتِتَابَةُ فِي الْحُدُودِ؟ وَمَتَى يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ؟ وَاعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِالْحَدِّ، وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ، وَالتَّأْجِيلُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعَافِي فِي الْحُدُودِ قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى السُّلْطَانِ وَالتَّرْغِيبُ فِي إمَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ عَبْدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ - ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ - الرُّجُوعُ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِالْحَدِّ؟ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي حُكْمِهِ بِالْحَدِّ، هَلْ يُكْشَفُ وَيَسْأَلُ مَنْ ذُكِرَ عَنْهُ حَدٌّ أَمْ لَا؟ هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى الْكُفَّارِ أَمْ لَا؟ كَيْفَ حَدُّ الْعَبْدِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ؟ كَيْفَ حَدُّ الْمُكَاتَبِ؟ 2168 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ التُّجِيبِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ

عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولَانِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» . وَبِهِ - إلَى مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: أَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ الْأَعْمَشُ - عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» هَذَا لَفْظُ شُعْبَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِهِ، رَفَعَهُ: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ هَيَّاجٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْقَيْسِيُّ نا مُبَارَكُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عَطَاءٍ نا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْتُلُ الْقَاتِلُ حِينَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَخْتَلِسُ خِلْسَةً وَهُوَ مُؤْمِنٌ، يُخْلَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَمَا يُخْلَعُ مِنْهُ سِرْبَالُهُ، فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْإِيمَانِ رَجَعَ إلَيْهِ، وَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عِيسَى بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُغْبَةَ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ شَارِبُهَا حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا

يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً فَيَرْفَعُ النَّاسُ فِيهَا إلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَهُوَ حِينَ يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ حِينَ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ نا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ. فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْتَزَعُ الْإِيمَانُ مِنْهُ؟ فَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا، فَقَالَ: هَكَذَا، فَإِذَا تَابَ عَادَ إلَيْهِ هَكَذَا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَزْنِي زَانٍ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْحُدُودَ - يَعْنِي الْخَمْرَ - أَحَدُكُمْ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إيَّاكُمْ إيَّاكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّ جَلَبَةً عَلَى بَابِهَا فَسَمِعَتْ الصَّوْتَ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: رَجُلٌ ضُرِبَ فِي الْخَمْرِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ - يَعْنِي الْخَمْرَ - حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاكُمْ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ، رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، بِالْأَسَانِيدِ التَّامَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَحُمَيْدٌ: ابْنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَخُو سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ. وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةُ، وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ: النَّاسُ، فَهُوَ نَقْلٌ تَوَاتَرَ يُوجِبُ صِحَّةَ الْعِلْمِ، وَذُكِرَ فِيهِ كَمَا أَوْرَدْنَا: الْقَتْلُ، وَالزِّنَى، وَالْخَمْرُ، وَالسَّرِقَةُ، وَالنُّهْبَةُ، وَالْغُلُولُ. فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ، وَمَا هُوَ هَذَا الْإِيمَانُ الَّذِي يُزَايِلُهُ حِينَ مُوَاقَعَتِهِ هَذِهِ الذُّنُوبَ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا أَنَّهُ يُخْلَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَمَا يُخْلَعُ سِرْبَالُهُ فَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا أَنَّهُ فَسَّرَ انْتِزَاعَ الْإِيمَانِ مِنْهُ: بِأَنْ شَبَّكَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، ثُمَّ زَايَلَهَا قَالَ: وَهَكَذَا، ثُمَّ رَدَّهَا وَقَالَ: فَإِذَا تَابَ عَادَ إلَيْهِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى مَمْلُوكِهِ الْبَاءَةَ، وَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ زَوَّجْته؟ فَإِنَّهُ لَا يَزْنِي زَانٍ إلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ رِبْقَةَ الْإِيمَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ رَدَّهُ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ حِينَ يَزْنِي، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ حِينَ يَشْرَبُ - قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ: وَإِذَا اعْتَزَلَ خَطِيئَتَهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ - قَالَ: فَرَاجَعْته؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ: فَيُنْتَزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ مَا دَامَ عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَإِذَا فَارَقَهَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ

يَقُولُ: لَا يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ حِينَ يَزْنِي، فَإِذَا زَايَلَهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ لَيْسَ إذَا تَابَ مِنْهُ، وَلَكِنْ إذَا أَخَّرَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ - قَالَ: وَحَسِبْته أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ الْإِيمَانُ، يُقَالُ: الْإِيمَانُ كَالظِّلِّ. وَذَكَرَ أَيْضًا مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هَذَا نَهْيٌ، يَقُولُ: حِينَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَفْعَلَنَّ - يَعْنِي: لَا يَسْرِقُ، وَلَا يَزْنِي، وَلَا يَغُلُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ التَّفَاسِيرُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُزَايَلَةُ الْإِيمَانِ لِلْفَاعِلِ حِينَ الْفِعْلِ، ثُمَّ رُجُوعُهُ فِي بَعْضِهَا إلَيْهِ إذَا تَابَ، وَإِذَا تَرَكَ. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ بَيَانُ مَا هُوَ الْإِيمَانُ الزَّائِلُ حِينَ هَذِهِ الْمَعَاصِي؟ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ، الَّذِي لَا حَقِيقَةَ فِي غَيْرِهِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ حِينَ فِعْلِهِ إيَّاهُ مُؤْمِنًا، فَإِنَّ الْإِيمَانَ قَدْ فَارَقَهُ بِلَا شَكٍّ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا هَذَا الْإِيمَانُ الَّذِي يَزُولُ عَنْهُ فِي حِينِ ذَلِكَ الْفِعْلِ؟ لِنَعْلَمَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ ذَلِكَ الْفَاعِلِ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا النَّاسَ فِي تَفْسِيرِ لَفْظَةِ " الْإِيمَانِ " قَدْ افْتَرَقُوا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: فَقَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: الْإِيمَانُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ -: أَحَدُهَا: الْعَقْدُ بِالْقَلْبِ - وَالْآخَرُ: النُّطْقُ بِاللِّسَانِ - وَالثَّالِثُ: عَمَلٌ بِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ - فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا - وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مُخْطِئَةٌ -: إنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، وَهُمَا: الْعَقْدُ بِالْقَلْبِ، وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ، وَاجْتِنَابَ الْمُحَرَّمَاتِ: إنَّمَا هِيَ شَرَائِعُ الْإِيمَانِ، وَلَيْسَتْ إيمَانًا، وَهَذِهِ مَقَالَةٌ - وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً - فَصَاحِبُهَا لَا يُكَفَّرُ. وَقَالَتْ طَائِفَتَانِ قَوْلَيْنِ خَرَجَا بِهِمَا إلَى الْكُفْرِ صُرَاحًا: أَحَدُهُمَا: جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَمَنْ قَلَّدَهُ وَائْتَمَّ بِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْإِيمَانُ

هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَإِنْ أَعْلَنَ الْكُفْرَ، وَجَحَدَ النُّبُوَّةَ، وَصَرَّحَ بِالتَّثْلِيثِ، وَعَبَدَ الصَّلِيبَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، دُونَ تَقِيَّةٍ. وَالْآخَرُ: مُحَمَّدُ بْنُ كِرَامٍ السِّجِسْتَانِيُّ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَاقْتَدَى بِهِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ. فَلَزِمَ الطَّائِفَةَ الْأُولَى: أَنَّ إبْلِيسَ مُؤْمِنٌ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ عَرَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِقُلُوبِهِمْ، وَعَرَفُوا صِحَّةَ نُبُوَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُلُوبِهِمْ، وَجَدُوهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إخْبَارِهِ بِصِحَّةِ عِلْمِ إبْلِيسِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِنُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَلَزِمَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مُؤْمِنُونَ، أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ - وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَمُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْإِيمَانَ الْمُزَايِلَ لِلزَّانِي فِي حِينِ زِنَاهُ، وَلِلْقَاتِلِ فِي حِينِ قَتْلِهِ، وَلِلسَّارِقِ فِي حِينِ سَرِقَتِهِ، وَلِلْغَالِّ فِي حِينِ غُلُولِهِ، وَلِلشَّارِبِ فِي حِينِ شُرْبِهِ، وَلِلْمُنْتَهِبِ فِي حَالِ نُهْبَتِهِ: أَنَّهُ التَّصْدِيقُ أَنْ يَقُولَ: الْقَاتِلُ، وَالزَّانِي، وَالْغَالُّ، وَالْمُنْتَهِبُ، وَالشَّارِبُ: قَدْ بَطَلَ تَصْدِيقُهُمْ وَمَنْ بَطَلَ تَصْدِيقُهُ فَهُوَ كَافِرٌ. فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ زَكَاةٌ، وَلَا يُتْرَكَ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَا أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ، وَلَا أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ، وَإِنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لَا يَرِثَهُ - وَهَذَا خِلَافٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ يَعْتَدُّ بِهِ بَعْدَهُمْ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا - يَعْنِي مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الزَّانِيَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الْقَاتِلَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الْمُنْتَهِبَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الْغَالَّ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ الشَّارِبَ كَافِرٌ، وَلَا أَنَّ السَّارِقَ كَافِرٌ. وَصَحَّ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَلَزِمَهُمْ مَا يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ عَنْ دِينِهِ مِنْ الْقَتْلِ، وَفِرَاقِ

مسألة إقامة الحدود في المساجد

الزَّوْجَةِ، وَاسْتِيفَاءِ الْمَالِ - فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْنِ بِذَهَابِ الْإِيمَانِ الْمَذْكُورِ ذَهَابَ تَصْدِيقِهِ. وَأَيْضًا - فَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ يَدْرِي مَنْ وَاقِعٍ شَيْئًا مِنْ الذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَفْسِهِ: أَنَّ تَصْدِيقَهُ لَمْ يَزُلْ، وَأَنَّهُ كَمَا كَانَ، وَكُلُّ قَوْلٍ تُكَذِّبُهُ الضَّرُورَةُ فَهُوَ قَوْلٌ مُتَيَقَّنُ السُّقُوطِ؟ فَقَدْ صَحَّ مَا قُلْنَا: إنَّ الْإِيمَانَ الْمُزَايِلَ لَهُ فِي حَالِ هَذِهِ الْأَفَاعِيلِ إنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ بِالْيَقِينِ، لِأَنَّ الزِّنَى، وَالْقَتْلَ، وَالْغُلُولَ، وَالنُّهْبَةَ، وَشُرْبَ الْخَمْرِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَتْ إيمَانًا، فَإِذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا إيمَانًا، فَفَاعِلُهَا لَيْسَ مُؤْمِنًا، بِمَعْنَى لَيْسَ مُطِيعًا، إذْ لَمْ يَفْعَلْ الطَّاعَةَ، لَكِنَّهُ عَاصٍ وَفَاسِقٌ، وَمَنْ فَعَلَ الْإِيمَانَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا لَمْ يَفْعَلْ فِي فِعْلِهِ تِلْكَ الْأَفْعَالَ إيمَانًا، فَلَيْسَ مُؤْمِنًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا إيمَانٌ، وَأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَةِ لَيْسَ إيمَانًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إقَامَة الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد] 2169 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا أَبُو نَشِيطٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ أَبُو نَشِيطٍ: نا أَبُو الْمُغِيرَةَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ نا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: نا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبَّارُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ - ثُمَّ اتَّفَقَ قَتَادَةُ، وَإِسْمَاعِيلُ - كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقْتَلُ بِالْوَلَدِ الْوَالِدُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ضَعِيفَانِ -

وَبِهِ - إلَى الْبَزَّارِ نا يُونُسُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُعَاذٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» . مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ سَاقِطٌ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْعَبَّاسُ: مَجْهُولَانِ. وَعَنْ وَكِيعٍ نا مُبَارَكٌ عَنْ ظَبْيَانَ بْنِ صُبَيْحٍ الضَّبِّيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ - ظَبْيَانَ: مَجْهُولٌ. وَعَنْ وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَجُلٌ فِي حَدٍّ، فَقَالَ: أَخْرِجَاهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ اضْرِبَاهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، قَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ وَتَنْظِيفِهَا» . وَقَالَ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] فَوَجَبَ صَوْنُ الْمَسَاجِدِ، وَرَفْعُهَا، وَتَنْظِيفُهَا - فَمَا كَانَ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ فِيهِ تَقْذِيرٌ لِلْمَسْجِدِ بِالدَّمِ: كَالْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ، فَحَرَامٌ أَنْ يُقَامَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَطْيِيبًا؛ وَلَا تَنْظِيفًا - وَكَذَلِكَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِ مَاعِزٍ بِالْبَقِيعِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ» . وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْحُدُودِ جَلْدًا فَقَطْ، فَإِقَامَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ جَائِزٌ، وَخَارِجَ الْمَسْجِدِ أَيْضًا جَائِزٌ، إلَّا أَنَّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إلَيْنَا، خَوْفًا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَجْلُودِ بَوْلٌ لِضَعْفِ طَبِيعَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْمَضْرُوبِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَلَوْ كَانَ إقَامَةُ الْحُدُودِ بِالْجَلْدِ فِي الْمَسَاجِدِ حَرَامًا لَفَصَّلَ لَنَا ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

مسألة هل الحدود كفارة لمن أقيمت عليه أم لا

وَمِمَّنْ قَالَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ بِالْجَلْدِ فِي الْمَسَاجِدِ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَغَيْرُهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا] 2170 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فِيهِ حَدٌّ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ - تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ - حَاشَ الْمُحَارَبَةِ، فَإِنَّ إثْمَهَا بَاقٍ عَلَيْهِ وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهَا، وَلَا يُسْقِطُهَا عَنْهُ إلَّا التَّوْبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» . وَبِهِ - إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ - هُوَ الصَّنْعَانِيِّ - عَنْ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخَذَ عَلَى النِّسَاءِ: أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا يَغْتَابَ بَعْضُنَا بَعْضًا - فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ عِقَابُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ - إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . وَأَمَّا تَخْصِيصُنَا الْمُحَارَبَةَ مِنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] إلَى قَوْله تَعَالَى {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7] فَنَصَّ اللَّهُ تَعَالَى نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا، عَلَى أَنَّهُمْ مَعَ إقَامَةِ هَذَا الْحَدِّ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا كَمَا جَاءَتْ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ شَيْءٌ مِنْهَا لِشَيْءٍ آخَرَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى - وَلَا يَجُوزُ النَّسْخُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: أَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ - فَإِنَّهُ فَضِيلَةٌ لَنَا أَنْ تُكَفَّرَ عَنَّا الذُّنُوبُ بِالْحَدِّ، وَالْفَضَائِلُ لَا تُنْسَخُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَوَامِرَ، وَلَا نَوَاهِيَ، وَإِنَّمَا النَّسْخُ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي - سَوَاءٌ وَرَدَتْ بِلَفْظَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ - أَوْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمُحَقَّقُ فَلَا يَدْخُلُ النَّسْخُ فِيهِ، وَلَوْ دَخَلَ لَكَانَ كَذِبًا - وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْآيَةُ فِي الْمُحَارَبَةِ - فَإِنَّ وُجُوبَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ: خَبَرٌ مُجَرَّدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَأَمِنَ دُخُولُ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ تَعَلَّقَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ دُحَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرِي أَتُبَّعُ كَانَ نَبِيًّا أَمْ لَا؟ وَمَا أَدْرِي ذُو الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ أَمْ لَا؟ وَمَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا؟» . وَبِمَا ثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَعِيدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ الْإسْفَرايِينِيّ - فِي دَارِهِ بِمَكَّةَ - ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ بْنِ مُوسَى نا

مسألة هل تسقط الحدود بالتوبة أم لا

دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ نا سَيْفُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا بَايَعَتْ النِّسَاءُ، فَمَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ: ضَمِنَ لَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مِنَّا وَأَتَى بِشَيْءٍ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ: فَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَصَحِيحُ السَّنَدِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِي وَقْتِنَا هَذَا عِلَّةً، إلَّا أَنَّ الَّذِي لَا نَشُكُّ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ، وَلَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصَحِّ سَنَدٍ مِمَّا أَوْرَدْنَا آنِفًا مِنْ طَرِيقِ عُبَادَةَ: «أَنَّ مَنْ أَصَابَ مِنْ الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَتْلِ، وَالْغَصْبِ: شَيْئًا، فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَشُكَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ قَدْ قَطَعَ بِهِ، وَبَشَّرَ أُمَّتَهُ بِهِ، وَهُوَ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْحَى إلَيْهِ بِهِ. وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِيهِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْكَلَامَ، وَقَدْ سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَحَدِ الْمُهَاجِرِينَ، مِمَّنْ سَمِعَهُ ذَلِكَ الصَّاحِبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْبَعْثِ، قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ عُبَادَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ» فَهَذَا صَحِيحٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُعَلِّمُ إلَّا مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ أَعْلَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ حِينَئِذٍ، وَأَخْبَرَ بِهِ الْأَنْصَارَ، إذْ بَايَعُوهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَالْحُدُودُ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ، لَا حِينَ بَيْعَةِ عُبَادَةَ وَلَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ سَيَكُونُ لِهَذِهِ الذُّنُوبِ حُدُودٌ، وَعُقُوبَاتٌ - وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا - لَكِنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا - هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ - إنْ صَحَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ عِلَّةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ - فَسَاقِطٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي تَكَلَّمْنَا فِيهِ آنِفًا، وَالْأَمْرُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَبْيَنُ، لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا بَعْدَ الْفَتْحِ، لَمْ يُدْرِكْ قَطُّ بَيْعَةَ النِّسَاءِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقِتَالِ، لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ " الْمَائِدَةِ " فَصَارَ حَدِيثُ عُبَادَةَ قَاضِيًا عَلَى كُلِّ ذَلِكَ، وَمُخْبِرًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَيْسَ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ: مِنْ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا، حَاشَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا [مَسْأَلَة هَلْ تَسْقُطُ الْحُدُودُ بِالتَّوْبَةِ أَمْ لَا]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ قَوْمٌ: إنَّ الْحُدُودَ كُلَّهَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ - وَهَذِهِ رِوَايَةٌ رَوَاهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، قَالَهَا بِالْعِرَاقِ وَرَجَعَ عَنْهَا بِمِصْرَ - وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: بِمَا نَاهٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِهِ، فَلَمَّا مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ خَرَجَ يَشْتَدُّ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسٍ مِنْ نَادِي قَوْمِهِ بِوَظِيفِ حِمَارٍ، فَضَرَبَهُ فَصَرَعَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثَهُ بِأَمْرِهِ فَقَالَ أَلَا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ؟ يَا هَذَا لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ امْرَأَةً وَقَعَ عَلَيْهَا رَجُلٌ فِي سَوَادِ الصُّبْحِ وَهِيَ تَعْمِدُ إلَى الْمَسْجِدِ عَنْ كُرْهِ نَفْسِهَا، فَاسْتَغَاثَتْ بِرَجُلٍ مَرَّ عَلَيْهَا وَفَرَّ صَاحِبُهَا، ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهَا قَوْمٌ ذَوُو عَدَدٍ، فَاسْتَغَاثَتْ بِهِمْ، فَأَدْرَكُوا الَّذِي اسْتَغَاثَتْ بِهِ، وَسَبَقَهُمْ الْآخَرُ، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا، وَأَخْبَرَهُ الْقَوْمُ: أَنَّهُمْ أَدْرَكُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ: إنَّمَا كُنْتُ أَغَثْتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَأَدْرَكَنِي هَؤُلَاءِ فَأَخَذُونِي، قَالَتْ: كَذَبَ، هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ فَقَالَ: لَا تَرْجُمُوهُ وَارْجُمُونِي أَنَا الَّذِي فَعَلْتُ بِهَا الْفِعْلَ، فَاعْتَرَفَ، فَاجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي أَغَاثَهَا، وَالْمَرْأَةُ، فَقَالَ أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، وَقَالَ لِلَّذِي أَغَاثَهَا قَوْلًا حَسَنًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَرْجُمُ الَّذِي اعْتَرَفَ بِالزِّنَى؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا، إنَّهُ قَدْ تَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ لَوْ تَابَهَا أَهْلُ مَدِينَةِ يَثْرِبَ لَقُبِلَ مِنْهُمْ» . نا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ نا أَبُو النَّضْرِ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ

أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي مَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ الْهُذَلِيِّ عَنْ «وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَتَى الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: أَصَبْت حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَأَقِمْ فِي حَدَّ اللَّهِ قَالَ: أَلَمْ تُحْسِنْ الطُّهُورَ - أَوْ الْوُضُوءَ - ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا آنِفًا؟ اذْهَبْ فَهِيَ كَفَّارَتُكَ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ نا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ «الْبَاهِلِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ عَلَيَّ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ - وَمَعَهُ الرَّجُلُ - وَتَبِعْتُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ حَدِّي فَإِنِّي أَصَبْتُهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ مَنْزِلِكَ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ وَشَهِدْتَ مَعَنَا الصَّلَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ - أَوْ حَدَّكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ - وَفِيهِ " إنِّي زَنَيْت " كَمَا ثنا الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْأَسَدِيُّ التَّمِيمِيُّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَصِيلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّوَّافُ نا أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ رَوْحٍ الْبَرْذَنْجِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ نا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَفَّرَ عَنْكَ بِصَلَاتِكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالُوا: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] قَالُوا: فَصَحَّ النَّصُّ مِنْ الْقُرْآنِ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ حَدَّ الْمُحَارَبَةِ تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْحُدُودِ مِنْ: الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا حُدُودٌ وَقَعَتْ التَّوْبَةُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَهْلِهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ. وَاحْتَجُّوا: بِمَا ناه حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرُ - هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ - نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ حَدَّثَهُ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَقَالَتْ: إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، هَلْ وَجَدْتَ شَيْئًا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا؟» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى نا دَاوُد بْنُ أَبِي نَضْرَةَ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ: مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي أَصَبْتُ فَاحِشَةً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِرَارًا ثُمَّ سَأَلَ قَوْمَهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا - فَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَفِيهِ - فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَرْجُمَهُ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرْقَتَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ: هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلُ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ، إنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ فَقَالَ: اُقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ، قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ - أَوْ ثَلَاثَةً - ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ جُلُوسٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَقَالُوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي

قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - فَجَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَأَنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا؟ فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى، قَالَ أَمَّا الْآنَ فَاذْهَبِي وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ - فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ - وَفِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ - فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا - فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّهُ إيَّاهَا، فَقَالَ: مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ» . قَالُوا: فَهَذَا مَاعِزٌ قَدْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الرَّجْمِ بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَبِأَنَّهَا مَقْبُولَةٌ - وَهَذِهِ الْغَامِدِيَّةُ، وَالْجُهَيْنِيَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَدْ تَابَتَا أَتَمَّ تَوْبَةٍ وَأَصَحَّهَا، مَقْبُولَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ تُسْقِطْ هَذِهِ التَّوْبَةُ عَنْهُمْ الْحَدَّ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ أَيْضًا «حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ قَذَفُوا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ [فَنَتْبَعَهُ] بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ: فَنَظَّرْنَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى الْحُدُودَ سَاقِطَةً بِالتَّوْبَةِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَاهُ مُرْسَلًا، فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيث عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، فَوَجَدْنَاهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، شَهِدَ بِذَلِكَ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، فَسَقَطَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، فَوَجَدْنَا الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَاهِلِيِّ، فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.

فَإِنْ قِيلَ: وَقَدْ رَوَيْتُمُوهُ بِأَنَّ فِيهِ زَيْنَبَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَفِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ رِجَالُهُ، ثُمَّ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ دُونَ عِلَّةٍ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ فِيهِ وُجُوهًا تَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ: أَحَدُهَا - أَنَّ مُمْكِنًا أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ حَدِّ الزِّنَى ثُمَّ نَزَلَ حَدُّ الزِّنَى فَكَانَ الْحُكْمُ لِإِيجَابِ الْحَدِّ. فَإِنْ قِيلَ: وَمُمْكِنٌ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نُزُولِ حَدِّ الزِّنَى ثُمَّ نَزَلَ حَدُّ الزِّنَى فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ وَيَكُونُ نَاسِخًا لِمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ وَالْجُهَيْنِيَّةِ؟ قُلْنَا: إنَّ الْوَاجِبَ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالزَّائِدِ وَالزَّائِدُ: هُوَ الَّذِي جَاءَ بِحُكْمٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فِي مَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَكَانَ مَعْهُودُ الْأَصْلِ بِلَا شَكٍّ: أَنْ لَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ - تَائِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ تَائِبٍ - فَجَاءَ النَّصُّ: بِإِيجَابِ الْحُدُودِ جُمْلَةً، وَكَانَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ زَائِدَةً عَلَى مَعْهُودِ الْأَصْلِ، وَجَاءَ حَدِيثُ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ، فَكَانَ مَا فِيهَا مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى التَّائِبِ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ التَّائِبِ - هَذَا لَوْ كَانَ فِي حَدِيثِهِمْ أَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ؟ وَإِنَّمَا فِيهِ إسْقَاطُ الْحَدِّ بِصَلَاتِهِ فَقَطْ، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ [بَلْ هُمْ يُخَالِفُونَ لِهَذَا الْحُكْمِ] فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَبِتِلْكَ الْأَخْبَارِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: هَبْكُمْ أَنَّ حَدَّ الزِّنَى قَدْ وَجَدْتُمْ فِيهِ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ: إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ تَابَ، فَمِنْ أَيْنَ لَمْ تُسْقِطُوا حَدَّ السَّرِقَةِ، وَحَدَّ الْخَمْرِ بِالتَّوْبَةِ؟ وَلَا نَصَّ مَعَكُمْ فِي إقَامَتِهَا عَلَى التَّائِبِ مِنْهَا؟ قُلْنَا: إنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ جُمْلَةً بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْخَمْرِ، وَالزِّنَى، وَالْقَذْفِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَعَالَى تَائِبًا مِنْ غَيْرِ تَائِبٍ، وَلَمْ يَصِحَّ نَصٌّ أَصْلًا بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ التَّائِبِ، فَإِذَا الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ التَّائِبُ مِنْ عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ بِالرَّأْيِ، وَالْقِيَاسِ دُونَ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، فَهَذِهِ عُمْدَتُنَا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى التَّائِبِ وَغَيْرِ التَّائِبِ. وَإِنَّمَا حَدِيثُ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ: مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ فَقَطْ، وَلَوْ لَمْ

يَأْتِ مَا احْتَجْنَا إلَيْهَا مَعَ الْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» . وَمَعَ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَمَعَ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . وَمَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» الْحَدِيثَ.

فَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَمَرَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تَائِبًا مِنْ غَيْرِهِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . ثُمَّ نَظَرْنَا أَيْضًا فِي احْتِجَاجِهِمْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ عَذَابَ الْآخِرَةِ - وَهُوَ الْعَذَابُ الْأَكْبَرُ - فَإِذَا أَسْقَطَتْ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ فَأَحْرَى وَأَوْجَبُ أَنْ تُسْقِطَ الْعَذَابَ الْأَقَلَّ، الَّذِي هُوَ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا فَوَجَدْنَا هَذَا كُلَّهُ لَازِمًا لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ - بِزَعْمِهِمْ - وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا مَا مِنْ الدَّهْرِ لَكَانَتْ هَذِهِ الْمَقَايِيسُ أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ. وَأَيْنَ هَذَا مِنْ قِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ: الْحَدِيدُ عَلَى الذَّهَبِ فِي الرِّبَا، وَغَزْلُ الْقُطْنِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الرِّبَا، وَقِيَاسِهِمْ فَرْجَ الزَّوْجَةِ عَلَى يَدِ السَّارِقِ، وَسَائِرِ قِيَاسَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا تُعْقَلُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا يَلْزَمُنَا هَذَا، لِأَنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَعَذَابُ الْآخِرَةِ غَيْرُ عَذَابِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ إذَا سَقَطَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ الْآخَرُ، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَعَاصِي لَيْسَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا حَدٌّ، كَالْغَصْبِ - وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: يَا كَافِرُ - وَكَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ عِقَابٌ، بَلْ فِيهَا أَعْظَمُ الْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ.

فَصَحَّ أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] إلَى قَوْله تَعَالَى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] فَوَجَدْنَاهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسْقِطْ الْحَدَّ بِالتَّوْبَةِ مُطْلَقَةً، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ (إلَّا الَّذِينَ تَابُوا) وَلَمْ يَقُلْ " مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ " فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 52] بَيَّنَ لَنَا تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ بَعْدِ الْجَلْدِ ثَمَانِينَ، وَاسْتِحْقَاقُ اسْمِ الْفُسُوقِ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، لَا قَبْلَ الْجَلْدِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّمَا سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الْجَلْدِ مَا عَدَا الْجَلْدَ، لِأَنَّ الْجَلْدَ قَدْ نَفَذَ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَهُ بِالتَّوْبَةِ إلَّا الْفِسْقُ، وَحُكْمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَقَطْ. وَأَيْضًا: فَبَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِسْطَحَ بْنِ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ. وَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِهَا مَا عَدَا الْحَدَّ - وَهُوَ الْفِسْقُ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ فَقَطْ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ بِهِ - وَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ، حَاشَا حَدِّ الْحِرَابَةِ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِسُقُوطِهَا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ - وَأَمَّا بِالتَّوْبَةِ الْكَائِنَةِ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ حَدُّ الْمُحَارَبَةِ أَصْلًا، لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُسْقِطْ الْحَدَّ عَنْهُمْ إلَّا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ، وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى إنْفَاذِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالدَّلِيلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يَقُلْ مَا هُوَ؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ حَدٌّ فِيهِ الْجَلْدُ فَقَطْ: لَمْ يَقُمْ أَيْضًا جَلْدٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ حَدٌّ يُوجِبُ جَلْدًا - وَلَيْسَ كَمَا يُظَنُّ - فَإِذْ هُوَ مُمْكِنٌ فَلَا يَحِلُّ لَنَا بَشَرَتُهُ بِإِحْلَالِهِ لَنَا إيَّاهَا، لِأَنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا قَبْلَ إحْلَالِهِ الْفَاسِدِ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً قَالَ لِآخَرَ: اضْرِبْنِي فَقَدْ أَحْلَلْت لَك بَشَرَتِي؟ لَمْ يَحِلَّ ضَرْبُهُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ مِنْ نَفْسِهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، وَلَا أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهَا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى.

مسألة السجن في التهمة

وَلَوْ قَالَ مَنْ صَحَّ عَلَيْهِ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ، أَوْ الزِّنَى، أَوْ الْخَمْرِ: قَدْ حَرَّمْت عَلَيْكُمْ بَشَرَتِي، لَكَانَ كَلَامُهُ هَذْرًا وَلَغْوًا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَحَلَّ لِآخَرَ قَتْلَ نَفْسِهِ أَوْ قَطْعَ يَدِهِ أَوْ أَحَلَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا لِأَجْنَبِيٍّ. أَوْ حَرَّمَ الرَّجُلُ فَرْجَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ حَرَّمَتْ هِيَ فَرْجَهَا عَلَيْهِ، لَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلًا، وَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] فَإِنْ قَالَ عَلَيَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَدٌّ يُوجِبُ: إمَّا زِنًا، وَإِمَّا قَذْفًا، وَإِمَّا شُرْبَ خَمْرٍ، فَهَذَا لَمْ يُحَقِّقْ وَلَا أَقَرَّ إقْرَارًا صَحِيحًا - وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدُّ الْخَمْرِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ. وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَزْدَادَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالشَّكِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْلَدَ شَيْئًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَا هُوَ الْحَدُّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَيَصِفَهُ وَصَفًّا تَامًّا. [مَسْأَلَة السِّجْنُ فِي التُّهْمَةِ] 2172 - مَسْأَلَةٌ: السِّجْنُ فِي التُّهْمَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَالَ قَوْمٌ: بِالسِّجْنِ فِي التُّهْمَةِ؟ وَاحْتَجُّوا: بِمَا ثنا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَاتِمٍ الطَّوِيلُ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ احْتِيَاطًا، أَوْ قَالَ: اسْتِظْهَارًا: يَوْمًا وَلَيْلَةً» . وَبِهِ - إلَى قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ نا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسًا مِنْ قَوْمِهِ فِي تُهْمَةٍ فَحَبَسَهُمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عَلَى مَا تَحْبِسُ جِيرَتِي؟ فَصَمَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إنَّكَ لَتَنْهَى عَنْ الشَّيْءِ وَتَسْتَخْلِي بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا

يَقُولُ؟ فَجَعَلْتُ أَعْرِضُ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَهَا فَيَدْعُوَ عَلَى قَوْمِي دَعْوَةً لَا يُفْلِحُونَ بَعْدَهُ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى فَهِمَهَا؟ قَالَ: قَدْ قَالُوهَا؟ وَقَالَ قَائِلُهَا مِنْهُمْ: وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَ عَلَيَّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ، خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ» . وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَتَّى نَزَلَا مَنْزِلًا بِضَجِنَانَ مِنْ مِيَاهِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَهَا نَاسٌ مِنْ غَطَفَانَ مَعَهُمْ ظَهْرٌ لَهُمْ، فَأَصْبَحَ الْغَطَفَانِيُّونَ قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِهِمْ فَاتَّهَمُوا بِهِمَا الْغِفَارِيِّينَ، فَأَقْبَلُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرُوا أَمْرَهُمْ، فَحَبَسَ أَحَدَ الْغِفَارِيِّينَ، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبْ فَالْتَمِسْ؟ فَلَمْ يَكُنْ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ الْغِفَارِيِّينَ - حَسِبْتُ أَنَّهُ الْمَحْبُوسُ - اسْتَغْفِرْ لِي؟ فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: وَلَكَ وَقَتَلَكَ فِي سَبِيلِهِ، قَالَ: فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَهَبَ إلَى هَذَا قَوْمٌ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كِتَابًا قَرَأْته: إذَا وُجِدَ الْمَتَاعُ مَعَ الرَّجُلِ الْمُتَّهَمِ فَقَالَ: ابْتَعْته فَاشْدُدْهُ فِي السِّجْنِ وَثَاقًا، وَلَا تَحُلُّهُ بِكِتَابِ أَحَدٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ فِيهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ فَأَنْكَرَهُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ - إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْحَبْسِ بِالتُّهْمَةِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: انْطَلَقْت فِي رَكْبٍ حَتَّى إذَا جِئْنَا ذَا الْمَرْوَةِ سُرِقَتْ عَيْبَةٌ لِي، وَمَعَنَا رَجُلٌ مُتَّهَمٌ، فَقَالَ أَصْحَابِي: يَا فُلَانُ اُرْدُدْ عَلَيْهِ عَيْبَتَهُ؟ فَقَالَ: مَا أَخَذْتهَا: فَرَجَعْت إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَعَدَدْتهمْ، فَقَالَ: أَظُنُّهَا صَاحِبُهَا لِلَّذِي أَتَّهِمُ؟ فَقُلْت: لَقَدْ أَرَدْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ مُصَفَّدًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَتَأْتِي بِهِ مَصْفُودًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، لَا أَكْتُبُ لَك فِيهَا، وَلَا أَسْأَلُك عَنْهَا، وَغَضِبَ وَمَا كَتَبَ لِي فِيهَا، وَلَا سَأَلَ عَنْهَا، فَأَنْكَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُصَفَّدَ أَحَدٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ لَا حُجَّةَ

فِي شَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ خُثَيْمٍ ضَعِيفٌ، وَبَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَحَدِيثَ عِرَاكٍ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْحَبْسِ لِاسْتِغْفَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ «الْمَرْأَةِ الْغَامِدِيَّةِ الَّتِي قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَهِّرْنِي، قَالَ: وَيْحَكِ، ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ، قَالَتْ: لَعَلَّك تَرُدُّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَتْ: إنِّي حُبْلَى مِنْ الزِّنَى، قَالَ: أَثَيِّبٌ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا نَرْجُمَنَّكِ حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةِ قَالَ: إذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: إلَيَّ رَضَاعُهُ، فَرَجَمَهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجِنْهَا وَلَا أَمَرَ بِذَلِكَ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَحِيَاطَتَهَا فَقَطْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ مَنْسُوخٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ رَأَى السِّجْنَ حُجَّةٌ، فَالْوَاجِبُ طَلَبُ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِسَجْنِهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهُ شَيْءٌ، أَوْ يَكُونَ قَدْ صَحَّ قَبْلَهُ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِّ، فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِقَتْلٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ شُرْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَلَا يَحِلُّ سَجْنُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَّهَمُونَ بِالْكُفْرِ - وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ - فَمَا حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ أَحَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة فيمن أصاب حدا مرتين فصاعدا

[مَسْأَلَة فِيمَنْ أَصَابَ حَدًّا مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، كَمَنْ زَنَى مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فِي ذَلِكَ، أَوْ قَذَفَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فِي ذَلِكَ، أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، أَوْ سَرَقَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ فِي ذَلِكَ، أَوْ جَحَدَ عَارِيَّةً مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ أَوْ حَارَبَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ فَقَطْ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَدٌّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ؟ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: لِكُلِّ فِعْلَةٍ حَدٌّ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَقَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ قَالُوا: فَوَجَبَ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ زَنَى الْجَلْدُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَعَلَى مَنْ سَرَقَ قَطْعُ يَدِهِ، وَعَلَى مَنْ قَذَفَ الْجَلْدُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَعَلَى مَنْ

شَرِبَ الْخَمْرَ الْجَلْدُ الْمَأْمُورُ بِهِ، فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ مَتَى زَنَى ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ، وَإِذَا سَرَقَ ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ قَطْعٌ ثَانٍ، وَإِذَا قَذَفَ ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ، وَإِذَا شَرِبَ ثَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ ثَانٍ وَلَا بُدَّ - وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الْآيَةَ. وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» فَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَيَكْفُرُ مَنْ أَنْكَرَ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: فَاسْتَقَرَّ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ، فَهَذَا وَهْمُ أَصْحَابِنَا، وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا، لَكِنْ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ بِنَفْسِ الزِّنَى، وَلَا بِنَفْسِ الْقَذْفِ، وَلَا بِنَفْسِ السَّرِقَةِ، وَلَا بِنَفْسِ الشُّرْبِ، لَكِنْ حَتَّى يَسْتَضِيفَ إلَى ذَلِكَ مَعْنًى آخَرَ - وَهُوَ ثَبَاتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، إمَّا بِعِلْمِهِ، وَإِمَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، وَإِمَّا بِإِقْرَارِهِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ، لَا جَلْدٌ، وَلَا قَطْعٌ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الْحُدُودُ الْمَذْكُورَةُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ لَكَانَ فَرْضًا عَلَى مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ مِمَّا لَزِمَهُ، أَوْ أَنْ يُعَجِّلَ الْمَجِيءَ إلَى الْحَاكِمِ فَيُخْبِرَهُ بِمَا عَلَيْهِ لِيُؤَدِّيَ مَا لَزِمَهُ فَرْضًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا فِي بَشَرَتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا بِلَا خِلَافٍ. أَمَّا إقَامَتُهُ الْحَدَّ عَلَى نَفْسِهِ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِسَارِقٍ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ نَفْسِهِ، بَلْ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ كَانَ الْحَدُّ فَرْضًا وَاجِبًا بِنَفْسِ فِعْلِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا جَازَ لَهُ تَرْكُ الْإِقْرَارِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، لِيُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ. وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْأَئِمَّةَ وَوُلَاتَهُمْ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَنْ جَنَاهَا، وَبِيَقِينِ الضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِكُلِّ زِنًا يَزْنِيهِ، وَكُلِّ قَذْفٍ يَقْذِفُهُ، وَكُلِّ شُرْبٍ

يَشْرَبُهُ، وَكُلِّ سَرِقَةٍ يَسْرِقُهَا، وَكُلِّ حِرَابَةٍ يُحَارِبُ، وَكُلِّ عَارِيَّةٍ يَجْحَدُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى مَنْ زَنَى مَرَّةً، أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ - إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ - جَلْدَ مِائَةٍ، وَعَلَى الْقَاذِفِ، وَالسَّارِقِ، وَالْمُحَارِبِ، وَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَالْجَاحِدِ مَرَّةً، وَأَلْفَ مَرَّةٍ حَدًّا وَاحِدًا، إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيعٌ مِنْ الْإِمَامِ، أَوْ أَمِيرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، ثُمَّ شَرَعَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فَوَقَعَتْ ضَرُورَةٌ مَنَعَتْ مِنْ إتْمَامِهِ فَوَاقَعَ فِعْلًا آخَرَ مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ، فَقَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ: يَسْتَتِمُّ عَلَيْهِ الْحَدَّ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الثَّانِي وَلَا بُدَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْحَدَّ كُلَّهُ قَدْ وَجَبَ بِعِلْمِ الْإِمَامِ، أَوْ أَمِيرِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إقَامَةِ جَمِيعِ الْحَدِّ، ثُمَّ أَحْدَثَ ذَنْبًا آخَرَ، فَلَا يَجْزِي عَنْهُ حَدٌّ قَدْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ عَنْ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ زَنَى مَرَّاتٍ، أَوْ شَرِبَ مَرَّاتٍ، أَوْ قَذَفَ مَرَّاتٍ إنْسَانًا وَاحِدًا، أَوْ سَرَقَ مَرَّاتٍ، أَوْ حَارَبَ مَرَّاتٍ - وَعَلِمَ الْإِمَامُ كُلَّ ذَلِكَ - وَقَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يُحَدَّ حَتَّى وَاقَعَ مَا ذَكَرْنَا، فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ إلَّا حَدًّا وَاحِدًا، مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَوَطِئَ أَيَّامًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةً؟ وَمَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ؟ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إنْ ظَاهَرَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فَإِنَّ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةً؟ وَقَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ: إنَّ مَنْ أَصَابَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ - صُيُودًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ جَزَاءٌ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لَوْ أَصَابَ صَيْدًا وَاحِدًا - وَهُوَ قَارِنٌ - فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ. فَإِنْ ادَّعَوْا فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ إجْمَاعًا: ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ، أَوْ كَذِبُهُ، لِأَنَّ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ وَغَيْرَهُ - مِنْهُمْ - يَرَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ جَمِيعَ أَيَّامِ

مسألة فيمن أصاب حدا ثم لحق بالمشركين أو ارتد

شَهْرِ رَمَضَانَ - وَلَمْ يُكَفِّرْ - فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ - وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ - عَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - لِأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْهُ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ صَوْمٌ وَاحِدٌ، مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ جَمِيعِهِ يَقْضِي شَهْرًا، وَلَا بُدَّ، وَمَنْ أَفْطَرَهُ كُلَّهُ فَعَلَيْهِ شَهْرٌ وَاحِدٌ أَيْضًا وَلَا مَزِيدَ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ لَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ أَوْ ارْتَدَّ] 2174 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ لَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ أَوْ ارْتَدَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى الشِّرْكِ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَالْعَبْدُ هَاهُنَا كُلُّ حُرٍّ وَعَبْدٍ، فَكُلُّنَا عَبِيدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ، هَذَا أَقَلُّ أَحْوَالِهِ إنْ سَلِمَ مِنْ الرِّدَّةِ بِنَفْسِ فِرَاقِهِ جَمَاعَةَ الْإِسْلَامِ، وَانْحِيَازِهِ إلَى أَرْضِ الشِّرْكِ:

بِمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ ثنا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعْدٍ الْمِهْرَانِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا فِي " كِتَابِ الرِّدَّةِ " مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاهُنَا مَعَ ذِكْرِ الْعَبْدِ الْآبِقِ، فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الْمَمَالِيكَ فَقَطْ؟ قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: لَيْسَ الْإِبَاقُ لَفْظًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمَمَالِيكِ الَّذِينَ لَنَا فَقَطْ، بَلْ كُلُّ مَنْ هَرَبَ عَنْ سَيِّدِهِ وَمَالِكِهِ فَهُوَ آبِقٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَالِكُ الْجَمِيعِ، وَالْكُلُّ عَبِيدُهُ وَمَمَالِيكُهُ، فَمَنْ هَرَبَ عَنْ جَمَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى دَارِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى دَارِ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ آبِقٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ - إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات: 139 - 140] فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِعْلَ يُونُسَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حُرٌّ بِلَا خِلَافٍ - إذْ فَرَّ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ تَعَالَى إبَاقًا - فَصَحَّ أَنَّ الْإِبَاقَ لِكُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ وَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا؟ فَأَبَقَ غُلَامٌ لِجَرِيرٍ فَأَخَذَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يُسْقِطُ عَنْ اللَّاحِقِ بِالْمُشْرِكِينَ لِحَاقُهُ بِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي أَصَابَهَا قَبْلَ لِحَاقِهِ، وَلَا الَّتِي أَصَابَهَا بَعْدَ لِحَاقِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْحُدُودَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَرْسَلَهَا وَلَمْ يُسْقِطْهَا. وَكَذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنْ الْمُرْتَدِّ، وَلَا عَنْ الْمُحَارِبِ، وَلَا عَنْ الْمُمْتَنِعِ، وَلَا عَنْ الْبَاغِي، إذَا قُدِرَ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَيْهِمْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ إعْنَاتًا لَنَا، وَلَا أَهْمَلَهُ، وَلَا أَغْفَلَهُ، فَإِذْ لَمْ يُعْلِمْنَا بِذَلِكَ فَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَرَادَ قَطُّ إسْقَاطَ حَدٍّ أَصَابَهُ لَاحِقٌ بِالشِّرْكِ قَبْلَ لِحَاقِهِ، أَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِهِمْ، أَوْ أَصَابَهُ مُرْتَدٌّ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا فَمُخْطِئٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِإِسْقَاطِهِ، وَهُوَ مَا أَصَابَهُ أَهْلُ الْكُفْرِ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَتَذَمَّمُوا أَوْ يُسَلِّمُوا فَقَطْ، فَهَذَا خَارِجٌ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، فَلَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا سَلَف لَهُمْ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ زِنًا، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] . فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ بِلَا شَكٍّ فَإِذْ هُوَ مِنْهُمْ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ. وَذَكَرُوا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ - يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيلَ - أَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ شُمَامَةَ الْمَهْرِيِّ ثنا مُضَرٌ ثنا «عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ يَبْكِي طَوِيلًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قَالَ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: اُبْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، فَقَبَضْتُ يَدِي فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، فَقَالَ: تَشْتَرِطُ مَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْكَلَامِ

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، لِإِبْرَاهِيمَ بْنُ دِينَارٍ - وَاللَّفْظُ لِإِبْرَاهِيمَ - قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً؟ فَنَزَلَ {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْلِهِ {يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] ، و {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] الْآيَةَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَمَامُ الْآيَةِ الْأُولَى إلَى قَوْله {حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] . وَالْأُخْرَى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] . وَكُلُّ هَذَا حَقٌّ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] الْآيَةَ، فَنَعَمْ، هَكَذَا نَقُولُ، وَلَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا هِيَ مَسْأَلَتُنَا، وَإِنَّمَا مَسْأَلَتُنَا: هَلْ تُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ السَّالِفَةُ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ هَذَا حُكْمٌ أَصْلًا لَا بِنَصٍّ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا مِنْ السُّنَّةِ، وَأَنَّ التَّائِبَ مِنَّا مَغْفُورٌ لَهُ، وَأَنَّ مَاعِزًا مَغْفُورٌ لَهُ وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةَ: مَغْفُورٌ لَهُمَا بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ تُسْقِطْ عَنْهُمْ مَغْفِرَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ ذَنْبَهُمْ: حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا أَسْقَطَتْ مَغْفِرَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْحَدُّ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ مَعَ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ أَقَامَ عَلَيْهِمْ حَدَّ الزِّنَى الَّذِي قَدْ غَفَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ. وَقَدْ جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِسْطَحَ بْنَ أُثَاثَةَ فِي الْقَذْفِ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ وَجَلَدَ النُّعْمَانَ فِي الْخَمْرِ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ، وَجَلَدَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ، كُلُّ مَا فَعَلَ فِي الْخَمْرِ، وَلَوْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ لَحَدَّهُ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ مَا قَدْ فَعَلَ - فَصَحَّ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ الْوَاجِبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا وَقَالَ:

إنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحُدُودَ كُلَّهَا خَالَفَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ذَكَرْنَا، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لِذَلِكَ قَبْلَ هَذَا بِأَبْوَابٍ يَسِيرَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إسْقَاطُ الْحُدُودِ عَلَى مَنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ، أَوْ ارْتَدَّ، وَإِنَّمَا فِيهَا: أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ. فَإِنْ قَالُوا: بَلَى، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْهُمْ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِمْ؟ قُلْنَا: لَهُمْ هَذَا وَاضِحٌ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: إجْمَاعُكُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ، بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ الْكِتَابِيِّ الَّذِي يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ إذَا أَدَّى الْجِزْيَةَ صَاغِرًا وَتَذَمَّمَ، وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ جِزْيَةٌ أَصْلًا عِنْدَكُمْ، وَأَنَّهُ لَا تُنْكَحُ الْمُرْتَدَّةُ بِخِلَافِ الْمُشْرِكَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ الْكِتَابِيِّ، وَلَا يُسْتَرَقُّ الْمُرْتَدُّ إنْ سُبِيَ كَمَا يُسْتَرَقُّ الْمُشْرِكُ إنْ سُبِيَ - فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِبُطْلَانِ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ فَأَبْطَلْتُمْ أَنْ يُقَاسَ الْمُرْتَدُّ عَلَى الْكَافِرِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ لَا تَقِيسُوهُ عَلَيْهِمْ فِي سُقُوطِ الْحُدُودِ، فَهُوَ أَحْوَطُ لِقِيَاسِكُمْ، وَلَاحَ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - لَا النَّصَّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ اتَّبَعُوا، وَلَا الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَلَا تَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ مِنْ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ فَقَطْ - وَهَذَا حَقٌّ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا يُسْتَرَقُّ إجْمَاعًا: دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَهْلِ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ أَوْ كَذِبِهِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَعَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ إنْ ارْتَدَّ إلَى دَيْنٍ صَابِئٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْتَدَّةَ إذَا لَحِقَتْ بِأَرْضِ الْحَرْبِ سُبِيَتْ وَاسْتُرِقَّتْ وَلَمْ تُقْتَلْ، وَلَوْ أَنَّهَا هَاشِمِيَّةٌ أَوْ عَبْشَمِيَّةٌ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ: أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ اسْأَلْهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ،

فَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَهَا فَاعْرِضْ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَى فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهَا فَغَلِّظْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَدَعْهُ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ: أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثُمَّ لَمْ يَمْكُثُوا إلَّا قَلِيلًا حَتَّى ارْتَدُّوا؟ فَكَتَبَ فِيهِمْ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ رُدَّ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَدَعْهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَهُوَ عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ حُجَّةً، لِأَنَّ فِيهِ تَسْوِيَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ - وَلَا أَحَدَ نَعْلَمُهُ - فِي أَنَّ الْحَجَّ لَا يُسْقِطُ حَدًّا أَصَابَهُ الْمَرْءُ قَبْلَ حَجِّهِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ، وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ دُونَهُ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَتَحَكَّمُوا فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَيَحْمِلُوا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ» عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يُسْقِطُ الْحُدُودَ الَّتِي وَاقَعَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ إسْلَامِهِ، وَيَجْعَلُ الْحَجَّ لَا يُسْقِطُهَا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَجِيئًا وَاحِدًا، وَأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ ضِدُّ قَوْلِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، فَقَالُوا هُمْ: إنَّ الرِّدَّةَ إلَى الْكُفْرِ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ قِيَاسًا لِلْكُفْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ إلَى الشَّيْطَانِ، وَاللِّحَاقَ بِدَارِ الْكُفْرِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْحُدُودِ، قِيَاسًا عَلَى الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْحَجَّ لَا يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ؟ وَهَذَا عَيْنُ الْعِنَادِ وَالْخِلَافِ وَالْمُكَابَرَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي ثَبَاتِ الْحُدُودِ أَوْ سُقُوطِهَا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي الْمَغْفِرَةِ. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِلذُّنُوبِ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ الْوَاجِبَةَ فِي تِلْكَ الذُّنُوبِ إلَّا حَيْثُ صَحَّ النَّصُّ، وَالْإِجْمَاعُ بِإِسْقَاطِهَا فَقَطْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ يَبْتَدِئُ الْإِسْلَامَ فَقَطْ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْإِسْلَامَ وَالْهِجْرَةَ الصَّادِقَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

مسألة الاستتابة في الحدود

وَأَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ، وَمِنْ صِفَةِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِسْلَامِ الْحَسَنِ، وَالْهِجْرَةِ الصَّادِقَةِ - وَالْحَجِّ الْمَبْرُورِ أَنْ يَتُوبَ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالِ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ سَلَفَ قَبْلَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى نا سُفْيَانُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَحُكْمُ الْإِحْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَسْلَفَهُ أَيَّامَ كُفْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَصَرَّ عَلَى مَعَاصِيهِ: فَمَا أَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ بَلْ أَسَاءَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَهْجُرْ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَلَيْسَ تَامَّ الْهِجْرَةِ - وَكُلُّ حَجٍّ أَصَرَّ صَاحِبُهُ عَلَى الْمَعَاصِي فِيهِ فَلَمْ يُوفِ حَقَّهُ مِنْ الْبِرِّ، فَلَيْسَ مَبْرُورًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحُدُودِ] 2175 - مَسْأَلَةٌ: الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحُدُودِ وَتَرْكُ سَجْنِهِ؟ حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَضَرْت عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ جَلَدَ إنْسَانًا الْحَدَّ فِي فِرْيَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ: إنَّ مِنْ الْأَمْرِ أَنْ يُسْتَتَابَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِلْمَجْلُودِ: تُبْ، فَحَسِبْته أَنَّهُ قَالَ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ كُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، أَوْ زَنَى، أَوْ افْتَرَى، أَوْ شَرِبَ، أَوْ سَرَقَ، أَوْ حَارَبَ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: سُنَّةُ الْحَدِّ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ جَلْدِهِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إنْ قَالَ: قَدْ تُبْت - وَهُوَ غَيْرُ رَضِيٍّ - لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا نَقُولُ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ

مُذْنِبٍ، وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى التَّوْبَةِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [التحريم: 8] الْآيَةَ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ حَرَامًا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا الْمُتَيَقَّنِ: فَالتَّوْبَةُ وَالْإِقْلَاعُ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] . وَقَالَ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] الْآيَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُفْتَرَضُ سُلُوكُهَا وَكَانَتْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ: كَانَ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَدْعُوَ إلَيْهَا بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَاسْتِتَابَةُ الْمُذْنِبِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فَالْمُسَارَعَةُ إلَى الْفَرْضِ فَرْضٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَتِبْهُ الْإِمَامُ، أَوْ مَنْ حَضَرَهُ إلَّا حَتَّى أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَوَاجِبٌ أَنْ يُسْتَتَابَ بَعْدَ الْحَدِّ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا - فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ أُطْلِقَ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ أَصْلًا، لِأَنَّهُ قَدْ أُخِذَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ الَّذِي لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَهُ سِوَاهُ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّه تَعَالَى، وَهَذَا حَرَامٌ. 2176 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ: لَا أَتُوبُ، فَقَدْ أَتَى مُنْكَرًا، فَوَاجِبٌ أَنْ يُعَزَّرَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي " كِتَابِ التَّعْزِيرِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» فَيَجِبُ أَنْ يُضْرَبَ أَبَدًا حَتَّى يَتُوبَ، هَذَا إنْ صَرَّحَ بِأَنْ لَا يَتُوبَ، فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى مَنِيَّتِهِ، فَذَلِكَ عَقِيرَةُ اللَّهِ، وَقَتِيلُ الْحَقِّ، لَا شَيْءَ عَلَى مُتَوَلِّي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَحْسَنُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ: أَتُوبُ، وَلَا: لَا أَتُوبُ، فَوَاجِبٌ حَبْسُهُ وَإِعَادَةُ الِاسْتِتَابَةِ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَنْطِقَ بِالتَّوْبَةِ، فَيُطْلَقَ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْهُ الذَّنْبُ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَلَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ إلَّا بِنُطْقِهِ بِهَا، فَهُوَ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهَا وَبِالْإِصْرَارِ: فَمُمْكِنٌ أَنْ يَتُوبَ فِي نَفْسِهِ، وَمُمْكِنٌ أَنْ لَا يَتُوبَ، فَلَمَّا كَانَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُمْكِنًا لَمْ يَحِلَّ ضَرْبُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُنْكَرٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ تَسْرِيحُهُ، لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ دُعَاؤُهُ إلَى التَّوْبَةِ حَتَّى يَتُوبَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إمْسَاكِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى تَابَ ثُمَّ وَاقَعَ الذَّنْبَ أَوْ غَيْرَهُ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَانِ مُرْسَلَانِ فِي أَنَّهُ اسْتَتَابَ السَّارِقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ، كِلَاهُمَا: عَنْ أَبِي خَصْفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ ثَوْبَانَ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ أَيُّوبُ، وَابْنُ ثَوْبَانَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا سَرَقَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا إخَالُهُ، أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبُوا فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ احْسِمُوهَا، ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، فَأَتَوْهُ بِهِ، فَقَالَ: إنِّي أَتُوبُ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ» . وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «قَطَعَ رَجُلًا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَحُسِمَ قَالَ لَهُ تُبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّ السَّارِقَ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَقَعَتْ فِي النَّارِ، فَإِنْ عَادَ تَبِعَهَا، وَإِنْ تَابَ اسْتَشَالَهَا» . قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَقُولُ اسْتَشَالَهَا اسْتَرْجَعَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَانِ مُرْسَلَانِ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا أَوْرَدْنَا مِنْ النُّصُوصِ قَبْلُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُمَا لِئَلَّا يُمَوِّه مُمَوِّهٌ بِمَا فِيهِمَا مِنْ الِاسْتِتَابَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة الامتحان في الحدود وغيرها بالضرب أو السجن أو التهديد

[مَسْأَلَةٌ الِامْتِحَانُ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا بِالضَّرْبِ أَوْ السِّجْنِ أَوْ التَّهْدِيدِ] ِ؟ قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَحِلُّ الِامْتِحَانُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ بِضَرْبٍ، وَلَا بِسَجْنٍ، وَلَا بِتَهْدِيدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ، إلَّا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ النُّصُوصِ بَلْ قَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ، وَالْعِرْضَ، فَلَا يَحِلُّ ضَرْبُ مُسْلِمٍ، وَلَا سَبُّهُ إلَّا بِحَقٍّ أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ، أَوْ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ. وَقَالَ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ مُسْلِمًا مِنْ الْمَشْيِ فِي الْأَرْضِ بِالسَّجْنِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ. وَأَمَّا مَنْ صَحَّ قِبَلَهُ حَقٌّ وَلَوَاهُ وَمَنَعَهُ، فَهُوَ ظَالِمٌ قَدْ تُيُقِّنَ ظُلْمُهُ، فَوَاجِبٌ ضَرْبُهُ أَبَدًا حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا عَلَيْهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» وَلِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِجَلْدِ عَشْرَةٍ فَأَقَلَّ فِيمَا دُونَ الْحَدِّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي " بَابِ التَّعْزِيرِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ يُعْلَمُ مَكَانُهُ، لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَنْ كُلِّفَ إقْرَارًا عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ - وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْجَانِيَ - فَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ، وَمَنْ كَتَمَ الشَّهَادَةَ فَإِنَّهُ فَاسِقٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] . فَإِذْ هُوَ فَاسِقٌ آثِمٌ، فَلَا يَنْتَفِعُ بِقَوْلِهِ، لَا يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَتِهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ مُجَرَّحٌ بِذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَتُبْ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُهَدَّدَ أَحَدٌ، وَلَا أَنْ يُرَوَّعَ بِأَنْ يُبْعَثَ إلَى ظَالِمٍ يَعْتَدِي عَلَيْهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كُلَّ هَذَا حَرَامٌ فِي الذِّمِّيِّ كَمَا هُوَ فِي الْمُسْلِمِ، فَإِنْ ضُرِبَ حَتَّى أَقَرَّ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي هَذَا: مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ

نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ طَارِقًا كَانَ جَعَلَ ثَعْلَبًا الشَّامِيَّ عَلَى الْمَدِينَةِ يَسْتَخْلِفُهُ، فَأَتَى بِإِنْسَانٍ اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَجْلِدُهُ حَتَّى اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ، فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَفْتَاهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تَقْطَعْ يَدَهُ حَتَّى يُبْرِزَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا إقْرَارُهُ فَقَطْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ أَخْذَهُ بِإِقْرَارٍ هَذِهِ صِفَتُهُ لَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ بَشَرَتِهِ وَدَمِهِ بِيَقِينٍ، فَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَإِنْ اسْتَضَافَ إلَى الْإِقْرَارِ أَمْرٌ يَتَحَقَّقُ بِهِ يَقِينًا صِحَّةُ مَا أَقَرَّ بِهِ - وَلَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ صَاحِبُ ذَلِكَ - فَالْوَاجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْقَوَدُ - مَعَ ذَلِكَ - عَلَى مَنْ ضَرَبَهُ - السُّلْطَانَ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - لِأَنَّهُ ضَرَبَهُ ظَالِمًا لَهُ دُونَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ضَرْبٌ - وَهُوَ عُدْوَانٌ - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] الْآيَةَ، وَلَيْسَ ظُلْمُهُ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِغَيْرِهِ، بِمُسْقِطِ حَقِّهِ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي ظُلْمِهِ لَهُ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ، وَيُعْطِي هُوَ مِنْ غَيْرِهِ. وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ، فِي السَّارِقِ يُمْتَحَنُ فَيُخْرِجُ السَّرِقَةَ بِعَيْنِهَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: دَفَعَهَا إلَيَّ إنْسَانٌ أَدْفَعُهَا لَهُ، وَإِنَّمَا اعْتَرَفْتُ لِمَا أَصَابَنِي مِنْ الضَّرْبِ: فَلَا يُقْطَعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ يَقُولُ. وَأَمَّا الْبَعْثَةُ فِي الْمُتَّهَمِ وَإِيهَامُهُ دُونَ تَهْدِيدٍ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ فَحَسَنٌ وَاجِبٌ: «كَبَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ الْيَهُودِيِّ - الَّذِي ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ الَّتِي رَضَّ رَأْسَهَا - فَسِيقَ إلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى اعْتَرَفَ فَأَقَادَ مِنْهُ» . وَكَمَا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ وَأَسَرَّ إلَى أَحَدِهِمْ، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَوَهِمَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ، ثُمَّ دَعَا بِالْآخَرِ فَسَأَلَهُ فَأَقَرَّ، حَتَّى أَقَرُّوا كُلُّهُمْ: فَهَذَا حَسَنٌ، لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهِ، وَلَا ضَرْبَ. وَقَدْ كَرِهَ هَذَا مَالِكٌ، وَلَا وَجْهَ لِكَرَاهِيَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ مَحْظُورٌ، وَهُوَ فِعْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكُرْهُ.

مسألة الشهادة على الحدود

مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مِنْ كَلَامٍ يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ عِنْدَ سُلْطَانٍ إلَّا تَكَلَّمْت بِهِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: السِّجْنُ كَرْهُ، وَالْوَعِيدُ كَرْهُ، وَالْقَيْدُ كَرْهُ، وَالضَّرْبُ كَرْهُ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَا كَانَ ضَرَرًا فِي جِسْمٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ تُوُعِّدَ بِهِ الْمَرْءُ فِي ابْنِهِ، أَوْ أَبِيهِ، أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَهُوَ كَرْهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» . وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» . [مَسْأَلَة الشَّهَادَةُ عَلَى الْحُدُودِ] 2178 - مَسْأَلَةٌ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْحُدُودِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَأْمُرُ بِالشُّهُودِ إذَا شَهِدُوا عَلَى السَّارِقِ أَنْ يَقْطَعُوهُ يَلُونَ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ، لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ، لَكِنْ طَاعَةُ الْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِهِ وَاجِبَةٌ، فَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُهُ الشُّهُودَ، أَوْ غَيْرَهُمْ أَنْ يَقْطَعَهُ لَزِمَتْهُمْ الطَّاعَةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ سَرَقُوا، قَالَ: يُقْطَعُونَ. قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَكَذَا نَقُولُ - وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ، أَوْ أَكْثَرَ، بِقَتْلٍ، أَوْ بِسَرِقَةٍ، أَوْ بِحِرَابَةٍ، أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ بِقَذْفٍ: لَوَجَبَ الْقَوَدُ، وَالْقَطْعُ، وَالْحَدُّ - فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِمْ مُجْتَمَعِينَ، وَبَيْنَ شَهَادَتِهِمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ.

مسألة الشهادة في الحد بعد حين

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عَلَى عُدُولٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ: نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكَذَا وَكَذَا، مِثْلَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِمْ أَوْ شَيْئًا آخَرَ؟ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ أَصْلًا - وَوَجَبَ إنْفَاذُ الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَةِ السَّابِقَيْنِ إلَى الشَّهَادَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمْ بِمَا ذَكَرْنَا قَدْ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُمْ، وَصَحَّتْ جَرْحَتُهُمْ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عَلَيْهِمْ بِمَا شَهِدَا بِهِ، مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، أَوْ بَعْضُ الْمَعَاصِي الَّتِي لَا تُوجِبُ حَدًّا، كَالْغَصْبِ، وَغَيْرِهِ: فَهُوَ مُجَرَّحٌ فَاسِقٌ بِيَقِينٍ، وَلَا شَهَادَةَ لِمُجَرَّحٍ فَاسِقٍ أَصْلًا. فَلَوْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْهُمْ: وَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ تَعُودَ عَدَالَتُهُمْ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا مَقْبُولَتَانِ، وَيَنْفُذُ عَلَى كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهَا الْأُخْرَى، إلَّا أَنَّ كِلْتَا الشَّهَادَتَيْنِ شَهَادَةٌ وَاجِبَةٌ قَبُولُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فِي أَمْرِهِ تَعَالَى بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ شَهِدَتْ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعًا لَمْ تَسْبِقْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ الْأُخْرَى: إمَّا عِنْدَ حَاكِمَيْنِ، وَإِمَّا فِي عَقْدَيْنِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَاحِدٍ، فَهُمَا أَيْضًا شَهَادَتَانِ قَائِمَتَانِ صَحِيحَتَانِ، فَإِنَّ كِلْتَا الشَّهَادَتَيْنِ تَبْطُلُ بِيَقِينٍ لَا شَكٍّ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى، فَلَوْ قَبِلْنَاهُمَا مَعًا، لَكُنَّا قَدْ صِرْنَا مُوقِنِينَ بِأَنَّنَا نُنَفِّذُ الشَّهَادَةَ الْآنَ دَأْبًا حُكْمًا بِشَهَادَةِ فُسَّاقٍ، لِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ مِنْهُمَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَالْجُرْحَةَ عَلَى الْأُخْرَى، وَالْمَنْعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْأُخْرَى. وَلَوْ حَكَمْنَا بِإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مُطَارَفَةً لَكَانَ هَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ تَرْجِيحَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُرَجِّحَ الشَّهَادَةَ هَاهُنَا بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا: فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَجُوزُ. [مَسْأَلَة الشَّهَادَة فِي الْحَدّ بَعْد حين] 2179 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ شَهِدَ فِي حَدٍّ بَعْدَ حِينٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا

قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ نا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ - قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ حِينَ أَصَابَهُ، فَإِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى ضَغَنٍ. قَالَ عَلِيٌّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ زَنَى فِي صِبَاهُ وَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ رَهْطٌ عُدُولٌ، فَلَمْ يَرْفَعُوا أَمْرَهُ، وَلَبِثَ بِذَلِكَ سِنِينَ، وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ، ثُمَّ نَازَعَ رَجُلًا فَرَمَاهُ بِذَلِكَ، وَأَتَى عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَاعْتَرَفَ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ، لَا يَضَعُ الْحَدَّ عَنْ أَهْلِهِ طُولُ زَمَانٍ، وَلَا أَنْ يُحْدِثُ صَاحِبُ ذَلِكَ حُسْنَ هَيْئَةٍ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يُرِيدُ بِصِبَاهُ: سَفَهَهُ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ بِالزِّنَى بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مِقْدَارُ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ شَهْرٌ وَاحِدٌ. وَقَالُوا: إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلَانِ مُسْلِمَانِ حُرَّانِ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ مُدَّةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَضْمَنُ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سَرَقَهُ. وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِشُرْبِ خَمْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ وَرِيحُ الْخَمْرِ تُوجَدُ مِنْهُ، أَوْ وَهُوَ سَكْرَانُ -: أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ - وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ ذَهَابِ الرِّيحِ أَوْ السُّكْرِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا حَمَلُوهُ إلَى الْإِمَامِ فِي مِصْرٍ آخَرَ، فَزَالَ الرِّيحُ أَوْ السُّكْرُ فِي الطَّرِيقِ: فَإِنَّهُ يُحَدُّ. وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِقَذْفٍ أَوْ جِرَاحَةٍ حُدَّ لِلْقَذْفِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَصْحَابُنَا: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذْ قَدْ بَلَغَنَا هَاهُنَا فَلْنَتَكَلَّمْ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فِي حُكْمِ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى حَدٍّ، أَهُوَ فِي حَرَجٍ إنْ كَتَمَ الشَّهَادَةَ أَمْ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ؟

فَنَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: 140] . وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] . وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ النُّصُوصِ كُلِّهَا، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا الْعَمَلَ فِي جَمْعِهَا - الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ - لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَإِمَّا أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ غَيْرُ هَذَا وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ، فَإِنْ خَصَّصْنَا عُمُومَ الْآيَاتِ بِالْخَبَرِ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّهَادَاتِ كُلِّهَا، وَالْإِعْلَانِ بِهَا فَرْضٌ، إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا سَتْرُ الْمُسْلِمِ فِي حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ، فَالْأَفْضَلُ السَّتْرُ، وَإِنْ خَصَّصْنَا عُمُومَ الْخَبَرِ بِالْآيَاتِ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ حَسَنٌ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَاتِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ. فَنَظَرْنَا: أَيْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّتِهِ فَيُؤْخَذُ بِهِ، إذْ لَا يَحِلُّ أَخْذُ أَحَدِهِمَا مُطَارَفَةً دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا جَمْعًا جَمِيعًا، بَلْ الْحَقُّ فِي أَحَدِهِمَا بِلَا شَكٍّ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَا السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ الَّذِي نُدِبْنَا إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا يَسْتُرُهُ وَيَسْتُرُ عَلَيْهِ فِي ظُلْمٍ يَطْلُبُ بِهِ الْمُسْلِمُ، فَهَذَا فَرْضٌ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَنْدُوبًا إلَيْهِ، بَلْ هُوَ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الذَّنْبِ يُصِيبُهُ الْمُسْلِمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِإِبَاحَةِ السَّتْرِ عَلَى مُسْلِمٍ فِي ظُلْمٍ ظَلَمَ بِهِ مُسْلِمًا، كَمَنْ أَخَذَ مَالَ مُسْلِمٍ بِحِرَابَةٍ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ، أَوْ غَصَبَهُ امْرَأَتَهُ، أَوْ سَرَقَ حُرًّا، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَهَذَا فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُومَ بِهِ حَتَّى يَرُدَّ الظُّلَامَاتِ إلَى أَهْلِهَا؟ فَنَظَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَوَجَدْنَاهُ نَدْبًا لَا حَتْمًا، وَفَضِيلَةً لَا فَرْضًا، فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى الْمُسْلِمِ يَرَاهُ عَلَى حَدٍّ بِهَذَا الْخَبَرِ، مَا لَمْ يُسْأَلْ عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ نَفْسِهَا، فَإِنْ سُئِلَ عَنْهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إقَامَتُهَا وَأَنْ لَا يَكْتُمَهَا، فَإِنْ كَتَمَهَا حِينَئِذٍ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى. وَصَحَّ بِهَذَا اتِّفَاقُ الْخَبَرِ مَعَ الْآيَاتِ، وَأَنَّ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَتَحْرِيمَ كِتْمَانِهَا، وَكَوْنَ الْمَرْءِ ظَالِمًا بِذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ إذَا دُعِيَ فَقَطْ، لَا إذَا لَمْ يُدْعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ نا ابْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، أَوْ يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَكَانَ هَذَا عُمُومًا فِي كُلِّ شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِ حَدٍّ، وَوَجَدْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فَسَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ وُجُوبِ أَدَاءِ الْمَرْءِ الشَّهَادَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى وَالِدَيْهِ، وَأَقَارِبِهِ، وَالْأَبَاعِدِ، فَوَجَبَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا حَرَجَ عَلَى الْمَرْءِ فِي تَرْكِ أَدَائِهَا مَا لَمْ يُسْأَلْهَا - حَدًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - فَإِذَا سُئِلَهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا - حَدًّا أَوْ غَيْرَهُ وَأَنَّ مَنْ كَانَ لِإِنْسَانٍ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ لَا يَدْرِي بِهَا -: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بِهَا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» فَإِنْ سَأَلَهُ الْمَشْهُودُ أَدَاءَهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فَرْضًا، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]

وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ عَلَى إنْسَانٍ بِزِنَى، فَقَذَفَ ذَلِكَ الزَّانِي إنْسَانٌ فَوَقَفَ الْقَاذِفُ عَلَى أَنْ يُحَدَّ لِلْمَقْذُوفِ، فَفَرْضٌ عَلَى الشَّاهِدِ عَلَى الْمَقْذُوفِ الزَّانِي أَنْ يُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ وَلَا بُدَّ، سُئِلَهَا أَوْ لَمْ يُسْأَلْهَا - عَلِمَ الْقَاذِفُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا حِينَئِذٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ» . وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا» . فَهَذَا إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ الَّتِي عِنْدَهُ بِصِحَّةِ مَا قَذَفَ بِهِ، مُعِينٌ عَلَى إقَامَةِ حَدٍّ بِحَقٍّ غَيْرُ ظَالِمٍ بِهِ، مُعِينٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى - وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا: مُعِينٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَهُوَ ظَالِمٌ قَدْ أَسْلَمَهُ لِلظُّلْمِ، إذْ تَرَكَهُ يُضْرَبُ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا ناه يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَسُورِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «إنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ: إنَّ الْآخَرَ زَنَى، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ ذَكَرْتَ ذَلِكَ لِغَيْرِي؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَتُبْ إلَى اللَّهِ، وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، فَلَمْ تَقِرَّ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَمَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَقِرَّ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ الْآخَرَ زَنَى، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِرَارًا - كُلُّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَنْهُ - حَتَّى إذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ؟ بَعَثَ إلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: أَيَشْتَكِي، أَبِهِ جِنَّةٌ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ؟ فَقَالُوا: بَلْ ثَيِّبٌ -: فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَ. قَالَ سَعِيدٌ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ هُزَالٌ: لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» . قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هُزَالٍ الْأَسْلَمِيُّ؟ فَقَالَ يَزِيدُ هُزَالٌ جَدِّي - وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ

مسألة اختلاف الشهود في الحدود

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ لَمْ يُسْنِدْهُ سَعِيدٌ، وَلَا يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَوْ انْسَنَدَ لَمَا خَرَجَ مِنْهُ إلَّا أَنَّ السَّتْرَ، وِتْرَك الشَّهَادَةِ أَفْضَلُ فَقَطْ - هَذَا عَلَى أُصُولِ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ إذَا سَلِمَ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة اخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي الْحُدُودِ] 2180 - مَسْأَلَةٌ: اخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي الْحُدُودِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: أَنَّ كُلَّ مَا تَمَّتْ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِهَا، فَإِنَّ كُلَّ مَا زَادَهُ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا حُكْمَ لَهُ، وَلَا يَضُرُّ الشَّهَادَةَ اخْتِلَافُهُمْ، كَمَا لَا يَضُرُّهَا سُكُوتُهُمْ عَنْهُ - وَأَنَّ كُلَّ مَا لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِهِ -: فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْسِدُهَا اخْتِلَافُهُمْ، فَالشَّهَادَةُ إذَا تَمَّتْ مِنْ أَرْبَعَةِ عُدُولٍ بِالزِّنَى عَلَى إنْسَانٍ بِامْرَأَةٍ يَعْرِفُونَهَا أَجْنَبِيَّةٍ، لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ، أَوْ فِي الزَّمَانِ، أَوْ فِي الْمَزْنِيِّ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمْسِ بِامْرَأَةٍ سَوْدَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِامْرَأَةٍ بَيْضَاءَ الْيَوْمَ -: فَالشَّهَادَةُ تَامَّةٌ، وَالْحَدُّ وَاجِبٌ، لِأَنَّ الزِّنَى قَدْ تَمَّ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي الشَّهَادَةِ إلَى ذِكْرِ مَكَان وَلَا زَمَانٍ، وَلَا إلَى ذِكْرِ الَّتِي زَنَى بِهَا - فَالسُّكُوتُ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ وَذِكْرُهُ سَوَاءٌ - وَكَذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَمْسُ، وَقَالَ الْآخَرُ: عَامَ أَوَّلٍ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِمَكَّةَ، وَقَالَ الْآخَرُ: بِبَغْدَادَ، فَالسَّرِقَةُ قَدْ صَحَّتْ، وَتَمَّتْ الشَّهَادَةُ فِيهَا - وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ الْمَكَانِ، وَلَا الزَّمَانِ، وَلَا الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ - سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِيهِ، أَوْ اتَّفَقَا فِيهِ، أَوْ سَكَتَا عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَغْوٌ، وَحَدِيثٌ زَائِدٌ، لَيْسَ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ.

وَكَذَلِكَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي الْقَذْفِ: فَالْحَدُّ قَدْ وَجَبَ، وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ الْمَكَانِ، وَالْمَقْذُوفُ فِي ذَلِكَ، وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ وَذِكْرُهُ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ ادَّعَى الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ؟ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاعِيَ اخْتِلَافَ الشُّهُودِ فِي لِبَاسِ الزَّانِي، وَالسَّارِقِ، وَالشَّارِبِ، وَالْقَاذِفِ، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ فِي رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: عِمَامَةٌ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَخْضَرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ أَحْمَرُ، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: فِي غَيْمٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: فِي صَحْوٍ - فَهَذَا كُلُّهُ لَا مَعْنَى لَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الْغَرَضَ فِي مُرَاعَاةِ الِاخْتِلَافِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ، أَوْ الزَّمَانِ، أَوْ الْمَقْذُوفِ، أَوْ الْمَزْنِيِّ بِهَا، أَوْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، أَوْ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ: فَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ؟ قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ، وَأَيُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ؟ وَأَيُّ نَظَرٍ أَوْجَبَهُ؟ وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَى

وُجُودِهِ، بَلْ الْغَرَضُ إثْبَاتُ الزِّنَى الْمُحَرَّمِ، وَالْقَذْفِ الْمُحَرَّمِ، وَالسَّرِقَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ، وَالْكُفْرِ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ، وَلَا مَزِيدَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةَ. فَصَحَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ الزِّنَى فَقَطْ، وَهُوَ الَّذِي رَمَاهَا بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ الَّتِي رَمَاهَا وَلَا سُكُوتِهِ عَنْهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ: عَلَى أَنَّ الَّذِي رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَى حَقٌّ، وَلَا نُبَالِي عَمَلًا وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَرْبَعَةَ أَعْمَالٍ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ زِنًا. وَكَذَلِكَ إنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ لِمُحْصَنَةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً، وَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي الشَّهَادَةِ ذِكْرُ الزَّمَانِ، وَلَا ذِكْرُ الْمَكَانِ فَالزِّيَادَةُ لِهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَلَا بِمُرَاعَاتِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَحَسْبُنَا، وَصِحَّةُ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهَا سَارِقَةٌ، أَوْ أَنَّهُ سَارِقٌ، وَلَمْ نَجِدْ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الزَّمَانَ، أَوْ الْمَكَانَ، أَوْ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ، أَوْ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ، فَمُرَاعَاةُ ذَلِكَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ. وَهَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» فَأَوْجَبَ الْجَلْدَ بِشُرْبِ

مسألة الأقرار بالحد

الْخَمْرِ، فَإِذَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ، بِنَصِّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ ذِكْرِ مَكَان، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ صِفَةِ الْخَمْرِ، أَوْ صِفَةِ الْإِنَاءِ - إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِذَلِكَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُرَاعَاةُ ذَلِكَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَالَ: شَهِدَ الْجَارُودُ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ - وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَّرَ قُدَامَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ - فَقَالَ عُمَرُ لِلْجَارُودِ: مَنْ يَشْهَدُ مَعَك؟ قَالَ: عَلْقَمَةُ الْخَصِيُّ؟ فَدَعَا عَلْقَمَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بِمَ تَشْهَدُ؟ فَقَالَ عَلْقَمَةُ: وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَصِيِّ؟ قَالَ عُمَرُ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا، قَالَ عَلْقَمَةُ: رَأَيْته يَقِيءُ الْخَمْرَ فِي طَسْتٍ، قَالَ عُمَرُ: فَلَا وَرَبِّك مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا: فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ، فَهَذَا حُكْمٌ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِشَهَادَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ رَآهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَالْأُخْرَى: أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَشْرَبُهَا، لَكِنْ رَآهُ يَتَقَيَّؤُهَا - وَعَهِدْنَاهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْجَارُودَ، وَجَمِيعَ مَنْ بِحَضْرَتِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، فَلَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [مَسْأَلَة الأقرار بالحد] 2181 - مَسْأَلَةٌ: الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْإِقْرَارُ أَمْ الِاسْتِتَارُ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْمُخْتَارَةُ لِلسَّتْرِ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ مُبَاحٌ، وَأَنَّ الِاعْتِرَافَ مُبَاحٌ، إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْمُعْتَرِفَ بِمَا عَمِلَ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ: عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي اعْتِرَافِهِ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَطُّ: إنَّ السَّاتِرَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَصَابَ مِنْ حَدٍّ: عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى: فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهَا كُلَّهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ،

إلَّا خَبَرًا وَاحِدًا فِي آخِرِهَا، لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا خَبَرُ هُزَالٍ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ ابْنِ هِزَالٍ عَنْ أَبِيهِ: فَمُرْسَلٌ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. وَكَذَلِكَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ - وَيَزِيدَ بْنِ النَّعِيمِ أَيْضًا مُرْسَلٌ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: مُرْسَلٌ أَيْضًا. وَحَدِيثُ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ أَيْضًا - فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَالثَّانِي: أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ ضَعِيفٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هُزَالٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُرْسَلًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُرْسَلًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ: فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُرْسَلًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْحُبُلِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ - فَوَجَدْنَاهُ مُرْسَلًا. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَفِيهِ أَبُو الْمُنْذِرِ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - وَأَبُو أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ، وَحَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ - فَلَوْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَّذِي سِيقَ إلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» لَكُنَّا عَلَى

يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَلْقِينٌ لَهُ، وَلَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ فِي الْإِجْهَادِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا، لِأَنَّ الْإِجْهَادَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَرْءُ مُفْتَخِرًا بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ الْإِمَامُ مُعْتَرِفًا لِيُقَامَ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا فِيهِ ذَمُّ الْمُجَاهَرَةِ بِالْمَعْصِيَةِ - وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ حَرَامٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَضَ عَنْ الْمُعْتَرِفِ مَرَّاتٍ» فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا لَا دَاخِلَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ النَّاسَ فِي سَبَبِ إعْرَاضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَى لَا يَتِمُّ إلَّا

بِتَمَامِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ بِهِ جُنُونًا، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا - وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ: أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتُرَهُ وَلَا يُقِيمَهُ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ فِي تَصْحِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَبْقَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ خَبَرٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ أَصْلًا؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْلِهِمَا لِلْأَسْلَمِيِّ: اسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ، فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلَةٌ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَهُوَ مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَوَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الطَّائِفَةَ مِنْهُمْ قَالَتْ: مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ: جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ: اُقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ. فَصَحَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَلْ لَوْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا مُخَالِفَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَصَدَقْنَا، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى لَمْ تُخَالِفْهَا، وَإِنَّمَا قَالَتْ: لَقَدْ هَلَكَ مَاعِزٌ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ - فَإِنَّمَا أَنْكَرُوا أَمْرَ الْخَطِيئَةِ لَا أَمْرَ الِاعْتِرَافِ، فَوَجَدْنَا تَفْضِيلَ الِاعْتِرَافِ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُهُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْآثَارِ: فَوَجَدْنَاهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمِدَ تَوْبَةَ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّ تَوْبَةَ مَاعِزٍ لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ - وَأَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَوْ تَابَ تَوْبَتَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ - وَأَنَّ الْجُهَيْنِيَّةَ لَوْ قُسِمَتْ تَوْبَتُهَا بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، ثُمَّ رَفَعَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْإِشْكَالَ جُمْلَةً، فَقَالَ: إنَّهَا لَمْ تَجِدْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ.

مسألة تعافوا الحدود قبل بلوغها إلى الحاكم

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالذَّنْبِ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِتَارِ لَهُ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ جُودِ الْمُعْتَرِفِ بِنَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلِّهِمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ - وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسٍ، فَقَالَ: بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» . قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَصَحَّ بِنَصِّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِعْلَامِهِ أُمَّتَهُ، وَنَصِيحَتِهِ إيَّاهُمْ بِأَحْسَنَ مَا عَلَّمَهُ رَبُّهُ تَعَالَى، أَنَّ مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ - وَأَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الذَّنْبُ، وَكَفَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي: أَنْ يَقِينَ الْمَغْفِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعْزِيرِ فِي إمْكَانِهَا أَوْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَأَيْنَ عَذَابُ الدُّنْيَا كُلِّهَا مِنْ غَمْسَةٍ فِي النَّارِ؟ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا - فَكَيْفَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ اعْتِرَافَ الْمَرْءِ بِذَنْبِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ السَّتْرِ بِيَقِينٍ، وَأَنَّ السَّتْرَ مُبَاحٌ بِالْإِجْمَاعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة تَعَافُوا الْحُدُودَ قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى الْحَاكِمِ] 2182 - مَسْأَلَةٌ: تَعَافُوا الْحُدُودَ قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى الْحَاكِمِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ نا ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

«تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» . نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ مُرَقَّعٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ بُرْدَةً فَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهُ، قَالَ فَلَوْلَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ يَا أَبَا وَهْبٍ - فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيِّ نا حُسَيْنٌ نا زُهَيْرٌ نا عَبْدُ الْمَلِكِ - هُوَ ابْنُ أَبِي بَشِيرٍ - أَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ «صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ فَصَلَّى ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ فِي بُرْدِهِ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ، فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَأَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبَا بِهِ فَاقْطَعَا يَدَهُ - قَالَ صَفْوَانُ: مَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فِي رِدَائِي؟ قَالَ: فَلَوْ مَا كَانَ هَذَا قَبْلُ» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ نا عَمْرٌو عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ،

قَالَ: «كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي ثَمَنُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي، فَأَخَذَ الرَّجُلَ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ لِيُقْطَعَ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: تَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، أَنَا أَضَعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا؟ قَالَ: فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ الْمَكِّيَّ حَدَّثَهُ: «أَنَّهُ قِيلَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: لَا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ؟ فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ، قَالَ: قِيلَ لِي: إنَّهُ لَا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، قَالَ فَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ إلَى أَبَاطِيحِ مَكَّةَ - ثُمَّ جِيءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ خَمِيصَتِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْطَعُوا يَدَهُ - قَالَ: عَفَوْتُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» . نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا مَالِكٌ نا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، قِيلَ لَهُ: «إنَّهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ، فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدِينَةَ فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ، فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: إنِّي لَمْ أُرِدْهُ بِهَذَا، هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ؟ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ، فَقَالَ: لَا، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ، فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: إذَا بَلَغْت بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ

مسألة هل تدرأ الحدود بالشبهات أم لا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْنَاهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرٍو، وَهِيَ صَحِيفَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا، لِأَنَّهَا كُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ عَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَدْرَكَ صَفْوَانَ. وَأَمَّا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ مُرْتَفِعٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ، أَوْ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ وَهَذَا ضَعِيفٌ عَنْ ضَعِيفٍ عَنْ مَجْهُولٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذْ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَثَرٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ هُوَ طَلَبُ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآثَارِ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا قَدْ صَحَّ بِالْبَرَاهِينِ الَّتِي قَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ: أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى الْإِمَامِ وَصِحَّتِهِ عِنْدَهُ. فَإِذْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالتَّرْكُ لِطَلَبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ حَدٌّ بَعْدُ - وَرَفْعُهُ أَيْضًا مُبَاحٌ، إذْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، فَإِذْ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ، فَالْأَحَبُّ إلَيْنَا - دُونَ أَنْ يُفْتَى بِهِ - أَنْ يُعْفَى عَنْهُ مَا كَانَ وَهْلَةً وَمَسْتُورًا، فَإِنْ أَذَى صَاحِبُهُ وَجَاهَرَ: فَرَفْعُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة هَلْ تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ أَمْ لَا] 2183 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَأَشَدُّهُمْ قَوْلًا بِهَا وَاسْتِعْمَالًا لَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ الْمَالِكِيُّونَ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّونَ. وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الْحُدُودَ لَا يَحِلُّ أَنْ تُدْرَأَ بِشُبْهَةٍ، وَلَا أَنْ تُقَامَ بِشُبْهَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا مَزِيدَ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُقَامَ بِشُبْهَةٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَإِذَا ثَبَتَ

الْحَدُّ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُدْرَأَ بِشُبْهَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْ تَعَلَّقَ أَيَصِحُّ أَمْ لَا؟

فَنَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَصٌّ، وَلَا كَلِمَةٌ، إنَّمَا هِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابٍ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا لَا خَيْرَ فِيهَا: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَبِهِ - إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ مَدْفَعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَعَنْ عَائِشَةَ ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولَانِ: ادْرَءُوا عَنْ عِبَادِ اللَّهِ الْحُدُودَ فِيمَا شُبِّهَ عَلَيْكُمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهِيَ كُلُّهَا لَا شَيْءَ: أَمَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَمُرْسَلٌ، وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُولَدْ إبْرَاهِيمُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا وَالْآخَرُ الَّذِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلٌ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا أَحَادِيثُ ابْنِ حَبِيبٍ فَفَضِيحَةٌ، لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ لَكَفَى فَكُلُّهَا مُرْسَلَةٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَحَصَلَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ لَا نَعْلَمُهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ أَصْلًا، وَهُوَ " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ " لَا عَنْ صَاحِبٍ، وَلَا عَنْ تَابِعٍ إلَّا الرِّوَايَةُ السَّاقِطَةُ الَّتِي أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيمَ سَاقِطٌ وَإِنَّمَا جَاءَ كَمَا تَرَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ " ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَهَذَا لَفْظٌ إنْ اُسْتُعْمِلَ أَدَّى إلَى إبْطَالِ الْحُدُودِ جُمْلَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ - وَهَذَا

خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَخِلَافُ الدِّينِ، وَخِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ هُوَ مُسْتَطِيعٌ عَلَى أَنْ يَدْرَأَ كُلَّ حَدٍّ يَأْتِيهِ فَلَا يُقِيمُهُ فَبَطَلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظُ وَسَقَطَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا اللَّفْظُ الْآخَرُ فِي ذِكْرِ الشُّبُهَاتِ؟ فَقَدْ قُلْنَا: " ادْرَءُوا " لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ أَصْلًا، إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إلَى اسْتِعْمَالِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا هِيَ تِلْكَ " الشُّبُهَاتِ " فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ بِهِ حَدًّا " هَذَا شُبْهَةٌ " إلَّا كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ بِشُبْهَةٍ، وَلَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ بِهِ حَدًّا: لَيْسَ هَذَا شُبْهَةً، إلَّا كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ: بَلْ هُوَ شُبْهَةٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، إنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، مَعَ الِاخْتِلَاطِ الَّذِي فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ شَغَبَ مِشْغَبٌ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ فَمَنْ تَرَكَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكُ، وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ» فَإِنَّ هَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَقُولُ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَرْكُ الْمَرْءِ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا حُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الَّذِي لَهُ تَعَبَّدْنَا بِهِ، وَهَذَا فَرْضٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ جَهِلَ - أَحَرَامٌ هَذَا الشَّيْءُ أَمْ حَلَالٌ؟ فَالْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ، وَمَنْ جَهِلَ أَفَرْضٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ فَرْضٍ؟ فَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُوجِبَهُ، وَمَنْ جَهِلَ أَوَجَبَ الْحَدُّ أَمْ لَمْ يَجِبْ؟ فَفَرْضُهُ أَنْ لَا يُقِيمَهُ، لِأَنَّ الْأَعْرَاضَ وَالدِّمَاءَ حَرَامٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ

دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ وُجُوبُ الْحَدِّ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُسْقِطَهُ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَشَدَّ جَسْرًا عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ بِالشُّبُهَاتِ وَحَيْثُ لَا تَجِبُ إقَامَتُهَا مِنْهُمْ، ثُمَّ يُسْقِطُونَهَا حَيْثُ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا كَافِيًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَوَّلُ ذَلِكَ النَّفْسِ الَّتِي عَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهَا وَحَرَّمَ قَتْلَهَا إلَّا بِالْحَقِّ فَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَقَتَلُوا النَّفْسَ الْمُحَرَّمَةَ بِدَعْوَى مَنْ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُشْفِيَ نَفْسَهُ مِنْ عَدُوِّهِ مَعَ أَيْمَانِ رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَإِنْ كَانَا أَفْسَقَ الْبَرِيَّةِ، وَهُمْ لَا يُعْطُونَهُ بِدَعْوَاهُ نَوَاةً مَعْفُونَةً، وَلَوْ حَلَفُوا مَعَ دَعْوَاهُ أَلْفَ يَمِينٍ وَكَانُوا أَصْلَحَ الْبَرِيَّةِ، هَذَا سَفْكُ الدَّمِ الْمُحَرَّمِ بِالشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لَا شُبْهَةَ أَبْرَدُ مِنْهَا وَيَقْتُلُونَ بِشَهَادَةِ اللَّوْثِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَالْقَسَامَةِ، وَلَا يُعْطَوْنَ بِشَهَادَتِهِمْ فَلْسَيْنِ، وَيَقْتُلُونَ الْآبِي عَنْ الصَّلَاةِ إنْ أَقَرَّ بِهَا، وَأَنَّهَا فَرْضٌ، وَيَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ آخَرَ حَتَّى قُتِلَ، وَلَا يَحُدُّونَ الْمُمْسِكَ امْرَأَةً حَتَّى يُزْنَى بِهَا، وَيَقْتُلُونَ السَّاحِرَ دُونَ اسْتِتَابَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ حِيَلٌ، وَكَبِيرَةٌ كَالزِّنَى، وَلَا يَقْتُلُونَ آكِلَ الرِّبَا، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي السَّاحِرِ، وَيَقْتُلُونَ الْمُسْتَتِرَ بِالْكُفْرِ - وَلَا يَدْرَءُونَ عَنْهُ بِإِعْلَانِهِ التَّوْبَةَ، وَلَا يَقْتُلُونَ الْمُعْلِنَ بِالْكُفْرِ إذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وَلَا فَرْقَ، وَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمَ بِالْكَافِرِ إذَا قَتَلَهُ غِيلَةً، وَلَا يُجِيزُونَ فِي ذَلِكَ عَفْوَ الْوَلِيِّ - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ بِالشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَجْلِدُونَ الْقَاتِلَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَيَنْفُونَهُ سَنَةً وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَيَقْتُلُونَ الْمُسْلِمَ بِالْكَافِرِ خِلَافًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمُحَافَظَةً لِأَهْلِ الْكُفْرِ، وَلَا يَقْتُلُونَ الْكَافِرَ إذَا سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ، وَلَا يَقْتُلُونَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى جِهَارًا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ - وَهَذِهِ أُمُورٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا - وَيَقْتُلُونَ الذِّمِّيَّ الَّذِي قَدْ حَرُمَ دَمُهُ إلَّا بِالْحَقِّ بِشَهَادَةِ كَافِرَيْنِ وَأَمَّا الزِّنَى: فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ - يَحُدُّونَ بِالْحَبَلِ وَلَعَلَّهُ مِنْ إكْرَاهٍ - وَيَرْجُمُونَ

الْمُحْصَنَ إذَا وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ - مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ - وَلَا يَحُدُّونَ وَاطِئَ الْبَهِيمَةِ - وَلَا الْمَرْأَةَ تَحْمِلُ عَلَى نَفْسِهَا كَلْبًا - وَكُلُّ ذَلِكَ إبَاحَةُ فَرْجٍ بِالْبَاطِلِ، وَلَا يَحُدُّونَ الَّتِي تَزْنِي - وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ مُخْتَارَةٌ - بِصَبِيٍّ لَمْ يَبْلُغْ، وَيَحُدُّونَ الرَّجُلَ إذَا زَنَى بِصَبِيَّةٍ مِنْ سِنِّ ذَلِكَ الصَّبِيِّ وَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يَحُدُّ النَّصْرَانِيَّ، وَلَا الْيَهُودِيَّ، إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، وَيُطْلِقُونَ الْحَرْبِيَّ النَّازِلَ عِنْدَنَا بِتِجَارَةٍ، وَالْمُتَذَمِّمَ يَغْرَمُ الْجِزْيَةَ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُسْلِمَاتِ اللَّوَاتِي سَبَاهُنَّ قَبْلَ نُزُولِهِ، وَتَذَمُّمِهِ مِنْ حَرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ مِنْ الْقُرَشِيَّاتِ وَالْأَنْصَارِيَّات، وَغَيْرِهِنَّ، وَعَلَى وَطْئِهِنَّ، وَبَيْعِهِنَّ صُرَاحًا مُبَاحًا - وَهَذِهِ قَوْلَةٌ مَا سُمِعَ بِأَفْحَشَ مِنْهَا؟ 2184 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا السَّرِقَةُ: فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقْطَعُونَ فِيهَا الرِّجْلَيْنِ بِلَا نَصٍّ ثَابِتٍ وَلَا إجْمَاعٍ، وَيَقْطَعُونَ مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَ إنْسَانٍ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: إنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَرْسَلَنِي فِي هَذِهِ الْحَاجَةِ وَصَدَّقَهُ صَاحِبُ الدَّارِ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، أَوْ يَقْطَعُونَ يَدَهُ مُطَارَفَةً، وَيَقْطَعُونَ جَمَاعَةً سَرَقَتْ رُبْعَ دِينَارٍ فَقَطْ، وَرَأَوْا - فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِمْ - أَنَّهُ إذَا غُلِطَ بِالسَّارِقِ فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ أَنَّهُ تُقْطَعُ الْيَدُ الْأُخْرَى - فَقَطَعُوا يَدَيْهِ جَمِيعًا فِي سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا عَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ يُمْنَى مِنْ يُسْرَى، وَالْحَنَفِيُّونَ يَقْطَعُونَ فِيهَا الرِّجْلَ بَعْدَ الْيَدِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَأَمَّا الْقَذْفُ: فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحُدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ، فِي التَّعْرِيضِ، وَيُسْقِطُونَ جَمِيعَ الْحُدُودِ بِالْقَتْلِ حَاشَا حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنْ كَانُوا يُسْقِطُونَ سَائِرَ الْحُدُودِ بِالشُّبْهَةِ، فَمَا بَالُهُمْ لَا يُسْقِطُونَ حَدَّ الْقَذْفِ أَيْضًا بِالشُّبْهَةِ؟ وَقَالُوا: إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَقْذُوفِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي قَذَفَك صَادِقًا لَحُدَّ لَك، فَفِي أَيِّ دِينٍ وَجَدُوهَا مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ؟ وَيَحُدُّونَ شَارِبَ الْخَمْرِ، وَلَوْ جَرْعَةً مِنْهُ خَوْفَ أَنْ يَقْذِفَ أَحَدًا بِالزِّنَى، وَهُوَ لَمْ يَقْذِفْ أَحَدًا بَعْدُ، فَأَيُّ عَجَبٍ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ بِلَا شُبْهَةٍ، وَيَتَعَلَّقُونَ بِرِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، قَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مِثْلِهَا وَيَحُدُّونَ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: لَسْت ابْنَ فُلَانٍ إذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَيَحُدُّونَ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِإِنْسَانٍ سَمَّاهُ، وَإِنْ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ، وَهَذَا خِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ

مسألة اعتراف العبد بما يوجب الحد

وَيَحُدُّونَ مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا نَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا لَا يَحِلُّ مِثْلُهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ - هَذَا وَهُمْ يَحُدُّونَ مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّهُمْ لَا يَحْلِفُونَ، وَلَا يَقْطَعُونَ أَنَّهُ مَنْ زَنَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْحَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِآخَرَ: زَنَتْ عَيْنُك، أَوْ زَنَتْ يَدُك - وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْيَدَيْنِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ، وَالْعَيْنَيْنِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» وَأَمَّا الْخَمْرُ: فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُقِيمُونَ الْحَدَّ فِيهِ بِالنَّكْهَةِ - وَكُلُّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ يَدْرِي أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْكُمَّثْرَى الشَّتْوِيَّ، وَبَعْضَ أَنْوَاعِ التُّفَّاحِ: أَنَّ نَكْهَةَ فَمِهِ، وَنَكْهَةَ شَارِبِ الْخَمْرِ: سَوَاءٌ - وَأَيْضًا فَلَعَلَّهُ مَلَأَ فَمَهُ مِنْهَا وَلَمْ يَجْرَعْهَا فَبَقِيَتْ النَّكْهَةُ، أَوْ لَعَلَّهُ دُلِّسَ عَلَيْهِ بِهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي، ثُمَّ يَجْلِدُونَ - هُمْ وَالْحَنَفِيُّونَ فِي الْخَمْرِ: ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ فِيهَا أَرْبَعُونَ، فَلَمْ يَدْرَءُوا الْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةَ بِالشُّبْهَةِ، وَلَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ وَيَحُدُّونَ ثَمَانِينَ - كَمَا قُلْنَا - بِفِرْيَةٍ لَمْ يَفْتَرِهَا بَعْدُ، فَيُقَدِّمُونَ لَهُ الْحُدُودَ، وَلَعَلَّهُ لَا يَقْذِفُ أَحَدًا أَبَدًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ يُقَدِّمُوا لَهُ حَدَّ زِنًى لَمْ يَكُنْ مِنْهُ، أَوْ حَدَّ سَرِقَةٍ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَيَحُدُّونَ - هُمْ وَالشَّافِعِيُّونَ: الْفَاضِلَ الْعَالِمَ الْمُتَأَوِّلَ إحْلَالَ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ، وَيَقْبَلُونَ مَعَ ذَلِكَ شَهَادَتَهُ، وَيَأْخُذُونَ الْعِلْمَ عَنْهُ - وَلَا يَحُدُّونَ الْمُتَأَوِّلَ فِي الشِّغَارِ، وَالْمُتْعَةِ - وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ - وَلَا فِي الْخَلِيطَيْنِ - وَإِنْ كَانَ حَرَامًا - كَالْخَمْرَةِ [مَسْأَلَة اعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ] 2185 - مَسْأَلَةٌ: اعْتِرَافُ الْعَبْدِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَالْعَبْدُ مَالٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ فَاعْتِرَافُهُ بِمَا يَجِبُ إبْطَالُ بَعْضِ مَالِ سَيِّدِهِ كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ إنْ لَمْ يَأْتِ مَا يَدْفَعُهُ: فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَالِدَيْهِ،

مسألة من قال لا يؤاخذ الله عبدا بأول ذنب

وَأَقْرِبَائِهِ - وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ مَقْبُولَةٌ - دُونَ آخَرَ مَعَهُ دُونَ يَمِينٍ - تَلْزَمُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فَاسِقًا، أَوْ عَدْلًا - مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا - وَأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ، وَبِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَمِينُ الطَّالِبِ - عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ - وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا مِنْ حُرٍّ، فَلَمَّا وَرَدَ هَذَانِ النَّصَّانِ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمَا؟ فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: هُوَ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ، كَاسِبٌ عَلَى غَيْرِهِ: فَلَا يُقْبَلُ، وَوَجَدْنَا مَنْ خَالَفَهُمْ بِقَوْلٍ: بَلْ هُوَ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ، كَاسِبٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى نَقْصٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ الشَّهَادَةَ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ؟ فَنَظَرْنَا فِي هَذَيْنِ الِاسْتِعْمَالَيْنِ - إذْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا - فَوَجَدْنَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّهُ كَاسِبٌ عَلَى غَيْرِهِ إنَّمَا يَصِحُّ بِوَاسِطَةٍ، وَبِإِنْتَاجٍ، لَا بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ؟ وَوَجَدْنَا قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُمْ يَصِحُّ بِنَفْسِ الْقِصَّةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفْسِ لَفْظِهِ - وَهُوَ ظَاهِرُ مَقْصِدِهِ - وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى السَّيِّدِ بِتَأْوِيلٍ لَا بِظَاهِرِ إقْرَارِهِ؟ فَكَانَ هَذَا أَصَحَّ الِاسْتِعْمَالَيْنِ، وَأَوْلَاهُمَا وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ أَصْحَابُنَا لَوَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ الْعَبْدُ فِي زِنًى، وَلَا فِي سَرِقَةٍ، وَلَا فِي خَمْرٍ، وَلَا فِي قَذْفٍ، وَلَا فِي حِرَابَةٍ - وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ - وَأَنْ لَا يُقْتَلَ فِي قَوَدٍ، لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَاسِبٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي الْحَدِّ عَلَيْهِ إتْلَافٌ لِمَالِ سَيِّدِهِ؟ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ [مَسْأَلَة مَنْ قَالَ لَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ عَبْدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ] 2186 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ: لَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ عَبْدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أُتِيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِسَارِقٍ؟ فَقَالَ: اقْطَعُوا يَدَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِيهَا يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاَللَّهِ مَا سَرَقْت قَبْلَهَا؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: كَذَبْت، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا غَافَصَ اللَّهُ مُؤْمِنًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ يَعْمَلُهُ وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِسَارِقٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا سَرَقْت قَبْلَهَا؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَذَبْت وَرَبِّ عُمَرَ، مَا أَخَذَ اللَّهُ عَبْدًا عِنْدَ أَوَّلِ ذَنْبٍ وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمْعَانَ بِهَذَا، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ

مسألة هل تقام الحدود على أهل الذمة

لَهُ: اللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَبْدَهُ فِي أَوَّلِ ذَنْبٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَقُطِعَ، فَلَمَّا قُطِعَ قَامَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: أَنْشُدُك اللَّهَ، كَمْ سَرَقْت مِنْ مَرَّةٍ؟ قَالَ لَهُ: إحْدَى وَعِشْرِينَ مَرَّةً -[غَافَصَهُ: فَاجَأَهُ وَأَخَذَهُ عَلَى غِرَّةٍ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ، وَكُلُّ أَحْكَامِهِ عَدْلٌ وَحَقٌّ، فَقَدْ يَسْتُرُ اللَّهُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ، عَلَى مَنْ يَشَاءُ - إمَّا إمْلَاءً وَإِمَّا تَفَضُّلًا - لِيَتُوبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ الْوَاحِدِ، وَبِالذُّنُوبِ - عُقُوبَةً أَوْ كَفَّارَةً لَهُ {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41] وَ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] وَالْإِسْنَادَانِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ: ضَعِيفَانِ، أَحَدُهُمَا مُرْسَلٌ، وَالْآخَرُ مُرْسَلٌ سَاقِطٌ، وَالْإِسْنَادُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ صَحِيحٌ - وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. [مَسْأَلَة هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ] 2187 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْخَبَرِ؟ فَجَاءَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لَا حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الزِّنَى وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي السَّرِقَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الزِّنَى، وَلَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ - وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ، وَفِي السَّرِقَةِ، إلَّا الْمُعَاهَدَ فِي السَّرِقَةِ، لَكِنْ يَضْمَنُهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبُهُ: لَا أَمْنَعُ الذِّمِّيَّ مِنْ الزِّنَى، وَشُرْبِ الْخَمْرِ - وَأَمْنَعُهُ مِنْ الْغِنَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي زِنًى، وَلَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ - وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ، وَالسَّرِقَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: عَلَيْهِمْ الْحَدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُحَمَّدٍ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَابُوسُ بْنُ الْمُخَارِقِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَسْأَلُهُ عَنْ مُسْلِمَيْنِ تَزَنْدَقَا، وَعَنْ مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ، وَعَنْ مُكَاتَبٍ مَاتَ وَتَرَكَ بَقِيَّةً مِنْ كِتَابَتِهِ، وَتَرَكَ وُلْدًا أَحْرَارًا؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيٌّ: أَمَّا اللَّذَانِ

تَزَنْدَقَا فَإِنْ تَابَا وَإِلَّا فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا - وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي زَنَى بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَارْفَعْ النَّصْرَانِيَّةَ إلَى أَهْلِ دِينِهَا - وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَأَعْطِ مَوَالِيهِ بَقِيَّةَ كِتَابَتِهِ، وَأَعْطِ وُلْدَهُ الْأَحْرَارَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لَا يَرَى عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ حَدًّا وَعَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ: لَا أَرَى عَلَيْهِمَا فِي الزِّنَى حَدًّا، قَالَ: وَقَدْ كَانَ مِنْ الْوَفَاءِ لَهُمْ بِالذِّمَّةِ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ دِينِهِمْ وَشَرَائِعِهِمْ، تَكُونُ ذُنُوبُهُمْ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ؟ فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا حَدَّ عَلَى ذِمِّيٍّ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى التَّرْكِ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَكَانَ كُفْرُهُمْ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَرِيطَةٍ مِنْ أَحْكَامِهِمْ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا تُعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا؟ فَلَمَّا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ وَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ أَصْلًا، لِأَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ عَامَّةٌ لَا خَاصَّةٌ، وَهُمْ قَدْ خَصُّوا فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِمْ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ، وَفِي الْقَذْفِ لِمُسْلِمٍ، وَفِي الْحِرَابَةِ، وَأَسْقَطُوا الْحَدَّ فِي الزِّنَى، وَفِي الْخَمْرِ فَقَطْ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ لَا صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ فَإِنْ قَالُوا: السَّرِقَةُ ظُلْمٌ، وَلَا يَقَرُّونَ عَلَى ظُلْمِ مُسْلِمٍ، وَلَا عَلَى ظُلْمِ ذِمِّيٍّ، وَالْقَذْفُ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الزِّنَى إذَا زَنَوْا بِامْرَأَةِ مُسْلِمٍ، أَوْ بِأَمَتِهِ، أَوْ بِامْرَأَةِ ذِمِّيٍّ أَوْ أَمَتِهِ،

فَإِنَّهُ ظُلْمٌ لِلْمُسْلِمِ، أَوْ سَيِّدِهَا، وَظُلْمٌ لِلذِّمِّيِّ كَذَلِكَ، وَلَا يَقَرُّونَ عَلَى ظُلْمٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَصَّصْتُمْ الْآيَةَ بِلَا دَلِيلٍ وَتَرَكْتُمْ ظَاهِرَهَا بِلَا حُجَّةٍ فَإِنْ شَغَبُوا بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي ذَلِكَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ - ثُمَّ عَنْ قَابُوسِ بْنِ الْمُخَارِقِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَبْعَدُ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، لِأَنَّ فِيهَا: لَا حَدَّ عَلَى عَبْدٍ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ هَذَا، وَلَا حَدَّ عَلَى ذِمِّيٍّ - وَهُمْ يَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَيْهِ فِي الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَقَدْ بَطَلَ التَّعَلُّقُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَوَجَبَ رَدُّهُمَا إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَهِدَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ فَهُوَ الْحَقُّ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ - فَقَدْ بَطَلَ كُلُّ قَوْلٍ شَغَبَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا أَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلَوْ صَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَمَا كَانَ لِمَنْ أَسْقَطَ بِهَا إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ مُتَعَلِّقٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهَا التَّخْيِيرَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، لَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ جُمْلَةً، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ حُكْمٌ عَلَيْهِمْ لَا حُكْمٌ بَيْنَهُمْ، فَلَيْسَ لِلْحُدُودِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَدْخَلٌ أَصْلًا، بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَا جُمْلَةً وَأَمَّا عُهُودُ مَنْ عَاهَدَهُمْ عَلَى الْحُكْمِ بِأَحْكَامِهِمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ عَهْدُ إبْلِيسَ وَعَهْدُ الْبَاطِلِ، وَعَهْدُ الضَّلَالِ، وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ عُقُودًا وَلَا عُهُودًا إلَّا مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَهِيَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ»

مسألة حد المماليك

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] قُلْنَا: نَعَمْ، مَا نُكْرِهُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَا عَلَى الزَّكَاةِ، وَلَا عَلَى الصِّيَامِ، وَلَا الْحَجِّ، لَكِنْ مَتَى كَانَ لَهُمْ حُكْمٌ حَكَمْنَا فِيهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] وَقَالَ تَعَالَى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] ؟ فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا تَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ، فَمَنْ تَرَكَهُمْ وَأَحْكَامَهُمْ: فَقَدْ اتَّبَعَ أَهْوَاءَهُمْ، وَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ [مَسْأَلَة حَدُّ الْمَمَالِيكِ] 2188 - مَسْأَلَةٌ: حَدُّ الْمَمَالِيكِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحُدُودُ كُلُّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ لَا خَامِسَ لَهَا: إمَّا إمَاتَةٌ بِصَلْبٍ، أَوْ بِقَتْلٍ بِسَيْفٍ، أَوْ بِرَجْمٍ بِالْحِجَارَةِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا - وَإِمَّا نَفْيٌ - وَإِمَّا قَطْعٌ - وَإِمَّا جَلْدٌ وَجَاءَ النَّصُّ وَإِجْمَاعُ الْأَمَةِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّ حَدَّ الْمَمْلُوكَةِ الْأُنْثَى فِي بَعْضِ وُجُوهِ الْجَلْدِ - وَهُوَ الزِّنَى مَعَ الْإِحْصَانِ خَاصَّةً -: نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ فِي ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ مَعَ النَّصِّ: أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ فِي الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ كَحَدِّ الْأَحْرَارِ - وَجَاءَ النَّصُّ أَيْضًا فِي النَّفْيِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ سِوَاهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ حَدَّ الْإِمَاءِ، وَالْعَبِيدِ - فِيمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا، وَلَا نُحَاشَ شَيْئًا - كَحَدِّ الْأَحْرَارِ سَوَاءً سَوَاءً، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَدُّ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ - فِي الْجَلْدِ كُلِّهِ - عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ - وَحَدُّ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ فِي الْقَطْعِ كَحَدِّ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ - فَاخْتَلَفَ

هَؤُلَاءِ: فَطَائِفَةٌ تَقُولُ بِهِ فِي الْأَحْرَارِ، وَلَا تَقُولُ بِهِ فِي الْعَبِيدِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْإِمَاءِ، وَالْحَرَائِرِ فَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِالنَّفْيِ الْمُؤَقَّتِ جُمْلَةً اخْتَلَفُوا: فَطَائِفَةٌ جَعَلَتْ حَدَّ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ فِيهِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ جَعَلَتْ فِيهِ حَدَّ الْإِمَاءِ خَاصَّةً عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحَرَائِرِ، وَجَعَلَتْ فِيهِ حَدَّ الْعَبِيدِ كَحَدِّ الْأَحْرَارِ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا أَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي لَا تَقُولُ بِالنَّفْيِ الْمُؤَقَّتِ، فَهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي قَالَتْ بِهِ فِي الْأَحْرَارِ خَاصَّةً، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فِي الْعَبِيدِ، وَلَا فِي الْإِمَاءِ، وَلَا فِي الْحَرَائِرِ، فَهُمْ: مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَدُّ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ فِي جَلْدِ الزِّنَى عَلَى نِصْفِ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ، وَحَدُّ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ فِي الْقَذْفِ كَحَدِّ الْحُرِّ، وَالْحُرَّةِ - وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ إنَّهُ حَدُّ الْمَمَالِيكِ ذُكُورِهِمْ، وَإِنَاثِهِمْ فِي الْجَلْدِ، وَالنَّفْيِ الْمُؤَقَّتِ، وَالْقَطْعِ: عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ - وَهُوَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفٌ مِنْ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، أَوْ الصَّلْبِ، أَوْ النَّفْيِ الَّذِي لَا وَقْتَ لَهُ: فَالْمَمَالِيكُ، وَالْأَحْرَارُ فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَمَّا أَقْوَالُ مَنْ ذَكَرْنَا فَالتَّنَاقُضُ فِيهَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلًا، وَسَنَذْكُرُ أَقْوَالَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنَّ الْقَطْعَ لَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ، فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ قِبَلِ الْآثَارِ، وَمِنْ قِبَلِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ فَأَمَّا مِنْ قِبَلِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ: فَإِنَّ الْيَدَ مَعْرُوفَةُ الْمِقْدَارِ، فَقَطْعُ نِصْفِهَا مُمْكِنٌ ظَاهِرٌ بِالْعِيَانِ - وَهُوَ قَطْعُ الْأَنَامِلِ فَقَطْ وَيَبْقَى الْكَفُّ - وَقَدْ وَجَدْنَاهُمْ يُوقِعُونَ عَلَى الْأَنَامِلِ خَاصَّةً حُكْمَ الْيَدِ، فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قُطِعَتْ أَنَامِلُهُ كُلُّهَا أَنَّ لَهُ دِيَةَ يَدٍ، فَمَنْ قَطَعَ الْأَنَامِلَ خَاصَّةً فَقَدْ وَافَقَ النَّصَّ، لِأَنَّهُ قَطَعَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدٍ - كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

وَقَطَعَ نِصْفَ مَا يُقْطَعُ مِنْ الْحُرِّ؛ كَمَا جَاءَ النَّصُّ أَيْضًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ أَيْضًا لَهَا مِقْدَارٌ مَعْرُوفٌ، فَقَطْعُ نِصْفِهَا مُمْكِنٌ - وَهُوَ قَطْعُهَا مِنْ وَسَطِهَا مَعَ السَّاقِ فَقَطْ وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ: فَحَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَقْطَعُ الْيَدَ مِنْ الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقْطَعُ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمِفْصَلِ وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْطَعُ الْقَدَمَ مِنْ مِفْصَلِهَا، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقْطَعُ الْقَدَمَ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَشَارَ لِي عَمْرٌو إلَى شَطْرِهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ جَاءَ النَّصُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَطْعُ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ، وَقَطْعُهَا مِنْ الْأَصَابِعِ: فَالْوَاجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ التَّنَاقُضِ الَّذِي لَا وَجْهَ لَهُ، لَكِنْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي حَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْقَدَمِ أَيْضًا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْأَمَةِ الْمُحْصَنَةِ فِي الزِّنَى نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ الْمُحْصَنَةِ، وَصَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ فِي الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، وَالصَّلْبِ: كَحَدِّ الْحُرِّ - وَكَذَلِكَ فِي النَّفْيِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ، فَكَانَ يَلْزَمُهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ الَّتِي يَنْتَمُونَ إلَيْهَا فِي الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ مَرْدُودًا إلَى أَشْبَهِ الْجِنْسَيْنِ بِهِ فَهَذِهِ عُمْدَتُهُمْ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا فِي الْقِيَاسِ، فَإِذَا فَعَلُوا هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مَقِيسًا عَلَى الْجَلْدِ، لَا عَلَى الْقَتْلِ، وَلَا عَلَى النَّفْيِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَنَصَّفُ، وَكَذَلِكَ النَّفْيُ غَيْرُ الْمُؤَقَّتِ وَأَمَّا الْجَلْدُ فَيَتَنَصَّفُ وَالْقَطْعُ يَتَنَصَّفُ فَكَانَ قِيَاسُ مَا يَتَنَصَّفُ عَلَى مَا يَتَنَصَّفُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ مَا يَتَنَصَّفُ عَلَى مَا لَا يَتَنَصَّفُ - هَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ يَوْمًا مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ

فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمَاءِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] فَكَانَ هَذَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، وَقَالَ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْإِمَاءَ فَقَطْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَأَبْقَى الْعَبِيدَ فَلَمْ يَخُصَّ كَمَا خَصَّ الْإِمَاءَ " وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخُصَّ الْعَبِيدَ مَعَ الْإِمَاءِ فَيَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ الْإِمَاءِ وَيُمْسِكَ عَنْ ذِكْرِ الْعَبِيدِ وَيُكَلِّفَنَا مِنْ ذَلِكَ عِلْمَ الْغَيْبِ وَمَعْرِفَةَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا لَمْ يُعَرِّفْنَا بِهِ، حَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى هَاهُنَا أَمَةً مِنْ حُرَّةٍ، وَلَا عَبْدًا مِنْ حُرٍّ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا تُجْلَدَ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَيَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْمُرُنَا بِجَلْدِ مَنْ قَذَفَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَلَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ لَنَا، أَفِي حُرٍّ دُونَ عَبْدٍ؟ وَفِي حُرَّةٍ دُونَ أَمَةٍ؟ وَهَذَا خِلَافُ قَوْله تَعَالَى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقَوْله تَعَالَى {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] فَكَانَ حَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَدُّ الزِّنَى مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَتَعَدَّى مَا حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا؟ وَحَدَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ، وَفِي الزِّنَى مِائَةً، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَحَدِهِمَا إلَى مَا حَدَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآخَرِ فَوَاضِحٌ بِلَا شَكٍّ أَنَّ حَمْلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ حُرٍّ، أَوْ حُرَّةٍ: فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، وَسِوَى مَا خَالَفَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَقُلْتُمْ: إنَّ

الْحُرَّ، وَالْعَبْدَ، وَالْأَمَةَ سَوَاءٌ، فَأَيْنَ زَهَقَ عَنْكُمْ قِيَاسُكُمْ الَّذِي خَالَفْتُمْ بِهِ الْقُرْآنَ فِي حَدِّ الْعَبْدِ الْقَاذِفِ، وَالْأَمَةِ الْقَاذِفَةِ؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تَسْتَسْهِلُوا مُخَالَفَةَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] قِيَاسًا عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَعَظُمَ عِنْدَكُمْ أَنْ تُخَالِفُوا قَوْلَهُ {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ جِدًّا؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38] فَكَانَ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ ثُمَّ لَا يُبَيِّنُهُ؟ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُنَا إيَّاهُ، وَلَا يُرِيدُهُ مِنَّا؟ قَالُوا: وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» وَجَلَدَ فِي الْخَمْرِ حَدًّا مُؤَقَّتًا وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ الْحُكْمِ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ - وَهُوَ الْمُبَيَّنُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَهُوَ حَقٌّ صَحِيحٌ - إنْ لَمْ تَأْتِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ تُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ - وَأَمَّا إنْ جَاءَتْ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ تُوجِبُ مَا قُلْنَاهُ، فَالْوَاجِبُ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ لَنَا مُرَادَ رَبِّنَا تَعَالَى، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَا ثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ قَتَادَةُ عَنْ

مسألة هل يقيم السيد الحدود على مماليكه أم لا

خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا إسْنَادٌ عَجِيبٌ، كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى نُورًا، مَا نَدْرِي أَحَدًا غَمَزَهُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى أَنَّ وُهَيْبًا أَرْسَلَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَكَانَ مَاذَا إذَا أَرْسَلَهُ وُهَيْبٌ؟ قَدْ أَسْنَدَ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَفِي دِيَتِهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، وَأَسْنَدَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ وَلَا فَرْقَ، فَعَلَى قَوْلِهِمْ مَا زَادَهُ إرْسَالُ وُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ إلَّا قُوَّةً، فَإِذْ قَدْ صَحَّ، وَثَبَتَ فَقَدْ وَجَبَ ضَرُورَةً بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ حُدُودَ الْمَمَالِيكِ جُمْلَةً عُمُومًا لِذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ: مُخَالِفَةٌ لِحُكْمِ حُدُودِ الْأَحْرَارِ عُمُومًا لِذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ، وَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْلَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ إلَى أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُدُودِ الْأَحْرَارِ، فَكَانَ هَذَا وَاجِبًا الْقَوْلَ بِهِ، وَبِهَذَا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة هَلْ يُقِيمُ السَّيِّدُ الْحُدُودَ عَلَى مَمَالِيكِهِ أَمْ لَا] 2189 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُقِيمُ السَّيِّدُ الْحُدُودَ عَلَى مَمَالِيكِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقِيمُ السَّيِّدُ جَمِيعَ الْحُدُودِ مِنْ الْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ عَلَى مَمَالِيكِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَحُدُّ السَّيِّدُ مَمَالِيكَهُ فِي الزِّنَى، وَالْخَمْرِ، وَالْقَذْفِ، وَلَا يَحُدُّهُ فِي قَطْعٍ؟ قَالُوا: وَإِنَّمَا يَحُدُّهُ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الشُّهُودُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحُدُّ السَّيِّدُ مَمْلُوكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَإِنَّمَا الْحُدُودُ إلَى السُّلْطَانِ فَقَطْ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ يَدَ غُلَامٍ لَهُ سَرَقَ، وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا وَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْ بِهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَتَلَهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: مَا تُنْكِرُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ امْرَأَةٌ سَحَرَتْ فَاعْتَرَفَتْ؟ فَسَكَتَ عُثْمَانُ وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَبَقَ غُلَامٌ لِابْنِ عُمَرَ فَمَرَّ عَلَى غِلْمَةٍ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَرَقَ مِنْهُمْ جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَرَكِبَ حِمَارًا لَهُمْ فَأُتِيَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ فَبَعَثَ بِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ - فَقَالَ سَعِيدٌ: لَا يُقْطَعُ غُلَامٌ أَبَقَ؟ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ عَائِشَةُ: إنَّمَا غِلْمَتِي غِلْمَتُك، وَإِنَّمَا جَاعَ، وَرَكِبَ الْحِمَارَ لِيَبْلُغَ عَلَيْهِ، فَلَا تَقْطَعْهُ؟ قَالَ: فَقَطَعَهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ قَالَ: لِابْنِ مَسْعُودٍ أَمَتِي زَنَتْ؟ قَالَ: اجْلِدْهَا، قَالَ: إنَّهَا لَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: إحْصَانُهَا إسْلَامُهَا قَالَ شُعْبَةُ: أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِهَذَا، وَفِيهِ: جَلَدَهَا خَمْسِينَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: إنَّ الرَّجُلَ يَجْلِدُ مَمْلُوكَتَهُ الْحُدُودَ فِي بَيْتِهِ، وَأَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: أَمَتِي زَنَتْ؟ قَالَ: اجْلِدْهَا خَمْسِينَ، قَالَ إنَّهَا لَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إحْصَانُهَا إسْلَامُهَا وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ كَانَتْ تَجْلِدُ وَلِيدَتَهَا خَمْسِينَ إذَا زَنَتْ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ كَانَ يَجْلِدُ وَلَائِدَهُ خَمْسِينَ إذَا زَنَيْنَ حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَتْ أَمَةً لَهَا الْحَدَّ زَنَتْ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ يُقِيمَانِ الْحَدَّ عَلَى جِوَارِي قَوْمِهِمَا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَغَيْرِهِمْ: جَوَازُ عَفْوِ السَّيِّدِ عَنْ مَمَالِيكِهِ فِي الْحُدُودِ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَلَّامٍ بْنِ مِسْكِينٍ أَخْبَرَنِي عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَرِيزٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَاءَ بِجَارِيَةٍ لَهُ زَنَتْ إلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ إذْ جَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَجَلَسَ فَقَالَ: يَا صَالِحُ مَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ مَعَك؟ قُلْت: جَارِيَتُنَا بَغَتْ فَأَرَدْت أَنْ أَرْفَعَهَا إلَى الْإِمَامِ لِيُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ؟ قَالَ: لَا تَفْعَلْ، رُدَّ جَارِيَتَك، وَاتَّقِ اللَّهَ وَاسْتُرْ عَلَيْهَا؟ قُلْت: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ حَتَّى أَرْفَعَهَا، قَالَ لَهُ أَنَسٌ: لَا تَفْعَلْ وَأَطِعْنِي، قَالَ صَالِحٌ: فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى قُلْت لَهُ: أَرُدُّهَا عَلَى أَنَّ مَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ ذَنْبٍ فَأَنْتَ لَهُ ضَامِنٌ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ، قَالَ: فَرَدَدْتهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الْأَمَةِ تَزْنِي، قَالَ: تُجْلَدُ خَمْسِينَ، فَإِنْ عَفَا عَنْهَا سَيِّدُهَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَبِهِ نَأْخُذُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَانِ أَثَرَانِ سَاقِطَانِ، لِأَنَّهُمَا عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَاتِ الزَّوْجِ وَغَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ فَكَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي الْأَمَةِ إذَا كَانَتْ لَيْسَتْ بِذَاتِ زَوْجٍ فَظَهَرَ مِنْهَا فَاحِشَةٌ جُلِدَتْ نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ يَجْلِدُهَا سَيِّدُهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ رُفِعَ أَمْرُهَا إلَى الْإِمَامِ وَعَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: إحْصَانُ الْمَمْلُوكَةِ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ، فَيُذْكَرَ مِنْهَا فَاحِشَةٌ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا، وَالزَّوْجُ يَذُبُّ عَنْ وَلَدِهِ، وَعَنْ رَحِمِهَا، وَعَنْ مَا بِيَدِهِ، فَلَيْسَ يُقِيمُ الْفَاحِشَةَ عَلَيْهَا إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إذَا ثَبَتَ إلَّا السُّلْطَانُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجَلْدِ فِي الزِّنَى، وَالْخَمْرِ، وَالْقَذْفِ، وَبَيْنَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ: وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ - بِمَنِّ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَا أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابَهُ، يَحْتَجُّونَ بِمَا: ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْخُذَ عَنْهُ، قَالَ: هُوَ عَالِمٌ فَخُذُوا عَنْهُ، فَسَمِعْته يَقُولُ: الزَّكَاةُ، وَالْحُدُودُ، وَالْفَيْءُ، وَالْجُمُعَةُ، إلَى السُّلْطَانِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ ضَمِنَ هَؤُلَاءِ أَرْبَعًا: الْجُمُعَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْحُدُودُ، وَالْحُكْمُ وَعَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحُدُودُ، وَالْفَيْءُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْجُمُعَةُ، إلَى السُّلْطَانِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوا: أَنْ لَا يُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى الْمَمَالِيكِ سَادَاتُهُمْ، وَإِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ الْحُدُودِ عُمُومًا إلَى السُّلْطَانِ، وَهَكَذَا نَقُولُ، لَكِنْ يَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ حُدُودَ الْمَمَالِيكِ إلَى سَادَاتِهِمْ بِدَلِيلٍ - إنْ وُجِدَ ثُمَّ أَيْضًا - لَوْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالْقَطْعِ، وَالْقَتْلِ، فَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ أَيْضًا حُجَّةً أَصْلًا، وَلَا نَدْرِي لَهُمْ فِي هَذَا التَّفْرِيقِ سَلَفًا مِنْ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا مُتَعَلِّقًا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَقُولَ: إنَّ السَّيِّدَ لَهُ جَلْدُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ أَدَبًا، وَلَيْسَ لَهُ قَطْعُ أَيْدِيهِمْ أَدَبًا، فَلَمَّا كَانَ الْحَدُّ فِي الزِّنَى، وَالْخَمْرِ، وَالْقَذْفِ جَلْدًا كَانَ ذَلِكَ لِلسَّادَاتِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ، وَجَلْدٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا

الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَجَلْدُ الْأَدَبِ هُوَ غَيْرُ جَلْدِ الْحَدِّ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ثُمَّ نَظَرَنَا فِي قَوْلِ رَبِيعَةَ، فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا لَا تُؤَيِّدُهُ حُجَّةٌ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ: أَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنُوبَ عَنْهَا فَحُجَّةٌ زَائِفَةٌ جِدًّا، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ اعْتِرَاضًا، وَلَا ذَبًّا فِيمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِإِقَامَتِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَنْ رَأَى السَّيِّدَ يُقِيمُ جَمِيعَ الْحُدُودِ عَلَى مَمَالِيكِهِ، فَنَظَرْنَا فِيهِ فَوَجَدْنَا: مَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا لَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ» وَعَنْ مُسْلِمٍ أَيْضًا: أَنَا الْقَعْنَبِيُّ أَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالضَّفِيرُ - الْحَبْلُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ، أَوْ الرَّابِعَةِ - وَالْأَخْبَارُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٌ جِدًّا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَتَكَلَّمُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ بَيْعِ الْأَمَةِ الَّتِي تَزْنِي، فَنَقُولُ: إنَّ اللَّيْثَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا - وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ - وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ

وَهَكَذَا أَيْضًا - رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَمْ يَذْكُرُوا زِنَاهَا الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ جَلْدًا، بَلْ ذَكَرُوا الْبَيْعَ فَقَطْ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تُبَاعُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ مَعَ الْجَلْدِ - وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَلِيٌّ: فَوَجَبَ أَنْ يُلْغَى الشَّكُّ وَيَسْتَقِرَّ الْبَيْعُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ مَعَ الْجَلْدِ - وَالطُّرُقُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَكُلُّ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَيْعِ فِي الثَّالِثَةِ نَدْبٌ بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ فِي الرَّابِعَةِ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ إلَّا هَذَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الثَّالِثَةِ فَرْضًا لَمَا أَبَاحَ حَبْسَهَا إلَى الرَّابِعَةِ وَأَمَّا الْبَيْعُ فِي الرَّابِعَةِ فَفَرْضٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، لِأَنَّ أَوَامِرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] الْآيَةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى بَيْعِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ بِمَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْعَطَاءُ فِيهَا، وَلَا يَتَأَتَّى بِهَا طَلَبُ زِيَادَةٍ، وَلَا سَوْقٍ، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُبَاعَ - وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ، أَوْ ضَفِيرٍ مِنْ شَعْرٍ - إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا ذَلِكَ، فَإِنْ زَنَتْ فِي خِلَالِ تَعْرِيضِهَا لِلْبَيْعِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ تُعْرَضَ حَدّهَا أَيْضًا، لِعُمُومِ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِجَلْدِهَا إنْ زَنَتْ - وَكَذَلِكَ إنْ غَابَ السَّيِّدُ أَوْ مَاتَ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ ضَرُورَةً - فَإِنْ كَانَتْ لِصِغَارٍ جَلَدَهَا الْوَلِيُّ أَوْ الْكَافِلُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَاجْلِدُوهَا، فَهُوَ عُمُومٌ لِكُلِّ مَنْ قَامَ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ إذَا زَنَى، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ الْأَمَةَ إذَا زَنَتْ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَتْ الْأَمَةُ أَوْ شَرِبَتْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا تُحَدُّ وَلَا يَلْزَمُ بَيْعُهَا، لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ فِي زِنَاهَا فَقَطْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْ أَعْتَقَهَا السَّيِّدُ إذَا تَبَيَّنَ زِنَاهَا لَمْ يُنَفَّذْ عِتْقُهُ بَلْ هُوَ

مسألة أي الأعضاء تضرب في الحدود

مَرْدُودٌ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِبَيْعِهَا وَإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، فَهُوَ فِي عِتْقِهِ إيَّاهَا، أَوْ كِتَابَتِهِ لَهَا، أَوْ هِبَتِهِ إيَّاهَا، أَوْ الصَّدَقَةِ بِهَا، أَوْ إصْدَاقِهَا، أَوْ إجَارَتِهَا، أَوْ تَسْلِيمِهَا فِي شَيْءٍ بِصِفَةٍ غَيْرِ الْبَيْعِ - مِمَّا شَاءَ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ - بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ: مُخَالِفٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهَا فَمَاتَ، أَوْ أَوْصَى بِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ السَّيِّدُ عَلَى مَمَالِيكِهِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْمَمَالِيكِ، أَوْ صِحَّةِ عِلْمِهِ وَيَقِينِهِ، عَلَى نَصِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا» وَلَا يُطْلَقُ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمَمَالِيكِ إلَّا أَهْلُ الْعَدَالَةِ، فَقَطْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ [مَسْأَلَة أَيُّ الْأَعْضَاءِ تُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ] 2190 - مَسْأَلَةٌ: أَيُّ الْأَعْضَاءِ تُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا؟ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ فَفَعَلْنَا: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَعَلَى ابْنِكِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَسَنَذْكُرُ كُلَّ ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَمْ نَجِدْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرًا بِأَنْ يَخُصَّ عُضْوًا بِالضَّرْبِ دُونَ عُضْوٍ إلَّا حَدُّ الْقَذْفِ وَحْدَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِيهِ «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ نا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَسَدِيُّ نا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «إنَّ أَوَّلَ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِرَارًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُخَصَّ بِضَرْبِ الزِّنَى، وَالْخَمْرِ عُضْوٌ مِنْ

مسألة كيفية ضرب الحدود

عُضْوٍ، إذْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُ الْوَجْهِ وَلَا بُدَّ، وَالْمَذَاكِرِ، وَالْمَقَاتِلِ أَمَّا الْوَجْهُ - فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» وَأَمَّا الْمَقَاتِلُ: فَضَرْبُهَا غَرَرٌ، كَالْقَلْبِ، وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ وَلَا التَّعْرِيضُ بِهِ، لِمَا نَخَافُ مِنْهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة كَيْفِيَّة ضَرْب الْحُدُود] 2191 - مَسْأَلَةٌ: كَيْف يُضْرَبُ الْحُدُودَ أَقَائِمًا أَمْ قَاعِدًا؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} [النساء: 59] الْآيَةَ أَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عَلَى الْمَحْدُودِ وَهُوَ قَائِمٌ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا ناه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا الْفَرَبْرِيُّ أَنَا الْبُخَارِيُّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ رَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزِّنَى، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ» وَذَكَرُوا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي جَلْدِهِ حَدَّ الْقَذْفِ الَّذِي يَقُولُ فِي ذَلِكَ: لَعَمْرُك إنِّي يَوْمَ أُضْرَبُ قَائِمًا ثَمَانِينَ سَوْطًا، إنَّنِي لَصَبُورٌ ثُمَّ أَتَوْا بِأَطْرَفَ مَا يَكُونُ مِنْ التَّخْلِيطِ؟ فَقَالُوا: إنَّ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِلْجَالِدِ فِي الْحَدِّ " اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ ذِي عُضْوٍ حَقَّهُ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجْلُودَ كَانَ قَائِمًا، وَقَالَ: فَدَلَّ حَدِيثُ الْيَهُودِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ قَائِمًا، وَإِنَّهَا كَانَتْ قَاعِدَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَكُلُّ هَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَهُ، وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ أَنْ

مسألة صفة ضرب الحدود

يُقَامَ حَدُّ الزِّنَى عَلَى يَهُودِيٍّ وَلَا يَهُودِيَّةٍ، وَحَمَلُوا فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يَقْدَمُوا عَلَى إطْلَاقِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، إمَّا أَنَّهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِمَّا أَنَّهُ عَلَى إنْفَاذٍ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ، مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُمْ إنْفَاذُهُ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِوَحْيِهِ إلَيْهِ، وَلَا بِحَقٍّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ: لَا مَحِيدَ لَهُمْ مِنْ هَذَا فَهَذَا الَّذِي ظَنُّوا مِنْ ذَلِكَ كَذِبٌ بَحْتٌ، وَمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا، وَلَا أَنَّهَا كَانَتْ قَاعِدَةً، بَلْ قَدْ يَحْنِي عَلَيْهَا وَهُوَ رَاكِعٌ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - أَوْ وَهُوَ مُنْكَبٌّ قَرِيبٌ مِنْ الْجُلُوسِ، وَهُوَ مُمْكِنٌ جِدًّا أَيْضًا، وَأَمَّا أَنْ يَحْنِيَ عَلَيْهَا وَهُوَ قَائِمٌ وَهِيَ قَاعِدَةٌ فَمُمْتَنِعٌ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ - وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا قَائِمَيْنِ، وَيَحْنِي عَلَيْهَا بِفَضْلِ مَا لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الطُّولِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا قَاعِدَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ قَائِمًا، إذْ جَلَدَهُ وَلَا بُدَّ، وَلَا أَنَّ الْمَرْأَةَ بِخِلَافِ الرَّجُلِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ لَا نَصَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَلَا إجْمَاعَ، فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى حَالٍ لَا يَتَعَدَّى مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ لَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصَحَّ أَنَّ الْجَلْدَ فِي الزِّنَى، وَالْقَذْفِ، وَالْخَمْرِ، وَالتَّعْزِيرِ: يُقَامُ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، قِيَامًا وَقُعُودًا، فَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَ، وَإِنْ دَفَعَ بِيَدَيْهِ الضَّرْبَ عَنْ نَفْسِهِ: مِثْلُ أَنْ يَلْقَى الشَّيْءَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ فَيَمْسِكَهُ أُمْسِكَتْ يَدَاهُ [مَسْأَلَة صفة ضَرْب الْحُدُود] 2192 - مَسْأَلَةٌ: صِفَةُ الضَّرْبِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَجَازَ قَوْمٌ أَنْ يُسَالَ الدَّمُ فِي جَلْدِ الْحُدُودِ، وَالتَّعْزِيرِ - وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ لَا تَجِدُ، فَاجْلِدْهَا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي الضَّرْبِ فِي الزِّنَى، وَالْقَذْفِ، وَالْخَمْرِ، وَالتَّعْزِيرِ: أَنْ لَا يُكْسَرَ لَهُ عَظْمٌ، وَلَا أَنْ يُشَقَّ لَهُ جِلْدٌ، وَلَا أَنْ يُسَالَ الدَّمُ، وَلَا أَنْ يَعْفَنَ لَهُ اللَّحْمُ، لَكِنْ بِوَجَعٍ سَالِمٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَمَنْ تَعَدَّى فَشَقَّ فِي ذَلِكَ الضَّرْبِ جِلْدًا، أَوْ أَسَالَ دَمًا، أَوْ

عَفَّنَ لَحْمًا، أَوْ كَسَرَ لَهُ عَظْمًا، فَعَلَى مُتَوَلِّي ذَلِكَ الْقَوَدُ، وَعَلَى الْآمِرِ أَيْضًا الْقَوَدُ إنْ أَمَرَ بِذَلِكَ بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ لِضَرْبِ الْحُدُودِ قَدْرًا لَا يَتَجَاوَزُهُ وَقَدْرًا لَا يَنْحَطُّ عَنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَطَلَبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا أَدْنَى أَقْدَارِهِ أَنْ يُؤْلِمَ، فَمَا نَقَصَ عَنْ الْأَلَمِ فَلَيْسَ مِنْ أَقْدَارِهِ - وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ - وَكَانَ أَعْلَى أَقْدَارِهِ نِهَايَةُ الْأَلَمِ فِي الزِّنَى مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ الْحَطِيطَةُ مِنْ الْأَلَمِ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا فَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَحَرُمَتْ إسَالَةُ الدَّمِ نَصًّا إذْ هَرْقُ الدَّمِ حَرَامٌ، إلَّا مَا أَبَاحَهُ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ - وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى إبَاحَةِ إسَالَةِ الدَّمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ - نَعَمْ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَمَّا تَعَفُّنُ اللَّحْمِ: فَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ الْبَشَرَةِ، فَلَا يَحِلُّ مِنْهَا إلَّا مَا أَحَلَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَإِنَّمَا صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَتِهَا لِلْأَلَمِ فَقَطْ، وَأَمَّا كَسْرُ الْعِظَامِ، فَلَا يَقُولُ بِإِبَاحَتِهِ فِي ضَرْبِ الْحُدُودِ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بِلَا شَكٍّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَأَلْنَاهُ أَلِشِدَّةِ الضَّرْبِ فِي ذَلِكَ حَدٌّ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَخَالَفُوا الْإِجْمَاعَ، وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا أَنْ يُجْلَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِسَوْطٍ مَمْلُوءٍ حَدِيدًا أَوْ رَصَاصًا يُقْتَلُ مَنْ ضَرَبَهُ - وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ قَالُوا: إنَّ لِذَلِكَ حَدًّا وَقَدْرًا نَقِفُ عِنْدَهُ فَلَا يَحِلُّ تَجَاوُزُهُ: سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ حَدُّوا فِيهِ غَيْرَ مَا حَدَدْنَا كَانُوا مُتَحَكِّمِينَ فِي الدِّينِ بِلَا بُرْهَانٍ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا جُعِلَتْ لِلرَّدْعِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: كَلًّا، مَا ذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ، إنَّمَا رَدْعُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْوَعِيدِ فِي

مسألة بأي شيء يكون الضرب في الحد

الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَأَمَّا بِالْحُدُودِ فَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا شَاءَ، وَلَمْ يُخْبِرْنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لِلرَّدْعِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلرَّدْعِ كَمَا تَدَّعُونَ لَكَانَ أَلْفُ سَوْطٍ أَرْدَعَ مِنْ مِائَةٍ وَمِنْ ثَمَانِينَ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ، وَمِنْ خَمْسِينَ، وَلَكَانَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَرْدَعَ مِنْ قَطْعِ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكُنَّا نَقُولُ: هِيَ نَكَالٌ وَعُقُوبَةٌ، وَعَذَابٌ، وَجَزَاءٌ، وَخِزْيٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُحَارَبَةِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ} [المائدة: 33] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَقَالَ تَعَالَى فِي الْقَاذِفِ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ وَإِنَّمَا التَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَا إلَى النَّاسِ فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا كَمَا شَاءَ حَيْثُ شَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا حَيْثُ لَمْ يَشَأْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا، وَصَحَّ مِقْدَارُ الضَّرْبِ الَّذِي لَا يَتَجَاوَزُ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَاصٍ بِذَلِكَ، وَلَا تَنُوبُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ طَاعَتِهِ، فَإِذْ هُوَ مُتَعَدٍّ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] الْآيَةَ فَضَرْبُ التَّعَدِّي لَا يَتَبَعَّضُ بِلَا شَكٍّ، فَإِذْ لَا يَتَبَعَّضُ - وَهُوَ مَعْصِيَةٌ - فَبَاطِلٌ أَنْ يُجْزِيَ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَيُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ، ثُمَّ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة بِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ الضَّرْبُ فِي الْحَدِّ] 2193 - مَسْأَلَةٌ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ الضَّرْبُ فِي الْحَدِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا أَهْلُ الرَّأْيِ، وَالْقِيَاسِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْحُدُودُ كُلُّهَا بِالسَّوْطِ، إلَّا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إلَّا الْخَمْرُ، فَإِنَّهُ يُجْلَدُ فِيهَا بِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَلَدَ فِيهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: احْتَجَّ مَنْ رَأَى الْجَلْدَ بِالسَّوْطِ وَلَا بُدَّ فِي الْحُدُودِ: بِمَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ

يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ؟ فَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَوْطٍ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ عَلَيْهِ ثَمَرَتُهُ، قَالَ: لَا، سَوْطٌ دُونَ هَذَا؟ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورِ الْعَجُزِ، فَقَالَ: لَا، سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا؟ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَى، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَوْطٍ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ، فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ، فَقَالَ: بَيْنَ هَذَيْنِ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلَانَ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا سَحْنُونٌ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْت كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أَوْ يُحَدَّثُ عَنْهُ قَالَ «أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَى، وَلَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ أَحْصَنَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوْطًا فَوَجَدَ رَأْسَهُ شَدِيدًا فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَخَذَ سَوْطًا آخَرَ فَوَجَدَهُ لَيِّنًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ مِائَةً» وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي حَدٍّ - مَا أَدْرِي مَا ذَلِكَ الْحَدُّ - فَأُتِيَ بِسَوْطٍ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ: أُرِيدُ مَا هُوَ أَلْيَنُ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ لَيِّنٍ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَشَدَّ مِنْ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ فَقَالَ: اضْرِبْ وَلَا يُرَى إبِطُك وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي حَدٍّ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ، فَهَزَّهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِسَوْطٍ أَلْيَنَ مِنْ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ آخَرَ، فَقَالَ ائْتُونِي بِسَوْطٍ أَشَدَّ مِنْ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ، فَقَالَ: اضْرِبْ وَلَا يُرَى إبِطُك، وَأَعْطِ لِكُلِّ عُضْوٍ حَقَّهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا: أَمَّا الْآثَارُ - فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُرْسَلَةٌ كُلُّهَا، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَأَضْعَفُهَا حَدِيثُ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ، لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، لِأَنَّ سَمَاعَ مَخْرَمَةَ مِنْ

أَبِيهِ لَا يَصِحُّ، وَشَكَّ ابْنُ مِقْسَمٍ أَسَمِعَهُ مِنْ كُرَيْبٍ أَمْ بَلَغَهُ عَنْهُ؟ ثُمَّ هُوَ عَنْ كُرَيْبٍ مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: أَنْ لَا تُجْلَدَ الْحُدُودُ إلَّا بِسَوْطٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْحُدُودَ جَائِزٌ أَنْ يُضْرَبَ بِسَوْطٍ هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَطْ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا نَأْبَاهُ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا الْأَثَرُ: عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ نَظَرْنَا فِيمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَقَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَقَالَ تَعَالَى فِي الْقَاذِفِ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ» وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُجْلَدَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ، فَأَيْقَنَّا يَقِينًا لَا يَدْخُلُهُ شَكٌّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْجَلْدُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِسَوْطٍ دُونَ سَوْطٍ لَبَيَّنَهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْقُرْآنِ، وَفِي وَحْيٍ مَنْقُولٍ إلَيْنَا ثَابِتٍ، كَمَا بَيَّنَ صِفَةَ الضَّرْبِ فِي الزِّنَى، وَكَمَا بَيَّنَ حُضُورَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلْعَذَابِ فِي ذَلِكَ، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ تَعَالَى فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ بِسَوْطٍ خَاصَّةً، دُونَ سَائِرِ مَا يُضْرَبُ بِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُضْرَبَ الْحَدَّ فِي الزِّنَى وَالْقَذْفِ بِمَا يَكُونُ الضَّرْبُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، بِسَوْطٍ، أَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ، أَوْ مِنْ كَتَّانٍ، أَوْ مِنْ قُنَّبٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ حَلْفَاءَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ تَفِرٍ، أَوْ قَضِيبٍ مِنْ خَيْزُرَانَ؛ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا الْخَمْرُ، فَإِنَّ الْجَلْدَ فِيهَا عَلَى مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

مسألة جلد المريض الحدود

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ» وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالْجَلْدُ فِي الْخَمْرِ خَاصَّةً يَكُونُ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ، وَالْأَيْدِي، وَبِطَرْفِ الثَّوْبِ، كُلِّ ذَلِكَ، أَيْ ذَلِكَ رَأْيُ الْحَاكِمِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا أَنْ يُجْلَدَ فِي الْخَمْرِ أَيْضًا بِسَوْطٍ لَا يَكْسِرُ، وَلَا يَجْرَحُ، وَلَا يُعَفِّنُ لَحْمًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ إذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَحَدَّثَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» فَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ جَائِزٌ فِي كُلِّ حَدٍّ، وَفِي التَّعْزِيرِ، وَضَرْبِ الْخَمْرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة جلد الْمَرِيض الْحُدُود] 2194 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُجْلَدُ الْمَرِيضُ الْحُدُودَ أَمْ لَا؟ وَإِنْ جُلِدَهَا كَيْفَ يُجْلَدُهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعَجَّلُ لَهُ ضَرْبُ الْحَدِّ - كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أُتِيَ بِرَجُلٍ يَشْرَبُ الْخَمْرَ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَقَالَ: أَقِيمُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمُوتَ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَاحْتَمَلَ هَذَا أَنْ يَكُونَ إشْفَاقُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحَدَّ فَيَكُونَ مُعَطِّلًا لِلْحَدِّ وَاحْتَمَلَ أَيْضًا: مِنْ أَنْ يَكُونَ يُصِيبُهُ مَوْتٌ مِنْهُ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ سَعِيدٍ أَيْضًا - قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: اضْرِبُوهُ لَا يَمُوتُ فَبَيَّنَ هَذَا أَنَّ إشْفَاقَ عُمَرَ كَانَ مِنْ كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذَا كَانَ هَذَا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ يُضْرَبَ ضَرْبًا لَا يَمُوتُ مِنْهُ وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَبَرُّ نَذْرَهُ بِأَدْنَى الضَّرْبِ وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: الضِّغْثُ لِلنَّاسِ عَامَّةً، فِي قَوْله تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] أَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ غُلَامٍ لَهُمْ يَفْهَمُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ذَلِكَ الْغُلَامُ أَنَّ عُرْوَةَ حَلَفَ لَيَضْرِبُنِي كَذَا وَكَذَا ضَرْبَةً، فَأَخَذَ بِيَدِهِ شَمَارِيخَ فَضَرَبَنِي بِهَا جَمِيعًا وَبِهِ - إلَى إسْمَاعِيلَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] قَالَ: عُودًا فِيهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ عُودًا، وَالْأَصْلُ تَمَامُ الْمِائَةِ، فَضَرَبَ بِهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ حَلَفَ لِيَضْرِبَنَّهَا، فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ تَحِلَّةً لِيَمِينِهِ، وَتَخْفِيفًا عَنْ امْرَأَتِهِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُؤَخَّرُ جَلْدُهُ حَتَّى يَبْرَأَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَاءَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ: مَا ناه يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ

عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] قَالَ: هِيَ لِأَيُّوبَ خَاصَّةً - وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَا الطَّائِفَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ - حَتَّى يَبْرَأَ - يَحْتَجُّونَ: بِمَا ناه حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي أَنَا غُنْدَرٌ أَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الْأَعْلَى التَّغْلِبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ أَمَةً زَنَتْ فَحَمَلَتْ، فَأَتَى عَلِيٌّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ: دَعْهَا حَتَّى تَلِدَ - أَوْ قَالَ حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ اجْلِدْهَا» وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّغْلِبِيَّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ الطَّهَوِيِّ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ خَادِمًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْدَثَتْ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ فَأَتَيْتُهَا فَوَجَدْتُهَا لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: إذَا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا فَأَقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» قَالُوا: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَجِّلْ جَلْدَ الْخَادِمِ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ فَتُجْلَدَ الْحَدَّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - وَكَذَلِكَ الَّتِي لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا حَتَّى يَجِفَّ عَنْهَا دَمُهَا ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الْمُوجِبَةِ تَعْجِيلَ الْحَدِّ عَلَى حَسَبِ مَا يُؤْمَنُ بِهِ الْمَوْتُ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ: مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ النَّيْسَابُورِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحَرَّانِيُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ أَحْمَدُ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي أَبِي ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: قَالَا: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو - هُوَ الرَّقِّيِّ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ زَنَى، فَأَمَرَ بِهِ فَجُرِّدَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُقْعَدٌ، حَمْشُ السَّاقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُبْقِي الضَّرْبُ مِنْ هَذَا شَيْئًا، فَدَعَا بِأَثَاكِيلَ فِيهَا مِائَةُ شُمْرُوخٍ، فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً»

أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ بِمَكَّةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ الثَّقَفِيُّ أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِامْرَأَةٍ ضَعِيفَةٍ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَمْتَنِعَ مِمَّنْ أَرَادَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِمَّنْ؟ قَالَتْ: مِنْ فُلَانٍ، فَذَكَرَتْ رَجُلًا ضَعِيفًا أَضْعَفَ مِنْهَا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجِيءَ بِهِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَقَرَّ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذُوا أَثَاكِيلَ مِائَةً فَاضْرِبُوهُ بِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ صَالِحٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ الْمَعْرُوفَ فِيهِ إسْرَائِيلُ: كَمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ني أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ - هُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ - حَدَّثَنِي زَيْدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: «جِيءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَارِيَةٍ - وَهِيَ حُبْلَى - فَسَأَلَهَا مِمَّنْ حَمْلُكِ؟ فَقَالَتْ: مِنْ فُلَانٍ الْمُقْعَدِ، فَجِيءَ بِفُلَانٍ، فَإِذَا رَجُلٌ حَمْشُ الْجَسَدِ ضَرِيرٌ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا يُبْقِي الضَّرْبُ مِنْ هَذَا شَيْئًا، فَأَمَرَ بِأَثَاكِيلَ مِائَةً فَجُمِعَتْ، فَضُرِبَ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً» وَهِيَ: شَمَارِيخُ النَّخْلِ الَّذِي يَكُونُ فِيهَا الْعُرُوقُ وَفِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا جِدًّا، فَتَرَكْنَاهَا لِذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا جَاءَتْ الْآثَارُ كَمَا ذَكَرْنَا: وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ؟ فَوَجَدْنَا حَدِيثَ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الْحَدَّ عَنْ الْحَمْلِ، وَعَنْ الَّتِي لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا - وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي شَيْءٍ، لِأَنَّ الْحَامِلَ لَيْسَتْ مَرِيضَةً، وَإِنَّمَا خِيفَ عَلَى جَنِينِهَا الَّذِي لَا يَحِلُّ هَلَاكُهُ، وَحُكْمُ الصَّحِيحِ أَنْ تُجْلَدَ بِلَا رَأْفَةٍ، وَحُكْمُ الْجَنِينِ أَنْ لَا يُتَوَصَّلَ إلَى إهْلَاكِهِ: فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْجَلْدِ عَنْهَا جُمْلَةً، كَمَا يُؤَخَّرُ الرَّجْمُ أَيْضًا مِنْ أَجْلِهِ وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا: فَإِنَّ هَذَا كَانَ إثْرَ الْوِلَادَةِ، وَفِي حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ، وَهَذَا شُغْلٌ شَاغِلٌ لَهَا، وَمِثْلُهَا أَنْ لَا تُجْلَدَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، كَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، أَوْ هُوَ

فِي حَالِ الْغَائِطِ، أَوْ الْبَوْلِ، وَلَا فَرْقَ، وَانْقِطَاعُ ذَلِكَ الدَّمِ قَرِيبٌ، إنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ أَوْ سَاعَتَانِ - وَلَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ إذَا طَهُرَتْ، إنَّمَا قَالَ: إذَا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَيْنِك الْحَدِيثَيْنِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا فَإِذْ قَدْ سَقَطَ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الطَّائِفَةِ مُتَعَلِّقٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ - بِعَوْنِ اللَّهِ فِيمَا قَالَتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى: فَنَظَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَا مِنْ جَلْدِ الْمُزْمِنِ الْمَرِيضِ بِشَمَارِيخَ فِيهَا مِائَةُ عُثْكُولٍ: فَوَجَدْنَا الطَّرِيقَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ طَرِيقًا جَيِّدًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ أَيُّوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] وَلَمَّا قَدْ أَحْكَمْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِ " الْإِحْكَامُ لِأُصُولِ الْأَحْكَامِ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا حَدٌّ، لَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] مُوجِبًا أَنْ لَا يُجْلَدَ أَحَدٌ إلَّا عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ مِنْ الْأَلَمِ، وَكَانَ نَصًّا جَلِيًّا فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ أَصْلًا. وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ نَدْرِي أَنَّ ابْنَ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ قَوِيُّ الْجِسْمِ، مُصَبَّرُ الْخُلُقِ، يَحْمِلُ مِنْ الضَّرْبِ مِنْ قُوَّتِهِ مَا لَا يَحْمِلُهُ الشَّيْخُ ابْنُ ثَمَانِينَ، وَالْغُلَامُ ابْنُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا، - وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا - إذَا بَلَغَ - وَأَصَابَ حَدًّا وَكَذَلِكَ يُؤْلَمُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْغُلَامُ الصَّغِيرُ، مِنْ الْجَلْدِ مَا لَا يُؤْلِمُ ابْنَ الثَّلَاثِينَ الشَّابُّ الْقَوِيُّ، بَلْ لَا يَكَادُ يَحُسُّ إلَّا حِسًّا لَطِيفًا مَا يُؤْلِمُ ذَيْنِك الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَأَنَّ الَّذِي يُؤْلِمُ الشَّابَّ الْقَوِيَّ، لَوْ قُوبِلَ بِهِ الشَّيْخُ الْهَرَمُ، وَالصَّغِيرُ النَّحِيفُ، مِنْ الْجَلْدِ لَقَتَلَهُمَا، هَذَا أَمْرٌ لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مَدَافِعُ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ وَوَجَدْنَا الْمَرِيضَ يُؤْلِمُهُ أَقَلُّ شَيْءٍ مِمَّا لَا يَحُسُّهُ الصَّحِيحُ أَصْلًا، إلَّا كَمَا يَحُسُّ بِثِيَابِهِ الَّتِي لَيْسَ لِحِسِّهِ لَهَا فِي الْأَلَمِ سَبِيلٌ أَصْلًا، وَعَلَى حَسَبِ شِدَّةِ الْمَرَضِ يَكُونُ تَأَلُّمُهُ لِلْكَلَامِ، وَلِلتَّلَفِ، وَلِلَمْسِ الْيَدِ بِلُطْفٍ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ أَصْلًا

مسألة كم مرة من الإقرار تجب الحدود على المقر

وَمَنْ كَابَرَ هَذَا فَإِنَّمَا يُكَابِرُ الْعِيَانَ، وَالْمُشَاهَدَةَ، وَالْحِسَّ فَوَجَدْنَا الْمَرِيضَ إذَا أَصَابَ حَدًّا مِنْ زِنًى، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ خَمْرٍ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ الْحَدُّ، وَإِمَّا أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: يُؤَخَّرُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: إلَى مَتَى؟ فَإِنْ قَالُوا: إلَى أَنْ يَصِحَّ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَيْسَ هَذَا أَمَدٌ مَحْدُودٌ، وَقَدْ تَتَعَجَّلُ الصِّحَّةُ، وَقَدْ تُبْطِئُ عَنْهُ، وَقَدْ لَا يَبْرَأُ، فَهَذَا تَعْطِيلٌ لِلْحُدُودِ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا، لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعْجِيلُ الْحَدِّ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فَصَحَّ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُجْلَدَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ وُسْعِهِ الَّذِي كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصْبِرَ لَهُ، فَمَنْ ضَعُفَ جِدًّا جُلِدَ بِشِمْرَاخٍ فِيهِ مِائَةُ عُثْكُولٍ جَلْدَةً وَاحِدَةً، أَوْ فِيهِ ثَمَانُونَ عُثْكَالًا كَذَلِكَ - وَيُجْلَدُ فِي الْخَمْرِ وَإِنْ اشْتَدَّ ضَعْفُهُ بِطَرْفِ ثَوْبٍ: عَلَى حَسَبِ طَاقَةِ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا مَزِيدَ - وَبِهَذَا نَقُولُ وَنَقْطَعُ: أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِيَقِينٍ، وَمَا عَدَاهُ فَبَاطِلٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى - وَبِهِ التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة كَمْ مَرَّةٍ مِنْ الْإِقْرَارِ تَجِبُ الْحُدُودُ عَلَى الْمُقِرِّ] 2195 - مَسْأَلَةٌ: بِكَمْ مِنْ مَرَّةٍ مِنْ الْإِقْرَارِ تَجِبُ الْحُدُودُ عَلَى الْمُقِرِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً تَجِبُ إقَامَةُ الْحُدُودِ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ؛ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقَامُ عَلَى أَحَدٍ حَدُّ الزِّنَى بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَطْعِ، وَالسَّرِقَةِ حَتَّى يُقِرَّ بِهِ مَرَّتَيْنِ، وَحَدُّ الْخَمْرِ مَرَّتَيْنِ - وَأَمَّا فِي الْقَذْفِ فَمَرَّةٌ وَاحِدَةٌ - وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ

كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا، فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يُقَامُ فِي الزِّنَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِطَرِيقِ مُسْلِمٍ ني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ني أَبِي عَنْ جَدِّي ني عُقَيْلُ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ أَتَى رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ - فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْتُ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى كَرَّرَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ أَحْصَنْتَ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَا حِبَّانُ - هُوَ ابْنُ مُوسَى - أَنَا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُضَاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ مَاعِزًا أَتَى رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: هُزَالٌ، فَقَالَ: يَا هُزَالُ إنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى، قَالَ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ زَنَى؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ - أَرْبَعَ مَرَّاتٍ - فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةُ أَمَرَ بِرَجْمِهِ، فَلَمَّا رُجِمَ أُتِيَ إلَى شَجَرَةٍ فَقُتِلَ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَا حِبَّانُ - وَهُوَ ابْنُ مُوسَى - أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ زَكَرِيَّا أَبِي عِمْرَانَ الْبَصْرِيِّ - هُوَ ابْنُ سَلِيمٍ - صَاحِبِ اللُّؤْلُئِيِّ قَالَ: سَمِعْت شَيْخًا يُحَدِّثُ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ الْقُرَشِيَّ قَالَ: أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «شَهِدْتُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَغْلَتِهِ - فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ حُبْلَى فَقَالَتْ: إنَّهَا قَدْ بَغَتْ فَارْجُمْهَا؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَتِرِي بِسِتْرِ اللَّهِ فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَغْلَتِهِ - فَقَالَتْ: اُرْجُمْهَا؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَتِرِي بِسِتْرِ اللَّهِ فَرَجَعَتْ ثُمَّ جَاءَتْ الثَّالِثَةَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَغْلَتِهِ - فَأَخَذَتْ بِاللِّجَامِ فَقَالَتْ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إلَّا رَجَمْتَهَا، فَقَالَ: انْطَلِقِي حَتَّى تَلِدِي فَانْطَلَقَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَجَاءَتْ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَفَلَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ قَالَ

انْطَلِقِي فَتَطَهَّرِي مِنْ الدَّمِ فَانْطَلَقَتْ فَتَطَهَّرَتْ مِنْ الدَّمِ، ثُمَّ جَاءَتْ فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى نِسْوَةٍ فَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَهَا وَأَنْ يَنْظُرْنَ أَطَهُرَتْ مِنْ الدَّمِ؟ فَجِئْنَ فَشَهِدْنَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِطُهْرِهَا، فَأَمَرَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِحُفْرَةٍ إلَى ثُنْدُوَتِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ فَقَالَ بِيَدِهِ: فَأَخَذَ حَصَاةً - كَأَنَّهَا حِمَّصَةٌ - فَرَمَاهَا بِهَا، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: ارْمُوهَا وَإِيَّاكُمْ وَوَجْهَهَا، فَرَمَوْهَا حَتَّى طُفِيَتْ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهَا حَتَّى صَلَّى عَلَيْهَا» وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا يَقُولُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نُمَيْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ ظَلَمْت نَفْسِي وَزَنَيْتُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا؟ أَتُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِي الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نَرَى، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ: حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَجَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَأَنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَرُدُّنِي، لَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى، قَالَ لَهَا: لَا، أَمَّا الْآنَ فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ: فَاذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ قَالَتْ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا» فَهَذَا هُوَ الْبَيَانُ الْجَلِيُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِأَيِّ شَيْءٍ رَدَّ مَاعِزًا لِأَنَّ الْغَامِدِيَّةَ قَرَّرَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّهُ رَدَّ مَاعِزًا، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَرْدِيدِهَا، لِأَنَّ الزِّنَى الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَامَتُهُ - وَهِيَ حَبَلُهَا - فَصَدَّقَهَا

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَأَمْسَكَ عَنْ تَرْدِيدِهَا - وَلَوْ كَانَ تَرْدِيدُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاعِزًا مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَصِحُّ بِالزِّنَى حَتَّى يَتِمَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَأَنْكَرَ عَلَيْهَا هَذَا الْكَلَامَ، وَلَقَالَ لَهَا: لَا شَكَّ إنَّمَا أَرُدُّك كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِأَرْبَعِ مَرَّاتٍ - وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ، وَلَا عَلَى بَاطِلٍ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا صَادِقَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ مِنْ التَّرْدِيدِ إلَى مَا احْتَاجَ إلَيْهِ مَاعِزٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَرُدَّهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ تَرْدِيدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاعِزًا إنَّمَا كَانَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - مَا نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تُهْمَتِهِ لِعَقْلِهِ فَسَأَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْمَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ هَلْ بِهِ جُنُونٌ؟ وَسُؤَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ شَرِبَ خَمْرًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى بْنِ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ طَهِّرْنِي، قَالَ: وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ، قَالَ: فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟ قَالَ: مِنْ الزِّنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَبِهِ جِنَّةٌ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، فَقَالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَزَنَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اتَّهَمَهُ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الزِّنَى؟ فَرَدَّدَهُ لِذَلِكَ وَقَرَّرَهُ» : كَمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أرنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ الْأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَى، فَقَالَ: لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت» وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ عُثْمَانَ الْبَصْرِيِّ أرنا

وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: وَيْحَكَ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَنِكْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ» فَقَدْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّ تَرْدِيدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَاعِزٍ لَمْ يَكُنْ مُرَاعَاةً لِتَمَامِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ لِتُهْمَتِهِ إيَّاهُ فِي عَقْلِهِ، وَفِي جَهْلِهِ مَا هُوَ الزِّنَى - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُضَاضٍ، فَإِنَّ ابْنَ مُضَاضٍ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَبَرٌ صَحِيحٌ بِبَيَانِ بُطْلَانِ ظَنِّهِمْ نَذْكُرُهُ بَعْدَ تَمَامِ كَلَامِنَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ -: مَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الصَّامِتِ ابْنَ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالزِّنَى يَقُولُ: أَتَيْتُ امْرَأَةً حَرَامًا، وَكُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَالَ لَهُ: أَنْكَحْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَى؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مِثْلَ مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ حَلَالًا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي؟ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْجَمَ فَرُجِمَ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً فَمَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ فَقَالَا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُمَا: كُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَنْ يَأْكُلُ هَذَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ هَذَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ الْجِيفَةِ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ الْآنَ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكْتَفِ بِتَقْرِيرِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَا بِإِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، حَتَّى أَقَرَّ فِي الْخَامِسَةِ، ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى سَأَلَهُ السَّادِسَةَ: هَلْ تَعْرِفُ مَا الزِّنَى؟ فَلَمَّا عَرَفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يَعْرِفُ الزِّنَى لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى سَأَلَهُ السَّابِعَةَ، مَا يُرِيدُ بِهَذَا إلَّا لِيَخْتَبِرَ عَقْلَهُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ عَاقِلٌ صَحِيحُ الْعَرْضِ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ - وَفِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ بُطْلَانِ الرَّأْيِ مِنْ الصَّاحِبِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْكَرَ عَلَيْهِمَا مَا قَالَاهُ بِرَأْيِهِمَا مُجْتَهِدِينَ قَاصِدِينَ إلَى الْحَقِّ - فَهَذَا يُبْطِلُ احْتِجَاجَ مَنْ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ أَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيَّ - ني أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ني أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى - فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ؟ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَّهَا فَقَالَ: أَحْسِنْ إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ قَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدَتْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟» " وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا «إنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَعْرَابِ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ -: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَإِيذَنْ لِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ، فَقَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ،

مسألة هل في الحدود نفي أم لا

وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا؟ فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَتْ» فَوَجَدْنَا بُرَيْدَةَ، وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، كُلَّهُمْ قَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إقَامَةَ الْحَدِّ فِي الزِّنَى عَلَى: الْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ، بِغَيْرِ تَرْدِيدٍ، وَعَلَى امْرَأَةِ هَذَا الْمَذْكُورِ بِالِاعْتِرَافِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ يَقْتَضِي - وَلَا بُدَّ - رَجْمَهَا بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ اعْتِرَافٍ، وَهُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ وَصَحَّ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُوجِبُ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ فِي الزِّنَى بِالِاعْتِرَافِ الْمُطْلَقِ دُونَ تَحْدِيدِ عَدَدٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» وَأَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَضَى بِالرَّجْمِ فِي الِاعْتِرَافِ دُونَ عَدَدٍ فَصَحَّ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الِاعْتِرَافُ مَرَّةً أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة هَلْ فِي الْحُدُودِ نَفْيٌ أَمْ لَا] 2196 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ فِي الْحُدُودِ نَفْيٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النَّفْيُ يَقَعُ مِنْ الْحُدُودِ فِي الْمُحَارَبَةِ بِالْقُرْآنِ، وَفِي الزِّنَى بِالسُّنَّةِ، وَحَكَمَ بِهِ قَوْمٌ فِي الرِّدَّةِ، وَفِي الْخَمْرِ، وَالسَّرِقَةِ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَتَكَلَّمُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُلِّ ذَلِكَ فَصْلًا فَصْلًا، فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَفْيُهُ سَجْنُهُ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنْفَى أَبَدًا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ قَالَتْ طَائِفَةٌ: نَفْيُهُ هُوَ أَنْ يُطْلَبَ حَتَّى يُعْجِزَهُمْ فَلَا يَقْدِرُوا عَلَيْهِ كَمَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْمُحَارِبِ إنْ هَرَبَ وَأَعْجَزَهُمْ فَذَلِكَ نَفْيُهُ

وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولَانِ: إنَّمَا النَّفْيُ أَنْ لَا يُدْرَكُوا، فَإِذَا أُدْرِكُوا، فَفِيهِمْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا نُفُوا حَتَّى يَلْحَقُوا بِبَلَدِهِمْ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ حَارَبَ: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ، أَوْ يُصْلَبَ، أَوْ يُقْطَعَ، أَوْ يُنْفَى، فَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ - وَعَنْ الضَّحَّاكِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] قَالَ: هُوَ أَنْ يُطْلَبُوا حَتَّى يُعْجِزُوا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ - وَقَالَ آخَرُونَ: النَّفْيُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الْمُحَارِبِ، كَمَا كَتَبَ إلَيَّ الْمَرْجِيُّ بْنُ زَرْوَانَ قَالَ: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الرَّحَبِيُّ أَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا حَجَّاجٌ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مُحَارِبًا فَأَخَافَ الطَّرِيقَ، وَأَخَذَ الْمَالَ: قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ - وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ: قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ صُلِبَ - وَإِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ: قُتِلَ - وَإِذَا أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ: نُفِيَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ النَّفْيَ هُوَ السَّجْنُ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] قَالُوا: وَالنَّفْيُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ: هُوَ الْإِبْعَادُ فَصَحَّ أَنَّ الْوَاجِبَ إبْعَادُهُ مِنْ الْأَرْضِ، قَالُوا: وَلَا يُقْدَرُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الْأَرْضِ جُمْلَةً، فَوَجَبَ أَنْ نَفْعَلَ مِنْ ذَلِكَ أَقْصَى مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فَكَانَ أَقْصَى مَا نَسْتَطِيعُ مِنْ ذَلِكَ إبْعَادَهُ عَنْ كُلِّ مَا قَدَرْنَا عَلَى إبْعَادِهِ مِنْهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَغَايَةُ ذَلِكَ السَّجْنُ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ حَاشَا مَا كَانَ سِجْنَهُ الَّذِي لَمْ نَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ أَصْلًا، فَلَزِمَنَا مَا اسْتَطَعْنَا مِنْ ذَلِكَ، وَسَقَطَ عَنَّا مَا لَمْ نَسْتَطِعْ مِنْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً، لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى الْمُحَارَبَةِ فَهُوَ مُحَارِبٌ،

فَإِذْ هُوَ مُحَارِبٌ فَوَاجِبٌ أَنْ يُجْزَى جَزَاءَ الْمُحَارِبِ، فَالنَّفْيُ عَلَيْهِ بَاقٍ مَا لَمْ يَتْرُكْ الْمُحَارَبَةَ بِالتَّوْبَةِ، فَإِذَا تَرَكَهَا سَقَطَ عَنْهُ جَزَاؤُهَا أَنْ يَتَمَادَى فِيهِ، إذْ قَدْ جُوزِيَ عَلَى مُحَارَبَتِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حُجَّةِ مَنْ قَالَ: يُنْفَى أَبَدًا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ أَنْ قَالَ: إنَّنَا إذَا سَجَنَّاهُ فِي بَلَدٍ، أَوْ أَقْرَرْنَاهُ فِيهِ - غَيْرَ مَسْجُونٍ - فَلَمْ نَنْفِهِ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، بَلْ عَمِلْنَا بِهِ ضِدَّ النَّفْيِ، وَالْإِبْعَادِ، وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَالْإِثْبَاتُ فِي الْأَرْضِ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْهَا - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنْ نَسْتَعْمِلَ إبْعَادَهُ وَنَفْيَهُ عَنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ أَبَدًا، حَسَبَ طَاقَتِنَا، أَوْ غَايَةُ ذَلِكَ أَلَّا نُقِرَّهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا دُمْنَا قَادِرِينَ عَلَى نَفْيِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ - ثُمَّ هَكَذَا أَبَدًا، وَلَوْ قَدَرْنَا عَلَى أَنْ لَا نَدَعَهُ يَقَرُّ سَاعَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ لَفَعَلْنَا ذَلِكَ، وَلَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْنَا فِعْلُهُ مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى الْمُحَارَبَةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحَّ وَأَوْلَى بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِمَا ذَكَرَ الْمُحْتَجُّ لَهُ مِنْ أَنَّ السَّجْنَ إثْبَاتٌ، وَإِقْرَارٌ لَا نَفْيٌ وَمَا عَرَفَ قَطُّ أَهْلُ اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَخَاطَبَنَا بِهَا اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ السَّجْنَ يُسَمَّى: نَفْيًا، وَلَا أَنَّ النَّفْيَ يُسَمَّى: سَجْنًا، بَلْ هُمَا اسْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، مُتَغَايِرَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ - وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف: 35 - 36] فَمَا قَالَ أَحَدٌ - لَا قَدِيمٌ وَلَا حَدِيثٌ - أَنَّ حُكْمَ الزَّوَانِي كَانَ النَّفْيَ، إذْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَبْسِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَلَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ: إنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُفِيَ إذْ حُبِسَ فِي السِّجْنِ - فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ، بِالسَّجْنِ جُمْلَةً وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ فِي الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا إمَّا نَفْيُهُ إلَى مَكَان غَيْرِ مَكَانِهِ وَإِقْرَارُهُ هُنَالِكَ أَوْ نَفْيُهُ أَبَدًا، فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: يُنْفَى مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَيُقَرُّ هُنَالِكَ [أَنْ قَالُوا: أَنْتُمْ تَقُولُونَ بِتَكْرَارِ فِعْلِ الْأَمْرِ بَلْ يُجْزِي عِنْدَكُمْ إيقَاعُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِذَا كَرَّرْتُمْ النَّفْيَ أَبَدًا فَقَدْ نَقَضْتُمْ أَصْلَكُمْ

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرُوهُ دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ بِمَنْعِهِمْ الْمَنْفِيَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مَنْزِلِهِ، فَهُمْ يُقِرُّونَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةَ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ، فَقَدْ وَقَعُوا فِيمَا أَنْكَرُوا بِعَيْنِهِ نَعَمْ، وَالتَّكْرَارُ أَيْضًا لَازِمٌ لِمَنْ قَالَ بِنَفْيِهِ أَوْ سَجْنِهِ سَوَاءً سَوَاءً] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَقُولُ: إنَّ الْمُحَارِبَ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا نَفْيَهُ حَرْبًا عَلَى مُحَارَبَتِهِ فَإِنَّهُ مَا دَامَ مُصِرًّا فَهُوَ مُحَارِبٌ وَمَا دَامَ مُحَارِبًا فَالنَّفْيُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} [آل عمران: 135] فَمَنْ فَعَلَ الْمُحَارَبَةَ فَبِلَا شَكٍّ نَدْرِي أَنَّهُ فِي حَالِ نَوْمِهِ، وَأَكْلِهِ، وَاسْتِرَاحَتِهِ، وَمَرَضِهِ: أَنَّهُ مُحَارِبٌ، كَمَا كَانَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي وَسَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَحُقَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِهِ هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، فَهُوَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي حَالِ إصْرَارِهِ عَلَى الْمُحَارَبَةِ بِلَا شَكٍّ، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِثْمُ إلَّا بِتَوْبَةٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَالْحَدُّ بَاقٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْقُطَ بِالتَّوْبَةِ أَوْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْحُكْمُ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلَافٍ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ لَا يُجَدَّدُ عَلَيْهِ قَطْعٌ آخَرُ، وَيَمْنَعُ النَّصُّ مِنْ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ حَدًّا آخَرَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ وَجَدْنَا مَنْ قَالَ: بِنَفْيِهِ وَتَرْكِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَنْفِيهِ إلَيْهِ - قَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ فِي أَنَّهُ أَقَرَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالْإِقْرَارُ خِلَافُ النَّفْيِ، فَقَدْ أَقَرُّوهُ فِي الْأَرْضِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ الَّذِي صَحَّحْنَاهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَبِهِ نَقُولُ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْفَى أَبَدًا مِنْ كُلِّ مَكَان مِنْ الْأَرْضِ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ يَقَرُّ إلَّا مُدَّةَ أَكْلِهِ، وَنَوْمِهِ، وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ الرَّاحَةِ الَّتِي إنْ لَمْ يَنَلْهَا مَاتَ، وَمُدَّةَ مَرَضِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُقْتَلَ، وَأَنْ لَا يُضَيَّعَ، لَكِنْ يُنْفَى أَبَدًا حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً، فَإِذَا أَحْدَثَهَا سَقَطَ عَنْهُ النَّفْيُ، وَتُرِكَ يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهِ - فَهَذَا حُكْمُ الْقُرْآنِ، وَمَتَى أَحْدَثَ التَّوْبَةَ مِنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ سَقَطَ عَنْهُ النَّفْيُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2197 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا نَفْيُ الزَّانِي؟ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الزَّانِي غَيْرُ الْمُحْصَنِ، يُجْلَدُ مِائَةً، وَيُنْفَى سَنَةً - الْحُرُّ، وَالْحُرَّةُ

ذَاتُ الزَّوْجِ، وَغَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ، فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَأَمَّا الْعَبْدُ الذَّكَرُ فَكَالْحُرِّ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَجَلْدُ خَمْسِينَ وَنَفْيُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنْفَى الرَّجُلُ الزَّانِي جُمْلَةً، وَلَا تُنْفَى النِّسَاءُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنْفَى الْحُرُّ الذَّكَرُ، وَلَا تُنْفَى الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ - ذَاتَ زَوْجٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ - وَلَا الْأَمَةُ، وَلَا الْعَبْدُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نَفْيَ عَلَى زَانٍ أَصْلًا - لَا عَلَى ذَكَرٍ، وَلَا عَلَى أُنْثَى، وَلَا حُرٍّ، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا أَمَةٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمِنْ ذَلِكَ: مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو كُرَيْبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَإِنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ» . أَنَا حُمَامٌ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ فَأَحْبَلَهَا فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَدَهُ مِائَةً ثُمَّ نُفِيَ. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَى رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أُخْتَهُ أَحْدَثَتْ - وَهِيَ فِي سِتْرِهَا وَأَنَّهَا حَامِلٌ - فَقَالَ عُمَرُ: أَمْهِلْهَا حَتَّى إذَا وَضَعَتْ وَاسْتَقَلَّتْ فَآذَنِّي بِهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ جَلَدَهَا مِائَةً وَغَرَّبَهَا إلَى الْبَصْرَةِ عَامًا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَرَّبَ فِي الزِّنَى سَنَةً. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْأَمْرُ تَمْضِي بِهِ السُّنَّةُ حَتَّى غَرَّبَ مَرْوَانُ فِي إمْرَتِهِ بِالْمَدِينَةِ - ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ النَّاسُ.

وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ، تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَّا امْرَأَةً فَزَنَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَجَلَدَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِائَةَ سَوْطٍ وَنَفَاهَا سَنَةً إلَى نَهْرِ كَرْبِلَاءَ فَلَمَّا رَجَعَتْ دَفَعَهَا إلَى زَوْجِهَا، وَقَالَ: امْرَأَتُك فَإِنْ شِئْت فَطَلِّقْ، وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَاطِبًا تُوُفِّيَ وَأَعْتَقَ مَنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ، وَكَانَتْ لَهُ وَلِيدَةٌ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ - وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ - فَلَمْ يَرُعْهُ إلَّا حَمْلُهَا، فَذَهَبَ إلَى عُمَرَ فَزِعًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا تَأْتِي بِخَيْرٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عُمَرُ: أَحَبَلْتِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، مِنْ مَرْعُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ، فَإِذَا هِيَ تَسْتَهِلُّ بِهِ، وَصَادَفَتْ عِنْدَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، وَعُثْمَانُ جَالِسٌ فَاضْطَجَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، قَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ يَا عُثْمَانُ؟ قَالَ: قَدْ أَشَارَ عَلَيْك أَخَوَاك، قَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ؟ قَالَ: أَرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ، وَلَيْسَ الْحَدُّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ، فَأَمَرَ بِهَا فَجُلِدَتْ مِائَةً وَغَرَّبَهَا. وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْبِكْرُ تُجْلَدُ مِائَةً وَتُنْفَى سَنَةً. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ يُجْلَدَانِ مِائَةً وَيُنْفَيَانِ سَنَةً. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَدَّ مَمْلُوكَةً لَهُ فِي الزِّنَى وَنَفَاهَا إلَى فَدَكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ: فَكَمَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ، فَإِنْ حَبَسَهُمَا مِنْ الْفِتْيَانِ يُنْفَيَانِ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا، أَوْ مَاتَ فَزَنَتْ: أَنَّهَا تُجْلَدُ وَلَا تُنْفَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّغْرِيبِ مِنْ حَدِّ الزِّنَى يَذْكُرُونَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا «إنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: الْخَصْمُ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْ: قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا؟ قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ أَنَا هُشَيْمٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى نا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ، قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَبَقِيَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، الْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ» . أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى

أَنَا يَزِيدَ - هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ - أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَقِيَ ذَلِكَ فَلِمَا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَرَوَاهُ أَيْضًا شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، ثُمَّ اتَّفَقَ صَالِحٌ، وَابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ فِيمَنْ لَمْ يُحْصِنْ إذَا زَنَى بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ» . وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ أَنَا حُجَيْرٌ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ أَنْ يُنْفَى عَامًا مَعَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَكَانَتْ هَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ رَوَاهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ بِإِيجَابِ تَغْرِيبِ عَامٍ مَعَ جَلْدِ مِائَةٍ عَلَى الزَّانِي الَّذِي لَمْ يُحْصِنْ، مَعَ إقْسَامِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي قَضَائِهِ بِهِ أَنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ وَحْيُهُ وَحُكْمُهُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَنْ وَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى يَقُولُهُ.

وَقَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] . وَفَرَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ حَدِّ الْمَمْلُوكِ، وَحَدِّ الْحُرِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَى الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ فِي بَابِ حَدِّ الْمَمَالِيكِ فَصَحَّ النَّصُّ أَنَّ عَلَى الْمَمَالِيكِ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ - نِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ، وَذَلِكَ جَلْدُ خَمْسِينَ وَنَفْيُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ التَّغْرِيبَ عَلَى النِّسَاءِ وَالْمَمَالِيكِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ الْخَبَرَ الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ، فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ " فَلْيَجْلِدْهَا " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَدَدَ الْجَلْدِ كَمْ هُوَ؟ فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا أَحَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانَ الْجَلْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَعَلَى الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ بَيَانُ حُكْمِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحُدُودِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ سُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذِكْرِ التَّغْرِيبِ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ: حُجَّةٌ فِي إبْطَالِ التَّغْرِيبِ الَّذِي قَدْ صَحَّ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ. كَذَلِكَ لَيْسَ فِي سُكُوتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذِكْرِ عَدَدِ جَلْدِهَا كَمْ هُوَ: حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ مَا قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَنَّ حَدَّهَا نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ هَذَا الْخَبَرَ، لَيْسَ فِيهِ: أَنْ لَا تَغْرِيبَ، وَلَا أَنَّ التَّغْرِيبَ سَاقِطٌ عَنْهَا، لَكِنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَقَطْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ تَغْرِيبِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ مُعَارِضًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّفْيُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي خِدْمَةِ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ، وَحَقَّ أَهْلِ الْمَرْأَةِ فِيهَا، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ حُقُوقِهِمْ بِنَفْيِ الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ، وَالْمَرْأَةِ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ أَيْضًا فِي زَوْجِهَا وَابْنِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ بِنَفْيِهِمْ.

فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ؟ وَقَالُوا: لِأَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» ؟ قَالُوا: صَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ بَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] الْآيَةَ. قَالَ: فَكَانَ السَّبِيلُ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَالتَّغْرِيبِ. ثُمَّ جَاءَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ، فَكَانَ نَاسِخًا لِخَبَرِ عُبَادَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كَلَامٌ جَمَعَ التَّخْلِيطَ وَالْكَذِبَ، أَمَّا التَّخْلِيطُ: فَدَعْوَاهُمْ النَّسْخَ، وَأَمَّا الْكَذِبُ: فَهُوَ التَّحَكُّمُ مِنْهُمْ فِي أَوْقَاتِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَمَا فِي خَبَرِ عُبَادَةَ بِلَا بُرْهَانٍ. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ - فَنَقُولُ: إنَّ دَعْوَاهُمْ أَنَّ خَبَرَ عُبَادَةَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ مِنْ أَجْلِ مَا فِيهِ «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» فَظَنٌّ مِنْهُمْ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَطْعَ بِالظَّنِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [النجم: 23] . وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] . وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» . لَكِنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ فِي هَذَا الْمَكَانِ، هُوَ أَنَّ الْقَطْعَ بِأَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ، أَوْ بِأَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ قَبْلَ حَدِيثِ عُبَادَةَ، فَمِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ عُبَادَةَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ.

مسألة من أصاب حدا ولم يدر بتحريمه

وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْآيَةِ قَبْلَ حَدِيثِ عُبَادَةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، أَيَّ ذَلِكَ كَانَ لَا يَعْتَرِضُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يُعَارِضُ شَيْءٌ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَنَقُولُ: إنَّهُ إنْ كَانَ حَدِيثُ عُبَادَةَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَقَدْ صَحَّ مَا فِي حُكْمِ حَدِيثِ عُبَادَةَ مِنْ الْجَلْدِ، وَالتَّغْرِيبِ، وَالرَّجْمِ، وَكَانَتْ الْآيَةُ وَرَدَتْ بِبَعْضِ مَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ، وَأَحَالَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي بَاقِي الْحَدِّ عَلَى مَا سَلَفَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ. وَكَمَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ مَانِعَةً عِنْدَهُمْ مِنْ الرَّجْمِ الَّذِي ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ قَبْلَ نُزُولِهَا - بِزَعْمِهِمْ - وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا، فَكَذَلِكَ لَيْسَتْ مَانِعَةً مِنْ التَّغْرِيبِ الَّذِي ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ قَبْلَ نُزُولِهَا - بِزَعْمِهِمْ - وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا، وَلَا فَرْقَ. هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ إنْ كَانَ حَدِيثُ عُبَادَةَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، كَمَا ادَّعَوْا - وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ عُبَادَةَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَقَدْ جَاءَ بِمَا فِي الْآيَةِ مِنْ الْجَلْدِ، وَزِيَادَةِ الرَّجْمِ، وَالتَّغْرِيبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» بِمُوجِبٍ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَلَا بُدَّ، بَلْ قَدْ تَنْزِلُ الْآيَةُ بِبَعْضِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ، ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ تَمَامَ السَّبِيلِ، وَهُوَ الرَّجْمُ، وَالتَّغْرِيبُ الْمُضَافَانِ إلَى مَا فِي الْآيَةِ مِنْ الْجَلْدِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَنْ أَصَابَ حَدًّا وَلَمْ يَدْرِ بِتَحْرِيمِهِ] 2198 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَصَابَ حَدًّا وَلَمْ يَدْرِ بِتَحْرِيمِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مُحَرَّمًا - فِيهِ حَدٌّ أَوْ لَا حَدَّ فِيهِ - وَهُوَ جَاهِلٌ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ - لَا إثْمَ وَلَا حَدَّ وَلَا مَلَامَةَ - لَكِنْ يُعَلَّمُ، فَإِنْ عَادَ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ ادَّعَى جَهَالَةً نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ أَصْلًا - وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ بِتَحْلِيفِهِ، وَلَا نَرَى عَلَيْهِ حَدًّا، وَلَا تَحْلِيفًا - وَإِنْ كَانَ مُتَيَقَّنًا أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فَإِنَّ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ النِّذَارَةُ لَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ، لِأَنَّهُ عِلْمُ

مسألة المرتد تعريفه وحكمه

غَيْبٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ أَحَدًا إلَّا مَا فِي وُسْعِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ تِلْكَ الْقِصَّةَ، فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يُكَلَّفْهُ، وَلَا حَدَّ وَلَا مَلَامَةَ. وَإِنَّمَا سَقَطَ هَذَا عَمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلَ، فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا عَنْ السَّلَفِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ يُخْبِرُهُ: أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَى؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ، أَنْ سَلْهُ: هَلْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنْ قَالَ: لَا، فَأَعْلِمْهُ أَنَّهُ حَرَامٌ، فَإِنْ عَادَ فَاحْدُدْهُ. وَعَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ حَرْقُوصٍ قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي زَنَى بِجَارِيَتِي، فَقَالَ: صَدَقَتْ، هِيَ وَمَالُهَا لِي حِلٌّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اذْهَبْ وَلَا تَعُدْ، كَأَنَّهُ دَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ بِالْجَهَالَةِ؟ [مَسْأَلَة الْمُرْتَدّ تَعْرِيفه وَحُكْمه] 2199 - مَسْأَلَةُ: الْمُرْتَدِّينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مَنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مُتَبَرِّئًا مِنْ كُلِّ دِينٍ - حَاشَ دِينِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَخَرَجَ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ، أَوْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ، أَوْ إلَى غَيْرِ دِينٍ، فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُسْتَتَابُ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُسْتَتَابُ، وَفَرَّقَتْ طَائِفَةٌ بَيْنَ مَنْ أَسَرَّ رِدَّتَهُ وَبَيْنَ مَنْ أَعْلَنَهَا - وَفَرَّقَتْ طَائِفَةٌ بَيْنَ مَنْ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَبَيْنَ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ. وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يُسْتَتَابُونَ، فَانْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ، تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ، رَاجَعَ الْإِسْلَامَ أَوْ لَمْ يُرَاجِعْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ بَادَرَ فَتَابَ قُبِلَتْ مِنْهُ تَوْبَتُهُ، وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ أُنْفِذَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ، فَإِنَّهُمْ انْقَسَمُوا أَقْسَامًا: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: نَسْتَتِيبُهُ مَرَّةً فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: نَسْتَتِيبُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: نَسْتَتِيبُهُ شَهْرًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: نَسْتَتِيبُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: نَسْتَتِيبُهُ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَلَا يُقْتَلُ. فَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسِرِّ وَالْمُعْلِنِ: فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: مَنْ أَسَرَّ رِدَّتَهُ قَتَلْنَاهُ دُونَ اسْتِتَابَةٍ، وَلَمْ نَقْبَلْ تَوْبَتَهُ، وَمَنْ أَعْلَنَهَا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنْ أَقَرَّ الْمُسِرُّ وَصَدَقَ النِّيَّةَ قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَا صَدَقَ النِّيَّةَ قَتَلْنَاهُ وَلَمْ نَقْبَلْ تَوْبَتَهُ - قَالَ هَؤُلَاءِ: وَأَمَّا الْمُعْلِنُ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسِرِّ وَالْمُعْلِنِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: فَطَائِفَةٌ قَبِلَتْ تَوْبَتَهُمَا مَعًا - أَقَرَّ الْمُسِرُّ أَوْ لَمْ يُقِرَّ. وَطَائِفَةٌ: لَمْ تَقْبَلْ تَوْبَةَ مُسِرٍّ وَلَا مُعْلِنٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ، أَوْ الْحَرْبِيِّ يَخْرُجَانِ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُتْرَكَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُمْنَعَانِ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُتْرَكَانِ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا. ثُمَّ افْتَرَقَ هَؤُلَاءِ فِرْقَتَيْنِ:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ رَجَعَ الذِّمِّيُّ إلَى دِينِهِ الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ تُرِكَ، وَإِلَّا قُتِلَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَحْدَهُ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا يُتْرَكُ عَلَى الدِّينِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ، وَلَا يُتْرَكُ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ، لَكِنْ إنْ أَسْلَمَ تُرِكَ، وَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَا بُدَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ني حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ نا قُرَّةُ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ - عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَرْسَلَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْكُمْ، فَأَلْقَى لَهُ أَبُو مُوسَى وِسَادَةً لِيَجْلِسَ عَلَيْهَا، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ: قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَلَمَّا قُتِلَ قَعَدَ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً، قَالَ: وَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ: قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ» فِي حَدِيثٍ. وَعَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَلَقَتَلْتهمْ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عِجْلٍ تَنَصَّرَ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ عُيَيْنَةَ بْنُ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَكَتَبَ عَلِيٌّ: أَنْ يُؤْتَى بِهِ، فَجِيءَ بِهِ حَتَّى طُرِحَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ - أَشْعَرُ عَلَيْهِ ثِيَابُ صُوفٍ - مَوْثُوقٌ فِي الْحَدِيدِ، فَكَلَّمَهُ عَلِيٌّ فَأَطَالَ كَلَامَهُ

وَهُوَ سَاكِتٌ - فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ؟ غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، فَلَمَّا قَالَهَا قَامَ إلَيْهِ عَلِيٌّ فَوَطِئَهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ: أَنَّ عَلِيًّا قَدْ وَطِئَهُ قَامُوا فَوَطِئُوهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمْسِكُوا، فَأَمْسَكُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِفَتْحِ تُسْتَرَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَنِي عُمَرُ - وَكَانَ نَفَرٌ سِتَّةٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَدْ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ - فَقَالَ: مَا فَعَلَ النَّفَرُ مِنْ بَكْرٍ؟ قَالَ: فَأَخَذْت فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَشْغَلَهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ النَّفَرُ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ؟ قُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ، مَا سَبِيلُهُمْ إلَّا الْقَتْلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَأَنْ أَكُونَ أَخَذْتهمْ سِلْمًا أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ صَفْرَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ مَرَّةً، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُثْمَانَ، فَرَدَّ إلَيْهِ عُثْمَانُ: أَنْ اعْرِضْ عَلَيْهِمْ دِينَ الْحَقِّ، وَشَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ قَبِلُوهَا، فَخَلِّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا، فَاقْتُلْهُمْ - فَقَبِلَهَا بَعْضُهُمْ فَتَرَكَهُ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُ. وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِشَيْخٍ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَعَلَّك إنَّمَا ارْتَدَدْت لَأَنْ تُصِيبَ مِيرَاثًا ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَعَلَّك خَطَبْت امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوكَهَا فَأَرَدْت أَنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى أَلْقَى الْمَسِيحَ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ عَلِيٌّ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَدَفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى وُلْدِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ: أَنَّ الْمِسْوَرَ الْعِجْلِيّ تَنَصَّرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَبَعَثَ بِهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى عَلِيٍّ فَاسْتَتَابَهُ فَلَمْ يَتُبْ، فَقَتَلَهُ، فَسَأَلَهُ النَّصَارَى جِيفَتَهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَأَبَى عَلِيٌّ وَأَحْرَقَهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَنَّهُ

بَلَغَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ كَفَرَ إنْسَانٌ بَعْدَ إيمَانِهِ، فَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ - ثَلَاثًا - فَأَبَى، فَقَتَلَهُ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي حَيَّانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَشْرَكَ الْمُسْلِمُ دُعِيَ إلَى الْإِسْلَامِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَإِنْ أَبَى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ مَرَّةً فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ: فَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ شَهْرًا فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا عُثْمَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: أَنَّ عَلِيًّا اسْتَتَابَ رَجُلًا كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ شَهْرًا؟ فَأَبَى، فَقَتَلَهُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: «قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ الْيَمَنِ وَإِذَا بِرَجُلٍ عِنْدَهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ وَنَحْنُ نُرِيدُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، مُنْذُ - أَحْسِبُهُ قَالَ - شَهْرَيْنِ، قَالَ مُعَاذٌ: وَاَللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، ثُمَّ قَالَ مُعَاذٌ: قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.» حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ - هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ - أَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْيَمَنَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلًا قَدْ تَهَوَّدَ وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى الْإِسْلَامَ شَهْرَيْنِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: وَاَللَّهِ لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ؛ قَضَاءَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.» وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا دُونَ قَتْلٍ: فَلِمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا دَاوُد - هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَتَلَ جُحَيْنَةَ الْكَذَّابَ، وَأَصْحَابَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ جُحَيْنَةُ، وَأَصْحَابُهُ؟ قَالَ: فَتَغَافَلْت عَنْهُ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَلْ كَانَ سَبِيلٌ إلَّا الْقَتْلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَتَيْت بِهِمْ لَعَرَضْت عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا اسْتَوْدَعْتهمْ السِّجْنَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ مَجْزَأَةُ بْنُ ثَوْرٍ، أَوْ شَقِيقُ بْنُ ثَوْرٍ عَلَى عُمَرَ يُبَشِّرُهُ بِفَتْحِ تُسْتَرَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ كَانَتْ مُغْرِبَةٌ يُخْبِرُنَا بِهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ ارْتَدَّ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، قَالَ عُمَرُ: وَيْحَكُمْ، فَهَلَّا طَيَّنْتُمْ عَلَيْهِ بَابًا، وَفَتَحْتُمْ لَهُ كُوَّةً فَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا رَغِيفًا، وَسَقَيْتُمُوهُ كُوزًا مِنْ مَاءٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَرَضْتُمْ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فِي الثَّالِثَةِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَرْجِعَ، اللَّهُمَّ لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَعْلَمْ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ أَنَا سَحْنُونٌ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا يَهُودِيًّا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَحَبَسَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَأَتَاهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَرَآهُ عِنْدَهُ فَقَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى تَضْرِبَ عُنُقَهُ؟ فَلَمْ يَنْزِلْ حَتَّى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَأَمَّا مَنْ ارْتَدَّ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا قَالَا جَمِيعًا: يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَمَرَّةً قَالَ: إنْ رَجَعَ إلَى الْكُفْرِ الَّذِي تَذَمَّمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِلَّا أَنْ يُسْلِمَ - وَمَرَّةً قَالَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ السَّيْفِ - وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُسْتَتَابُ مَرَّةً، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . وَقَالَ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] الْآيَةَ. فَكَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ فِعْلَ خَيْرٍ وَدُعَاءً إلَى سَبِيلِ رَبِّنَا بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَدُعَاءً إلَى الْخَيْرِ، وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا، وَكَانَ فَاعِلُهُ مُصْلِحًا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ «لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» . قَالُوا: فَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزْهَدَ فِيهِ. قَالُوا: وَقَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، فَعَارَضَهُمْ مَنْ قَالَ: لَا أَسْتَتِيبُهُ بِأَنْ قَالُوا: بِأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَجِبَ مَرَّةً، أَوْ عَدَدًا مَحْدُودًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، أَوْ أَبَدًا مَا امْتَدَّ الْعُمْرُ بِلَا نِهَايَةٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ. قَالَ: فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهُ يَجِبُ أَبَدًا مَا امْتَدَّ بِهِ الْعُمْرُ بِلَا نِهَايَةٍ: تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ وَصِرْتُمْ إلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يُسْتَتَابَ الْمُرْتَدُّ أَبَدًا، وَلَا يُقْتَلَ - وَهَذَا لَيْسَ هُوَ قَوْلَكُمْ، وَلَوْ كَانَ لَكُنَّا قَدْ أَبْطَلْنَاهُ آنِفًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا أَيْضًا لَبَطَلَ الْجِهَادُ جُمْلَةً، لِأَنَّ الدُّعَاءَ كَانَ يَلْزَمُ أَبَدًا مُكَرَّرًا بِلَا نِهَايَةٍ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَصْلًا، وَلَيْسَ دُعَاءُ الْمُرْتَدِّ - وَهُوَ أَحَدُ الْكُفَّارِ - بِأَوْجَبَ مِنْ دُعَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ الْحَرْبِيِّينَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهُ يَجِبُ عَدَدًا مُحَدَّدًا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ: كُنْتُمْ قَائِلِينَ بِلَا دَلِيلٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] . وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ مَرَّتَيْنِ بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: ثَلَاثَةً، وَلَا مِمَّنْ قَالَ: أَرْبَعًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِلَا بُرْهَانٍ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِلَا شَكٍّ. فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُدْعَى مَرَّةً؟ فَيُقَالُ لَهُ: إنَّ مَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ: قَدْ تَقَدَّمَ دُعَاؤُهُ إلَى الْإِسْلَامِ حِينَ أَسْلَمَ بِلَا شَكٍّ، إنْ كَانَ دَخِيلًا فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ حِينَ بَلَغَ، وَعَلِمَ شَرَائِعَ الدِّينِ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ التَّكْرَارَ لَا يَلْزَمُ، فَالْوَاجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، إذْ قَدْ اتَّفَقْنَا - نَحْنُ وَأَنْتُمْ - عَلَى وُجُوبِ قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ الْإِسْلَامَ، فَالِاشْتِغَالُ عَنْ ذَلِكَ وَتَأْخِيرُهُ بِاسْتِتَابَةٍ، وَدُعَاءٍ: لَا يُلْزِمَانِ تَرْكَ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ - وَهَذَا لَا يَجُوزُ؟ قَالُوا: وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ مِنْ دُعَائِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فِي خِلَالِ ذَلِكَ دُونَ تَأْخِيرٍ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَا تَضْيِيعٍ لَهُ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا: هَلْ يَجِبُ دُعَاؤُهُ وَاسْتِتَابَتُهُ فَرْضًا أَمْ لَا؟ فَهَاهُنَا اخْتَلَفْنَا، فَأَوْجَبْتُمُوهُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَمْ نُوجِبْ نَحْنُ وَلَا مَنَعْنَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَدْعُوهُ مَرَّةً بَعْدَ الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ السَّالِفِ: لَمْ تَكُونُوا بِأَوْلَى مِمَّنْ قَالَ: بَلْ اُدْعُوهُ مَرَّةً ثَانِيَةً أَيْضًا بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ؟ أَوْ مِمَّنْ قَالَ: بَلْ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الثَّانِيَةِ. أَوْ مِمَّنْ قَالَ: بَلْ الرَّابِعَةُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ - وَهَكَذَا أَبَدًا. فَبَطَلَ بِلَا شَكٍّ مَا أَوْجَبْتُمْ فَرْضًا مِنْ اسْتِتَابَتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي هَذَا: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ فِي كِلْتَيْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ: فَهُوَ أَمْرٌ مَشْهُورٌ، نَقْلُ الْكَوَافِّ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى إنْكَارِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ، لِأَنَّ أَهْلَ الرِّدَّةِ كَانُوا قِسْمَيْنِ: قِسْمًا لَمْ يُؤْمِنْ قَطُّ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ، وَسَجَاحَ، فَهَؤُلَاءِ حَرْبِيُّونَ لَمْ يُسْلِمُوا قَطُّ، لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّهُمْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ وَإِسْلَامُهُمْ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: قَوْمٌ أَسْلَمُوا وَلَمْ يَكْفُرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ، لَكِنْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ مِنْ أَنْ يَدْفَعُوهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَى هَذَا قُوتِلُوا. وَلَا يَخْتَلِفُ الْحَنَفِيُّونَ، وَلَا الشَّافِعِيُّونَ: فِي أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ أَصْلًا، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا فِعْلَ أَبِي بَكْرٍ فِيهِمْ، وَلَا يُسَمِّيهِمْ أَهْلَ رِدَّةٍ. وَدَلِيلُ مَا قُلْنَا: شِعْرُ الْحُطَيْئَةِ الْمَشْهُورُ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَيْنَنَا ... فَيَا لَهْفَنَا مَا بَالُ دِينِ أَبِي بَكْرِ أَيُورِثُهَا بَكْرًا إذْ مَاتَ بَعْدَهُ ... فَتِلْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ وَإِنَّ الَّتِي طَالَبْتُمْ فَمُنِعْتُمْ ... لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى لَدَيَّ مِنْ التَّمْرِ فِدًا لِبَنِي بَكْرِ بْنِ ذُودَانَ رَحْلِي وَنَا ... قَتِي عَشِيَّةَ يَحْدِي بِالرِّمَاحِ أَبُو بَكْرِ فَهُوَ مُقِرٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَرَى، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَشْعَثُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُ وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قَوْمٌ ارْتَدُّوا جُمْلَةً، كَمَنْ آمَنَ بِطُلَيْحَةَ، وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَنْسَنِدُ؟ فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمَنْ قَالَ: بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَلَا بُدَّ، دُونَ ذِكْرِ اسْتِتَابَةٍ أَوْ قَبُولِهَا: كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ مُعَاذٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِالِاسْتِتَابَةِ أَبَدًا وَإِيدَاعِ السِّجْنِ فَقَطْ: كَمَا قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِمَّا قَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ، وَوُجُوبُ الْقِتَالِ: هُوَ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ وُجُوبِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّ قِتَالَ مَنْ بَغَى عَلَى الْمُسْلِمِ، أَوْ مَنَعَ حَقًّا قِبَلَهُ، وَحَارَبَ دُونَهُ: فَرْضٌ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ - وَلَا حُجَّةَ فِي قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلَ الرِّدَّةِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ نُخَالِفْكُمْ فِي هَذَا، وَلَا يَصِحُّ - أَصْلًا - عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ ظَفِرَ بِمُرْتَدٍّ عَنْ الْإِسْلَامِ غَيْرِ مُمْتَنِعٍ بِاسْتِتَابَةٍ، فَتَابَ، فَتَرَكَهُ، أَوْ لَمْ يَتُبْ فَقَتَلَهُ - هَذَا مَا لَا يَجِدُونَهُ. وَأَمَّا مَنْ بَدَّلَ كُفْرًا بِكُفْرٍ آخَرَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ

وَأَبُو ثَوْرٍ: أَنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا - فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يُنْبَذُ إلَيْهِ عَهْدُهُ، وَيُخْرَجُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ ظُفِرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَمَرَّةً قَالَ: إنْ رَجَعَ إلَى دِينِهِ الْكِتَابِيِّ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ أُقِرَّ عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَتُرِكَ. وَمَرَّةً قَالَ: لَا يُتْرَكُ بَلْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا - إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ إلْحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَّا قُتِلَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: إنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ، يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَأَمْرِهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ مُخَاطِبًا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ - لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ - وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 1 - 3] ، إلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالُوا: فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْكُفْرَ كُلَّهُ دِينًا وَاحِدًا. قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] فَكَانَ هَذَا ظَاهِرًا يَمْنَعُ مِنْ إكْرَاهِهِ عَلَى تَرْكِ كُفْرِهِ. قَالُوا: وَلَا يَخْلُو إذَا أُجْبِرَ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى دِينِهِ الَّذِي خَرَجَ عَنْهُ - كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - أَوْ يُجْبَرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ هُوَ فِي قَوْلِهِ الثَّانِي، وَأَصْحَابُكُمْ، فَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى دِينِهِ فَقَدْ أُجْبِرَ عَلَى اعْتِقَادِ الْكُفْرِ، وَعَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْكُفْرِ. قَالُوا: وَاعْتِقَادُ جَوَازِ هَذَا كُفْرٌ؟ قَالُوا: إنْ أُكْرِهَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَهُمْ كُفَّارٌ، وَلَا فَرْقَ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ النُّصُوصِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: أَرَأَيْت مَنْ أَحْدَثَ فِي نَصْرَانِيَّةٍ، أَوْ يَهُودِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ: رَأْيًا لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ جُمْلَتِهِمْ أَتُجْبِرُونَهُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ الرَّأْيِ وَالرُّجُوعِ إلَى جُمْلَتِهِمْ، أَوْ إلَى الْإِسْلَامِ؟ وَأَرَأَيْتُمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَلْكَانِيَّةٍ إلَى نُسْطُورِيَّةٍ، أَوْ يَعْقُوبِيَّةٍ، أَوْ قَادُونِيَّةٍ، أَوْ مَعْدُونِيَّةٍ، فَدَانَ بِعُبُودِيَّةِ الْمَسِيحِ، وَأَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؟ أَتُجْبِرُونَهُ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى التَّثْلِيثِ، أَوْ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ؟ وَكَذَلِكَ مَنْ خَرَجَ مِنْ رَبَّانِيَّةٍ إلَى عَامَانِيَّةٍ، أَوْ إلَى عِيسَوِيَّةٍ، أَتُجْبِرُونَهُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْكُفْرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ التَّشْنِيعِ وَكُلُّ هَذَا عَائِدٌ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] فَحَقٌّ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمُ إقْرَارِهِمْ، وَلَا حُكْمُ قَتْلِهِمْ، وَلَا حُكْمُ مَا يُفْعَلُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ أَصْلًا. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] إلَى آخِرِهَا لَيْسَ فِيهَا أَيْضًا إلَّا أَنَّنَا مُبَايِنُونَ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالدِّينِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِمْ، لَا مِنْ إقْرَارِهِمْ وَلَا مِنْ تَرْكِ إقْرَارِهِمْ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لَنَا {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] فَمَنْ تَوَلَّاهُمْ مِنَّا فَهُوَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إنَّ {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51] . فَهَلَّا تَرَكُوا الْمُرْتَدَّ إلَيْهِمْ مِنَّا عَلَى رِدَّتِهِ؟ بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةً فِي إقْرَارِ الْمُرْتَدِّ مِنَّا إلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ، ذَانِكَ النَّصَّانِ لَيْسَا بِحُجَّةٍ فِيمَا أَرَادُوا التَّمْوِيهَ بِإِيرَادِهِمَا مِنْ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمْ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى

ظَاهِرِهَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إكْرَاهِ الْمُرْتَدِّ عَنْ دِينِهِ، فَمِنْ قَائِلٍ: يُكْرَهُ وَلَا يُقْتَلُ، وَمِنْ قَائِلٍ، يُكْرَهُ وَيُقْتَلُ. فَإِنْ قَالُوا: خَرَجَ الْمُرْتَدُّ مِنَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمْ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَنْ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا قُلْتُمْ، وَإِنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] فِي أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَشَيْءٌ وَاحِدٌ: هُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ الِاحْتِجَاجَ وَخَالَفَهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ أَحْكَامِ أَهْلِ الْكُفْرِ، فَكُلُّهُمْ مُجْمِعٌ مَعَنَا عَلَى: أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ مَنْ تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ، وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَخْلُو مَنْ أُجْبِرَ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْكُفْرِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْإِسْلَامِ؟ فَنَعَمْ: أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِهِمَا - وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ، وَلَا يُتْرَكُ يَرْجِعُ إلَى الدِّينِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْإِسْلَامِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا؟ فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ إجْبَارِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ قَوْلُكُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إنْ خَرَجَ مِنْ فِرْقَةٍ مِنْ النَّصَارَى إلَى فِرْقَةٍ أُخْرَى فَإِنَّنَا لَا نَعْتَرِضُ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَبَقِيَ الْآنَ الْكَلَامُ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] فَوَجَدْنَا النَّاسَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، فَيَحْتَجُّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْوَثَنِيِّينَ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - لَمْ يَخْتَلِفْ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ

يَقْبَلْ مِنْ الْوَثَنِيِّينَ مِنْ الْعَرَبِ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ - إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ إكْرَاهٌ فِي الدِّينِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَخْصُوصَةٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى خَاصَّةً، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِعَجُوزٍ نَصْرَانِيَّةٍ: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ أَسْلِمِي تَسْلَمِي، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إلَيْنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ؟ فَقَالَتْ الْعَجُوزُ: وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَأَمُوتُ إلَى قَرِيبٍ؟ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ. وَبِمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إنْ عَاشَ وَلَدُهَا تُهَوِّدُهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] . فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَاتَلَ الْكُفَّارَ إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى أَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. وَصَحَّ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ فِي الدِّينِ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] . وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] . فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ " فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّ " بَرَاءَةٌ " نَسَخَتْ كُلَّ حُكْمٍ تَقَدَّمَ، وَأَبْطَلَتْ كُلَّ عَهْدٍ سَلَفَ بِقَوْلِ تَعَالَى {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7] وَإِنَّمَا كَانَتْ آيَةُ النَّبْذِ عَلَى سَوَاءٍ أَيَّامَ كَانَتْ الْمُهَادَنَاتُ جَائِزَةً، وَأَمَّا بَعْدَ نُزُولِ {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مُشْرِكٍ أَصْلًا، إلَّا بِأَنْ يُقْتَلَ، أَوْ يُسْلِمَ، أَوْ يُنْبَذَ إلَيْهِ عَهْدُهُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَتْلِهِ حَيْثُ وُجِدَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَبْنَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَيُقَرَّ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ يَكُونَ مُسْتَجِيرًا فَيُجَارَ حَتَّى يُقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، ثُمَّ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَا بُدَّ، إلَى أَنْ يُسْلِمَ، وَلَا يُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ رَسُولًا فَيُتْرَكَ مُدَّةَ أَدَاءِ رِسَالَتِهِ، وَأَخْذِ جَوَابِهِ،

مسألة ميراث المرتد

ثُمَّ يُرَدَّ إلَى بَلَدِهِ، وَمَا عَدَا هَؤُلَاءِ فَالْقَتْلُ وَلَا بُدَّ، أَوْ الْإِسْلَامُ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَصِّ الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَيْثُ رُفِعَ إلَى عَلِيٍّ فِي يَهُودِيٍّ تَزَنْدَقَ وَنَصْرَانِيٍّ تَزَنْدَقَ؟ قَالَ: دَعُوهُ يُحَوِّلُ مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَلَمْ يُولَدْ ابْنُ جُرَيْجٍ إلَّا بَعْدَ نَحْوِ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ عَامًا مِنْ مَوْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ مِنْ قَوْلَةٍ لِعَلِيٍّ صَحِيحَةٍ قَدْ خَالَفُوهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ] 2200 - مَسْأَلَةٌ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِيرَاثِهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ دِثَارِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ الْأَسَدِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِوَلَدِهِ. وَعَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِشَيْخٍ كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَعَلَّك إنَّمَا ارْتَدَدْت، لَأَنْ تُصِيبَ مِيرَاثًا ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَعَلَّك خَطَبْت امْرَأَةً فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوكَهَا فَأَرَدْتَ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ تَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى أَلْقَى الْمَسِيحُ؟ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَدَفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى وَلَدِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمِثْلِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِهَذَا، مِنْهُمْ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إنْ قُتِلَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ عَلَى دِينِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِلَّا فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ فِي رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُسِرَ فَتَنَصَّرَ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ تَرِثُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَدَفْعُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا أَعْلَمُهُ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ عَلَى دِينِهِ فِي أَرْضٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مِيرَاثُهُ لِأَهْلِ دِينِهِ فَقَطْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِأَهْلِ دِينِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: النَّاسُ فَرِيقَانِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ سَاعَةَ يَكْفُرُ يُوقَفُ، فَلَا يُقْدَرُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى يُنْظَرَ أَيُسْلِمُ أَمْ يَكْفُرُ؟ مِنْهُمْ النَّخَعِيُّ: وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ - وَفَرِيقٌ يَقُولُ: لِأَهْلِ دِينِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَمَالُهُ لَهُ، وَإِنْ قُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ - قَالَ بِهَذَا رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ فَمَالُهُ لَهُ، وَإِنْ قُتِلَ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْكُفَّارِ - قَالَ بِهَذَا أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ فَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرِثُهُ زَوْجَتُهُ كَسَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ فَرَّ وَلَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ مَالَهُ عِنْدَنَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِذَلِكَ، وَيُعْتِقُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَيَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ مَا وَجَدَ فِي أَيْدِي وَرَثَتِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا اسْتَهْلَكُوهُ، هَذَا فِيمَا كَانَ بِيَدِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ - وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ فَهُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَالُ الْمُرْتَدِّ سَاعَةَ يَرْتَدُّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ - قُتِلَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ، أَوْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ - كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْهُ، وَأَشْهَبُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ

مسألة وصية المرتد وتدبيره

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ: مَانِعًا مِنْ تَوْرِيثِ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ - وَهُمْ مُسْلِمُونَ - مَالَ أَبِيهِمْ الْمُرْتَدِّ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ وَهُمْ مُسْلِمُونَ - أَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ، وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ: مَا أَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» . هَذَا عُمُومٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُخَصَّ مِنْهُ مُرْتَدٌّ مِنْ غَيْرِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخُصَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَغْفَلَهُ، وَلَا أَهْمَلَهُ، بَلْ قَدْ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] . فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وَصِيَّةُ الْمُرْتَدِّ وَتَدْبِيرِهِ] 2201 - مَسْأَلَةٌ: وَصِيَّةُ الْمُرْتَدِّ وَتَدْبِيرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ، أَوْ فِي حِينِ رِدَّتِهِ، بِمَا يُوَافِقُ الْبِرَّ وَدِينَ الْإِسْلَامِ، فَكُلُّ ذَلِكَ نَافِذٌ فِي مَالِهِ الَّذِي لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ، لِأَنَّهُ مَالُهُ وَحُكْمُهُ نَافِذٌ - فَإِذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ، فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهِ وَصَايَاهُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ. وَأَمَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْ عَبْدٍ، وَذِمِّيٍّ، أَوْ مَالٍ، فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ كُلُّهُ، لَا تَنْفُذُ فِيهِ وَصِيَّةٌ، لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَالُ لَهُ بَعْدُ، وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّةُ أَحَدٍ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ. [مَسْأَلَة مَنْ صَارَ مُخْتَارًا إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مُشَاقًّا لِلْمُسْلِمِينَ أَمُرْتَدٌّ هُوَ] 2202 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ صَارَ مُخْتَارًا إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ، مُشَاقًّا لِلْمُسْلِمِينَ أَمُرْتَدٌّ هُوَ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَمَنْ اعْتَضَدَ بِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ - وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ دَارَ الْإِسْلَامِ - أَمُرْتَدٌّ هُوَ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ جَرِيرٌ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ، وَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا، فَأَبَقَ غُلَامٌ لِجَرِيرٍ، فَأَخَذَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ» . وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى الشِّرْكِ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ أَنَا إسْمَاعِيلُ - يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِمْ - قَالَ مَنْصُورٌ: قَدْ وَاَللَّهِ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ يُرْوَى عَنِّي هَاهُنَا بِالْبَصْرَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ ابْنُ أَبِي خَازِمٍ الضَّرِيرُ - عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ، وَقَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَتَرَاءَى نَارُهُمَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ الَّذِي قَدَّمْنَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى جَرِيرٍ، فَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ. وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مُسْنَدٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ: إنَّ الْعَبْدَ بِإِقَامَتِهِ يَكُونُ كَافِرًا، فَظَاهِرُهُ فِي الْمَمْلُوكِ، لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُوصَفُ بِإِبَاقٍ - فِي الْمَعْهُودِ - لَكِنَّ رِوَايَةَ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ أَنَّهُ فِي الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ، وَبَيَانُ الْإِبَاقِ الَّذِي يَكْفُرُ بِهِ، وَهُوَ إبَاقُهُ إلَى أَرْضِ الشِّرْكِ، وَالْبُعْدُ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ عَبْدُ اللَّهِ تَعَالَى: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ

عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي» . فَقَوْلُهُ تَعَالَى (إذَا قَالَ الْعَبْدُ) عَنِيَ بِهِ الْحُرَّ وَالْمَمْلُوكَ - بِلَا شَكٍّ -. وَالْإِبَاقُ مُطْلَقٌ عَلَى الْحُرِّ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصافات: 140] فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ الْحُرِّ يُونُسَ بْنِ مَتَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَبَقَ إذْ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِأَمْرِ رَبِّهِ تَعَالَى. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ أَبَقَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَيُبَيِّنُ هَذَا حَدِيثُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ كَافِرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ مَنْ لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ وَالْحَرْبِ مُخْتَارًا مُحَارِبًا لِمَنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ بِهَذَا الْفِعْلِ مُرْتَدٌّ لَهُ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ كُلُّهَا: مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ، مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ، وَمِنْ إبَاحَةِ مَالِهِ، وَانْفِسَاخِ نِكَاحِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْرَأْ مِنْ مُسْلِمٍ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ لِظُلْمٍ خَافَهُ، وَلَمْ يُحَارِبْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَعَانَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَجِدْ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُجِيرُهُ، فَهَذَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مُكْرَهٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِم بْنِ شَهَابٍ: كَانَ عَازِمًا عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ، لِأَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ كَانَ نَذَرَ دَمَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَانَ الْوَالِي بَعْدَ هِشَامٍ فَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَكَذَلِكَ: مَنْ سَكَنَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَالسِّنْدِ، وَالصِّينِ، وَالتُّرْكِ، وَالسُّودَانِ وَالرُّومِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ هُنَالِكَ لِثِقَلِ ظَهْرٍ، أَوْ لِقِلَّةِ مَالٍ، أَوْ لِضَعْفِ جِسْمٍ، أَوْ لِامْتِنَاعِ طَرِيقٍ، فَهُوَ مَعْذُورٌ.

فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ مُعِينًا لِلْكُفَّارِ بِخِدْمَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ: فَهُوَ كَافِرٌ - وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُقِيمُ هُنَالِكَ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، وَهُوَ كَالذِّمِّيِّ لَهُمْ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اللِّحَاقِ بِجَمْهَرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْضِهِمْ، فَمَا يَبْعُدُ عَنْ الْكُفْرِ، وَمَا نَرَى لَهُ عُذْرًا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ: مَنْ سَكَنَ فِي طَاعَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ الْغَالِيَةِ؛ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، لِأَنَّ أَرْضَ مِصْرَ وَالْقَيْرَوَانِ، وَغَيْرَهُمَا، فَالْإِسْلَامُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَوُلَاتُهُمْ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ لَا يُجَاهِرُونَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ، بَلْ إلَى الْإِسْلَامِ يَنْتَمُونَ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ كُفَّارًا. وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي أَرْضِ الْقَرَامِطَةِ مُخْتَارًا فَكَافِرٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُمْ مُعْلِنُونَ بِالْكُفْرِ وَتَرْكِ الْإِسْلَامِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ سَكَنَ فِي بَلَدٍ تَظْهَرُ فِيهِ بَعْضُ الْأَهْوَاءِ الْمُخْرِجَةِ إلَى الْكُفْرِ، فَهُوَ لَيْسَ بِكَافِرٍ، لِأَنَّ اسْمَ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ هُنَالِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، مِنْ التَّوْحِيدِ، وَالْإِقْرَارِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» يُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ دَارَ الْحَرْبِ، وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَعْمَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُمَّالَهُ عَلَى خَيْبَرَ، وَهُمْ كُلُّهُمْ يَهُودُ. وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي مَدَائِنِهِمْ لَا يُمَازِجُهُمْ غَيْرُهُمْ فَلَا يُسَمَّى السَّاكِنُ فِيهِمْ - لِإِمَارَةٍ عَلَيْهِمْ، أَوْ لِتِجَارَةٍ - بَيْنَهُمْ: كَافِرًا، وَلَا مُسِيئًا، بَلْ هُوَ مُسْلِمٌ حَسَنٌ، وَدَارُهُمْ دَارُ إسْلَامٍ، لَا دَارُ شِرْكٍ، لِأَنَّ الدَّارَ إنَّمَا تُنْسَبُ لِلْغَالِبِ عَلَيْهَا، وَالْحَاكِمُ فِيهَا، وَالْمَالِكُ لَهَا. وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا مُجَاهِدًا غَلَبَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ، وَأَقَرَّ الْمُسْلِمِينَ بِهَا عَلَى حَالِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لَهَا، الْمُنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ فِي ضَبْطِهَا، وَهُوَ مُعْلِنٌ بِدِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَكَفَرَ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ كُلُّ مَنْ عَاوَنَهُ، وَأَقَامَ مَعَهُ - وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ - لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا مَنْ حَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ مِنْ أَهْلِ الثَّغْرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ

مسألة التعريف بالمنافقين والمرتدين

الْحَرْبِيِّينَ، وَأَطْلَقَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ سَبْيِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ هِيَ الْغَالِبَةُ وَكَانَ الْكُفَّارُ لَهُ كَأَتْبَاعٍ، فَهُوَ هَالِكٌ فِي غَايَةِ الْفُسُوقِ، وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ شَيْئًا أَوْجَبَ بِهِ عَلَيْهِ كُفْرًا: قُرْآنٌ أَوْ إجْمَاعٌ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْكُفَّارِ جَارِيًا عَلَيْهِ فَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَا يَجْرِي حُكْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَمَا نَرَاهُ بِذَلِكَ كَافِرًا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنَّمَا الْكَافِرُ الَّذِي بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة التَّعْرِيف بالمنافقين والمرتدين] 2203 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ الْمُنَافِقِينَ، وَالْمُرْتَدِّينَ؟ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَرَفَ الْمُنَافِقِينَ، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ - وَوَاجَهَهُ رَجُلٌ بِالتَّجْوِيرِ، وَأَنَّهُ يُقَسِّمُ قِسْمَةً لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ - وَهَذِهِ رِدَّةٌ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَقْتُلْهُ. قَالُوا: فَصَحَّ أَنْ لَا قَتْلَ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَتْلٌ لَأَنْفَذَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 87] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَنَحْنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ذَاكِرُونَ كُلَّ آيَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا مُتَعَلَّقٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّفَ الْمُنَافِقِينَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَمُبِينُونَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْيِيدِهِ - أَنَّهُمْ قِسْمَانِ: قِسْمٌ - لَمْ يُعَرِّفْهُمْ قَطُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقِسْمٌ آخَرُ - افْتَضَحُوا، فَعَرَّفَهُمْ فَلَاذُوا بِالتَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَرِّفْهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ أَوْ صَادِقُونَ فِي تَوْبَتِهِمْ فَقَطْ. فَإِذَا بَيَّنَّا هَذَا - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - بَطَلَ قَوْلُ مَنْ احْتَجَّ بِأَمْرِ الْمُنَافِقِينَ فِي أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَبَقِيَ قَوْلُ: مَنْ رَأَى الْقَتْلَ بِالتَّوْبَةِ. وَأَمَّا إنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَالْبُرْهَانُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ، فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 8] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16] . فَهَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهَا ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَهُمْ، وَلَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُمْ، فَلَا مُتَعَلَّقَ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] إلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَنَا أَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] فَإِذْ هُمْ مِنْ غَيْرِنَا فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْيَهُودِ مَكْشُوفِينَ. وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ {قَالُوا آمَنَّا} [البقرة: 14] أَيْ بِمَا عِنْدَهُمْ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَيْضًا: أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ. وَمُمْكِنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ لَا نَتَّخِذَهُمْ بِطَانَةً إذَا أَطْلَعَنَا مِنْهُمْ عَلَى هَذَا، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَقْوَى لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَإِذْ كِلْتَاهُمَا مُمْكِنٌ فَلَا مُتَعَلَّقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِمَنْ ذَهَبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَيَدْرِي أَنَّ بَاطِنَهُمْ النِّفَاقُ. وَقَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ} [النساء: 60] إلَى قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] . وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا» فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا - نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَا جَمِيعًا: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا

خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، إذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» . فَقَدْ صَحَّ أَنَّ هَاهُنَا نِفَاقًا لَا يَكُونُ صَاحِبُهُ كَافِرًا، وَنِفَاقًا يَكُونُ صَاحِبُهُ كَافِرًا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرَادُوا التَّحَاكُمَ إلَى الطَّاغُوتِ لَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرِينَ لِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُصَاةً بِطَلَبِ الرُّجُوعِ فِي الْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ مُعْتَقِدِينَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ، لَكِنْ رَغْبَةً فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَلَمْ يَكُونُوا بِذَلِكَ كُفَّارًا بَلْ عُصَاةً، فَنَحْنُ نَجِدُ هَذَا عِيَانًا عِنْدَنَا، فَقَدْ نَدْعُو نَحْنُ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَى الْقُرْآنِ وَإِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتِ عَنْهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ فَيَأْبَوْنَ ذَلِكَ وَيَرْضَوْنَ بِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، فَلَا يَكُونُونَ بِذَلِكَ كُفَّارًا، فَقَدْ يَكُونُ أُولَئِكَ هَكَذَا حَتَّى إذَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَجَبَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَبَى وَعَنَدَ فَهُوَ كَافِرٌ؟ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ: أَنَّ أُولَئِكَ عَنَدُوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِذْ لَا بَيَانَ فِيهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَهُمْ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ وَأَقَرَّهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ} [النساء: 81] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكِيلا} [النساء: 81] فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ، بَلْ لَعَلَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا مُعْلِنِينَ، وَكَانُوا يَلْتَزِمُونَ الطَّاعَةَ بِالْمُسَالَمَةِ، فَإِذْ لَا نَصَّ فِيهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَعْرِفُهُمْ وَيَدْرِي أَنَّ عَقْدَهُمْ النِّفَاقَ. وَقَالَ تَعَالَى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] إلَى قَوْلِهِ: {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 91] . وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْوَلِيدِ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - نا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ، فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] » فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ: مُنَافِقِينَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]

إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا} [النساء: 90] فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ تَعَالَى عَنَى بِذَلِكَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ كَانَ الْأَظْهَرَ لَوْلَا قَوْله تَعَالَى {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 89] فَهَذَا يُوَضِّحُ غَايَةَ الْإِيضَاحِ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فِي قَوْمٍ آخَرِينَ غَيْرِ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ، لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مِنْ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ بِلَا شَكٍّ، وَلَيْسَ عَلَى سُكَّانِ الْمَدِينَةِ هِجْرَةٌ، بَلْ الْهِجْرَةُ كَانَتْ إلَى دَارِهِمْ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحُكْمُ الْآيَةِ كُلِّهَا أَنَّهَا فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ لَمْ يُؤْمِنُوا بَعْدُ، وَادَّعُوا أَنَّهُمْ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَكَانَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ: أَنَّ مَنْ آمَنَ وَلَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِإِيمَانِهِ، وَكَانَ كَافِرًا كَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَلَا فَرْقَ، حَتَّى يُهَاجِرَ، إلَّا مَنْ أُبِيحَ لَهُ سُكْنَى بَلَدِهِ، كَمَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَسَائِرِ مَنْ أُبِيحَ لَهُ سُكْنَى أَرْضِهِ، إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] فَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْوِلَايَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَلَيْسُوا مُؤْمِنِينَ. وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء: 97] إلَى قَوْلِهِ {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98] الْآيَةَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَعْنَى {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 89] أَيْ حَتَّى يُجَاهِدُوا مَعَكُمْ، بِخِلَافِ فِعْلِهِمْ حِينَ انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الْآيَةَ كُلَّهَا فِي الْمُنَافِقِينَ الْمُنْصَرِفِينَ عَنْ أُحُدٍ؟ قِيلَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: هَذَا مُمْكِنٌ، وَلَكِنْ قَدْ قَالَ تَعَالَى {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] فَأَخْبِرُونَا هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَتَلَ الرَّاجِعِينَ عَنْ أُحُدٍ حَيْثُ وَجَدَهُمْ؟ وَهَلْ أَخَذَهُمْ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَذَبُوا كَذِبًا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ شَكٌّ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَا نَبَذَ الْعَهْدَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا الْمُؤْمِنُونَ؟

قِيلَ لَهُمْ: صَدَقْتُمْ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ، فَأَمَرَهُ تَعَالَى إنْ تَوَلَّوْا بِقَتْلِهِمْ، حَيْثُ وَجَدَهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ ظَنَّهُ بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَتَوَلَّوْا بَلْ تَابُوا وَرَجَعُوا وَجَاهَدُوا؟ قِيلَ لَهُمْ: فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ النِّفَاقِ عَنْهُمْ - بِلَا شَكٍّ - وَحَصَلَ لَهُمْ حُكْمُ الْإِعْلَامِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ - بِلَا شَكٍّ - فَقَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ جُمْلَةً فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ. وَلَكِنْ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا} [النساء: 90] بَيَانٌ جَلِيٌّ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا قَطُّ مِنْ الْأَوْسِ وَلَا مِنْ الْخَزْرَجِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَوْمٌ مُحَارِبُونَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا نُسِبُوا قَطُّ إلَى قَوْمٍ مُعَاهِدِينَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِيثَاقٍ مَعْقُودٍ، هَذَا مَعَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} [النساء: 90] إلَى قَوْله تَعَالَى {سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَإِنَّ هَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ الْأَنْصَارِ، وَمِنْ غَيْرِ الْمُنَافِقِينَ، لَكِنْ مِنْ الْكُفَّارِ الْمُجَاهِرِينَ بِالْكُفْرِ. إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 90] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِمَّا قَبْلَهُ فِي قَوْلِ {آخَرِينَ} [النساء: 91] وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ النِّفَاقِ عَلَى أُولَئِكَ إنْ كَانَ هَكَذَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُمْ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] أَنَّهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْكُفَّارِ غَيْرِ أُولَئِكَ، فَحَسْبُنَا أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّى أُولَئِكَ الرَّاجِعِينَ " مُنَافِقِينَ " فَصَارُوا مَعْرُوفِينَ؟ قِيلَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: وَقَدْ قُلْنَا إنَّ النِّفَاقَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لِمَنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَيُبْطِنُ الْإِيمَانَ، وَقِسْمٌ لِمَنْ يُظْهِرُ غَيْرَ مَا يُضْمِرُ فِيمَا سِوَى الدِّينِ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَقَدْ قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّا نَدْخُلُ عَلَى الْإِمَامِ فَيَقْضِي بِالْقَضَاءِ فَنَرَاهُ جَوْرًا فَنَمْسِكُ؟ فَقَالَ: إنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا، فَلَا نَدْرِي مَا تَعُدُّونَهُ أَنْتُمْ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَامَ وَقَالَ إنِّي مُسْلِمٌ» .

فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْإِسْلَامِ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَكِنَّا نَقْطَعُ عَلَيْهِمْ بِمَا قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ اسْمِ النِّفَاقِ، وَالضَّلَالَةِ، وَالْإِرْكَاسِ، وَخِلَافِ الْهُدَى - وَلَا نَزِيدُ وَلَا نَتَعَدَّى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِآرَائِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138] إلَى قَوْلِهِ: {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَمُنَافِقُونَ النِّفَاقَ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ، فَلَا شَكَّ لِنَصِّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمْ مُذَبْذَبُونَ، لَا إلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا إلَى الْمُجَاهِرِينَ بِالْكُفْرِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَأَنَّهُمْ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْ الْكُفَّارِ، بِكَوْنِهِمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. وَلَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَهُمْ، بِأَعْيَانِهِمْ، وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَهُمْ، وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ. ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] مُوجِبًا لِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ إذَا تَابُوا - وَهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ، وَالنَّدَمَ، وَالْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ بِلَا شَكٍّ، فَبَطَلَ عَنْهُمْ بِهَذَا حُكْمُ النِّفَاقِ جُمْلَةً فِي الدُّنْيَا، وَبَقِيَ بَاطِنُ أَمْرِهِمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْضِي عَلَى كُلِّ آيَةٍ فِيهَا نَصٌّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ مُنَافِقًا بِعَيْنِهِ، وَعَرَفَ نِفَاقَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ} [المائدة: 51] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 53] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ يُسَارِعُونَ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا حَذَرًا أَنْ تُصِيبَهُمْ دَائِرَةٌ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْكَافِرِينَ {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} [المائدة: 53] يَعْنُونَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 53] فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا خَبَرًا عَنْ قَوْمٍ أَظْهَرُوا الْمَيْلَ إلَى الْكُفَّارِ فَكَانُوا مِنْهُمْ كُفَّارًا خَائِبِي الْأَعْمَالِ وَلَا يَكُونُونَ فِي الْأَغْلَبِ إلَّا مَعْرُوفِينَ، لَكِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52]

دَلِيلٌ عَلَى نَدَامَتِهِمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ لَهُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] إلَى قَوْله تَعَالَى {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْلَمُونَهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَاطَبٌ بِهَذَا الْخِطَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شَكٍّ فَهُوَ لَا يَعْلَمُهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ} [التوبة: 42] إلَى قَوْله تَعَالَى {كَارِهُونَ} [التوبة: 48] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ كَاذِبِينَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ، وَهَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَاصٍ فِي مَعْصِيَتِهِ. وَفِي الْآيَةِ أَيْضًا: مُعَاتَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى إذْنِهِ لَهُمْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 44] إلَى قَوْله تَعَالَى {يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45] فَإِنَّ وَجْهَ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ لَا تُصْرَفَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ: أَنَّهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ الِاسْتِقْبَالِ. وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ تَبُوكَ، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَبُوكَ غَزْوَةٌ أَصْلًا، وَلَكِنَّا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هُنَاكَ غَزْوَةٌ بَعْدَ تَبُوكَ وَبَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ فَاسْتَأْذَنَ قَوْمٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُعُودِ دُونَ عُذْرٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَكَانُوا بِلَا شَكٍّ مُرْتَابَةً قُلُوبُهُمْ كُفَّارًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ مُتَرَدِّدِينَ فِي الرَّيْبِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. ثُمَّ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46] إلَى قَوْله تَعَالَى {كَارِهُونَ} [التوبة: 48] فَهَذِهِ أَخْبَارٌ عَمَّا خَلَا لَهُمْ وَعَنْ سَيِّئَاتٍ اقْتَرَفُوهَا، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ لَهُمْ الْكُفْرَ، حَتَّى لَوْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} [التوبة: 49] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة: 50] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ - وَهَذَا لَا يَنْسَنِدُ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ مِنْ أَخْبَارِ الْمَغَازِي، وَلَكِنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُقَالُ: هَذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلَا شَكٍّ. وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ كَفَرَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ عَصَى و (. . .) وَأَذْنَبَ، وَبَلَى {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ كَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ إنْ أَصَابَتْ رَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَيِّئَةٌ وَمُصِيبَةٌ تَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ، أَوْ أَنَّهُ إنْ أَصَابَتْهُ حَسَنَةٌ سَاءَتْهُمْ، فَهَؤُلَاءِ كُفَّارٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْقَائِلَ: ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي، كَانَ مِنْهُمْ، وَلَا فِيهَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَهُمْ وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} [التوبة: 53] إلَى قَوْلِهِ {يُفَرِّقُونَ} [البقرة: 102] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَكُفَّارٌ بِلَا شَكٍّ، مُظْهِرُونَ لِلْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ لِيُمَيِّزُوهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة: 55] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ نِفَاقَهُمْ، بَلْ قَدْ كَانَ لِلْفُضَلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْأَمْوَالُ الْوَاسِعَةُ، وَالْأَوْلَادُ النُّجَبَاءُ الْكَثِيرُ: كَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَغَيْرِهِمَا - فَهَذِهِ صِفَةٌ عَامَّةٌ يَدْخُلُ فِيهَا الْفَاضِلُ الصَّادِقُ، وَالْمُنَافِقُ، فَأَمَرَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ أَنْ لَا تُعْجِبَهُ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا أَوْلَادَهُمْ، عُمُومًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ وَيَمُوتُوا كُفَّارًا وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] إلَى قَوْله تَعَالَى {رَاغِبُونَ} [التوبة: 59] ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا يَدُلُّ أَلْبَتَّةَ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِدَلِيلٍ عَلَى كُفْرِ مَنْ فَعَلَ هَذَا، وَلَكِنَّهَا مَعْصِيَةٌ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة: 61] إلَى قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 63] . قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ حِينَئِذٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُذُنٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَافِرًا مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَآذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَنُزُولِ الْقُرْآنِ بِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَنَّ مَنْ حَادَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا. فَقَدْ جَاءَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك لَأَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ إلَّا نَفْسِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَّا الْآنَ فَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَصِحُّ أَنَّ أَحَدًا عَادَ إلَى أَذَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُحَادَّتِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّازِلِ فِي ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا كَانَ كَافِرًا. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ الْخَمْرَ - حَلَالٌ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ صَلَاةٌ، وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِلَا خِلَافٍ يُعْتَدُّ بِهِ، حَتَّى إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَتَمَادَى حِينَئِذٍ بِإِجْمَاعِ الْأَمَةِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَيُبَيَّنُ هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 62] فَقَدْ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَإِرْضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَحَقُّ عَلَيْهِمْ مِنْ إرْضَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَصَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ. وَقَالَ تَعَالَى {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} [التوبة: 64] قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا لَا نَصَّ فِيهَا عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَلَا مُتَعَلَّقَ فِيهَا لِأَحَدٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65] إلَى قَوْله تَعَالَى {كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 66] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ بِلَا شَكٍّ فِي قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَبْسُوطَةٌ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 66] فَصَحَّ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ وَالنَّدَامَةَ وَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى تَوْبَتَهُ فِي الْبَاطِنِ عِنْدَهُ لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِصِحَّتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ فِي الْبَاطِنِ فَهُمْ الْمُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَقَدْ تَابَ جَمِيعُهُمْ بِنَصِّ الْآيَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} [التوبة: 67] إلَى قَوْله تَعَالَى {عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة: 37] . قَالَ: فَهَذِهِ صِفَةٌ عَامَّةٌ لَمْ يَقْصِدُ بِهَا إلَى التَّعْرِيفِ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَهَذِهِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: 107] . قَالَ: فَهَذِهِ آيَةٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَالْجِهَادُ قَدْ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْمَوْعِظَةِ، وَالْحُجَّةِ: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ - هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ - عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ، وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 74] صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَذَلَ لَهُمْ التَّوْبَةَ وَقَبِلَهَا مِمَّنْ أَحَاطَهَا مِنْهُمْ وَكُلُّهُمْ بِلَا شَكٍّ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: حَلِفُهُمْ وَإِنْكَارُهُمْ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] إلَى قَوْله تَعَالَى {يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10] . قَالَ: وَهَذِهِ أَيْضًا صِفَةٌ أَوْرَدَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَعْرِفُهَا كُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِيهَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ، عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا مَعْرُوفٌ بِعَيْنِهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِّينَا أَثَرًا لَا يَصِحُّ، وَفِيهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ - وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ ثَعْلَبَةَ بَدْرِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَهَذَا أَثَرٌ: نا حُمَامٌ نا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ نا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي غَسَّانَ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَاجِيَّ ني سَهْلٌ السُّكَّرِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَرَّازُ نا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ نا مَعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ السَّلَامِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «جَاءَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ بِصَدَقَتِهِ إلَى عُمَرَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا أَقْبَلُهَا؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَبْضِ زَكَوَاتِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ لَا يَبْقَى فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، فَلَا يَخْلُو ثَعْلَبَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَفَرَضَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ قَبْضَ زَكَاتِهِ وَلَا بُدَّ، وَلَا فُسْحَةَ فِي ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَفَرَضَ أَنْ لَا يُقِرَّ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ - فَسَقَطَ هَذَا الْأَثَرُ بِلَا شَكٍّ، وَفِي رُوَاتِهِ: مَعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ - وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَلْهَانِيُّ - وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ، وَمِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 79] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَاسِقُونَ} [المائدة: 59] . وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدَّمْنَا هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةُ الْمَعَانِي بِاَلَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَهَا، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا فِي أَمْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ - ثُمَّ نَذْكُرُ الْقَوْلَ فِيهِمَا جَمِيعًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْآيَاتُ فِيهَا: أَنَّهُمْ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ،

وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ - وَهَذَا لَيْسَ كُفْرًا بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] إلَى قَوْله تَعَالَى {الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26] . وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَاسِقُونَ} [المائدة: 59] . فَإِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَمَادِيهِمْ عَلَى الْكُفْرِ إلَى أَنْ مَاتُوا، وَلَكِنْ يَدُلُّ يَقِينًا عَلَى أَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ مِنْ سُخْرِيَّتِهِمْ بِاَلَّذِينَ آمَنُوا غَيْرُ مَغْفُورٍ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا فِيمَا خَلَا، فَكَانَ مَا سَلَفَ مِنْ كُفْرِهِمْ مُوجِبًا أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ لَمْزُهُمْ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَسُخْرِيَّتُهُمْ بِاَلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جَهْدَهُمْ - وَإِنْ تَابُوا مِنْ كُفْرِهِمْ - وَأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْفِسْقِ لَا عَلَى الْكُفْرِ، بَلْ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ بِلَا شَكٍّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو أُسَامَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصًا يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] إلَى قَوْله تَعَالَى {سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] وَسَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ قَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ؟ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] » قَالَ مُسْلِمٌ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وَزَادَ «فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ونا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: نا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ نا ابْنُ الْوَرْدِ نا ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَامَ إلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ إلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ؟ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَالْقَائِلِ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا، أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ حَتَّى إذَا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ يَا عُمَرُ أَخِّرْ عَنِّي إنِّي قَدْ خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ قَدْ قِيلَ لِي {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إنْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ قَالَ: ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَشَى مَعَهُ حَتَّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ، قَالَ: فَعَجِبْتُ لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُنَافِقٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ نا حُجَيْرُ بْنُ الْمُثَنَّى نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ «لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَتَ، ثُمَّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ؟ وَقَالَ يَوْمَ كَذَا: كَذَا وَكَذَا، أُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: إنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ فَلَوْ عَلِمْتُ أَنِّي إنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ انْصَرَفَ، فَمَا مَكَثَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةٍ الْمَذْكُورَتَانِ، قَالَ عُمَرُ: فَعَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ «لَمَّا حَضَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ الْمَوْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَجَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: قَدْ أَفْقَهُ مَا تَقُولُ وَلَكِنْ مُنَّ عَلَيَّ الْيَوْمَ وَكَفِّنِّي بِقَمِيصِكَ هَذَا، وَصَلِّ عَلَيَّ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَفَّنَهُ

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَمِيصِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ» - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْدَعْ إنْسَانًا قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: كَلِمَةً حَسَنَةً، قَالَ الْحَكَمُ: فَسَأَلْت عِكْرِمَةَ مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ؟ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا أَبَا حَبَّابٍ إنَّا قَدْ مَنَعْنَا مُحَمَّدًا طَوَافَ هَذَا الْبَيْتِ، وَلَكِنَّا نَأْذَنُ لَك؟ فَقَالَ: لَا، لِي فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ - وَقَدْ وُضِعَ فِي حُفْرَتِهِ - فَوَقَفَ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ حُفْرَتِهِ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - ظَاهِرُ الْآيَةِ كَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا قَبْلُ، وَمَاتُوا عَلَى الْفِسْقِ. وَالثَّانِي - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ جُمْلَةً لِلْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119] فَلَوْ كَانَ ابْنُ أُبَيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَذْكُورِينَ مِمَّنْ تَبَيَّنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كُفَّارٌ - بِلَا شَكٍّ - لَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا صَلَّى عَلَيْهِ. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَالَفَ رَبَّهُ فِي ذَلِكَ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْلَمْ قَطُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَالْمَذْكُورِينَ كُفَّارٌ فِي الْبَاطِنِ؟ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ نا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَمِّ قُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ، آخِرُ مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا وَاَللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: 113] الْآيَةَ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ نَزَلَ بِمَكَّةَ - بِلَا شَكٍّ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُوقِنْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ مُشْرِكٌ وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ مُشْرِكٌ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَصْلًا، وَلَا اسْتَغْفَرَ لَهُ، وَكَذَلِكَ تَعْدِيدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَقَالَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ: لَا، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ كَافِرًا لَصَرَّحَ بِذَلِكَ، وَقَصَدَ إلَيْهِ، وَلَمْ يُطَوِّلْ بِغَيْرِهِ. وَالثَّالِثُ - شَكَّ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَتَعَجَّبَ عُمَرُ مِنْ مُعَارَضَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَفُ مِنْهُ. وَالرَّابِعُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَهَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَقَطْ، وَلَمْ يَنْهَ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُتْرَكُ لَهُ وَفَاءٌ وَيَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. فَصَحَّ يَقِينًا بِهَذَا أَنَّ مَعْنَى الْآيَاتِ إنَّمَا هُوَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْمُسْلِمُونَ. ثُمَّ تَابُوا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، فَمِنْهُمْ مِنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ فِي التَّوْبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَاطِنَهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55] . قَالَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} [التوبة: 81] الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ أَتَوْا كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ كَانُوا بِهَا عُصَاةً فَاسِقِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ بِأَعْيَانِهِمْ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ. وَبَيَّنَ تَعَالَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُنَالِكَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُمْ بِهِ هَاهُنَا، فَقَالَ تَعَالَى {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} [الفتح: 11]

إلَى قَوْله تَعَالَى {عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 18] فَنَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الْمُخَلَّفِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا، وَأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَاَلَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُعْجِبَهُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا أَوْلَادَهُمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ: أَنَّهُمْ مَقْبُولَةٌ تَوْبَتُهُمْ إنْ تَابُوا فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِمْ، وَفِي الْحُكْمِ بِأَنَّ بَاطِنَهُمْ: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَحِيحَ التَّوْبَةِ مُطِيعًا إذَا دُعِيَ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْجِهَادِ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، وَأَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَذَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَذَابًا أَلِيمًا. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَفَرُوا ثُمَّ تَابُوا فَقَبِلَ تَوْبَتَهُمْ، وَلَمْ يَعْرِفْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ التَّوْبَةِ مَنْ مِنْهُمْ الصَّادِقُ فِي سِرِّ أَمْرِهِ، وَلَا مَنْ مِنْهُمْ الْكُفْرُ فِي بَاطِنِ مُعْتَقَدِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ بِشَهَادَةِ النُّصُوصِ، كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ} [التوبة: 86] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 87] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ نَصُّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَيْضًا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِيهَا، وَقَالَ تَعَالَى {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} [التوبة: 90] إلَى قَوْله تَعَالَى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 10] . قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَّارٌ، إلَّا أَنَّ كُلَّهُمْ عُصَاةٌ، فَأَمَّا الْمُبْطِنُونَ لِلْكُفْرِ مِنْهُمْ فَلَمْ يَعْلَمْهُمْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا عَلِمَهُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} [التوبة: 93] إلَى قَوْلِهِ {عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ فِيهِمْ مَنْ كَفَرَ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْجَأَ أَمْرَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94] . فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَاتَّفَقَتْ الْآيَاتُ كُلُّهَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 95] وَجَهَنَّمُ تَكُونُ جَزَاءً عَلَى الْكُفْرِ وَتَكُونُ جَزَاءً عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَكَذَلِكَ لَا يَرْضَى تَعَالَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَافِرِينَ. وَقَالَ تَعَالَى {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} [التوبة: 97] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا تُبَيِّنُ نَصَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِيهِمْ كُفَّارًا فِي الْبَاطِنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَعْلَمُ سِرَّهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا. وَقَالَ تَعَالَى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} [التوبة: 101] إلَى قَوْله تَعَالَى {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 181] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةٌ نَصَّ مَا قُلْنَاهُ بَيَانًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَعْلَمُ الْمُنَافِقِينَ - لَا مِنْ الْأَعْرَابِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُهُمْ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتُوبُ فَيَعْفُو اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِأَخْذِ زَكَوَاتِ جَمِيعِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا} [التوبة: 107] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 110] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَفِيهَا، أَنَّ بُنْيَانَهُمْ لِلْمَسْجِدِ قَصَدُوا بِهِ الْكُفْرَ، ثُمَّ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ، فَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى صِدْقَ مَنْ صَدَقَ فِيهَا، وَكَذِبَ مَنْ كَذَبَ فِيهَا. وَنَعَمْ {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] وَقَدْ قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَمُمْكِنٌ أَنْ لَا يَغْفِرَهُ لَهُ أَبَدًا حَتَّى يُعَاقِبَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ} [التوبة: 124] إلَى قَوْله تَعَالَى {لا يَفْقَهُونَ} [الأعراف: 179] ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ لَا دَلِيلَ فِيهَا أَصْلًا عَلَى أَنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ لَكِنَّهَا صِفَةٌ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَعْرِفُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ إذَا سَمِعُوهَا فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ} [النور: 47] إلَى قَوْله تَعَالَى {هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ أَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ مَنْ سَمِعَهَا عَرَفَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَهِيَ تَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنْ يَكُونَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَافِرًا وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ النِّفَارَ عَنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَيَدِينُ بِأَنْ لَا يَرْضَى بِهِ فَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنْ يَكُونَ فَاعِلٌ ذَلِكَ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ فِي الظُّلْمِ وَمُحَابَاةِ نَفْسِهِ عَارِفًا بِقُبْحِ فِعْلِهِ فِي ذَلِكَ وَمُعْتَقِدًا أَنَّ الْحَقَّ فِي خِلَافِ فِعْلِهِ - فَهَذَا فَاسِقٌ، وَلَيْسَ كَافِرًا. وَالثَّانِي - أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مُقَلِّدًا لِإِنْسَانٍ فِي أَنَّهُ قَدْ شَغَفَهُ تَعْظِيمُهُ إيَّاهُ وَحُبُّهُ مُوهِمًا نَفْسَهُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ فَأَهْلُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ مُخْطِئُونَ عُصَاةٌ وَلَيْسُوا كُفَّارًا وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 43] أَيْ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُطِيعِينَ، لِأَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ إيمَانٌ، وَكُلَّ إيمَانٍ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي شَيْءٍ مَا فَهُوَ غَيْرُ مُؤْمِنٍ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ - وَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِيهِ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ الْآيَةُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا أَنَّ أَهْوَاءَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَكْفُرَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] فَإِذْ أَهْوَاؤُهُمْ مَعْرُوفَةٌ فَفَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يُطِيعَهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُشِيرُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِرَأْيٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

مُشِيرِينَ عَلَيْهِ بِرَأْيٍ رَاجِينَ أَنْ يَتْبَعَهُمْ فِيهِ، فَإِذْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانٌ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْرِي أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، وَلَكِنَّهُمْ مَعْرُوفَةٌ صِفَاتُهُمْ جُمْلَةً، وَمِنْ صِفَاتِهِمْ بِلَا شَكٍّ إرَادَتُهُمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ النَّاسِ كُفَّارًا. وَقَالَ تَعَالَى {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأنفال: 49] الْآيَةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ قَائِلِينَ قَالُوا ذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَيْضًا مُمْكِنٌ أَنْ يَقُولَهُ يَهُودٌ، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَقُولَهُ أَيْضًا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَوَرًا وَجُبْنًا، وَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} [الأحزاب: 13] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا} [الأحزاب: 15] فَإِنَّ هَذَا قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ نَزَلَ فِي بَنِي حَارِثَةَ، وَبَنِي سَلَمَةَ - وَهُمْ الْأَفَاضِلُ الْبَدْرِيُّونَ الْأُحُدِيُّونَ - وَلَكِنَّهَا كَانَتْ وَهْلَةً فِي اسْتِئْذَانِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَقَوْلُهُمْ {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] وَفِيهِمَا نَزَلَتْ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] . كَمَا نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] قَالَ جَابِرٌ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلَمَةَ. قَالَ جَابِرٌ: وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ أَصْلًا، فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 18] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 30] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَلَكِنَّهَا صِفَةٌ يَعْرِفُهَا مِنْ نَفْسِهِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ، إلَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] بَيَانٌ جَلِيٌّ عَلَى بَسْطِ التَّوْبَةِ لَهُمْ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ مُعْتَرِفٌ بِالْإِسْلَامِ، لَائِذٌ بِالتَّوْبَةِ فِيمَا صَحَّ عَلَيْهِمْ، مِنْ قَوْلٍ يَكُونُ كُفْرًا وَمَعْصِيَةً. فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَيَعْرِفُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ الْكُفْرَ فِي بَاطِنِهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [النساء: 81] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ مَضَى قَوْلُنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 1] . وَقَالَ تَعَالَى {وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [الأحزاب: 48] لَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَرْكِ قِتَالِ الْكَافِرِينَ وَإِصْغَارِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الأحزاب: 62] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَنَصَحَ نَفْسَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ، وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ: لَيُغْرِيَنَّ بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَهُ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ إنْ لَمْ يَنْتَهُوا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا - وَإِعْرَابُ - مَلْعُونِينَ - أَنَّهُ حَالٌ لِمُجَاوَرَتِهِمْ - مَعْنَاهُ لَا يُجَاوِرُونَهُ إلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ هَذَا لَقَالَ: مَلْعُونُونَ عَلَى خَبَرِ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ ثُمَّ أَكَّدَ تَعَالَى بِأَنَّ هَذَا هُوَ سُنَّتَهُ تَعَالَى الَّتِي لَا تَتَبَدَّلُ. فَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَعَلِمَ نِفَاقَهُمْ، هَلْ انْتَهَوْا أَوْ لَمْ يَنْتَهُوا؟ فَإِنْ قَالَ: انْتَهَوْا، رَجَعَ إلَى الْحَقِّ، وَصَحَّ أَنَّهُمْ تَابُوا وَلَمْ يَعْلَمْ بَاطِنَهُمْ - فِي

صِحَّةِ التَّوْبَةِ أَوْ كَذِبِهَا - إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ إلَّا الظَّاهِرَ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ، أَوْ كُفْرًا رَجَعُوا عَنْهُ فَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَنْتَهُوا، لَمْ يَبْعُدْ عَنْ الْكُفْرِ، لِأَنَّهُ يَكْذِبُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ تَعَالَى بَدَّلَ سُنَّتَهُ الَّتِي قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُبَدِّلُهَا أَوْ بَدَّلَهَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ثُمَّ تَمَادَى فَهُوَ كَافِرٌ، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ مُجَوِّرٌ لِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ كُفْرٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ: مَا انْتَهَوْا وَلَا أَغْرَاهُ بِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا، فَإِنَّ قَائِلَهُ آفِكٌ كَاذِبٌ، عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَحِلُّ لَهُ الْكَلَامُ فِي الدِّينِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ طَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي عَصَى فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَطْبَعْ عَلَى قَلْبِهِ فِيهِ لَمَا عَصَى؟ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ مُنَافِقِينَ فَإِعْلَانُهُمْ بِالتَّوْبَةِ مَاحٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْبَاطِنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} [محمد: 20] إلَى قَوْلِهِ {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظَرُ يُبَيِّنُ مُعْتَقَدَهُمْ وَإِظْهَارَهُمْ الْإِسْلَامَ تَوْبَةً تَصِحُّ بِهِ قَبُولُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ النَّظَرُ دَلِيلًا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ وَلَا فَرْقَ. وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ} [محمد: 25] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 26] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ صِفَةٌ مُجْمَلَةٌ لِمَنْ ارْتَدَّ مُعْلِنًا أَوْ مُسِرًّا، وَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ

- عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ مُسِرُّونَ لِلْكُفْرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [محمد: 29] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَرَاهُمْ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] فَهَذَا كَالنَّظَرِ الْمُتَقَدِّمِ إنْ كَانَ لَحْنُ الْقَوْلِ بُرْهَانًا يَقْطَعُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، فَإِظْهَارُهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَإِعْلَانُهُمْ الْإِسْلَامَ تَوْبَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَمَا قَدَّمْنَا - وَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقْطَعُ بِلَحْنِ قَوْلِهِمْ عَلَى ضَمِيرِهِمْ، فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ يَعْرِفُهُ فِي الْأَغْلَبِ لَا يَقْطَعُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي " بَرَاءَةٍ، وَالْفَتْحِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ} [الفتح: 11] الْآيَاتِ كُلَّهَا، وَبَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُمْ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَالْأَجْرِ الْعَظِيمِ إنْ تَابُوا وَأَطَاعُوا لِمَنْ دَعَاهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْجِهَادِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات: 14] إلَى قَوْله تَعَالَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَسْلَمُوا لِلَّهِ تَعَالَى غَلَبَةً وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَسَطَ لَهُمْ التَّوْبَةَ فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: 14] فَإِظْهَارُهُمْ الطَّاعَةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُدْخِلٌ لَهُمْ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَمُبْطَلٌ لَأَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ بَاطِنَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} [الحديد: 13] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ} [الحديد: 14] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ يُوَافِقُهَا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ

نا أَبِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ «فَيَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ؟ فَيَتْبَعُ مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} [المجادلة: 8] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَؤُلَاءِ مَعْرُوفُونَ بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ لَهُمْ مَبْسُوطَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي سَائِرِ الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المجادلة: 14] إلَى قَوْله تَعَالَى {هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ صِفَةُ قَوْمٍ لَمْ يُسْلِمُوا إلَّا أَنَّهُمْ يَتَبَرَّءُونَ مِنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِالْكُفْرِ فَالتَّوْبَةُ لَهُمْ مَبْسُوطَةٌ، كَمَا ذَكَرَ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} [الحشر: 11] إلَى قَوْله تَعَالَى {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} [الحشر: 14] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا قَدْ يَكُونُ سِرًّا عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ وَلَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ فَالتَّوْبَةُ لَهُمْ مَبْسُوطَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي سَائِرِ الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا نَزَلَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ نا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ؟ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ، فَقَالُوا: كَذَبَ

زَيْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالَ شِدَّةٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقِي فِي إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؟ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ» . قَالَ: وَقَوْلُهُ {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4] كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ: فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» ، فَقَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عُمَرَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 87] فَهُمْ قَوْمٌ كَفَرُوا بِلَا شَكٍّ بَعْدَ إيمَانِهِمْ ارْتَدُّوا بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، إلَّا أَنَّ التَّوْبَةَ لَهُمْ بِيَقِينٍ مَذْكُورَةٌ فِي الْآيَةِ، وَفِيمَا رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ. أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المنافقون: 5] . وَأَمَّا مَنْعُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ بِلَا شَكٍّ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ، لَا فِي مُرَاجَعَةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَإِنَّ هَذَا مَقْبُولٌ مِنْهُمْ بِلَا شَكٍّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا سَلَفَ فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَأَيْضًا إطْلَاقُهُمْ فِيهِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: 6] وَهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِلَا شَكٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّاتِهِمْ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ شَكِّ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ابْنِ أُبَيٍّ بِعَيْنِهِ صَاحِبِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ عَنْ جَابِرٍ إذْ «قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ» فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنَافِقٌ، لَكِنَّهُ قَدْ كَانَ نَافَقَ بِلَا شَكٍّ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلَ هَذَا فِي مُؤْمِنٍ بَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ جُمْلَةً - وَهُوَ حَاطِبُ بْنُ بَلْتَعَةَ - وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى تَحْرِيمِ دَمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - " دَعْهُ " وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِأَنْ يَدَعَ النَّاسُ فَرْضًا وَاجِبًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» بَيَانٌ جَلِيٌّ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ، مَقْطُوعٌ عَلَى غَيْبَةٍ بِصِحَّةِ بَاطِنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِظَاهِرِ إسْلَامِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ، وَاَلَّذِينَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى دِمَاءَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا؟ وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَوْ حَلَّ دَمُ ابْنِ أُبَيٍّ لَمَا حَابَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَمَا ضَيَّعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْتُلُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ، لِنِسْبَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَاطِلَ، وَمُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهِ: لَقَدْ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ الْفُضَلَاءَ الْمَقْطُوعَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْجَنَّةِ، إذْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ، كَمَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ، وَالضَّلَالِ الْبَحْتِ، وَالْفُسُوقِ الْمُجَرَّدِ: بَلْ مِنْ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ: أَنْ يَعْتَقِدَ، أَوْ يَظُنَّ - مَنْ هُوَ مُسْلِمٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقْتُلُ مُسْلِمِينَ فَاضِلِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَشْنَعَ قِتْلَةً بِالْحِجَارَةِ، وَيَقْتُلُ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد الْأَنْصَارِيَّ قِصَاصًا بِالْمُجَدَّرِ بْنِ خِيَارٍ الْبَلَوِيِّ بِعِلْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُونَ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَالْمَرْأَةَ الَّتِي أَمَرَ أُنَيْسًا بِرَجْمِهَا، إنْ اعْتَرَفَتْ. وَبِقَطْعِ يَدِ الْمَخْزُومِيَّةِ - وَيَقُولُ «لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» .

وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَصَابَ الضَّعِيفُ مِنْهُمْ الْحَدَّ أَقَامُوهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَصَابَهُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ» . ثُمَّ يَفْعَلُ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ، وَيُعَطِّلُ إقَامَةَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ عَلَى كَافِرٍ يَدْرِي أَنَّهُ ارْتَدَّ الْآنَ، ثُمَّ لَا يَقْنَعُ بِهَذَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ كَافِرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنْ دَانَ بِهَذَا وَاعْتَقَدَهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، مُشْرِكٌ، مُرْتَدٌّ، حَلَالُ الدَّمِ وَالْمَالِ - نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَمِنْ وِلَايَتِهِ - مَنْ يَظُنُّ بِهِ النِّفَاقَ بِلَا خِلَافٍ، فَالْأَمْرُ فِيمَنْ دُونَهُ بِلَا شَكٍّ أَخْفَى - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ أَنْ كَفَرَ هُوَ وَمَنْ سَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ وَالْإِسْلَامَ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بَاطِنَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ؟ أَمْ عَلَى مَا أَظْهَرُوا مِنْ التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِذَلِكَ، وَهُوَ بِلَا شَكٍّ الْمُجَازِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: أَمَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَكَفَرَ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجَاهِدُهُ بِعَيْنِهِ بِلِسَانِهِ، وَالْإِغْلَاظُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتُوبَ - وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَيْنِهِ جَاهَدَهُ جُمْلَةً بِالصِّفَةِ، وَذَمِّ النِّفَاقِ، وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْبَةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ أَنَّ فُلَانًا بِعَيْنِهِ مُنَافِقٌ مُتَّصِلُ النِّفَاقِ ثُمَّ لَا يُجَاهِدُهُ، فَيَعْصِي رَبَّهُ تَعَالَى، وَيُخَالِفُ أَمْرَهُ - وَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، لِأَنَّهُ نَسَبَ الِاسْتِهَانَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبَقِيَتْ آثَارٌ نَذْكُرُهَا الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ني اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - نا عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ رَبِيعٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ «عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا - قَالَ فِي حَدِيثٍ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ، قَالَ: فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ ذَوُو عَدَدٍ، فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدِّخْشَنِ - أَوْ ابْنُ دَخْشَنٍ - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقُلْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسَرَّةَ نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ نا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ: سَيِّدًا، فَإِنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا جَرِيرٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا يَعْدِلُ فِيهَا، مَا أُرِيدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، قَالَ فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» . قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قُلْت: لَا جَرَمَ، لَا أَرْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ

أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: نا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ؟ قَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ أَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَتْ الْأَنْصَارُ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ؟ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ؟ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ مَا شَأْنُهُمْ؟ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: قَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَا تَقْتُلُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ؟ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ: أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ - هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ «بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُخَلَّصْ مِنْ تُرَابِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ - وَشَكَّ فِي الرَّابِعِ - فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ هَؤُلَاءِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينٌ فِي

السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الْإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ: وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي. قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ، إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ: قَالَ: سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ «عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قُلْتُ لِعَمَّارٍ: أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ هَذَا؟ أَرَأْيٌ رَأَيْتُمُوهُ، فَإِنَّ الرَّأْيَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ؟ أَوَعَهِدَ إلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، أَحَسَبُهُ قَالَ: حَدَّثَنِي حُذَيْفَةُ: أَنَّهُ قَالَ: فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ يَكْفِيهِمْ الرَّسْلَةُ، سِرَاجٌ مِنْ النَّارِ يَظْهَرُ بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا أَبُو أَحْمَدَ - هُوَ الزُّبَيْرِيُّ - نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عِيَاضٍ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: إنَّ مِنْكُمْ مُنَافِقِينَ فَمَنْ سَمَّيْتُ فَلْيَقُمْ؟ ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا فُلَانُ - حَتَّى عَدَّ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ - ثُمَّ قَالَ: إنَّ مِنْكُمْ وَإِنَّ فِيكُمْ، فَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ؟ فَمَرَّ عُمَرُ بِرَجُلٍ مُقَنَّعٍ قَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ» .

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اعْتَذَرُوا إلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا أَحْمَدُ الْكُوفِيُّ نا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ نا أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: «كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ، كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ؟ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: أَخْبِرْهُ إذْ سَأَلَكَ؟ قَالَ - يَعْنِي حُذَيْفَةَ -: كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَإِنْ كُنْتَ فِيهِمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حِزْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَعَذَرَ ثَلَاثَةً، وَعَذَرَ ثَلَاثَةً؟ قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْعَقَبَةُ الْفَاضِلَةُ الْمَحْمُودَةُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، تِلْكَ كَانَتْ لِلْأَنْصَارِ خَالِصَةً شَهِدَهَا مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سَبْعُونَ رَجُلًا وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ يَوْمَئِذٍ، لَكِنَّهُ شَفَقَةٌ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو كُرَيْبٍ جَعْفَرُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَلَمَّا كَانَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ هَاجَتْ رِيحٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ، فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا عَظِيمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَحَادِيثُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى حُذَيْفَةَ فِيهَا: أَنَّهُ كَانَ يَدْرِي الْمُنَافِقِينَ، وَأَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ: أَهُوَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا، وَلَا أَخْبَرَ أَحَدًا بَعْدَك بِمِثْلِ هَذَا، وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِذَا حَضَرَ حُذَيْفَةُ جِنَازَةً حَضَرَهَا عُمَرُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا حُذَيْفَةُ لَمْ يَحْضُرْهَا عُمَرُ، وَفِي بَعْضِهَا مِنْهُمْ: شَيْخٌ لَوْ ذَاقَ الْمَاءَ مَا وَجَدَ لَهُ طَعْمًا: كُلُّهَا غَيْرُ مُسْنَدَةٍ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ أَذْهَبْ إلَى الْجِنَازَةِ فَقَالَ: هُوَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَنْي «عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ، قَالَ: قُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ: هَلْ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ النِّفَاقَ فِيهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللَّهِ إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَعْرِفُهُ مِنْ أَخِيهِ، وَمِنْ أَبِيهِ، وَمِنْ بَنِي عَمِّهِ، وَمِنْ عَشِيرَتِهِ، ثُمَّ يُلْبِسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ - قَالَ مَحْمُودٌ: لَقَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفٍ نِفَاقُهُ كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ سَارَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَجَرِ مَا كَانَ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَعَا فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّحَابَةَ فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ، أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نَقُولُ: وَيْحُكَ أَبَعْدَ هَذَا شَيْءٌ؟ قَالَ: سَحَابَةٌ مَارَّةٌ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سَارَ حَتَّى كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ضَلَّتْ نَاقَتُهُ، فَخَرَجَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَبِهَا، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ: عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا - وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ - وَكَانَ فِي رَحْلِ يَزِيدَ بْنِ نَصِيبٍ الْقَيْنُقَاعِيِّ وَكَانَ مُنَافِقًا، فَقَالَ يَزِيدُ - وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ - وَعُمَارَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ: إنَّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِخَبَرِ السَّمَاءِ - هُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ - وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ إلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ، وَقَدْ دَلَّنِي عَلَيْهَا - وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي مِنْ شِعْبِ كَذَا وَكَذَا - وَقَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا، فَانْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُونِي بِهَا؟ فَذَهَبُوا فَجَاءُوا بِهَا، فَرَجَعَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَعْجَبُ شَيْءٍ حَدَّثْنَاهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - آنِفًا عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا وَكَذَا - لِلَّذِي قَالَ يَزِيدُ بْنُ نَصِيبٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: يَزِيدُ، وَاَللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ؟ فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى يَزِيدَ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ وَيَقُولُ: يَا آلَ عِبَادِ اللَّهِ، إنَّ فِي رَحْلِي الرَّاهِبَةَ، وَمَا أَشْعُرُ، اُخْرُجْ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ رَحْلِي فَلَا تَصْحَبْنِي» ؟ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ - وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ - فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا ثَلَاثَةٌ، يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] إلَى قَوْلِهِ {يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12] قَالَ حُذَيْفَةُ: وَلَا بَقِيَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إلَّا أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ

لَهُ أَعْرَابِيٌّ: إنَّكُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ تُخْبِرُونَنَا بِمَا لَا نَدْرِي، فَمَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْقُرُونَ بُيُوتَنَا، وَيَسْرِقُونَ أَعْلَافَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ، أَجَلْ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا أَرْبَعَةٌ: شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ وَجَدَ لَهُ بَرْدًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ أَصْلًا. أَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الدِّخْشَنِ فَصَحِيحٌ وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِأَنَّ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا وَهَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُهِينَا عَنْ قِتَالِ الْمُصَلُّونً» . وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ «لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدًا» فَإِنَّ هَذَا عُمُومًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَخْفَى هَذَا عَلَى أَحَدٍ - وَإِذْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِذَا عَرَفْنَا الْمُنَافِقَ وَنُهِينَا أَنْ نُسَمِّيَهُ " سَيِّدًا " فَلَيْسَ مُنَافِقًا بَلْ مُجَاهِرًا، وَإِذَا عَرَفْنَا مَنْ الْمُنَافِقُ؟ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْغَيْبَ؟ وَلَا مَا فِي ضَمِيرِهِ فَهُوَ مُعْلِنٌ لَا مُسِرٌّ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ - وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ خِصَالًا مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ. وَلَيْسَ هَذَا نِفَاقُ الْكُفْرِ، لَكِنَّهُ مُنَافِقٌ لِإِظْهَارِهِ خِلَافَ مَا يُضْمِرُهُ فِي هَذِهِ الْخِلَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَذِبِهِ، وَغَدْرِهِ، وَفُجُورِهِ، وَإِخْلَافِهِ، وَخِيَانَتِهِ - وَمَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى سَيِّدًا، وَمَنْ سَمَّاهُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ تَعَالَى بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - فَإِنَّ الْقَائِلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْدِلْ، وَلَا أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا عَمِلَ فَهُوَ كَافِرٌ مُعْلِنٌ بِلَا شَكٍّ. وَكَذَلِكَ الْقَائِلُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إذْ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي قَتْلِهِ إذْ قَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا اسْتِئْذَانُ عُمَرَ فِي قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا بِإِظْهَارِهِمْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ أَنْ قَالُوا مَا قَالُوا: حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ وَصَارُوا بِذَلِكَ جُمْلَةَ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَتَلَ أَصْحَابَهُ الْفُضَلَاءَ، كَمَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ، إذْ وَجَبَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ لَمَا ضَيَّعَ ذَلِكَ أَصْلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَمِّيَ كَافِرًا مُعْلِنًا بِأَنَّهُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَثْنَى عَلَى أَصْحَابِهِ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ، فَحُرِّمَتْ بِذَلِكَ دِمَاؤُهُمْ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَبَاطِنُهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ، فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي تَوْبَتِهِمْ فَهُمْ أَصْحَابُهُ حَقًّا عِنْدَ النَّاسِ ظَاهِرُهُمْ، وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَاطِنُهُمْ وَظَاهِرُهُمْ، فَهُمْ الَّذِينَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُنَا مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ نُصَيْفَ مُدِّ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا كَاذِبِينَ، فَهُمْ فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمُونَ، وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كُفَّارٌ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ إذْ اسْتَأْذَنَهُ خَالِدٌ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ فَقَالَ: لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي، فَقَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِخَالِدٍ عَنْ قَتْلِهِ، وَلَوْ حَلَّ قَتْلُهُ لَمَا نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّبَبِ الْمَانِعِ مِنْ قَتْلِهِ - وَهُوَ أَنَّهُ لَعَلَّهُ يُصَلِّي - فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: رُبَّ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، فَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ لِيَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الظَّاهِرُ - وَأَخْبَرَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّ ظَاهِرَهُمْ مَانِعٌ مِنْ قَتْلِهِمْ أَصْلًا. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ، وَفِيهِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، بِقَتْلِهِ، فَوَجَدَهُ يَرْكَعُ، وَوَجَدَهُ الْآخَرُ يَسْجُدُ فَتَرَكَاهُ، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِقَتْلِهِ فَمَضَى فَلَمْ

يَجِدْهُ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: لَوْ قُتِلَ لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ أُمَّتِي اثْنَانِ» وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَلَا وَجْهَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ «فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا» فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَهُوَ إخْبَارٌ بِصِفَةٍ عَنْ عَدَدٍ فَقَطْ لَيْسَ فِيهِمْ بَيَانُ أَنَّهُمْ عُرِفُوا بِأَسْمَائِهِمْ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّنَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ نا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يُسَمِّ عَنْ أَبِيهِ: أَرَاهُ عِيَاضُ بْنُ عِيَاضٍ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ قَدْ انْكَشَفُوا وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُمْ، فَلَيْسُوا مُنَافِقِينَ، بَلْ هُمْ مُجَاهِرُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونُوا تَابُوا فَحُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ بِذَلِكَ، وَإِمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا فَهُوَ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ لَا يَرَى قَتْلَ الْمُرْتَدِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَأْمُونِينَ مِنْ الْعَذَابِ وَهَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ كُفْرَهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَسَاقِطٌ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَلَا نَرَاهُ يَعْلَمُ مَنْ وَضَعَ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أَخْبَارًا فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَإِلْقَاءَهُ مِنْ الْعَقَبَةِ فِي تَبُوكَ - وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْمَوْضُوعُ الَّذِي يَطْعَنُ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِعَهُ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَاوِيه أَبُو سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا هُبُوبُ الرِّيحِ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّمَا فِي هَذَا انْكِشَافُ أَمْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَمْ يُوقِنْ قَطُّ، بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ نِفَاقَهُ فِي حَيَاتِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ بِالظَّنِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا

الْمَوْقُوفَةُ عَلَى حُذَيْفَةَ - فَلَا تَصِحُّ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بِلَا شَكٍّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُمْ صَحَّ نِفَاقُهُمْ وَعَاذُوا بِالتَّوْبَةِ، وَلَمْ يَقْطَعْ حُذَيْفَةُ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِمْ، فَتَوَرَّعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ. وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ: أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا، وَلَا أُخْبِرُ أَحَدًا غَيْرَك بَعْدَك - وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَرَى، لِأَنَّ مِنْ الْكَذِبِ الْمَحْضِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ يَشُكُّ فِي مُعْتَقَدِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَدْرِي أَمُنَافِقٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ جَمِيعَ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، إنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَقَطْ - فَظَهَرَ بُطْلَانُ هَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَمُنْقَطِعٌ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ، وَإِذْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا نِفَاقًا بَلْ هُوَ كُفْرٌ مَشْهُورٌ، وَرِدَّةٌ ظَاهِرَةٌ - هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ " لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا ثَلَاثَةٌ " فَصَحِيحٌ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ فِي نَصِّ الْآيَةِ أَنْ يُقَاتِلُوا حَتَّى يَنْتَهُوا، فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَنْتَهُوا لَمَا تُرِكَ قِتَالُهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ " أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إلَّا أَرْبَعَةٌ " فَلَا شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ غَيْبَ الْقُلُوبِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَهُمْ مِمَّنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُبَيِّنُ هَذَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ ني إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ: كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ، قَالَ الْأَسْوَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] فَتَبَسَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَفَرَّقَ الصَّحَابَةُ، فَرَمَانِي حُذَيْفَةُ بِالْحَصَى فَأَتَيْته، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبْت مِنْ ضِحْكِهِ وَقَدْ عَلِمَ مَا قُلْت " لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ النِّفَاقَ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ ثُمَّ تَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ نا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: إنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا حِينَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، فِي أَحَدِهِمَا بَيَانٌ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُسِرُّونَ، وَفِي الثَّانِي أَنَّهُمْ تَابُوا - فَبَطَلَ تَعَلُّقُ مَنْ تَعَلَّقَ بِكُلِّ آيَةٍ وَكُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ. وَصَحَّ أَنَّهُمْ قِسْمَانِ: إمَّا قِسْمٌ لَمْ يُعْلَمْ بَاطِنُ أَمْرِهِ، فَهَذَا لَا حُكْمَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِسْمٌ عُلِمَ بَاطِنُ أَمْرِهِ وَانْكَشَفَ فَعَاذَ بِالتَّوْبَةِ. قَالُوا: إنَّ الَّذِي جَوَّرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ، وَلَا أَرَادَ بِقِسْمَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ مُرْتَدٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، مُنْكَشِفُ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ قُتِلَ، بَلْ فِيهَا النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهِ؟ قُلْنَا: أَمَّا هَذَا فَحَقٌّ، كَمَا قُلْتُمْ، لَكِنَّ الْجَوَابَ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَكُنْ أَمَرَ بَعْدُ بِقَتْلِ مَنْ ارْتَدَّ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ فَنُسِخَ تَحْرِيمُ قَتْلِهِمْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «بَعَثَ عَلِيٌّ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ - بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ إنْ عَصَيْتُهُ؟ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَا تَأْمَنُونِي، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ فِي قَتْلِهِ - يَرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمَ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» .

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ نا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُجَيْرَمِيُّ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ نا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نا سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمَانَ - هُوَ أَبُو الْأَحْوَصِ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ: عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْكِلَابِيِّ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، وَقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا أَعْطَيْتُهُمْ أَتَأَلَّفُهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إنْ عَصَيْتُهُ أَنَا؟ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟ فَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي قَتْلِهِ، فَأَبَى، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، وَاَللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ كَمَا تَرَى الْإِسْنَادُ الثَّابِتُ: أَنَّ هَذَا الْمُرْتَدَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي قَتْلِهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ: أَنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ ضِئْضِئِهِ عِصَابَةٌ إنْ أَدْرَكَهُمْ قَتَلَهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْهُ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ بَعْدَ كَوْنِهِ فَدُخُولُهُ كَدُخُولِ السَّهْمِ فِي الرَّمِيَّةِ، فَقَدْ ارْتَدَّ عَنْهُ. فَصَحَّ إنْذَارُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَأْمُرُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ - فَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَتْلَ مَنْ ارْتَدَّ كَانَ حَرَامًا - وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَأْذَنْ بِهِ لَا لِعُمَرَ، وَلَا لِخَالِدٍ. ثُمَّ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَذَرَ بِأَنَّهُ سَيُبَاحُ قَتْلُهُ، وَأَنَّهُ سَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ يَرْتَدُّ فَصَحَّ يَقِينًا نَسْخُ ذَلِكَ الْحَالِ، وَقَدْ نُسِخَ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ، وَمُعَاذٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ مِنْ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْمُرْتَدُّ،

مسألة حد الزنى

وَصَحَّ أَنَّهُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَنْسُوخٍ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. [مَسْأَلَة حَدُّ الزِّنَى] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] الْآيَةَ. فَحَرَّمَ تَعَالَى الزِّنَى وَجَعَلَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، تَوَعَّدَ فِيهِ بِالنَّارِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ نا الْفَضْلُ بْنُ غَزْوَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ حِينَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» . قَالَ عِكْرِمَةُ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ يُنْتَزَعُ الْإِيمَانُ مِنْهُ قَالَ هَكَذَا - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا - فَإِنْ تَابَ عَادَ إلَيْهِ هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا آدَم نا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ - هُوَ أَبُو صَالِحٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ - وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ» . أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَانِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، كُلُّهُمْ حَدَّثُونِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ فَيَرْفَعُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِيمَانُ هُوَ جَمِيعُ الطَّاعَةِ، فَأَيُّ طَاعَةٍ أَطَاعَ الْعَبْدُ بِهَا رَبَّهُ فَهِيَ إيمَانٌ وَهُوَ بِفِعْلِهِ إيَّاهَا مُؤْمِنٌ، وَأَيُّ مَعْصِيَةٍ عَصَى بِهَا الْعَبْدُ رَبَّهُ فَلَيْسَتْ إيمَانًا، فَهُوَ بِفِعْلِهِ إيَّاهَا غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَالْإِيمَانُ وَالطَّاعَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَمَعْنَى لَيْسَ مُؤْمِنًا: لَيْسَ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ نَفْيُ الْإِيمَانِ هَاهُنَا إيجَابًا لِلْكُفْرِ لَوَجَبَ قَتْلُ السَّارِقِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ عَلَى الرِّدَّةِ - هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَّا فِي إحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ، أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ» . وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ: بِمَ تَقْتُلُونِي؟ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا فَقُتِلَ بِهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعَظَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ الزِّنَى عَلَى بَعْضٍ، وَكُلُّهُ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّ الْمَعَاصِيَ بَعْضَهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَعَظَّمَ اللَّهُ الزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ، وَبِامْرَأَةِ الْمُجَاهِدِ، وَزِنَى الشَّيْخِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يُطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» . وَبِهِ - إلَى مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «حُرْمَةُ

نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إلَّا وَقَفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ سَمِعْت رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ رَفَعَهُ إلَى زِرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ، وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمْ: الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَامِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ وَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ نا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِيهِ: «الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْكَذَّابُ، وَالْعَامِلُ الْمُخْتَالُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد الْحِزَامِيُّ نا عَارِمٌ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمْ اللَّهُ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ» . 2205 - مَسْأَلَةٌ: مَا الزِّنَى؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 5 - 6] إلَى قَوْلِهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.

فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ الْوَطْءُ إلَّا مُبَاحًا لَا يُلَامُ فَاعِلُهُ، أَوْ عَهَرًا فِي غَيْرِ الْفِرَاشِ وَهَاهُنَا وَطْآنِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا - مَنْ وَطِئَ فِرَاشًا مُبَاحًا فِي حَالٍ مُحَرَّمَةٍ، كَوَاطِئِ الْحَائِضِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَالْمُحْرِمِ، وَالصَّائِمِ فَرْضًا، وَالصَّائِمَةِ كَذَلِكَ، وَالْمُعْتَكِفِ، وَالْمُعْتَكِفَةِ، وَالْمُشْرِكَةِ - فَهَذَا عَاصٍ وَلَيْسَ زَانِيًا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، إلَّا أَنَّهُ وَطِئَ فِرَاشًا حُرِّمَ بِوَجْهٍ مَا، فَإِذَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْوَجْهُ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا. وَالثَّانِي - مَنْ جَهِلَ، فَلَا ذَنْبَ لَهُ، وَلَيْسَ زَانِيًا - فَبَعْدَ هَذَيْنِ الْوَطْأَيْنِ فَلَيْسَ إلَّا مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ الْمُبَاحَةَ بِعَقْدِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ صَحِيحٍ يَحِلُّ فِيهِ الْوَطْءُ، أَوْ عَاهِرٌ - وَهُوَ مَنْ وَطِئَ مَنْ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى مُجَرَّدِهَا، وَهُوَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ: فَهَذَا هُوَ الْعَاهِرُ الزَّانِي - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2206 - مَسْأَلَةٌ: حَدُّ الزِّنَى: قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مَنْسُوخَانِ بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] إلَى قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] وَحَمَلَ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء: 16] عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ، لَكِنَّ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15] هَذَا كَانَ حُكْمَ الزَّوَانِي مِنْ النِّسَاءِ - ثَيِّبَاتُهُنَّ وَأَبْكَارُهُنَّ - وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] هَذَا حُكْمُ الزَّانِينَ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً الثَّيِّبَ مِنْهُمْ وَالْبِكْرَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ:

كَمَا نا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الإدفوي الْمُقْرِي نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحْوِيُّ نا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15] . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا زَنَتْ تُحْبَسُ فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَمُوتَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا، فَهَذَا السَّبِيلُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُمَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] فَكَانَ الرَّجُلُ إذَا زَنَى أُوذِيَ بِالتَّعْيِيرِ وَضَرْبِ النِّعَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْأُدْفُوِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا سَلَمَةُ - هُوَ ابْنُ شَيْبٍ - نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] قَالَ: نَسَخَتْهَا الْحُدُودُ - وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] نَسَخَتْهَا الْحُدُودُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] إلَى قَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ النِّسَاءِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمُ الرِّجَالِ أَصْلًا. ثُمَّ عَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا مُتَّصِلًا بِهَا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] فَكَانَ هَذَا حُكْمًا زَائِدًا لِلرِّجَالِ مُضَافًا إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ حُكْمِ النِّسَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِكَذَا، وَلَا أَنَّهُ نَاسِخٌ لِكَذَا إلَّا بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْلَمَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَّا، إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهَا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى،

أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ مِنْ جَمِيعِ الصُّحْبَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوهُ عَنْ تَوْقِيفٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ ذَلِكَ، أَوْ بِضَرُورَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَتَيَقَّنَ تَأْخِيرَ أَحَدِ النَّصَّيْنِ بَعْدَ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُمَا جَمِيعًا: فَنَدْرِي حِينَئِذٍ بِيَقِينٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حُكْمَ الْأَوَّلِ بِالنَّصِّ الْآخَرِ - وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَرْقَ. فَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَّا بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلَا شَكٍّ: أَخْبَرَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ. فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ الزَّوَانِي كَانَ الْحَبْسَ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَمُتْنَ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا بِحُكْمٍ آخَرَ وَأَنَّ حُكْمَ الرِّجَالِ الزُّنَاةِ كَانَ الْأَذَى، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ بِالْحُدُودِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، وَلَيْسَ مَعَنَا يَقِينٌ بِأَنَّ حَبْسَ الزَّوَانِي مِنْ النِّسَاءِ نُسِخَ بِالْأَذَى، ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُنَّ الْأَذَى بِالْحَدِّ، هَذَا مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا أَوْجَبَتْهُ ضَرُورَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا صَحَّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْحَبْسَ وَالْأَذَى مَنْسُوخَانِ عَنْ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ بِالْيَقِينِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ بِالْحُدُودِ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي النَّاسِخِ مَا هُوَ؟ فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحُرَّ الزَّانِيَ، وَالْحُرَّةَ الزَّانِيَةَ - إذَا كَانَا غَيْرُ مُحْصَنَيْنِ - فَإِنَّ حَدَّهُمَا مِائَةُ جَلْدَةٍ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَمَعَ الْمِائَةِ جَلْدَةٍ نَفْيُ سَنَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا عَلَى الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا نَفْيَ عَلَيْهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نَفْيَ فِي ذَلِكَ، لَا عَلَى رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ، حَاشَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: إنَّ عَلَى الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ - إذَا زَنَيَا وَهُمَا مُحْصَنَانِ - الرَّجْمَ حَتَّى يَمُوتَا - ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِمَا مَعَ الرَّجْمِ الْمَذْكُورِ جَلْدُ مِائَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهِمَا إلَّا الرَّجْمُ، وَلَا جَلْدَ عَلَيْهِمَا.

وَقَالَتْ الْأَزَارِقَةُ مِنْ الْخَوَارِجِ: لَيْسَ عَلَيْهِمَا إلَّا الْجَلْدُ فَقَطْ، وَلَا رَجْمَ عَلَى زَانٍ أَصْلًا. ثُمَّ وَجَدْنَا الْأُمَّةَ قَدْ اتَّفَقَتْ - بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ -: عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا أُحْصِنَتْ فَعَلَيْهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا نَدْرِي أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ الرَّجْمَ، وَلَا يُقْطَعُ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ رَجْمِهَا إجْمَاعٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهَا نَفْيُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَعَ الْجَلْدِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نَفْيَ عَلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ أَصْلًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمَةِ إذَا لَمْ تُحْصَنْ وَزَنَتْ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَنَفْيُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا خَمْسُونَ جَلْدَةً فَقَطْ وَلَا نَفْيَ عَلَيْهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، لَا جَلْدَ وَلَا نَفْيَ أَصْلًا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْعَبْدِ إذَا زَنَى - وَهُوَ مُحْصَنٌ أَوْ غَيْرُ مُحْصَنٍ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَدُّهُ كَحَدِّ الْأَمَةِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي النَّفْيِ مَعَ الْجَلْدِ، أَوْ إسْقَاطِ النَّفْيِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَدُّهُ كَحَدِّ الْحُرِّ الرَّجْمُ أَوْ النَّفْيُ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ إذَا زَنَى مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَدُّهُ حَدُّ الْعَبْدِ التَّامِّ الرِّقُّ، أَوْ الرَّجْمُ وَالنَّفْيُ، وَالْأَمَةِ التَّامَّةِ الرِّقُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ مِنْ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ بِحِسَابِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَبِحِسَابِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَحْنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - ذَاكِرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً وَمُتَقَصُّونَ مَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا، وَمُبَيِّنُونَ - بِعَوْنِ اللَّهِ

مسألة حد الحر والحرة غير المحصنين

تَعَالَى - صَوَابَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِالْبَرَاهِينِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، كَمَا فَعَلْنَا فِي سَائِرِ كِتَابِنَا هَذَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ، وَنَعْتَصِمُ. [مَسْأَلَةٌ حَدُّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ غَيْرِ الْمُحْصَنَيْنِ] 2207 - مَسْأَلَةٌ: حَدُّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ غَيْرِ الْمُحْصَنَيْنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَجَاءَ النَّصُّ كَمَا تَرَى، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي أَنَّ الْجَلْدَ حُكْمُ الزَّانِي الْحُرِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَالزَّانِيَةِ الْحُرَّة غَيْر الْمُحْصَنَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَلْ عَلَيْهِمَا نَفْيٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَمْ لَا؟ وَهَذَا بَابٌ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي أَبْوَابٍ مَجْمُوعَةٍ صَدَّرْنَا بِهَا قَبْلُ كَلَامَنَا فِي الْمُرْتَدِّينَ ذَكَرْنَا فِيهَا كُلَّ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِهِ حَدَّانِ مِنْ الْحُدُودِ فَصَاعِدًا وَتَقَصَّيْنَا هُنَالِكَ الْآثَارَ بِأَسَانِيدِهَا، وَنَذْكُرُ هَاهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ ذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَنَقُولُ: إنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» . وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ» . وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِأَنْ يُنْفَى عَامًا مَعَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ» . وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِلَّذِي زَنَى ابْنُهُ بِامْرَأَةِ مُسْتَأْجَرَةٍ: عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَعَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمُ» . وَصَحَّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ امْرَأَةً زَنَتْ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَغَرَّبَهَا عَامًا ".

وَرُوِيَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافُ ذَلِكَ إلَّا رِوَايَةً عَنْ عَلِيٍّ: لَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ نَفْيٌ - وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْبِكْرَيْنِ يَزْنِيَانِ: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ زَنَى جُلِدَ وَأُرْسِلَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ زَنَى جُلِدَ وَأُرْسِلَ " دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ عِنْدَهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ " وَأُرْسِلَ " يُرِيدُ بِهِ أَنْ يُرْسَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَلِيٍّ " حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا " يَخْرُجُ عَلَى إيجَابِ النَّفْيِ، وَأَنَّ ذَلِكَ حَسْبُهُمَا مِنْ الْبَلَاءِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الم - أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 1 - 2] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تُنْفَى إذَا زَنَتْ لَا تَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنْ يَجْعَلُوا الْأَرْبَعِينَ الَّتِي زَادَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِّ الْخَمْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْزِيرِ حَدًّا وَاجِبًا مُفْتَرَضًا، وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْلِدُ مَرَّةً أَرْبَعِينَ، وَمَرَّةً سِتِّينَ، وَمَرَّةً ثَمَانِينَ. وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بَعْدَهُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى حَدٍّ افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَيَجْعَلُونَهُ تَعْزِيرًا، كُلُّ ذَلِكَ جُرْأَةٌ عَلَى الدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَادَّعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» وَلَمْ يَقُلْ " فَلْيَنْفِهَا " دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ التَّغْرِيبِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَحْضِ، لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ مُجْمَلٌ أَحَالَ

مسألة الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان

فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ نَفْيًا، وَلَا عَدَدَ الْجَلْدِ، فَإِنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى إسْقَاطِ التَّغْرِيبِ فَهُوَ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى إسْقَاطِ عَدَدِ مَا يُجْلَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى إسْقَاطِ عَدَدِ مَا يُجْلَدُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ، فَلَيْسَ أَيْضًا دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ النَّفْيِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ، وَالْأَخْبَارُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَأَحْكَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُّهَا حَقٌّ وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، بَلْ الْوَاجِبُ ضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَاسْتِعْمَالُ جَمِيعِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا إسْقَاطُ مَالِكٍ النَّفْيَ عَنْ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ، وَالنِّسَاءِ، وَإِثْبَاتُهُ إيَّاهُ عَلَى الْحُرِّ، فَتَفْرِيقٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لِأَنَّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرَهُ قَدْ وَرَدَ عُمُومًا بِالنَّفْيِ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ، وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً مِنْ رَجُلٍ، وَلَا عَبْدًا مِنْ حُرٍّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمَاءِ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] . فَصَحَّ أَنَّ عَلَيْهِنَّ مِنْ النَّفْيِ نِصْفُ مَا يَنْفِي الْمُحْصَنَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِنِسْبَةِ مَا أَدَّى مِنْ حَدِّ الْحُرِّ، وَبِنِسْبَةِ مَا لَمْ يُؤَدِّ مِنْ حَدِّ الْعَبْدِ. فَبَطَلَ كُلُّ مَا خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْحُرُّ وَالْحُرَّةُ إذَا زَنَيَا وَهُمَا مُحْصَنَانِ] حَدُّ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ الْمُحْصَنَيْنِ 2208 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَتْ طَائِفَةٌ: الْحُرُّ وَالْحُرَّةُ إذَا زَنَيَا - وَهُمَا مُحْصَنَانِ - فَإِنَّهُمَا يُرْجَمَانِ حَتَّى يَمُوتَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْلَدَانِ ثُمَّ يُرْجَمَانِ حَتَّى يَمُوتَا. فَأَمَّا الْأَزَارِقَةُ - فَلَيْسَ مِنْ فِرَقِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا رَجْمَ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ الْجَلْدُ فَقَطْ.

فَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الرَّجْمُ فَقَطْ دُونَ جَلْدٍ: فَكَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ ني يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ السَّقَّا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرَ: رَجَمَا وَلَمْ يَجْلِدَا. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا الْعُمَرِيُّ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ عُمَرَ رَجَمَ وَلَمْ يَجْلِدْ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا الثَّوْرِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: يَرْجُمُ وَلَا يَجْلِدُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الْجَلْدَ مَعَ الرَّجْمِ وَبِهِ - يَقُولُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الرَّجْمُ وَالْجَلْدُ مَعًا: فَكَمَا نا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَجْلِدُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَرْجُمُهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَعَا بِشُرَاحَةَ فَجَلَدَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: أَجْلِدُهَا بِالْكِتَابِ، وَأَرْجُمُهَا بِالسُّنَّةِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي الثَّيِّبِ تَزْنِي أَجْلِدُهَا ثُمَّ أَرْجُمُهَا.

وَبِهِ - يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَا الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: «أُوحِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ» ، وَكَانَ الْحَسَنُ يُفْتِي بِهِ. وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. هَاهُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّ الثَّيِّبَ إنْ كَانَ شَيْخًا جُلِدَ وَرُجِمَ، فَإِنْ كَانَ شَابًّا رُجِمَ وَلَمْ يُجْلَدْ - كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: الشَّيْخَانِ يُجْلَدَانِ وَيُرْجَمَانِ، وَالثَّيِّبَانِ يُرْجَمَانِ، وَالْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: يُجْلَدُونَ، وَيُرْجَمُونَ وَلَا يُجْلَدُونَ، وَيُجْلَدُونَ وَلَا يُرْجَمُونَ - وَفَسَّرَهُ قَتَادَةُ، قَالَ: الشَّيْخُ الْمُحْصَنُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ إذَا زَنَى، وَالشَّابُّ الْمُحْصَنُ يُرْجَمُ إذَا زَنَى، وَالشَّابُّ إذَا لَمْ يُحْصَنْ جُلِدَ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ، وَالثَّيِّبَانِ يُرْجَمَانِ وَلَا يُجْلَدَانِ، وَالشَّيْخَانِ يُجْلَدَانِ وَيُرْجَمَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ أَقْوَالٌ كَمَا تَرَى: فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ لَمْ يَرَ الرَّجْمَ أَصْلًا فَقَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ كَانَ نَزَلَ بِهِ قُرْآنٌ وَلَكِنَّهُ نُسِخَ لَفْظُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ: حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: كَمْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ قُلْت: إمَّا ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً، أَوْ أَرْبَعًا وَسَبْعِينَ آيَةً، قَالَ: إنْ كَانَتْ لَتُقَارِنُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، أَوْ لَهِيَ أَطْوَلُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَآيَةُ الرَّجْمِ؟ قُلْت: أَبَا الْمُنْذِرِ وَمَا آيَةُ الرَّجْمِ؟ قَالَ: إذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ؟ " قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ كَالشَّمْسِ لَا مَغْمَزَ فِيهِ. وَحَدَّثَنَا أَيْضًا

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الْأَشْعَرِيُّ نا مَنْصُورٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ - نا أَبُو حَفْصٍ - هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ مَنْصُورٍ - هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: كَمْ تَعُدُّونَ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ قُلْت: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ، فَقَالَ أُبَيٌّ: إنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ أَطْوَلَ، وَفِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ " الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "؟ فَهَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَنْصُورٌ: شَهِدَا عَلَى عَاصِمٍ وَمَا كَذَبَا، فَهُمَا الثِّقَتَانِ، الْإِمَامَانِ، الْبَدْرَانِ - وَمَا كَذَبَ عَاصِمٌ عَلَى زِرٍّ، وَلَا كَذَبَ زِرٌّ عَلَى أُبَيٍّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَكِنَّهَا نُسِخَ لَفْظُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا، وَلَوْ لَمْ يُنْسَخْ لَفْظُهَا لَأَقْرَأَهَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ زِرًّا بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: إنَّهَا تَعْدِلُ الْآنَ - فَصَحَّ نَسْخُ لَفْظِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا: مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ قَالَ عُمَرُ: لَمَّا نَزَلَتْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: أَكْتِبْنِيهَا؟» قَالَ شُعْبَةُ: كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ إذَا لَمْ يُحْصَنْ جُلِدَ، وَأَنَّ الشَّابَّ إذَا زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ رُجِمَ؟ . قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ تَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ سُقُوطَ آيَةِ الرَّجْمِ إنَّمَا كَانَ لِغَيْرِ هَذَا، ظَنُّوا أَنَّهَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ نَسْخٍ - وَاحْتَجُّوا بِمَا -: ناه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ

نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَالرَّضَاعَةِ، فَكَانَتَا فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ فَدَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى مَا ظَنُّوا، لِأَنَّ آيَةَ الرَّجْمِ إذْ نَزَلَتْ حُفِظَتْ، وَعُرِفَتْ، وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْهَا نُسَّاخُ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ، وَلَا أَثْبَتُوا لَفْظَهَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ذَلِكَ - كَمَا أَوْرَدْنَا - فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ. فَصَحَّ نَسْخُ لَفْظِهَا وَبَقِيَتْ الصَّحِيفَةُ الَّتِي كُتِبَتْ فِيهَا - كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَكَلَهَا الدَّاجِنُ، وَلَا حَاجَةَ بِأَحَدٍ إلَيْهَا. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي آيَةِ الرَّضَاعَةِ وَلَا فَرْقَ. وَبُرْهَانُ هَذَا: أَنَّهُمْ قَدْ حَفِظُوهَا كَمَا أَوْرَدْنَا، فَلَوْ كَانَتْ مُثْبَتَةً فِي الْقُرْآنِ لَمَا مَنَعَ أَكْلُ الدَّاجِنِ لِلصَّحِيفَةِ مِنْ إثْبَاتِهَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ حِفْظِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ التَّبْلِيغَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ بَلَّغَ كَمَا أُمِرَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] . وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] . وَقَالَ تَعَالَى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى - إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6 - 7] وَقَالَ تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] فَصَحَّ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَهَبَتْ لَوْ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبْلِيغِهَا لَبَلَّغَهَا، وَلَوْ بَلَّغَهَا لَحُفِظَتْ، وَلَوْ حُفِظَتْ مَا ضَرَّهَا مَوْتُهُ، كَمَا لَمْ يَضُرَّ مَوْتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلَّ مَا بَلَّغَ فَقَطْ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبَلِّغْ، أَوْ بَلَّغَهُ فَأُنْسِيه هُوَ وَالنَّاسُ، أَوْ لَمْ

يَنْسَوْهُ، لَكِنْ لَمْ يَأْمُرْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُكْتَبَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِيَقِينٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَى الْقُرْآنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رَوَى الرَّجْمَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ نا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ ني مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، وَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَتْرُكُ فَرِيضَةً أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَأَنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ» . وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَيَضِلُّ بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ، وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ، وَقَدْ قَرَأْنَاهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ» . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ نا أَبِي عَنْ جَدِّي نا عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «أَتَى رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْتُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ

مسألة حد الأمة المحصنة

فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» . [مَسْأَلَة حَدُّ الْأَمَةِ الْمُحْصَنَةِ] 2209 - مَسْأَلَةٌ: حَدُّ الْأَمَةِ الْمُحْصَنَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ فَإِذَا تَزَوَّجْنَ وَوُطِئْنَ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْحَرَائِرِ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ، وَالْحُرَّةُ الْمُحْصَنَةُ فَإِنَّ عَلَيْهَا جِلْدَ مِائَةٍ وَالرَّجْمَ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ الرَّجْمَ لَا نِصْفَ لَهُ، فَبَقِيَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْمِائَةِ، فَوَجَبَ عَلَى الْأَمَةِ الْمُحْصَنَةِ جَلْدُ خَمْسِينَ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهَا نَفْيَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ؟ فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: أَنَّ الْقَائِلِينَ إنَّ عَلَى الْأَمَةِ نَفْيُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَالُوا: إنَّ " الْإِحْصَانَ " اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ هَذَا كَمَا قَالُوا فَالنَّفْيُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَاءِ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْحَرَائِرِ مِنْ الْعَذَابِ، وَعَلَى الْحَرَائِرِ هُنَا مِنْ الْعَذَابِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَمَعَهُ نَفْيُ سَنَةٍ، أَوْ رَجْمٌ، وَالرَّجْمُ يَنْتَصِفُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ مَوْتٌ، وَالْمَوْتُ لَا نِصْفَ لَهُ أَصْلًا وَكَذَلِكَ الرَّجْمُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ الْمَرْجُومُ مِنْ رَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ لَا يَمُوتُ مِنْ أَلْفِ رَمْيَةٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ نِصْفِهِ أَبَدًا، وَإِذْ لَا يُمْكِنُ هَذَا فَقَدْ أَمِنَّا أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ تَعَالَى مَا لَا نُطِيقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَسَقَطَ الرَّجْمُ وَبَقِيَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ سَنَةٍ - وَكِلَاهُمَا لَهُ نِصْفٌ، فَعَلَى الْأَمَةِ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرَّةِ مِنْهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ " الْإِحْصَانُ " لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ إلَّا عَلَى الْحُرَّةِ فَقَطْ، فَالنَّفْيُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ؟ وَمَا نَعْلَمُ " الْإِحْصَانَ " فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ يَقَعُ إلَّا عَلَى مَعْنَيَيْنِ: عَلَى

الزَّوَاجِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْوَطْءُ - فَهَذَا إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ - وَعَلَى الْعَقْدِ فَقَطْ، وَلَا نَعْلَمُهُ يَقَعُ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ فَقَطْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ فِي الدِّينِ إلَّا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ لَهُ تَقْوَى أَوْ عَقْلٌ: أَنْ يُخْبِرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَسْنَا وَاَللَّهِ نَحْنُ كَمَنْ يَقُولُ: إنَّ الدِّينَ مَأْخُوذٌ بِالظُّنُونِ فَقَطْ، وَلَكِنَّ " النَّفْيَ " وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَاءِ إذَا زَنَيْنَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَهُوَ الْخَبَرُ الَّذِي: ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» . وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْأَمَةِ بِنِسْبَتِهِ مِنْ حَدِّ الْحُرَّةِ عُمُومًا فِي جَمِيعِ مَا لَهُ نِصْفٌ مِنْ حَدِّ الْحُرَّةِ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ حَدَّ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ، مِنْ - النَّفْيِ وَالْجَلْدِ - وَأَنْ لَا يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَمَةِ أَجْمَعَ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَلَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِتَخْصِيصِهِ، فَوَجَبَ نَفْيُهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَجَلْدُهَا خَمْسُونَ جَلْدَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2210 - مَسْأَلَةٌ: حَدُّ الْمَمْلُوكِ إذَا زَنَى، وَهَلْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَمَةِ الْمُحْصَنَةِ رَجْمٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ إذَا زَنَى: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ حَدَّهُ حَدُّ الْحُرِّ مِنْ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ وَالرَّجْمِ: كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ نا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى عَبْدٍ زَنَى - وَقَدْ أُحْصِنَ بِحُرَّةٍ - أَنَّهُ يُرْجَمُ، إلَّا عِكْرِمَةُ فَإِنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَدِّ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَإِحْصَانُ الْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْحُرَّةَ، وَإِحْصَانُ الْأَمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْحُرُّ - وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْأَمَةُ الْمُحْصَنَةُ وَالْعَبْدُ الْمُحْصَنُ عَلَيْهِمَا الرَّجْمُ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إجْمَاعٌ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيِّ: إذَا أُحْصِنَ الْعَبْدُ بِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الرَّجْمُ إنْ زَنَى وَإِنْ عَتَقَ - وَكَذَلِكَ قَالَ أَيْضًا: إذَا أُحْصِنَتْ الْأَمَةُ بِزَوْجٍ حُرٍّ فَعَلَيْهَا الرَّجْمُ، وَإِنْ لَمْ تُعْتَقْ، وَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً بِزَوْجِ عَبْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: حَدُّ الْعَبْدِ الْمُحْصَنِ، وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَالْأَمَةِ: لَا رَجْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا لِقَوْلِهِمْ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» . قَالُوا: فَجَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِعُمُومٍ لَا يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ إلَّا مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَوَجَدْنَا النَّصَّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَدْ صَحَّ بِتَخْصِيصِ الْإِمَاءِ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْحُكْمِ بِأَنَّ عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْهُنَّ نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرِ، وَكَذَلِكَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي لَمْ تُحْصَنْ، فَخَصَّصْنَا الْإِمَاءَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَبَقِيَ الْعَبْدُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ الْعَبِيدَ لَذَكَرَهُمْ كَمَا ذَكَرَ الْإِمَاءَ، وَلَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ، وَلَا أَهْمَلَهُ - وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ.

وَكُلُّ مَا يَشْغَبُونَ بِهِ فِي إثْبَاتِ الْقُرْآنِ فَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ لَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا - لَمَا كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إيجَابُ تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ بِهِ، وَلَا إبَاحَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْرَفَ مَغِيبُ أَحَدٍ بِقِيَاسٍ. قَالُوا: فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعَبْدِ كَحُكْمِ الْحُرِّ فِي حَدِّ الزِّنَى. ثُمَّ نَقُولُ لِأَصْحَابِ الْقِيَاسِ: قَدْ أَجْمَعْتُمْ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ كَحَدِّ الْحُرِّ فِي الرِّدَّةِ، وَفِي الْمُحَارَبَةِ، وَفِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، فَيَلْزَمُكُمْ - عَلَى أُصُولِكُمْ فِي الْقِيَاسِ - أَنْ تَرُدُّوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ حُكْمِهِ فِي الزِّنَى إلَى مَا اتَّفَقْتُمْ فِيهِ مِنْ حُكْمِهِ فِي الرِّدَّةِ، وَالْمُحَارَبَةِ، وَالسَّرِقَةِ: بِالْقَتْلِ رَجْمًا، وَالْقَتْلِ صَلْبًا أَوْ بِالسَّيْفِ: أَشْبَهَ بِالْقَتْلِ رَجْمًا بِالْجَلْدِ، قَالُوا: لَا، وَلَا سِيَّمَا الْمَالِكِيُّونَ الْمُشْغِبُونَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ - إلَّا عِكْرِمَةُ - قَدْ خَالَفُوهُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ رَاوِيَ هَذَا الْخَبَرِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ؟ قُلْنَا لَهُمْ: رُبَّ خَبَرٍ احْتَجَجْتُمْ فِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ بِلَيْثٍ وَمَنْ هُوَ دُونَ لَيْثٍ، كَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» وَلَيْثٌ أَقْوَى مِنْ جَابِرٍ بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ؟ قُلْنَا: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُخَالَفَةِ بَيْنَ حَدِّ الْأَمَةِ وَحَدِّ الْحُرَّةِ فِيمَا لَهُ نِصْفٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ فَقَطْ، وَأَمَّا الرَّجْمُ فَلَا نِصْفَ لَهُ أَصْلًا، فَلَمْ يَكُنْ لِلرَّجْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دُخُولٌ أَصْلًا وَلَا ذِكْرٌ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذِكْرٌ فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ. وَوَجَدْنَا الرَّجْمَ قَدْ جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ أُحْصِنَ. وَكَذَلِكَ جَاءَ - عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ، مِنْ الصَّحَابَةِ: الرَّجْمُ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ جُمْلَةً، وَلَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَلَا حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّجْمُ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ مَنْ أُحْصِنَ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَوْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، بِالْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ جَلْدَ الْأَمَةِ نِصْفُ جَلْدِ الْحُرَّةِ، وَنَفْيُهَا نِصْفُ أَمَدِ الْحُرَّةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي هَذَيْنِ الِاحْتِجَاجَيْنِ فَوَجَدْنَاهُمَا صَحِيحَيْنِ، إذْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَحِيحٌ يُعَارِضُهُمَا - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُتَّصِلًا بِهِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. فَاقْتَضَى لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُكْمَ الْمَمَالِيكِ فِي الْحَدِّ بِخِلَافِ حُكْمِ الْأَحْرَارِ جُمْلَةً إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ سَوَاءً لَمَا كَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ «يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» مَعْنًى أَصْلًا، وَلَكَانَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي عَتَقَ بَعْضُهُ كَأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ، هَذَا خِلَافُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الرِّدَّةِ فِي الْحُدُودِ خِلَافُ حُكْمِ الْحُرِّ، فَلَيْسَ إلَّا أَحَدُ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا: إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمَمَالِيكِ حَدٌّ أَصْلًا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِمَا أَوْرَدْنَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ فِي الْبَابِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا الْبَابِ وَإِسْنَادُهُ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّغْلِبِيَّ - عَنْ مَيْسَرَةَ - هُوَ ابْنُ جَمِيلَةَ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» فَكَانَ هَذَا عُمُومًا مُوجِبًا لِوُقُوعِ الْحُدُودِ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَمَالِيكِ حَدٌّ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ حُدُودِ الْأَحْرَارِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، إذْ قَدْ بَطَلَ الْوَجْهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا هَذَا، وَالْحَقُّ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا بُدَّ - مَعَ وُرُودِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا - مِنْ وُجُوبِ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ حُدُودِ الْأَحْرَارِ، فَإِذْ قَدْ وَجَبَ هَذَا - بِلَا شَكٍّ - فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَحْدِيدِ حَدِّ الْمَمَالِيكِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْأَحْرَارِ فِي الْحُدُودِ، فَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ - وَهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ -: عَلَى أَنَّ الْمَمَالِيكَ فِي الْحَدِّ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، فَكَانَ هَذَا حُجَّةً صَحِيحَةً مَعَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ عَلَى إطْبَاقِ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ: عَلَى أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لَيْسَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا نَصٌّ قَطُّ - فَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى إبْطَالِ الْقَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ حَدُّ

الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ - فَبَطَلَ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْلَا نَصُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا لَكَانَتْ الْحُدُودُ عَنْهُمْ سَاقِطَةً جُمْلَةً، فَإِذْ قَدْ صَحَّتْ الْحُدُودُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا إلَّا مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ بِوُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَيْهِمْ، وَلَا بِإِيجَابِ أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِينَ جَلْدَةً وَنَفْيِ نِصْفِ سَنَةٍ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِمَا أَوْجَبَهُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَإِسْقَاطُ مَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] الْآيَةَ إنَّمَا عَنَى بِلَا شَكٍّ الْأَحْرَارَ وَالْحَرَائِرَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» إنَّمَا عَنَى بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْأَحْرَارَ وَالْحَرَائِرَ لَا الْعَبِيدَ وَلَا الْإِمَاءَ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ «يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ» وَلَمْ يُصَحَّحْ الْحُكْمُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» وَلَمْ يَعْتَمِدْ فِي الرَّجْمِ إلَّا عَلَى الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي رَجْمِ مَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّهُ لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْ دَلِيلِ أَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِنَا، وَلَا نَجِدُ أَلْبَتَّةَ دَلِيلًا عَلَى إسْقَاطِ الرَّجْمِ عَنْ الْأَمَةِ الْمُحْصَنَةِ وَالْعَبْدِ الْمُحْصَنِ؟ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْقِيَاسِ فَقَالَ: أَقِيسُ الْعَبْدَ عَلَى الْأَمَةِ؟ قِيلَ لَهُ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا كَانَ لَكُمْ هَاهُنَا وَجْهٌ مِنْ الْقِيَاسِ تَتَعَلَّقُونَ بِهِ فِي إسْقَاطِ الرَّجْمِ أَصْلًا، لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى إسْقَاطِ الرَّجْمِ عَنْهَا، وَلَا نَجِدُ دَلِيلًا عَلَى إسْقَاطِهِ أَصْلًا، وَلَا سِيَّمَا مَنْ قَالَ: إحْصَانُهَا هُوَ إسْلَامُهَا، وَأَنَّهُ أَيْضًا يَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ مُحْصَنَةً وَلَا بُدَّ، وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ قَطُّ، لِأَنَّ إحْصَانَهَا أَيْضًا إسْلَامُهَا.

مسألة وجدت امرأة ورجل يطؤها فادعيا الزوجية وذلك لا يعرف

وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ الْأَمَةِ إحْصَانًا لَهَا، وَلَا يَكُونُ إسْلَامُ الْحُرَّةِ إحْصَانًا لَهَا، فَإِذَا وَجَبَ هَذَا وَلَا بُدَّ، فَوَاجِبٌ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ، يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] اللَّوَاتِي لَمْ يَتَزَوَّجْنَ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَا يَرَوْنَ الْمُحْصَنَاتِ هَاهُنَا إلَّا الْحَرَائِرَ اللَّوَاتِي لَمْ يَتَزَوَّجْنَ فَهُنَّ عِنْدَهُمْ اللَّوَاتِي لِعَذَابِهِنَّ نِصْفٌ. وَأَمَّا الرَّجْمُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ عَذَابُ الْمُتَزَوِّجَاتِ فَقَطْ عَذَابُ عَلَيْهِنَّ عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ، فَلَا نِصْفَ لَهُ، فَإِذَا لَزِمَهُمْ هَذَا وَاقْتَضَاهُ قَوْلُهُمْ، فَوَاجِبٌ أَنْ تَبْقَى الْأَمَةُ الْمُحْصَنَةُ بِالزَّوَاجِ وَالْحُرَّةُ الْمُحْصَنَةُ بِالزَّوَاجِ: عَلَى وُجُوبِ الرَّجْمِ الَّذِي إنَّمَا وَجَبَ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَنْ أُحْصِنَ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة وُجِدَتْ امْرَأَةٌ وَرَجُلٌ يَطَؤُهَا فادعيا الزَّوْجِيَّة وَذَلِكَ لَا يَعْرِف] 2211 - مَسْأَلَةٌ: وُجِدَتْ امْرَأَةٌ وَرَجُلٌ يَطَؤُهَا؟ فَقَالَتْ: هُوَ زَوْجِي وَقَالَ هُوَ: هِيَ زَوْجَتِي - وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا دَاوُد بْنُ يَزِيدَ الزَّعَاوِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً وُجِدَا فِي " حَرْبِ مِرْدَاسٍ " فَرُفِعَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: ابْنَةُ عَمِّي تَزَوَّجْتهَا، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ: مَا تَقُولِينَ؟ فَقَالَ لَهَا النَّاسُ: قُولِي نَعَمْ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَدَرَأَ عَنْهُمَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَيَقُولُ: هِيَ امْرَأَتِي: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ - قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، فَقَالَ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِمَا الْحَدُّ: كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ

الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَيَقُولُ: هِيَ امْرَأَتِي، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنْ كَانَ كَمَا يَقُولُ لَمْ يُقَمْ عَلَى فَاجِرٍ حَدٌّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَيَقُولُ: هِيَ امْرَأَتِي قَالَ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يُوجَدُ مَعَ الْمَرْأَةِ؟ فَيَقُولُ: تَزَوَّجْتهَا فَقَالَ: يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَتِهِ وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْحَدُّ - وَبِهِ يَقُولُ، مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: إنْ كَانَا لَا يُعْرَفَانِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ فَإِنْ كَانَ يُرَى قَبْلَ ذَلِكَ يُدْخَلُ إلَيْهَا وَيُذْكَرُ ذَلِكَ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا يَحْتَجُّ بِأَنْ قَالَ: هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ، فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيه. وَقَالُوا: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَأَوْجَبَ هَذِهِ شُبْهَةً قَوِيَّةً. وَقَالُوا: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ رَجُلًا لَوْ وُجِدَ يَطَأُ أَمَةً مَعْرُوفَةً لِغَيْرِهِ فَقَالَ الَّذِي عُرِفَ مِلْكُهَا لَهُ: قَدْ كَانَ اشْتَرَاهَا مِنِّي، وَقَالَ هُوَ كَذَلِكَ، وَأَقَرَّتْ هِيَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا - فَهَذَا مِثْلُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا لَا يَلْزَمُنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: " ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا أَمْكَنَكُمْ " فَقَدْ ثَبَتَ بُطْلَانُ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَنَّهُ لَا

يَحِلُّ دَرْءُ حَدٍّ بِشُبْهَةٍ وَلَا إقَامَتُهُ بِشُبْهَةٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَقُّ وَالْيَقِينُ فَقَطْ، وَيَكْفِي مِنْ بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ " أَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ - وَإِنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِتَحْرِيمِ دَمِ الْمُسْلِمِ وَبَشَرَتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا ثَبَتَ لَمْ يَحِلَّ دَرْؤُهُ أَصْلًا، فَيَكُونُ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي تَنْظِيرِهِمْ ذَلِكَ بِالْأَمَةِ الْمَعْرُوفَةِ لِإِنْسَانٍ فَيُوجَدُ مَعَهَا رَجُلٌ فَيَقُولُ: قَدْ صَارَتْ إلَيَّ وَمَلَكْتهَا، وَيَقُولُ سَيِّدُهَا بِذَلِكَ، وَدَعْوَاهُمْ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ: قَوْلٌ بِالظَّنِّ لَا يَصِحُّ، وَمَا عَهِدْنَا قَوْلَ مَالِكٍ الْمَشْهُورِ فِيمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ حِرْزِهِ مَالًا مُسْتَتِرًا بِذَلِكَ، فَادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهُ، وَأَقَرَّ صَاحِبُ الْمَالِ بِذَلِكَ: بِأَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ: بَلْ تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَا بُدَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: أَنَّ مَنْ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ يَطَؤُهَا وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْوَطْءِ، فَقَالَ هُوَ: إنَّهَا امْرَأَتِي، أَوْ قَالَ: أَمَتِي، فَصَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَا غَرِيبَيْنِ، أَوْ يُعْرَفَانِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُعْرَضُ لَهُمَا وَلَا يُكْشَفَانِ عَنْ شَيْءٍ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ بِنَقْلِ الْكَوَافِّ: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُهَاجِرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْذَاذًا وَمُجْتَمِعِينَ، مِنْ أَقَاصِي الْيَمَنِ، وَمِنْ جَمِيعِ بِلَادِ الْعَرَبِ - بِأَهْلِيهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَإِمَائِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ - فَمَا حِيلَ بَيْنَ أَحَدٍ وَبَيْنَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، وَلَا كُلِّفَ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً. ثُمَّ عَلَى هَذَا إجْمَاعُ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَا يَزَالُ النَّاسُ يَرْحَلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَإِمَائِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، بَلْ تُصَدَّقُ أَقْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ - مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ كُفَّارًا - فَإِذْ قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِهَذَا وَالْإِجْمَاعُ فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً فِي الْبَلَدِ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّهُ لَا زَوْجَ لَهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ مَا يَقُولُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ أَصْلَ دِمَائِهِمَا وَأَبْشَارِهِمَا عَلَى التَّحْرِيمِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَلَا يَجُوزُ إبَاحَةُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ - وَإِنْ كَانَ كِذْبُهُمَا فِي ذَلِكَ مُتَيَقَّنًا فَالْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا - وَإِنْ قَالَ: هِيَ أَمَتِي، وَصَدَّقَهُ صَاحِبُهَا الَّذِي عُرِفَ مِلْكُهَا لَهُ، وَأَقَرَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَهَبَهَا لَهُ، أَوْ كَانَ بَاعَهَا مِنْهُ: صُدِّقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَذَّبَهُ حُدَّ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، فَلَوْ قَالَ:

مسألة فيمن وجد مع امرأة فشهد له أبوها أو أخوها بالزوجية

هِيَ أَمَتِي، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ أَنَا زَوْجَتُهُ، أَوْ قَالَ: هِيَ زَوْجَتِي، وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ أَنَا أَمَتُهُ، أَوْ قَالَتْ: بَلْ أُمُّ وَلَدِهِ - فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْفِرَاشِ فَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ حَتَّى يُقِيمَ هُوَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَلَفَ لَهَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ بَطَلَ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، وَالنَّاسُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ حَتَّى يَصِحَّ الرِّقُّ، وَالزَّوْجِيَّةُ لَمْ تَثْبُتْ - لَا بِإِقْرَارِهِمَا وَلَا بِبَيِّنَةٍ - وَإِنَّمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْآنَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً مَعْرُوفَةً لِإِنْسَانٍ، فَأَنْكَرَ سَيِّدُهَا خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى الَّذِي وُجِدَ مَعَهَا، فَالْحَدُّ عَلَيْهَا وَعَلَى الَّذِي وُجِدَ مَعَهَا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلَهُ عَلَى سَيِّدِهَا الْيَمِينُ وَلَا بُدَّ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فَشَهِدَ لَهُ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا بِالزَّوْجِيَّةِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْ وُجِدَ يَطَأُ امْرَأَةً مَعْرُوفَةً - وَهُوَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْرُوفٌ - فَادَّعَى هُوَ وَهِيَ الزَّوْجِيَّةَ، وَشَهِدَ لَهُمَا بِذَلِكَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: عَلَيْهِمَا الْحَدُّ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ كَانَ اللَّذَانِ شَهِدَا لَهُمَا عَدْلَيْنِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَبَطَلَ الْحَدُّ - وَبِهَذَا نَأْخُذُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ، فَالْحَدُّ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بَيِّنَةٌ، أَوْ اسْتِفَاضَةٌ، لِأَنَّ الْيَقِينَ صَحَّ أَنَّهُمَا غَيْرُ زَوْجَيْنِ، وَأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْتَقِلُ التَّحْرِيمُ إلَى التَّحْلِيلِ، وَلَا يَنْتَقِلَانِ إلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِيَقِينٍ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ. [مَسْأَلَة هَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَرْجُومِ أَمْ لَا] 2213 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَرْجُومِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى نا دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ رَجَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا مِنْ الْعَشِيِّ فَقَالَ: أَوَكُلَّمَا انْطَلَقْنَا غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَخَلَّفَ رَجُلٌ فِي عِيَالِنَا لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ، عَلَى أَنْ لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا نَكَّلْتُ بِهِ قَالَ: فَمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَا سَبَّهُ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ

أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ أَمَرَ بِمَاعِزٍ يُرْجَمُ فَطَوَّلَ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَعْجِزُونَ عَنْهَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَلَمْ يُقْتَلْ حَتَّى رَمَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِلَحْيِ بَعِيرٍ فَأَصَابَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ لِمَاعِزٍ حِينَ فَاضَتْ نَفْسُهُ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى الظُّهْرَ فَطَوَّلَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ كَمَا طَوَّلَهُمَا بِالْأَمْسِ، أَوْ أَخَّرَ بِأَشْيَاءَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالنَّاسُ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَى فَأَعْرَضَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ - فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَذَهَبَ إلَى هَذَا قَوْمٌ فَقَالُوا: لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ - وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي عَلَى الْمَرْجُومِ وَالْمَرْجُومَةِ كَسَائِرِ الْمَوْتَى وَلَا فَرْقَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مَحْمُودٌ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «إنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ - فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَرِوَايَةُ الدَّبَرِيِّ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ " وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ " وَرِوَايَةُ مَحْمُودٍ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ " وَصَلَّى عَلَيْهِ " فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا وَهِمَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ

مسألة في امرأة أحلت نفسها أو دلست بنفسها لأجنبي أو تزوج رجل بخامسة

فَذَكَرَ حَدِيثَ «الْغَامِدِيَّةِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ نا مُعَاذٌ - يَعْنِي ابْنَ هَاشِمٍ الدَّسْتُوَائِيَّ - ني أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ني أَبُو قِلَابَةَ أَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَتُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ قَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ بِأَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ؟» . فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى الْجُهَيْنِيَّةِ بِنَفْسِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ، وَصَلَاتُهُ عَلَى مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِاخْتِلَافٍ، وَهَذِهِ الْآثَارُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ - وَبِهَذَا يَقُولُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُجِمَ شُرَاحَةُ فَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: اصْنَعُوا بِهَا كَمَا تَصْنَعُونَ بِنِسَائِكُمْ إذَا مُتْنَ فِي بُيُوتِكُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي نَصْنَعُ بِنِسَائِنَا إذَا مُتْنَ فِي بُيُوتِنَا هُوَ أَنْ يُغَسَّلْنَ وَيُكَفَّنَّ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِنَّ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِي امْرَأَة أحلت نَفْسهَا أَوْ دلست بنفسها لأجنبي أَوْ تَزَوَّجَ رَجُل بخامسة] 2214 - مَسْأَلَةٌ: فِي امْرَأَةٍ أَحَلَّتْ نَفْسَهَا، أَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ خَامِسَةً، أَوْ دَلَّسَتْ، أَوْ دَلَّسَتْ بِنَفْسِهَا لِأَجْنَبِيٍّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَقُولُ لِلرَّجُلِ: إنِّي حِلٌّ لَك، فَيَمَسُّهَا عَلَى ذَلِكَ فَتَلِدُ مِنْهُ: أَنَّهُ يُرْجَمُ وَلَا يَرِثُهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِحْلَالُهَا نَفْسَهَا بَاطِلٌ وَهُوَ زِنَى مَحْضٌ وَعَلَيْهِ الرَّجْمُ وَالْجَلْدُ إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ وَلَا يُلْحَقُ فِي هَذَا وَلَدٌ أَصْلًا إذَا

لَمْ يَكُنْ عَقْدٌ، فَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَاهِلًا وَالْآخَرُ عَالِمًا، فَالْحَدُّ عَلَى الْعَالِمِ دُونَ الْجَاهِلِ. وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ انْطَلَقَتْ إلَى جَارِيَتِهَا فَهَيَّأَتْهَا بِهَيْئَتِهَا وَجَعَلَتْهَا فِي حَجْلَتِهَا وَجَاءَ زَوْجُهَا فَوَطِئَهَا، قَالَ: تُنْكَلُ الْمَرْأَةُ وَلَا جَلْدَ عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى الْجَارِيَةِ حَدُّ الزِّنَى إنْ كَانَتْ تَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً دَلَّسَتْ نَفْسَهَا لِأَجْنَبِيٍّ فَوَطِئَهَا يَظُنُّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ: فَهِيَ زَانِيَةٌ تُرْجَمُ وَتُجْلَدُ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً أَوْ تُجْلَدُ وَتُنْفَى، إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ وَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي امْرَأَةٍ وُجِدَتْ مَعَ رَجُلٍ وَلَهَا زَوْجٌ فَقَالَتْ: تَزَوَّجَنِي: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجَمَ امْرَأَةً كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَجَاءَتْ أَرْضًا فَتَزَوَّجَتْ وَلَمْ تَشُكَّ أَنَّ مَا جَاءَهَا مَوْتُ زَوْجِهَا وَلَا طَلَاقُهُ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: نَرَى فِي امْرَأَةٍ حُرَّةٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَتَحَوَّلَتْ أَرْضًا أُخْرَى فَتَزَوَّجَتْ رَجُلًا، قَالَ: نَرَى عَلَيْهَا الْحَدَّ وَلَا نَرَى عَلَى الَّذِي تَزَوَّجَهَا شَيْئًا، وَلَا عَلَى الَّذِي أَنْكَحَهَا إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً، فَإِنَّ حُمَامًا قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْخَامِسَةَ؟ قَالَ: يُجْلَدُ، فَإِنْ طَلَّقَ رَابِعَةً مِنْ نِسَائِهِ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْخَامِسَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الَّتِي طَلَّقَ: جُلِدَ مِائَةً وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فِي رَجُلٍ نَكَحَ الْخَامِسَةَ فَدَخَلَ بِهَا، قَالَ: إنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ أَنَّ الْخَامِسَةَ لَا تَحِلُّ: رُجِمَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا جُلِدَ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ، وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، فَإِنْ وَلَدَتْ لَمْ يَرِثْهُ وَلَدُهَا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الَّذِي يَنْكِحُ الْخَامِسَةَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ: أَنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً وَلَا يُنْفَى.

مسألة امرأة تزوجت في عدتها

وَقَالَ آخَرُونَ غَيْرَ هَذَا: كَمَا رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْأُخْتَ عَلَى الْأُخْتِ، وَالْخَامِسَةَ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ - قَالَ: يُرْجَمُ إنْ كَانَ مُحْصَنًا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْت اللَّيْثَ يَقُولُ ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا: يُرْجَمُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: لَا حَدَّ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً يَحْتَجُّ بِمَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُتَّصِلًا بِهِ فِي الْكَلَامِ فِي الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ وَلَهَا زَوْجٌ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ قَدْ ذَكَرْنَاهُ هُنَالِكَ أَيْضًا بِمَا جُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ زَوَاجًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ، وَإِذْ لَيْسَ زَوَاجًا فَهُوَ عَهْرٌ، فَإِذَا هُوَ عَهْرٌ فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى وَعَلَيْهَا كَذَلِكَ إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَاهِلًا وَالْآخَرُ عَالِمًا فَالْحَدُّ عَلَى الْعَالِمِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَاهِلِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُجْلَدُ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ مِنْ أَنَّهُ زَانٍ أَوْ غَيْرُ زَانٍ، فَإِنْ كَانَ زَانِيًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى كَامِلًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ زَانٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ بَشَرَتَهُ حَرَامٌ إلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ بِسُنَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا] 2215 - مَسْأَلَةٌ: امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا؟ وَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَضَرَبَهَا دُونَ الْحَدِّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِي امْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتهَا عَمْدًا، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا حَدٌّ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِمِثْلِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْإِسْنَادُ إلَى عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ سَعِيدًا لَمْ يَلْحَقْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمَاعًا إلَّا نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَلَا تَخْلُو النَّاكِحَةُ فِي عِدَّتِهَا بِأَنْ تَكُونَ عَالِمَةً بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، أَوْ تَكُونَ جَاهِلَةً بِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، أَوْ غَلِطَتْ فِي الْعِدَّةِ: فَإِنْ كَانَتْ جَاهِلَةً، أَوْ غَلِطَتْ فِي الْعِدَّةِ: فَلَا

مسألة من تزوجت عبدها

شَيْءَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَعْمَدْ الْحَرَامَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي الْغَلَطِ عَلَى كُلِّ حَالٍ - فَإِنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ، وَلَمْ تَغْلَطْ فِي الْعِدَّةِ: فَهِيَ زَانِيَةٌ وَعَلَيْهَا الرَّجْمُ - وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَضْرِبَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَعْزِيرًا لِتَرْكِهَا التَّعَلُّمَ مِنْ دِينِهَا مَا يَلْزَمُهَا؛ فَهُوَ مَكَانُ التَّعْزِيرِ. وَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ الْحَدَّ فِي الْعَمْدِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إنْ طَرَدَ قَوْلَهُ لَزِمَهُ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَمَّنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا أُمُّهُ وَأَنَّهَا حَرَامٌ - وَعَمَّنْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ كَذَلِكَ، أَوْ أُخْتَهُ كَذَلِكَ، وَتَزَوَّجَ نِسَاءَ النَّاسِ - وَهُنَّ تَحْتَ أَزْوَاجِهِنَّ عَمْدًا دُونَ طَلَاقٍ، وَلَا فَسْخٍ - وَهَذَا هُوَ الْإِطْلَاقُ عَلَى الزِّنَى، بَلْ هُوَ الِاسْتِخْفَافُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ الْحَدَّ فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ فِي بَعْضٍ، فَتَنَاقُضٌ. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِعُمَرَ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا بِالتَّحْرِيمِ - فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ لَا يَحِلُّ، فَالْفَرْجُ بِهِ لَا يَحِلُّ، وَلَا يَصِحُّ بِهِ زَوَاجٌ، فَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ كَمَا كَانَا، وَالْوَطْءُ فِيهِ مِنْ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ زِنًى مُجَرَّدٌ مَحْضٌ، وَفِيهِ الْحَدُّ كَامِلًا مِنْ: الرَّجْمِ أَوْ الْجَلْدِ، أَوْ التَّعْزِيرِ - وَلَا يَلْحَقُ فِيهِ وَلَدٌ أَصْلًا وَلَا مَهْرَ فِيهِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ - وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا حَدَّ، وَلَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ إلَّا لِحَاقَ الْوَلَدِ فَقَطْ، لِلْإِجْمَاعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى كَامِلًا وَعَلَيْهَا كَذَلِكَ، لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ هَاهُنَا، لِأَنَّهُ وَطِئَ فِيمَا لَا عَقْدَ لَهُ مَعَهَا - لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة مَنْ تَزَوَّجَتْ عَبْدَهَا] 2216 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ تَزَوَّجَتْ عَبْدَهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ فِي امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ عَبْدَهَا

فَعَزَّرَهَا وَحَرَّمَهَا عَلَى الرِّجَالِ - وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ نا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ عَنْ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي امْرَأَةٌ كَمَا تَرَى، غَيْرِي مِنْ النِّسَاءِ أَجْمَلُ مِنِّي، وَلِي عَبْدٌ قَدْ رَضِيت أَمَانَتَهُ، فَأَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجَهُ؟ فَبَعَثَ عُمَرُ إلَى الْعَبْدِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا، وَأَمَرَ بِالْعَبْدِ فَبِيعَ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ قَالَ: كَانَ أَبُو الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ نَكَحَتْ عَبْدَهَا، فَتَلَهَّفَ عَلَيْهَا وَهَمَّ بِرَجْمِهَا، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: لَا يَحِلُّ لَك مِلْكُ يَمِينِك؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ وَاحِدٌ، كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهُ، فَإِنْ وَقَعَ، فُسِخَ أَبَدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ نِكَاحًا صَحِيحًا جَائِزًا، فَإِنْ وَقَعَ فِيهِ الْوَطْءُ، فَالْعَالِمُ بِتَحْرِيمِهِ زَانٍ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَدُّ الزِّنَى كَامِلًا - فَهُوَ أَوْ هِيَ أَوْ كِلَاهُمَا - وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ فِيهِ لَاحِقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَمَنْ قَذَفَ الْجَاهِلَ حُدَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ زَانِيًا، وَلَوْ كَانَ زَانِيًا لَحُدَّ حَدَّ الزِّنَى وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ عَبْدُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَكَمَا قُلْنَا: إنْ كَانَتْ عَالِمَةً أَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ فَهِيَ زَانِيَةٌ وَتُرْجَمُ، وَيَجْلِدُهَا - إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً - أَوْ تُجْلَدُ وَتُنْفَى - إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ - وَالْعَبْدُ كَذَلِكَ، وَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ، فَإِنْ كَانَتْ جَاهِلَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهَا - أَمَّا التَّفْرِيقُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ عَلَى الرِّجَالِ فَلَا يَحْرُمُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ أَعْتَقَتْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ بَطَلَ كُلُّ عَقْدٍ لَمْ يُعْقَدْ إلَّا بِذَلِكَ الشَّرْطِ، وَلَا يَجُوزُ إنْفَاذُ الْعَقْدِ، لِأَنَّ الْعَاقِدَ لَهُ لَمْ يَعْقِدْهُ قَطُّ مُنْفَرِدًا مِنْ الشَّرْطِ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ عَقْدٌ لَمْ يَعْقِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ قَطُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ. فَإِنْ أَعْتَقَتْهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوَاجًا صَحِيحًا فَهُوَ جَائِزٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالُوا: مِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ الْحَدَّ - وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ؟

مسألة المحلل والمحلل له

قُلْنَا: إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ هَمَّ بِرَجْمِهَا فَلَوْلَا أَنَّ الرَّجْمَ عَلَيْهَا كَانَ وَاجِبًا مَا هَمَّ، وَإِنَّمَا تَرَكَ رَجْمَهَا إذْ عَرَفَ جَهْلَهَا بِلَا شَكٍّ. وَنَحْنُ أَيْضًا لَا نَرَى حُجَّةً فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ إذْ تَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُحَرِّمُوهَا عَلَى الرِّجَالِ فِي الْأَبَدِ، كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ أَوْ مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْته؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَهِدْنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، يُعَظِّمُونِ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَكُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُمْ يُقَلِّدُونَهُ فِيمَا هُوَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ؟ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ انْعَقَدَ سَالِمًا مِمَّا يُفْسِدُهُ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّحْلِيلُ وَالطَّلَاقُ فَهُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ تَامٌّ لَا يُفْسَخُ - وَسَوَاءٌ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ - لِأَنَّ كُلَّ نَاكِحٍ لِمُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا فَهُوَ مُحَلِّلٌ وَلَا بُدَّ، فَالتَّحْلِيلُ الْمُحَرَّمُ هُنَا: هُوَ مَا انْعَقَدَ عَقْدًا غَيْرَ صَحِيحٍ. وَأَمَّا إذَا عُقِدَ النِّكَاحُ عَلَى شَرْطِ التَّحْلِيلِ ثُمَّ الطَّلَاقِ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ، وَنِكَاحٌ فَاسِدٌ، فَإِنْ وَطِئَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ وَالْحَدُّ، لِأَنَّهُ زِنًا، وَعَلَيْهَا إنْ كَانَتْ عَالِمَةً مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ - فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا صَدَاقَ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِالشِّغَارِ، وَالْمُتْعَةِ وَالْعَقْدِ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيُّ شَرْطٍ كَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2218 - [مَسْأَلَة الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلزِّنَى أَوْ لِلْخِدْمَةِ وَالْمُخْدِمَةِ]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ ني مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ سُفْيَانَ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْبَلْت أَسُوقُ غَنَمًا لِي فَلَقِيَنِي رَجُلٌ فَحَفَنَ لِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ، ثُمَّ حَفَنَ لِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ ثُمَّ حَفَنَ لِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ، ثُمَّ أَصَابَنِي؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا قُلْت؟ فَأَعَادَتْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ: مَهْرٌ مَهْرٌ مَهْرٌ - ثُمَّ تَرَكَهَا. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ ابْنُ جُمَيْعٍ - عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ امْرَأَةً أَصَابَهَا الْجُوعُ فَأَتَتْ رَاعِيًا فَسَأَلَتْهُ الطَّعَامَ؟ فَأَبَى عَلَيْهَا حَتَّى تُعْطِيَهُ نَفْسَهَا، قَالَتْ: فَحَثَى لِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تَمْرٍ وَذَكَرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ جَهِدَتْ مِنْ الْجُوعِ، فَأَخْبَرَتْ عُمَرَ، فَكَبَّرَ وَقَالَ: مَهْرٌ مَهْرٌ مَهْرٌ - وَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يَرَ الزِّنَى، إلَّا مَا كَانَ مُطَارَفَةً، وَأَمَّا مَا كَانَ فِيهِ عَطَاءٌ أَوْ اسْتِئْجَارٌ فَلَيْسَ زِنًى وَلَا حَدَّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُنَا، وَسَائِرُ النَّاسِ، هُوَ زِنًى كُلُّهُ وَفِيهِ الْحَدُّ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَعَهِدْنَا بِهِمْ يُشَنِّعُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ - إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ - وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، بَلْ هُمْ يَعُدُّونَ مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا، وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِسُكُوتِ مَنْ بِالْحَضْرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّكِيرِ لِذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ ذَكَرَ فِي خَبَرِهِ أَنَّهَا قَدْ كَانَ جَهَدَهَا الْجُوعُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَهَذَا أَيْضًا أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ، وَلَا تَرَوْنَهُ عُذْرًا مُسْقِطًا لِلْحَدِّ، فَلَا رَاحَةَ لَكُمْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ مَعَ أَنَّ خَبَرَ أَبِي الطُّفَيْلِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ عَذَرَهَا بِالضَّرُورَةِ، بَلْ فِيهِ: أَنَّهُ دَرَأَ الْحَدَّ مِنْ أَجْلِ التَّمْرِ الَّذِي أَعْطَاهَا وَجَعَلَهُ عُمَرُ مَهْرًا. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ الْمُقَلِّدُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهَا نَظِيرٌ: أَنْ يُقَلِّدُوا عُمَرَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ هَاهُنَا بِأَنَّ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تَمْرٍ مَهْرٌ، وَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الْقَضِيَّةَ بِعَيْنِهَا فَلَمْ يُجِيزُوا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ مِثْلَ هَذَا وَأَضْعَافَهُ

مَهْرًا، بَلْ مَنَعُوا مِنْ أَقَلِّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذَلِكَ - فَهَذَا هُوَ الِاسْتِخْفَافُ حَقًّا، وَالْأَخْذُ بِمَا اشْتَهَوْا مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ حَيْثُ اشْتَهَوْا، وَتَرْكُ مَا اشْتَهَوْا تَرْكُهُ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا اشْتَهَوْا، فَمَا هَذَا دِينًا؟ وَأُفٍّ لِهَذَا عَمَلًا، إذْ يَرَوْنَ الْمَهْرَ فِي الْحَلَالِ لَا يَكُونُ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا أَقَلَّ، وَيَرَوْنَ الدِّرْهَمَ فَأَقَلَّ مَهْرًا فِي الْحَرَامِ، إلَّا أَنَّ هَذَا هُوَ التَّطْرِيقُ إلَى الزِّنَى، وَإِبَاحَةُ الْفُرُوجِ الْمُحَرَّمَةِ، وَعَوْنٌ لَإِبْلِيسَ عَلَى تَسْهِيلِ الْكَبَائِرِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَشَاءُ زَانٍ وَلَا زَانِيَةٌ أَنْ يَزْنِيَا عَلَانِيَةً إلَّا فَعَلَا وَهُمَا فِي أَمْنٍ مِنْ الْحَدِّ، بِأَنْ يُعْطِيَهَا دِرْهَمًا يَسْتَأْجِرُهَا بِهِ لِلزِّنَى. فَقَدْ عَلِمُوا الْفُسَّاقُ حِيلَةً فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، بِأَنْ يُحْضِرُوا مَعَ أَنْفُسِهِمْ امْرَأَةَ سَوْءٍ زَانِيَةً وَصَبِيًّا بِغَاءً، ثُمَّ يَقْتُلُوا الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ شَاءُوا، وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ وَالصَّبِيِّ الْبِغَاءِ، فَكُلَّمَا اسْتَوْقَرُوا مِنْ الْفِسْقِ خَفَّتْ أَوْزَارُهُمْ وَسَقَطَ الْخِزْيُ وَالْعَذَابُ عَنْهُمْ. ثُمَّ عَلَّمُوهُمْ وَجْهَ الْحِيلَةِ فِي الزِّنَى، وَذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا بِتَمْرَتَيْنِ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ لِيَزْنِيَ بِهَا ثُمَّ يَزْنِيَانِ فِي أَمْنٍ وَذِمَامٍ مِنْ الْعَذَابِ بِالْحَدِّ الَّذِي افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ عَلَّمُوهُمْ الْحِيلَةَ فِي وَطْءِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ، بِأَنْ يَعْقِدُوا مَعَهُنَّ نِكَاحًا ثُمَّ يَطَئُونَهُنَّ عَلَانِيَةً آمِنِينَ مِنْ الْحُدُودِ. ثُمَّ عَلَّمُوهُمْ الْحِيلَةَ فِي السَّرِقَةِ أَنْ يَنْقُبَ أَحَدُهُمْ نَقْبًا فِي الْحَائِطِ وَيَقِفَ الْوَاحِدُ دَاخِلَ الدَّارِ وَالْآخَرُ خَارِجَ الدَّارِ، ثُمَّ يَأْخُذَ كُلَّ مَا فِي الدَّارِ فَيَضَعَهُ فِي النَّقْبِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الْآخَرُ مِنْ النَّقْبِ، وَيَخْرُجَا آمِنِينَ مِنْ الْقَطْعِ. ثُمَّ عَلَّمُوهُمْ الْحِيلَةَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ عُودًا صَحِيحًا فَيَكْسِرَ بِهِ رَأْسَ مَنْ أَحَبَّ حَتَّى يَسِيلَ دِمَاغُهُ وَيَمُوتَ وَيَمْضِيَ آمِنًا مِنْ الْقَوَدِ وَمِنْ غُرْمِ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ. وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْمَلْعُونَةَ، وَمَا قَالَ أَئِمَّةُ الْمُحَدِّثِينَ مَا قَالُوا بَاطِلًا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ لَأَصَابُوا، بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَمَا تَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ إلَّا بِتَقْلِيدٍ مُهْلِكٍ، وَرَأْيٍ فَاسِدٍ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى الْمُضِلِّ؟

مسألة من زنى بامرأة ثم تزوجها

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحَدُّ الزِّنَى وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، بَلْ جُرْمُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُسْتَأْجَرَةَ زَنَيَا كَمَا زَنَى غَيْرُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا فَرْقَ، وَزَادَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ عَلَى سَائِرِ الزِّنَى حَرَامًا آخَرَ - وَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا الْمُخْدِمَةُ - فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ صَاحِبِ مَالِكٍ: أَنَّ الْمُخْدِمَةَ سِنِينَ كَثِيرَةً لَا حَدَّ عَلَى الْمُخْدَمِ إذَا وَطِئَهَا - وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ وَمَعَ فَسَادِهِ سَاقِطٌ: أَمَّا فَسَادُهُ - فَإِسْقَاطُهُ الْحَدَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّنَى. وَأَمَّا سُقُوطُهُ - فَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمُخْدِمَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَالْمُخْدِمَةِ مُدَّةً قَصِيرَةً، وَيُكَلَّفُ تَحْدِيدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ الَّتِي يَسْقُطُ فِيهَا الْحَدُّ، فَإِنْ حُدَّ مُدَّةً كَانَ مُتَزَيِّدًا مِنْ الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ شَيْئًا كَانَ مُحَرَّمًا مُوجِبًا شَارِعًا مَا لَا يَدْرِي فِيمَا لَا يَدْرِي - وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. وَالْحَدُّ كَامِلٌ وَاجِبٌ عَلَى الْمُخْدَمِ وَالْمُخْدِمَةِ، وَلَوْ أَخْدَمَهَا عُمْرَ نُوحٍ فِي قَوْمِهِ - لِأَنَّهُ زَنَى وَعَهَرَ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ فِرَاشًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا] 2219 - مَسَائِلُ: مِنْ نَحْوِ هَذَا: قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِذَلِكَ عَنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُسْقِطُهُ زَوَاجُهُ إيَّاهَا. وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا - وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ مِنْ تِلْكَ الطَّوَامِّ؟ فَإِنْ قَالُوا: كَيْفَ نَحُدُّهُ فِي وَطْءِ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَمْ نَحُدَّهُ فِي وَطْئِهِ لَهُمَا - وَهُمَا امْرَأَتُهُ وَأَمَتُهُ - وَإِنَّمَا نَحُدُّهُ فِي الْوَطْءِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ لَهُمَا - وَهُمَا لَيْسَتَا امْرَأَتَهُ وَلَا أَمَتَهُ ثُمَّ يَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الِاعْتِلَالِ الْفَاسِدِ: أَنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَنْ يُلَاعَنَ

مسألة من وطئ امرأة أبيه أو حريمته بعقد زواج أو بغير عقد

وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إنْ زَنَى بِهَا فَحَمَلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا أَنْ يُلْحَقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَنْفِي عَنْهُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ مِنْهُ أَوْ وَلَدَ أَمَتِهِ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ ابْنَ فِرَاشٍ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَلِذَلِكَ نَحُدُّهُ عَلَى الْوَطْءِ السَّالِفِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَطْءَ فِرَاشٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ قَتَلَهَا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى كَامِلًا - وَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ وَالْقِيمَةُ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا حُقُوقٌ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا تُسْقِطُهَا الْآرَاءُ الْفَاسِدَةُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَدَّ الزِّنَى يَسْقُطُ إذَا قَتَلَهَا - فَمَا سُمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ يَزْنِي فَيُلْزَمُ الْحَدَّ، فَإِذَا أَضَافَ إلَى كَبِيرَةِ الزِّنَى كَبِيرَةَ الْقَتْلِ لِلنَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى: سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الزِّنَى - نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْمَدُهُ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا كَثِيرًا، وَبِهِ نَسْتَعِينُ. [مَسْأَلَة مَنْ وَطِئَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَوْ حَرِيمَتَهُ بِعَقْدِ زَوَاجٍ أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ] 2220 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَوْ حَرِيمَتَهُ، بِعَقْدِ زَوَاجٍ أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ الرَّقِّيِّ: نا عُتْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: نا هُشَيْمٌ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا - وَاللَّفْظُ «لِهُشَيْمٍ - قَالَ: مَرَّ بِي عَمِّي الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَقَدْ عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ لَهُ: أَيْ عَمِّ أَيْنَ بَعَثَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: بَعَثَنِي إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ الرِّقَّيْنِ صَحِيحٌ نَقِيُّ الْإِسْنَادِ. وَأَمَّا مِنْ طُرُقِ هُشَيْمٍ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ أَشْعَثَ بْنَ سَوَّارٍ ضَعِيفٌ. وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرٍ نا يُوسُفُ بْنُ مَنَازِلَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ نا خَالِدُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ «عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَاهُ - هُوَ جَدُّ مُعَاوِيَةَ - إلَى رَجُلٍ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَخَمَّسَ مَالَهُ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَمَنْ رَوَاهُ

فَأَوْقَفَهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، قَدْ كَانَ ابْنُ إدْرِيسَ أَرْسَلَهُ لِقَوْمٍ وَأَسْنَدَهُ لِآخَرِينَ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: وَيُوسُفُ بْنُ مَنَازِلَ ثِقَةٌ نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ بَكَّارٍ نا شُعْبَةُ سَمِعْتُ الرَّبِيعُ بْنُ الرُّكَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ «الْبَرَاءِ، قَالَ: مَرَّ بِنَا نَاسٌ يَنْطَلِقُونَ قُلْنَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ نَضْرِبَ عُنُقَهُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ آثَارٌ صِحَاحٌ تَجِبُ بِهَا الْحُجَّةُ وَلَا يَضُرُّهَا أَنْ يَكُونَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنْ الْبَرَاءِ، وَمَرَّةً عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ يَسْمَعُهُ مِنْ الْبَرَاءِ وَيَسْمَعَهُ مِنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ فَيُحَدِّثُ بِهِ مَرَّةً عَنْ هَذَا وَمَرَّةً عَنْ هَذَا، فَهَذَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَرَّةً، وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مَرَّةً، قَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ حَرِيمَتَهُ أَوْ زَنَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَهُوَ كُلُّهُ زِنًى، وَالزَّوَاجُ كُلُّهُ زَوَاجٌ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى كَامِلًا، وَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِي الْعَقْدِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - صَاحِبِي أَبِي حَنِيفَةَ - إلَّا أَنَّ مَالِكًا فَرَّقَ بَيْنَ الْوَطْءِ فِي ذَلِكَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَبَيْنَ الْوَطْءِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَقَالَ: فِيمَنْ مَلَكَ بِنْتَ أَخِيهِ، أَوْ بِنْتَ أُخْتِهِ، وَعَمَّتِهِ، وَخَالَتِهِ، وَامْرَأَةَ أَبِيهِ، وَامْرَأَةَ ابْنِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَأُمَّهُ نَفْسِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَابْنَتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَهُوَ عَارِفٌ بِتَحْرِيمِهِنَّ، وَعَارِفٌ بِقَرَابَتِهِنَّ مِنْهُ ثُمَّ وَطِئَهُنَّ كُلَّهُنَّ عَالِمًا بِمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُعَاقَبُ. وَرَأَى: أَنْ مِلْكَ أُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَابْنَتِهِ، وَأُخْتِهِ، بِأَنَّهُنَّ حَرَائِرُ سَاعَةَ يَمْلِكُهُنَّ، فَإِنْ وَطِئَهُنَّ حُدَّ حَدَّ الزِّنَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَابْنَتَهُ، وَأُخْتَه، وَجَدَّتَهُ، وَعَمَّتَهُ، وَخَالَتَهُ، وَبِنْتَ أَخِيهِ، وَبِنْتَ أُخْتِهِ - عَالِمًا بِقَرَابَتِهِنَّ مِنْهُ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِ، وَوَطِئَهُنَّ كُلَّهُنَّ: فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، وَالْمَهْرُ

وَاجِبٌ لَهُنَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّعْزِيرُ دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَا: فَإِنْ وَطِئَهُنَّ بِغَيْرِ عَقْدِ نِكَاحٍ فَهُوَ زِنًى، عَلَيْهِ مَا عَلَى الزَّانِي مِنْ الْحَدِّ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَنْ زَنَى بِذَاتِ مَحْرَمٍ: يُرْجَمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ: حَدُّهُ حَدُّ الزِّنَى. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَوْفٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ - ني عَمْرُو بْنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: إنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَتُفَارِقَنَّ إحْدَاهُمَا، أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَك. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، كُلُّ مَنْ وَطِئَ حَرِيمَتَهُ عَالِمًا بِالتَّحَرُّمِ عَالِمًا بِقَرَابَتِهَا مِنْهُ، فَسَوَاءٌ وَطِئَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ، أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ - مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ فَنَتَّبِعُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَبَدَأْنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ لِقَوْلِهِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ اسْمَ " الزِّنَى " غَيْرُ اسْمِ " النِّكَاحِ " فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَيْرُ حُكْمِهِ. فَإِذَا قُلْتُمْ: زَنَى بِأُمِّهِ - فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الزَّانِي؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: تَزَوَّجَ أُمَّهُ، فَالزَّوَاجُ غَيْرُ الزِّنَى فَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ، وَلِحَاقِ الْوَلَدِ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ تَمْوِيهًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ كَلَامٌ فَاسِدٌ، وَاحْتِجَاجٌ فَاسِدٌ، وَعَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ " إنْ اسْمَ الزِّنَى غَيْرُ اسْمِ الزَّوَاجِ " فَحَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، إلَّا أَنَّ الزَّوَاجَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَبَاحَهُ - وَهُوَ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الْمُبَارَكُ. وَأَمَّا كُلُّ عَقْدٍ أَوْ وَطْءٍ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا أَبَاحَهُ بَلْ نَهَى عَنْهُ، فَهُوَ الْبَاطِلُ وَالْحَرَامُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالضَّلَالُ - وَمَنْ سَمَّى ذَلِكَ زَوَاجًا فَهُوَ كَاذِبٌ آفِكٌ مُتَعَدٍّ، وَلَيْسَتْ

التَّسْمِيَةُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَيْنَا - وَلَا كَرَامَةَ - إنَّمَا هِيَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا مَنْ سَمَّى كُلَّ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَوَطْءٍ فَاسِدٍ - وَهُوَ الزِّنَى الْمَحْضُ - زَوَاجًا، لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى إبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ إلَى إسْقَاطِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا كَمَنْ سَمَّى الْخِنْزِيرَ: كَبْشًا، لِيَسْتَحِلَّهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْخَمْرَ: نَبِيذًا، أَوْ طِلَاءً، لِيَسْتَحِلَّهَا بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَكَمَنْ سَمَّى الْبَيْعَةَ وَالْكَنِيسَةَ: مَسْجِدًا، وَكَمَنْ سَمَّى الْيَهُودِيَّةَ: إسْلَامًا - وَهَذَا هُوَ الِانْسِلَاخُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَنَقْضُ عَقْدِ الشَّرِيعَةِ، وَلَيْسَ فِي الْمُحَالِ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: هَذَا نِكَاحٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا مِلْكٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ هَذَا كَلَامٌ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَئِنْ كَانَ نِكَاحًا أَوْ مِلْكًا فَإِنَّهُ لَصَحِيحٌ حَلَالٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الزَّوَاجَ، وَالْمِلْكَ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] فَمَا كَانَ زَوَاجًا وَمِلْكَ يَمِينٍ فَهُوَ حَلَالٌ، طَلْقٌ، وَمُبَاحٌ، طَيِّبٌ، وَلَا مَلَامَةَ فِيهِ، وَلَا مَأْثَمَ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ اللَّوْمُ وَالْإِثْمُ فَلَيْسَ زَوَاجًا، وَلَا مِلْكًا مُبَاحًا لِلْوَطْءِ - وَلَا كَرَامَةَ - بَلْ هُوَ الْعُدْوَانُ وَالزِّنَى الْمُجَرَّدُ، لَا شَيْءَ إلَّا فِرَاشٌ، أَوْ عَهْرٌ حَرَامٌ، فَإِنْ وَجَدَ لَنَا يَوْمًا مَا أَنْ نَقُولَ: نِكَاحٌ فَاسِدٌ، أَوْ زَوَاجٌ فَاسِدٌ، أَوْ مِلْكٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ لَهُمْ، وَكَلَامٌ عَلَى مَعَانِيهِمْ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَ {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] وَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْجَزَاءَ لَيْسَ بِسَيِّئَةٍ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ عُدْوَانًا، وَأَنَّ مُعَارَضَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ لَيْسَ مَذْمُومًا، بَلْ هُوَ حَقٌّ. فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ عَقَدَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ - وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، عَالِمًا بِالسَّبَبِ الْمُحَرِّمِ: فَهُوَ زَانٍ مُطْلَقٌ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ نَكَحَ نِكَاحَ مُتْعَةٍ: أَوْ شِغَارٍ، أَوْ مَوْهُوبَةٍ، أَوْ عَلَى شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِصَدَاقٍ: لَا يَحِلُّ، مَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، أَوْ بِتَأْوِيلٍ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، فِي فَسَادِهِ، فَهُوَ مَعْذُورٌ، لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَذَفَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.

كَمَنْ دَخَلَ بَلَدًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَعْرِفُهَا، فَوَجَدَهَا أُمَّهُ أَوْ ابْنَتَهُ: فَهَذَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ، وَلَا يُحَدُّ فِيهِ حَدٌّ بِالْإِجْمَاعِ - وَبِهَذَا بَطَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَذْكُورُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي وَصَفْنَا فِي وَطْءِ الْحَرِيمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ احْتِجَاجِ بَعْضِ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ؟ قِيلَ لَهُمْ: إنْ كُنْتُمْ تَعَلَّقْتُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ بِمَنْ وَطِئَ عَمَّتَهُ، وَخَالَتَهُ، وَذَوَاتَ مَحَارِمِهِ، فَإِنَّهَا مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ: فَأَبِيحُوا الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ، وَأَسْقِطُوا عَنْهُ الْمَلَامَةَ جُمْلَةً - فَهَذَا هُوَ نَصُّ الْآيَةِ، فَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَفَرُوا بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ - وَإِذْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَلَا أَسْقَطُوا الْمَلَامَةَ، وَلَا أَبَاحُوا لَهُ ذَلِكَ قَدْ ظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ فِي إيرَادِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ " إنَّ الْمَمْلُوكَةَ الْكِتَابِيَّةَ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ " فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ وَطِئَ أَحَدًا مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَأَوْجَبْتُمْ فِي كُلِّ هَذَا حَدَّ الزِّنَى، وَلَمْ تُلْحِقُوا الْوَلَدَ؟ قُلْنَا: إنَّ الْفَرْقَ فِي ذَلِكَ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ مِلْكَ الْيَمِينِ جُمْلَةً، وَحَرَّمَ ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ بِالنَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ، وَالصِّهْرِ، وَالْمُحْصَنَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، تَحْرِيمًا وَاحِدًا مُسْتَوِيًا: فَحُرِّمَتْ أَعْيَانُهُنَّ كُلِّهِنَّ تَحْرِيمًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُنَّ لَمْسٌ، وَلَا رُؤْيَةٌ عُرْيَةً، وَلَا تَلَذُّذٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُنَّ مُحَرَّمَاتُ الْأَعْيَانِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] فَإِنَّمَا حَرَّمَ فِيهِنَّ النِّكَاحَ فَقَطْ، وَالنِّكَاحُ لَيْسَ إلَّا عَقْدَ الزَّوَاجِ، أَمَّا الْوَطْءُ فَقَطْ، فَإِذَا مَلَكْنَاهُنَّ فَلَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْنَا أَعْيَانُهُنَّ، إذْ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا إجْمَاعَ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهُنَّ فَقَطْ، وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى التَّحْلِيلِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: كَالْمَمْلُوكَةِ، وَالْحَائِضِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَالصَّائِمَةِ فَرْضًا، وَالْمُعْتَكِفَةِ فَرْضًا، وَالْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ، وَلَا فَرْقَ. فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ كُنَّ فِرَاشًا فِي غَيْرِ الْوَطْءِ، فَكَانَ الْوَطْءُ - وَإِنْ كَانَ حَرَامًا - فَهُوَ فِي فِرَاشٍ لَمْ يُحَرَّمْ فِيهِ إلَّا الْوَطْءُ فَقَطْ وَكُلُّ وَطْءٍ فِي غَيْرِ

مُحَرَّمِ الْعَيْنِ فَلَيْسَ عِهْرًا، وَلَا زِنًى، وَإِنَّمَا الْعِهْرُ: مَا كَانَ فِي مُحَرَّمَةِ الْعَيْنِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ فِي وَطْءِ الْأُمِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ كَحَدِّ الزِّنَى بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ الْقَتْلَ - أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ - فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ فِي قَتْلِ مَنْ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ ثَابِتًا وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ. فَكَانَ مِنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا: قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الَّذِي أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَنَحْنُ لَا نُخَالِفُكُمْ فِي ذَلِكَ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِمَّنْ زَادَهَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ، وَعَلَى مَنْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَالَ الرَّاوِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ ارْتَدَّ فَاسْتَحَلَّ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَقَتَلْنَاهُ عَلَى الرِّدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الرَّاوِي، فَهُوَ كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ظَنُّ مَا لَيْسَ فِيهِ. فَصَحَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةَ أَبِيهِ بِعَقْدٍ سِمَاهُ نِكَاحًا - أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَمَا جَاءَتْ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ - فَقَتْلُهُ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ، وَتَخْمِيسُ مَالِهِ فَرْضٌ، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ - إنْ كَانَ لَمْ يَرْتَدَّ - أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ، إنْ كَانَ ارْتَدَّ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ نَجِدْ مِثْلَ هَذَا فِي الْأُصُولِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَا أَصْلَ عِنْدَنَا إلَّا الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، فَهَذَا الْخَبَرُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ - وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا: فِي أَيِّ الْأُصُولِ وَجَدْتُمْ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا أُمُّهُ - أَوْ ابْنَتُهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا ابْنَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ - أَوْ إحْدَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ - وَهُوَ يَدْرِي عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَوَطِئَهُنَّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لَهُنَّ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، فَمَا نَدْرِي هَذَا إلَّا فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ، فَنَقُولُ: إنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ - بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ أَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا - فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ - مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ - وَيُخَمَّسُ مَالُهُ، وَسَوَاءٌ أُمَّهُ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّهِ، دَخَلَ بِهَا أَبُوهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.

مسألة من أحل لآخر فرج أمته

وَأَمَّا مَنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ امْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ سَائِرِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ - كَأُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ مِنْ زِنًى أَوْ بِعَقْدٍ بِاسْمِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَعَ أَبِيهِ - فَهِيَ أُمُّهُ وَلَيْسَتْ امْرَأَةَ أَبِيهِ، أَوْ أُخْتَهُ، أَوْ ابْنَتَهُ، أَوْ عَمَّتَهُ، أَوْ خَالَتَهُ أَوْ وَاحِدَةً مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ بِصِهْرٍ، أَوْ رَضَاعٍ - فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ: هُوَ زَانٍ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَطْ، وَإِنْ أَحْصَنَ عَلَيْهِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ كَسَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ لِأَنَّهُ زَنَى، وَأَمَّا الْجَاهِلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَة مِنْ أَحَلَّ لِآخَرَ فَرْجَ أَمَتِهِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً أَحَلَّتْ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا، أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَحَلَّ أَمَتَهُ لِذِي رَحِمِهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَعَلَ ذَلِكَ: فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ سُفْيَانَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَطَأِ جِدًّا، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَلَدَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ أُمِّهِ، وَأَصَابَ فِي هَذَا، ثُمَّ جَعَلَهُ لَاحِقَ النَّسَبِ بِوَاطِئِ أُمِّهِ - وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . وَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ مَا هُوَ الْفِرَاشُ وَمَا هُوَ الْعِهْرُ؟ فَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] إلَى قَوْله تَعَالَى: {هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] . فَهَذِهِ الَّتِي أَحَلَّ مَالِكُهَا فَرْجَهَا لِغَيْرِهِ لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ لِلَّذِي أَحَلَّتْ لَهُ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الَّذِي أَحَلَّ الْفَرْجَ لَمْ يَهَبْ الرَّقَبَةَ وَلَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا رَضِيَ بِذَلِكَ قَطُّ، فَإِنْ كَانَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ إبَاحَةِ الْفَرْجِ وَحْدَهُ حَلَالًا؟

فَلَا يَلْزَمُهُ سِوَاهُ، وَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَا رَضِيَ بِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ إبَاحَةِ الْفَرْجِ حَرَامًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَالْحَرَامُ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ هِبَةُ الْفَرْجِ. وَأَمَّا الرَّقَبَةُ فَلَمْ يَرْضَ قَطُّ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ، فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا لَهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ، إلَّا بِنَصٍّ يُوجِبُ ذَلِكَ أَوْ إجْمَاعٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذَا الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَالْوَلَدُ غَيْرُ لَاحِقٍ، وَالْحَدُّ وَاجِبٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ مَا فَعَلَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2222 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَحَلَّ فَرْجَ أَمَتِهِ لِغَيْرِهِ؟ نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا أَحَلَّتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ، أَوْ ابْنَتُهُ، أَوْ أُخْتُهُ لَهُ جَارِيَتَهَا فَلْيُصِبْهَا وَهِيَ لَهَا، فَلْيَجْعَلْ بِهِ بَيْنَ وِرْكَيْهَا؟ . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ: هُوَ حَلَالٌ فَإِنْ وَلَدَتْ فَوَلَدُهَا حُرٌّ، وَالْأَمَةُ لِامْرَأَتِهِ، وَلَا يَغْرَمُ الزَّوْجُ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَادَوَيْهِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَحَلَّ مِنْ الطَّعَامِ، فَإِنْ وَلَدَتْ فَوَلَدُهَا الَّذِي أَحَلَّتْ لَهُ، وَهِيَ لِسَيِّدِهَا الْأَوَّلِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: كَانَ يُفْعَلُ، يُحِلُّ الرَّجُلُ وَلِيدَتَهُ لِغُلَامِهِ، وَابْنِهِ، وَأَخِيهِ - وَتُحِلُّهَا الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا. قَالَ عَطَاءٌ: وَمَا أُحِبُّ أَنْ يُفْعَلَ، وَمَا بَلَغَنِي عَنْ ثَبْتٍ، قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُرْسِلُ بِوَلِيدَتِهِ إلَى ضَيْفِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا قَوْلٌ - وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ،

وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ: فَمَرَّةً قَالَ: هِيَ لِمَالِكِهَا الْمُبِيحِ مَا لَمْ تَحْمِلْ، فَإِنْ حَمَلَتْ قُوِّمَتْ عَلَى الَّذِي أُبِيحَتْ لَهُ. وَمَرَّةً قَالَ: تُقَامُ بِأَوَّلِ وَطْئِهِ عَلَى الَّذِي أُبِيحَتْ لَهُ حَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا أَحَلَّتْ فَقَدْ صَارَ مِلْكُهَا لِلَّذِي أُحِلَّتْ لَهُ بِكُلِّيَّتِهَا: كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: إذَا أُحِلَّتْ الْأَمَةُ لِإِنْسَانٍ فَعِتْقُهَا لَهُ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَ: امْرَأَتِي أَحَلَّتْ جَارِيَتَهَا لِأَبِيهَا، قَالَ: فَهِيَ لَهُ - فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى غَيْرِ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ الْجَارِيَةَ لِلرَّجُلِ؟ فَقَالَ: إنْ وَطِئَهَا جُلِدَ مِائَةً - أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَلَا يَرِثُهُ، وَلَهُ أَنْ يَفْتَدِيَهُ - لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ جُمْلَةً: كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: إنَّ أُمِّي كَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ، وَإِنَّهَا أَحَلَّتْهَا لِي أَنْ أَطَأَهَا عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَا تَحِلُّ لَك إلَّا مِنْ إحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ تَتَزَوَّجَهَا وَإِمَّا أَنْ تَشْتَرِيَهَا، وَإِمَّا أَنْ تَهَبَهَا لَك ".

وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَطَأَ إلَّا فَرْجًا لَك إنْ شِئْت بِعْتَ، وَإِنْ شِئْت وَهَبْتَ، وَإِنْ شِئْت أَعْتَقْتَ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: لَا تُعَارُ الْفُرُوجُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ عَنْهُ وَعَنْ طَاوُسٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَلَكِنَّا لَا نَقُولُ بِهِ، إذْ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 - 6] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ {هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] فَقَوْلُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ - وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ فِي التَّقْوِيمِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِالْإِبَاحَةِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ: زَادَ إيجَابَ الْقِيمَةِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ قَدْ تَقَدَّمَ إبْطَالُنَا إيَّاهُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَلْزَمَ الْمَرْءُ فِي مَالِهِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، فَمَنْ أَبَاحَ الْفَرْجَ وَحْدَهُ فَلَمْ يُبِحْ الرَّقَبَةَ، فَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ عَنْ يَدِهِ بِالْبَاطِلِ - وَلَيْسَ إلَّا أَحَدُ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا جَوَازُ هِبَتِهِ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا إبْطَالُهُ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَالرَّقَبَةُ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا، لَا يَحِلُّ سِوَى ذَلِكَ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فَخَطَأٌ أَيْضًا لَا يَخْلُو وَطْءُ الْفَرْجِ الَّذِي أُحِلَّ لَهُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ زَانِيًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَى مِنْ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ أَوْ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ - أَوْ يَكُونَ غَيْرَ زَانٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى مِائَةِ جَلْدَةٍ فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ هَاهُنَا أَصْلًا - جَاهِلًا كَانَ أَوْ عَالِمًا - لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا أَصْلًا، وَلَا لَهُ فِيهَا عَقْدٌ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ أَيْضًا، لِأَنَّ مَالَهُ حَرَامٌ، إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرَ هَاهُنَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ - وَعَلَى

مسألة إذا كان الشهود في الزنى لا يتمون أربعة

الْمُحَلِّلِ التَّعْزِيرُ إنْ كَانَ عَالِمًا فَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا، أَوْ أَحَدُهُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَاهِلِ أَصْلًا. [مَسْأَلَة إذَا كَانَ الشُّهُودُ فِي الزِّنَى لَا يُتِمُّونَ أَرْبَعَةً] 2223 - مَسْأَلَةٌ: الشُّهُودُ فِي الزِّنَى لَا يُتِمُّونَ أَرْبَعَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ قَوْمٌ: إذَا لَمْ يُتِمَّ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً حُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَزِيَادًا، وَنَافِعًا، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، كَانُوا فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي غُرْفَةٍ وَرَجُلٌ فِي أَسْفَلِ ذَاكَ، إذْ هَبَّتْ رِيحٌ فَتَحَتْ الْبَابَ وَوَقَعَتْ الشَّقَّةُ، فَإِذَا رَجُلٌ بَيْنَ فَخْذَيْهَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ اُبْتُلِيَا بِمَا تَرَوْنَ، فَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَقُومُوا بِشَهَادَتِهِمْ، فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فَمَنَعَهُ أَبُو بَكْرَةَ، وَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا تُصَلِّي بِنَا، وَقَدْ رَأَيْنَا مَا رَأَيْنَا؟ فَقَالَ النَّاسُ: دَعُوهُ فَلْيُصَلِّ فَإِنَّهُ الْأَمِيرُ، وَاكْتُبُوا بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ؟ فَكَتَبُوا إلَى عُمَرَ؟ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَنْ اُقْدُمُوا عَلَيَّ؟ فَلَمَّا قَدِمُوا شَهِدَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرَةَ، وَنَافِعٌ، وَشِبْلٌ، وَقَالَ زِيَادٌ: قَدْ أُرِيت رِعَةَ سِيِّهِ، وَرَأَيْت وَرَأَيْت، وَلَكِنْ لَا أَدْرِي أَنَكَحَهَا أَمْ لَا؟ فَجَلَدَهُمْ عُمَرُ، إلَّا زِيَادًا فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَلَسْتُمْ قَدْ جَلَدْتُمُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَلْفَ مَرَّةٍ لَقَدْ فَعَلَ؟ فَأَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَجْلِدَهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنْ كَانَتْ شَهَادَةُ أَبِي بَكْرَةَ شَهَادَةَ: رَجُلَيْنِ فَارْجُمْ صَاحِبَك وَإِلَّا فَقَدْ جَلَدْتُمُوهُ.

حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَى وَنَكَلَ زِيَادٌ، فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: تُوبُوا تُقْبَلْ شَهَادَتُكُمْ؟ فَتَابَ اثْنَانِ وَلَمْ يَتُبْ أَبُو بَكْرَةَ - فَكَانَتْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ - وَأَبُو بَكْرَةَ أَخُو زِيَادٍ لِأُمِّهِ - فَحَلَفَ أَبُو بَكْرَةَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زِيَادًا أَبَدًا، فَلَمْ يُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِي الْوَضَّاحِ قَالَ: شَهِدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِالزِّنَى، وَقَالَ الرَّابِعُ: رَأَيْتهمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا زِنًى فَهُوَ ذَاكَ، فَجَلَدَ عَلِيٌّ الثَّلَاثَةَ وَعَزَّرَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ: وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا: لَا يُحَدُّ الشَّاهِدُ بِالزِّنَى أَصْلًا - كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: يُحَدُّ الشُّهُودُ إذَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً، بِأَنْ ذَكَرُوا: مَا ناه حُمَامٌ نا ابْنُ الْمُفَرِّجِ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ ثَلَاثَةٍ، وَلَا اثْنَيْنِ، وَلَا وَاحِدٍ، عَلَى الزِّنَى وَيُجْلَدُونَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ تَوْبَةٌ نَصُوحٌ وَإِصْلَاحٌ» . وَقَالُوا: حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِحَضْرَةِ عَلِيٍّ وَعِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَكَانَ هَذَا إجْمَاعًا، وَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي رَمَى امْرَأَتَهُ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا خَبَرُ

عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَمُنْقَطِعٌ أَقْبَحُ انْقِطَاعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ، وَلَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِهِ، لِأَنَّنَا لَا نَقُولُ بِهِ أَصْلًا، فَيُلْزِمُونَا إيَّاهُ عَلَى أَصْلِنَا، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ فَيَحْتَجُّوا بِهِ عَلَى أُصُولِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ " إنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الشَّاهِدِ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ - لَا أَحَدَ مَعَهُ - أَوْ اثْنَيْنِ كَذَلِكَ، أَوْ ثَلَاثَةً كَذَلِكَ " فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْقَاذِفِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» . فَصَحَّ يَقِينًا لَا مِرْيَةَ فِيهِ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَاذِفِ الرَّامِي، لَا عَلَى الشُّهَدَاءِ، وَلَا عَلَى الْبَيِّنَةِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا مِنْ شَهْرِكُمْ هَذَا» فَبَشَرَةُ الشَّاهِدِ حَرَامٌ بِيَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، يُجْلَدُ الشَّاهِدُ فِي الزِّنَى إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ - وَقَدْ فَرَّقَ الْقُرْآنُ؛ وَالسُّنَّةُ، بَيْنَ الشَّاهِدِ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَبَيْنَ الْقَاذِفِ الرَّامِي، فَلَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الْآخَرِ - فَهَذَا حُكْمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ - فَإِنَّ الْأَمَةَ كُلَّهَا مُجْمِعَةٌ - بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ - عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَتَمُّوا عُدُولًا أَرْبَعَةً، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا - بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ - لَوْ أَنَّ أَلْفَ عَدْلٍ قَذَفُوا امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا كَذَلِكَ بِالزِّنَى مُجْتَمِعِينَ، أَوْ مُفْتَرِقِينَ: أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ إنْ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، فَإِنْ جَاءُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ: سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَذْفَةِ - فَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَأَمَّا الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ حُكْمِ الْقَاذِفِ وَبَيْنَ حُكْمِ الشَّاهِدِ وَأَنَّ الْقَاذِفَ لَيْسَ شَاهِدًا، وَأَنَّ الشَّاهِدَ لَيْسَ قَاذِفًا، فَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذَا بِلَا شَكٍّ، وَصَحَّ الْيَقِينُ بِبُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: بِأَنْ يُحَدَّ الشَّاهِدُ وَالشَّاهِدَانِ وَالثَّلَاثَةُ، إذَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا قَذْفَةً، وَلَا لَهُمْ حُكْمُ الْقَاذِفِ - وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ حَقًّا، الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ. وَأَمَّا طَرِيقُ النَّظَرِ - فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّهُ لَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَمَا صَحَّتْ فِي الزِّنَا شَهَادَةٌ أَبَدًا، لِأَنَّهُ كَانَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ إذَا شَهِدَ بِالزِّنَى صَارَ قَاذِفًا عَلَيْهِ الْحَدُّ - عَلَى أَصْلِهِمْ - فَإِذْ قَدْ صَارَ قَاذِفًا فَلَيْسَ شَاهِدًا، فَإِذَا شَهِدَ الثَّانِي - فَكَذَلِكَ أَيْضًا - يَصِيرُ قَاذِفًا - وَهَذَا فَاسِدٌ كَمَا تَرَى، وَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ بِالزِّنَى، وَخِلَافُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ بِوُجُوبِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي الزِّنَى، وَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّن بِقَبُولِ

مسألة شهد أربعة بالزنى على امرأة أحدهم زوجها

الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَى، وَخِلَافُ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ فِي أَنَّ الشَّاهِدَ لَيْسَ قَاذِفًا، وَالْقَاذِفَ لَيْسَ شَاهِدًا. وَأَيْضًا فَنَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ الشَّاهِدِ إذَا شَهِدَ عَلَى آخَرَ بِالزِّنَى - وَهُوَ عَدْلٌ: مَاذَا هُوَ الْآنَ عِنْدَكُمْ: أَشَاهِدٌ أَمْ قَاذِفٌ؟ أَمْ لَا شَاهِدَ وَلَا قَاذِفَ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: وَهُوَ شَاهِدٌ؟ قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَإِذْ هُوَ شَاهِدٌ فَلَيْسَ قَاذِفًا حِينَ نَطَقَ بِالشَّهَادَةِ، فَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَصِيرَ قَاذِفًا إذَا سَكَتَ وَلَمْ يَأْتِ بِثَلَاثَةِ عُدُولٍ إلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي الْمُحَالِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لَا قَاذِفًا، فَإِنْ تَكَلَّمَ بِإِطْلَاقِ الزِّنَى عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَصِيرُ قَاذِفًا لَا شَاهِدًا إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا نَطَقَ بِحَرْفٍ؟ ؟ فَهَذَا مُحَالٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ قَالُوا هُوَ قَاذِفٌ؟ فَقَدْ ذَكَرُوا وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ. [مَسْأَلَة شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا] 2224 - مَسْأَلَةٌ: شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ، أَحَدُهُمْ: زَوْجُهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَتْ شَهَادَةً وَيُلَاعَنُ الزَّوْجُ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ شَهِدُوا بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ، وَأَحَدُهُمْ زَوْجُهَا؟ قَالَ: يُلَاعَنُ الزَّوْجُ، وَيُحَدُّ الْآخَرُونَ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِمِثْلِهِ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ كَانُوا عُدُولًا فَالشَّهَادَةُ تَامَّةٌ، وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا؟ قَالَ: إذَا جَاءُوا مُجْتَمِعِينَ، الزَّوْجُ أَجْوَزُهُمْ شَهَادَةً.

وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى - أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا - أَنَّهُ قَدْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَأَحْرَزُوا ظُهُورَهُمْ. وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ - فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمْ مَنْ يَجِيءُ بِهَا - وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ كُلُّ قَائِلٍ مِنْهُمْ لِقَوْلٍ، فَوَجَدْنَا كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَنَظَرْنَا فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ فَوَجَدْنَاهُمَا: إنَّمَا نَزَلَا فِي الزَّوْجِ إذَا كَانَ رَامِيًا قَاذِفًا، إلَّا إذَا كَانَ شَاهِدًا، هَذَا نَصُّ الْآيَةِ، وَنَصُّ الْخَبَرِ، فَلَيْسَ حُكْمُ الزَّوْجِ إذَا كَانَ شَاهِدًا لَا قَاذِفًا رَامِيًا، فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ شَهَادَةِ الزَّوْجِ فِي غَيْرِهِمَا. فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] فَشَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقَاذِفِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أَنْ يُجْلَدَ، وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةَ الشُّهَدَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُمْ زَوْجُهَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ أَحَدَ أُولَئِكَ الشُّهَدَاءِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ وَلَمَا كَتَمَهُ، وَلَا أَهْمَلَهُ، فَإِذْ عَمَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ فَالزَّوْجُ وَغَيْرُ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ. فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ الزَّوْجَ إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ إلَّا أَنْ يُلَاعَنَ، أَوْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُ قَاذِفٌ، وَرَامٍ - وَالْقَاذِفُ وَالرَّامِي: مُكَلَّفٌ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَلَا بُدَّ - وَهَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ وَلَا فَرْقَ، إذَا قَذَفَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ غَيْرِهِ، فَإِنْ جَاءَ الزَّوْجُ شَاهِدًا لَا قَاذِفًا، فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ الشَّاهِدِ وَلَا فَرْقَ، لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ

مسألة شهد أربعة بالزنى على امرأة وشهد أربعة نسوة أنها عذراء

أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْمِهَا، وَلَا قَذَفَهَا، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَجَاءَ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ شُهُودٍ، فَقَدْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، وَوَجَبَ الرَّجْمُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ نَأْخُذُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ مَنْ يَأْتِي بِهِمْ، فَلَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ الْخَامِسُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَاذِفًا - وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا - وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا لَا قَاذِفًا وَلَا شَاهِدًا. فَإِنْ كَانَ قَاذِفًا - فَمِنْ الْحَرَامِ وَالْبَاطِلِ أَنْ يَلْزَمَ الشُّهُودُ أَنْ يَأْتِيَ قَاذِفًا يَتَقَدَّمُهُمْ، أَوْ يَأْمُرَ بِقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَالْمُحْصَنِ، لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الشَّهَادَةِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَامِسُ شَاهِدًا - فَهَذَا إيجَابٌ لِخَمْسَةِ شُهُودٍ - وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ. وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا قَاذِفًا وَلَا شَاهِدًا - فَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْهُ، وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَقَطَ قَوْلُ الْحَكَمِ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالْحُكْمُ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَاذِفًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ سَوَاءٍ وَإِلَّا حُدَّ أَوْ يُلَاعَنُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَكِنْ جَاءَ شَاهِدًا فَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ عُدُولٍ فَهِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ وَعَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى كَامِلًا. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ عَدْلٍ، أَوْ كَانَ عَدْلًا وَكَانَ فِي الَّذِينَ مَعَهُ غَيْرُ عَدْلٍ أَوْ لَمْ يُتِمَّ ثَلَاثَةً سِوَاهُ وَالشَّهَادَةُ لَمْ تَتِمَّ فَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ، وَلَيْسَ الشُّهُودُ قَذْفَةٌ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، وَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا لِعَانَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ قَاذِفًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: [مَسْأَلَة شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ وَشَهِدَ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ] 2225 - مَسْأَلَةٌ: شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ، وَشَهِدَ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهَا، كَمَا رُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي أَرْبَعَةِ رِجَالٍ

عُدُولٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى وَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّهَا بِكْرٌ، فَقَالَ: أُقِيمُ عَلَيْهَا الْحَدَّ، وَعَلَيْهَا خَاتَمٌ مِنْ رَبِّهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْهُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُحَدُّ - كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ، وَنَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا فَقُلْنَ: إنَّهَا عَذْرَاءُ، قَالَ: آخُذُ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ، وَأَتْرُكُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ، وَأُقِيمُ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ. وَبِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، إلَّا زُفَرُ، وَبِهِ - يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَأَصْحَابُنَا: تُحَدُّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا مَنْ رَأَى إيجَابَ الْحَدِّ عَلَيْهَا يَقُولُ: قَدْ صَحَّتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا؟ فَعَارَضَهُمْ الْآخَرُونَ - بِأَنْ قَالُوا: بِأَنْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا صَحَّ أَنَّ الشُّهُودَ - كَاذِبُونَ أَوْ وَاهِمُونَ - فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ حَقًّا: بَلْ هِيَ بَاطِلٌ، وَلَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِنْفَاذِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ حَقًّا عِنْدَنَا فِي ظَاهِرِهَا، لَا إذَا صَحَّ عِنْدَنَا بُطْلَانُهَا، وَهَذِهِ قَدْ صَحَّ عِنْدَنَا بُطْلَانُهَا فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] فَوَاجِبٌ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدَنَا - فِي ظَاهِرِهَا - حَقًّا، وَلَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يُبْطِلُهَا أَنْ يُحْكَمَ بِهَا، وَإِذَا صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَحْكُمَ بِهَا، إذْ لَا يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ، هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الشُّهُودِ لَهَا أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَوَجَبَ أَنْ يُقَرِّرَ النِّسَاءُ عَلَى صِفَةِ عُذْرَتِهَا،

مسألة حضور حد الزاني ورجمة

فَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا عُذْرَةٌ، يُبْطِلُهَا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ وَلَا بُدَّ، وَأَنَّهُ صِفَاقٌ عِنْدَ بَابِ الْفَرْجِ، فَقَدْ أَيْقَنَّا بِكَذِبِ الشُّهُودِ، وَأَنَّهُمْ وَهَمُوا فَلَا يَحِلُّ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ. وَإِنْ قُلْنَ: إنَّهَا عُذْرَةٌ وَاغِلَةٌ فِي دَاخِلِ الْفَرْجِ، لَا يُبْطِلُهَا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ، فَقَدْ أَمْكَنَ صِدْقُ الشُّهُودِ، إذْ بِإِيلَاجِ الْحَشَفَةِ يَجِبُ الْحَدُّ، فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، لِأَنَّهُ لَمْ نَتَيَقَّنْ كَذِبَ الشُّهُودِ وَلَا وَهْمَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة حُضُور حَدّ الزاني ورجمة] 2226 - مَسْأَلَةٌ: كَمْ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَحْضُرُ حَدَّ الزَّانِي أَوْ رَجْمَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] قَالَ {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] . فَصَحَّ أَنَّ عَذَابَ الزُّنَاةِ الْجَلْدُ، وَمَعَ الْجَلْدِ الرَّجْمُ وَالنَّفْيُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ الطَّائِفَةِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَشْهَدَ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ - فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ، فَإِنْ زَادَ فَجَائِزٌ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. كَمَا رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الطَّائِفَةُ رَجُلٌ، وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الطَّائِفَةُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا. كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: اثْنَانِ فَصَاعِدًا - وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا، كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت شِمْرَ بْنَ نُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمِيرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُهُ - سَوَاءً سَوَاءً - أَنَّ الطَّائِفَةَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا - وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الطَّائِفَةُ - نَفَرٌ دُونَ أَنْ يَحِدُّوا عَدَدًا، كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] قَالَ: نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الطَّائِفَةُ - أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا، كَمَا رُوِّينَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الطَّائِفَةُ - خَمْسَةٌ فَصَاعِدًا، كَمَا رُوِّينَا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الطَّائِفَةُ - عَشْرَةٌ، كَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الطَّائِفَةُ عَشْرَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا جَمِيعَ الْأَقْوَالِ لَا يُحْتَجُّ بِهَا إلَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنَّ الطَّائِفَةَ: وَاحِدٌ فَصَاعِدًا - فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا يُوجِبُهُ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَاللُّغَةِ. فَأَمَّا الْقُرْآنُ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: 9] الْآيَةَ، فَبَيَّنَ تَعَالَى نَصًّا جَلِيًّا أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّائِفَتَيْنِ هُنَا الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا: بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ (اقْتَتَلُوا) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: 9] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخَرِ الْآيَةِ {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] وَبُرْهَانٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ لَبَيَّنَهُ، وَلَأَوْقَفَنَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَدَعْنَا نَخْبِطُ فِيهِ خَبْطَ عَشْوَاءَ، حَتَّى نَتَكَهَّنَ فِيهِ الظُّنُونَ الْكَاذِبَةَ، حَاشَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة حد القذف

[مَسْأَلَةٌ حَدُّ الْقَذْفُ] مَسْأَلَةٌ: حَدُّ الرَّمْيِ بِالزِّنَى - وَهُوَ الْقَذْفُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] إلَى قَوْله تَعَالَى {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِأَنْ تَطْلُبَ عِلْمَهَا، وَأَنْ تَعْتَقِدَ، وَأَنْ يُعْمَلَ بِهَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ: فَمِنْهَا - مَعْرِفَةُ مَا هُوَ الرَّمْيُ الَّذِي يُوجِبُ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ، مِنْ الْجَلْدِ، وَإِسْقَاطِ الشَّهَادَةِ، وَالْفِسْقِ، وَأَنَّ الْقَذْفَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَمِنْ الْمُحْصَنَاتِ اللَّوَاتِي يَجِبُ لِرَمْيِهِنَّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مِنْ الْجَلْدِ، وَإِسْقَاطِ الشَّهَادَةِ، وَالْفِسْقِ، وَعَدَدِ الْجَلْدِ، وَصِفَتِهِ؟ وَمَنْ الْمَأْمُورُ بِالْجَلْدِ؟ وَمَتَى يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، وَفِي مَاذَا يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِهَا، وَفِسْقِهِمْ، وَمَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا صِفَةُ التَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ؟ وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَذْكُرُ كُلَّ ذَلِكَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. 2228 - مَسْأَلَةٌ: مَا الرَّمْيُ، وَالْقَذْفُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْحُكْمَ بِاسْمِ " الرَّمْيِ " فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَصَحَّ أَنَّ " الْقَذْفَ، وَالرَّمْيَ " اسْمَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ: لِمَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى السُّلَمِيُّ - قَالَ: «سُئِلَ هِشَامٌ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ الرَّجُلِ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ؟ فَحَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ - قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ ذَلِكَ - وَأَنَا أَرَى أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا - فَقَالَ: إنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَاعَنَ، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ أَبْصِرُوهُ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ، نَضَّ الْعَيْنَيْنِ، فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ. قَالَ أَنَسٌ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ» .

مسألة النفي عن النسب

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ «أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» وَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي النَّقْلِ فِي الدِّيَانَةِ قَدْ سَمَّى الرَّمْيَ: قَذْفًا، مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ " الرَّمْيَ " الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُوجِبَ لِلْجَلْدِ وَالْفِسْقِ، وَسُقُوطِ الشَّهَادَةِ هُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَى بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّمْيِ بِغَيْرِ الزِّنَى أَيُوجِبُ حَدًّا أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ إلَّا فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَى فَقَطْ، وَلَا حَدَّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، لَا فِي نَفْيٍ عَنْ نَسَبِ أَبٍ أَوْ جَدٍّ، وَلَا فِي رَمْيٍ بِلُوطِيَّةٍ، وَلَا فِي رَمْيٍ بِبِغَاءٍ، وَلَا فِي رَمْيِ رَجُلٍ بِوَطْءٍ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ، وَلَا فِي إتْيَانِ بَهِيمَةٍ، وَلَا فِي رَمْيِ امْرَأَةٍ أَنَّهَا أُتِيَتْ فِي دُبُرِهَا، وَلَا فِي رَمْيِهَا بِبَهِيمَةٍ، وَلَا فِي رَمْيٍ بِكُفْرٍ، وَلَا بِشُرْبِ خَمْرٍ، وَلَا فِي شَيْءٍ أَصْلًا - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ قَائِلُونَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا: إيجَابُ الْجَلْدِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَبَيَانِ الْحَقِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ نَسْتَعِينُ. [مَسْأَلَة النَّفْيُ عَنْ النَّسَبِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ نَفَى آخَرَ عَنْ نَسَبِهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ الْحَدُّ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ فِيهِ، فَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الْحَدَّ - فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا حَدَّ إلَّا فِي اثْنَيْنِ: أَنْ يَقْذِفَ مُحْصَنَةً، أَوْ يَنْفِيَ رَجُلًا عَنْ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَنْفِي الرَّجُلَ مِنْ فَخْذِهِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ

مِنْ أَبِيهِ - وَعَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ قَالَا جَمِيعًا: يُضْرَبُ الْحَدَّ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ نَفَى رَجُلًا عَنْ أَبِيهِ - كَانَ أَبُوهُ مَا كَانَ - فَعَلَيْهِ الْحَدُّ - وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لَسْتَ مِنْهُمْ - وَهُوَ مِنْهُمْ - أَوْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ لَسْتَ مِنْهُمْ - وَهُوَ مِنْهُمْ - فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ نَفَى رَجُلًا عَنْ أَبِيهِ، قَالَ لَهُ: لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمُّهُ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ مَمْلُوكَةٌ - قَالَ: لَا يُجْلَدُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عُمَرَ بْنِ رَبِيعٍ يَقُولُ: كَانَ بَيْنَ أَبِي وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ مُرَافَعَةٌ فِي الْقَوْلِ فِي شُفْعَةٍ، فَقَالَ أَبِي لِلْيَهُودِيِّ: يَهُودِيٌّ ابْنُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَجَلْ، وَاَللَّهِ إنِّي الْيَهُودِيُّ ابْنُ الْيَهُودِيِّ، إذْ لَا يَعْرِفُ رِجَالٌ كَثِيرٌ آبَاءَهُمْ؟ فَكَتَبَ عَامِلُ الْأَرْضِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ عَامِلُ الْمَدِينَةِ - بِذَلِكَ، فَكَتَبَ، فَقَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ يُعْرَفُ أَبُوهُ، فَحُدَّ الْيَهُودِيَّ، فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ سَوْطًا. وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ الْقَيْنِ - وَلَمْ يَكُنْ أَبُوهُ قَيْنًا - قَالَ: نَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْحَدَّ. وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ الْحَدُّ إلَّا فِي الْكَلِمَةِ لَيْسَ لَهَا مُصَرَّفٌ، وَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ: وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا بَلَغَ الْحَدُّ - لَعَلَّ وَعَسَى - فَالْحَدُّ مُعَطَّلٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا نَبَطِيٌّ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا نَبَطِيٌّ، وَيَا عَبْدَ بَنِي فُلَانٍ، فَلَمْ يَرَ عَطَاءٌ فِيهِ شَيْئًا. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ قَالَ لَعَمْرِي: يَا نَبَطِيٌّ، فَلَمْ يَرَ الشَّعْبِيُّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَقَالَ: كُلُّنَا نَبَطٌ - وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ، فَوَجَدْنَا الزُّهْرِيَّ يَقُولُ فِي نَفْيِ الْمَرْءِ عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ نَسَبِهِ - كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ عَلَى النَّافِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ: فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَلَمْ نَجِدْهُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَجَدْنَا فِيهِ الْحَدَّ، وَوُجُوبَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ فَوَجَدْنَا النَّافِيَ إنْسَانًا عَنْ نَسَبِهِ، فَلَمْ يَرْمِ مُحْصَنَةً أَصْلًا، وَالزُّهْرِيُّ - وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْفُضَلَاءِ - فَهُوَ بَشَرٌ يَهِمُ كَمَا يَهِمُ غَيْرُهُ، وَيُخْطِئُ وَيُصِيبُ، بَلْ وَجَدْنَا نَصَّ الْقُرْآنِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ، لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَمَّنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ إذَا قَالَ لِابْنِ أَمَةٍ، أَوْ ابْنِ كَافِرَةٍ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، وَأَوْجَبَهُ حَيْثُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إيجَابُهُ إذَا قَالَ لَهُ: لَسْتَ لِأَبِيكَ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ جُمْلَةً. فَإِنْ قَالُوا: النَّافِي قَاذِفٌ وَلَا بُدَّ؟ قُلْنَا: لَا، مَا هُوَ قَاذِفٌ، وَلَا قَذَفَ أَحَدًا، وَقَدْ يَنْفِيهِ عَنْ نَسَبِهِ بِأَنَّهُ اسْتَلْحَقَ، وَأَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِمْ ابْنُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا، فَلَا قَذَفَ هَاهُنَا أَصْلًا، وَقَدْ يَكُونُ نَفِيهِ لَهُ بِأَنْ أَرَادَ الِاسْتِكْرَاهَ لِأُمِّهِ، وَأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ فِي حَالَةٍ لَا يَكُونُ لِلزِّنَى فِيهِ دُخُولٌ، كَالنَّائِمَةِ تُوطَأُ، أَوْ السَّكْرَى، أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهَا، أَوْ الْجَاهِلَةِ، فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ النَّافِي قَاذِفًا جُمْلَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا - هَلْ فِي السُّنَّةِ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ؟ فَوَجَدْنَا: مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ رَجُلًا أَنْ دَعَا آخَرَ: يَا ابْنَ الْمَجْنُونِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ فَوَجَدْنَاهُ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلًا مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: إنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَا تَقُومُ بِمُرْسَلٍ حُجَّةٌ. وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ التُّجِيبِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُعَدَّلْ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَلَدَهُ الْحَدَّ، إنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُ جَلَدَهُ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُرَادَ فِيهِ: أَنَّهُ جَلَدَهُ الْحَدَّ، وَنَحْنُ لَا نَأْبَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا، لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ يُغَيَّرُ بِالْيَدِ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ سَحْنُونَ، وَأَعْرَفُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، فَلَمْ يُبَلِّغْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ رَجُلًا أَنْ دَعَا آخَرَ: يَا ابْنَ الْمَجْنُونِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَيْضًا كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ جَلَدَهُ الْحَدَّ، وَالْحُدُودُ لَا تُقَامُ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْحَدِيثِ كَذِبٌ، وَتَبْلِيغُ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ إلَى ثَمَانِينَ كَذِبٌ بِلَا شَكٍّ مِمَّنْ قَطَعَ بِذَلِكَ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَى الْحَدَّ، وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَصَحَّ بِهِ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعُدْوَانَ، وَضَرْبَ الْأَبْشَارِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنْ الْعُدْوَانِ، وَحَرَّمَ تَعَالَى أَنْ تُتَعَدَّى حُدُودُهُ، وَإِثْبَاتُ حَدٍّ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة حكم القذف

[مَسْأَلَة حُكْم القذف] مَسْأَلَةٌ: قَذْفُ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَتَعَرُّضُ الْمَرْءِ لِسَبِّ أَبَوَيْهِ مِنْ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} [الشورى: 37] الْآيَةُ. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 23] الْآيَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ قَذْفَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُحْصَنَاتِ الْبَرِيئَاتِ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلَّعْنَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ، وَدَخَلَ فِيهَا قَذْفُ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ دُخُولًا مُسْتَوِيًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ مُؤْمِنَةً مِنْ مُؤْمِنَةٍ. وَبَقِيَ قَذْفُ الْكَافِرَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ - فَهَذَا عُمُومٌ تَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرَةُ وَالْمُؤْمِنَةُ، فَوَجَبَ أَنَّ قَاذِفَهَا فَاسِقٌ إلَّا أَنْ يَتُوبَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَبَائِرَ، وَسُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ؟ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، قَوْلُ الزُّورِ - أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ» قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ - شَهَادَةُ الزُّورِ ".

مسألة الواجب بقذف المحصنات

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثَلَاثًا - الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ شَكُّ الرَّاوِي بَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَهَادَةَ الزُّورِ أَوْ قَوْلَ الزُّورِ بِمُحِيلٍ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَالْمَعْنَى فِيهِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ، لِأَنَّ كُلَّ قَوْلٍ قَالَهُ الْمَرْءُ غَيْرَ حَاكٍ فَقَدْ شَهِدَ بِهِ، وَكُلُّ شَهَادَةٍ يَشْهَدُ بِهَا الْمَرْءُ فَقَدْ قَالَهَا فَالْقَوْلُ شَهَادَةٌ، وَالشَّهَادَةُ قَوْلٌ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ هِيَ غَيْرُ الشَّهَادَةِ الْمَحْكُومِ بِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19] وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150] فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ هِيَ الْقَوْلُ الْمَقُولُ، لَا الْمُؤَدَّاةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِصِفَةٍ مَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَصَحَّ أَنَّ قَذْفَ الْكَافِرَةِ الْبَرِيئَةِ قَوْلُ زُورٍ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، وَقَوْلُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ، كَمَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ الْهَادِي عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» . فَصَحَّ أَنَّ السَّبَّ الْمَذْكُورَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا مَنْ رَمَى الْمَرْءَ بِمَا فَعَلَ فَلَيْسَ قَذْفًا، لَكِنَّهُ غَيْبَةٌ إنْ كَانَ غَائِبًا، وَأَذًى إنْ كَانَ حَاضِرًا، هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الواجب بقذف المحصنات] 2231 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ الْمُحْصَنَاتُ الْوَاجِبُ بِقَذْفِهِنَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] الْآيَةَ، فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ " الْمُحْصَنَاتِ الْمَذْكُورَاتِ: هُنَّ النِّسَاءُ " لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ جَاءَ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْنَا أَصْحَابُ الْقِيَاسِ هَاهُنَا وَقَالُوا لَنَا: إنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِجَلْدِ الْحَدِّ مِنْ قَذْفِ امْرَأَةٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا مَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَى؟ وَمَا هَذَا إلَّا قِيَاسٌ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ الْقِيَاسَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَجَابَهُمْ أَصْحَابُنَا هَاهُنَا بِأَجْوِبَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُقْنِعٌ كَافٍ، مُبْطِلٌ لِاعْتِرَاضِهِمْ هَذَا الْفَاسِدِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَأَحَدُ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ: أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: جَاءَ النَّصُّ بِالْحَدِّ عَلَى قَذْفِ النِّسَاءِ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِحَدِّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا وَالْإِجْمَاعُ حَقٌّ وَأَصْلٌ مِنْ أُصُولِنَا الَّتِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهَا وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا اتِّبَاعَ الْإِجْمَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: بَلْ نَصُّ الْآيَةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى النُّفُوسَ الْمُحْصَنَاتِ قَالُوا: وَبُرْهَانُ هَذَا الْقَوْلِ وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَكَان آخَرَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] قَالُوا: فَلَوْ كَانَتْ لَفْظَةُ " الْمُحْصَنَاتُ " لَا تَقَعُ إلَّا عَلَى النِّسَاءِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى " مِنْ النِّسَاءِ " مَعْنًى وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا فَصَحَّ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ هُنَالِكَ بِأَنْ قَالَ " مِنْ النِّسَاءِ " وَأَجْمَلَ الْأَمْرَ فِي آيَةِ الْقَذْفِ إجْمَالًا.

قَالُوا: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] وَ {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] ؟ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَكْرَارٍ لَا فَائِدَةَ أُخْرَى فِيهِ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَيْسَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي دَعَوَاكُمْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] تَكْرَارٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِ الرَّجُلِ لَمَا كَانَ فِي الْآيَةِ احْتِجَاجٌ وَإِيجَابُنَا الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ وَقَاذِفِ الْكَافِرَةِ، لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ؟ وَأَمَّا جَوَابُنَا الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَنَقْطَعُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْفُرُوجَ الْمُحْصَنَاتِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الشُّهُودِ الْمَذْكُورِينَ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ شَهَادَتَهُمْ الَّتِي يُكَلَّفُونَهَا هِيَ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُمْ رَأَوْا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَالِجًا خَارِجًا - وَالْإِجْمَاعُ قَدْ صَحَّ بِأَنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ شَهَادَةً بِزِنًى وَلَا يَبْرَأُ بِهَا الْقَاذِفُ مِنْ الْحَدِّ. فَصَحَّ أَنَّ الرَّمْيَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ الْفُرُوجُ فَقَطْ. وَأَيْضًا، بُرْهَانٌ آخَرُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْت

أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزِّنَى إلَّا لِلْفَرْجِ فَقَطْ وَأَبْطَلَهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْجِسْمِ - أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا - إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهَا الْفَرْجُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ النَّفْسَ وَالْقَلْبَ وَجَمِيعَ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ، حَاشَ الْفَرْجَ لَا رَمْيَ فِيهَا، وَلَا قَذْفَ أَصْلًا، وَأَنَّهُ لَا رَمْيَ إلَّا لِلْفُرُوجِ فَقَطْ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا وَلَا مِرْيَةَ، فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] هِيَ بِلَا شَكٍّ " الْفُرُوجُ " الَّتِي لَا يَقَعُ " الرَّمْيُ " إلَّا عَلَيْهَا، لَا يَكُونُ الزِّنَى الْمَرْمِيُّ بِهِ إلَّا مِنْهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ " الْمُحْصَنَاتِ " نَعْتٌ وَلَا يُفْرَدُ النَّعْتُ عَنْ ذِكْرِ الْمَنْعُوتِ؟ قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَأَشْعَارَ الْعَرَبِ مَمْلُوءٌ مِمَّا جَاءَ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ هَذَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} [الحديد: 18] . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّعْتَ دُونَ ذِكْرِ الْمَنْعُوتِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: وَلَا جَاعِلَاتِ الْعَاجِ فَوْقَ الْمَعَاصِمِ فَذَكَرَ النَّعْتَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنْعُوتَ وَمَا نَعْلَمْ نَحْوِيًّا مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْلًا، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا لِئَلَّا يُمَوِّهَ مُمَوِّهٌ.

ثُمَّ إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ أَرَادَ " النِّسَاءَ الْمُحْصَنَاتِ "

مسألة قذف العبيد والإماء

فَعَلَى كُلِّ حَالٍ قَدْ حَذَفَ الْمَنْعُوتَ وَاقْتَصَرَ عَلَى النَّعْتِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اقْتِصَارِهِ تَعَالَى عَلَى ذِكْرِ " الْمُحْصَنَاتِ " وَحَذْفِ الْفُرُوجِ عَلَى قَوْلِنَا، أَوْ حَذْفِ " النِّسَاءِ " عَلَى قَوْلِهِمْ - فَسَقَطَ اعْتِرَاضُهُمْ جُمْلَةً، وَقَوْلُنَا نَحْنُ الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ دَعْوَاهُمْ، لِأَنَّ قَوْلَنَا يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِذَلِكَ " النِّسَاءَ " فَدَعْوَى عَارِيَّةٌ لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، لِأَنَّهُمْ يَخُصُّونَ تَأْوِيلَهُمْ هَذَا، وَيُسْقِطُونَ الْحَدَّ عَنْ قَاذِفِ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ: كَالْإِمَاءِ، وَالْكَوَافِرِ، وَالصِّغَارِ، وَالْمَجَانِينِ، فَقَدْ أَفْسَدُوا دَعْوَاهُمْ مِنْ قُرْبٍ مَعَ تَعَرِّيهَا مِنْ الْبُرْهَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَذْفُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ] 2232 - مَسْأَلَةٌ: قَذْفُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بِالزِّنَا:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا جَمِيعًا: لَا يُضْرَبُ قَاذِفُ أُمِّ وَلَدٍ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: إذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ: لَسْت لِأَبِيك؟ لَمْ يُضْرَبْ، لِأَنَّ النَّفْيَ وَقَعَ عَلَى الْأُمِّ. وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَرَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُضْرَبَ قَاذِفُ أُمِّ وَلَدٍ، فَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ: لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ أُمِّ وَلَدٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِإِيجَابِ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ - نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ أَمِيرًا مِنْ الْأُمَرَاءِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ قَذَفَ أُمَّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُضْرَبُ الْحَدَّ صَاغِرًا. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الزَّوْجُ يُلَاعِنُ الْأَمَةَ، وَإِنْ قَذَفَهَا - وَهِيَ أَمَةٌ - جُلِدَ، لِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَصَحِّ إسْنَادٍ يُوجَدُ فِي الْحَدِيثِ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعُهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ، إلَّا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ، جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ

أَنَا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي نُعْمٍ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ» . وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي ظَهْرِهِ حَدٌّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنْ شَاءَ آخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَعَلَّهُمْ يَدَّعُونَ الْإِجْمَاعَ، أَوْ يَقُولُونَ: لَا حُرْمَةَ لِلْعَبْدِ وَلَا لِلْأَمَةِ، فَكَثِيرًا مَا يَأْتُونَ بِمِثْلِ هَذَا. فَإِنْ ادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ أَكْذَبَهُمْ مَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ، وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، إلَّا رِوَايَةً لَا نَقِفُ الْآنَ عَلَى مَوْضِعِهَا مِنْ أُصُولِنَا. عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ مِنْ حُرَّةٍ، وَابْنَةٌ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، فَكَانَتْ ابْنَةُ الْحُرَّةِ تَقْذِفُ ابْنَةَ أُمِّ الْوَلَدِ، فَأَعْتَقَ أُمَّهَا، وَقَالَ لِابْنَةِ الْحُرَّةِ: اقْذِفِيهَا الْآنَ إنْ قَدِرْتِ؟ وَعَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ ذَكَرْنَاهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي أَكْثَرِ أَقْوَالِهِمْ: فَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهَا عَلَى قَاذِفِهَا، وَلَعَلَّ حَاكِمَ وَقْتِهِ كَانَ لَا يَرَى الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ أُمِّ الْوَلَدِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " لَا حُرْمَةَ لِلْعَبْدِ وَلَا لِلْأَمَةِ " فَكَلَامٌ سَخِيفٌ، وَالْمُؤْمِنُ لَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَرُبَّ عَبْدٍ جِلْفٍ خَيْرٌ مِنْ خَلِيفَةٍ قُرَشِيٍّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي الْوِلَادَةِ أَوْلَادُ آدَمَ وَامْرَأَتِهِ، ثُمَّ تَفَاضَلَ النَّاسُ بِأَخْلَاقِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ، لَا بِأَعْرَاقِهِمْ، وَلَا بِأَبْدَانِهِمْ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَسَوَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ حُرْمَةِ الْعِرْضِ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ نَصًّا، وَلَا سِيَّمَا

مسألة قذف الصغير أو المجنون أو المجبوب وغيرهم

الْحَنَفِيُّونَ الْمُوجِبُونَ الْقَوَدَ عَلَى الْحُرِّ لِلْعَبْدِ، وَعَلَى الْحُرَّةِ لِلْأَمَةِ، فَقَدْ أَثْبَتُوا حُرْمَتَهُمَا سَوَاءً؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَقْوَالٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: زَنَيْت فِي كُفْرِك أَوْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا: زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إنْ لَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ جُلِدَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ. وَبِهِ - يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: فِيمَنْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، أَوْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ أَنْ لَا حَدَّ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: زَنَيْت وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْأَمَةِ، وَالْكَافِرَةِ، وَالصَّغِيرَةِ - ثُمَّ فَرَّقُوا هَاهُنَا فَحَدُّوا مَنْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ، وَلَمْ يَحُدُّوا مَنْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا قَذَفَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ؟ قِيلَ: وَكَذَلِكَ إنَّمَا قَذَفَهَا وَهِيَ بَالِغٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْمُكْرَهَةَ لَيْسَتْ زَانِيَةً، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَالْآنَ يُوجَبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا صَحَّ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ. [مَسْأَلَة قَذف الصَّغِير أَوْ الْمَجْنُون أَوْ الْمَجْبُوب وَغَيْرهمْ] 2233 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَذَفَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ مُكْرَهًا، أَوْ مَجْبُوبًا، أَوْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ بِكْرًا، أَوْ عِنِّينًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا

سَحْنُونٌ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صَبِيَّةٍ اُفْتُرِيَ عَلَيْهَا أَوْ افْتَرَتْ؟ قَالَ: إذَا قَارَبَتْ الْحَيْضَ أَوْ مَسَّهَا الرَّجُلُ جُلِدَ قَاذِفُهَا الْحَدَّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا بَلَغَ مِثْلُهَا أَنْ يُوطَأَ: جُلِدَ قَاذِفُهَا الْحَدَّ، وَكَذَلِكَ يُجْلَدُ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ صَغِيرٍ، وَلَا مَجْنُونٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ " الْإِحْصَانَ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: هُوَ الْمَنْعُ، وَبِهِ سُمِّيَ الْحِصْنُ حِصْنًا، يُقَالُ: دِرْعٌ حَصِينَةٌ - وَقَدْ أَحْصَنَ فُلَانٌ مَالَهُ: إذَا أَحْرَزَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: 14] . وَالصِّغَارُ: مُحَصَّنُونَ بِمَنْعِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ الزِّنَى، وَبِمَنْعِ أَهْلِيهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَجَانِينُ - وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ، وَالرَّتْقَاءُ، وَالْقَرْنَاءُ، وَالْعِنِّينُ - وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ هَؤُلَاءِ مُحَصَّنِينَ بِالْعِفَّةِ. وَأَمَّا الْبِكْرُ وَالْمُكْرَهُ فَمُحَصَّنَانِ بِالْعِفَّةِ، فَإِذَا كُلُّ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُونَ فِي جُمْلَةِ " الْمُحْصَنَاتِ " بِمَنْعِ الْفُرُوجِ مِنْ الزِّنَى، فَعَلَى قَاذِفِهِمْ الْحَدُّ، وَلَا سِيَّمَا الْقَائِلُونَ: إنَّ الْحُرِّيَّةَ إحْصَانٌ، وَكُلَّ حُرَّةٍ مُحْصَنَةٌ، فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الْحُرَّةَ، وَالْمَجْنُونَةَ، وَالرَّتْقَاءَ، وَسَائِرَ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ مُحَصَّنُونَ، وَإِسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ قَاذِفِهِمْ خَطَأٌ مَحْضٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ. فَمَا عَلِمْنَا لَهُمْ حُجَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: إنَّ مَنْ قَذَفَ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ تَيَقَّنَّا كَذِبَهُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: صَدَقْتُمْ، وَالْآنَ حَقًّا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ، إذْ قَدْ صَحَّ كَذِبُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مَكَانٌ عَظُمَتْ فِيهِ غَفْلَةُ مَنْ أَغْفَلَهُ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ لَا رَابِعَ لَهَا، إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَقَدْ صَحَّ صِدْقُهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ - أَوْ يَكُونَ مُمْكِنًا صِدْقُهُ، وَمُمْكِنًا كَذِبُهُ فَهَذَا عَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا خِلَافٍ لِإِمْكَانِ كَذِبِهِ فَقَطْ وَلَوْ صَحَّ صِدْقُهُ لَمَا حُدَّ - أَوْ يَكُونُ كَاذِبًا قَدْ صَحَّ كَذِبُهُ، فَالْآنَ حَقًّا طَابَتْ النَّفْسُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ، إذْ الْمَشْكُوكُ فِي صِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ

مسألة كافر قذف مسلما أو كافرا

أَحَدِهِمَا ضَرُورَةً، فَلَوْ كَانَ صَادِقًا لَمَا صَحَّ عَلَيْهِ حَدٌّ أَصْلًا - فَصَحَّ يَقِينًا، إذْ قَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الصَّادِقِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْكَذِبِ، إذْ لَيْسَ إلَّا صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَة كَافِرٌ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا] 2234 - مَسْأَلَةٌ: كَافِرٌ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَ كَافِرًا فَإِذَا قَذَفَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا، قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وُجُوبَ الْحُكْمِ عَلَى الْكُفَّارِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] . وَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَ قَتْلِ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا مِنْ الْكُفَّارِ لِنَقْضِهِمْ الْعَهْدَ وَفَسْخِهِمْ الذِّمَّةَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى إصْغَارَهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا عَنْ الصَّغَارِ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ فَقَتْلُهُمْ وَسَبْيُهُمْ، وَأَمْوَالُهُمْ: حَلَالٌ، وَإِذَا سَبُّوا مُسْلِمًا فَقَدْ خَرَجُوا عَنْ الصَّغَارِ، وَأَصْغَرُوا الْمُسْلِمَ، فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَا ذِمَّةَ لَهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا إِسْحَاقُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَأَلْت الشَّعْبِيَّ عَنْ يَهُودِيَّةٍ افْتَرَتْ عَلَى مُسْلِمٍ؟ قَالَ: تُضْرَبُ الْحَدَّ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: شَهِدْت الشَّعْبِيَّ ضَرَبَ نَصْرَانِيًّا قَذَفَ مُسْلِمًا، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَدُّ - فَوَاجِبٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ قَاذِفٍ، وَالْقَتْلُ وَاجِبٌ كَمَا ذَكَرْنَا لِنَقْضِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِمَا، إلَّا أَنْ يُسْلِمَا فَيُتْرَكَا عَنْ الْقَتْلِ لَا عَنْ الْحَدِّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلَّا أَوْقَفْتُمْ الْمَرْأَةَ وَلَمْ تَقْتُلُوهَا، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ؟ وَلِأَنَّهَا إذَا نَقَضَتْ ذِمَّتَهَا بِسَبِّ الْمُسْلِمِ فَقَدْ عَادَتْ حَرْبِيَّةً، وَإِذَا عَادَتْ حَرْبِيَّةً فَلَا ذِمَّةَ لَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ؟

مسألة فيمن قال لامرأة لم يجدك زوجك عذراء

قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ حُكْمَ الْحَرْبِيِّ قَبْلَ التَّذَمُّمِ غَيْرُ حُكْمِهِ بَعْدَ نَقْضِهِمْ الذِّمَّةَ، لِأَنَّ حُكْمَهُمْ قَبْلَ التَّذَمُّمِ الْمُقَاتَلَةُ، فَإِذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ، فَإِمَّا الْمَنُّ وَإِمَّا الْفِدَاءُ، وَإِمَّا الْقَتْلُ، وَإِمَّا الْإِبْقَاءُ عَلَى الذِّمَّةِ - هَذَا فِي الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّسَاءِ حَاشَ الْقَتْلَ، وَأَمَّا بَعْدَ نَقْضِ الذِّمَّةِ فَلَيْسَ إلَّا الْقَتْلُ، أَوْ الْإِسْلَامُ فَقَطْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى قِتَالَهُمْ بَعْدَ نَكْثِ أَيْمَانِهِمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ حَتَّى يَنْتَهُوا - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ الِانْتِهَاءُ هَاهُنَا عَنْ بَعْضِ مَا هُمْ عَلَيْهِ دُونَ جَمِيعِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، إذْ لَا دَلِيلَ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا إذَا انْتَهَوْا عَنْ الْكُفْرِ فَقَدْ حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ، وَلَا نَصَّ مَعَنَا وَلَا إجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ انْتَهَوْا عَنْ بَعْضِ مَا هُمْ عَلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ عَادُوا إلَى حُكْمِ الِاسْتِبْقَاءِ -. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " فِي مَوَاضِعَ مِنْ دِيوَانِنَا وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُهَا إذَا أَتَتْ بَعْدَ الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ يُبِيحُ الدَّمَ مِنْ زِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا قَذَفَ الْكَافِرُ كَافِرًا فَلَيْسَ إلَّا الْحَدُّ فَقَطْ، عَلَى عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى كَافِرٍ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، وَلَا عَلَى كَافِرَةٍ إذَا زَنَى بِهَا مُسْلِمٌ، وَلَا يَرَى الْحَدَّ عَلَى كَافِرٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ - ثُمَّ يَرَى الْحَدَّ عَلَى الْكَافِرِ إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ مُسْلِمَةً، فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِ هَذِهِ الْحُدُودِ عِنْدَهُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْحَدَّ فِي الْقَذْفِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَقُولُوا أَيْضًا: إنَّ حَدَّ الْكَافِرِ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ حَقٌّ لِأَبِي تِلْكَ الْمُسْلِمَةِ، وَلِزَوْجِهَا، وَأُمِّهَا وَلَا فَرْقَ - وَالْعَجَبُ أَيْضًا مِمَّنْ قَطَعَ يَدَ الْكَافِرِ إذَا سَرَقَ مِنْ كَافِرٍ، ثُمَّ لَا يَحُدُّهُ لَهُ إذَا قَذَفَهُ، وَهَذِهِ عَجَائِبُ لَا نَظِيرَ لَهَا؟ خَالَفُوا فِيهَا نُصُوصَ الْقُرْآنِ، وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ الَّذِي إلَيْهِ يَدْعُونَ، وَبِهِ يَحْتَجُّونَ، إذْ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يَقِيسُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَمْ يَجِدْك زَوْجُك عَذْرَاءَ] 2235 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: لَمْ يَجِدْك زَوْجُك عَذْرَاءَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا:

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ قَذْفًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا، فَلَا يُلَاعِنُ بِهَذَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ قَذْفٌ، وَيُحَدُّ، وَيُلَاعِنُ الزَّوْجَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: احْتَجَّ مَنْ رَآهُ قَذْفًا بِمَا نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ: نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نا أُبَيٌّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَذَكَرَ طَلْحَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ فَبَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً فَلَمَّا أَصْبَحَ لَمْ يَجِدْهَا عَذْرَاءَ فَرَفَعَ شَأْنَهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا الْجَارِيَةَ، فَقَالَتْ: بَلْ كُنْت عَذْرَاءَ، فَأَمَرَ بِهِمَا فَتَلَاعَنَا، وَأَعْطَاهَا الْمَهْرَ» قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ رُوِيَ إلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ مِنْ طَلْحَةَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَالثَّانِي - أَنَّ طَلْحَةَ هَذَا لَمْ يَنْسُبْهُ وَهُوَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ، فَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَجْهُولٌ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَهَابُ الْعُذْرَةِ يَكُونُ بِغَيْرِ الزِّنَى، أَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ كَوَقْعَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَهَابُ الْعُذْرَةِ زِنًى لَمْ يَكُنْ الرَّمْيُ بِهِ رَمْيًا، وَلَا قَذْفًا، فَإِذْ لَيْسَ رَمْيًا وَلَا قَذْفًا فَلَا حَدَّ فِيهِ، وَلَا لِعَانَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْحَدَّ وَاللِّعَانَ بِالزِّنَى، لَا بِمَا سِوَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ - وَبِهَذَا نَقُولُ.

مسألة التعريض هل فيه حد أو تحليف

[مَسْأَلَة التَّعْرِيض هَلْ فِيهِ حَدّ أَوْ تَحْلِيف] ٌ، أَمْ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا تَحْلِيفَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّعْرِيضِ أَفِيه حَدٌّ أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ كَامِلًا كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ عُمَرَ كَانَ يَجْلِدُ فِي التَّعْرِيضِ بِالْفَاحِشَةِ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ صَفْوَانَ، وَأَيُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاَلَّذِي حَدَّهُ عُمَرُ فِي التَّعْرِيضِ - هُوَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ - هَجَا وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى فَعَرَّضَ بِهِ فِي هِجَائِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْت مُعَاوِيَةَ بْنَ مُصَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ فِي التَّعْرِيضِ وَقَالَ: إنَّ حِمَى اللَّهِ لَا تُرْعَى حَوَاشِيهُ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ مَالِكٌ: عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ عَمْرٌو: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَتْ عَمْرَةُ، وَيَحْيَى: إنَّ رَجُلَيْنِ اسْتَبَّا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: مَا أَبِي بِزَانٍ، وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، فَاسْتُفْتِيَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ قَائِلٌ: مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كَانَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَدْحٌ سِوَى هَذَا، نَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْحَدَّ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ.

وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ - مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ جَلَدَ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْغِفَارِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ جَلَدَ رَجُلًا الْحَدَّ كَامِلًا فِي أَنْ قَالَ لِآخَرَ: يَا ابْنَ ذَاتِ الدَّايَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ طَرِيفٍ الْعُكْلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ عَرَّضَ عَرَّضْنَا لَهُ بِالسَّوْطِ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: مَنْ عَرَّضَ عَرَّضْنَا لَهُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ هِشَامٍ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ فِي إمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ: إنَّك تُسَرِّي عَلَى جَارَاتِك؟ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا نَخَلَاتٍ كَانَ يَسْرِقُهُنَّ، فَحَدَّهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِإِيجَابِ الْحَدِّ فِي التَّعَرُّضِ يَقُولُ مَالِكٌ - وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ أَيْضًا - وَقَالَ آخَرُونَ لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ: كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرِ بْنِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: نَازَعَ رَجُلٌ رَجُلًا؟ فَقَالَ: أَمَّا أَبِي فَلَيْسَ بِزَانٍ، وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ، فَشَاوَرَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: مَا نَرَى عَلَيْهِ حَدًّا، مَدَحَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ؟ فَضَرَبَهُ عُمَرُ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَا حَدَّ إلَّا فِي اثْنَيْنِ: أَنْ يَقْذِفَ مُحْصَنَةً، أَوْ يَنْفِيَ رَجُلًا مِنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ،

وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ يُحَدُّ إلَّا فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي لَهَا مُصَرَّفٌ، وَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ. وَبِهِ - إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا بَلَغَ الْحَدُّ لَعَلَّ وَعَسَى، فَالْحَدُّ مُعَطَّلٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ رَجُلًا شَاتَمَ رَجُلًا، فَقَالَ: يَا بْنَ شَامَّةَ الْوَذْرِ - يَعْنِي ذُكُورَ الرِّجَالِ - فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَشْهِدْ عَلَيْهِ، أَشْهِدْ عَلَيْهِ؟ فَرَفَعَهُ إلَى عُمَرَ، فَجَعَلَ الرَّجُلَ يَقَعُ فِي عُثْمَانَ فَيَنَالُ مِنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ عُثْمَانَ، فَجَعَلَ لَا يَنْزِعُ، فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: أَعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ عُثْمَانَ، وَسَأَلَ عَنْ أُمِّ الرَّجُلِ؟ فَإِذَا هِيَ قَدْ تَزَوَّجَتْ أَزْوَاجًا فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - بِنْدَارٌ - نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ - نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ نا ابْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ نا سَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبَّقِ قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَعَقَلْت رَاحِلَتِي، فَجَاءَ إنْسَانٌ فَأَطْلَقَهَا فَجِئْت فَلَهَزْت فِي صَدْرِهِ وَقُلْت: يَا نَائِكَ أُمِّهِ، فَذَهَبَ بِي إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَامْرَأَتُهُ قَاعِدَةٌ فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ: لَوْ كُنْت عَرَّضْت، وَلَكِنَّك أَقْحَمْت، قَالَ: فَجَلَدَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ، فَقُلْت: لَعَمْرُك، إنِّي يَوْمَ أُجْلَدُ قَائِمًا ثَمَانِينَ سَوْطًا إنَّنِي لَصَبُورٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: إنَّك تَقُودُ الرِّجَالَ إلَى امْرَأَتِك، قَالَ: التَّعْزِيرُ، وَلَيْسَ يُحَدُّ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: فِي التَّعْرِيضِ عُقُوبَةٌ - وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَوْ قَالَ لَهُ: ادَّعَاك عَشْرَةٌ، لَمْ يُضْرَبْ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ

قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: التَّعْرِيضُ، قَالَ: لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ، قَالَ عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: فِيهِ نَكَالٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لَهُ: يُسْتَحْلَفُ مَا أَرَادَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ قَالَ لِأَخِيهِ ابْنِ أَبِيهِ: لَسْت بِأَخِي، قَالَ: لَا يُحَدُّ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا ابْنَ الْعَبْدِ، أَوْ أَيُّهَا الْعَبْدُ، قَالَ: إنَّمَا عَنَيْتُ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا أَرَادَ إلَّا ذَلِكَ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ جُلِدَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: يَا ابْنَ الْحَائِكِ، يَا ابْنَ الْخَيَّاطِ، يَا ابْنَ الْإِسْكَافِ يُعَيِّرُهُ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ، قَالَ: يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا أَرَادَ نَفْيَهُ، وَمَا أَرَادَ إلَّا عَمَلَ أَبِيهِ، فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ، وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: إنَّك لَدَعِيٌّ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ - وَلَوْ قَالَ لَهُ: ادَّعَاك سِتَّةٌ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ. قَالَ قَتَادَةُ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: إنِّي أَرَاك زَانِيًا، عُزِّرَ، وَلَمْ يُحَدَّ - وَالتَّعْرِيضُ كُلُّهُ يُعَزَّرُ فِيهِ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ نَصَبَ الْحَدَّ نَصْبًا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بِأَنْ لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ، يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ - فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا، نَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَنْ رَأَى الْحَدَّ فِيهِ يَقُولُ: هَذَا فِعْلُ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - نَصًّا، كَمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نَعَمْ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ادْرَءُوا الْحَدَّ عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ: يَا ابْنَ شَامَّةِ الْوَذْرِ. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَسَمُرَةُ، فَإِنَّهُ جَاءَ عَنْهُمَا: مَنْ عَرَّضَ عَرَّضْنَا لَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانُ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْحَدَّ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِفِعْلِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَسَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جُمْلَةً.

فَنَظَرْنَا هَلْ لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] الْآيَةَ. قَالُوا: وَكَانَ الْكُفَّارُ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاعِنَا، يُرِيدُونَ مِنْ " الرُّعُونَةِ " وَهَذَا تَعْرِيضٌ، فَنَهَى عَنْ التَّعْرِيضِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي أَنَّ " التَّعْرِيضَ " لَا يَجُوزُ، فَيَحْتَجُّوا بِهَذَا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ فِي هَلْ فِيهِ حَدٌّ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَوْ صَحَّ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَا إلَّا النَّهْيُ عَنْ التَّعْرِيضِ فَقَطْ وَلَيْسَ فِيهَا إيجَابُ حَدٍّ فِيهِ أَصْلًا، فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِالْآيَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ الَّذِينَ عَرَّضُوا بِهَذَا التَّعْرِيضِ فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهَا فِي إيجَابِ الْحَدِّ وَالثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَهَى عَنْ قَوْلِ " رَاعِنَا " مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ تَعْرِيضٌ أَصْلًا، فَهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ لَفْظَةِ " رَاعِنَا " مِنْ أَجْلِ التَّعْرِيضِ، بَلْ كَمَا شَاءَ تَعَالَى، لَا لِعِلَّةٍ أَصْلًا، وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ سَاقِطٌ لَا يَنْسَنِدُ أَصْلًا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَةِ جُمْلَةً، وَصَحَّ أَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ رَأَى الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ: وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي قَوْلِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 235] إلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] فَفَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ حُكْمِ التَّصْرِيحِ وَبَيْنَ حُكْمِ التَّعْرِيضِ تَفْرِيقًا لَا يَخْتَلُّ عَلَى ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ، وَإِذَا كَانَا شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُجْعَلَ فِي أَحَدِهِمَا مَا جُعِلَ فِي الْآخَرِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالَا

جَمِيعًا: نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَأَنَا أُنْكِرُهُ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَنَّى هُوَ؟ فَقَالَ لَعَلَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ» حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَلَدَتْ امْرَأَتِي غُلَامًا أَسْوَدَ - وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ - فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَك إبِلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: أَفِيهَا أَوْرَقُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِيهَا ذَوْدٌ وُرْقٌ قَالَ: مِمَّ ذَاكَ تَرَى؟ قَالَ: لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَخْبَرَنِي النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا هَارُونُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ تَحْتِي امْرَأَةً جَمِيلَةً لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ؟ قَالَ: طَلِّقْهَا، قَالَ: إنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهَا، قَالَ: فَأَمْسِكْهَا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مُوجِبَةٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي التَّعْرِيضِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ وَعَرَّضَ بِنَفْيِهِ وَكَانَ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ - ذَكَرَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ - فَلَمْ يَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ حَدًّا وَلَا لِعَانًا - وَكَذَلِكَ الَّذِي قَالَ: " إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ " فَلَمْ يَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ حَدًّا وَلَا لِعَانًا - وَقَدْ أَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْحَدَّ وَاللِّعَانَ عَلَى مَنْ صَرَّحَ - وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ» تَعْرِيضٌ

صَحِيحٌ، وَأَنْكَرُ لِلْمُنْكَرِ دُونَ تَصْرِيحٍ، لَكِنْ بِظَنٍّ لَا يُحْكَمُ بِهِ وَلَا يُقْطَعُ بِهِ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الْإِسْلَامِ، تَعْرِيضٌ صَحِيحٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي ابْن أَمَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ: أَوْصَانِي أَخِي عُتْبَةُ إذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ فَأَنْظُرُ ابْنَ أَمَةِ زَمْعَةَ فَهُوَ ابْنِي، وَقَالَ عَبْدٌ: هُوَ ابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي؟ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَشَارَ إشَارَةً لَمْ يَقْطَعْ بِهَا، بَلْ خَالَفَ وَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ مَاءِ عُتْبَةَ، وَلَمْ يَرَ حَدًّا عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، إذْ نَسَبَ وَلَدَ زَمْعَةَ إلَى أَخِيهِ. فَهَذِهِ آثَارٌ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جَمَاعَةٌ عَائِشَةُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَصَارَتْ فِي حَدِّ التَّوَاتُرِ مُوجِبَةً لِلْعِلْمِ، مُبْطِلَةً قَوْلَ مَنْ رَأَى: أَنَّ فِي التَّعْرِيضِ حَدًّا، بَلْ صَحَّ بِهَا: أَنَّ مَنْ عَرَّضَ لِغَيْرِ سَبَبٍ لَكِنْ لِشَكْوًى عَلَى حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، أَوْ تَوَرُّعًا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ وَلِيدَةَ - زَمْعَةَ - أَوْ إنْكَارًا لِلْمُنْكَرِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لَا إثْمَ وَلَا كَرَاهِيَةَ وَلَا إنْكَارَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ، وَقِيلَ بِحَضْرَتِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَأَمَّا طَرِيقُ الْإِجْمَاعِ - فَإِنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا لَا تَخْتَلِفُ، وَالْمَالِكِيُّونَ فِي جُمْلَتِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ السُّوءَ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، كَانْفِرَادِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، وَدُخُولِ الرَّجُلِ مَنْزِلَ الْمَرْأَةِ تَسَتُّرًا، فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَرَفْعُهُ إلَى الْإِمَامِ، وَهَذَا بِيَقِينٍ تَعْرِيضٌ، وَإِلَّا فَأَيُّ شَيْءٍ يُنْكِرُونَ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِالْقَذْفِ وَلَا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَذَلِكَ إقَامَتُهُمْ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْحُبْلَى وَمَا ثَبَتَ قَطُّ عَلَيْهَا زِنًا، فَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يُسْقِطُونَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وَهَذَانِ مَكَانَانِ أَقَامُوا الْحَدَّ بِالشُّبُهَاتِ فِيهِمَا، وَهُمَا: حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى مَنْ عَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّحْ - وَحَدُّ الزِّنَا عَلَى مَنْ حَمَلَتْ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟

مسألة قذف إنسانا قد ثبت عليه الزنا وحد فيه أو لم يحد

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَصَحَّ أَنْ لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ أَصْلًا؟ فَإِنْ قَالَ الْمُعَرَّضُ بِهِ: أُحَلِّفُهُ مَا أَرَادَ قَذْفِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَحْلِفُ هَاهُنَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْهُ، وَإِنَّمَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهُ فَقَطْ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَضْمَرَ قَذْفَهُ وَلَمْ يَقْذِفْهُ، فَإِنَّهُ لَا تَحْلِيفَ فِي ذَلِكَ، لِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَضْمَرَ قَذْفًا وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، حَتَّى أَقَرَّ بِذَلِكَ امْرُؤٌ عَلَى نَفْسِهِ - وَهَذَا الْمُعَرِّضُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالْقَذْفِ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا. وَأَمَّا مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلَا تَحْلِيفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِهِ لَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّمَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا آذَيْتُك، وَلَا شَتَمْتُك وَيَبْرَأُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَذَفَ إنْسَانًا قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا وَحُدَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يُحَدَّ] 2237 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا وَحُدَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يُحَدَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إذَا جُلِدَ الرَّجُلُ فِي حَدٍّ ثُمَّ أُونِسَ مِنْهُ تَرْكُهُ فَعَيَّرَهُ بِهِ إنْسَانٌ نُكِّلَ بِهِ. وَبِهِ - إلَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: عَلَى مَنْ أَشَاعَ الْفَاحِشَةَ نِكْلٌ، وَإِنْ صَدَقَ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ حَدًّا فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَعَيَّرَهُ بِهِ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ نَكَلَ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ وَلَدُ زِنًا؟ فَطَأْطَأَ الْآخَرُ رَأْسَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ هَذَا؟ فَسَكَتَ، وَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِالْقَائِلِ ذَلِكَ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُجَأْ قَفَاهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الدَّارِ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَرَى عَلَى مَنْ قَذَفَ رَجُلًا جَلْدَ الْحَدِّ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْقَاذِفُ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت حِينَ قُلْت لَهُ مَا قُلْت إلَّا الْأَمْرَ الَّذِي جُلِدَ فِيهِ الْحَدَّ.

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ - وَكَانَتْ جَدَّتُهُ قَدْ زَنَتْ - أَنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا جَدَّتَهُ الَّتِي أَحْدَثَتْ ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُجْلَدُ الْحَدَّ فَيَقُولُ لَهُ رَجُلٌ: يَا زَانِي، قَالَ: يُسْتَجَبْ بِالدُّرَّةِ وَيُعَزَّرُ - وَمِنَّا مَنْ يَقُولُ: إذَا أُقِيمَ الْحَدُّ جُلِدَ مَنْ قَذَفَ - وَمِمَّنْ قَالَ بِجَلْدِهِ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي تَزْنِي أَمَتُهُ «فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ» فَصَحَّ أَنَّ التَّثْرِيبَ عَلَى الزَّانِي حَرَامٌ، وَأَنَّ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ حَرَامٌ، وَلَا يَحِلُّ - بِلَا خِلَافٍ - أَذَى الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُؤْذَى بِهِ. فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا بِزِنًا كَانَ مِنْهُ، أَوْ بِسَرِقَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، أَوْ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْأَذَى - لَا عَلَى سَبِيلِ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ الْجَمِيلِ سِرًّا: لَزِمَهُ الْأَدَبُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» فَهَذَا الْحَدِيثُ بَيَانُ مَا قَدَّمْنَا نَصًّا؛ لِأَنَّ فِيهِ أَبَاحَ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرَاتِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، فَمَنْ بَكَّتَ آخَرَ بِمَا فَعَلَ عَلَى سَبِيلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَمَنْ ذَكَّرَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ أَتَى مُنْكَرًا - فَفَرْضٌ عَلَى النَّاسِ تَغْيِيرُهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ أَنَّ عِرْضَ كُلِّ أَحَدٍ حَرَامٌ إلَّا حَيْثُ أَبَاحَهُ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ، وَسَوَاءٌ عِرْضُ الْعَاصِي وَغَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَذَفَ إنْسَانٌ إنْسَانًا قَدْ زَنَى بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَبَيَّنَ

مسألة فيمن انتفى من أبيه

ذَلِكَ، وَصَرَّحَ، فَعَلَى الْقَاذِفِ الْحَدُّ - سَوَاءٌ حُدَّ الْمَقْذُوفُ فِي الزِّنَى الَّذِي صَحَّ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُحَدَّ -؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ عَنْ كُلِّ زِنًا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، وَقَدْ قُلْنَا إنَّ " الْإِحْصَانَ " هُوَ الْمَنْعُ فَمَنْ مَنَعَ بِشَيْءٍ أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ فَهُوَ مُحْصَنٌ عَنْهُ، فَإِذْ هُوَ مُحْصَنٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ] 2238 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُتِيَ بِرَجُلٍ انْتَفَى عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اضْرِبْ الرَّأْسَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِإِيجَابِ الْحَدِّ فِي النَّفْيِ عَنْ الْأَبِ، أَوْ عَنْ النَّسَبِ: أَنْ يُقِيمَ حَدَّ الْقَذْفِ كَامِلًا عَلَى مَنْ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ، أَوْ عَلَى مَنْ نَفَى وَلَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا - وَأَمَّا نَحْنُ، فَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ هَاهُنَا التَّعْزِيرُ فَقَطْ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ وَنَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ غَيْره] 2239 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ - وَنَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ، أَوْ خَالِهِ، أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ قَوْمٌ: فِي كُلِّ هَذَا الْحَدُّ - وَهُوَ خَطَأٌ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، فَهُوَ فِعْلٌ حَسَنٌ وَقَوْلٌ حَسَنٌ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مُشَاتَمَةً، أَوْ أَذًى، أَوْ تَعْرِيضًا، فَفِيهِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، بُرْهَانُ مَا ذَكَرْنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ قَالُوا {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] فَجَعَلُوا عَمَّهُ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبًا لَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَلَا يَعْقُوبُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ تَعَالَى {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ خَلَائِقَ لَيْسَ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي وِلَادَتِهِمْ نَسَبٌ. وَأَمَّا زَوْجُ الْأُمِّ - فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيَّ قَالَ: نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا

مسألة فيمن قال لآخر يا لوطي أو يا مخنث

مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ نا أَبُو أُسَامَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ صَنَعَ طَعَامًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْحَابِهِ - فَقَالَ دَعَانَا أَبُوكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُومُوا» قَالَ أَنَسٌ: فَأَتَيْت أَبَا طَلْحَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كَانَتْ أُمُّ عُمَيْرٍ بِنْتُ سَعْدٍ عِنْدَ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدٍ فَقَالَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: إنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ أَشَرُّ مِنْ الْحَمِيرِ، فَسَمِعَهَا عُمَيْرٌ فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَخْشَى إنْ لَمْ أَرْفَعْهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ فِيهِ، وَأَنْ أَخْلِطَ بِخِطْبَتِهِ، وَلَنِعْمَ الْأَبُ هُوَ لِي، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْجُلَاسَ فَعَرَّفَهُ فَتَحَالَفَا فَجَاءَ الْوَحْيُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَتُوا فَلَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدٌ - كَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ لَا يَتَحَرَّكُونَ إذَا نَزَلَ الْوَحْيُ - فَرُفِعَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 74] إلَى قَوْلِهِ {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} [التوبة: 74] فَقَالَ الْجُلَاسُ: اسْتَتِبْ لِي رَبِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ إلَى اللَّهِ، وَأَشْهَدُ لَهُ بِصِدْقٍ، قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَ عُمَيْرٌ مِنْهَا بِعَلْيَاءَ حَتَّى مَاتَ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " عَنْ الرَّبِيبِ أَبٌ، وَيَنْسُبُ إلَى الرَّجُلِ ابْنَ امْرَأَتِهِ " فَيَقُولُ لَهُ: أَبُوك - وَهَذَا أَنَسٌ، وَعُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالدِّيَانَةِ يَقُولَانِ بِذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَأَصْحَابِنَا - وَبِهِ نَأْخُذُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا لُوطِيٌّ أَوْ يَا مُخَنَّثٌ] 2240 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: يَا لُوطِيٌّ، أَوْ يَا مُخَنَّثٌ قَالَ عَلِيٌّ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا أَبُو هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ: يَا لُوطِيٌّ؟ قَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا. وَبِهِ - إلَى أَبِي هِلَالٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا لُوطِيٌّ؟ قَالَ عِكْرِمَةُ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ.

وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا جَمِيعًا فِي رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا لُوطِيٌّ؟ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ: كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا لُوطِيٌّ؟ قَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ: إنَّك لَتَصْنَعُ بِفُلَانٍ، وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِآخَرَ: يَا لُوطِيٌّ؟ قَالَ: نِيَّتُهُ يُسْأَلُ عَمَّا أَرَادَ بِذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ الْحَدُّ - كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سَعِيدُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: يَا لُوطِيٌّ؟ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: يَا لُوطِيٌّ، يَا مُحَمَّدِيٌّ - فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَضَرَبَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ سَوْطًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَأَكْمَلَ لَهُ الْحَدَّ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا أَبُو هِلَالٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا لُوطِيٌّ؟ قَالَ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ؟ قَالَ: يُجْلَدُ مَنْ فَعَلَهُ وَمَنْ رَمَى بِهِ وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا لُوطِيٌّ؟ قَالَ: يُجْلَدُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: يُجْلَدُ، لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْحَدَّ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَا جَلْدَ تَعْزِيرٍ. وَبِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ رَمَى بِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَهُوَ الْخَارِجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ - يَعْنِي مَنْ رَمَى آخَرَ: بِأَنَّهُ يَنْكِحُ الرِّجَالَ، أَوْ بِأَنَّهُ يَنْكِحُهُ الرِّجَالُ - إنَّمَا هِيَ مُعَلَّقَةٌ بِالْوَاجِبِ فِي

مسألة فيمن رمى إنسانا ببهيمة

قَوْمِ لُوطٍ، فَإِنْ كَانَ زَنَى فَالْوَاجِبُ فِي الرَّمْيِ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ بِالزِّنَى، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ زَنَى فَلَا يَجِبُ فِي الرَّمْيِ بِهِ حَدُّ الْقَذْفِ بِالزِّنَا - وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لَهُ إثْرَ كَلَامِنَا فِي حَدِّ السَّرِقَةِ، وَحَدِّ الْخَمْرِ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ - وَهُوَ لَيْسَ عِنْدَنَا زِنًا فَلَا حَدَّ فِي الرَّمْيِ بِهِ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَهُوَ عِنْدَهُمَا زِنًا أَوْ مَقِيسٌ عَلَى الزِّنَا فَالْحَدُّ عِنْدَهُمَا فِي الْقَذْفِ بِهِ. وَأَمَّا مَالِكٌ، وَالْأَشْهَرُ مِنْ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ عِنْدَهُمْ خَارِجٌ مِنْ حُكْمِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُمَا يَرَيَانِ فِيهِ الرَّجْمَ - أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ - فَإِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ زِنًا، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ الْمُحَارَبَةُ أَوْ الرِّدَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِيهِ إحْصَانٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ - عَلَى قَوْلِهِمَا - أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حَدُّ الزِّنَا - وَهُوَ مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ أَفْحَشَ تَنَاقُضٍ، فَلَمْ يَتَّبِعُوا فِيهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الرَّمْيَ بِذَلِكَ حُرِّمَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِثْمٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ، وَإِثْمٍ: تَجِبُ فِيهِ الْحُدُودُ، فَالْغَصْبُ حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهِ، وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهِ، وَالرَّمْيُ بِالْكُفْرِ حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِآخَرَ: يَا مُخَنَّثٌ فَإِنَّ الْقَاضِي حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ قَالَ: نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا يَهُودِيُّ، فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ، وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا مُخَنَّثُ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى - وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَوْجَبْنَاهُ حَدًّا، وَلَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَلَا يَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ، وَلَا حَدَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرُوا - وَإِنَّمَا هُوَ التَّعْزِيرُ فَقَطْ لِلْأَذَى؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَتَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة فِيمَنْ رَمَى إنْسَانًا بِبَهِيمَةٍ] 2241 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ رَمَى إنْسَانًا بِبَهِيمَةٍ؟

مسألة فيمن فضل على أبي بكر الصديق أو افترى على القرآن

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَمَى إنْسَانًا بِبَهِيمَةٍ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ نا ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَنْ رُمِيَ بِذَلِكَ - يَعْنِي بِبَهِيمَةٍ - جُلِدَ ثَمَانِينَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِبَهِيمَةٍ جُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ: سَأَلْت الشَّعْبِيَّ عَنْ رَجُلٍ قُذِفَ بِبَهِيمَةٍ أَوْ وُجِدَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ يُقْذَفُ بِبَهِيمَةٍ؟ قَالَ: قَدْ قُذِفَ بِقَوْلٍ كَبِيرٍ، وَالْقَائِلُ أَهْلٌ لِلنَّكَالِ الشَّدِيدِ، وَرَأْيِ السُّلْطَانِ فِيهِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، وَأَصْحَابُنَا الظَّاهِرِيُّونَ، فَلَا يَرَوْنَ فِي ذَلِكَ حَدًّا أَصْلًا - وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ فِي ذَلِكَ، إذْ يَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ قُذِفَ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَا يَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَى مِنْ قُذِفَ بِبَهِيمَةٍ - وَكُلُّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَكُلُّ ذَلِكَ لَا نَصَّ فِي إيجَابِ الْحَدِّ فِي الرَّمْيِ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُمْ لَا يَجِدُونَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إيجَابُ حَدٍّ عَلَى مَنْ رَمَى إنْسَانًا بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَنَحْنُ نُوجِدُهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إيجَابَ حَدٍّ حَيْثُ لَا يُوجِبُونَهُ، كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ [مَسْأَلَة فِيمَنْ فَضَّلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ افْتَرَى عَلَى الْقُرْآنِ] 2242 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ فَضَّلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَوْ افْتَرَى عَلَى الْقُرْآنِ؟ كَمَا نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو قِلَابَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - بِنْدَارٌ - نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ - نا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى:

أَنَّ الْجَارُودَ بْنَ الْعَلَاءِ الْعَبْدِيَّ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ حَاجِبِ بْنِ عُطَارِدَ: عُمَرُ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ: فَبَلَغَ عُمَرَ، فَضَرَبَ بِالدِّرَّةِ الْحَاجِبِيَّ حَتَّى شَغَرَ بِرِجْلِهِ؟ وَقَالَ: قُلْتَ: عُمَرُ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، إنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ فِي كَذَا وَكَذَا - مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَكَذَا فِي كِتَابِ الْعُذْرِيِّ: مِنْ وَلَدِ حَاجِبِ بْنِ عُطَارِدَ - وَهُوَ خَطَأٌ - وَالصَّوَابُ: مِنْ وَلَدِ عُطَارِدَ بْنِ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا أَخْبَرَ عُمَرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخْيَرُ النَّاسِ فِي كَذَا وَكَذَا - أَشْيَاءُ ذَكَرَهَا - لَا عَلَى الْعُمُومِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ خَيْرًا فِي شَيْءٍ مَا مِنْ آخَرَ خَيْرٌ مِنْهُ فِي أَشْيَاءَ، فَقَدْ عُذِّبَ بِلَالٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَمْ يُعَذَّبْ أَبُو بَكْرٍ، وَجَالَدَ عَلَى مَا لَمْ يُجَالِدْ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْهُ عَلَى الْعُمُومِ - وَفِي أَشْيَاءَ غَيْرِ هَذَا كَثِيرَةٍ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ - إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نا الْهَيْثَمُ، وَالْحَكَمِ، قَالَا جَمِيعًا: نا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْت عَلْقَمَةَ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يُفَضِّلُونَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ؟ مَنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَهُوَ مُفْتَرٍ، عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي. وَبِهِ - إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا أَبُو قِلَابَةَ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حَجَلٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا أُوتَى بِرَجُلٍ فَضَّلَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، إلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: اسْتَشَارَهُمْ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: مَنْ افْتَرَى عَلَى الْقُرْآنِ أَرَى أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ جُحَادَةَ بْنِ دِثَارٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبُوا الْخَمْرَ بِالشَّامِ وَأَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ

مسألة عفو المقذوف عن القاذف

كَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى عُمَرَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] فَشَاوَرَ فِيهِمْ النَّاسَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى أَنَّهُمْ قَدْ شَرَعُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ، فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَلَالٌ فَاقْتُلْهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَرَامٌ فَاجْلِدْهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ، فَقَدْ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَدِّ مَا يَفْتَرِي بِهِ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُمْ يُعَظِّمُونَ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ - قَوْلَ الصَّاحِبِ وَحُكْمِهِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ، وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا يَرَوْنَ عَلَى مَنْ فَضَّلَ عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حَدَّ الْفِرْيَةِ، وَلَا عَلَى مَنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا حَدَّ الْفِرْيَةِ، وَلَا يَرَوْنَ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْقُرْآنِ، حَدَّ الْفِرْيَةِ، لَكِنْ يَرَوْنَ الْقَتْلَ إنْ بَدَّلَ الدِّينَ، أَوْ لَا شَيْءَ إنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا. هَذَا، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِي إثْبَاتِ ثَمَانِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، نَعَمْ، وَفِي إثْبَاتِ الْقِيَاسِ؟ وَقَدْ خَالَفُوهُمَا فِي إيجَابِ حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا. فَلَئِنْ كَانَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، حُجَّةً فِي إيجَابِ حَدِّ الْخَمْرِ، وَفِي الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ فِي إيجَابِ حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذِبًا وَعَلَى الْقُرْآنِ. وَلَئِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي إيجَابِ حَدِّ الْفِرْيَةِ عَلَى مَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْقُرْآنِ، فَمَا قَوْلُهُمَا حُجَّةً فِي إيجَابِ الْقِيَاسِ، وَلَا فِي إيجَابِ ثَمَانِينَ فِي الْخَمْرِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا يُلِيحُ لِمَنْ أَنْصَفَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ فِرْيَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا حَدَّ إلَّا فِي الْفِرْيَةِ بِالزِّنَا، لِصِحَّةِ النَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة عَفْوُ الْمَقْذُوفِ عَنْ الْقَاذِفِ]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِلْإِمَامِ: افْتَرَى عَلَيَّ فُلَانٌ، أَوْ رَمَى أُمِّيَ؟ فَيَقُولُ الْإِمَامُ: أَفَعَلْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، قَدْ فَعَلْتُ، فَيَقُولُ الْآخَرُ: قَدْ أَعْفَيْتُهُ؟ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتَرَى عَلَيْهِ: أَنْتَ أَبْصَرُ - وَلَا يَكْشِفُهُ لَعَلَّهُ يَكْشِفُ غِطَاءً لَا يَحِلُّ كَشْفُهُ، فَإِنْ عَادَ يَلْتَمِسُ ذَلِكَ الْحَدَّ كَانَ ذَلِكَ لَهُ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ ني مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ زُرَيْقَ بْنَ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ. قَالَ: افْتَرَى رَجُلٌ - يُقَالُ لَهُ مِصْبَاحٌ - عَلَى ابْنِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا زَانِي، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَيَّ فَأَمَرْت بِجَلْدِهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَئِنْ جَلَدْتُهُ لَأُقِرَّنَّ عَلَى نَفْسِي بِالزِّنَا؟ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لِي أَشْكَلَ عَلَيَّ؟ فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَذْكُرُ ذَلِكَ لَهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ إلَيَّ: أَنْ أَجِزْ عَفْوَهُ فِي نَفْسِهِ؟ قَالَ زُرَيْقٌ: فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الرَّجُلِ يَفْتَرِي عَلَيْهِ أَبَوَاهُ، أَيَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْهُمَا؟ فَكَتَبَ عُمَرُ إلَيَّ: خُذْ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَنِي زُرَيْقُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَيْهِ فِي رَجُلٍ قَذَفَ ابْنَهُ: أَنْ اجْلِدْهُ، إلَّا أَنْ يَعْفُوَ ابْنُهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ زُرَيْقٍ: فَظَنَنْت أَنَّهَا لِلْأَبِ خَاصَّةً، فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ أُرَاجِعُهُ: لِلنَّاسِ عَامَّةً أَمْ لِلْأَبِ خَاصَّةً؟ فَكَتَبَ إلَيَّ: بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا عَفْوَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ، كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا عَفْوَ فِي الْحُدُودِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ تَبْلُغَ الْإِمَامَ، فَإِنَّ إقَامَتَهَا مِنْ السُّنَّةِ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: إذَا بَلَغَتْ الْحُدُودُ السُّلْطَانَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ - يَعْنِي الْفِرْيَةَ - وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَعَنْ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ الْعَفْوَ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَمْرِ إلَى الْإِمَامِ، وَبَعْدَ بُلُوغِهِ إلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَذَفَ آخَرَ فَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ فَأَرَادَ الْمَقْذُوفُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقَاذِفِ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ مَا رُمِيَ بِهِ، فَيَجُوزُ عَفْوُهُ حِينَئِذٍ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَرَادَ الْمَقْذُوفُ أَنْ يُؤَخِّرَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ لَهُ أَوْ لِأَبَوَيْهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَيَأْخُذُهُ بِهِ مَتَى أَحَبَّ، قَالَ: فَإِنْ عَفَا عَنْهُ ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ بِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا هَذَا الِاخْتِلَافَ مَرْجِعَهُ إلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْحَدِّ فِي الزِّنَا، وَالْحَدِّ فِي الْخَمْرِ، وَالْحَدِّ فِي السَّرِقَةِ، وَالْحَدِّ فِي الْمُحَارَبَةِ - وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، كَالْقِصَاصِ فِي الْأَعْضَاءِ، وَالْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ. فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ الْحُدُودِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَفْوٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ سَرَقَ مَالَ إنْسَانٍ، أَوْ زَنَى بِأَمَتِهِ وَافْتَرَى عَلَيْهِ، أَوْ بِامْرَأَةٍ أَكْرَهَهَا، وَسَرَقَ مَالًا مِنْ مَالِهَا، وَافْتَرَى عَلَيْهَا، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الزِّنَا بِأَمَتِهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّ الزِّنَا بِذَلِكَ، وَلَا لَهُمَا أَنْ يَعْفُوَا عَمَّنْ سَرَقَ مَالَهُمَا، أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِمَا الطَّرِيقَ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ حَدُّ السَّرِقَةِ بِذَلِكَ، وَحَدُّ الْمُحَارَبَةِ. وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ الْقَذْفِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا: مُتَحَكِّمٌ فِي الدِّينِ بِلَا دَلِيلٍ. وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ: فَعَفْوُ النَّاسِ عَنْ حُقُوقِهِمْ جَائِزٌ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ التَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَدُّ الْقَذْفِ عِنْدَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى - فَلَا يَجُوزُ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ - أَرَادَ سَتْرًا أَوْ لَمْ يُرِدْ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لَهُ إسْقَاطَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَإِنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَالْعَفْوُ جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي حَقِّهِ - أَرَادَ سَتْرًا أَوْ لَمْ يُرِدْ - وَيُقَالُ لِمَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ الظَّاهِرَ الْخَطَأَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ عَفَا عَنْ الزَّانِي بِأَمَتِهِ - وَهُوَ يُرِيدُ تَسَتُّرًا عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ أَنْ يُقِيمَ الْوَاطِئُ لَهَا بَيِّنَةً بِأَنَّهَا لَهُ غَصَبَهَا مِنْهُ الَّذِي هِيَ بِيَدِهِ الْآنَ؟ وَبَيْنَ مَنْ عَفَا عَنْ سَارِقِ مَتَاعِهِ وَهُوَ يُرِيدُ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ أَنْ يُقِيمَ الَّذِي سَرَقَهُ مِنْهُ بَيِّنَةَ عَدْلٍ أَنَّ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ سَرَقَهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِ هَذَا الَّذِي سَرَقَهُ آخَرُ، فَهَلْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَرْقٌ هَذَا مَا لَا يُعْرَفُ أَصْلًا، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً، لِتَنَاقُضِهِ، وَلِتَعَرِّيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: فَوَجَدْنَاهُ قَدْ تَنَاقَضَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يُجِزْ الْعَفْوَ عَنْهُ أَصْلًا، فَأَصَابَ فِي ذَلِكَ - ثُمَّ تَنَاقَضَ مُنَاقَضَةً ظَاهِرَةً فَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ إلَّا أَنْ يُطَالِبَهُ الْمَقْذُوفُ، فَجَعَلَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ حُقُوقِ الْمَقْذُوفِ، وَأَسْقَطَهُ بِأَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ - وَهَذَا تَخْلِيطٌ ظَاهِرٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ - وَقَدْ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَمَرَ بِالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلَيْنِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَمْ يُشَاوِرْ عَائِشَةَ أُمَّنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْ تَعْفُوَ أَمْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ حَقٌّ لَمَا عَطَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَرْحَمُ النَّاسِ، وَأَكْثَرُهُمْ حَضًّا عَلَى الْعَفْوِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَفْوُ - فَصَحَّ أَنَّ الْحَدَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا مَدْخَلَ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ أَصْلًا وَلَا عَفْوَ لَهُ عَنْهُ. وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَسْمِيَةِ الْجَلْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْقَذْفِ حَدًّا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ بِأَنَّ لِإِنْسَانٍ حُكْمًا فِي إسْقَاطِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى - فَصَحَّ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْعَفْوِ فِيهِ. وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ لَكَانَ الْعَفْوُ الْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ لَا

مسألة فيمن قال لامرأته يا زانية فقالت زنيت معك

يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إلَّا مِنْ الْمَقْذُوفِ فِيمَا قُذِفَ بِهِ، لَا فِيمَا قُذِفَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَفْوُ أَحَدٍ عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ - وَهُمْ يُجِيزُونَ عَفْوَ الْمَرْءِ عَنْ قَاذِفِ أَبِيهِ الْمَيِّتِ، وَأُمِّهِ الْمَيِّتَةِ - وَهَذَا فَاسِدٌ، وَتَنَاقُضٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَالْقَوْمُ أَهْلُ قِيَاسٍ. قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا عَفْوَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ مِنْ قَطْعِ يَدِ سَارِقِهِ، وَلَا لِلْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَاطِعِ عَلَيْهِ لِلْمُحَارِبِ لَهُ، وَلَا لِلْمَزْنِيِّ بِامْرَأَتِهِ، وَأَمَتِهِ، عَنْ الزَّانِي بِهِمَا فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْقَذْفِ وَحَدِّ السَّرِقَةِ، وَلَا لِلْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَاطِعِ. وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ عُمَرَ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ، وَنَافِعًا، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، إذْ رَآهُمْ قَذَفَةً - وَلَمْ يُشَاوِرْ فِي ذَلِكَ الْمُغِيرَةَ - وَلَا رَأَى لَهُ حَقًّا فِي عَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ رَأَى الْعَفْوَ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةٌ فَقَالَتْ زَنَيْتُ مَعَك] 2244 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةٌ؟ فَقَالَتْ: زَنَيْتُ مَعَك، أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِرَجُلٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِيمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: يَا زَانِيَةٌ، فَقَالَتْ: زَنَيْتُ بِك، قَالَ: تُجْلَدُ تِسْعِينَ. وَبِهِ - إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي حُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ فِي امْرَأَةٍ حُرَّةٍ قَالَتْ لِآخَرَ: زَنَيْت بِك، قَالَ: تُجْلَدُ حَدَّيْنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ، أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ: زَنَيْت بِك، فَهَذَا اعْتِرَافٌ مُجَرَّدٌ بِالزِّنَا وَلَيْسَ قَذْفًا؛ لِأَنَّهُ مَنْ قَالَ هَذَا اللَّفْظَ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ الْمَقُولِ لَهُ بِزِنًا أَصْلًا، وَقَدْ يَزْنِي الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَهِيَ سَكْرَى، أَوْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ مَغْلُوبَةٌ، أَوْ وَهِيَ جَاهِلَةٌ وَهُوَ عَالِمٌ، وَتَزْنِي الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ كَذَلِكَ. وَكَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً فَإِذَا بِهَا حُرَّةٌ، فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ زَانِيًا - فَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ إنْ قَالَهُ مُعْتَرِفًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا فَقَطْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَهُ لَهَا شَاتِمًا فَلَيْسَ قَاذِفًا وَلَا مُعْتَرِفًا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ - لَا لِلزِّنَى وَلَا لِلْقَذْفِ - وَلَكِنْ يُعَزَّرُ لِلْأَذَى فَقَطْ.

مسألة فيمن ادعت أن فلانا استكرهها على الزنا بها

فَلَوْ قَالَ لَهَا: زَنَيْنَا مَعًا، أَوْ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَهَذَا إنْ كَانَ قَالَهُ شَاتِمًا فَهُوَ قَذْفٌ صَحِيحٌ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ فَقَطْ، وَإِنْ قَالَهُ مُعْتَرِفًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا فَقَطْ. وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ قَالَتْ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، قَالَا جَمِيعًا فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إنِّي أَرَاك زَانِيًا، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي - وَهُمَا عَفِيفَانِ - فَإِنَّهُمَا يُجْلَدَانِ الْحَدَّ مَعًا - زَادَ رَبِيعَةُ: لَا يَكُونُ رَجُلٌ أَزْنَى مِنْ رَجُلٍ حَتَّى يَكُونَ زَانِيًا - وَقَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبَانِ الْحَدَّ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ " لَا يَكُونُ رَجُلٌ أَزْنَى مِنْ رَجُلٍ حَتَّى يَكُونَ زَانِيًا " فَخَطَأٌ، وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] وَلَا خَيْرَ أَصْلًا فِيمَا يُشْرِكُونَ. وَقَالَ تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] وَلَيْسَ فِي الْقَرَارِ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَصْلًا، وَلَا فِيهَا مِنْ حُسْنِ الْمَقِيلِ لَا كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» وَلَيْسَ فِي شَرْطٍ لِغَيْرِ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْ الثِّقَةِ، وَلَا فِي غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدِّينِ شَيْءٌ مِنْ الْحَقِّ. وَأَمَّا السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ - فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَدْلُ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَظَرْنَا فِي هَذَا: فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، لَيْسَ فِيهِ اعْتِرَافٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، وَإِنَّمَا هُوَ قَذْفٌ صَحِيحٌ، فَوَاجِبٌ جَلْدُهُ حَدَّ الْقَذْفِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا اسْتَكْرَهَهَا عَلَى الزِّنَا بِهَا] 2245 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا اسْتَكْرَهَهَا قَالَ عَلِيٌّ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ

عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ قَالَا جَمِيعًا: فِي امْرَأَةٍ قَذَفَتْ رَجُلًا بِنَفْسِهَا أَنَّهُ غَلَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَالرَّجُلُ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا بَيِّنَةٌ: فَإِنَّهَا تُضْرَبُ حَدَّ الْفِرْيَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا قَتَادَةُ أَنَّ رَجُلًا اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً فَصَاحَتْ؟ فَجَاءَ مُؤَذِّنٌ فَشَهِدَ لَهَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ سَمِعَ صِيَاحَهَا، فَلَمْ يَجْلِدْهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنَّ فُلَانًا اسْتَكْرَهَنِي عَلَى نَفْسِي؟ فَقَالَ: هَلْ سَمِعَكِ أَحَدٌ أَوْ رَآك؟ قَالَتْ: لَا، فَجَلَدَهَا بِالرَّجُلِ - وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ، أَوْ إِسْحَاقُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْمَرْأَةِ تَقُولُ: إنَّ فُلَانًا أَكْرَهَنِي عَلَى نَفْسِي؟ قَالَ: إنْ كَانَ لَيْسَ مِمَّا يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ؛ جُلِدَتْ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَاهُنَا يَرَوْنَ عَلَيْهِ السِّجْنَ الطَّوِيلَ، وَالْأَدَبَ، وَغُرْمَ مَهْرِ مِثْلِهَا - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ تَدُورُ عَلَى وُجُوهٍ: إمَّا جَلْدُهَا حَدَّ الْقَذْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ. وَإِمَّا إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْهَا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ صِيَاحَهَا فَقَطْ - وَهُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَإِلَّا فَتُجْلَدُ. وَإِمَّا أَنْ يَدْرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ بِأَنْ يُرَى مَعَهَا خَالِيًا، وَيُؤَثِّرَ فِيهِ أَثَرًا، أَوْ يَسْمَعَ صِيَاحَهَا - وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ - وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَزَادَ: أَنْ يُعَاقِبَ الرَّجُلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ - إنْ كَانَ ذَلِكَ - أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ إنْ ظَهَرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَإِلَّا فَالْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدُّ الْقَذْفِ. وَإِمَّا أَنْ يَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَافِيَةِ جُلِدَ حَدَّ الْقَذْفِ - وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَيُسْجَنُ هُوَ وَيُطَالُ سِجْنُهُ، وَيَغْرَمُ مَهْرَ مِثْلِهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِي الِادِّعَاءِ بَيْنَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْخَيْرِ، وَالْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ، وَلَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ رَجُلًا يَدَّعِي دَيْنًا عَلَى آخَرَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرٌ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ - وَلَوْ أَنَّهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلِيٌّ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَلَا أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ، وَالدَّعْوَى بِجَحْدِ الْمَالِ، وَالظُّلْمِ، وَالْغَصْبِ كَالدَّعْوَى بِالْغَلَبَةِ فِي الزِّنَا، وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَمَعْصِيَةٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أُعْطِيَ قَوْمٌ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِصَاحِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اخْتَصَمَا «بَيِّنَتُك أَوْ يَمِينُهُ» وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَمَالِكٌ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْلِمًا بَرًّا فَاضِلًا عَدْلًا - وَلَوْ أَنَّهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: ادَّعَى مَالًا عَلَى يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ، أَوْ النَّصْرَانِيَّ: يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ لَأُحْلِفَ لَهُ، فَكَيْفَ يَقْضِي لَهَا بِدَعْوَاهَا، فَيُغَرِّمَهُ مَهْرَهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فَاسِقٌ، وَلَا فَاسِقَ أَفْسَقُ مِنْ كَافِرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَافِرُونَ هُمْ الْفَاسِقُونَ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ الْخَطَأِ؟ وَثَالِثٌ - وَهُوَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالسِّجْنِ وَالْعُقُوبَةِ دُونَ بَيِّنَةٍ - وَهَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَرَابِعٌ - هُوَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يُصَدِّقُهَا أَوْ يُكَذِّبُهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ - فَإِنْ كَانَ يُصَدِّقُهَا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا حَدَّ الزِّنَا وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ وَضَيَّعَ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ يُكَذِّبُهَا فَبِأَيِّ مَعْنًى يَسْجُنُهُ وَيُغَرِّمُهُ مَهْرَ مِثْلِهَا، فَيُؤَكِّلَهَا الْمَالَ بِالْبَاطِلِ، وَيَأْخُذَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَخَامِسٌ - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَتْ - وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا بِالْعَافِيَةِ: جَلَدَهَا حَدَّ الْقَذْفِ، وَإِنْ مَكَثَتْ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ: رَجَمَهَا إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً - وَهَذَا ظُلْمٌ مَا سُمِعَ

بِأَشْنَعَ مِنْهُ، وَحَرَجٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِيهِ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقَ قَبْلَ مَالِكٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ - فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ؟ فَفَعَلْنَا - فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى أَحَدًا بِالزِّنَا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الَّتِي تَشْتَكِي بِإِنْسَانٍ: أَنَّهُ غَلَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا؟ فَوَجَدْنَاهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ قَاذِفَةً، أَوْ تَكُونَ غَيْرَ قَاذِفَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ قَاذِفَةً فَالْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَاذِفَ الْفَاسِقِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، كَقَاذِفِ الْفَاضِلِ، وَلَا فَرْقَ. وَالْقَذْفُ هُوَ مَا قُصِدَ بِهِ الْعَيْبُ وَالذَّمُّ وَهَذِهِ لَيْسَتْ قَاذِفَةً إنَّمَا هِيَ مُشْتَكِيَةٌ مُدَّعِيَةٌ، وَإِذْ لَيْسَتْ قَاذِفَةً فَلَا حَدَّ لِلْقَذْفِ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ تُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهَا أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا، لَا سِجْنَ، وَلَا أَدَبَ، وَلَا غَرَامَةَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُحَرَّمٌ، وَبَشَرَتَهُ مُحَرَّمَةٌ، وَمُبَاحٌ لَهُ الْمَشْيُ فِي الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَاقْضُوا عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قُلْنَا: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّ دَعْوَاهَا انْتَظَمَ حَقًّا لَهَا وَحَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، لَيْسَ لَهَا فِيهِ دُخُولٌ وَلَا خُرُوجٌ؟ فَحَقُّهَا: التَّعَدِّي عَلَيْهَا وَظُلْمُهَا، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى: هُوَ الزِّنَا، فَوَاجِبٌ أَنْ يَحْلِفَ لَهَا فِي حَقِّهَا، فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا تَعَدَّيْت عَلَيْك فِي شَيْءٍ، وَلَا ظَلَمْتُك وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا زَنَى؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِفُ فِي حَقٍّ لَيْسَ لَهُ فِيهِ مَدْخَلٌ. وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّك غَصَبْتنِي وَزَيْدًا دِينَارًا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ لَهُ فِي حَقِّهِ مِنْ الدِّينَارِ لَا فِي حَقِّ زَيْدٍ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّمِّ وَالشَّكْوَى، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ - ابْتِدَاءً أَوْ فِي

مسألة فيمن قذف وهو سكران

كَلَامٍ بَيْنَهُمَا - يَا ظَالِمٌ، يَا غَاصِبٌ، أَنَّهُ مُسِيءٌ - فَمِنْ قَائِلٍ: عَلَيْهِ الْأَدَبُ، وَمِنْ قَائِلٍ: لِآخَرَ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ شَكَا بِآخَرَ فَقَالَ: ظَلَمَنِي وَأَخَذَ مَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مُسِيئًا بِذَلِكَ فَصَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّكْوَى وَبَيْنَ الِاعْتِدَاءِ بِالسَّبِّ وَالْقَذْفِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ قَذَفَ وَهُوَ سَكْرَانُ] 2246 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَذَفَ وَهُوَ سَكْرَانُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ ذَكَرْنَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ حُكْمَ السَّكْرَانِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِشَيْءٍ أَصْلًا إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ فَقَطْ، إلَّا أَنَّنَا نَذْكُرُ عُمْدَةَ حُجَّتِنَا فِي ذَلِكَ بِاخْتِصَارٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَشَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ شَاهِدٍ: أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَإِذْ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ نَطَقَ بِلَفْظٍ لَا يَدْرِي مَعْنَاهُ - وَكَانَ مَعْنَاهُ كُفْرًا، أَوْ قَذْفًا، أَوْ طَلَاقًا - فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ السَّكْرَانُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاخَذَ بِشَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ، قَذْفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ قَذْفٍ. فَإِنْ قَالُوا: كَانَ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَالْأُمَّةُ كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِسَكْرَانَ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقُولُ. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فِي أَنَّ حَالَ السَّكْرَانِ فِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ بَاقٍ كَمَا كَانَ لَمْ يُحِلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ صِفَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا لَا فَائِدَةَ لَكُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا - أَنَّ هَذَا تَعَلُّلٌ لَا يُوجِبُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا التَّعْلِيلِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ

الثَّانِي - إنَّا نَسْأَلُكُمْ عَمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، فَفُتِحَ فَمُهُ كَرْهًا بِأَكَالِيبَ وَصُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى سَكِرَ، فَإِنَّ هَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَلَا فِي أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عِنْدَكُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ مَنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا تُلْزِمُوا هَذَا الْمُكْرَهَ شَيْئًا مِمَّا قَالَ فِي ذَلِكَ السُّكْرِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ. وَالثَّالِثُ - إنَّا نَسْأَلُكُمْ عَمَّنْ شَرِبَ الْبَلَاذِرَ فَجُنَّ، أَوْ تَزَيَّدَ فَقُطِعَ عَصَبُ سَاقَيْهِ فَأُقْعِدَ، أَيَكُونُ لِذَلِكَ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الْمَجَانِينَ فِي سُقُوطِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ عَنْهُ، أَوْ تَكُونُ الْأَحْكَامُ لَازِمَةً لَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ وَهَلْ يَكُونُ لِلَّذِي أَبْطَلَ سَاقَيْهِ عَمْدًا أَوْ أَشَرًا وَمَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمُ الْمُقْعَدِ فِي الصَّلَاةِ وَسُقُوطِ الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ إدْخَالِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ - بِلَا خِلَافٍ - إنَّ لَهُمَا حُكْمَ سَائِرِ الْمَجَانِينَ، وَسَائِرِ الْقَاعِدِينَ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّ السَّكْرَانَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي - وَهُوَ سَكْرَانُ - فَلَمْ يُعَنِّفْهُ عَلَى ذَلِكَ» وَلَوْ قَالَهَا صَحِيحًا لَكَفَرَ بِذَلِكَ، وَحَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا ذَهَبَ تَمْيِيزُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - لَا فِي الْقَذْفِ وَلَا فِي غَيْرِهِ -؛ لِأَنَّهُ مَجْنُونٌ لَا عَقْلَ لَهُ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَإِذَا افْتَرَى جُلِدَ ثَمَانِينَ؟ قُلْنَا: حَاشَى لِلَّهِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبٌ هَذَا الْكَلَامَ الْفَاسِدَ؟ هُمْ وَاَللَّهِ، أَجَلُّ، وَأَعْقَلُ، وَأَعْلَمُ، مِنْ أَنْ يَقُولُوا هَذَا السُّخْفَ الْبَاطِلَ، وَيَكْفِي مِنْهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ هَذَى فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَفَرَ، أَوْ قَذَفَ، فَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَأَحْضَرُ مُبْطِلٍ لِحُكْمِهِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا. وَسَنَتَكَلَّمُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إبْطَالِ هَذَا الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ إسْنَادِهِ، وَمِنْ تَخَاذُلِهِ وَفَسَادِهِ فِي كَلَامِنَا فِي " حَدِّ الْخَمْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قَالُوا: وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ، وَلَعَلَّهُ تَسَاكَرَ؟

مسألة في الأب يقذف ابنه أو أم عبيده أو أم ابنه

قِيلَ لَهُمْ: قُولُوا هَذَا بِعَيْنِهِ فِي الْمَجْنُونِ: وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَلَعَلَّهُ مُتَحَامِقٌ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ هَذَا، بَلْ تُسْقِطُونَ عَنْهُ الْأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ، فَالْحَالُ الَّتِي تُدْرَى فِي الْمَجْنُونِ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، بِمِثْلِهَا يُدْرَى فِي السَّكْرَانِ أَنَّهُ سَكْرَانُ وَلَا فَرْقَ - وَهِيَ: إنَّهُ إذَا بَلَغَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ التَّخْلِيطِ فِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ حَيْثُ يُوقَنُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ مِنْ نَفْسِهِ الْمُمَيِّزَ الصَّاحِي حَيَاءً مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ - فَهَذَا بِلَا شَكٍّ أَحْمَقُ، وَسَكْرَانُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَمَنْ خَلَطَ فِي كَلَامِهِ فَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِي الْأَبُ يَقْذِفُ ابْنَهُ أَوْ أُمَّ عَبِيدِهِ أَوْ أُمَّ ابْنِهِ] 2247 - مَسْأَلَةٌ: الْأَبُ يَقْذِفُ ابْنَهُ، أَوْ أُمَّ عَبِيدِهِ، أَوْ أُمَّ ابْنِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يُحَدُّ مَنْ قَذَفَ ابْنَهُ - وَأَوْجَبَ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ: مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَى الْأَبِ فِي ذَلِكَ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو يَعْقُوبِ الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا افْتَرَى الْأَبُ عَلَى الِابْنِ فَلَا يُحَدُّ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى الْأَبِ لِابْنِهِ حَدٌّ. وَبِهِ - يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْأَبِ يَقْذِفُ ابْنَهُ: إنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ الدَّرْءَ عَنْهُ - وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَزْنِي - وَهِيَ مُحْصَنَةٌ - وَتَقْتُلُ وَلَدَهَا: إنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهَا الْحَدُّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ - فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْأَبُ لِابْنِهِ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا - فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 83 - 24] قَالُوا: وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ، وَلَا مِنْ الْبِرِّ: ضَرْبُهُمَا بِالسِّيَاطِ، وَلَا هَذَا مِنْ خَفْضِ الْجَنَاحِ لَهُمَا مِنْ الرَّحْمَةِ.

وَقَاسُوا أَيْضًا إسْقَاطَ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ عَنْ الْوَالِدِ فِي قَذْفِهِ لِوَلَدِهِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ عَنْهُ إنْ قَتَلَهُ - وَإِسْقَاطِهِمْ الْقِصَاصَ عَنْهُ لِوَلَدِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ الْحَدَّ عَنْهُ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ مَالِهِ. وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ الْحَدَّ فِي زِنَاهُ بِأُمِّ وَلَدِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا أَصْلًا - وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ - عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِأَنْ لَا يُقَالَ لَهُمَا: أُفٍّ، وَلَا يُنْهَرَا، وَيُخْفَضَ لَهُمَا جَنَاحُ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ: فَحَقٌّ لَا يَحِيدُ عَنْهُ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ يَقْتَضِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْهُ فِي الْقَذْفِ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي أَنَّ إمَامًا لَهُ وَالِدٌ قَدِمَ إلَيْهِ فِي قَذْفٍ، أَوْ فِي سَرِقَةٍ أَوْ فِي زِنًا، أَوْ فِي قَوَدٍ، فَإِنْ فَرَضَا عَلَى الْوَلَدِ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى وَالِدِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ، وَالْبِرِّ، وَأَنْ لَا يَنْهَرَهُ، وَلَا يَقُلْ لَهُ: أُفٍّ، وَأَنْ يَخْفِضَ لَهُ جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَأَنْ يَشْكُرَ لَهُ وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وَقَدْ أَمَرَ مَعَ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ أَمَرَنَا بِرَحْمَتِهِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء: 36] الْآيَةَ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ ذَا الْقُرْبَى يُحَدُّ فِي قَذْفِ ذِي الْقُرْبَى وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُضَادَّ الْإِحْسَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ، بَلْ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَمِنْ دُونِهِمَا إحْسَانٌ إلَيْهِمَا وَبِرٌّ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَوْلَاهُ لَمْ يَجِبْ بِرُّهُمَا. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ إسْقَاطَ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى إسْقَاطِهِمْ عَنْ الْوَالِدِ حَدَّ الزِّنَا فِي زِنَاهُ بِأَمَةِ وَلَدِهِ، وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ عَنْهُ حَدَّ السَّرِقَةِ فِي سَرِقَةِ مَالِ وَلَدِهِ، وَعَلَى إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ عَنْهُ فِي قَتْلِهِ إيَّاهُ، وَجَرْحِهِ إيَّاهُ فِي أَعْضَائِهِ - فَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَنَصْرٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ، وَاحْتِجَاجٌ مِنْهُ لِقَوْلٍ لَهُمْ فَاسِدٍ، بِقَوْلٍ لَهُمْ آخَرَ فَاسِدٍ، لَا يُتَابَعُونَ عَلَيْهِ، وَلَا أَوْجَبَهُ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ الْحُدُودُ وَالْقَوَدُ وَاجِبَانِ عَلَى الْأَبِ لِلْوَلَدِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَلَمَّا سَقَطَ قَوْلُهُمْ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْبُرْهَانِ رَجَعْنَا إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ، فَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى: إلَّا الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ تَخْصِيصَ الْأَبِ بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ لِوَلَدِهِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَلَمَا أَهْمَلَهُ، حَتَّى يَتَفَطَّنَ لَهُ مَنْ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُحَدَّ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدُ لِوَالِدِهِ بِلَا شَكٍّ، وَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَامَ بِالْقِسْطِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَقْرَبِينَ كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْحُدُودُ وَغَيْرُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا عَفْوَ عَنْ الْحُدُودِ، وَلَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ تَبْلُغَ الْإِمَامَ فَإِنَّ إقَامَتَهَا مِنْ السُّنَّةِ. فَهَذَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا خَالَفَ تَقْلِيدَهُمْ - وَقَدْ خَالَفُوهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَمَّ جَمِيعَ الْحُدُودِ، وَلَمْ يَخُصَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا: فِيمَنْ قَذَفَ أُمَّ ابْنِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: لَيْسَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَأْخُذَ أَبَاهُ بِذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا: فِيمَنْ قَذَفَ أُمَّ عَبْدٍ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَبْدَهُ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِذَلِكَ. وَالْكَلَامُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْكَلَامِ فِي الَّتِي قَبْلَهُمَا

مسألة نازع آخر فقال له الكاذب بيني وبينك ابن زانية

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ: حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا لِلْمَقْذُوفِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَخْذُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ - قَامَ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ -؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِجَلْدِ الْقَاذِفِ ثَمَانِينَ، لَمْ يَشْتَرِطْ بِهِ قَائِمًا مِنْ النَّاسِ دُونَ غَيْرِهِ، فَكَانَ تَخْصِيصُ مَنْ خَصَّ بَعْضَ الْقَائِمِينَ بِهِ دُونَ بَعْضٍ قَوْلًا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَهُمْ، مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ بِهِ، وَلَا لَهُ حُجَّةٌ أَصْلًا - لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ. وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْنًى - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الْجَدِّ إذَا قَذَفَ وَلَدَ الْوَلَدِ، كَالْحُكْمِ فِي قَاذِفِ الْأَبَوَيْنِ الْأَدْنَيْنِ. وَالْعَجَبُ بِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ حُكْمِ الْوَلَدِ وَبَيْنَ حُكْمِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْمُرْتَدِّ، فَجَعَلُوا وَلَدَ الْمُرْتَدِّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ، وَجَعَلُوا وَلَدَ وَلَدِهِ لَا يُجْبَرُ وَلَا يُقْتَلُ. وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، بَيْنَ الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ - وَبَيْنَ الْجَدِّ - فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ التَّنَاقُضُ هَاهُنَا؟ فَسَوَّوْا بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَبَيْنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ؟ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا نَظِيرَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة نَازَعَ آخَرَ فَقَالَ لَهُ الْكَاذِبُ بَيْنِي وَبَيْنَك ابْنُ زَانِيَةٍ] 2248 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ نَازَعَ آخَرَ، فَقَالَ لَهُ: الْكَاذِبُ بَيْنِي وَبَيْنَك ابْنُ زَانِيَةٍ أَوْ قَالَ: وَلَدُ زِنًا، أَوْ زَنِيمٌ، أَوْ زَانٍ - فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مُبْتَدِئًا قَبْلَ أَنْ يُنَازِعَهُ الْآخَرُ فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ بَعْدُ أَحَدًا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمُنَازِعَ لَهُ كَاذِبٌ عِنْدَهُ بِلَا شَكٍّ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: مَنْ حَضَرَ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَهُوَ ابْنُ زَانِيَةٍ وَقَدْ كَانَ حَضَرَ مِنْ هُنَالِكَ أَحَدٌ: فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ - فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَفَظَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، أَوْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَصِيرَ قَاذِفًا - وَهُوَ سَاكِتٌ - بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا إذَا نَطَقَ - وَهَذَا بَاطِلٌ، لَا خَفَاءَ بِهِ - بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

مسألة قذف أجنبية وامرأته ثم زنت الأجنبية وامرأته بعد القذف

[مَسْأَلَة قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً وَامْرَأَتَهُ ثُمَّ زَنَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ وَامْرَأَتُهُ بَعْدَ الْقَذْفِ] مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً وَامْرَأَتَهُ، ثُمَّ زَنَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ وَامْرَأَتُهُ بَعْدَ الْقَذْفِ، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ كَامِلًا لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا بُدَّ - وَيُلَاعِنُ وَلَا بُدَّ - إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ حَمْلَ زَوْجَتِهِ، أَوْ إنْ ثَبَتَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَإِنْ أَبَى - وَقَدْ جُلِدَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ - فَالْحَمْلُ لَاحِقٌ بِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى زَوْجَتِهِ - لَا لِعَانَ، وَلَا حَدَّ، وَلَا حَبْسَ - وَلَا عَلَيْهِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ. وَإِنْ كَانَ لَمْ يُجْلَدْ، لَاعَنَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ الْحَمْلَ عَنْهُ، فَإِنْ أَبَى جُلِدَ الْحَدَّ فَإِنْ الْتَعَنَ وَالْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ: جُلِدَ حَدَّ الزِّنَا. وَجُمْلَةُ هَذَا - أَنَّ مَنْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ ثُمَّ زَنَى الْمَقْذُوفُ: لَمْ يُسْقِطْ ذَلِكَ الزِّنَا مَا قَدْ وَجَبَ مِنْ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِهِ؛ لِأَنَّهُ زِنًا غَيْرُ الَّذِي رَمَاهُ بِهِ، فَهُوَ إذَا رَمَى رَامٍ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا بُدَّ - وَلَا يَسْقُطُ حَدٌّ قَدْ وَجَبَ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ هَاهُنَا أَصْلًا عَلَى سُقُوطِهِ، بَعْدَ وُجُوبِهِ بِنَصٍّ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الزَّوْجَةِ وَلَا فَرْقَ: أَنَّهُ يُجْلَدُ لَهَا لِلْقَذْفِ - وَإِنْ زَنَتْ - إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ، وَتُحَدُّ هِيَ لِلزِّنَى وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَالَ لِآخَرَ يَا زَانٍ فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ صَدَقْت أَوْ نَعَمْ] 2250 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ لِآخَرَ: يَا زَانٍ؟ فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ: صَدَقْت، أَوْ قَالَ: نَعَمْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ - إلَّا زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ - قَالُوا: لَا حَدَّ عَلَى الْقَائِلِ: صَدَقْت - قَالُوا: فَلَوْ قَالَ لَهُ: صَدَقْت، هُوَ كَمَا قُلْت؟ حُدَّا جَمِيعًا - قَالَ زُفَرُ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ: يُحَدَّانِ جَمِيعًا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي قَوْلٍ لَهُ: صَدَقْت، يُمْكِنُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِي غَيْرِ رَمْيِهِ بِالزِّنَا؟ قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: صَدَقْت، هُوَ كَمَا قُلْت؟ مُمْكِنٌ أَنْ يَعْنِيَ بِذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ قَالَهُ هَذَا الْقَاذِفُ مِنْ غَيْرِ الْقَذْفِ، وَلَا فَرْقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْقَائِلَ: صَدَقْت، أَوْ نَعَمْ، أَوْ هُوَ كَمَا قُلْت، أَوْ إي وَاَللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ الْقَذْفَ وَفَهِمَهُ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِلَا شَكٍّ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَكَذَلِكَ مَنْ قِيلَ لَهُ: أَبِعْت دَارَك مِنْ زَيْدٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ: صَدَقْت، أَوْ قَالَ: إي وَاَللَّهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا: فَإِنَّهُ إقْرَارٌ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ - أَوْ قَالَ ذَلِكَ مُجَاوِبًا لِمَنْ قَالَ لَهُ: طَلَّقْت امْرَأَتَك، أَوْ أَنْكَحْت فُلَانَةَ، أَوْ وَهَبْت امْرَأً كَذَا وَكَذَا.

مسألة قال لآخر فجرت بفلانة أو قال فسقت بها

فَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ - وَإِنْ وَقَعَ شَكٌّ - أَسَمِعَ الْقَذْفَ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ - وَفَهِمَهُ، أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ: فَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَهُمَ وَيَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ كَلَامًا آخَرَ. وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُسْتَبَاحَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَالَ لِآخَرَ فَجَرْتَ بِفُلَانَةَ أَوْ قَالَ فَسَقْت بِهَا] 2251 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ لِآخَرَ: فَجَرْتَ بِفُلَانَةَ، أَوْ قَالَ: فَسَقْت بِهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَأَصْحَابَهُمَا قَالُوا: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ لِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَجْهٌ غَيْرُ الزِّنَا فَكَمَا قَالُوا، وَإِنْ كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُمَا غَيْرُ الزِّنَا فَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ؟ فَلَمَّا نَظَرْنَا فِيهِمَا وَجَدْنَاهُمَا يَقَعَانِ عَلَى إتْيَانِهَا فِي الدُّبُرِ - فَسَقَطَ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: جَامَعْتهَا حَرَامًا، وَلَا فَرْقَ قَالَ عَلِيٌّ: فَلَوْ أَخْبَرَ بِهَذَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُعْتَرِفًا بِالزِّنَا كَمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَالَ لِآخَرَ زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَيْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ] 2252 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: زَنَيْتِ - بِكَسْرِ التَّاءِ - أَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: زَنَيْتَ - بِفَتْحِ التَّاءِ - فَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَصِيحٍ: حُدَّ وَلَا بُدَّ. وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا يُحْسِنُ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ سُئِلَ: مَنْ خَاطَبْت؟ فَإِنْ قَالَ: خَاطَبْت غَيْرَهَا، أَوْ قَالَ: خَاطَبْت غَيْرَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْمُؤَنَّثِ لَا يَكُونُ إلَّا بِكَسْرِ التَّاءِ، فَإِذَا خَاطَبَهَا بِفَتْحِ التَّاءِ فَلَمْ يُخَاطِبْهَا، وَخِطَابُ الرَّجُلِ بِفَتْحِ التَّاءِ، فَإِذَا خَاطَبَهُ بِكَسْرِهَا فَلَمْ يُخَاطِبْهُ - وَإِنْ أَقَرَّ: أَنَّهُ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ، حُدَّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَاذِفٌ لَهَا - بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَذَفَ إنْسَانًا قَدْ زَنَى الْمَقْذُوفُ وَعُرِفَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ] 2253 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَذَفَ إنْسَانًا قَدْ زَنَى الْمَقْذُوفُ وَعُرِفَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ - فَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ طَلَبُهُ بِذَلِكَ الْحَدِّ - إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَهُ طَلَبُهُ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ بَيِّنُ الْحَوَالَةِ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ عُرِفَ صِدْقُهُ فِي الْقَذْفِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَرَفَ الْمَقْذُوفُ أَنَّ قَاذِفَهُ صَادِقٌ فَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَمُطَالَبَتُهُ إيَّاهُ ظُلْمٌ بِيَقِينٍ، وَإِبَاحَةُ طَلَبِهِ لَهُ إبَاحَةٌ لِلظُّلْمِ الْمُتَيَقَّنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شُهُودٍ سَمِعُوا الْقَاذِفَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ صِدْقَهُ بِلَا خِلَافٍ فِي أَنَّهُمْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ تُؤَدِّي إلَى الظُّلْمِ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فَقَتَلَ أَبُوهُ إنْسَانًا ظُلْمًا، وَأَخَذَ مَالَهُ ظُلْمًا، فَأَتَى وَلَدُ الْمَقْتُولِ الْمَأْخُوذِ مَالُهُ فَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِيهِ، وَأَخَذَ مَالَهُ الَّذِي كَانَ لِأَبِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوَلَدِ هَذَا الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ: بِأَنْ يَطْلُبَ الْمُسْتَقِيدَ - لَا بِدَمٍ، وَلَا بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ، وَاسْتَرْجَعَهُ مِنْهُ بِحَقٍّ. وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] الْآيَةَ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِيَامَ بِغَيْرِ الْقِسْطِ. وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]

مسألة قذف زوجته فأخذ في اللعان ثم أعاد قذفها قبل أن تتم التعانها

وَلَيْسَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَدْرِيَ أَنَّ قَاذِفَهُ لَمْ يَكْذِبْ ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِمَا يُطَالِبُ بِهِ أَهْلَ الْكَذِبِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ قَدْ آذَاهُ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي الْأَذَى حَدٌّ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ. [مَسْأَلَة قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَأَخَذَ فِي اللِّعَانِ ثُمَّ أَعَادَ قذفها قَبْل أَنْ تتم التعانها] 2254 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ فَأَخَذَ فِي اللِّعَانِ، فَلَمَّا شَرَعَ فِيهِ وَمَضَى بَعْضُهُ - أَقَلُّهُ، أَوْ أَكْثَرُهُ، أَوْ جُلُّهُ - أَعَادَ قَذْفَهَا قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ هِيَ الْتِعَانَهَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ اللِّعَان؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ. فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى الِالْتِعَانَ إلَّا بَعْدَ رَمْيِ الزَّوْجَةِ، فَلَا بُدَّ بَعْدَ رَمْيِ الزَّوْجَةِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، كَمَا أَمَرَ بِهِ، وَهِيَ مَا لَمْ تُتِمَّ الْتِعَانَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْتِعَانِهِ زَوْجَتَهُ كَمَا كَانَتْ، فَهُوَ فِي تَجْدِيدِ قَذْفِهَا رَامٍ زَوْجَتَهُ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَهَادَةِ أَرْبَعِ شَهَادَاتٍ وَالْخَامِسَةِ، فَإِنْ أَبَى وَنَكَلَ: حُدَّ الْمَقْذُوفُ وَلَا بُدَّ - فَإِنْ رَمَاهَا بِزِنًا يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهِ حُدَّ وَلَا لِعَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلَيْسَ مِنْ الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُكَلَّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَيْمَانٍ كَاذِبَةٍ، يُوقِنُ مَنْ حَضَرَ أَوْ الْحَاكِمُ: أَنَّهُ فِيهَا قَاذِفٌ، فَهَذَا عَوْنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ وَلَا فُرْقَةَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَتِمَّ الْتِعَانُهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَلَوْ رَمَاهَا وَأَيْقَنَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ بِاللِّعَانِ أَيْضًا، لَكِنْ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ - كَمَا كَانَتْ - يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا فُرْقَةَ إلَّا بَعْدَ الْتِعَانِهِمَا. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَا لِعَانَ فِيمَنْ رَمَى امْرَأَتَهُ بِزِنًا مُمْكِنٍ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَادِقًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَاذِبًا - فَأَمَّا إذَا تُيُقِّنَ كَذِبُهُ فَلَا يَحِلُّ تَعْطِيلُ وَاجِبِ حَدِّ اللَّهِ عَنْهُ، وَلَا يَحِلُّ عَوْنُهُ عَلَى الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ الْآثِمَةِ، وَلَا يَحِلُّ أَمْرُهُ بِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة قَذَفَ جَمَاعَةً أَوْ وُجِدَ يَطَأُ النِّسَاءَ الْأَجْنَبِيَّاتِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ] 2255 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً، أَوْ وُجِدَ يَطَأُ النِّسَاءَ الْأَجْنَبِيَّاتِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَوْ وُجِدَ يَسْرِقُ مَرَّاتٍ، أَوْ رُئِيَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ مَرَّاتٍ، فَشَهِدَ بِكُلِّ ذَلِكَ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ فِي قَذْفِهِ مَنْ قَذَفَ إلَّا وَاحِدًا، أَوْ صَدَّقَهُ جَمِيعُهُمْ، إلَّا وَاحِدًا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي قَذْفِ أَلْفٍ أَوْ فِي قَذْفِ وَاحِدٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَا مَزِيدَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أُولَئِكَ اللَّوَاتِي وُجِدَ يَطَأُهُنَّ إمَاؤُهُ إلَّا وَاحِدَةً، فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي الزِّنَا بِأَلْفٍ، أَوْ فِي الزِّنَا بِوَاحِدَةٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ، وَلَا مَزِيدَ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى كُلِّ مَا سَرَقَ: أَنَّهُ مَالُهُ أَخَذَهُ حَاشَ بَعْضَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي أَلْفِ سَرِقَةٍ، وَفِي سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِي غَيْرِ عَقْلِهِ، أَوْ كَانَ فِي ضَرُورَةٍ لِعِلَاجٍ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً: فَعَلَيْهِ جَلْدُ الْأَرْبَعِينَ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي شُرْبِ أَلْفِ مَرَّةٍ، وَفِي جَرْعَةٍ: حَدٌّ وَاحِدٌ، كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب المحاربين

[كِتَابُ الْمُحَارِبِينَ] َ 2256 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاخْتَلَفَ النَّاسُ، مَنْ هُوَ الْمُحَارِبُ الَّذِي يَلْزَمُهُ هَذَا الْحُكْمُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُحَارِبُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُمْ الْمُشْرِكُونَ. رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ - كَمَا نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - نا يَحْيَى، وَخَالِدٌ - هُمَا الْقَطَّانُ - وَأَبُو الْحَارِثِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ. وَبِهِ - إلَى إسْمَاعِيلَ نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ نا هُشَيْمٌ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيثَاقٌ فَنَقَضُوا الْعَهْدَ، وَقَطَعُوا السَّبِيلَ، وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فَخَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِمْ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُلَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَصْلُبَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ. وَبِهِ - إلَى إسْمَاعِيلَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ نا أَشْعَثُ نا سُفْيَانُ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَبِهِ - إلَى إسْمَاعِيلَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ: نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: نا سُفْيَانُ، ثُمَّ اتَّفَقَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، وَسُفْيَانُ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] هَذِهِ الْآيَةَ لِأَهْلِ الشِّرْكِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ

الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ - وَهُوَ لَهُمْ حَرْبٌ - فَأَخَذَ مَالًا، وَأَصَابَ دَمًا، ثُمَّ تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ أُهْدِرَ عَنْهُ مَا مَضَى نا حُمَامٌ الْقَاضِي نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ نا أَبُو يَعْقُوبِ الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ: الْمُحَارَبَةُ شِرْكٌ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَقُولُ أَنَا: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُحَارِبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَشْرَكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ الْمُرْتَدُّ كَمَا نا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الإدفوي نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحْوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ أَبِي الْأَزْهَرِ نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُ فَشَهَرَ سِلَاحَهُ، ثُمَّ تَلَصَّصَ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ - وَلَوْ تُرِكَ لَبَطَلَتْ الْعُقُوبَاتُ، إلَّا أَنْ يَلْحَقَ بِبِلَادِ الشِّرْكِ ثُمَّ يَأْتِيَ تَائِبًا: فَتُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: اللِّصُّ لَيْسَ مُسْلِمًا - كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ - عَنْ لِصٍّ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ أَتَى مُسْلِمًا وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ، وَيُهْرِيقَ دَمَهُ؟ قَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا امْتَنَعْت - هَذَا الَّذِي يَسْتَغِيلُنِي لِيُهْرِيقَ دَمِي، وَيَأْخُذَ مَالِي، لَيْسَ بِمُسْلِمٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كُلُّ لِصٍّ فَهُوَ مُحَارِبٌ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ - أَوْ غَيْرِهِ - عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: مَنْ خَرَّبَ فَهُوَ مُحَارِبٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمُحَارِبُ اللِّصُّ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اللِّصُّ مُحَارِبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَاقْتُلْهُ، فَمَا أَصَابَك فِيهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ دَمِهِ فَعَلَيَّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَكُونُ الْمُحَارِبُ إلَّا مَنْ أَخَافَ السَّبِيلَ: كَمَا نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ: جَاءَ

مِسْعَرُ بْنُ فَدْكِيٍّ - وَهُوَ مُتَنَكِّرٌ - حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَمَا تَرَكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِيهَا تَشْدِيدٌ إلَّا سَأَلَهُ عَنْهَا، وَهُوَ يَقُولُ، لَهُ تَوْبَةٌ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِسْعَرَ بْنَ فَدْكِيٍّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِسْعَرَ بْنَ فَدْكِيٍّ، قَالَ: فَقُلْت لَهُ: فَأَنَا مِسْعَرُ بْنُ فَدْكِيٍّ فَأَمِّنِّي؟ قَالَ: أَنْتَ آمِنٌ، قَالَ: وَكَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَيَسْتَحِلُّ الْفُرُوجَ. وَبِهِ - إلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ نا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيِّ أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ التَّمِيمِيَّ - كَانَ عَدُوًّا لِعَلِيٍّ وَكَانَ يَهْجُوهُ - فَأَتَى الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِيَأْخُذُوا لَهُ أَمَانًا، فَأَبَى عَلِيٌّ أَنْ يُؤَمِّنَهُ، قَالَ سَعِيدٌ: فَانْطَلَقْت إلَى عَلِيٍّ فَقُلْت: مَا {جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] قَالَ {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] الْآيَةَ قُلْت: إلَّا مَاذَا؟ قَالَ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] قُلْت: فَإِنَّ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ قَدْ تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، قَالَ: هُوَ آمِنٌ، قَالَ: فَانْطَلَقْت بِحَارِثَةَ إلَى عَلِيٍّ فَآمَنَهُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ نا أَبُو يَعْقُوبِ الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَا جَمِيعًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي اللِّصِّ الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فَهُوَ مُحَارِبٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَيْثُمَا قَطَعَ الطَّرِيقَ فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ مُحَارِبٌ: كَمَا كَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْمُرَجَّى بْنُ ذَرْوَانَ الْمِصْرِيُّ نا أَبُو الْحَسَنِ الرَّحَبِيُّ نا مُسْلِمٌ الْكَاتِبُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ قَالَ: ذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِالسَّيْفِ بِالْبَصْرَةِ؟ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ فَهُوَ مُحَارِبٌ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ طَاوُسٌ: سَمِعْته يَقُولُ: مَنْ رَفَعَ السِّلَاحَ ثُمَّ وَضَعَهُ: مُحَارِبٌ، فَدَمُهُ هَدَرٌ - قَالَ: وَكَانَ طَاوُسٌ يَرَى هَذَا أَيْضًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ الْكِنَانِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ خَلِيلٍ نا خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ نا

أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ - فَقِيهُ أَهْلِ مِصْرَ - نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ني عَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ: «أَنَّ غُلَامًا كَانَ لِبَانِي، فَكَانَ بَانِي يَضْرِبُهُ فِي أَشْيَاءَ يُعَاقِبُهُ فِيهَا، فَكَانَ الْغُلَامُ يُعَادِي سَيِّدَهُ، فَبَاعَهُ بَانِي، فَلَقِيَهُ الْغُلَامُ يَوْمًا وَمَعَ الْغُلَامِ سَيْفٌ يَحْمِلُهُ وَذَلِكَ فِي إمْرَةِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - فَشَهَرَ الْغُلَامُ السَّيْفَ عَلَى بَانِي وَتَفَلَّتَ بِهِ عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَهُ عَنْهُ النَّاسُ، فَدَخَلَ بَانِي عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَهَا بِمَا فَعَلَ بِهِ الْعَبْدُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّ الْغُلَامَ قُتِلَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا حَمَّادُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدِينِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ - جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا تَسَوَّرَ عَلَيْهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ بِالسِّلَاحِ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ. وَبِهِ - إلَى إسْمَاعِيلَ نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا طَرَقَك اللِّصُّ بِاللَّيْلِ فَهُوَ مُحَارِبٌ. وَبِهِ إسْمَاعِيلُ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا دَخَلَ عَلَيْك وَمَعَهُ حَدِيدَةٌ فَهُوَ مُحَارِبٌ. قَالَ إسْمَاعِيلُ: ونا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ نا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا طَرَقَك اللِّصُّ بِاللَّيْلِ فَهُوَ مُحَارِبٌ. وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا. وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ، فَمَرَّةً قَالَ: لَا تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ إلَّا فِي الصَّحْرَاءِ وَمَرَّةً قَالَ: تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ فِي الصَّحْرَاءِ، وَفِي الْأَمْصَارِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ إلَّا فِي الصَّحْرَاءِ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ فِي مَدِينَةٍ، وَلَا فِي مِصْرٍ، وَلَا

بِقُرْبِ مَدِينَةٍ، وَلَا بِقُرْبِ مِصْرٍ وَلَا بَيْنَ مَدِينَتَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ - ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إذْ كَابَرُوا أَهْلَ مَدِينَةٍ لَيْلًا، كَانُوا فِي حُكْمِ الْمُحَارَبَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ شَهَرَ عَلَى آخَرَ سِلَاحًا - لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا نَهَارًا فِي مِصْرٍ فَقَتَلَهُ عَمْدًا قُتِلَ بِهِ - وَإِنْ كَانَ فِي اللَّيْلِ فِي مِصْرٍ، أَوْ فِي مَدِينَةٍ، أَوْ فِي طَرِيقٍ فِي غَيْرِ مَدِينَةٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ الْحَقَّ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، لِنَعْلَمَ الصَّوَابَ فَنَتَّبِعُهُ - بِمَنِّ اللَّهِ تَعَالَى - فَنَظَرْنَا فِيمَا تَحْتَجُّ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُحَارِبَ لَا يَكُونُ إلَّا مُشْرِكًا أَوْ مُرْتَدًّا، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ: مَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: زَانٍ مُحْصَنٌ، يُرْجَمُ، أَوْ رَجُلٌ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا، فَيُقْتَلُ - أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَيُقْتَلُ أَوْ يُصَلَّبُ أَوْ يُنْفَى مِنْ الْأَرْضِ» . وَبِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَارَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَشْرَكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ " مَا نَعْلَمُ أَحَدًا حَارَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَشْرَكَ " فَإِنَّ مُحَارَبَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُحَارَبَةَ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - مِنْ مُسْتَحِلٍّ لِذَلِكَ، فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ - وَتَكُونُ مِنْ فَاسِقٍ عَاصٍ مُعْتَرِفٍ بِجُرْمِهِ، فَلَا يَكُونُ

بِذَلِكَ كَافِرًا، لَكِنْ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ، مِنْ الزِّنَا، وَالْقَتْلِ، وَالْغَصْبِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَتَرْكِ الزَّكَاةِ، وَتَرْكِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَتَرْكِ الْحَجِّ: فَهَذَا لَا يَكُونُ كَافِرًا، لِمَا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْفَصْلِ " وَغَيْرِهِ. وَيَجْمَعُ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاعِلُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعَظَائِمِ كَافِرًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ، لَكَانَ مُرْتَدًّا بِلَا شَكٍّ، وَلَوْ كَانَ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا لَوَجَبَ قَتْلُهُ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ مَنْ ارْتَدَّ، وَبَدَّلَ دِينَهُ - وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ عَصَى بِغَيْرِ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُحَارِبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُلْنَا لَهُ: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278 - 279] الْآيَةَ. كَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْمُرَجَّى بْنُ ذَرْوَانَ قَالَ: نا أَبُو الْحَسَنِ الرَّحَبِيُّ نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ - مَوْلَى عُرْوَةَ - عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ اسْتَحَلَّ مُحَارَبَتِي» . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] إلَى قَوْلِهِ {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَاصٍ مُحَارِبًا، وَلَا كُلُّ مُحَارِبٍ كَافِرًا، ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَكَمَ فِي الْمُحَارِبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَتْلِ، أَوْ الصَّلْبِ، أَوْ قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ مِنْ خِلَافٍ، أَوْ النَّفْيِ مِنْ الْأَرْضِ -

وَإِسْقَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ كَافِرًا: لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا مُذْ كَانَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَنَقَضَ الذِّمَّةَ وَحَارَبَ فَصَارَ حَرْبِيًّا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ إلَى الْكُفْرِ. لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ضَرُورَةً، وَلَا يُمْكِنُ - وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهَا، فَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا مُذْ كَانَ، فَلَا يَخْتَلِفُ مِنْ الْأُمَّةِ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا حُكْمُ الْحَرْبِيِّينَ - وَإِنَّمَا حُكْمُ الْحَرْبِيِّينَ الْقَتْلُ فِي اللِّقَاءِ كَيْفَ أَمْكَنَ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كِتَابِيًّا - فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِ طَوَائِفَ مِنْ النَّاسِ. أَوْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَ مَا لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا فِي قَوْلِ غَيْرِنَا. أَوْ يُؤْسَرَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ ضَرْبَ الْعُنُقِ فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَغَيْرَهُمْ، أَوْ يُسْتَرَقَّ، أَوْ يُطْلَقَ إلَى أَرْضِهِ، كَمَا أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ، وَأَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ وَغَيْرَهُمَا. أَوْ يُفَادَى بِهِ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] . أَوْ نُطْلِقَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَهْلِ خَيْبَرَ. فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْحَرْبِيِّينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ الصَّلْبُ، وَلَا قَطْعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، وَلَا النَّفْيُ، مِنْ أَحْكَامِهِمْ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُحَارِبُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ حَرْبِيًّا كَافِرًا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَنَقَضَ الْعَهْدَ فَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا: أَحَدُهَا - أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْحَرْبِيِّينَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا.

وَالثَّانِي - أَنَّهُ مُحَارِبٌ حَتَّى يُقْدَرَ عَلَيْهِ فَيُرَدَّ إلَى ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ وَلَا بُدَّ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ. وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ النَّاسِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ يَنْقُضُ الْعَهْدَ فَيَصِيرُ حَرْبِيًّا وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ يُحَارِبُ فَيَكُونُ لَهُ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الْمُحَارِبِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، لَا حُكْمُ الْحَرْبِيِّ فَصَحَّ بِلَا خِلَافٍ أَنَّ الذِّمِّيَّ النَّاقِضَ لِذِمَّتِهِ الْمُنْتَقِلَ إلَى حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَبَيَّنَ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] إلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12] فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِهِمْ إذَا نَكَثُوا عَهْدَهُمْ حَتَّى يَنْتَهُوا - وَهَذَا عُمُومٌ يُوجِبُ الِانْتِهَاءَ عَنْ كُلِّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالِ، وَهَذَا يَقْتَضِي - وَلَا بُدَّ - أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ وَحْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: 12] انْتِهَاءٌ دُونَ انْتِهَاءٍ، فَيَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ قَائِلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَهَذَا حَرَامٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] . وَإِنْ كَانَ الْمُحَارِبُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ مُرْتَدًّا عَنْ إسْلَامِهِ، فَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَ الْمُرْتَدِّ بِقَوْلِهِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . وَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران: 90] . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ غَيْرُ حُكْمِهِ تَعَالَى فِي الْمُحَارِبِ؟ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْمُحَارِبَ لَيْسَ مُرْتَدًّا.

وَأَيْضًا - فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الصَّلْبُ، وَلَا قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَلَا النَّفْيُ مِنْ الْأَرْضِ؟ فَصَحَّ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحَارِبَ لَيْسَ كَافِرًا أَصْلًا، إذْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكُفْرِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ: حُكْمُ الْمُحَارِبِ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مُسْنَدًا، فَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا يَقِينًا فَقَدْ ثَبَتَ بِلَا شَكٍّ أَنَّ الْمُحَارِبَ إنَّمَا هُوَ مُسْلِمٌ عَاصٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ: أَنْ نَنْظُرَ مَا الْمَعْصِيَةُ الَّتِي بِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا؟ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ فَنَظَرْنَا فِي جَمِيعِ الْمَعَاصِي مِنْ الزِّنَا، وَالْقَذْفِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالسِّحْرِ، وَالظُّلْمِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ أَكْلِهَا، وَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ، وَالزِّنَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَوَجَدْنَا جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَاصِي لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ جَاءَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي أَنَّهُ مُحَارِبٌ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ شَيْءٍ مِنْهَا مُحَارِبًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي - الَّتِي ذَكَرْنَا وَاَلَّتِي لَمْ نَذْكُرْ - لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ أَوْ لَا يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ، فَالَّتِي فِيهَا النَّصُّ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ فَهِيَ الرِّدَّةُ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفُ، وَالْخَمْرُ، وَالسَّرِقَةُ، وَجَحْدُ الْعَارِيَّةِ - وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ فِي الْمُحَارِبِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَعَاصِي مُحَارَبَةً وَهَذَا أَيْضًا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَدٌّ مَحْدُودٌ - لَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْحِقَهَا بِحَدِّ الْمُحَارَبَةِ، فَيَكُونُ شَارِعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، بَلْ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَوَجَبَ يَقِينًا أَنْ لَا يُسْتَبَاحَ دَمُ أَحَدٍ، وَلَا بَشَرَتُهُ، وَلَا مَالُهُ، وَلَا عِرْضُهُ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِيهِ بِعَيْنِهِ، مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَاجِعٍ إلَى تَوْقِيفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةِ هِيَ الْمُحَارَبَةُ، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ، وَالْبَاغِي، فَهُمَا جَمِيعًا مُقَاتِلَانِ، الْمُقَاتَلَةُ هِيَ الْمُحَارَبَةُ فِي اللُّغَةِ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا " الْبَاغِي " قَدْ وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، بِأَنْ يُقَاتَلَ حَتَّى يَفِيءَ فَقَطْ، فَيُصْلَحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ الْبَاغِي عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارَبِينَ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا " قَاطِعُ الطَّرِيقِ، وَمُخِيفُ السَّبِيلِ " هَذَا مُفْسِدٌ فِي الْأَرْضِ بِيَقِينٍ، وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ النَّاسِ: إنَّهُ هُوَ الْمُحَارِبُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ، وَقَدْ بَطَلَ - كَمَا قَدَّمْنَا - أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي: إنَّهُ الْمُحَارِبُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ، إلَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ الْمُخِيفِ فِيهَا، أَوْ فِي اللِّصِّ - فَصَحَّ أَنَّ مُخِيفَ السَّبِيلِ الْمُفْسِدَ فِيهَا: هُوَ الْمُحَارِبُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ بِلَا شَكٍّ. وَبَقِيَ أَمْرُ اللِّصِّ فَنَظَرْنَا فِيهِ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَاهُ إنْ دَخَلَ مُسْتَخْفِيًا لِيَسْرِقَ، أَوْ لِيَزْنِيَ، أَوْ لِيَقْتُلَ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُخْتَفِيًا فَإِنَّمَا هُوَ سَارِقٌ، عَلَيْهِ مَا عَلَى السَّارِقِ، لَا مَا عَلَى الْمُحَارِبِ بِلَا خِلَافٍ. أَوْ إنَّمَا هُوَ زَانٍ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الزَّانِي، لَا مَا عَلَى الْمُحَارِبِ بِلَا خِلَافٍ. أَوْ إنَّمَا هُوَ قَاتِلٌ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْقَاتِلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فِيمَنْ قَتَلَ عَمْدًا - وَإِنْ كَانَ قَدْ خَالَفَ فِي هَذَا قَوْمٌ خِلَافًا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَإِنْ اُشْتُهِرَ أَمْرُهُ فَفَرَّ وَأَخَذَ، فَلَيْسَ مُحَارِبًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَارِبْ أَحَدًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَاصٍ فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ، لَكِنْ حُكْمُ مَنْ فَعَلَ مُنْكَرًا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّعْزِيرُ - وَإِنْ دَافَعَ وَكَابَرَ: فَهُوَ مُحَارِبٌ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَارَبَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ، وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضَ، فَلَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَغَيْرُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ إلَّا فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ مَنْ قَالَ: لَا تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ فِي الْمُدُنِ إلَّا لَيْلًا: فَقَوْلَانِ فَاسِدَانِ، وَدَعْوَتَانِ سَاقِطَتَانِ، بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَمَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ هَانَ عِنْدَهُ الْكَذِبُ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا، فَيَقُولُ: مَنْ حَارَبَ فِي الصَّحْرَاءِ فَقَدْ صَحَّ عَلَيْهِ اسْمُ مُحَارِبٍ

وَمِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ اعْتَرَضَ مُعْتَرِضٌ فِي أَنَّ الْمُحَارِبَ لَا يَكُونُ إلَّا مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ: بِمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أرنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى نا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ» قَالَ إِسْحَاقُ: أرناه عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، يُرِيدُ، أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - قَالَ ابْنُ شُعَيْبٍ: وَأَنَا أَبُو دَاوُد نا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَنْ رَفَعَ السِّلَاحَ ثُمَّ وَضَعَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَنَا مَالِكٌ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ: أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، وَآثَارٌ صِحَاحٌ لَا يَضُرُّهَا إيقَافُ مَنْ أَوْقَفَهَا، إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ لَمْ يَرَ الْمُحَارِبَ إلَّا مَنْ حَارَبَ بِسِلَاحٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ: مَنْ وَضَعَ سَيْفَهُ وَشَهَرَ سِلَاحَهُ فَقَطْ، وَسَكَتَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ فِيهَا، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا مُحَارِبَ إلَّا مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، فَوَجَبَ مِنْ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ حُكْمُ مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَحْمِلْ السِّلَاحَ أَنْ يُطْلَبَ فِي غَيْرِهِمَا؟ فَفَعَلْنَا، فَوَجَدْنَا: مَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا مَهْدِيٌّ ثنا ابْنُ مَيْمُونٍ عَنْ غَيْلَانِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِهِ «وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا

مسألة إعطاء المحاربين الشيء الذي لا يجحف بالمقطوع عليهم

وَفَاجِرَهَا لَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي. » فَقَدْ عَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَسْمَعُ " الضَّرْبَ " وَلَمْ يَقُلْ بِسِلَاحٍ، وَلَا غَيْرِهِ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ حِرَابَةٍ بِسِلَاحٍ، أَوْ بِلَا سِلَاحٍ فَسَوَاءٌ؟ قَالَ: فَوَجَبَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحَارِبَ: هُوَ الْمُكَابِرُ الْمُخِيفُ لِأَهْلِ الطَّرِيقِ، الْمُفْسِدُ فِي سَبِيلِ الْأَرْضِ - سَوَاءً بِسِلَاحٍ، أَوْ بِلَا سِلَاحٍ أَصْلًا - سَوَاءً لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا - فِي مِصْرٍ، أَوْ فِي فَلَاةٍ - أَوْ فِي قَصْرِ الْخَلِيفَةِ، أَوْ الْجَامِعِ - سَوَاءً قَدَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إمَامًا، أَوْ لَمْ يُقَدِّمُوا سِوَى الْخَلِيفَةِ نَفْسِهِ - فَعَلَ ذَلِكَ بِجُنْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ - مُنْقَطِعِينَ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ أَهْلِ قَرْيَةٍ سُكَّانًا فِي دُورِهِمْ، أَوْ أَهْلِ حِصْنٍ كَذَلِكَ، أَوْ أَهْلِ مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ، أَوْ غَيْرِ عَظِيمَةٍ كَذَلِكَ - وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ - كُلُّ مَنْ حَارَبَ الْمَارَّ، وَأَخَافَ السَّبِيلَ بِقَتْلِ نَفْسٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ، أَوْ لِجِرَاحَةٍ، أَوْ لِانْتِهَاكِ فَرْجٍ: فَهُوَ مُحَارِبٌ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ - كَثُرُوا أَوْ قَلُّوا - حُكْمُ الْمُحَارِبِينَ الْمَنْصُوصُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، إذْ عَهِدَ إلَيْنَا بِحُكْمِ الْمُحَارِبِينَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَمَا أَغْفَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا نَسِيَهُ وَلَا أَعْنَتَنَا بِتَعَمُّدِ تَرْكِ ذِكْرِهِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَنَا غَيْرُهُ بِالتَّكَهُّنِ وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ. [مَسْأَلَة إعْطَاء المحاربين الشَّيْءَ الَّذِي لَا يُجْحِفُ بِالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ] 2257 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ أَنْ يُعْطَى الْمُحَارِبُونَ الشَّيْءَ الَّذِي لَا يُجْحِفُ بِالْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَرَأَوْا ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ لِغَيْرِ الْمُحَارِبِينَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَيْئًا - قَلَّ أَمْ كَثُرَ - سَوَاءٌ مُحَارِبًا كَانَ أَوْ شَيْطَانًا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] . [مَسْأَلَة فِيمَنْ سُئِلَ مَاله بِغَيْرِ حَقّ] 2258 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَا يَخْلُو أَخْذُ الْمَالِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ الظُّلْمِ، وَالْغَلَبَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا:

إمَّا أَنْ يَكُونَ بِرًّا وَتَقْوَى - أَوْ يَكُونَ إثْمًا وَعُدْوَانًا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِرًّا وَلَا تَقْوًى، وَلَكِنَّهُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ: حَرَامٌ لَا يَحِلُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا خَالِدٌ - يَعْنِي ابْنَ مَخْلَدٍ - نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ» . وَبِهِ - إلَى مُسْلِمٍ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَا جَمِيعًا: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أرنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ أَنَّ ثَابِتًا - مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ «لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَبَيْنَ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَا كَانَ تَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ، رَكِبَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَوَعَظَهُ خَالِدٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ - هُوَ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ: نا سَلْمَانُ - هُوَ ابْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ - نا إبْرَاهِيمُ - هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ - عَنْ أَبِيهِ

مسألة ذكر ما قيل في آية المحاربة

عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . وَبِهِ - إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ نا عَمْرٌو - هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ - عَنْ مُطَرِّفٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي طَرِيفٍ - عَنْ سَوَادَةَ - هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ - عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ سُوَيْد بْنِ مُقْرِنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلِمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ نا أَبِي نا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ «أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمِنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ مَنْ سُئِلَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُ فَيَقْتُلُ مُصِيبًا سَدِيدًا، أَوْ يُقْتَلُ بَرِيئًا شَهِيدًا، وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَالًا مِنْ مَالٍ. وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَرَيَانِ السُّلْطَانَ فِي ذَلِكَ وَغَيْرَ السُّلْطَانِ سَوَاءً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ذِكْرُ مَا قِيلَ فِي آيَةِ الْمُحَارَبَةِ] ذِكْرُ مَا قِيلَ فِي آيَةِ الْمُحَارَبَةِ 2259 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ قَوْمٌ: آيَةُ الْمُحَارَبَةِ نَاسِخَةٌ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرَنِيِّينَ، وَنَهْيٌ لَهُ عَنْ فِعْلِهِ بِهِمْ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

«أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمُوا فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا، فَقَتَلُوا رَاعِيَهَا وَاسْتَاقُوهَا، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَلَبِهِمْ قَافَةً، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ، وَتَرَكَهُمْ حَتَّى مَاتُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] » الْآيَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَطَعَ الَّذِينَ سَرَقُوا لِقَاحَهُ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ بِالنَّارِ، عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الصَّمَدِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ - نا هِشَامٌ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِهِ إنَّهُ مَنْسُوخٌ إلَّا بِيَقِينٍ مَقْطُوعٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمَّا بِالظَّنِّ، الَّذِي هُوَ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ فَلَا. فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخٍ أَصْلًا - لَا بِنَصٍّ وَلَا بِمَعْنًى - وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ أَيْدِي الْعُرَنِيِّينَ وَأَرْجُلَهُمْ، وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ حَتَّى مَاتُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الْمُحَارَبَةِ - وَهَذَا ظَاهِرٌ: أَنَّ نُزُولَ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ، كَسَائِرِ الْقُرْآنِ فِي نُزُولِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَوْ تَصْوِيبًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مُوَافِقَةٌ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ، وَزَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ تَخْيِيرًا فِي الْقَتْلِ، أَوْ الصَّلْبِ، أَوْ النَّفْيِ - وَكَانَ مَا زَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقَطْعِ مِنْ السَّمْلِ، وَتَرْكِهِمْ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا قِصَاصًا بِمَا فَعَلُوا بِالرِّعَاءِ:

كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجِ - مَرْزُوقِيٌّ ثِقَةٌ - نا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ - ثِقَةٌ مَأْمُونٌ - نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إنَّمَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْيُنَ أُولَئِكَ الْعُرَنِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَا أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرِّعَاءَ، فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ أُولَئِكَ الْعُرَنِيِّينَ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ حُقُوقٌ: مِنْهَا الْمُحَارَبَةُ، وَمِنْهَا سَمْلُهُمْ أَعْيُنَ الرِّعَاءِ، وَقَتْلُهُمْ إيَّاهُمْ، وَمِنْهَا الرِّدَّةُ - فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ كُلِّ ذَلِكَ، إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ أَوْجَبَ بِالْإِقَامَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَائِرِهَا، وَمَنْ أَسْقَطَ بَعْضَهَا لِبَعْضٍ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَحَكَمَ بِالْبَاطِلِ، وَقَالَ بِلَا بُرْهَانٍ، وَخَالَفَ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِصَاصِ فِي الْعُدْوَانِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فِي الْمُحَارَبَةِ، فَقَطَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُحَارَبَةِ، وَسَمَلَهُمْ لِلْقِصَاصِ، وَتَرَكَهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتُوا، يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا؛ لِأَنَّهُمْ كَذَلِكَ قَتَلُوا هُمْ - الرِّعَاءَ - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الزِّنَادِ فَمُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَفْظُهُ مُنْكَرٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاتَبَهُ رَبُّهُ فِي آيَةِ الْمُحَارَبَةِ، وَمَا يُسْمَعُ فِيهَا عِتَابٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ " الْعِتَابِ " إنَّمَا هُوَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] . وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {عَبَسَ وَتَوَلَّى - أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس: 1 - 2] الْآيَاتِ. وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُحَارَبَةِ، فَلَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ لِلْمُعَاتَبَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ فَحَقٌّ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ - فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ - وَإِنَّمَا يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا مَنْ يَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْعُرَنِيِّينَ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هَذَا نَصْرٌ لِمَذْهَبِهِمْ فِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ بِشَيْءٍ مَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَهُمْ يَرَوْنَ عَلَى مَنْ جَدَعَ أَنْفَ إنْسَانٍ وَفَقَأَ عَيْنَيْ آخَرَ، وَقَطَعَ شَفَتَيْ ثَالِثٍ، وَقَلَعَ أَضْرَاسَ رَابِعٍ، وَقَطَعَ أُذُنَيْ خَامِسٍ: أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ كُلُّهُ، وَيُتْرَكَ، فَهَلْ فِي الْمُثْلَةِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا لَوْ عَقَلُوا عَنْ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ؟

مسألة هل لولي المحارب المقتول من حق عند الإمام

وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، أَوْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُثْلَةً، إنَّمَا الْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا كَالرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ، وَكَالْقَطْعِ أَوْ الصَّلْبِ لِلْمُحَارِبِ، فَلَيْسَ مُثْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ أرنا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَحُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا؟ فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاءِ فَقَتَلُوهُمْ وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ نا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ نا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى ذَوْدِنَا فَكُنْتُمْ فِيهَا، فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا، وَأَبْوَالِهَا؟ فَفَعَلُوا، فَلَمَّا صَحُّوا قَامُوا إلَى رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَتَلُوهُ وَرَجَعُوا كُفَّارًا، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ كُلُّهَا آثَارٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. الْمُحَارِبُ يُقْتَلُ [مَسْأَلَة هَلْ لولي الْمُحَارَب المقتول مِنْ حَقّ عِنْد الْإِمَام] 2260 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: إنَّ فِي كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ حَارَبَ الدِّينَ، وَإِنْ قَتَلَ أَبَاهُ، أَوْ أَخَاهُ، فَلَيْسَ

إلَى طَالِبِ الدَّمِ مِنْ أَمْرِ مَنْ حَارَبَ الدِّينَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا شَيْءٌ " وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى مِثْلَ هَذَا سَوَاءً سَوَاءً حَرْفًا حَرْفًا. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: عُقُوبَةُ الْمُحَارِبِ إلَى السُّلْطَانِ، لَا تَجُوزُ عُقُوبَةُ وَلِيِّ الدَّمِ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا نَقُولُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ رُوِّينَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرْنَاهُمَا فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " " وَكِتَابِ الصِّيَامِ " " وَبَابِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ ". " وَقَضَاءِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ عَنْ الْمَيِّتِ ". «اقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ، دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اجْتَمَعَ حَقَّانِ: أَحَدُهُمَا لِلَّهِ، وَالثَّانِي لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ - كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَحَقَّ بِالْقَضَاءِ وَدَيْنُهُ أَوْلَى بِالْأَدَاءِ، وَشَرْطُهُ الْمُقَدَّمُ فِي الْوَفَاءِ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ، فَإِنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ، أَوْ صَلَبَهُ لِلْمُحَارَبَةِ، كَانَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ قَدْ سَقَطَ، فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الدِّيَةِ، أَوْ الْعَفْوِ عَنْهَا، عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْقِصَاصِ " وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمَامُ قَطْعَ يَدِ الْمُحَارِبِ، وَرِجْلِهِ، أَوْ نَفْيِهِ: أَنْفَذَ ذَلِكَ، وَكَانَ حِينَئِذٍ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارُ فِي قَتْلِهِ، أَوْ الدِّيَةِ، أَوْ الْمُفَادَاةِ، أَوْ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ اسْتَوْفَى مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْخِيَارَ فِيهِ - وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُسْقِطُ حَقَّ الْوَلِيِّ، إذْ مُمْكِنٌ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَقَدْ تَنَاقَضَ هَاهُنَا الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، أَسْمَجَ تَنَاقُضٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْحَجِّ، وَالصِّيَامِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ، بِأَنَّ حُقُوقَ النَّاسِ أَوْلَى مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى - وَأَنَّ دُيُونَ الْغُرَمَاءِ أَوْجَبُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ

مسألة في مانع الزكاة

شُرُوطَ النَّاسِ مُقَدَّمَةٌ فِي الْوَفَاءِ عَلَى شُرُوطِ اللَّهِ تَعَالَى - وَقَدْ تَرَكُوا هَاهُنَا هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْفَاسِدَةَ، وَقَدَّمُوا حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِي مَانِع الزَّكَاة] 2261 - مَسْأَلَةٌ: مَانِعُ الزَّكَاةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ - مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ - نا الْحَارِثُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ ني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ خُشَافٍ السُّلَمِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الرَّبِيعِ الطَّفَرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ فَجَاءَهُ الرَّسُولُ فَرَدَّهُ، فَرَجَعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ صَدَقَتَهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْت لِحَكِيمٍ: مَا أَرَى أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ إلَّا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: أَجَلْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَمْلُوءٌ آفَاتٍ مِنْ مَجْهُولِينَ، وَمُتَّهَمِينَ، وَحُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، فَإِنْ مَانَعَ دُونَهَا فَهُوَ مُحَارِبٌ، فَإِنْ كَذَّبَ بِهَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَإِنْ غَيَّبَهَا وَلَمْ يُمَانِعْ دُونَهَا فَهُوَ آتٍ مُنْكَرًا، فَوَاجِبٌ تَأْدِيبُهُ أَوْ ضَرْبُهُ حَتَّى يُحْضِرَهَا أَوْ يَمُوتَ قَتِيلَ اللَّهِ تَعَالَى، إلَى لَعْنَةِ اللَّهِ. كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» وَهَذَا مُنْكَرٌ، فَفَرْضٌ عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ كَمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ يُبَادِر اللِّصَّ أَمْ يُنَاشِدُ] 2262 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُبَادِر اللِّصَّ أَمْ يُنَاشِدُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَخِيهِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أَبِيهِ - هُوَ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ - بْن فهيذ بْنِ مُطَرِّفِ الْغِفَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ سَائِلٌ إنْ عَدَا عَلَيَّ عَادٍ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَإِنْ أَبَى عَلَيَّ؟ فَأَمَرَهُ بِقِتَالِهِ» .

وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنْ قَتَلَكَ فَأَنْتَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ قَتَلْتَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ» . حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الضَّبِّيُّ نا الْعُقَيْلِيُّ نا جَدِّي نا يَعْلَى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ السُّلَمِيُّ - هُوَ الْقَصَّابُ - عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدَّارُ حَرَمٌ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْكَ حَرَمَكَ فَاقْتُلْهُ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، فَفِيهِ: الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ - وَالْخَبَرُ الثَّانِي فِيهِ: مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْقَصَّابُ - وَهُوَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي صَدَّرْنَا بِهَا فِي " كِتَابِنَا فِي الْمُحَارِبِينَ " مِنْ إبَاحَةِ الْقَتْلِ دُونَ الْمَالِ وَسَائِرِ الْمَظَالِمِ، لَكِنْ إنْ كَانَ عَلَى الْقَوْمِ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، أَوْ الْوَاحِدِ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ، أَوْ الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ مَنْزِلُهُ فِي الْمِصْرِ - لَيْلًا أَوْ نَهَارًا - فِي أَخْذِ مَالِهِ، أَوْ فِي طَلَبِ زِنًا: أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مُهْلَةً، فَالْمُنَاشَدَةُ فِعْلٌ حَسَنٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ مُهْلَةٌ، فَفَرْضٌ عَلَى الْمَظْلُومِ أَنْ يُبَادِرَ إلَى كُلِّ مَا يُمْكِنُهُ بِهِ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ - وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ إتْلَافُ نَفْسِ اللِّصِّ وَالْقَاطِعِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ - فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ إنْ ضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ ارْتَدَعَ، فَحَرَامٌ عَلَيْهِ قَتْلُهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ هَذَا، فَقَدْ صَحَّ الْيَقِينُ بِأَنَّ مُبَاحًا لَهُ الدَّفْعُ وَالْمُقَاتَلَةُ؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ قَتَلَهُ مِنْ أَوَّلِ ضَرْبَةٍ أَوْ بَعْدَهَا قَصْدًا إلَى مَقْتَلِهِ أَوْ إلَى غَيْرِ مَقْتَلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لَهُ الْمُقَاتَلَةَ وَالْمُدَافَعَةَ قَاتِلًا وَمَقْتُولًا. - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَأَمَّا لَوْ كَانَ اللِّصُّ مِنْ الضَّعْفِ بِحَيْثُ لَا يُدَافِعُ أَصْلًا، أَوْ يُدَافِعُ دِفَاعًا يُوقِنُ مَعَهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ صَاحِبِ الدَّارِ فَقَتَلَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا

مسألة قطع الطريق من المسلم على المسلم وعلى الذمي

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْتَدِرَك اللِّصُّ فَابْدُرْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: إنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - إذْ هُوَ عَامِلٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ - قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ بِالسَّيْفِ؟ فَضَحِكَ الزُّهْرِيُّ وَقَالَ لِي: أَوَ هَذَا مِمَّا يُؤْخَذُ بِهِ؟ إنَّمَا كَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ بِالسَّيْفِ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَانِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاسْتَفْتَانِي فِي قَطْعِهِ؟ فَقُلْت لَهُ: أَرَى أَنْ يَصْدُقَهُ الْحَدِيثَ، وَيُكْتَبَ إلَيْهِ: «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ ضَرَبَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْطَعْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَدَهُ» وَضَرَبَ فُلَانٌ فُلَانًا بِالسَّيْفِ زَمَنَ مَرْوَانَ فَلَمْ يَقْطَعْ مَرْوَانُ يَدَهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بِذَلِكَ، فَمَكَثَ حِينًا لَا يَأْتِيهِ رَجَعَ كِتَابُهُ - ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ الْوَلِيدُ: أَنَّ حَسَّانًا كَانَ يَهْجُو صَفْوَانَ وَيَذْكُرُ أُمَّهُ وَنِسَاءَ أُخَرَ، قَدْ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ. وَذَكَرْت: أَنَّ مَرْوَانَ لَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ، وَلَكِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ قَطَعَ يَدَهُ، فَاقْطَعْ يَدَهُ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَطَعَ عُمَرُ يَدَهُ - وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ الَّتِي كَانَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ كَانَ رَفَعَ السَّيْفَ عَلَى سَبِيلِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ فَهُوَ مُحَارِبٌ، عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُحَارِبِ، وَإِنْ كَانَ لِعُدْوَانٍ فَقَطْ، لَا قَطْعِ طَرِيقٍ - فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَقَطْ، إلَى الْمَجْرُوحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ جُرْحٌ فَلَا شَيْءَ إلَّا التَّعْزِيرَ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة قَطْعُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَعَلَى الذِّمِّيِّ] 2263 - مَسْأَلَةٌ: قَطْعُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَعَلَى الذِّمِّيِّ سَوَاءٌ؟ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَصَّ عَلَى حُكْمِ مَنْ حَارَبَهُ وَحَارَبَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَلَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ مُسْلِمًا مِنْ ذِمِّيٍّ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَيْسَ هَذَا قَتْلًا لِلْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، لَكِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ بِالْحِرَابَةِ، وَيَمْضِي دَمُ الذِّمِّيِّ هَدَرًا.

مسألة صفة الصلب للمحارب

وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ عَلَى امْرَأَةٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، كُلُّ ذَلِكَ - مُحَارَبَةٌ صَحِيحَةٌ - يَسْتَحِقُّ بِهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الْمُحَارَبَةِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ - إنْ حَارَبَ فَلَيْسَ مُحَارِبًا، لَكِنَّهُ نَاقِضٌ لِلذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الصَّغَارَ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا قَتْلُهُ وَلَا بُدَّ، أَوْ يُسْلِمَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا فِي كُلِّ مَا أَصَابَ مِنْ دَمٍ، أَوْ فَرْجٍ، أَوْ مَالٍ، إلَّا مَا وُجِدَ فِي يَدِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ لَا مُحَارِبٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُ يَرْتَدُّ، فَيُحَارِبُ - فَعَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُحَارِبِ كُلِّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ اقْتَصَّ مِنْهُمْ قَوَدًا، وَأَقَامَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْمُحَارَبَةِ وَكَانُوا مُرْتَدِّينَ مُحَارِبِينَ مُتَعَدِّينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسْأَلَة صِفَةُ الصَّلْبِ لِلْمُحَارِبِ] 2264 - مَسْأَلَةٌ: صِفَةُ الصَّلْبِ لِلْمُحَارِبِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي صِفَةِ الصَّلْبِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْمُحَارِبُ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يُضْرَبُ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ ثُمَّ يُصْلَبُ مَقْتُولًا - زَادَ الشَّافِعِيُّ -: وَيُتْرَكُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُدْفَنُ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ: يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الظَّاهِرِينَ: يُصْلَبُ حَيًّا وَيُتْرَكُ حَتَّى يَمُوتَ، وَيَيْبَسَ كُلُّهُ وَيَجِفَّ، فَإِذَا يَبِسَ وَجَفَّ أُنْزِلَ، فَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَدُفِنَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ مَقْتُولًا، يَحْتَجُّونَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " كِتَابِ الدِّمَاءِ " مِنْ دِيوَانِنَا كَيْفَ يَكُونُ الْقَوَدُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» . وَمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ» .

وَمِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا وَلَعْنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ هُنَالِكَ بِأَسَانِيدِهَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهَا. وَقَالُوا: طَعْنُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ لَيْسَ قِتْلَةً حَسَنَةً، وَلَا عَفِيفَةً، وَهُوَ اتِّخَاذُ الرُّوحِ غَرَضًا، فَهَذَا لَا يَحِلُّ؟ وَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى قَتْلَهُ مَصْلُوبًا فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِالْقَتْلِ عُقُوبَةً، وَخِزْيًا لِلْمُحَارِبِ فِي الدُّنْيَا، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْعُقُوبَةُ وَالْخِزْيُ لَا يَقَعَانِ عَلَى مَيِّتٍ، وَإِنَّمَا خِزْيُ الْمَيِّتِ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يُصْلَبَ بَعْدَ قَتْلِهِ رَدْعًا لِغَيْرِهِ؟ فَعَارَضَهُمْ الْأَوَّلُونَ - بِأَنْ قَالُوا: يُصْلَبُ بَعْدَ قَتْلِهِ رَدْعًا لِغَيْرِهِ. فَعَارَضَهُمْ هَؤُلَاءِ بِأَنْ قَالُوا: لَيْسَ رَدْعًا، وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِلْفَاعِلِ، وَخِزْيٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ - وَفِي صَلْبِهِ، ثُمَّ قَتْلِهِ، أَعْظَمُ الرَّدْعِ أَيْضًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَتَانِ مَعًا، وَاَلَّتِي احْتَجَّتْ بِهِ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ حَقٌّ، إلَّا أَنَّهُ أَنْتَجُوا مِنْهُ مَا لَا تُوجِبُهُ الْقَضَايَا الصِّحَاحُ الَّتِي ذَكَرُوا، فَمَالُوا عَنْ شَوَارِعِ الْحَقِّ إلَى زَوَائِغِ التَّلْبِيسِ وَالْخَطَأِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَلِكَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فَنَقُولُ: إنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ» وَ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» . وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ، كَمَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كُلُّهُ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ بَعْدَ الصَّلْبِ بِرُمْحٍ أَوْ بِرَمْيِ سِهَامٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وُجُوبُ الْفَرْضِ فِي إحْسَانِ قَتْلِهِ إنْ اخْتَارَ الْإِمَامُ قَتْلَهُ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وُجُوبُ صَلْبِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ، وَلَا إبَاحَةُ صَلْبِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ أَلْبَتَّةَ، لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِإِشَارَةٍ. فَأَمَّا إحْسَانُ الْقَتْلِ فَحَقٌّ، وَأَمَّا صَلْبُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ، فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ، لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَلَا غَيْرِهَا - فَبَطَلَ بِيَقِينٍ - لَا شَكَّ فِيهِ - احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ

فِي النُّكْتَةِ الَّتِي عَلَيْهَا تَكَلَّمُوا - وَهِيَ الصَّلْبُ بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ - وَسَقَطَ قَوْلُهُمْ، إذْ تَعَرَّى مِنْ الْبُرْهَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الْمُوجِبَةُ قَتْلَهُ بَعْدَ الصَّلْبِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّلْبَ عُقُوبَةٌ وَخِزْيٌ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخْزَى فِي الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ: قَوْلًا صَحِيحًا لَا شَكَّ فِيهِ - وَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّدْعَ يَكُونُ بِصَلْبِهِ حَيًّا قَوْلًا أَيْضًا خَارِجًا عَنْ أُصُولِهِمْ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إيجَابُ قَتْلِهِ بَعْدَ الصَّلْبِ، كَمَا قَالُوا، وَلَا إبَاحَةُ ذَلِكَ أَيْضًا - وَإِنَّمَا فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ: إيجَابُ الصَّلْبِ فَقَطْ، فَأَقْحَمُوا فِيهِ الْقَتْلَ بَعْدَ الصَّلْبِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِمْ، فِي التَّلْبِيسِ وَالزِّيَادَةِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، عَلَى النُّصُوصِ مَا لَيْسَ فِيهَا - فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا بَطَلَ الْقَوْلَانِ مَعًا وَجَبَ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ كُلَّهَا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ قَطُّ عَلَيْهِمْ حُكْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَلَا أَبَاحَ أَنْ يُجْمَعَ عَلَيْهِمْ خِزْيَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَخْزَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُحَارِبِ أَحَدَهَا لَا كُلَّهَا، وَلَا اثْنَيْنِ مِنْهَا، وَلَا ثَلَاثَةً فَصَحَّ بِهَذَا يَقِينًا لَا شَكَّ فِيهِ: أَنَّهُ إنْ قُتِلَ فَقَدْ حَرُمَ صَلْبُهُ، وَقَطْعُهُ، وَنَفْيُهُ. وَأَنَّهُ إنْ قُطِعَ، فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُ، وَصَلْبُهُ، وَنَفْيُهُ. وَأَنَّهُ إنْ نُفِيَ، فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُ، وَصَلْبُهُ وَقَطْعُهُ وَأَنَّهُ إنْ صُلِبَ، فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُ، وَقَطْعُهُ، وَنَفْيُهُ - لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ غَيْرُ هَذَا، فَحَرُمَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ صَلْبُهُ إنْ قُتِلَ. وَحَرُمَ أَيْضًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَتْلُهُ إنْ صُلِبَ وَحَرُمَ هَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ «إنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً

أَهْلُ الْإِيمَانِ» وَ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ. فَلَمَّا حَرُمَ قَتْلُهُ مَصْلُوبًا بِيَقِينٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ اللَّعْنَةِ عَلَى مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا - وَحَرُمَ صَلْبُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جَمْعُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ الصَّلْبَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْمُحَارِبِ إنَّمَا هُوَ صَلْبٌ لَا قَتْلَ مَعَهُ؟ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا لَبَطَلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَكَانَ كَلَامًا عَارِيًّا مِنْ الْفَائِدَةِ أَصْلًا، وَحَاشَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ تَعَالَى هَكَذَا؟ وَلَكَانَ أَيْضًا تَكْلِيفًا لِمَا لَا يُطَاقُ - وَهَذَا بَاطِلٌ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُخَيَّرَ الْإِمَامُ صَلْبُهُ إنْ صَلَبَهُ حَيًّا، ثُمَّ يَدَعُهُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيَجِفَّ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الصَّلْبَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ الْأَيْدِي، وَالرَّبْطِ عَلَى الْخَشَبَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ فِرْعَوْنَ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: التَّيْبِيسُ، قَالَ الشَّاعِرُ، يَصِفُ فَلَاةً مُضِلَّةً: بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا ... فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ يُرِيدُ أَنَّ جِلْدَهَا يَابِسٌ. وَقَالَ الْآخَرُ: جَذِيمَةُ نَاهِضٍ فِي رَأْسِ نِيقٍ ... تَرَى لِعِظَامِ مَا جَمَعَتْ صَلِيبًا يُرِيدُ: وَدَكًا سَائِلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ جَمْعُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، حَتَّى إذَا أَنْفَذْنَا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَجَبَ بِهِ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: مِنْ الْغُسْلِ، وَالتَّكْفِينِ، وَالصَّلَاةِ، وَالدَّفْنِ، عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَلَيْسَ الرَّجْمُ اتِّخَاذُ مَا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُكُمْ فِي الْقَوَدِ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ؟

فَجَوَابُنَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: نَعَمْ، وَهُمَا مَأْمُورٌ بِهِمَا، قَدْ حَكَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكِلَيْهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا مُسْتَثْنَيَيْنِ مِمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ اتِّخَاذِ الرُّوحِ غَرَضًا، فَأَمَّا الرَّجْمُ فَبِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْقَوَدُ فَبِالنَّصِّ الْجَلِيِّ فِي رَضْخِ رَأْسِ الْيَهُودِيِّ وَفِي الْعُرَنِيِّينَ كَمَا قُلْتُمْ أَنْتُمْ وَنَحْنُ فِي أَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ قَطْعِ الْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلِ، وَسَمْلِ الْأَعْيُنِ، وَجَدْعِ الْأَنْفِ، وَالْآذَانِ، وَقَطْعِ الشِّفَاهِ، وَالْأَلْسِنَةِ، وَقَلْعِ الْأَضْرَاسِ، حَقٌّ وَاجِبٌ إنْفَاذُهُ، مُسْتَثْنَيَيْنِ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَا فَرْقَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ» وَ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَهُ أَوْحَشَ قِتْلَةٍ وَأَقْبَحَهَا: جُوعًا، وَعَطَشًا، وَحَرًّا، وَبَرْدًا؟ فَنَقُولُ: وَمَا قَتَلْنَاهُ أَصْلًا، بَلْ صَلَبْنَاهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا مَاتَ إلَّا حَتْفَ أَنْفِهِ، وَمَا يُسَمَّى هَذَا فِي اللُّغَةِ مَقْتُولًا فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ فِيمَنْ سَجَنَ إنْسَانًا وَمَنَعَهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى مَاتَ إنَّهُ يُسْجَنُ وَيُمْنَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى يَمُوتَ، فَهَذَا قَتْلٌ بِقَتْلٍ؟ فَنَقُول: إنَّ هَذَا لَيْسَ قَتْلًا، وَلَا قَوَدًا بِقَتْلٍ، بَلْ هُوَ ظُلْمٌ وَقَوَدٌ مِنْ الظُّلْمِ فَقَطْ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ رَجُلًا لَوْ اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يَقْفِلَ بَابًا بِغَيْرِ عُدْوَانٍ، فَإِذَا فِي دَاخِلِ الدَّارِ إنْسَانٌ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ، فَمَاتَ هُنَالِكَ جُوعًا وَعَطَشًا: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى قَافِلِ الْبَابِ أَصْلًا، وَلَا دِيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَاتِلًا؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّكُمْ تَمْنَعُونَهُ الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَمَرَ بِصَلْبِهِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَتَمُرُّ عَلَيْهِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِإِزَالَةِ التَّصْلِيبِ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَلَا يَسَعُ مُسْلِمًا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41] و {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] .

صفة القتل في المحارب

[صِفَةُ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارِبِ] ِ 2265 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خِلَافَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْوَاجِبَ فِي الْمُحَارِبِ إنَّمَا هُوَ ضَرْبُ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ فَقَطْ، وَأَمَّا قَطْعُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] . فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ يَدَيْهِ وَرِجْلِهِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَهَذَا أَيْضًا إجْمَاعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: يُقْطَعُ يَمِينُ يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ يُحْسَمُ بِالنَّارِ وَلَا بُدَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَسْمُ فَوَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُحْسَمُ مَاتَ، وَهَذَا قَتْلٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ مَعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ بِلَفْظِ " أَوْ " وَهُوَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرُ وَلَا بُدَّ. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى جَمْعَ ذَلِكَ لَقَالَ: أَنْ يُقَتَّلُوا وَيُصَلَّبُوا وَتُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ. وَهَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] . وقَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ قَالَتْ: جَالِسْ الْحَسَنَ، أَوْ ابْنَ سِيرِينَ - وَكُلْ خُبْزًا، أَوْ تَمْرًا - وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] . قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْهِيٌّ أَنْ يُطِيعَ الْآثِمَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفُورًا - وَكُلُّ كَفُورٍ آثِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ آثِمٍ كَفُورًا - فَصَحَّ أَنَّ ذِكْرَهُ تَعَالَى لِلْكَفُورِ تَأْكِيدٌ أَبَدًا، وَإِلَّا فَالْكَفُورُ دَاخِلٌ فِي الْآثِمِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ: جَالِسْ الْحَسَنَ، أَوْ ابْنَ سِيرِينَ - وَكُلْ خُبْزًا، أَوْ تَمْرًا، فَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ خُرُوجَ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ بِالظُّنُونِ وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ.

وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: جَالِسْ الْحَسَنَ، أَوْ ابْنَ سِيرِينَ: إبَاحَةٌ لِمُجَالَسَتِهِمَا مَعًا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: كُلْ خُبْزًا، أَوْ تَمْرًا أَيْضًا، وَلَا فَرْقَ - بِدَلِيلٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ الْمُخَاطَبِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ الدَّلِيلُ لَمَا جَازَ إخْرَاجُ " أَوْ " عَنْ مَوْضُوعِهَا فِي اللُّغَةِ - أَصْلًا وَمَوْضُوعُهَا، إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ أَوْ الشَّكُّ - وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَشُكُّ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّخْيِيرُ فَقَطْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَى يَدَيْهِ، وَيُمْنَى رِجْلَيْهِ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، عَمْدًا فَعَلَهُ أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنُصَّ عَلَى قَطْعِ يُمْنَى يَدَيْهِ دُونَ يُسْرَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعَالَى الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلَ فَقَطْ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَمِنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُوجِدَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، وَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب السرقة

[كِتَابُ السَّرِقَةِ] ِ 2266 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] فَوَجَبَ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَنَصِّ السُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ حُكْمِ السَّرِقَةِ نَذْكُرُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. [مَسْأَلَة ذِكْرُ مَا السَّرِقَةُ وَحُكْمُ الْحِرْزِ أَيُرَاعَى أَمْ لَا] 2267 - مَسْأَلَةٌ: ذِكْرُ مَا السَّرِقَةُ وَحُكْمُ الْحِرْزِ أَيُرَاعَى أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَطْعَ إلَّا فِيمَا أُخْرِجَ مِنْ حِرْزِهِ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزِهِ وَمَضَى بِهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ - وَقَدْ أَخَذَهُ - مِنْ حِرْزٍ فَأُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْحِرْزِ وَيَمْضِيَ بِهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ: إنَّ عُثْمَانَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ، ثُمَّ اتَّفَقَا: لَا قَطْعَ عَلَى سَارِقٍ حَتَّى يُخْرِجَ الْمَتَاعَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى سَارِقٍ - وَإِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْرِقَ - حَتَّى يَحْمِلَهُ وَيَخْرُجَ بِهِ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ سَارِقًا نَقَبَ خِزَانَةَ الْمُطَّلِبِ بْنِ وَدَاعَةَ وَالْطَعَنِّ فِيهَا قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَجَلَدَهُ وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ، فَمَرَّ بِابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ فَأَتَى ابْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: أَمَرْت بِهِ أَنْ يُقْطَعَ؟

فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا شَأْنُ الْجَلْدِ؟ قَالَ: غَضِبْت، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْبَيْتِ، أَرَأَيْت لَوْ رَأَيْت رَجُلًا بَيْنَ رِجْلَيْ امْرَأَةٍ لَمْ يُصِبْهَا أَكُنْت حَادَّهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لَعَلَّهُ قَدْ كَانَ نَازِعًا تَائِبًا وَتَارِكًا لِلْمَتَاعِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ - وَإِنْ وُجِدَ مَعَهُ الْمَتَاعُ - مَا لَمْ يَخْرُجْ بِهِ عَنْ الدَّارِ. وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ الشِّمْرَ بْنَ نُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُوجَدُ فِي الْبَيْتِ - وَقَدْ نَقَبَهُ - مَعَهُ الْمَتَاعُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَحْمِلَ الْمَتَاعَ فَيَخْرُجَ بِهِ عَنْ الدَّارِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ عَلَى السَّارِقِ قَطْعٌ حَتَّى يُخْرِجَ الْمَتَاعَ. وَعَنْ عَطَاءٍ - سَأَلَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ السَّارِقُ يُوجَدُ فِي الْبَيْتِ قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ؟ قَالَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أُخِذَ فِي دَارِ قَوْمٍ مَعَهُ سَرِقَةٌ قَدْ خَرَجَ عَنْ مَفَاتِيحِ الْبَيْتِ الَّذِي أَخَذَ السَّرِقَةَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ شَيْءٌ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ السَّرِقَةَ. وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ نَقَبَ بَيْتَ قَوْمٍ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ فَجَمَعَ مَتَاعَهُمْ فَأَخَذُوهُ فِي الْبَيْتِ قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّهُ لَمْ يَنْقُبْ الْبَيْتَ وَيَجْمَعْ الْمَتَاعَ لِخَيْرٍ، فَعَاقِبْهُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً ثُمَّ احْبِسْهُ وَلَا تَدَعْ أَنْ تُذَكِّرَنِيهِ. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا السَّرِقَةُ فِيمَا أُحْصِنَ، فَمَا كَانَ مُحْصَنًا فِي دَارٍ، أَوْ حِرْزٍ، أَوْ حَائِطٍ، أَوْ مَرْبُوطٍ، فَاحْتَلَّ رِبَاطَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَتِلْكَ مِنْ السَّرِقَةِ الَّتِي يُقْطَعُ فِيهَا، قَالَ: فَمَنْ سَرَقَ طَيْرًا مِنْ حِرْزٍ لَهُ مُعَلَّقٍ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى السَّارِقِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ سَوَاءٌ مِنْ حِرْزٍ سَرَقَ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. كَمَا نا أَحْمَدُ بْنُ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ - هُوَ الزُّبَيْرِيُّ - نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو خَالِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: بَلَغَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إذَا لَمْ يُخْرِجْ السَّارِقُ الْمَتَاعَ لَمْ يُقْطَعْ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا سِكِّينًا لَقَطَعْتُهُ. اخْتِلَاسٌ وَبِهِ - إلَى ابْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا سُلَيْمُ بْنُ حَيَّانَ نا سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَلِي صَدَقَةَ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ فِي بَيْتٍ لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَغَيْرُ جَارِيَةٍ لَهُ، فَفَقَدَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ؟ فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: مَا كَانَ يَدْخُلُ هَذَا الْمَكَانَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ فَمَنْ أَخَذَ هَذَا الْمَالِ؟ فَأَقَرَّتْ الْجَارِيَةُ، فَقَالَ لِي: يَا سَعِيدٌ انْطَلَقَ بِهَا فَاقْطَعْ يَدَهَا، فَإِنَّ الْمَالَ لَوْ كَانَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا، قَطْعٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمٌ نا أَصْبَغُ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي السَّارِقِ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَخْرُجَ بِالْمَتَاعِ، فَأَنْكَرَهُ إبْرَاهِيمُ. حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ السَّارِقِ يَسْرِقُ فَيَطْرَحُ السَّرِقَةَ، وَيُوجَدُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي سَرَقَ مِنْهُ، لَمْ يَخْرُجْ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: عَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا جَمَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ، قُطِعَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُزَنِيّ

أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُزَنِيّ كَانَ قَائِمًا يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَسَمِعَ خَشَفَةً فِي الْبَيْتِ، فَظَنَّ أَنَّهَا الشَّاةُ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّ فِي الْبَيْتِ لُصُوصًا، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَقَامَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَإِذَا كَارَّةٌ وَسَطَ الْبَيْتِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ مِثْلُ الْجَمَلِ الْمُحَجْرِمِ، فَضَرَبَ بِالثِّيَابِ وَجْهَهُ، وَحَذَفَهُ عَمْرٌو بِالسَّيْفِ حَذْفَةً، وَنَادَى مَوَالِيَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى الرَّجُلِ فَقَدْ أَثْقَلْتُهُ، وَأَقَامَ بِمَكَانِهِ يَرَى أَنَّ فِي الْبَيْتِ آخَرِينَ فَأَدْرَكُوهُ، وَهُوَ تَحْتَ سَابَاطٍ لِبَنِي لَيْثٍ يَشْتَدُّ، فَأَخَذُوهُ فَجَاءُوا بِهِ إلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ: إنِّي رَجُلٌ قَصَّابٌ، وَإِنِّي أَدْلَجْت مِنْ أَهْلِي أُرِيدُ الْجِسْرَ لِأُجِيزَ غَنَمًا لِي، وَإِنَّ عَمْرًا ضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ إلَى عَمْرٍو فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ: بَلْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي، وَجَمَعَ الْمَتَاعَ، فَشُهِدَ عَلَيْهِ فَقَطَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ يَدَهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا؟ وَمِنْ هَذَا أَيْضًا الْمُخْتَلِسُ - فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ دِثَارِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ أَنْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ اخْتَلَسَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا؟ فَقَالَ: إنَّمَا كُنْت أَلْعَبُ مَعَهُ، قَالَ: تَعْرِفُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا اخْتَلَسَ طَوْقًا، فَسَأَلَ عَنْهَا مَرْوَانُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: اخْتَلَسَ رَجُلٌ مَتَاعًا فَأَرَادَ مَرْوَانُ أَنْ يَقْطَعَ - يَدَهُ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تِلْكَ الْخِلْسَةُ الظَّاهِرَةُ، لَا قَطْعَ فِيهَا، لَكِنْ نَكَالٌ وَعُقُوبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْخِلْسَةَ، فَقَالَ: تِلْكَ الدَّعْوَةُ الْمُقِلَّةُ، لَا قَطْعَ فِيهَا. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا اخْتَلَسَ طَوْقًا فَأَخَذُوهُ - وَهُوَ فِي حُجْرَتِهِ فَرُفِعَ إلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ

وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ - فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنَّهُ عَادِي الظَّهِيرَةِ، وَلَا قَطَعَ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ اخْتَلَسَ طَوْقًا مِنْ ذَهَبٍ كَانَ فِي عُنُقِ جَارِيَةٍ نَهَارًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ ذَلِكَ عَادٍ ظَهَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، فَعَاقِبْهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْخِلْسَةِ: لَا قَطَعَ فِيهَا وَعَنْ قَتَادَةَ: لَا قَطَعَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ، وَلَكِنْ يُسْجَنُ وَيُعَاقَبُ - وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ - وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ - كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ قَبَّاثِ بْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ اللَّخْمِيَّ يَقُولُ: السُّنَّةُ أَنْ تُقْطَعَ الْيَدُ الْمُسْتَخْفِيَةُ، وَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ الْمُعْلِنَةُ. وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ: تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ الْمُسْتَخْفِي الْمُسْتَقِرِّ - وَلَا تُقْطَعُ يَدُ الْمُخْتَلِسِ الْمُعْلِنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ: أَنَّ عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ اخْتَلَسَ خِلْسَةً، فَقَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ، فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ إلَّا فِي أَخْذٍ مِنْ حِرْزٍ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ: مَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ؟ فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ

وَالْعُقُوبَةُ - وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ - وَمَنْ سَرَقَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَمْ تُقْطَعُ الْيَدُ؟ فَقَالَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي تَمْرٍ مُعَلَّقٍ، فَإِذَا ضَمَّهُ الْجَرِينُ قُطِعَتْ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَلَا تُقْطَعُ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ، فَإِذَا آوَاهُ الْمِرَاحُ قُطِعَتْ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَحْمَدُ يَسْمَعُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ «إنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ؟ قَالَ: هِيَ وَمِثْلُهَا، وَالنَّكَالُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ قَطْعٌ إلَّا فِيمَا آوَاهُ الْمُرَاحُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ قَطْعُ الْيَدِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ، وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ؟ قَالَ: هُوَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، وَالنَّكَالُ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ قَطْعٌ إلَّا فِيمَا آوَاهُ الْجَرِينُ، فَمَا أُخِذَ مِنْ الْجَرِينِ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ، وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَرَأَ عَنْ الْمُنْتَهِبِ، وَالْمُخْتَلِسِ، وَالْخَائِنِ، الْقَطْعَ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَقَالُوا: لَمْ يَجْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَطْعَ عَلَى مُخْتَلِسٍ، وَلَا

عَلَى خَائِنٍ - فَسَقَطَ بِذَلِكَ الْقَطْعُ عَنْ كُلِّ مَنْ اُؤْتُمِنَ، وَسَقَطَ الْقَطْعُ عَنْ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ، وَالتَّمْرِ الْمُعَلَّقِ، حَتَّى يُؤْوِيهِمَا الْجَرِينُ، وَالْمِرَاحُ، وَهُوَ حِرْزُهُمَا. وَقَالُوا: مَا وُجِدَ فِي غَيْرِ حِرْزٍ فَإِنَّمَا هُوَ لُقَطَةٌ قَدْ أُبِيحَ أَخْذُهَا وَتَحْصِينُهَا، وَقَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى مُخْتَلِسٍ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْحِرْزِ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا الْخَبَرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا وَلَا وَاحِدٌ. أَمَّا حَدِيثُ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ، وَالتَّمْرِ الْمُعَلَّقِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَحَدَ طَرِيقَيْهِ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلٌ، وَالْأُخْرَى: هِيَ أَيْضًا أَسْقَطُ، مُرْسَلَةً - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ - وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَالْأُخْرَى: مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - وَهِيَ صَحِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا - فَهَذَا وَجْهٌ يَسْقُطُ بِهِ. وَدَلِيلٌ آخَرُ - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ - يَعْنِي الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ - مُخَالِفُونَ، لِمَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَكَذَلِكَ إذَا آوَاهُ الْجَرِينُ فَلَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ أَيْضًا غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا أَيْضًا. وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ غَرَامَةُ مِثْلِهَا، وَأَنَّ فِيهَا غَرَامَةُ مِثْلَيْهَا، وَأَنَّ فِيهَا - إنْ آوَاهُ الْمِرَاحُ فَلَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ - غَرَامَةُ مِثْلَيْهَا، فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ أَحْكَامِهِ، فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو وَرَعٍ يَدْرِي أَنَّ كَلَامَهُ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُحَاسَبٌ بِهِ يَخَافُ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَهَابُ عِقَابَهُ، أَنْ يَحْتَجَّ بِخَبَرٍ هُوَ يُصَحِّحُهُ، وَيُخَالِفُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ مِنْ أَحْكَامِهِ، عَلَى مَنْ لَا يُصَحِّحُهُ أَصْلًا، فَلَا يَرَاهُ حُجَّةً، وَهَلْ فِي التَّعْجِيلِ بِالْإِثْمِ، وَالْفَضِيحَةِ الْعَاجِلَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا؟ فَإِنْ ادَّعَوْا فِي تَرْكِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ إجْمَاعًا؟ كَذَبُوا؛ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ حَكَمَ بِهَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ مِنْهُمْ لَهُ

مُخَالِفٌ وَلَا يُدْرَى مِنْهُمْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، فَأَضْعَفُ قِيمَةِ النَّاقَةِ الْمُنْتَحِرَةِ لِلْمُزَنِيِّ عَلَى رَقِيقِ حَاطِبٍ الَّتِي سَرَقُوهَا وَانْتَحَرُوهَا. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِلْمُزَنِيِّ - رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ - فَانْتَحَرُوهَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ عُمَرُ لِكَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ، قَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ، وَاَللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك - ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ؟ قَالَ: أَرْبَعمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ عُمَرُ: فَأَعْطِهِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ كَالشَّمْسِ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَهُمْ يَعُدُّونَ مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا - إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ نَحْوُ هَذَا فِي إتْلَافِ الْأَمْوَالِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ أَبَاهُ عُثْمَانَ أُغْرِمَ فِي نَاقَةِ مُحْرِمٍ أَهْلَكَهَا رَجُلٌ، فَأَغْرَمُهُ الثُّلُثَ زِيَادَةً عَلَى ثَمَنِهَا - قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا أُصِيبَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَمَوَاشِيهِمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَإِنَّهُ يُزَادُ الثُّلُثُ لِهَذَا فِي الْعَمْدِ - فَهَذَا أَثَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ بِهِ الزُّهْرِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يُبَالُونَ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا جُرْأَةً عَلَى الْكَذِبِ، ثُمَّ لَا يُبَالُونَ بِمُخَالَفَةٍ مَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ عَنْ جَابِرٍ إلَّا أَبُو الزُّبَيْرِ فَقَطْ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ مَا لَمْ يُقِلْ فِيهِ: نا، أَوْ أَنَا، لَا سِيَّمَا فِي جَابِرٍ، فَقَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّدْلِيسِ فِيهِ: كَمَا نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلَانِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ

نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ نا عَمِّي ونا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَجِئْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ، فَانْقَلَبْتُ بِهِمَا، فَقُلْت فِي نَفْسِي: لَوْ عَاوَدْته فَسَأَلْته: أَسَمِعَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرٍ؟ فَرَجَعْت إلَيْهِ، فَقُلْت لَهُ: هَذَا كُلُّهُ سَمِعْتَهُ مِنْ جَابِرٍ؟ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْته، وَمِنْهُ مَا حُدِّثْتُ عَنْهُ، فَقُلْت لَهُ: أَعْلِمْ لِي مَا سَمِعْتَ مِنْهُ؟ فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا لَمْ يَرْوِهِ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: نا، أَوْ أَنَا، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ - فَقَدْ صَحَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ جَابِرٍ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْمُخْتَلِسِ - فَإِنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ مُنْقَطِعَةٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ الزُّهْرِيُّ مِنْ زَيْدٍ كَلِمَةً: وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إلَّا بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَكُنْ يَعْقِلْ إذْ مَاتَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ - فَهِيَ مِنْ طَرِيقَيْنِ -: إحْدَاهُمَا - عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَالْأُخْرَى - مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ أَبِي السُّمَيْطِ الْمَكْفُوفِ - وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَفَّانَ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ، إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الْمُخْتَلِسِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتَلَسَ جِهَارًا غَيْرَ مُسْتَخْفٍ مِنْ النَّاسِ - فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ سَارِقًا، وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ.

أَوْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا عَنْ كُلِّ مَنْ حَضَرَ - فَهَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا فِي أَنَّهُ سَارِقٌ، وَأَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ. فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ، وَعَرِيَ قَوْلُهُمْ فِي مُرَاعَاةِ الْحِرْزِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الشَّيْءَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا فَهُوَ لُقَطَةٌ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ إنَّمَا هِيَ مَا سَقَطَ عَنْ صَاحِبِهِ وَصَارَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ - وَكَذَلِكَ الضَّالَّةُ - وَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ مُهْمَلٍ وَلَا سَاقِطٍ، فَقَدْ بَطَلَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لُقَطَةً، أَوْ ضَالَّةً، وَقَدْ جَاءَ فِي اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ نُصُوصٌ لَا يَحِلُّ تَعَدِّيهَا، فَلَا مَدْخَلَ لِلسَّارِقِ فِيهَا، فَنَحْنُ إنَّمَا نُكَلِّمُهُمْ فِي سَارِقٍ مِنْ حِرْزٍ، لَا فِي مُلْتَقَطٍ، وَلَا فِي آخِذِ ضَالَّةٍ - فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ مُخْتَلِسٌ فَسَقَطَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ الْفَاسِدُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] فَوَجَبَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَرَقَ فَالْقَطْعُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَنْ اكْتَسَبَ سَرِقَةً فَقَدْ اسْتَحَقَّ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى جَزَاءً لِكَسْبِهِ ذَلِكَ قَطْعَ يَدِهِ نَكَالًا. وَبِالضَّرُورَةِ الْحِسِّيَّةِ، وَبِاللُّغَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ يَدْرِي اللُّغَةَ أَنَّ مَنْ سَرَقَ - مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ - فَإِنَّهُ " سَارِقٌ " وَأَنَّهُ قَدْ اكْتَسَبَ سَرِقَةً، لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، فَإِذْ هُوَ سَارِقٌ مُكْتَسِبٌ سَرِقَةً، فَقَطْعُ يَدِهِ وَاجِبٌ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُخَصَّ الْقُرْآنُ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَلَا بِالدَّعْوَى الْعَارِيَّةِ مِنْ الْبُرْهَانِ. فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ، فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْكَذِبَ، وَقَالَ مَا لَا يَعْلَمْ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ - وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. وَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا مِنْ السُّنَنِ

فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْوَلِيدِ - هُوَ الطَّيَالِسِيُّ - وَاللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا صَالِحٍ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ السَّارِقِ جُمْلَةً وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِرْزًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَقَالَ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] . وَقَالَ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ لَا يَقْطَعَ السَّارِقَ حَتَّى يَسْرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَيُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ، وَلَا أَهْمَلَهُ، وَلَا أَعْنَتَنَا بِأَنْ يُكَلِّفَنَا عِلْمَ شَرِيعَةٍ لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَيْهِ، وَلَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا فِي الْوَحْيِ، وَإِمَّا فِي النَّقْلِ الْمَنْقُولِ. فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَحْنُ نَشْهَدُ، وَنَبُتُّ، وَنَقْطَعُ - بِيَقِينٍ لَا يُمَازِجُهُ شَكٌّ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتِرَاطَ الْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ. إذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاشْتِرَاطُ الْحِرْزِ فِيهَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَشَرْعٌ لِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَوَقَفَ عَلَى مَا

مسائل من باب السرقة

ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ مَنْ سَلَفَ مِمَّنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ مَأْجُورٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ السَّرِقَةَ هِيَ الِاخْتِفَاءُ بِأَخْذِ الشَّيْءِ لَيْسَ لَهُ، وَأَنَّ السَّارِقَ هُوَ الْمُخْتَفِي بِأَخْذِ مَا لَيْسَ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْحِرْزِ فِيمَا اقْتَضَاهُ الِاسْمُ، فَمِنْ أَقْحَمَ فِي ذَلِكَ اشْتِرَاطَ الْحِرْزِ فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي اللُّغَةِ، وَادَّعَى فِي الشَّرْعِ مَا لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى وُجُودِهِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ: فَقَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ اشْتِرَاطُ الْحِرْزِ أَصْلًا وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْ بَعْضِهِمْ " حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ " مِنْ الْبَيْتِ " وَلَيْسَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْحِرْزِ - مَعَ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي ذَلِكَ - فَلَاحَ أَنَّ قَوْلَنَا قَوْلٌ قَدْ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ [مَسَائِلُ مِنْ بَابِ السَّرِقَة] 2268 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ الْغَنِيمَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: إنَّ رَجُلًا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَكَتَبَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَكَتَبَ عُمَرُ إلَيْهِ: أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ مِنْ الْخُمْسِ مِغْفَرًا فَلَمْ يَقْطَعْهُ عَلِيٌّ، وَقَالَ: إنْ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا. وَبِهِ - يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا - وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا احْتَجَّ مِنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ فِي ذَلِكَ بِحُجَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا مُشَاعًا.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَوْلُ صَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، فَإِنَّ هَذَا يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ التَّارِكِينَ لَهُ إذَا اشْتَهَوْا؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْل أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ نَصِيبًا - فَهَذَا لَيْسَ حُجَّةً فِي إسْقَاطِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَيْسَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَا مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِمَّا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ: فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعُمَدِ الثَّلَاثِ. وَكَوْنُهُ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْمَغْنَمِ نَصِيبٌ لَا يُبِيحُ لَهُ أَخَذُ نَصِيبِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . فَإِذْ نَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ سِرْقَتِهِ إيَّاهُ وَبَيْنَ سَرِقَتَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا نَصِيبَ لَهُ مَعَهُ، وَهُمْ يَدَّعُونَ الْقِيَاسَ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْحَرَامَ إذَا امْتَزَجَ مَعَ الْحَلَالِ فَإِنَّهُ كُلُّهُ حَرَامٌ، كَالْخَمْرِ مَعَ الْمَاءِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ يُدَقُّ مَعَ لَحْمِ الْكَبْشِ، وَغَيْرِ هَذَا كَثِيرٌ؟ وَيَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ شَرِبَ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمَاءٍ حَلَالٍ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَرَقَ شَيْئًا بَعْضُهُ لَهُ حَلَالٌ وَبَعْضُهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ، أَوْ مِنْ الْخُمُسِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةِ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] . وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَارِقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا سَارِقًا مِنْ الْمَغْنَمِ،

مسألة فيمن سرق من الحمام

وَلَا سَارِقًا مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ مِنْ غَيْرِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا أَغْفَلَهُ وَلَا أَهْمَلَهُ وَالْعَمَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ شَيْءٍ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْخُمُسِ، أَوْ الْمَغْنَمِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مَحْدُودًا مَعْرُوفَ الْمِقْدَارِ كَالْغَنِيمَةِ، أَوْ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ بِبَيْعِ، أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ، نُظِرَ: فَإِنْ أَخَذَ زَائِدًا عَلَى نَصِيبِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ الْقَطْعُ قُطِعَ، وَلَا بُدَّ، فَإِنْ سَرَقَ أَقَلَّ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنِعَ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ أَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَمْ يَصِلْ إلَى أَخْذِ حَقِّهِ إلَّا بِمَا فَعَلَ وَلَا قَدَرَ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ خَالِصًا فَلَا يُقْطَعُ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الزَّائِدَ عَلَى حَقِّهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى أَخْذِ مَا أُخِذَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَخْلِيصِ مِقْدَارِ حَقِّهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ] 2269 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ؟ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ بُرْنُسًا مِنْ الْحَمَّامِ فَرُفِعَ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ؟ فَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَطْعًا. وَبِهِ - يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَ هُنَالِكَ حَافِظٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ، وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا قَوْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] وَهَذَا سَارِقٌ فَالْقَطْعُ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَخْصِيصَ ذَلِكَ لَمَا أَغْفَلَهُ.

مسألة فيمن سرق من مسجد

[مَسْأَلَة فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ مَسْجِدٍ] ٍ؟ قَالَ قَوْمٌ: لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَسْجِدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا كَانَ هُنَالِكَ حَافِظٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ، أَوْ كَانَتْ الْأَبْوَابُ مُغْلَقَةً قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا - وَكَذَلِكَ لَوْ قَلَعَ بَابَ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مُغْلَقًا مَضْبُوطًا قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا - وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَابِ الدَّارِ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْقَطْعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَمْرُ الْحِرْزِ كَمَا ذَكَرْنَا - وَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِمُرَاعَاةِ الْحِرْزِ فَالْوَاجِبُ قَطْعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَسْجِدٍ بَابًا - كَانَ مُغْلَقًا أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ - أَوْ حَصِيرًا، أَوْ قِنْدِيلًا، أَوْ شَيْئًا وَضَعَهُ صَاحِبُهُ هُنَالِكَ وَنَسِيَهُ - كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ - إذَا أَخَذَهُ مُسْتَتِرًا بِأَخْذِهِ لِنَفْسِهِ، لَا لِيَحْفَظَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ عَلَى النَّبَّاشِ قَطْعٌ أَمْ لَا] 2271 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ عَلَى النَّبَّاشِ قَطْعٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي النَّبَّاشِ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْطَعُ يَدُهُ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعَزَّرُ أَدَبًا - وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ - فَكَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ رَجُلًا يَخْتَفِي فِي الْقُبُورِ فَقَتَلَهُ، فَأَهْدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَمَهُ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى قَطْعَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ: فَكَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَطَعَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يَدَ غُلَامٍ وَرِجْلَهُ، اخْتَفَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " عَبَّادٌ " هَذَا مِنْ التَّابِعِينَ أَدْرَكَ عَائِشَةَ، نَعَمْ، وَجَدُّهُ الزُّبَيْرُ، وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

وَأَمَّا مَنْ رَأَى قَطْعَ يَدِهِ فَقَطْ: فَكَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ وَجَدَ قَوْمًا يَخْتَفُونَ الْقُبُورَ بِالْيَمَنِ، فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: شَهِدْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَطْعَ يَدِ النَّبَّاشِ. وَبِهِ - إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ: أَنَّ الشَّعْبِيَّ، وَالنَّخَعِيَّ، وَمَسْرُوقَ بْنَ الْأَجْدَعِ، وَزَاذَانَ، وَأَبَا ذُرْعَةَ بْنَ عَمْرٍو وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ، قَالُوا فِي النَّبَّاشِ إذَا أَخَذَ الْمَتَاعَ: قُطِعَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا سَرَقَ النَّبَّاشُ قَدْرَ مَا يُقْطَعُ فِيهِ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ النَّبَّاشِ فَقَالَ: نَقْطَعُ فِي أَمْوَاتِنَا، كَمَا نَقْطَعُ فِي أَحْيَائِنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّ كُلَّ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، لَكِنَّ الْفَرْضَ هُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْد التَّنَازُعِ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ فَفَعَلْنَا: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» . وَوَجَدْنَا " " السَّارِقَ " فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَبِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ الْآخِذُ شَيْئًا لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَخْذَهُ، فَيَأْخُذُهُ مُتَمَلِّكًا لَهُ، مُسْتَخْفِيًا بِهِ - فَوَجَدْنَا النَّبَّاشَ هَذِهِ صِفَتُهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ سَارِقٌ، وَإِذْ هُوَ سَارِقٌ، فَقَطْعُ الْيَدِ عَلَى السَّارِقِ، فَقَطْعُ يَدِهِ وَاجِبٌ - وَبِهِ نَقُولُ.

مسألة ما يجب فيه على آخذه القطع

وَأَمَّا مَنْ رَأَى قَتْلَهُ، أَوْ قَطْعَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً، إلَّا أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ مُحَارِبًا - وَلَيْسَ هَاهُنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُحَارِبٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخِفْ طَرِيقًا، فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ، وَدِمَاؤُنَا حَرَامٌ، فَدَمُ النَّبَّاشِ حَرَامٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَا يَجِبُ فِيهِ عَلَى آخِذِهِ الْقَطْعُ] 2272 - مَسْأَلَةٌ: مَا يَجِبُ فِيهِ عَلَى آخِذِهِ الْقَطْعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَنَازَعَ النَّاسُ فِي أَشْيَاءَ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا قَطْعَ فِي سَرِقَتِهَا. وَقَالَ قَوْمٌ: فِيهَا الْقَطْعُ، مِنْ ذَلِكَ: التَّمْرُ، وَالْجُمَّارُ، وَالشَّجَرُ، وَالزَّرْعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي نا سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْغَوْصِيُّ عَنْ الْحَسَنِ - هُوَ ابْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ، وَلَا كَثَرٍ» وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ - وَفِي هَذَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ لَمْ نَذْكُرْهَا، لِئَلَّا نُطَوِّلَ بِذِكْرِهَا، وَلَوْ صَحَّتْ لَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَا بِذَلِكَ، وَلَلَزِمَ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَرِ، وَالْحُبُوبِ - سَوَاءٌ حُصِدَ أَوْ لَمْ يُحْصَدْ، جُدَّ أَوْ لَمْ يُجَدَّ - كَانَ فِي الْمَخَازِنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ - لِعُمُومِ هَذَا اللَّفْظِ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْيَابِسَ ثَمَرًا، فَقَالَ {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ} [النحل: 67] فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا تُثْمِرُهُ الشَّجَرَةُ، وَالنَّخْلَةُ، وَالزَّرْعُ، ثَمَرًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} [الأنعام: 141] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . فَوَجَبَ الْحَقُّ فِيهِ يَوْمَ حَصَادِهِ - وَالْحَصَادُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْيَابِسِ - وَأَمَّا سَاقُ الشَّجَرِ، وَالنَّخْلِ، وَأَغْصَانُهُ، فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ ثَمَرٍ أَصْلًا، لَا فِي لُغَةٍ، وَلَا فِي شَرِيعَةٍ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذَا، فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا قَطْعَ فِيمَا يَفْسُدُ مِنْ يَوْمِهِ مِنْ الطَّعَامِ، مِثْلَ: الثَّرِيدِ، وَاللَّحْمِ، وَمَا أَشْبَهَهُ، لَكِنْ يُعَزَّرُ. وَإِذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ فِي شَجَرَتِهَا لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ فِي سَرِقَتِهَا، لَكِنْ يُعَزَّرُ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ مِنْ: الْإِبِلِ، وَلَا الْبَقَرِ، وَلَا الْغَنَمِ، وَلَا الْخَيْلِ، وَلَا الْبِغَالِ، وَلَا الْحَمِيرِ - إذَا سُرِقَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَرْعَى، فَإِذَا كَانَتْ فِي الْمِرَاحِ، أَوْ فِي الدُّورِ فَفِيهَا الْقَطْعُ. وَلَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ مِنْ: الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ كَانَتْ فِي الدُّورِ أَوْ فِي الشَّجَرِ - فِي حِرْزٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِ حِرْزٍ - وَكَذَلِكَ الْبُقُولُ كُلُّهَا. وَكَذَلِكَ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ اللَّحْمِ، وَالطَّعَامِ كُلِّهِ - كَانَ فِي حِرْزٍ أَوْ فِي غَيْرِ حِرْزٍ. وَلَا قَطْعَ فِي الْمِلْحِ، وَلَا فِي التَّوَابِلِ، وَلَا فِي الزُّرُوعِ كُلِّهَا، فَإِذَا يَبِسَ الزَّرْعُ وَحُمِلَ إلَى الْأَنْدَرِ، أَوْ إلَى الْبُيُوتِ وَجَبَ الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ شَيْءٍ مِنْهُ، إذَا بَلَغَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ. وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْفَوَاكِهِ فِي أَشْجَارِهِ، وَالزَّرْعِ فِي مَزْرَعَتِهِ، فَلَا قَطَعَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ - وَكَذَلِكَ الْأَنْعَامُ فِي مَسَارِحِهَا، فَإِذَا أُحْرِزَتْ الْأَنْعَامُ فِي مِرَاحٍ، أَوْ دَارٍ، فَفِيهَا الْقَطْعُ، فَإِذَا جُمِعَ الزَّرْعُ فِي أَنْدَرِهِ أَوْ فِي الدُّورِ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَإِذَا جُنِيَتْ الْفَوَاكِهُ، وَأُدْخِلَتْ فِي الْحِرْزِ فَفِيهَا الْقَطْعُ، وَكَذَلِكَ تُقْطَعُ فِي الْبُقُولِ، وَالْفَوَاكِهِ كُلِّهَا، وَفِي اللَّحْمِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ إذَا كَانَ فِي حِرْزٍ - وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا كَانَتْ الْفَوَاكِهُ فِي أَشْجَارِهَا - رَطْبَةً أَوْ غَيْرَ رَطْبَةٍ - وَكَانَ الْفَسِيلُ فِي حَائِطِهِ، وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ مُحْرَزًا مَمْنُوعًا، فَفِيهِ الْقَطْعُ - وَقَالَ - فِيمَا عَدَا ذَلِكَ - بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ فِي الْبَعِيرِ، أَوْ الدَّابَّةِ تُسْرَقُ مِنْ الْفَدَّانِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا: الْقَطْعُ - مُحْرَزًا كَانَ أَوْ غَيْرِ مُحْرَزٍ - إذَا سَرَقَهُ السَّارِقُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ مُعْلِنًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، وَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا، إلَّا اشْتِرَاطَهُ الْحِرْزَ فَقَطْ، فَإِنَّ الْحِرْزَ لَا مَعْنَى لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ.

مسألة الاختلاف في القطع في الطير إذا سرق

وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ هَذَا إنَّمَا صَحَّ لِمُوَافَقَتِهِ عُمُومَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَبِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ السَّارِقِ عُمُومًا دُونَ اشْتِرَاطِ حِرْزٍ. وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ هَذَا؛ لِأَنَّهَا وَاهِيَةٌ، وَلَا حُجَّةً إلَّا فِي صَحِيحٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمَا إنَّمَا هِيَ خَبَرُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَخَبَرُ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، لَا حُجَّةَ لَهُمَا غَيْرُهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي غَايَةِ الْوَهْيِ، وَأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْوَاهِي بَاطِلٌ؛ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ لَا تَصِحُّ وَلَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مَنْ ادَّعَاهُ مِنْ الْحِرْزِ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ ثَمَرٍ، وَلَا اسْمُ كَثَرٍ، وَأَنْ يُقْطَعَ فِي ذَلِكَ إنْ آوَاهُ الْجَرِينُ - رَطْبًا كَانَ أَوْ غَيْر رَطْبٍ - فَهَذَا كَانَ يَكُونُ الْحُكْمُ - لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ - وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ، بِظَنٍّ كَاذِبٍ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْآثَارُ أَصْلًا فَالْوَاجِبُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ ثَمَرٍ، وَفِي كُلِّ كَثَرٍ - مُعَلَّقًا كَانَ فِي شَجَرِهِ أَوْ مَجْذُوذًا، أَوْ فِي جَرِينٍ كَانَ أَوْ غَيْرِ جَرِينٍ - إذَا أَخَذَهُ سَارِقًا لَهُ، مُسْتَخْفِيًا بِأَخْذِهِ، غَيْرَ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ، وَبِغَيْرِ حَقٍّ لَهُ، فَإِنَّ الْقَطْعَ فِي كُلِّ طَعَامٍ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ أَوْ لَا يَفْسُدُ - إذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِأَخْذِهِ، لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَا عَنْ حَقٍّ أَوْجَبَ لَهُ أَخْذُهُ، فَإِنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ فِي الزَّرْعِ، إذَا أُخِذَ مِنْ فَدَّانِهِ، أَوْ هُوَ بِأَنْدَرِهِ، عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ مُسْتَتِرًا، أَوْ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ، لَا عَنْ حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَلَا عَنْ حَقٍّ لَهُ. وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ - فَالْقَطْعُ فِيهَا أَيْضًا كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَالَّةً يَأْخُذُهَا مُعْلِنًا فَيَكُونُ مُحْسِنًا، حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهَا، وَعَاصِيًا لَا سَارِقًا، حَيْثُ لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهَا، فَلَا قَطْعَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَارِقًا؛ وَإِنَّمَا الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ - وَعُمْدَتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ السَّارِقِ عُمُومًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِي الْقَطْعِ فِي الطَّيْرِ إذَا سُرِقَ] 2273 - مَسْأَلَةٌ: الطَّيْرُ فِيمَنْ سَرَقَهَا؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَطْعِ فِي الطَّيْرِ إذَا سُرِقَ، كَالدَّجَاجِ، وَالْإِوَزِّ، وَغَيْرِهَا. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ دَجَاجًا، فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ كَانَ عُثْمَانُ يَقُولُ: لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ؟ فَخَلَّى عُمَرُ سَبِيلَهُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَقْطَعَ سَارِقًا سَرَقَ دَجَاجَةً، فَقَالَ لَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْقَطْعُ فِيهِ - إذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابُهُمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْقَطْعُ فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، إذَا سُرِقَتْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا مَنْ احْتَجَّ بِقَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ فِيهِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ إبْطَالَ الْقَطْعِ فِيهِ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَوَى نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، هَذَا لَا يُعْرَفُ. وَقَالُوا: إنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنَّهُ تَافِهٌ فِي الْأَصْلِ مُبَاحٌ، فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ، إذَا كَانَ مَا هَذَا وَصْفُهُ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ، وَالطَّيْرُ إذَا كَانَ مُبَاحًا، وَكَانَ فَرْخًا فَلَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ لَهُ الْقِيمَةُ بَعْدَمَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالتَّعْلِيمِ. فَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، مَا لَهُمْ شُبْهَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذَا قَدْ عَرَى قَوْلُهُمْ مِنْ حُجَّةٍ، وَكَانَ الطَّيْرُ مَالًا مِنْ

مسألة القطع في الصيد إذا تملك

الْأَمْوَالِ، فَقَدْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ مِلْكًا لِصَاحِبِهِ، كَالدَّجَاجِ، وَالْحَمَامِ، وَشِبْهِهَا وَجَبَ فِيهِ الْقَطْعُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَبِإِيجَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ. وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ - طَيْرًا وَلَا غَيْرَهُ - وَتَاللَّهِ، أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي يَعْلَمُ سِرَّ كُلَّ مَنْ خَلَقَ، وَكُلَّ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَحَادِثٌ، مِنْ حَرَكَةٍ أَوْ نَفَسٍ، وَكَلِمَةٍ، أَبَدَ الْأَبَدِ، وَكُلَّ مَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، أَنْ يَخُصَّ مِنْ الْقَطْعِ مَنْ سَرَقَ الطَّيْرَ، لَمَا أَغْفَلَ ذَلِكَ، وَلَا أَهْمَلَهُ. فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ إسْقَاطَ الْقَطْعِ عَنْ سَارِقِ الطَّيْرِ، بَلْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَطْعِهِ نَصًّا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [مَسْأَلَة الْقَطْعَ فِي الصَّيْدِ إذَا تَمَلَّكَ] 2274 - مَسْأَلَةٌ: الصَّيْدُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ أَمْرُ الصَّيْدِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْقَطْعَ فِي الصَّيْدِ إذَا تَمَلَّكَ أَصْلًا، وَلَا يَرَى الْقَطْعَ فِيمَنْ سَرَقَ إبِلًا مُتَمَلِّكًا مِنْ حِرْزِهِ، وَلَا عَلَى مَنْ سَرَقَ كَذَلِكَ غَزَالًا، أَوْ خَشْفًا، أَوْ ظَبْيًا، أَوْ حِمَارًا وَحْشِيًّا، أَوْ أَرْنَبًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الصَّيْدِ. وَرَأَى مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، الْقَطْعَ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنْهُمْ فِي مُرَاعَاةِ الْحِرْزِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا مَكَانٌ مَا نَعْلَمُ لِلْحَنَفِيَّيْنِ فِيهِ حُجَّةً أَصْلًا، وَلَا أَنَّهُ قَالَ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَ شَيْخِهِمْ، بَلْ هُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ مُجَرَّدٌ، إلَّا أَنَّهُمْ ادَّعُوا أَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الطَّيْرِ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الصَّيْدَ يُشْبِهُ الطَّيْرَ فِي أَنَّهُمَا حَيَوَانٌ وَحْشِيٌّ مُبَاحٌ فِي أَصْلِهِ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَأَسْقِطُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْقَطْعَ عَمَّنْ سَرَقَ يَاقُوتًا، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ نُحَاسًا، أَوْ حَدِيدًا، أَوْ رَصَاصًا، أَوْ قَزْدِيرًا، أَوْ زِئْبَقًا، أَوْ صُوفَ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ أَجْسَامٌ مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ، غَيْرُ مُتَمَلَّكَةٌ كَالصَّيْدِ، وَلَا فَرْقَ - فَهَذَا تَشْبِيهٌ أَعَمُّ مِنْ تَشْبِيهِكُمْ، وَعِلَّةٌ أَعَمُّ مِنْ عِلَّتِكُمْ.

مسألة فيمن سرق خمرا لذمي أو لمسلم أو سرق خنزيرا أو ميتة

وَأَيْضًا - فَإِنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا هَذَا الْقِيَاسِ، فَلَمْ يَقِيسُوا قَاتِلَ الدَّجَاجِ الْإِنْسِيِّ عَلَى الصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا قَاسُوا الْأَنْعَامَ، وَالْخَيْلَ - عِنْدَ مَنْ يُبِيحُهَا - عَلَى ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الصَّيْدِ، وَكَانَ هَذَا كُلُّهُ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا فَصَحَّ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ سَرَقَ صَيْدًا مُتَمَلَّكًا، كَمَا هُوَ وَاجِبٌ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ سَرَقَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمُسْلِمٍ أَوْ سَرَقَ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً] 2275 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَرَقَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ، أَوْ لِمُسْلِمٍ، أَوْ سَرَقَ خِنْزِيرًا كَذَلِكَ، أَوْ مَيْتَةً كَذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ سَرَقَ خَمْرًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ عَطَاءٌ: زَعَمُوا فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، يَسْرِقُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُقْطَعُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ حَلَّ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَإِنْ سَرَقَ ذَلِكَ مِنْ مُسْلِمٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ سَرَقَ خَمْرًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قُطِعَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَغْرَمُ لَهَا مِثْلَهَا - وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِمَا - وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَرَأَيْنَا قَوْلَ مَنْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ وَأَسْقَطَ الْقَطْعَ، فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْخَمْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، مِنْ أَنْ يَكُونَا مَالًا لِلذِّمِّيِّ لَهُ قِيمَةٌ، أَوْ لَا يَكُونَا مَالًا لَهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، مَالًا لِلذِّمِّيِّ، لَهُمَا قِيمَةٌ، فَالْقَطْعُ فِيهِمَا وَاجِبٌ - عَلَى أُصُولِهِمْ - إذَا بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِيهِ الْقَطْعُ. وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، لَا قِيمَةَ لَهُمَا، وَلَيْسَا مَالًا لِلذِّمِّيِّ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ قَضَوْا بِضَمَانِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَلَا هُوَ مَالٌ، وَهَلْ هَذَا مِنْهُمْ إلَّا قَضَاءٌ بِالْبَاطِلِ؟ وَإِيكَالُ مَالٍ بِغَيْرِ

حَقٍّ، لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُسْلِمَ إنْ سَرَقَ خَمْرًا لِمُسْلِمٍ، أَوْ خِنْزِيرًا لِمُسْلِمٍ، فَلَا قَطْعَ، وَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مَالًا لَهُ، وَلَا لَهُمَا قِيمَةٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ، كَيْفَ يَقْضُونَ بِضَمَانِهِمَا عَلَيْهِ - وَهُوَ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى قَضَائِهِمَا -؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ - فَفِيهِمَا الْمِثْلُ عِنْدَهُمْ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى الْقَطْعَ فِي ذَلِكَ وَالضَّمَانَ، وَقَوْلَ مَنْ لَا يَرَى فِي ذَلِكَ - لَا قَطْعًا وَلَا ضَمَانًا. فَنَظَرْنَا فِيمَنْ رَأَى الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا. إلَّا إنْ قَالُوا: إنَّهَا مَالٌ لَهُمْ، وَلَهَا قِيمَةٌ عِنْدَهُمْ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: أَخْبِرُونَا، أَبِحَقٍّ مِنْ اللَّهِ تَمَلَّكُوهَا، وَاسْتَحَقُّوا مِلْكَهَا وَشُرْبَهَا، أَوْ بِبَاطِلٍ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: بِحَقٍّ، وَأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَفَرُوا بِلَا خِلَافٍ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا - وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَقٌّ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ أَصْلًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] . وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] . فَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا قُلْنَا، وَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ شُرْبَ الْخَمْرِ، عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَحَرَّمَ بَيْعَهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَحَرَّمَ مِلْكَهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى آمِرًا لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَقُولَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] . وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَأَنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، ثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَالًا لِأَحَدٍ، وَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهَا أَصْلًا، وَكَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ - لِلتَّحْرِيمِ الْوَارِدِ فِيهِ جُمْلَةً. فَإِذْ قَدْ حَرَّمَ مِلْكَهَا جُمْلَةً، كَانَ مَنْ سَرَقَهَا لَمْ يَسْرِقْ مَالًا لِأَحَدٍ، لَا قِيمَةَ لَهَا

مسألة فيمن سرق حرا صغيرا أو كبيرا

أَصْلًا، وَلَا سَرَقَ شَيْئًا يَحِلُّ إبْقَاؤُهُ جُمْلَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَالْوَاجِبُ هَرْقُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْخَنَازِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا مَنْ سَرَقَ مَيْتَةً، فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ؛ لِأَنَّ جِلْدَهَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، بِدَبْغِهِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَبِيعُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ؟ أَوْجَبْتُمْ الْقَطْعَ فِي الْمَيْتَةِ مِنْ أَجْلِ جِلْدِهَا، وَلَمْ تُوجِبُوا الْقَطْعَ فِي الْخِنْزِيرِ؟ فَهَلَّا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِ جِلْدِهِ، وَجِلْدُهُ وَجِلْدُ سَائِرِ الْمَيْتَاتِ سَوَاءٌ - فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَبَيْعِهِ - إذَا دُبِغَ؟ فَجَوَابُنَا: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَهُوَ أَنَّ الْمَيْتَةَ كَانَتْ فِي حَيَاتِهَا مُتَمَلَّكَةٌ لِصَاحِبِهَا بِأَسْرِهَا، فَلَمَّا مَاتَتْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ لَحْمِهَا، وَشَحْمِهَا، وَدَمِهَا؛ وَمِعَاهَا، وَفَرْثِهَا، وَدِمَاغِهَا، وَغَضَارِيفِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا حَرَامٌ مُطْلَقُ التَّحْرِيمِ، وَبَقِيَ مِلْكُهُ كَمَا كَانَ، عَلَى مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ مِنْهَا، وَهُوَ الْجِلْدُ، وَالشَّعْرُ، وَالصُّوفُ، وَالْوَبَرُ، وَالْعَظْمُ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، إلَّا بِإِبَاحَتِهِ إيَّاهُ لِإِنْسَانِ بِعَيْنِهِ، أَوْ لِمَنْ أَخَذَهُ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ بِطَرْحِهِ الْجَمِيعَ، وَتَبَرِّيهِ مِنْهُ، فَهُوَ مَا لَمْ يَطْرَحْهُ مَالِكٌ لِذَلِكَ، فَإِنْ سَرَقَ فَإِنَّمَا سَرَقَ شَيْئًا مُتَمَلَّكًا، مِلْكًا صَحِيحًا، وَمَالٌ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، فَالْقَطْعُ فِيهِ. وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ رِجْسٌ مُحَرَّمٌ جُمْلَةً فَمَنْ سَرَقَهُ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا، فَإِنَّمَا أَخَذَ مَالًا لَا مَالِكَ لَهُ، وَمَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ فَجِلْدُهُ لِمَنْ بَادَرَ إلَيْهِ، وَأَخَذَهُ، وَدَبَغَهُ، فَإِذَا دُبِغَ صَارَ حِينَئِذٍ مِلْكًا مِنْ مَالٍ مُتَمَلَّكِهِ، مَنْ سَرَقَهُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ، وَالْقَطْعُ وَاجِبٌ فِي عِظَامِ الْفِيلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْمَيْتَاتُ كُلُّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» حَاشَ عَظْمِ الْخِنْزِيرِ، وَشَعْرِهِ، وَكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ حَرَامٌ جُمْلَةً، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُ شَيْءٍ مِنْهُ، إلَّا الْجِلْدَ فَقَطْ بِالدِّبَاغِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛ [مَسْأَلَة فِيمَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا] 2276 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ مَنْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ سَرَقَ عَبْدًا كَبِيرًا يَتَكَلَّمُ، وَفِيمَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا - فَأَمَّا الْعَبْدُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ، فَإِنَّ الَّذِي سَرَقَهُ سَارِقُ مَالٍ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ - وَأَمَّا مَنْ سَرَقَ الْعَبْدَ الَّذِي يَفْهَمُ، فَإِنَّمَا أَسْقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ مَنْ أَسْقَطَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ أَطَاعَهُ مَا أَمْكَنَهُ سَرِقَتَهُ إيَّاهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ إطْلَاقًا؛ لِأَنَّ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَسْرِقَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، أَوْ سَكْرَانُ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مُتَغَلِّبًا عَلَيْهِ مُتَهَدِّدًا بِالْقَتْلِ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَلَا عَلَى الِاسْتِغَاثَةِ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا، فَهِيَ سَرِقَةٌ صَحِيحَةٌ قَدْ تَمَّتْ مِنْهُ، وَإِذْ هِيَ صَحِيحَةٌ فَالْقَطْعُ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَطَعَ رَجُلًا فِي غُلَامٍ سَرَقَهُ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: مَنْ سَرَقَ صَغِيرًا حُرًّا، أَوْ عَبْدًا، قُطِعَ. قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْكَبِيرِ وَلَيْسَ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ شَيْءٍ - يَعْنِي أَنَّهُ يُقْطَعُ الْكَبِيرُ فِي سَرِقَةِ الصَّغِيرِ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَمَّنْ سَرَقَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا لَا يَفْقَهُ؟ قَالَ: يُقْطَعُ. وَبِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُنَا، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ أَنْ يُقْطَعَ. وَأَمَّا مَنْ سَرَقَ حُرًّا - فَإِنَّ حُمَامَ بْنَ أَحْمَدَ نا قَالَ: نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْت أَنَّ عَلِيًّا قَطَعَ الْبَائِعَ - بَائِعَ الْحُرِّ - وَقَالَ: لَا يَكُونُ الْحُرُّ عَبْدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، وَعَلَيْهِ شَبِيهٌ بِالْقَطْعِ الْحَبْسُ.

مسألة فيمن سرق المصحف

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: عَلَى مَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا، الْقَطْعُ - وَذُكِرَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرٌ، لَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهُ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَأْخُذُونَ بِأَقَلَّ مِنْهُ، إذَا وَافَقَهُمْ، وَهُوَ: كَمَا نا الْقَاضِي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَحَّافٍ الْمَعَافِرِيُّ بِبُلُنْسِيَةَ نا مُحَمَّدُ نا إبْرَاهِيمُ بِطُلَيْطُلَةَ نا بَكْرُ بْنُ الْعَلَاءِ الْقُشَيْرِيُّ بِمِصْرَ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ الْبَصْرِيُّ نا الْقَاسِمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ نا أَبِي نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِرَجُلٍ كَانَ يَسْرِقُ الصِّبْيَانَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ حُرٍّ مِنْ عَبْدٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ سَرَقَ الْمُصْحَف] 2277 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ سَرَقَ الْمُصْحَفَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مُصْحَفًا - سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَيْهِ حِلْيَةُ فِضَّةٍ تَزِنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَمْ تَكُنْ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْقَطْعُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ بِأَنْ قَالَ: إنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ عَمَّنْ احْتَاجَ إلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ كَانَ كَمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ: وَالْفِضَّةُ تَبَعٌ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ، كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ الْجِلْدُ، وَالدَّفَّتَانِ - وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْبَاطِلِ: أَوَّلُ ذَلِكَ - قَوْلُهُمْ: لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقُّ التَّعْلِيمِ - وَقَدْ كَذَبَ، إنَّمَا حَقُّ الْمُتَعَلِّمِ فِي التَّلْقِينِ فَقَطْ، لَا فِي مُصْحَفِ النَّاسِ أَصْلًا، إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ.

مسألة سراق اختلف الناس في وجوب القطع عليهم

وَإِنَّمَا فَرَضَ عَلَى النَّاسِ تَعْلِيمَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا الْقُرْآنَ - تَدْرِيسًا وَتَحْفِيظًا - وَهَكَذَا كَانَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مُصْحَفٌ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُلَقِّنُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُقْرِئُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَمَنْ احْتَاجَ مِنْهُمْ أَنْ يُقَيِّدَ مَا حَفِظَ كَتَبَهُ فِي الْأَدِيمِ، وَفِي اللِّخَافِ، وَالْأَلْوَاحِ، وَالْأَكْتَافِ فَقَطْ. فَبَطَلَ قَوْلُهُ " إنَّ لِلسَّارِقِ حَقًّا فِي الْمُصْحَفِ " وَصَحَّ أَنَّ لِصَاحِبِ الْمُصْحَفِ مَنْعُهُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، إذْ لَا ضَرُورَةَ بِأَحَدٍ إلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ - كَانَتْ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوا الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ كُتُبَ الْعِلْمِ - وَهَذَا خَطَأٌ، بَلْ الْقَطْعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاجِبٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة سُرَّاقٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِمْ] 2278 - مَسْأَلَةٌ: سُرَّاقٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ صَلِيبًا، أَوْ وَثَنًا - وَلَوْ كَانَ مَنْ فِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ - قَالَ: فَإِنْ سَرَقَ دَرَاهِمَ فِيهَا صُوَرُ أَصْنَامٍ، أَوْ صُوَرُ صُلْبَانٍ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْبَدُ وَهَذَا لَا يُعْبَدُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خَطَأٌ، وَتَنَاقُضٌ، وَاحْتِجَاجٌ فَاسِدٌ. أَمَّا الْخَطَأُ، فَإِسْقَاطُ الْحَدِّ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَى سَارِقِ الصَّلِيبِ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ جَوْهَرًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ. وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهِ كَسْرُهُ فَقَطْ، وَأَمَّا مِلْكُ جَوْهَرِهِ فَصَحِيحٌ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَرَقَ إنَاءَ ذَهَبٍ وَإِنَاءَ فِضَّةٍ، وَالنَّهْيُ قَدْ صَحَّ عَنْ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، كَمَا صَحَّ عَنْ اتِّخَاذِ الصَّلِيبِ وَالْوَثَنِ وَلَا فَرْقَ - وَالْقَطْعُ وَاجِبٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ الصُّورَةَ، وَلَا شَكْلَ الْإِنَاءِ، وَإِنَّمَا سَرَقَ الْجِسْمَ الْحَلَالَ تَمَلُّكَهُ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِي الْآنِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالصُّلْبَانِ، وَالْأَوْثَانِ، الْكَسْرُ فَقَطْ.

فَإِنْ كَانَ الصَّلِيبُ، أَوْ الْوَثَنُ، مِنْ حَجَرٍ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَ الْكَسْرِ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ أَصْلًا، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَلَامِنَا " فِي مِقْدَارِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ ". وَأَمَّا التَّنَاقُضُ، فَظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صُورَةٍ وَصُورَةٍ بِلَا بُرْهَانٍ وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ تَصْوِيرُهُ، وَمُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا فَسَادُ احْتِجَاجِهِ، بِأَنَّ الصَّلِيبَ يُعْبَدُ، وَالصُّورَةُ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ لَا تُعْبَدُ، فَإِنَّ الْهِنْدَ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ كَمَا يَعْبُدُ النَّصَارَى الصَّلِيبَ، وَيُعَظِّمُونَهَا كَمَا يُعَظَّمُ الصَّلِيبُ، وَلَا فَرْقَ - فَيَلْزَمُهُ أَيْضًا، أَنْ لَا يَقْطَعَ فِي سَرِقَةِ الْبَقَرِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّنَا نَحْنُ لَا نَعْبُدُهَا؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَإِنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا لَا نَعْبُدُ الصَّلِيبَ، وَلَا نُعَظِّمُهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إسْقَاطِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَطْعَ عَنْ سَارِقِ الصَّلِيبِ، وَهُوَ يَقْتُلُ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ عَابِدَ الصَّلِيبِ؟ فَلَئِنْ كَانَ لِعَابِدِ الصَّلِيبِ مِنْ الْحُرْمَةِ عِنْدَهُمْ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ دَمُ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّ لِمَالِ عَابِدِ الصَّلِيبِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ يَدُ سَارِقِهِ، وَالصَّلِيبُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، هَذَا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ قَدْ صَحَّ «أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". نَعَمْ، وَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، إذْ يَقُولُ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] . وَإِذْ يَقُولُ تَعَالَى {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 36] . وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ قَطُّ عَنْ قَطْعِ يَدِ مَنْ سَرَقَ مَالَ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ بَلْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَطْعِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السَّارِقَ يَسْرِقُ مِنْ مُسْلِمٍ وَمِنْ ذِمِّيٍّ، فَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ سَارِقِ مَالِ الذِّمِّيِّ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا نَسِيَهُ، وَلَبَيَّنَهُ، كَمَا

مسألة إحضار السرقة

بَيَّنَ لَنَا «أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة إحْضَارُ السَّرِقَةِ] 2279 - مَسْأَلَةٌ: إحْضَارُ السَّرِقَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ الْمَالِكِيُّونَ: مَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ دَرَاهِمَ - كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ - أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَطْعَ لَا يَجِبُ بِذَلِكَ إلَّا حَتَّى يُحْضِرَ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي أَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَيْضًا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ قَطْعِ السَّارِقِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ إحْضَارَ السَّرِقَةِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] لَكِنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُهُ وَلَا بُدَّ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ إحْضَارُ مَا سَرَقَ لِيَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ - إنْ عُرِفَ - أَوْ لِيَكُونَ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ - إنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ - فَإِنْ عَدِمَ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ ضَمِنَهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلًا؟ فَإِنْ تَعَلَّقُوا: بِمَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ طَارِقًا كَانَ جَعَلَهُ ثَعْلَبَةُ الشَّامِيُّ عَلَى الْمَدِينَةِ يَسْتَخْلِفُهُ، فَأُتِيَ بِإِنْسَانٍ مُتَّهَمٍ بِسَرِقَةٍ، فَجَلَدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَجْلِدُهُ حَتَّى اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ، فَأَرْسَلَ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَاسْتَفْتَاهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا تُقْطَعْ - يَدُهُ حَتَّى يُبْرِزَهَا؟ فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ تَحْتَ الْعَذَابِ وَبِالتَّهْدِيدِ فَلَا قَطَعَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَبْرَزَ السَّرِقَةَ أَوْ لَمْ يُبْرِزْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أُودِعَتْ عِنْدَهُ، وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا سَرِقَةٌ أَوْ لَا يَدْرِي، فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُودَعِ فِي ذَلِكَ قَطْعٌ أَصْلًا. وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا - أَيْ حَتَّى يُبْرِزَ - قَوْلَتَهُ مُجَرَّدَةً مِنْ الْإِقْرَارِ بِالضَّرْبِ، مَعَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ قَوْلَةٌ لِابْنِ عُمَرَ قَدْ خَالَفُوهَا بِلَا بُرْهَانٍ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا - بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ يَقُولُ: مَنْ اعْتَرَفَ بِسَرِقَةٍ، ثُمَّ أَتَى - مَعَ ذَلِكَ - بِمَا يُصَدِّقُ اعْتِرَافَهُ فَذَلِكَ الَّذِي تُقْطَعُ يَدُهُ، وَمَنْ اعْتَرَفَ عَلَى تَهَدُّدٍ وَتَخَوُّفٍ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ

بِمَا يُصَدِّقُ اعْتِرَافَهُ، فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنْ يُقْطَعُوا فِي مِثْلِ هَذَا. وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: مَنْ اعْتَرَفَ بَعْدَ امْتِحَانٍ فَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ عَمَلِهِ، فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا، وَلَا إقَامَتَهُ عَلَى الِاعْتِرَافِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَلَاءِ مَا قَدْ دَفَعَ عَنْهُ مِنْ الْبَلَاءِ بِاعْتِرَافِهِ، فَنَرَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ بِاعْتِرَافِهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ وَجْهُ الْبَيِّنَةِ وَالْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ صَاحِبُ تِلْكَ السَّرِقَةِ؟ وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ بِلَا تَهْدِيدٍ وَلَا عَذَابٍ، أَوْ أَقَرَّ بِتَهْدِيدٍ وَعَذَابٍ؟ فَإِنْ أَقَرَّ بِتَهْدِيدٍ وَعَذَابٍ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا - أَحْضَرَ السَّرِقَةَ، أَوْ لَمْ يُحْضِرْهَا - إذْ قَدْ يَدْرِي مَوْضِعَهَا، أَوْ جُعِلَتْ عِنْدَهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؟ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِلَا تَهْدِيدٍ وَلَا عَذَابٍ، فَالْقَطْعُ عَلَيْهِ - أَخْرَجَ السَّرِقَةَ، أَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا - لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَأَمَّا قَوْلُ رَبِيعَةَ " أَنْ لَا يُؤْخَذَ الْمُكْرَهُ بِاعْتِرَافٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ وَجْهُ الْبَيِّنَةِ وَالْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ صَاحِبُ تِلْكَ السَّرِقَةِ " فَقَوْلٌ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، أَنَّهُ إذَا جَاءَ بِبَيَانٍ يَتَيَقَّنُ بِهِ - دُونَ شَكٍّ - أَنَّهُ سَرَقَهَا، فَالْقَطْعُ وَاجِبٌ - وَسَوَاءٌ حِينَئِذٍ أَقَرَّ تَحْتَ الْعَذَابِ أَوْ دُونَ عَذَابٍ - وَكَذَلِكَ لَوْ عُذِّبَ أَوْ أَقَرَّ، وَجَاءَتْ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَسْرِقُ لَوَجَبَ قَطْعُ يَدِهِ بِالسَّرِقَةِ، لَا بِإِقْرَارِهِ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ إحْضَارَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ لَيْسَ بَيَانًا فِي أَنَّهُ هُوَ سَرَقَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ، وَلَا يَحِلُّ قَطْعُ يَدِ مُسْلِمٍ بِالظَّنِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنُّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِحَضْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَائِر الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ قَطْعٌ إلَّا قَطْعٌ بِإِقْرَارٍ مُجَرَّدٍ دُونَ إحْضَارِ السَّرِقَةِ، وَأَنَّ السَّرِقَةَ إنَّمَا وُجِدْت عِنْدَ الصَّائِغِ، أَوْ عِنْدَهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تُوضَعُ فِي رَحْلِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ

مسألة أختلاف الشهادة في السرقة

عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي سَرَقْت، فَرَدَّهُ، فَقَالَ: إنِّي سَرَقْت، فَقَالَ: شَهِدْت عَلَى نَفْسِكَ مَرَّتَيْنِ، فَقَطَعَهُ - قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَرَأَيْت يَدَهُ فِي عُنُقِهِ مُعَلَّقَةً. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: حَسْبُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِئَلَّا يَشْغَبُوا فِيمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ إحْضَارِ السَّرِقَةِ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَأَوْجَدْنَاهُمْ عَنْ عَلِيٍّ أَصَحَّ مِمَّا وَجَدُوا لِابْنِ عُمَرَ قَطْعًا، بِغَيْرِ إحْضَارِ السَّرِقَةِ، وَكَذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ - وَإِلَّا فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يَرَى دَرْءَ الْحَدِّ عَنْ السَّارِقِ بِرُجُوعِهِ: أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَغْرَمُ السَّرِقَةَ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَهَا مِنْهُ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ وَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِشَيْءٍ إلَّا عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ؟ قُلْنَا: فَلَا يَخْلُو إقْرَارُهُ ذَلِكَ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ مَا ذَكَرَ - أَوْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ عَطَّلُوا الْفَرْضَ، إذْ لَمْ يُنَفِّذُوا عَلَيْهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ قَطْعِ - يَدِ السَّارِقِ - وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ ظَلَمُوهُ، إذْ غَرَّمُوهُ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ عِنْدَهُ قَطُّ، وَلَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ، فَهُمْ بَيْنَ تَعْطِيلِ الْفَرْضِ، أَوْ ظُلْمٍ فِي إبَاحَةِ مَالٍ مُحَرَّمٍ - وَكِلَاهُمَا لَا يَحِلُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة أختلاف الشَّهَادَة فِي السَّرِقَة] 2280 - مَسْأَلَةٌ: اخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ: إنْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ بَقَرَةً، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ ثَوْرًا - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ سَوْدَاءَ - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَا قَطَعَ عَلَيْهِ - فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ سَوْدَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ: أَحَدُ الشَّاهِدِينَ: سَرَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ يَوْمَ

الْجُمُعَةِ، وَقَالَ اثْنَانِ: زَنَى يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ اثْنَانِ: بَلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ بَطَلَ عَنْهُ حَدُّ السَّرِقَةِ، وَحَدُّ الزِّنَى. قَالَ: فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَذَفَ زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ: قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرِبَ الْخَمْرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ، وَحَدُّ الْخَمْرِ. وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِنُرِيَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ خَيْرًا، بُطْلَانَ أَقْوَالِهِمْ فِي التَّشْبِيهِ، الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ أَصْلٌ لِقِيَاسِهِمْ الْبَاطِلِ، وَأَنَّهُ مَنْ مَيَّزَهُ لَمْ يَعْجِزْ أَنْ يُعَارِضَ عِلَلَهُمْ بِمِثْلِهَا، أَوْ بِأَقْوَى مِنْهَا؟ فَنَقُولُ لِجَمِيعِهِمْ: أَخْبِرُونَا عَمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَيْضَاءَ - وَعَمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَذَفَ زَيْدًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمْسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ الْيَوْمَ - أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرِبَ خَمْرًا أَمْسِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ الْيَوْمَ - أَهَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ؟ أَوْ عَلَى سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ؟ وَعَلَى قَذْفٍ وَاحِدٍ، أَمْ عَلَى قَذَفَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ؟ وَعَلَى شُرْبٍ وَاحِدٍ، أَمْ عَلَى شُرْبَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ عَلَى سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَشُرْبٍ وَاحِدٍ، وَقَذْفٍ وَاحِدٍ، كَابَرُوا الْعِيَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ فِي أَنَّ شُرْبَ يَوْمِ الْخَمِيسِ لَيْسَ هُوَ شُرْبَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شُرْبٌ آخَرُ - وَأَنَّ سَرِقَةَ بَقَرَةٍ صَفْرَاءَ لَيْسَتْ هِيَ سَرِقَةُ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ، وَإِنَّمَا هِيَ سَرِقَةٌ أُخْرَى؟ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هِيَ سَرِقَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، وَشُرْبَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَقَذْفَانِ مُخْتَلِفَانِ مُتَغَايِرَانِ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّهَادَاتِ بِزِنًا مُخْتَلِفٍ، أَوْ بِسَرِقَةِ ثَوْرٍ، أَوْ بَقَرَةٍ، أَوْ بِاخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي الْمَكَانِ - وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ لَهُمْ مِنْهُ إلَى التَّخَلُّصِ أَصْلًا، لَا بِنَصِّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ - فَسَقَطَ بِيَقِينٍ قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ سَاوَى بَيْنَهُمَا، فَرَاعَى الِاخْتِلَافَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُرَاعِ الِاخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَدْنَا مَنْ رَاعَى الِاخْتِلَافَ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُولُ: إذَا

اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي صِفَةِ الْمَسْرُوقِ، أَوْ فِي زَمَانِهِ، أَوْ فِي مَكَانِهِ فَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا حَصَلَ عَلَى فِعْلِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ - وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ، فَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ حَدِّ قَذْفٍ، وَلَا حَدِّ خَمْرٍ، بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ - فَهَذِهِ حُجَّتُهُمْ، مَا لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُهَا. فَنَظَرْنَا فِيهَا فَوَجَدْنَاهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ فِي الشَّهَادَةِ، وَيُطْلَبَ بِهِ الشَّاهِدُ، إنَّمَا هُوَ مَا لَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِهِ، وَاَلَّذِي إنْ نَقَصَ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةٌ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي إنْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدُ فِيهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ. وَأَمَّا مَا لَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا، وَتَتِمُّ الشَّهَادَةُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ - وَسَوَاءٌ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِيهِ، أَوْ لَمْ يَخْتَلِفُوا، وَسَوَاءٌ ذَكَرُوهُ، أَوْ لَمْ يَذْكُرُوهُ - وَاخْتِلَافُهُمْ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ، وَلَا فَرْقَ، فَلَمَّا وَجَبَ هَذَا كَانَ ذِكْرُ اللَّوْنِ فِي الشَّهَادَةِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَانَ أَيْضًا ذِكْرُ الْوَقْتِ فِي الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا وَفِي السَّرِقَةِ، وَفِي الْقَذْفِ، وَفِي الْخَمْرِ لَا مَعْنَى لَهُ - وَكَانَ أَيْضًا ذِكْرُ الْمَكَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَاتِّفَاقِهِمْ، كَسُكُوتِهِمْ، وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامَّةٌ دُونَ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُكْمُ الشَّهَادَةِ؟ وَحَسْبُ الشُّهُودِ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَجْنَبِيَّةٍ نَعْرِفُهَا، أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِهَا، رَأَيْنَا ذَلِكَ فَقَطْ، وَمَا نُبَالِي قَالُوا: إنَّهَا سَوْدَاءُ، أَوْ بَيْضَاءُ، أَوْ زَرْقَاءُ أَوْ كَحْلَاءُ مُكْرَهَةٌ، أَوْ طَائِعَةٌ، أَمْسِ، أَوْ الْيَوْمِ، أَوْ مُنْذُ سَنَةٍ بِمِصْرَ، أَوْ بِبَغْدَادَ. وَكَذَلِكَ - لَوْ اخْتَلَفُوا فِي لَوْنِ ثَوْبِهِ حِينَئِذٍ، أَوْ لَوْنِ عِمَامَتِهِ. وَكَذَلِكَ - حَسْبُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: سَرَقَ رَأْسًا مِنْ الْبَقَرِ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ، وَلَا عَلَيْهِمَا أَنْ يَقُولَا: أَقْرَنُ، أَوْ أَعْضَبُ، أَوْ أَبْتَرُ، أَوْ وَافِي الذَّنَبَ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ - وَهَكَذَا فِي الْقَذْفِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَا فَرْقَ. فَصَحَّ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامَّةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّهُودِ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فِي الشَّهَادَةِ، إذَا اقْتَضَتْ شَهَادَتُهُمْ وُجُودَ الزِّنَا مِنْهُ، أَوْ وُجُودَ السَّرِقَةِ، أَوْ وُجُودَ الْقَذْفِ مِنْهُ، أَوْ وُجُودَ شُرْبِ الْخَمْرِ مِنْهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا فِي ذَلِكَ.

مسألة السرقة عند الضرورة

وَهَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِوُقُوعِ الزِّنَا، وَوُجُوبِ السَّرِقَةِ، أَوْ الْقَذْفِ، وَأَثْبَتَ الْأَرْبَعَةُ الزِّنَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقْبَلُوا الشَّهَادَةَ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَى زِنًا وَاحِدٍ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَعَلَى سَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فِي مَكَان وَاحِدٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . وَتَاللَّهِ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ، وَلَا أَغْفَلَهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. فَصَحَّ أَنَّ مَا اشْتَرَطُوهُ مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا مَعْنَى لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: فَلْيَعْلَمُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ: لَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا نَذْكُرُهُ عَنْ تَابِعٍ، إلَّا شَيْئًا وَرَدَ عَنْ قَتَادَةَ: وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، فِي رَجُلٍ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ سَرَقَ بِأَرْضٍ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ آخَرُ بِأَنَّهُ سَرَقَ بِأَرْضٍ أُخْرَى؟ قَالَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ أَعْلَى مِنْ قَتَادَةَ خِلَافُ هَذَا: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ فِي السَّرِقَةِ - وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ هَذَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ - وَإِنْ كُنَّا لَا نَقُولُ بِهِ - وَلَكِنْ لَنُرِيهِمْ أَنَّ تَمْوِيهَهُمْ بِأَنَّهَا شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ: كَلَامٌ فَاسِدٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة السَّرِقَة عِنْد الضرورة] 2281 - مَسْأَلَةٌ: الْقَطْعُ فِي الضَّرُورَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُقْطَعُ فِي عِذْقٍ، وَلَا فِي عَامِ السَّنَةِ. وَبِهِ - إلَى مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي نَاقَةٍ نُحِرَتْ،

مسألة السرقة من ذي رحم محرم

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَكَ فِي نَاقَتَيْنِ عِشْرَاوَيْنِ، مُرْتِعَتَيْنِ، سَمِينَتَيْنِ، بِنَاقَتِكَ؟ فَإِنَّا لَا نَقْطَعُ فِي عَامِ السَّنَةِ - وَالْمُرْتِعَتَانِ: الْمُوَطَّأَتَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَنْ سَرَقَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُ، فَإِنْ أَخَذَ مِقْدَارَ مَا يَغِيثُ بِهِ نَفْسَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا شَيْئًا وَاحِدًا فَفِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ، كَثَوْبٍ وَاحِدٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ، أَوْ بَعِيرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَأَخْذُهُ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ فَضْلَهُ لِمَنْ فَضَلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَضْلِ قُوَّتِهِ مِنْهُ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى مِقْدَارِ قُوَّتِهِ يُبَلِّغُهُ إلَى مَكَانِ الْمَعَاشِ فَأَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُمَكَّنٌ لَا يَأْخُذُهُ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ فُرِضَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَخْذُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ قَاتِلٌ نَفْسَهُ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَهُوَ عُمُومٌ لِكُلِّ مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة السَّرِقَة مِنْ ذِي رَحِم محرم] 2282 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ: إنْ سَرَقَ الْأَبَوَانِ مِنْ مَالِ ابْنِهِمَا، أَوْ بِنْتِهِمَا فَلَا قَطَعَ عَلَيْهِمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ - كَيْفَ كَانُوا - لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ فِيمَا سَرَقُوهُ مِنْ مَالِ مَنْ تَلِيهِ وِلَادَتِهِمْ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ - حَاشَا مَالِكًا، وَأَبَا ثَوْرٍ: لَا قَطْعَ عَلَى الْوَلَدِ، وَلَا عَلَى الْبِنْتِ فِيمَا سَرَقَاهُ مِنْ مَالِ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ الْأَجْدَادِ، أَوْ الْجَدَّاتِ، قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَيْهِمَا الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا قَطْعَ عَلَى كُلِّ مَنْ سَرَقَ مَالًا لِأَحَدٍ مِنْ رَحِمِهِ الْمَحْرَمَةِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْقَطْعُ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ وَلَدِهِ، أَوْ مِنْ وَالِدَيْهِ، أَوْ مِنْ جَدَّتِهِ، أَوْ مِنْ جَدِّهِ، أَوْ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، أَوْ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِيمَا سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمِهِ غَيْرِ الْمَحْرَمَةِ، وَفِيمَا سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَابْنَتِهِ وَابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَإِخْوَتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ الْقَطْعَ عَنْ الْأَبَوَيْنِ فِي مَالِ الْوَلَدِ إذَا سَرَقَهُ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» قَالُوا: فَإِنَّمَا أَخَذَ مَالَهُ. وَقَالُوا: لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَةِ ابْنِهِ لَمْ يُحَدَّ لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ - قَالَ: وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُعَفِّفَ أَبَاهُ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّاسِ فَلَهُ فِي مَالِهِ حَقٌّ بِذَلِكَ. وَقَالُوا: لَهُ فِي مَالِهِ حَقٌّ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ كُلِّفَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] . وَقَالَ تَعَالَى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] . وَقَالَ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] إلَى قَوْلِهِ: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] فَلَيْسَ قَطْعُ أَيْدِيهِمَا فِيمَا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ رَحْمَةٌ؟ فَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ، كَمَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ الْقُرْآنِ فَحَقٌّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ إسْقَاطِ الْقَطْعِ فِيمَا سَرَقُوا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْجَلْدِ، وَالرَّجْمِ، أَوْ التَّغْرِيبِ - إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ الْوَلَدِ - وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ - إذَا قَذَفَ الْوَلَدَ - وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْمُحَارَبَةِ - إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْوَلَدِ. أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمَا، كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا أَيْضًا لِغَيْرِنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] .

فَإِنْ كَانَتْ مُقَدِّمَةُ الْآيَةِ حُجَّةً بِوُجُوبِ الْإِحْسَانِ إلَى الْأَبَوَيْنِ فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ عَنْهُمَا - إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ - فَهِيَ حُجَّةٌ أَيْضًا - وَلَا بُدَّ - فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ عَنْ كُلِّ ذِي قُرْبَى، وَعَنْ ابْن السَّبِيلِ، وَعَنْ الْجَارِ الْجُنُبِ، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ - إذَا سَرَقُوا مِنْ أَمْوَالِنَا - وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ؟ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ، وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ. وَأَيْضًا - فَالْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، بَلْ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] وَقَدْ أَمَرَنَا بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، فَإِقَامَتُهَا عَلَى مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ إحْسَانٌ إلَيْهِ، وَإِنَّهَا تَكْفِيرٌ وَتَطْهِيرٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ. وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ إمَامًا لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ أُمٌّ فَسَرَقَا، فَإِنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ إقَامَةُ الْقَطْعِ عَلَيْهِمَا. فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِالْآيَةِ جُمْلَةً وَصَحَّ أَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] فَحَقٌّ - وَمِنْ الشُّكْرِ إقَامَةُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ يَقْتَضِي شُكْرُهُمَا إسْقَاطُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِمَا وَاَلَّذِي أَمَرَ بِشُكْرِهِمَا - تَبَارَكَ اسْمُهُ - هُوَ الَّذِي يَقُولُ {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] . فَصَحَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقِيَامِ عَلَيْهِمْ بِالْقِسْطِ، وَبِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] الْآيَةَ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْهُمْ فِي سَرِقَةٍ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الرَّحْمَةِ لِبَعْضِنَا مُسْقِطًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» فَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ: أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مَنْسُوخٌ، قَدْ صَحَّ نَسْخُهُ بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا.

وَأَوَّلُ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَرِ: فَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْأَبَ إذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ دِرْهَمًا - وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ - فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِرَدِّهِ، أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - كَمَا يُقْضَى بِذَلِكَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَا فَرْقَ، وَلَوْ كَانَ مَالُ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ لَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّ مَا أُخِذَ مِنْهُ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَنْسُوخٌ، وَصَحَّ أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لِلْوَلَدِ لَا لِلْوَالِدِ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَمَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حَقًّا فِي مَالِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا احْتَاجَا أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى أَنْ يَعِفَّ أَبَاهُ، فَإِذْ لَهُ فِي مَالِهِ حَقٌّ، فَلَا يُقْطَعُ فِيمَا سَرَقَ مِنْهُ: فَهَذَا تَمْوِيهٌ ظَاهِرٌ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْوَالِدَيْنِ إذَا احْتَاجَا فَأَخَذَا مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا حَاجَتَهُمَا بِاخْتِفَاءٍ أَوْ بِقَهْرٍ أَوْ كَيْفَ أَخَذَاهُ - فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّمَا أَخَذَا حَقَّهُمَا - وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيهِمَا إذَا أَخَذَا مَا لَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَيْهِ - إمَّا سِرًّا وَإِمَّا جَهْرًا - فَاحْتِجَاجُهُمَا بِمَا لَيْسَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا تَمْوِيهٌ. وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ أَحَدٍ، فَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِرَدِّهِ - فَلَوْ كَانَ وُجُوبُ الْحَقِّ لِلْأَبَوَيْنِ فِي مَالِ الْوَلَدِ إذَا احْتَاجَا إلَيْهِ مُسْقِطًا لِلْقَطْعِ عَنْهُمَا إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِهِ مَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ، لَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ يَسْقُطَ الْقَطْعُ عَنْ الْغَرِيمِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فِي مَالِ غَرِيمِهِ إذَا سَرَقَ مِنْهُ مَا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ - وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ. فَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ قَطَعَ لَهُ عُضْوًا أَوْ كَسَرَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَذَفَ لَمْ يُحَدَّ لَهُ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَتِهِ لَمْ يُحَدَّ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُحَدَّ؟ فَكَلَامٌ بَاطِلٌ، وَاحْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ. بَلْ لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَقُتِلَ بِهِ، وَلَوْ قَطَعَ لَهُ عُضْوًا أَوْ كَسَرَهُ لَاقْتُصَّ مِنْهُ، وَلَوْ قَذَفَهُ لَحُدَّ لَهُ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَتِهِ لَحُدَّ كَمَا يُحَدُّ الزَّانِي - وَقَدْ بَيَّنَّا كُلَّ هَذَا فِي أَبْوَابِهِ فِي " كِتَابِ الدِّمَاءِ، وَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الْقَذْفِ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَرْجِعَ عِنْدَ

التَّنَازُعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعَ إلَيْهِ، إذْ يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ فَفَعَلْنَا: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ، وَقَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ؟ . فَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا خَصَّ فِي الْأَمْوَالِ مَالَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِ ابْنٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ تَخْصِيصَ الْأَبِ مِنْ الْقَطْعِ لَمَا أَغْفَلَهُ وَلَا أَهْمَلَهُ، قَالَ تَعَالَى {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] فَصَحَّ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبِ، وَالْأُمِّ، إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِ ابْنِهِمَا مَا لَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَيْهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى إسْقَاطَ الْقَطْعِ عَنْ الِابْنِ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ أَبَوَيْهِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النور: 61] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] . قَالَ: فَإِبَاحَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَكْل مِنْ بُيُوتِ هَؤُلَاءِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ دُخُولِ مَنَازِلِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَإِذَا جَازَ لَهُمْ دُخُولُ مَنَازِلِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُمْ مُحْرَزًا عَنْهُمْ، وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. وَقَالُوا أَيْضًا: فَإِنَّ إبَاحَةَ الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَمْنَعُهُمْ وُجُوبَ الْقَطْعِ لِمَا لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ، كَالشَّرِيكِ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى ذِي رَحِمِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَصَارَ لَهُ بِذَلِكَ حَقٌّ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ، فَأَشْبَهَ السَّارِقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

مسألة سرقة أحد الزوجين من الآخر

قَالُوا: وَلَمَّا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ لَازِمًا فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ، فَلِذَلِكَ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ الْيَدِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَصْلًا، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا الْآيَةُ فَحَقٌّ، وَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرُوا، بَلْ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ كَذَبُوا فِيهَا أَيْضًا: أَمَّا كَوْنُهَا لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى مَا ادَّعُوهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إسْقَاطُ الْقَطْعِ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ هَؤُلَاءِ - لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ - وَإِنَّمَا فِيهَا إبَاحَةُ الْأَكْلِ لَا إبَاحَةُ الْأَخْذِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ؟ فَإِذَا قَالُوا: قِسْنَا الْأَخْذَ عَلَى الْأَكْلِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ فِي الْعِلَّةِ أَوْ فِي شَبَهٍ بِوَجْهِ مَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ - لَا مُجِيزُ قِيَاسٍ وَلَا مَانِعٌ - قِيَاسُ الضِّدِّ عَلَى ضِدِّهِ، وَلَا مُضَادَّةَ أَكْثَرَ وَمِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، وَأَنْتُمْ مُجْمِعُونَ - مَعَنَا وَمَعَ النَّاسِ - عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ لِعُرُوضِ الْأَخِ، وَالْأُخْتِ، وَالْعَمِّ، وَالْعَمَّةِ، وَالْخَالِ، وَالْخَالَةِ، وَالْأَبِ، وَالْأُمِّ، وَالصَّدِيقِ، مِنْ بُيُوتِهِمْ، وَنَقْلُ مَا فِيهَا حَرَامٌ، وَأَنَّ الْأَكْلَ حَلَالٌ، فَكَيْفَ اسْتَحْلَلْتُمْ قِيَاسَ حُكْمِ الْحَرَامِ الْمَمْنُوعِ عَلَى حُكْمِ الْحَلَالِ الْمُبَاحِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْآيَةِ، وَكَذِبُهُمْ فِيهَا، قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ الْمُقَدَّمِ " إنَّ إبَاحَةَ اللَّهِ تَعَالَى الْأَكْلَ مِنْ بُيُوتِ هَؤُلَاءِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ دُخُولِ مَنَازِلِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ". فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا؟ فَيَدْخُلُ الصَّدِيقُ مَنْزِلَ صَدِيقِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ هَذَا عَجَبٌ مِنْ الْعَجَبِ، أَمَا سَمِعُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور: 58] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] . فَنَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بَالِغٌ أَصْلًا عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنٍ - وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ: الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَغَيْرُهُمَا، حَاشَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا، وَالْأَطْفَالَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَأْذِنُونَ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة سَرِقَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا قَطْعَ فِي ذَلِكَ - كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ فِي سَرِقَةِ مَتَاعِهَا قَطْعٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا قَطْعَ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ امْرَأَتِهِ وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ فِيمَا سَرَقَتْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَطْعُ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الْآخَرِ مِنْ حِرْزٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا - كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْآخَرُ - كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَالثَّالِثُ - أَنَّ الزَّوْجَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهَا قُطِعَتْ يَدُهُ، وَإِنْ سَرَقَتْ هِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرنَا نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَنْ لَا يَرَى الْقَطْعَ يَحْتَجُّ: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَادَ فِيهِ: كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ ثني حَرْمَلَةُ ثني ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَر هَذَا الْحَدِيثَ. وَزَادَ فِيهِ «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» .

قَالُوا: فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَمِينٌ فِي مَالِ الْآخَرِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ. وَزَادَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةً لَا نَعْرِفُهَا، وَلَفْظًا مَبْدُولًا، وَهُوَ «الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي مَالِ زَوْجِهَا وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ امْرَأَتِهِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا. أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَحَقٌّ وَاجِبٌ لَا يَحِلُّ تَعَدِّيهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ: أَنْ كُلَّ مَنْ ذَكَرنَا رَاعٍ فِيمَا ذَكَرَ، وَأَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَمَّا اُسْتُرْعُوا مِنْ ذَلِكَ - فَإِذْ هُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ ذَلِكَ فَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَمْ تُبَحْ لَهُمْ السَّرِقَةُ، وَالْخِيَانَةُ، فِيمَا اُسْتُوْدِعُوهُ وَأُسْلِمَ إلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ - إنْ لَمْ يَكُونُوا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْأَبَاعِدِ وَمَنْ لَمْ يُسْتَرْعَ - فَهُمْ بِلَا شَكٍّ أَشَدُّ إثْمًا، وَأَعْظَمُ جُرْمًا، وَأَسْوَأُ حَالَةً مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَقَلُّ أُمُورِهِمْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّينَ وَلَا بُدَّ؟ فَهَذَا حُكْمُ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَأَيْضًا - فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا فِي الْخِيَانَةِ مَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّينَ مِنْ إلْزَامِ رَدِّ مَا خَانُوا وَضَمَانِهِ، وَهُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْقَطْعِ فِيهَا عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْخِيَانَةِ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ قُلْنَا إنَّهُمْ لَا النُّصُوصَ اتَّبَعُوا وَلَا الْقِيَاسَ أَحْسَنُوا؟ وَأَيْضًا - فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ أَصْلًا عَلَى تَرْكِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْقَوْلُ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادُوهَا سَوَاءٌ - كَمَا ذَكَرْنَا - لَوْ صَحَّتْ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّ كِلَيْهِمَا كَالْمُودَعِ، وَكَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الدُّخُولِ " فَأَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا سَرَقَ مِمَّا لَمْ يُودَعْ عِنْدَهُ لَكِنْ مِنْ مَالٍ لِمُودَعٍ آخَرَ فِي حِرْزِهِ، وَأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي الدُّخُولِ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ مُحْرَزٍ عَنْهُ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهِ الْإِذْنُ لَهُ فِي الدُّخُولِ لَوَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمْ بِلَا خِلَافٍ. فَيَلْزَمُهُمْ بِهَذَا التَّشْبِيهِ الْبَدِيعِ بِالضِّدِّ أَنْ لَا يُسْقِطُوا الْقَطْعَ عَنْ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ إلَّا فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُحْرَزْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا لَمْ يَأْمَنْهُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، وَأُحْرِزَ عَنْهُ، كَالْمُودَعِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الدُّخُولِ وَلَا فَرْقَ - وَهَذَا قِيَاسٌ لَوْ صَحَّ: قِيَاسُ سَاعَةٍ مِنْ الدَّهْرِ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، فَرَأَى عَلَيْهِ الْقَطْعَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهَا الْقَطْعُ إذَا سَرَقَتْ مِنْ مَالِهِ. فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ " إنْ الرَّجُلَ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِ الْمَرْأَةِ أَصْلًا، فَوَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِ إذَا سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ ". فَوَجَدْنَا الْمَرْأَة لَهَا فِي مَالِهِ حُقُوقًا مِنْ: صَدَاقٍ، وَنَفَقَةٍ، وَكِسْوَةٍ، وَإِسْكَانٍ، وَخِدْمَةٍ، فَكَانَتْ بِذَلِكَ كَالشَّرِيكِ - وَوَجَدْنَا «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ لِهِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ إذْ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَا يُعْطِيهَا مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . قَالُوا: فَقَدْ أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهَا عَلَى مَالِ زَوْجِهَا تَأْخُذُ مِنْهُ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا، فَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَوْدَعِ، وَلَا فَرْقَ. قَالُوا: وَالزَّوْجُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ الْقَلِيلِ مِنْ مَالِهَا وَالْكَثِيرِ عَلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُهُمْ - إنَّ لَهَا فِي مَالِهِ حُقُوقًا مِنْ صَدَاقٍ وَنَفَقَةٍ، وَكِسْوَةٍ، وَإِسْكَانٍ، وَخِدْمَةٍ. وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْلَقَ يَدَهَا عَلَى مَالِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ حِرْزٍ أَوْ غَيْرِ حِرْزٌ، لِتَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ - إذَا لَمْ يُوَفِّهَا وَإِيَّاهُمْ حُقُوقَهُمْ - فَنَعَمْ، كُلُّ هَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ، وَهَكَذَا نَقُولُ. وَلَكِنْ لَا يَشُكُّ ذُو مُسْكَةٍ مِنْ حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُطْلِقْ يَدَهَا عَلَى مَا لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، وَلَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهَا، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، فَإِبَاحَةُ

مسألة هل يقطع السارق في أول مرة

اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَخْذِ الْحَقِّ وَالْمُبَاحِ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَصْلًا عَلَى إسْقَاطِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ أَخَذَ الْحَرَامَ غَيْرَ الْمُبَاحِ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ، لَكَانَ شُرْبُ الْعَصِيرِ الْحَلَالِ مُسْقِطًا لِلْحَدِّ عَنْهُ، إذَا تَعَدَّى الْحَلَالَ مِنْهُ إلَى الْمُسْكِرِ الْحَرَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَهَا مَا أَخَذَتْ بِالْحَقِّ، وَعَلَيْهَا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْقَطْعِ فِيمَا أَخَذَتْ بِوَجْهِ السَّرِقَةِ لِلْحَقِّ الْوَاجِبِ حُكْمُهُ، وَلِلْمُبَاحِ حُكْمُهُ، وَلِلْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ حُكْمُهُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ - سَوَاءٌ سَوَاءٌ - يَكُونُ لَهُ حُقُوقٌ عِنْدَ السَّارِقِ، فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ وَمِقْدَارَ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ الْحَقُّ مِنْ حِرْزٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ - نَعَمْ، وَيُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ إنْ مَنَعَهُ، وَيَحِلُّ لَهُ بِذَلِكَ دَمُهُ، وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَمَّدَ أَخْذَ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ، فَإِنْ تَعَمَّدَ أَخْذَهُ بِإِفْسَادِ طَرِيقٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ، لَهُ حُكْمُ الْمُحَارَبِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مُجَاهِرًا غَيْرَ مُفْسِدٍ فِي الْأَرْضِ فَلَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مُخْتَفِيًا فَلَهُ حُكْمُ السَّارِقِ، وَالْمُحَارَبِ. هَذَا وَالزَّوْجَةُ فِي مَالِ زَوْجِهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ إذْ أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةٌ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، وَلَا يَكُونَ زَوْجٌ مِنْ مَالِ زَوْجَتِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] . فَصَحَّ يَقِينًا - أَنَّ الْقَطْعَ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِ ابْنِهِمَا، وَعَلَى الِابْنِ وَالْبِنْتِ إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِ أَبِيهِمَا، وَأُمِّهِمَا، مَا لَمْ يُبَحْ لَهُمَا أَخْذُهُ. وَهَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ، أَوْ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ، إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ ذِي رَحِمِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ ذِي رَحِمِهِ، مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ. فَالْقَطْعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَا فَرْقَ - إذَا سَرَقَ مَا لَمْ يُبَحْ - وَهُوَ مُحْسِنٌ إنْ أَخَذَ مَا أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ حِرْزٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ] 2284 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

مسألة مقدار ما يجب فيه قطع السارق

عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ حَدَّثَهُ، وَابْنَ سَابِطٍ الْأَحْوَلَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِعَبْدٍ قَدْ سَرَقَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عَبْدٌ سَرَقَ وَأُخِذَتْ مَعَهُ سَرِقَتُهُ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ، أَيْتَامٌ، لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ غَيْرَهُ، فَتَرَكَهُ، قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّانِيَةَ سَارِقًا، ثُمَّ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ الرَّابِعَةَ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ فِيهِ كَمَا قِيلَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ، قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ السَّادِسَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ السَّابِعَةَ، فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ الثَّامِنَةَ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ» . قَالَ الْحَارِثُ: أَرْبَعٌ بِأَرْبَعٍ، فَأُعْفَاهُ اللَّهُ أَرْبَعًا وَعَاقَبَهُ أَرْبَعًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، أَنْ يَقُولُوا بِهِ، لَا سِيَّمَا وَهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا شُبْهَةَ أَقْوَى مِنْ خَبَرٍ وَارِدٍ يَعْمَلُونَ بِمِثْلِهِ، إذَا اشْتَهَوْا؟ وَتَاللَّهِ، إنَّ هَذَا الْخَبَرَ - عَلَى وَهْيِهِ - لَأَرْفَعُ أَوْ مِثْلُ خَبَرِ ابْنِ الْحَبَشِيِّ الَّذِي خَالَفُوا لَهُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ، وَأَيْمَنُ مِنْ خَبَرِ الْمِسْوَرِ الَّذِي أَسْقَطُوا بِهِ ضَمَانَ مَا أُتْلِفَ بِالْبَاطِلِ مِنْ مَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَخَالَفُوا بِهِ الْقُرْآنَ فِي إيجَابِهِ تَعَالَى الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْمُعْتَدِي بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَأَبَاحُوا بِهِ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَقَطْعُ السَّارِقِ وَاجِبٌ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ بِعُمُومِ الْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَا - وَحَسْبنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ. [مَسْأَلَة مِقْدَارُ مَا يَجِبُ فِيهِ قَطْعُ السَّارِقِ] 2285 - مَسْأَلَةٌ: مِقْدَارُ مَا يَجِبُ فِيهِ قَطْعُ السَّارِقِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْطَعُ فِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِيهِ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ فَفِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِرْهَمٍ أَوْ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا فَصَاعِدًا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِرْهَمَيْنِ - أَوْ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ - فَصَاعِدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ فَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِيمَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، وَلَمْ يُسَاوِ - لِرُخْصِ الذَّهَبِ - ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِيهِ وَإِنْ سَاوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يُسَاوِ عُشْرَ دِينَارٍ لِغَلَاءِ الذَّهَبِ فَلَا قَطْعَ فِيهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ، فَكُلُّ مَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، فَفِيهِ الْقَطْعُ، فَإِنْ سَاوَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ - أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ - وَلَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ لِغَلَاءِ الذَّهَبِ، أَوْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ وَلَمْ يُسَاوِ نِصْفَ دِرْهَمٍ - لِرُخْصِ الذَّهَبِ - فَالْقَطْعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا مِنْ الذَّهَبِ فَلَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ، وَتُقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ، فَإِنْ سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ وَلَمْ يُسَاوِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ سَاوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُسَاوِ رُبْعَ دِينَارٍ، قُطِعَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ رُبْعَ دِينَارٍ وَلَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فَصَاعِدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي ثُلُثِ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيه فَصَاعِدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ يُسَاوِيهَا فَصَاعِدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارِ ذَهَبٍ أَوْ مَا يُسَاوِيه فَصَاعِدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارِ ذَهَبٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ مَا يُسَاوِي أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ فَصَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يُسَاوِ لَا دِينَارًا وَلَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، لَمْ تُقْطَعْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ، أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فَصَاعِدًا، وَلَا تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ

الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» فَكَانَ هَذَا أَيْضًا نَصًّا بَيِّنًا جَلِيًّا عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِيمَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ فِي السَّرِقَةِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ: فَوَجَدْنَا - مَا، ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا أَشْعَثُ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» . فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ سَرِقَةٍ، وَلَمْ يَخُصَّ عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ، وَلَوْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَادَ مِقْدَارًا مِنْ مِقْدَارٍ لَبَيَّنَهُ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي النُّهْبَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، فَخَصَّ ذَاتَ الشَّرَفِ الَّتِي يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَلَمْ يَخُصَّ فِي الزِّنَى، وَلَا فِي السَّرِقَةِ، وَلَا فِي الْخَمْرِ. فَكَانَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ الْمُتَوَاتِرَةُ، الْمُتَظَاهِرَةُ، الْمُتَرَادِفَةُ، مُوَافَقَةً لِنَصِّ الْقُرْآنِ الَّذِي بِهِ عَرَّفَنَا اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ مِنَّا. فَنَظَرْنَا، هَلْ نَجِدُ فِي السُّنَّةِ تَخْصِيصًا لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ؟ فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ - كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ أَرِنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَبِهِ - إلَى مُسْلِمٍ نا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ

عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَخَرَجَ الذَّهَبُ بِهَذَا الْخَبَرِ عَنْ جُمْلَةِ الْآيَةِ، وَعَنْ عُمُومِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَوَجَبَ الْأَخْذُ بِكُلِّ ذَلِكَ، وَأَنْ يُسْتَثْنَى الذَّهَبُ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ بِوَزْنِ مَكَّةَ فَصَاعِدًا، وَلَا تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ خَاصَّةً. ثُمَّ نَظَرْنَا - هَلْ نَجِدُ نَصًّا آخَرَ فِيمَا عَدَا الذَّهَبِ؟ إذْ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ قِيمَةٍ وَلَا ثَمَنٍ أَصْلًا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا فِيهِ ذِكْرُ حُكْمِ شَيْءٍ غَيْرِ عَيْنِ الذَّهَبِ، فَإِذَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ حَدَّثَنَا: قَالَ: نا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى - هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى - قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «يَدَ السَّارِقِ لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَئِذٍ ذُو ثَمَنٍ، وَأَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» فَكَانَ هَذَا حَدِيثًا صَحِيحًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهُوَ مُسْنَدٌ؛ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ إلَّا فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ - لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ - فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِينَةِ - حَيْثُ كَانَتْ عَائِشَةُ، وَحَيْثُ شَهِدَتْ الْأَمْرَ - أَحَدٌ يَقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّرِقَاتِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِفِعْلِ أَحَدٍ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ. فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا - أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ فِي سَرِقَةِ مَا سِوَى الذَّهَبِ - فِيمَا يُسَاوِي ثَمَنَ حَجْفَةٍ أَوْ تُرْسٍ - قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ دُونَ تَحْدِيدٍ. وَالثَّانِي - أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا - وَهُوَ التَّافِهُ - لَا يُقْطَعُ فِيهِ أَصْلًا. وَالثَّالِثُ - بَيَانُ كَذِبِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ الَّذِي فِيهِ الْقَطْعُ، إنَّمَا هُوَ مِجَنٌّ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ الَّذِي سُرِقَ، فَقَطَعَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْ بِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ ثَمَنُ حَجْفَةٍ أَوْ تُرْسٍ، وَكِلَاهُمَا ذُو

مسألة ذكر أعيان الأحاديث الواردة في القطع

ثَمَنٍ، فَلَمْ يَخُصَّ التُّرْسَ دُونَ الْحَجْفَةِ، وَلَا الْحَجْفَةَ دُونَ التُّرْسِ، وَأَخْبَرَتْ أَنْ كِلَيْهِمَا ذُو ثَمَنٍ دُونَ تَحْدِيدِ الثَّمَنِ. فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ يَقِينًا. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الدِّينَارُ إنَّهُ بِوَزْنِ مَكَّةَ، فَلِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الزَّهْرَانِيُّ نا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ» . فَالْمِثْقَالُ الْمَكِّيُّ: اثْنَانِ وَثَمَانُونَ حَبَّةً مِنْ حُبِّ الشَّعِيرِ الْمُجْمَلِ - لَا تُنْتَخَبُ كَبِيرَةٌ وَلَا تُتَحَرَّ صَغِيرَةٌ - فَرُبْعُ دِينَارٍ: وَزْنُهُ عِشْرُونَ حَبَّةً وَنِصْفَ حَبَّةٍ - لَا قَطَعَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ الْمَحْضِ الصِّرْفِ، الَّذِي لَا يَنْضَافُ إلَيْهِ خَلْطٌ يَظْهَرُ لَهُ فِيهِ أَثَرٌ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - مِنْ وَرِقٍ، أَوْ نُحَاسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة ذِكْرُ أَعْيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْقَطْعِ] 2286 - مَسْأَلَةٌ: ذِكْرُ أَعْيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْقَطْعِ بِاخْتِصَارٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ؟ فَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ الْأَئِمَّةُ: أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَجُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يَلْحَقُ بِهَؤُلَاءِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي اللَّفْظِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: قِيمَتُهُ - وَبَعْضُهُمْ قَالَ: ثَمَنُهُ. وَرَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ أَيْضًا عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَجَاءَ حَدِيثٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ رَاوِيهِ أَبُو حَرْمَلٍ - وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - أَنَّ «جَارِيَةً سَرَقَتْ رِكْوَةَ خَمْرٍ لَمْ تَبْلُغْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فَلَمْ يَقْطَعْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .

وَأَمَّا الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، فَلَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَرُوِيَ عَنْهَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ» . " وَالثَّانِي - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «قَطَعَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، أَوْ قَالَ: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ» . وَالثَّالِثُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ - حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ» لَا فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ، أَوْ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ - وَلَمْ يَرْوِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ بِاخْتِلَافِهَا عَنْهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَّا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ - لَمْ تُسَمَّ لَنَا -. فَأَمَّا الْقَاسِمُ، فَأَوْقَفَهُ عَلَى عَائِشَةَ مِنْ لَفْظِهَا، وَلَمْ يُسْنِدْهُ، لَكِنْ أَنَّهَا قَالَتْ: السَّارِقُ تُقْطَعُ يَدُهُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ. وَأَنْكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُهُ عَلَى مِنْ رَفَعَهُ وَخَطَأَهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا. وَأَمَّا الَّذِينَ رَوَوْا الْقَطْعَ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ لَا فِي التَّافِهِ الَّذِي هُوَ أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَتَحْدِيدُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَامْرَأَةِ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ الدِّينَارِ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ التَّمْوِيهُ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ، إنَّمَا فِيهِ مَوْصُولًا بِهِ ذِكْرُ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ أَيْضًا. وَمِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَيْمَنُ كَذَلِكَ - وَهُوَ عَنْهُمْ صَحِيحٌ، إلَّا حَدِيثًا مَوْضُوعًا مَكْذُوبًا - لَا يُدْرَى مَنْ رَوَاهُ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُسْنَدًا: لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ فِيهِ - مَعَ عِلَّتِهِ - ذِكْرُ الْقِيمَةِ أَصْلًا.

مسألة ذكر ما يقطع من السارق

[مَسْأَلَة ذِكْرُ مَا يُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ] ِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُقْطَعُ إلَّا الْيَدُ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ، ثُمَّ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْطَعُ مِنْهُ إلَّا الْيَدُ وَالرِّجْلُ مِنْ خِلَافٍ، ثُمَّ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْطَعُ الْيَدُ، ثُمَّ الرِّجْلُ الْأُخْرَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْطَعُ يَدُهُ، ثُمَّ رِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، ثُمَّ رِجْلُهُ الثَّانِيَةُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا: كَيْف تُقْطَعُ الْيَدُ، وَكَيْف تُقْطَعُ الرِّجْلُ، وَمَاذَا يُفْعَلُ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَا يُقْطَعُ، وَأَيُّ الْيَدَيْنِ تُقْطَعُ؟ وَسَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - كُلَّ بَابٍ مِنْ هَذِهِ أَلِأَبْوَابِ، وَالْقَائِلِينَ بِذَلِكَ، وَحُجَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ، لِيَلُوحَ الْحَقُّ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا تُقْطَعُ إلَّا يَدُهُ فَقَطْ - فَكَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: سَرَقَ الْأُولَى، قَالَ: تُقْطَعُ كَفُّهُ، قُلْت: فَمَا قَوْلُهُمْ: أَصَابِعُهُ، قَالَ: لَمْ أَدْرِكْ إلَّا قَطْعَ الْكَفِّ كُلِّهَا، قُلْت لِعَطَاءٍ: سَرَقَ الثَّانِيَةَ، قَالَ: مَا أَرَى أَنْ تَقْطَعَ إلَّا فِي السَّرِقَةِ الْأُولَى الْيَدَ فَقَطْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَلَوْ شَاءَ أَمَرَ بِالرِّجْلِ، وَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ تَعَالَى نَسِيًّا - هَذَا نَصُّ قَوْلِ عَطَاءٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: تُقْطَعُ الْيَدُ، ثُمَّ الْيَدُ، وَلَا تُقْطَعُ الرِّجْلُ - فَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِ - وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: تُقْطَعُ يَدُهُ، ثُمَّ رِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ فَقَطْ، ثُمَّ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ: فَكَمَا، نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا يَزِيدُ فِي السَّرِقَةِ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ - قَالَ وَكِيعٌ: ونا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إنِّي أَسْتَحْيِي أَنْ

أَقْطَعَ يَدَهُ، فَبَأْي شَيْءٍ يَأْكُلُ، أَوْ أَقْطَعَ رِجْلَهُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَعْتَمِدُ؟ فَضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ. وَبِهِ - إلَى وَكِيعٍ نا إسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِدٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ - يُقَالُ لَهُ: سَدُومٌ - فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّمَا عَلَيْهِ قَطْعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ، فَحَبَسَهُ عُمَرُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: السَّارِقُ يَسْرِقُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، ثُمَّ يَعُودُ فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْأُخْرَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى، وَلَكِنَّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْته مِنْ عَطَاءٍ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - بَلَى، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَذَا، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ - وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا - بَلَى، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هَذَا - وَهُوَ الْحَقُّ - وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَقْطَعُ الْيَدَ وَالرِّجْلَ، وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي - هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَقِّقُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يُخَالِفُهُ وَيُعَارِضُهُ. إذْ لَا يَحِلُّ تَرْكُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا لِسُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَاسِخَةٍ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَارِدَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْيِ، إلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُخَالِفَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَأْيِهِ، أَوْ بِتَقْلِيدِهِ لِرَأْيِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ وَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ دَعَاهُمْ إلَى الْمُبَاهَلَةِ فِي " الْعَوْلِ " وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي أَمْرِ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَفَسْخِهِ بِعُمْرَةٍ: مَا أَرَاكُمْ إلَّا سَيَخْسِفُ اللَّهُ بِكُمْ الْأَرْضَ أَقُولُ لَكُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ؟ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ فِي ذَلِكَ وَلَا يَذْكُرُهَا، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَسْمَعَهُ عَطَاءٌ وَيَفْهَمَ عَنْهُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ سُنَّةً يَنْبَغِي لَهَا تَرْكُ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَأْبَى عَطَاءٌ مِنْ قَطْعِ الرِّجْلِ فِي السَّرِقَةِ - كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ - وَيَتَمَسَّكُ بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ، وَيَقُولُ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالرِّجْلِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرِدْ بِقَوْلِهِ " بَلَى، وَلَكِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ " إلَّا لِتَصْحِيحِ: قَطْعِ الْيَدَيْنِ فَقَطْ، عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَكِنَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ " إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَقَطْ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ، وَسَالِمٍ، وَغَيْرِهِ: إنَّمَا قَطَعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رِجْلَهُ، وَكَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ - قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي السُّنَّةِ إلَّا قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ، لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلْ بِهَا، وَيَسْتَنْجِي بِهَا - وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ ثُمَّ لَا يُقْطَعُ مِنْهُ شَيْءٌ - وَقَوْلِ مَنْ رَأَى قَطْعَ الْيَدِ بَعْدَ الْيَدِ فَقَطْ، وَلَمْ يَرَ قَطْعَ الرِّجْلِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا: فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعَ مُحَمَّدُ يَدَهَا» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «لَمْ تَكُنْ الْأَيْدِي تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» .

فَهَذَا الْقُرْآنُ، وَالْآثَارُ الصِّحَاحُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَاءَتْ بِقَطْعِ الْأَيْدِي، لَمْ يَأْتِ فِيهَا لِلرِّجْلِ ذِكْرٌ. وَقَالَ تَعَالَى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3] . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي قَطْعِ رَجُلِ السَّارِقِ شَيْءٌ أَصْلًا وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَمَا تَعَدَّيْنَا. وَلَمْ يُرْوَ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ شَيْءٌ إلَّا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ. فَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ - فَلَا تَصِحُّ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ قَطْعَ الرِّجْلِ الثَّانِيَةِ فِي السَّرِقَةِ الثَّالِثَةِ - وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ - أَنَّهُ لَمْ يَرَ قَطْعَ الرِّجْلِ الثَّانِيَةِ، وَلَا الْيَدِ الثَّانِيَةِ. فَصَحَّ الِاخْتِلَافُ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَمُحَمَّدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ قَطْعَ الرِّجْلِ بَعْدَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَقَالَ عُمَرُ: السُّنَّةُ فِي الْيَدِ - فَهَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَرَ السُّنَّةَ إلَّا فِي الْيَدِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَانْبَلَجَ الْأَمْرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَبَّرَ تِلْكَ الرُّؤْيَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» فَكُلُّ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يُخْطِئُ وَيُصِيبُ.

مسألة صفة قطع اليد

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي؟» قُلْنَا: سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هِيَ اتِّبَاعُ سُنَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَمَّا مَا عَمِلُوهُ - بِاجْتِهَادٍ فَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُ اجْتِهَادِهِمْ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَغَيْرِهِمْ: الْقَوَدُ مِنْ اللَّطْمَةِ - وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إلَّا الَّذِي تَيَقَّنَ أَنَّهُمْ أَوَّلُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ قَالُوا بِهِ، وَعَمِلُوهُ، وَصَوَّبُوهُ، دُونَ سُكُوتٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَهَذَا حَقًّا هُوَ الْإِجْمَاعُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِذْ إنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ لَا بِقَطْعِ رِجْلِهِ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ رِجْلِهِ أَصْلًا، وَهَذَا مَا لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. فَوَجَبَ مِنْ هَذَا إذَا سَرَقَ الرَّجُلُ، أَوْ الْمَرْأَةُ، أَنْ يَقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدًا وَاحِدَةً، فَإِنْ سَرَقَ أَحَدُهُمَا ثَانِيَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الثَّانِيَةُ، بِالنَّصِّ مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ سَرَقَ فِي الثَّالِثَةِ عُذِّرَ، وَثُقِّفَ، وَمُنِعَ النَّاسُ ضُرَّهُ، حَتَّى يَصْلُحَ حَالُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة صِفَةُ قَطْعِ الْيَدِ] 2288 - مَسْأَلَةٌ: صِفَةُ قَطْعِ الْيَدِ؟ قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْيَدِ، وَقَطْعِ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ الرِّجْلِ. وَذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ فِي قَطْعِ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ الْمِفْصَلِ. وَأَمَّا الْخَوَارِجُ - فَرَأَوْا فِي ذَلِكَ قَطْعَ الْيَدِ مِنْ الْمِرْفَقِ، أَوْ الْمَنْكِبِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] .

قَالُوا: وَالْيَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إلَى طَرَفِ الْأَصَابِعِ، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ - فَإِنَّ الْيَدَ أَيْضًا تَقَعُ عَلَى الْكَفِّ، وَتَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ إلَى الْمُرْفَقِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُنَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُحَرَّمَةٌ قَطْعُهَا قَبْلَ السَّرِقَةِ، كَمَا جَاءَ النَّصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ، فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ التَّحْرِيمِ الْمُتَيَقَّنِ الْمُتَقَدِّمِ شَيْءٌ، إلَّا مَا تُيُقِّنَ خُرُوجُهُ، وَلَا يَقِينَ إلَّا فِي الْكَفِّ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَهَكَذَا وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى إذْ أَمَرَنَا فِي التَّيَمُّمِ بِمَا أَمَرَ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فَفَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِذِكْرِ الْأَيْدِي هَاهُنَا، وَأَنَّهُ الْكَفَّانِ فَقَطْ، عَلَى مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْفَرْقُ بَيْنَ حَدِّ الْحُرِّ، وَبَيْنَ حَدِّ الْعَبْدِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فَإِذْ قَدْ نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ بِخِلَافِ حَدِّ الْحُرِّ، فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ. فَالْوَاجِبُ - إنْ سَرَقَ الْعَبْدُ - أَنْ تُقْطَعَ أَنَامِلُهُ فَقَطْ، وَهُوَ نِصْفُ الْيَدِ فَقَطْ، وَإِنْ سَرَقَ الْحُرُّ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ هُوَ الْمِفْصَلُ - وَأَمَّا فِي الْمُحَارَبَةِ فَتُقْطَع يَدُ الْحُرِّ مِنْ الْمِفْصَلِ، وَرِجْلُهُ مِنْ الْمِفْصَلِ، وَتُقْطَعُ مِنْ الْعَبْدِ أَنَامِلُهُ مِنْ الْيَدِ، وَنِصْفُ قَدَمِهِ مِنْ السَّاقِ - كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَأْخُذُ مِنْ قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ مَا وَافَقَ النَّصَّ، وَنَتْرُكُ مَا لَمْ يُوَافِقُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا أَيُّ الْيَدَيْنِ تُقْطَعُ؟ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ ثنا، قَالَ: ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا سَحْنُونٌ ثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَرَقَ سَارِقٌ بِالْعِرَاقِ فِي زَمَانِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقُدِّمَ لِيُقْطَعَ يَدُهُ، فَقَدَّمَ السَّارِقُ يَدَهُ الْيُسْرَى - وَلَمْ يَشْعُرُوا - فَقُطِعَتْ، فَأُخْبِرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَبَرَهُ فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَقْطَع يَدَهُ الْأُخْرَى - وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَلَى مُتَوَلِّي الْقَطْعِ دِيَةُ الْيَدِ - وَقَالَ قَائِلُونَ: تُقْطَعُ الْيُمْنَى. وَاحْتَجُّوا أَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعُ الْيُمْنَى - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا ".

مسألة من جحد العارية هل تقطع يده

وَالْقِرَاءَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَادَّعَوْا إجْمَاعًا - وَهُوَ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ قَطْعُ عَلِيٍّ الشِّمَالَ عَنْ الْيَمِينِ وَاكْتِفَاؤُهُ بِذَلِكَ، فَلَوْ وَجَبَ قَطْعُ الْيَمِينُ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ ذَلِكَ قَطْعُ الشِّمَالِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ، وَلَا الْأَكْلُ بِالشِّمَالِ، وَلَا نَصَّ إلَّا وُجُوبُ قَطْعِ الْيَدِ، أَوْ الْأَيْدِي، فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إلَّا أَنَّنَا نَسْتَحِبُّ قَطْعَ الْيَمِينِ، لِلْأَثَرِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ «كَانَ يَجِبُ التَّيَمُّنُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» . [مَسْأَلَة مِنْ جَحَدَ الْعَارِيَّةَ هَلْ تقطع يَده] 2289 - مَسْأَلَةٌ: قَطْعُ الْيَدِ فِيمَنْ جَحَدَ الْعَارِيَّةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا» وَذَكَر الْحَدِيثَ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ «كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ فَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: يَا أُسَامَةُ، أَلَا أَرَاك تُكَلِّمُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَطِيبًا فَقَالَ: إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا» . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ أَبِي، فَقُلْت لَهُ: تَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ، وَقَالَ: تُقْطَعُ يَدُ الْمُسْتَعِير إذَا جَحَدَ ثُمَّ أَقَرَّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ نا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ أَبُو مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ

عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ لِلنَّاسِ ثُمَّ تُمْسِكُهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لِتَتُبْ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَرُدَّ مَا تَأْخُذُ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ يَا بِلَالُ فَخُذْ بِيَدِهَا فَاقْطَعْهَا» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ مِنْ اعْتِرَاضِ مَنْ انْتَصَرَ لِهَذَا الْقَوْلِ أَنْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُمْ: مُخْتَلِفٌ فِيهِ، فَرَوَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ تِلْكَ الْمَخْزُومِيَّةَ سَرَقَتْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالُوا: وَمِنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَاَيْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا حَرْمَلَةُ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ - فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِنْ سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ

الْحَدَّ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَطَعَ يَدَهَا» . فَهَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّهَا سَرَقَتْ. قَالُوا: وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَنَّهَا سَرَقَتْ وَأَنَّ مَنْ رَوَى " اسْتَعَارَتْ " قَدْ وَهِمَ: أَنَّ فِي جُمْهُورِ هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّهُمْ اسْتَشْفَعُوا لَهَا بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَنَهَاهُ أَنْ يَشْفَعَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَشْفَعَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَعُودُ فَيَشْفَعُ فِي حَدٍّ آخَرَ مَرَّةً أُخْرَى؟ وَقَالُوا: إنَّ الْمُسْتَعِيرَ خَائِنٌ، وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ، وَلَا عَلَى الْمُخْتَلِسِ، وَلَا عَلَى الْمُنْتَهِبِ: قَطْعٌ» . قَالَ: وَتَحْتَمِلُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهَا: أَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّعْرِيفَ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ اسْتَعَارَتْ الْحُلِيَّ وَسَرَقَتْ، فَقُطِعَتْ لِلسَّرِقَةِ لَا لِلْعَارِيَّةِ. قَالُوا: وَهَذَا كَمَا رُوِيَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ» ، قَالُوا: وَلَيْسَ مِنْ أَجَلِ الْحِجَامَةِ أَخْبَرَ بِأَنَّهُمَا أَفْطَرَا، لَكِنْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّفِّ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، لَكِنْ بِغَيْرِ ذَلِكَ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا كَلَامُهُمْ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعْمَرًا، وَشُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ، رَوَيَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ - وَهُمَا فِي غَايَةِ الثِّقَةِ وَالْجَلَالَةِ - وَكَذَلِكَ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهَا كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ فَتَجْحَدُهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى - وَلَمْ يَضْطَرِبْ عَلَى مَعْمَرٍ فِي ذَلِكَ، وَلَا عَلَى شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ - وَإِنْ كَانَا خَالَفَهُمَا: اللَّيْثُ، وَيُونُسُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ. فَإِنَّ اللَّيْثَ قَدْ اضْطَرَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ عَلَى يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، فَإِنْ اللَّيْثَ، وَيُونُسَ، وَإِسْمَاعِيلَ، وَإِسْحَاقَ لَيْسُوا فَوْقَ مَعْمَرٍ، وَشُعَيْبٍ، فِي الْحِفْظِ، وَقَدْ وَافَقَهُمَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ. وَأَمَّا تَنْظِيرُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِمْ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . وَبِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ. فَمَا زَادُوا عَلَى أَنْ فَضَحُوا أَنْفُسَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا فِي الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَسْتَسْهِلُهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُمَا أَفْطَرَا؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ النَّاسَ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: فَمَنْ اغْتَابَ النَّاسَ - وَهُوَ صَائِمٌ - أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. وَهَذِهِ مَضَاحِكُ وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ وَاسْتِخْفَافٌ بِأَوَامِرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ، أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَيَقُولُونَ هُمْ: لَمْ يُفْطِرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: أَتُكَذِّبُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ أَفْطَرَا؟ قَالُوا أَفْطَرَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْغِيبَةُ. فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: أَتُفَطِّرُ الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: لَا.

فَرَجَعُوا إلَى مَا فَرُّوا عَنْهُ كَيْدًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلِمَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ مِنْ الضُّعَفَاءِ الْمَخَاذِيلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ: أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ لَمْ يَرْوِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ، وَالتَّرَاصِّ فِيهَا، وَالْوَعِيدِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ: لَأَمْكَنَ أَنْ يُعْذَرُوا بِالْجَهْلِ، فَكَيْف وَلَا عُذْرَ لَهُمْ؟ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُظَنَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأُمَّتِهِ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . وَأَمَرَ الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَهُمْ الْوَجْهَ الَّذِي أَفْطَرَا، بِهِ، وَلَا الْوَجْهَ الَّذِي أَمَرَ مِنْ أَجَلِهِ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الصَّفِّ، بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ. فَهَذَا طَعْنٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِأَمْرٍ لَمْ يُبَيِّنُهُ عَلَيْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُسْتَعِيرَ الْجَاحِدَ: خَائِنٌ، وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ، وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ - وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فَسَادَ هَذَا الْخَبَرِ فِي صَدْرِ كَلَامِنَا فِي قَطْعِ السَّارِقِ، وَأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّدْلِيسِ. فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ: إنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدَهَا، وَرِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهَا سَرَقَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا: صَحِيحَانِ، لَا مَغْمَزَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ فِي الدِّينِ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا.

وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِيمَنْ يَتَعَلَّلُ فِي رَدِّ هَذِهِ السُّنَّةِ بِهَذَا الِاضْطِرَابِ، وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِحَدِيثِ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ» . وَبِحَدِيثِ «الْقَطْعِ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَهُمَا مِنْ الِاضْطِرَابِ بِحَيْثُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَذَلِكَ الِاضْطِرَابُ أَشَدُّ مِنْ الِاضْطِرَابِ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِكَثِيرٍ، أَوْ يَأْخُذُ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ: «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ ذَلِكَ حَدُّ الْقَطْعِ، وَقَدْ عَارَضَهُ مِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنَّ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ لَيْسَ عِلَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ، فَلِنَقُلْ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى: إنَّ فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا: اسْتَعَارَتْ الْمَتَاعَ فَجَحَدَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِهَا - وَفِي الْأُخْرَى: أَنَّهَا سَرَقَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَا فِي قِصَّتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، فِي امْرَأَتَيْنِ مُتَغَايِرَتَيْنِ، أَوْ يَكُونَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَإِنْ كَانَتْ فِي قِصَّتَيْنِ، وَفِي امْرَأَتَيْنِ، فَقَدْ انْقَطَعَ الْهَذْرُ، وَبَطَل الشَّغَبُ جُمْلَةً، وَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي شَفَاعَةِ أُسَامَةَ فِيهِمَا جَمِيعًا، عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا - مِنْ الْبَيَانِ - مِنْ أَنَّهُ شَفَعَ فِي السَّرِقَةِ فَنُهِيَ، ثُمَّ شَفَعَ فِي الْمُسْتَعِيرَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ حَدَّ ذَلِكَ أَيْضًا الْقَطْعُ. عَلَى أَنَّنَا لَوْ شِئْنَا الْقَطْعَ، فَإِنَّهُمَا امْرَأَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ، وَقَضِيَّتَانِ اثْنَتَانِ، لَكَانَ لَنَا مُتَعَلَّقٌ، بِخِلَافِ دَعَاوِيهمْ الْمُجَرَّدَةِ مِنْ كُلِّ عَلْقَةٍ، إلَّا مِنْ الْمُجَاهِرَةِ بِالْبَاطِلِ، وَالْجَسْرِ عَلَى الْكَذِبِ، لَكَانَ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى امْرَأَةٍ فَقَالَتْ: إنَّ فُلَانَةَ تَسْتَعِيرُكِ حُلِيًّا - وَهِيَ كَاذِبَةٌ - فَأَعَارَتْهَا إيَّاهُ، فَمَكَثَتْ لَا تَرَى حُلِيَّهَا، فَجَاءَتْ الَّتِي كَذَبَتْ عَلَيَّ فِيهَا فَسَأَلَتْهَا حُلِيَّهَا، فَقَالَتْ: مَا اسْتَعَرْتُ مِنْكِ شَيْئًا، فَرَجَعَتْ إلَى الْأُخْرَى فَسَأَلَتْهَا حُلِيَّهَا، فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ اسْتَعَارَتْ مِنْهَا شَيْئًا، فَجَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

فَدَعَاهَا، فَقَالَتْ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا اسْتَعَرْتُ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ: اذْهَبُوا فَخُذُوهُ مِنْ تَحْتِ فِرَاشِهَا، فَأُخِذَ، وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي بِشْرُ بْنُ تَمِيمٍ أَنَّهَا أُمُّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَا آخُذُ غَيْرَهَا، لَا آخُذُ غَيْرَهَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ «سَرَقَتْ امْرَأَةٌ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: أَيْ إنَّهَا عَمَّتِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: فَلَمْ أَشُكَّ حِين قَالَ حَسَنٌ: قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا عَمَّتِي، إنَّهَا بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا ابْنُ جُرَيْجٍ يَحْكِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّهُ لَا يَشُكُّ أَنَّ الَّتِي سَرَقَتْ بِنْتَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَيُخْبِرُ عَنْ بِشْرٍ التَّيْمِيِّ أَنَّ الَّتِي اسْتَعَارَتْ هِيَ بِنْتُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَهُمَا ابْنَتَا عَمٍّ مَخْزُومِيَّتَانِ، عَمُّهُمَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَوْجُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَلَكِنَّا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: هَبْكَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِصَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّرِقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ لَفْظِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، لَا مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ ذِكْرُ الِاسْتِعَارَةِ، وَإِنَّمَا لَفْظُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُهَا» . فَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ، يَعْنِي ذِكْرَ السَّرِقَةِ: أَحَدُهُمَا - أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي يَرَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ سَرِقَةٌ، فَيُخْبِرُ عَنْهَا بِلَفْظِ السَّرِقَةِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ - هُوَ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ، ثُمَّ الْجَحْدَ سَرِقَةٌ صَحِيحَةٌ لَا مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا أَتَى عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِأَخْذِ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، يُوَرِّي

مسألة من يقرض في الدراهم والدنانير هل تقطع يده

بِالِاسْتِعَارَةِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ يَمْلِكُهُ مُسْتَتِرًا مُخْتَفِيًا - فَهَذِهِ هِيَ السَّرِقَةُ نَفْسُهَا دُونَ تَكَلُّفٍ، فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ خَارِجًا عَمَّا ذَكَرْنَا أَحْسَنَ خُرُوجٍ، وَكَانَ لَفْظُ مَنْ رَوَى " الْعَارِيَّةَ " لَا يَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَصْلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَتُقْطَعُ يَدُ الْمُسْتَعِيرِ الْجَاحِدِ كَمَا تُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ - سَوَاءٌ سَوَاءٌ - مِنْ الذَّهَبِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ لَا فِي أَقَلَّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَفِي غَيْرِ الذَّهَبِ فِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ - قَلَّتْ أَوْ كَثُرْت -؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ فِي مَالٍ أُخِذَ اخْتِفَاءً لَا مُجَاهِرَةً. وَتُقْطَعُ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، لِإِجْمَاعِ الْأَمَةِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ، وَمِنْ مُسْقِطٍ الْقَطْعَ عَنْهَا، وَمِنْ مُوجِبٍ الْقَطْعَ عَلَيْهَا، وَلَا قَطْعَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ بِالْأَخْذِ، وَالتَّمْلِيكِ، مَعَ الْجَحْدِ، أَوْ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ، فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى قُطِعَتْ الْيَدُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا - وَهَذَا عُمُومٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ طَلَبَهُ الْعَارِيَّةَ مُسْتَخْفِيًا بِمَذْهَبِهِ فِي أَخْذِهِ، فَكَانَ سَارِقًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ - وَحَسْبنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ. [مَسْأَلَة مِنْ يُقْرِض فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير هَلْ تقطع يَده] 2290 - مَسْأَلَةٌ: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ؟ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا أَبُو عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَجَدَ رَجُلًا يَقْرِضُ الدَّرَاهِمَ فَقَطَعَ يَدَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ نا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ - فَأُتِيَ بِرَجُلٍ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ - وَقَدْ شُهِدَ عَلَيْهِ - فَضَرَبَهُ، وَحَلَقَهُ، وَأَمَرَ بِهِ فَطِيفَ بِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَقْطَعُ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُرَدَّ إلَيْهِ، فَقَالَ: أَمَا إنِّي لَمْ يَمْنَعنِي مِنْ أَنْ أَقْطَعَ يَدَك إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَقَدْ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ؟

مسألة في تحريم الخمر واختلاف الناس في حد شاربها

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْت الْأَيْدِي تُقْطَعُ فِي قَرْضِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ يُتَعَامَلُ بِهَا عَدَدًا دُونَ وَزْنٍ، فَكَانَ مَنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ يَقْرِضُ بِالْجَلَمِ مِنْ تَدْوِيرِهَا، ثُمَّ يُعْطِيهَا عَدَدًا، وَيَسْتَفْضِلُ الَّذِي قَطَعَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا عَمَلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ صَاحِبٌ - لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْحَنَفِيُّونَ يَجْعَلُونَ نَزْحَهُ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ وَقَعَ فِيهَا حُجَّةً وَإِجْمَاعًا لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ فِي نَصْرِ بَاطِلِهِمْ، فِي أَنَّ الْمَاءَ يُنَجِّسُهُ مَا وَقَعَ فِيهِ - وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ - وَلَيْسَ فِي خَبَرِهِمْ: أَنَّ زَمْزَم لَمْ تَكُنْ تَغَيَّرَتْ، وَلَعَلَّهَا قَدْ كَانَتْ تَغَيَّرَتْ، وَلَعَلَّ الْمَاءَ كَانَ فِيهَا قَدْرَ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ. وَكَيْفَ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَذَا، وَإِسْقَاطُهُمْ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» فَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيْثُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْجِيسًا مِنْ الْمَيِّتِ، وَلَا كَرَامَةً، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ - إنْ كَانَ مُؤْمِنًا - لَكِنَّهَا شَرِيعَةٌ، كَالْغُسْلِ مِنْ الْإِيلَاجِ - وَإِنْ كَانَ كِلَا الْفَرْجَيْنِ طَاهِرًا - وَكَالْغُسْلِ مِنْ الِاحْتِلَامِ. فَإِنْ ذَكَرُوا - مَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ضَرَبَ رَجُلًا فِي قَطْعِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا لَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ قَبْلُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ قَرْضُ مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، فَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيجَابُ الْقَطْعِ فِي قَرْضِ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ سَارِقٍ وَلَا مُسْتَعِيرٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي حَدِّ شَارِبِهَا]

قَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْرِضْ فِيهَا حَدًّا وَإِنَّمَا فَرَضَهُ مَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ فِيهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْرِضْ فِيهَا حَدًّا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا حَدًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا - فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ثَمَانِينَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَرْبَعِينَ؟ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَمْ يُوَقِّتْ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَدًّا، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ: مَا نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ نا أَبُو حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ النَّخَعِيّ يَقُولُ: «سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي إلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ» ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَكَذَا ناه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ وَبِهِ - إلَى الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ: جِيءَ بِالنُّعَيْمَانَ - أَوْ ابْنِ النُّعَيْمَانِ - فَأَمَرَ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبُوهُ بِالنِّعَالِ. وَبِهِ - إلَى الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ نا أَبُو ضَمْرَةَ نا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ شَرِبَ، فَقَالَ: اضْرِبُوهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لَا تَقُولُوا هَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ» . وَبِهِ - إلَى الْبُخَارِيِّ نا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ

السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ «كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَإِمْرَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إلَيْهِ بِأَيْدِينَا، وَنِعَالِنَا، وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرَ إمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ» . وَبِهِ - إلَى الْبُخَارِيِّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثني اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ نا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشُّرْبِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ إلَّا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتِلْكَ سُنَّتَهُ» . ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ جَلَدَ عُمَرُ أَرْبَعِينَ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ، ثُمَّ جَلَدَ عُثْمَانُ الْحَدَّيْنِ كِلَيْهِمَا ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَثْبَتَ مُعَاوِيَةُ الْحَدَّ ثَمَانِينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَمَنْ تَعَلَّقَ بِزِيَادَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ زَادَهَا مَعَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا وَاجِبًا مُفْتَرِضًا. فَيَلْزَمُهُ: أَنْ يُحَرِّقَ بَيْتَ بَائِعِ الْخَمْرِ، وَيَجْعَلَ ذَلِكَ حَدًّا مُفْتَرَضًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ - وَأَنْ يَنْفِيَ شَارِبَ الْخَمْرِ أَيْضًا وَيَجْعَلَهُ حَدًّا وَاجِبًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: قَدْ قَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ أَحَدًا؟ قِيلَ: وَقَدْ جَلَدَ عُمَرَ أَرْبَعِينَ، وَسِتِّينَ، فِي الْخَمْرِ، بَعْدَ أَنْ جَلَدَ الثَّمَانِينَ، بِأَصَحَّ إسْنَادٍ يُمْكِنُ وُجُودَهُ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَحْلِقُوا شَارِبَ الْخَمْرِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ، فَلَا يَحُدُّونَهُ أَصْلًا، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُوجِبُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ أَيْضًا - وَلَا بُدَّ - عَلَى مِنْ فَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، أَوْ عَلَى عُمَرَ، وَعَلَى مَنْ فَضَّلَ عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا، قَالَا ذَلِكَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ.

مسألة هل يقتل شارب الخمر بعد أن يحد فيها ثلاث مرات

وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجْلَدَ حَدًّا وَاجِبًا كُلُّ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْقُرْآنِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا بِالْبَاطِلِ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا: أَنَّ الْقَوْلَ بِجِلْدِ أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ - يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا - وَبِهِ نَأْخُذُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ يُقْتَلُ شَارِبُ الْخَمْرِ بَعْدَ أَنْ يُحَدَّ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] 2292 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُقْتَلُ شَارِبُ الْخَمْرِ بَعْدَ أَنْ يُحَدَّ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَمْ لَا؟ [قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخَمْرُ حَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، فَمَنْ اسْتَحَلَّهَا مِمَّنْ سَمِعَ النَّصَّ فِي ذَلِكَ، وَعَلِمَ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ كَافِرٌ، مُرْتَدٌّ، حَلَالُ الدَّمِ، وَالْمَالِ - فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فَأَمَرَ تَعَالَى بِاجْتِنَابِ الرِّجْسِ جُمْلَةً وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْخَمْرَ مِنْ الرِّجْسِ، فَفَرَضَ اجْتِنَابَهَا؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْفَرْضِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فَرْضًا. وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33] فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى تَحْرِيمِ الْإِثْمِ. وَقَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: 219] . فَصَحَّ أَنَّ الْإِثْمَ حَرَامٌ وَأَنَّ فِي الْخَمْرِ إثْمًا وَأَنَّ مُوَاقِعِهَا مُوَاقِعُ إثْمٍ، فَهُوَ مُوَاقِعُ الْمُحْرِمِ نَصًّا - وَأَمَّا مِنْ السُّنَّةِ فَمَعْلُومٌ مَشْهُورٌ] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ يُحَدُّ فِيهَا، ثُمَّ يَشْرَبُهَا، فَيُحَدُّ فِيهَا ثَانِيَةً، ثُمَّ يَشْرَبُهَا فَيُحَدُّ فِيهَا ثَالِثَةً، ثُمَّ يَشْرَبُهَا الرَّابِعَة؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْتَلُ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ يُقْتَلُ: فَكَمَا نا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا

جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا الْحَارِثُ - هُوَ ابْنُ أَبِي أُسَامَةَ - نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ أَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: ائْتُونِي بِرَجُلٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الْخَمْرِ، فَإِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ فَأَنَا كَاذِبٌ؟ وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَغَيْرُهُمْ: أَنْ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ - وَذَكَرُوا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَنْ رَأَى قَتْلَهُ: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا أَبُو سَلَمَةَ نا أَبَانُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ - عَنْ عَاصِمٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ - عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إنْ شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إنْ شَرِبُوا فَاقْتُلُوهُمْ» حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ ذَكْوَانَ - هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ - عَنْ مُعَاوِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ «إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ الرَّابِعَةَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ - ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا - فَاقْتُلُوهُ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَانِ طَرِيقَانِ فِي نِهَايَةِ الصِّحَّةِ - وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ

آخَرَ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَلَوْ ظَفِرَ بِبَعْضِهَا الْمُخَالِفُونَ مِنْ الْحَاضِرِينَ لَطَارُوا بِهِ كُلَّ مَطِيرٍ: مِنْ ذَلِكَ مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقَطِيعِيُّ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ جَمِيلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثَلَاثًا، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ» حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ» . حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ نا أَبِي نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، إذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ سَكِرَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا هِشَامٌ أَنَا مُغِيرَةُ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ بْنِ عَبْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَفَعَ الْحَدِيثَ قَالَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» .

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ - وَعَبْدُ بْنُ عَبْدٍ أَوْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ - قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ؟ قَالَ: هُوَ فُلَانُ ابْنُ عَبْدٍ، كُوفِيٌّ، ثِقَةٌ، مِنْ قَيْسٍ، لَمْ يَحْفَظْ يَحْيَى اسْمَهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا شُرَحْبِيلُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَأَبُو غُطَيْفٍ الْكِنْدِيُّ - كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَقَلُّ مِنْ هَذَا يَجْعَلُونَ فِيمَا وَافَقَهُمْ نَقْلَ تَوَاتُرٍ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ، وَكَاعْتِمَادِ الْمَالِكِيِّينَ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لَهُمْ كَثِيرٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَكَانَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، ثَابِتَةً، تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُونَ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَنْسُوخٌ - وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ: مَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نا عَمِّي - هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ سَعْدٍ - نا شَرِيكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا شَرِبَ الرَّجُلُ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ مِنَّا فَلَمْ يَقْتُلْهُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ - فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُعَيْمَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» . فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ رُفِعَ، وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ رُفِعَ: حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ

نا أَبُو ثَابِتٍ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِشَارِبِ الْخَمْرِ «إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ - فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَجَلَدَهُ - وَوَضَعَ الْقَتْلَ عَنْ النَّاسِ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: قَدْ نا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ لِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ مِنْ وَافِدِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْخَبَرِ - يَعْنِي حَدِيثَ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ هَذَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثني اللَّيْثُ ثني خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشُّرْبِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ إلَّا يُحِبُّ اللَّهَ وَيُحِبُّ رَسُولَهُ» . وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ أَحَدٌ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي قَتْلِهِمْ مَنْ لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى قَتْلَهُ قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كَقَتْلِ الْمَالِكِيِّينَ بِدَعْوَى الْمَرِيضِ، وَقَسَامَةِ اثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَتْلِهِمْ - وَالشَّافِعِيِّينَ مَنْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَنْ أَقَرَّ بِفَرْضِ صَلَاةٍ وَقَالَ: لَا أُصَلِّي. وَكَقَتْلِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، السَّاحِرَ.

وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكْفُرْ، وَلَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَلَا قَتَلَ نَفْسًا. فَهَذَا كُلُّهُ نَقَضَ احْتِجَاجَهُمْ فِي قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ: مَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِي مَرَّاتٍ - وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدٍ أَيْضًا - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي نَسْخِ الثَّابِتِ مِنْ الْأَمْرِ بِقَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَحَدٌ مُتَّصِلًا، إلَّا شَرِيكٌ الْقَاضِي، وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ - وَهُمَا ضَعِيفَانِ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ فَمُنْقَطِعٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْهُ فَمُنْقَطِعٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَتْلِ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَالْيَقِينُ الثَّابِتُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ لِلضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَنًّا - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً. وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا يَجْلِدُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ، لَكَانَ مُقْتَضَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِئْنَافُ جِلْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ لَفَظَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَمَرَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ بِضَرْبِهِ إنْ شَرِبَ، ثُمَّ بِضَرْبِهِ إنْ شَرِبَ ثَانِيَةً، ثُمَّ بِضَرْبِهِ ثَالِثَةً، ثُمَّ بِقَتْلِهِ رَابِعَةً - هَذَا نَصُّ حَدِيثِهِ وَكَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ حُجَّةً لَوْ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ بَعْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ - سَوَاءٌ سَوَاءٌ - فِي حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ الْوَاجِبَ ضَمُّ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلِّهَا بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَالِانْقِيَادُ إلَى جَمِيعِهَا، وَالْأَخْذُ بِهَا، وَأَنْ لَا يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: هَذَا مَنْسُوخٌ إلَّا بِيَقِينٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَفَرْضٌ عَلَيْنَا الْأَخْذُ بِهِ، وَالطَّاعَةُ لَهُ، وَمَنْ ادَّعَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَسْخًا، فَقَوْلُهُ مُطَّرَحٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَنَا: لَا تُطِيعُوا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا عِصْيَانُ مَنْ أَمَرَ بِذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ جَلِيٌّ بَيِّنٌ يَشْهَدُ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَنْسُوخٌ، أَوْ إجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ بِتَارِيخٍ ثَابِتٍ مُبَيِّنٍ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ. وَأَمَّا نَحْنُ - فَإِنَّ قَوْلَنَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِحِفْظِ دِينِهِ وَأَكْمَلَهُ، وَنَهَانَا عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ، فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُرَدَّ نَصَّانِ يُمْكِنُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَضَمِّهِ إلَيْهِ، إلَّا وَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمَا بِيَقِينٍ، وَأَنَّهُ لَا نَسْخَ فِي ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ أَصْلًا - وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ نَسْخٌ لَبَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانًا جَلِيًّا، وَلَمَا تَرَكَهُ مُلْتَبِسًا مُشْكِلًا، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُرَدَّ نَصَّانِ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَخْصُوصًا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَعَانٍ مِنْهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْأَعَمِّ، وَيَكُونُ الْبَيَانُ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْأَخَصَّ قَبْلَ الْأَعَمِّ بِلَا شَكٍّ - فَهَذَا إنْ وُجِدَ فَالْحُكْمُ فِيهِ النُّسَخُ وَلَا بُدَّ، حَتَّى يَجِيءَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ الْعَامِ الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَالْبَيَانُ - بِلَا شَكٍّ - هُوَ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ الْوَارِدِ، مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَالْوَاجِبُ الرَّدُّ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ، إذْ يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] الْآيَةَ.

مسألة هل يحد شارب الخلطين

وَقَدْ صَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ، وَلَمْ يَصِحَّ نَسْخُهُ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ - وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. [مَسْأَلَة هَلْ يحد شَارِب الخلطين] 2293 - مَسْأَلَةٌ: الْخَلِيطَيْنِ؟ قَدْ ذَكَرْنَا " فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ " أَنَّ التَّمْرَ وَالرُّطَبَ، وَالزَّهْوَ وَالْبُسْرَ، وَالزَّبِيبَ، هَذِهِ الْخَمْسَةُ - خَاصَّةٌ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ - يَحِلُّ أَنْ يُنْبَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنْبَذَ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَ شَيْءٍ آخَرَ - لَا مِنْهَا وَلَا مِنْ سَائِرِهَا - فِي الْعَالَمِ. وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُخْلَطَ نَبِيذُ شَيْءٍ - بَعْدَ طِيبِهِ أَوْ قَبْلَ طِيبِهِ - لَا بِشَيْءٍ آخَرَ وَلَا بِنَبِيذِ شَيْءٍ آخَرَ - لَا مِنْهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا - أَصْلًا، وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةَ فَجَائِزٌ أَنْ يُنْبَذَ مِنْهَا الشَّيْئَانِ وَالْأَكْثَرُ مَعًا، وَأَنْ يُخْلَطَ نَبِيذُ اثْنَيْنِ مِنْهَا فَصَاعِدًا أَوْ عَصِيرُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَبَيَّنَّا السُّنَنَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْ الْخَلِيطِينَ الْمُحَرَّمَيْنِ مِمَّا ذَكَرْنَا شَيْئًا لَا يُسْكِرُ فَقَدْ شَرِبَ حَرَامًا كَالدَّمِ، وَالْبَوْلِ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ خَمْرًا، وَلَا حَدَّ إلَّا فِي الْخَمْرِ. لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَلِلْآثَارِ الثَّابِتَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ فِي الْخَمْرِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَمْرًا فَلَا حَدَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا. وَأَمَّا كُلُّ خَلِيطَيْنِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا أَسْكَرَ فَهُوَ خَمْرٌ، وَعَلَى شَارِبِهِ حَدُّ الْخَمْرِ، لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقَ. [مَسْأَلَة مَتَى يحد السَّكْرَان] 2294 - مَسْأَلَةٌ: مَتَى يُحَدُّ السَّكْرَانُ؟ أَبْعَدَ صَحْوِهِ أَمْ فِي حَالِ سُكْرِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ، أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يُحَدُّ حَتَّى يَصْحُوَ، وَبِهِ - قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ.

مسألة فيمن جالس شراب الخمر أو دفع ابنه إلى كافر فسقاه خمرا

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْلَدُ حِينَ يُؤْخَذُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ قَالَ: يُؤَخَّرُ حَتَّى يَصْحُوَ إلَّا أَنْ قَالُوا: إنَّ الْجَلْدَ تَنْكِيلٌ وَإِيلَامٌ، وَالسَّكْرَانُ لَا يَعْقِلُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى أَنَّ الْحَدَّ حِينَ يُؤْخَذُ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ عُتْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِمْ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِالشَّارِبِ فَأَقَرَّ، فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يَصْحُوَ» . وَالنَّظَرُ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحَدَّ حِينَ يُؤْتَى بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يُحِسَّ أَصْلًا، وَلَا يَفْهَمَ شَيْئًا، فَيُؤَخَّرُ حَتَّى يُحِسَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ جَالَسَ شُرَّابَ الْخَمْرِ أَوْ دَفَعَ ابْنَهُ إلَى كَافِرٍ فَسَقَاهُ خَمْرًا] 2295 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ جَالَسَ شُرَّابَ الْخَمْرِ، أَوْ دَفَعَ ابْنَهُ إلَى كَافِرٍ فَسَقَاهُ خَمْرًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ قَالَ: لَا أُوتَى بِرَجُلٍ دَفَعَ ابْنَهُ إلَى يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، فَسَقَاهُ خَمْرًا إلَّا جَلَدْتُ أَبَاهُ الْحَدَّ. وَبِهِ - إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أُتِيَ بِرَجُلٍ صَائِمٍ دَعَا قَوْمًا فَسَقَاهُمْ الْخَمْرَ - وَلَمْ يَشْرَبْ مَعَهُمْ - فَجُلِدُوا الْحَدَّ، وَجَلَدَهُ مَعَهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُعْبَأُ بِهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَقَدْ بَيَّنَّا - أَنْ لَا حَدَّ إلَّا عَلَى زَانٍ، أَوْ مُرْتَدٍّ، أَوْ مُحَارِبٍ، وَقَاذِفٍ، أَوْ سَارِقٍ، أَوْ مُسْتَعِيرٍ جَاحِدٍ، أَوْ شَارِبِ خَمْرٍ. وَأَمَّا مَنْ سَقَى غَيْرَهُ الْخَمْرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَشَرَتَهُ حَرَامٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِإِبَاحَتِهَا بِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، لَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ؟

مسألة من أكره على شرب الخمر أو اضطر إليها

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَقَدْ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْقَوَدَ بِالْقَتْلِ عَلَى الْمُمْسِكِ إنْسَانًا حَتَّى قُتِلَ ظُلْمًا، وَمَنْ رَأَى الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ قِيَاسًا عَلَى الْقَذْفِ، وَمَنْ رَأَى الْحَدَّ عَلَى فَاعِلِ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ قِيَاسًا عَلَى الزِّنَى: أَنْ يَرَى الْحَدَّ عَلَى سَاقِي الْقَوْمِ الْخَمْرَ قِيَاسًا عَلَى شَارِبِهَا - وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي قِيَاسِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا] 2296 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لِعَطَشٍ، أَوْ عِلَاجٍ، أَوْ لِدَفْعِ خَنْقٍ، فَشَرِبَهَا، أَوْ جَهِلَهَا فَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا خَمْرٌ، فَلَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ. أَمَّا الْمُكْرَهُ - فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] . فَصَحَّ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ. وَأَمَّا الْجَاهِلُ - فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ - وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ مَنْ دُسَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا وَهُوَ لَا يَدْرِي مَنْ هِيَ يَظُنُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَبَدَّلَهُ جَاهِلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؟ قَالَ تَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فَصَحَّ أَنَّهُ لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ بَلَغَهُ التَّحْرِيمُ، وَعَلَى مَنْ عَرَفَ أَنَّ الزِّنَى حَرَامٌ فَقَصَدَهُ عَمْدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة حَدُّ الذِّمِّيِّ فِي الْخَمْرِ] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ جَمَّةٍ مِقْدَارَ الْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] .

مسألة بيع العصير ممن لا يوقن أنه يبقيه حتى يصير خمرا

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: لَا حَدَّ عَلَى الذِّمِّيِّ إلَّا أَنْ يَسْكَرَ، فَإِنْ سَكِرَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة بَيْعُ الْعَصِيرِ مِمَّنْ لَا يُوقِنُ أَنَّهُ يُبْقِيه حَتَّى يَصِيرَ خَمْرًا] 2298 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَائِزٌ بَيْعُ الْعَصِيرِ مِمَّنْ لَا يُوقِنُ أَنَّهُ يُبْقِيه حَتَّى يَصِيرَ خَمْرًا، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَمْرًا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ مِنْهُ أَصْلًا وَفُسِخَ الْبَيْعُ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ مَنْ بَاعَ الْعِنَبَ، أَوْ التِّينَ، أَوْ الْخَمْرَ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ - وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِذْ هُوَ مُحَرَّمٌ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ كَسَرَ إنَاءَ خَمْرٍ، أَوْ شَقَّ زِقَّ خَمْرٍ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ، وَأَمْوَالُ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ، وَقَدْ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَحِلُّ، فَإِفْسَادُهُ إفْسَادٌ لِلْمَالِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَبَا طَلْحَةَ: وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَسَرُوا خَوَابِيَ الْخَمْرِ؟ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُ - وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ شَقُّ الزِّقَاقِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ طَلْقٍ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ نُكَيْلٍ - هُوَ مَجْهُولٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ طَرَحَ فِي الْخَمْرِ سَمَكًا وَمِلْحًا فَجَعَلَهَا مَرْيًا؟ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ، لِاسْتِعْمَالِهِ الْخَمْرَ الَّذِي لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا، وَلَا تَحِلُّ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَلَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا الْهَرْقُ، فَإِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ - وَلِلْخَمْرِ رِيحٌ، أَوْ طَعْمٌ، أَوْ لَوْنٌ: هَرَقَ الْجَمِيعَ. وَهَكَذَا كُلُّ مَائِعٍ خُلِطَ فِيهِ خَمْرٌ - وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ إلَّا وَقَدْ اسْتَحَالَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ - فَلَا يَفْسُدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ، وَبَيْعُهُ.

مسائل التعزير وما لا حد فيه

وَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ النَّاسِ، لَا لِمَنْ يَطْرَحُ الْخَمْرَ - فَمَتَى سَقَطَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ، وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ مِلْكَهُ: لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسَائِلُ التَّعْزِيرِ وَمَا لَا حَدَّ فِيهِ] [مَسْأَلَةٌ لَا حَدَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَحْدُودٌ وَلَا لِرَسُولِهِ إلَّا فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ] مَسَائِلُ التَّعْزِيرِ وَمَا لَا حَدَّ فِيهِ 2299 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا حَدَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَحْدُودٌ وَلَا لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، وَهِيَ: الرِّدَّةُ، وَالْحِرَابَةُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، وَالزِّنَى، وَالْقَذْفِ بِالزِّنَى، وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ - سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ - وَالسَّرِقَةُ، وَجَحْدُ الْعَارِيَّةِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْمَعَاصِي - فَإِنَّ فِيهَا التَّعْزِيرُ فَقَطْ - وَهُوَ الْأَدَبُ - وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَشْيَاءُ، رَأَى فِيهَا قَوْمٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ حَدًّا وَاجِبًا نَذْكُرُهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَذْكُرُ حُجَّةَ مَنْ رَأَى فِيهَا الْحَدَّ وَحُجَّةَ مَنْ لَمْ يَرَهُ لِيَلُوحَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - كَمَا فَعَلْنَا فِي سَائِرِ كِتَابِنَا: وَتِلْكَ الْأَشْيَاءُ: السُّكْرُ، وَالْقَذْفُ بِالْخَمْرِ، وَالتَّعْرِيضُ، وَشُرْبُ الدَّمِ، وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَفِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ، وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ، وَالْمَرْأَةُ تَسْتَنْكِحُ الْبَهِيمَةَ، وَالْقَذْفُ بِالْبَهِيمَةِ، وَسُحْقُ النِّسَاءِ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ غَيْرَ جَاحِدٍ لَهَا، وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ كَذَلِكَ، وَالسِّحْرُ. وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَاكِرُونَ كُلَّ ذَلِكَ بَابًا بَابًا. [مَسْأَلَة مِمَّا يحد السَّكْرَان] 2300 - مَسْأَلَةٌ: السُّكْرُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ شُرْبَ نَقِيعِ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ، وَشُرْبَ نَقِيعِ التَّمْرِ إذَا طُبِخَ، وَشُرْبَ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ - وَإِنْ أَسْكَرَ كُلُّ ذَلِكَ - فَهُوَ عِنْدَهُ حَلَالٌ، وَلَا حَدَّ فِيهِ مَا لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُسْكِرُ - وَإِنْ سَكِرَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. وَإِنْ شَرِبَ نَبِيذَ تِينٍ مُسْكِرٍ، أَوْ نَقِيعَ عَسَلٍ مُسْكِرٍ، أَوْ عَصِيرَ تُفَّاحٍ مُسْكِرٍ، أَوْ شَرَابَ قَمْحٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ ذُرَةٍ مُسْكِرٍ: فَسَكِرَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، فَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْحُدُودَ لَا تُؤْخَذُ قِيَاسًا أَصْلًا؟

فَنَقُولُ لَهُمْ: أَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذَا التَّقْسِيمَ؟ أَفِي قُرْآنٍ، أُمّ فِي سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، أَوْ سَقِيمَةٍ، أَوْ مَوْضُوعَةٍ؟ أَوْ فِي إجْمَاعٍ، أَوْ دَلِيلِ إجْمَاعٍ؟ أَمْ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ، أَمْ فِي قَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَكُمْ، أَمْ فِي قِيَاسٍ، أَمْ فِي رَأْيِ يَصِحُّ؟ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى وُجُودِ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ؟ ؛ لِأَنَّهُمْ، إنْ قَالُوا: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَمْرَ فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنْتُمْ الْحَدَّ فِي السُّكْرِ مِمَّا لَيْسَ خَمْرًا عِنْدَكُمْ، بَلْ هُوَ حَلَالٌ عِنْدَكُمْ طَيِّبٌ، وَهُوَ مَطْبُوخُ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ إذَا طُبِخَا، وَلَا خَمْرَ هَاهُنَا أَصْلًا؟ فَإِنْ قَالُوا: «جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّكْرَانَ إذْ أُتِيَ بِهِ» . وَرَوَوْا حَدِيثَ الْخَمْرِ بِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، و «اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلَا تَسْكَرُوا» وَمَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَخْبَارِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، فَإِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ سَكْرَانَ. وَأَيْضًا: فَهَلْ وَجَدْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ مِمَّاذَا سَكِرَ؟ فَإِنْ قَالَ لَهُ: مِنْ نَبِيذِ عَسَلٍ، أَوْ شَرَابِ شَعِيرٍ، أَوْ شَرَابِ ذُرَةٍ، أَطْلَقَهُ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مَوْجُودًا كَثِيرًا عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَإِنْ قَالَ لَهُ: مِنْ نَبِيذِ تَمْرٍ، أَوْ نَقِيعِ زَبِيبٍ، أَوْ عَصِيرِ عِنَبٍ: حَدَّهُ. هَلْ جَاءَ هَذَا قَطُّ فِي نَقْلٍ صَادِقٍ أَوْ كَاذِبٍ؟ فَأَنَّى لَكُمْ هَذَا التَّقْسِيمُ السَّخِيفُ؟ فَعَنْهُ سَأَلْنَاكُمْ، وَعَنْ تَحْرِيمِكُمْ بِهِ، وَتَحْلِيلِكُمْ، وَعَنْ إبَاحَتِكُمْ بِهِ الْأَشْيَاءَ الْمُحَرَّمَةَ، أَوْ إسْقَاطِكُمْ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةَ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى حَدِّ الشَّارِبِ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ إذَا سَكِرَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَاهُ؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ الْحَدَّ عَلَى مَنْ سَكِرَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ - مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ

مسألة شرب الدم وأكل الخنزير والميتة

غَيْرَ مَطْبُوخٍ - وَمِنْ نَبِيذِ الرُّطَبِ كَذَلِكَ، وَمِنْ نَبِيذِ الزَّهْوِ، وَمِنْ نَبِيذِ الْبُسْرِ، وَمِنْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ كَذَلِكَ، وَلَا إجْمَاعَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى السَّكْرَانِ مِنْ النَّبِيذِ - وَكَذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - وَلَا يَجِدُونَ أَبَدًا قَوْلَ صَاحِبٍ، وَلَا قَوْلَ تَابِعٍ بِمِثْلِ هَذَا التَّقْسِيمِ. وَكَذَلِكَ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْخَمْرِ لِعَطَشٍ، أَوْ لِاخْتِنَاقٍ، فَشَرِبَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُزِيلُ عَطَشَهُ، أَوْ اخْتِنَاقَهُ، وَذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ - عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ - فَسَكِرَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ السُّكْرَ لَا حَدَّ فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْحَدُّ، وَالتَّحْرِيمُ، فِي الْمُسْكِرِ - سَكِرَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ - وَقَدْ نَجِدُ مَنْ يَسْكَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ - أَوْ أَرْبَعَةٍ سُكْرًا شَدِيدًا - وَنَجِدُ مَنْ لَا يَسْكَرُ مِنْ أَزِيدَ مِنْ عِشْرِينَ رِطْلًا مِنْ خَمْرٍ، وَلَا تَتَغَيَّرُ لَهُ حَالَةٌ أَصْلًا. وَأَمَّا الْقَذْفُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ - فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا بِأَبْوَابٍ وَقَوْلُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ وَغَيْرِهِ إيجَابُ الْحَدِّ فِيهِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا التَّعْرِيضُ فِي الْقَذْفِ - فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كَلَامِنَا فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَتَقَصَّيْنَاهُ هُنَالِكَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ فِيهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ - وَذَكَرْنَا صِحَّةَ الْخَبَرِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي أَخْبَرَهُ: أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ - وَهُوَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ» . وَفِي «الَّذِي أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ فَلَمْ يُوجِبْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ» - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. 2301 - [مَسْأَلَة شُرْبُ الدَّمِ وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ] ِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا

عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ وُجِدَ يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَقَالَ: اشْتَهَيْتُهُ - أَوْ مَرَّتْ بِهِ بَدَنَةٌ فَنَحَرَهَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ - أَوْ امْرَأَةٌ أَفْطَرَتْ فِي رَمَضَانَ - أَوْ أَصَابَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا - أَوْ قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ مُتَعَمِّدًا - أَوْ شَرِبَ خَمْرًا فَتَرَكَ بَعْضَ الصَّلَاةِ فَذَكَرَ جُمْلَةً؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانَ اللَّهُ نَسِيًّا، لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ ذَلِكَ شَيْئًا يُسَمِّيه، مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ - ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِذَا عَاوَدَ ذَلِكَ: فَلْيُنَكَّلْ - وَذَكَرَ الَّذِي قَبَّلَ امْرَأَتَهُ، وَاَلَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إذَا أَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُ التَّوْبَةُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. بِهِ - إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: إذَا كَانَ فَاسِقًا مِنْ الْفُسَّاقِ: نُكِّلَ نَكَالًا مُوجِعًا، وَيُكَفِّرْ أَيْضًا - وَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ انْتِحَالًا لِدِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، عُرِضَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ: حَدٌّ كَحَدِّ الْخَمْرِ. وَاَلَّذِي نَعْرِفُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَأَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يُعَزَّرُ فَقَطْ. فَهَذِهِ فِي الْخِنْزِيرِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ فِيهِ: الْحَدُّ كَحَدِّ الْخَمْرِ - وَقَوْلٌ فِيهِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ أَصْلًا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - وَأَوَّلُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ - وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ. وَقَوْلَةٌ خَامِسَةٌ: أَنَّهُ يُعَزَّرُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا؟ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا إلَّا الْقِيَاسَ، فَلَمَّا كَانَتْ الْخَمْرُ مَطْعُومَةً مُحَرَّمَةً، فِيهَا حَدٌّ مَحْدُودٌ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَطْعُومٍ مُحَرَّمٍ، فِيهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ كَالْخَمْرِ، قِيَاسًا عَلَيْهَا - وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ. فِي الْعَالَمِ إنْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا مَا. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَمْ يَفْرِضْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِهِ فَصَارَ وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ.

وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنَّمَا فُرِضَتْ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى السُّكْرِ، فَيَكُونُ فِيهِ الْقَذْفُ. فَأَمَّا الْفِرْقَةُ الَّتِي قَالَتْ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ حَدَّ الْخَمْرِ، فَمِنْ أَصْلِهِمْ أَنْ يُقَاسَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ يَقِيسُونَ مَسَّ الدُّبُرِ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عِنْدَهُمْ فَرْجٌ؟ وَلَا يَشُكُّ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ، فَإِنَّ قِيَاسَ شُرْبِ الدَّمِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِ الدُّبُرِ عَلَى الذَّكَرِ؟ وَكُلُّهُمْ يَقِيسُونَ حُكْمَ مَاءِ الْوَرْدِ، وَالْعَسَلِ، تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ، أَوْ الْقَطَاةُ، فَلَا تُغَيِّرُ مِنْهُ لَوْنًا وَلَا طَعْمًا وَلَا رِيحًا، عَلَى السَّمْنِ تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ - وَقِيَاسُ الْخِنْزِيرِ، وَالدَّمِ، وَالْمَيْتَةِ، عَلَى الْخَمْرِ أَصَحُّ مِنْ كُلِّ قِيَاسٍ لَهُمْ، وَلَوْ صَحَّ يَوْمًا مَا. وَأَمَّا الْقَطَاةُ فَلَيْسَتْ كَالْفَأْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَطَاةَ تُؤْكَلُ، وَالْفَأْرَةُ لَا تُؤْكَلُ، وَالْقَطَاةُ تُجْزِي فِي الْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهَا هُنَالِكَ - وَالْفَأْرَةُ لَا تُجْزِي، وَيَحِلُّ قَتْلُهَا هُنَالِكَ. وَكَذَلِكَ مَاءُ الْوَرْدِ وَالْعَسَلِ، لَيْسَ كَالسَّمْنِ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَالسَّمْنُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَمَاءُ الْوَرْدِ لَا رِبَا فِيهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالسَّمْنُ فِيهِ الرِّبَا عِنْدَ جَمِيعِهِمْ - فَظَهَرَ تَرْكُهُمْ الْقِيَاسَ الَّذِي بِهِ يَحْتَجُّونَ، وَأَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَهُ، وَلَا يَطْرُدُونَهُ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي تَقُولُ: إنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَرَضُوا حَدَّ الْخَمْرِ، وَالْقِيَاسُ أَيْضًا لَازِمٌ لَهُمْ، كَمَا لَزِمَ الطَّائِفَةَ الْمَذْكُورَةَ. وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي قَالَتْ: إنَّ حَدَّ الْخَمْرِ إنَّمَا فُرِضَ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْقِيَاسُ لِهَؤُلَاءِ أَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا جَازَ أَنْ يُفْرَضَ حَدُّ الْخَمْرِ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ، فَكَذَلِكَ يُفْرَضُ حَدُّ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَشُرْبِ الدَّمِ، قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْخَمْرِ - وَجُمْهُورُهُمْ يُجِيزُونَ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَقِيسِ. فَوَضَحَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ فَسَادِ أَقْوَالِهِمْ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ حَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الرِّدَّةِ عِنْدَهُ - وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى مُسْلِمٍ بِالْكُفْرِ مِنْ أَجْلِ مَعْصِيَةٍ أَتَى بِهَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ صَحِيحٌ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، عَلَى أَنَّهُ

مسألة تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها

يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ كُفْرٌ، وَلَيْسَ مَعَنَا نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، عَلَى أَنَّ آكِلَ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِذَلِكَ: كَافِرٌ، وَلَكِنَّهُ عَاصٍ، مُذْنِبٌ، فَاسِقٌ، إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ، فَيَكُونُ كَافِرًا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ مُعَانَدَةَ مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ مِنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ، وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» . [مَسْأَلَة تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا] 2302 - مَسْأَلَةٌ: تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: الصَّلَاةُ حَقٌّ فَرْضٌ إلَّا أَنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ - فَإِنَّهُ يُتَأَنَّى بِهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُقْتَلْ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا قَتَلَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُمَا يَرَيَانِ تَارِكَ الصَّلَاةِ الَّذِي ذَكَرْنَا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُمَا يُوَرِّثَانِ مَالَهُ وَلَدَهُ، وَيُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ، وَيَدْفِنَانِهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُفَرِّقَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَيُنْفِذَانِ وَصِيَّتَهُ، وَيُوَرِّثَانِهِ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ قَوْلُهُمَا فِي قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ نَفْسٌ بِنَفْسٍ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا - كَمَا ذَكَرْنَا - لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ كَافِرًا، أَوْ يَكُونَ غَيْرَ كَافِرٍ - فَإِنْ كَانَ كَافِرًا، فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوهُ لَلَزِمَهُمْ أَنْ يُلْزِمُوهُ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَفِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ - فَإِذْ لَيْسَ كَافِرًا، وَلَا قَاتِلًا، وَلَا زَانِيًا مُحْصَنًا، وَلَا مُحَارِبًا، وَلَا مَحْدُودًا فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَدَمُهُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ

وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» . وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] . قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ تَخْلِيَةُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَلَمْ يُزْكِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى نا قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مُحْصَنٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، قَالَ: فَمَنْ رَضِيَ وَتَابِعَ، قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا، مَا صَلُّوا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا دَاوُد بْنُ رَشِيدٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَخْبَرَنِي مَوْلَى بَنِي فَزَارَةَ زُرَيْقُ بْنُ حَيَّانَ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَ بْنَ قَرَظَةَ ابْنَ عَمِّ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ يَقُولُ سَمِعْت عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تَبْغُضُونَهُمْ وَيَبْغُضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ، لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَالْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا «نَهَيْتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ» و " لَا لَعَلَّهُ يَكُونُ يُصَلِّي ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ - هُوَ ابْنُ زِيَادٍ - عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي النُّعْمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ «بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمِ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ -

وَفِيهِ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمِّرُ الْإِزَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ: وَيْلَكَ، أَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟ قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يَكُونُ يُصَلِّي؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَهَبِيَّةٍ فِي تُرْبَتِهَا فَذَكَرَ الْخَبَرَ. وَفِيهِ فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ يُطِعْ اللَّهَ إنْ لَمْ أُطِعْهُ؟ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَلَا تَأْمَنُنِي - ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ - يَرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» ؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ يُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الْأَئِمَّةِ مَا صَلُّوا. فَصَحَّ أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُصَلُّوا قُوتِلُوا. وَصَحَّ أَنَّ الْقَتْلَ بِالصَّلَاةِ حَرَامٌ، فَوَجَبَ أَنَّهُ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ حَلَالٌ. وَصَحَّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ قَتْلِ غَيْرِ الْمُصَلِّينَ - مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ قَتْلِ مَنْ لَا يُصَلِّي غَيْرَ هَذَا - وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا الْآيَةَ - فَإِنَّ نَصَّهَا قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يَدْعُو الْمُشْرِكِينَ إلَى الْإِيمَانِ حَتَّى مَاتَ - إلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَامَتِهِ - وَأَنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَمْ يَثْقَفْ مَنْ

أَجَابَهُ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ فَيُصَلِّيَ، ثُمَّ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ فَيُزَكِّيَ، ثُمَّ يُطْلِقُهُ - هَذَا مَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ: فَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ الْوُلَاةِ مَا صَلُّوا وَلَسْنَا مَعَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ مَعَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ صَبْرًا وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ جَازَ قَتْلُهُ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] إلَى قَوْله تَعَالَى: {الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إلَى أَنْ يَفِيئُوا، ثُمَّ حَرَّمَ قَتْلَهُمْ إذَا فَاءُوا. وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا مِنْ أَيِّ حَقٍّ كَانَ - وَلَوْ أَنَّهُ فِلْسٌ - وَجَبَ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَامْتَنَعَ دُونَ أَدَائِهِ فَإِنَّهُ قَدْ حَلَّ قِتَالُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاغٍ عَلَى أَخِيهِ، وَبَاغٍ فِي الدِّينِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ عَمَلٍ لِلَّهِ تَعَالَى لَزِمَهُ وَامْتَنَعَ دُونَهُ، وَلَا فَرْقَ، فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ أُجْبِرُوا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ بِالتَّعْزِيرِ وَالسَّجْنِ. كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ أَتَى مُنْكَرًا فَلَا يُزَالُ يُؤَدَّبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ - غَيْرَ مَقْصُودٍ إلَى قَتْلِهِ - وَحَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَتَارِكُ الصَّلَاةِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، إنْ امْتَنَعَ قُوتِلَ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ يُؤَدَّبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا أَوْ يَمُوتَ كَمَا قُلْنَا - غَيْرَ مَقْصُودٍ إلَى قَتْلِهِ - وَلَا فَرْقَ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ - حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثُ عَوْفٍ - إنَّمَا هُوَ فِي بَابِ الْقِتَالِ لِلْأَئِمَّةِ، لَا فِي بَابِ الْقَتْلِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَا يُصَلِّي. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " لَعَلَّهُ يُصَلِّي " فَإِنَّمَا فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِ مَنْ يُصَلِّي، وَلَيْسَ فِيهِ قَتْلُ مَنْ لَا يُصَلِّي أَصْلًا، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَإِذَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حُكْمٍ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، فَيَكْذِبُ عَلَيْهِ، وَيُخْبِرُ عَنْ مُرَادِهِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَيَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا «نَهَيْتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» و " أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي

اللَّهُ عَنْهُمْ " فَنَعَمْ، لَا يَحِلُّ قَتْلُ مُصَلٍّ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي قَتْلِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِقَتْلِ مَنْ لَيْسَ مُصَلِّيًا إذَا أَقَرَّ بِالصَّلَاةِ، أَصْلًا. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ. وَيُقَالُ لِمَنْ جَسَرَ عَلَى هَذَا: أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الَّذِي تَقُولُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، كُذِّبَ جِهَارًا، وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَقُلْ، لَكِنَّهُ دَلَّ عَلَيْهِ؟ قِيلَ لَهُ: أَيْنَ دَلِيلُك عَلَى ذَلِكَ؟ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ أَصْلًا، إلَّا ظَنَّهُ الْكَاذِبَ - فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ دَلِيلٌ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ صَحِيحٍ - وَمَا كَانَ هَكَذَا مِنْ الْأَقْوَالِ فَهُوَ خَطَأٌ بِلَا شَكٍّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ مَعَ مَنْ قَالَ بِقَتْلِهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ كَافِرٍ - وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِتَكْفِيرِهِ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، فَلَيْسَ هَذَا مَكَانُ الْكَلَامِ فِيهِ مَعَهُمْ، فَسَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مُتَقَصًّى فِي " كِتَابِ الْإِيمَانِ " مِنْ الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ فَإِنَّا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ قَدْ صَحَّ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا - فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالْأَدَبِ عَلَى مَنْ أَتَى مُنْكَرًا - وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَمِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ، وَمِنْ الزَّكَاةِ، وَمِنْ الْحَجِّ، وَمِنْ أَدَاءِ جَمِيعِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا وَمِنْ كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ - بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ - كُلُّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ، بِلَا شَكٍّ وَبِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ مُنْكِرٌ بِيَقِينٍ. فَصَحَّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبَاحَةُ ضَرْبِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا بِالْيَدِ. وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَضْرِبَ فِي التَّعْزِيرِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَى مَا نُورِدُ فِي " بَابِ كَمْ يَكُونُ التَّعْزِيرُ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

مسألة فعل قوم لوط

فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ أَنْ يُضْرَبَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا عَشْرَ جَلَدَاتٍ فَإِنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَقَدْ بَرِئَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَدْ أَحْدَثَ مُنْكَرًا آخَرَ بِالِامْتِنَاعِ الْآخَرِ، فَيُجْلَدُ أَيْضًا عَشْرًا - وَهَكَذَا أَبَدًا، حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ يَمُوتَ - غَيْرَ مَقْصُودٍ إلَى قَتْلِهِ - وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُ الضَّرْبُ أَصْلًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَتَدْخُلَ أُخْرَى فَيُضْرَبُ لِيُصَلِّيَ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا، وَهَكَذَا أَبَدًا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الْعَتَمَةِ تُرِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى صَلَاةٍ مَا خَرَجَ وَقْتُهَا - ثُمَّ يُجَدَّدُ عَلَيْهِ الضَّرْبُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا - ثُمَّ يُتْرَكَ إلَى أَوَّلِ الظُّهْرِ، وَيَتَوَلَّى ضَرْبَهُ مَنْ قَدْ صَلَّى، فَإِذَا صَلَّى غَيْرُهُ خَرَجَ هَذَا إلَى الصَّلَاةِ وَيَتَوَلَّى الْآخَرُ ضَرْبَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - حَتَّى يَتْرُكَ الْمُنْكَرَ الَّذِي يُحْدِثُ أَوْ يَمُوتُ، فَالْحَقُّ قَتْلُهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ مَعَ ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ] 2303 - مَسْأَلَةٌ: فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِعْلُ قَوْمِ لُوطٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْفَوَاحِشِ الْمُحَرَّمَةِ: كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَالْخَمْرِ، وَالزِّنَى، وَسَائِرِ الْمَعَاصِي، مَنْ أَحَلَّهُ أَوْ أَحَلَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَافِرٌ، مُشْرِكٌ حَلَالُ الدَّمِ وَالْمَالِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُحْرَقُ بِالنَّارِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُحْمَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ إلَى أَعْلَى جَبَلٍ بِقَرْيَةٍ - فَيُصَبُّ مِنْهُ، وَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُرْجَمُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ - سَوَاءٌ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلَانِ جَمِيعًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا الْأَسْفَلُ فَيُرْجَمُ - أَحْصَنَ أَمْ لَمْ يُحْصِنْ - وَأَمَّا الْأَعْلَى فَإِنْ أَحْصَنَ رُجِمَ، وَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ جَلْدَ الزِّنَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ - أَيُّهُمَا أَحْصَنَ رُجِمَ، وَأَيُّهُمَا لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ مِائَةً، كَالزِّنَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَلَا قَتْلَ، لَكِنْ يُعَزَّرَانِ. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ

نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَخْبَرُوهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُنْكَحُ كَمَا تُوطَأُ الْمَرْأَةُ، وَقَدْ أَحْصَنَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الرَّجْمُ - وَتَابَعَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْعَرَبَ تَأْنَفُ مِنْ عَارِ الْمِثْلِ وَشُهْرَتِهِ، أَنْفًا لَا تَأْنَفُهُ مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي تَمْضِي فِي الْأَحْكَامِ فَأَرَى أَنْ تُحْرِقَهُ بِالنَّارِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ أَبُو الْحَسَنِ وَكَتَبَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَنْ أُحْرِقَهُ بِالنَّارِ؟ فَفَعَلَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا أَرَى خَالِدًا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ إلَّا بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ، لِأَنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ أَحْرَقَ بِالنَّارِ فَاعِلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لَمْ يُخْطِئْ. وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: نا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةُ، فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ أَشَدُّهُمْ فِيهِ يَوْمئِذٍ قَوْلًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَمْ يَعْصِ بِهِ مِنْ الْأُمَمِ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ صَنَعَ اللَّهُ بِهَا مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، أَرَى أَنْ تُحْرِقَهُمَا بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ رَأْي صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُحْرِقَهُ بِالنَّارِ؟ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ أَحْرِقْهُ بِالنَّارِ - ثُمَّ حَرَقَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي زَمَانِهِ - ثُمَّ حَرَقَهُمَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ - ثُمَّ حَرَقَهُمَا الْقَسْرِيُّ بِالْعِرَاقِ. حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ دُلَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مَيُورْقَةَ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ ني مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَسْلَمَ نا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ: أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْبَحْرِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ - قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَانَ اسْمُهُ الْفُجَاءَةَ - فَاسْتَشَارَ أَبُو بَكْرٍ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ الَّذِي ذَكَرْنَا حَرْفًا حَرْفًا نَصًّا سَوَاءٌ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُصْعَدُ بِهِ إلَى أَعْلَى جَبَلٍ فِي الْقَرْيَة:

فَكَمَا نا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ دُلَيْمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ نُعَيْمٍ نا مُعَاذٌ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ نا حَسَّانُ بْنُ مَطَرٍ نا يَزِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ حَدِّ اللُّوطِيِّ فَقَالَ: يُصْعَدُ بِهِ إلَى أَعْلَى جَبَلٍ فِي الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَى مُنَكَّسًا ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُرْجَمُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا: فَكَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمِهْرَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَلِيًّا رَجَمَ لُوطِيًّا. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللُّوطِيَّةِ: أَنَّهُ يُرْجَمُ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ لَكَانَ يَنْبَغِي لِلُوطِيِّ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ لُوطِيًّا رُجِمَ، لَا يُلْتَمَسْ بِهِ إحْصَانٌ، وَلَا غَيْرُهُ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عَلَى اللُّوطِيِّ الرَّجْمُ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي الشِّمْرُ بْنُ نُمَيْرٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جعدبة، وَمِنْ أَثِقُ بِهِ، وَكَتَبَ إلَى ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، قَالَ الشِّمْرُ: عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جعدبة: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ: سَمِعْت أَبَا الزِّنَادِ، وَقَالَ الَّذِي يَثِقُ بِهِ: عَنْ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَالْحَسَنُ، كُلُّهُمْ مِثْلَ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورِ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُقْتَلَانِ: فَكَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: هُوَ كَالزِّنَى يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ مِنْهُمَا وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ مِائَةَ جَلْدَةٍ: فَكَمَا نا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ دُلَيْمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَالضَّحَّاكُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُعَيْمٍ نا مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَيْسٍ الضَّبِّيُّ عَنْ الْيَمَانِي بْنِ الْمُغِيرَةِ نا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: شَهِدْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأُتِيَ بِسَبْعَةٍ أَخَذُوا فِي اللِّوَاطِ فَسَأَلَ عَنْهُمْ؟ فَوَجَدَ أَرْبَعَةً قَدْ أَحْصَنُوا، فَأَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْحَرَمِ - ثُمَّ رُجِمُوا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتُوا، وَجَلَدَ ثَلَاثَةً الْحَدَّ - وَعِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، فَلَمْ يُنْكِرَا ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ: إنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ، وَإِنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْفَاعِلَ إنْ كَانَ مُحْصَنًا فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُنْفَى سَنَةً، وَأَمَّا الْمَنْكُوحُ فَيُرْجَمُ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ: فَقَوْلٌ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ - أَحَدُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّينَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ: فَكَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ: يُجْلَدُ دُونَ الْحَدِّ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى حَرْقَهُ بِالنَّارِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَجُوزُ خِلَافُ إجْمَاعِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عُمَرَ، بَعْدَ ذَلِكَ الرَّجْمُ، وَحَدُّ الزِّنَى، وَغَيْرُ ذَلِكَ؟

قِيلَ: هَذَا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِمَا أَجْمَعُوا. فَهَذَا كُلُّ مَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ، لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا. وَوَجَدْنَاهُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ - لَمْ يَسْمَعْهُ - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَصَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ، وَدَاوُد بْنِ بَكْرٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - وَابْنَ شَعْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَدَاوُد بْنِ بَكْرٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. فَهَذِهِ كُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ ابْنَ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَصَفَهُ بِذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَوَجْهٌ آخَرَ - وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَاقَ بِالنَّارِ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ: كَمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ وَقَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا فَأَحْرِقُوهُ بِالنَّارِ، فَوَلَّيْت فَنَادَانِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا فَاقْتُلُوهُ وَلَا تُحْرِقُوهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» . ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى قَتْلَهُمْ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ: بِمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا أَبُو دَاوُد نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» .

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ ثني سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» . وَبِهِ - إلَى ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَبِهِ - إلَى يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ» وَهَذَا الرَّجُلُ - هُوَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ يَصِحُّ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - فَانْفَرَدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو - هُوَ ضَعِيفٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - فَانْفَرَدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ - وَهُوَ مُطْرَحٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ - فَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ - وَهُوَ شَرٌّ مِنْهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الزِّيَادِ - فَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ضَعِيفٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ - وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ. فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ. وَلَا يَحِلُّ سَفْكُ دَمٍ يَهُودِيٍّ - أَوْ نَصْرَانِيٍّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، نَعَمْ، وَلَا دَمُ حَرْبِيٍّ بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، فَكَيْفَ دَمُ فَاسِقٍ أَوْ تَائِبٍ؟ وَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِمَّا قُلْنَا مِنْهَا

لَقُلْنَا بِهِ، وَلَمَّا اسْتَجَزْنَا خِلَافَهُ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُرْجَمَانِ مَعًا - أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا - فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ: بِأَنَّهُ هَكَذَا فَعَلَ اللَّهُ بِقَوْمِ لُوطٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ - مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} [هود: 82 - 83] . وَاحْتَجُّوا مِنْ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا: بِمَا نا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ دُلَيْمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ ثَنْي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَأَبِي الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رِشْدِينَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ» وَقَالَ فِيهِ: وَقَالَ «أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا» . فَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ - وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْمِ لُوطٍ - فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} [القمر: 33] {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} [القمر: 34] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 37] . وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 33] . قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81] الْآيَةُ، فَنَصَّ تَعَالَى نَصًّا جَلِيًّا عَلَى أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ كَفَرُوا، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ الْحَاصِبَ. فَصَحَّ: أَنَّ الرَّجْمَ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَاحِشَةِ وَحْدَهَا، لَكِنْ لِلْكُفْرِ وَلَهَا: فَلَزِمَهُمْ أَنْ لَا يَرْجُمُوا مَنْ فَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، وَإِلَّا فَقَدْ خَالَفُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبْطَلُوا احْتِجَاجَهُمْ بِالْآيَةِ، إذْ خَالَفُوا حُكْمَهَا. وَأَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ: أَنَّ امْرَأَةَ لُوطٍ أَصَابَهَا مَا أَصَابَهُمْ، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ أَنَّهَا لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ. فَصَحَّ: أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَحْدَهُ، بِلَا مِرْيَةٍ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا كَانَتْ تُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ؟ قُلْنَا: فَارْجُمُوا كُلَّ مَنْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ بِدَلَالَةٍ أَوْ قِيَادَةٍ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ وَأَبْطَلْتُمْ احْتِجَاجَكُمْ بِالْقُرْآنِ، وَخَالَفْتُمُوهُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ، فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ، فَيَلْزَمُهُمْ وَلَا بُدَّ أَنْ يُسْمِلُوا عُيُونَ فَاعِلِي فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْجُمْهُمْ فَقَطْ، لَكِنْ طَمَسَ أَعْيُنَهُمْ، ثُمَّ رَجَمَهُمْ، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلُوا هَذَا، فَقَدْ خَالَفُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ، وَأَبْطَلُوا حُجَّتَهُمْ. وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا - أَنْ يَطْمِسُوا عَيْنَيْ كُلَّ مَنْ رَاوَدَ آخَرَ. وَيَلْزَمُ أَيْضًا - أَنْ يُحْرِقُوا بِالنَّارِ مَنْ أَنْقَصَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْرَقَ بِالنَّارِ قَوْمَ شُعَيْبٍ فِي ذَلِكَ. وَيَلْزَمُهُمْ - أَنْ يَقْتُلُوا مِنْ عُقْرِ نَاقَةِ آخَرَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَهْلَك قَوْمَ صَالِحٍ إذْ عَقَرُوا النَّاقَةَ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْمَ لُوطٍ بِطَمْسِ الْعُيُونِ، وَالرَّجْمِ - إذْ أَتَوْا تِلْكَ الْفَاحِشَةَ - وَبَيْنَ إحْرَاقِ قَوْمِ شُعَيْبٍ إذْ بَخَسُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ - وَبَيْنَ إهْلَاكِهِ قَوْمِ صَالِحٍ إذْ عَقَرُوا النَّاقَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس: 14] إلَى آخِرِ السُّورَةِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ حَدًّا: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ وَزِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ نَفْسًا بِنَفْسٍ» . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»

فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى دَمَ كُلِّ امْرِئٍ - مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ - إلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا حَقَّ إلَّا فِي نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ. وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّمَ إلَّا بِمَا أَبَاحَهُ بِهِ مِنْ الزِّنَى بَعْدَ الْحِصَانِ، وَالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالْقَوَدِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثًا، وَالْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ - وَلَيْسَ فَاعِلُ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ، فَدَمُهُ حَرَامٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَثَرٌ فِي قَتْلِهِ؟ نَعَمْ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا - فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَالصَّحَابَةِ إنَّمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ: وَإِحْدَاهَا - عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ مَجْهُولٍ. وَالْأُخْرَى عَمَّنْ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَتِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِحْدَاهُمَا - عَنْ مُعَاذِ بْن الْحَارِث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ الضَّبِّيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ مَطَرٍ - وَكُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ - وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ مَجْهُولِينَ. فَبَطَلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِشَيْءٍ يَصِحُّ - وَأَمَّا مَنْ رَأَى دُونَ الْحَدِّ، فَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ صَحَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَلَا رَسُولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَحُكْمُهُ أَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا - فَالْوَاجِبُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَضْرِبَ التَّعْزِيرَ الَّذِي حَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لَا أَكْثَرَ، وَيَكُفُّ ضَرَرَهُ عَنْ النَّاسِ فَقَطْ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا هِشَامٌ - هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - نا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، وَأَخْرَجَ فُلَانًا، وَأَخْرَجَ فُلَانًا» . وَأَمَّا السِّجْنُ - فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] . وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ كَفَّ ضَرَرِ فِعْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ - النَّاكِحِينَ

مسألة فيمن أتى بهيمة

وَالْمَنْكُوحِينَ - عَنْ النَّاسِ عَوْنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَإِنَّ إهْمَالَهُمْ عَوْنٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَوَجَبَ كَفُّهُمْ بِمَا لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ لَهُمْ دَمٌ، وَلَا بَشَرَةٌ، وَلَا مَالٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ شَنَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الْقِحَةِ وَالْحَمَاقَةِ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَرَكَ قَتْلَهُمْ ذَرِيعَةً إلَى هَذَا الْفِعْلِ؟ قِيلَ لَهُمْ: وَتَرَكَكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا كُلَّ زَانٍ ذَرِيعَةً إلَى إبَاحَةِ الزِّنَى مِنْكُمْ، وَتَرَكَكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا الْمُرْتَدَّ - وَإِنْ تَابَ - تَطْرِيقٌ مِنْكُمْ وَذَرِيعَةٌ إلَى إبَاحَتِكُمْ الْكُفْرَ، وَعِبَادَةُ الصَّلِيبِ، وَتَكْذِيبُ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَرْكُكُمْ قَتْلَ آكِلِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ تَطْرِيقٌ مِنْكُمْ وَذَرِيعَةٌ إلَى إبَاحَتِكُمْ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ - وَإِنَّمَا هَذَا انْتِصَارٌ مِنْهُمْ بِمِثْلِ مَا يَهْذِرُونَ بِهِ {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] {إِنَّمَا السَّبِيلُ} [الشورى: 42] الْآيَةُ. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ نَغْضَبَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا غَضِبَ تَعَالَى لِدِينِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَنْ نُشَرِّعَ - بِآرَائِنَا - الشَّرَائِعَ الْفَاسِدَةَ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى كَثِيرًا عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ التَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً] 2304 - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي يُرْجَمُ إنْ أَحْصَنَ، وَيُجْلَدُ إنْ لَمْ يُحْصِنْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَهِيمَةُ لَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعَزَّرُ إنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لَهُ، وَذُبِحَتْ وَلَمْ تُؤْكَلْ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ تُذْبَحْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهَا اجْتِهَادُ الْإِمَامِ فِي الْعُقُوبَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَمَا نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا أَبُو ذَرٍّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمِ بْنِ فِهْرٍ الشَّاشِيُّ ثني عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ

أَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - مَقْدَمِهِ مِنْ الشَّامِ - عَنْ رَجُلٍ أَتَى بَهِيمَةً، فَقَالَ: إنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ. وَعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، أَوْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، قَالَ: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ: إنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ، وَإِنْ كَانَ بِكْرًا جُلِدَ - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - عَنْ ابْنِ الْهَادِي، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ: لَوْ وَجَدْتُهُ لَقَتَلْتُهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: تُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ أَيْضًا. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، قَالَ: عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ - أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ - عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ: هُوَ الْمُبْتَغِي مَا لَمْ يُحَلِّلْ اللَّهُ لَهُ، فَرَأَى الْإِمَامُ فِيهِ الْعُقُوبَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرًا عَظِيمًا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ - وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، فَقَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ نَسِيًا: أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ قَبِيحٌ، فَقَبَحُوا مَا قَبَّحَ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا - وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ: فَنَظَرْنَا فِيمَا قَالَ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ - فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى الزِّنَى، فَقَالُوا: هُوَ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ - وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَنْ أَوْلَجَ فِي حَيَاءِ بَهِيمَةٍ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَيَجْعَلُهُ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَلَا فَرْقَ. وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي - فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ - كَمَا نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ - هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ - نا عَبَّادٌ - هُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا النُّفَيْلِيُّ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - نا عَبْدُ الْعَزِيزِ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ، مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» قُلْت: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ لَحْمِهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ - عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اُقْتُلُوا مُوَاقِعَ الْبَهِيمَةَ، اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ نا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَعَنَ اللَّهُ مَنْ وَاقَعَ بَهِيمَةً، مَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ» فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ لَحْمِهَا، أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ الْعَمَلُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا ضَعْفُ هَذَا الْآثَارِ لِأَنَّ عَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ، وَعَمْرَو بْنَ أَبِي عَمْرٍو، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ضُعَفَاءُ كُلُّهُمْ وَلَوْ صَحَّتْ لَقُلْنَا بِهَا وَلِجَارِينَا عَلَيْهَا وَلَمَا حَلَّ خِلَافُهَا - فَإِذْ لَا تَصِحُّ فَلَا

مسألة فيمن قذف آخر ببهيمة أو بفعل قوم لوط

يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَازِمًا لِلْحَنَفِيَّيْنِ، وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلَ بِهَا عَلَى أُصُولِهِمْ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَسْقَطَ مِنْهَا فِي إيجَابِ حَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ فِي مَوَاضِعَ جَمَّةٍ. ثُمَّ نَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَلَيْهِ أَدْنَى الْحَدَّيْنِ - فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُ أَصْلًا، وَلَا نَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا - فَسَقَطَ. ثُمَّ نَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: " يُحَدُّ وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ " فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَة الْفَسَادِ. ثُمَّ نَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: " عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ " فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ زَمَّ الْأُمُورَ وَلَمْ يُهْمِلْهَا، وَلَمْ يُطْلِقْ الْأَئِمَّةُ عَلَى دِمَاءِ النَّاسِ، وَلَا أَعْرَاضِهِمْ، وَلَا أَبْشَارِهِمْ، وَلَا أَمْوَالِهِمْ، بَلْ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَلَعَلَّ رَأْيَ الْإِمَامِ يَبْلُغُ إلَى خِصَائِهِ، أَوْ إلَى أَخْذِ مَالِهِ، أَوْ إلَى قَتْلِهِ، أَوْ إلَى بَيْعِهِ، فَإِنْ مُنِعُوا مِنْ هَذَا، سُئِلُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مَا مُنِعُوا مِنْ هَذَا وَبَيْنَ مَا أَبَاحُوا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَيْهِ، فَحَصَلَ هَذَا الْقَوْلُ لَا حُجَّةَ لِقَائِلِهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ - وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ فَقَطْ - فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا، لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] إلَى قَوْله تَعَالَى {الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ تُؤْتَى الْبَهِيمَةُ أَصْلًا، فَفَاعِلُ ذَلِكَ فَاعِلُ مُنْكَرٍ، وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ، فَعَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ مَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [مَسْأَلَة فِيمَنْ قَذَفَ آخَرَ بِبَهِيمَةٍ أَوْ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ] 2305 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَذَفَ آخَرَ بِبَهِيمَةٍ، أَوْ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ. كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَنْ قَذَفَ آخَرَ بِبَهِيمَةٍ جُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدُّ الْفِرْيَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ جَعَلَ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ، إذْ جَعَلَ فِي الْقَذْفِ بِهِمَا حَدَّ الزِّنَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا لَيْسَا زِنًى فَالْقَذْفُ بِهِمَا لَيْسَ هُوَ الْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَذًى فَقَطْ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لَيْسَ زِنًى، وَأَنَّ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ زِنًى، فَسَاوَوْا بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ إنَّهُمْ جَعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ حَدَّ الْقَذْفِ بِالزِّنَى، وَلَمْ يَجْعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حَدَّ الْقَذْفِ بِالزِّنَى، وَهَذَا تَنَاقُضٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى؟ قِيلَ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّهُ كَالْكُفْرِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فِي الْقَذْفِ بِالْكُفْرِ حَدَّ الزِّنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ؟ وَهَذَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ زِنًى، وَلَكِنَّهُ أَعْظَمُ الزِّنَى، فَجُعِلَ فِيهِ أَعْظَمُ حُدُودِ الزِّنَى، لِأَنَّ الْمَزْنِيَّ بِهَا قَدْ تَحِلُّ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ، وَفِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لَا يَحِلُّ الْمَفْعُولُ بِهِ ذَلِكَ لِلْفَاعِلِ أَبَدًا، فَهُوَ أَعْظَمُ بِلَا شَكٍّ؟ قِيلَ لَهُمْ: هَذَا يَبْطُلُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ الزَّانِيَ بِحَرِيمَتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، فَاجْعَلُوا فِيهِ أَغْلَظَ حُدُودَ الزِّنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَالثَّانِي - أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: وَاطِئُ أَجْنَبِيَّةٍ فِي دُبُرِهَا أَتَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَاجْعَلُوا فِيهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَغْلَظَ حُدُودَ الزِّنَى. وَالثَّالِثُ - أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَيْضًا: آتِي الْبَهِيمَةَ آتِي مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، فَقَدْ سَاوَى فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلْتُمْ بِهَا قَوْلَكُمْ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فِيهِ أَغْلَظَ الْحُدُودِ فِي الزِّنَى أَيْضًا؟ وَلَا فَرْقَ، ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِمْ " إنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ الزِّنَى "؟

مسألة ما يقبل في فعل قوم لوط وأتيان البهائم من الشهود

فَنَقُولُ لَهُمْ: إنَّنَا قَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ الزِّنَى بِاللُّغَةِ، وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقَعُ عَلَى فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ - وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ زِنًى وَلَا أَعْظَمَ مِنْ الزِّنَى، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ كَلَامًا - مَعْنَاهُ: الشِّرْكُ، ثُمَّ قَتْلُ الْمَرْءِ وَلَدَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُطْعَمَ مَعَهُ، ثُمَّ الزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ. فَصَحَّ أَنَّ الزِّنَى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ أَعْظَمُ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ رَدَّهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مَا يَقْبَل فِي فعل قَوْم لوط وأتيان الْبَهَائِم مِنْ الشُّهُود] 2306 -. مَسْأَلَةٌ: الشَّهَادَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ: قَالَ قَوْم مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ جَعَلَ هَذَيْنِ الذَّنْبَيْنِ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الزِّنَى أَصْلًا فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِمَّا خَصَّ بِهِ حُكْمَ الزِّنَى. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْأَبْشَارَ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى إبَاحَةِ بَشَرَةِ فَاعِلِ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، وَبَشَرَةِ آتِي الْبَهِيمَةِ بِتَعْزِيرٍ، وَلَا بِغَيْرِهِ، إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُمَا بِأَقَلَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَيَلْزَمُ مَنْ رَاعَى هَذَا أَنْ لَا يَحْكُمَ بِقَوَدٍ أَصْلًا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى إبَاحَةِ دَمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ عُدُولٍ؟ فَإِنْ قَالَ بِذَلِكَ كُلِّهِ قَائِلٌ كَانَ الْكَلَامُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الصَّادِقُ الْقَاطِعُ الْمُتَيَقِّنُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ - أَوَّلُهَا عَنْ آخِرِهَا - وَحَدَّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَدَدًا وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهَا، فَإِذْ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، فَهَذَانِ الْحُكْمَانِ، وَغَيْرُهُمَا، قَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِإِنْفَاذِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ. فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ قَبُولُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَيِّنَةٍ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ نَصٌّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ

مسألة في المرأة تأتي المرأة

ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَقَدْ مَنَعَ النَّصُّ مِنْ قَبُولِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ، وَأَخْبَرَ النَّصُّ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ، وَأَنَّ الصِّبْيَانَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ حَسْبَمَا أَخْرَجَهُمْ النَّصُّ فَقَطْ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الْآيَةُ فَصَحَّ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَارِدٌ فِي كُلِّ مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي دَمِهِ وَمَالِهِ، وَبَشَرَتِهِ، وَفِي كُلِّ حُكْمٍ. فَلَوْلَا النَّصُّ الثَّابِتُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِيَمِينِ الطَّالِبِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ» وَصَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ دُونَ يَمِينٍ مَعَهَا» لَوَجَبَ قَبُولُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، إلَّا حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِاثْنَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ. فَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الْحُكْمَانِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا تَحْلِيفُ الطَّالِبِ، لِأَنَّهَا لَيْسَا حَقًّا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا هُمَا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِيهِمَا إلَّا مَا قَالَ قَائِلُونَ بِإِجَازَتِهِ - وَهُوَ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ، أَوْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. وَأَمَّا الزِّنَى وَحْدَهُ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة فِي الْمَرْأَة تَأْتِي الْمَرْأَة] 2307 - مَسْأَلَةُ: السَّحْقِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السَّحْقِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُجْلَدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةً - كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثني ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ عُلَمَاءَنَا يَقُولُونَ فِي الْمَرْأَةِ تَأْتِي الْمَرْأَةَ بِ " الرِّفْعَةِ " وَأَشْبَاهَهَا يُجْلَدَانِ مِائَةً - الْفَاعِلَةُ وَالْمَفْعُولُ بِهَا. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَرَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ - كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مَنْ أَصْدُقُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْمَرْأَةِ تُدْخِلُ شَيْئًا، تُرِيدُ السِّتْرَ تَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزِّنَى. وَقَالَ آخَرُونَ - هُوَ حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهِ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: كَمَا جَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَشَدُّ الزِّنَى، فَجَعَلُوا فِيهِ أَعْظَمَ حَدٍّ فِي الزِّنَى، فَكَذَلِكَ هَذَا أَقَلُّ الزِّنَى، فَجَعَلَ فِيهِ أَخَفَّ حَدِّ الزِّنَى؟ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا قِيَاسٌ لَازِمٌ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ جَعَلَ الرَّجْمَ فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى، وَلَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْ هَذَا أَصْلًا، وَأَنْ يَجْعَلُوا " السَّحْقَ " أَيْضًا أَشَدَّ الزِّنَى، كَفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا فِيهِ الرَّجْمَ، كَمَا جَعَلُوا فِي فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ عُدُولٌ بِالْفَرْجِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ أَبَدًا. وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لَا يُحْسِنُونَ الْقِيَاسَ، وَلَا يَعْرِفُونَ الِاسْتِدْلَالَ، وَلَا يَطْرُدُونَ أَقْوَالَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُونَ تَعْلِيلَهُمْ، وَلَا يَتَعَلَّقُونَ بِالنُّصُوصِ، وَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا: إنَّ الزُّهْرِيَّ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَكِبَارَ التَّابِعِينَ؟ فَلَا يَقُولُ هَذَا إلَّا عَنْهُمْ، وَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يَرَى تَحْرِيمَ هَذَا الْعَمَلِ، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ لَوْ وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا، وَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُ قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَالسَّحْقُ " " وَالرِّفْعَةُ " لَيْسَا زِنًى، فَإِذْ لَيْسَا زِنًى فَلَيْسَ فِيهِمَا حَدُّ الزِّنَى، وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُقَسِّمَ بِرَأْيِهِ - أَعْلَى وَأَخَفَّ - فَيُقْسِمَ الْحُدُودَ فِي ذَلِكَ كَمَا

يَشْتَهِي بَلْ هُوَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ يَقُولُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] . وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَتَمَادَى عَلَى الْخَطَأِ نَاصِرًا لِلتَّقْلِيدِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذْ لَمْ يَأْتِ بِمِثْلِ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَالْأَبْشَارُ مُحَرَّمَةٌ وَالْحُدُودُ، فَلَا حَدَّ فِي هَذَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا نَاهٍ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدَّيْ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنْي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ني عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا مَكْحُولٌ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «السِّحَاقُ زِنًى بِالنِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ» فَإِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ عَنْ بَقِيَّةٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَلَمْ يُدْرِكْ مَكْحُولًا، وَوَاثِلَةَ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْحَدِّ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ بَيَّنَ فِي حَدِيثِ الْأَسْلَمِيِّ مَا هُوَ الزِّنَى الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، وَإِنَّمَا هُوَ إتْيَانُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ حَرَامًا مَا يَأْتِي مِنْ أَهْلِهِ حَلَالًا. وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْأَعْضَاء تَزْنِي، وَأَنَّ الْفَرْجَ يُكَذِّبُ ذَلِكَ أَوْ يُصَدِّقُهُ فَصَحَّ أَنْ لَا زِنًى بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إلَّا بِالْفَرْجِ الَّذِي هُوَ الذَّكَرُ فِي الْفَرْجِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ فَقَطْ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ هَذَا الْخَبَرِ مَنْ رَأَى بِرَأْيِهِ أَنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ الزِّنَى، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ نَصٌّ أَصْلًا، وَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا لَطَغَوْا وَبَغَوْا. فَسَقَطَ هَذَا جُمْلَةً وَاحِدَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ فِي إبَاحَة ذَلِكَ - فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] إلَى قَوْلِهِ {الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] . وَصَحَّ بِالدَّلِيلِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَبِالْإِجْمَاعِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحِلُّ لِمِلْكِ يَمِينِهَا وَأَنَّهُ مِنْهَا ذُو مَحْرَمٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ الْحِجَابَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ عَبِيدِهِنَّ مَعَ ذِي مَحَارِمِهِنَّ مِنْ النِّسَاءِ.

فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ سَيِّدِهِ ذُو مَحْرَمٍ فَالْمَرْأَةُ إذَا أَبَاحَتْ فَرْجَهَا لِغَيْرِ زَوْجِهَا فَلَمْ تَحْفَظْهُ، فَقَدْ عَصَتْ اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ - وَصَحَّ أَنَّ بَشَرَتَهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا الَّذِي أُبِيحَتْ لَهُ بِالنَّصِّ، فَإِذَا أَبَاحَتْ بَشَرَتَهَا لِامْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ غَيْرِ زَوْجِهَا فَقَدْ أَبَاحَتْ الْحَرَامَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ - هُوَ الْعُكْلِيُّ - نا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ - هُوَ الْحِزَامِيُّ - أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا أَبُو الْأَحْوَصِ - هُوَ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ - عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ - هُوَ شَقِيقُ بْنِ سَلَمَةَ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُبَاشِرَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ - لَعَلَّ أَنْ تَصِفَهَا إلَى زَوْجِهَا كَأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا» . وَبِهِ - إلَى قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - بُنْدَارُ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - غُنْدَرٌ - نا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ نُصُوصٌ جَلِيَّةٌ عَلَى تَحْرِيمِ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، عَلَى السَّوَاءِ، فَالْمُبَاشَرَةُ مِنْهَا لِمَنْ نَهَى عَنْ مُبَاشَرَتِهِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، مُرْتَكِبٌ حَرَامًا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ بِالْفُرُوجِ كَانَتْ حَرَامًا زَائِدًا، وَمَعْصِيَةً مُضَاعَفَةً، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَدْخَلَتْ فَرْجَهَا شَيْئًا غَيْرَ مَا أُبِيحَ لَهَا مِنْ فَرْجِ زَوْجِهَا، أَوْ مَا تَرُدُّ بِهِ الْحَيْضَ، فَلَمْ تَحْفَظْ فَرْجَهَا، وَإِذْ لَمْ تَحْفَظْهُ فَقَدْ زَادَتْ مَعْصِيَةً - فَبَطَلَ قَوْلُ الْحَسَنِ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ صَحَّ - أَنَّ " الْمَرْأَةَ الْمُسَاحَقَةَ " لِلْمَرْأَةِ عَاصِيَةٌ، فَقَدْ أَتَتْ مُنْكَرًا، فَوَجَبَ تَغْيِيرُ ذَلِكَ بِالْيَدِ، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ رَأَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدِهِ " فَعَلَيْهَا التَّعْزِيرُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَوْ عَرَضَتْ فَرْجَهَا شَيْئًا دُونَ أَنْ تُدْخِلُهُ حَتَّى يُنْزِلَ فَيُكْرَهُ هَذَا، وَلَا إثْمَ فِيهِ - وَكَذَلِكَ " الِاسْتِمْنَاءُ " لِلرِّجَالِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، لِأَنَّ مَسَّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ مُبَاحٌ، وَمَسَّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا كَذَلِكَ مُبَاحٌ، بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، فَإِذْ هُوَ مُبَاحٌ فَلَيْسَ هُنَالِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُبَاحِ، إلَّا التَّعَمُّدُ لِنُزُولِ الْمَنِيِّ، فَلَيْسَ ذَلِكَ حَرَامًا أَصْلًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا فَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] إلَّا أَنَّنَا نَكْرَهُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَا مِنْ الْفَضَائِلِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا فَكَرِهَتْهُ طَائِفَةٌ وَأَبَاحَتْهُ أُخْرَى: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ نَائِكُ نَفْسِهِ. وَبِهِ - إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إنِّي أَعْبَثُ بِذَكَرِي حَتَّى أُنْزِلَ؟ قَالَ: أُفٍّ، نِكَاحُ الْأَمَةِ خَيْرٌ مِنْهُ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الزِّنَى. وَإِبَاحَةُ قَوْمٌ - كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وَمَا هُوَ إلَّا أَنْ يُعْرِك أَحَدُكُمْ زُبَّهُ حَتَّى يُنْزِلَ الْمَاءَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - بُنْدَارٌ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - غُنْدَرٌ - نا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا هُوَ عَصَبٌ تُدَلِّكُهُ.

وَبِهِ - إلَى قَتَادَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْمَغَازِي " يَعْنِي الِاسْتِمْنَاءَ " يَعْبَثُ الرَّجُلُ بِذَكَرِهِ يُدَلِّكُهُ حَتَّى يُنْزِلَ - قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الرَّجُلِ يَسْتَمْنِي يَعْبَثُ بِذَكَرِهِ حَتَّى يُنْزِلَ، قَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْمَغَازِي. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: هُوَ مَاؤُك فَأَهْرِقْهُ " يَعْنِي الِاسْتِمْنَاءَ ". وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ مَنْ مَضَى يَأْمُرُونَ شَبَابَهُمْ بِالِاسْتِمْنَاءِ يَسْتَعْفُونَ بِذَلِكَ - قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَذَكَرَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالِاسْتِمْنَاءِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: مَا أَرَى بِالِاسْتِمْنَاءِ بَأْسًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْأَسَانِيدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ فِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ - مَغْمُوزَةٌ. لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ صَحِيحَةٌ عَنْ عَطَاءٍ. وَالْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ صَحِيحَةٌ عَنْ الْحَسَنِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ زِيَادٍ أَبِي الْعَلَاءِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ. وَرَوَاهُ مَنْ رَوَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ عَمَّنْ أَدْرَكُوا - وَهَؤُلَاءِ - كِبَارُ التَّابِعِينَ الَّذِينَ لَا يَكَادُونَ يَرْوُونَ إلَّا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَرْأَةِ تَفْتَضُّ الْمَرْأَةَ بِأُصْبُعِهَا آثَارٌ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: أَنَّ الْحَسَنَ أَفْتَى فِي الْمَرْأَةِ افْتَضَّتْ أُخْرَى بِأُصْبُعِهَا وَأَمْسَكَهَا نِسْوَةٌ لِذَلِكَ: أَنَّ الْعَقْلَ بَيْنَهُنَّ - وَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ، وَمُغِيرَةَ، قَالَ مَنْصُورٌ عَنْ

الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ: أَنَّ الْحَسَنَ أَفْتَى فِي امْرَأَةٍ افْتَضَّتْ امْرَأَةً بِأُصْبُعِهَا أَنَّ عَلَيْهَا وَالْمُمْسِكَاتُ الصَّدَاقُ بَيْنَهُنَّ - هَكَذَا قَالَ الْمُغِيرَةُ. وَقَالَ الْحَكَمُ فِي رِوَايَتِهِ: عَلَى الْمُفْتَضَّةِ وَحْدَهَا - وَاتَّفَقَا أَنَّ عَلِيًّا قَضَى بِذَلِكَ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ - لَوْ افْتَضَّتْ امْرَأَةٌ بِأُصْبُعِهَا غَرِمَتْ صَدَاقَهَا، كَصَدَاقِ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا. وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَاضِي أَهْل مِصْرَ: كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي صَبِيٍّ افْتَرَعَ صَبِيَّةً بِأُصْبُعِهِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِي هَذَا شَيْءٌ، وَقَدْ جَمَعْت لِذَلِكَ، فَاقْضِ فِيهِ بِرَأْيِك، فَقَضَى لَهَا عَلَى الْغُلَامِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى هَاهُنَا بِصَدَاقٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ زَوَاجًا، وَلَا صَدَاقَ إلَّا فِي نِكَاحِ زَوَاجٍ - إذْ لَمْ يُوجِبْهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، فَسَوَاءٌ كَانَ الْمُفْتَضُّ بِأُصْبُعِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً: لَا غَرَامَةَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً، وَلَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ شَنَّعُوا - فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ؟ قُلْنَا لَهُمْ: فَإِنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا إيجَابُ نَكَالٍ عَلَى الْمُفْتَضِّ وَالْمُفْتَضَّةِ أَصْلًا، وَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ فِي ذَلِكَ الْأَدَبَ، وَهَذَا خِلَافٌ مِنْكُمْ لِمَا تُشَنِّعُونَ بِهِ مِنْ حُكْمِ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَارُ هَذَا وَإِثْمُهُ إنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ أَوْجَبَ فَرْضًا اتِّبَاعَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا يَلْزَمُ عِنْدَنَا اتِّبَاعُ أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْنَا فِي مُخَالِفَةِ مَا لَا نَرَاهُ وَاجِبًا، وَلَكِنْ عَلَى الْمُفْتَضِّ بِأُصْبُعِهِ امْرَأَةَ، وَالْمُفْتَضَّةِ بِأُصْبُعِهَا امْرَأَةً، وَمُدْخِلُ شَيْءٍ فِي دُبُرِ آخَرَ: التَّعْزِيرُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مَعْصِيَةٌ وَمُنْكَرٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ:

مسألة في السحر

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . وَهَؤُلَاءِ قَدْ انْتَهَكُوا بَشَرَةً مُحَرَّمَةً، فَأَتَوْا مُنْكَرًا، وَمَنْ أَتَى مُنْكَرًا فَفَرَضَ عَلَيْهِ تَغْيِيرَهُ بِالْيَدِ، كَمَا أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاجِبٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ: التَّعْزِيرُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ هَذَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ: إنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا حَدَّ زِنًى، وَلَا حَدًّا مَحْدُودًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ مَا أَوْجَبُوا فِيهِ الْحُدُودَ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ يَصِحُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ [مَسْأَلَة فِي السِّحْر] . 2308 - مَسْأَلَةٌ: السِّحْرُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السِّحْرِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقْتَلُ السَّاحِرُ وَلَا يُسْتَتَابُ - وَالسِّحْرُ كُفْرٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْتَلُ السَّاحِرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا: إنْ كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي يُسْحَرُ بِهِ كُفْرًا فَالسَّاحِرُ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ كُفْرًا فَلَا يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كَافِرًا. وَذَكَرَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءَ: كَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى جُزَيِّ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - أَنْ اُقْتُلْ كُلَّ سَاحِرٍ، وَكَانَ بَجَالَةُ كَاتِبَ جُزَيٍّ، قَالَ بَجَالَةُ: فَأَرْسَلْنَا فَوَجَدْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ، فَضَرَبْنَا أَعْنَاقَهُنَّ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: إنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَتَلَ سَاحِرًا وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا فَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ فَأَمَرَتْ بِهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ فَقَتَلَهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: مَا تُنْكِرُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ امْرَأَةٌ سَحَرَتْ وَاعْتَرَفَتْ؟ فَسَكَتَ عُثْمَانُ.

وَعَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ حَفْصَةَ سُحِرَتْ فَأَمَرَتْ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخَاهَا فَقَتَلَ سَاحِرَتَيْنِ، وَعَنْ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ أَبُو صَفْوَانَ قَالَ: رَأَيْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى جِدَارِ بَيْتٍ لِبَنِي أَخٍ لَهُ يَتَامَى، أَتَاهُ غِلْمَةٌ أَرْبَعَةٌ، وَمَعَهُمْ غُلَامٌ هُوَ أَشَفُّ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَرَ اُنْظُرْ مَا يَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: وَمَاذَا يَصْنَعُ؟ قَالَ: فَسَلْ خَيْطًا مِنْ ثَوْبِهِ فَقَطَعَهُ - وَسَالِمٌ يَنْظُرُ إلَيْهِ - فَجَمَعَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ ثُمَّ تَفَلَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَدَّهُ، فَإِذَا هُوَ صَحِيحٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، فَسَمِعْت سَالِمًا يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ لَصَلَبْتُهُ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْمُهَاجِرِ بْنِ خَالِدٍ قَتَلَ نَبَطِيًّا سَحَرَ - يَعْنِي ذِمِّيًّا. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: إنَّ غُلَامًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ سَاحِرَةً فَأَلْقَاهَا فِي الْمَاءِ فَطَفَتْ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْك أَنْ تُلْقِيهَا فِي الْمَاءِ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَاقْتُلْهَا. وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: يُقْتَلُ سَاحِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سَحَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ أَعْصَمَ، وَامْرَأَةٌ مِنْ خَيْبَرَ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ، فَلَمْ يَقْتُلْهُمَا؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَؤُلَاءِ - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَحَفْصَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَاهُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَهُ، وَعُثْمَانُ، وَقَيْسُ بْنُ رَبِيعَةَ. وَمِنْ التَّابِعِينَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَخَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأَمَّا مَنْ خَالَفَ هَذَا: فَكَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - هُوَ أَبُو الرِّجَالِ - عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ، وَأَنَّهَا سَحَرَتْهَا وَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ: أَحْبَبْت الْعِتْقَ، فَأَمَرَتْ بِهَا عَائِشَةُ ابْنَ أَخِيهَا أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْأَعْرَابِ مِمَّنْ يُسِيءُ مَلْكَتِهَا، وَقَالَتْ: ابْتَعْ بِثَمَنِهَا رَقَبَةً فَأَعْتِقْهَا. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ

أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: مَرِضَتْ عَائِشَةُ فَطَالَ مَرَضُهَا، فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا إلَى رَجُلٍ، فَذَكَرُوا لَهُ مَرَضَهَا؟ فَقَالَ: إنَّكُمْ لِتُخْبِرُونِي خَبَرَ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ، فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهَا قَدْ سَحَرَتْهَا وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْهَا، فَقَالَتْ لَهَا: مَا أَرَدْتِ مِنِّي؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ أَنْ تَمُوتِي حَتَّى أَعْتِقَ، قَالَتْ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ تُبَاعَ مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلِكَةً، فَبَاعَتْهَا، وَأَمَرَتْ بِثَمَنِهَا أَنْ يُجْعَلَ فِي مِثْلِهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا عَبْدًا سَحَرَ جَارِيَةً عَرَبِيَّةً، وَكَانَتْ تَتْبَعُهُ، فَرَفَعَ إلَى عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ أَرْضِهَا وَأَرْضِهِ، ثُمَّ ادْفَعْ ثَمَنَهُ إلَيْهَا - وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْكَارَ قَتْلِ السَّاحِرِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ، فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مِنْ رَأَى قَتْلَ السَّاحِرَ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] الْآيَةُ قَالُوا: فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى السَّحَرَ كُفْرًا بِقَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] . قَالَ: " فَيُعَلِّمُونَ " بَدَلٌ مِنْ " كَفَرُوا " فَتَعْلِيمُ السِّحْرِ كُفْرٌ. وَأَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] . وَأَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102] . وَبِقَوْلِهِ {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] . وَذَكَرُوا - مَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» .

وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَلَّمَ السِّحْرَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَانَ آخِرَ عَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ» . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ جُهَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَانَبَ عُقْبَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَنَزَلَ، فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: جُنْدُبُ وَمَا جُنْدُبُ وَالْأَقْطَعُ الْخَبَرُ الْخَبَرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَيْنَا رَاجِزًا أَحْسَنَ رَجَزًا مِنْكَ اللَّيْلَةِ، فَمَا جُنْدُبُ، وَالْأَقْطَعُ؟ قَالَ: أَمَّا جُنْدُبُ فَرَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي يَضْرِبُ ضَرْبَةً يُبْعَثُ بِهَا أُمَّةً وَحْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الْأَقْطَعُ فَرَجُلٌ تُقْطَعُ يَدُهُ فَتُدْخَلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ جَسَدِهِ بِبُرْهَةٍ مِنْ الدَّهْرِ» . فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْأَقْطَعَ، زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ، قُطِعَتْ يَدُهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ قَبْلَ يَوْمِ الْجَمَلِ مَعَ عَلِيٍّ - وَأَمَّا جُنْدُبُ، فَهُوَ الَّذِي قَتَلَ السَّاحِرَ. وَقَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا أَبُو عِمْرَانَ - هُوَ الْجَوْنِيُّ - أَنَّ سَاحِرًا كَانَ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَجَعَلَ يَدْخُلُ فِي بَقَرَةٍ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَرَآهُ جُنْدُبٌ، فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ فَالْتَفَعَ عَلَى سَيْفِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ السَّاحِرُ جَوْفَ الْبَقَرَةِ ضَرَبَهُمَا، قَالَ {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] فَانْدَفَعَ النَّاسُ وَتَفَرَّقُوا وَقَالُوا: حَرُورِي، فَسَجَنَهُ الْوَلِيدُ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ يُفْتَحُ لَهُ بِاللَّيْلِ فَيَذْهَبُ إلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا أَصْبَحَ رَجَعَ إلَى السِّجْنِ - قَالَ: فَيَرَوْنَ أَنَّ جُنْدُبًا صَاحِبَ الضَّرْبَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ لَهُمْ غَايَةَ التَّقَصِّي، وَأَتَيْنَا بِمَا لَمْ نَذْكُرْهُ أَيْضًا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ:

أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ عَنْهُ أَخَذُوا مَا اشْتَهَوْا مِنْهُ، وَتَرَكُوا سَائِرَهُ، وَهُوَ خَبَرٌ: نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت بَجَالَةَ كَاتِبَ جُزَيٍّ يُحَدِّثُ أَبَا الشَّعْثَاءِ، وَعَمْرَو بْنَ أَوْسٍ عَنْ صِفَةِ زَمْزَمَ فِي إمَارَةِ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجُزَيٍّ - عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ - فَأَتَى كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ، بِسَنَةٍ: اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، وَانْهَهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ، قَالَ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ، قَالَ: وَصَنَعَ طَعَامًا كَثِيرًا وَعَرَضَ السَّيْفَ، ثُمَّ دَعَا الْمَجُوسَ فَأَلْقَوْا وِقْرَ بَغْلٍ، أَوْ بَغْلَيْنِ مِنْ وَرِقِ أَخِلَّةً، كَانُوا يَأْكُلُونَ بِهَا، وَأَكَلُوا بِغَيْرِ زَمْزَمَةٍ، قَالَ: «وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةَ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ» فَهَكَذَا الْحَدِيثُ. وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ: بِأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . فَهُوَ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] . فَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَجُوسِيٍّ وَبَيْنَ حَرِيمَتِهِ، وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مَنْ لَيْسَ كِتَابِيًّا مِنْ الْعَجَمِ - فَخَالَفُوا الْقُرْآنَ، وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، حَيْثُ لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ وَقَلَّدُوهُ - بِزَعْمِهِمْ - حَيْثُ حَكَمَ فِيهِ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ قُرْآنٌ، وَلَا صَحَّتْ بِهِ سُنَّةٌ - فَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ. وَالزَّمْزَمَةُ - كَلَامٌ تَتَكَلَّمُ بِهِ الْمَجُوسُ عِنْدَ أَكْلِهِمْ، لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَا يَحِلُّ فِي دِينِهِمْ أَكْلٌ دُونَهُ - وَهُوَ كَلَامُ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ خِلْقَةً وَشِفَاهُهُمْ مُطْبَقَةٌ، لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ - وَلَهُمْ خَشَبَاتٌ صِغَارٌ يَسْتَعْمِلُونَهَا عِنْدَ ذَلِكَ - وَأَخِلَّةٌ يَأْكُلُونَ بِهَا - وَهَذَا حُمْقٌ مِنْهُمْ وَتَكَلُّفٌ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخَذَ سَاحِرًا فَدَفَنَهُ إلَى صَدْرِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ.

وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِهَذَا نَفْسَهُ مِنْ حُكْمِ عُمَرَ فِي السَّاحِرِ - وَحَتَّى لَوْ الْتَزَمُوا قَوْلَ عُمَرَ كُلَّهُ لَكَانَ إذْ صَحَّ خِلَافُ عَائِشَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهَا، وَلَا قَوْلُهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ. فَالْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ: مِنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَتَلَ سَاحِرًا؟ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّاحِرُ كَافِرًا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ - وَهَكَذَا نَقُولُ. وَأَيْضًا - فَقَدْ صَحَّ خِلَافُ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ قَيْسٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ، وَابْنِ عُمَرَ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا خَبَرَ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ حَدُّ السَّاحِرِ: ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، وَلَيْسَ فِيهِ قَتْلُهُ، وَالضَّرْبَةُ قَدْ تُخْطِئُ فَتَجْرَحُ فَقَطْ، وَقَدْ تَقْتُلُ - فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ وَأَوْجَبُوا قَتْلَهُ وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا خَبَرُ جُنْدُبَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ: أَوَّلُ ذَلِكَ - أَنَّهُ مُرْسَلٌ لَا يُدْرَى مِمَّنْ سَمِعَهُ أَبُو الْعَلَاءِ. فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْآيَةُ - فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيهَا، فَفَعَلْنَا - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - وَابْتَدَأْنَا بِأَوَّلِهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] . وَقَوْلُهُمْ " يُعَلِّمُونَ " بَدَلٌ مِنْ " كَفَرُوا ". فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ - فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، بَلْ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ هُوَ أَنَّ الْكَلَامَ تَمَّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {كَفَرُوا} [البقرة: 102] وَكَمُلَتْ الْقِصَّةُ، وَقَامَتْ بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ تَامٌّ {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102] . ثُمَّ ابْتَدَأَ تَعَالَى قِصَّةً أُخْرَى مُبْتَدَأَةً، وَهُوَ: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] فَيُعَلِّمُونَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ لَا بَدَلَ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ: أَنَّ " يُعَلِّمُونَ " بَدَلٌ مِنْ " كَفَرُوا " وَلَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَ ذَلِكَ أَصْلًا، لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمَ الشَّيَاطِينِ بَعْدَ أَيَّامِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذَلِكَ شَرِيعَةٌ لَا تَلْزَمُنَا، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّيَاطِينِ حُكْمٌ خَارِجٌ مِنْ حُكْمِنَا، وَكُلُّ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي شَرِيعَتِنَا فَلَا يَلْزَمُنَا. بَلْ قَدْ صَحَّ: أَنَّ حُكْمَ " الْجِنِّ " الْيَوْمَ فِي شَرِيعَتِنَا غَيْرُ حُكْمِنَا، كَمَا قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ الرَّوْثَ وَالْعِظَامَ طَعَامًا وَالرَّوْثُ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَحَلَالٌ لَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِذَا احْتَمَلَ ظَاهِرُ الْآيَةِ مَعْنَيَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا. وَأَيْضًا - فَإِنَّ نَصَّ قَوْلِهِمْ: إنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا بِتَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ - وَهُمْ يَزْعُمُونَ: أَنَّ الْمَلَكَيْنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ، وَلَا يَكْفُرُ الْمَلَكَانِ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِاخْتِلَافِ حُكْمِ تَعْلِيمِ السِّحْرِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ كُفْرًا، وَلَا يَكُونُ كُفْرًا بِذَلِكَ، فَإِذْ قَدْ قَالُوا ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ: أَنَّ حُكْمَ السَّاحِرِ مِنْ النَّاسِ الْكُفْرُ قِيَاسًا عَلَى الشَّيَاطِينِ، دُونَ أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا قِيَاسًا عَلَى الْمَلَكَيْنِ؟ فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.؟ فَصَحَّ - أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي تَكْفِيرِ السَّاحِرِ مِنْ النَّاسِ: بِأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَكْفُرُونَ بِتَعْلِيمِهِ - هَذَا لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ كُفْرَ الشَّيَاطِينِ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِتَعْلِيمِهِمْ النَّاسَ السِّحْرَ خَاصَّةً - وَهَذَا لَا يَصِحُّ لَهُمْ أَبَدًا. بَلْ قَدْ كَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَانَ تَعْلِيمُهُمْ النَّاسَ السِّحْرَ ضَلَالًا زَائِدًا، وَمَعْصِيَةً حَادِثَةً أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، إلَّا بِالدَّعْوَى الْعَارِيَّةِ مِنْ الْبُرْهَانِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ صِرْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] فَوَجَدْنَاهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِي هَذَا الْكَلَامِ النَّهْيُ عَنْ الْكُفْرِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَقُولَا: فَلَا تَكْفُرْ بِتَعَلُّمِك السِّحْرِ، وَلَا بِعِلْمِك السِّحْرَ، هَذَا مَا لَا يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ أَصْلًا. وَهَكَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ

بَعْضٍ» إنَّمَا هُوَ نَهْيٌ أَنْ يَكْفُرُوا ابْتِدَاءً، وَعَنْ أَنْ يَرْتَدُّوا فَقَطْ، لَا أَنَّهُمْ بِقَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا يَكُونُونَ كُفَّارًا، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكُلُّ مَنْ أُقْحِمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ الْقَائِلِينَ: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَنَّ مُرَادَهُمَا لَا تَكْفُرْ بِتَعَلُّمِك مَا نُعَلِّمُك فَقَدْ كَذَبَ، وَزَادَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلًا. ثُمَّ صِرْنَا إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] فَوَجَدْنَا هَذَا أَبْعَدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ شُبْهَةٌ يُمَوِّهُونَ بِهَا مِنْ كُلِّ مَا سَلَفَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجِهَا لَا يَكُونُ كَافِرًا بِذَلِكَ؟ بَلْ قَدْ وَجَدْنَا الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ وَالْعِنَانَةِ، وَعَدَمِ النَّفَقَةِ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إبَاحَةُ الْحَنَفِيِّينَ لِمَنْ طَالَتْ يَدُهُ مِنْ الْفُسَّاقِ، وَلِمَنْ قَصُرَتْ يَدُهُ مِنْهُمْ أَنْ يَأْتِيَ إلَى مَنْ عَشِقَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلَ السَّوْطَ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى يَنْطِقَ بِطَلَاقِهَا مُكْرَهٌ، فَإِذَا اعْتَدَّتْ أَكْرَهَهَا الْفَاسِقُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بِالسِّيَاطِ أَيْضًا، حَتَّى تَنْطِقَ بِالرِّضَا مُكْرَهَةً، فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا طَيِّبًا، وَزَوَاجًا مُبَارَكًا، وَوَطْئًا حَلَالًا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَتَاللَّهِ، مَا فِي شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أَعْظَمُ إثْمًا، وَلَا أَشْنَعُ حَرَامًا وَأَبْعَدُ مِنْ رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا أَدْنَى، مِنْ رَأْيِ إبْلِيسَ، وَمِنْ

الشَّيَاطِينِ، مِنْ هَذَا التَّفْرِيقِ الَّذِي أَمْضَوْهُ، وَأَجَازُوهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ مِنْ مِثْلِ هَذَا وَشِبْهِهِ. وَقَدْ نَجِدُ النَّمَّامَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا السَّاحِرَ بِذَلِكَ؟ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا النَّصِّ جُمْلَةً. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: 102] إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا ضَرَّ الْمَرْءُ يَكُونُ بِهِ كَافِرًا، بَلْ يَكُونُ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى، لَا كَافِرًا وَلَا حَلَالَ الدَّمِ. ثُمَّ صِرْنَا إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} [البقرة: 102] إلَى قَوْله تَعَالَى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] فَوَجَدْنَاهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي تَكْفِيرِ السَّاحِرِ، وَلَا فِي إبَاحَةِ دَمِهِ أَصْلًا، لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ قَدْ تَكُونُ فِي مُسْلِمٍ بِإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ نا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخَرِ؟» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ لَيْسَ كُفْرًا، وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ لَابِسِهِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَنَظَرْنَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا مِنْ السُّنَنِ الصِّحَاحِ، وَلَا فِي السُّنَنِ الْوَاهِيَةِ، وَلَا فِي إجْمَاعٍ، وَلَا فِي قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا فِي قِيَاسٍ، وَلَا نَظَرٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ يَصِحُّ، بَلْ كُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُبْطِلَةٌ لِقَوْلِهِمْ. فَلَمَّا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ رَأَى أَنْ يَقْتُلَ السَّاحِرَ جُمْلَةً، وَقَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ بِالْجُمْلَةِ: وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . وَقَالَ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إلَى قَوْلِهِ: {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]

وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] . قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] الْآيَةُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَدَمُهُ حَرَامٌ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقِّنٍ - فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ فِي السِّحْرِ نَصًّا ثَابِتًا بِتِبْيَانٍ مَا هُوَ؟ فَوَجَدْنَا - مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» . فَكَانَ هَذَا بَيَانًا جَلَّيَا بِأَنَّ السِّحْرَ لَيْسَ مِنْ الشِّرْكِ، وَلَكِنَّهُ مَعْصِيَةٌ مُوبِقَةٌ كَقَتْلِ النَّفْسِ وَشَبَهِهَا، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَصَحَّ أَنَّ السِّحْرَ لَيْسَ كُفْرًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرًا فَلَا يَحِلُّ قَتْلُ فَاعِلِهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، وَزِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ، وَنَفْسٌ بِنَفْسٍ» . فَالسَّاحِرُ لَيْسَ كَافِرًا كَمَا بَيَّنَّا، وَلَا قَاتِلًا، وَلَا زَانِيًا مُحْصَنًا، وَلَا جَاءَ فِي قَتْلِهِ نَصٌّ صَحِيحٌ فَيُضَافُ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثِ، كَمَا جَاءَ فِي الْمُحَارِبِ، وَالْمَحْدُودِ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَصَحَّ تَحْرِيمُ دَمِهِ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَوَجَدْنَا أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ

يَقُولُ: إنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ «فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ - أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتِهِ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفُ الْيَهُودِ، وَكَانَ مُنَافِقًا - قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، قَالَ: فَأَتَى الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، قَالَ: فَهَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي رَأَيْتُهَا، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ، فَقُلْتُ: أَفَلَا تَنَشَّرْتَ؟ قَالَ: أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ عَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَحَرَهُ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: أَنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا - وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الْكَافِرَ إذَا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ إذَا عُرِفَ وَجَبَ قَتْلُهُ؟ قُلْنَا: إنَّنَا كَذَلِكَ نَقُولُ، لِأَنَّ الْبُرْهَانَ قَامَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ - إذَا أَضَرَّ بِمُسْلِمٍ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَإِنَّمَا حُرِّمَتْ دِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْتِزَامِ الصَّغَارِ، فَإِذَا فَارَقُوا الصَّغَارَ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ، وَسَقَطَ تَحْرِيمُ دِمَائِهِمْ، وَعَادَتْ حَلَالًا كَمَا كَانَتْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ دِمَاءَهُمْ أَبَدًا إلَّا بِالصَّغَارِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الصِّغَارُ فَدِمَاؤُهُمْ لَمْ تَحْرُمْ، وَهُمْ إذَا أَضَرُّوا بِمُسْلِمٍ فَلَمْ يَصْغُرْ وَهُمْ وَقَدْ أَصْغَرُوهُ، فَدِمَاؤُهُمْ حَلَالٌ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ - فَإِذَا عُرِفَ أَنَّهُ كَافِرٌ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَافْتَلُوهُ» فَهَذَا الْمُنَافِقُ أَوْ الْيَهُودِيُّ، نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ لَا مِرْيَةَ فِيهِ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، وَلَا بِقَتْلِ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ الصَّغَارَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

مسألة مقدار التعزير

بُرْهَانُ ذَلِكَ - لَا يَشُكُّ أَنَّهُ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَعَمَّدُ عِصْيَانَ رَبِّهِ، فَلَوْ أَمَرَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِقَتْلِهِمْ لَأَنْفَذَ ذَلِكَ، فَإِذْ لَمْ يَقْتُلْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَبِيَقِينٍ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ بِقَتْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ مَعَ الصَّغَارِ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ. فَإِنْ قَالُوا: قُولُوا كَذَلِكَ فِي السَّاحِرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَكَذَا نَقُولُ، وَهُوَ أَنَّ السَّاحِرَ بِهَذَا الْخَبَرِ حَرَامُ الدَّمِ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِ، فَكَيْفَ بِسَيِّدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ. ثُمَّ صَحَّ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْرِيمِ دِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ مَعَ الصَّغَارِ، وَإِبَاحَتِهَا بِعَدَمِ ذَلِكَ - وَصَحَّ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَصِرْنَا إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ أَمْرٌ صَحِيحٌ بِقَتْلِ السَّاحِرِ، فَبَقِيَ عَلَى تَحْرِيمِ الدَّمِ - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة مِقْدَار التَّعْزِير] . 3209 - مَسْأَلَةٌ: التَّعْزِيرُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مِقْدَارِ التَّعْزِيرِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ مَحْدُودٌ، وَجَائِزٌ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْإِمَامُ مَا رَآهُ، وَأَنْ يُجَاوِزَ بِهِ الْحُدُودَ - بَالِغًا مَا بَلَغَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَأَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: التَّعْزِيرُ مِائَةُ جَلْدَةٍ فَأَقَلَّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ مِائَةُ جَلْدَةٍ إلَّا جَلْدَةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا فَأَقَلَّ - هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا فَأَقَلَّ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحَدُ أَقْوَالِ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ ثَلَاثُونَ سَوْطًا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ عِشْرُونَ سَوْطًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَتَجَاوَزُ بِالتَّعْزِيرِ تِسْعَةً - وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ عَشْرَةُ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَمِمَّا رُوِيَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ نا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ نا سَعْدُ بْنُ فَلْحُونٍ نا يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ لِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ: أُتِيَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ - وَهُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَمِنْ صَالِحِ قُضَاتِهَا - بِرَجُلٍ خَبِيثٍ مَعْرُوفٍ بِاتِّبَاعِ الصِّبْيَانِ قَدْ لَصِقَ بِغُلَامٍ فِي ازْدِحَامِ النَّاسِ حَتَّى أَفْضَى، فَبَعَثَ بِهِ هِشَامٌ إلَى مَالِكٍ، وَقَالَ: أَتَرَى أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: وَكَانَ هِشَامٌ شَدِيدًا فِي الْحُدُودِ، فَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْقَتْلُ فَلَا، وَلَكِنْ أُرِي أَنْ تَعَاقُبَهُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً، فَقَالَ: كَمْ؟ قَالَ: ذَلِكَ إلَيْك، فَأَمَرَ بِهِ هِشَامٌ فَجُلِدَ أَرْبَعُ مِائَةٍ سَوْطٍ، وَأَبْقَاهُ فِي السِّجْنِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ مَاتَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِمَالِكٍ، فَمَا اسْتَنْكَرَ، وَلَا رَأَى أَنَّهُ أَخْطَأَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ أَحْكَامَ أَبِيهِ أَيَّامَ وِلَايَتِهِ قَضَاءَ مَدِينَةِ الْقَيْرَوَانِ لِابْنِ الْأَغْلَبِ، قَالَ: شَكَا إلَى أَبِي رَجُلٌ يَأْتِي زَوْجَتَهُ أَنَّهُ غَيَّبَ عَنْهُ ابْنَتَهُ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؟ فَبَعَثَ فِي أَبِي الْجَارِيَةِ، قَالَ: أَيْنَ ابْنَتُك امْرَأَةُ هَذَا؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَتَتْنِي وَلَا أَدْرِي أَيْنَ هِيَ؟ وَلَا لَهَا عِنْدِي عِلْمٌ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَحَمَلَهُ إلَى وَسَطِ السُّوقِ، وَضُرِبَ مِائَةُ سَوْطٍ، ثُمَّ سَجَنَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَجَلَدَهُ فِي وَسَطِ السُّوقِ مِائَةَ سَوْطٍ - ثُمَّ أَنَا أَشُكُّ أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَوْ الرَّابِعَةَ أَمْ لَا؟ قَالَ: فَمَاتَ الرَّجُلُ مِنْ الضَّرْبِ فِي السِّجْنِ، ثُمَّ وَجَدَ ابْنَتَهُ فِي بَعْضِ الشِّعَابِ عِنْدَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي - فَكَمَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ وَأَعْتَقَ مَنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ، وَكَانَتْ لَهُ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلَّا حَمْلُهَا وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَذَهَبَ إلَى عُمَرَ فَزِعًا فَحَدَّثَهُ؟ فَقَالَ: أَنْتَ الرَّجُلُ لَا تَأْتِي بِخَيْرٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عُمَرُ

فَسَأَلَهَا، فَقَالَ: أَحَبِلْت؟ قَالَتْ: نَعَمْ، مِنْ مَرْعُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ، فَصَادَفَ ذَلِكَ عِنْدَهُ: عُثْمَانُ، وَعَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ وَكَانَ عُثْمَانُ جَالِسًا فَاضْطَجَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَقَالَ: أُشِرْ عَلَيَّ يَا عُثْمَانُ؟ قَالَ: قَدْ أَشَارَ عَلَيْك أَخَوَاك، قَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ، قَالَ عُثْمَانُ: أَرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْرِفُهُ، فَلَيْسَ الْحَدُّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَجُلِدَتْ مِائَةً ثُمَّ غَرَّبَهَا، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَتْ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: سَمِعْت مَكْحُولًا يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ بَعْدَ الْعَتَمَةِ مُلَفِّفًا فِي حَصِيرٍ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ مِائَةً. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا وَجَدَ الرَّجُلَ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، جَلَدَهُمَا مِائَةً كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمَا. وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِرَجُلٍ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي لِحَافٍ، فَضَرَبَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ سَوْطًا، فَذَهَبَ أَهْلُ الْمَرْأَةِ وَأَهْلُ الرَّجُلِ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ مَسْعُودٍ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ - فَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ رَجُلًا دُونَ الْمِائَةِ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي الْعَتَمَةِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ ثَلَاثُونَ سَوْطًا فَلِمَا رُوِّينَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَامِعٍ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَقٌّ فَكَتَبَ إلَيْهَا يَخْرُجُ عَلَيْهَا فَأَمَرَ عُمَرُ بِأَنْ يُجْلَدَ ثَلَاثِينَ جَلْدَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ عِشْرُونَ سَوْطًا - فَكَمَا رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَا كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى لَا يُجْلَدْ فِي تَعْزِيرٍ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ سَوْطًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ: - فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ التَّعْزِيرَ جُمْلَةً، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يُزَادُ فِيهِ عَشْرُ جَلَدَاتٍ، إذْ

لَمْ يَبْقَ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، إذْ سَائِرُ الْأَقْوَالِ قَدْ سَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً. فَوَجَدْنَا الْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً، كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ عَطَاءٍ هُوَ كَانَ الْأَصْلَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . لَكِنْ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا مُجْمَلًا، لَا نَدْرِي كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ كَيْفَ هُوَ؟ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ يَكُونُ بِالسَّيْفِ، وَبِالْحَجَرِ، وَيَكُونُ بِالرُّمْحِ، وَيَكُونُ بِالضَّرْبِ - وَهَذَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ: فَوَجَدْنَاهُ أَبْعَدَ الْأَقْوَالِ مِنْ الصَّوَابِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِدَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا: مَا نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - ني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» فَكَانَ هَذَا بَيَانًا جَلِيًّا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّاهُ. وَقَدْ رُوِّينَا - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِرَجُلٍ وُجِدَ تَحْتَ فِرَاشِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَقَلَبُوهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فِي مَكَان مُنَتَّنٍ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي مَكَان شَرٌّ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمُسْتَعِدٍّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا احْتَلَمَ عَلَى أُمِّي الْبَارِحَةَ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اذْهَبْ فَأَقِمْهُ فِي الشَّمْسِ وَاضْرِبْ ظِلَّهُ؟

مسألة هل يقال ذوو الهيئات عثراتهم وكيف يتجاوز عن مسيء الأنصار

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ أَتَى مُنْكَرَاتٍ جَمَّةٍ، فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَضْرِبَهُ لِكُلِّ مُنْكَرٍ مِنْهَا عَشْرُ جَلَدَاتٍ فَأَقَلَّ - بَالِغًا ذَلِكَ مَا بَلَغَ - لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي التَّعْزِيرِ جَاءَ مُجْمَلًا فِيمَنْ أَتَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَ بِالْيَدِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي الَّذِي قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ أَنَّ الْإِيلَاجَ وَالتَّكْرَارَ سَوَاءٌ - وَلَا كَالشُّرْبِ الَّذِي قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عَلَى أَنَّ الْجَرْعَةَ وَالسُّكْرَ سَوَاءٌ - وَلَا كَالسَّرِقَةِ الَّتِي قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّ سَارِقَ رُبْعِ دِينَارٍ وَسَارِقَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ - وَلَا كَالْقَذْفِ الَّذِي قَدْ صَحَّ النَّصُّ بِأَنَّ قَاذِفَ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ سَوَاءٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة هَلْ يُقَالُ ذَوُو الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتُهُمْ وَكَيْفَ يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيءِ الْأَنْصَارِ] 3210 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُقَالُ ذَوُو الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتُهُمْ؟ وَكَيْفَ يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيءِ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْبَصْرِيُّ نا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ نا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَيْدٍ - مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» . حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ مَوْلَى الْعُمَرِيِّينَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَتْ عَمْرَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ نا أَبِي نا جَدِّي نا مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَرَحَ مَوْلًى لَهُ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ - وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَةِ - فَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: سَمِعْت جَدَّتِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ - أَوْ زَلَّاتِهِمْ» وَأَنْتَ ذُو هَيْئَةٍ، وَقَدْ أَقَلْتُك.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زَيْدٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» . نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نا سُوَيْدٌ - هُوَ ابْنُ نَصْرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تُجَاوِزُوا عَنْ زَلَّةِ ذِي الْهَيْئَةِ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ يَكُونُ جَيِّدًا لَوْلَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ مُقَدَّرٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرَةَ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ - وَأَمَّا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ - فَهُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ - وَلَيْسَ هُوَ أَبَا بَكْرِ بْنَ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، ذَلِكَ عَالٍ ثِقَةٌ، وَهَذَا مُتَأَخِّرٌ - وَأَحْسَنُهَا كُلُّهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ فَهُوَ جَيِّدٌ وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ الصَّائِغُ نا شَاذَانُ - أَخُو عَبْدَانَ - نا أَبِي نا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ «مَرَّ أَبُو بَكْرٍ، وَالْعَبَّاسُ، بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يَبْكِيكُمْ؟ فَقَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنَّا، فَدَخَلَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِحَاشِيَةِ بُرْدٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ - وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:

مسألة القرشي إذا حد في زنى أو غيرة من الحدود ثلاثا هل يقتل

أُوصِيكُمْ بِالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوْا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» . وَبِهِ - إلَى الْبُخَارِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ نا ابْنُ الْمُغَلِّسِ قَالَ: سَمِعْت عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَصِّبًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الْأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ» . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ تُجْمَعُ هَذِهِ الْآثَارُ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» وَمَعَ مَا حَدَّثَكُمُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عَبْدَانُ - هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ نا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ، حَتَّى يُنْتَهَكَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ جَمِيعَهَا كُلَّهَا حَقٌّ مُمْكِنٌ ظَاهِرٌ، وَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ إسَاءَةٍ لَا تَبْلُغُ مُنْكَرًا وَجَبَ أَنْ يَتَجَاوَزَ فِيهَا عَنْ الْأَنْصَارِيِّ فِي التَّعْزِيرِ، وَلَمْ يُخَفِّفْ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدٍّ خَفِيفٍ أَيْضًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَا لَا يُخَفَّفُ عَنْ غَيْرِهِمْ، مِثْلُ أَنْ يُجْلَدَ الْأَنْصَارِيُّ فِي الْخَمْرِ بِطَرَفِ الثَّوْبِ، وَغَيْرِهِ بِالْيَدِ، أَوْ بِالْجَرِيدِ، وَالنِّعَالِ، وَيُقَالُ ذُو الْهَيْئَةِ - وَهُوَ الَّذِي لَهُ هَيْئَةُ عِلْمٍ وَشَرَفٍ - عَثْرَةٌ فِي جَفَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا أَوْ مُنْكَرًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالتَّعْزِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة الْقُرَشِيّ إذَا حَدّ فِي زَنَى أَوْ غيرة مِنْ الْحُدُود ثَلَاثًا هَلْ يقتل] 2311 - مَسْأَلَةٌ: هَلْ يُقْتَلُ الْقُرَشِيُّ فِيمَا يُوجِبُ الْقَتْلَ مِنْ رَجْمِ الْمُحْصَنِ إذَا زَنَى، وَالْقَوَدِ، وَالْحِرَابَةِ، وَالرِّدَّةِ، وَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ، بَعْدَ أَنْ حُدَّ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَمْ لَا؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ ني عَمِّي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ني شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ مُطِيعٍ - أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَكَانَ اسْمُهُ الْعَاصِ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مُطِيعًا - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ يَقُولُ «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَدًا وَلَا يُقْتَلُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ صَبْرًا» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامُ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنْي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنِيّ نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَرْصَاءَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ «لَا تُغْزَى بَعْدَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحَارِثُ هَذَا - هُوَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَوْدِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بْنِ كِنَانَةِ بْن سَجْعٍ بْنِ عَامِرٍ بْنِ لَيْثٍ بْنِ بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ مُنَافٍ بْنِ كِنَانَةٍ - لَا يُعْرَفُ لِلشَّعْبِيِّ سَمَاعٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ هَذَا قُتِلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْحِصَارِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَيْضًا سَمَاعٌ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ - فَحَصَلَ الْخَبَرَانِ مُنْقَطِعَيْنِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَغْزُوهَا أَبَدًا، وَلَا يَقْتُلُ هُوَ قُرَشِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ صَبْرًا، فَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَبُرْهَانُ صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191]

فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّنَا سَنُقَاتِلُ فِيهِ وَنَقْتُلُ وَنُقْتَلُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِم نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةِ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرْنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: نا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ، وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيَبْعَثُ إلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانَ بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَسْقَطْنَا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ كَلَامًا لِبَعْضِ رُوَاتِهِ لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَاتَتْ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْ الْحَدِيثِ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا كَلَامَ مَنْ دُونِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ صَفْوَانَ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهَا سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَيُؤَمَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ يَغْزُونَهُ حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِهِمْ بِأَوْسَطِهِمْ، وَيُنَادِي أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ، ثُمَّ يُخْسَفُ بِهِمْ فَلَا يَبْقَى إلَّا الشَّرِيدُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْهُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ نا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَامِرِيِّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَيَعُودُ بِهَذَا الْبَيْتِ قَوْمٌ لَيْسَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا عَدَدٌ وَلَا عُدَّةٌ يُبْعَثُ إلَيْهِمْ جَيْشٌ حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ» .

قَالَ يُوسُفُ: وَأَهْلُ الشَّامِ يَوْمئِذٍ يَسِيرُونَ إلَى مَكَّةَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِهَذَا الْجَيْشِ؟ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ «عَبَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنَامِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ شَيْئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ، قَالَ: الْعَجَبُ، إنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ هَذَا الْبَيْتَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ تَجْمَعُ النَّاسُ، قَالَ: نَعَمْ، فِيهِ الْمُسْتَبْصِرُ، وَالْمُجْبَرُ، وَابْنُ السَّبِيلِ، يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا، وَيُصْدَرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى حَتَّى يَبْعَثَهُمْ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» .؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ صَاحِبُ - قَدْ «أَنْذَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ مَكَّةَ تُغْزَى بَعْدَهُ» . وَأَمَّا قَتْلُ الْقُرَشِيِّ صَبْرًا: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: افْتَحْ وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تَكُونُ، قَالَ: فَذَهَبْت فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ: فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَقُلْتُ الَّذِي قَالَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَبْرًا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ نا مُسَدَّدٌ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَا جَمِيعًا: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

مسألة سب نبيا أو رسولا أو الله تعالى أو ملكا

صَعِدَ أُحُدًا فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِرِجْلِهِ: اُثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَنْذَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْكَعْبَةَ يَهْدِمُهَا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ غَزْوِهَا - بِلَا شَكٍّ - وَقَدْ صَرَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهَا تُغْزَى بَعْدَهُ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ عُثْمَانَ تُصِيبُهُ بَلْوَى كَمَا تَرَى - فَهَذَا أَنْذَرَ بِأَنَّهُ سَيُقْتَلُ، وَهُوَ قُرَشِيٌّ. وَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مُطِيعٍ، وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ بَرْصَاءَ، لَوْ صَحَّ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - لَكَانَ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَغْزُوهَا بَعْدَ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَبَدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُقْتَلُ قُرَشِيًّا صَبْرًا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَكَذَا كَانَ، فَإِذْ هَذَا مَعْنَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ - بِلَا شَكٍّ - فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقُرَشِيَّ كَغَيْرِ الْقُرَشِيِّ فِي أَنْ يُقْتَلَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ صَبْرًا، كَمَا يُقْتَلُ غَيْرُهُ، وَأَنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عَلَيْهِ، كَمَا تُقَامُ عَلَى غَيْرِ قُرَشِيٍّ، وَلَا فَرْقَ، مَعَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. [مَسْأَلَة سَبَّ نبيا أَوْ رسولا أَوْ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ مَلَكًا] 2312 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ إنْسَانًا مِنْ الصَّالِحِينَ، هَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا - إنْ كَانَ مُسْلِمًا - أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ - إنْ كَانَ ذِمِّيًّا - أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، مِمَّنْ يَقُولُ: إنَّهُ مُسْلِمٌ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ ذَلِكَ كُفْرًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ كُفْرٌ، وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ: فَأَمَّا التَّوَقُّفُ فَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ كُفْرًا - فَإِنَّنَا رُوِّينَا بِإِسْنَادٍ غَابَ عَنَّا مَكَانُهُ مِنْ رِوَايَتِنَا، إلَّا

أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا أُوتَى بِرَجُلٍ قَذَفَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالزِّنَا إلَّا جَلَدْته حَدَّيْنِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ كُفْرٌ فَأَبَاحَ دَمَهُ بِذَلِكَ - فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ نا أَبُو بَكْرٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: تَغَيَّظَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ، فَقُلْت: مَنْ هُوَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَ؟ قُلْت لَهُ: لِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، إنْ أَمَرَتْنِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: أَوَ كُنْت فَاعِلًا، قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَذَكَرْت كَلِمَةً مَعْنَاهَا لَأَذْهَبَ عِظَمُ كَلِمَتِي الَّتِي قُلْت غَضَبَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نا الْحُمَيْدِيُّ نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ نا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: مَرَرْت عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ مُتَغَيِّظٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْت: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ هَذَا الَّذِي تَغِيظُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَلِمَ تَسْأَلْ عَنْهُ؟ قُلْت لِأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ: فَوَاَللَّهِ لَأَذْهَبَ غَضَبَهُ مَا قُلْت، ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا نَصْرٍ - هُوَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ - يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: أَتَيْت عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَقَدْ أَغْلَظَ لِرَجُلٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْت: أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد نا عَفَّانُ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فَغَضِبَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ جِدًّا، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ قُلْت: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَلَمَّا ذَكَرْت الْقَتْلَ أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَجْمَعَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّحْوِ، قَالَ: فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا أَرْسَلَ إلَيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ مَا قُلْت؟ قَالَ: وَنَسِيت الَّذِي قُلْت؟ فَقُلْت لَهُ: ذَكِّرْنِيهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا تَذْكُرُ مَا قُلْت؟ قُلْت: لَا، وَاَللَّهِ، قَالَ: رَأَيْت حِينَ رَأَيْتنِي

غَضِبْت عَلَى الرَّجُلِ، فَقُلْت: أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَا تَذْكُرُ ذَلِكَ، أَوَ كُنْت فَاعِلًا ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ، وَاَللَّهِ وَلَئِنْ أَمَرْتنِي فَعَلْت، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا هِيَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ - هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ - مَرَّةً عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَمَرَّةً عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ، وَكِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ؟ قُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ، سَمِعَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَحَدَّثَ بِهِ كَذَلِكَ، وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ مِنْ الْجَلَالَةِ وَالثِّقَةِ بِحَيْثُ لَا يَغْمِزُهُ بِمِثْلِ هَذَا إلَّا جَاهِلٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَاعَ فِي سَفْكِ دَمٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا نَعَمْ، وَأَرَادَ أَيْضًا مَعْنًى آخَرَ، كَمَا رُوِّينَا مُبَيَّنًا بِلَا إشْكَالٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ ثَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا السَّوَّارِ الْقَاضِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قُدَامَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قُلْت: أَلَا أَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَذَا إلَّا لِمَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَنْ شَتَمَهُ، لَكِنْ يُقْتَلُ مَنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ دَمَ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ إلَّا بِمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، إلَّا فِي الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، أَوْ زِنَا الْمُحْصَنِ، أَوْ قَوَدٍ بِنَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الْمُدَافَعَةِ عَنْ الظُّلْمَةِ، أَوْ فِي الْمُمَانَعَةِ مِنْ حَقٍّ، أَوْ فِيمَنْ حُدَّ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ شَرِبَهَا الرَّابِعَةَ فَقَطْ. وَقَدْ عَلِمْنَا - أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ، وَلَا شَرِبَ خَمْرًا، وَلَا قَصَدَ ظُلْمَ مُسْلِمٍ، وَلَا قَطَعَ طَرِيقًا - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ كَافِرٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ

أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْكُوفَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنِّي وَجَدْت رَجُلًا بِالْكُوفَةِ يَسُبُّك، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَهَمَمْت بِقَتْلِهِ، أَوْ قَطْعِ يَدَيْهِ، أَوْ قَطْعِ لِسَانِهِ، أَوْ جَلْدِهِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُرَاجِعَك فِيهِ - فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَلَامٌ عَلَيْك، أَمَّا بَعْدُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قَتَلْته لَقَتَلْتُك بِهِ، وَلَوْ قَطَعْته لَقَطَعْتُك بِهِ، وَلَوْ جَلَدْته لَأَقَدْته مِنْك، فَإِذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا، فَاخْرُجْ بِهِ إلَى الْكُنَاسَةِ فَسُبَّهُ كَاَلَّذِي سَبَّنِي، أَوْ اُعْفُ عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَسُبُّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ إلَّا رَجُلًا سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُهُمْ، إلَى أَنَّهُ بِذَلِكَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْيِيدِهِ. فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: لَا يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ «آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَقَالَ رَجُلٌ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَمْرُو بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي عَنْ الْأَعْمَشِ نا سُفْيَانُ قَالَ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا الْقَائِلُ فِي قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا عَدْلٌ فِيهَا، وَلَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ قُلْنَا: إنَّ هَذَا كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَإِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ

أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّينَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ كَافِرًا بِقَوْلِ ذَلِكَ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ النَّبِيِّ الَّذِي بِهِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمُوهُ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَمَعْنَى دُعَاءِ ذَلِكَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ: إنَّمَا هُوَ بِأَنْ يُؤْمِنُوا فَيَغْفِرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ، وَيُبَيِّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا بِهِ قَوْلُهُ " فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فَصَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ بِنُبُوَّتِهِ. فَصَحَّ أَنَّ كِلَا الْخَبَرَيْنِ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. وَأَمَّا سَبُّ اللَّهِ تَعَالَى - فَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يُخَالِفُ فِي أَنَّهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ، إلَّا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ، وَالْأَشْعَرِيَّةَ - وَهُمَا طَائِفَتَانِ لَا يُعْتَدُّ بِهِمَا - يُصَرِّحُونَ بِأَنَّ سَبَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِعْلَانَ الْكُفْرِ، لَيْسَ كُفْرًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْكُفْرَ، لَا أَنَّهُ كَافِرٌ بِيَقِينٍ بِسَبِّهِ اللَّهَ تَعَالَى - وَأَصْلُهُمْ فِي هَذَا أَصْلُ سُوءٍ خَارِجٌ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ - وَإِنْ أَعْلَنَ بِالْكُفْرِ - وَعِبَادَةُ الْأَوْثَانِ بِغَيْرِ تَقِيَّةٍ وَلَا حِكَايَةٍ، لَكِنْ مُخْتَارًا فِي ذَلِكَ الْإِسْلَامَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ - لَا كَافِرٌ وَلَا مُؤْمِنٌ - فِي أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ أَنَّهُ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ ادَّعُوا أَنَّهُ نُقِصَ مِنْهُ، وَحُرِّفَ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ جُمْلَتَهُ - كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ فِيهِ التَّسْمِيَةَ بِالْكُفْرِ، وَالْحُكْمُ بِالْكُفْرِ قَطْعًا عَلَى مَنْ نَطَقَ بِأَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] . وقَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة: 74] . فَصَحَّ أَنَّ الْكُفْرَ يَكُونُ كَلَامًا. وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكُفْرِ عَلَى إبْلِيسَ - وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ مِنْ نَارٍ وَخَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ - وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَكَرَّمَهُ عَلَيْهِ - وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى النَّظِرَةَ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: إذْ لَيْسَ شَتْمُ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرًا عِنْدَكُمْ، فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ: إنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْكُفْرِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَى قَائِلِهِ بِحُكْمِ الْكُفْرِ؟ قِيلَ لَهُمْ: نَعَمْ، مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِنَفْسِ قَوْلِهِ، لَا بِمَغِيبِ ضَمِيرِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّمَا حُكِمَ لَهُ بِالْكُفْرِ بِقَوْلِهِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ هُوَ الْكُفْرُ، وَمَنْ قَطَعَ عَلَى أَنَّهُ فِي ضَمِيرِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167] فَكَانُوا بِذَلِكَ كُفَّارًا، كَالْيَهُودِ الَّذِينَ عَرَفُوا صِحَّةَ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كُفَّارٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا بِيَقِينٍ، إذْ أَعْلَنُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْقَائِلَةُ إنَّ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَهُوَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ كَافِرٌ - سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] الْآيَةَ. وقَوْله تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] قَالَ فَقَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَسَمَ وَحَكَمَ: أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكِّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا شَجَرَ ثُمَّ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا فِي شَيْءٍ مِمَّا قَضَى بِهِ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا. قَالُوا: وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَى جَمِيعِهِمْ السَّلَامُ - أَوْ شَيْئًا مِنْ الشَّرِيعَةِ، أَوْ اسْتَخَفَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَمْ يُحَكِّمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا أَتَى بِهِ

مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِكْرَامِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ، وَتَعْظِيمِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ شَعَائِرُ اللَّهِ تَعَالَى. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ فَقَدْ كَفَرَ إذْ لَيْسَ إلَّا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ. قَالُوا: وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِإِحْبَاطِ عَمَلِ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ عَلَى صَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِحْبَاطُ الْعَمَلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكُفْرِ فَقَطْ. وَرَفْعُ الصَّوْتِ عَلَى صَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ فِيهِ: الِاسْتِخْفَافُ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالسَّبُّ لَهُ، وَالْمُعَارَضَةُ مِنْ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ. قَالُوا: وَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ بِاَللَّهِ وَبِآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ: أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ بَعْدَ إيمَانِهِمْ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَهْزَأَ بِشَيْءٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَبِرَسُولٍ مِنْ رُسُلِهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ مُرْتَدٌّ. وَقَدْ عَلِمْنَا - أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كُلَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا} [فاطر: 1] وَكَذَلِكَ عَلِمْنَا بِضَرُورَةِ الْمُشَاهَدَةِ: أَنَّ كُلَّ سَابٍّ وَشَاتِمٍ فَمُسْتَخِفٌّ بِالْمَشْتُومِ مُسْتَهْزِئٌ بِهِ، فَالِاسْتِخْفَافُ وَالِاسْتِهْزَاءُ شَيْءٌ وَاحِدٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ إبْلِيسَ بِاسْتِخْفَافِهِ بِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ إذْ قَالَ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] فَحِينَئِذٍ أَمَرَهُ تَعَالَى بِالْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَّةِ وَدَحْرِهِ، وَسَمَّاهُ كَافِرًا بِقَوْلِهِ {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34] . وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا أَبُو مُحَمَّدٍ حَبِيبٌ الْبُخَارِيُّ - هُوَ صَاحِبُ أَبِي ثَوْرٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ: " دَخَلْت عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لِي: أَتَعْرِفُ حَدِيثًا مُسْنَدًا فِيمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَيُقْتَلُ؟ قُلْت: نَعَمْ، فَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ " رَجُلٍ " مِنْ بُلْقِينَ قَالَ «كَانَ رَجُلٌ يَشْتُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يَكْفِينِي عَدُوًّا لِي؟ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَنَا فَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ هَذَا مُسْنَدًا، هُوَ عَنْ رَجُلٍ؟ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ اسْمُهُ، قَدْ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعَهُ، وَهُوَ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ؟ قَالَ: فَأَمَرَ لِي بِأَلْفِ دِينَارٍ؟»

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَهَذَا رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعْرُوفٌ اسْمُهُ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ " رَجُلٌ " مِنْ بُلْقِينَ. فَصَحَّ بِهَذَا كُفْرُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُعَادِي مُسْلِمًا قَالَ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] . فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ اسْتَهْزَأَ بِهِ، أَوْ سَبَّ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ اسْتَهْزَأَ بِهِ، أَوْ سَبَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ اسْتَهْزَأَ بِهِ، أَوْ سَبَّ آيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ اسْتَهْزَأَ بِهَا، وَالشَّرَائِعُ كُلُّهَا، وَالْقُرْآنُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، لَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَبِهَذَا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُبَيِّنُ هَذَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اُخْرُجْ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ، فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ - لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ - فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَمَجْبُوبٌ، مَالَهُ ذَكَرٌ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ مَنْ آذَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ قَتْلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ قَتْلُهُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَأْمُرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ دُونَ أَنْ يَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْأَمْرُ، لَا بِوَحْيٍ، وَلَا بِعِلْمٍ صَحِيحٍ، وَلَا بِبَيِّنَةٍ، وَلَا بِإِقْرَارٍ؟ وَكَيْفَ يَأْمُرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِهِ فِي قِصَّةٍ بِظَنٍّ قَدْ ظَهَرَ كَذِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبُطْلَانُهُ؟ وَكَيْفَ يَأْمُرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِ امْرِئٍ قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَاءَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ؟ وَكَيْفَ يَأْمُرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِهِ وَلَا يَأْمُرُ بِقَتْلِهَا، وَالْأَمْرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مُشْتَرَكٌ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ سُؤَالَاتٌ لَا يَسْأَلُهَا إلَّا كَافِرٌ أَوْ إنْسَانٌ جَاهِلٌ يُرِيدُ مَعْرِفَةَ الْمَخْرَجِ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمَذْكُورَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْوَجْهُ فِي هَذِهِ السُّؤَالَاتِ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ أَحَدٍ بِظَنٍّ بِغَيْرِ إقْرَارٍ، أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ عِلْمٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ، أَوْ وَحْيٍ، أَوْ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِهِ دُونَهَا، لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ بَرِيءٌ، وَأَنَّ الْقَوْلَ كَذِبٌ فَأَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُوقَفَ عَلَى ذَلِكَ مُشَاهَدَةً فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ، فَكَانَ هَذَا حُكْمًا صَحِيحًا فِيمَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عَلِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ لِمَا يُظْهِرُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَرَاءَتِهِ، وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْيَمَانِ - هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ - نا شُعَيْبٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - نا أَبُو الزِّنَادِ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ «أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ - فَذَكَرَ كَلَامًا - وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: وَكَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا، إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى: إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَا إلَى دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاَللَّهِ إنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إلَّا يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إلَّا الْمُدْيَةَ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ قَطُّ شَقَّ الصَّبِيِّ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ امْتِحَانَهُمَا بِذَلِكَ، وَبِالْوَحْيِ - فَعَلَ هَذَا بِلَا شَكٍّ - وَكَانَ حُكْمُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْكُبْرَى عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهَا، وَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَادَ قَطُّ إنْفَاذَ قَتْلِ ذَلِكَ " الْمَجْبُوبِ " لَكِنْ أَرَادَ امْتِحَانَ عَلِيٍّ فِي إنْفَاذِ أَمْرِهِ، وَأَرَادَ إظْهَارَ بَرَاءَةِ الْمُتَّهَمِ، وَكَذِبِ التُّهْمَةِ عِيَانًا - وَهَكَذَا لَمْ يُرِدْ اللَّهُ تَعَالَى إنْفَاذَ ذَبْحِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ أَبَاهُ بِذَبْحِهِ، لَكِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى إظْهَارَ تَنْفِيذِهِ لِأَمْرِهِ - فَهَذَا وَجْهُ الْأَخْبَارِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُقْتَلُ، وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ دُلَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ ثَنْي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ جُلِدَ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ، قِيلَ لَهُ: لِمَ يُقْتَلُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17] . قَالَ مَالِكٌ: فَمَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ، وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُ مَالِكٍ هَاهُنَا صَحِيحٌ، وَهِيَ رِدَّةٌ تَامَّةٌ، وَتَكْذِيبٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي قَطْعِهِ بِبَرَاءَتِهَا. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ سَائِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا فَرْقَ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26] فَكُلُّهُنَّ مُبَرَّآتٌ مِنْ قَوْلٍ إفْكٍ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الذِّمِّيُّ يَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ أَصْحَابَنَا، وَمَالِكًا، وَأَصْحَابَهُ، قَالُوا: يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ: أَنْ لَا يَذْكُرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَا يَنْبَغِي، أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ أَعَانَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِدَلَالَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ آوَى عَيْنًا لَهُمْ، فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَحَلَّ دَمُهُ، وَبَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ - فَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ هَذَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْتَحِلَّ دَمَهُمْ بِذَلِكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا خَطَأٌ مِمَّنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ عَنْهُ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ فِي الذِّمِّيِّ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ قَدْ حَلَّ بِذَلِكَ دَمُهُ - تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَشَرَطَ لَهُمْ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيِّينَ: أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ يُقْتَلُ، فَاسْتَدَلَّ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إذَا سَبَّهُ بِتَكْذِيبٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إنْ سَبَّ الذِّمِّيُّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَيِّ شَيْءٍ سَبَّهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ، لَكِنْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعَزَّرُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ. وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ لِضَلَالِهِمْ وَإِفْكِهِمْ بِمَا ناه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْكَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَقْتُلُهُ؟ قَالَ: لَا، إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو بُغَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: بَلَى، وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا أَبُو دَاوُد نا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَدِيٍّ نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ نا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطكِ عَلَى ذَلِكَ - أَوْ قَالَ عَلَيَّ - فَقَالُوا: أَلَا تَقْتُلُهَا؟ فَقَالَ: لَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَمِعَ قَوْلَ الْيَهُودِ لَهُ السَّامُ عَلَيْك - وَهَذَا قَوْلٌ لَوْ قَالَهُ مُسْلِمٌ لَكَانَ كَافِرًا بِذَلِكَ، - وَقَدْ سَمَّتْ الْيَهُودِيَّةُ طَعَامًا لِتَقْتُلَهُ - وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَكَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا، فَلَمْ يَقْتُلْهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -،

وَلَا قَتَلَهَا، وَحَدِيثُ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ إذْ سَحَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْتُلْهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا قَوْلُ الْيَهُودِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّامُ عَلَيْكَ» فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ السَّامَ إنَّمَا هُوَ الْمَوْتُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ " أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ: شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ؟» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ الْمَوْتُ، فَمَعْنَى السَّامُ عَلَيْك: الْمَوْتُ عَلَيْك، وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَفَاءٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] . وَقَالَ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْجَفَاءِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْكُفْرُ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَبِكُفْرِهِ يَحِلُّ دَمُهُ، وَالذِّمِّيُّ كَافِرٌ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ لِجَفَائِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ كَافِرًا بِجَفَائِهِ، بَلْ كَانَ كَافِرًا، وَهُوَ كَافِرٌ، وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ بِكُفْرِهِ، إذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، لَكِنْ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرَ الْكُفْرِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ الزُّرَقِيِّ الْيَهُودِيِّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي سَمِّ الْيَهُودِيَّةِ لِطَعَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَرْقَ، إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ الْكُفْرُ لِمَنْ فَعَلَهُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالذِّمِّيُّونَ كُفَّارٌ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمَعَهُ، وَلَيْسَ بِنَفْسِ كُفْرِهِمْ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ إذَا تَذَمَّمُوا، فَالْمُسْلِمُ يُقْتَلُ بِكُفْرِهِ إذَا أَحْدَثَ كُفْرًا بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَالذِّمِّيُّ لَا يُقْتَلُ، وَإِنْ أَحْدَثَ فِي كُلِّ حِينٍ كُفْرًا حَادِثًا غَيْرَ كُفْرِهِ بِالْأَمْسِ، إذَا كَانَ مِنْ نَوْعِ الْكُفْرِ الَّذِي تَذَمَّمَ عَلَيْهِ - فَنَظَرْنَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ بِهِ الْقَتْلُ عَلَى الذِّمِّيِّ إذَا سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ اسْتَخَفَّ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ - فَوَجَدْنَاهُ إنَّمَا هُوَ نَقْضُهُ الذِّمَّةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَذَمَّمَ، وَحَقَنَ دَمَهُ بِالْجِزْيَةِ عَلَى الصِّغَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 29] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]

وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] . فَكَانَ هَاتَانِ الْآيَتَانِ نَصًّا جَلِيًّا لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا فِي بَيَانِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُقَاتَلُونَ وَيُقْتَلُونَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَنَّهُمْ إذَا عُوهِدُوا وَتَمَّ عَهْدُهُمْ، وَطَعَنُوا فِي دِينِنَا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ، وَنَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ، وَعَادَ حُكْمُ قِتَالِهِمْ كَمَا كَانَ. وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّهُمْ إنْ أَعْلَنُوا سَبَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ شَيْءٍ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، أَوْ مُسْلِمٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ، فَقَدْ فَارَقُوا الصَّغَارَ، بَلْ قَدْ أَصْغَرُونَا، وَأَذَلُّونَا، وَطَعَنُوا فِي دِينِنَا، فَنَكَثُوا بِذَلِكَ عَهْدَهُمْ، وَنَقَضُوا ذِمَّتَهُمْ - وَإِذَا نَقَضُوا ذِمَّتَهُمْ فَقَدْ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ، وَسَبْيُهُمْ، وَأَمْوَالُهُمْ بِلَا شَكٍّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَسَمُّ الْيَهُودِيَّةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِلَا شَكٍّ وَهُوَ قَبْلَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ " بِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي قَوْلِ أُولَئِكَ الْيَهُودِ: السَّامُ عَلَيْك لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي سِحْرِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ إيَّاهُ وَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ لَا يُثَبِّتَ عَهْدَ الذِّمِّيِّ إلَّا عَلَى الصِّغَارِ، وَأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إذْ كَانَتْ الْمُهَادَنَةُ جَائِزَةً لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ " السَّامِ، وَالسِّحْرِ " هُوَ مَعْنَى حَدِيثِ سَمِّ الشَّاةِ سَوَاءً سَوَاءً، وَحَدِيثُ سَمِّ الشَّاةِ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ بِمَا فِي " سُورَةِ بَرَاءَةَ " مِنْ أَنْ لَا يُقَرُّوا إلَّا عَلَى الصِّغَارِ فَحَدِيثُ " السَّامِ، وَالسِّحْرِ " بِلَا شَكٍّ مَنْسُوخَانِ، بَلْ الْيَقِينُ قَدْ صَحَّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا مَنْسُوخٌ وَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَا بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ "؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْسَخَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا بِيَقِينٍ، ثُمَّ يَنْسَخَ النَّاسِخَ وَيُعِيدَ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ وَلَا يَصْحَبَهُ مِنْ الْبَيَانِ مَا يَرْفَعُ الشَّكَّ، وَيَرْفَعُ الظَّنَّ، وَيُبْطِلُ الْإِشْكَالَ - هَذَا أَمْرٌ قَدْ أَمِنَّاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقُولُونَ هَذَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ مَنْ سَمَّ الْيَوْمَ طَعَامًا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ وَإِنَّ مَنْ سَحَرَ مُسْلِمًا فَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ لَنَا الْيَوْمَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ فَمَا نَرَاكُمْ تَحْكُمُونَ إلَّا بِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؟ فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - أَنَّنَا لَمْ نَقُلْ إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نُسِخَ مِنْهَا إلَّا مَا

يُوجِبُهُ حُكْمُ خِطَابِهِمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَحُكْمُ سَمِّ طَعَامِهِ خَاصَّةً، وَحُكْمُ قَصْدِهِ بِالسِّحْرِ خَاصَّةً، فَهَذَا هُوَ الَّذِي نُسِخَ وَحْدَهُ فَقَطْ وَلَا مَزِيدَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَعْظِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوْقِيرُهُ، وَأَنْ لَا يُجْعَلَ دُعَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَدُعَاءِ بَعْضِنَا بَعْضًا بَاقٍ أَبَدًا - عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ " كَانَ رِدَّةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّرْهُ وَلَا عَظَّمَهُ كَمَا أُمِرَ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ فَحَبَطَ عَمَلُهُ. وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَنْ دُونَهُ: اعْدِلْ يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّكِرَةِ، وَلَا مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَالْيَهُودُ إنْ قَالُوا لَنَا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ قَالُوا: الْمَوْتُ عَلَيْكُمْ، لَقُلْنَا لَهُمْ: صَدَقْتُمْ وَلَا خَفَاءَ فِي هَذَا. وَكَذَلِكَ لَوْ خَاصَمُونَا فِي حَقٍّ يَدَّعُونَهُ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عَلَيْنَا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ نَكِرَةٌ، وَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ، وَنَقْضٌ لِلذِّمَّةِ. وَكَذَلِكَ إذَا سَحَرَنَا سَاحِرٌ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ كَادَنَا كَيْدًا لَا يُفْلِحُ مَعَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] وَلَيْسَ بِالْكَيْدِ تَنْتَقِضُ الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا بِهِ الصِّغَارَ، وَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قُصِدَ بِهِ كُفْرٌ وَنَقْضٌ لِلذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ التَّعْظِيمِ الْمُفْتَرَضِ لَهُ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ سَمُّ الطَّعَامِ لَنَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا إفْسَادُ مَالٍ مِنْ أَمْوَالِنَا إنْ كَانَ لَنَا، أَوْ كَيْدٌ مِنْ فَاعِلِهِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ لَهُ، وَلَيْسَ بِإِفْسَادِ الْمَالِ وَالْكَيْدِ تَنْتَقِضُ الذِّمَّةُ وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا مَنْ عَامَلَ بِذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، فَهُوَ كُفْرٌ وَنَقْضٌ لِلذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ التَّعْظِيمِ الْمُفْتَرَضِ لَهُ عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ جِنِّهَا وَإِنْسِهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَمْ يُسَلِّمْ لِحُكْمٍ حَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَنْ دُونَهُ فَاجْتِهَادُهُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا رِضًى بِذَلِكَ الْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ وَلَا إثْمٌ، وَلَوْ أَنَّهُمَا لَمْ يُسَلِّمَا لِحُكْمٍ حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ ذَلِكَ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِخْرَاجًا لَهُمْ عَنْ الْإِيمَانِ، وَلَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلذِّمَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الصَّغَارِ، وَطَعْنٌ فِي الدِّينِ، وَهَذَا بَيِّنٌ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.

§1/1